المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌64 - كتاب المغازي قال ابن سيده في "محكمه": غزا الشيء - التوضيح لشرح الجامع الصحيح - جـ ٢١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

‌64 - كتاب المغازي

قال ابن سيده في "محكمه": غزا الشيء غزوًا: أراده وطلبه، والغزو ما غزا وطلب، والغزو: السير إلى قتال العدو وانتهابه، غزاهم غزوًا وغزوانًا -عن سيبويه: صحت الواو فيه كراهية في الإخلال- وغزاوة، قال ابن جني: الغزاوة كالشقاوة، وأكثر ما تأتي الفعالة مصدرًا إذا كانت لغير المتعدي، وعن ثعلب: إذا قيل: غزاة فهو عمل سنة، وإذا قيل: غزوة فهي المرة الواحدة من الغزو

(1)

.

(1)

"المحكم" 4/ 26 - 27، "مجالس ثعلب" 1/ 35.

ص: 9

‌1 - باب غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ (أَوِ الْعُسَيْرَةِ)

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأَبْوَاءَ، ثُمَّ بُوَاطَ، ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ.

3949 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقِيلَ لَهُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ. قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْعُسَيْرَةُ أَوِ الْعُشَيْرُ.

فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ: الْعُشَيْرُ. [4404 - 4471 - مسلم: 1254 - فتح: 7/ 279]

ثم ساق من حديث شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: قال: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقِيلَ لَهُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ. قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ. قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْعُشَيْرَةُ. أَوِ: العُسَيْرُ. فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ: الْعُشَيْرُة.

الشرح:

من هنا شرع البخاري رحمه الله بذكر جماع مغازي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه وسراياه، ولا شك أن الله تعالى لما أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال كانت أول آية نزلت في ذلك {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} كذا رويناه من طريق سعيد بن جبير

(1)

والزهري

(2)

، وقال:"أمرت أن أقاتل الناس" الحديث

(3)

.

(1)

رواه الترمذي (3171)، والنسائي 6/ 2، وفي "الكبرى" 6/ 411 (11345) من حديث ابن عباس.

(2)

رواه النسائي في "الكبرى" 6/ 411 (11346) من حديث عائشة.

(3)

سلف برقم (25): كتاب: الإيمان، باب:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} .

ص: 10

قال أهل السير كما طرقه ابن سعد عنهم: كان عدد مغازيه التي غزا بنفسه ستة وعشرين، وكانت سراياه التي بعث فيها سبعة وأربعين سرية

(1)

.

قلت: والذي بالتأمل -إن شاء الله- المجموع فوق المائة كما سيمر بك في هذا الشرح المبارك، وكان ما قاتل فيها من المغازي تسعة: بدر القتال وأحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف، وفي رواية: أنه قاتل في بني النضير لكن الله جعلها له نفلاً خاصة، وقاتل في غزاة وادي القرى منصرفه من خيبر، وقُتل بعض أصحابه، وقاتل في الغابة، فأول مغازيه غزوة ودان على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت من صفر، وهي غزوة الأبواء، ثم رجع إلى المدينة، قاله ابن إسحاق.

وكان استعمل عليها سعد بن عبادة فيما ذكره ابن هشام. قال ابن إسحاق: فوادعته فيها بنو ضمرة، وكان الذي وادعه منهم مخشي بن عمرو الضمري، وكان سيدهم في زمانه، ثم رجع ولم يلق كيدا. ثم ذكر ابن إسحاق بعده بعث حمزة بن عبد المطلب بن عبد مناف وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف في ربيع الأول في ستين أو ثمانين راكباً من المهاجرين ليس معهم أحد من الأنصار، فسار حتى بلغ ماءً بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقي بها جمعا عظيما من قريش، فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمي به في الإسلام

(2)

.

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 5 - 6.

(2)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 223 - 224.

ص: 11

قال ابن إسحاق: وكانت راية عبيدة فيما بلغنا أول راية عقدت في الإسلام، وبعض العلماء يزعم أنه عليه السلام بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء قبل أن يصل إلى المدينة، وبعث في مقامه ذلك حمزة بن عبد المطلب بن هاشم إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكبًا، فلقي أبا جهل ولم يكن هناك قتال، قال: وبعض الناس يقول: كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن بعثه وبعث عبيدة كانا معا فشبه ذلك على الناس

(1)

.

وقال موسى بن عقبة: أول البعوث بعث حمزة، ثم بعث عبيدة، ثم سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار، في ذي القعدة، ثم غزوة الأبواء وهي غزوة ودان على رأس اثني عشر شهرًا.

قال ابن إسحاق: ثم غزا في ربيع الأول حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم غزوة العشيرة

(2)

التي ذكرها البخاري ونقلها عن ابن إسحاق.

إذا قلت كذلك، فالكلام من وجوه:

أحدها:

قوله: (فَذَكَرْتُ ذلك لِقَتَادَةَ) هو شعبة فيما نسبه.

قوله: (قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟) قال الدمياطي: الكلام: أيهن أو أيها، وفي "مسند أبي داود الطيالسي" حدثنا شعبة عن أبي

(3)

إسحاق: قلت لزيد بن أرقم: ما أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ذات العسير أو العشيرة

(4)

.

(1)

انظر: المصدر السابق 2/ 229 - 230.

(2)

انظر: المصدر السابق 2/ 234.

(3)

في الأصل: ابن، وما أثبتناه من هامش الأصل.

(4)

"مسند الطيالسي" 2/ 65 (719).

ص: 12

وفي "مسند مسلم"

(1)

و"تاريخ ابن أبي خيثمة" من رواية غندر، عن شعبة بسنده: ذات العشير أو العسير، وتابع شعبة إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد، إلا أنه لا ذكر لأولاهن، قاله عبد الله بن رجاء، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة. ذكره في آخر المغازي

(2)

.

ثانيها:

قال عياض: وقع في البخاري العُشير والعَسير، بفتح العين وكسر السين المهملة، وحذف الهاء، قال: والمعروف تصغيرها، وبالشين المعجمة، وحكي أيضاً فتح المهملة وضم السين بغير هاء

(3)

، ذكر ذلك الحاكم

(4)

، قال السهيلي: معنى العسير أو العُسير أنه اسم مصغر من العسرى والعسراء، وإذا صغر تصغير الترخيم، قلت: عسيرة، وهي بقلة أذنة، أي: عصيفة، ثم تكون سحاء، ثم يقال لها: العسرى، وأما العشيرة بالشين المعجمة فتصغير واحد العشر

(5)

، قال أبو عبيد: خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة فسلك على شعب بني دينار، ثم فيفاء الخرار ثم سلك شعب عبد الله، ثم هبط ملل فنزل بمجتمعه، ثم سلك فرش ملل حتى لقي الطريق ضمرة اليمام، ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة، قال حسان بن ثابت يذكر قومه في أبيات منها:

ولم يكن في إيمانه خلل

وبايعوه فلم ينكث به أحد منهم

مع الرسول عليها البيض والأسل

وذا العشيرة جاسوها بخيلهم

(1)

ورد فوق الكلمة: كذا.

(2)

سيأتي برقم (4472) باب: كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

"مشارق الأنوار" 1/ 276.

(4)

"المستدرك" 3/ 141.

(5)

"الروض الأنف" 3/ 27.

ص: 13

ثالثها:

كانت في جمادي الآخرة على رأس ستة عشر شهرًا من المهاجر فيما ذكره ابن سعد وحمل لواءه حمزة، وكان أبيض، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وخرج في خمسين ومائة، ويقال: في مائتين من المهاجرين على ثلاثين بعيرًا يعتقبونها، فبلغ ذا العشيرة وهي لبني مدلج بناحية ينبع، وبين ينبع والمدينة تسع برد

(1)

. وذكر في هذِه الغزوة: أتى عليًّا أبا تراب وأخبره بأشقى الناس عاقر الناقة. ووادع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة، وذكرها ابن إسحاق في جمادي الأولى قال: وأقام بها بقيته وليال من جمادي الآخرة

(2)

، وكذا قال موسى بن عقبة: إنها في جمادي الأولى، ووجد العير التي خرج إليها قد كانت قبل ذلك بأيام، وهي العير التي خرج إليها حين رجعت من الشام، فكانت بسببها وقعة بدر الكبرى.

رابعها:

قول ابن إسحاق مخالف لما ذكره عن زيد بن أرقم أنها أول غزواته، فيحتمل أن يكون زيد أشار إلى أنها أول غزوة كان فيها مناوشة وقتال، أو أول غزواته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بالنسبة إلى ما علمه. وادعى الداودي أنه قيل أنه صلى الله عليه وسلم لم يحضرها بنفسه، وهو خلاف ما قاله موسى بن عقبة، أنه غزاها مع المهاجرين خاصة، وله هو خلاف ما ذكره ابن سعد وابن إسحاق. وادعى الداودي أن عدة مغازيه وسراياه خمس وأربعون، وقد أهمل وأكثر مما ذكر كما أسلفناه،

(1)

"طبقات ابن سعد" 2/ 9 - 10.

(2)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 236.

ص: 14

قال: والى القتال بنفسه في ثمان، ذكرها الله في القرآن: بدر سنة اثنين، وأحد سنة ثلاث، والأحزاب سنة أربع، وفيها بنو قريظة، وبنو المصطلق سنة خمس، وخيبر سنة ست -ويقال: أول سنة سبع- والفتح وحنين سنة ثمان، ولعله والى القتال بنفسه في ثمان قاتل فيها، وقد سلف أنه قاتل في غير ذلك.

والأحزاب هي الخندق، وقيل: إنها سنة خمس، نعم، قال مالك: كانت سنة أربع في برد شديد، وقوله في بني المصطلق: إنها في سنة خمس، قال غيره: سنة ست.

ص: 15

‌2 - باب ذِكْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ يُقْتَلُ بِبَدْرٍ

3950 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حَدَّثَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ صَدِيقًا لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ. فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: هَذَا سَعْدٌ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا، وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصُّبَاةَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ - وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ - أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ: طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي. فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ". قَالَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِى. فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ، أَلَمْ تَرَىْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ. فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِى. فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ قَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ. فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَال: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي، فَوَاللَّهِ لأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ أُمَيَّة: يَا أُمَّ صَفْوَان، جَهِّزِينِي. فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: لَا، مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلاَّ قَرِيبًا. فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلاً إِلاَّ عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ عز وجل بِبَدْرٍ. [انظر: 3632 - فتح: 7/ 282]

ص: 16

المراد بقُتل بها لا جرم. في بعض النسخ: يقتل، وهو الوجه، وهي رواية أبي ذر.

ذكر فيه حديث سعد بن معاذ في إخباره عليه السلام أنه قاتل أمية بن خلف، ووقع ذلك في بدر، وسيأتي أن بلالا

(1)

قتله، والمشهور عند أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لأخيه أبي بن خلف بمكة قبل الهجرة، وهو الذي قتله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يوم أحد بحربته، لا ينافي خبر سعد أيضا، وفي هذِه القصة أنهم كانوا يعتمرون قبل أن يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه: ما كان عليه سعد من الجلد والقوة في الإيمان.

(1)

ورد بهامش الأصل:

ومشاركته في قتله جماعة من الأنصار.

ص: 17

‌3 - باب قِصَّةُ غَزاةِ بَدْرٍ

وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} {فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} [آل عمران: 123 - 127] وَقَالَ وَحْشِيٌّ: قَتَلَ حَمْزَةُ بن عبد المطلب طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ يَوْمَ بَدْرٍ. [انظر: 4072]، وَقَوْلُهُ:{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} الآيات [الأنفال: 7].

3951 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. [انظر: 2757 - مسلم: 2769 - فتح: 7/ 285]

ثم ساق حديث كعب بن مالك: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ.

الشرح:

غزوة بدر القتال كان خروجه إليها يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان على رأس ستة عشر شهرا، وقبلها غزوة ذات العشيرة في جمادى كما سلف، وكانت قبلها غزاة بدر الأولى، خرج في طلب كرز بن جابر حين أغار على سرح المدينة، خرج في طلبه في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا حتى بلغ واديا يقال له: سفوان من ناحية

ص: 18

بدر، وفاته كرز، وكانت بدر الموعد خلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا بعد أحد، فاعلم ذلك، وبعد بدر الأولى سرية عبد الله بن جحش في رجب، ومعه مائة من المهاجرين إلى نخلة بين مكة والطائف يترصد أخبار قريش فغنموا، وأنكر عليهم القتل، وأنزل:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} الآية، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} وهي أول غنيمة غنمها المسلمون، وقتل فيها عمرو بن الحضرمي، وهو أول من قتله المسلمون، واستؤسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وهما أول من أسر المسلمون، وفيها سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين

(1)

.

فائدة: في هذِه السنة حولت القبلة، وفرض صوم رمضان، وزكاة الفطر، وسنة الأضحية.

إذا تقرر ذلك ففي سبب تسميتها بدرا قولان:

أحدهما: ببدر بن الحارث بن مخلد بن النضر بن كنانة، وقال السهيلي: احتفرها رجل من بني غفار، ثم من بني النجار اسمه بدر بن كنانة

(2)

، قال الواقدي: ذكرت هذا لعبد الله بن جعفر، ومحمد بن صالح فأنكراه وقالا: لأي شيء سميت الصفراء؟ ولأي شيء سمي الجار؟ إنما هو اسم الموضع، قال: وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري، فقال: سمعت شيوخنا يقولون -يعني: بني غفار- هو مأوانا ومنزلنا، وما ملكه أحد قط اسمه بدر، وما هو من بلاد جهينة إنما هو من بلاد غفار. قال الواقدي: هو المعروف عندنا.

(1)

قاله ابن سعد في "الطبقات" 2/ 11.

(2)

"الروض الأنف" 3/ 43.

ص: 19

القول الثاني: سميت بدرا؛ لاستدارتها كالبدر، وقيل: لصفائها، ورؤية البدر فيها، قال البكري: هي على ثمانية وعشرين فرسخا من المدينة، ومنها إلى الجار ستة عشر ميلا، وبه عينان جاريتان عليهما الموز والنخل والعنب

(1)

.

وقال صاحب "الإكليل": بدر موضع بأرض العرب يقال لها: الأثيل بقرب ينبع والصفراء والجار والجحفة، وهو موسم من مواسم العرب ومجمع من مجامعهم في الجاهلية، وبها قليب وآبار ومياه تستعذب، وعن الزهري: كان بدر متجرا يؤتى في كل عام.

ثم الكلام على ما أورده البخاري من وجوه:

أحدها: في معاني الآثار التي ذكرها:

معنى {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} : قليلو العدد، كما ستعلمه في باب عدتهم. (منزِلين) أي: النصر.

{فَوْرِهِمْ} : وجههم أو غضبهم أو قيل السكون.

(مسومين) معلمين من السومة أو: مرسلين. قال الداودي: السومة المعلمة للقتال، قال عروة: كانت الملائكة يومئذ على خيل بلق، وعمائمهم صفر

(2)

، وقال ابن

(3)

إسحاق: عمائمهم بيض، وقال الحسن: علموا على أذناب خيلهم ونواصيهم بصوف أبيض

(4)

، وقال عكرمة: عليهم سيما القتال، وقال مجاهد: الصوف في أذناب

(1)

"معجم ما استعجم" 1/ 231.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 428.

(3)

في الأصل: (أبو) وفوقها: كذا، ومقابلها في الهامش: صوابه ابن.

(4)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 59.

ص: 20

الخيل

(1)

، وقرئ بكسر الواو؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر:"سوموا فإن الملائكة قد سومت خيلها وأنفسها".

وادعى الداودي نزول قوله: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ} إلى قوله: {خَائِبِينَ} أن ذلك كله أنزل في أحد، وهو عجيب؛ فإن أولها في بدر.

و {الشَّوْكَةِ} : (الحد) أي: السلاح، وقال ابن إسحاق: أي: الغنيمة دون الحرب

(2)

، وفي "تفسير الثعلبي": إحدى الطائفتين: أبو سفيان مع العير، والآخرى أبو جهل مع النفير.

قال الداودي: أُمدوا يوم بدر بألف من الملائكة مردفين، فقال:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} الآية، ووعدهم يوم بدر إن صبروا خمسة آلاف مسومين، فلم يصبروا فلم يمدهم بالملائكة.

والوجه الثاني: قوله: (طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ).

وصوابه كما قال الدمياطي: طعيمة بن عدي بن نوفل بن عبد مناف أخو المطعم بن عدي، وعم جبير بن مطعم، والخيار جد عبد الله بن عدي الأكبر بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، روى عن عمر وعثمان، والمقداد، وأم عبيد الله أم قلال بنت أسيد بن أبي العيص بن أسد بن عبد شمس.

وقوله: (وَقَالَ وَحْشِيٌّ: إلى آخره) أسنده البخاري بعد

(3)

.

(1)

رواه الطبري 3/ 427 - 428.

(2)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 313.

(3)

سيأتي برقم (4072) باب: قتل حمزة بن عبد المطلب.

ص: 21

الثالث:

وقعة بدر كانت في رمضان كما أسلفناه، وأن خروجه كان يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان، وهو ما قاله ابن سعد

(1)

، وقال ابن إسحاق: خرج في ليال مضت من رمضان، وقال ابن هشام: لثمان خلون منه، واستعمل على المدينة عمرو بن أم مكتوم، ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة

(2)

، قال الحاكم: ولم يتابع ابن إسحاق على ذكر أبي لبابة، وقد روينا عن الزهري وغيره أن أبا لبابة كان زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذِه الغزوة، لكن ذكره في "مستدركه" عن عروة بن الزبير أيضاً

(3)

، ونحوه ذكره ابن سعد

(4)

وابن عقبة وابن حبان

(5)

، وقد يحمل كلام الزهري وغيره على ابتداء المسير، ولما ذكر البيهقي حديث ابن مسعود: كنا يوم بدر نتعاقب ثلاثة على بعير، عليُّ وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كذا في الحديث؛ والمشهور عند أهل المغازي: مرثد بن أبي مرثد بدل أبي لبابة، فإن أبا لبابة رده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء فاستخلفه على المدينة

(6)

.

رابعها:

كانت سنة اثنتين كما سلف، إما على رأس سبعة عشر شهرًا من الهجرة، أو لسنة ونصف كما حكاه في "الإكليل" عن مالك، أو لثمان

(1)

"الطبقات" 2/ 12.

(2)

"سيرة ابن هشام" 2/ 250 - 251.

(3)

"المستدرك" 3/ 632.

(4)

"الطبقات" 2/ 12.

(5)

"صحيح ابن حبان" 11/ 35.

(6)

"دلائل النبوة" 3/ 39 - 40.

ص: 22

عشرة شهرا كما قاله موسى بن عقبة. قال ابن إسحاق: خرج إليها في ثلاثمائة رجل وخمسة نفر، كان المهاجرون منهم أربعة وسبعين وباقيهم من الأنصار، وثمانية تخلفوا لعلة ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجرهم، وهم: عثمان بن عفان فخلفه على امرأته رقية، وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بعثهما يتحسسان خبر العير، وأبو لبابة خلفه على المدينة، وعاصم بن عدي خلفه على أهل العالية، والحارث بن حاطب رد من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف؛ لشيء بلغه عنهم، والحارث بن الصمة كسر بالروحاء، وخوات بن جبير كسر أيضا فهؤلاء ثمانية، لا اختلاف فيهم عندنا.

وقال الحاكم في "إكليله": كانوا ثلاثمائة وخمسة عشر كما خرج طالوت، وهو قول الأوزاعي، وفي رواية ابن إسحاق وأربعة عشر

(1)

، وقال مالك: وثلاثة عشر، وقيل: وفي "الأوائل" للعسكري: حضر بدرًا ثلاثة وثمانون مهاجريا، وأحد وستون أوسيا، ومائة وسبعون خزرجيا، وهو مطابق لرواية ابن إسحاق، وابن عطية وفي مسلم: وتسعة عشر

(2)

، ولابن الأثير: وثمانية عشر

(3)

، وعلى قول ابن إسحاق عدد البصريين ثلاثمائة وأربعة عشر فزاد عليه خمسة عشر فالجملة تسعة وعشرون، وسيأتي عند تعدادهم أكثر من ذلك.

وكان المشركون ما بين تسعمائة وألف، معهم مائة فرس، وليس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أفراس: فرس عليه الزبير، والثاني: المقداد،

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 354.

(2)

مسلم (1763)، كتاب الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم.

(3)

"الكامل في التاريخ" 2/ 118.

ص: 23

والثالث: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وقال ابن عقبة: ويقال: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فرسان، على أحدهما مصعب بن عمير، وعلى الأخرى سعد بن خيثمة، ومرة الزبير، ومرة المقداد، وكان طالوت ملكا ليس بنبي، كان في جيشه داود، فقتل داود جالوت فخرج إليه بمقلاع وهو الحجر الرطب، ومعه ثلاث حجارات، فقال له: خرجت إلي كما تخرج إلى الكلب، قال: نعم، وأنت كلب فأصابه بتلك الأحجار كلها في جبهته فقتله الله، وكان طالوت وعد داود إذا قتل جالوت أن

يزوجه ابنته، ثم بدا له بعد أن قتله مطله بذلك على ود، فأجاب داود فتنحى، ثم أتاه ليلاً وهو نائم فأخذ شعرات من لحيته، وعاد إلى مكانه، وقال له حين أصبح: لو شئت قتلتك، وهذِه شعرات من لحيتك، فاَمنه وزوجه ابنته.

خامسها:

كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان كما سلف. قال ابن سعد: الثبت عندنا أن الالتقاء كان يوم الجمعة وحديث يوم الاثنين شاذ عن أيوب هي: إما لسبع عشرة خلت، أو ثلاث عشرة بقيت أو لاثنتي عشرة بقيت، أو لتسع عشرة خلت

(1)

، وعند الطبري من طريق الواقدي إلى عبد الله قال: كانت صبيحة لسبع عشرة من رمضان، قال الواقدي: فذكرت ذلك لمحمد بن صالح فقال: هذا أعجب الأشياء ما رأيت أن أحدا من أهل الدنيا يشك في أنها صبيحة سبع عشرة

(2)

.

(1)

"الطبقات" 2/ 21.

(2)

"تاريخ الطبري" 2/ 19 - 20.

ص: 24

‌4 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ} إلى قوله: {شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 9 - 13]

3952

- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا، لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ؛ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} [المائدة: 24] وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ. فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ. يَعْنِى قَوْلَهُ. [4609 - فتح:7/ 287]

3953 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ: "اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ". فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ. فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 45} . [القمر: 45]. [انظر: 2915 - فتح: 7/ 287]

قد سلف الكلام على هذِه الآية في الباب قبله.

ثم ساق حديث ابن مسعود رضي الله عنه: شَهِدْتُ مِنَ المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا، لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ؛ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْو يَدْعُو عَلَى المُشْرِكِينَ فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لموسى: {فَاذْهَبْ

(1)

أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] وَلَكِنَّا

(1)

التلاوة {فَاذْهَبْ} ولكن ذلك يصح لأن عددًا من الصحابة فعله وذلك مثل قول عائشة رضي الله عنها: أو لم تسمع أن الله تعالى يقول {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} والتلاوة {ومَا كَانَ

} انظر: "شرح النووي" 3/ 9.

ص: 25

نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وشِمَالِكَ ومن بَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ. فَرَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ.

وحديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ: "اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بعد اليوم". فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَد فَقَالَ: حَسْبُكَ. فَخَرَجَ وَهْو يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} .

معنى (أَشْرَقَ): أضاء، وكلامه المذكور أراد به تسكين نفوس صحابته إلى ذلك؛ إذ هي أول لقائهم العدو وكانوا يرقبون إجابة دعائه فألح في الدعاء؛ لذلك، فلما رأى الصديق سكن لذلك، وقال له: حسبك أقصر من الدعاء وبشرهم بالنصر، ولا يحل توهم أن الصديق كان أصح يقينًا من رسول الله إليك، نبه عليه الخطابي

(1)

، ووقع له يوم أحد أيضا أنه قال:"اللهم إن تشأ لا تعبد في الأرض". ذكره أبو نعيم عبيد الله بن الحسن بن أحمد الحراني من حديث أنس في "جمعه بين الصحيحين"، وفي رواية: والله لينصرنك الله، وليبيضن وجهك.

وفي رواية: بعض مناشدتك ربك فإن ربك منجز لك ما وعدك

(2)

وفي أخرى: كذاك مناشدتك ربك

(3)

.

ورواه ثابت في "دلائله " من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال قاسم بن ثابت في "الدلائل" على ما نقله السهيلي: كذلك قد يراد بهذا الإغراء والأمر بالكف عن الفعل قال ثابت: إنما قال الصديق ذلك رقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1703.

(2)

رواه ابن أبي شيبة 7/ 359 (36677).

(3)

رواه مسلم (1763).

ص: 26

من نصبه في الدعاء والتضرع حتى سقط الرداء عن منكبيه، فقال له: بعض هذا يا رسول الله، أي: لم تتعب نفسك هذا التعب والله قد وعدك بالنصر، وكان الصديق رقيق القلب شديد الإشفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نقل السهيلي عن شيخه أبي بكر أنه صلى الله عليه وسلم كان في مقام الخوف، وصاحبه في مقام الرجاء

(1)

.

قال ابن الجوزي: ولما رأى ما بأصحابه من الهم ناب عنهم في الدعاء، لعلمه بإجابة دعائه فألح لذلك، وقال غيره: لما رأى الملائكة في القتال، وكذا أصحابه. والجهاد ضربان: بالسيف وبالدعاء، ومن سنة الإمام أن يكون وراء الجيش لا يقاتل معهم، فلم يكن لتستريح نفسه من أحد الجهادين، وفي "مغازي الواقدي" أن عبد الله بن رواحة لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول، أنت أعظم وأعلم بالله من أن أشير عليك، إن الله أعظم من أن تنشد وعده فقال:"يا ابن رواحة: إنما أنشد الله وحده، إن الله لا يخلف الميعاد"

(2)

.

(1)

"الروض الأنف" 3/ 46 - 47.

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 4/ 174.

ص: 27

‌5 - باب فضل من شهد بدرًا

(1)

3954 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّهُ سَمِعَ مِقْسَمًا -مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ- يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ. [4595 - فتح: 7/ 290]

ذكر فيه حديث عبد الكريم -وهو ابن مالك الجزري الحراني- عن مقسم مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الحَارِثِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إلى بَدْرٍ.

فيه فضل ظاهر لهم، وسيأتي لهم باب آخر.

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 7/ 290: ووقع في شرح شيخنا ابن الملقن: باب فضل من شهد بدرًا، وتبع في ذلك بعض النسخ، وهو خطأ من جهة أن هذِه الترجمة ستأتي فيما بعد، فلا معنى لتكررها. اهـ.

وقال العيني في "عمدة القاري" 14/ 71: وقع في نسخة صاحب التوضيح باب فضل من شهد بدرا وهذا غير صواب؛ لأن هذِه الترجمة بعينها ستأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى. اهـ

ص: 28

‌6 - باب عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرٍ

3955 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ. [3956 - فتح:7/ 290]

3956 -

حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا عَلَى سِتِّينَ، وَالأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. [انظر:3955 - فتح: 7/ 290].

3957 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهَرَ، بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَمِائَةٍ. قَالَ الْبَرَاءُ لَا وَاللَّهِ، مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ. [3958، 3959 - فتح: 7/ 290]

3958 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَمِائَةٍ. [انظر:3957 - فتح: 7/ 290]

3959 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ، بِعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ، وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ. [انظر: 3957 - فتح: 1/ 291]

ذكر فيه أحاديث كلها عن البراء رضي الله عنه قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يوم بدر.

ثم ذكره بمثله وبدأ بالأول؛ لأنه أخذه يوم أحد، وَكَانَ المُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا على سِتِّينَ، وَالأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ.

ص: 29

ثانيها: عنه: حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ الذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهَرَ، بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَمِائَةٍ. قَالَ البَرَاءُ: لَا والله، مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلَّا مُؤْمِنٌ.

ثالثها: عنه: قال: كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ على عِدَّةِ أَصحَابِ طَالُوتَ الذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِن، بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَمِائَةٍ.

رابعها: بمثله.

الشرح:

كان البراء وابن عمر رضي الله عنه، وكذا زيد بن ثابت رضي الله عنه أبناء أربع عشرة، فردوا يومئذ وأجيزوا في أحد أبناء خمس عشرة؛ فرأى قوم لهذا أنه يستحق لهذا السن أن يأخذ جميعه إذا شهد القتال وأن يكون بالغًا، ومالك لم ينظر إلى عدة سنين في شيء من ذلك إنما نظر إلى من يطيق القتال، فيفرض له ومن أثبت في أحد الأقوال ومن لم يحتلم. قال ابن القاسم: سبع عشرة. وقال ابن وهب: خمس عشرة، وهو مذهبنا، وقال ابن حبيب: ثماني عشرة

(1)

.

ونيف بتشديد الياء، وضبطه بعضهم بسكونها قال أبو زيد: كل ما بين عقدين وقيل: النيف كالبضع من الثلاث إلى التسع، وقيل: من الواحد إلى الثلاث، والبضع ما بين الثلاثة إلى التسع، وقيل: ما بين الواحد إلى التسع، وقيل: ما دون نصف العقد، أي: ما دون الخمسة، وقيل: ما دون العشرة، وقال قتادة: أكثر من ثلاثة إلى عشرة، وقيل: ما بين ثلاث وخمس. ذكره أبو عبيد.

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 3/ 187 - 188، "المنتقى" 5/ 191.

ص: 30

ومعنى أجازوه: قطعوه وخلفوه وراءهم. وقوله: (نيفًا) هو بالألف فيهما، وذكر ابن التين بحذفها نصب أربعين ومائتين بواو مع إذا قدرت عددهم نيف؛ لأن نيف وقع بغير ألف، قيل: كان المهاجرون ثلاثة وسبعين بناءً على أن البضع ثلاثة وهو أكثر الأقوال، وقيل: أربع وسبعون، وقد سلف. وقيل: كانوا أحدًا وثمانين كذا في البخاري بعد هذا قبل مجيئهم وفي: ثلاث وثمانون وقد سلف، وقيل: كانوا مائة منهم، واختلف في عدة الجميع، وقد سلف.

ص: 31

‌7 - باب دُعَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ:

شَيْبَةَ وَعُتْبَةَ وَالْوَلِيدِ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَهَلَاكُهُمْ

3960 -

حَدَّثَنِي عمرو بن خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عمرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْكَعْبَةَ، فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ: عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى، قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ، وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا. [انظر: 240 - مسلم: 1794 - فتح: 7/ 293]

ذكر فيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الكَعْبَةَ، فَدَعَا على نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فذكرهم، فَأَشْهَدُ باللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى، قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ، وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا.

شيبة وعتبة هما ابنا ربيعة، والوليد هو ابن عتبة، كما بين ذلك في الحديث، وأقسم على رؤيتهم كذلك تحقيقًا لإجابته، ولا شك في ذلك ولا مرية.

ص: 32

‌8 - باب قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ

أي: وغيره كما ستعلمه.

3961 -

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ وَبِهِ رَمَقٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟!

3962 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أبو جهل؟ " فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ قَالَ: أأَنْتَ أبو جهل؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ. قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟ - أَوْ: رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ - قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ: أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ [3963، 4020 - مسلم: 1800 - فتح: 7/ 293]

3963 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ: "مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ أبو جهل؟ ". فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟! أَوْ قَالَ: قَتَلْتُمُوهُ؟!.

حَدَّثَنِي ابن الُمثَنَّى، أَخْبَرَنَا معَاذُ بْن مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا سلَيْمَان، أَخْبَرَنَا أَنَس بْنُ مَالِكٍ

نَحْوَهُ. [انظر: 3962 - مسلم: 1800 - فتح: 7/ 293]

3964 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَتَبْتُ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ فِي بَدْرٍ. يَعْنِى: حَدِيثَ ابْنَىْ عَفْرَاءَ. [انظر:3141 - مسلم:1752 - فتح: 7/ 294]

3965 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:

ص: 33

مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَىِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19] قَالَ: هُمُ الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ، حَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَعُبَيْدَةُ -أَوْ أَبُو عُبَيْدَةَ- بْنُ الْحَارِثِ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. [3967، 4744 - فتح:7/ 296]

3966 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: نَزَلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19] فِي سِتَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ: عَلِيٍّ، وَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ. [3968، 3969، 4743 - مسلم: 3033 - فتح: 7/ 296]

3967 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ - كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ وَهْوَ مَوْلًى لِبَنِي سَدُوسَ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19]. [انظر:3965 - فتح: 7/ 297]

3968 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه يُقْسِمُ: لَنَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الآيَاتُ فِي هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ. نَحْوَهُ. [انظر: 3966 - مسلم: 3033 - فتح: 7/ 297]

3969 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا: إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19] نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةَ، وَعَلِيٍّ، وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةَ، وَشَيْبَةَ ابْنَي رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ. [انظر:3966 - مسلم: 3033 - فتح: 7/ 297]

3970 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ - وَأَنَا أَسْمَعُ - قَالَ: أَشَهِدَ عَلِيٌّ بَدْرًا؟ قَالَ: بَارَزَ وَظَاهَرَ. [فتح: 7/ 297]

3971 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ

ص: 34

صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَاتَبْتُ أُمَيَّهَ بْنَ خَلَفٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، فَذَكَرَ قَتْلَهُ وَقَتْلَ ابنهِ، فَقَالَ بِلَالٌ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أميَّةُ. [انظر: 2301 - فتح: 7/ 298]

3972 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَرَأَ {وَالنَّجْمِ} [النجم:1] فسَجَدَ بِهَا، وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ، غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ: يَكْفِينِى هَذَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا. [انظر: 1067 - مسلم: 576 - فتح: 7/ 299]

3973 -

أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ فِي الزُّبَيْرِ ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ، إِحْدَاهُنَّ فِي عَاتِقِهِ. قَالَ: إِنْ كُنْتُ لأُدْخِلُ أَصَابِعِى فِيهَا. قَالَ: ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَوَاحِدَةً يَوْمَ الْيَرْمُوكِ. قَالَ عُرْوَةُ: وَقَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ حِينَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: يَا عُرْوَةُ، هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ الزُّبَيْرِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ فَمَا فِيهِ؟ قُلْتُ: فِيهِ فَلَّةٌ فُلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ: صَدَقْتَ، بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ. ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى عُرْوَةَ. قَالَ هِشَامٌ: فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ. [انظر:3721 - فتح: 7/ 299]

3974 -

حَدَّثَنَا فَرْوَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ سَيْفُ عُرْوَةَ مُحَلَّى بِفِضَّةٍ. [فتح: 7/ 299]

3975 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: أَلَا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ. فَقَالُوا: لَا نَفْعَلُ. فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ، فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلاً، فَأَخَذُوا بِلِجَامِهِ، فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ عُرْوَةُ: كُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِى فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ. قَالَ عُرْوَةُ: وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهْوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَكَّلَ بِهِ رَجُلاً. [انظر: 3721 - فتح: 7/ 299]

ص: 35

3976 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلاَّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ:"يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ ". قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ". قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا. [انظر: 3065 - مسلم: 2875 - فتح: 7/ 300]

3977 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم:28] قَالَ: هُمْ وَاللَّهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ. قَالَ عَمْرٌو: هُمْ قُرَيْشٌ: وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم نِعْمَةُ اللَّهِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] قَالَ: النَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ. [4700 - فتح: 7/ 301]

3978 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ". فَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآنَ". [انظر: 1371 - مسلم: 932 - فتح: 7/ 301]

3979 -

قَالَتْ: وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ:"إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ". إِنَّمَا قَالَ: "إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ". ثُمَّ قَرَأَتْ {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}

ص: 36

[النمل: 80]{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] تَقُولُ حِينَ تَبَوَّءُوا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ.

3980، 3981 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ: "هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ثُمَّ قَالَ إِنَّهُمُ الآنَ يَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ".

فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِى كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ هُوَ الْحَقُّ". ثُمَّ قَرَأَتْ: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80]. حَتَّى قَرَأَتِ الآيَةَ. [انظر:1370 - مسلم: 932 - فتح: 7/ 301]

ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ وَبِهِ رَمَقٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ أبو جهل: هَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟!

ثانيها:

حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أبو جهل؟ ". فَانْطَلَقَ ابن مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابنا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ فقَالَ: أَنْتَ أبا جهل؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ. قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ - أَوْ: رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟

وأخرجه مسلم أيضًا

(1)

.

ثالثها:

وعَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ في بَدْرٍ. يَعْنِي: حَدِيثَ ابنيْ عَفْرَاءَ.

(1)

مسلم (1800) كتاب: الجهاد والسير، باب: قتل أبي جهل.

ص: 37

وقد سلف كل ذلك في باب من لم يخمس الأسلاب واضحا، فراجعه.

ومعنى (بَرَدَ): سقط ولم يبق إلا خروج نفسه، وقال ابن فارس: برد: مات، ولعله أراد أنه في حكم الميت، ودليله قوله وهل فوق رجل قتلتموه، قال ابن فارس: ويقال للسيوف: البوارد، أي: القواتل عند قوم، وقال آخرون: مس الحديد بارد

(1)

.

وقوله: (أأَنْتَ أبا جهل؟) يجوز على قول بعيد مثله قوله:

قد بلغا في المجد غايتاها

إن أباها وأبا أباها

وقال الداودي: يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يقول له ذلك ويستحل اللحن ليغيظ أبا جهل كالمصغر له. الثاني: بإطناب أعني، وفيهما نظر كما أبداه ابن التين معللا بأنه إنما يصح إذا كثرت فيه النعوت، ويغيظه في مثل هذِه بالحال، فاللحن فيه بعد.

ومعنى: أعمد إلى آخره: فوق رجل قتله قومه، كذا فسره أبو عبيد في "غريبه"، قال السهيلي: وفسره ابن هشام بقوله: ليس عليه عار وهو بمعناه، وقال: هو عندي من قولهم: عمد البعير يعمد: إذا (تفضح نابه)

(2)

فهلك، أي: أهلك من رجل قتله قومه

(3)

.

قلت: كله في "غريب أبي عبيد"

(4)

وهذا لفظه: قوله: أعمد: هل

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 124.

(2)

كذا بالأصل وفي. "الروض الأنف": (تفسح سنامه).

(3)

"الروض الأنف" 3/ 49. وانظر "النهاية في غريب الحديث" 2/ 296 - 297.

(4)

"غريب الحديث" 2/ 192 - 193.

ص: 38

زاد على سيد قتله قومه، وفي نسخة جيدة أي: هل كان ذلك إلا هذا، تقول: إن هذا ليس بعار علي، وكان أبو عبيدة يحكي عن العرب: أعمد من كيل محق، أي: هل زاد على هذا

(1)

، وقال الداودي: قاله تكبرا وعتوا واحتقارا لغيره، قال: وهو من الأضداد؛ لقوله: {لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} وفي رواية: فلو غير أكار قتلني -يريد الأنصار؛ لأنهم أصحاب نخل وزرع- وفي رواية أبي الحسن: هل أعذرتك أعمد، أي: أنه معذور، وقال الأزهري في "تهذيبه": عن شمر أنه استفهام، أي:(أعجز)

(2)

من رجل قتله قومه

(3)

، وفي رواية: أن أبا جهل قال لابن مسعود: لمن الدائرة؟ قال: لله ولرسوله، وأن ابن مسعود جعل رجله على جبينه، فقال أبو جهل: يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقا صعبا

(4)

، وذكر عياض أن ابن مسعود إنما وضع رجله على عنق أبي جهل لتصدق رؤياه، أي: فإنه رأى ذلك مناما.

وقوله: (قَدْ ضَرَبَهُ ابنا عَفْرَاءَ)، قد سلف الكلام فيهما في الباب المذكور، ولم يجرد قرشي يوم بدر غيره، جرده أبو سهل كما أسلفناه هناك، وروى الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم سأل عكرمة بن أبي جهل من قتل أباك؟ قال الذي قطعت يده

(5)

، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه لمعاذ بن عمرو بن الجموح فهو عند آله، وقد أسلفناه هناك أنه قتله ابن مسعود.

وعن ابن إسحاق: لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم البشير بقتل أبي جهل استحلفه

(1)

"تهذيب اللغة" 3/ 2562.

(2)

كذا بالأصل وفي "تهذيب اللغة": (أعجب).

(3)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 277.

(4)

قاله ابن الأثير في "النهاية" 13/ 296 - 297.

(5)

"مغازي الواقدي" ص 88.

ص: 39

ثلاثة أيمان باللهِ الذي لا إله إلا هو لقد رأيته قتيلا، فحلف له فخر صلى الله عليه وسلم ساجدًا

(1)

، وعن عروة قال: التمس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل فلم يجده حتى عرف ذلك في وجهه، وقال:"اللهم لا يعجزن فرعون هذِه الأمة" فسعى له الرجال حتى وجده ابن مسعود

(2)

.

الحديث الرابع:

حديث أبي مجلز -واسمه لاحق بن حميد السدوسي البصري- عن قيس بن عباد -بضم العين وتخفيف الموحدة- عن علي أنه قال: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ القِيَامةِ. وقًالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19] قال: قَالَ: هُمُ الذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةُ بن عبد المطلب، وَعَلِيٌّ، وَعُبَيْدَةُ بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ.

وعن قيس: قَالَ عَلِيٌّ: فِينَا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}

الخامس:

عن أبي هاشم -وهو يحيى بن عباد الرماني؛ لنزوله قصر الرمان الواسطي- عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: نَزَلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} فِي سِتَّةٍ مِنْ قرَيْشٍ. فذكرهم كما سلف.

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 276 - 277.

(2)

لم أقف عليه.

ورواه بلفظ: "هذا فرعون هذِه الأمة" النسائي في الكبرى" 3/ 488 (6004)، أحمد 1/ 444، والطبراني 9/ 84 من حديث ابن مسعود.

ص: 40

وبه: عن قيس: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ: لَنَزَلَتْ هؤلاء الآيَاتُ فِي هؤلاء الرَّهْطِ يَوْمَ بَدْرٍ. نَحْوَهُ.

وبه: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا: إِنَّ هذِه الَايَةَ نَزَلَتْ في الذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ.

وحديث أبي ذر هذا ذكره البخاري في التفسير في سورة الحج كما ستعلمه

(1)

، وقال مجاهد: سألت ابن عباس فقال: سورة الحج نزلت بمكة سوى ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة في ستة نفر من قريش: ثلاثة مؤمنون، وثلاثة كافرون، فالمؤمنون: علي وحمزة وعبيدة، وذكره الباقي مثل ما في الكتاب فنزل فيهم:{هَذَانِ خَصْمَانِ} إلى تمام ثلاث آيات.

الحديث السادس:

ذكر فيه حديث أَبِي إِسْحَاقَ: سَأَلَ رَجُلٌ البَرَاءَ رضي الله عنه -وَأَنَا أَسْمَعُ- أَشَهِدَ عَلِيٌّ بَدْرًا؟ قَالَ: بَارَزَ وَظَاهَرَ.

هو من أفراده.

الحديث السابع:

حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، فَذَكَرَ قَتْلَهُ وَقَتْلَ ابنهِ، فَقَالَ بِلَالٌ: لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ.

وقد سلف الإشارة إليه في باب من قتل ببدر.

الحديث الثامن: حديث عبد الله في السجود في {وَالنَّجْمِ} وقد سلف.

(1)

سيأتي برقم (4743).

ص: 41

الحديث التاسع:

حديث عُرْوَةَ: كَانَ في الزُّبَيْرِ ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ، إِحْدَاهُنَّ في عَاتِقِهِ. قَالَ: إِنْ كُنْتُ لأُدْخِلُ أَصَابِعِي فِيهَا. ألعب وأنا صغير قَالَ: ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَوَاحِدَةً يَوْمَ اليَرْمُوكِ.

وفيه: أن [في]

(1)

سيفه فَلَّة فُلَّها يوم بدر، وأنشد عبد الملك بن مروان:

بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتَائِبِ

قَالَ هِشَام: فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ.

وعنه: كَانَ سَيْفُه مُحَلًّى بِفِضَّةٍ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَذا سَيْفُ عُرْوَةَ.

وعنه: في شدة يوم اليرموك: حَتَّى شقَّ صُفُوفَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلاً، فَأَخَذُوا بِلِجَامِهِ، فَضَرَبُوهُ ضرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضرْبَة ضرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ عُرْوَةُ: كُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي في تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغير. قَالَ: وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ، وهو ابن عَشْرِ سِنِينَ، فَحَمَلَهُ على فَرَسٍ وَكَّلَ بِهِ رَجُلاً.

فيه: ذكر المرء لمناقب والده.

واليرموك، بسكون الراء. وتعداد الضربات اختلف في موضعها ومكانها هل إحداهن في عاتقه، أو كلهن، أو ثنتين يوم بدر والأخرى يوم اليرموك، أو عكسه. وأول البيت المذكور:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

وقراع الكتائب هو أن تضرب بعض الجيوش بعضا.

(1)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 42

وقوله: (فأقمناه)، يقال: قومت الشيء تقويمًا: وهو ما يقوم من ثمنه مقامه، وأهل مكة يقولون: استقمت المتاع، أي: قومته

وفيه: المنافسة في سيف الشجاع، وأن الفَلَّ لا يعيب السيف الجيد بل يبين فضله، وضبط الدمياطي فلها بضم الفاء خطأً.

وفيه: تحليته بالفضة، وفيه: تعليم الطفل القتال بحضور والده معه.

الحديث العاشر:

حديث قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ -وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمير بن مالك بن النجار ابن عم حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام- أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا في طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ .. الحديث.

والطوى: البئر المطوية، وزاد الخطابي: وضربت بالحجارة لئلا تنهار، والركي: النهر قبل أن تطوى، والأطواء جمع طوى

(1)

.

والصناديد: العظماء، والخبيث: ضد الطيب، وأخبث الرجل إذا كان أصحابه خبثاء، فكأنه استعار للطوى ذلك لما دخلوا فيه فهو خبيث في نفسه مخبث بهم. والعرصة: بسكون الراء كل جوبة منفتقة لا بناء فيها.

و (الْقَلِيبِ): مثل الركي، وقيل: البئر العادية.

وقوله: (الما ناداهم على شَفَةِ الرَّكِيِّ).

فَقَالَ عُمَرُ: مَا تكَلَّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لا رْوَحَ فيها!. قال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ". قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللهُ حَتَّى

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1707.

ص: 43

أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَة، قال الخطابي: هذا أحسن من ادعاء عائشة على ابن عمر الغلط -كما يأتي بعد، قال:- ويؤيد ما رواه ابن عمر حديث أبي طلحة

(1)

، هذا وأجاب بعضهم بأنه جائز أن يسمعوا في وقت ما أو حال ما، فلا تنافي، وقد قال:"إنه ليسمع قرع نعالهم" وسؤال الملكين له في قبره، وقوله لهما وغير ذلك مما لا ينكر

(2)

، وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً:"ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يصحبه في الدنيا فيسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه السلام". ذكره أبو عمر في "تمهيده"

(3)

، وقال الإسماعيلي: إن كانت عائشة قالت ما قالته رواية، فرواية ابن عمر: إنهم يسمعون وعلمهم لا يمنع من سماعهم، وأما تلاوتها فهو لا تسمعهم ولكن الله، والاسماع ليس الصوت من السمع أو وقوع الصوت في أذن السامع، وإنما المراد الاستجابة، فعليه التبليغ والدعاء وعليهم الإجابة، ولا يقع ذلك إلا بالتوفيق.

قال السهيلي: وعائشة لم تحضر، وغيرها ممن حضر أحفظ للفظه، وقد قالوا له: أتخاطب قومًا قد جيفوا؟ فقال: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لما أَقُولُ مِنْهُمْ" وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالمين، جاز أن يكونوا سامعين: إما بآذان رءوسهم إذا قلنا: إن الأرواح تعاد إلى الأجساد عند المساءلة وهو قول الأكثر من أهل السنة، وإما بآذان القلب أو الروح على مذهب من يقول بتوجه السؤال إلى الروح من غير

(1)

المصدر السابق 3/ 1708.

(2)

سلف برقم (1338) كتاب الجنائز، باب: الميت يسمع خفق النعال، ورواه مسلم (2870) كتاب: الجنة ونعيمها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار.

(3)

رواه في "الاستذكار" 2/ 165 (1858).

ص: 44

رجوع منه إلى الجسد أو إلى بعضه. فإن قلت: فما معنى إلقائهم في القليب؟ قلت: لأن من سنته في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بدفنه ولا يسأل عنه كما أخرجه الدارقطني

(1)

، فإلقاؤهم من هذا الباب، غير أنه كره أن يشق على أصحابه كثرة الجيف، فكان جرهم إلى القليب أيسر عليهم، ووافق أن البئر حفره رجل من بني النجار

(2)

كما سيأتي، فكان مناسبًا لهم.

الحديث الحادي عشر:

حديث عمرو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] قَالَ: هُمْ والله كُفَّارُ قُرَيْشٍ. قَالَ عَمْرٌو: هُمْ قُرَيْشٌ، وَمُحَمَّدٌ نِعْمَةُ اللهِ، {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] قَالَ: النَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ.

قلت: وروي عن ابن عباس أيضًا: أنهم قادة المشركين يوم بدر

(3)

، والبوار لغة: الهلاك، وقيل في التبديل: جعلوا شكر نعمته (

) أن عبدوا غيره.

الحديث التاني عشر:

حديث هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ لما ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ، أَنَّ ابن عُمَرَ رَفَعَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ" .. الحديث سلف قريبًا الإشارة إليه.

(1)

"سنن الدارقطني" 4/ 116.

(2)

ذكر في الأصل: النار، والصواب ما أثبتناه، انظر:"الروض الأنف" 3/ 62 - 63.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 454.

ص: 45

الثالث عشر:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على قَلِيبِ بَدْرٍ بمعناه، وقد سلف في الجنائز

(1)

.

(1)

سلف برقم (1370) باب: ما جاء في عذاب القبر.

ص: 46

‌9 - باب فَضْلُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا

3982 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ غُلَامٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ، وَإِنْ تَكُ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: "وَيْحَكِ، أَوَهَبِلْتِ؟ أَوَ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ». [انظر: 2809 - فتح: 7/ 304]

3983 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ قَال: سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَة، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا مَرْثَدٍ وَالزُّبَيْرَ وَكُلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ:"انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ". فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: الْكِتَابُ. فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا كِتَابٌ. فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا، فَقُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ. فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا - وَهْىَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ -فَأَخْرَجَتْهُ، فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ". قَالَ حَاطِبٌ: وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "صَدَقَ، وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا". فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ "أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ ". فَقَالَ:"لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ"، أَو "فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. [انظر: 3007 - مسلم: 2494 - فتح: 7/ 304]

ص: 47

ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْو غُلَامٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ يَكُنْ في الجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ، وَإِنْ تَكن الأُخْرى تَرى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ:"وَيْحَكِ، أو هَبِلْتِ؟ أو جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟! إِنَّهَا جِنَان كثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ في جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ".

هذا الحديث سلف في أوائل الجهاد.

وشيخ البخاري فيه عبد الله بن محمد المسندي، وفيه أيضًا: أبو إسحاق الراوي عن حميد، عن أنس، وهو إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، أحد الأعلام ابن عم مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء الفزاري. قال أبو حاتم: ثقة، مأمون، إمام

(1)

، مات بالمصيصة بعد الثمانين ومائة سنة ثمان أو خمس أو ست، ومات مروان بمكة فجأة سنة ثلاث وتسعين ومائة.

و (حَارِثَةُ) هو ابن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، أول قتيل قتل من الأنصار ببدر وكان خرج نظارًا وهو غلام فرماه حبان بن العرقة بسهم، وهو يشرب من الحوض فقتله، وأمه الربُيّع -بضم الراء وتشديد المثناة تحت- بنت النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، عمة أنس بن مالك، وفي "الجمع بين الصحيحين" لأبي نعيم عبيد الله بن الحسن بن أحمد الحداد: قاله قتادة عن أنس، أمه أم الربيع بنت البراء.

(1)

"الجرح والتعديل" 1/ 282 ترجمة أبي إسحاق الفزاري.

ص: 48

وكان حارثة بن سراقة أصابه سهم غريب، وأغرب ابن منده قال: استشهد حارثة يوم أحد. ورده أبو نعيم، وذكر أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى حارثة في الجنة فقال:"كذاكم البر" وكان بارًّا بأمه.

(1)

قلت: الذي في "مسند أحمد" وغيره: أن هذا يقول فيه حارثة بن النعمان بن لقع بن زيد الأنصاري النجاري البدري من فقهاء الصحابة، رأى جبريل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمقاعد

(2)

.

قال ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فسمعت قراءة، فقلت: من هذا؟ فقالوا حارثة بن النعمان. فقال: كذاكم البر"

(3)

، وكان برًّا بأمه بقي إلى إمرة معاوية، وقد أسلفنا ذلك فيما مضى، وفي "معجم الصحابة" للذهبي: حارثة بن الربيع، وهي أمه قيل: هي التي قالت: يا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، قد علمت منزلة حارثة مني، وكان أصيب يوم بدر، وهو حارثة بن سراقة، ووهم من قال: يوم أحد، وقد أسلفناه.

وقوله: ("وَيْحَكِ")، هو ترحم وإشفاق كما سلف، وقال الداودي: هو توبيخ.

وقوله: ("أو هَبِلْتِ") هو بإسكان الواو

(4)

، يقال: هبلته أمه تهبله هبلا، أي: ثكلته، وقد تستعمل في معنى المدح والإعجاب، والإهبال: الإثكال.

(1)

"معرفة الصحابة" 2/ 740.

(2)

"مسند أحمد" 5/ 433.

(3)

"مسند أحمد" 6/ 36.

(4)

في هامش الأصل: الصواب تحريكها، كما ضبطه به ابن قرقول، وقال: من سكن فقد أوهم.

ص: 49

وقال أبو موسى: أصله إذا مات الولد في المهبل، وهو موضع الولد من الرحم، كأن أمه وجعت مهبلها، ولا يبقى مع وجع المهبل ولد فيه

(1)

، وقال الداودي: أو هبلت أي: لم تعلم أجهلت، وقال مرة:"وهبلت، وطاش حكمك لموته"، والذي ذكره أهل اللغة أن الهبل الثكل، مصدر، قولك: هبلته أمه أي: ثكلته، والإهبال: الإثكال، والهبول من النساء: الثكول، والثكل: فقدان المرأة ولدها، نبه على ذلك ابن التين في كتاب: الرقاق قال: وضبط بضم الهاء من رواية أبي الحسن وبفتحها من رواية أبي ذر، وكذا قال ابن فارس: الهبل: الثكل

(2)

. والظاهر أنه أراد: أبك جنون؟ أمالك عقل؟

والجنان جمع: جنة، وهي البستان، والنون مخففة، وقال الداودي: جمع جنة في القليل: جنات، وفي الكثير: جنان. قال: وقد يقال في الواحد جنان؛ لأن قطعها جنات، قال الجوهري: العرب تسمى النخيل جنة

(3)

.

وقال الأزهري: كل شجر متكاتف يستر بعضه بعضا فهو مشتق من جنيته إذا سترته

(4)

.

وقال ابن فارس: يقال الجنة عند العرب النخيل الطوال

(5)

، وأنشد فيه بيتًا ذكره الجوهري للأولين

(6)

.

(1)

"المجموع المغيث في غريب القرآن والحديث" 3/ 471.

(2)

"مجمل اللغة" 4/ 898.

(3)

"الصحاح" 5/ 2094.

(4)

"تهذيب اللغة" 1/ 672.

(5)

"مجمل اللغة" 1/ 175.

(6)

انظر: "الصحاح" 5/ 2094.

ص: 50

والفردوس: قال الفراء: عربي، وقال ابن عزير: بلسان الروم، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الفرودس: ربوة الجنة، وأوسطها وأفضلها"

(1)

.

وذكر البخاري فيه أيضًا حديث عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا مَرْثَدٍ وَالزُّبَيْرَ بن العوام وَكُلُّنَا فَارِسٌ، فقَالَ:"انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ المُشْرِكينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِب إِلَى المُشْرِكِينَ"

الحديث. ذكره أيضا في الفتح كما سيأتي

(2)

، وسلف في باب: الجاسوس من الجهاد

(3)

، وهذِه المرأة سارة، وقيل: أم سارة.

وقوله: (فأنخناها) الوجه فأنخنا بها، والحجزة من الإزار: معقدُهُ.

(1)

رواه الترمذي (3174)، وأحمد 3/ 260.

(2)

سيأتي برقم (4272) كتاب: المغازي، باب: غزوة الفتح.

(3)

سلف برقم (3007).

ص: 51

‌10 - باب

3984 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ: "إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ، وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ". [انظر: 2900 - فتح: 7/ 306]

3985 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ: "إِذَا أَكْثَبُوكُمْ - يَعْنِى كَثَرُوكُمْ - فَارْمُوهُمْ، وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ". [انظر: 2900 - فتح: 7/ 306]

3986 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً: سَبْعِينَ أَسِيرًا، وَسَبْعِينَ قَتِيلاً. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ. [انظر: 3039 - فتح: 7/ 307]

3987 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، - أُرَاهُ - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِى آتَانَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ". [انظر: 3622 - مسلم: 1752 - فتح: 7/ 307]

3988 -

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنِّي لَفِى الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذِ الْتَفَتُّ، فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِى فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ، فَكَأَنِّى لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا، إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ: يَا عَمِّ أَرِنِى، أَبَا جَهْلٍ. فَقُلْتُ: يَا ابْنَ أَخِي، وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ. فَقَالَ لِي الآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ. قَالَ: فَمَا سَرَّنِى أَنِّي بَيْنَ

ص: 52

رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا، فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ، فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. [3141 - مسلم: 1752 - فتح: 7/ 307]

3989 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىَّ، جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَّةِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ في مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ فَقَالُوا: تَمْرُ يَثْرِبَ. فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا حَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى مَوْضِعٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا. فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ في ذِمَّةِ كَافِرٍ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ صلى الله عليه وسلم. فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا، وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا. قَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللهِ لَا أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ لِي بِهَؤُلَاءِ أُسْوَةً. يُرِيدُ الْقَتْلَى، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَانْطُلِقَ بِخُبَيْبٍ وَزَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ حَتَّى بَاعُوهُمَا بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبًا، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا وَهْيَ غَافِلَةٌ حَتَّى أَتَاهُ، فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، قَالَتْ: فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ. قَالَتْ: وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ في يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ. وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللهُ خُبَيْبًا. فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُونِي أُصَلِّي

ص: 53

رَكْعَتَيْنِ. فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: وَاللهِ لَوْلَا أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا. ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

فَلَسْتُ أُبَالِى حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا

عَلَى أَىِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

وَذَلِكَ في ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ

يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَتَلَهُ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلَاةَ، وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ أَنْ يُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَتَلَ رَجُلاً عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ، فَبَعَثَ اللهُ لِعَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ذَكَرُوا مُرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيَّ وَهِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيَّ، رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا. [انظر: 3045 - فتح: 7/ 308]

3990 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما ذُكِرَ لَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ - وَكَانَ بَدْرِيًّا - مَرِضَ في يَوْمِ جُمُعَة، فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ وَاقْتَرَبَتِ الْجُمُعَةُ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ. [فتح: 7/ 309]

3991 -

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ، فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَعَنْ مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ اسْتَفْتَتْهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَرْقَمِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ ابْنِ خَوْلَةَ - وَهْوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا - فَتُوُفِّىَ عَنْهَا في حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهْيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ؟ فَإِنَّكِ وَاللهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَىَّ ثِيَابِى حِينَ أَمْسَيْتُ،

ص: 54

وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي، وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي.

تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ - مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ- أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ - وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا - أَخْبَرَهُ [5319 - مسلم:1484 - فتح:7/ 310]

ذكر فيه ثمانية أحاديث:

أحدها:

حديث حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ المُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ لنَا النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ: "إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ، وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ".

حَمْزَة هذا -وأبو أسيد بضم أوله، اسمه مالك بن ربيعة الساعدي- يروي عن أبيه، وعنه ابناه مالك ويحيى وغيرهما، من أفراد البخاري دون مسلم، والزبير ساعدي أيضاً، يروي عن أبيه، وأبو أسيد اسمه مالك بن ربيعة كما رويناه ساعدي بدري خزرجي، عنه ابناه حمزة والزبير، مات - في قول المدائني سنة ستين، وفي قول الواقدي وخليفة سنة ثلاثين

(1)

، قيل: هو آخر البدريين، وقيل في اسمه: هلال بن ربيعة، ومالك أشهر كما قدمناه.

وأكثبوكم بالثاء المثلثة، يقال: من كثب، وأكثب إذا قارب، والهمزة في أكثبوكم لتعدية كثب؛ فلذلك عداها إلى ضمير هم ثم فسر البخاري فقال: أكثبوكم: أكثروكم

(2)

.

(1)

"طبقات خليفة" ص 167 وفيه: مات سنة أربعين.

(2)

في الأصل بعد هذِه الكلمة تكرار لعلامة (صح) بمقدار ما يقرب من مسافة سبع =

ص: 55

ومحمد بن عبد الرحيم هو صاعقة، مات سنة خمس وخمسين ومائتين.

ثنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ واسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأزدي، مولاهم الكوفي -ثَنَا عبد الرحمن بن الغسيلِ وهو- أبو سليمان عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حنظلة الغسيل.

عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا أَكْثَبُوكُمْ -يَعْنِي: كَثَرُوكُمْ- فَارْمُوهُمْ، وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ".

قلت: وهذا التفسير ليس معروفًا عند أهل اللغة كما قاله الدمياطي، وقال الهروي: في الحديث: "إذا أكتبكم القوم فانبلوهم"، يقول: إن قاربوكم فارموهم، وفي حديث آخر:"إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل " أي: قربوا منكم. قال الهروي: فلعلهما لغتان

(1)

، ولعله يشير إلى كثب، وأكثب كما أسلفناه، وقال الداودي: أراه يريد ارموهم با لحجارة، فإنه لا يكاد يخطئ إذا رمى في الجماعة ويستبقي النبل للمصافة، وكأنه رأى معنى أكثبوكم، أي: كثروا كما في البخاري، والذي ذكره ابن

فارس: أكثب الصيد: إذا أمكن من نفسه

(2)

، فالجماعة على أن أكثبوكم: قاربوكم، ولعله يريد: ارموهم ببعض النبل ولا ترموهم

= كلمات أشار الناسخ العلَّامة رحمه الله في هامش الأصل على ذلك بقوله: يكتب الكلام عليه، وقد تكلم المؤلف عليه قريبا فيما يأتي، وكأنه أراد أن يكتبه هنا، ثم آخره إلى ما بعده فاعلمه.

(1)

ذكره ابن الأثير في: "النهاية في غريب الحديث" 4/ 151.

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 779 مادة: كثب.

ص: 56

بجميعها، ويدل على صحته قوله في الحديث الآخر، ذكره أبو عبيدة الهروي ثم ذكر ما سلف، وقال: جعله ثلاثيًّا. قيل: وهي لغتان، والنبل: جمع نبلة، وقيل: لا واحد لها من لفظه.

الحديث الثاني:

وهو ثالث حديث البَرَاءَ بْنَ عَازِب قَالَ: جَعَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ عليه السلام وَأَصْحَابُهُ أصاب مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً: سَبْعِينَ أَسِيرًا، وَسَبْعِينَ قَتِيلاً. قَالَ أبو سفيان: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ.

عَبْدَ اللهِ هذا هو ابن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس، وهو البرك بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأوسي عقبي بدري، قتل يوم أحد، وكان يومئذ أمير الرماة، وكانوا خمسين وهو أخو خوات بن جبير، وحبتة كلهم أسلم، وأمهم من بني عبد الله بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان.

الحديث الرابع:

حديث أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -أُرَاهُ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَإِذَا الخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الخَيْرِ بَعْدُ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الذِي آتَانَا الله بَعْدَ بَدْرٍ".

الحديث الخامس:

حديث عبد الرحمن بن عوف في قتل أبي جهل، وفي آخره: وَهُمَا ابنا عَفْرَاءَ.

الحديث السادس:

حديث ابن شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عمر بن أسيد بن جارية - وهو عمرو بن أبي سفيان بْنُ أَسيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ،

ص: 57

وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -عَشَرَةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ.

فذكر قصة غزوة الرجيع وأنَّ خبيبًا قتل الحارث بن عامر يوم بدر، وسيأتي بعد أحد أيضًا

(1)

، وسلف في الجهاد في باب استئسار الرجل

(2)

.

قال الجياني: جاء في نسخة أبي زيد المروزي: ابن أسيد غير مسمى، وكذا في نسخته عن النسفي عن البخاري، وعند ابن السكن: عمر بن أسيد بضم العين، وفي رواية الأصيلي: عمرو، واختلف أصحاب الزهري عليه في اسمه، فذكر محمد بن يحيى، عن معمر والزبيدي وشعيب وعقيل عنه: عمرو وكذلك قال يونس بن يزيد من رواية ابن وهب، وكذلك قال محمد بن أبي عتيق وفي رواية يونس وابن أخي الزهري وإبراهيم بن سعد: عمر، ونسبه إبراهيم إلى جده فقال: عمر بن أسيد قال البخاري: عمرو أصح

(3)

.

وأخرجه ابن سعد من حديث ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، ومن حديث ابن شهاب عن عمر بن أسيد بن العلاء بن جارية الثقفي قالا: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من عضل والقارة، فقالوا: إن فينا إسلامًا وابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهونا ويقرءونا القرآن. فبعث معهم عشرة رهط: عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح، ومرثد بن أبي مرثد، وعبد الله بن طارق، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة،

(1)

سيأتي برقم (4086) كتاب: المغازي، باب: غزوة الرجيع

(2)

سلف برقم (3045).

(3)

"تقييد المهمل" 2/ 670 - 672.

ص: 58

وخالد بن البكير، ومعتب بن عبيد، وهو أخو عبد الله بن طارق لأمه، وهما من بلي حليفان في بني ظفر، وأمر عليهم عاصما، وقال قائل: مرثد بن أبي مرثد حتى إذا كانوا على الرجيع -وهو ماء لهذيل بصدور الهدة على سبعة أميال منها والهدة على سبعة أميال من عسفان كما يأتي، وكانت في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرًا من الهجرة، كذا قاله ابن سعد

(1)

، وعند ابن إسحاق: كانت في صفر سنة أربع بعد أحد، وجزم بإمرة مرثد، وعند أبي معشر: كانوا تسعة، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد يقال كانوا ستة

(2)

.

وكانت في سنة ثلاث، وخرج صلى الله عليه وسلم في سنة خمس فطلب بثأر خبيب وأصحابه، وعند الواقدي في "مغازيه": لما حمل سويد بن خالد بن نبج الهذلي مشت بنو لحيان إلى عضل والقارة، فجعلوا لهم فرائض على أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكلموه؛ ليخرج لهم نفرًا من أصحابه يدعونهم إلى الإسلام لنقتل من قتل صاحبنا، ثم نخرج بسائرهم إلى قريش حتى نصيب منهم بمنى، فقدم سبعة من عضل والقارة.

إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من وجوه:

أحدها:

قوله: (جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ) كذا هنا، وإنما هو خاله لا جده كما نبه عليه الدمياطي، وقد أسلفناه هناك أيضًا.

ثانيها:

قوله: (حَتَّى إِذَا كَانُوا بالهدأة) كذا هو بفتح الهاء والهمزة وسكون

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 55 - 56.

(2)

في هامش الأصل: كذا في رواية ابن إسحاق أنهم كانوا ستة.

ص: 59

الدال، وفي طريق ابن سعد بالهدة، كما سلف بفتح أوله وثانيه

(1)

، ويقال بغير تعريف، والنسبة إليه هدوي على غير قياس، قاله ابن الأنباري فذكر عن ابن أبي حاتم قال: سألت أهل هدة من ثقيف لم سميت هدة؟ فقالوا: إن المطر يصيبهم بعد هدأة من الليل، قال أبو عبيد البكري: وهذا النسب لا يشبه ذلك إلا أن تتوهم محولة ياء، ثم ينسب إليها. قال أبو حاتم: والنسبة بمغيرة الكلام، ومن أعجب ذلك قوله في النسب إلى بكرة بكراوي، وقد روي عن أبي حاتم أن هدة بين مكة والمدينة

(2)

، وعند ابن سعد: هي على سبعة أميال من عسفان

(3)

، وذكر الخشني أنها رويت بتخفيف الدال وتشديدها، وقال ابن السراج: أراد الهدأة فنقل الحركة فهو مخفف على هذا.

ثالثها:

قوله: (فَلَمَّا أحَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ) كذا هو بالألف، وذكره ابن التين بحذفها، وقال: صوابه الألف، أي: علم، قال تعالى {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} ثم ادعى أنه كذلك في بعض الروايات.

رابعها:

قوله: (فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ: أَيُّهَا القَوْمُ، أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ في ذِمَّةِ كَافِرٍ، وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى العَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ) هذا الرجل هو عبد الله بن طارق حليف بني ذمر. وقوله قبله: (قتلوا عاصمًا) قتلوا معه أيضًا مرثد بن أبي مرثد

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 55.

(2)

"معجم ما استعجم" 4/ 1348.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 55.

ص: 60

الغنوي وخالد بن بكير الليثي، كما رواه ابن سعد، فأتى عاصم ومرثد وخالد ومعتب، فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدًا ولا عقدًا أبدًا فقاتلوا حتى قتلوا، وأما خبيب وزيد وعبد الله بن طارق فاستأسروا، وعند أبي معشر فقال خبيب وزيد: لنا عندهم يد لعلهم يعفوا فاستأسروا، قال ابن سعد: وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكانت نذرت لتشربن الخمر في قحف عاصم وكان قتل ابنيها سافعًا وجلاسًا يوم أحد فحمته الدبر

(1)

.

خامسها:

قوله: (فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ ورَبَطُوهُمْ بِهَا. فقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هذا أَوَّلُ الغَدْرِ) عند ابن إسحاق وابن سعد وغيرهما: وخرجوا بالنفر الثلاثة، حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القرآن وأخذ سيفه واستأخر عن القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بمر الظهران، فابتاع حجير بن أبي إهاب خبيبا لابن أخيه عقبة بن الحارث بن عامر خال أبي إهاب ليقتله بأبيه

(2)

، وكذا في البخاري، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبًا، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، وابتاع زيدًا صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، وعند أبي معشر: اشترى خبيبا ابنة أبي سروعة واشترك معها ناس، وعند الواقدي: اشترى صفوان زيدا بخمسين فريضة

(3)

، ويقال: إنه شرك فيه أناس من قريش، وخبيب ابتاعه حجير بثمانين مثقال ذهب، ويقال: بخمسين فريضة، ويقال: اشترته ابنة الحارث

(1)

المصدر السابق 2/ 55 - 56.

(2)

المصدر السابق 2/ 55 - 56، وانظر:"سيرة ابن هشام" 3/ 163 - 164.

(3)

"مغازي الواقدي" ص 354.

ص: 61

بمائة من الإبل، وعند معمر

(1)

: اشتراه بنو الحارث بن نوفل، وعند ابن عقبة: اشترك في ابتياع خبيب أبو إهاب بن عزير وعكرمة بن أبي جهل والأخنس بن شريق وعبيدة بن حكيم بن الأوقص، وأمية بن أبي عتبة، وبنو الحضرمي، وشعبة بن عبد الله، وصفوان بن أمية، وهم أبناء من قتل من المشركين ببدر، ودفعوه إلى عقبة بن الحارث فسجنه في داره.

واعترض الدمياطي على رواية البخاري، وكان السبب هو قتل الحارث بن عامر، فقال: لم يقتل خبيب هذا، وهو أحد بني (جحجبي)

(2)

الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، ولم يشهد بدرا والذي شهد بدرا وقتل فيها الحارث هو خبيب بن يساف بن عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج، وخبيب بن عدي أحد بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، شهد

أحدا، ومات خبيب بن يساف في زمن عثمان.

سادسها:

قوله في الرجل الثالث: (فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ، فأبى أن يصحبهم) لم يبين ما فعلوا به، وبين في غير هذا الحديث في باب غزوة الرجيع أنهم قتلوه.

سابعها:

قولها: (والله لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ .. إلى آخره) قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح حدث عن ماوية مولاة حجير بن أبي إهاب، وكانت قد أسلمت قالت: كان خبيب حبس في

(1)

في الأصل فوقها: كذا، ومقابلها في الهامش: لعله أبي معشر.

(2)

كذا تُقرأ بالأصل ولم تتبين لي.

ص: 62

بيتي، فلقد اطلعت عليه يوما وإن في يده لقطفا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه.

ثامنها:

قوله: (فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الحَارِثِ مُوسى فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا) إلى آخره ذكره ابن إسحاق عن عاصم بن عمر وابن أبي نجيح جميعًا.

ماوية المذكورة أن خبيبا قال لها: ابعثي إليَّ بحديدة، قالت: فأعطيت غلاما من الحي الموسى، فقلت: ادخل بها على هذا الرجل البيت، قالت: فوالله إن هو إلا أن ولى الغلام بها، قلت: ما صنعت أصاب الرجل والله ثأره بقتل هذا الغلام. فلما ناوله الحديدة قال: لعمرك ما خافت أمك غدري حتى تبعثك بهذِه الحديدة إليَّ. وهو معنى قول البخاري: قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. وعند ابن عقبة عن الزهري أنه قال لزوج عقبة: ابعثي حديدة فأعطته موسى، ودخل ابن المرأة التي تلي أمره، والموسى في يده، فقال: وهو يمزح هل أمكن الله منكم؟ فقالت: (ما هذا)

(1)

ظني بك. وقال: إنما كنت مازحًا.

وعند الزبير بن أبي بكر: وأبو حسين بن الحارث بن عامر بن نوفل هو الذي دسه إلى خبيب فجعله في حجره، ثم قال لحاضنته: ما كان يؤمنك أن أذبحه، وعند عبد الدائم القيرواني في "حلاه": نزل في خبيب: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)} الآية. ولما صلب جعل وجهه إلى القبلة الأولى فوجدوه قد رجع إلى هذِه القبلة، فأداروه فلم يقدروا عليه مرارًا فتركوه.

(1)

في الأصل: هو كان، والمثبت من "الاستيعاب" 1/ 131. وهو الصحيح.

ص: 63

تاسعها:

قوله: (ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الحَارِثِ فَقَتَلَهُ) عند ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد، عن أبيه عباد، عن عقبة بن الحارث قال: سمعته يقول: والله ما أنا قتلت خبيبًا لأني كنت أصغر من ذلك، ولكن أبا ميسرة أخا بني عبد الدار أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ يدي وبالحربة، ثم طعنه بها حتى قتله

(1)

، وعند الحاكم في "إكليله": رموا زيدًا بالنبل وأرادوا فتنته، فلم يزدد إلا إيمانا، وأنه صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس في اليوم الذي قتلا فيه:"وعليكما - أو عليك - السلام، خبيب قتلته قريش" ولا ندري أذكر زيدًا أم لا، وزعموا أن خبيبا دفنه عمرو بن أمية، وعند البيهقي في "دلائله": أن خبيبا لما قال: اللهم إني لا أجد رسولاً إلى رسولك يبلغه عني السلام، جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ذلك

(2)

، قال ابن سعد: وكانا صليا ركعتين ركعتين قبل أن يقتلا

(3)

.

وفي البخاري: أن خبيبا هو الذي صلاهما، وذكر السهيلي

(4)

أن زيد بن حارثة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم اكترى من رجل جعلا من الطائف، فمال به إلى خربة فأنزله، فإذا بالخربة قتلى، فلما أراد أن يقتله قال له: دعني أصلي ركعتين، قال: صل فقد صلى قبلك هؤلاء

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 165 - 166.

(2)

"دلائل النبوة" 1/ 331.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 56.

(4)

في هامش الأصل: ما ذكره السهيلي ذكره ابن عبد البر في "استيعابه": في ترجمة زيد من كتاب ابن أبي خيثمة، ثم ذكر سنده إليه، ثم إلى الليث ابن سعد قال: بلغني أن زيد بن حارثة فذكره، فكان الأولى عزوه إلى أبي عمر أو كتاب ابن أبي خيثمة إن كان نظره، والله أعلم.

ص: 64

فما نفعتهم صلاتهم، فلما صليت أتاني ليقتلني فقلت: يا أرحم الراحمين ثلاثاً، فإذا بفارس بيده حربة حديدة فيها شعلة نار، فطعنه بها، فأنفده من ظهره، فوقع ميتا، وقال: لما دعوت الأولى كنت في السماء السابعة، وفي الثانية كنت في السماء الدنيا، وفي الثالثة جئتك

(1)

.

قلت: يؤيده ما رواه أحمد في "مسنده" من حديث أبي أمامة مرفوعًا: "إن لله تعالى ملكًا موكلا بمن يقول يا أرحم الراحمين، فمن قالها ثلاثا قال له الملك: إن الله أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل"

(2)

، وذكر أبو يوسف في "لطائفه" عن الضحاك أن كفار قريش بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة: ابعث إلينا بقراء من علماء أصحابك يعلمونا الدين فقد أسلمنا، فبعث إليهم جماعة فيهم خبيب، فذكر الحديث، وفيه فقال صلى الله عليه وسلم:"أيكم ينزل خبيبا من خشبته وله الجنة" فقال الزبير: أنا والمقداد، قالا: فوجدنا حول الخشبة أربعين رجلاً فأنزلناه، فإذا هو رطب ولم يتغير بعد أربعين يومًا، ويده على جرحه وهي تبض دمًا كالمسك، فحمله الزبير على فرسه، فلما لحقه الكفار قذفه فابتلعته الأرض؛ فسمي بليع الأرض.

وفي البخاري: وأخبر -يعني النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا بخبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوه بشيء يعرف، وكان قتل رجلاً من عظمائهم، فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا من لحمه شيئًا.

(1)

"الروض الأنف" 3/ 235.

(2)

لم أجده في "المسند" لكن رواه الحاكم في "المستدرك" 1/ 544، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(3200).

ص: 65

عاشرها:

قول أبي هريرة رضي الله عنه: (فكان خبيب هو سنَّ لكل مسلم قتل صبرا الصلاة) فهو ظاهر في رفعه مثل قوله: فصارت سنة. وقد سلف فعله عن غيره أيضًا، وكذا فعل زيد بن حارثة، قال السهيلي: هذا يدل أنها سنة جارية، وكذا فعل حجر بن عدي بن الأدبر حين قتله معاوية، وفيما يأتي سنة حسنة، والسنة: إنما هي أقوال من الشارع أو أفعال أو تقرير؛ لأنه فعلها في حياته، فاستحسن ذلك من فعله واستحسنه المسلمون، مع أن الصلاة خير ما ختم به عمل العبد

(1)

.

الحادي عشر:

قوله: (وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: ذَكَرُوا مُرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ

(2)

، وَهِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيَّ، رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا) هذا يأتي مسندا في غزوة تبوك

(3)

وغيرها، واعترض الدمياطي فقال: لم يذكر أحد أن مرارة وهلالًا شهدا بدرًا إلا ما جاء في حديث كعب هذا، وإنما ذكرا في الطبقة الثانية من الأنصار ممن لم يشهد بدرًا وشهدا أحدًا.

الثاني عشر:

(الدَّبْرِ) -بفتح الدال المهملة وكسرها، ثم باء موحدة ساكنة- قال السهيلي: هو ههنا: الزنابير، وأما الدبر فصغار الجراد، ومنه يقال: مال دبر، قاله أبو حنيفة، قال: ويقال للنحل دبر بالفتح، وواحدها دبرة، ويقال له: خشرم، ولا واحد له من لفظه، هذِه رواية أبي عبيد

(1)

"الروض الأنف" 3/ 235.

(2)

في هامش الأصل: لعله العمري.

(3)

سيأتي برقم (4418)، باب: حديث كعب بن مالك.

ص: 66

عن الأصمعي، ورواية غيره عنه أن واحده خشرمة

(1)

.

قلت: نقل أبو حنيفة عن غير أبي عبيد: أن واحدها دبرة، وكذا قاله الخطابي. قال أبو حنيفة: وهو عند من رأينا من الأعراب: الزنابير، وهو المشهور. قال الأصمعي: وجمع الدبر: دبور، وقال الباهلي: الدبْر: النحل، والدَّبَر، والجمع: الدبور، وذكر بعض الرواة أنه يقال لأولاد الجراد: الدبر، وقول العرب: ما له دبر منه مراد للكثرة قال أبو حنيفة: وحمى الدبر وإنما حمته الزنابير لا النحل، فالدبر على هذا هو الجنسان جميعاً، وقال أبو خيرة، وأصحابه: الدبر: الزنابير، وعبارة الداودي: طائر صغير فوق الذباب حماه الله بها. وعبارة الهروي وابن فارس: الدبر: النحل

(2)

، وقال أبو عبد الملك: الدبر: ذكر النحل، وكباره

(3)

.

الثالت عشر:

الدثنة مقلوب من الثدنة

(4)

كما قاله السهيلي

(5)

، والثدن: استرخاء اللحم. هذا كلامه، وقد ذكر أهل اللغة أنه يقال: دثن الطائر: إذا طار فأسرع السقوط في مواضع متقاربة فدثن في الشجرة: اتخذ فيها عشًّا، والدثينة: الدنية، فيحتمل أنها سميت بواحدة من هذِه، وما ذكره من أن الثدن: استرخاء اللحم يخالف قوله: ثدن الرجل: إذا أكثر فيه اللحم، وامرأة ثدنة: لحمة في سماجة، وقيل: مسمنة، قال كراع:

(1)

"الروض الأنف" 3/ 234.

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 345.

(3)

غير واضحة بالأصل ولعل ما أثبتناه أشبه لرسم الكلمة.

(4)

في الأصل: الدنثة، والمثبت من "الروض الأنف".

(5)

"الروض الأنف" 3/ 233.

ص: 67

الثاء في مثدنة بدل من الفاء في مفدن مشتق من الفدن وهو القصر، وضعفه ابن سيده؛ لأنا لا نسمع مفدنًا، وقال ابن جني: من الثندوة مقلوب منه، وليس بشيء، وامرأة ثدنة: ناقصة الخلق، عنه أيضًا

(1)

.

فائدة:

الدثنة أمه. وأبوه أبو معاوية الأنصاري، وهو أحد من عرف بأمه في جماعة كثيرة أفردوا في جزء.

الرابع عشر:

قوله: (وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا) وروي بكسر الباء الموحدة فمن كسر فهو جمع بدة وهي الفرقة والقطعة من الشيء المتبدد، ونصبه على الحال من المدعو عليه، ومن فتح فهو مصدر بمعنى التبدد، وروي بالضم، فإن قلت: فهل أجيبت فيهم دعوة خبيب إذ الدعوة على تلك الحال من مثل هذا العبد مستجابة؟ قلت: أصاب منهم من سبق في علم الله أنه يموت كافرًا، ومن أسلم منهم فلم يعنه خبيب، ولا قصده بدعائه، ومن قتل منهم بعد هذِه الدعوة، فإنما قتلوا بددًا غير معسكرين، ولا مجتمعين كاجتماعهم في أحد، وقبل ذلك ببدر، وإن كانت الخندق بعد قصة خبيب فقد قتل منهم فيها آحاد متبددون ثم لم يكن بعد ذلك جمع ولا معسكر غزو فيه، فنفذت الدعوة على صورتها، وفيمن أراد خبيبًا، وحاشاه أن يكره إيمانهم وإسلامهم، نبه عليه السهيلي

(2)

.

الخامس عشر:

فيه إثبات كرامات الأولياء.

(1)

"المحكم" 10/ 21.

(2)

"الروض الأنف" 3/ 237.

ص: 68

وقوله: (لَوْلَا أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ ما بي جَزَعٌ لَزِدْتُ) هذا صواب؛ لأنه خبر أنًّ، وأورده ابن التين بلفظ: لولا أن تحسبوا أن بي جزعًا. قال: وصوابه ما ذكرت.

السادس عشر: قوله: ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا

على أيِّ جَنْبٍ كَانَ لله مَصْرَعِي

وَذَلِكَ في ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ

يُبَارِكْ على أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

زاد ابن هشام، وقال:(أكثر)

(1)

أهل العلم بالشعر ينكرها له.

لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا

قبائلهم واستجمعوا كل مجمع

وكلهم مبدي العداوة جاهدًا

علَّي لأني في وثاق مضيع

وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم

وقربت من جذع طويل ممنَّع

إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي

وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي

فذا العرش صبِّرني على ما يراد بي

فقد بضعوا لحمي وقدياس مطمعي

وذلك في ذات الإله .. إلى آخره

وقوله أولاً: فَلَسْتُ أُبَالِي)

(2)

.

وقد خيروني الكفر والموت دونه

وقد هملت عيناي من غير مجزع

وما بي حذار الموت أني لميت

ولكن حذاري حجم نار ملفَّع

ووالله ما أرجو إذا مت مسلمًا

على أي جنب كان في الله مصرعي

ولست بمبد للعدو تخشعًا

ولا جزَعًا إني إلى الله مرجعي

(3)

(1)

عند ابن هشام: وبعض.

(2)

في هامش الأصل: كذا في النسخة المنقول منها، وبعد إلى آخره، صح، ولكن قد كتب في النسخة الأخرى، ولم يضرب عليها رهط ثابتة في الأصل، وهي ما ذكرته أنا في الأصل فانظره.

(3)

"السيرة النبوية" لابن هشام 3/ 170 - 171.

ص: 69

وقوله: أولاً: (فَلَسْتُ أُبَالِي) أي: إذا كنت مُسْلِمًا أقتل في ذات الله، فلست أكترث بما جاءني.

و (المصرع): موضع سقوط الميت، وشِلو الإنسان وغيره: جسده، والجمع أشلاء، والشلو أيضاً: العضو من الجسد، واحتج من قال: إنه الجسد بقوله: أوصال شلو والأوصال: الأعضاء والممزع: المفرق مزعًا، وأصله من مزع القطن يمزع مزعة، والعرب تقول: يكاد فلان يمزع من الغيظ، أي: يقطع قطعا، وقد أوضحنا الكلام أيضا على ذلك في المشار إليه في الجهاد، وأعدناه لبُعْدِ العهد به.

الحديث السابع:

حديث نَافِعٍ، أَنَّ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما ذُكِرَ لَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عمرو بن نُفَيْلٍ - وَكَانَ بَدْرِيًّا- مَرِضَ في يَوْمِ الجُمُعَة، فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ وَاقْتَرَبَتِ الجُمُعَةُ، وَتَرَكَ الجُمُعَةَ.

سعيد هذا بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة بن عبيد الله إلى طريق الشام يتحسسان أخبار العير، ففاتهما بدر، فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهميهما وأجرهما.

وفيه: أن الرجل يشتغل مع المريض. قال ابن التين: وترك الجمعة وهذا إذا لم يكن معه من يقوم به.

قلت: هذا لأجل قرابته منه، وهو عذر، وإن كان له متعهد.

الحديث الثامن:

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَني يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إلى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزّهْرِيِّ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ فذكره بطوله.

ص: 70

تَابَعَهُ أَصْبَغُ، عَنِ ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ وَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ -مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ- أَنَّ مُحَمَّدَ بْنِ البُكَيْرِ وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا.

وسيأتي الحديث في النكاح

(1)

إن شاء الله.

وفيه: جواز المكاتبة بالعلم وبه أخذ من قال بالإجازة وهو أحد طرق الرواية.

وفيه: أن سعد بن خولة شهد بدرًا، وهو يرد على ابن مزين في قوله: إنما رثى له لأنه لم يهاجر.

وهو من أهل اليمن حليف بني عامر بن لؤي، كنيته: أبو سعيد هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة ونزل على كلثوم بن الهدم، وشهادته لبدر كانت وهو ابن خمس وعشرين سنة، وشهد أحدًا والخندق والحديبية، وخرج إلى مكة فمات بها قبل الفتح، وقيل: إنه مولى بني رهم بن عبد العزى العامري، ولما كان يوم الفتح مرض سعد بن أبي وقاص فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده لما قدم من الجِعرانة معتمرًا

(2)

فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم"، لكن البائس سعد بن خولة يرثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة

(3)

.

(1)

سيأتي برقم (5319).

(2)

في هامش الأصل: إنما عاده رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما في بعض طرق "الصحيح" وأيضاً سعد بن خولة توفي في حجة الوداع كما في بعض طرق هذا "الصحيح".

(3)

سلف برقم (3936) كتاب: مناقب الأنصار، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم".

ص: 71

وفيه أبو السنابل، واسمه حبة بن بعكك بن الحارث بن السباق أخي عثمان، وعبد مناف أولاد عبد الدار بن قصي وهو من المؤلفة قلوبهم كما نبه عليه ابن التين.

وإياس بن البكير هو أخو خالد، وعاقل وعامر بنو أبي البكير. هذا قول أبي معشر والواقدي، وكان موسى بن عقبة وابن إسحاق وهشام والكلبي يقولون: بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة حالف أبو البكير في الجاهلية نفيل بن عبد العزى جد عمر بن الخطاب وشهد أربعتهم بدرًا وأحدًا وما بعدها، وقتل خالد في صفر سنة أربع يوم الرجيع مع عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح حمي الدبر.

وأصبغ المذكور في الإسناد هو ابن الفرج بن سعيد بن نافع أبو عبد الله المصري الفقيه مولى عبد العزيز

(1)

كاتب ابن وهب، مات سنة خمس وعشرين، وقيل: سنة ست وعشرين، وقيل: سنة عشرين ومائتين، قال ابن معين: كان [من أعلم]

(2)

خلق الله برأي مالك.

ومعنى (تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا) أي: استقلت وذهب عنها ضرر النفاس، وقيل: طهرت من دمها. قاله ابن فارس

(3)

والخطابي

(4)

.

وقوله قبله: (فَلَمْ تَنْشَبْ) أي: لم تلبث. وقوله (ما أنت بناكح) أي: بمزوجة، يقال: امرأة ناكح مثل حائض وطامث، ولا يقال: ناكحة إلا إذا

(1)

في هامش الأصل: عمر بن العزيز وإن هذا ليس خطأ محضًا لأن مولى الابن مولى الأب.

(2)

زيادة يقتضيها السياق، أثبتناها من "تهذيب الكمال" 3/ 306.

(3)

"مجمل اللغة" 3/ 625.

(4)

"أعلام الحديث" 3/ 1710.

ص: 72

أرادوا بناء الاسم لها من الفعل فقال: نكحت فهي ناكحة، وقولها:(فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي) تريد وإن لم تعل من نفاسها كما تتزوج الحائض، وهو قول أكثر الصحابة والفقهاء

(1)

، وتأولوا قوله تعالى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] في الحائل دون الحامل، عملا بالآية الأخرى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وروي عن علي وابن عباس تعتد آخر الأجلين

(2)

، وقال به سحنون كما حكاه عنه عبد الحق في "استلحاقه" ومعناه: أن تمكث حتى تضع فإن كانت مدة الحمل من وقت وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرًا فقد حلت وإن وضعت قبل ذلك تربصت إلى أن تستوفي المدة من الأيام والليالي.

وقولها: (فجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي) أي: تجلببت برداء أو ملحفة أو كساء من فوق ثيابها، قاله الداودي.

(1)

انظر: "شرح معاني الآثار" 3/ 60، "المبسوط" 6/ 51، "المنتقى" 4/ 132 - 133، "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 2/ 194، "المحرر" 2/ 103 - 104.

(2)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 1/ 566.

ص: 73

‌11 - باب شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ بَدْرًا

3992 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ - قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ " قَال: "مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ" أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ. [3994 - فتح:7/ 311]

3993 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، وَكَانَ رِفَاعَةُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَكَانَ رَافِعٌ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ، فَكَانَ يَقُولُ لاِبْنِه: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي شَهِدْتُ بَدْرًا بِالْعَقَبَةِ قَالَ: سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. بِهَذَا. [فتح: 7/ 312]

3994 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُور، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، سَمِعَ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ، أَنَّ مَلَكًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَعَنْ يَحْيَى، أَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْهَا أَدِخْبَرَه، أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ حَدَّثَهُ مُعَاذٌ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ يَزِيد: فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنَّ السَّائِلَ هُوَ جِبْرِيلُ عليه السلام. [انظر:3992 - فتح: 7/ 312]

3995 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِد، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ:"هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ، عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ". [4041 - فتح: 7/ 312]

ذكر فيه حديث مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ- قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ " قَالَ: "مِنْ أَفْضَلِ المُسْلِمِينَ" أَو كَلِمَةً نَحْوَهَا. قَالَ: "وَكذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ المَلَائِكَةِ".

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَكَانَ رَافِعٌ مِنْ أَهْلِ العَقَبَةِ، وكَانَ يَقُولُ لاِبْنِهِ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي شَهِدْتُ بَدْرًا بِالْعَقَبَةِ قَالَ: سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم. بهذا.

ص: 74

وفي رواية: عن معاذ بن رفاعة: أن ملكًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وفي رواية: قال معاذ: إن جبريل هو السائل وعَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: "هذا جِبْرِيلُ آخِذ بِرَأْسِ فَرَسِهِ، عَلَيْهِ أَدَاةُ الحَرْبِ".

الشرح:

رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ هو ابن مالك بن العجلان، أبو معاذ، وأمه أم مالك أخت عبد الله بن أبي بن سلول، شهد مع بدر العقبة، وهو أخو خلاد ومالك، شهد مع علي حربه

(1)

، وولده معاذ تابعي يروي عن أبيه وجابر، ورافع هو ابن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج الخزرجي الزرقي، أبو مالك، وقيل: أبو رفاعة، أحد النقباء الاثني عشر، شهد العقبة كما ذكر مع السبعين

(2)

، ولم يشهد بدرا على خلاف، وشهدها ابناه رفاعة وخلاد ابنا رافع، استشهد يوم أحد، وقال ابن إسحاق: هو أول من قدم المدينة بسورة يوسف وذكر أبو موسى: رافع بن مالك استدراكًا وهو الأول فغلط ووهم.

وقول جبريل: (ما تعدون أهل بدر فيكم) إما أن يكون أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قبل أو قاله صلى الله عليه وسلم على الرجاء فيهم، أو لأن فيهم أفاضل الصحابة.

وفيه: تفاضل الملائكة وتفاخرهم بعلمهم كما قاله الداودي.

(1)

في هامش الأصل: شهد معه الجمل وصفين.

(2)

في هامش الأصل: العدد المعروف ثلاثة وسبعون رجلا، وامرأتان، وما ذكره شيخنا قول من أقوال.

ص: 75

وقوله: ("هذا جِبْرِيلُ آخِذ بِرَأْسِ فَرَسِهِ") قيل: إنه انحدر في الهواء، وكان يومئذ يزع الملائكة، وكان رجلان مشركان من غير قريش صعدا جبلا ينظران على من تكون الدائرة فرأيا الملائكة فمات أحدهما من الخوف، قال صلى الله عليه وسلم:"ما رأى إبليس يوما هو فيه أحقر ولا أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه يوم عرفة؛ لما رأى من تنزل الرحمة إلا ما كان من يوم بدر فإنه رأى جبريل يزع الملائكة"

(1)

.

(1)

رواه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 378.

ص: 76

‌12 - باب (أي: في متعلقات يوم بدر ومن حضرها)

(1)

3996 -

حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَة، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ مَاتَ أَبُو زَيْدٍ وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا، وَكَانَ بَدْرِيًّا. [انظر: 3810 - مسلم: 2465 - فتح 7/ 313]

3997 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّد، عَنِ ابْنِ خَبَّابٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا مِنْ لُحُومِ الأَضْحَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِآكِلِهِ حَتَّى أَسْأَلَ، فَانْطَلَقَ إِلَى أَخِيهِ لأُمِّه -وَكَانَ بَدْرِيًّا- قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ نَقْضٌ، لِمَا كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الأَضْحَى بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. [5568 - فتح: 7/ 313]

3998 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهْوَ مُدَجَّجٌ لَا يُرَى مِنْهُ إِلاَّ عَيْنَاهُ، وَهْوَ يُكْنَى أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ. فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ، فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ فَمَاتَ. قَالَ هِشَامٌ: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِى عَلَيْهِ ثُمَّ تَمَطَّأْتُ، فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ نَزَعْتُهَا وَقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا. قَالَ عُرْوَةُ فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ، فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ. [فتح: 7/ 314]

3999 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَايِعُونِي"[انظر: 18 - مسلم: 1709 - فتح: 7/ 314]

(1)

هذِه الجملة زيادة توضيح من المصنف.

ص: 77

4000 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ -وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ - وَهْوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ - كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِه، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:5] فَجَاءَتْ سَهْلَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. [5088 - مسلم: 1453 - فتح: 7/ 314]

4001 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَت: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُولِي هَكَذَا، وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ". [5147 - فتح: 7/ 315]

4002 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِى عَنْ سُلَيْمَان، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ". يُرِيد التَّمَاثِيلَ التِي فِيهَا الأَرْوَاحُ. [انظر: 3225 - مسلم: 2106 - فتح: 7/ 315]

4003 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهم السلام أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ عليها السلام بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغًا فِي بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِى فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ

ص: 78

الصَّوَّاغِينَ فَنَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، حَتَّى جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا أَنَا بِشَارِفَيَّ قَدْ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ الْمَنْظَرَ، قُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عِنْدَهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا: أَلَا يَا حَمْزَ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ، فَوَثَبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا. قَالَ عَلِيٌّ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الَّذِى لَقِيتُ فَقَالَ:" مَا لَكَ ". قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ، فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأُذِنَ لَهُ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي فَعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ثَمِلٌ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ. [انظر: 2089 - مسلم: 1979 - فتح: 7/ 316]

4004 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّاد، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَنْفَذَهُ لَنَا ابْنُ الأَصْبَهَانِيّ، سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ مَعْقِل، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا. [فتح: 7/ 1317]

4005 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يُحَدِّثُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّىَ بِالْمَدِينَةِ - قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ. قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي.

ص: 79

فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، فَقَال: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْر فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ. فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَة فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ قُلْت: نَعَمْ. قَال: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْك؟ فِيمَا عَرَضْتَ إِلاَّ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا. [5122، 5129، 5145 - فتح: 7/ 317]

4006 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، سَمِعَ أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ صَدَقَةٌ". [انظر: 55 - مسلم: 1002 - فتح: 7/ 317]

4007 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي إِمَارَتِه: أَخَّرَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الْعَصْرَ وَهْوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ، فَدَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِىُّ جَدُّ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ -شَهِدَ بَدْرًا- فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ، نَزَلَ جِبْرِيلُ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسَ صَلَوَات، ثُمَّ قَال:"هَكَذَا أُمِرْتَ". كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ. [انظر: 521 - مسلم: 610 - فتح: 7/ 317]

4008 -

حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَش، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ وَهْوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُه، فَحَدَّثَنِيهِ. [5008، 5009، 5040، 5051 - مسلم:808،807 - فتح: 7/ 317]

4009 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ- أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 424 - مسلم: 33 - فتح: 7/ 319]

ص: 80

4010 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ - هُوَ ابْنُ صَالِحٍ - حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ - وَهْوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ، وَهْوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ - عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، فَصَدَّقَةُ. [انظر: 424 - مسلم: 33 فتح: 7/ 319]

4011 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَة - وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ بَنِي عَدِيٍّ، وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ خَالُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ رضي الله عنهم. [فتح: 7/ 319]

4012 و 4013 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَنَّ عَمَّيْهِ - وَكَانَا شَهِدَا بَدْرًا - أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ. قُلْتُ لِسَالِمٍ: فَتُكْرِيهَا أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَافِعًا أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ. [انظر:2339 - مسلم: 1547،1548 - فتح:7/ 319]

4014 -

حَدَّثَنَا آدَم، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيَّ قَالَ: رَأَيْتُ رِفَاعَةَ بْنَ رَافِعٍ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا. [فتح: 7/ 319]

4015 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَه، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ -وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمِ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْن، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قَالَ:"أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَىْءٍ؟ ". قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَال: "فأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ

ص: 81

مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ". [مسلم: 2961 - فتح: 7/ 319]

4016 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ كُلَّهَا. [انظر: 3297 - مسلم: 2233 - فتح: 7/ 320]

4017 -

حَتَّى حَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ الْبَدْريُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ، فَأَمْسَكَ عَنْهَا. [انظر: 3297 - مسلم: 2233 - فتح: 7/ 320]

4018 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْح، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَة، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ. قَالَ: "وَاللَّهِ لَا تَذَرُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا". [انظر: 2537 - فتح: 7/ 321]

4019 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيد، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَد. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ قَال: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ - وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ الْكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَىَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَال: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ. أأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقْتُلْهُ". فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التِي قَالَ". [6865 - مسلم: 95 - فتح: 7/ 321]

4020 -

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْر: "مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟ ".

ص: 82

فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ، فَقَالَ: آنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: قَالَ سُلَيْمَانُ: هَكَذَا قَالَهَا أَنَسٌ، قَالَ: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟! قَالَ سُلَيْمَانُ: أَوْ قَالَ قَتَلَهُ قَوْمُهُ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي. [انظر: 3162 - مسلم: 1800 - فتح: 7/ 321]

4021 -

حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاس، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنهم لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ لأَبِى بَكْر: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ. فَلَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ شَهِدَا بَدْرًا، فَحَدَّثْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْر، فَقَالَ: هُمَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ. [انظر: 2462 - فتح: 7/ 322]

4022 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ: كَانَ عَطَاءُ الْبَدْرِيِّينَ خَمْسَةَ آلَافٍ خَمْسَةَ آلَافٍ. وَقَالَ عُمَرُ: لأُفَضِّلَنَّهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ. [فتح:7/ 323]

4023 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْر، عَنْ أَبِيهِ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِي. [انظر: 765 - مسلم: 463 - فتح: 7/ 323]

4024 -

وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ:"لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ".

وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الأُولَى - يَعْنِى: مَقْتَلَ عُثْمَانَ - فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ - يَعْنِى: الْحَرَّةَ - فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا، ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ. [انظر: 3139 - فتح: 7/ 323]

4025 -

حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ

ص: 83

وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ، قَالَتْ: فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ: بِئْسَ مَا قُلْتِ، تَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا. فَذَكَرَ حَدِيثَ الإِفْكِ. [انظر: 2593 - مسلم: 2770 - فتح: 7/ 323]

4026 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَان، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَة، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: هَذِهِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُلْقِيهِمْ:"هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا". قَالَ مُوسَى: قَالَ نَافِعٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُنَادِى نَاسًا أَمْوَاتًا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ". [انظر:1370 - مسلم:932 - فتح:7/ 323] قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ رَجُلاً، وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: قُسِمَتْ سُهْمَانُهُمْ فَكَانُوا مِائَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

4027 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ الزُّبَيْرِ قَال: ضُرِبَتْ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِمِائَةِ سَهْمٍ. [فتح: 7/ 324]

ذكر فيه ثلاثين حديثًا:

أحدها: حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَاتَ أبو زيد وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا، وَكَانَ بَدْرِيًّا.

خليفة هذا هو ابن خياط بن خيلفة بن خياط أبو عمرو الحافظ العصفري البصري الملقب بشباب، صدوق.

أخرجوا له مع البخاري، مات سنة أربعين ومائتين، وقيل: سنة ست وأربعين، ومحمد بن عبد الله هو ابن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك أبو المثنى وقيل: أبو عبد الله البصري القاضي بالبصرة، الثقة، الصدوق، ولد مع ابن المبارك سنة ثماني عشرة ومائة، ومات سنة

ص: 84

أربع عشرة، وقيل: خمس عشرة ومائتين، أخرجوا له، وأبو زيد لعله قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، كما ساقه ابن سعد، قال: ويكنى أبا زيد، ويذكرون أنه ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له من الولد زيد وإسحاق وخولة، وأمهم أم خولة بنت سفيان بن قيس بن زعوراء، وشهد قيس بن السكن بدرا وأحدا، والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل يوم جسر أبي عبيد شهيدا سنة خمس عشرة، وليس له عقب

(1)

، كما ذكر أنس أيضاً، وهو الذي قال فيه أنس في موضع آخر: أحد عمومتي.

وبخط الدمياطي بعد هذا

(2)

وأبو زيد ثابت بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج من ولده أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد النحوي البصري، أحد الستة الذين جمعوا القرآن، وذلك في خلافة عمر، شهد أحدا.

وفي "معجم الصحابة" للذهبي: أبو زيد أوس، وقيل: معاذ الأنصاري الذي جمع القرآن، وقال ابن معين: اسمه ثابت بن زيد، ثم قال: أبو زيد سعد بن عبيد يقال: هو الذي جمع، وهو من الأوس، وهو والد عمير، استشهد بالقادسية. قال: وقيل: هو قيس بن السكن، ثم قال: أبو زيد قيس بن السكن بن قيس الخزرجي النجاري

(1)

"الطبقات الكبرى" 3/ 513.

(2)

ورد بهامش الأصل: أي بعد ترجمة قيس بن السكن، وأبو زيد ثابت، والذي ظهر لي أنه تردد بينهما أيهما المراد، وقد جزم قيس هذا أنه شهد بدرًا وأحدًا وبالأخير لم يذكره واحد، الذي ظهر لي منه ترجيح الأول. والله أعلم.

ص: 85

مشهور بكنيته شهد بدرا، وهو الذي جمع القرآن، وقال ابن التين: أبو زيد هذا أحد أعمام زيد بن ثابت، وهو أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: والعقب: الولد وولد الولد قال ابن فارس: ويقال: بل الورثة كلهم عقب

(1)

، قال: والأول أصح.

الحديث الثاني:

حديث ابن خباب -وهو عبد الله بن خباب، أخو مسلم بن خباب، مولى بني عدي بن النجار، وقيل: مولى فاطمة بنت عتبة- أَنَّ أَبَا سَعِيدِ ابْنِ مَالِكٍ الخُدْرِيَّ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا مِنْ لُحُومِ الأضاحي، فَقَالَ: مَا أَنَا بِآكِلِهِ حَتَّى أَسْأَلَ فَانْطَلَقَ إلى أَخِيهِ لأُمِّهِ -وَكَانَ بَدْرِيًّا- قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ نَقْضٌ، لِمَا كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الأَضْاحَى بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

قلت: هو حديث: "إنما نهيتكم من أجل الفاقة التي دبت فيكم، فكلوا وتصدقوا وادخروا" ومذهب علي أن الأمر باق لم ينسخ، ولعله لم يبلغه الناسخ

(2)

.

الحديث الثالث:

حديث هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْد بْنَ سَعِيدِ بْنِ العَاصِي وَهْو مُدَجَّجٌ لَا يُرى مِنْهُ إِلَّا عَيْنَاهُ، وَهْو يُكْنَى أَبا ذَاتِ الكَرِشِ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الكَرِشِ. فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 620.

(2)

في هامش الأصل: والشافعي نص على أنه لم ينسخ وأنه من أجل الفاقة رجع النهي وهذا خلاف ما في الرافعي و"الروضة". ذكره الإسنوي في "مبهماته".

ص: 86

بِالْعَنَزَةِ، فَطَعَنْتُهُ في عَيْنِهِ فَمَاتَ. قَالَ هِشَامٌ: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَيْهِ ثُمَّ تَمَطَّأْتُ، وكان الجَهْدَ أَنْ نَزَعْتُهَا وَقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا. قَالَ عُرْوَةُ: فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ، ثم أخذها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فلما قتل وَقَعَتْ عِثْدَ آلِ عَلِيٍّ، فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ.

(الْعَنَزَةِ): بفتح النون: كالحربة كما قاله الداودي، وقال ابن فارس: هي شبه العكازة

(1)

، وقد سلف إيضاحها في الطهارة.

وفيه: توارثها الخلفاء وأن آل علي لم يرغبوا عن ابن الزبير، ومدجج: بجيمين وكسر الجيم الأولى، وفتحها، قال صاحب "المنتقى" تدجج في شكته تدجج أي: تغطى السلاح فلا يظهر منه شيء فهو مدجج بفتح الجيم وكسرها أي: شاك السلاح تامه.

وقوله: (ثُمَّ تَمَطَّأْتُ) قال الدمياطي: المعروف تمطيت.

الحديث الرابع:

حديث أبي إِدْرِيسَ عَائِذُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصامِتِ -وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا- قال: إن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَايِعُونِي".

قلت: هذا عقبي بدري أنصاري شجري

(2)

نقيب من القواقل أيضًا سموا بذلك؛ لأنهم كانوا في الجاهلية إذا نزل بهم الضيف قالوا قوقل حيث شئت، يريدون اذهب حيث شئت، وقدر ما شئت فإن لك الأمان؛ لأنك في ذمتي. نبه عليه ابن حبان

(3)

.

(1)

"مجمل اللغة" 2/ 632.

(2)

ورد في الأصل: أي: من أصحاب بيعة الرضوان تحت الشجرة.

(3)

"الثقات" 3/ 302 - 203.

ص: 87

الحديث الخامس:

حديث عُقَيْلٍ، عَنِ الزهري، عن عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ - وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ ابنة أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ -وَهْو مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ- كَمَا تبَنَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زيدًا، وَكَانَ مَنْ تبَنَّى رَجُلاً في الجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوَرِثَه مِنْ مِيرَاثِهِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:5] فَجَاءَتْ سَهْلَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ الحَدِيثَ.

ويأتي إن شاء الله في النكاح

(1)

، وكذا رواه أبو داود

(2)

والنسائي، وقال: هند بنت الوليد، وكذا سماها الزبير وخالفه مالك، فيما خرجه في "موطئه " من طريق الزهري أيضًا، عن عروة، عن عائشة، وسماها فاطمة بنت الوليد

(3)

. وكذا قاله أبو عمر

(4)

تقليدًا لمالك. ولم يذكر ابن سعد ولا أبو عمر في الصحابة هند بنت الوليد، ولم يذكر ابن سعد مرة فاطمة بنت الوليد، بل ذكر عمتها فاطمة بنت عتبة، وأنها التي تزوج بها سالم

(5)

.

قال الدمياطي: ولا أظنه صحيحا، وقد ذكر ابن منده في "الصحابة" عن أبي بكر بن الحارث عن فاطمة بنت الوليد أنها كانت بالشام تلبس الثياب من ثياب الخز، ثم تأتزر، فقيل لها: أما يغنيك عن الإزار، فقالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالإزار، وخالف ابن سعد

(1)

سيأتي برقم (5088) باب: الأكفاء في الدين.

(2)

أبو داود (2061)، "سنن النسائي" 6/ 63 - 64.

(3)

"الموطأ" ص 374.

(4)

"الاستيعاب" 4/ 455.

(5)

"الطبقات الكبرى" 8/ 238.

ص: 88

قوله في ترجمة سالم فذكر أنها فاطمة بنت الوليد بسند غير طريق مالك

(1)

، وفي "معجم الذهبي": فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة زوج سالم مولى أبي حذيفة من المهاجرات، تزوجها بعد سالم الحارثُ بن هشام فيما زعم ابن إسحاق الفروي -وليس بشيء- ثم قال: فاطمة بنت الوليد المخزومية أخت خالد بايعت يوم الفتح، وهي زوج ابن عمها الحارث بن هشام

(2)

.

الحديث السادس:

حديث الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقولِي هَكَذَا، وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ".

الندب: أن تدعو النادبة الميت بأحسن الثناء عليه، والدف: ما يلعب به، مفتوح الدال ومضمومها.

الحديث السابع:

حديث ابن عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أبو طلحة صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَذخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كلْبٌ وَلَا صُورَةٌ". يُرِيدُ صورة التَّمَاثِيلَ التِي فِيهَا الأَرْوَاحُ.

وقوله: (يُرِيدُ) فهو من قول ابن عباس، كما قاله القابسي، وجزم به

ابن التين، ثم قال: وقيل: يريد كل صورة إلا ما كان رقما في ثوب. قاله

(1)

المصدر السابق 3/ 86.

(2)

في هامش الأصل: وجزم الذهبي في هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة بأنه تزوجها

سالم مولى عمها أبي حذيفة.

ص: 89

أبو سلمة، وقال مالك: هو أخف بما خرط خرطًا وترك الجميع أحب إلى، قيل: المراد بالملائكة: غير الحفظة، وقيل: يدخله غيرها إلا أن دخولهم فيه أقل من دخولهم ما لا صورة فيه.

الحديث الثامن:

حديث علي في جب الشارف بطوله، سلف في البيع، وقوله:(اجتبَّ)، وفي رواية: أجبت، والوجه: جبت. قال ابن التين: كذا صوابه. وقوله: (في شرب) هو جمع شارب كتاجر وتجر.

و (النِّوَاءِ): السمان جمع ناوية، أي: سمينًا وثمل: سكران.

و (الْقَهْقَرى): الرجوع إلى وراء. قال ابن ولاد تكتب بالياء لأنها مقصورة

(1)

.

الحديث التاسع:

حديث ابن مَعْقِلٍ -بالعين والقاف- أَنَّ عَلِيًّا كَبَّرَ ستًّا على سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، معنى (كبر على سهل) أي: كبر على جنازته.

وقد سلف الكلام على عدد التكبير في بابه.

الحديث العاشر:

حديث سَالِمٍ عن أبيه، عن جده عُمَرَ رضي الله عنهما حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، فعرضها على عثمان، ثم الصديق، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحديث بطوله، وسيأتي في النكاح.

ومعنى (تَأَيَّمَتْ): صارت لا بعل لها، وخنيس -بالخاء المعجمة-

(1)

"المقصور والممدود" ص 89.

ص: 90

أخو عبد الله بدري له هجرتان وأصابه بأحد جراحة فمات منها، وفي الصحابة خنيس ثلاثة سواه، مخفف.

الحديث الحادي عشر:

حديث أبي مَسْعُودٍ البَدْرِيَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نَفَقَةُ الرَّجُلِ على أَهْلِهِ صَدَقَةٌ".

ذكره لأبي مسعود واسمه عقبة بن عمرو كما سيأتي ذلك على أنه شهد بدرا، وبه صرح في روايته بعد أيضاً، وذكره في البدريين أيضًا، وفيه: خلاف، قيل: إنه شهدها. وقيل: نزلها. قال ابن عبد البر: ذهب طوائف من العلماء إلى الأول ولا يصح

(1)

، وقال الحاكم أبو أحمد والطبراني: يقال ذلك

(2)

، وقال البغوي: حدثني عمي ثنا أبو عبيد قال: إنه شهدها، وقال البرقي: لم يذكره ابن إسحاق فيهم وفي غير حديث أنه شهدها، وفي "الكمال" عن ابن إسحاق شهدها، وقال مسلم في "كناه" والكلبي: شهدها، وأما الواقدي: فقال: لا. ولا اختلاف بين أصحابنا فيه، ويقول الكوفيون في روايتهم: أبو مسعود البدري، وليس ذلك يثبت.

الحديث الثاني عشر:

حديث الزُّهْرِيِّ، سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ في إِمَارَتِهِ: أَخَّرَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ العَصْرَ وَهْو أَمِيرُ الكُوفَةِ، فَدَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ جَدُّ زيدِ بْنِ حَسَنٍ -شَهِدَ بَدْرًا- فذكر حديث المواقيت وقد سلف في الصلاة.

(1)

"الاستيعاب" 4/ 318 - 319.

(2)

"المعجم الكبير" 17/ 194 - 195.

ص: 91

والإمارة: بكسر الهمزة الولاية، وزيد بن حسن هو ابن علي بن أبي طالب، أمه أم بشير بنت أبي مسعود، تزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فولدت له، ثم خلف عليها الحسن بن علي بن أبي طالب فولدت له زيدا، ثم خلف عليها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي فولدت له عمرا.

الحديث الثالث عشر:

حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ وَهو يطوف بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُهُ، فَحَدَّثَنِيهِ.

ويأتي في التفسير، أيضًا

(1)

والآيتان هما {آمَنَ الرَّسُولُ} إلى آخره، قيل: أقل ما يكفي في قيام الليل آيتان؛ لهذا الحديث. يريد مع أم القرآن، وقيل: أقله ثلاث؛ لأنه ليس سورة أقل من ذلك.

وقوله: (فسألته) فيه: الحديث في الطواف، وتعليم العلم والسؤال عنه وما خفَّ من الحديث فهو جائز فيه.

الحديث الرابع عشر:

حديث عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ- أَنَّهُ أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الحديث ساقه في باب صلاة النوافل جماعة، بطوله

(2)

.

(1)

ليس في التفسير إنما هو في فضائل القرآن بأرقام (5008)، (5009)، (5040)، (4051)، انظر:"تحفة الأشرا " 7/ 335 (9999).

(2)

برقم (1186).

ص: 92

قال البخاري: وحَدَّثنَا أَحْمَدُ -هُوَ ابن صَالِحٍ المصري- بإسناده إلى الزهري ثم سَأَلْتُ الحضري وَهْوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ، وَهْوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بن مالك فَصَدَّقَهُ.

والسراة: الخيار، ومحمود بن الربيع هو ابن سراقة أنصاري خزرجي له رؤية، مات سنة تسع وتسعين عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم الخزرجي السالمي بدري، توفي زمن معاودة، وله رواية.

الحديث الخامس عشر:

حديث الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ -وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ بَنِي عَدِي، وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى البَحْرَيْنِ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُو خَالُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ.

عبد الله بن عامر بن ربيعة هو ابن مالك بن عامر بن ربيعة بن حجر بن سلامان بن مالك بن رفيدة بن رفيدة بن عنز، أخي بكر وتغلب بني وائل بن قاسط بن أفصى حالف عامر الخطاب بن نفيل ثم تبناه، وأسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين جميعًا معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة العدوية، وشهد بدرًا وما بعدها، ومات قبل قتل عثمان بأيام، ولابنه صحبة أيضًا، وهو الأخ الأكبر، أما الأصغر عبد الله بن عامر بن ربيعة، ولد سنة ست من الهجرة، ومات

سنة خمسين قاله الذهبي

(1)

، وقال الدمياطي: سنة أربع وخمسين. وقيل: سنة تسع وثمانين. وقيل سنة خمس.

(1)

"سير أعلام النبلاء" 3/ 521.

ص: 93

وقدامة أخو عثمان وعبد الله والسائب بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، شهدوا بدرًا إلا السائب، وخالف الكلبي في السائب فقال: شهدها

(1)

.

وزينب بنت مظعون زوج عمر أم عبد الله وحفصة، وقتيلة بنت مظعون (أخت)

(2)

حطاب وحاطب ابني الحارث بن معمر بن حبيب، وكانت صفية بنت الخطاب عند قدامة؛ لأنه شرب الخمر، وتأول قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} فجلده الحد عمر، ولم يحد أحدا من أهل بدر إلا قدامة، وغاضب عمر، وقال عمر: ما وليت أحدًا لي فيه سواء إلا قدامة، فلم يبارك لي فيه يريد لأنه صهره فخلى فرأى عمر في منامه أنه قيل له: صالح قدامة فإنه أخوك فاستيقظ فقال: علي به فأتي فأخبر، فقال عروة: فأتي به فجعل عمر يستغفر له فاصطلحا

(3)

.

الحديث السادس عشر:

حديث الزُّهْرِيِّ، عن سَالِم: أَخْبَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، أَنَّ عَمَّيْهِ -وَكَانَا شَهِدَا بَدْرًا- أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كِرَاءِ المَزَارعِ. قُلْتُ لِسَالِمٍ: أتكريها أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَافِعًا أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ.

(1)

قاله ابن سعد في "الطبقات": 3/ 402.

(2)

كذا بالأصل والصحيح: أن قتيلة بنت مظعون هي أم حطاب وحاطب، انظر:"الطبقات الكبرى" لابن سعد 4/ 201، و"الاستيعاب" 3/ 486 (2495) ترجمة معمر بن الحارث الجمحي، و"أسد الغابة" 5/ 234 (5030) ترجمة معمر أيضًا.

(3)

رواه عبد الرزاق في "المصنف" 9/ 240 (17076)، والبيهقي في "السنن" 8/ 315، من طريق الزهري عن عبد الله بن عامر.

ص: 94

هذا الحديث تقدم أصله في المزارعة، وأن النهي إنما هو عن بعض ما يخرج منها. وعماه ظهير ومظهر ابنا رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة كما نبه عليه الدمياطي، ولم يشهدا بدرًا إنما شهدا أحدا وشهد ظهير العقبة الثانية.

قلت: وقتل ظهير بخيبر زمن عمر قتله غلمان له، فأجلى عمر أهل خيبر من أجل ذاك؛ لأنه كان بأمرهم.

الحديث السابع عشر:

حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الهَاديِ الليثي قَالَ: رَأَيْتُ رِفَاعَةَ بْنَ رَافِعٍ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا.

قد سلف الكلام على جماعه في الباب قبل هذا.

الحديث الثامن عشر:

حديث عمرو بن عَوْفٍ -وَهْو حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدةَ بْنَ الجَرَّاحِ إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا. الحديث.

وقدوم مال البحرين سلف في باب: فداء المشركين

(1)

. وعمرو هذا أنصاري أيضا كذا هو هنا عمرو، وكذا هو عند ابن إسحاق، وسماه موسى بن عقبة وأبو معشر والواقدي عمير بن عوف بالتصغير، وكذا سماه ابن سعد، وقال: إنه مولى سهيل بن عمرو ويكنى أبا عمرو، كان من مولدي مكة، نزل على كلثوم بن الهدم لما هاجر، وشهد مع بدر أحدًا والخندق، والمشاهد كلها، مات في خلافة عمر بن الخطاب وصلى عليه

(2)

.

(1)

سلف برقم (3049).

(2)

"الطبقات الكبرى" 1/ 407.

ص: 95

الحديث التاسع عشر:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أنه كَانَ يَقْتُلُ الحَيَّاتِ كُلَّهَا، حَتَّى حَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ البَدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ البُيُوتِ، فَأَمْسَكَ عَنْهَا.

وقد سلف في دار ذكر الجن، وسلف ذكر أبي لبابة واضحًا مع إخوته، واسمه بشير بن عبد المنذر، وكان قارف ذنبًا وربط نفسه بسلسلة، وأقام تسعة عشر يومًا لا يأكل، فإذا كان وقت الصلاة أتته ابنته فحلته فيتوضأ، ثم تربطه، وحلف لا يحله أحد حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحله فتاب الله عليه، وحله النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

.

الحديث العشرون:

حديث أَنَسٍ أَنَّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأذَنُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ. قَالَ: "والله لَا تدعون مِنْهُ دِرْهَمًا".

وقد سلف في الجهاد في باب: فداء المشركين

(2)

.

الحديث الحادي بعد العشرين:

حديث عُبَيْد اللهِ بْن عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ عن المِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الكِنْدِيَّ -وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم -أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ الكُفَّارِ ..

الحديث كذا هنا المقداد بن عمرو.

(1)

ورد في هامش الأصل: ذكر السهيلي حديثا بسند فيه مقال ومرسل أن فاطمة حلته.

(2)

سلف برقم (3048).

ص: 96

وكذا ذكره بعد في تسمية من شهد بدرا، وكنيته أبو معبد، وذكر في الطهارة المقداد بن الأسود

(1)

، والصحيح ما هنا، والأسود إنما رباه فنسب إليه وتبناه، ويقال: كان في حجره، ويقال: كان عبدًا حبشيًّا فتبناه، ولا تصح عبوديته. قال ابن حبان: وكان أبوه عمرو حالف كندة فنسب إليها

(2)

، وهو من بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، أصاب أبوه دما في قومه فهرب إلى كندة مخالفهم، ثم أصاب فيهم دماً فهرب إلى مكة، فحالف الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، فتبناه الأسود، ومات في خلافة عثمان.

ومعنى (لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ) تحيل في الفرار مني بها، ومنه قوله تعالى:{يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [النور:63] إلا أن لواذا مصدر لاوذ ومصدر لاذ لياذا.

وقوله: (قطع إحدى يدي، ثم أسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "لَا تقتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قبل ان تقتله وَإِنَّكَ بِمنزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التِي قَالَ").

معنى "فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تقْتُلَهُ" أي: مسلم مثلك محظور الدم، جب الإسلام عنه قطع يدك، وكذلك لوكان قبل لجب إسلامه ذلك عنه.

وقوله: ("وإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ" إلى آخره، فيه تأويلات:

أحدها: أن دمك صار مباحًا بقتلك إياه يالقصاص بمنزلة دم الكافر بحق الدين، ولم يرد إلحاقه بالكفر قاله الخطابي

(3)

.

(1)

سلف ذكر المقداد بن الأسود في باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين برقم (178) من حديث علي بلفظ: كنت رجلاً مذاءً.

(2)

" الثقات" 3/ 371.

(3)

"أعلام الحديث" 3/ 1712.

ص: 97

وقال الداودي: يكون آثمًا كما كان هو آثم في كفره فجمعكما اسم الإثم، ويبين ذلك حديث أسامة. وقال عبد الملك أي: أنت عنده حلال الدم قبل أن يسلم كما أنه عندك حلال الدم. وقالت الخوارج، ومن يكفر المسلم بالكبيرة أي: يكون كافرًا، ويبعده على قولهم أنه متأول في قتله أنه أسلم مكرها، وقيل: أراد قتله مستحلا.

الحديث الثاني بعد العشرين:

حديث أنس في قتل أبي جهل ضَرَبَهُ ابنا عَفْرَاءَ فَقَالَ: أنت أَبَا جَهْلٍ .. الحديث، أي: أنت المقتول الذليل يا أبا جهل على جهة التقريع والتوبيخ، وإظهار التشفي.

أو قوله: (وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قتلتموه).

وقال أبو مجلز: قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني.

يريد أنهم يريدون قتله، وتعاونوا عليه، وإن لم يتولوا ذلك؛ لأنه إنما قتله ابنا عفراء وهم أنصار عمال أنفسهم ولذلك قال: فلو غير أكار قتلني لتسليت بقتل رجل وجيه ولا تسلية في النار وإنما سمى القاتل أكارا؛ لأنه يعمل الأُكرة، وهي الحفرة.

وقوله: (فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي) تقديره لو قتلني غير أكار؛ لأن (لو) لا يأتي بعدها إلا الفعل، ولا يأتي الاسم.

الحديث الثالث بعد العشرين:

حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قال: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ. فَلَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ شَهِدَا بَدْرًا، فَحَدَّثْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: هُمَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ.

ص: 98

عويم بن ساعدة بن عائش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وأصله من بلي عقبي بدري كبير، وليس في الصحابة عويم بن ساعدة سواه. ومعن بن عدي هو ابن الجد بن العجلان أخو عاصم بن عدي بلوي حليف بني عمرو بن عوف عقبي بدري مشهور، قتل باليمامة. وبنو العجلان من بلي بن عمرو بن إلحاف بن قضاعة حلفاء بني عمرو بن عوف من الأنصار.

الحديث الرابع بعد العشرين:

حديث قَيْسٍ قال: كَانَ عَطَاءُ البَدْرِّيينَ خَمْسَةَ آلَافٍ خَمْسَةَ آلَافٍ. وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لأُفَضِّلَنَهُمْ على مَنْ بَعْدَهُمْ.

فيه فضل ظاهر لهم.

الحديث الخامس بعد العشرين:

حديث الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بن مطعم، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بِالطُّورِ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ في قَلْبِي. وهذا الحديث سلف في الصلاة والجهاد

(1)

، ومعنى: وقر: ثبت، ومنه:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أي: اجلسن على أحد الأقوال فيه.

الحديث السادس بعد العشرين:

ثم قال البخاري: وَعن الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيه. أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ في أسَارى بَدْرٍ:"لَو كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَني في هؤلاء النَّتْنَى لَتَرَكتُهُمْ لَهُ".

(1)

سلف برقم (765) باب: الجهر في المغرب، وبرقم (3050) باب: فداء المشركين.

ص: 99

هذا الحديث سلف في الخمس

(1)

، واليد التي كانت للمطعم قيامه في نقض الصحيفة ودخول النبي صلى الله عليه وسلم في جواره.

الحديث السابع بعد العشرين:

وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَقَعَتِ الفِتْنَةُ الأُولَى -يَعْنِي: مَقْتَلَ عُثْمَانَ- فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَهل بَدْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ وَقَعَتِ الفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ -يَعْنِي: الحَرَّةَ- فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا، ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَللنَّاسِ طَبَاخٌ.

قوله: (يَعْنِي: مَقْتَلَ عُثْمَانَ) إلى آخره نسب إلى الوهم، يوضحه أن عليَّا والزبير وطلحة وسعدا وسعيدا وغيرهم رضي الله عنهم كثيرا عاشوا بعد ذلك إلى صفين، بل ذكر أبو العباس بن عقدة أن نيفا وسبعين رجلاً شهدوها من البدريين مع اختلاف فيه لا جرم.

قال الداودي: عني بالفتنة الأولى مقتل الحسين رضي الله عنه، والثالثة الفتنة التي كانت بالعراق مع الأزارقة وغيرهم.

وقال ابن التين: الثانية يحتمل أن تكون يوم خرج بالمدينة أبو حمزة الخارجي؛ لأن يحيى بن سعيد قال: لم نترك الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ كان الرسول إلا ثلاثة أيام: لما قتل عثمان، ويوم الحرة قال مالك: ونسيت الثالثة. قال: محمد بن عبد الحكم هو يوم خرج بها أبو حمزة الخارجي. قال مالك: قتل يوم الحرة سبعمائة ممن حمل القرآن. قال أبو القاسم: أشك أن فيهم أربعة من الصحابة.

وقوله: (طَبَاخٌ) أجل الطباخ القوة والسمن كما قاله الخليل

(2)

، وهو

(1)

سلف برقم (3139) باب: ما من النبي صلى الله عليه وسلم على الأسارى من غير أن يخمس.

(2)

"العين" 4/ 225.

ص: 100

بفتح الطاء، وتخفيف الباء، ثم استعمل في العقل والخير، فقيل: فلان لا طباخ له ولا عقل ولا خير قال حسان:

المال يغشى رجالا لا طباخ لهم

كالسيل يغشى أصول الدندن البالي

الدندن: بكسر الدالين وبالنون وهو ما اسود من النبات لقدمه، وعبارة الخطابي هو بخاء معجمة مخفف من لا عقل له

(1)

، وعبارة "الصحاح": رجل ليس به طباخ -أي: قوة ولا سمن- ثم ذكر البيت المذكور

(2)

.

وقوله: (ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ فَلَمْ تَرْتَفِعْ) قال الدمياطي: المعروف: ولو وقعت الثالثة لم ترتفع إلى آخره كما رواه ابن أبي خيثمة: حدثنا نصر بن المغيرة البخاري، ثنا سفيان، عن يحيى -يعني ابن سعيد- قال: سمعت سعيدا يقول: وقعت فتنة النار فلم تبق من أهل بدر أحدا ووقعت فتنة الحرة فلم تبق من أهل الحديبية أحدًا، ولو وقعت فتنة فلم ترتفع وللناس طباخ.

الحديث الثامن بعد العشرين: حَدِيثَ الإِفْكِ:

وفيه: تعيين مسطح، وأنكر، لأنه شهد بدرًا، وقد سلف بطوله في باب: تعديل النساء

(3)

، ويأتي في تبوك

(4)

، وفي إسناده عبد الله بن عمر بن عاصم النميري الرعيني قاضي إفريقية، انفرد به البخاري، وهو مستقيم الحديث، مات سنة تسعين ومائة، وولد سنة ثمان وعشرين ومائة، نقله الدمياطي عن أبي علي في "المعرب".

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1714.

(2)

"الصحاح" 1/ 427.

(3)

سلف برقم (2661)، كتاب: الشهادات.

(4)

في الأصل أعلاها: كذا. وورد تعليق عليها في الهامش نصه: وإنما يأتي بعد غزوة

بني المصطلق وبعد [قلت: سيأتي برقم (4141) في باب: حديث الإفك].

ص: 101

الحديث التاسع بعد العشرين:

حديث ابن شِهَابٍ قَالَ: هذِه مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وذكر الحَدِيثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -وَهْو يُلْقِيهِمْ:"هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُم رَبُّكُمْ حَقًّا"؟ قَالَ مُوسَى: قَالَ نَافِعٌ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُنَادِي نَاسًا أَمْوَاتًا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ".

فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وأجره أَحَدٌ وَثَمَانُونَ رَجُلاً، فكان عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: قُسِمَتْ سُهْمَانُهُمْ فَكَانُوا مِائَةً.

ثم ساق عن مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: ضُرِبَتْ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِمِائَةِ سَهْمٍ.

سلف قريبًا ما قسم فيهم مع الجواب عنه.

وقول الزبير: قسمت سهمانهم يريد المهاجرين، وقوله: فكانوا مائة قال الداودي: الله أعلم. هل هو من كلام الزبير فدخله بعض الشك لطول الزمان أو من قول الراوي عنه، وإنما كانوا أربعة وثمانين وكانت معهم ثلاثة أفراس فأسهم لها بسهمين، سهمين وضرب صلى الله عليه وسلم لرجال كان بعثهم في بعض أمره بسهامهم مع أهل بدر وبشرهم نيل أجورهم، وكانوا في عدادهم، ولعل قول الزبير يصح على أن من غاب عن شهود بدر، وضرب له بسهمه مثل عثمان بن عفان هم تمام المائة ممن شهدها.

ص: 102

‌13 - باب تَسْمِيةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي الْجَامِعِ [الَّذِى وَضَعَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ]

النَّبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ صلى الله عليه وسلم، إِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الْقُرَشِيِّ، حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ، حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفٌ لِقُرَيْشٍ، أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ، حَارِثَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَاريُّ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كَانَ فِي النَّظَّارَةِ، خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَاريُّ، خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَاريُّ، رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَبُو لُبَابَةَ الأَنْصَاريُّ، الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ، زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ أَبُو طَلْحَةَ الأَنْصَاريُّ - أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَاريُّ - سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الزُّهْرِيُّ، سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ الْقُرَشِيُّ، سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْقُرَشِيُّ، سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الأَنْصَاريُّ، ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَاريُّ وَأَخُوهُ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْقُرَشِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ الْقُرَشِيُّ، عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الأَنْصَاريُّ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْقُرَشِيُّ خَلَّفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَتِهِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ، عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَاريُّ، عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَنَزِيُّ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ

ص: 103

الأَنْصَارِيُّ، عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ الأَنْصَارِيُّ، عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ، مُعَاذُ بْنُ عمرو بن الجَمُوح، مُعَوِّذُ ابن عَفْرَاءَ وَأَخُوهُ، مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو أُسَيْدٍ الأنْصَارِيُّ، مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ، مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، مِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه. [فتح: 7/ 326]

النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله الهاشمي، عبد الله بن عثمان أبو بكر القرشي الصديق، عمر بن الخطاب العدوي، عثمان بن عفان القرشي؛ خلفه النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته وضرب له بسهمه وأجره، علي بن أبي طالب الهاشمي، بلال بن رباح مولى أبي بكر القرشي، حمزة بن عبد المطلب الهاشمي، حاطب بن أبي بلتعة حليف لقريش، أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي، حارثة بن الربيع الأنصاري قتل يوم بدر، وهو حارثة بن سراقة كان في النظارة، خبيب بن عدي الأنصاري، خنيس بن حذافة السهمي، رفاعة بن رافع الأنصاري، رفاعة بن عبد المنذر، أبو لبابة الأنصاري، الزبير بن العوام القرشي، زيد بن سهل، أبو طلبة الأنصاري، أبو زيد الأنصاري، سعد بن مالك الزهري، سعد بن خولة القرشي، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي، سهل بن حنيف الأنصاري، ظهير بن رافع الأنصاري وأخوه، عبد الله بن مسعود الهذلي، عبد الرحمن بن الزهري، عبيدة بن الحارث القرشي، عبادة بن الصامت الأنصاري، عمرو بن عوف حليف بني عامر بن لؤي، عقبة بن عمرو الأنصاري، عامر بن

ص: 104

ربيعة العنزي العدوي، عاصم بن ثابت الأنصاري، عويم بن ساعدة الأنصاري، عتبان بن مالك الأنصاري، قدامة بن مظعون، قتادة بن النعمان الأنصاري، معاذ بن عمرو بن الجموح، معوذ بن عفراء وأخوه، مالك بن ربيعة أبو أسيد الأنصاري، مسطح بن أثاثة بن عباد بن (المطلب)

(1)

بن عبد مناف، مرارة بن الربيع الأنصاري، معن بن عدي الأنصاري، مقداد بن عمرو الكندي حليف بني زهرة، هلال بن أمية الواقفي.

هذا آخر ما ذكره البخاري، وما ذكره في (خبيب بن عدي) قد سلف الاعتراض في قتله، وإنما هو خبيب بن يساف فراجعه

(2)

، ويقال: خبيب بن إساف، عن خبيب بن عبد الرحمن، أن جده هذا خبيبا ضرب يوم بدر فمال شقه فتفل عليه رسول الله ولَأَمَهُ ورده، فانطلق

(3)

.

وما ذكره في (رفاعة بن عبد المنذر أبي لبابة) إنما هو أبو لبابة بن عبد المنذر، وليس بـ (أبي لبابة) كما نبه عليه الدمياطي، واسم أبي لبابة بشير كما سلف

(4)

.

و (أبو زيد الأنصاري) قيس بن السكن كما سلف في الباب قبله

(5)

. وأخو ظهير اسمه مظهر بن رافع كما سلف في الباب قبله

(6)

. وأنه لم يشهد بدرا بل أحدًا، وشهد ظهير العقبة الثانية.

(1)

في الأصل: (عبد المطلب) والمثبت من اليونينية وهو الصحيح.

(2)

انظره في شرح الحديث الخامس من الباب السابق.

(3)

قاله ابن سيد الناس في "عيون الأثر" 1/ 425، والذهبي في "تاريخ الإسلام" 2/ 99

(4)

انظره في شرح الحديث التاسع عشر من الباب السابق.

(5)

انظره في شرح الحديث الأول منه.

(6)

انظر السابق.

ص: 105

وما جزم به في عقبة بن عمرو قد سلف الاختلاف فيه في الباب قبله، وشهد العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم، عرف بالبدري لنزوله بها، أو لموته بها، وأخوة معوذ معاذ وعوف بنو عفراء شهدوا بدرا، وأسلمت أمهم، وشهدها أيضا معاذ ومعوذ وخلاد بنو عمرو بن الجموح، ومعاذ هو الذي ضرب ساق أبي جهل فقطعها، وضربه -أعني: معاذًا- ابنه عكرمة على عاتقه فطرح يده فتعلقت بجلدة، ولم يذكر ابن إسحاق معوذا، ذكره كله الدمياطي وزاد -أعني ابن إسحاق- للثلاثة رابعا يسميه رفاعة شهد عنده بدرًا، وأنكره الواقدي، ومعوذ بكسر الواو، وكان الوقشي يأبى إلا الفتح، وما ذكره في جرح يده، وتعلقها بجلده هو ما ذكره ابن إسحاق بزيادة: لقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت حتى طرحتها

(1)

.

قال عياض: وزاد ابن وهب في روايته: فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلصقت

(2)

. قال ابن إسحاق: ثم عاش إلى زمن عثمان

(3)

.

وما ذكره في مرارة وهلال سلف التنبيه عليهما في مقتل خبيب وأنهما ليسا بدريين، ومرارة ومعن

(4)

بكريان حليفا الأنصار.

وقوله في مِسْطَح بْن أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ المُطَّلِبِ، كذا صوابه، وادعى الجياني أنه وقع في نسخة أبي زيد: ابن عبد المطلب.

(1)

"سيرة ابن هشام" 2/ 275 - 276.

(2)

"الشفا" 1/ 324.

(3)

"سيرة ابن هشام" 2/ 275 - 276.

(4)

ورد في هامش الأصل: يعني: ابن عدي.

ص: 106

وصوابه ابن المطلب، وكذا في نسخة عن النسفي

(1)

.

وما ذكره في سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل هو كذكره عثمان بن عفان فيهم حيث ضرب له بسهمه، قدم من الشام بعد ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فكلمه، فضرب له بسهمه وأجره، وذكر أبو عمرو، ثم وهب بن أبي سرح أخو عمرو بن أبي سرح، وحكاه عن موسى بن عقبة

(2)

، وليس في "مغازيه". نعم ذكر عن ابن هشام عن غير ابن إسحاق وهب بن سعد بن أبي سرح العامري

(3)

، ولا نعرف ثلاثة شهدوا بدرا: أب وجد وابن إلا معن بن يزيد بن الأخنس السلمي على قول، والأكثر على أنهم لم يشهدوها

(4)

، ووقع في مسلم: سعد بن عبادة

(5)

ولم يصح، وإن ذكره الواقدي والمدائني وابن الكلبي فيهم، ولم يذكره ابن عقبة وابن إسحاق، وكذا من عد جابرًا منهم

(6)

. واختلف في شهود أبي قتادة لها

(7)

.

وجملة من شهدها بخلف ثلاثمائة وثلاثة وستون، مائة وخمسة وتسعون من الخزرج، وأربعة وسبعون من الأوس، وأربعة وتسعون من المهاجرين وهو أكثر من عدد أهل بدر، ونظير ذلك ما وقع في العقبة.

(1)

"تقييد المهمل" 2/ 673.

(2)

أنظر: "الاستيعاب" 4/ 121.

(3)

"سيرة ابن هشام" 2/ 232.

(4)

انظر: "الروض الأنف" 3/ 102.

(5)

مسلم (1779) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة بدر.

(6)

انظر: "الاستيعاب" 1/ 293.

(7)

المصدر السابق.

ص: 107

وأول قتيل من المسلمين يوم بدر مهجع مولى عمر بن الخطاب، رمي بسهم فقتل ثم حارثة بن سراقة

(1)

.

فصل:

واستشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين يوم بدر عبيدة بن الحارث، وعمير بن أبي وقاص ابن ستة عشر أوسبعة عشر، وعمير بن الحمام، وسعد بن حثمة، وذو الشمالين وغيرهم ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، ستة من الخزرج، واثنان من الأوس.

وقتل من المشركين سبعون، وأسر سبعون، ومن مشاهير القتلى عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد وأبو جهل بن هشام وأخوه العاصي قتله عمر.

ومن الأسرى الذين أسلموا العباس، وعقيل ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب. ويذكر أن العباس كان جسيمًا أسره أبو اليسر سعد

(2)

بن عمرو، وكان دميمًا فقيل للعباس لو أخذته لوسعته كفك فقال: ما هو إلا أن لقيته فظهر في عيني كالخندمة

(3)

وهو جبل بمكة.

ومنهم خالد بن الأعلم وهو القائل:

ولسنا على الأعاقب تدمى كلومنا

ولكن على أقدامنا تقطر الدما

وهو أول من فر يوم بدر فأدرك وأسر، وأول أسير فدي منهم.

أبو وداعة بن صبيرة السهمي

(4)

.

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 267.

(2)

في هامش الأصل: صوابه كعب.

(3)

رواه البزار في "مسنده" 4/ 125 (1297).

(4)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 365.

ص: 108

فصل:

روى محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر:"من قتل قتيلًا فله سلبه، ومن جاء بأسير فله سلبه " فجاء أبو اليسر بأسيرين، فقال سعد: أي رسول الله أما والله ما كان بنا جبن عن العدو

(1)

الحديث، والمشهور أن هذا كان يوم حنين والكلبي ضعيف، وروايته عن أبي صالح، عن ابن عباس مخصوصة بمزيد تضعيف.

فصل:

وهلك أبو لهب بالعدسة فرمي بعود في حفرة وقذف عليه بالحجارة من بعيد حتى وري.

فصل:

فلما أوقع الله بالمشركين يوم بدر ما وقع قالوا: إن ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها يدفع إلينا من عنده من أتباع محمد بمن قتل منا ببدر، وبعثوا عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة إلى الحبشة، فلما بلغ صلى الله عليه وسلم مخرجهما بعث عمرو بن أمية من المدينة إلى النجاشي بكتاب. ذكره أبو عمر

(2)

.

فصل:

ذكر ابن سعد بعد ذلك سرية عمير بن عدي إلى عصماء بنت مروان لخمس ليال بقين من رمضان، على رأس تسعة عشر شهرًا من مهاجره، ثم سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك اليهودي في شوال على رأس

(1)

عزاه الزيلعي في "نصب الراية" 3/ 430 لابن مردويه في "تفسيره" وساقه بسنده.

(2)

"الدرر" ص 112.

ص: 109

عشرين شهرا من مهاجره

(1)

، وقال ابن إسحاق: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة -يعني: من بدر- لم يقم إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم فبلغ ماء من مياههم يقال له: الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدًا

(2)

وذكر ابن سعد غزوة بني قينقاع يوم السبت نصف شوال على رأس عشرين شهرًا من مهاجره

(3)

.

قال ابن إسحاق: ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة

(4)

. قال ابن سعد: لخمس خلون منها يوم الأحد على رأس اثنين وعشرين شهرا من مهاجره ثم غزوة قرقرة الكدر ويقال قرارة الكدر نصف المحرم على رأس ثلاث وعشرين شهرا من مهاجره، وهى من ناحية معدن بني سليم بينها وبين المدينة ثمانية بُرُد

(5)

.

فصل:

ذكر البخاري بعد وقعة بدر غزوة بني النضير، ونقل عن الزهري عن عروة أنها كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد. قال: وجعلها ابن إسحاق بعد بئر معونة واحد.

ثم ذكر بعده قتل كعب بن الأشرف، وقتل أبي رافع ثم أحد، وكذلك ابن سعد جعل غزوة بني النضير بعد بئر معونة والرجيع بشهر في ربيع الأول على رأس سبعة وثلاثين شهرا من الهجرة فكانت بئر معونة والرجيع في صفر قبلها على رأس ستة وثلاثين، وكانت قبلها في

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 27 - 28.

(2)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 421 - 422.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 28 - 29.

(4)

"سيرة ابن هشام" 2/ 422.

(5)

"الطبقات الكبرى" 2/ 30 - 31.

ص: 110

شوال على راس اثنين وثلاثين شهرا، وكانت بدر القتال في رمضان

-كما سلف- وكانت المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق في شعبان، والخندق بعدها في ذي القعدة سنة خمس

(1)

، قال السهيلي: ذكر ابن إسحاق غزوة بني النضير هنا يعني: بعد بئر معونة وكان ينبغي ذكرها بعد بدر؛ لما روى عقيل وغيره عن الواقدي قال: كانت غزوة بني النضير بعد بدر بستة أشهر

(2)

.

قال ابن التين: وهو دال على أنها كانت في صفر من السنة الثالثة، والذي ذكر أبو محمد في "جامع مختصره" عن الزهري أنها كانت في المحرم منها، قال: وذكر عن غير الزهري أنها كانت تاسع ربيع الأول سنة أربع، خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم وحاصرهم ثلاثة وعشرين يومًا قال: وفيها نزلت صلاة الخوف، وقيل: نزلت في ذات الرقاع.

قال الداودي: وقول ابن إسحاق أشبه لقوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} [لأحزاب: 26] وإنما ظاهروا الأحزاب الذين لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة فأنسأهم، وإنما كان ذلك قبل خروجه إليهم، وذكر ابن سعد أن سرية كعب بن الأشرف كانت لأربع عشرة ليلة مضت من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا من مهاجره

(3)

.

وذكر ابن إسحاق

(4)

أن خبر محيصة بن مسعود مع ابن سنينة -ثم

(1)

المصدر السابق 2/ 48 - 65 بمعناه.

(2)

"الروض الأنف" 3/ 250.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 31.

(4)

"سيرة ابن إسحاق" ص 300.

ص: 111

غزوة غطفان بناحية نجد، ثم غزوة بجران، ثم سرية زيد بن حارثة إلى القردة اسم ماء، ثم أحد، ثم حمراء الأسد، ثم سرية أبي سلمة، ثم سرية عبد الله بن أنيس، وبعث الرجيع، وقصة بئر معونة، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة ذات الرقاع، ثم غزوة بدر الآخرة، ثم غزوة دومة الجندل، ثم غزوة الخندق.

وذكر ابن سعد قبلها -أعني: الخندق- غزوة المريسيع في شعبان من السنة، وقبلها دومة الجندل كما ذكرناه في ربيع الأول على رأس سبعة وأربعين شهرا من مهاجره، وقبلها ذات الرقاع في المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا، وقبلها بدر الموعد في ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا، وقبلها بنو النضير في ربيع الأول سنة أربع، وكان خرج إليهم، وكلمهم أن يعينوه في دية الرجلين الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري حين رجع من بئر معونة، وكان لهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

، وسيكون لنا عودة إلى هذا في الخندق، فاعلم ذلك.

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 57.

ص: 112

‌14 - باب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ

وَمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ، وَمَا أَرَادُوا مِنَ الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ: كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ. وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} [الحشر: 2] وَجَعَلَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَأُحُدٍ.

4028 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: حَارَبَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ، فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ. [مسلم: 1766 - فتح: 7/ 329]

4029 -

حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْحَشْرِ. قَالَ قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ.

تَابَعَهُ هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ. [4645، 4882، 4883 - مسلم: 3031 - فتح: 7/ 329]

4030 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّخَلَاتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ. [انظر: 2630 - مسلم: 1771 - فتح: 7/ 329]

4031 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: حَرَّقَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ -وَهْيَ الْبُوَيْرَة- فَنَزَلَت: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر:5]. [انظر:

ص: 113

2326 -

مسلم: 1746 - فتح: 7/ 329]

4032 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، قَالَ: وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ

حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

قَالَ فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ:

أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ

وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ

سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ

وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ

[انظر: 2326 - مسلم: 1746 - فتح: 7/ 329]

4033 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه دَعَاهُ إِذْ جَاءَهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُون؟ فَقَال: نَعَمْ، فَأَدْخِلْهُمْ. فَلَبِثَ قَلِيلاً، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ يَسْتَأْذِنَان؟ قَال: نَعَمْ. فَلَمَّا دَخَلَا قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِى وَبَيْنَ هَذَا. وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِى أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَاسْتَبَّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ، فَقَالَ الرَّهْطُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدُوا، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ". يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ؟ قَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} [الحشر:6] فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَقَسَمَهَا

ص: 114

فِيكُمْ، حَتَّى بَقِىَ هَذَا الْمَالُ مِنْهَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيَاتَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَبَضَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ. فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: وَقَالَ تَذْكُرَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَمِلَ فِيهِ كَمَا تَقُولَانِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهِ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ. فَقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهِ صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي كِلَاكُمَا وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، فَجِئْتَنِي -يَعْنِى عَبَّاسًا- فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ". فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، لَتَعْمَلَانِ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، وَمَا عَمِلْتُ فِيهِ مُذْ وَلِيتُ، وَإِلاَّ فَلَا تُكَلِّمَانِي، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهُ إِلَيْنَا بِذَلِكَ. فَدَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا، أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهِ بِقَضَاءٍ غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهُ، فَادْفَعَا إِلَيَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهُ. [انظر: 2904 - مسلم: 1757 - فتح:7/ 334]

4034 -

قَالَ فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: صَدَقَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ، أَنَا سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ ثُمُنَهُنَّ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَكُنْتُ أَنَا أَرُدُّهُنَّ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ؟ أَلَمْ تَعْلَمْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ -يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ- إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَالِ"؟ فَانْتَهَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَا أَخْبَرَتْهُنَّ. قَالَ: فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ، مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاسًا فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَحَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، كِلَاهُمَا كَانَا يَتَدَاوَلَانِهَا، ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ، وَهْيَ صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَقًّا. [6727، 6730 - مسلم: 1758 - فتح: 7/ 335]

ص: 115

4035 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا. أَرْضَهُ مِنْ فَدَكٍ، وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ. [انظر: 3012 - مسلم: 1759 - فتح: 7/ 336]

4036 -

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ". وَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِى. [انظر: 3093 - مسلم: 1759 - فتح: 7/ 336]

(باب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ) قد سلف الكلام على ذلك قريبا واضحًا.

والنسبة إلى بني النضير نَضَري.

وهى عند ابن إسحاق في شهر ربيع الأول على رأس خمسة أشهر من وقعة أحد، وهو خلاف ما في الكتاب عن عروة، قال موسى بن عقبة: وكانوا قد دسوا إلى قريش في قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضوهم عليه ودلوهم على العورة.

وقال ابن سعد: خرج إليهم يوم السبت في ربيع الأول على رأس سبعة وثلاثين شهرا من مهاجره

(1)

، وذكر عبد بن حميد في "تفسيره" عن قتادة: كانت مرجعه من أحد، وعن عكرمة هي قبل قتل ابن الأشرف، وأنه في صبيحة قتله أجلاهم، فقالوا: ذرنا نبك على سيدنا. فقال لهم: "لا"، قالوا: فحزة على حزة؟ قال: "نعم"

(2)

.

وقول الزهري الذي ذكره البخاري أسنده الحاكم في "إكليله" من حديث موسى بن المساور، عن الله عبد بن معاذ، عن معمر، عنه، به.

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 57.

(2)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 279، 281.

ص: 116

وفي "الإكليل" عن عروة: بنو النضير ثم ذات الرقاع، ثم دومة الجندل، ثم الخندق. ويأتي في "الصحيح" عن عائشة رضي الله عنها: لما رجع صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح، أتاه جبريل فقال: وضعت السلاح! والله ما وضعناه، اخرج إليهم قال:"إلى أين"؟ قال: إلى هاهنا وأشار إلى بني قريظة

(1)

.

وقال الحاكم: اتفق أهل المغازي على خلافه، فعد إجماعهم أنها قبل الخندق على خلاف بيثهم في وقته، قال: وغزوة بني قريظة والنضير وأحد.

وتابع ابن إسحاق على ذكرها هنا أبو معشر وابن سعد ومقاتل والفراء والزجاج، ونقله إسماعيل بن زياد عن ابن عباس.

فصل:

و (الرجلان) هما اللذان قتلهما عمرو بن أمية الضمري حين قتل أصحاب بئر معونة، وكان عمرو ورجل آخر في سرحهم.

قال ابن هشام: هو المنذر بن محمد؛ قال: لما قاتل وأسروا عمرًا ثم أطلقه عامر بن الطفيل عن رقبة زعم أنها كانت على أمه، فخرج عمرو حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بني عامر، قال ابن هشام: ثم

(2)

من بني كلاب.

وذكر أبو عمر أنهما من بني سليم حتى نزلا معه في ظل هو فيه، فكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لم يعلم به عمرو، وقد سألهما حين نزلا: ممن أنتما؟ فقالا: من بني عامر فأمهلهما

(1)

سيأتي برقم (4117) كتاب: المغازي، باب: مرجع النبي من الأحزاب.

(2)

أي: يمتد نسبهم إليهم.

ص: 117

حتى إذا ناما، عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثُؤْرَه

(1)

.

وروى ابن عباس رضي الله عنهما فيما ذكره أبو نعيم في "دلائله": أنه صلى الله عليه وسلم أتى بني قريظة فسألهم فرحبوا به، وقالوا: إخواننا من بني النضير لا نحب أن نقطع أمرا دونهم، نعلمهم وتأتينا يوم كذا فلما جاء يوم وعدهم أدخلوه في صفة لهم، ثم خرجوا يجمعون به السلاح وينتظرون ابن الأشرف أن يقدم من المدينة ليثوروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل عليه جبريل بخبرهم، فقام ولم يؤذن أصحابه مخافة أن يثوروا إليهم فوقف على باب الحجرة، فلما أبطأ خرج علي فقال: يا رسول الله، أبطأت علينا، فقال:"غدرت بي يهود، أقم مكانك فلا يخرج بعض أصحابك" فأخبره بالأمر، وأوقفه حتى يخرج صاحبه، وكان معه أبو بكر وعمر.

وفي لفظ: أن بني النضير لما تآمروا ألقوا عليه حجرًا فأخذه جبريل

(2)

. وقال ابن إسحاق: فلما قدم عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره قال صلى الله عليه وسلم: "لقد قتلت قتلتين لأدينهما"

(3)

قال: وكان بين بني النضير وعامر حلف وعقد، فقالوا: نعم، يا أبا القاسم نعينك، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذِه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في جنب جدار من بيوتهم قاعد، (فمن)

(4)

رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب

(1)

"الدرر" ص 163.

(2)

"دلائل النبوة" ص 489 - 490.

(3)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 186.

(4)

في الأصل: فمر، والمثبت هو الصواب.

ص: 118

لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي

(1)

.

زاد أبو نعيم: والزبير وطلحة وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة، فقال حيي بن أخطب: قد جاءكم محمد في نفير لا يبلغون عشرة، فاطرحوا عليه حجارة فاقتلوه

(2)

.

قال ابن إسحاق: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام راجعًا إلى المدينة فلما استلبث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا في طلبه فلقوا رجلاً مقبلا من المدينة، فسألوه عنه فقال: رأيته داخلا المدينة فأسرع الصحابة حتى انتهوا إليه فأخبرهم بما كانت اليهود أرادت من الغدر به

(3)

.

قال موسى بن عقبة: ونزل في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ} الآية [المائدة: 11] زاد ابن سعد: فإن ابن جحاش لما هم بما هم به قال سلام بن مشكم: لا تفعلوا، والله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه، وبعث إليهم رسول الله " صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة أنِ اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجَّلتكم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا أيامًا يتجهزون، فأرسل إليهم ابن أبي فثبطهم، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نخرج واصنع ما بدا لك. قال صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر حاربت يهود" فخرج إليهم، فاعتزلتهم قريظة

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 191.

(2)

"دلائل النبوة" ص 491.

(3)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 191 - 192.

ص: 119

فلم تعنهم وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان، وحاصرهم خمسة عشر يومًا

(1)

، وكذا ذكر المدة المذكورة أبو معشر وابن حبان وتوبعا

(2)

، وفي ابن إسحاق عن ابن هشام

(3)

: ست ليال ونزل تحريم الخمر

(4)

، وقال سليمان التيمي: قريبا من عشرين ليلة، وقال ابن الطلاع: ثلاثة وعشرين يوما. وعن عائشة: خمسة وعشرين يوما. وفي "تفسير مقاتل": إحدى وعشرين ليلة. قال ابن سعد: ثم أجلاهم فتحملوا على ستمائة بعير وكانت صفيًّا له، حبسًا لنوائبه، ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد إلا لأبي بكر وعمر وابن عوف وصهيب بن سنان والزبير بن العوام وأبي سلمة بن عبد الأسد وأبي دجانة

(5)

.

وروى عبد بن حميد في "تفسيره": عن عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب عن رجل له صحبة إن سبب إجلاء بني النضير أن كفار قريش كتبوا بعد بدر إلى اليهود (ينذرونهم)

(6)

فلما بلغهم ذلك اجتمعت بنو النضير على الغدر. وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك، ولنخرج إليك في ثلاثين حبرًا فقالوا بعد: اخرج في ثلاثة ونحن في ثلاثة ففعل، واشتمل كل يهودي على خنجر للفتك به فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها رجل مسلم من الأنصار فأخبرته، فأقبل أخوها سريعًا حتى

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 57 - 58.

(2)

"السيرة النبوية" لابن حبان ص 236.

(3)

كذا في الأصل، وفي هامش الأصل: ينبغي التعليق وفي ابن هشام عن ابن إسحاق.

(4)

"سيرة ابن هشام" 3/ 192.

(5)

"الطبقات الكبرى" 2/ 58.

(6)

غير واضحة بالأصل، والمثبت الأقرب للسياق.

ص: 120

أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسارّه بذلك فرجع، فلما كان من الغد غدا عليهم بالكتائب فحاصرهم وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء منذ كتب الله عز وجل

على بني إسرائيل الجلاء فذلك إجلاؤهم

(1)

.

قال عبد بن حميد: حدثنا إبراهيم بن الحكم عن أبيه، عن عكرمة أنه صلى الله عليه وسلم غدا يومًا إلى بني النضير ليسألهم كيف الدية فيهم فلم يروا معه أحدًا فائتمروا بقتله فذكر الحديث، ولأبي نعيم: عزم اليهود على ما هموا به، فقال لهم كنانة بن صوريا: قد أخبره الله بما هممتم به من الغدر والله إنه لرسول الله فلا تخدعوا أنفسكم

(2)

.

فائدة:

قوله: ({لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}) قيل: هو أول حشر إلى الشام يحشر إليها يوم القيامة. قاله الأزهري

(3)

. وقال القتبي: الحشر: الجلاء، وذلك أن بني النضير أول من أخرج من ديارهم. قال ابن التين:(ومخرجه صلى الله عليه وسلم .. إلى آخره) لم يأت به في الحديث؛ لأنه مشهور عند غيره وليس فيه حديث ذو إسناد وقد أسلفته لك.

ثم ذكر البخاري في الباب سبعة أحاديث:

أحدها:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ حَارَبَتِ النَّضيرُ وَقُرَيْظَةُ، فَأَجْلَى بَنِي النَّضيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وسبى نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى يَهُودَ المَدِينَةِ

(1)

رواه عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 358.

(2)

"دلائل النبوة" ص 492.

(3)

"تهذيب اللغة" 1/ 827.

ص: 121

كُلَّهُمْ: بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِ المَدِينَةِ.

(قَيْنُقَاع): نونه مثلثه كما سلف، وسلام مخفف اللام.

ثانيها:

حديث أبي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الحَشْرِ. قَالَ: قُلْ: سُورَةُ النَّضِيرِ.

(تَابَعَهُ هُشَيْمٌ) هذِه المتابعة أسلفها في التفسير من حديث سعيد بن سليمان عنه

(1)

. قال الداودي إنما أنفي أن يكون الحشر يوم القيامة أو غيره فكره النسب إلى غير معلوم.

ثالثها:

حديث أَنَسِ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّخَلَاتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ.

رابعها:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: حَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ -وَهْيَ البُوَيْرَةُ- فَنَزَلَتْ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5].

قال أهل التأويل: وقع في [قلب]

(2)

نفر من المسلمين من قول اليهود: قد كنت تنهى عن الفساد فما هذا الفساد؟ شيء حتى أنزل الله {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} إلى قوله: {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} .

واللِينَة: ألوان التمر ما عدا العجوة والبرني، وأصل لينة لونة، فقلبت الواو لانكسار ما قبلها، وقيل: إنها العجوة. حكاه الداودي.

(1)

سيأتي برقم (4882).

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 122

وفيه: أنه لم يحرق من نخلهم شيئاً إلا ما ليس بقوت للناس وكانوا يقتاتون العجوة، وفي الحديث:"العجوة من الجنة"

(1)

. وثمرها يغدو أحسن غذاء، والبرني أيضاً كذلك.

وفي "معاني الفراء" من حديث الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل كله إلا العجوة ذلك اليوم

(2)

. ففي قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} تنبيه على كراهة قطع ما يقتات به ويغذو من شجر العدو إذا رجي أن يصير للمسلمين، وقد كان الصديق يوصي الجيوش: لا تقطعوا شجرا مثمرًا

(3)

، وأخذ بذلك الأوزاعي

(4)

فإما تأولوا الحديث، وإما خصوه بالشارع، وقد سلف إيضاح ذلك في موضعه، ولم يختلفوا أن سورة الحشر نزلت

في بني النضير ولا اختلفوا أموالهم لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب ولكن قذف الرعب في قلوبهم فجلوا عن منازلهم إلى خيبر، ولم يكن ذلك عن قتال من المسلمين لهم، فقسمها بين المهاجرين دون الأنصار؛ ليدفع بذلك مؤنتهم عن الأنصار إذا كانوا قد ساوَوْهم في الأموال والديار، وأعطى رجلين من الأنصار محتاجين كما ذكره في "الإكليل": سهل بن حنيف وأبا دجانة، وأعطى سيف بن أبي الحقيق سعد بن معاذ، وكان سيفا له ذكر عندهم، وذكر أبو بكر البلاذري في "فتوحه" أن قوله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [لحشر: 9]، نزلت فيهم، وقال الصديق: جزاكم الله

(1)

رواه الترمذي (2066)، وابن ماجه (3455) من حديث أبي هريرة.

(2)

"معاني القرآن" 3/ 144.

(3)

انظر: "تاريخ الطبري" 2/ 246.

(4)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 433.

ص: 123

يا معشر الأنصار خيرًا، فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوي

(1)

:

جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت

بنا نعلنا في الواطئين فزلت

أبوا أن يملونا ولو أن أمنا

تلاقي الذي لاقوه منا لملت

(2)

وفي "تفسير الضحاك": أمر صلى الله عليه وسلم بضيفة من النخل يقال له البرني، وكانت النخلة فيها (

)

(3)

إليهم من وضيف أو وضيفة، وكان تمر ذلك الصنف أصفر وحجمه صغير، فقطع منها ست نخلات، وعند مقاتل: وكان الناس تطيب فيه إذا تصنع.

الحديث الخامس: حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضيرِ، قَالَ: وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

وَهَانَ على سَرَاةِ بَنِي لُؤَيِّ

حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

قَال: فَأَجَابَهُ أبو سفيان بْنُ الحَارِثِ:

أَدَامَ اللهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ

وَحَرَّقَ في نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ

ستَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ

وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ

هذِه رواية البخاري: وقال أبو عمرو الشيباني وغيره: أن أبا سفيان بن الحارث قال: يعز على سراة بني لؤي .. البيت، ويروى: بالوبيلة.

وذكر ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير بن العوام، وأبا سلمة البويرة من أرضهم

(4)

فأجابه حسان:

(1)

ورد بهامش الأصل: قال الشافعي: وأخبرني بعض أهل العلم أن أبا بكر الصديق قال: ما وجدت أنا لهذا الحي من الأنصار مثلًا إلا ما قال طفيل الغنوي، فذكر بيتين من شعره من هذا تسمية الغنوي، والله أعلم.

(2)

"فتوح البلدان" ص 31.

(3)

غير واضحة بالأصل.

(4)

"الطبقات الكبرى" 2/ 58.

ص: 124

أدام الله ذلكم حريقا

وضرم في طوائفها السعير

هم أوتوا الكتاب فضيعوه

فهم عمي عن التوراة بور

وهذِه أشبه بالصواب من الرواية الأولى كما قاله بعض شيوخنا

(1)

. و (الْبُوَيْرَةُ): بضم الباء تصغير فعدله، وهي حذو الثبرة من تيماء، قال أبو عبيد: تسير من المدينة منازل إليها و (قول حسان: لهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ) لأن قريشًا الذين حملوا كعب بن أسد القرظي صاحب عقد لبني قريظة على نقض العهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج معهم في الخندق.

وقوله: (بنزه) أي: ببعد، قال ابن التين: وهو بفتح النون وضبط في بعض النسخ بضمها.

وقوله: (نضِير)، أي: نضر و (الضير): المضرة.

الحديث السادس:

حديث الزُّهْرِيِّ عن مَالِك بْن أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه دَعَاهُ إِذْ جَاءَهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا .. الحديث سلف في باب فرض الخمس

(2)

زاد هنا في آخره قال: فحدثت بهذا الحديث عروة بن الزبير فقال: صدق مالك بن أوس أنا سمعت عائشة تذكر حديث: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ .. " فكانت هذِه الصدقة بيد علي منعها علي عباسًا فغلبه عليها، ثم كان بيد الحسن، ثم بيد الحسين، وحسن بن حسن، كلاهما كانا يتداولانها، ثم بيد زيد بن حسن، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًّا، والنصريُّ، ثم بيد علي بن الحسين بالنون.

(1)

في هامش الأصل: بعض شيوخه هو الإِمام الحافظ فتح الدين بن سيد الناس في "سيرته" وقد أجازه -كما ذكره المؤلف لي- وما أظنه سمع منه شيئاً.

(2)

سلف برقم (3094).

ص: 125

وقول عمر: (أنشدكم بالله) أي: أسألكم، وقال الداودي: أذكركم الله وأخوفكم أن قولوا الحق.

وقوله: ("لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ") يريد الأنبياء، وقد جاء مصرحًا به كذلك، وقد سلف هناك؛ وعورض بقوله تعالى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]، وقوله: في زكريا {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6].

والجواب: إنما ورث العلم والنبوة، يوضحه أنه لو كان المراد المال كان زكريا أحق بالميراث من آل يعقوب، وكيف يرث ما قد ورثه أبوه عن (

)

(1)

فالسنة مفسرة للقرآن.

وقوله لعلي وعباس: (هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك)، يعني: لا نورث. قالا: نعم.

وقوله بعد: (ثم جئتماني) أي: يسألان الميراث؛ لا يعدو أحد منعه هل تعلمان ذلك إنهما قد أخبرا ذلك عنه، فعلما بالخبر، أو يكونا سألاه الميراث فذكرا شيئاً سمعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكراه؛ قاله الداودي.

وقوله: (فاستب علي والعباس) ليس من الشتم الذي يفعله رعاع الناس وغوغاؤهم، ولعله ذكر تخلفه عن الهجرة

(2)

ونحو ذلك.

(1)

كلمة غير واضحة بالأصل.

(2)

ورد بهامش الأصل: العباس قال له مقالة هي مذكررة في "صحيح مسلم" وبعضها في البخاري، وحملها

على محمل حسن حسن فانظره في "شرح مسلم" للنووي.

قلت: في "مسلم": فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن برقم (1757)، قال النووي في "شرحه" 12/ 72: قال جماعة من العلماء: معناه: هذا الكاذب إن لم ينصف، فحذف الجواب. وقال القاضي عياض: قال المازري: هذا اللفظ الذي وقع لا يليق ظاهره بالعباس، وحاش لعلي أن يكون فيه بعض هذه الأوصاف، فضلاً عن كلها، ولسنا نقطع بالعصمة إلا للنبي=

ص: 126

وقوله: (إنما يأكل في هذا المال) أي: يعطون منه ما يكفيهم ليس على وجه الميراث.

الحديث السابع: حديث عائشة رضي الله عنها، بمثله.

والإيجاف في الآية المذكورة وفي الحديث قبله سرعة السير كالعنق، وقال الداودي: هو السفر والركاب: الإبل. قال: وفي أخذه لأهل السنة دلالة على فضل الكفاف.

قيل: وفيه: إيجاب النفقات للزوجات، وإباحة أخذ القوت.

وقول أبي بكر: (أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: خليفته على أمته. ومعنى: (غلبه عليها) ليس غلبة قهر، فلعل عليًّا سأله ذلك؛ لأنه أقوى على ذلك منه، وما كان لينكر فضل العباس.

وفيه: خروج عن الظاهر، إلا أنه أليق بالحمل عليهم.

= صلى الله عليه وسلم ولمن شهد له به لكنا مأمورون بحسن الظن بالصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ونفي كل رذيلة عنهم، وإذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلى رواتها، قال: وقد حمل هذا المعنى بعض الناس على أن أزال هذا اللفظ من نسخته تورعًا عن إثبات مثل هذا، ولعله حمل الوهم على رواته، قال المازري: وإذا كان هذا اللفظ لابد من إثباته ولم نضف الوهم إلى رواته فأجود ما حمل عليه أنه صدر من العباس على جهة الإدلال على ابن أخيه لأنه بمنزلة ابنه وقال ما لا يعتقده، وما يعلم براءة ذمة ابن أخيه منه ولعله قصد بذلك ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه، وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعل ما يفعله عن قصد، وأن عليًّا كان لا يراها إلا موجبة لذلك في اعتقاده

ولا بد من هذا التأويل لأن هذه القضية جرت في مجلس عمر رضي الله عنه وهو الخليفة وعثمان وسعد وزبير وعبد الرحمن رضي الله عنهم، ولم يذكر أحد منهم هذا الكلام مع تشددهم في إنكار المنكر، وما ذلك إلا لأنهم فهموا بقرينة الحال أنه تكلم بما لا يعتقد ظاهره مبالغة في الزجر. اهـ

ص: 127

‌15 - باب قَتْلُ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ

4037 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّه، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما يَقُول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَف؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ". فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّه؟ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَه؟ قَالَ "نَعَمْ". قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا. قَالَ: "قُلْ". فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَال: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا، وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ. قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّه. قَال: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَىِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا، أَوْ وَسْقَيْنِ - وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ، فَلَمْ يَذْكُر: وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْن؟ فَقَالَ: أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ - فَقَالَ: نَعَمِ ارْهَنُونِي. قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَال: فَارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ. قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ. قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ، فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ. هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ - قَالَ سُفْيَان: يَعْنِى السِّلَاحَ - فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَجَاءَهُ لَيْلاً وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهْوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِم، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُه: أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَة؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ - وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ. قَالَ إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ - إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِىَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لأَجَابَ. قَال: وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ - قِيلَ لِسُفْيَانَ: سَمَّاهُمْ عَمْرٌو؟ قَالَ: سَمَّى بَعْضَهُمْ. قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْن. وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ عَمْرٌو: وَجَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ - فَقَالَ: إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ. وَقَالَ مَرَّةً: ثُمَّ أُشِمُّكُمْ. فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهْوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا - أَيْ أَطْيَبَ - وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَ: عِنْدِى أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ. وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ. قَالَ عَمْرٌو: فَقَالَ:

ص: 128

أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشَمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَشَمَّهُ، ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ: دُونَكُمْ. فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ. [انظر: 2510 - مسلم:1801 - فتح:7/ 336]

ذكر فيه حديث جَابِرِ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذى اللهَ وَرَسُولَهُ". فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ:"نَعَمْ". قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا. قَالَ: "قُلْ". فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ .. الحديث بطوله.

قال ابن سعد: كانت لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهرًا من مهاجره

(1)

قبل أحد بسبعة أشهر.

قال ابن إسحاق: وكان من حديثه أنه لما أصيب أصحاب القليب، وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بَشِيَرينِ بالفتح، قال كعب- وكان رجلاً من طيء ثم أحد بني نبهان وكانت أمه من بني النضير-: أحق هذا؟ ترون محمدًا قتل هؤلاء وهم الأشراف والملوك، والله إن كان محمدًا أصاب هؤلاء فبطن الأرض خير من ظهرها، فلما أيقن عدو الله الخبر، خرج حتى قدم بمكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب

(2)

، ثم رجع إلى المدينة فشبب بنساء المدينة حتى آذاهم

(3)

.

قال: وفي رواية يونس ذكر أم الفضل زوج العباس:

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 31.

(2)

"سيرة ابن هشام" 2/ 430 - 431.

(3)

المصدر السابق 2/ 436.

ص: 129

أراحل أنت لم تظفر بمنقبة

وتارك أنت أم الفضل في الحرم

وذكر ابن عائذ من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: ثم انبعث عدو الله يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويمدح عدوهم ويحرضهم عليهم فلم يرض بذلك حتى ركب إلى قريش فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو سفيان والمشركون: أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه؟ وأي ديننا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق؟ فقال: أنتم أهدى منهم سبيلا وأفضل.

وفيه: فقال عليه السلام: "من لنا من ابن الأشرف فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا، وقد خرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا، وقد أخبرني الله عز وجل بذلك، ثم قدم أخبث ما كان ينتظر قريشا تقدم عليه فيقاتلنا" ثم قرأ على المسلمين ما أنزل الله عليه فيه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ

} [النساء:51] الآية، وخمس آيات فيه وفي قريش.

قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة: "من لي من ابن الأشرف فقد آذى الله ورسوله" فقال له محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل: أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله، قال:"فافعل" فأشرع في قتله هو وسلكان بن سلامة بن وقش، أبو نائلة

(1)

، قال أبو عمر: اسمه سعد، وسلكان لقب، وكان أخًا لكعب من الرضاعة

(2)

، وعباد بن بشر بن وقش أحد بني عبد الأشهل والحارث بن أوس بن معاذ، وأبو عبس بن جبر ابن أخي سعد بن معاذ.

قلت: وهؤلاء الخمسة من الأوس، ثم قدموا على عدو الله كعب بن

(1)

المصدر السابق 2/ 436 - 437.

(2)

"الاستيعاب" 4/ 329.

ص: 130

الأشرف، فذكروا قتله وأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك بذلك آخر الليل وهو قائم يصلي، وأن أبا نائلة شمه ثم عاد ثم أخذ بقود رأسه وقال: اضربوا عدو الله فضربوه، وذكر عباد بن بشر في ذلك شعرًا عشر أبيات آخرها:

جاء برأسه نفركرام

هم ناهيك من صدق وبرٍّ

وقيل: إنه أول رأس حمل في الإسلام، حكاه صاحب "شرف المصطفى". قال غيره: أول رأس حمل في الإسلام رأس عمرو بن الحمق

(1)

، أو رأس أبي عزة الجمحي، الذي قال له عليه السلام:"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"

(2)

، وقد سلف حمل رأس أبي جهل.

وروى الحاكم عن عروة أنه عليه السلام قال: لمحمد بن مسلمة: "لا تعجل حتى تشاور سعد بن معاذ" فقال له سعد: اعمد إليه واذكر له الحاجة وسله أن يسلفك طعامًا. قال: وفيه نزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] الآية. وقد سلف.

وروى عبد بن حميد في "تفسيره" عن سعد بن معاذ: لما سمعت الصوت -يعني في قتله- أردت أن أسبقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبشره، ثم كرهت ذلك حتى يكونوا هم الذين يبشرونه، وكانت تحت كعب بن الأشرف ابنة عمير، وزعم الجاحظ أنه كان أيضاً لكعب صنمًا.

(1)

قاله ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 6/ 25.

(2)

رواه البيهقي في "السنن" 6/ 230 من حديث أبي هريرة، وقال: هذا إسناد فيه ضعف، وهو مشهور عند أهل المغازي، وأصل الحديث سيأتي (6133) كتاب: الأدب، باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ورواه مسلم (2998) بدون ذكر القصة.

ص: 131

قيل: وفيه -كما قال السهيلي-: وجوب قتل من سب الشارع، وإن كان ذا عهد خلافًا لأبي حنيفة، فإنه لا يرى قتل الذمي في مثل هذا

(1)

. قال أصحاب مالك: ولا يستتاب؛ لأن ذمته انتقضت.

فصل:

قد سلف طرف من هذا الحديث في الجهاد في باب الكذب في الحرب، وفي باب الفتك بأهل الحرب.

وقوله هنا: (إنا محمدًا عنَّانا) أي: خلفنا المشقة.

وفيه: جواز الكذب في الحرب والخدعة، قال: فإن القول والتقول: الكذب ونقل الكلام، وهو مباح في الحرب.

وفيه: أن يقال عند ذلك للكافر في النبي صلى الله عليه وسلم ما يرضيه ما لم يكن في ذلك شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحمل على ذلك ما في قتل هذا الملعون من الصلاح التام للإسلام.

وقوله: (فأتاه محمد بن مسلمة وقال: إن هذا الرجل سألنا صدقة، وإنه قد عنانا) كذا هنا، والذي قاله أكثر الرواة وأهل السير كما نبه عليه الدمياطي أن الذي تحدث معه إنما هو أبو نائلة، وكان يدعه في الجاهلية فيركن إليه ونزل من الربض وكان معه جماعة كما سلف.

والوسق بفتح الواو وكسرها ستون صاعًا، والصاع: خمسة أرطال وثلث، قيل: بالماء، وقيل: بالوسط من القمح حكاهما ابن التين.

واختلف بما اشتق، فقال شمر: كل شيء حملته فقد وسقته، ويقال: لا أفعل كذا ما وسقت عيني الماء أي: حملته. وقال غيره: هو ضحك السماء بعضها إلى بعض، منه:{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)}

(1)

"الروض الأنف" 3/ 145.

ص: 132

[الانشقاق: 17]، وقوله:(كيف نَرهنك نساءنا) هو بفتح النون؛ لأنه من رهن، وفيه لغة أرهن، وكان يشبب بنساء المسلمين، كما سلف، واللأمة مهموزة، وقد فسرها سفيان بالسلاح، وعبارة القتبي: اللأمة: الدرع، وجمعها لؤم على غير قياس

(1)

، وكذا قال ابن فارس أيضًا

(2)

.

(1)

انظر: "أدب الكاتب" ص 84.

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 800 مادة: (لام).

ص: 133

‌16 - باب قَتْلُ أَبِي رَافِعٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ

وَيُقَالُ: سَلاَّمُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ كَانَ بِخَيْبَرَ، وَيُقَالُ: فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هُوَ بَعْدَ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ.

4038 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَة، عَنْ أَبِيه، عَنْ أَبِي إِسْحَاق، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِع، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلاً وَهْوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ. [انظر: 3022 - فتح: 7/ 340]

4039 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ -وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ- فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ، لَعَلِّى أَنْ أَدْخُلَ. فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ، فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ: يَا عَبْدَ اللَّه، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ. فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ الأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ قَال: فَقُمْتُ إِلَى الأَقَالِيدِ، فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلَالِيَّ لَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ، قُلْتُ إِنِ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ. فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ، لَا أَدْرِى أَيْنَ هُوَ مِنَ الْبَيْت، فَقُلْت: يَا أَبَا رَافِعٍ. قَال: مَنْ هَذَا؟ فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ، فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ، وَأَنَا دَهِشٌ، فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا، وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ، فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ فَقَالَ: لأُمِّكَ الْوَيْلُ، إِنَّ رَجُلاً فِي الْبَيْتِ

ص: 134

ضَرَبَنِى قَبْلُ بِالسَّيْفِ. قَالَ: فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ، فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ، فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدِ انْتَهَيْتُ إِلَى الأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، فَانْكَسَرَتْ سَاقِي، فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ فَقُلْتُ: لَا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ، فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ فَقَالَ: أَنْعَي أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ: النَّجَاءَ، فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ. فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ:"ابْسُطْ رِجْلَكَ". فَبَسَطْتُ رِجْلِي، فَمَسَحَهَا، فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ. [انظر: 3022 - فتح: 7/ 340]

4040 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ - هُوَ ابْنُ مَسْلَمَةَ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَال: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْحِصْنِ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ. قَال: فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ، فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ. قَالَ: فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونَهُ. قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ. قَالَ: فَغَطَّيْتُ رَأْسِي كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً، ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ الْبَابِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ. فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ، فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَدَأَتِ الأَصْوَاتُ وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ؟ قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ، فِي كَوَّةٍ فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ. قَالَ: قُلْتُ إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ، فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ، فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ، وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا أَبَا رَافِع؟ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي. فَقَال: أَلَا أُعْجِبُكَ لأُمِّكَ الْوَيْلُ؟! دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ. قَال: فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى، فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ،

ص: 135

قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ، فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِه، ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ، ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ، فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ فَقُلْتُ: انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقَالَ: أَنْعَي أَبَا رَافِعٍ. قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ، فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَشَّرْتُهُ. [انظر: 3022 - فتح: 7/ 341]

ثم ذكر فيه من حديث ابن أَبِي زَائِدَةَ -وهو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الهمداني زكريا- الأعمى، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلاً وَهْوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ.

ثم أخرجه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء، ومن حديث إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن البراء، وقد سلف في الجهاد في باب قتل النائم المشرك، من الطريق الأول مطولًا ومختصرًا، وأسلفنا ثمَّ الاختلاف في وقتها.

ومعنى (تقنع) بثو به: تغطى.

وعبد الله بن عتيك: هو ابن قيس بن الأسود بن مري بن كعب بن غنم، أخي كعب ابني سلمة، وبنو غنم بن سلمة حلفاء بني أخيه كعب بن سلمة.

قوله: (ثم علق الأعاليق على ود) الأعاليق: بالعين المهملة: جمع أعليق وهو المصباح، ومعنى علقها: علق المصباح، كذا للأصيلي، وعلق وأعلق سواء. ولأبي ذر: الأغاليق بالمعجمة والصواب بالمهملة، وهو بالمعجمة ما يغلق به الباب، وكذا المغلوق بالضم.

ص: 136

والود: الوتد، والأقاليد: المفاتيح بلغة أهل اليمن، واحدها إقليد، والمقلد مفتاح كالمنخل وما تقلد به الكلأ.

وقوله: (وكان أبو رافع يسمر عنده) أي: يتحدث.

وقوله: (في علالي له) يريد: في علو، وهو جمع علية، رهط الغرفة.

وقوله: (نذروا إلى) أجل الإنذار: الإعلام بالشيء الذي يحذر منه، فكل منذر معلم، وليس كل معلم منذرًا، ويقال: أنذرته فنذر، أي: أعلمته فعلم.

وقوله: (فأهويت نحو الصوت) أي: أتيت نحوه.

وقوله: (ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه) قال الخطابي: كذا هو ضبيب وما أراه محفوظًا، وإنما هو ظبة السيف، وهو حد حرف السيف في طرفه، ويجمع على الظبات والظبين، وأما الضبيب فلا أدري له معنى يصح في هذا، وإنما هو من سيلان الدم من الفم، يقال: ضبَّت لثته ضبيبًا

(1)

، وقال القاضي عياض: هو بالصاد المهملة لأبي ذر وكذا للحربي، وقال: أظنه طرفه، ورواية أبي زيد والنسفي بالضاد المعجمة وحرف طرف السيف وقال القابسي: المعروف فيه ضبة.

وقوله: (فقال: أنعي أبا رافع) كذا هو ثابت. وقال ابن التين: قوله: أنعي أبا رافع، أي: أنعوه، قال: رهط لغة، ذكره الداودي وهو خبر الموت وكذا الناعي يقال له: نعى فلان ويقال نعي فلان -أي: أنعه وأنعاه- استعمل خبرًا وأمرًا.

قوله: (فلما هدأت الأصوات) كذا هو بالهمزة، وذكره ابن التين

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1715.

ص: 137

بغير همز، ثم قال: صوابه الهمز. (هدأت): سكنت ونام الناس.

وقوله قبله: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في ناس معهم) كذا وقع (عبد الله بن عتبة) وصوابه: وعبد الله بن أنيس كما أسلفناه في الجهاد.

قوله: (ثم انكفأ عليه) أي: انقلب.

وقوله: (أتيت أصحابي أحجل) الحجل: أن يرفع رجلاً ويقف على الأخرى من الفرح وقد يكون بالرجلين جميعًا إلا أنه قفز وليس بشيء، قال الليث: الحجل مشي المقيد، وقال ابن فارس: حجل في مشيته إذا تبختر، قال: قال قوم: حجل في مشيته إذا مشى مشية المقيد يقارب خطوه

(1)

مثل ما قدمناه عن الليث.

قوله: (وما به قلبة) هو بفتح القاف والسلام أي: ما به علة يقلب لها فينظر إليه، قاله ابن فارس

(2)

. وقال الداودي: أجل هذِه اللفظة داء يعتري الإبل يقال له: القلب فإذا ذهب عن البعير قيل: ما به قلبة. وصار ذلك يقال لكل من برأ من علة ولا علة به، وقال ابن فارس: القلاب يأخذ البعير والإنسان يشتكي قلبه

(3)

، وقد سلف أوضح من ذلك في الجهاد.

واعلم أن في الرواية الأولى أنه ضربه ضربة، ثم ضربه، ثم وضع السيف في بطنه وكذا في الثانية، وكذا سلف هناك في الجهاد، ولا تنافي خلاف ما ادعاه ابن التين أن في الرواية الأولى: ضربه ضربتين. وفي

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 265.

(2)

المصدر السابق 2/ 730.

(3)

المصدر السابق 2/ 30.

ص: 138

حديثه الثاني ثلاثًا وقد يسقط بعض الضربة في بعض الروايات. قال: والزيادة من الثقات مقبولة.

وقوله في الأولى: (فانكسرت ساقي) وفي الأخرى: (فانخلعت رجلي) قال الداودي: وهذا اختلاف وقد يتجاوز أن يعبر عن أحدهما بالآخر؛ لأن الخلع هو زوال المفاصل من غير بينونة.

وقوله: (فمسحها فكأنما لم أشتكها قط) وقال في الرواية الثانية: (فلما سمعت الناعية قمت أمشي وما بي قلبة) قال الداودي: إن كان هذا محفوظًا فببركة دعائه عليه السلام، ولعله دعا لهم حين أرسلهم.

وقوله: (ثم علق الأعاليق على ود) وقال في الثانية: (ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة).

وقوله في الأول أنه لما سمع الناعية أنطلق إلى أصحابه فقال: (النجاء) فقد قتل الله أبا رافع فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته.

وقال في الثاني: (إنه خرج يحجل فقال: انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية) إلا أن يراد في الأولى أنه انطلق إلى أصحابه أي: أدركهم يسيرون، وفيه بعد.

ص: 139

‌17 - باب غَزْوَةِ أُحُدٍ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} إلى قوله: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:121] وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إلى قوله: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران:139 - 143]، وَقَوْلِهِ:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} الآيتين، وقوله:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} [آل عمران: 169]. [فتح:7/ 345]

4041 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِد، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُد: "هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ". [انظر: 3995 - فتح: 7/ 348]

4042 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَك، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْر، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَال: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ، كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ:"إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ، وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا". قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّه. [انظر:1344 - مسلم: 2296 - فتح: 7/ 348]

4043 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيل، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ وَقَال:"لَا تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا". فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ، فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّه: عَهِدَ إِلَيَّ

ص: 140

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا تَبْرَحُوا. فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ، فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلاً، وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: "لَا تُجِيبُوهُ". فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: "لَا تُجِيبُوهُ". فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قُتِلُوا، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لأَجَابُوا. فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أُعْلُ هُبَلْ. فَقَالَ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم "أَجِيبُوهُ". قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ". قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم "أَجِيبُوهُ". قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ". قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي. [انظر: 3039 - فتح: 7/ 349]

4044 -

أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ قَال: اصْطَبَحَ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ نَاسٌ ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ. [انظر: 2815 - فتح: 7/ 353]

4045 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِىَ بِطَعَامٍ، وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ، إِنْ غُطِّىَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِنْ غُطِّىَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ - وَأُرَاهُ قَالَ: - وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ - أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا - وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا. ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ. [انظر: 1274 - فتح: 7/ 353]

4046 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَال: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُد: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ "فِي الْجَنَّة" فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. [مسلم: 1899 - فتح: 7/ 354]

4047 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبَّابٍ رضي الله عنه قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، وَمِنَّا مَنْ مَضَى -أَوْ ذَهَبَ- لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ

ص: 141

أُحُدٍ، لَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً، كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الإِذْخِرَ". أَوْ قَال: "أَلْقُوا عَلَى رِجْلِهِ مِنَ الإِذْخِرِ". وَمِنَّا مَنْ قَدْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدُبُهَا. [انظر: 1276 - مسلم: 940 - فتح: 7/ 354]

4048 -

أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّان، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيّ، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أُجِدُّ. فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَهُزِمَ النَّاسُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ. فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِه، فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْد؟ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ. فَمَضَى فَقُتِلَ، فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ بِبَنَانِهِ، وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ. [انظر: 2805 - مسلم: 1903 - فتح: 7/ 354]

4049 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنه يَقُول: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ، كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىِّ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب:23] فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ. [انظر: 2807 - فتح: 7/ 356]

4050 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَال: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ. وَفِرْقَةً تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ. فَنَزَلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء: 88] وَقَالَ: " إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِى الذُّنُوبَ، كَمَا تَنْفِى النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ". [انظر: 1884 - مسلم: 1384 - فتح: 7/ 356]

ص: 142

الشرح:

كانت غزوة أحد في شوال سنة ثلاث يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت منه عند ابن عائذ، وعند ابن سعد: لسبع ليال خلون منه على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من مهاجره

(1)

. وقال ابن إسحاق: للنصف منه

(2)

، وعند البيهقي عن مالك: كانت بدر لسنة ونصف من الهجرة وأحد بعدها بسنة، وفي رواية: كانت على أحدٍ وثلاثين شهرًا

(3)

.

وأحد: جبل من جبال المدينة على أقل من فرسخ منها؛ سمي أُحدًا لتوحده وانقطاعه عن جبال أخر هناك، وكان عليه السلام يحب الاسم الحسن ولا أحسن من اسم يشتق من الأحدية.

قال السهيلي: وفيه: قبر هارون

(4)

بن عمران فيه قبض، وكان هو وأخوه موسى مرا به حاجين أو معتمرين

(5)

، ويقال له: ذو عينين. وعينان: تثنية عين، جبل بأحد وهو الذي قام عليه الجيش يوم أحد وقال: إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، وبه أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الرماة يوم أحد، وقد يخفف فيقال: أحد، وقد عقد بابا في آخر هذِه الغزوة في أنه جبل يحبنا ونحبه، وقد سلف أيضًا

(6)

، والظاهر حمله على ظاهره وأن الله خلق فيه ذلك كما خلق في الجبال المسبحة مع داود، ويحتمل أن يتأول أن المراد أهله، أو أن المراد أنه كان يبشره إذا أتاه بالقرب من أجله ولقائهم.

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 36.

(2)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 52.

(3)

"دلائل النبوة" 3/ 202.

(4)

ورد بهامش الأصل: تعقبه ابن دحية في ذلك، وقد ذكرت في تعليقي سيرة أبي الفتح اليعمري وغيره.

(5)

"الروض الأنف" 3/ 159.

(6)

سلف برقم (1481) كتاب الزكاة، باب خرص التمر.

ص: 143

وفي الآثار المسندة أنه يوم القيامة عند باب الجنة من داخلها، في بعضها أنه ركن لبابها، ذكره ابن سلام في "تفسيره" وفي "المسند": من حديث أبي عبس بن جبر مرفوعًا: أنه على باب الجنة

(1)

، قال ابن إسحاق كما حدثني الزهري وغير واحد -عددهم- لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب، ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره، فمشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم وأبناؤهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: أيا معشر قريش، إن محمدًا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرًا بمن أصاب منا ففعلوا

(2)

.

وقال ابن سعد: لما رجع من حضر بدرًا من المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان موقوفة في دار الندوة فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان فقالوا: نحن طيبوا أنفس أن تجهزوا بربح هذِه العير جيشًا إلى محمد، فقال أبو سفيان: وأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي، فباعوها فصارت ذهبًا فكانت ألف بعير والمال خمسين ألف دينار فسلم إلى أهل العير رؤوس أموالهم وأخرجوا أرباحهم، وكانوا يربحون في تجاراتهم بكل دينار دينارًا

(3)

.

(1)

رواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 315.

(2)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 3 - 4.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 36 - 37.

ص: 144

قال ابن إسحاق: حرضهم -كما ذكر لي بعض أهل العلم- أنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ} الآية [الأنفال: 36]، فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة

(1)

.

وبعثوا رسلهم يسيرون في العرب إلى نصرتهم فأوعبوا فكانوا ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فرس وثلاثة آلاف بعير وأجمعوا على إخراج الظعن معهم ليذكرنهم قتلى بدر فيكون أحب لهم وكن خمس عشرة امرأة.

قال ابن سعد: وكتب العباس به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم كله فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن الربيع بكتاب العباس

(2)

.

قال ابن إسحاق: وكان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي قد منَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وكان فقيرًا ذا عيال وحاجة، وكان في الأسارى فقال: يا رسول الله، إني فقير وذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن عليَّ صلى الله عليك، فمن عليه ثم خرج عليه فأمر بقتله، - واستشار عليه السلام أصحابه في الخروج فكان رأي كبارهم كرأيه وخالف فيه شبابهم فخرج في ألف بعد صلاة الجمعة، فلما كان بمكان يقال له الشوط انخزل ابن أُبيّ بثلاثمائة

(3)

، ويقال: بل أمرهم عليه السلام بالانصراف لكفرهم.

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 3 - 4.

(2)

"الطبقات الكبرى" 2/ 37.

(3)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 4 - 8.

ص: 145

وقال موسى بن عقبة: فلما رجع عبد الله سقط في أيدي الطائفتين من المسلمين وهمَّا أن يقتتلا، وهما: بنو حارثة وبنو سلمة

(1)

، وقال عليه السلام للرماة:"لا تغيروا من مكانكم"

(2)

فلما تغيروا هزموا وقتل من المسلمين سبعون منهم حمزة بحربة وحشي، ويقال: خمسة وستون، منهم أربعة مهاجرون، وأصيب عليه السلام وشج جبينه و (كسر)

(3)

رَباعيته اليمنى السفلى يومئذ عتبة بن أبي وقاص.

وجرح شفته السفلى عبد الله بن قمئة، وقال: خذها وأنا ابن قمئة. فقال له: "أقمأك الله في النار"، فكان في غنمه على ذروة جبل، فنطحه تيس فأرداه من شاهقة الجبل فتقطع. وضربه بالسيف على شقه الأيمن فجرح وجنته، ودخلت فيه حلقتان من المغفر، ووقع في حفرة من الحفر التي يكيد بها المسلمون، عملها أبو عامر الراهب، فأخذه علي بيده، ورفعه طلحة حتى استوى قائمًا، واتقاه طلحة بن عبيد الله. وفيه نزلت:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية [آل عمران: 128] كما يأتي.

وذكر ابن هشام أن عبد الله بن شهاب الزهري -جد محمد بن مسلم الزهري- شج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جبهته

(4)

، وهو غريب، وصرخ ابن قمئة: إن محمدًا قتل. ويقال: بل أزب العقبة. ويقال: بل إبليس يصوت في صوره فقاله. ولم يثبت معه يومئذ إلا أربعة عشر رجلاً.

(1)

انظر: "عيون الأثر" 2/ 5.

(2)

سلف برقم (3039) كتاب الجهاد والسير، باب: ما يكره من التنازع والاختلاف،

من حديث البراء بن عازب، بلفظ:"لا تبرحوا من مكانكم .. ".

(3)

في الأصل: كسرت، وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(4)

"سيرة ابن هشام" 3/ 27.

ص: 146

وفي مسلم: أفرد يومئذ في سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش: طلحة، وسعد بن أبي وقاص

(1)

.

وسيأتي في البخاري: لم يبق معه في تلك الأيام التي يقاتل فيهن غير طلحة وسعد

(2)

. ومنامه الثابت في حديث أبي موسى كما سيأتي في باب: من قتل بأحد أنه قال: "هززت سيفًا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح، ورأيت فيها أيضًا بقرًا والله خير، فإذا هم ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي آتانا الله به بعد يوم بدر"

(3)

. وفي غيره: "رأيت في ذباب سيفي ثلمة، وأدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة"

(4)

وعن ابن هشام: "فأما البقر فناس من أصحابي يقتلون، وأما الثلم الذي رأيت في سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل"

(5)

قال ابن عقبة: ويقول رجال: الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه، فإن العدو أصابوا وجهه يومئذ، وفصموا رباعيته، وجرحوا وجنته وشفته. وعن ابن عائذ أن الرؤيا كانت ليلة الجمعة.

(1)

"صحيح مسلم"(1789) كتاب الجهاد، باب غزوة أحد.

(2)

يأتي (4060، 4061) باب: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَاُ} . وسلف (3722، 3723) كتاب "فضائل الصحابة" باب ذكر طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.

(3)

سيأتي برقم (4081)، وليس فيه قوله:"وإذا الخير ما جاء .. " وقد سلف بتمامه برقم (3622) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوه فى الإسلام.

(4)

رواه أحمد 1/ 271، والحاكم 2/ 128 - 129 من حديث ابن عباس، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ورواه أحمد 3/ 351، والدارمي 2/ 1378 (2205) والنسائي في "الكبرى" 4/ 389 (7647) من حديث جابر بن عبد الله. وانظر "سيرة ابن هشام" 3/ 6.

(5)

"سيرة ابن هشام" 3/ 7.

ص: 147

وروى الواقدي أنه أراد أن لا يخرج من المدينة لرؤيا رآها. وفيها: "إن سيفي ذا الفقار انقسم من عند ظبته، وأولته بقتل رجل من بيتي، وكأني مردف كبشًا، وهو كبش الكتبية يقتل إن شاء الله"

(1)

. وكان لواء المشركين يومئذ بيد طلحة، وهو ابن عثمان أخو شيبة من بني عبد الدار، كما بينه ابن عائذ فقتل، وكان لواء المسلمين بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أي: لواء المهاجرين. وقيل: كان بيد مصعب بن عمير. وكان لواء الأوس بيد أسيد بن حضير، ولواء الخزرج بيد سعد بن عبادة، وكان مع قريش ثلاثة آلاف رجل، ومائتا فرس، وليس في المسلمين فرس واحد. وقال الواقدي: فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس أبي بردة.

فصل:

معنى قوله تعالى: {تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ} أي: تلزم، يقال: باء بكذا إذا لزمه {وَلَا تَهِنُوا} : لا تَضْعفوا. قاله أبو عبيدة

(2)

. قيل: إنه ضعف. قال الفراء: وهنه الله وأوهنه. زاد غيره: ووهنه.

القرح: بضم القاف وفتحها وفتح الراء مصدر قرح يقرح.

قال الكسائي: هو بالضم والفتح واحد، أي: الجراح. وقال الفراء وغيره: هو بالفتح مصدر قرحة، فهو نفس الجراحة. وبالضم: الألم. قال أبو البقاء: ويُقرأ بضمها على الإتباع

(3)

.

وقوله: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ} أي: ليعلم صبر المؤمنين إذا غُلبوا، وقد كان تعالى يعلم ذلك غيبًا، إلا أن علم الغيب لا تقع عليه المجازاة، فالمعنى: ليعلمه واقعًا علم شهادة.

(1)

"مغازي الواقدي" ص 209.

(2)

"مجاز القرآن" 1/ 104.

(3)

"التبيان في إعراب القرآن" لأبي البقاء العكبري 1/ 210.

ص: 148

وقوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ} لما بمعنى لم، إلا أن (لما) عند سيبويه جواب لمن قال: قد فعل، ولم جواب لمن قال: فعل

(1)

. ومعنى الآية: ولما يعلم الله ذلك واقعًا منهم؛ لأنه علمه غيبًا. وقيل: المعنى: ولم يكن بينهم جهاد فيعلمه الله.

وقوله: {تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} قال مجاهد: كان قوم من المسلمين قالوا بعد بدر: ليت قتالاً حتى نبلي، فانهزم بعضهم يوم أحد، (فعاتبهم)

(2)

الله بهذِه الآية

(3)

. والبعض فسر يتمنون سبب الموت.

وقوله: (وأنتم تنظرون) قيل: المعنى: تنظرون محمدًا.

وقال: الأخفش بن سعد

(4)

: (تنظرون) توكيد أي: وأنتم متيقنون.

{إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} أي: تستأصلونهم قتلاً.

وقوله: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} قال بعضهم: ما علمنا أن منَّا من يريد الدنيا حتى نزلت الآية.

ومعنى {لِيَبْتَلِيَكُمْ} ليختبركم. وقيل: بالبلاء.

وقوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} جاء أن أرواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة عند العرش

(5)

.

(1)

"الكتاب" 3/ 117، 4/ 223.

(2)

في الأصل: فعاتبه، والمثبت من مصادر التخريج، وهو الملائم للسياق.

(3)

"تفسير مجاهد" 1/ 137، ورواه الطبري 3/ 453 - 454 (7929).

(4)

هكذا في الأصل، والصواب: الأخفش سعيد، وهو الأخفش الأوسط، إمام النحو، أبو الحسن، سعيد بن مسعدة البلخي ثم البصري، أخذ عن الخليل بن أحمد، ولزم سيبويه حتى برع، له كتب كثيرة في النحو، والعروض، ومعاني القرآن. مات سنة خمس عشرة ومائتين. انظر "سير أعلام النبلاء" 10/ 206 - 208 (48)، و"شذرات الذهب" 2/ 36.

(5)

رواه أبو داود (2520)، وأحمد 1/ 265 - 266 من حديث ابن عباس.

ص: 149

ثم ذكر في الباب أحاديث:

أحدها:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ: "هذا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الحَرْبِ".

فيه: استعمال الأداة في الحرب.

ثانيها:

حديتْ عقبة بن عامر رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُد بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ، كَالْمُوَدِّع لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ المِنْبَرَ فَقَالَ:"إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ، وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هذا، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فيها". قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث سلف في الجنائز في باب: الصلاة على الشهيد، قال موسى بن عقبة: لم يصل على أحد منهم كما يصلي على الموتى.

وقال ابن عبد البر: اختلف هل صلى أم لا؟

(1)

قال ابن التين: اختلف فيها، فقيل: توديعاً لهم كما في الأصل، وقيل: لأنه لم يكن صلى عليهم، وقيل: دعا لهم.

وقوله: (ثم طلع المنبر) يقال: طلعت على القوم إذا لقيتهم وقد طلعت عنهم إذا تنحيت عنهم، وطلعت الجبل بالكسر علوت قاله الجوهري

(2)

، والفرط للسباق، وأخبر عن الواحد بالجمع؛ لأن فرطًا

(1)

"التمهيد" 24/ 244.

(2)

"الصحاح" 3/ 1253 مادة (طلع).

ص: 150

جمع فارط، لما قال سلمان: كنت رجلاً من المجوس، وكنت قطن النار

(1)

، روي بفتح الطاء جمع قاطن ذكره الهروي فيها جميعًا.

وقوله: ("وأنا عليكم شهيد")، قال الداودي: قال ذلك لأنهم تقدموا قبله، وعلم ما وعده. وذكر بلفظ:"وأنا شهيد على هؤلاء" والذي في البخاري ما ذكرته؛ لقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} الآية [النساء: 41].

وقوله: ("إني انظر إلى الحوض من مقامي هذا") لا مانع من كيف ذلك كله.

وقوله: ("لست أخشى عليكم أن "تشركوا بعدي") يريد جميع أمته؛ لأنه أخبر أنه يظهر دينه على الدين كله.

الحديث الثالث:

حديث البَرَاءِ: لَقِينَا المُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَجْلَسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بن جبير وَقَالَ:"لَا تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ .. " الحديث

قوله: (فلما التقينا هربوا) هو بمعنى قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} .

وقوله: (حتى رأينا النساء يشددن في الجبل). وفي نسخة: يشتددن فيها، أي يصعدن ويُسندن بضم الياء ثم أسند، ومعناه: أنه صار في سند الجبل.

وقال الخطابي: يقال: سند الرجل في الجبل يسند إذا صعد فيه، والسند: ما ارتفع من الأرض في قبل وادٍ

(2)

.

(1)

رواه أحمد 5/ 441.

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1716.

ص: 151

وقوله: (فأصيب سبعون قتيلاً). قال مالك: قتل من المهاجرين أربعة، ومن الأنصار سبعون. وقيل غير ذلك بما سلف، ولم يكن في عهده ملحمة هي أشد ولا أكثر قتلى من أحد.

وقول أبي سفيان (اعلُ هبل) أي: ليرتفع أمرك، ويعز دينك، فقد غلبت.

وقوله: (وسَتَرونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي) هو بضم الميم للجماعة وبكسرها للأصيلي، وكلاهما صحيح، وهو التشويه للخلق من جدع الأنوف والآذان، وجمعها مثلات، ومُثُل جمع مُثْلَة، قال تعالى:{وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} [الرعد: 6] أي: العقوبات. فقال ابن التين: هي بفتح الميم وضم الثاء. قال ابن فارس: مَثَّل بالقتيل: إذا جدعه

(1)

. قال: وهي المَثُلات. قيل: أراد ما مثلوا بهم. قال: وضبط بعضهم بالضم كقُرْحة، وفي رواية: بالفتح وسكون الثاء، وهو مصدر مثل يمثل مثلاً.

الحديث الرابع:

حديث جَابِرٍ رضي الله عنه: اصْطَبَحَ الخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ نَاس ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ.

فيه فضيلة ظاهرة لهم [

]

(2)

، وذكره ابن التين بلفظ: فأنزل الله فيهم {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] يعني بشربهم إياها قبل تحريمها.

الحديث الخامس:

حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة مصعب بن عمير وحمزة.

(1)

"مجمل اللغة" 3/ 823 مادة (مثل).

(2)

كلمة غير واضحة في الأصل.

ص: 152

سلف في الجنائز، وهو ظاهر في خشية تعجيل الحساب في الدنيا.

الحديث السادس:

حديث جابر قَالَ: قَالَ رَجُلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: "في الجَنَّةِ". فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ في يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.

هذا الرجل هو عمير بن الحمام بن الخزرج بن زيد الأنصاري، ليس في الصحابة عمير بن الحمام سواه.

الحديث السابع: حديث خباب في قصة مصعب بن عمير.

سلف في الجنائز.

الحديث الثامن:

حديث أنس أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ. الحديث في قتله في أحد فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه، وبه بضع وثمانون بين طعنة وضربة ورمية بسهم.

وقد سلف في أوائل الجهاد في باب: قول الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} وعمه هو أنس بن النضر، كما صرح به هناك.

وقوله: (ليرين الله ما أجد) وفي نسخة: (ما أصنع)، وهو ما ذكره هناك.

قال أبو زيد: جد وأجد والجد المبالغة في الشيء.

وقال الحربي: جد في الحاجة يجد بالغ فيها، وجد في الأمر يجد ويجد وكذلك أجد مثله. قاله الجوهري

(1)

.

وقال ابن التين: ضبط (أجد) في بعض الروايات بضم الهمزة

(1)

"الصحاح" 2/ 452 مادة (جدد).

ص: 153

وتشديد الدال، وصوابه فتح الهمزة، يقال: جد جدًّا إذا اجتهد في الأمر وبالغ، وفي بعضها بفتح المهملة وتخفيف الدال، ومعناه: ما أفعل و (ما أجد) بضم الهمزة فمعناه أنه صار في أرض مستوية، ولا يليق ذلك بمعنى الحديث، وإنما يصح (أجد) بفتح الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال، وكذا ضبط في بعضها.

الحديث التاسع:

حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا، فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب: 23] فَأَلْحَقْنَاهَا في سُورَتِهَا في المُصْحَفِ.

وسلف في الجهاد، في باب قوله:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} والنحب في الآية النذر كان رجال حلفوا بعد بدر لئن لقوا العدو ليقاتلُن حتى يستشهدوا، ففعلوا فقتل بعضهم، وبقي بعضٌ ينتظر ذلك.

وقول زيد في الآية المذكورة إنما كانوا يثبتون في المصحف ما سمعه رجلان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس له مما يلقن بعضهم بعضًا، وكان حفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة كما سلف في مناقب زيد، وهو دال كما قال الداودي أن الأربعة لم يسمعوا الآية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تلقوها ممن سمع منه، وليس كما قال، فقد قال هنا: إن زيدًا سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، وإنما المعنى أنه فقدها مكتوبةً عنده، ووجدها عند خزيمة مكتوبة، يدل عليه الحديث الآخر أنهم جمعوا القرآن من الشقاق والصحاف، ويحتمل أنهم لم يكونوا يكتبون إلا ما سمعها اثنان، فسمع هذِه الآية زيد وخزيمة فأثبتوها بعد ذلك، وإنما أتى البخاري بهذا الحديث لذكر النحب، وأنهم قضوه في أحد، إلا من ينتظر.

ص: 154

الحديث العاشر:

حديث زيدِ بْنِ ثَابِتٍ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ. وَفِرْقَةً تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ. فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} [النساء: 88] وَقَالَ: "إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الذُّنُوبَ، كمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الفِضَّةِ".

هذا الحديث سلف في الحج في باب: المدينة تنفي الخبث. والراجع عبد الله بن أُبي المنافق رجع بنحو ثلاثمائة، قيل: ثلث الجيش. وقوله: ("إنها طيبة") يعني المدينة، وهو حديث على حياله، فجمعهما الراوي.

قال الداودي: كان رجوعهم قبل الوصول إلى أحد، وفي الآية قول ثانٍ: أنها نزلت في الذين تشاءموا حين قال عبد الله بن أُبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تؤذينا برائحة حمارك، وثالث: إنما نزلت في الذين شاوروا حين قال صلى الله عليه وسلم: "من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي " يعني: عبد الله بن أُبي

(1)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 4/ 194 - 196.

ص: 155

‌18 - باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:122]

4051 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَال: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران:122] بَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، وَاللَّهُ يَقُول:{وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران:122]. [4558 - مسلم: 2505 - فتح:7/ 357]

4052 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ جَابِرٍ قَال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "مَاذَا أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ ". قُلْت: لَا بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: "فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلَاعِبُكَ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ كُنَّ لِي تِسْعَ أَخَوَاتٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ، وَلَكِنِ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ. قَالَ:"أَصَبْتَ". [انظر: 443 - مسلم: 715 - فتح: 7/ 357]

4053 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شَيْبَان، عَنْ فِرَاس، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ، فَلَمَّا حَضَرَ جِذَاذُ النَّخْلِ قَال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِى قَدِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ دَيْنًا كَثِيرًا، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ. فَقَالَ:"اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ". فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"ادْعُ لَكَ أَصْحَابَكَ". فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي أَمَانَتَهُ، وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤَدِّىَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَلَا أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا، وَحَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِى كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً. [انظر: 2137 - فتح: 7/ 357]

ص: 156

4054 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيه، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. [5826 - مسلم: 2306 - فتح: 7/ 358]

4055 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَة، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ السَّعْدِيُّ قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ نَثَلَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: "ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". [انظر: 3725 - مسلم: 2412 - فتح: 7/ 358]

4056 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: جَمَعَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ. [انظر: 3725 - مسلم: 2412 - فتح: 7/ 358]

4057 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَال: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ أَبَوَيْهِ كِلَيْهِمَا. يُرِيدُ حِينَ قَال: "فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". [انظر: 3725 - مسلم: 2412 - فتح: 7/ 358]

4058 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدٍ. [انظر: 2905 -

مسلم: 2411 - فتح: 7/ 358]

4059 -

حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ إِلاَّ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ "يَا سَعْدُ ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". [انظر: 2905 - مسلم: 2411 - فتح: 7/ 358]

4060 و 4061 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُعْتَمِر، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: زَعَمَ أَبُو عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ الَّتِى يُقَاتِلُ فِيهِنَّ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ حَدِيثِهِمَا. [انظر:3722، 3732 - مسلم: 2414 - فتح: 7/ 351]

ص: 157

4062 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَد، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيل، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَال: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: صَحِبْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّه، وَالْمِقْدَادَ وَسَعْدًا رضي الله عنهم فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِلاَّ أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ. [انظر: 2824 - فتح 7/ 359]

4063 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قَال: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلاَّءَ، وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ. [3724 - فتح: 7/ 359]

4064 -

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِث، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ:"انْثُرْهَا لأَبِى طَلْحَةَ". قَالَ: وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَة: بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِى دُونَ نَحْرِكَ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْم، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَىْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلَاثًا. [انظر: 2880 - مسلم: 1811 - فتح: 7/ 361]

4065 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: أَيْ عِبَادَ اللَّه، أُخْرَاكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولَاهُم، فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُم، فَبَصُرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَال: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي. قَالَ: قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوه. فَقَالَ حُذَيْفَة: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ.

بَصُرْتُ: عَلِمْتُ، مِنَ الْبَصِيرَةِ فِي الأَمْرِ، وَأَبْصَرْتُ مِنْ بَصَرِ الْعَيْن، وَيُقَالُ بَصُرْتُ وَأَبْصَرْتُ وَاحِدٌ. [انظر: 3290 - فتح: 7/ 361]

ص: 158

ذكر فيه ثلاثة عشر حديثًا:

أحدها:

حديث جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: نزَلَتْ هذه الآيَةُ فِينَا: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: 122] بَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، والله يَقُولُ:{وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} .

ذُكِرَ في غير هذا الموضع أن بني سلمة من الخزرج وبني حارثة من الأوس، والفشل: الجبن، والمولى: الناصر.

الحديث الثاني والثالث:

حديث جابر رضي الله عنه في تزويجه الثيب وحديثه بعده في وفائه دين والده. وقد سلفا.

وقوله: ("فهلا جارية تلاعبك") معنى "هلا" مشدد اللام وهو التحضيض، ونصب "جارية" بإضمار تزوجت، وإنما يجوز هذا أو أجرى ذكر الفعل، ومعنى لولا وإلا مثل هلَّا، وهي قياس من حروف التحضيض. و"تلاعبك" من اللعب لا من اللعالب. يوضحها رواية "تداعبها وتداعبك" والدعابة: المزاح، يقال: لعِب بكسر العين من اللعب ولعَب بفتحها من اللعاب.

وقوله: (فترك تسع بنات كن لي تسع أخوات) وفي الرواية التي بعدها: (ست بنات)، وقال في باب استئذان الرجل الإمام:(لي أخوات صغار)

(1)

فلم يعين عددهن، وفي السيرة عند الخروج إلى حمراء الأسد: إن أبي خلفني على أخوات لي سبع

(2)

. كذا هو

(1)

سلف برقم (2967) كتاب: الجهاد والسير.

(2)

"سيرة ابن هشام" 3/ 52.

ص: 159

بتقديم السين الباء، ولا إشكال فذكر القليل لا ينفي ذكر الكثير، وقوله:(كن لي تسمع أخوات) مع قوله: (تسع بنات) لعله لرفع المجاز.

وقوله: (فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن) أي: لا رفق فيها للأشياء. قال ابن فارس: الخرق نقيض الرفق

(1)

. ويحتمل أن يريد أنها خجلة من الحياء والأول أظهر.

وقوله: ("أصبت") يدل على أن الثيب في هذِه الحالة أولى من البكر الصغيرة، وهذا هو المراد بقول الفقهاء: البكر أولى إن لم يكن عذر فيما يظهر.

وشيخ البخاري في الثاني هو (أحمد بن أبي سريج)، وهو أبو جعفر بن محمد بن أبي سريج، واسمه الصباح النهشلي الداري، من أفراد البخاري لا تعرف وفاته

(2)

.

و (الجذاذ) بفتح الجيم وكسرها وكذا كل ما يدل على وقت الحصاد والدراس.

وقوله: (كأنهم إنما أغروا بي) أي: كأنما أغروا بذلك وترسوا على ذلك.

والبيدر: الموضع الذي يجمع فيه التمر، كذا يُسميه أهل العراق ويسميه أهل الحجاز الميدر، والشام (

)

(3)

الأندر، ويسميه أهل اليمامة المسطح، وأهل نجد الجرين.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 284 مادة (خرق).

(2)

بهامش الأصل: بخط الحافظ أبي الفتح السعدي (

) توفي بعد 245.

(3)

كلمة غير واضحة في الأصل.

ص: 160

وقوله: (حتى كأني انظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنها لم تنقص تمرة واحدة)، هذا من بركة آثاره. وادعى الداودي أن هذا ليس في أكثر الروايات.

الحديث الرابع:

حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ القِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ.

هما من الملائكة كما قاله ابن التين، وانفرد به، وفيه معنى كتاب مسلم أنهما جبريل وميكائيل

(1)

. وفي "الجمع " لأبي نعيم الحداد

(2)

(أشد) بحذف الكاف، ونقل الداودي أن ابن عوف هو الرائي الذي رآهما، والذي في الكتاب أن سعد بن أبي وقاص هو الذي رآهما.

الحديث الخامس:

حديث هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ السَّعْدِيِّ، جده عتبة بن أبي وقاص، (نسب هاشم لسعد بن أبي وقاص لأنه سيد أمر قبيلتهم)

(3)

قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: نثل لي النبي صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد وقال: "ارم فداك أبي وأمي".

معنى (نثل): نثر، يقال: نثلت كنانتي نثلاً إذا استخرجت ما فيها من

(1)

رواه مسلم (2306/ 46) كتاب: الفضائل، باب: في قتال جبريل وميكائيل

(2)

هو الإمام الحافظ أبو نعيم عبيد الله بن الحسن بن أحمد الأصبهاني الحداد، قال الذهبي: فيه دين وتقوى وخشية، ومحاسنه جمة، جمع أطراف الصحيحين، وانتشرت عنه، واستحسنها الفضلاء، مات سنة سبع عشرة وخمسمائة. انظر "سير أعلام النبلاء" 19/ 486 (283)، "شذرات الذهب" 4/ 56.

(3)

كلام غير واضح في الأصل، أقرب ما يشبهه ما أثبتناه والله أعلم.

ص: 161

نبل وكذلك إذا نفضت ما في الجراب (

)

(1)

وهو بنون، ثم مثلثة، وضبطها بعضهم بمثناة أي: قدمها إليه تقول: استنتل فلان من الصف إذا تقدم أصحابه، واستنتل للأمر: استعد له. والكنانة التركاش الذي يجمع فيه النبل.

وقوله: ("فداك أبي وأمي") هي كلمة تقولها العرب على الترغيب أي: إن كان إلى الفداء سبيل فديتك بهما أجمعين، هما يكبران عندي، وجمعه لأبويه سلف في باب مناقبه

(2)

، وأنه جمعهما للزبير أيضًا

(3)

.

الحديث السادس:

ويجمع أحاديث سعد، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعدًا يقول: جَمَعَ لِي رسول الله صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ.

هذا سلف في مناقبه، ثم ساقه أيضًا من هذا الوجه: جمع لي يوم أحد أبويه كليهما يريد حين قال: "فداك أبي وأمي" وهو يقاتل.

قوله: (كليهما) كذا هو في البخاري وهو الصواب، وادعى ابن التين أنه وقع فيه كلاهما وأن صوابه كليهما.

ثم ساق عن عَلِيٍّ رضي الله عنه: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدٍ.

ولا يرد حديث الزبير؛ لأنه نفى السماع فقط، ثم ساقه أيضًا عن عَلِي رضي الله عنه: مَا سمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ "يَا سَعْدُ، ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي".

(1)

كلام غير واضح في الأصل، ولعله (من الزاد. وتناثل الناس إليه، أي: انصبوا).

كما في "الصحاح" 5/ 1825 مادة (نثل).

(2)

سلف برقم (3725) كتاب: فضائل الصحابة.

(3)

سلف برقم (3720) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب الزبير بن العوام رضي الله عنه.

ص: 162

وشيخ البخاري (يسرة بن صفوان) وهو بالمثناة تحت أوله وجده جميل لخمي دمشقي ثقة ثبت مات سنة ست عشرة ومائتين وهو من أفراده وابنه صفوان روى عن إسماعيل بن عياش وزاد الترمذي في هذا "ارم أيها الغلام الحزور

(1)

"

(2)

قال الزهري: رمى سعد يومئذ ألف سهم. وفي "شرف المصطفى": فما من سهم رمى به إلا قال عليه السلام: "هيا سعد فداك أبي وأمي". قلت: وكان سعد حينئذ يرمي، وقال له عليه السلام"ارم رمى الله لك"، ووقع في "الجمع بين الصحيحين" لأبي نعيم الحداد أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم الخندق، كذا قال.

العاشر:

حديث مُعْتَمِرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: زَعَمَ أَبُو عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ التِي يُقَاتِلُ فِيهِنَّ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ حَدِيثِهِمَا.

وهذا قد أسلفته وأنه لما ولَّى المسلمون يوم أحد تحيز عليه السلام إلى الجبل فلف طلحة فصحبه، وذكر أنه كان معهما اثنا عشر رجلاً من الأنصار فلحقهم المشركون فاستأذن طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتالهم فلم يأذن له، فاستأذن طلحة فلم يأذن له، واستأذنه أنصاري فأذن، ومضى عليه السلام بمن معه فلبثوا ساعة ثم جدوا في الطلب فلحقوهم فاستأذنه أنصاري فأذن ومضى صلى الله عليه وسلم بمن معه فلبثوا معه ساعة، ثم جدوا في الطلب فلحقوهم، فاستأذن طلحة فلم يأذن له، واستأذنه أنصاري فأذن له، فلم يزل كذلك حتى قتل الاثنا عشر ولحق عليه السلام بالجبل ومعه طلحة. ذكره كذلك ابن التين.

(1)

ورد في هامش الأصل: الحزور: الذي قارب البلوغ.

(2)

رواه الترمذي (2829)، (3753) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني

في "ضعيف الترمذي"(535): منكر بذكر "الغلام الحزور".

ص: 163

الحديث الحادي عشر:

حديث السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: صَحِبْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَالْمِقْدَادَ، وَسَعْدًا فَمَا سمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ.

سببه أن القوم فيهم من يكفي الناس بما عنده، وخشي هؤلاء السهو فحذروا أن يقعوا في قوله:"من كذب علي فليتبوَّأ معقده من النار"

(1)

.

وقوله: (إني سمعت طلحة يحدث عن يوم أحد) فيه ذكر المرء لعمله الصالح ليؤدي ما علم مما لم يعلم غيره؛ لأنه انفرد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ.

الحديث الثاني عشر:

حديث إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلَّاءَ، وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَومَ أُحُدٍ.

الشلاء: اليابسة. رجل أشل من شلت يده، تشل بالفتح شللاً، وأشلها الله، وفي رواية أخرى: قطعت أصبعه، فقال: حس. فقال صلى الله عليه وسلم: "لو ذكرت الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك"

(2)

والحديث سلف أنه بقي معه سعد أيضاً فلعله لحق بهما ويحتمل أن يكون قتال طلحة قبل تحيزه إلى الجبل.

الحديث الثالث عشر:

حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ أنْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم،

(1)

سبق برقم (107) كتاب: العلم، باب: إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن الزبير.

(2)

رواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 304 (8704)، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 96 (371) من طريق أبي الزبير، عن جابر. مرفوعًا.

ص: 164

وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ..

الحديث.

معنى (مجوب عليه بحجفة) ستره بها؛ لأن الجوب: الترس، وقد جاء مفسرًا: تترس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بترس واحد.

و (الحجفة): الترس الصغير من الجلود ليس فيه خشب ولا عقب، وهي الدرقة، والجمع حجف، وقال الداودي: مجوب عليه. أي: ينحني عليه بها. قال: والنزع: شدة الرمي؛ لأنه كان شديد النزع، والجعبة -واحدة الجعاب- النشاب، وهي الكنانة التي تجعل فيها السهام، والنبل السهام العربية، وهي مؤنثة، وقال ابن دريد: أصل [الجعب]

(1)

الجمع يقال جَعَبْتُ الشيء جَعْبًا، قال: وإنما يكون ذلك في الشيء اليسير

(2)

. وسلف بقية الحديث في الجهاد في باب غزو النساء.

ومعنى (تنقزان) سلف. وقال غيره: تنقلان، وقال الداودي: هو مثل تنقلان والذي ذكر أهل اللغة أن النقز الوثب فلعلهما (كانتا

(3)

تنهضان بالحمل وتنقزان وأنكره الخطابي، وإثما هو توقران أي: تحملان

(4)

.

(1)

في الأصل (الجعبة)، والمثبت من "الجمهرة".

(2)

"جمهرة اللغة" 1/ 268.

(3)

في الأصل: (كان) والمثبت هو الموافق للسياق.

(4)

قال الخطابي في "أعلام الحديث" 2/ 1385: قوله (تنقزان) معنى النقز: الوثب،

وأحسبه تزفران، والزَّفر: حمل القرب الثقال.

ص: 165

والأفواه جمع فِيّ، كما قال الداودي، والفم لا جمع له من لفظه، والذي ذكر أهل اللغة أن أصل الفم فوه فأبدل من الواو ميمًا والجمع يرد الشيء إلى أصله، كما أن ماء أصله موه، ولذلك قالوا في جمعه أمواه.

وقوله: (وقع السيف من يد أبي طلحة) أي: لأجل النعاس الذي ألقى الله عليهم أمنة منه.

الحديث الرابع عشر:

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ المُشْرِكُونَ، فَصرَخَ: أَيْ عِبَادَ اللهِ، أُخْرَاكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ، فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَبَصُرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ اليَمَاني فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللهِ، أَبِي أَبِي. فَقَالَ: فَوَاللهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللهِ مَا زَالَتْ في حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ باللهِ.

معنى (بَصُرَ): عَلِمَ، مِنَ البَصِيرَةِ في الأَمُورِ، وَأَبْصَرْتُ مِنْ بَصَرِ العَيْنِ، وَيُقَالُ بَصُرْتُ وَأَبْصَرْتُ وَاحِدٌ.

وسبب قتل اليماني: ما رواه ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد قال: فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رُفِعَ حُسَيل بن جابر -وهو اليماني أبو حذيفة بن اليماني- وثابت بن وقش في الآطام مع النساء والصبيان فقال أحدهما: لصاحبه، وهما - شيخان كبيران: لا أبا لك ما تنتظر؟ فوالله إن بقي لواحد منا من عمره إلا ظِمْءُ حمار

(1)

، إنما نحن هامة اليوم أو غد، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يزرقناشهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذا أسيافهما، ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يُعلم بهما،

(1)

أي: لم يبق منه إلا اليسير. انظر: "الصحاح" 1/ 61، مادة: ظمأ.

ص: 166

فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون، وأما اليماني فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه، فقال حذيفة: أبي والله. قالوا: والله إن عرفناه، وصدقوا، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا

(1)

.

وقوله: (فصرخ إبليس: أخراكم

(2)

) يخبرهم أن أخراهم صافوا العدو، وأنهم يخشى عليهم فرجعوا فتطاعنوا، وكل فرقة تحسب الأخرى عدوها، ولم يذكر في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يديه فتصدق بها حذيفة على المسلمين.

(1)

"سيرة النبي" لابن هشام 3/ 36 - 37.

(2)

في الأصل: (أخراهم) والمثبت من "صحيح البخاري".

ص: 167

‌19 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران:155]

4066 -

حَدَّثَنَا عَبْدَان، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ الْبَيْتَ، فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَال: مَنْ هَؤُلَاءِ الْقُعُودُ؟ قَالُوا: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. قَال: مَنِ الشَّيْخ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ. فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْء؟ أَتُحَدِّثُنِي؟ قَالَ: أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْت، أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَال: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَبَّرَ. قَالَ ابْنُ عُمَر: تَعَالَ لأُخْبِرَكَ وَلأُبَيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِى عَنْهُ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ". وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ عُثْمَانَ، وَكَانَ بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الْيُمْنَى "هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ". فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ:"هَذِهِ لِعُثْمَانَ". اذْهَبْ بِهَذَا الآنَ مَعَكَ. [انظر:3130 - فتح: 7/ 363]

معنى {استَزَلَّهُمُ} : استدعي أن يزلوا، كما يقال: استعجلتة أي: استدعيت أن يعجل.

وقوله: {بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} روي أن الشيطان ذكرهم خطاياهم قيل: هو القتل قبل التوبة، ولم يكرهوا القتل معاندة ولا نفاقا، فعفاه الله عنهم، ويوم الجمعان يوم أحد.

وقوله: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال:41] هو يوم بدر.

ص: 168

ثم ساق البخاري حديث أبي حمزة - بالحاء المهملة والزاي وهو محمد بن ميمون المروزي السكري لحلاوة كلامه، أو لحمله له في كمه- عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابن عُمَرَ في فِرَارِ عُثْمَانَ رضي الله عنه يَوْمَ أُحُدٍ، وتَغَيُّبِهِ عَنْ بَدْرٍ، والجواب عن ذلك، وكذا عن غيبته عَنْ بَيْعَةِ الرضوان.

وقد سلف في ترجمة عثمان بطوله

(1)

قال الداودي: قوله: (تغيب عن بدر) خطأ، إنما يقال: تغيب لمن تعمد التخلف وأما من تخلف لعذر فلا يقال: تغيب. وفيه نظر فلا مانع من أن يقال: تغيب لعذر، وإنما يمنع أن يقال تغيب لمن غاب ساهيًا.

(1)

سلف برقم (3699) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه.

ص: 169

‌20 - باب {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} الآية [آل عمران:153]

{تُصْعِدُونَ} : تَذْهَبُونَ، أَصْعَدَ وَصَعِدَ فَوْقَ الْبَيْتِ.

4067 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِد، حَدَّثَنَا زُهَيْر، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ. [انظر: 3039 - فتح: 7/ 364]

ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ في أُخْرَاهُمْ.

الشرح:

ذكر المفسرون أن معنى أصعد: ابتدأ المسير، ومعنى ({تُصْعِدُونَ}) بالفتح الرقي، من صعد الجبل إذا رقيه، ومعنى {تَلوُنَ}: تعرجون. و {أُخْرَاكُمْ} قال أبو عبيد: آخركم

(1)

.

وقوله: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} قال مجاهد: الغم الأول القتل والجراح، والثاني أنه صاح صائح: قتل محمد فأنساهم الغم الآخرُ الأول

(2)

، فالمعنى إذًا: فأثابكم غما بعد غم، وقيل: إنهم غموا

(1)

نقل النحاس في "معاني القرآن" 1/ 496 هذا التفسير عن أبي عبيدة. وهو في "مجاز القرآن" 1/ 105.

(2)

رواه الطبري 3/ 479 (8061) عن قتادة، وروى نحوه (8059)، (8060) عن مجاهد، وانظر "معاني القرآن" للنحاس 1/ 496.

ص: 170

رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم إياه، وأثابهم بذلك الغم غمهم به، ومعنى أثابهم: أنزل بهم ما يقوم مقام الثواب كقوله {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] أي: الذي يقوم مقام البشارة عذاب أليم.

ومعنى {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} أنهم طلبوا الغنيمة، وذكر في الباب بعده قوله {أَمَنَةً نُعَاسًا} الآية، وأمنة وأمن واحد اسم المصدر فقال: وقعت الأمنة في الأرض، وكذا قال ابن قتيبة: هي الأمن. وغيره فرق فقال: الأمنة تكون مع بقاء أسباب الخوف، والأمن زوال أسباب الخوف. ومعنى الآية: أعقبكم بما نالكم من الرعب أمنًا تنامون معه؛ لأن الشديد الخوف لا يكاد ينام وقرئ (أمْنَة) كأنها المرة من الأمن. وفي امتنانه بالنعاس لأمنهم بعد خوفهم حتى ناموا فاستراحوا وقدروا بعد النعاس على القتال. قال ابن مسعود: النعاس في [القتال]

(1)

أمنة، وهو في الصلاة من الشيطان

(2)

.

وقوله: {نُعَاسًا} هو بدل من {أَمَنَةً} أو مفعول من أجله.

ومعنى {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} يعني المؤمنين {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} يعني المنافقين، {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} أي: يظنون أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم اضمحل، {ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} أي: هم في ظنهم بمنزلة الجاهلية.

وقوله {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ} أي: لصاروا على برازٍ من الأرض.

وحديث البراء يأتي في التفسير بزيادة

(3)

، ورواه هنا وهناك عن

(1)

في الأصل: الصلاة، والصواب ما أثبتناه.

(2)

رواه عبد الرازق 2/ 499 (4219)، والطبري 3/ 484 (8082)، والطبراني 9/ 288 (9452)

(3)

سيأتي برقم (4561) باب: قوله تعالى {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ}

ص: 171

عمرو بن خالد بن فروخ بن سعيد بن عبد الرحمن بن واقد بن ليث بن واقد بن عبد الله أبو الحسن التميمي الحنظلي الجزري الحراني، نزيل مصر ثبت ثقة من أفراد البخاري مات سنة سبع وعشرين ومائتين.

ص: 172

-‌

‌ باب {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:154]

4068

- وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيد، عَنْ قَتَادَة، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ، حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا، يَسْقُطُ وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ. [4562 - فتح: 7/ 365]

وقد سلف شرحها

(1)

.

وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: ثنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ، حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا، يَسْقُطُ وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وآخُذُهُ.

وقد سلف قريبا في {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} من طريق آخر عن أنس مصرحًا بالسماع، وهذا مذاكرة.

(1)

في هامش الأصل: الجادة: تفسيرها.

ص: 173

21 -

باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} . [آل: عمران]

قَالَ حُمَيْدٌ وَثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: شُجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: "كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ". فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128].

4069 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُول:"اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا". بَعْدَ مَا يَقُولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". فَأَنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إِلَى قَوْلِه: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} . [آل عمران: 128]. [4070، 4559، 7346 - فتح: 7/ 365]

4070 -

وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّة، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَزَلَتْ:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ} إِلَى قَوْلِه: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} . [آل: عمران:128]. [انظر: 4069 - فتح: 7/ 365]

أما تعليق حميد فأخرجه الترمذي مسندًا عنه أنه عليه السلام كسرت رباعيته وشج وجهه. الحديث ثم قال: حسن صحيح

(1)

. وأخرجه عنه من حديث عَبيدة بن حميد، عن حميد به

(2)

.

(1)

الترمذي (3002 - 3003).

(2)

هكذا في الأصل، وإنما أخرجه الترمذي عن عبد بن حميد، عن يزيد بن هارون، عن حميد، به. ومن طرق أخرى، وليس فيها ذكره عبيدة بن حميد.

ص: 174

وأما تعليق ثابت فأخرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة عنه به

(1)

.

ثم ساق البخاري حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه أنه سمع رسول الله عليه السلام إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول:"اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا" بعد ما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" فأنزل الله تعالى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية.

وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلَى صفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَزَلَتْ:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية.

حديث ابن عمر ذكره في التفسير مع حديث أبي هريرة مثله، وروى المحاملي الحسين بن إسماعيل القاضي عن أبي الأشعث، ثنا خالد بن الحارث، ثنا محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر فأنزل الله عز وجل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية. قال: ثم هداهم الله للإسلام.

وحاصل ما ذكره البخاري في سبب النزول روايتان وقيل: استأذن في أن يدعو باستئصالهم فنزلت، فعلم أن فيهم من سيسلم، وأكد ذلك بالآية التي بعدها، فمن قال هو معطوف بـ (أو) على قوله {لِيَقْطَعَ طَرَفًا} فالمعنى عنده: ليقتل طائفة أو يخزيهم بالهزيمة أو يتوب عليهم أو يعذبهم، وقيل:(أو) هنا بمعنى حتى.

وقوله: (بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد") هذا إحدى الروايات الثابتة فيه بالواو.

(1)

مسلم (1791) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة أحد.

ص: 175

فائدة:

روى البخاري هذا الحديث عن (يحيى بن عبد الله) وجده زياد بن شداد أبو سهل السلمي، سكن مرو، ويعرف بخاقان، أخو جمعة وزنجويه انفرد به البخاري وهو ثقة، ولم أر له وفاة.

و (حنظلة) روى له مسلم وأبو عوانة، ثبت، مات سنة إحدى وخمسين ومائة.

ص: 176

‌22 - باب ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ

4071 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَبَقِىَ مِنْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَه: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْطِ هَذَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِى عِنْدَكَ. يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ. فَقَالَ عُمَر: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ بِهِ. وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تُزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ. [انظر: 2881 - فتح: 7/ 366]

ذكر فيه حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَسَمَ مُرُوطًا، فَأَعْطَى مِرْطاً جَيِّداً لَهَا دُونَ زَوْجَتِهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيٍّ. وَقَال: إِنَّهَا أَحَقُّ بِهِ. وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ .. الحديث.

وقد سلف في الجهاد في باب حمل النساء القرب، وفيه أن الفاروق كان يحرم من يقرب منه، ولذلك قال: أتعب عمر من بعده. وكان يبعث إلى بنته حفصة آخر ما يبعث إلى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلف هناك الكلام على (تزفر) فقال: زفر الحمل يزفر زفرًا أي حمله، وازدفر أيضًا والزفر بالكسر الحمل والجمع أزفار، وذكره في "المنتهى" وغيره، قال عياض: تزفر بحملها ملأى على ظهرها تسقي الناس منها، والزفر الحمل على الظهر. والزفر: القربة أيضًا. قال: كلاهما بفتح الزاي وسكون الفاء، وقال: منه زفر وأزفر. وجاء تفسيره في البخاري (تزفر)

(1)

تخيط

(2)

، وهو غير معروف في اللغة.

(1)

في الأصل: (تفسر) والمثبت هو الملائم للسياق.

(2)

سلف برقم (2881).

ص: 177

‌23 - باب قَتْلُ حَمْزَةَ رضي الله عنه

-

4072 -

حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْل، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَار، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّه: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْت: نَعَمْ. وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْص. فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ لَنَا: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ. كَأَنَّهُ حَمِيتٌ. قَالَ: فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ، فَسَلَّمْنَا، فَرَدَّ السَّلَامَ. قَالَ: وَعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ، مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلاَّ عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّه: يَا وَحْشِيُّ أَتَعْرِفُنِي؟ قَال: فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: لَا وَاللَّهِ إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا بِمَكَّةَ، فَكُنْتُ أَسْتَرْضِعُ لَهُ، فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الْغُلَامَ مَعَ أُمِّهِ، فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ. قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَال: أَلَا تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَال: نَعَمْ، إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلَايَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّى فَأَنْتَ حُرٌّ. قَال: فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ - وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ - خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَال: هَلْ مِنْ مُبَارِز؟ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: يَا سِبَاعُ يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ، أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِب. قَالَ: وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكَيْهِ. قَالَ: فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ، حَتَّى فَشَا فِيهَا الإِسْلَامُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً، فَقِيلَ لِي: إِنَّهُ لَا يَهِيجُ الرُّسُلَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآنِي قَال: "آنْتَ وَحْشِيٌّ؟ ". قُلْت: نَعَمْ. قَال: "أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ". قُلْت: قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ. قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ

ص: 178

تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي؟ ". قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ: لأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ. قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ. قَالَ: فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ. قَالَ: وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ: فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ وَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ. [فتح: 7/ 367]

ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضْلِ -وهو كما نسبه ابن إسحاق، وهو ابن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث -يعني: ابن عبد المطلب، وأسقط بعضهم عبد الرحمن- عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ اللهِ: هَلْ لَكَ في وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فذكره بطوله وهو من

أفراده، بل لم يخرج مسلم في "صحيحه" عن وحشي شيئًا، و (عبيد الله) هذا ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات في خلافة الوليد بن عبد الملك، وله دار بالمدينة عند دار علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يروي عن عثمان بن عفان وله حديث في "الموطأ" في كتاب الصلاة

(1)

وأرسل عنه.

و (حمص) غير مصروف بلد معروف، دخلتها، ويجوز صرفها، وعلله ابن التين بقلة حروفها وسكون وسطها، مثل عاد، وهود، ونوح، ودعد.

وقوله عن وحشي أنه (هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت): هو بفتح

(1)

"الموطأ" ص 124 (87).

ص: 179

الحاء

(1)

، وهو الزق كالقلة والجمع: الحمت، وهو النِّحْي أيضًا وجمعه أنحاء وأكثر ما يقال ذلك في أوعية السمن والزيت. وقيل: هو الزق مطلقًا، قال أبو عبيدة: أما الزق الذي يجعل فيه اللبن فهو الوطب وجمعه أوطاب، وما كان للشراب فهو الذواريع واسم الزق يجمع ذلك كله.

وقوله: (عبد الله معتجر بعمامته) أي: لفها على رأسه من غير تحنيك، وكذلك الاعتجار بالثوب إنما هو التلفف به.

وقوله: (ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه) يعني: أنه تخرطم.

وفيه: نباهة وحشي لمعرفته بالقدمين على طول عهد وصغر المحمول.

وقوله: (إن عدي بن الخيار تزوج بامرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص) كذا وقع هنا، وإنما هي أم قتال بنت أسيد بن أبي العيص بن أمية أخت عتاب. ووقع في السيرة النبوية أنها سعدية

(2)

وهي قرشية.

وقوله: (إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار) صوابه كما قال الدمياطي: طعيمة بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، والمطعم والخيار ابنا عدي أخواه، وعدي بن الخيار بن عدي بن نوفل ابن أخيه.

وقوله: (فخرج إليه حمزة فقال: يا سباع، يا ابن أم أنمار مقطعة البظور) يعني: أنها كانت خافضة التي تخفض النساء أي: تختن لهن.

والبظر: هنة بين الإسكتين لم تخفض وكذلك البظارة، وامرأة بظراء: بينة البظر.

(1)

في هامش الأصل: يعني المهملة.

(2)

"سيرة ابن هشام" 3/ 16.

ص: 180

وقوله قبله: (فلما أن خرج عام عينين، وعينين جبل بحيال أحد بينه وبينه واد) ويسمى عام أحد عام عينين.

وقوله: (أتحا د الله ورسوله؟) أي: أتعاندهما؟ وقيل: تعاديهما، والمعنى واحد، وأصله أن يكون هذا في حدٍّ وهذا في حدٍّ آخر.

وقوله: (وكمنت لحمزة) هو بفتح الميم أي: اختفيت.

وقوله: (فأضع الحربة في ثنته) أي: في وسطه، قاله ابن فارس

(1)

. وقال الخطابي: هي العانة

(2)

وعبارة غيره: هي ما بين السرة والعانة وكذلك المريطاء.

وقوله: (فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً) كان ذلك في سنة ثمان مع رسل أهل الطائف، ذكره ابن التين.

وقوله: (وقيل لي: إنه لا يهيج الرسل) أي: لا ينالهم منه مكروه، وهاجه يهيجه: صرفه، وهاج الشيء: تحرك.

وقوله لوحشي: "فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟ " فيه ما كان عليه من الرفق، وأن المرء يكره أن يرى قاتل وليه.

وقوله: (لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة) أي: أقابله وأعارضه وأوازنه، وهذا إشفاق منه؛ لأن الإسلام يجب ما كان قبله.

وقوله: (فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس) الثلمة: الخلل. والأورق من الإبل: الذي يضرب إلى الخضرة. وقيل: الورقة: لون الرماد. وبه جزم ابن التين. يقال: أسمر لونه كون الرماد.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 156 مادة (ثن).

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1719.

ص: 181

وقال السهيلي: يريد -والله أعلم- ورقة الغبار، وأنه قد ينفع به؛ إذ الأورق من الإبل ليس أقواها ولكنه أطيبها لحمًا فيما ذكروا

(1)

. و (ثائر الرأس): قائم شعره.

وقوله: (فضربه على هامته) أي: رأسه.

وقوله: (فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود) كان مسيلمة مع كفره وكذبه مرة يدعي النبوة، ومرة يتسمى أمير المؤمنين. وأمير المؤمنين حقًّا هو عمر بن الخطاب، أول من تسمى به بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حياته عبد الله بن جحش.

قوله: (فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ. وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى عاتِقِهِ) في "السيرة": التي قتلت بها حمزة، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده، فهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتلت شر الناس

(2)

.

وهذا الأنصاري لم يسمه ابن إسحاق. وذكر الواقدي في كتاب "الردة" أنه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني من الأنصار، وذكر سيف بن عمر في "الفتوح" أنه عدي بن سهل وذكر فيه سوءًا، وذكر ابن عبد البر وغيره أن أبا دجانة شاركه في قتل مسيلمة

(3)

، فالله أعلم أي هؤلاء الثلاثة أراد وحشي.

(1)

"الروض الأنف" 3/ 162.

(2)

"سيرة ابن هشام" 3/ 18.

(3)

"الاستيعاب" 4/ 209، "أسد الغابة" 6/ 96.

ص: 182

وفي رواية يونس عن ابن إسحاق زيادة في إسلام وحشي، قال: لما قدم المدينة قال الناس: يا رسول الله، هذا وحشي، قال:"دعوه، فلإسلام رجل واحد أحب إلى من قتل ألف رجل كافر"

(1)

.

فائدة:

وحشي من الأفراد ليس في الصحابة من تسمى باسمه غيره، وهو من سودان مكة. أخرى: مسيلمة -بكسر اللام- كنيته أبو ثمامة وأبو هارون بن ثمامة بن كبير بن حبيب، ستأتي ترجمته واضحة في باب وفد بني حنيفة.

خاتمة:

حمزة، بدري أحدي أحد الثلاثة الذين كانوا أول من بارز يوم بدر، واحد الستة الذين هم أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة ونزل فيهم مجهَذَانِ {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج: 19] وأحد الاثني عشر نقيبًا من قريش وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة وأسد الله وأسد رسوله، أسلم في السنة الثانية من المبعث. وأول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم سريته إلى سيف البحر. كما قال المدائني، وهو سيد الشهداء، وروي خيرهم.

(1)

انظر "الروض الأنف" 3/ 163.

ص: 183

‌24 - باب مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ

4073 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ - يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ - اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَبِيلِ اللَّهِ". [مسلم: 1793 - فتح: 7/ 372]

4074 -

حَدَّثَنِي مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَار، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَبِيلِ اللَّهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [4076 - فتح: 7/ 372]

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ على قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ -يُشِيرُ إلى رَبَاعِيَتِهِ- اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ على رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ في سَبِيلِ اللهِ".

وحديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "اشْتَدَّ غضب اللهِ على مَنْ قَتَلَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في سَبِيلِ اللهِ، اشْتَدَّ غضب اللهِ على قَؤمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم".

الشرح:

يريد بقوله: ("اشتد غضب الله") أن ذلك من أعظم السيئات عنده ويجازي عليه، ليس الغضب الذي هو عرض؛ لأن القديم لا تحيله الأعراض؛ لأنها حوادث، ويستحيل وجودها فيه"

(1)

.

(1)

قال ابن تيمية: وجماع القول في إثبات الصفات هو القول بما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، ويصان ذلك عن التحريف، والتمثيل، والتكييف، والتعطيل، فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته =

ص: 184

والرباعية: بتضعيف الياء، وقد سلف في أثثاء غزاة أحد ما وقع له من ابن عتبة وابن قمئة وابن شهاب أيضًا فراجعه، ومص مالك بن سنان الخدري الدم عن وجهه، ثم ازدرده، فقال صلى الله عليه وسلم:"من مس دمه دمي لم تصبه النار"

(1)

وقال: ما بلغ أحد الحلم من ولد عتبة إلا أبخر أو أهتم بكسره رباعية النبي صلى الله عليه وسلم، فقد فعل مثل

(2)

ذلك ابن الزبير وهو غلام حذور

(3)

وفيه: أن دمه مخالف دم غيره في التحريم وكذلك بوله وقد شربته أم أيمن

(4)

وذلك لغسل الملكين جوفه بالثلج في طست، فصار بذلك من المطهرين كأمته لتطهره من الأحداث، وحديث سالم:"أما علمت أن الدم كله حرام؟ " لا يعرف له إسناد وإن ذكره ابن عبد البر

= ولا في صفاته ولا في أفعاله، والواجب إثبات الصفات ونفي مماثلتها لصفات المخلوقات، إثباتًا بلا تشبيه، وتنزيفا بلا تعطيل. "مجموع الفتاوى" 6/ 515.

(1)

رواه البغوي في "معجم الصحابة" 5/ 242 (2085)، والطبراني 6/ 34 (5430)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2456 (5994) من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ:"من أحب أن ينظر إلى من خالط دمي دمه، فلينظر إلى مالك بن سنان". وقال المصنف في "البدر المنير" 1/ 481: وفيه مجاهيل لا أعرفهم بعد الكشف عنهم اهـ. وذكره الحافظ في "الإصابة" 3/ 346، وعزاه أيضاً لابن السكن، وسعيد بن منصور، وقال: بنحوه.

(2)

ورد في هامش الأصل: أي من أنه شرب دمه، ولم يذكر المؤلف غيرهما، وقد فعل مثل ذلك غيرهم.

(3)

رواه الحاكم 3/ 554 عن عبد الله بن الزبير، ورواه ابن الغطريف في "جزئه"(65) من حديث سلمان الفارسي، وانظر تمام تخريجه في "البدر المنير" للمصنف 1/ 476 - 479.

(4)

رواه الحاكم 4/ 63 - 64، وغيره من طريق أبي مالك النخعي، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن أم أيمن، قال الحافظ في "التلخيص" 1/ 31: أبو مالك ضعيف، ونبيح لم يلحق أم أيمن. اهـ وانظر "البدر المنير" 1/ 481 - 488.

ص: 185

في "استيعابه"

(1)

. وروى الزبير بن أبي بكر أنه لما ولد ابن الزبير نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هو هو" فلما سمعت بذلك أسماء أمه أمسكت عن رضاعه فقال لها صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه ولو بماء عينيك كبش بين ذئاب، وذئاب عليها ثياب ليمنعن البيت، أو يقتلن دونه"

(2)

.

وقوله: "دمَّوا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم" هو بتشديد الميم، أصله دميوا، مثل صلوا صليوا واستثقلت فتحة الياء فحذفت فبقيت الياء ساكنة والواو ساكنة حذفت الياء. ولا يقال: دموا مخففة؛ لأنه غير متعد، يقال: دمي وجهه. وقوله: "هل أنت إلا أُصبع دميتِ"

(3)

فيه أن الأنبياء يصابون ببعض المكروه ليعظم لهم الأجر.

فائدة:

شيخ البخاري في حديث ابن عباس: (مخلد بن مالك) أبو جعفر الجمال الرازي، مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين بنيسابور.

وقال الحاكم: روى عنه أيضًا [أمسلم]

(4)

في "الصحيح"، وهو غريب ولم يذكره أحد في رجاله.

(1)

"الاستيعاب" 2/ 137، وحديث سالم رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3/ 1364 (3443)، وقال الحافظ في "تلخيص الحبير" 1/ 30 وفي إسناده أبو الحجاف، وفيه مقال، وانظر "البدر المنير" 1/ 475 - 476.

(2)

انظر "الروض الأنف" 3/ 166.

(3)

سلف برقم (2802) كتاب: الجهاد والسير، باب: من ينكب في سبيل الله، ورواه مسلم (1766) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين.

من حديث جندب بن سفيان.

(4)

ساقطة من الأصل، وانظر "تهذيب الكمال" 27/ 341.

ص: 186

‌باب:

4075 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، وَهْوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاء، وَبِمَا دُووِىَ. قَال: كَانَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَغْسِلُهُ وَعَلِيٌّ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلاَّ كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ، وَجُرِحَ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ. [انظر: 243

- مسلم:1790 - فتح: 7/ 372]

4076 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْج، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَار، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، واشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّي وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 4074 - فتح: 7/ 372]

ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ السالف قَبل: "اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ على مَنْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، وَعَلَى مَنْ دَمَّي وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم".

وحديث سَهْلِ بْنَ سَعْدٍ، وَهْوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أَمَا والله إِنِّي لأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَهُ .. الحديث.

وفيه: (وَكُسِرَتِ البَيْضَةُ على رَأسِهِ). وقد سلف ما فيه، وفيه: جواز التداوي.

والمجن: الترس.

ص: 187

‌25 - باب {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [آل عمران: 172]

4077 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّد، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)} [آل عمران:172] قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي، كَانَ أَبُوكَ مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ، لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، قَال:"مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ؟ ". فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً. قَال: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ. [مسلم: 2418 - فتح: 7/ 373]

ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها في الآية، قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابن أُخْتِي، كَانَ أبوك مِنْهُمُ، الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ، لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللهِ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ المُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، فَقَالَ:"مَنْ يَذْهَبُ في إِثْرِهِمْ؟ ". فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً. قَالَ: فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ.

الندب: أن يدعوا القوم إلى الحرب أو الأمر، وانتدبوهم أجابوا لما دعوا إليه. وعن ابن عباس أن المشركين لما انصرفوا يوم أحد وبلغوا الروحاء حرض بعضهم بعضًا على الرجوع؛ لمقاتلة المسلمين، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فندب أصحابه للخروج فانتدبوا حتى وافوا. يعني حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، فنزلت هذِه الآية.

ص: 188

‌26 - باب مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ

مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالْيَمَانُ، والنَّضْرِ بن أنس

(1)

، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ رضي الله عنهم.

4078 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ قَتَادَة: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ. وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ، قَال: وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَوْمُ الْيَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. [فتح: 7/ 374]

4079 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُول:"أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ ". فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدٍ، قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ:"أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا. [انظر: 1343 - فتح: 7/ 374]

4080 -

وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد، عَنْ شُعْبَة، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَال: سَمِعْتُ جَابِرًا قَال: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَبْكِي وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَوْنِي، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَبْكِيه -أَوْ مَا تَبْكِيهِ-، مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ". [انظر: 1244 - مسلم: 2471 - فتح: 7/ 374]

4081 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَة، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أُرَى- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "رَأَيْتُ فِي رُؤْيَاىَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ بِهِ اللَّهُ مِنَ الْفَتْحِ

(1)

وفي اليونينية: أنس بن النضر. وجاء في حاشيتها: عند أبي ذر: النضر بن أنس. والصواب الأول.

ص: 189

وَاجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا والله خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ". [انظر: 3622 - مسلم: 2272 - فتح: 7/ 374]

4082 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ خَبَّابٍ رضي الله عنه قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى -أَوْ ذَهَبَ- لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْليهُ

(1)

خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الإِذْخِرَ» . أَوْ قَالَ: «أَلْقُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ» . وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا. [انظر: 1276 - مسلم: 940 - فتح: 7/ 375]

ثم أسند عن قَتَادَةَ قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ. وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ، وَيوْمَ اليَمَامَةِ سَبْعُونَ، قَالَ: وَكَانَ يَوْمُ بِئْرِ مَعُونَةَ على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَيوْمُ اليَمَامَةِ على عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ.

ثم ساق من حديث الزهري عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ، الحديث.

وفي آخره: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ.

أسلف في الجنائز من الوجه المذكور، وقال أبو الوليد بن شعبة، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابرًا قال: لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه وقال صلى الله عليه وسلم:"ابكه أو لا تبكه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع" وهذا أسلف في الجنائز عن ابن

(1)

كذا باليونينية، وبهامشها: رجلاه.

ص: 190

المديني، عن سفيان، عن ابن المنكدر، عن جابر

(1)

، وحديث أبي موسى رضي الله عنه في المنام وقد أسلفناه في باب غزوة أحد

(2)

، وحديث خباب سلف في الجنائز.

الشرح:

(حمزة)

(3)

رضي الله عنه سلفت ترجمته.

و (اليمان) هو والد (جابر) وهو: حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة. وأسقط ابن الكلبي من نسبه ربيعة. واليماني أصاب دمًا في قومه فحالف بني عبد الأشهل، فقيل له: اليماني؛ لأن الأنصار من الأزد، والأزد من اليمن بن الحارث بن قطيعة بن عبس، قد أسلفنا أن المسلمين قتلوه وتصدق ابنه بديته على المسلمين.

و (النضر بن أنس) كذا ذكر البخاري وصوابه قلبه أنس بن النضر عم أنس بن مالك بن النضر كما نبه عليه الدمياطي.

و (مصعب بن عمير) وهو ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن عبد الدار، أحد السابقين. وهو فرد ليس في الصحابة مصعب بن عمير سواه، وكذا أنس بن النضر، وكان من السادة، غاب عن بدر فقال: لئن الله أشهدني قتالاً ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد استشهد، وقد سرد من استشهد بأحد ابن إسحاق وغيره والحاصل ستة وتسعون منهم من المهاجرين، ومن ذكر معهم أحد عشر، ومن الأنصار خمسة وثمانون، من الأوس ثمانية وثلاثون، ومن الخزرج ثمانية وأربعون، منهم عند ابن إسحاق من المهاجرين أربعة، ومن الأنصار واحد

(1)

سلف برقم (1293) باب (35).

(2)

سلف برقم (3987) كتاب: المغازي، باب (10).

(3)

كذا بالأصل، والصواب: حذيفة.

ص: 191

وستون، من الأوس أربعة وعشرون، ومن الخزرج سبعة وثلاثون، والباقون عن موسى بن عقبة، أو عن ابن سعد، أو عن ابن هشام

(1)

، وقد ذكر أبو عمر فيهم زياد بن السكن، أبو عمارة بن زياد. وعند ابن إسحاق: زياد بن السكن. قال بعضهم يقول: عمارة بن زياد

(2)

، وذكر في "استيعابه" أيضًا أبا زيد الأنصاري وهو أبو بشير بن أبي زيد ذكره في ترجمة ابنه، وحارثة بن عمرو الساعدي

(3)

، وذكر ابن الكلبي خداش بن قتادة شهد بدرًا وأحدًا وقتل بأحد وليس معدودًا منهم

(4)

، وذكر في مغازيه عمير بن عدي الخطمي الضرير، وغيره نفاه عنها وقد تجاوزوا بهذِه الزيادات المائة وفي الكتاب عن قتادة أنهم سبعون منهم من يجعل السبعين من الأنصار خاصة كما قال ابن سعد في غزوة أحد

(5)

، لكنه زاد في تراجم الطبقات على ذلك وأكثرهم أنصارًا، ويذكر في تفسير قوله تعالى:{قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران: 165] أنه تسلية للمؤمنين عمن أصيب منهم يوم أحد أنهم لما أصابوا من المشركين يوم بدر سبعين قتيلاً وسبعين أسيرًا، فقد يقال: الزيادة من باب الاختلاف، والله أعلم.

فصل:

وقتل من كفار قريش يوم أحد ثلاثة وعشرون منهم الحكم بن الأخنس وذكر غير ابن إسحاق فيهم شريح بن قارظ.

(1)

"سيرة ابن هشام" 3/ 75 - 81.

(2)

"الاستيعاب" 2/ 106، "سيرة ابن إسحاق" ص 307.

(3)

"الاستيعاب" 1/ 254، 371.

(4)

انظر "أسد الغابة" 2/ 124.

(5)

"الطبقات الكبرى" 2/ 43.

ص: 192

فصل:

فيه -أعني: حديث جابر- تقدمة من معه أكثر قرآنًا في اللحد.

فصل:

كان الأمير يوم اليمامة خالد بن الوليد، وكان على الأنصار ثابت بن قيس بن شماس، قتل يومئذ. وذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد أن خالدًا صالح أهل اليمامة عليها مجَّاعة بن مرارة، واستشهد بها ألف وأربعمائة قال: وقتل ألف ومائة، منهم سبعون جمعوا القرآن، ولا يخالف ما في البخاري، إذ يجوز أن يكون السبعين من الأنصار والباقي من غيرهم.

وقوله: (أعز يوم القيامة من الأنصار) وضبط بالغين المعجمة والراء المهملة، وبالعين المهملة والزاي المعجمة وهم ظاهران.

وبئر معونة بالنون ماء لبني سليم، وهو بين أرض بني عامر وأرض بني سليم، وكان أميرها المنذر بن عمرو المُعْنِق. وذكر الكندي أن بئر معونة من جبال أُبْلَى في طريق المصعد من المدينة إلى مكة. وقال أبو عبيدة في "مقاتل الفرسان": هو ماء لبني عامر بن صعصعة. وقال ابن دحية: هي بين مكة وعسفان بأرض هزيل. وجزم ابن التين بأنها على أربع مراحل من المدينة، قتلهم عامر بن الطفيل في بني سليم وبني عامر.

فصل:

ورواية الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال أحمد بن صالح والذهلي: ربما لم يسمع الزهري من عبد الرحمن بن كعب شيئًا وإنما هو ابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب. ومات الأعلى في خلافة سليمان والأدنى في خلافة هشام.

ص: 193

فصل:

حديث جابر الثاني في مسلم من رواية شعبة أيضاً: وجعلت فاطمة بنت عمرو تبكيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبكيه أو لا تبكيه" وفيه: "حتى رفعتموه"

(1)

قال عياض: ظاهره أنه لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: - للتأكيد عليه- ذلك، فقد حصل له من الفضل ما ذكر على طريق التسلية لها والتسوية لفعلها، والمراد: تبكيه لمصابك بمثله ورزيتك به، أولا تبكيه لسرورك بما حصل له من الفضل، وقد يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال أحد اللفظين على هذا المعنى، وشك الراوي أيهما قال

(2)

.

فصل:

النمرة في حديث خباب: كل شملة مخططة، وحكينا فيها أقوالاً في باب الكفن من جميع المال من الجنائز.

(1)

مسلم (2471/ 130) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام.

(2)

"إكمال المعلم" 7/ 500.

ص: 194

‌27 - باب أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ

قَالَهُ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

4083 -

حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَال: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَة: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". [انظر: 371 - مسلم: 1365، 1393 - فتح: 7/ 377]

4084 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَمْرٍو - مَوْلَى الْمُطَّلِبِ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ:"هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا". [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 7/ 377]

4085 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ:"إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ - أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ - وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا". [انظر: 1344 - مسلم: 2296 - فتح: 7/ 377]

ثم ساقه من حديث قَتَادَة قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هذا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ".

ومن حديث عَمْرٍو - مَوْلَى المُطَّلِب - قَالَ أَنَسٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: "هذا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا".

وقد سلف تأويله قريبًا في أوائل باب غزوة أحد. وحرم المدينة سلف في بابه. واللابتان: الحرتان: أرض بركتها حجارة سود.

ص: 195

وحديث أبي حميد أخرجه فيما مضى من حديث عمرو بن يحيى عن عباس به

(1)

.

ثم ذكر من حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ السالف قريبًا في أوائل باب غزوة أحد

(2)

.

وزاد هنا: "وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ" أَوْ "مَفَاتِيحَ الأَرْضِ".

(1)

سلف برقم (1481) كتاب: الزكاة، باب: خرص التمر.

(2)

سلف برقم (4042).

ص: 196

‌28 - باب غَزْوَةُ الرَّجِيعِ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبِئْرِ مَعُونَةَ

وَحَدِيثِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ

4086 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ - وَهْوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لَحِيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُم: بَنُو لَحْيَانَ، فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلاً نَزَلُوهُ، فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَة، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ. فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلاً. فَقَالَ عَاصِم: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ. فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْبٌ، وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا. فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِى مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ. فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُم، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَتَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ، فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتَعَارَ مُوسَى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ أَسْتَحِدَّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، قَالَت: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي، فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي، وَفِى يَدِهِ الْمُوسَى فَقَال: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَه؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ، وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلاَّ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ. فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ، لِيَقْتُلُوهُ فَقَال: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ

ص: 197

ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ، لَزِدْتُ. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا. ثُمَّ قَالَ:

مَا أُبَالِى حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا

عَلَى أَىِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأ

يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ. [انظر: 3045 - فتح:7/ 378]

4087 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّد، حَدَّثَنَا سُفْيَان، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا يَقُول: الَّذِى قَتَلَ خُبَيْبًا هُوَ أَبُو سِرْوَعَةَ. [فتح: 7/ 379]

4088 -

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيز، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْم: رِعْلٌ وَذَكْوَانُ، عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ مَعُونَةَ، فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا، إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَتَلُوهُمْ، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيز: وَسَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا عَنِ الْقُنُوتِ: أَبَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَة؟ قَالَ: لا، بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ. [انظر: 1001 - مسلم: 677 - فتح: 7/ 1385]

4089 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ. [انظر: 1001 - مسلم: 677 - فتح: 7/ 385]

4090 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِى لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُم وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ

ص: 198

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ. قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا، ثُمِّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ: بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. وَعَنْ قَتَادَة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ: عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِى لَحْيَانَ.

زَادَ خَلِيفَة: حَدَّثَنَا ابْنُ زُرَيْع، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَة، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، أَنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ. قُرْآنًا: كِتَابًا. نَحْوَهُ. [انظر: 1001 - مسلم: 677 - فتح: 7/ 385]

4091 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ خَالَه - أَخٌ لأُمِّ سُلَيْم - فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا، وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ، فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلَانٍ فَقَال: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلَانٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِى. فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ، فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْم وهُوَ

(1)

رَجُلٌ أَعْرَجُ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، قَالَ: كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ، فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ، وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ. فَقَال: أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُم، وَأَوْمَئُوا إِلَى رَجُلٍ، فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ - قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ حَتَّى أَنْفَذَهُ - بِالرُّمْحِ، قَال: اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. فَلُحِقَ الرَّجُلُ، فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا، ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ: إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِى لَحْيَانَ وَعُصَيَّةَ، الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1001 - مسلم: 677 - فتح: 7/ 385]

(1)

قال ابن حجر في "الفتح" 7/ 783: كذا هنا على أنها صفة حرام، وليس كذلك بل الأعرج غيره فالذي يظهر أن الواو في قوله: وهو. قدمت سهوا من الكاتب والصواب تأخيرها. وصواب الكلام فانطلق حرام هو ورجل أعرج. اهـ.

ص: 199

4092 -

حَدَّثَنِي حِبَّان، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَال: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَس، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُول: لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ - وَكَانَ خَالَهُ - يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ بِالدَّمِ هَكَذَا، فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، ثُمَّ قَال: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. [انظر: 1001 - مسلم: 677 - فتح: 7/ 386]

4093 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ فِي الْخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى، فَقَالَ لَه:"أَقِمْ". فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: "إِنِّي لأَرْجُو ذَلِكَ". قَالَتْ فَانْتَظَرَهُ أَبُو بَكْر، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرًا فَنَادَاهُ فَقَال:"أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَاىَ. فَقَالَ: "أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ؟ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الصُّحْبَةُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"الصُّحْبَةُ".

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، عِنْدِى نَاقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ. فَأَعْطَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِحْدَاهُمَا -وَهْيَ الْجَدْعَاء-، فَرَكِبَا فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْغَار -وَهْوَ بِثَوْرٍ- فَتَوَارَيَا فِيهِ، فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ غُلَامًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عَائِشَةَ لأُمِّهَا، وَكَانَتْ لأَبِي بَكْرٍ مِنْحَةٌ، فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا وَيَغْدُو عَلَيْهِمْ، وَيُصْبِحُ فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا ثُمَّ يَسْرَحُ، فَلَا يَفْطُنُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ. وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَال: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَة: فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ مَنْ هَذَا فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ. فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ، ثُمَّ وُضِعَ. فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ فَقَالَ:"إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا، وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ، فَقَالُوا: رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا. فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ". وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ، فَسُمِّىَ عُرْوَةُ بِهِ، وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّىَ بِهِ مُنْذِرًا. [انظر: 476 - فتح: 7/ 388]

4094 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّه، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ

ص: 200

أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَنَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَيَقُولُ: "عُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ". [انظر:1001 - مسلم:677 - فتح: 7/ 389]

4095 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا - يَعْنِي: أَصْحَابَهُ- بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا، حِينَ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَلِحْيَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أَنَسٌ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِينَ قُتِلُوا أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاه، حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ: بَلِّغُوا قَوْمَنَا، فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ. [انظر: 1001 - مسلم: 677 - فتح: 7/ 389]

4096 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيل، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِد، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَال: نَعَمْ. فَقُلْتُ: كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَه؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قُلْت: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْت: بَعْدَهُ، قَالَ: كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أَنَّهُ كَانَ بَعَثَ نَاسًا يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ -وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً- إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ قِبَلَهُمْ، فَظَهَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ. [انظر: 1001 - مسلم: 677 - فتح: 7/ 389]

الشرح:

الوجه كما قال الدمياطي: تقديم عضل وما بعدها مع الرجيع، وتأخير رعل وذكوان مع بئر معونة، وكانت غزوة الرجيع، وهو ماء لهذيل كما سلف بالاختلاف فيها، وقد ساقها البخاري في بدر أيضًا وأوضحناها هناك

(1)

.

وبئر معونة ماء لبني سليم كما سلف قريبًا، وكانت في صفر أيضًا، كما سلف. وأميرها المنذر كما سلف أيضًا. قال ابن سعد: وكانت سرية

(1)

سلف برقم (3989) كتاب: المغازي، باب (10).

ص: 201

المنذر هذا في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرًا من مهاجره، قالوا: قدم عامر بن مالك بن جعفر أبو براء ملاعب الأسنة الكلابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهدى له، فلم يقبل منه، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، وقال: لو بعثت معي نفرًا من أصحابك إلى قومي رجوت أن يجيبوا دعوتك، فقال:"إني أخاف عليهم أهل نجد"، قال: أنا لهم جار، فبعث معه سبعين من الأنصار شببة يسمون القراء وأمَّر عليهم المنذر، فلما نزلوا بئر معونة قدَّموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل فقتل حرامًا واستصرخ عليهم بني عامر فأبوا، وقالوا: لا يُخفر أبا براء فاستصرخ عليهم قبائل من سليم: عصية ورعل وذكران ورعب والقارة ولحيان فنفروا معه فقتل الصحابة كلهم إلا عمرو بن أمية، فأخبره جبريل بخبرهم وخبر مصاب مرثد تلك الليلة

(1)

. وعند ابن إسحاق: كان بعثهم في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد، وكانوا أربعين رجلاً- قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار، فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى

(2)

.

وفي "مغازي الواقدي" الثبت أنهم كانوا أربعين وأن عمرو بن أمية لم يكن معهم، ولم يكن معه إلا أنصاري

(3)

. وعند موسى بن عقبة يقال: كان أميرهم مرثد بن أبي مرثد كناز بن الحصين الغنوي

(4)

.

وروى مسلم من حديث ثابت، عن أنس أن ناسًا جاءوا إلى رسول

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 51 - 53.

(2)

"سيرة ابن هشام" 3/ 183، 185.

(3)

"مغازي الواقدي" ص 348.

(4)

أنظر "دلائل النبوة" 3/ 341 - 342.

ص: 202

الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ابعث معنا رجالاً يُقْرِءْونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار

(1)

. و [في]

(2)

"الجمع بين الصحيحين" لأبي نعيم الحداد: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عامر فأصيب بالطاعون، بعث سبعين إلى قومه في رسالة فدعا على قتلهم أربعين صباحًا، وروى ابن طاهر في "صفوته" من حديث أبي حميد عن أنس: لما أصيب أهل بئر معونة، دعا عليه السلام خمسة عشر يومًا.

وفي رواية البيهقي عن أنس: لما أصيب خبيب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم القراء

(3)

. وللعسكري: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أميرًا على أربعين من الأنصار ليس فيهم غيرهم إلا عمرو بن أمية، وذلك أن أبا براء بعث ابن أخيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في علة وجدها، فدعا له بالشفاء وبارك فيما أنفذه إليه فبرئ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إلى أهل نجد من شئت، فإني جار لهم. وفي "مغازي أبي معشر" كان أبو براء كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابعث إليّ رجالاً يعلمون القرآن وهم في ذمتي وجواري، فبعث إليهم المنذر بن عمرو في أربعة عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، فلما ساروا إليهم بلغهم أن أبا براء مات، فبعث المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فأمده بأربعين نفرًا أميرهم عمرو بن أمية، وقال: إذا اجتمع القوم كان عليهم المنذر. فلما وصلوا بئر معونة كتبوا إلى ربيعة بن البراء: نحن في ذمتك وذمة أبيك، فنقدم عليك أم لا؟ قال: أنتم في ذمتي فاقدموا. وفي آخره: قدم عليه عليه السلام خبر بئر

(1)

مسلم (677/ 147) بعد حديث (1902) كتاب: الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد.

(2)

زيادة يقتضيها السياق ليست في الأصول.

(3)

"دلائل النبوة" 3/ 349.

ص: 203

معونة وأصحاب الرجيع وبعث محمد بن مسلمة في ليلة واحدة، وفي "شرف المصطفى" عليه الصلاة والسلام: جاءت الحمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"اذهبي إلى رعل وذكران، وعصية عصت الله ورسوله" فأتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل بكل رجل من المسلمين عشرة.

تنبيه:

جزم ابن التين بأن غزوة الرجيع في آخر سنة ثلاث، وغزوة بئر معونة سنة أربع، وبني لحيان سنة خمس، خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرة جمادى الأولى يطلب ثأر خبيب وأصحابه، وبعث من فوره إلى القارة في دورها فاعتصموا بالجبال.

وقول ابن إسحاق أنها بعد أحد يريد غزوة الرجيع رهط قصة خبيب. ومعنى (اقتصوا آثارهم): تتبعوها شيئًا بعد شيء، ومنه قوله تعالى:{وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11] أي: تتبعي أثره. ويجوز بالسين.

ومعنى (اللهم أحصهم عددًا): استأصلهم بالهلاك.

ثم ذكر البخاري بعد قصة خبيب عدة أحاديث:

أحدها:

عن عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أنَسٍ عليه السلام قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمُ: القُرَّاءُ، فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: رِعْلٌ وَذَكْوَانُ، عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: مَعُونَةَ، فَقَتَلُوهُمْ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ شَهْرًا في صَلَاةِ الغَدَاةِ، وَذَلِكَ بَدْءُ القُنُوتِ.

ثانيها:

حديث قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو على أَحْيَاءٍ مِنَ العَرَبِ. وقد سلف.

ص: 204

ثالثها:

حديث قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم على عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمِ القُرَّاءَ في زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُون بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ، فَقنَتَ شَهْرًا .. الحديث.

قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا: (بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، أَن لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا (ورضينا عنه)

(1)

وَأَرْضَانَا).

وَزَادَ خَلِيفَةُ: ثَنَا ابن زُريعٍ، ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ثَنَا أَنَسٌ، أَنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ قُتِلوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ. قُرْآنًا: كِتَابًا. نَحْوَهُ.

قال الداودي في عاصم وأصحابه: إن بني لحيان فيمن قتله، وقال ذلك في السبعين القراء، فإما أن يكون بنو لحيان فيمن قتل الفريقين أو في إحدى الروايتين وهم، والصحيح الأول أنهم قتلوا عاصمًا وأصحابه وشاركوا في السبعين القراء.

وكذلك قال الداودي في قوله: (بلغوا عنا قومنا) إلى آخره. قال مرة: نزلت في خبيب وأصحابه وقال مرة: في القراء السبعين، فإما أن تكون نزلت فيهما أو في إحداهما وهم، والذي هنا أنها نزلت في السبعين القراء.

وقالا الدمياطي: قوله: (أن رعلًا) -إلى آخره- استمدوا، والصواب أن عامر بن الطفيل استمدهم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوهم، ولم يكن بنو لحيان مع بني سليم وإنما بنو لحيان من هذيل قتلوا أصحاب الرجيع، وأخذوا خبيبًا وباعوه بمكة، قلت: والحاصل ثلاث روايات:

(1)

وردت في الأصل بين (لا

إلى).

ص: 205

أولها: رواية عبد العزيز، عن أنس أنه عليه السلام أنفذهم فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان.

ثانيها: رواية قتادة عن أنس أن رعلاً .. إلى آخره. (استمدوا) رسول الله عليه السلام على عدو.

ثالثها: رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم بعث خاله أخًا لأم سُليم في سبعين راكباً وصل إليهم وقال: أتؤمنوني حتى أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورعل وذكران وعصية وبنو لحيان قبائل من العرب من بني سليم.

الحديث الرابع:

حديث إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ خَالَهُ -أَخًا لأُمِّ سُلَيْمٍ- في سَبْعِينَ رَاكِبًا، وَكَانَ رَئِيسَ المُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلي أَهْلُ المَدَرِ، إلى أن قال: فَطُعِنَ فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَكْرِ، وَذَكَرَ قَتْلَ حَرَامٍ .. الحديث.

قال الأصمعي: من أدواء الإبل: الغدة وهو طاعونها، يقال: أغد البعير فهو مغدٍ بغير هاء، ويقال: جمل مغدود وناقة مغدودة، وكل قطعة صلبة بين القصبة والسلعة يركبها الشحم فهي غدة وتكون في العنق وفي سائر الجسد.

ومعنى: (طُعِنَ عامر) أصابه الطاعون.

وقوله: (فقال: غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان: ائتوني بفرسي، فمات على ظهر فرسه)، هذا من حماقات عامر فأصابه الله بذلك لتصريفه إليه، قاله الداودي.

ص: 206

وقوله: (فانطلق حرام -أخو أم سليم وهو رجل أعرج- ورجل من بني فلان).

كذا هنا وفي بعض النسخ (هو ورجل أعرج) وهو الصواب، وقد قال بعد:(كونا قريبًا حتى آتيهم، فإن آمنوني .. ) إلى آخره.

وقوله: (فقتلوا كلهم غير الأعرج) أي: لكونه كان على رأس جبل يدل على أنه قتل منهم تسعة وستون، إذ هم سبعون كما سلف.

وقوله: (فأنزل الله علينا، ثم كان من المنسوخ: (إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا (رضينا عنه)

(1)

وأرضانا).

مراده أنه بما نسخ تلاوته، وقال ابن التين: إما أن يكون كان يتلى، ثم نسخ رسمه أو كان الناس يكثرون ذكره وهو من الوحي، ثم تقادم حتى صار لا يذكر إلا خبرًا.

وقوله لما طعن: (الله أكبر فزت ورب الكعبة) لعله شكوى إلى الله. وكذا قوله في الحديث الآخر عن أنس: (لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ -وَكَانَ خَالَهُ- يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، قَالَ بِالدَّمِ هَكَذَا، فَنَضَحَهُ على وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ).

وهو بمعنى الدعاء عليهم، والشكوى إلى الله.

الحديث الخامس: حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها في الهجرة.

وذكره هنا لقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة، فإنه بعد ما قتل رفع إلى السماء، ثم رجع قاله عمرو بن أمية، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم فنعاهم، فقال:"إن أصحابكم قد أصيبوا وإنهم سألوا ربهم، فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا فأخبرهم عنهم".

(1)

كذا في الأصل وعليها علامة (لا

إلى).

ص: 207

وأصيب يومئذٍ عروة بن الصلت فسمي عروة به، ومنذر بن عمرو سمي به منذرًا.

وفيه منقبة ظاهرة لعامر، قال الشيخ أبو محمد: يقال: إنه لم يوجد، يرون أن الملائكة وارته.

وقوله: (فيدَّلج) هو بتشديد الدال افتعل من دلج كذا هو مضبوط، وهو في اللغة كما قال ابن التين: أدلج رباعي إذا سار ليله كله، وبالتشديد سار من آخره؛ قال: ويحتمل أن يكون مشيهما آخر الليل فالضبط صحيح.

وقوله: (وكان عامر بن فهيرة غلامًا لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها).

وقال الدمياطي: صوابه، الطفيل بن عبد الله بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة بن عادية بن مرة بن جشم بن الأوس بن عامر بن حفص بن النمر بن عثمان بن نصر بن زهير بن أخي دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. كان عبد الله بن الحارث قدم هو وزوجته أم رومان الكنانية مكة، فحالف أبا بكر قبل الإسلام، وتوفي عن أم رومان، وقد ولدت له الطفيل، فخلف عليها أبو بكر فولدت له عبد الرحمن وعائشة فهما أخو الطفيل لأمه

(1)

، وكان عامر بن فهيرة أبو عمرو مملوكا فأسلم وهو مملوك فاشتراه أبو بكر من الطفيل فأعتقه، وكان مولدًا من مولدي الأزد أسود اللون وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار

(1)

انظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 3/ 1565 (1542)، و"الاستيعاب" 2/ 310 (1281)، و"أسد الغابة" 3/ 77 (2610).

ص: 208

الأرقم بن أبي الأرقم.

وعبد مناف بن أسد بن أسد أخي المغيرة وهلال وعائذ وعثمان وخالد أولاد عبد الله أخي عبيد ابني عمر بن مخزوم. وقيل: أن يدعو فيها في الإسلام.

وقوله: (فيهم عروة بن أسماء) عروة حليف لبني عمرو بن عوف، حرص المشركون أن يؤمنوه فأبى، وكان ذا خلة لعامر بن الطفيل مع أن قومه من بني سليم حرصوا على ذلك، فأبى وقال: لا أقبل لهم أمانًا ولا أرغب بنفسي عن مصرعهم، ثم تقدم فقاتل حتى قتل شهيدًا.

و (منذر بن عمرو) هو أحد نقيبي بني ساعدة، والآخر سعد بن عبادة، وكان على الميسرة يوم أحد، وأمير القوم يوم بئر معونة يسمى المعْنِق كما سلف.

الحديث السادس:

حديث أَبِي مِجْلَزٍ لاحق بن حميد بن سعيد بن خالد بن كثير بن حُبَيْش بن عبد الله بن سدوس البصري، عَنْ أنس: قَنَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ .. الحديث.

الحديث السابع:

حديث ابن

(1)

أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ: دَعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى الذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَهُ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا، حِينَ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ، حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ: بَلِّغُوا قَوْمَنَا، فَقَدْ لَقِينا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ.

(1)

ورد بهامش الأصل ما نصه: هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة.

ص: 209

الحديث الثامن:

حديث عَاصِيم الأَحْوَلِ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا عَنِ القُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قُلْتُ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الركوع. قَالَ: كَذَبَ، إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أَنَّهُ كَانَ بَعَثَ أنَاسًا يُقَالُ لَهُمُ القُرَّاءُ -وَهُمْ سَبْعُونَ- فذكر قتلهم، وأنه قنت بعد الركوع شهرًا يدعو عليهم.

ومعنى (كذب): أخطأ، وأما ذكر الرجل أحد قولي أنس وسكت عن الآخر لعله نسيها ولم يذكر له أنس إلا ما حكى. قال البيهقي: ورواة القنوت بعد الركوع أكثر وأحفظ

(1)

.

وقوله: (إلى ناس من المشركين بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد قبلهم) روي بكسر القاف وفتح الباء وفتح القاف وسكون الباء، حكاهما ابن التين.

وقوله: (فظهر هؤلاء) أي: غلبوا.

(1)

"السنن الكبرى" 2/ 208.

ص: 210

‌29 - باب غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ وَهْيَ الأَحْزَابُ

قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع.

4097 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ، وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهْوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ. [انظر: 2664 - مسلم: 1868 - فتح: 7/ 392]

4098 -

حَدَّثَنِي قُتَيْبَة، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيز، عَنْ أَبِي حَازِم، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَنْدَقِ، وَهُمْ يَحْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ". [انظر: 3797 - مسلم: 1804 - فتح: 7/ 392]

4099 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ:

"اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ

فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ"

فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَه:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا

عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا.

4100 -

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ وَهُمْ يَقُولُون:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا

عَلَى الإِسْلَامِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

قَال: يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُجِيبُهُم:

"اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ

فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ".

ص: 211

قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفَّي مِنَ الشَّعِيرِ، فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ، وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهْيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ. [انظر: 2834 - مسلم: 1805 - فتح: 7/ 392]

4101 -

حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرًا رضي الله عنه فَقَال: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِر، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاءُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ:"أَنَا نَازِلٌ". ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ -أَوْ أَهْيَمَ-، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّه، ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ. فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِى شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ. فَذَبَحْتُ الْعَنَاقَ، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ، حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ فَقُلْت: طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ. قَال:"كَمْ هُو؟ ". فَذَكَرْتُ لَهُ، قَالَ:"كَثِيرٌ طَيِّبٌ". قَالَ: "قُلْ لَهَا لَا تَنْزِعُ الْبُرْمَةَ وَلَا الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ". فَقَال: "قُومُوا". فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَال: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ. قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَال: "ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطُوا". فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ قَالَ: "كُلِي هَذَا وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ». [انظر:3070 - مسلم: 2039 - فتح: 7/ 395]

4102 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شَدِيدًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شَدِيدًا. فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا فِي

ص: 212

بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِمَنْ مَعَهُ. فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ. فَصَاحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَال:"يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا فَحَيَّ هَلاً بِكُمْ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِئَ". فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ. فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِى قُلْتِ. فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا، فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ثُمَّ قَال:"ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا"، وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ. [انظر: 3070 - مسلم:2039 - فتح: 7/ 395]

4103 -

حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَة، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} [الأحزاب:10] قَالَتْ: كَانَ ذَاكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. [مسلم: 3020 - فتح: 7/ 399]

4104 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ -أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ- يَقُول:

وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا

إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا"

وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ" أَبَيْنَا أَبَيْنَا". [انظر: 2836 - مسلم: 1803 - فتح: 7/ 399]

4105 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ". [انظر: 1035 - مسلم: 900 - فتح: 7/ 399]

ص: 213

4106 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ يُحَدِّثُ قَالَ: لَّمَا كَانَ يَوْمُ الأحزَابِ وَخَنْدَقَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَأَيْتُة يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الَخنْدَقِ حَتَّى وَارى عَنِّي الغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ -وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ- فَسَمِعْتهُ يَرْتَجِز بِكلِمَاتِ ابن رَوَاحَةَ، وَهْوَ يَنْقُل مِنَ التّرَابِ يَقُولُ:

"اللهم لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

وَثَبِّتِ الأقدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

إِنَّ الألى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا

وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا"

قَالَ: ثمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا.

4107 -

حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّه، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ- عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَوَّلُ يَوْمٍ شَهِدْتُهُ يَوْمُ الْخَنْدَقِ. [فتح: 7/ 400]

4108 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ، قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ. فَقَالَت: الْحَقْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ. فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَال: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ. قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلاَّ أَجَبْتَه؟ قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلَامِ. فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتَسْفِكُ الدَّمَ، وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجِنَانِ. قَالَ حَبِيبٌ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ. قَالَ مَحْمُودٌ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَنَوْسَاتُهَا. [4110 - فتح: 7/ 405]

ص: 214

4109 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ: "نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا". [4110 - فتح: 7/ 405]

4110 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابُ عَنْهُ: "الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ". [انظر: 4109 - فتح: 7/ 405]

4111 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «مَلأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ". [انظر: 2931 - مسلم: 627 - فتح: 7/ 405]

4112 -

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا" فَنَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. [انظر: 596 - مسلم: 631 - فتح: 7/ 405]

4113 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ: "مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا. ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ". فَقَالَ الزُّبَيْر: أَنَا. ثُمَّ قَال: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ". [انظر: 3846، 2847 - مسلم: 631 - فتح: 7/ 405]

4114 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:"لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ". [مسلم: 2724 - فتح: 7/ 406]

ص: 215

4115 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ وَعَبْدَة، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما يَقُول: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". [انظر: 2818 - مسلم: 1742 - فتح: 7/ 1406]

4116 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَة، عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنَ الْغَزْوِ، أَوِ الْحَجِّ، أَوِ الْعُمْرَةِ، يَبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ يَقُولُ:"لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونُ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ"[انظر: 1797 - مسلم: 1344 - فتح: 7/ 406]

اعلم أنه قد أسلفنا أن بعد أحد حمراء الأسد، ثم سرية أبي سلمة، ثم سرية عبد الله بن أنيس، وبعث الرجيع، وقصة بئر معونة، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة ذات الرقاع، ثم غزوة بدر الآخرة، ثم غزوة دومة الجندل، ثم الخندق وكانت في شوال سنة خمس، كما قاله ابن إسحاق

(1)

، وقال ابن سعد: في ذي القعدة (يوم)

(2)

الإثنين لثماني ليالٍ مضين منها

(3)

، وقال الحاكم: أكثر التواريخ عليه، وقال موسى بن عقبة: في شوال سنة أربع كما سلف، وذكر ابن إسحاق غزوة بني النضير في موضع سنة أربع، وبعدها غزوة ذات الرقاع في سنة أربع في جمادى الأولى، وبعدها بدر الموعد في شعبان سنة أربع وبعدها دومة الجندل في ربيع الأول سنة خمس، وبعدها غزوة

(1)

"سيرة ابن هشام" 3/ 229.

(2)

في الأصل: (ثم). والمثبت من "الطبقات".

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 67

ص: 216

الخندق سنة خمس كما ذكرنا، وبعدها غزوة بني لحيان وبعدها غزوة ذي قرد، وبعدها غزوة بني المصطلق بالمريسيع في شعبان سنة ست

(1)

.

ولما ذكر ابن سعد أنها كانت في ذي القعدة سنة خمس قال: قالوا: لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر، فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة شرفها الله، فألبوا قريشًا ودعوهم إلى الخروج على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاهدوهم على قتاله، ثم أتوا غطفان وسليمًا ففارقوهم على مثل ذلك، فتجمعت قريش بمن تبعهم، فكانوا أربعة آلاف، يقودهم أبو سفيان، ووافقهم بنو سليم بمر الظهران في سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس، ومعهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد، وخرجت فزارة، يقودها عيينة على ألف بعير، وخرجت أشجع في أربعمائة يقودها مسعود بن رُخَيلة، وخرجت بنو مرة في أربعمائة يقودها الحارث بن عوف، وقيل: إن الحارث رجع ببني مرة، فلم يشهد الخندق منهم أحد، والأول أثبت، فكان جميع الذين وافوا الخندق عشرة آلاف، وكانوا ثلاثة عساكر، وعلاج الأمر إلى أبي سفيان، فأشار سلمان الفارسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، وكانوا يومئذ ثلاثة آلاف

(2)

.

وقال قتادة فيما ذكره البيهقي: كان المشركون أربعة آلاف -أو ما شاء الله من ذلك- والصحابة فيما بلغنا ألف

(3)

.

وانصرف منه يوم الأربعاء لسبع ليال بقين من ذي الحجة، وحاصرهم المشركون خمسة عشر ليلة، وقال عروة -فيما ذكره

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 191، 214، 221، 228، 229، 320، 323، 333.

(2)

"الطبقات الكبرى" 2/ 65 - 66.

(3)

"دلائل النبوة" 3/ 394.

ص: 217

صاحب "شرف المصطفى"- اجتمعت غطفان على أن لهم نصف عشر خيبر كل عام، وكانت بعد أحد بسنتين، وأقام المشركون على الخندق تسعًا وعشرين ليلة، وفي أخرى أربعة وعشرين يومًا. وللفسوي: بضع عشرة ليلة وعند موسى: قريبًا من عشرين ليلة، ولم يكن فيه قتال إلا ساعة، كان بينهم مراماة بالنبل، فأصيب أكحل سعد -كما سيأتي- فوصف ذلك بأكثر أحواله، فقال:{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب:25]

ثم ذكر البخاري في الباب سبعة عشر حديثًا:

أحدها:

حديث يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، أخبرني نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابن أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ، وَعَرَضَهُ يَوْمَ الخَنْدَقِ وَهْوَ ابن خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ.

وهو يشد قول موسى بن عقبة أنها سنة أربع؛ لأن أحدًا كانت في السنة الثالثة -كما سلف- وذكره موسى بن عقبة، عن الزهري أيضًا كما حكاه البيهقي، ونقل عن قتادة ومالك أيضًا

(1)

، وهو قول الفسوي في "تاريخه". قال -يعني البيهقي: ويحتمل أن ابن عمر- رضي الله عنهما كان قد طعن في الرابع عشر يوم أحد، فلم يجزه في القتال حين عرض عليه، واستكمل خمس عشرة بزيادة يوم الخندق، فأجازه، إلا أنه نقل الخمسة عشر ليعلق الحكم بها دون الزيادة، وذهب بعض أهل العلم إلى هذِه الرواية الصحيحة، وحمل قول موسى بن عقبة على ظاهره، وأن أبا سفيان خرج لموعد رسول الله

(1)

"السنن " 6/ 56، "دلائل النبوة" 3/ 392 - 394.

ص: 218

- صلى الله عليه وسلم في شعبان، ثم انصرف فخرج معدًّا للقتال في شوال على رأس سنة واحدة من أحد، وذلك يخالف قول الجماعة في قدر المدة بين بدر الآخرة والخندق، وقد روينا عن موسى بن عقبة في تاريخ خروجه صلى الله عليه وسلم لموعد أبي سفيان أنه كان في شعبان سنة ثلاث، والخندق في شوال سنة أربع، وروينا عنه في قصة الخندق وأنه قال: فخرج أبو سفيان في آخر السنتين -يعني: من أحد- وقد قال في أحد: إنه كان في شوال سنة ثلاث، فيكون قوله في أحد سنة ثلاث محمولاً على الدخول في الثالثة قبل كمالها.

وقوله في بدر الآخرة، وهو خروجه صلى الله عليه وسلم لموعد أبي سفيان: سنة ثلاث، أي: بعد تمام ثلاث سنين - ودخول الرابعة.

وقوله في الخندق سنة أربع -أي: بعد تمام أربع سنين- والدخول في الخامسة هذا على قول من زعم أن مبتدأ التأريخ وقع من وقت قدومه صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول، فلم يعدوا ما بقي من تلك السنة، وإنما عدوا مبتدأ التأريخ من المحرم من السنة القابلة، فتكون غزوة بدر في الأولى، وأحد في الثانية، وبدر الأخيرة في الثالثة، والخندق في الرابعة

(1)

.

ثم اعلم أن هذا الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" أيضًا، وزاد بعد قوله:(يوم أحد في القتال): قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا لحد بين الصغير والكبير وكتب إلى عماله بذلك أن يفرضوا لمن كان فيْ خمس عشرة؟

(1)

"دلائل النبوة" 3/ 396 - 397.

ص: 219

زاد مسلم: ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال. وفي رواية مسلم: (فاستصغرني) مكان: (لم يجزني)

(1)

.

قال الشافعي في سير الواقدي: وقد فعل ذلك مع سبعة عشر منهم زيد بن ثابت، ورافع بن خديج

(2)

. قال البيهقي: ورواه ابن جريج، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر وزاد فيه عند قوله:(فلم يجزني): (ولم يرني بلغت) ثم ساقه بإسناده، ثم قال: قال ابن صاعد: في هذا الحديث حرف غريب وهو قوله (ولم يرني بلغت)

(3)

. قلت: أخرج هذا الحرف أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه"

(4)

.

وفي رواية البيهقي: عُرضت عليه يوم بدر وأنا بن ثلاث عشرة فلم يجزني في المقاتلة، وعرضت عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني في المقاتلة، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني في المقاتلة

(5)

.

والمراد بقوله: (وأنا ابن أربع عشرة) أي: طعنت فيها وبقوله: (وأنا ابن خمس عشرة) أي: استكملتها وزدت عليها، على أن بين أحد والخندق سنتين -على ما سلف- وحكى ابن التين أنه: قيل: إنه صلى الله عليه وسلم عرضه يوم بدر، فلم يجزه، وأجازه يوم الخندق.

ومذهب الشافعي رضي الله عنه أن إمكان البلوغ باستكمال خمس عشرة، عملا بما سلف، وبه قال ابن وهب من المالكية، وعند مالك أنه يقسم

(1)

مسلم (1868) كتاب: الإمارة، باب: بيان سن البلوغ.

(2)

انظر: "الأم" 4/ 176.

(3)

"السنن" 6/ 55.

(4)

"صحيح ابن حبان" 11/ 35 (4728).

(5)

"السنن" 6/ 55.

ص: 220

لمن أطاق القتال، وإن لم يحلم. ومنعه أبو حنيفة وسحنون

(1)

أيضًا، وقال ابن حبيب منهم: من بلغ خمس عشرة وأنبت وأطاق القتال، أسهم له إذا حضر، ومن كان دون ذلك لم يسهم له حتى يقاتل

(2)

.

الحديث الثاني:

حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم في الخَنْدَقِ، وَهُمْ يَحْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ على أَكْتَادِنَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ".

الكَتِد -بفتح الكاف وكسر المثناة فوق-: ما بين الكاهل إلى الظهر. والكاهل: الحارك وهو ما بين الكتفين، وفي الحديث:"تميم كاهل مضر وعليها المحمل"

(3)

، وذكره ابن التين بلفظ: وهم ينقلون التراب على متونهم ثم قال: المتن مكتنف الصلب من العصب واللحم، وهذِه اللفظة سلفت في الجهاد، في باب حفر الخندق لكن من حديث أنس

(4)

.

الحديث الثالث:

حديث أبي إسحاق -وهو إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري- عن حميد سمعت أنسًا رضي الله عنه يقولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الخَنْدَقِ، فَإِذَا المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصارُ يَحْفِرُونَ فِي

(1)

ورد في الأصل بعدها: (وعند مالك) وعليها لا

إلى.

(2)

انظر: "المنتقى" للباجي 3/ 179.

(3)

لم أجده مسندًا وقد ذكره الجوهري في "الصحاح" 5/ 1814، وقال الأزهري في "تهذيبه" 4/ 3201: والعرب تقول: مضر كاهل العرب، وتميم كاهل مضر. وذكره أيضًا السهيلي في "الروض الأنف" 3/ 132 عن معاوية موقوفاً.

(4)

سلف برقم (2835).

ص: 221

غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ:

"اللَّهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَه

فَاغْفِرْ لِلأنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ"

فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ:

نَحْنُ الذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا

عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا.

وقد سلف في الجهاد في باب حفر الخندق نحوه من حديث عبد العزيز عن أنس، كما ذكره بعد أيضًا.

الحديث الرابع:

حديث عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه مثله أيضًا سلف هناك سندًا ومتنًا، رواه فيها عن أبي معمر، وهو المقعد عبد الله بن عمرو، وزاد هنا:(قال: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفَّي مِنَ الشَّعِيرِ، فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ القَوْمِ، وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهْيَ بَشِعَة في الحَلْقِ وَلَهَا رِيح مُنْتِنٌ.)

والإهالة السنخة: الودك السنخ، وقال الداودي: وعاء من جلد فيه سمن متغير. وقد سلف الكلام عليها في البيوع في باب الشراء بالنسيئة.

ونشغة ضبطت بالنون والشين المعجمة والغين المعجمة أيضًا، يعني: أنهم تحصل لهم منها شبيه بالغشي حين ازدرادها من نشغت الصبي وجورا وانتشغته، قال أبو عبيد: روي عن الأصمعي: نشغه ونشعه بالغين والعين إذا أوجر

(1)

، قال شمر: المنشغة: المسعط أو الصدفة يسعط بها. وأما الدمياطي فضبطه بخطه بالباء الموحدة المفتوحة والشين المعجمة وفتح العين

(2)

، وهو ظاهر هنا، وعليها

(1)

"غريب الحديث" 2/ 280، لكن فيه عن الأصمعي (نشع) بالمهملة، وعن غيره (نشغ).

(2)

ورد في هامش الأصل: يعني المهملة.

ص: 222

مشى ابن التين قال: بشعة في الحلق أي: كريهة الطعم والرائحة. قال: وقوله: (منتن) صوابه: منتنة؛ لأن الريح مؤنثة، إلا أنه يجوز في المؤنث الذي لا فرج له أن يعبر عنه بالمذكر. وفي "الصحاح": شيء بشع: كريه الطعم يأخذ بالحلق بيِّن البشاعة. وقال في حرف العين النشوع

(1)

السعوط والوجور الذي يوجره المريض أو الصبي

(2)

.

الحديث الخامس:

حديث جابر رضي الله عنه: إِنَّا يَوْمَ الخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كبدة شَدِيدَةٌ، فَجَاءُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: هذِه كبدة عَرَضَتْ في الخَنْدَقِ .. بطوله.

الكبدة بفتح الكاف وكسر الباء، وقال الخطابي: إن كانت محفوظة فهي القطعة الصلبة من الأرض، وأرض كبداء، ومثله: قوس كبد، أي: شديد، والمحفوظ كدية أي: بضم الكاف وإسكان الدال المهملة، وهو القطعة الصلبة من الأرض لا يحيك فيه للمعول أثر، والجمع كداء، ويقال: أكدى الحافر إذا حفر حتى بلغ كدية لا تنحفر

(3)

.

وكذلك ذكر الهروي. وقال ابن دحية: قيدناها في البخاري: (كبدة) وكذا من طريق الإسماعيلي والقابسي عن أبي زيد المروزي، وكذا قيده النسفي عن البخاري، أي: قطعة من الأرض صلبة يشق كسرها، والكبد: الشدة والمشقة. وقيده الأصيلي على أبي أحمد الجرجاني: كندة بالنون المكسورة، وقيده أبو علي ابن السكن: كتدة، بتاء مثناة فوق مفتوحة في الموضعين. قال عياض: ولا أعرف بين الروايتين

(1)

ورد بهامش الأصل: وحكي فيه الإعجام في العين مع الإهمال.

(2)

"الصحاح" 3/ 1185 مادة (بشع)، 3/ 1290 مادة (نشع).

(3)

"أعلام الحديث" 3/ 1720.

ص: 223

معنى ها هنا. وقيده أبو ذر الهروي من رواية المستملي والحموي كلاهما عن الفربري: كيدة بياء ساكنة، كأن الكيد الذي هو إعمال الحيل أعجزتهم حتى لجأوا فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربها، وفي رواية أخرى: كذانة بذال معجمة ونون

(1)

، وهي القطعة من الجبل. وعند ابن إسحاق: صخرة

(2)

، وفي رواية: عبلة، رهط الصخرة الصماء وجمعها عبلات ويقال لها: العبلاء والأعبل، وكلها الصخرة. وسيأتي من عند النسائي: حجر

(3)

.

وقوله: (ثم قام وبطنه معصوب بحجر) هو من الجوع، وادعى ابن حبان أن صوابه:(بحجز) بالزاي، إذ لا معنى لشد الحجر على بطنه من الجوع

(4)

، ورُد عليه، وقد جاء في الحديث بعده:(رأيت به خمصا) والخمص: الجوع.

وقوله: (فعاد كثيبًا أهيل أو أهيم) الكثيب: الرمل، من قوله تعالى:{كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14] أي: تفتت حتى صار كالرمل يسيل ولا يتماسك. والأَهْيَل: المنهال، الذي لا يتماسك سيلاً وانصبابًا، فهو منهال ومهيل.

وقوله: (أو أهيم) هو مثله، وهو بالمثناة تحت، ومعناه: مثل المهيل؛ ولذلك قال بعضهم في قوله تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)} [الواقعة: 55]: الرمال التي لا ينوبها ماء السماء. وقيل: هي الإبل يصيبها داء يعطشها وقيل: الهيام من الرمل: ما كان دقاقًا يابسًا.

(1)

رواها البيهقي في "الدلائل" 3/ 415 - 416.

(2)

"السيرة" لابن هشام 3/ 234.

(3)

"سنن النسائي" 6/ 43.

(4)

"صحيح ابن حبان" 8/ 345.

ص: 224

وضبطها بعض شيوخنا: أهثم بالمثلثة أي: صار كثيبًا مثل الرمل، ثم حكى المثناة تحت عن تقييد بعضهم.

والعناق: الأنثى من أولاد المعز.

وقوله: (والعجين قد انكسر) يريد أي: لان ورطب وتمكن فيه الخمير، وقيل: انكساره: لينه لأنه طبخ وأخذ النار منه.

وقوله: (والبرمة بين الأثافي) أي: بين الحجارة الثلاثة التي يوضع عليها القدر.

قوله: (كادت أن تنضج) أي: تطيب، النضيج: المطبوخ، وهو بفتح الضاد؛ لأن ماضيه نضج على وزن علم، قال تعالى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: 56].

وقوله: (طعيم لي) هو تصغير طعام، وهو مشدد ولا وجه لمن جعله [مخففًا]

(1)

، وكان شعيرًا أو لحمًا، فالطعام لغة: المأكول سواء كان أو غيره

(2)

.

وقوله: ("لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي") ليبتدئ فعلها بالدعاء فيكون أعظم للبركة.

وقوله: ("ولا تضاغطوا") أي: لا تزدحموا، وغطيط البرمة: امتلاؤها. قال أبو موسى في "المغيث": يسمع لها تغوط، وهي شدة غليان القدر. وقيل: إنه بالظاء المعجمة أولى

(3)

.

وقوله: (ويخمر البرمة والتنور) أي: يسترهما، ويحتمل أن يفعل ذلك لئلا يراهما.

(1)

زيادة يقتضيها السياق.

(2)

هكذا في الأصل، ولعل الصواب: سواء كان بُرَّا أو غيره.

(3)

"المجموع المغيث" 2/ 567.

ص: 225

فائدة:

روى النسائي من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما عرض لنا حجر لا يأخذ فيه المعول، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول بيده، وقال:"بسم الله" وضرب ضربة كسر ثلث الصخرة، فقال:"والله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا" ثم ضرب أخرى فقال: "بسم الله"، [وكسر ثلثا]

(1)

، ثم قال:"الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن الأبيض الآن" ثم ضرب ثالثة قال: "بسم الله وقع الحجر" وقال: "والله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء"

(2)

.

وعند موسى بن عقبة: زعموا أن سلمان أبصر عند كل ضربة برقة ذهبت في ثلاثة وجوه كل مرةٍ يتبعها سلمان بصره، فذكر ذلك سلمان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم، فقال: رأيت يا رسول الله كهيئة البرق أو كموج الماء عند كل ضربة ضربتها يا رسول الله، ذهبت إحداهن نحو المشرق، والأخرى نحو الشام، والأخرى نحو اليمن، فقال:"إنه ابيض لي في إحداهن بمدائن كسرى وفي الأخرى مدينة الروم والشام والمغرب، وفي الأخرى مدينة اليمن وقصورها والذي رأيت النصر يبلغهن إن شاء الله تعالى".

ولابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول في زمن عمر وعثمان رضي الله عنهما افتتحوا ما بدا لكم، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله محمدًا مفاتيحها

(3)

.

(1)

في الأصل: وكبر ثلاثًا، والمثبت من "السنن الكبرى".

(2)

"السنن الكبرى" 5/ 269 (8858).

(3)

"السيرة" لابن هشام 3/ 235.

ص: 226

وللبيهقي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده:"أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا"

(1)

.

الحديث السادس:

حديث جابر رضي الله عنه: لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَمَصًا، فَانْكَفَأتُ إِلَى امْرَأَتِي .. الحديث بطوله، وفيه:"إن جابرًا قد صنع لكم سورًا فحيّ هلا بكم". وفيه: ألف.

وهذا الحديث سلف مختصرًا في الجهاد في باب من تكلم بالفارسية، والإسناد واحد. وأبو عاصم المذكور فيه هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني مولاهم النبيل الحافظ.

والخمص -بفتح الخاء والميم، وسكنها أبو ذر- ضمور البطن من الجوع، قال ابن فارس: الخامص: الضامر ويقال خمص خمصًا

(2)

. ومعنى انكفأت: انقلبت، من قولهم: كفأت الإناء: قلبته. وأصله الهمز ويترك تسهيلاً.

والجراب كسر جيمه أفصح. و (بهيمة) تصغير بهُمة صغار الغنم، وسلف أنها عناق، وهي الأنثى من ولد المعز كما سلف، وقال الداودي: إنها الحديثة التي لا تكاد تحمل أول حملها والداجن من الغنم ما التزم البيت ولم يرع.

والسور هو بلا همز ذكره العسكري في "تلخيصه" فأما المهموز فهو البقية، عربي، وقد سلف وهو العرس بلسان الفرس، قال الداودي: إلا أنها أعربت، قال: والذي نحفظ أنه صلى الله عليه وسلم تكلم به من الأعجمية

(1)

رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 3/ 418 - 420 من حديث طويل.

(2)

"مجمل اللغة" 1/ 303 مادة (خمص).

ص: 227

هذِه اللفظة وقوله للحسن: "كخ" ولعبد الرحمن: "مهيم" أي: ما هذا؟ ولأم خالد: "سنا سنا"

(1)

يعني (سنة)

(2)

، وذكر ابن فارس أن معنى مهيم: ما حالك وما شأنك

(3)

؟ ولم يذكر أنها أعجمية. وقال الهروي: إنها كلمة يمانية.

وقوله: ("فحي هلا بكم") هي كلمة استدعاء فيها حث واستعجال ومنه: حي على الصلاة، فحي: هلموا، وهلا بمعنى حثًّا، فجُعِلا كلمة واحدة، أي: هلموا وعجلوا. ولأبي الحسن: "أهلاً بكم" بالألف والصحيح حذفها.

وقوله: (فأخرجت له عجينًا فبسق فيه) هو بالسين ويقال بالصاد وبالزاي وفيه بركة بصاقه صلى الله عليه وسلم وطهارته بعد مفارقة الفم ولا عبرة بخلاف النخعي

(4)

في الريق، فكان آخر ما دخل جوفه هو ريق عائشة رضي الله عنها (طلب سواكها فاستن به)

(5)

.

وقوله (حتى تركوه وانحرفوا) أي: ما لوا.

وقوله: (إن برمتنا لتغط) أي: ممتلئة تفور يسمع لها غطيط.

وفيه: من أعلام نبوته إكثار القليل.

(1)

الأحاديث الثلاثة سلقت في كتاب: الجهاد، باب: من تكلم بالفارسية بأرقام (3070)، (3071)، (3072).

(2)

في هامش الأصل: لعله حسنة.

(3)

"مجمل اللغة" 3/ 841 مادة (مهيم).

(4)

ورد في هامش الأصل: وسلمان، كما نقله أبو محمد ابن حزم في "محلاه" بإسناده إليهما. وانظر "المحلى" 1/ 139.

(5)

في الأصل: (ظنت سوا كانه فاستثنى به) غير منقوطة، ولعل الصحيح ما أثبتناه. وحديث عائشة سلف برقم (3100) كتاب: فرض الخمس، باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 228

وقوله: ("اقدحي من برمتكم") أي: اغرفي، والمقدحة: المغرفة وجمعه: مقادح. وقوله: (وهم ألفٌ) كذا هنا. وفي "الجمع بين الصحيحين" لأبي نعيم الحداد: وهم نحو من ألف. وفي لفظ: ثماني مائة. أو ثلاثمائة. ساقها البيهقي في "دلائله"

(1)

.

فائدة:

كان في حفر الخندق آيات من أعلام النبوة. منها: قصة جابر في شويهته. وفيها قصة الكدية، وروي فيه أنه عليه السلام دعا بماء، فتفل عليه، ثم دعا بما شاء الله إن يدعو به، ثم نضحه على الكدية. فيقول من حضرها: فوالذي بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب، ما ترد فأسًا ولا مسحاة

(2)

. وروي أن سلمان رضي الله عنه قال: ضربت في ناحية الخندق فغلظت عليّ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني، فلما رآني أضرب، ورأى شدة المكان علي نزل، فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة ثم أخرى ثم ثالثة كذلك. وذكر نحو ما تقدم

(3)

.

ومنها: جر الجفنة من التمر التي جاءت به ابنة لبشير بن سعد لأبيها وخالها عبد الله بن رواحة، ليتغديا به، فقال لها عليه السلام:"هاتيه"، فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ملأهما، ثم أمر بثوب فبسط له ثم قال لإنسان عنده: اخرج في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء، فاجتمع

(1)

"دلائل النبوة" 3/ 424.

(2)

ذكره ابن إسحاق بلاغا عن جابر، "سيرة ابن هشام" 3/ 232 - 233، ورواه عن ابن إسحاق البيهقي في "الدلائل" 3/ 415.

(3)

ذكره ابن إسحاق، انظر "سيرة ابن هشام" 3/ 234 - 235، "دلائل النبوة" 3/ 417 - 418.

ص: 229

أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب. أخرجه البيهقي في "دلائله"

(1)

.

الحديث السابع:

حديث عائشة رضي الله عنها {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 10] قَالَتْ: كَانَ ذَلكَ يَوْمَ الخَنْدَقِ

المراد بفوقكم: أعلى المدينة وأسفلها.

كان أبو سفيان أتاه بالأحزاب [

]

(2)

فزارة وغيرهما، ووافى ذلك شدة البرد ومجاعة، فظن المنافقون بالله الظنونا، وقال المؤمنون: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، يعني: قوله: {وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} [البقرة: 214]. وسأل عيينة بن حصن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيه نصف تمر المدينة، وينصرف بمن معه ويخذل الأحزاب. فعرض عليه الثلث، فأبى إلا النصف، فشاور سعد بن معاذ وسعد بن عبادة. سيدي الأنصار. فقالا: إن كنت أمرت بشيء فافعل. فقال: "لو أمرت لم أستأمركما، إنما هو رأي". قالوا: فليس عندنا إلا السيف. قال: "فنعم"

(3)

.

الحديث الثامن:

حديث البراء رضي الله عنه قال: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ ويَقُولُ: "والله لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا .. " إلى آخره.

(1)

"الدلائل" 3/ 427، وانظر:"سيرة ابن هشام" 3/ 233.

(2)

طمس في الأصل بمقدار كلمة.

(3)

ذكره بنحوه ابن هشام في "السيرة" 3/ 239، والبيهقي في "الدلائل" 3/ 430 - 431.

ص: 230

وقد سلف في الجهاد في باب: حفر الخندق

(1)

.

وزاد هنا: (ورفع بها صوته: أبينا أبينا). و (اغبرَّ): معروف من الغبار، وإن كان (أغمر) محفوظًا -كما قال الخطابي- فمعناه وارى التراب جلدة بطنه. ومنه: غمار الناس وهو: جموعهم إذا تكاثف والتحم بعضهم ببعض، ورجل غمر وهو: الذي يلتبس عليه الرأي، ومنه: غمر الوجه وهو ما يُطلى به من شيء يُلونه

(2)

. وروي: أعفر بالعين المهملة والفاء والعفر بالتحريك: التراب.

وعفره في التراب يعفِره بكسر الفاء، عفرًا، وعفَّره تعفيرًا، أي: مرغه. قال عياض: حتى أعفر بطنه أو أغبر بطنه -كذا لهم- وكذا ضبطه بعضهم بفتح (بطنه) ولأبي ذر وأبي زيد: (حتى أغمر بطنه - أو أغبر) كذا للأصيلي، وقيده عبدوس وبعضهم:(اغمرَّ بطنه). بتشديد الراء ورفع بطنه. وعند النسفي: (حتى غير بطنه- أو أغبر). أي: علاه الغبار. ولا وجه للميم هنا إلا أن يكون بمعنى: ستر. كما جاء في الحديث الآخر: (حتى وارى -يعني: التراب- بطنه). وأما بتشديد الراء ورفع (بطنه) فبعيد. وللفاء وجه من العُفرة وهو: التراب. والأوجه: أغبر

(3)

.

وقوله: في الأبيات (إن الأولى قد بغوا علينا) أسقط منه الوتد وهو قوله: إن الأولى هم قد بغوا علينا. نبه عليه ابن التين، وذكره بعد قوله: إن الأولى قد رغَّبوا علينا.

(1)

سلف برقم (2837).

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1723.

(3)

"مشارق الأنوار" 2/ 98.

ص: 231

الحديث التاسع:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَاد بِالدَّبُورِ". سلف. والصبا: الريح الشرقية، والدبور: الغربية، وإنما أتى بها هنا للريح التي كانت عام الأحزاب في قوله تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]. قال مجاهد: الصبا كفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم، حتى أظعنتهم. والجنود: الملائكة. ولم تقاتل يومئذ

(1)

.

الحديث العاشر:

حديث أَبِي إِسْحَاقَ عن البَرَاء قَالَ: لَما كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الخَنْدَق حَتَّى وَارى عَنِّي التراب جِلْدَةَ بَطْنِهِ -وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ- فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابن رَوَاحَةَ، وَهْوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ:

"اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا .. إلى آخره.

وفي آخره: إن الأولى قد رغبوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا

قَالَ: ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا.

فيه: بيان أن هذا الرجز لابن رواحة.

وشيخ شيخ البخاري فيه: شريح بن مسلمة الكوفي من أفراده وهو ثقة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين. وانفرد مسلم بشريح بن هانئ، قيل: مات سنة ثمان وسبعين. وليس في الصحيحين شريح بالشين المعجمة غيرهما. وفي السنن عدة أُخَر.

(1)

"تفسير مجاهد" 2/ 515، ورواه الطبري أيضًا 10/ 264 (28363).

ص: 232

أما بالمهملة

(1)

، فابن النعمان الجوهري من أفراد البخاري. مات سنة سبع عشرة ومائتين، وابن يونس البغدادي اتفقا عليه، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين. قال أبو حاتم: صدوق

(2)

.

الحديث الحادي عشر:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما أَوَّلُ يَوْمٍ شَهِدْتُهُ الخَنْدَقِ.

يريد شهود من أسهم له، وإلا فقد ذكر قبل هذا أيضًا، أنه شهد أحدًا، وعرض فيها وهو ابن أربع عشرة ولم يجزه، وتقدم أنه شهد بدرًا أيضًا.

الحديث الثاني عشر:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ، قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ. فَقَالَتِ: الحَقْ بهم فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ في احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ. فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ في هذا الأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ. قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الجَمْعِ، وَتَسْفِكُ الدَّمَ، وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللهُ فِي الجِنَانِ. قَالَ حَبِيبٌ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ. قَالَ مَحْمُودٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: وَنَوْسَاتُهَا.

قال الخطابي: قوله: (نسواتها)، إنما هو: نوساتها تنطف. يريد:

(1)

يعني (سريج) بالسين المهملة، والجيم.

(2)

"الجرح والتعديل" 4/ 305 (1328).

ص: 233

ذوائبها تقطر. وكل شيء جاء وذهب، فقد ناس، والنوس: الاضطراب، وقد قيل: إنما سمي ذا نواس القيل (باليومتين)

(1)

في أذنيه كانتا تنوسان

(2)

. وعبارة أبي ذر: يعني ضفائرها، وهو شعرها، وأنما سمي ذا نواس؛ لأنه كانت له ضفيرتان.

قلت: وقيل لذؤابة كانت تنوس على ظهره، أي: تتحرك، وكان ملكًا من ملوك حمير. ومنه: قوله -في حديث أم زرع- أناس من حلي أذنيُّ

(3)

. وقال أبو الوليد الوقشي: الصواب: نوساتها من ناس ينوس، إذا تعلق وتحرك، وقال ابن التين: يقال: ينطف، وتنطف، وصوابه: نوسات بسكون الواو. قال: وضبط في الأصل بفتحها. وعلى القلب مثل جبذ وجذب، قال: وقوله: (ونوساتها) فغير موجود أو ليس في الكلام نسا ينسو إلا أن يصح أن يكون على القلب -كما سلف- ووقع في بعض الشروح: ونسواتها: يعني الضفائر. قال أبو عبيد: أصله السبلان، وصوابه: يعني الضفائر، فاعلمه.

وقوله: (فيطلع لنا قرنه) يحتمل -كما قال ابن التين- أن يريد بدعته، يقال: هذا قرن طلع، أي: بدعة حدثت، ويحتمل أن يريد فليبد لنا صفحة وجهه، والقرنان في الوجه، وكأنه أراد: فليظهر لنا نفسه، ولا يستخف. والحبوة بضم الحاء: ضم الساقين إلى البطن بثوب يديره من وراء ظهره، يقال منه: احتبى الرجل.

وكأن ابن عمر أراد التخلف عن البيعة لمعاوية؛ لما تقدم من الاختلاف، فنبهته حفصة أن تخلفه يوجب الاختلاف، فخرج وبايع،

(1)

كذا في الأصل وفي "أعلام الحديث": بالتومتين.

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1724.

(3)

سيأتي برقم (5189) كتاب: النكاح، باب: حسن المعاشرة مع الأهل.

ص: 234

ولعل معاوية تأول في قوله: نحن أحق بهذا الأمر، إذ بايع له الحسن، وسلم له وقد بويع الحسن، وأجمع عليه أكثر الناس وذهب ابن عمر إلى أن الأفضل أن يلي السابقون الأولون من المهاجرين والذين أنفقوا من قبل الفتح، ثم خشي أن تؤول كلمته إلى ما لا يريده، فكف.

فائدة:

روى الحديث المذكور اثنان، عن ابن عمر رضي الله عنهما سالم وعكرمة بن خالد. [وعكرمة]

(1)

هو: ابن العاصي بن هشام بن المغيرة المخزومي. مات بعد عطاء، سنة خمس عشرة أو أربع عشرة ومائة، عن أربع وثمانين، أخرج له مسلم أيضًا وكذا لعكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي.

وانفرد البخاري بعكرمة مولى ابن عباس. نعم أخرج له مسلم مقرونًا. ومسلم بابن عمار اليمامي، وهذا كل ما في الصحيح. وفي الترمذي: عكرمة بن أبي جهل المخزومي، أسلم بعيد الفتح، وقتل يوم اليرموك. وفي ابن ماجه: عكرمة بن سلمة، فمجموع هؤلاء ستة.

الحديث الثالث عشر:

حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ: "نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَنَا".

ثم أسند عنه بلفظ: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول حين أجلى الأحزاب ربه عنه: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم".

هذا إخبار منه عليه أفضل الصلاة والسلام أن قريشًا بعد ذلك لا تغزوه فخرج إليهم عام الحديبية على أنهم إن صدوهم عن البيت

(1)

في الأصل: هشام، والصواب ما أثبتناه.

ص: 235

قاتلوهم، فصدوهم فبركت الناقة فعلم أنه أمر من الله بإيقافهم على أن يعتمر العام المقبل. ثم فتح مكة سنة ثمان وهوازن وحنين، وحاصر الطائف، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فكان كما قال.

وقوله: (أجلى الأحزاب) يقال: جلا عن وطنه وأجليته أنا.

فائدة:

سليمان بن ورد بن الجون بن أبي الجون بن منقذ بن ربيعة الخزاعي، كان اسمه يسار في الجاهلية فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان، وكنيته أبو المطرف، وكان حبرًا عابدًا، نزل الكوفة وقتل سنة خمس وستين بعين الوردة من الجزيرة قرقيسيا، قتله عسكر عبيد الله بن زياد بن أبيه

(1)

.

وصرد، وجرد، ونغر ينصرف في المعرفة والنكرة، وليس بمعدول كعمر عن عامر. والجمع: وردان، ونغران، وجردان. وصرد، ونغر: طائران.

الحديث الرابع عشر:

حديث علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الخَنْدَقِ:"مَلأَ اللهُ عَلَيْهمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ".

سلف في باب الجهاد، في باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة.

الحديث الخامس عشر:

حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه

جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ .. الحديث.

(1)

انظر: "الاستيعاب" 2/ 210 (1061)، و"أسد الغابة" 2/ 449 (2230).

ص: 236

سلف في الصلاة، في باب: من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت، وفي باب: قضاء الصلوات الأولى فالأولى، وباب: الصلاة عند مناهضة الحصون

(1)

.

ويوم الخندق المراد به: وقته. قال الداودي: يعني: عامه. والعرب تقول: يوم كذا؛ لحرب كانت بينهم يسمونها باليوم. وفيه حجة للجمهور أن الوسطى العصر.

وقال الشافعي ومالك: الصبح. واعتذر بعضهم بأن العصر والوسطى ذلك اليوم؛ لأنه شغل عن ثلاث صلوات وسطهن العصر.

والمسألة مفردة بالتأليف

(2)

، وفيها نحو عشرين قولاً.

وفيه البداءة بالمنسية قبل الحاضرة، إذا قلنا: إن المغرب له وقت واحد، فإن قلنا: لها وقتان، فأولى.

والعامد كالناسي، ولا عبرة بخلاف ابن حزم فيه، وشذوذ بعض التابعين أيضًا.

وإنما أخر؛ لأنه لم تنزل صلاة الخوف إذ ذاك.

الحديث السادس عشر:

حديث جابر رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ: "مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَر القَوْمِ؟ ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا .. الحديث.

وقد سلف في الجهاد في باب: فضل الطليعة.

(1)

سلف في مواقيت الصلاة برقم (596)، (598)، وفي صلاة الخوف برقم (945).

(2)

ورد في هامش الأصل ما نصه: أفردها بالتأليف شيخ شيوخنا الدمياطي، وذكر فيها.

ص: 237

الحديث السابع عشر:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "لَا إله إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلَا شَيْءَ بَعْدَهُ".

الحديث الثامن عشر:

حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب اهزم الأحزاب. اللهم اهزمهم وزلزلهم"، وقد سلف في الجهاد في باب الدعاء عليهم

(1)

.

الحديث التاسع عشر:

حديث سالم ونافع، عن عبد الله رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَفَلَ مِن الغَزْوِ، أَوِ الحَجِّ، أَوِ العُمْرَةِ، يَبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ يَقُولُ:"لَا إله إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ .. " الحديث.

وسلف في أواخر الجهاد في باب: ما يقول إذا رجع من الغزو

(2)

. وهنا أتم. ومعنى: (قفل): رجع. والقفول: الرجوع. والقافلة: الراجعة.

فصل:

شهداء الخندق من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأنس بن أوس بن عتيك، وعبد الله بن سهل. ومن بني جشم بن الخزرج، ثم من بني سلمة: الطفيل بن النعمان، وثعلبة بن عَنمة ومن بني النجار: كعب بن زيد

(3)

.

وذكر الدمياطي في نسب الأوس في بني ظفر: قيس بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر، شهد أحدًا وحفر الخندق، ومات هناك

(1)

سلف برقم (2933).

(2)

سلف برقم (3084).

(3)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 273.

ص: 238

ودفن. وفي نسب الخزرج: عبد الله بن أبي خالد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار قتل يوم الخندق شهيدًا ذكره الكلبي

(1)

.

فصل:

كان الذي خذل أبا سفيان وأصحابه نعيم بن مسعود الأشجعي، فإنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت. فقال:"إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة" فخرج فخذل بني قريظة، وأشار بالرهائن، ثم راح إلى قريش فخذلهم، وقال: إن التمسوا منكم الرهن؛ فادفعوا إليهم رجلاً واحدًا، ثم راح إلى غطفان، فقال لهم كما قال لقريش وحذرهم.

وقد ساق ذلك ابن إسحاق بطوله

(2)

.

وبعث الله عليهم ريحًا عاصفًا في ليال شديدة البرد، فجعلت الريح تقلب آنيتهم، وتكفأ قدورهم، فبعث صلى الله عليه وسلم إذ ذاك حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم، ثم ارتحلوا، قال حذيفة: ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ منعني أن لا أحدث شيئًا؛ لقتلته بسهم يعني: أبا سفيان.

فصل:

وأول من حفر الخنادق في الحروب بنو شهر بن أيرح وأول من كمن الكمائن بختنصر ذكر ذلك عن الطبري

(3)

.

(1)

انظر "أسد الغابة" 3/ 222 (2914).

(2)

"سيرة ابن هشام" 3/ 247 - 251.

(3)

ذكره السهيلي في "الروض الأنف" 3/ 276، وفيه: منوشهر بن أبيرج.

ص: 239

‌30 - باب مَرْجَعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَحْزَابِ، وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ

4117 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَال: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قَال:"فَإِلَى أَيْن؟ ". قَالَ: هَا هُنَا. وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ. [انظر: 463 - مسلم: 1769 - فتح: 7/ 407]

4118 -

حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِم، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ، مَوْكِبِ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. [فتح: 7/ 407]

4119 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاء، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَة". فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُم: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. [انظر: 946 - مسلم: 1770 - فتح: 7/ 407]

4120 -

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. وَحَدَّثَنِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَال: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّخَلَاتِ، حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتِىَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْأَلَهُ الَّذِينَ كَانُوا أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ، فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ: كَلاَّ وَالَّذِى لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَا يُعْطِيكَهُمْ وَقَدْ أَعْطَانِيهَا. أَوْ كَمَا قَالَتْ. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَكِ كَذَا". وَتَقُولُ: كَلاَّ وَاللَّهِ. حَتَّى أَعْطَاهَا، حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ:"عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ". أَوْكَمَا قَالَ. [انظر: 2630 - مسلم: 1771 - فتح: 7/ 410]

4121 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ قَال:

ص: 240

سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه يَقُول: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ لِلأَنْصَار:"قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ" أَوْ: "خَيْرِكُمْ". فَقَالَ: "هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ". فَقَال: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ. قَالَ:"قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ". وَرُبَّمَا قَالَ "بِحُكْمِ الْمَلِكِ". [انظر: 3043 - مسلم: 1768 - فتح: 7/ 411]

4122 -

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ ابْنُ الْعَرِقَةِ، رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام وَهْوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ فَقَال: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فَأَيْنَ؟ ". فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ، قَال: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَعْدًا قَال: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ، فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا. فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ -وَفِى الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَار- إِلاَّ الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِم، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَة، مَا هَذَا الَّذِى يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا رضي الله عنه. [انظر: 463 - مسلم: 1769 - فتح: 7/ 411]

4123 -

حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَال: أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ "اهْجُهُمْ -أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ". [انظر: 3213 - مسلم: 2486 - فتح: 7/ 416]

4124 -

وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِت، عَنِ

ص: 241

الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِت: "اهْجُ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ". [انظر: 3213 - مسلم: 2486 - فتح: 7/ 416]

ذكر فيه سبعة أحاديث:

أحدها:

حديث عائشة رضي الله عنها: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الخَنْدَقِ وَوَضَعَ السّلَاحَ وَاغْتَسَلَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ .. الحديث. وَأَشَارَ إلى بَنِي قُرَيْظَةَ.

وقد سلف بطوله في الجهاد في باب الغسل بعد الحرب

(1)

. وكانت قريظة في ذي القعدة سنة خمس. قال الواقدي: في بقية ذي القعدة وأول ذي الحجة

(2)

. وقال ابن سعد: خرج إليهم يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة في ثلاثة آلاف رجل والخيل ستة وثلاثون فرسًا، فحاصرهم خمس عشرة ليلة

(3)

. وقيل: خمسًا وعشرين ليلة. وعند الحاكم: بضعًا وعشرين ليلة. قال ابن سعد: وانصرف راجعًا يوم الخميس لثمان خلون من ذي الحجة

(4)

. وقد ساق ابن إسحاق وغيره القصة بطولها، وكانت أعانت الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ} [الأحزاب: 26].

الحديث الثاني:

حديث حميد بن هلال، عن أنس رضي الله عنه قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الغُبَارِ سَاطِعًا في زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ، مَوْكِبِ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى بَنِي قُرَيْظَةَ.

(1)

سلف برقم (2813).

(2)

"مغازي الواقدي" ص 5.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 74.

(4)

"الطبقات" 2/ 75، وفيه: لسبع ليال خلون من ذي الحجة.

ص: 242

روينا عن أبي بكر الشافعي من حديث العمري عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها رأته على صورة دحية

(1)

.

وروينا أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم حين سار قال لقومه: "هل مرَّ بكم نفر؟ " قالوا: مر بنا دحية الكلبي قال: "ذاك جبريل سار إلى بني قريظة يزلزلهم"

(2)

.

الحديث الثالث:

حديث ابن عمر رضي عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ "لَا يُصَلِّيَنَّ أحد العَصْرَ إِلَّا في بَنِي قُرَيْظَةَ". فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ العَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. أي: ممن تأول ذلك. وقد سلف قبل العيد

(3)

.

ففيه: تصويب المجتهدين كما قاله الداودي وغيره، ويشهد له قصة داود وسليمان في الحرث، وأنكره الخطابي وقال: إنما هو ظاهر خطاب خص بنوع من الدليل، ألا تراه قال:(بل نصلي، لم يرد منا ذلك)

(4)

.

(1)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 175 (6257) من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن عبد الرحمن بن القاسم به. ورواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 343 (8818)، والحاكم 3/ 34 - 35 كلاهما من طريق عبد الله بن عمر عن أخيه عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فإنهما قد احتجا بعبد الله بن عمر العمري في الشواهد ولم يخرجا. اهـ.

(2)

رواه الحاكم 3/ 34 - 35 من طريق القاسم بن محمد، عن عائشة، ورواه أحمد 6/ 141 - 142، وابن حبان 15/ 498 (7028) من طريق محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة، عن عائشة.

(3)

سلف برقم (946) كتاب: الخوف، باب: صلاة الطالب والمطلوب راكبًا وإيماءً.

(4)

"أعلام الحديث" 1/ 588.

ص: 243

واستدل به على قضاء العامد، وقد سلف قريبًا.

وفيه: أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، فقد صلت طائفة منهم قبل الغروب وقالوا: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إخراج الصلاة عن وقتها، وإنما أراد الحث والإعجال.

الحديث الرابع:

حديث أنس رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم النَّخَلَاتِ، حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَسْأَلَهُ الذِي كَانُوا أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ، فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ في عُنُقِي تَقُولُ: كَلَّا والله الذِي لَا إله إِلَّا هُوَ لَا يُعْطِيكمْ وَقَدْ أَعْطَانِيهَا. أَوْ كَمَا قَالَتْ. وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَكِ كَذَا". وَتَقُولُ: كَلَّا والله. حَتَّى أَعْطَاهَا، حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ:"عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ". أَوْ كَمَا قَالَ.

ما ذكر في النخلات إنما كانت الأنصار أعطت المهاجرين من ثمارهم، فلما فتحت بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع قال عليه السلام للأنصار:"إن شئتم قسمت لكم، وبقيتم على ما كنتم عليه، وإن شئتم رجعت إليكم أموالكم وقسمت لهم دونكم" فاختاروا رد أموالهم، فلذلك كلموا أم أيمن.

الحديث الخامس:

حديث أبي سعيد الخدري: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ .. الحديث.

سلف في الجهاد في باب إذا نزل العدو على حكم رجل

(1)

(1)

سلف برقم (3043).

ص: 244

(وقال)

(1)

هنا: ("قوموا إلى سيدكم") أو ("خيركم").

وفيه: فقال: "قضيت بحكم الله". وربما قال: "بحكم الملك".

وفيه: تشريف الرجل الصالح والتنبيه على معرفة فضيلته، وجواز القيام له بشرط أن لا يحبه له ولا يختاره، وقد قام عليه السلام لغير واحد، وكانت فاطمة تقوم له ويقوم لها، وحديث:"من سره أن يتمتل له الرجال قيامًا"

(2)

وروي "يستخيم"

(3)

بالخاء كما قال ابن قتيبة، من خام يخيم إذا قام بمكانه، فالمراد من أقام: أراد أن يقام الرجال على رأسه كما يقام بمِن يدي الملوك والأمراء، بدليل رواية:"من سره أن يقوم له الرجال صفونًا"

(4)

والصافن: الذي أطال القيام ورفع إحدى قوائمه ليستريح وقد سلف ذلك أيضًا في الجهاد واضحًا.

والذرية: بضم الذال كذا نحفظه، وقال أبو عبد الملك: هي بنصب الذال وتأويلها: النساء والصبيان. قال: وبالرفع النسل. واختلف في وزن ذُرية بالضم هل هي فُعْلِيَّة أو فُعْلِيْلَة. واختلف من قال بالثاني هل أصله من (ذر) فيكون أصله (ذُرُّورَة) فأبدلت إحدى الراءات ياء، [أو أصله]

(5)

من (ذرأ)، فأبدل من الهمزة ياء.

(1)

في الأصل: (وقالوا).

(2)

رواه أبو داود (5229)، والترمذي (2755)، وأحمد 4/ 91، والبخاري في "الأدب"(977) والطبراني في "الكبير" 19/ 351 (819)، من حديث معاوية بن أبي سفيان، وفي بعض الروايات:"يمثل". وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

(3)

ذكره ابن الأثير في "النهاية" 2/ 94.

(4)

ذكره البغوي في "تفسيره" 7/ 89، وابن الجوزي في "تفسيره" 7/ 127، والقرطبي في "تفسيره" 15/ 193.

(5)

في الأصل: وأصله، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 245

والملك: بكسر اللام وروي بفتحها وهو جبريل. وروي: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة"

(1)

. أي: سبع سماوات. كما جاء في الصحيح؛ لأنها رفعت بالنجوم، وفي رواية بذلك طرقني الملك سحرًا. وفي أخرى ذكرها صاحب "شرف المصطفى": أصبت حكم الله ورسوله.

الحديث السادس:

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: أُصِيبَ سَعْد يَوْمَ الخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُل مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ ابن العَرِقَةِ، رَمَاهُ في الأَكْحَلِ، الحديث.

وقد سلف مختصرًا في أوائل الصلاة في باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم

(2)

. وذكر فيه هنا أن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد الحكم إلى سعد، كذا هنا أنهم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده إلى سعد، والحديث قبله أنهم نزلوا على حكم سعد.

وفي "الأموال" لأبي عبيد: قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبوا واختاروا النزول على حكم سعد

(3)

. وقال ابن التين: لعله رد الحكم قبل نزولهم وكانوا من حلفاء قومه فرجوا أن يستبقيهم.

وقول سعد: (اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلى أن أجاهدهم فيك .. ) إلى آخره. إما أن يكون أراد في ذلك الوجه، أو لحرب الذين ثابوا راجعين إلى المدينة كما فعلوا في أحد والأحزاب، أو أراد من ظاهرهم من أهل الكتاب، وإنما ضرب له الشارع خيمة في المسجد؛

(1)

رواه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" 3/ 259 عن علقمة بن وقاص، مرسلًا. وانظر:"طبقات ابن سعد" 2/ 74 - 75.

(2)

سلف برقم (463).

(3)

"الأموال"(346).

ص: 246

لئلا يفوته أكثر شأنه، وأنه يتولى غسله؛ لئلا يفوته كما فاته غسل حنظلة غسيل الملائكة، غسلوه بين السماء والأرض، فسئلت أمرأته فقالت: ألمَّ بي ثم خرج إلى القتال فاستشهد

(1)

.

وقوله: (وإن كنت وضعت الحرب فافجرها) هو بوصل الألف وضم الجيم ثلاثي من فجر يفجر، فجعله ثلاثيًا متعديا وذلك جائز، وقد قرئ:(أو تَفجُر الأنهار خلالها تفجيرًا) فجعله ثلاثيًا بضم الجيم وفتح التاء

(2)

.

وقوله: (فانفجرت من لبته) اللبة: موضع القلادة من الصدر.

وقوله: (فلم يرعهم) أي: فلم يخفهم.

وقوله: (يغذو جرحه دمًا) أي: يسيل. وقال ابن سعد: مرت عليه عنز وهو مضطجع فأصابت الجرح بظلفها، فما رقأ حتى مات

(3)

.

وفي "السيرة": فلما مات أتى جبريل معتجرًا بعمامة من استبرق، فقال:"يا محمد من هذا الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ " فقام صلى الله عليه وسلم سريعًا، يجر إليه ثوبه فوجده قد مات، ولما حمل

(1)

رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 2/ 853 (2225) من طريق ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن جده. وانظر "سيرة ابن هشام" 3/ 20.

(2)

كذا ذكر "المصنف" والذي عليه القراءة {فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا} [الإسراء: 91] وأجمعوا على قراءتها بالتثقيل، وإنما اختلفوا في قوله تعالى {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بضم التاء، وفتح الفاء، وتشديد الجيم مع الكسرة، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح التاء وتسكين الفاء وضم الجيم مع التخفيف. انظر "الحجة للقراء السبعة" للفارسي 5/ 118، "حجة القراءت" لابن زنجلة ص 409 - 410، "الكشف" لمكي 2/ 50 - 51، "الإتحاف" للبناء ص 286.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 78.

ص: 247

نعشه وجدوا له خفة، فقال:"إن له حملة غيركم"

(1)

. وقال ابن عائذ فيه: لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدًا ما وطئوا الأرض إلا يومهم هذا

(2)

.

ودعاء سعد هذا على قريش لعله يدخر له في الآخرة؛ لأن الله لم يضع حرب قريش، وحمله على بني قريظة خروج عن الظاهر؛ لأنه قال:(فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له). وقيل: يحتمل أن يكون أراد في ذلك الوجه أداءً لحرب الذين ثابوا راجعين إلى المدينة كما فعلوا في أحد والأحزاب.

فائدة:

حبان بكسر الحاء المهملة ثم باء موحدة ثم ألف ثم نون، والعرقة: أمه هي بنت سعيد بن سعد بن سهم، سميت العرقة لطيب ريحها، وأبوه عبد مناف بن منقذ ذكره السهيلي

(3)

.

وابن الكلبي يقول فيه: حبان بن أبي قيس بن عاصم بن عبد مناف، وموسى بن عقبة يقول فيه: جبار بن قيس بالجيم والراء أحد بني العرقة.

الحديث السابع:

حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لِحَسَّانَ بن ثابت "اهْج المشركين، وإن جِبْرِيلُ مَعَكَ".

فيه: فضل ظاهر له.

(1)

"سيرة ابن هشام" 3/ 271.

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 429، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 7/ 374 - 375 (36786) كلاهما عن سعد بن إبراهيم مرفوعًا.

(3)

"الروض الأنف" 3/ 280.

ص: 248

فصل:

لم يُقتل من النساء في هذِه الغزوة إلا امرأة واحدة، واسمها نباتة، كما وجد بخط السلفي وبخط غيره (بنانة)

(1)

كانت ألقت رحى على خلاد بن سويد فقتلته. واستدل به السهيلي على قتل المرتدة

(2)

، فرد عليه من خالف فيه، وهذِه كان قتلها قصاصًا.

فصل:

وكان بعث بنو قريظة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث لنا أبا لبابة بن عبد المنذر نستشيره في أمرنا، فقالوا: أترى أن ننزل على محمد؟ قال: نعم. وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح ثم تاب الله عليه بعد ذلك، ثم نزلوا بعدُ على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فوض إلى سعد، وكان عليه السلام قد جعل سعدًا في خيمة لامرأة من [أسلم]

(3)

يقال لها: رفيدة كانت تداوي الجرحى.

واختلف في قدرهم، فقال ابن عباس: كانوا سبعمائة وخمسين

(4)

(5)

وعند موسى بن عقبة: ستمائة مقاتل. وللنسائي عن جابر: أربعمائة

(6)

، وقال السهيلي: كانوا [ستمائة أو سبعمائة]

(7)

، والمكثر يقول: ما بين

(1)

ورد بهامش الأصل: ضبطه بالموحدة ثم نونين بينها ألف الخطيب البغدادي، كما حكاه عنه النووي في "مبهماته"، انتهى. وفي "تفسير الكلبي" عن الواقدي أنها (

).

(2)

"الروض الأنف" 3/ 284.

(3)

غير واضحة في الأصل، والمثبت من "سيرة ابن هشام" 3/ 258.

(4)

"مغازي الواقدي" ص 518.

(5)

ورد بهامش الأصل: حاشية: وفي الترمذي والنسائي أن بني قريظة كانوا أربعمائة.

(6)

"السنن الكبرى" 5/ 206 (8679).

(7)

في الأصل: ثمانمائة أو تسعمائة، والمثبت من "الروض الأنف".

ص: 249

الثمانمائة إلى التسعمائة

(1)

.

فصل:

كان الحكم في بني قريظة أن كل من أثبت قتل، وخمست غنائمهم وهو أول فيء وقعت فيه السهمان، وخمس، واصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو.

وأنزل الله في أمر الخندق وبني قريظة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ} إلى قوله: {قديرًا} الأحزاب: 9 - 27].

فصل:

لما بعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببغلة، وجبة من سندس، جعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبون من حسن الجبة، فقال عليه السلام:"لمناديل سعد بن معاذ في الجنة -يعني- أحسن من هذا"، وسلف ذلك في مناقبه أيضًا

(2)

.

فصل:

استشهد يوم بني قريظة خلاد بن سويد الحارثي المطروح عليه الرحى كما سلف، زاد ابن عائذ: ومنذر بن محمد أحد بني جَحجَبَا، ومات أبو سنان بن محصن الأسدي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر بني قريظة فدفن في مقبرتهم.

(1)

"الروض الأنف" 3/ 270.

(2)

سلف برقم (3802) كتاب: مناقب الأنصار، من حديث البراء.

ص: 250

‌31 - باب غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ

وَهْيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، فَنَزَلَ نَخْلاً. وَهْيَ بَعْدَ خَيْبَرَ، لأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَر.

4125 -

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ العَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ السَّابِعَةِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ. [4126، 4127، 4130، 4137 - مسلم:843 - فتح:7/ 416]

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْخَوْفَ بِذِى قَرَدٍ.

4126 -

وَقَالَ بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ جَابِرًا حَدَّثَهُم: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ يَوْمَ مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ. [انظر: 4125 - مسلم: 843 - فتح:

7/ 417]

4127 -

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاق: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَان، سَمِعْتُ جَابِرًا: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ فَلَقِىَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ، وَأَخَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيِ الْخَوْفِ. [انظر: 4125 - مسلم: 843 - فتح:7/ 417]

وَقَالَ يَزِيد: عَنْ سَلَمَة: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقَرَدِ. [4194 - مسلم: 1806]

4128 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَال: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا، وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا، ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَال: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ. كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ. [مسلم: 1816 - فتح: 7/ 417]

4129 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ

ص: 251

خَوَّاتٍ، عَمَّنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ وُجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِم، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَصَفُّوا وُجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمِ الرَّكْعَةَ الَّتِى بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. [مسلم: 842 - فتَح: 7/ 421]

4130 -

وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَخْلٍ. فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ. [انظر:4125 - مسلم:843 - فتح:7/ 421]

قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.

تَابَعَهُ اللَّيْثُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَه: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ.

4131 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَال: يَقُومُ الإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ وُجُوهُهُمْ إِلَى الْعَدُوِّ، فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَقُومُونَ، فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ، ثُمَّ يَذْهَبُ هَؤُلَاءِ إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَهُ ثِنْتَانِ، ثُمَّ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ.

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَحْيَى، سَمِعَ الْقَاسِمَ، أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلٍ حَدَّثَهُ قَوْلَهُ. [مسلم:841 - فتح: 7/ 422]

4132 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ. [انظر: 942 - مسلم: 839 - فتح: 7/ 422]

4133 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ

ص: 252

سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ، فَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَامَ هَؤُلَاءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُم. وَقَامَ هَؤُلَاءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ. [انظر: 942 - مسلم: 839 - فتح: 7/ 422]

4134 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سِنَانٌ وَأَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ. [انظر:2910 - مسلم: 843 - فتح: 7/ 426]

4135 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ سَمُرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، قَالَ جَابِرٌ فَنِمْنَا نَوْمَةً، ثُمَّ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَا، فَجِئْنَاه، فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي، وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ، وَهْوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ لِي مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ اللَّهُ. فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ". ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر:2910 - مسلم: 843 - فتح: 7/ 426]

4136 -

وَقَالَ أَبَان: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَإِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ فَاخْتَرَطَهُ، فَقَال: تَخَافُنِي؟ قَال: "لَا". قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: "اللَّهُ". فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعٌ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ.

وَقَالَ مُسَدَّدٌ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ: اسْمُ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقَاتَلَ فِيهَا مُحَارِبَ خَصَفَةَ. [انظر: 2910 - مسلم: 843 - فتح: 7/ 426]

ص: 253

4137 -

وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِر: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَخْلٍ فَصَلَّى الْخَوْفَ. [انظر: 4125 - مسلم:843 - فتح: 7/ 426]

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ نَجْدٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ. وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيَّامَ خَيْبَرَ. [انظر: 4125 - مسلم: 843 - فتح: 7/ 426]

اعلم أن ابن إسحاق ذكر غزوة ذات الرقاع بعد بني النضير، وغزوة بني النضير عنده في ربيع الأول على رأس خمسة أشهر من وقعة أحد، قال: ثم أقام بعد غزوة بني النضير شهر ربيع -وقال الوقشي: الصواب: شهري ربيع وبعض جمادى- ثم غزا نجدًا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان في سنة أربع

(1)

، ثم ذكر بعدها بدرًا الآخرة، ثم دومة الجندل، ثم الخندق، ثم بني قريظة

(2)

، وذكرها أبو معشر بعد الخندق وقريظة.

و (محارب خصفة): هو محارب بن خصفة بن قيس عيلان بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان أخي قيس وأنمار ابني بغيض أخي أشجع ابني ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر أخي ربيعة ابني نزار.

وقوله: (من بني ثعلبة من غطفان) كذا في نسخة الأصيلي عن أبي أحمد وصوابه: وبني ثعلبة كما جاء بعد ذلك في حديث بكر بن سوادة حدثني زياد بن نافع، عن أبي موسى، عن جابر حدثهم: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم يوم محارب وثعلبة. وفي رواية القابسي: خصفة بني ثعلبة.

قال الجياني: وكلامه وهم، والصواب: محارب خصفة وبني ثعلبة بواو العطف، وهم بنو ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض

(1)

السيرة" لابن هشام 3/ 214، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم أقام بعد غزوة بني النضير شهر ربيع وبعض جمادى.

(2)

"السيرة" لابن هشام 3/ 221، 228، 229، 252.

ص: 254

ابن ريث بن غطفان

(1)

.

وقوله: (محارب خصفة). أراد التمييز؛ لأن محارب في العرب جماعة، وهذا ابن خصفة، فأراد تمييزه بأبيه من بين أولئك، وقال ابن سعد: ذات الرقاع كانت في المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرًا من مهاجره ليلة السبت لعشر خلون منه في أربعمائة، وقيل: في سبعمائة من أصحابه

(2)

، وعند البيهقي: أو ثمانمائة

(3)

. وحديث أبي موسى يدل على أنها بعد خيبر؛ لأن قدومه كان بخيبر مع جعفر، فكيف حضر هذِه الغزوة وهي قبلها بمدة، وخيبر سنة سبع أو ست كما قال مالك

(4)

(5)

وهو حديث مشكل مع صحته، وما ذهب إليه أحد من أهل السير أي أنها بعد خيبر كما نبه عليه الدمياطي [وقال]

(6)

البيهقي: إن كان الواقدي حفظ أنها سميت ذات الرقاع لجبل فيه بقع فيشبه أن تكون الغزوة التي شهدها أبو موسى وأبو هريرة وابن عمر غير هذِه

(7)

.

قلت: قد قال أبو معشر: إنها كانت بعد الخندق وقريظة. وقال ابن عقبة: لا ندري متى كانت غزوة ذات الرقاع قبل بدر أم بعدها أم فيما بينها وبين أحد أم بعد أحد.

(1)

"تقييد المهمل" 2/ 673 - 674.

(2)

"الطبقات الكبرى" 2/ 61.

(3)

"دلائل النبوة" 3/ 371.

(4)

رواه البيهقي في "السنن" 6/ 56.

(5)

ورد في الأصل بعدها: (وحديث أبي موسى يدل على أنها بعد خيبر لأن قدومه)

وعليها لا

إلى.

(6)

زيادة ليست في الأصل، وبها يستقيم الكلام.

(7)

"دلائل النبوة" 3/ 372.

ص: 255

فصل:

واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ويقال: عثمان بن عفان فيما قال ابن هشام

(1)

، وهي غزوة ذات الرقاع وسميت بذلك؛ لأنهم رقعوا فيها راياتهم، ويقال: ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع، وقيل: لأن أقدامهم نقبت فكانوا يلفون عليها الخرق، وسيأتي من حديث أبي موسى

(2)

، وقال الداودي: لرقع الصلاة فيها.

وقال ابن حبان في "سيرته": لأن الجبل كان فيه سواد وبياض

(3)

. وقيل: بل الجبل الذي نزلوا عليه أو الأرض كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرقاع فلقي بها جمعًا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب، وقد خاف الناس بعضهم بعضًا، حتى صلى عليه السلام صلاة الخوف كما سيأتي، ثم انصرف بهم، قال ابن سعد: وكان ذلك أول ما صلاها

(4)

.

وحكى ابن التين قولاً آخر: أن أول ما صلاها في بني النضير. ثم ساق إلى ابن إسحاق من حديث جابر أن رجلاً من بني محارب يقال له: غورث -أي: بالغين المعجمة، وبالمهملة أيضًا- قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدًا؟ فذكر أخذ السيف وإضمامه ومنعه الله منه، فأنزل الله {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ} الآية [المائدة: 11]

(5)

.

وقد رواه من حديث جابر أيضًا أبو عوانة وفيه: فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"من يمنعك مني؟ " فقال: كن خير

(1)

"السيرة" لابن هشام 3/ 214.

(2)

سيأتي قريبًا في الباب برقم (4128).

(3)

"السيرة" لابن حبان ص 249. وفيه (الخيل) بدل (الجبل).

(4)

"الطبقات الكبرى" 2/ 61.

(5)

"السيرة" لابن هشام 3/ 216.

ص: 256

آخذ، قال:"تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ " قال: لا، ولكن أعاهدك أني لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، ثم جاء. قومه، فقال: جئتكم من عند خير الناس

(1)

.

ووقع في [

]

(2)

قيل هذا لدعثور بن الحارث من بني محارب، وأن جبريل دفع في صدره، فوقع السيف من يده، ثم أسلم، ثم جاء قومه يدعوهم إلى الإسلام، ونزلت الآية السالفة، والظاهر أن الخبرين واحد وقد قيل: إن هذِه الآية نزلت في أمر بني النضير، والله أعلم.

وفي انصرافه عليه السلام من هذِه الغزوة أبطأ جمل جابر بن عبد الله فنخسه بيده الكريمة فانطلق فاشتراه، ثم رده وثمنه. وقال ابن سعد: قالوا: قدم قادم المدينة بجلب له، فأخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنمار وثعلبة قد جمعوا له الجموع، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهما -كما سلف- فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع، فلم يجد في محالهم إلا نسوة، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعال بن سراقة بشيرًا بسلامته وسلامة المسلمين، قال: وغاب خمس عشرة ليلة

(3)

.

وفي "الأوسط" للطبراني عن إبراهيم بن المنذر قال محمد بن طلحة: كانت غزوة ذات الرقاع تسمى غزوة الأعاجيب

(4)

. وسيأتي آخر الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة

(1)

رواه البيهقي في "الدلائل" 3/ 375 - 376 من طريق أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر. وسيأتي قريبًا.

(2)

كلام غير واضح في الأصل بمقدار ثلاث كلمات.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 61.

(4)

"الأوسط" 9/ 54 - 55 (9112).

ص: 257

نجد صلاة الخوف، وقدومه عام خيبر

(1)

، وقال ابن عمر: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فذكر صلاة الخوف وإجازته عام الخندق، وقد سلف ما فيه في باب صلاة الخوف

(2)

.

ثم ذكر البخاري عن عبد الله بن رجاء فقال: وقال عبد الله بن رجاء: أنا عِمْرَانُ القطان، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الخَوْفِ فِي الغَزْوَةِ السَّابِعَةِ، غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ.

وأخرجه مسلم أيضًا، ثم قال: وقال ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني: صلاة الخوف بذي قرد- وسلف في الصلاة

(3)

.

وقال بكر بن سوادة: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ جَابِرًا حَدَّثَهُمْ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ مُحَارِبٍ وَثَعْلبَةَ .. الحديث.

وأبو موسى هذا ذكر أبو مسعود الدمشقي أنه علي بن رباح اللخمي، وقيل: إثه أبو موسى الغافقي واسمه: مالك بن عبادة وله صحبة. والقول الأول أولى كما قاله المزي

(4)

.

ثم قال: وَقَالَ ابن إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ، سَمِعْتُ جَابِرًا: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ، وَأَخَافَ الئاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَصلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيِ الخَوْفِ.

(1)

سيأتي برقم (4137).

(2)

سياتي في الباب برقم (4132)، وقد سلف في كتاب: الخوف، برقم (942).

(3)

سلف برقم (944).

(4)

"تهذيب الكمال" 20/ 426 - 427 (4067).

ص: 258

وهذا أخرجه ابن إسحاق كذلك

(1)

.

ثم قال: وَقَالَ يَزِيدُ: عَنْ سَلَمَةَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ القَرَدِ.

قلت: هذا أسنده في باب: غزوة ذي قرد، عن قتيبة، عن حاتم، عن يزيد هو: ابن أبي عبيد، كما ستعلمه

(2)

.

قال البيهقي: وذكر ابن إسحاق بعد غزوة ذات الرقاع غزوة ذي قرد، والذي لاشك فيه أنها كانت بعد الحديبية -كما يأتي من عند البخاري بعد- وحديث سلمة ينطق بذلك

(3)

قلت: وقرد ماء في شعب، وهي غزوة الطائف في ربيع الأول سنة ست بعد غزوة بني لحيان ناحية عسفان بليال.

ثم ساق أحاديث:

أحدها:

حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَاي وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الخِرَقِ عَلَئ أَرْجُلِنَا، وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بهذا ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ. كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ. وقد سلف.

وهو الذي ينبغي الاعتماد عليه في تسميتها بذات الرقاع؛ لأن الراوي أعرف بذلك.

(1)

"السيرة" لابن هشام 3/ 217.

(2)

سيأتي برقم (4194).

(3)

"دلائل النبوة" 3/ 368.

ص: 259

ونقبت أقدامنا- بكسر القاف- وذلك لمشيهم حفاة، فقد نقبت الأرض بعض أقدامهم، وسقطت أظفارهم، يقال: نقب البعير - بالكسر- رق خفه.

وقوله: (كأنه كره) إلى آخره. وجهه أن فعل كتم الخير أولى من إظهاره، قال تعالى:{وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271]

الحديث الثاني:

حديث صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ شَهِدَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ. فذكر صفتها.

وهو في مسلم أيضًا، وهذا الشاهد هو سهل بن أبي حثمة كما ذكره بعد.

وقَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلَاةِ الخَوْفِ.

وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَخْلٍ. فَذَكَرَ صَلَاةَ الخَوْفِ.

تابعه الليث عن هشام، عن يزيد بن أسلم أن القاسم بن محمد حدثه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار.

قال البيهقي، بعد ذكره عن البخاري هذا: ورويناه عن الواقدي في قصة الرجل الذي أخبر بالمدينة أن أنمار وثعلبة قد جمعوا لكم جموعًا، فيحتمل أن تكون هذِه الصلاة صلاها أيضًا في هذِه الغزوة وإنما خالف بينها وبين ما روينا عن جابر في صلاتين، لاختلاف الحال به فيهما

(1)

. قال: وقول من قال: عن أبي الزبير، عن جابر:(بنخل) يوهم أنها وغزوة

(1)

"دلائل النبوة" 3/ 377 - 378.

ص: 260

ذات الرقاع واحدة، ومنهما خرج إلى عسفان، كما أشار إليه ابن إسحاق واختلاف الروايات في كيفية صلاة الخوف، لاختلاف الأحوال به في صلاته -والله أعلم كيف كان- والمقصود معرفة كيفية صلواته.

الحديث الثالث:

حديث سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ في صلاة الخوف.

وهو في مسلم أيضًا، ثم ساقه من حديث صالح بن خوات، عن سهل أيضًا.

ثم ساقه من حديث صالح، عن سهل حدثه قوله.

الحديث الرابع:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا العَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ. وقد سلف في بابه.

ثم ساقه من حديث ابن عمر أيضًا.

الحديث الخامس: وقد سلف.

والعضاه: شجر من شجر البوادي كالطلح والعوسج، الواحدة عِضَة، الهاء أصلية، وقيل: عِضَهَة، وقيل: عِضَاهَة، فحذفت الهاء الأصلية كما حذفت في الشفة، ثم ردت في العضاه كما في الشفاه وقد يقال: عضة مثل عزة، ثم تجمع على عزوات، وتقرأ العضاه بالهاء وقفًا ووصلاً؛ لأن جمعه جمع تكسير وليست بجمع السلامة مثل الشفاه والمياه.

ثم قال: وقال أبان -هو ابن يزيد العطار- ثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع. فذكر القصة وسماه مشركًا، فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقيمت

ص: 261

الصلاة، وصلى بطائفة ركعتين، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان.

وقال مسدد، عن أبي عوانة، عن أبي بشر: اسم الرجل غورث بن الحارث وقاتل فيها محارب خصفة. وقال أبو الزبير، عن جابر: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخل، وإنما جاء أبو هريرة إلى رسول الله أيام خيبر. انتهى ما أورده.

وقصة غورث أسلفناها، وما ذكره عن مسدد أخرجه سعيد بن منصور، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس -يعني: اليشكري الثقة، عن جابر كما سلف، وزاد بعد قوله: من عند خير الناس: فلما حضرت الصلاة .. فذكر الحديث إلى أن قال: فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين

(1)

، وأخرجه البيهقي من حديث عارم محمد بن الفضل وعاصم بن علي عن أبي عوانة

(2)

. وتعليق أبان

(3)

أخرجه البيهقي من حديث عفان عنه به

(4)

،

وتعليق أبي الزبير سلف من حديث هشام عنه، وأسنده الطيالسي عن هشام

(5)

.

تنبيهات على ألفاظ وقعت في أحاديث الباب:

وقد أوضحنا صلاة الخوف، وأحكامها في الصلاة.

(1)

"سنن سعيد بن منصور"(2504)(ط. الأعظمي).

(2)

"دلائل النبوة" 3/ 375 - 376.

(3)

ورد في هامش الأصل: تعليق أبان أخرجه مسلم عن أبي محمد بن أبي شيبة، عن عثمان، عن أبان به (

) إلى عزوه إلى البيهقي والله أعلم.

(4)

"دلائل النبوة" 3/ 375.

(5)

"مسند الطيالسي" 3/ 300 (1844).

ص: 262

قوله في حديث أبي موسى: (ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه) وفيه قول آخر أنهم كانوا ثمانية، وقيل: كانوا أكثر. مشوا حفاة لم يكن لهم إبل، فألقوا الرقاع على أرجلهم.

وقوله في حديث صالح: (وجاه العدو) هو بضم الواو وكسرها، أي: صلوا وجوههم تلقاء وجوههم.

وقوله: (ثم ثبت جالسًا، ثم أتموا لأنفسهم، لم يسلم بهم) هو اختيار مالك -كما حكاه البخاري، كما سلف

(1)

- وبه قال الشافعي وأصحابه، وقال بذلك مرة؛ لحديث القاسم بن محمد، وهو نحو الأول، إلا أنه ذكر فيه: أن الإمام يسلم ولا ينتظر أن تقضي الطائفة الثانية. وأخذ أشهب مرة بحديث ابن عمر أن الطائفة تمضي إلى مواجهة العدو. وقيل: تقضي، فإذا صلى بالثانية وقضت قضت الأولى بعدها. وحمل عليه ابن حبيب، أنهما يقضيان معًا. وليس في البخاري كذلك، إنما قال:(ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم. وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم).

وفيه -في بعض أحاديث ابن عمر- أن الثانية تقضي، ثم تصلي بعدها الأولى. وذكر عن أشهب قول آخر أن الأولى تأتي بالركعة الثانية والطائفة الثانية وجاه العدو، فإذا انصرفت الأولى وقفت وجاه العدو، ثم قضت الطائفة الثانية ركعتها الثانية.

وذكر أبو عبد الملك قولاً آخر أنه بالخيار عما ورد من الأحاديث؛ فإن كانوا في الحضر، فالمشهور أنهم يصلون خلافًا لعبد الملك، واحتج بقوله:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء:101]، فإن كانت رباعية فاختلف

(1)

يقصد تعليق مالك الذي ذكره عقب حديث (4130).

ص: 263

هل يثبت في الجلسة الأولى وينتظر الثانية جالسًا، وإن كانت مغربًا يصلي بفرقة ركعتين وبالثانية ركعة، وهو أفضل من عكسه -في الأظهر عندنا- واستشكل ابن التين رواية جابر السالفة: فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان. وقال: إن فيه نظرًا؛ لأنهم كانوا في سفر، وإن قلنا: إن المسافر بالخيار فيكف يصلي لكل طائفة ركعتين، وهو يصلي أكثر من المأمومين.

وهذا إنما قاله جابر راوي الحديث أن الإمام يصلي ركعتين والمأموم كل طائفة ركعة، ويأتي أن القصر في عدد الركعات. وبه قال الحسن وطاوس، والذي روي هنا خلافه.

قلت: لا إشكال بل يحمل على أنهم صلوا ركعتين، ثم كملوا ولهذا قال: ثم تأخروا، والأخرى كذلك.

ص: 264

‌32 - باب غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، هْيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاق: وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَة: سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، [عَنِ الزُّهْرِيِّ]: كَانَ حَدِيثُ الإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ

4138 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْه، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْعَزْلِ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، وَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ؟! فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَال:"مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ وَهْيَ كَائِنَةٌ"[انظر: 2229 - مسلم: 1438 - فتح: 7/ 428]

4139 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ نَجْدٍ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ وَهْوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجِئْنَا، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَال:"إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي، فَاسْتَيْقَظْتُ، وَهْوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قَال: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ اللَّهُ. فَشَامَهُ، ثُمَّ قَعَدَ، فَهْوَ هَذَا". قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2910 - مسلم: 843 - فتح: 7/ 429]

الشرح:

المصطلق اسمه: جذيمة بن سعد بن كعب بن عمرو بن لحي، وهو

ص: 265

ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء. ووقع في "سيرة ابن حبان" أن المصطلق اسمه: سعد بن عمرو، والمعروف ما ذكرناه، وخالف ابن سعد فقال: هي في شعبان سنة خمس يوم الإثنين لليلتين خلتا منه، والخندق بعدها عنده، في ذي القعدة من السنة

(1)

. وكذا ذكره الواقدي

(2)

.

قال الحاكم في "إكليله": وهو أشبه من قول ابن إسحاق. وذكرها أبو معشر أيضًا قبل الخندق، ونزلت فيها آية التيمم. وما ذكره البخاري عن موسى بن عقبة، قد ذكر البيهقي في "دلائله" بإسناده عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أنها كانت في شعبان سنة خمس، قال: ورويناه عن قتادة أيضًا، والواقدي

(3)

. وقد خرج البخاري أن ابن عمر غزاها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(4)

. وما ذكره عن النعمان، عن الزهري أسنده البيهقي، عن النعمان ومعمر أيضًا، عنه، عن عروة، عن عائشة. قال البيهقي: وإليه ذهب أهل المغازي محمد بن يسار، ومحمد بن عمر الواقدي

(5)

.

واعلم أن ابن إسحاق ذكر بعد ذات الرقاع غزوة بدر الآخرة، ثم دومة الجندل -كما أسلفناه- سميت بدومة بن إسماعيل؛ لأنه نزلها. ثم الخندق وبعدها غزوة بني قريظة. وذكر ابن سعد بعدها سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء، ثم سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبي رافع بن أبي الحقيق

(6)

.

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 63، 65.

(2)

"مغازي الواقدي" ص 405.

(3)

"دلائل النبوة" 4/ 45.

(4)

سلف برقم (2541) كتاب: العتق، باب: من ملك من العرب رقيقًا.

(5)

"دلائل النبوة" 4/ 63 - 64.

(6)

"طبقات ابن سعد" 2/ 78، 91.

ص: 266

وذكر ابن إسحاق إسلام عمرو بن العاصي وخالد بن الوليد، ثم ذكر غزوة ذي قرد -بفتح القاف والراء. وحكى السهيلي عن أبي علي ضمهُما

(1)

. ويقال لها: غزوة الغابة- وسرية سعيد بن زيد إلى العرنيين في شوال سنة ست عند ابن سعد

(2)

.

فصل:

قتل النبي صلى الله عليه وسلم من بني المصطلق وسبى جويرية بنت الحارث، وأعتقها وتزوجها، وكانت الأسرى أكثر من سبعمائة، فطلبتهم منه ليلة دخل بها فوهبهم لها.

فائدة:

المصطلق مفتعل من الصلق: وهو رفع الصوت. والمريسيع ماء لخزاعة، بينه وبين الفرع نحو يوم، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد، وهو من قولهم: رسعت عين الرجل، إذا دمعت من فساد، وهو فساد الأجفان، وقد رسع الرجل فهو أرسع، وفيه لغة أخرى: رسَّع ترسيعًا فهو مُرسِّع ومُرسِّعة، وقد ترسَّعت عينه أيضًا ترسيعًا.

ثم ذكر البخاري حديث أبي سعيد الخدري، وحديث جابر.

أما حديث أَبُي سَعِيدٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْي العَرَبِ، فذكر حديث العزل.

وفيه: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ

كائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا وَهْيَ كائِنَةٌ".

(1)

"الروض الأنف" 4/ 14.

(2)

هكذا في الأصل، وفي "طبقات ابن سعد" 2/ 93:(سرية كُرْز بن جابر الفهري)،

بدلا من (سعيد بن زيد). وفي "سيرة ابن هشام" 3/ 324، و"طبقات ابن سعد"

2/ 81 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّر على غزوة ذي قرد (سعد بن زيد).

ص: 267

حقيقة العزل: أن يجامع، فإذا قارب الإنزال نزع قصد الإنزال خارجه، وعندنا أن الأولى تركه، وهو جائز في الحرة والأمة بالإذن وعدمه، وقطع الرافعي في الأمة بالجواز، وقال: لا خلاف فيه، وصاحب "البحر" حكى الخلاف فيه رعاية لحق الولد.

وحاصل الخلاف في الحرة ثلاثة أوجه: ثالثها: يجوز بالإذن وهو قول مالك، واعتبر إذن موالي المرأة ولم يعتبره في التسرِّي.

واختلف هل كانوا أهل كتاب، فقال الأصيلي: كانوا عبدة أوثان، وإنما أباح عليه السلام وطأهن قبل نزول:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [لبقرة: 221]، وقال الداودي: كانوا أهل كتاب؛ ولذلك لا نحتاج إلى إسلامهن قبل الوطء، والأول أولى؛ لقوله:(فأصبنا سبيًا من سبي العرب) وهذا الحديث في قوله: "ما عليكم أن لا تفعلوا" استدل به على الإباحة والمنع، وأنه إلى النهي أقرب، وقال المبرد: معناه: لا بأس عليكم أن تفعلوا، ومعنى (لا) الثانية ظرفًا، وحجة من منع حديث مسلم أنه عليه السلام سئل عنه، فقال:"إنه الوأد الخفي"

(1)

.

وقوله: ("ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة") أي: قد جفَّ القلم بكل ما يكون، فيؤخذ منه أن الولد يكون مع العزل؛ ولهذا لو قال: وطئت وعزلت، حرم عليه النفي، قال شمر: النسمة: كل فى دابة فيها روح، والنسم: الروح، والتقدير: ما من ذي نسمة. ويراد بها الذكر والأنثى، وقال القزاز: كل إنسان نسمة، ونفسه نسمة.

وأما حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ

(1)

رواه مسلم (1442/ 141) كتاب: النكاح، باب: جواز الغيلة. من حديث جُدامة بنت وهب.

ص: 268

نَجْدٍ. قد سلف في الغزوة قبلها

(1)

.

وقوله فيه: (فشامه) أي: رده في الغمد، وهو من الأضداد، يقال: شامه إذا سلَّه، وشامه إذا رده في غمده، وإنما لم يواجهه؛ لأنه كان يستميلهم بذلك ليرغبهم في الدخول في الإسلام.

و (العضاه) سلف في الغزوة قبلها. وحكى أبو حنيفة خلافًا فيه: هل هي ذات الشوك، أو العظام من الشجر أجمع؟

وقال الفراء: النحويون على الأول، ورأينا العرب على الثاني، وقال أبو الهيثم: الزيتون والنخل من العضاه، وقيَّدها بعضهم بالشجرة الطويلة، وفي "المحكم": ويجمع أيضًا: عضون

(2)

.

(1)

سلف برقم (4135).

(2)

"المحكم" 1/ 59.

ص: 269

‌33 - باب غَزْوَةُ أَنْمَارٍ

4140 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ أَنْمَارٍ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُتَوَجِّهًا قِبَلَ الْمَشْرِقِ مُتَطَوِّعًا.

ذكر فيه حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ أَنْمَارٍ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُتَوَجِّهًا قِبَلَ المَشْرِقِ مُتَطَوِّعًا.

وقد سلف في الصلاة من غير هذا الوجه عن جابر، وسلف الكلام عليه

(1)

.

(1)

سلف برقم (400) باب: التوجه نحو القبلة حيث كان.

ص: 270

‌34 - باب حَدِيثُ الإِفْكِ

وَالأَفَكِ بِمَنْزِلَةِ النَّجْسِ وَالنَّجَسِ. يُقَال: إِفْكُهُمْ وأَفْكُهم (وأفَكُهم)

(1)

.

4141 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَال: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِى حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ. قَالَتْ عَائِشَة: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ [وَ] دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ. قَالَتْ: وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِى كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ فَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِى بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ

(1)

عليها في الأصل: (كذا)، وفي الهامش: هذِه الثالثة لا أعرفها.

ص: 271

وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وكَانَ رآني قَبْلَ اِلحجَابِ، فَاسْتَيقَظْتُ بِاسْترْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْت وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللهِ ما تَكَلَّمْنَا بِكَلِمةٍ وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَهُمْ نُزُولٌ، قَالَت: فَهَلَكَ فِيَّ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنَ سَلُولَ.

قَالَ عُرْوَة: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ، فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ.

وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا: لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلاَّ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ فِي نَاسٍ آخَرِينَ، لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ -كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى- وَإِنَّ كُبْرَ ذَلِكَ يُقَالُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ. قَالَ عُرْوَةُ كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ، وَتَقُولُ: إِنَّهُ الَّذِي قَال:

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي

لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَة، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ "كَيْفَ تِيكُمْ" ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَلِكَ يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا، وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا. قَالَتْ وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ قِبَلَ الْغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ -وَهْيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ

ص: 272

الْمُطَّلِبِ- فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي، حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ: لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقَالَت: أَيْ هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: وَقُلْتُ: مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِى، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّم، ثُمَّ قَالَ:"كَيْفَ تِيكُمْ؟ ". فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ، مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْت: سُبْحَانَ اللَّه! أَوَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِى يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِى يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ أُسَامَة: أَهْلَكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا.

وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قَالَت: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ فَقَال: "أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ ". قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَال:"يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي". قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذ -أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ- فَقَال: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. قَالَت: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ -وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ- وَهْوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهْوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ. قَالَتْ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ

ص: 273

رَجُلاً صَالحِاً، ولكن احْتَمَلَتْة الحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْر اللهِ، لَا تَقْتلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْن حُضَيْرٍ -وَهْوَ ابن عَمِّ سَعْدٍ- فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ، لَنَقْتلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المنَافِقِينَ. قَالَتْ: فَثَارَ الَحيَّانِ الأوْسُ وَالخزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلوا، وَرَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى الِمنْبَرِ. قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِنِّي لأظُنُّ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَة مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي.

قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْن عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ. قَالَتْ: وَلم يجلِسْ عِنْدِي مُنْذ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْني بِشَيْءٍ. قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبِ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ". قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأبِي: أَجِبْ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِّي فِيمَا قَالَ. فَقَالَ أَبِي: والله مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لأمُّي: أَجِيبِي رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ. قَالَتْ أُمِّي: والله ماَ أَدْرِي مَا أَقُول لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ كَثِيرًا: إِنِّي والله لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هذا الَحدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكمْ وَصَدَّقْتمْ بِهِ، فَلَئِنْ قلْتُ لَكمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ - والله يَعْلَمُ أنَي مِنْهُ بَريئَةٌ - لَتُصَدِّقُنِّي، فَوَاللَّهِ لَا أَجِد لِي وَلَكمْ مَثَلاً إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] ثمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، والله يَعْلَمُ أَنيِّ حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءتي، ولكن والله مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يتْلَى، لَشَأْنيِ فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، ولكن

ص: 274

كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِى النَّوْمِ رؤيا يُبَرِّئنِي اللهُ بِهَا، فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ العَرَقِ مِثْلُ الجُمَانِ وَهْوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الذِي أئزِلَ عَلَيْهِ. قَالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ:"يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ". قَالَتْ: فَقَالَتْ لي أمِّي: قُومِي إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: والله لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، فَإِنِّي لَا أَحْمَدُ إِلَّا اللهَ عز وجل. قَالَتْ: وَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} [النور:11] العَشْرَ الآيَاتِ، ثمَّ أَنْزَلَ اللهُ هذا فِي بَرَاءَتِي.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -وَكَانَ يُنْفِق عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أثاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ-: والله لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ. فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى والله، إِنِّي لأحُبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطُحٍ لنَّفَقَةَ التِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ: والله لَا أَنْزِعُهَا مِنْة أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ لِزَينَبَ:"مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟ ". فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، والله مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا. قَالَتْ عَائِشَة: وَهْيَ التِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَصَمَهَا الله بِالْوَرَعِ. قَالَتْ: وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. قَالَ ابن شِهَابٍ: فهذا الذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هؤلاء الرَّهْطِ. ثمَّ قَالَ غرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: والله إِنَّ الرَّجُلَ الذِي قِيلَ لَة ما قِيلَ لَيَقُول: سُبْحَانَ اللهِ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ. قَالَتْ: ثمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ. [انظر: 2513 - مسلم: 2770 - فتح: 7/ 431]

4142 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ حِفْظِه: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَبَلَغَكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ مِنْ قَوْمِكِ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ لَهُمَا: كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمًا فِي شَأْنِهَا. [فتح: 7/ 431]

ص: 275

4143 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَال: حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ قَال: حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ -وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ إِذْ وَلَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَتْ: فَعَلَ اللَّهُ بِفُلَانٍ وَفَعَلَ. فَقَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: وَمَا ذَاكِ؟ قَالَتْ: ابْنِى فِيمَنْ حَدَّثَ الْحَدِيثَ. قَالَتْ: وَمَا ذَاكِ؟ قَالَت: كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ عَائِشَة: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَت: نَعَمْ. قَالَت: وَأَبُو بَكْر؟ قَالَتْ نَعَمْ. فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا أَفَاقَتْ إِلاَّ وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ، فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَغَطَّيْتُهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "مَا شَأْنُ هَذِهِ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَتْهَا الْحُمَّى بِنَافِضٍ. قَالَ: "فَلَعَلَّ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ". قَالَتْ نَعَمْ. فَقَعَدَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لَا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنْ قُلْتُ لَا تَعْذِرُونِي، مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ، {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18] قَالَت: وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا، قَالَت: بِحَمْدِ اللَّهِ لَا بِحَمْدِ أَحَدٍ وَلَا بِحَمْدِكَ. [انظر: 3388 - فتح: 7/ 435]

4144 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَقْرَأ:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور:15] وَتَقُولُ: الْوَلْقُ: الْكَذِبُ.

قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَتْ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهَا بِذَلِكَ لأَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا. [4752 - فتح: 7/ 436]

4145 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَة، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَال: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لَا تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَتْ عَائِشَةُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، قَال:"كَيْفَ بِنَسَبِي؟ ". قَال: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ فَرْقَدٍ: سَمِعْتُ هِشَامًا، عَنْ أَبِيهِ قَال: سَبَبْتُ حَسَّانَ، وَكَانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَيْهَا. [انظر:3531 - مسلم: 2487، 2489 - فتح: 7/ 436]

4146 -

حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ،

ص: 276

عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا، يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَه، وَقَالَ:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِل.

فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ. قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . [النور:11]. فَقَالَت: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى. قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ -أَوْ يُهَاجِي- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. [4755، 4756 - مسلم: 2488 - فتح: 7/ 436]

يريد بما ذكر من قوله: بمنزلة كذا: أنهما واحد، وقال ابن فارس: أفك إذا كذب، إفكًا وأفكته: صرفته، أفكا -يعني بفتح الهمزة والفاء

(1)

- وقال الهروي: النجس

(2)

: كل شيء يستقذر، فإذا قلت: نجس ينجس، كسرت النون وأسكنت الجيم، قال ابن عديس: على الإتباع. وقيل: الأول أسوأ الكذب. وعبارة ابن فارس شيء نَجَس، ونَجِس

(3)

، مثل ما في الأصل، وقال ابن عديس في "باهره": الأفك بفتح الهمزة وسكون الفاء، وعلئ كسرها مصدر أفك الرجل يأفك إفكًا إذا كذب، وبكسر الهمزة: الكذب، وبضمهما جمع أَفُوك وهو الكثير الكذب.

ثم ساق البخاري حديث الإفك بطوله، وقد أسلفناه في الشهادات، ولنذكر هنا ما لم يسبق.

قولها: (فخمرت وجهي بجلبابي) أي: سترته بثوبي.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 99 مادة (أفك).

(2)

ورد في هامش الأصل: وفي أصلنا الذي سمعنا فيه على (

) بإعجام الشين فيهما، وكذا رأيته في أخرى صحيحة وأخرى وبخط بعض مشايخنا أيضًا. وفي أصل (

) بالإهمال (

) كما حكاه شيخنا.

(3)

"مجمل اللغة" 3/ 856 مادة (نجس).

ص: 277

وقولها: (ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه) أي: الذي أيقظها به، وما أحسن قول الحسن: كيف ثحكم بالرجل يخلو بأمِّه؟ قالوا: حسنًا، قال: فكذلك كان ينبغي أن يُظنَّ بعائشة وصفوان.

وقولها: (وأهوى حتى أناخ راحلته) أي: أسرع، وأصله: مال وأخذ، وأهوى إليه إذا مال وأخذ.

وقولها: (وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي سلول) كبر -بكسر الكاف- أي: معظمه، وعبد الله هذا هو ابن أبي مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم الحبشي بن غنم بن عوف بن الخزرج، وسلول

(1)

أم أبيه امرأة من خزاعة.

وقوله: (وقال عروة: أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده، فيقره ويستمعه ويشتوشيه). القَرُّ: صب الكلام في الأذن.

و (يستوشيه): يستدعيه ويستخرجه، قال ابن التين: يقال: هو يشي حديثه، أي: يكذب فيه وينمُّ. وقال ابن عرفة: ولا يقال لمن نمَّ: واشٍ؛ حتى يغير الكلام ويلوِّنه، فيجعله دروبًا، ويزين منه ما يشاء. وقيل: يستوشي الحديث: يستخرجه بالبحث والمسألة، كما يستوشي الرجل جري الفرس، وهو ضربه جنبه بعقبه، ويحركه ليجري، يقال: أوشى فرسه واستوشاه، وقال الداودي: يستوشيه: يزيد فيه على ما قال غيره، فكأنه سوى بين: وشى واستوشى. وقد سلف شيء من ذلك في الشهادات أيضًا.

وقوله: (قال عروة: لم يسم من أهل الإفك أيضًا إلا حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم

(1)

ورد في هامش الأصل: سلول أمه على الصحيح لا أم أبيه، فاعلمه.

ص: 278

لي بهم غير أنهم عصبة كما قال تعالى) قال ابن فارس: العصبة: نحو العشرة

(1)

، وقال الداودي: هم ما فوق العشرة إلى الأربعين، وقال بعض أهل اللغة: من العشرة إلى الأربعين، وقيل العصبة: الجماعة.

وقوله: (وإن كبر ذلك يقال: عبد الله بن أبي) تمامه: وإن تولى كبر ذلك.

وقوله: (قال عروة: وكانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول: إنه الذي قال:

فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء)

العرض هنا: النفس، وقيل: الحسب، وقال ابن فارس: ويقال: هو كل موضع يعرق من الجسد، ويقال: العرض: الجلد والريح الطيبة كانت أو خبيثة

(2)

. وقيل: الأعراض: سلف الإنسان وقيل: ونفسه.

و (نقهت): أفقت كما سلف هناك بفتح القاف وكسرها. قال ابن التين: والفتح قول أهل اللغة، وأما بالكسر، أي: فهم. قلت: ويقال: نقه نقهًا ونقوهًا إذا صح وهو في عقب علته، أنقهه الله فهو ناقه.

وقولها: (وأمرنا أمر العرب الأول) هو بضم الهمزة وتخفيف الواو، وبفتح الهمزة وتشديد الواو.

وقوله: (وقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه) الفخذ بسكون الخاء وبكسرها دون العنفقة، وفوق البطن.

(1)

"مجمل اللغة" 3/ 672 مادة (عصب).

(2)

"مجمل اللغة" 3/ 660 مادة (عرض).

ص: 279

وقوله: (من ثقل القول) الثقل ضد الخف، بكسر الثاء وإسكان القاف، قاله ابن التين.

فائدة:

ما وقع في "إكليل الحاكم" من أن عائشة رضي الله عنها لما رآها صفوان أتاها ببعيره وأقسم عليها لتركبنَّ فأبت إلا أن تكون ردفه، وأن عليًّا دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن عائشة جاءت ردف صفوان، فقال صلى الله عليه وسلم:"لا تدخلن عليَّ" فخرجت تبكي، وإن أباها لم يئوها ولا غيره، فلم تزل تدعو حتى نزلت براءتها. منقطع وضعيف.

أخرى: قال البيهقي: من قال: إن الإفك كان بالمريسيع، إن كان محفوظا فيشبه أن يكون جرح سعد بن معاذ لم ينفجر حتى كان بعد المريسيع، وحديث الإفك؛ لقول سعد: يا رسول الله: أنا أعذرك من ابن أبي، وذكر ابن منده أن سعدًا مات بالمدينة سنة خمس، وسلف أن بني المصطلق كانت في شعبان سنة خمس، فكأن سعدًا مات بعد شعبان من هذِه السنة

(1)

.

فائدة أخرى:

قول زينب: (أحمي سمعي وبصري)، هو مأخوذ من الحمى، تقول: أحميه من المأثم أن يريه ما لم ير قط، يقال: حميت الحمى أحميه حميًّا، وذكر غير واحد أنه عليه السلام تزوج زينب بنت جحش خلال ذي القعدة سنة خمس، فكانت غزوة بني المصطلق في السنة من شعبان كما مرَّ.

وحكى ابن عبد البر: عن أبي عبيدة أنه تزوج منها في سنة ثلات

(2)

.

(1)

"دلائل النبوة" 4/ 77.

(2)

"الاستيعاب" 4/ 406.

ص: 280

وعلى هذا القول يصح اجتماعها في حديث الإفك الواقع في غزوة بني المصطلق.

قال الدمياطي: والصحيح أنه في ذي القعدة سنة أربع.

فائدة أخرى:

قول عائشة: (إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان الله، والذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط، قالت: ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله)

في مسلم: (عن كنف)

(1)

بدل (من كنف) بفتح النون: الستر، والمراد هنا ثوبها الذي هو كنفها، كنى عن الجماع، ومنه يقال: هو في كنف الله وحفظه، والكنف أيضًا: الجانب وناصيتا كل شيء كنفاه.

وقول عائشة فيما ذكره بعد: (كان على مسلِّما في شأنها) بكسر اللام، وقال ابن التين: وضبط بفتحها أيضًا، والمعنى متقارب، قال: وروي: مسيئًا. وهذا فيه بُعد. وهذا الحديث رواه معمر، عن الزهري، قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن عليًّا كان فيمن قذف عائشة رضي الله عنها؟ قلت: لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك: أبوسلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث

(2)

أن عائشة قالت لهما كان علي مسلِّمًا في شأنها.

ورواه ابن أبي خيثمة، عن ابن معين، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: كنت عند الوليد فقال: الذي تولى كبره هو علي بن أبي طالب. قال: فقلت: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير

(1)

مسلم (2770/ 57) كتاب: التوبة، باب: في حديث الإفك.

(2)

بعدها في الأصل: (بن هشام). وعليها لا

إلى.

ص: 281

وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله، كلهم عن عائشة أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي، قال: وما كان جرمه؟ قال: قلت: أخبرني شيخان من قومك فذكرهما كما سلف عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان مسيئًا فيَّ

(1)

.

ثم ذكر البخاري أيضًا حَدَّيث مَسْرُوقِ بْنِ الأَجْدَعِ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ - وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ إِذْ وَلَجَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ .. الحديث.

وقول مسروق بن الأجدع: (حدثتني أم رومان) صريح في سماعه منها، وقد أسلفنا [بيان]

(2)

إدراكها في مناقب الأنبياء في باب قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ} الآية.

قال الواقدي والزبير: توفيت في ذي الحجة سنة ست، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبرها واستغفر لها.

قال أبو عمر: رواية مسروق عنها مرسلة

(3)

. وقال المقدسي: قد روي الحديث عنه عن ابن مسعود عنها وهو الأشبه بالصواب ووقع لإبراهيم الحربي أنه كان يسألها وهو ابن خمس عشرة سنة، ومات مسروق وله ثمان وسبعون سنة. وأم رومان أقدم من كل من حدث (عنهم)

(4)

مسروق، وتعقبه الحافظ أبو بكر الخطيب فقال: كيف خفي هذا عليه وأم رومان ماتت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست في ذي الحجة كما أرخه هو وأبو حسان الزيادي.

(1)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 44 - 45 (2006).

(2)

كلمة غير واضحة في الأصل ولعلها ما أثبتناه.

(3)

"الاستيعاب" 4/ 491.

(4)

في الأصل: عنها. والمثبت ما يقتضيه السياق.

ص: 282

وقال محمد بن سعد: توفي مسروق سنة ثلاث وستين

(1)

، وذكر الفضل بن عمرو أن عمره حين مات ثلاث وستون سنة

(2)

، فيكون له عند وفاة أم رومان ست سنين، انتهى.

ومسروق أيضًا ولد باليمن ولم يقدم المدينة إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إما في خلافة أبي بكر أو بعدها.

وقد روى الإمام أحمد حديث مسروق هذا من طريق علي بن عاصم وأبي جعفر [الرازي]

(3)

، عن حصين، عن أبي وائل، [عن مسروق]

(4)

عن أم رومان

(5)

، ولم يقولا فيه حدثني ولا سمعت، ورواه أبو سعيد الأشج، عن محمد بن فضيل، وقال فيه: عن مسروق قال: سُئلت أم رومان وهي أم عائشة، فذكرت القصة قال المهلب: وهذا أشبه مما رواه البخاري، ولعل التصريح بالسماع جاء فيه عن حصين، فإنه اختلط في آخر عمره.

وقال الداودي: في رواية أبي وائل عن مسروق، عن أم رومان بعض الوهم؛ لأن أم مسطح قرشية، وهي [قد]

(6)

قالت: (بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار). وقد سلف ذلك أيضًا هناك.

وقولها: (فانصرف -تعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا، فأنزل الله عذرها). خلاف قول عائشة: ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى نزلت براءتها.

(1)

"طبقات ابن سعد" 6/ 84.

(2)

رواه عنه الخطيب البغدادي في "تاريخه" 13/ 235.

(3)

في الأصل: الفراوي، والمثبت من "المسند".

(4)

ساقطة من الأصل وأثبتناها من "المسند".

(5)

"مسند أحمد" 6/ 367.

(6)

في الأصل: فقد، والمثبت هو الملائم للسياق.

ص: 283

ثم ذكر البخاري عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها كَانَتْ تَقْرَأُ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} وَتَقُولُ: الوَلْقُ: الكَذِبُ. قال ابن أبي مليكة: وكانت أعلم بذلك من غيرها؛ لأنه نزل فيها

قراءة عائشة من ولق، والولق استمرار اللسان بالكذب ومن قرأ (تلقَّونه) أي: تنقلونه، والولق ساكنة اللام.

ثم ذكر البخاري أيضا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَتْ: لَا تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: اسْتَأذَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي هِجَاءِ المُشْرِكِينَ، قَالَ:"كيْفَ بِنَسَبِي؟ ". فقَالَ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ العَجِينِ.

معنى (ينافح): يذب بلسانه عنه، وأصل النفح الذب وأكثر ما يقال ذلك فيما كان منه عن بعد، وقد يكون النفح أيضًا من رمح الدابة إذا رمحت بحد حافرها.

ثم ذكر أيضا عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْت عَلى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ، وَقَالَ:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ

وَتُصْبحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ.

معنى (يشبب) تقدم ذلك في أول شعره، (حصان) -بفتح الحاء- بينة الحصن، وأصل الإحصان: المنع وينطبق علئ أمور منها: العفة ويقال للعفيفة: محصنة وللمتزوجة كذلك، وقال ثعلب: لا يقال للمتزوجة إلا بالفتح خاصة

(1)

.

وفرس حِصان -بكسر الحاء- وهو الفرس العتيق وقيل هذا أصله واستعمل لكل ذكر من الخيل.

(1)

انظر: "الصحاح" 5/ 2101 مادة (حصن).

ص: 284

ورزان -بفتح الراء أيضًا- وهو (كثيرة الأوصاف المؤنث)

(1)

، وفي الأعلام منها، متثبتة قليلة الخروج من بيتها، وهو ما تمدح به النساء.

وقوله: (لا تزن بريبة) أي: لا تتهم بها، يقال: أزننت الرجل بالشر إذا اتهمته به.

وقوله: (غرثى) أي: خميصة البطن، والغرث: الجوع، رجل غرثان وامرأة غرثى والجمع غراث، يريد أنها لا تغتاب أحدًا، فتكون بمنزلة من تأكل لحومهم فتشبع منها لكنها غرثى جائعة من ذلك، و (لحوم الغوافل) العفيفات. قال تعالى:{الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} النور: 23] جعلهن الله غافلات؛ لأن الذي رمين به من الشر لم يهممن به قط ولا خطر علئ قلوبهن فهن إنما في غفلة عنه وهذا أبلغ ما يكون من الوصف بالعفاف، نبه عليه السهيلي

(2)

.

وقوله: (قال مسروق: فقلت لها: لم تأذنين له أن يدخل عليك، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قالت: وأي عذاب أشد من العمى، فقالت له: إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

أنكر ذلك على مسروق، من قال: إنما تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول، وأما حسان فلم يتول كبره، وإنما كان من الجهلة كذلك ذكر أهل التفسير.

(1)

هكذا في الأصل، ولعل الصواب: يكثر في أوصاف المؤنث، كما في "الروض الأنف" 4/ 23.

(2)

"الروض الأنف" 4/ 23.

ص: 285

فائدة:

قد أسلفنا في الشهادات في الكلام على حديث الإفك أن أم مسطح اسمها سلمى بنت أبي رهم، واسم أبي رُهم أنيس -بفتح الهمزة وكسر النون- بن المطلب بن عبد مناف ذكره الزبير وضبطه ابن ماكولا

(1)

،

ويقال: إنه صخر بن عامر بن سعد بن كعب بن تيم بن مرة.

(1)

"الإكمال" 1/ 112.

ص: 286

‌35 - باب غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} الآية [الفتح: 18].

4147 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَال: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَال:"أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ ". قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: "قَالَ اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ. فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا. فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ، كَافِرٌ بِي"[انظر: 846 - مسلم: 71 - فتح: 7/ 439]

4148 -

حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه أَخْبَرَهُ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، إِلاَّ الَّتِى كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. [انظر: 1778 - مسلم: 1253 - فتح: 7/ 439]

4149 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَة، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ. [انظر: 1821 - مسلم: 1196 - فتح: 7/ 439]

4150 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَال: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهَا، فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ

ص: 287

دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا. [انظر: 3577 - فتح: 7/ 441]

4151 -

حَدَّثَنِي فَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَنَزَلُوا عَلَى بِئْرٍ فَنَزَحُوهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى الْبِئْرَ، وَقَعَدَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ قَالَ "ائْتُونِي بِدَلْوٍ مِنْ مَائِهَا". فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ فَدَعَا، ثُمَّ قَالَ:"دَعُوهَا سَاعَةً". فَأَرْوَوْا أَنْفُسَهُمْ وَرِكَابَهُمْ حَتَّى ارْتَحَلُوا. [انظر: 3577 - فتح: 7/ 441]

4152 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِم، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا لَكُمْ؟ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ بِهِ، وَلَا نَشْرَبُ إِلاَّ مَا فِي رَكْوَتِكَ. قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، قَالَ: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. فَقُلْتُ لِجَابِر: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذ؟ قَال: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. [انظر: 3576 - مسلم: 1856 - فتح: 7/ 441]

4153 -

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَقُول: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. فَقَالَ لِي سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ: كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً الَّذِينَ بَايَعُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. [انظر:3576 - مسلم: 1856 - فتح: 7/ 443]

قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ قَتَادَةَ. تَّابَعَهُ مُحَمَّد بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.

4154 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَان: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضي

ص: 288

الله عنهما - قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: "أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ". وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ. تَابَعَهُ الأَعْمَشُ، سَمِعَ سَالِمًا، سَمِعَ جَابِرًا: أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. [انظر: 3576 - مسلم: 1856 - فتح: 7/ 443]

4155 -

وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما: كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ الْمُهَاجِرِينَ. [مسلم: 1857 - فتح: 7/ 443]

4156 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مِرْدَاسًا الأَسْلَمِيَّ يَقُولُ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ-: يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا. [6434 - فتح: 7/ 444]

4157 و 4158 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِى الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا. لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ حَتَّى سَمِعْتُهُ يَقُول: لَا أَحْفَظُ مِنَ الزُّهْرِيِّ الإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ، فَلَا أَدْرِي يَعْنِي: مَوْضِعَ الإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ، أَوِ الْحَدِيثَ كُلَّهُ. [انظر: 169، 694 - فتح: 7/ 444]

4159 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ:"أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ". قَالَ نَعَمْ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْلِقَ وَهْوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. [انظر: 1814 - مسلم: 1201 - فتح: 7/ 444]

ص: 289

4160 و 4161 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَال: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ، وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَال: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَكْثَرْتَ لَهَا. قَالَ عُمَر: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا، فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. [فتح: 7/ 445]

4162 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَال: لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ، ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا. قَالَ مَحْمُودٌ: ثُمَّ أُنْسِيتُهَا بَعْدُ. [4163، 4164، 4165، - مسلم:1859 - فتح:7/ 447]

4163 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ قُلْتُ: مَا هَذَا الْمَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ، حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ. فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُه، فَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا. فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ، فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ. [انظر: 4162 - مسلم: 1859 - فتح: 7/ 447]

4164 -

حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا طَارِقٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيه: أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَرَجَعْنَا إِلَيْهَا الْعَامَ الْمُقْبِلَ فَعَمِيَتْ عَلَيْنَا. [انظر: 4162 - مسلم: 1859 - فتح: 7/ 447]

ص: 290

4165 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ طَارِقٍ قَالَ: ذُكِرَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الشَّجَرَةُ، فَضَحِكَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي وَكَانَ شَهِدَهَا. [انظر: 4162 - مسلم: 1859 - فتح: 7/ 447]

4166 -

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ". فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِه، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى". [انظر: 1497 - مسلم: 1078 - فتح: 7/ 448]

4167 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحَرَّةِ وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، فَقَالَ ابْنُ زَيْد: عَلَى مَا يُبَايِعُ ابْنُ حَنْظَلَةَ النَّاسَ؟ قِيلَ لَهُ: عَلَى الْمَوْتِ. قَالَ لَا أُبَايِعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَكَانَ شَهِدَ مَعَهُ الْحُدَيْبِيَةَ. [انظر: 2959 - مسلم: 1861 - فتح: 7/ 448]

4168 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ، وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ فِيهِ. [مسلم: 860 - فتح: 7/ 449]

4169 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: عَلَى أَىِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. [انظر: 2960 - مسلم: 1860 - فتح: 7/ 449]

4170 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما فَقُلْتُ: طُوبَى لَكَ، صَحِبْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ لَا تَدْرِى مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ. [فتح: 7/ 449]

ص: 291

4171 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ -هُوَ ابْنُ سَلاَّمٍ- عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ. [انظر: 1363 - مسلم: 110 - فتح: 7/ 449]

4172 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} [الفتح: 1] قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ. قَالَ أَصْحَابُهُ: هَنِيئًا مَرِيئًا، فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّه:{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} [الفتح: 5] قَالَ شُعْبَةُ: فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا كُلِّهِ عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: أَمَّا: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} [الفتح:1] فَعَنْ أَنَسٍ، وَأَمَّا: هَنِيئًا، مَرِيئًا، فَعَنْ عِكْرِمَةَ. [4834 - فتح: 7/ 450]

4173 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ- قَالَ: إِنِّي لأُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ بِلُحُومِ الْحُمُرِ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ. [فتح:7/ 451]

4174 -

وَعَنْ مَجْزَأَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ اسْمُهُ أُهْبَانُ بْنُ أَوْسٍ، وَكَانَ اشْتَكَى رُكْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا سَجَدَ جَعَلَ تَحْتَ رُكْبَتِهِ وِسَادَةً. [فتح: 7/ 451]

4175 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ أُتُوا بِسَوِيقٍ فَلَاكُوهُ. تَابَعَهُ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ. [انظر: 209 - فتح: 7/ 451]

4176 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنه، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ: هَلْ يُنْقَضُ الْوِتْر؟ قَالَ: إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِهِ فَلَا تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ. [فتح: 7/ 451]

ص: 292

4177 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلاً، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ، نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ. قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِىَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي - قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِىَّ قُرْآنٌ. وَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:"لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"، ثُمَّ قَرَأَ:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} . [الفتح:1] ". [4833، 5012 - فتح: 7/ 452]

4178 و 4179 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ، حَفِظْتُ بَعْضَهُ، وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِه- قَالا: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ، وَسَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ، أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ. فَقَالَ:"أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ، فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ عز وجل قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِلاَّ تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ؟ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ، لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ، فَتَوَجَّهْ لَهُ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ. قَالَ:"امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ". [انظر: 1694، 1695 - فتح: 7/ 453]

4180 و 4181 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَة، فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَمَّا

ص: 293

كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ، وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. وَأَبَي سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ عَلَى ذَلِكَ، فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامَّعَضُوا، فَتَكَلَّمُوا فِيهِ، فَلَمَّا أَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ عَلَى ذَلِكَ، كَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتِ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ. [انظر: 1695، 1694 - فتح: 7/ 453]

4182 -

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة:12]. وَعَنْ عَمِّهِ قَالَ: بَلَغَنَا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرُدَّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا [عَلَى] مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ. فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ. [انظر: 2713 - مسلم: 1866 - فتح: 7/ 554]

4183 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَة، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ، فَقَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. [انظر: 1639 - مسلم:1230 - فتح:7/ 555]

4184 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَهَلَّ وَقَالَ: إِنْ حِيلَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ. وَتَلَا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. [انظر:1639 - مسلم:1230 - فتح: 7/ 555]

ص: 294

4185 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ.

وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: لَوْ أَقَمْتَ الْعَامَ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا تَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ. قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَدَايَاهُ وَحَلَقَ، وَقَصَّرَ أَصْحَابُهُ، وَقَالَ:"أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً". فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ، وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: مَا أُرَى شَأْنَهُمَا إِلاَّ وَاحِدًا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي. فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا، حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. [انظر: 1639 - مسلم:1230 - فتح: 7/ 455]

4186 -

حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ عُمَرُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَأْتِي بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَعُمَرُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْفَرَسِ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ، وَعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ - قَالَ: فَانْطَلَقَ فَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهِىَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ. [انظر: 3916 - فتح: 7/ 555]

4187 -

وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، تَفَرَّقُوا فِي ظِلَالِ الشَّجَرِ، فَإِذَا النَّاسُ مُحْدِقُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، انْظُرْ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَدْ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ، فَبَايَعَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عُمَرَ، فَخَرَجَ فَبَايَعَ. [انظر: 3916 - فتح: 7/ 456]

4188 -

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ اعْتَمَرَ فَطَافَ فَطُفْنَا

ص: 295

مَعَهُ، وَصَلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ؛ لَا يُصِيبُهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ. [انظر: 160 - فتح: 7/ 457]

4189 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ، فَقَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هَذَا الأَمْرِ، مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلاَّ انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ. [انظر: 3181 - مسلم: 1785 - فتح: 7/ 457]

4190 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ:"أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً". قَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِى بِأَىِّ هَذَا بَدَأَ. [انظر: 1814 - مسلم: 1201 - فتح: 7/ 457]

4191 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، وَقَدْ حَصَرَنَا الْمُشْرِكُونَ قَالَ: وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ، فَجَعَلَتِ الْهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196].

وبايعوا على ألا يفروا، وسيأتي أنهم بايعوه على الموت، وكانت الشجرة سمرة، {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الإخلاص {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [الفتح:18]، أي: الصبر والوقار كما (أفاده)

(1)

قتادة،

(1)

ورد بهامش الأصل ما نصه: لعله: قاله.

ص: 296

{وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} ، أي: خيبر، كما قاله قتادة أيضًا

(1)

، وقد أسلفنا في الحج أن الحديبية مخففة الياء، وأنكر أهل اللغة تثقيلها، وجعله صاحب التنظير بحثًا، ونقله الخطابي عن أهل الحديث فيه وفي الجِعرانة أن أهل العربية يخففونها، وقال البكري: أهل العراق يثقلون بخلاف أهل الحجاز

(2)

.

وهل هي في الحل والحرم، أو بعضها في الحل وبعضها في الحرم؟ فيه خلاف سبق أيضًا، ويفسر فائدة الخلاف أن هدي الإحصار لا يكون إلا في الحرم عند مالك، خلافًا للشافعي، فإنه قال: هذا محصر

(3)

.

وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئرٍ هناك عند مسجد الشجرة، بينها بين المدينة تسع مراحل، ومرحلة إلى مكة، وكانت مغازيه صلى الله عليه وسلم في الحل ومصلاه في الحرم، وكانت في هلال ذي القعدة يوم الإثنين سنة ست، ركب النبي صلى الله عليه وسلم ناقته القصواء بعد اغتساله، قال البيهقي: وهذا هو الصحيح أنها سنة ست. وإليه ذهب الزهري وقتادة وابن عقبة وابن إسحاق وغيرهم، واختلف فيه على عروة، فقيل مثل الجماعة، وقيل في رمضان، فروي عنه: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، وكانت العمرة في شوال

(4)

.

قال ابن سعد: ولم يخرج معه بسلاح إلا السيوف في القرب

(5)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 350 (31529)، (31531).

(2)

"معجم ما استعجم" 1/ 384.

(3)

"الأم" 2/ 135.

(4)

"دلائل النبوة" 4/ 191 - 92.

(5)

"الطبقات الكبرى" 2/ 95.

ص: 297

وساق سبعين بدنة فيها جمل أبي جهل الذي غنمه يوم بدر ومعه من المسلمين ألف وستمائة، ويقال: ألف وأربعمائة، ويقال: ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون رجلاً ومعه أم سلمة.

قال الحاكم: والقلب أميل إلى رواية من روى: ألف وخمسمائة؛ لاشتهاره ولمتابعة المسيب بن حزن له فيه، فلعل الأخذ به أولى لاشتهاره وروايته عن جماعة، قال: ورواية موسى بن عقبة: كانوا ألفًا وستمائة لم يتابع عليها.

قلت: قاله أبو معشر وأبو سعيد النيسابوري، قال: وروي عن عبد الله بن أبي أوفى: كانوا ألفًا وثلاثمائة. وستأتي هذِه في البخاري مع رواية البراء أنهم كانوا ألفًا وأربعمائة، ومع إحدى روايتي جابر

(1)

، كذلك تابعهما سلمة بن الأكوع ومعقل بن يسار

(2)

، وصححه البيهقي

(3)

، وسعيد بن المسيب زعم أن جابرًا حدثه بالخمسمائة

(4)

، ثم نسيه جابر، وجمع ابن دحية بين اختلاف الروايات أن ذلك من باب الحزر والتخمين لا التحديد، ويجوز أن يكون بعضهم ضم إليهم النساء وبعضهم حذف.

وقد قالوا: إن ابن أبي أوفى هو الذي حقق عدتهم بقوله: (وكانت أسلم ثمن المهاجرين) وثلاثة عشرة مائة من المستحبات أن يكون في لقاء

(1)

رواية ابن أبي أوفى ستأتي في الباب برقم (4155)، ورواية البراء برقم (4151)، ورواية جابر برقم (4153).

(2)

رواية سلمة رواها مسلم برقم (1807) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة ذي قرد وغيرها، ورواية معقل بن يسار أيضًا برقم (1858) كتاب: الإمارة، باب: استحباب مبايعة الإمام ..

(3)

"دلائل النبوة" 4/ 98.

(4)

سيأتي في الباب برقم (4153).

ص: 298

العدو، وكذا قوله:{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)} ثلاثة عشر حرفًا {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)} مثله [العاديات: 2 - 2] مثله {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)} [العاديات: 1 - 3] مثله، فمراعاة هذا العدد إنما في السرايا من حيث التفاؤل مطلوب؛ لأنه جزاؤهم لا يقبل التكثير، وقد كانت الصحابة يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.

فصل:

ذكر ابن سعد بعد الإفك غزوة ذي قرد، ثم سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر -غمر مرزوق- وهو ماء لبني أسد، فكانت في ربيع الأول سنة ست، ثم سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة بفتح القاف والصاد المهملة في ربيع الَاخر منها

(1)

، ثم سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في الشهر المذكور، ثم سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم بفتح الجيم: ناحية بطن نخل عن يسارها فيه أيضًا، ثم سرية زيد أيضا إلى العيص، بينها وبين المدينة أربع ليال في جمادى الأولى منها، ثم سرية زيد أيضًا إلى الطرف: ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة، ثم سريته أيضًا إلى حسمى، وهي وراء وادي القرى في جمادى الآخرة، ثم سريته أيضًا إلى وادي القرى في رجب منها، ثم سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان منها.

وذكر ابن إسحاق سرية لزيد إلى مدين

(2)

. وذكر ابن سعد بعد سرية عبد الرحمن سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر منها. ثم قال: وسرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة بوادي القرى في رمضان منها، ثم سرية

(1)

ورد بهامش الأصل: وفي سرية أبي الفتح العمري مهملة ومعجمة ولم أره لغيره، والذي ذكره غير واحد فيها الإهمال، والله أعلم.

(2)

"سيرة ابن هشام" 4/ 312.

ص: 299

عبد الله بن رواحة إلى أسير بن (رزام)

(1)

اليهودي، ثم سرية (سلمة بن)

(2)

عمرو الضمري، وسلمة بن حريس. وعند ابن إسحاق: بدل سلمة بن حريس جبار بن صخر إلى أبي سفيان بن حرب بمكة

(3)

ثم ذكر غزوة الحدييبة

(4)

.

فصل:

ذكر البخاري في الباب أحاديث نحو الثلاثين:

أحدها:

حديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ .. الحديث، سلف في الصلاة والاستسقاء

(5)

.

وقد أسلفنا هناك أن من اعتقد أن النوء هو الفاعل للمطر فقد كفر، ومن اعتقد ذلك دالاً عليه فلا بأس به، وقال بعض المالكية: هو مخطئ إن اعتقد ذلك، وقال بعضهم: من قاله يخبر به بما جرى من الأزمنة فلا يدخله ما في الحديث، وقد أسلفنا عن عمر رضي الله عنه أنه سأل عن نوء الثريا فراجعه.

(1)

هكذا في الأصل، وفي "طبقات ابن سعد": زارم.

(2)

زيادة في الأصل والصواب حذفها.

(3)

قال ابن هشام: ومما لم يذكره ابن إسحاق من بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه بعث عمرو بن أمية الضّمري، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه إلى مكة، وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب وبعث معه جبار بن صخر الأنصاري فخرجا حتى قدما مكة، إلخ القصة. "سيرة ابن هشام" 4/ 310.

(4)

"الطبقات الكبرى" 2/ 80 - 95.

(5)

سلف في الصلاة برقم (846) كتاب: الأذان، باب: يستقبل الإمام الناس إذا سلم، وفي الاستسقاء برقم (1038) باب: قول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} [الواقعة: 82][الواقعة: 82].

ص: 300

الحديث الثاني:

حديث أنس في عُمَرِهِ صلى الله عليه وسلم وقد سلف في الحج، وعدَّه منها عمرة مع حجته على قول من لم ير أنه أحرم مفردًا، ثم أدخلها عليه.

الحديث الثالث:

حديث أَبِي قَتَادَةَ: انْطَلَقْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ .. سلف، وإنما لم يحرم؛ لأنه أُرسل كاشفًا لطريق الساحل ولم يقصد الإحرام، ويجوز أن المواقيت لم توقت يومئذ.

الحديث الرابع:

حديث أَبِي إِسْحَاق، عَنِ البَرَاءِ، قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الفَتْحَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلى شَفِيرِهَا، ثمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضمَضَ وَدَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا.

الشرح:

قوله: (تعدون الفتح) إلى آخره، قاله أنس وكعب أيضًا.

قال مجاهد: {فَتَحْنَا لَكَ} قضينا لك قضاءً بينًا

(1)

، واستحسنه بعضهم؛ لأن فتح الحديبية قضاء من قضاء الله، وهداية من هدايته، هدى بها من شاء، وعن ابن عباس: ما كنت أدري معنى {إِنَّا فَتَحْنَا

(1)

أورده السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 59 وعزاه إلى: عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

ص: 301

لَكَ} حتى قالت ابنة مشرح: فتح الله بينك وبينه

(1)

.

قوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} وقوله: (فَنَزَحْنَاهَا) كذا في الأصول، وذكره ابن التين بلفظ: فنزفناها، ثم قال النزح والنزف واحد: وهو أخذ الماء شيئًا بعد شيء، ثم قال: وقوله: (فَنَزَحْنَاهَا) -أي: في الحديث الآتي بعد- لم يبق فيها ماء، يقال: نزحت البئر، فنزحت لازم ومتعدٍ، وفيه علم من أعلام نبوته في كثرة الماء.

الحديث الخامس:

حديث البراء أيضا مثله. وأَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَنَزَلُوا عَلى بِئْرٍ فَنَزَحُوهَا، وفيه: أنه بصق، وهو بالصاد وبالسين وبالزاي أيضًا بمعنى.

الحديث السادس:

حديث سَالِم، عَنْ جَابِرٍ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، فتَوَضَّأَ مِنْهَا، الحديث، وفيه: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ إِلَّا مَا فِي رَكْوَتِكَ. فجعل يَدَهُ فيها، فَجَعَلَ المَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ، قَالَ: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قلت: لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.

الركْوَة -بكسر الراء وفتحها- وحكى ابن دحية تثليثها: جلد مستجف كالإناء ومعنى (يَفُورُ): ينبع، وأصل الفور الغليان، يقال: فارت القدر إذا غلت.

وفي هذِه الرواية أنهم كانوا ألفًا وخمسمائة.

ثم ذكر بعده عن يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قتَادَةَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ

(1)

كذا في الأصل وفي "معاني القرآن" للنحاس 6/ 494 فتح الله بيني وبينك.

ص: 302

المُسَيبِ: بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرًا كَانَ يَقُولُ: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. فَقَالَ لِي سَعِيد: حَدَّثَنِي جَابِر: أنهم كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةًا لذِينَ بَايَعُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ.

تابعه أَبُو دَاوُدَ: ثنَا قُرَّةُ، عَنْ قَتَادَةَ.

ثم ساق عن سفْيَان: عن عَمْرو، عن جَابِرٍ قَالَ: قَالَ لنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: "أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ". وَكنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ اليَوْمَ لأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ. تَابَعَهُ الأَعْمَشُ، سَمِعَ سَالِمًا، سَمِعَ جَابِرًا: أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ.

ثم ساق معلقًا عن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قال: كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ المُهَاجِرِينَ.

تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، ثنَا شعْبَةُ. أي عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي أوفى

(1)

.

فالحاصل ثلاث روايات: ألف وخمسمائة وأربعمائة وثلاثمائة، وقد أسلفناها بزيادة، وكلام الحاكم أن القلب أميل إلى الأولى، وادعى ابن التين أن الأظهر الثاني، وهو الذي ذكره الشيخ أبو محمد.

ومتابعة أبي داود

(2)

أخرجها مسلم عن محمد بن مثنى وعبيد الله

(1)

كذا بالأصل والمتابعة في بعض نسخ البخاري المطبوعة خاصة بحديث جابر، وتكررت في الحديثين في بعض النسخ كما في المتن المطبوع مع "الفتح"، والصواب موضعها هنا كما ذكر الحافظ في "الفتح " 7/ 444 أن الإسماعيلي وصل هذِه الرواية، وهذا الطريق في "صحيح مسلم"(1857) كما سيذكر المصنف هنا.

(2)

ورد بهامش الأصل: متابعة أبي داود ينبغي أن تذكر بعد حديث ابن أبي أوفي لا بعد حديث جابر، وكذا هي في أصل الدمياطي، وكذا ينبغي أن تذكر وفي أصلنا الدمشقي أنها بعد حديث جابر. فيه نظر، والله أعلم.

ص: 303

عنه

(1)

، قال أبو مسعود الدمشقي: حديث أبي داود مشهور عنه، وأما حديث سعيد هو ابن أبي عروبة، قال العباس بن الوليد: رواه عن يزيد بن زريع رواه كما ذكرنا، وقال فيه: نسي جابر كانوا خمس عشرة مائة ولم يقل فيه هو حدثني، وكذلك رواه أبو موسى وبندار عن ابن أبي عدي، عن سعيد كرواية العباس، وكذلك رواه غندر، عن سعيد، ورواه معاذ عن قرة كرواية أبي داود. ورواه سعيد بن الربيع بآخره، ذكره البيهقي في "دلائله"

(2)

.

ومتابعة الأعمش أسندها البخاري في آخر الأشربة عن قتيبة، ثنا جرير، عن الأعمش به

(3)

، وأخرجها مسلم عن عثمان وإسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن الأعمش به

(4)

.

والتعليق الذي ذكره عن عبيد الله بن معاذ أخرجه مسلم عنه به

(5)

.

وقوله: (كَانَ أَسْلَمُ ثُمْنَ المُهَاجِرِينَ) لعله علم عدة المهاجرين حمل على عدتهم مثل مثليهما فتعود بمثلها فتكون أسلم يومئذ ثمن المهاجرين.

وقول جابر: (لَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ اليَوْمَ لأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ.).

وقول سعيد فيما يأتي: (فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها)، فقد يكون جابر أعلم الموضع وحرص على حفظه ولم

(1)

مسلم (1857) كتاب: الإمارة، باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش

، وفيه: عن عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا شعبة به.

(2)

"دلائل النبوة" 4/ 97.

(3)

ستأتي برقم (5639) باب: شرب البركة والماء المبارك.

(4)

مسلم (1856/ 74) كتاب: الإمارة، باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش

(5)

مسلم (1857) كتاب: الإمارة، باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش

ص: 304

يعلمه سعيد، ولا يرد قول من نسي قول من حفظ.

وقوله: (قال صلى الله عليه وسلم لنا يوم الحديبية: "أنتم خير أهل الأرض"). فيه: منقبة ظاهرة لهم، وادعى الداودي أنه لم يرد دخول نعمة فيستدل به على أن الخضر ليس بنبي وأن إلياس ليس بنبي! وليس كما ادعاه، فإن القرآن نطق بأن إلياس من المرسلين عوضًا عن كونه نبيًا.

وكان معه علي، وبايع لعثمان بيده فكان في جملتهم، فلا يوجد فيه تفضيل علي عليه.

الحديت السابع:

بعد تعداد حديث جابر وابن أبي أوفى حديث قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مِرْدَاسًا الأَسْلَمِيَّ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- يقول: يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِمْ شَيْئًا.

(قيس) هو ابن أبي حازم، و (مرداس) هو ابن مالك الأسلمي، كوفي ليس له غير هذا الحديث ولم يروه عنه غير قيس.

انفرد به البخاري عن الخمسة، وفي الصحابة مرداس جماعات غيره نحو العشرة والحفالة: الرديء من كل شيء.

وفي غير البخاري، حثالة كحثالة بالثاء المثلثة وهي أشهر كما قال الخطابي

(1)

، والجماعة على أنهما بمعنى ليس أحدهما مبدى على الأخر ولا أشهر منه، قيل: الحفاء والحثاء يتعاقبان، ومعنى (لا يعبأ الله بهم): لا يباليهم، أي: ليس لهم عنده منزلة، وهذا الحديث ساقه لأجل أن مرداسًا من أصحاب الشجرة.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1729.

ص: 305

الحديث الثامن:

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَا: خَرَجَ صلى الله عليه وسلم عامَ الحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَة مِنْ أَصحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا. لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ حَتَّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَا أَحْفَظُ مِنَ الزُّهْرِيِّ الإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ، فَلَا أَدْرِي يَعْنِي: مَوْضِعَ الإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ، أَوِ الحَدِيثَ كُلَّهُ.

ادعى الداودي أن سفيان بين بقوله: وأفهمني معمر بعضه. أنه إنما يعني موضعهما، زاد ابن التين أن الذي في الأصل عن سفيان، سمعت الزهري حين حدث هذا الحديث حفظت بعضه، وحدثني معمر، عن عروة، والذي في الأصل ما سقته لك بإسناده، وقد سلف الكلام على الإشعار والتقليد واضحًا في الحج فراجعه، وفي إحرامه صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة؛ لأنه ميقاته.

وقول علي رضي الله عنه: تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك. تأول على من كان منزله دون الميقات.

وحديث كعب بن عجرة سلف في الحج

(1)

.

الحديت التاسع:

حديث زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه أمْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، والله مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا،

(1)

سلف برقم (1814) كتاب: المحصر، باب: قول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} .

ص: 306

وَلَا لَهُمْ زَرْع وَلَا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا ابنة خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الحُدَيْبِيَةَ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَب قَرِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ علَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللهُ بِخَيْرٍ.

فَقَالَ رَجُل: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَكْثَرْتَ لَهَا. قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، والله إِنِّي لأَرى أَبَا هذِه وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ.

الشرح:

قولها: (ما ينضجون كراعًا) تريد: أنهم لو حاولوا طبخ كراع ما قدروا لصغرهم، وقال الخطابي: تريد أنهم لا يكفون أنفسهم خدمة ما يأكلونه

(1)

، والكراع من الدواب ما دون الكعب، ومن الإنسان ما دون الركبة، و (الضرع) الشاة وغيرها، تريد ليس لهم [ما]

(2)

يحلبون.

و (الضبع) من أسماء السنة الشديدة المجدبة، قال الداودي: سميت بذلك؛ لأنه يكثر الموتى حتى لا يقبر أحدهم فتأكله الضبع وغيرها. وفيه نظر.

والزرع كل ما زرع من الحب بر أو شعير أو غيرهما من زراع البقول، ضرب بالزرع المثل، أي: ليس لهم نبات.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1730 - 1731.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 307

وقوله: (مرحبًا بنسب قريب) يريد: أتيت سعة ورحبًا، ويحتمل أن يريد بالنسب القريب غفار أو يريد قربها من أبيها، وفيه إكبار عمر رضي الله عنه لأبناء السابقين الأولين.

والظهير: هو البعير القوي الظهر، الشديد على الراحلة.

قال الجوهري: بعير ظهير بيِّن الظهارة إذا كان قويًّا، وناقة ظهيرة، والبعير الظهري: المعد للحاجة إن احتيج إليه

(1)

.

والخطام: الحبل الذي يقاد به سمي بذلك؛ لأنه يقع على الخطم الذي هو الأنف.

قوله: (ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ) أي: نسترجع وهي من الفيء، سمي فيئًا؛ لأنه مال استرجعه المسلمون من يد الكفار، ومنه:{يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ} [النحل: 48]، أي: يرجع على كل شيء من جوانبه، ومنه:{فَإِنْ فَاءُوا} البقرة: 226] أي: رجعوا، وضبط في رواية بالقاف

(2)

، أفاده ابن التين.

فائدة:

خفاف بن إيماء: هو ابن رحضة بن خربة بن خلاف بن الحارث بن غفار أخي ثعلبة ابني مليل بن ضمرة أخي ليث، والمليل وعريج أولاد بكر بن عبد مناة بن كنانة، وقيل: خربة بن حراق بن حارثة بن غفار، (وإليه نسبت بني)

(3)

غفار، كان إمام بني غفار وخطيبهم شهد الحديبية، ومات في خلافة عمر رضي الله عنه بالمدينة.

(1)

"الصحاح" 2/ 731 مادة (ظهر).

(2)

ورد بهامش الأصل ما نصه: ذكر هذِه الرواية ابن قرقول في "مطالعه" عن

القابسي، ثم قال: وهو وهم. انتهى.

(3)

هكذا قرئت كما في الأصل.

ص: 308

قال أبو عمر: ويقال: لخفاف وأبيه وجده صحبة وكانوا ينزلون غيقة من بلاد بني غفار ويأتون المدينة كثيرًا

(1)

. وقال ابن الكلبي: خفاف بن إيماء أحد المعذرين من الأعراب.

وقال الواقدي: كان فيمن جاء من الأعراب من بني غفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد تبوك يعتذرون إليه في التخلف عنه، فلم يعذرهم الله

(2)

.

وقد روى مسلم لخفاف دون البخاري حديث "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله" الحديث

(3)

.

وروى عنه ابنه الحارث وغيره، أخرجه مسلم في الصلاة والفضائل

(4)

.

وقوله: (إني لأرى أبا هذِه) يعني: خفافًا. وأخاها يعني: أحد ابنيه: الحارث أو مخلد ابني خفاف.

والحارث روى عن أبيه كما ذكرنا وعنه خالد المدلجي فقط، أخرج له مسلم كما ذكرناه، ومخلد بن خفاف روى عن عروة وعنه ابن أبي ذئب حديث "الخراج بالضمان"

(5)

، أخرج له الأربعة. أما مخلد الغفاري، فقال البخاري: له صحبة

(6)

، وقال أبو حاتم: لا

(7)

. رآه عمرو بن

(1)

"الاستيعاب" 2/ 32 - 33.

(2)

"مغازي الواقدي" ص 996.

(3)

مسلم برقم (679) كتاب: المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة

(4)

مسلم في الثلاثة برقم (679)، وفي الفضائل برقم (2517) باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ..

(5)

رواه أبو داود (3508)، والترمذي (1285)، والنسائي 7/ 254 - 255، وابن ماجه (2242).

(6)

ورد بهامش الأصل: تجاه هذا المكان بخط شيخنا المؤلف في الهامش، ووهم بعضهم فقال: إن جماعة ذكروه في الصحابة.

(7)

انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 346، "الاستيعاب" 4/ 29، "أسد الغابة" 5/ 127.

ص: 309

دينار، وادعى بعض الشراح أنه كأنه يريد مخلدًا لذكره عند جماعة في الصحابة

(1)

، والله أعلم. والظاهر وهمه.

الحديث العاشر:

حديث سعيد بن المسيِّب، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ، ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا. قَالَ مَحْمُودٌ: ثُمَّ أُنْسِيتُهَا بَعْدُ. وقد سلف.

وكذا الحديث الحادي عشر، حديث طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ، قُلْتُ: مَا هذا المَسْجِدُ؟ قَالُوا: هذِه الشَّجَرَةُ، حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ. فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسيِّبِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ نَسِينَاهَا، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا. فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ، فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ.

وعن طَارِقٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ (تَحْتَ)

(2)

الشَّجَرَةِ، فَرَجَعْنَا إِلَيْهَا العَامَ المُقْبِلَ فَعَمِيَتْ عَلَيْنَا.

وعن طارق قَالَ: ذُكِرَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ الشَّجَرَةُ، فَضَحِكَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، وَكَانَ قد شَهِدَهَا.

الحديث التاني عشر:

حديث عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفى -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ " .. الحديث.

(1)

أورده ابن أبي عاصم في الصحابة، انظر:"الآحاد والمثاني" 2/ 256، "أسد الغابة" 5/ 127.

(2)

ساقطة من الأصل، والمثبت من "الصحيح".

ص: 310

قد سلف في الزكاة وفيه جواز الصلاة على غير الأنبياء تبعا وكما في الآل، وعن مالك لا يصلى على غير الأنبياء، وفيه الشكر على فعل الفريضة والتغبيط بفعل الخير.

وفيه: أنه يقال آل فلان يريد فلانًا وآله، والآل: أوسع من الأهل، وقيل: هما واحد، وذكر بعض النحويين أنه لا يقال آل فلان إلا لمعظَّم، ولا يقال لحقير.

الحديث الثالث عشر:

حديث عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الحَرَّةِ وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، فَقَالَ ابن زَيْدٍ: عَلَى مَا يُبَايعُ ابن حَنْظَلَةَ النَّاس؟ قِيلَ لَهُ: عَلَى المَوْتِ. قَالَ: لَا أُبَايعُ عَلى ذَلِكَ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَكَانَ شَهِدَ مَعَهُ الحُدَيْبِيَةَ.

ابن زيد هذا هو أبو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري النجاري المازني صاحب الوضوء الذي قتل مسيلمة

(1)

، وقتل يوم الحرة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، له ولأبويه صحبة ولأخيه حبيب الذي قطعه مسيلمة.

وغلط ابن عيينة فقال: هو الذي أري الأذان، والمبايعة على الموت، كذا وقعت هنا، وقيل: المبايعة على ألا يفروا، ويحتمل كما قال الداودي على ألا يفروا حتى يموتوا، فسقط ذلك من بعض الرواة، ويحتمل أن يرويه بعضهم على التأويل، وأنه إذا لم يفر مات.

وقد سلف في الجهاد أيضًا في باب: البيعة في الحرب أن لا يفروا.

(1)

ورد بهامش الأصل: بل شارك في قتله.

ص: 311

الحديث الرابع عشر:

حديث إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ به. هذا الحديث أسلفته في بابه مع تأويله.

الحديث الخامس عشر:

حديث يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يوْمَ الحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى المَوْتِ.

قد سلف الكلام عليه أيضًا مع تأويل ما قد يعارضه.

الحديث السادس عشر:

حديث العَلَاءِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقِيتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَقُلْتُ: طُوبَى لَكَ، صَحِبْتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. فَقَالَ: يَا ابن أَخِي، إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ.

(طوبى لك) مثل هنيئًا لك، قيل: إن طوبى شجرة في الجنة، أو الجنة، أو خير لهم، أو فعلى من الطيب، أي: طيب العيش لهم، أو طوبى للخير وأقصى الأمنية. وفيه فضل ظاهر للبراء، والتحرز مما قد يحدثه الشخص.

الحديث السابع عشر:

حديث مُعَاوِيَةَ -هُوَ ابن سَلَّامٍ- عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَايَعَ النّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تحْتَ الشَّجَرَةِ.

هو أيضًا من الفضائل كونه بايع تحتها، و (يحيى) هو ابن أبي كثير. قال الجياني: كذا جاء في رواية الفربري. وكذلك قال فيه النسفي، عن يحيى، عن أبي قلابة وفي رواية ابن السكن، عن معاوية، عن زيد بن

ص: 312

سلام، عن أبي قلابة جعل زيدًا بدل يحيى، ولم يتابعه أحد على ذلك، على أن الدارقطني قد ذكر زيد بن سلام فيمن خرج له البخاري في "الصحيح" والله أعلم.

وقد أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن معاوية، عن يحيى، عن أبي قلابة، رواه الجماعة عن البخاري وهو المحفوظ

(1)

.

الحديث الثامن عشر:

قَتَادَةَ، عَنْ أنسِ رضي الله عنه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} [الفتح: 1] قَالَ: الحُدَيْبِيَةُ. قَالَ أَصْحَابُهُ: هَنِيئًا مَرِيئًا، فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ:{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} [الفتح: 5] قَالَ شُعْبَةُ: فَقَدِمْتُ الكُوفَةَ فَحَدَّثْتُ بهذا كُلَهِ عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: أَمَّا: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} فَعَنْ أَنَسٍ، وَأمَا: هَنِيئًا مَرِيئًا، فَعَنْ عِكْرِمَةَ.

قيل: (هنيئًا) لا إثم فيه، (مريئًا) لا داء فيه، ويقال: هنأني الطعام ومرأني، فإذا لم تذكر هنأني قلت: أمرأني بالألف أي: انهضم، هذا قول أبي عبيد الهروي، وقال ابن فارس: يقال: مرأني الطعام وأمرأني

(2)

. وذكره الهروي عن ابن الأعرابي، قال: ولا يقال مرني.

الحديث التاسع عشر:

حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنَا أَبُو عَامِرٍ، ثنَا إِسْرَائيلُ، عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ

زَاهِرٍ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ- قَالَ: إِنِّي لأُوقِدُ

تَحْتَ القِدْرِ بِلُحُومِ الحُمُرِ، إِذْ نَادى مُنَادِي رَسُولِ- اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رَسُولَ

اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ.

(1)

"تقييد المهمل" 2/ 675 - 676.

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 828 مادة (مري).

ص: 313

وَعَنْ مَجْزَأَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ يقال له أُهْبَانُ بْنُ أَوْسٍ، وَكَانَ اشْتَكَى رُكْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا سَجَدَ جَعَلَ تَحْتَ رُكْبَتِهِ وِسَادَةً.

كذا هذا الحديث في الأصول كما سقته لك، وفي بعضها بإسقاط إسرائيل، وقال فيه: ثنا أبو عامر، ثنا مجزأة، عن أبيه، وقيل: إنه رواية سائر الرواة عن الفربري، وفي رواية ابن السكن بعد عبد الله، ثنا عثمان بن عمر، ثنا إسرائيل، ثنا مجزأة، جعل مكان أبي عامر عثمان.

وأبو عامر هو العقدي واسمه عبد الملك بن عمرو، وفي نسخة أبي زيد مجزأة بن زاهر، عن أنس، والصواب عن أبيه، وذكر أنس فيه ليس بشيء. والحديث محفوظ لزاهرة أبي مجزأة، وقد أسلفنا الخلاف في لحوم الحمر الأهلية، وضعفنا ما جاء في حلها.

قال الداودي: والنهي عنها إنما كان يوم خيبر بعد الحديبية وما هنا وهم، وليس في هذا الحديث بيان أن النهي كان يوم الحديبية، لكنه مذكور في غيره.

وما اتخذه أهبان مثل الوسادة لعلها كانت لينة؛ لأن يبس الأرض يضر بركبته. وقد قال ابن القاسم فيمن بجبهته جراحات أنه يومئ ولا يرفع شيئًا إلى جبينه ليسجد عليه

(1)

. وقال أشهب: إن رفع مقدار ما كان يومئ أجزأه ذلك

(2)

.

فائدة:

أهبان بن أوس هذا الأسلمي، وهو مكلم الذئب كما قال الواقدي، ورفع نسبه غيره فقال: هو أهبان بن عياذ بن ربيعة بن كعب بن أمية بن

(1)

"المدونة الكبرى" 1/ 73.

(2)

انظر: "شرح مختصر خليل" للخرشي 1/ 297.

ص: 314

يقظة بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم بن أفضى الأسلمي، نزل الكوفة وبني بها دارًا ومات بها في ولاية المغيرة لمعاوية.

أخرى: أهبان أيضًا ابن صيفي الغفاري أبو مسلم، نزل البصرة وروى حديثًا في الفتنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوصى أن يكفن في ثوبين فكفن في ثلاثة ودفن فيه، فأصبح القميص الثالث موضوعًا على المشجب. قال أبو عمر: خبر صحيح رواه جماعة من ثقات البصريين

(1)

.

ثالثة: مكلم الذئب أيضًا رافع بن أبي رافع الطائي، واسم أبي رافع عميرة، وقيل: عمير، وقيل: عمرو، كلمه الذئب في ضأن يرعاها فيما تزعم طيء فدعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واللحاق به، وقالوا فيه شعرًا، وله خبر في صحبة الصديق في غزوة ذات السلاسل، مات قبيل قتل عمر سنة ثلاث وعشرين، وقيل: إن رافعًا قطع ما بين الكوفة ودمشق في خمس ليال، لمعرفته بالمفاوز.

وروى ابن وهب أن أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية أخذ ظبيًا فاصطاداه وكلمهما، وروي مثله أنه جريح لا دحيم وأصحابه. وفي "معجم الطبراني" عن أنس قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمررت على غنم فجاء الذئب أخذ منها شاة، فاشتد الرعاء خلفه، فقال الذئب: طعمة أطعمنيها الله تنزعونها مني .. الحديث

(2)

.

الحديث العشرون:

حديث ابن أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- كَانَ رَسُولُ اللهِ

(1)

"الاستيعاب" 1/ 205.

(2)

رواه العقيلي في "الضعفاء" 1/ 252.

ص: 315

- صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ أُتُوا بِسَوِيقٍ فَلَاكُوهُ. تَابَعَهُ مُعَاذٌ (بن عدي)

(1)

عَنْ شُعْبَةَ.

أي: كما رواه ابن أبي عدي عنه، وسلف القول في الهجرة.

الحديث الحادي بعد العشرين:

حديث شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِذَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَصحَابِ الشَّجَرَةِ: هَلْ يُنْقَضُ الوِتْرُ؟ قَالَ: إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلهِ فَلَا تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ.

هو الصحيح عندنا وهو قول مالك أيضًا، وكان ابن عمر يشفع وتره ثم يوتر من آخر صلاته وأبو جمرة بالجيم، وصحف من قاله بالحاء.

قال أبو علي الجياني: وقع في نسخة أبي ذر عن أبي الهيثم بالحاء والزاي وهو وهم والصواب بجيم وراء

(2)

. وعائذ هذا هو ابن عمرو بن هلال المزني كنيته أبو هبيرة، وعنه: ابنه حشرج وغيره، وكان شريفًا جوادًا صالحًا صلى عليه أبو برزة.

الحديث الثاني بعد العشرين:

حديث زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلاً، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيء فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ، نَزَّرْتَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم ثلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ. قَال عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ المُسْلِمِينَ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي. إلى أن قال: وَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَة لَهِيَ

(1)

في الأصل: محمد، والمثبت من حاشيتها، وهو الموافق لما في الصحيح.

(2)

"تقييد المهمل" 2/ 677.

ص: 316

أَحَبُّ إِلَى مِمَّا طلعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"، ثُمَّ قَرَأَ:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} [الفتح: 1].

معنى (نزَّرت): ألححت وضيقت عليه حتى أحرجته، بتشديد الزاي وتخفيفها وهو المعروف واقتصر بعض شيوخنا على التشديد، والنزر: القلة، ومنه البئر النزور: القليلة الماء، فقيل ذلك أن أكثر عليه السؤال حتى انقطع جوابه، وقال ابن الأعرابي: النزر: الإلحاح في السؤال، تقول: ألححت عليه في مسألتك إلحاحًا أو أدَّبك بسكوته عنك

(1)

وأجزأته عن جوابك. وعن الأصمعي: نزر فلان فلانًا: إذا استخرج ما عنده قليلاً قليلاً

(2)

.

قال ابن التين: وظاهر ضبط أهل اللغة أنه نزرت على زيد: أتيت ثلاثي، ومنه عطاء منزور: إذا استخرج بشدة سؤال وإلحاح، قال: وقيل: هو القليل، قال: وهو يدل على أنه مخفف؛ لأن منزورًا لا يكون إلا من ثلاثي، قال الداودي: وقيل: إنه يقال نزرت ويزرت وبزرت بالنون والياء والباء.

فائدة:

اختلف في الموضع الذي نزلت عليه فيه سورة الفتح، فعند أبي معشر بالجحفة وفي "الإكليل" عن مجمع بن جارية بكراع الغميم، وعند ابن سعد بضجنان

(3)

وسيأتي الكلام على الحديث بأوضح من هذا في التفسير.

(1)

"تهذيب اللغة" 4/ 3549.

(2)

المصدر السابق 4/ 3550.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 105.

ص: 317

الحديت الثالث بعد العشرين:

حديث سُفْيَانَ: سمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هذا الحَدِيثَ، حَفِظْتُ بَعْضَهُ، وَثَبَّتَنِي فيه مَعْمَرٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبهِ- قَالَا: خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَة مِنْ أًصْحَابِه، فَلَمَّا أَتَى ذَا الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الهَدْىَ، وَأَشْعَرَهُ، حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ البَيْتِ وَمَانِعُوكَ. فَقَالَ:"أَشِيرُوا أيّهَا النَّاسُ عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَن أَمِيلَ إِلى عِيَالِهِم وَذَرَارِيِّ هؤلاء الذِينَ يُرِيدُونَ أَن يَصُدُّونَا عَنِ البَيْتِ، فَإِن يَأْتُونَا كانَ اللهُ قَدْ قَطَعَ عنقًا مِنَ المُشْرِكِينَ، وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحرُوبِينَ؟ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَرَجْتَ عَامِدًا لهذا البَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ، فَتَوَجَّهْ لَهُ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ. قَالَ:"امْضُوا عَلَى اسمِ اللهِ".

الحديث الرابع بعد العشرين:

حديث الزهري عن عُرْوَةَ أيضًا، أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ الحُدَيْبِيَةِ .. الحديث بطوله.

و (الحديبية) إحدى غزواته صلى الله عليه وسلم وإحدى عمراته كما سلف.

وهو دال على أن من أحرم يمشي تطوعًا عمرة أو حجة ثم صُدَّ أنه يجزئه ولا قضاء عليه، وبه قال مالك والشافعي وخالف أبو حنيفة فيه

(1)

، وقد شرحنا الحديث بطوله في الصلح وأوائل الشروط، وقد أسلفنا هناك

(1)

انظر: "المدونة الكبرى" 1/ 297، "الأم" 2/ 135، "المبسوط" 4/ 107.

ص: 318

اسم العين

(1)

.

وفيه: جواز سفر الإنسان وحده إذا مست الحاجة إلى ذلك أو كان فيه صلاح المسلمين، ولا يكون داخلاً في النهي عن السفر وحده.

فصل:

ينعطف على ما مضى: كان سبب بيعة الرضوان فيما ذكره ابن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتاب الصلح مع عثمان بن عفان، ثم أراه الله وعثمان بمكة أن يبايع المؤمنين تحت الشجرة وعلى الموت، وأراد القتال، فلبث يومًا أو ما شاء الله ولما لان بعضهم لبعض وأمن بعضهم بعضًا، فهم ينتظرون نفاذ ذلك وإمضاءه، رمى رجل من أحد الفريقين رجلاً من الآخر وكان بينهم شجار وقتال تراموا بالحجارة والنبل فتصالحا وارتهن كل واحد من الفريقين من كان عنده من الأخرين، وارتهن المشركون عثمان ومن كان معه.

وكذا ذكره في "الإكليل" عن عروة، قال موسى: وارتهن المسلمون سهيل بن عمرو ومن كان معه، فعند ذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة وأراد القتال، فبايعوا على الموت كما سلف عن سلمة بن الأكوع

(2)

.

وكذا ذكره أبو معشر وأنكره جابر وقال: إنما بايعناه على أن لا نفر وقد سلف. وعمر آخذ بيده.

والشجرة سمرة

(3)

فلما رأت ذلك قريش رعبهم الله فأرسلوا من كان بأيديهم ودعوا إلى الموادعة.

(1)

سلف برقم (2712) كتاب: الشروط، باب: ما يجوز من الشروط

(2)

سلف برقم (4169).

(3)

رواه مسلم برقم (1856) كتاب: الإمارة، باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال ..

ص: 319

وروى البيهقي في "دلائله" أن قريشًا كانوا بعثوا سبعين رجلاً

(1)

، وعند الصباح اثني عشر رجلاً، وفي "أسباب الواحدي" ثمانين، رواه أنس وفي رواية عبد الله بن المغفل ثلاثين

(2)

. وفي "شرف المصطفى" أربعين فأخذوا أخذًا.

وفي "الدلائل" لأبي نعيم يخرج ثلاثون شابًا عليهم السلاح فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم، فأتُي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعفا عنهم وخلَّى سبيلهم.

وعن عروة نادى منادي رسول الله: ألا إن روح القدس نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله. فبايعوا على أن لا يفروا أبدًا، فرهبهم المشركون وأرسلوا من كانوا ارتهنوا من المسلمين

(3)

.

وعند مقاتل في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} [الفتح: 24] قال: كان أهل مكة خرجوا يقاتلون رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فهزمهم صلى الله عليه وسلم بالطعن والنبل حتى أدخلهم بيوت مكة

(4)

، وأصله في مسلم

(5)

.

وقال الفراء في "معانيه " نزلت في أسد وغطفان وكان

(6)

مع أهل

(1)

"دلائل البيهقي" 4/ 140 - 141.

(2)

"أسباب النزول" ص 399 - 400.

(3)

رواه البيهقي في "الدلائل" 4/ 133 - 134.

(4)

ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 7/ 438.

(5)

رواه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع برقم (1807) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة ذي قرد وغيرها مطولًا، ومن حديث أنس بن مالك برقم (1808) باب: قول الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآية، مختصرًا.

(6)

ورد بهامش الأصل: لعله وكانوا.

ص: 320

خيبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحوه وخلوا بينه وبين أهل خيبر

(1)

. وهو خلاف ما عند البخاري. نزلت في بني النضير لما ضيق على أهل مكة. قال ابن هشام: وأول من بايع بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي

(2)

، قلت: لا، فقد قال الواقدي وابن حبان، وابن جرير

(3)

وغيرهم: مات أبو سنان في حصار بني قريظة قبل الحديبية، قال الواقدي: وإنما هو سنان بن أبي سنان الأسدي

(4)

، وفي مسلم: أول من بايع يومئذٍ سلمة بن الأكوع

(5)

، وذكر أن أول من بايع ابن عمر ولم يصح كما نبه عليه أبو عمر

(6)

، وسيأتي أنه بايع قبل أبيه ولم يتخلف أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخا بني مسلمة فكان جابر يقول: لكأني أنظر إليه لاصقًا ناقته قد صبا إليها ليستتر بها من الناس.

فصل:

وقوله في الحديث (فإن يأتونا) إلى آخره

(7)

: (كان الله قد قطع عنقًا من المشركين).

قال القاضي: كذا لكافة الرواة من الإتيان ولابن السكن: باتُّونا بباء موحدة ومثناة فوق مشددة من البتات بمعنى: قاطعونا بإظهار المحاربة، والأول أظهر هنا

(8)

.

(1)

"معاني القرآن" 3/ 67، في تفسير قوله تعالى:{وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} [الفتح:20]، أما في تفسير قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} فقال: هذا لأهل الحديبية، لا أهل خيبر.

(2)

"سيرة ابن هشام" 3/ 364.

(3)

انظر "مغازي الواقدي" ص 530، و"تاريخ الطبري" 2/ 103.

(4)

"مغازي الواقدي" ص 603.

(5)

مسلم (1807).

(6)

"الاستيعاب" 3/ 81.

(7)

عليها في الأصل: كذا.

(8)

"مشارق الأنوار" 1/ 18.

ص: 321

قوله: (عنقًا) قال الخليل: جاء القوم عنقًا عنقًا أي: طوائف

(1)

، والأعناق الرؤساء وفي نسخة:(عينًا).

فصل:

قال ابن دريد: الأحابيش حلفاء قريش، تحالفوا تحت جبل يسمى حبشي فسموا الأحابيش

(2)

، وقال الخليل: هم أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في الحرب التي وقعت بنيهم وبين قريش قبل الإسلام، فلما سميت تلك الأحياء بالأحابيش من قبل سمعها، صار التحبيش في الكلام كالتجميع

(3)

.

وقال يعقوب: الحباشة: الجماعة، يقال: تحبش بنو فلان على بني فلان، أي: تجمعوا، وقال الزبير: بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة وحلفاؤهم عضل وديش ابنا ينبع بن الهون بن خزيمة والجنا والمصطلق وهما بطنان من خزاعة، فسمت هذِه البطون الأحابيش. وقال الداودي: الأحابيش: قبائل الحبش. وقال ابن فارس: هم جماعات تجتمع من قبائل شتى

(4)

، واحده أحبوش وهو الوجه.

وقوله: (محروبين) أي: مسلوبين. والحرب بفتح الراء مصدر حرب ماله. أي: سلبه، وكأنهم سلبوا أموالهم وأهليهم.

فصل:

قوله: (وامتعضوا) أصله انمعضوا أدغمت النون في الميم وهو في الأصل بالظاء وهو عند أهل اللغة بالضاد المعجمة، يقال: امعض الرجل

(1)

"العين" 1/ 168 مادة (عنق).

(2)

"الاشتقاق" ص 193.

(3)

"العين" 3/ 98 مادة (حبش).

(4)

"مجمل اللغة" 1/ 261.

ص: 322

من الأمر إذا شق عليه، وكذلك معض مثله. وامتعض، وقد سلف في الشروط وغيره أوضح من هذا.

فصل:

وكانت أم كلثوم بنت حفصة فيمن هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عاتق، أي: أدركت فخدرت وهي بين البالغة والعانس، وقال الأصمعي: فوق المعصر، وقيل: التي لم تزوج، وقال الخليل: الشابة

(1)

. وقيل: من أشرفت على البلوغ، وقد سلف واضحا في أبواب العيد ومختصرًا في أول الشروط.

فصل:

قول عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم يمتحن من هاجر من المؤمنات بهذِه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10]، قد سلف في الشروط

(2)

.

وادعى ابن التين أن الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] تجوز رد أبي جندل إلى أبيه؛ لأنه كان يأمن عليه القتل قاله الخطابي

(3)

.

فصل: في فوائده:

في الحديث دلالة على أن للإمام أن يعقد الصلح على ما يراه صلاحا للمسلمين، وإن كان يظهر في بادئ الرأي أن فيه ما ظاهره انهضام الحق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم محا اسمه وعاقدهم على ردِّ من جاء منهم إلينا ومنا إليهم، ومذهب مالك -كما قال المازري: أن الإمام إذا

(1)

"العين" 1/ 146.

(2)

سلف برقم (2713) باب: ما يجوز من الشروط في الإسلام

(3)

"أعلام الحديث" 2/ 1322.

ص: 323

عاقد على الرد إن جاء مسلمًا ينفذ عقده في الرجال دون النساء.

وفيه أيضًا: مصالحة المشركين على غير مال يؤخذ منهم، وذلك جائز إذا كان بالمسلمين ضعف، واختلف هل يجوز صلحهم إلى أكثر من عشر سنين، فقال بعضهم: إذا رآه الإمام، وقالت طائفة: لا يجاوز ذلك لما في أبي داود أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين

(1)

، وفي غيره سنتين، ذكره ابن عقبة وغيره.

وفيه أيضًا: الصلح على رد المسلم إلى دار الكفر، وهو منسوخ عند أبي حنيفة بحديث سرية خالد حين وجهه صلى الله عليه وسلم إلى خثعم وفيهم ناس مسلمون واعتصموا بالسجود فقتلهم خالد فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف الدية وقال:"أنا بريء من مسلم أقام بين مشركين"

(2)

وقال فقهاء الحجاز: هو جائز ولكن للإمام الأعظم لا لمن دونه.

وفيه أيضًا: نسخ السنة بالقرآن على أحد القولين: فإن هذا العهد كان يقتضي ألا يأتيه مسلم إلا رده، فنسخ الله ذلك في النساء خاصة حيث قال:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} الممتحنة: 10] عملاً بقوله: لا يأتيك منا أحد. وهو متضمن النساء أيضًا، وإن وردت في رواية

(1)

أبو داود (2766).

(2)

رواه أبو داود (2645)، والترمذي (1604)، والطبراني 2/ 303 (2264) من طريق أبي معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله. مرفوعًا.

ورواه الترمذي (1605)، والنسائي 8/ 36 من طريق إسما عيل، عن قيس مرسلًا، وقال الترمذي: وهذا أصح، ونقل عن البخاري قوله: الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. اهـ.

والحديث صحح إسناده الألباني في "الإرواء"(1207) وقال: رجاله ثقات رجال الشيخين، لكنهم أعلوه بالإرسال.

ص: 324

أخرى للبخاري سلفت (رجل) مكان (أحد)

(1)

، والأحسن أن يقال: إنه تخصيص لا نسخ على أن بعض حذاق الأصوليين قد قال: في العموم إذا عمل بمقتضاه في عصره صلى الله عليه وسلم واعتقد فيه العموم ثم خص فهو نسخ، ولا بأس به.

وقالت طائفة: إنما استجاز رد المسلمين إليهم في هذا الصلح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الا تدعوني قريش إلى خطة يعظمون فيها الحرم إلا أجبتهم" وفي رد المسلم إلى مكة عمارة للبيت وزيادة خير له في الصلاة فيه والطواف به، فكان هذا من تعظيم حرمات الله، فعلى هذا يكون الحكم خاصًّا بمكة والشارع، ويكون غير جائز لمن بعده، قاله العراقيون.

قلت: رده في تلك الحال لا يتأتى بعدما ذكر؛ لأنه مقهور مأسور. وقد سلف أوضح من هذا في الشروط. وقال أبو زيد بن الحنفية: هو عند أهل العلم مخصوص بنساء أهل العهد والصلح.

وْكان الامتحان أن يستحلف المرأة المهاجرة أنها ما خرجت ناشزًا ولا هاجرت إلا لله ولرسوله، فإذا حلفت لم ترد، ورد صداقها إلى بعلها، وإن كانت من غير أهل العهد لم تستحلف ولم يرد صداقها.

فصل:

روي في رواية: "وإن بيننا وبينكم عيبة مكفوفة وأن لا إسلال ولا إغلال"

(2)

يريد بالعيبة صدورًا منطوية على ما فيها لا تبدي عداوة. وضرب العيبة مثلاً، ومثله الحديث: "الأنصاركرشي

(1)

سلف برقم (2731)، (2732) كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد

(2)

رواه أبو داود (2766)، وأحمد 4/ 323.

ص: 325

وعيبتي"

(1)

أي: موضع سري. والإغلال: الجناية. والإسلال: السرقة والخلسة ونحوها، وهي السلة. وفي المثل: الخلة تدعو إلى السلة.

الحديث الخامس بعد العشرين:

حديث نَافِع، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي الفِتْنَةِ، فَقَالَ: إِن صُدِدْتُ عَنِ البَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ.

ثم ساق عنه: أَنَّهُ أَهَلَّ وَقَالَ: إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فعلت كَمَا فَعَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حِينَ حَالَتْ كُفَارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وبينه. وَتَلَا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

ثم ساق عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ.

ثم ساق عن نَافِعٍ، أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللهِ قَالَ لَهُ: لَوْ أَقَمْتَ العَامَ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا تَصِلَ إِلَى البَيْتِ. قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر أنه اعتمر ثم أوجب حجة معها.

هذا سبق في الحج في باب: إذا أحصر المعتمر

(2)

.

وإنما فعل عبد الله بن عمر ذلك أولاً؛ لأنه غلب على ظنه أنهم لا يصدوه، ولو قلت: وأحرم على ذلك لم يحله إلا البيت كما قاله عبد الملك من المالكية، وابن عمر كان اعتزلهم، فلذلك كان الغالب أن لا يصدوه.

(1)

سلف برقم (3801) كتاب: مناقب الأنصار، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اقبلوا من محسنهم .. "، ورواه مسلم برقم (2510) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل الأنصار رضي الله تعالى عنهم.

(2)

سلف برقم (1808) كتاب: المحصر.

ص: 326

وتقصير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دال على الحسن في إيجابه الحلق في أول حجة حجها.

الحديث السادس بعد العشرين:

حديث صَخْرٍ -هو ابن جويرية- عَنْ نَافِعٍ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابن عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، ولكن عُمَرُ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللهِ إِلَى فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَأْتِي بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُبَايعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَعُمَرُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللهِ، ثمَّ ذَهَبَ إِلَى الفَرَسِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ، وَعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم -يُبَايعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَالَ: فَانْطَلَقَ فَذهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَهِيَ التِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ ابن عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ.

وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: ثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لي: يَا عَبْدَ اللهِ، انْظُرْ مَا شَانُ النَّاسِ قَدْ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ، فَبَايَعَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عُمَرَ، فَخَرَجَ فَبَايَعَ.

هذِه المتابعة أخرجها البيهقي في "دلائله" من طريق نعيم: حدثني الوليد، فذكره. قال ابن التين لما ذكر الرواية الأولى: وهذِه وهذا اختلاف. ولم يسند نافع إلى ابن عمر في شيء من الروايتين، وذكر أن ذلك إنما كان حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرًا فبايع، فمر به ابن عمر وهو يبايع فبايع، ثم رجع إلى أبيه فأخبره، فمضى وبايع، وأسلم عمر وعبد الله ابن خمس سنين.

وقوله: (وعمر يستلئم للقتال) أي: يلبس اللأمة، وهي الدرع.

يقال: استلأم الرجل مهموز إذا لبس لأمته.

ص: 327

ومعنى: (محدقون به): محيطون، يقال: حدق القوم بالرجل وأحدقوا.

الحديث السابع بعد العشرين:

حديث عَبْدِ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ اعْتَمَرَ فَطَافَ فَطُفْنَا مَعَهُ، وَصَلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ؛ لَا يُصِيبُهُ أَحَد بِشَيْءٍ.

كان ذلك في عام القضية سنة سبع بعد الحديبية بسنة، كما قاله ابن التين.

الحديث الثامن بعد العشرين:

حديث أبي حصين -وهو عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي- قال: قال أبو وائل- وهو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي-: لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ، فَقَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ استطعت أَنْ أَرُدَّ عَلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ، والله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هذا الأَمْرِ، مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ لا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ.

معنى (نستخبره) أي: نسأله ما فعل علي ومعاوية.

وقوله: (اتهموا الرأي) كان أكثر الناس فرقتين، تأول كل فرقة أنها مصيبة تدعو إلى شيء يجب لها أن تقاتل عنه، وتخلف عن الدخول في ذلك سعد وسعيد وابن عمر وأسامة، ولم يتبين لهم أن إحدى الطائفتين باغية، فرجعوا عليها، وإلى ذلك أشار سهل فقال: اتهموا الرأي، فإنه ربما التبس. وذكر شأن المدينة، يريد: سلَّموا الأمر إلى الله؛ لأن عواقب الأمور قد تخرج إلى ما لا يبدو في أول الأمر.

ص: 328

وقوله: (وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا) يريد: البأس والقوة، والعاتقان من المرء ما بين المنكبين إلى العنق.

وقوله: (الأمر يفظعنا) كذا هو بالظاء، وذكر ابن التين بالضاد، ثم قال: أي هو أمر مهول قال: وضبط في بعض الكتب بضم الياء، وفي بعضها بفتحها، جعله ثلاثيًّا، إلا أنه في سائر الروايات بالضاد.

قال ابن فارس: أفظع الأمر وفظع: اشتد، ذكره في باب الفاء مع الظاء

(1)

.

وقوله: (إلا أسهلن بنا) أي: استمر بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر. قال الداودي: يعني: ما كان من قتال أهل الردة، أنهم كانوا على بصيرة حتى بين لهم أبو بكر رضي الله عنه، وقيل: معنى أسهل بنا: أفضى بنا إلى سهولة.

والخصم -بضم الخاء، وسكون الصاد-: جانب العدل الذي فيه العروة، وقيل: جانب كل شيء خصمه، ويجمع على أخصام. ومنه قيل للخصمين: خصمان؛ لأن كل واحد منهما يأخذ في ناحية من الدعوى غير ناحية صاحبه، وأصله خصم القربة، ولهذا استعاروه هنا مع ذكر الانفجار كما ينفجر الماء من نواحي القربة. وكان قول سهل هذِه المقالة يوم صفين لما حكم الحكمان. وقيل: الخصم: الحبل الذي تشد به الأحمال. أي: ما نلفق منه حبلاً إلا انقطع اخر. قال أبو نصر: يقال للمتاع إذا وقع في جانب الوعاء أو من خُرْجٍ أو جُوالق أو عَيبةٍ: قد وقع في خُصم الوعاء وفي (زاوية الوعاء)

(2)

وخَصْم كل

(1)

"مجمل اللغة" 3/ 723.

(2)

في الأصل: (رواية الوعاء) والمثبت من "الصحاح".

ص: 329

شيء: جانبه وناحيته

(1)

. شبه ما فيه من انتهام الأمر عليهم بمن جعل متاعًا في وعاء انقتق جانب منه فبينا هو يصلحه انفتق جانب آخر.

الحديث: التاسع والعشرون:

حديث كعب بن عجرة السالف في الباب: أَتَى عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه: "فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكينَ، أَوِ أنْسُكْ نَسِيكَةً". قَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي بِأَيِّ هذا بَدَأَ.

ئم ساقه عنه أيضًا: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، وَقَدْ حَصرَنَا المُشْرِكُونَ وَكَانَتْ لِي وَفْرةٌ .. الحديث.

ولو ساق الكل مثله هناك كان أولى.

وقوله: (وقد حصرنا المشركون) يدل على أنه عنده، يقال: حصره العدو بخلاف المرض، فإنه يقال: أحصره وحكي عن بعض أهل اللغة، وبه قال مالك

(2)

. وقال أشهب: حصره العدو. فائدة الخلاف إيجاب الهدي على المحصر فمالك يقول: لا شيء عليه

(3)

. وأشهب وأبو حنيفة والشافعي يقولون عليه لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] والإحصار عندهم يقاتلون من العدو ومن المرض حصر

(4)

.

وقوله: (وكانت لي وفرة) فيه جواز اتخاذها، والوفرة: من الشعر إلى شحمة الأذن.

(1)

"الصحاح" 5/ 1913.

(2)

"بداية المجتهد" 2/ 687.

(3)

المصدر السابق 2/ 688.

(4)

"بدائع الصنائع" 2/ 178، "الأم" 2/ 135.

ص: 330

فصل:

كان خروجه صلى الله عليه وسلم في هذِه الغزوة لزيارة البيت، وساق معه الهدي سبعين بدنة كما سلف، وأحرم بالعمرة كما سلف، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر. وقال ابن عقبة عن جابر: عن كل سبعة بدنة. وقد سلف قدر عددهم واضحًا.

وحانت صلاة الظهر فصلى بأصحابه صلاة الخوف كما ذكر ابن سعد

(1)

، وأقام بها شهرًا ونصفًا على ما ذكر ابن عائذ. وقال ابن سعد: بضعة عشر يومًا. ويقال: عشرين ليلة

(2)

. قال: ولما حلقوا بالحديبية بعث الله ريحًا عاصفًا فاحتملت أشعارهم فألقتها في الحرم. قال: وفي هذِه نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا صلوا في الرحال"

(3)

.

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 95.

(2)

المصدر السابق 2/ 98.

(3)

المصدر السابق 2/ 104 - 105.

ص: 331

‌36 - باب قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ

4192 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلَامِ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ. وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَوْدٍ وَرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ. [انظر:233 - مسلم: 1671 - فتح: 7/ 458] قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ. وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ: مِنْ عُرَيْنَةَ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوب، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ.

4193 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَالْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ، وَكَانَ مَعَهُ بِالشَّأْم - أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتَشَارَ النَّاسَ يَوْمًا: قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقَسَامَةِ؟ فَقَالُوا: حَقٌّ، قَضَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَضَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ، قَبْلَكَ. قَالَ: وَأَبُو قِلَابَةَ خَلْفَ سَرِيرِهِ. فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ: فَأَيْنَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْعُرَنِيِّينَ؟ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: إِيَّايَ حَدَّثَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ: مِنْ عُرَيْنَةَ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: مِنْ عُكْلٍ. ذَكَرَ الْقِصَّةَ. [انظر: 233 - مسلم: 1671 - فتح: 7/ 458]

(عُكل) بضم العين المهملة وسكون الكاف: أمة حضنت ولد عوف بن وائل بن قيس بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة، فغلبت عليهم ونسبوا إليها.

ص: 332

و (عُرينة) -بضم أوله- بن النذير بن قسر، واسمه مالك، بطن من بجيلة.

ثم ساق البخاري حديث قَتَادَةَ: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ .. فذكر الحديث بطوله.

وسلف في الطهارة والجهاد والزكاة أيضًا

(1)

، أخرجه هنا من حديث سعيد، عن قتادة، عن أنس كما ذكرناه. وروي بعده: من عرينة. وروي أيضًا: من عكل. كل واحد بمفرده.

ومعنى (استوخموا): لم يوافقهم. قال ابن فارس: الوَخم: الوبي من الشيء. واستوخمت البلد، وبلد وخم ووخيم إذا لم يوافق ساكنه. ورجل وخم ووخيم. أي: ثقيل. واشتقاق التخمة منه

(2)

.

والذود من الثلاثة إلى العشرة. وقال الداودي: والقطيع من الإبل. وقيل للواحد: ذود.

والحرة: أرض بركتها حجارة سود.

وقوله: (فسمروا في أعينهم) أي: أحموا المسامير ففقئوا بها أعينهم.

وقول قتادة في النهي عن المثلة، كأنه ذهب إلى أن المحارب لا يمثل به، وهي في القرآن في آية المحاربة. والنهي عن المثلة إذا كانت عيناء أو في حق من وجب له قبل فلا يمثل. والمثلة عند ابن فارس إذا جدع

(1)

سلف برقم (233) كتاب: الوضوء، باب: أبوال الإبل

، وبرقم (1501) كتاب: الزكاة، باب: استعمال إبل الصدقة .. ، وبرقم (3018) كتاب: الجهاد والسير، باب: إذا حرّق المشرك المسلم هل يحرّق.

(2)

"مجمل اللغة" 4/ 920 مادة (وخم).

ص: 333

القتيل

(1)

. وقال الهروي (المثلاث)[الرعد: 6]: العقوبات، فمن قال في الواحد مثلة قال في الجمع المثلات. ومن قال: مثلة قال: مثلات ومثلات. قيل: إنما مثل بهم؛ لأنهم فعلوا مثل ذلك.

وأبو رجاء مولى أبي قلابة اسمه سلمان.

(1)

"مجمل اللغة" 4/ 823 مادة (مثل).

ص: 334

‌37 - باب غَزْوَةُ ذَاتِ قَرَد

وَهْيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ خَيْبَر بِثَلَاثٍ.

4194 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُول: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى، وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ قَالَ: فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا قَالَ: غَطَفَانُ. قَالَ فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ: يَا صَبَاحَاهْ قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَىِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنَ الْمَاءِ، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي، وَكُنْتُ رَامِيًا، وَأَقُولُ:

أَنَا ابْنُ الأَكْوَعْ

الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ

وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً. قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ. فَقَال:"يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ". قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا، وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. [انظر: 3041 - مسلم: 1806 - فتح: 7/ 460]

الشرح:

(قرد) بفتح القاف والراء، كذا صوبه الداودي، وقال الحازمي: إنه الذي يقوله أهل الحديث. وحكى السهيلي عن أبي علي الضم فيهما

(1)

، وربما وجد مضبوطًا بضم القاف وفتح الراء.

والقرد في اللغة: الصوف الرديء خاصة. قال ابن سيده: وقيل: هو ما يسقط من الوبر والصوف

(2)

، وهو ماء في شعب يقال له: ذو قرد،

(1)

"الروض الأنف" 4/ 14.

(2)

"المحكم" 6/ 186.

ص: 335

على مسيرة ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر على طريق الشام. وعبارة القزاز وغيره: هي موضع، وتسمى غزوة الغابة، وكانت في ربيع الأول سنة ستٍّ كما قاله ابن سعد

(1)

. وادعى القرطبي أنها في جمادى الأولى

(2)

. واللقاح واللقح واحدها: لقحة بكسر اللام، وهي الناقة لها لبن.

وقال ابن السكيت: واحدتها لَقُوح ولِقْحَة. وقيل: لُقْحَة ولِقْحَة، والجمع: لُقَح ولِقَح.

وقوله: (قبل خيبر بثلاث) مما غلط فيه، وأنه قبلها بسنة، فإنها في جمادى الَاخرة سنة سبع -أعني: خيبر- نعم في مسلم من حديث سلمة بن الأكوع لما ذكر غزوة ذي قرد: فما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر

(3)

. لكن أهل السير على خلافه. وادعى القرطبي أن بعدها بني المصطلق في شعبان، ثم عمرة الحديبية في ذي القعدة، ثم رجع إلى المدينة فأقام بها ذا الحجة وبعض المحرم، وخرج في بقيته إلى خيبر، قال: كما صرح به أبو عمر

(4)

وغيره ولا يكادون يختلفون في ذلك، ونسب ما وقع في الحديث إلى وهم بعض الرواة، ويحتمل أن يكون أغزى سرية فيهم سلمة إلى خيبر قبل فتحها، فأخبر سلمة عن نفسه، و (عمن)

(5)

خرج معه يبين ذلك أن ابن إسحاق ذكر أنه صلى الله عليه وسلم أغزى إليها عبد الله بن رواحة قبل فتحها مرتين

(6)

.

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 80.

(2)

"المفهم" 3/ 680.

(3)

مسلم (1807) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة ذي قرد وغيرها.

(4)

انظر: "الدرر في اختصار المغازي والسير" ص 186 - 196.

(5)

في الأصل: عمر، وهو تحريف، والمثبت من "المفهم"، وهو ما يقتضيه السياق.

(6)

"المفهم" 3/ 680.

ص: 336

وروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق أن غزوة بني لحيان كانت في شعبان سنة ستٍّ وأنه عليه السلام لما رجع منها إلى المدينة لم يقم بها إلا ليالي حتى أغار عيينة بن حصن على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعين فارسًا قبل قصة عيينة لستة أشهر. ولما ذكر الحاكم غزوة ذي قرد قال: هذِه الغزوة الثالثة لذي قرد، فإن الأولى سرية زيد بن حارثة في جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهرًا من الهجرة، والثانية خرج فيها بنفسه إلى بني فزارة، وهي على رأس تسعة وأربعين شهرًا من الهجرة، وهذِه الثالثة كانت في سنة ست. وعند ابن سعد: كانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة عشرين لقحة، وكان أبو ذر فيها، وأغار عليهم عبد الرحمن بن عيينة

(1)

. وعند البلاذري كان المغير يومئذ عبد الله بن عيينة بن حصن. قال الواقدي: والثبت عندنا أنه صلى الله عليه وسلم أقر على هذِه السرية سعيد بن زيد الأشهلي، وكان المسلمون خمسمائة، ويقال: سبعمائة

(2)

.

ثم ذكر البخاري حديث سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ قال: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى، وَكَانَ لِقَاحُ النبي صلى الله عليه وسلم تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ .. الحديث بطوله.

وقد سلف في الجهاد في باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه.

يذكر القصة بطولها

(3)

. وزاد هنا: ثم رجعنا ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة. ولما ذكر ابن التين مقالة البخاري السالفة قال: ذكر الشيخ أبو محمد أنه صلى الله عليه وسلم خرج في طلب اللقاح في شعبان من السنة الثانية حتى بلغ ينبع فرجع باللقاح، ثم قال: وهذا اختلاف، ولم

(1)

الطبقات الكبرى" 2/ 80.

(2)

"مغازي الواقدي" ص 547، 548.

(3)

سلف برقم (3041).

ص: 337

يرد على ذلك وهو عجيب منه. ورضع جمع راضع، كراكع وركَّع. وغطفان: قبيلة من العرب. والصراخ: رفع الصوت.

وقوله: (اليوم يوم الرضع) وجاء في غير هذا الموضع: خذها وأنا ابن الأكوع

(1)

. وهي كلمة يقولها الرامي عندما تصيب رميته فرحًا. وكان ابن عمر إذا رمى وأصاب يقول: خذها وأنا أبو عبد الرحمن. ويقول: أنا بها، أنا بها.

فائدة:

اسم الأكوع: سنان، قال السهيلي: قيل: هو الذي كلمه الذئب. وقيل: هو أهبان بن صيفي

(2)

كما سلف.

أخرى: ذكر ابن سعد أنه نودي: يا خيل الله اركبي، وأنه أول ما نودي بها

(3)

، لكن روى ابن عائذ من طريق قتادة النداء بذلك في بني قريظة

(4)

، وهي قبل هذِه.

ثالثة: صلى صلى الله عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف أيضًا.

فصل:

ذكر ابن سعد أن سرية سعيد بن زيد إلى العرنيين في شوال سنة ست

(5)

.

(1)

ذكره البخاري معلقًا قبل حديث (3042) كتاب: الجهاد والسير، باب: من قال: خذها وأنا ابن فلان ..

(2)

"الروض الأنف" 4/ 15.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 80.

(4)

أورده ابن حجر في "الفتح" 7/ 413 وقال: وروى ابن عائذ من مرسل قتادة

فذكره وكذلك ذكره العجلوني في "كشف الخفاء"(3170).

(5)

"الطبقات الكبرى" 2/ 93 وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَّر عليهم كرز بن جابر الفهري، وليس سعيد بن زيد.

ص: 338

‌38 - باب غَزْوَةُ خَيْبَرَ

4195 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ - وَهْيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ - صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [انظر: 209 - فتح: 7/ 463]

4196 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلاً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ: يَا عَامِرُ أَلَا تُسْمِعُنَا، مِنْ هُنَيْهَاتِكَ. وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُول:

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا

وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا

وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ ". قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ. قَالَ: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ". قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ. فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ، فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ ". قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: "عَلَى أَيِّ لَحْم؟ ". قَالُوا: لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ:"أَوْ ذَاكَ". فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِىٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ، فَمَاتَ مِنْهُ. قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا، قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ آخِذٌ

ص: 339

بِيَدِى، قَالَ:"مَا لَكَ؟ ". قُلْتُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِىٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ".

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ:"نَشَأَ بِهَا". [انظر: 2477 - مسلم: 1802 - فتح: 7/ 463]

4197 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى خَيْبَرَ لَيْلاً، وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتِ الْيَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 7/ 467]

4198 -

أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً، فَخَرَجَ أَهْلُهَا بِالْمَسَاحِي، فَلَمَّا بَصُرُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". فَأَصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ؛ فَنَادَى مُنَادِى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ. [انظر: 371 - مسلم: 1365، 1940 - فتح: 7/ 467]

4199 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ جَاءٍ، فَقَالَ أُكِلَتِ الْحُمُرُ. فَسَكَتَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ. فَسَكَتَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ. فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ، إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ، وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ. [انظر: 371 - مسلم: 1940 - فتح: 7/ 467]

4200 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ قَالَ "اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ، فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي

ص: 340

السِّكَكِ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ، وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، آنْتَ قُلْتَ لأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا؟ فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ. [انظر:371 - مسلم: 1365 - فتح: 7/ 469]

4201 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ سَبَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ، فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا. فَقَالَ ثَابِتٌ لأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا قَالَ: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا. [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 7/ 469]

4202 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا، يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْم: أَنَا صَاحِبُهُ. قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ. فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنَ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". [انظر: 2898 - مسلم: 112 - فتح: 7/ 471]

4203 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْنَا خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِى الإِسْلَامَ:"هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ،

ص: 341

حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ، فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحَةِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا، فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَدَّقَ اللهُ حَدِيثَكَ، انْتَحَرَ فُلَانٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ:"قُمْ يَا فُلَانُ فَأَذِّنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ". [انظر: 3062 - مسلم: 111 - فتح: 7/ 471]

4204 -

وَقَالَ شَبِيبٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. تَابَعَهُ صَالِحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَسَعِيدٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3062 - مسلم: 111 - فتح: 7/ 471]

4205 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ - أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ: بِالتَّكْبِيرِ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهْوَ مَعَكُمْ". وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. فَقَالَ لِي: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّة؟ "». قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّه، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي. قَالَ "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ". [انظر: 2992 - مسلم: 2704 - فتح: 7/ 470].

4206 -

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِى يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ، فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ. [فتح: 7/ 475]

ص: 342

4207 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: الْتَقَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا، فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدُهُمْ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ. فَقَالَ: "إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّار؟! فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لأَتَّبِعَنَّهُ، فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ. حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ ". فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". [انظر:2898 - مسلم: 112 - فتح: 7/ 475]

4208 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: نَظَرَ أَنَسٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَرَأَى طَيَالِسَةً، فَقَالَ: كَأَنَّهُمُ السَّاعَةَ يَهُودُ خَيْبَرَ. [فتح: 7/ 475]

4209 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ رَمِدًا فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَلَحِقَ، فَلَمَّا بِتْنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي فُتِحَتْ قَالَ:"لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا - أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا - رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، يُفْتَحُ عَلَيْهِ". فَنَحْنُ نَرْجُوهَا فَقِيلَ هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ فَفُتِحَ عَلَيْهِ. [انظر: 2976 - مسلم: 2407 - فتح: 7/ 476]

4210 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ". قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ:"أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ". فَقِيلَ: هُوَ

ص: 343

يَا رَسُولَ اللهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ. قَالَ: "فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ". فَأُتِىَ بِه، فَبَصَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟، فَقَالَ:"انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ". [انظر: 2942 - مسلم: 2406 - فتح: 7/ 476]

4211 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ح.

وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمْرٍو -مَوْلَى الْمُطَّلِب- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْنَا خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا، حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ لِي:"آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ". فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُحَوِّى لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ. [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 7/ 478]

4212 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي: عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، بِطَرِيقِ خَيْبَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى أَعْرَسَ بِهَا، وَكَانَتْ فِيمَنْ ضُرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابُ. [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 7/ 479]

4213 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رضي الله عنه يَقُولُ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ أَمَرَ بِلَالاً بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ

ص: 344

إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْىَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ. فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الْحِجَابَ. [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 7/ 479]

4214 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَحْيَيْتُ. [انظر: 3153 - مسلم: 1772 - فتح: 7/ 481]

4215 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ الثَّوْمِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. [انظر: 853 - مسلم: 561 - فتح: 7/ 481] نَهَى عَنْ أَكْلِ الثَّوْمِ، هُوَ عَنْ نَافِعٍ وَحْدَهُ. وَلُحُومُ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ: عَنْ سَالِمٍ.

4216 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. [5115، 553، 6961 - مسلم: 1407 - فتح: 7/ 481]

4217 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. [انظر: 853 - مسلم: 561 - فتح: 7/ 481]

4218 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. [انظر: 853 - مسلم: 561 - فتح: 7/ 481]

4219 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي الْخَيْلِ. [5520، 5524 - مسلم: 1941 - فتح: 7/ 481]

ص: 345

4220 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَإِنَّ الْقُدُورَ لَتَغْلِي -قَالَ: وَبَعْضُهَا نَضِجَتْ- فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِيقُوهَا. قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَهَى عَنْهَا الْبَتَّةَ، لأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ. [انظر: 3155 - مسلم: 1937 - فتح: 7/ 481]

4221 و 4222 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهم أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَصَابُوا حُمُرًا فَطَبَخُوهَا، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم"أَكْفِئُوا الْقُدُورَ". [3155، 4223، 4225، 4226،5525 - مسلم: 1938 - فتح: 7/ 481]

4223، 4224 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَابْنَ أَبِي أَوْفَى يُحَدِّثَانِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدْ نَصَبُوا الْقُدُورَ: "أَكْفِئُوا الْقُدُورَ". [انطر: 3155، 4221 - مسلم: 1938 - فتح: 7/ 482]

4225 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. [انظر: 4221 - مسلم: 1938 - فتح: 7/ 482]

4226 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَنْ نُلْقِيَ الْحُمُرَ الأَهْلِيَّةَ نِيئَةً وَنَضِيجَةً، ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْنَا بِأَكْلِهِ بَعْدُ. [انظر: 4221 - مسلم: 1938 - فتح: 7/ 482]

4227 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَا أَدْرِى أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ، فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ، أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ، لَحْمَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. [مسلم: 1939 - فتح: 7/ 482]

ص: 346

4228 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ. [انظر: 2863 - مسلم: 1762 - فتح: 7/ 484]

4229 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ، وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ. فَقَالَ:"إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ". قَالَ جُبَيْرٌ وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِى نَوْفَلٍ شَيْئًا. [انظر: 3140 - فتح: 7/ 484]

4230 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا، وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ، أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ، وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ - إِمَّا قَالَ: بِضْعٌ. وَإِمَّا قَالَ: - فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا -يَعْنِي لأَهْلِ السَّفِينَةِ-: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ. وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهْيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا، عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ. قَالَ عُمَرُ: الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ. قَالَ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْكُمْ. فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلاَّ وَاللهِ، كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارِ -أَوْ فِي أَرْض- الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي اللهِ وَفِي رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَيْمُ اللهِ، لَا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ

ص: 347

اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَسْأَلُهُ، وَاللهِ لَا أَكْذِبُ وَلَا أَزِيغُ وَلَا أَزِيدُ عَلَيْهِ. [انظر: 3136 - مسلم: 2502،2503 - فتح: 7/ 484]

4231 -

فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ:"فَمَا قُلْتِ لَهُ". قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: "لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ". قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالاً؛ يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي. [مسلم: 2503 - فتح: 7/ 485]

4232 -

قَالَ أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ، حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ، إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ - أَوْ قَالَ: الْعَدُوَّ - قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ". [مسلم: 2499 - فتح: 7/ 485]

4233 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَسَمَ لَنَا، وَلَمْ يَقْسِمْ لأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ غَيْرَنَا. [انظر: 3136 - مسلم: 2502 - فتح: 7/ 487]

4234 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ

ص: 348

- صلى الله عليه وسلم "بَلَى وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا". فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ". [6707 - مسلم: 115 - فتح: 7/ 487]

4235 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: أَمَا وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا. [انظر: 2334 - فتح: 7/ 490]

4236 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ. [انظر: 2334 - فتح: 7/ 490]

4237 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ،، قَالَ لَهُ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لَا تُعْطِهِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ. فَقَالَ: وَاعَجَبَاهْ لِوَبْرٍ تَدَلَّى مِنْ قَدُومِ الضَّأْنِ. [انظر: 2827 - فتح: 7/ 491]

4238 -

وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِي قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ، بَعْدَ مَا افْتَتَحَهَا، وَإِنَّ حُزْمَ خَيْلِهِمْ لَلِيفٌ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا تَقْسِمْ لَهُمْ. قَالَ أَبَانُ: وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبْرُ تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَأْنٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَانُ اجْلِسْ". فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ. [انظر: 2827 - فتح: 7/ 491]

4239 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي، أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:

ص: 349

يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ. وَقَالَ أَبَانُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: وَاعَجَبًا لَكَ وَبْرٌ تَدَأْدَأَ مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ. يَنْعَى عَلَيَّ امْرَأً أَكْرَمَهُ اللهُ بِيَدِى، وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِينَنِى بِيَدِهِ. [انظر: 2827 - فتح: 7/ 491]

4240 و 4241 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام بِنْتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَالِ". وَإِنِّي وَاللهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. - فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلاً، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا، وَلَا يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ؛ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاللهِ، لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي، وَاللهِ لآتِيَنَّهُمْ. فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللهُ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَصِيبًا. حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ، فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْخَيْرِ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلاَّ صَنَعْتُهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ لأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةُ لِلْبَيْعَةِ. فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِىَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ، وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بِالَّذِى اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ، وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً

ص: 350

عَلَى أَبي بَكْرٍ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللهُ بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرى لَنَا فِي هذا الأمرِ نَصِيبًا، فَاسْتَبَدًّ عَلَيْنَا، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا. فَسُرَّ بِذَلِكَ المسْلِمُونَ وَقَالُوا: أَصَبْتَ. وَكَانَ الُمسْلِمُونَ إِلَى عَليٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الأمرَ الَمعْرُوفَ. [انظر: 3092، 3093 - مسلم: 1759 - فتح: 7/ 493]

4242 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: وَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا: الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ. [فتح: 7/ 495]

4243 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ. [فتح: 7/ 495]

كانت هذِه الغزوة في جمادى الأولى سنة سبع، وأبعد من قال: إنها في سنة ست، وهي على ثمانية برد من المدينة، وفرق فيها الرايات، ولم تكن الرايات إلا يوم خيبر، إنما كانت الألوية، فكانت رايته السوداء من برد لعائشة تدعى العقاب ولواؤه أبيض، ودفعه إلى علي، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة، وكان شعارهم: يا منصور أمت.

ثم ذكر البخاري في الباب أحاديث نحو الثلاثين:

أحدها:

حديث بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ -بضم أوله- أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ -وَهْيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ- صَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى المَغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

ص: 351

وهذا الحديث سلف في الطهارة بالإسناد المذكور والمتن، فراجعه

(1)

.

وفيه: جواز الشركة في الأزواد.

ومعنى (ثري): بلَّ بالماء.

وقوله: (ولم يتوضأ) قيل: المراد غسل اليدين والأصح الشرعي، ثم نسخ كما سلف هناك.

ثانيها: حديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى

خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلاً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يَا عَامِرُ أَلَا تُسْمِعُنَا، مِنْ

هُنَيْهَاتِكَ. وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا

وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا

وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

إِنَّا إِذَا صيحَ بِنَا أَبَيْنَا

وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ هذا السَّائِق؟ " وساق الحديث في فتح خيبر، وإلقاء لحوم الحمر الأهلية، وعود سيفه عليه فمات.

الشرح:

قوله: (من هنيهاتك) أي: من أراجيزك، وهو تصغير هنة أنثها بنية الأرجوزة أو الكلمة أو نحوها، وجعل أصلها الهنا كما قال قوم: تصغير السنة سهنة وتمد سُنيها، وقيل في تصغيرهما: هنية وسنية.

قال السهيلي: وهو كناية عن كل شيء لا يعرف اسمه أو يعرفه فكنى عنه أراد أن يحدو بهم، والإبل تستحث بالحداء، ولا يكون الحداء

(1)

سلف برقم (209) كتاب: الوضوء، باب: من مضمض من السويق ولم يتوضأ.

ص: 352

إلا شعرًا، وأول من سن حداء الإبل مضر بن نزار لما سقط عن بعيره، فكسرت يده، فبقي يقول: وا يداه، وا يداه.

والرجز شعر وإن لم يكن قريضًا، وقد قيل ليس بشعر وإنما هو أشطار أبيات، وأما الرجز الذي هو شعر سداسي الأجزاء نحو مقصورة ابن دريد، ورباعي الأجزاء نحو قوله:

يا مر يا خير أخ

نازعت در الحلمة

(1)

وقوله: (وكان عامر رجلاً شاعرًا).

عامر هذا هو ابن الأكوع أخو سلمة بن الأكوع، كما صرح به مسلم في "صحيحه"

(2)

وكذا صرح به ابن سعد وغيره

(3)

، وعند ابن إسحاق عامر عم سلمة

(4)

. ووقع في "الروض" أن ابن إسحاق قال: قال صلى الله عليه وسلم لسلمة بن الأكوع: "أسمعنا من هنياتك"

(5)

، والموجود عند ابن إسحاق ما سلف.

وقوله: (يحدو) أي: يزجر الإبل ويغني لها.

وقوله: (فاغفر فداء) هو بفتح الفاء وكسرها، فإذا كسرت مددت، وإذا فتحت قصرت، لكن هنا مع الكسر تقصر للضرورة، والفتح على الأصل، قيل: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: اغفر لنا تقصيرنا في حقك وطاعتك، إذ لا يتصور أن يقال مثل هذا الكلام لله تعالى.

(1)

"الروض الأنف" 4/ 56 - 57.

(2)

مسلم (1802) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة خيبر، وفي حديث رقم (1807) باب: غزوة ذي قرد، صرح بأنه عمه.

(3)

"الطبقات الكبرى" 4/ 302.

(4)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 378.

(5)

"الروض الأنف" 4/ 56.

ص: 353

قال المازري: وفي بعض الروايات: فاغفر لذا بذال ولا اعتراض عليها؛ لأن الرب لا يخاطب بالفداء؛ لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله لبعض الأشخاص، ولعله وقع من غير قصد لمعناه (

)

(1)

يداه، أو يكون من ضروب الاستعارة؛ لأن الفادي لغيره قد بالغ في رضا المفدى حتى بذل نفسه في محابه أو يكون المراد رجلاً يخاطبه، وقطع بذلك بين الفعل والمفعول، كأنه يقول: فاغفر، ثم عاد إلى رجل ينبهه، فقال: فداء لك، ثم عاد إلى الأول، فقال: ما أبقينا. وفيه تعسف.

وقوله: (ما أبقينا). كذا في الأصول، أي: ما خلفنا مما اكتسبنا، أو يكون معناه: ما أبقينا من الذنوب، فعلم تحقق التوبة منه كما ينبغي، ويروى: اقتفينا. أي: ما تتبعنا من الخطايا من قفوت الأمر واقتفيته، وفي التنزيل:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [لإسراء: 36] ويروى: ما اتقينا.

وقوله: (وبالصياح عولوا علينا). أي: أجلبوا علينا بالصوت مأخوذ من العويل، يقال: أعولت القوس: إذا صوتت، وهذا قول الخطابي

(2)

.

قال ابن التين: الظاهر أنه مأخوذ من التعويل، أي: استعانوا علينا بالصياح، يقال: عولت بفلان وعليه: إذا استعنت به. قلت: وفي كتاب "العين" عولت بكذا: استعنت به

(3)

.

وقولهم: (لولا أمتعتنا به). وأصل التمتع التعمير، ومنه متع النهار إذا طال، وقيل: معنى أمتعتنا به: نفعتنا به، ومنه أمتعني الله بك، أي: نفعني. والمخمصة: المجاعة.

(1)

كلام غير واضح في الأصل ولعله: كيف يُتبُّ.

(2)

أعلام الحديث" 3/ 1737.

(3)

"العين" 2/ 248.

ص: 354

وقوله في القدور: (أو نهريقها) هو بفتح الهاء.

وقوله: (فأصاب عين ركبته)، أي: رأسها، والذباب: حد الرأس.

وقوله: (ساق يهودي) هو مرحب، كما في مسلم

(1)

.

وقوله: (أو نهريقها ونغسلها قال: "أو ذاك") ذكره بعد قوله أو نكسرها يؤخذ منه جواز غسل الآنية النجسة ومنه آنية المجوس، إذا قلنا أن نهيه عنها على جهة الإعلام بتحريمها لا على كراهتها.

وقوله قبله: ("على أي لحم"، قالوا: لحم الحمر الإنسية). يجوز رفع (لحوم)

(2)

ونصبه، فالأول على أنه خبر المبتدأ، والثاني على تقدير لحم حمر، فلما سقط الخافض نصب، ويجوز خفضه على بُعد في إعمال حرف الخفض وإن حذف من الكلام.

وقوله: (قفلوا) أي: رجعوا.

وقوله: (قال سلمة رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيدي، قال: "ما لك؟ ").

وروي في كتاب الأدب: رآني رسول الله شاحبًا

(3)

.

وقوله: "لجاهد مجاهد" الجاهد: من يرتكب المشقة، والمجاهد: من يجاهد في سبيل الله، وهو مشتق منه.

وقوله: "قلَّ عربيٌّ مشى بها مثله" أي: قام بها وارتكبها، وروي: مشابهًا مثله. وروي: نشأ بها، وذكره البخاري بعد فقال:(وحدثنا قتيبة، ثنا حاتم قال: نشأ بها) النشء: أحداث الناس وهم النَّشَأ،

(1)

مسلم (1807) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة ذي قرد وغيرها.

(2)

كذا في الأصل ولعله يقصد كلمة (لحم).

(3)

سيأتي برقم (6148) باب: ما يجوز من الشعر

ص: 355

ومنه نشأ فلان، وهو اضطراب من رواة الكتاب كما قاله السهيلي فمن قال: مشى بها فالهاء عائدة على المدينة، كما تقول: ليس بين لابتيها مثل فلان، يقال هذا في المدينة والكوفة، ولا يقال في بلد ليس حوله لابتان، أي: جهتان. ويجوز أن الهاء عائدة على الأرض كما قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)} [الرحمن: 26] ومن قال: مشابهًا مفاعلاً من الشبه فهو حال من عربي، والحال من النكرة لا بأس به إذا دلت على تصحيح معنى، كقوله: فصلى وراءه رجال قيامًا

(1)

، الحال هنا مصححة لفقه الحديث، أي: صلوا في هذِه الحال

(2)

. وقد أسلفنا الكلام على الحمر الأهلية في غير موضع منها قبل الجزية فراجعه من ثمَّ.

الحديث الثالث:

حديث حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنه عليه السلام أَتَى خَيْبَرَ لَيْلاً، وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتِ اليَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ والله، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. فَقَالَ عليه السلام:"خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ".

ثم ساقه من حديث ابن سيرين عن أنس بنحوه.

وزيادة التكبير ولحوم الحمر، ومن هذا الوجه جاءه جاءٍ. فقال: أفنيت الحمر. فنادى بتحريمها.

ومن حديث ثابت عن أنسٍ بنحوه، وساق قصة صَفِيَّةَ وأنها صَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ، ثُمَّ صَارَتْ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.

(1)

سلف برقم (688) كتاب: الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، من حديث عائشة.

(2)

"الروض الأنف" 4/ 63.

ص: 356

وحديث ابن صهيب عن أنس في قصة صفية قال أنس: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا.

وهذا سلف في الصلاة في باب الفخذ عورة، والماضي سلف في الجهاد في باب: التكبير في الحرب

(1)

.

و (الخميس): الجيش كما سلف في الصلاة، والنهي عن لحوم الحمر الأهلية للتحريم عند الجمهور، والرجس: القذر والنتن، وقيل: العذاب، فيحتمل أن يريد تؤديه إلى العذاب، والمكاتل: جمع مكتل بمثناة فوق شبيه الزنبيل، قال أبو نصر: يسع خمسة عشر صاعًا

(2)

، وقال ابن سيده: المكتل والمكتلة: الزنبيل الذي يحمل فيه العنب إلى الجرين

(3)

، فتفاءل عليه السلام؛ لأن المساحي والقفاف آلات الهدم فكان كذلك.

وقوله: (فأكفئت القدور) كذا هنا وفي الجهاد.

قال ابن التين: وصوابه: فكفئت، ويحتمل أن يريد أمالوها حتى أزالوا ما فيها، فيكون أكفئت صحيحًا؛ لأن الكسائي قال: أكفئت الإناء: أملته، قلت: وقال الخليل: أكفأته: قلبته

(4)

. وقال الأصمعي: كفأت الإناء وكل شيء أكفئه كفأً: قلبته، ولا يقال: أكفأه.

وقوله: (فخرجوا يسعون في السكك) في الطرق ومعنى (تفور باللحم): تغلي وروي كذلك

(5)

.

(1)

سلف برقم (371) باب: ما يذكر في الفخذ، والآخر برقم (1991).

(2)

"الصحاح" 5/ 1809 مادة (كتل).

(3)

"المحكم" 6/ 478.

(4)

"العين" 5/ 414 - 415 مادة (كفأ).

(5)

سيأتي برقم (4220).

ص: 357

وذكر البخاري بعد في حديث ابن أبي أوفى: (وبعضها نضجت) بكسر الضاد أي: طابت أعاده على معنى البعض لا على لفظه؛ لأنه كان يقول: وبعضها يطبخ إلا أن المعنى وطائفة نضجت.

وقوله في صفيه: (فأعتقها وتزوجها)، قيل: ظاهره أن العتق تقدم النكاح، وليس كذلك؛ لأن الواو لا توجب ترتيبًا، ولبيانه في الحديث الآخر:(وجعل عتقها صداقها). وقد سلف أن ذلك من خصائصه، ومنهم من أجازه.

فرع:

قال بعض العلماء: الأمة بنفس عتقها يسقط إجبار السيد إياها على النكاح، وثبت لها الخيار في نفسها، فإذا شرطت على نفسها التزويج قبل العتق فإنه سقط بذلك حقها من الخيار قبل ثبوت ذلك الحق لها، وإسقاط الحق قبل وجوبه لا يصح، كالشفعة إذا أسقطها من هي له قبل بيع الشقص.

آخر: قال رجل: أعتق جاريتك وزوجنيها ولك ألف ففعل وأبت الأمة أن تتزوجه، ففي مذهب مالك أقوال:

أحدها: أن الألف لازمة للرجل وللأمة أن لا تتزوج به

(1)

.

ثانيها: أن للسيد من الألف قيمة الأمة ويسقط الزائد.

ثالثها لأصبغ: تسقط الألف على قيمتها وصداق المثل، فيكون للسيد ما قابل الأمة، ولا شيء لها فيما سوى ذلك.

فصل:

وفي إغارته صلى الله عليه وسلم في وجه الصباح طلب البكور وظهور من يأتيه.

(1)

"المدونة الكبرى" 2/ 391.

ص: 358

وفيه أيضًا: إباحة المشي ليلاً وإتعاب الدواب للحاجة.

وفيه أيضًا: أن من بلغته الدعوة من الكفار لا يلزم دعاؤه، ويجوز إغارته. وقد اختلف العلماء في الدعاء قبل القتال والحالة هذِه، فكان مالك يقول: الدعوة أصوب بلغهم ذلك أو لم يبلغهم إلا أن يعجلوا المسلمين أن يدعوهم، وفي رواية ابن القاسم عنه: لا يبيتوا حتى يدعوا.

ونقل البويطي عن الشافعي مثله لا تقاتلوا حتى تدعوا إلا أن تعجلوا عن ذلك، فإن لم يفعل، فقد بلغتهم الدعوة.

وفي رواية المزني: أن من لم تبلغهم الدعوة لا يقاتلون حتى تبلغهم، فإن قيل ذلك على عاقلته الدية. وفي رواية فمن بلغتهم الدعوة، فلا بأس أن يغار عليهم بلا دعوة.

وقال أبو حنيفة وصاحباه: إن دعوهم فحسن، ولا بأس بالإغارة.

وقال الحسن بن صالح: يعجبني كلما حدث إمام بعد إمام أحدث دعوة لأهل الشرك

(1)

، ولا بأس به. دليله حديث سهل في الباب

(2)

ودعاؤهم إلى الإسلام وهو ظاهر في الدعاء أولاً، وقد سلفت المسألة واضحة في الجهاد في باب: الدعاء قبل القتال.

الحديت الرابع:

حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ في التقائه مع المشركين. الحديث بطوله وقد سلف في الجهاد في باب: لا يقال فلان شهيد، سندًا ومتنًا

(3)

، وهو

(1)

"المدونة الكبرى" 1/ 367، "الاستذكار" 2/ 215 - 216، "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 425.

(2)

سيأتي برقم (4210).

(3)

سلف برقم (2898).

ص: 359

كالدلالة على أنه استحل قتل نفسه أو علم الشارع منه نفاقًا، كما نبه عليه البيهقي

(1)

وأسلفناه هناك.

ثم اعلم أنه ذكر هنا أنه قال: فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه، فقتل نفسه، وذكر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور بعده أنه أهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها أسهمًا فنحر بها نفسه، وظاهره تعدد الواقعة.

وقول ابن التين أنه مخالف له هو كما قال، لكن ما حملناه عليه أولى.

الحديث الخامس:

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْنَا خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الإِسْلَامَ:"هذا مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَلَمَّا حَضَرَ القِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ القِتَالِ، حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الجِرَاحَةُ، فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أن يَرْتَابَ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الجِرَاحَةِ، فَأَهْوى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا، فَنَحَرَ بِهَا نفْسَهُ، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، صَدَّقَ اللهُ حَدِيثَكَ، انْتَحَرَ فُلَانٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ:"قُمْ يَا فُلَانُ فَأَذِّنْ أن لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِن، إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ". تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

وَقَالَ شَبِيبٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَاب: أَخْبَرَنِي ابن المُسَيَّبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالً: شَهِدْنَا مَعَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(1)

"دلائل النبوة" 4/ 254.

(2)

في هامش الأصل: نسخة: حنين.

ص: 360

وَقَالَ ابن المُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. تَابَعَهُ صَالِحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: أَخْبَرَنِي الزُّهْريُّ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَسَعِيدٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

الشرح:

معنى (تابعه معمر عن الزهري) يعني: تابع شعيبًا، وهذِه أخرجها مسلم عن عبد الرزاق عنه

(1)

، وأسلفها البخاري في الجهاد في (باب)

(2)

: "إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر"

(3)

.

وقوله: (وقال ابن المبارك) إلى آخره. أخرجه النسائي أيضًا لكن عن عمران بن بكار [عن أبي اليمان]

(4)

، عن شعيب، عن الزهري، عن سعيد به

(5)

.

وأخرجه

(6)

مسلم، عن أبي الطاهر، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن، قال مسلم: ونسبه غير ابن وهب، فقال: ابن عبد الله بن كعب بن مالك

(7)

.

(1)

مسلم (111) كتاب: الإيمان، باب: غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه.

(2)

في الأصل: باب قول الله تعالى: إن الله

، ولعله سهو، فهذا لفظ في الحديث.

(3)

سلف برقم (3062).

(4)

ساقط من الأصل وأثبتناه من "السنن الكبرى"، "تحفة الأشراف" 10/ 24 (13173).

(5)

النسائي في "الكبرى" 5/ 278 - 279 (8884).

(6)

كلام المصنف من هنا إلى قوله: (وكذلك النسائي وذكر الصواب في ذلك) يقصد حديث سلمة بن الأكوع السالف.

(7)

مسلم (1802/ 124).

ص: 361

قال المازري: كان بعضهم يقول: وهم ابن وهب في إسناده فيقول: عن الزهري، عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن كعب. ففسره مسلم وأصلحه كذلك، قال: ونسبه غير ابن وهب، وقال: هكذا قال أحمد بن صالح وغيره، عن ابن وهب، وقال الدارقطني: خالف ابن وهب في هذا القاسم بن مبرور، عن عبد الله بن عبد الله بن كعب، وهو الصواب، وقال بعضهم: قد نبه أبو داود في "السنن" على وهم ابن وهب في هذا

(1)

، وكذلك النسائي وذكر الصواب في ذلك

(2)

.

وأخرجه أبو نعيم في "دلائله" من حديث عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه ثم قال: اتفقوا على أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فذكر القصة. وروى سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد أن ذلك كان بأحد، ثم ساقه

(3)

.

وقال الجياني: الصواب عندي قول الزهري: وأخبرني عبد الرحمن ابن عبد الله وسعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما عبد الله بن كعب بن مالك فلا أعلم له دخولاً في هذا الإسناد.

قال الذهلي: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، فذكره. ورواه الذهلي أيضًا، عن أحمد بن شبيب، ثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب بلفظ: حنين، فلا أدري ممن الوهم. ومتابعة صالح رواها الذهلي، عن عبد العزيز ابن عبد الله الأويسي، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح.

(1)

أبو داود (2538).

(2)

النسائي في "الكبرى" 6/ 136 - 137 (10368).

(3)

رواه ابن الجعد في "مسنده" ص 429 (2930) وأبو يعلى في "مسنده" 13/ 537 (7544).

ص: 362

وقال الأويسي: حنين، فوهم ومتابعة الزبيدي رواها أيضًا عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، حدثني عمرو بن الحارث، عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن الزهري، أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أخبره أن عمه عبد الله بن كعب قال: أخبرني من شهد خيبر .. ، قال الذهلي: فمعمر وشعيب قد اشتملا على الحديث كله فاستقصياه كله عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، ولم يستقصه صالح ولا الزبيدي. قال الجياني: كان الزهري يتفوه بالحديث من طرق شتى لسعة علمه، وكل أصحابه الحفاظ يروي عنه الحديث كما سمعه، فكل هذِه الطرق صحاح محفوظة لا يدفع بعضها بعضًا ما خلا حديث أحمد بن شبيب، وقد واطأ الزبيدي على إرسال آخر هذا الحديث، عن ابن كعب وابن المسيب: موسى بن عقبة وابن أخي الزهري عن [الزهري].

ثم ساقه من حديث إبراهيم بن حمزة، عن محمد بن فليح، عن موسى، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب وابن عبد الله بن كعب أنه صلى الله عليه وسلم ..

ومن حديث إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي، عن ابن أخي الزهري، عن عمه، فذكره. قال أبو علي: في كتاب "التمييز على مسلم" في هذا الإسناد نوع آخر من التصحيف، وكله (نص)

(1)

على أن الذي وقع في "الجامع" من ذكر عبد الله بن عبد الله وهم، وإنما صحيحه عبد الرحمن بن عبد الله، وكنت أقول: جاء هذا الوهم فيمن دون البخاري لولا أنه ساق الإسناد، كذا في "تاريخه" عن عبد الله بن

(1)

في الأصل: ليس، والمثبت الأليق للسياق.

ص: 363

عبد الله وسعيد

(1)

، قال محمد بن يحيى: وأما يونس فحديثه عندنا غير محفوظ، حيث جعله عن سعيد وابن كعب، عن أبي هريرة واشتمل على الحديث كله، ولم يميز منه شيئًا، فوهم في الإسناد والمتن جميعًا -أعني: حديث أحمد بن شبيب- حيث أسند الحديث بكماله عن عبد الرحمن، وعبد الرحمن لم يرو إلا بعضه

(2)

.

الحديث السادس:

حديث أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ - أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ: بِالتَّكْبِيرِ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إله إِلَّا اللهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"ارْبَعُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ .. " الحديث.

وقد سلف في الجهاد في باب ما يكره من رفع الصوت بالتكبير

(3)

.

ومعنى ("اربعوا"): ارفقوا وهو بكسر الهمزة، يقال: ربع عليه يربع ربعًا: إذا كفَّ عنه، واربع على نفسك: كف عنها وارضى بها.

الحديث السابع:

حَدَّثنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، مَا هذِه الضَّرْبَةُ؟ فَقَالَ: هذِه ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ، فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ.

هذا من ثلاثياته العالية، ومن أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.

(1)

"التاريخ الكبير" 5/ 307.

(2)

"تقييد المهمل" 2/ 679 - 687.

(3)

سلف برقم (2992).

ص: 364

والنفث: نفث الراقي ريقه وهو أقل من التفل في قول ابن فارس

(1)

. وقال أبو عبيد: هو شبيه بالنفخ، وأما التفل فلا يكون إلا ومعه ريق

(2)

. الحديث الثامن: حديث سهل السالف قريبًا

(3)

.

والبخاري ساقه هنا عن عبد الله بن مسلمة، ثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل، وساقه هناك عن قتيبة، عن يعقوب، عن أبي حازم، عن سهل، وهو ما ساقه في الجهاد وكما قدمناه، فأراد هنا إردافه عن شيخ آخر.

الحديث التاسع:

حديث أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: نَظَرَ أَنَسٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَرَأى طَيَالِسَةً، فَقَالَ: كَأَنَّهُمُ السَّاعَةَ يَهُودُ خَيْبَرَ. فيه إخبار أن هذِه كانت حالتهم، وكذا ساقه البخاري.

الحديث العاشر:

حديث سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ رَمِدًا .. الحديث. وفيه: فَأَعْطَاهُ الراية، فَفُتِحَ عَلَيْهِ.

الحديث الحادي عشر:

حديث سهل بن سعد مثله. وفيه: "لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ". فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ. وفي آخره: أنه أعطاها لعلي بعد أن بصق في عينيه فبرأ. وفيه: "ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الاسْلَامِ، فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرُ النَّعَمِ".

(1)

"مجمل اللغة" 4/ 878.

(2)

"غريب الحديث" 1/ 180.

(3)

سلف في الباب برقم (4202).

ص: 365

وسلف في مناقب علي

(1)

.

ومعنى (يدوكون) يخوضون والدوكة: الاختلاط والخوض. وَبرَأَ على وزن ضرب، ويجوز: بَرِئَ على وزن علم، و"حمر النعم": لون محمود، والنعم: الإبل خاصة تذكر وتؤنث كما سلف، فإذا قلت: أنعام قل على الإبل والبقر والغنم، ومعناه: أن تكون لك فتصدق بها. وقيل: تقتنيها وتملكها. وقيل: النعم مثل الأنعام.

وفيه: منقبة ظاهرة لعلي رضي الله عنه.

الحديث الثاني عشر:

حديث عَمْرٍو -مَوْلَى المُطَّلِبِ- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْنَا خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا، حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ، فَبَنى بِهَارَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ لِي:"اَذِنْ مَنْ حَوْلَكَ". فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى المَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ.

هذا الحديث سلف في البيوع قريبًا من السلم

(2)

.

الحديث الثالث عشر:

حديث حُمَيْدٍ، عن أَنَسٍ رضي الله عنه أنه عليه السلام أَقَامَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَى بِطَرِيقِ خَيْبَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى أَعْرَسَ بِهَا، وَكَانَتْ فِيمَنْ ضُرِبَ عَلَيْهَا الحِجَابُ.

(1)

سلف برقم (3701) كتاب: فضائل الصحابة.

(2)

سلف برقم (2235) باب: هلا يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها.

ص: 366

الحديث الرابع عشر:

حديثه أيضًا عنه: أَقَامَ عليه السلام بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلَّا أَنْ أَمَرَ بِلَالاً بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إِحْدى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فقالوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ إِحْدى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ. فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الحِجَابَ.

الحيس في الحديث الأول هو ما ذكر في الحديث الثالث: التمر والأقط والسمن وعبارة الهروي أنه ثريد من أخلاط.

وفيه: أن الوليمة بعد البناء، وبه صرح ابن الجلاب من المالكية.

وقوله: (يحوِّي) هو بتشديد الواو، قال القاضي عياض: كذا رويناه، وذكر ثابت والخطابي يحوي، ورويناه كذلك عن بعض رواة البخاري وكلاهما صحيح، وهو أن يجعل لها حوية وهو كساء محشو بليف يدار حول سنام الراحلة، وهي مركب من مراكب النساء، وقد رواه ثابت: يحول، باللام وفسره: يصلح لها عليه مركبًا

(1)

.

والعباءة ممدودة وهي ضرب من الأكسية وكذلك العباة. والعروس: نعت يستوي فيه المذكر والمؤنث مادام في تعريسهما أيامًا. قال ابن فارس: وأحسن ذلك أن يقال للرجل مُعْرِس؛ لأنه قد أعرس أي: اتخذ عِرسًا

(2)

.

(1)

"مشارق الأنوار" 1/ 216.

(2)

"مجمل اللغة" 3/ 658.

ص: 367

فائدة:

عمرو الراوي عن أنس في الحديث هو عمرو بن أبي عمرو ميسرة أبي عثمان مولى آل المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمرو بن مخزوم، من رجال مسلم أيضًا.

وقال أحمد: لا بأس به، وكذا قال ابن معين، وروى عباس الدوري عنه أنه لا يحتج بحديثه. مات في أول خلافة أبي جعفر، وكان المطلب ابن حنطب من أسارى بدر، فمنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء لفقره وعجزه عن فداء نفسه، وليس لأبيه حنطب صحبة ولا رواية وقد ذكره أبو عمر ابن عبد البر في "استيعابه" ووهم وذكر له حديثًا رواه المغيرة ابن عبد الرحمن

(1)

، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أبيه، عن جده أنه صلى الله عليه وسلم قال:"أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر"

(2)

.

والصواب فيه: عن المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب، عن أبيه، عن جده، فوقع الوهم في إسقاط المطلب الأعلى، بدليل أن أبا عمر قال في ترجمة ولده المطلب بن حنطب: روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر .. " الحديث

(3)

.

الحديث الخامس عشر:

حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ -أي بالغين المعجمة والفاء- قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِي قصر خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَان بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَحْيَيْتُ.

(1)

ورد في هامش الأصل: المغيرة هو الحزامي وهو ضعيف، وقد ضعفه أيضًا

أبو عمر في "الاستيعاب" في هذا الحديث المشار إليه في الأصل.

(2)

"الاستيعاب" 1/ 448 - 449.

(3)

"الاستيعاب" 3/ 458.

ص: 368

وقد سلف في أواخر الخمس

(1)

. ومعنى نزوت: وثبت، والجراب بالكسر أفصح من الفتح، وفيه حجة لمن قال بإباحة لحوم ذبائح أهل الكتاب وهو ما في "المبسوط" وقول ابن نافع وفي كتاب محمد هي محرمة وكرهها ابن القاسم.

وقوله: (فاستحييت) كذا في الأصول بياءين وذكره ابن التين بياء واحدة وقال: كذا وقع، وذلك جائز؛ لأنه يقال: استحى واستحيى، والثاني: لغة القرآن.

الحديث السادس عشر:

حديث نَافِعٍ وَسالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّه عليه السلام نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ الثُّوْمِ، وً عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الإنسية.

نهى عن أكل الثوم هو عن نافع وحده. وعن سالم: لحوم الحمر الإنسية.

هذا الحديث من أفراده وظاهر النهي عليه وعلى غيره، لكن في أفراد مسلم من حديث أبي سعيد الخدري في قصة خيبر أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من أكل من هذِه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا في المسجد"، فقال الناس: حرمت، حرمت. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي ولكنها شجرة أكره ريحها"

(2)

. وهو ظاهر في الكراهة فقط، ومثله ما في مسلم من حديث أبي أيوب: أحرام هو؟ قال: "لا، ولكني أكرهه من أجل

(1)

سلف برقم (3153) باب: ما يصيب من الطعام في أرض الحرب.

(2)

مسلم برقم (565) كتاب: المساجد، باب: نهي من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراتًا أو نحوها عن حضور المسجد.

ص: 369

ريحه" قال: فإني أكره ما كرهت، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُؤتى. يعني: يأتيه جبريل

(1)

، وفي البخاري أيضًا أنه كان لا يأكله، وفيه:"كل فإني أناجي من لا تناجي"

(2)

والأشبه عند الشافعية أنه كان مكروهًا في حقه لا حرامًا

(3)

.

فائدة:

هذا الحديث رواه البخاري، عن عبيد بن إسماعيل، وفي بعض نسخه: عبيد الله. قال الجياني: هو عبيد الهباري، يقال: كان اسمه عبد الله فغلب عليه عبيد حتى صاركاللقب

(4)

.

الحديث السابع عشر:

حديث عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لحوم الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ.

المراد بمتعة النساء: نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل، وجاء هنا النهي عنها يوم خيبر، وفي "صحيح مسلم" من حديث سبرة بن معبد أنها حرمت عام الفتح

(5)

، ولا تصح رواية أنها عام تبوك

(6)

، وروي: عام حجة الوداع

(7)

، ثم حرمت إلى يوم القيامة، وستكون لنا عودة في

(1)

مسلم برقم (2053/ 171) كتاب: الأشربة، باب: إباحة أكل الثوم

(2)

سلف برقم (855) كتاب: الأذان، باب: ما جاء في الثوم

(3)

"حاشيتا قليوبي وعميرة" 1/ 227.

(4)

"تقييد المهمل" 2/ 688.

(5)

مسلم (1406/ 22) كتاب: النكاح، باب: نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ

(6)

رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 26، وأبو يعلى في "المسند" 11/ 503 (6625)، والبيهقي في "السنن" 7/ 207.

(7)

رواه أبو داود برقم (2072)، وأحمد 3/ 404.

ص: 370

النكاح -إن شاء الله- فإنه أليق به، وقد أوضحناه بفروعه في "شرح العمدة" أيضًا.

وقال السهيلي: النهي عنه في خيبر لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر

(1)

. ومعنى الحديث النهي عن المتعة بعد ذلك اليوم

(2)

، قلت: رواية علي تخالفه، لكن قال البيهقي: إن ابن عيينة كان يزعم ذلك أيضًا، قال: ويشبه أن يكون كما قال

(3)

. قلت: وهو أغرب ما وقع في الشريعة، أبيح، ثم نهي عنه في خيبر، ثم أبيح في عمرة القضاء وأوائل الفتح، ثم نهي عنه، ثم أبيح، ثم نهي عنه إلى يوم القيامة.

الحديث الثامن عشر:

حديث نافع عن ابن عمر أيضًا في نهيه يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية.

وحديث نافع وسالم عنه به.

وحديث جابر: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي الخَيْلِ.

ثم ذكر حديث ابن أبي أوفى من طرق فيها.

وقد سلف حديث سلمة وأنس مثله، ثم ذكر حديث البراء نحوه.

وفي لفظ: أَمَرَنَا في غزوة خَيْبَرَ أَنْ نُلْقِيَ الحُمُرَ الأَهْلِيَّةَ نِيئَةً وَنَضِيجَةً، ثُمَّ لَمْ يَأمُرْنَا بعد بِأَكْلِهِ.

(1)

ورد بهامش الأصل: رده ابن قيم الجوزية في "الهدي" برد حسن واضح، وقد قدم شيخنا المؤلف كلام السهيلي في "روضة الطالبين" وهو حسن فتنظره من "الروض" إن أردته فإنه مطول.

(2)

"الروض الأنف" 4/ 59.

(3)

"سنن البيهقي" 7/ 201 - 202.

ص: 371

والنييء بالكسر ما لم ينضج، وبالفتح: الشحم.

ثم ذكر عن ابن عباس: لَا أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ، أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ. وهو أحد التعاليل.

وقد سلف، والبخاري روى هذا الأخير، عن محمد بن أبي الحسين وهو أبو جعفر محمد بن جعفر بن أبي الحسين السمناني الحافظ من أفراده، عن عمر بن حفص بن غياث النخعي الكوفي، روى البخاري ومسلم عنه، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين ورويا هنا عن رجل عنه.

الحديث التاسع عشر:

بعد ذلك حَدَّثنَا الحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، ثثَا زَائِدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ.

تفسير نافع حجة للجمهور ومنهم مالك والشافعي وأحمد خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: للفرس سهم، وقد أسلفنا الكلام على ذلك واضحًا في الجهاد في باب سهام الفرس فراجعه.

و (الحسن) هذا شيخ البخاري هو أبو علي الحسن بن إسحاق بن زياد المروزي مولى بني ليث يلقب حسنويه الشاعر الثقة من أفراده مات سنة إحدى وأربعين ومائتين، و (محمد بن سابق) كوفي بزاز نزل بغداد، روى له مسلم أيضًا عن رجل عنه، وروى عنه البخاري في الوصايا فقط في باب قضاء الوصي ديون الميت، فقال: حدثنا

ص: 372

محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب عنه، ثنا شيبان

(1)

، وروى عن جماعة عنه في مواضع أخر، مات سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة ومائتين وباقي الإسناد لا يسأل عنه.

الحديث العشرون:

حديث سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رسول صلى الله عليه وسلم فقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي المُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ بمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ. فَقَالَ:"إِنَّمَا بَنُو هَاشِمِ وَبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحدٌ". قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لبَنِي عَبْدِ شمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا.

وقد سلف واضحًا في الخمس بعد الجهاد

(2)

.

وقوله: "واحد" كذا سلف هناك أيضًا، وذكره ابن التين بلفظ:(شيء) بدل (أحد)

(3)

، ثم قال: أي: واحد.

الحديث الحادي بعد العشرين:

حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ونَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي، فذكر الهجرة إلى النجاشي قال: فَوَافَقْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ.

وقوله عليه السلام لأسماء بنت عميس: ("ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان، وله -يعني: عمر- ولأصحابه هجرة .. ") الحديث بطوله.

وقد سلف قطعة منه في الخمس

(4)

.

(1)

سلف برقم (2781).

(2)

سلف برقم (3140) باب: ومن الدليل على أن الخمس للإمام

(3)

ورد في هامش الأصل: أحد صوابه واحد.

(4)

سلف برقم (3136) باب: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين

ص: 373

قول أسماء: (رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً) أي: أفواجًا متفرقين وهو جمع رسل، كل شيء أرسلته فهو رسل.

وقولها قبله: (وايم الله) هي ألف وصل، وقيل: قطع بفتح الهمزة، وقيل: بكسرها، يقال: إيم الله وإيمن الله ومن الله، وقيل: أيمن جمع يمين، ثم كثر في كلامهم فحذفوا النون كما قالوا في لم يكن: لم يك.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ("إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل") صوابه: يرحلون بالحاء، كما نبه عليه الدمياطي.

وقوله: ("أن تنتظروهم") كذا هو في الأصول، وذكره ابن التين بلفظ:"تنظروهم" ثم قال: أي: تنتظروهم، وهو مثل:{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] ومعنى كلامه أن أصحابه يحبون القتال في سبيل الله ولا يبالون بما أصابهم في ذلك.

الحديث الثاني بعد العشرين:

حديث أَبِي مُوسى رضي الله قَالَ: قَدِمْنَا عَلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَسَمَ لَنَا، وَلَمْ يَقْسِمْ لأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الفَتْحَ غَيْرَنَا.

قد سلف في الخمس، وأسلفنا في إعطائهم تأويلات.

وقال أبو حنيفة: من جاء بعد القتال وإحراز الغنيمة وقبل الخروج من دار الحرب يسهم له

(1)

.

وحديث: "الغنيمة لمن شهد الوقعة"، يرده ولا ينفي المعونة عنه أيضًا

(2)

.

(1)

"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 460 - 462.

(2)

رواه عبد الرزاق في "المصنف" 5/ 302 (9689)، والطبراني في "الكبير" 8/ 321 (8203)، والبيهقي في "السنن" 6/ 335 عن عمر بن الخطاب موقوفًا، =

ص: 374

الحديث الثالث بعد العشرين:

حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا البَقَرَ وَالإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَادِي القُرى، وَمَعَهُ عَبْدٌ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ سَهْم عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ العَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَلَئ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ التِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا". فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشِرَاكٍ أَوْ شراكين، فَقَالَ: هذا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "شِرَاكٌ مِن نَارٍ أو شراكان من نار".

الشرح:

قوله: (الضباب) كذا هو في الأصول، وصوابه: الضبيب

(1)

بالتصغير، كما نبه عليه المحدثون، وعن أهل النسب: الضبني بفتح الضاد وكسر الموحدة ونون نسبة إلى ضبينة بطن من جذام، وهذا المهدي أسمه رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي، ثم الضبني، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية قبل خيبر في جماعة من قومه، فأسلموا وعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه، قاله الواقدي

(2)

، وكذا ضباب بكسر الضاد وهو ابن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.

= وترجم به البخاري في كتاب: فرض الخمس، باب رقم (9). وعزاه الحافظ في "الفتح" 6/ 224 لعبد الرزاق وقال: بإسناد صحيح.

(1)

ورد بهامش الأصل: سيأتي على الصواب في الأيمان والنذور.

(2)

"مغازي الواقدي" ص 557.

ص: 375

وقوله: (عائر) أي: جائر عن قصده، قاله الخطابي

(1)

. وقال ابن فارس: هو الذي لا يدري من أين يأتي

(2)

.

الحديث الرابع بعد العشرين:

حديت زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ، لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ المسلمين بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا.

ثم ساق من حديث مَالِكٍ، عَنْ زبدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: لَوْلَا آخِرُ المُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ.

وهذا سلف في الجهاد في الغنيمة لمن شهد الوقعة، والمزارعة

(3)

.

قوله: (ببَّانًا) هو بباء موحدة، ثم مثلها مشددة، ثم ألف، ثم نون، يريد التسوية في القسم وكان يفضل المهاجرين وأهل بدر في العطاء.

قال أبو عبيد: (ببانا ليس لهم شيء) يعني: شيئًا واحدًا

(4)

.

وقال الخطابي: لا أحسب هذِه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث

(5)

.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1743.

(2)

"مجمل اللغة" 3/ 639 مادة (عير).

(3)

سلف برقم (3125) كتاب: فرض الخمس، باب: الغنيمة لمن شهد الوقعة، وبرقم (2334) باب: أوقاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ..

(4)

"غريب الحديث" 2/ 37، ونقله عن ابن مهدي.

(5)

"أعلام الحديث" 3/ 1745، من كلام أبي عبيد، وهو في "الغريب" 2/ 37.

ص: 376

قال ابن فارس والجوهري: يقال هم ببانٍ واحد، كما يقال: بَأْج واحد

(1)

فعلان، وقيل: على طريقة واحدة.

وقال الطبري: هو المعدم الذي لا شيء معه، أي: لولا أن أتركهم فقراء أي: متساوين في الفقر، ومشهور مذهب مالك أن الأرض لا تقسم، وحجة عمر قوله تعالى:{مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} إلى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 7 - 10] قال: ما أرى هذِه الآية إلا مستوعبة لجميع المسلمين حتى الراعي بعدن، فطولب بقسمتها، فامتنع، فألح عليه بلال، فقال: اللهم اكفني بلالاً، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك، وتلاه عثمان وعلي رضي الله عنه مثله، وقد غنم صلى الله عليه وسلم غنائم وأراضي ولم ينقل عنه أنه قسم فيها إلا خيبر، وذكر أنه إجماع السلف، فإن رأى الإمام في وقت من الأوقات قسمتها رأيًا لم يمتنع ذلك فيها.

الحديث الخامس بعد العشرين:

حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه أَتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ، قَالَ لَهُ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ العاصي: لَا تُعْطِهِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هذا قَاتِلُ ابن قَوْقَلٍ ..

الحديث.

سلف في الجهاد في باب الكافر يقتل المسلم

(2)

.

ثم قال: وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عن عَنْبَسَة بْنِ سَعِيدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ فذكره.

وقوله: (تدلى علينا من قدوم الضان) بالنون غير مهموز جبل لدوس، وقدوم بفتح القاف وتخفيف الدال: ثنية.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 114، "الصحاح" 1/ 90 مادة:(ببب).

(2)

سلف برقم (2827).

ص: 377

وقوله بعد: (من رأس ضال): السدر وهو وهم، وقيل: يقال: في الجبان ضال وضان، وراجع ذلك فيما سلف تجده واضحًا.

والوبر: دويبة تشبه السنور، قاله الخطابي

(1)

: وأحسب أنها تؤكل؛ لوجوب الفدية فيها عن بعض السلف وكأنه صغر بأبي هريرة ونسبه إلى قلة القدرة على القتال.

ثم ذكر حديث عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَخْبَرَنِي جَدِّي، أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ أَقْبَلَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هذا قَاتِلُ ابن قَوْقَلٍ. فقال أَبَانُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: وَاعَجَبًا لَكَ وَبْرٌ تَدَأْدَأَ مِنْ قَدُومِ ضَانٍ. يَنْعَى عَلَيَّ امْرَأً أَكْرَمَهُ اللهُ بِيَدِي، وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِينَنِي بِيَدِهِ.

وإسلام أبان بين الحديبية وخيبر وهو الذي أجار عثمان يوم الحديبية حين بعثه صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى مكة، وقاتل النعمان بن مالك القوقلي يوم أحد صفوان بن أمية الجمحي ذكره أهل السير وسلف هناك.

وقوله: (تدأدأ) أصله تدهده، أي: تدحرج قلبت الهاء همزة وقد يكون الدأدأ صوت وقع الحجارة في السيل كأنه يقول: وبر هجم علينا، وهو قريب من معنى الأول.

قال القاضي: تدأدأ كذا لهم وعند المروزي تردى وتدلى ومعناهم متقارب أي: نزل من جبله، يقال: تدهده الحجر إذا انحط من علو إلى سفل

(2)

، ومعنى:(ينعى عليّ) أي: يعيبني ويوبخني.

وقوله: (ينعي علي امرأً) أي: قتل امرئ كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:82].

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1747.

(2)

"مشارق الأنوار" 1/ 252.

ص: 378

وقوله: (ومنعه أن يهني بيده) أصله: يهينني فاجتمع نونان متحركان فأسكنت الأولى منهما وأدغمت في الثانية كقوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: 95] فلما أسكنت النون الأولى اجتمع ساكنان الياء والنون، فحذفت النون؛ لالتقاء الساكنين.

والحديث الأول فيه أن أبا هريرة لما سأل (قال له بعض بني سعيد: لا تعطه)، والثاني: أن أبا هريرة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقسم لأبان وأصحابه. وفي سؤاله القسمة ما دل أن إسلامه بخيبر وهو كذلك.

خاتمة للباب:

ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها أن فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَة" .. الحديث بطوله.

وقول أبي بكر لعمر رضي الله عنهما: (وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي) أي: وما حسبت أو تخوفت وأصله أن يكون كله رجاء، ويجوز في عسيت فتح السين وكسرها وهما قراءتان.

وقوله: (وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا) أي: ننافسك.

وقوله: (فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِي عَلَى المِنْبَرِ) كذا في الأصول رقي بالياء وذكره ابن التين بالألف وقال: كذا وقع، وصوابه: بالياء على وزن علم.

وقول أبي بكر: (لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الخَيْرِ) أي: لم أقصر أصله: ألوت آلو مثل: سموت: أسمو، فدخل الجازم فحذف الواو من آلو فبقي آل.

ص: 379

وقول علي: (وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ) أي: انفردت بالأمر والرأي قاله الخليل

(1)

، وذكره ابن التين بلفظ: استبدت، ثم قال: أصله استبددت بدالين، وكذلك عند أبي ذر، لكنه يجوز حذف إحداهما، كقوله تعالى:{فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 65] وقد سلف فقه الحديث في باب الخمس.

وقوله: (فَعَاشَتْ -يعني فاطمة- بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ) قيل: عاشت بعده ثلاثة.

ثم ختم البخاري بحديث عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا: الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ.

وحديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: مَا شَبِعْنَا -يعني من التمر- حَتَّى فَتَحْنَاخَيْبَرَ.

والبخاري روى عن الحسن، عن قرة.

والحسن هذا: يقال: هو الزعفراني كذا بخط الدمياطي، وزعم الكلاباذي أنه الحسن بن شجاع بن رجاء البلخي، وقيل: الحسن بن محمد بن الصباح

(2)

.

خاتمة في قسمة خيبر:

ذكر ابن سعد عن بشير بن يسار أنه صلى الله عليه وسلم لما أخذها عنوة [قسمها]

(3)

على ستة وثلاثين سهمًا جمع كل سهم مائة سهم وجعل نصفها لنوائبه وما ينزل به، وعزل النصف الآخر فقسمه بين المسلمين، وسهم النبي فيما

(1)

"العين" 8/ 14.

(2)

انظر: "الجمع بين رجال الصحيحين". لابن القيسراني 1/ 84.

(3)

ساقطة من الأصول، والمثبت من مصدر التخريج.

ص: 380

قسم بين المسلمين الشق والنطاه وما حيز معهما، وكان فيما وقت الوطيحة والكتيبة وسلالم وما حيز معهن وشهدها مائة فرس

(1)

.

قال المنذري: واختلف في فتحها هل كان عنوة أو صلحًا أو جلا أهلها عنها بغير قتال أو بعضها صلحًا وبعضها عنوة، وبعضها جلا أهله رعبًا، قال: وهذا هو الصحيح وعليه تدل السنن الواردة في ذلك ويندفع التضاد عن الأحاديث؛ وفي كل وجه أثر مروي.

وقال ابن عبد البر: الصحيح أنها فتحت عنوة كلها مغلوبًا عليها، وأنه صلى الله عليه وسلم قسم جميع أرضها على الغانمين لها الموجفين عليها بالخيل والركاب، وهم أهل الحديبية.

لم يختلف العلماء أن أرض خيبر مقسومة وإنما اختلفوا هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف؟ فقال الكوفيون: الإمام مخير بين القسمة كما فعل الشارع بأرض خيبر، وبين إيقافها كما فعل عمر بسواد العراق.

وقال الشافعي: يقسم الأرض كلها كما قسم صلى الله عليه وسلم خيبر؛ لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار. وذهب مالك إلى إيقافها اتباعًا لعمر، وأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة كما فعل عمر من إيقافها لمن يأتي بعد من المسلمين لأثر عمر السابق.

وفي لفظ: لولا أن يترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سهمانًا كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر سهمانًا. وهو دال على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانًا كما قال ابن إسحاق.

(1)

"طبقات ابن سعد" 2/ 113 - 114، ورواه أيضا أبو داود (3013).

ص: 381

وأما من قال: إن خيبر كان بعضها صلحًا وبعضها عنوة، فقد وهم وغلط، وإنما دخلت عليه الشبهة بالحصنين الذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم فلما لم تكن صلحًا

(1)

. لعمري إنه في الرجال والنساء والذرية لضرب من الصلح، ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال، فكان حكم أرضها كحكم أرض خيبر كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها، وإنما شُبِّه على من قال: إن نصف خيبر صلح ونصفها عنوة بحديث يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار -يعني: المذكور أولا- ولو صح هذا لكان معناه أن النصف له مع سائر من وقع في ذلك النصف معه؛ لأنها قسمت على ستة وثلاثين سهمًا، فوقع سهمه صلى الله عليه وسلم وطائفة معه في ثمانية عشر سهمًا، ووقع سائر الناس في باقيها، وكلهم ممن شهد الحديبية ثم خيبر، وليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال صلحًا، ولو كانت صلحًا لملكها أهلها كما يملك أهل الصلح أرضهم وسائر أموالهم، فالحق في هذا والصواب فيما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة وغيره عن ابن شهاب

(2)

.

قلت: حديث بشير اختلف في رواية يحيى له، فبعض أصحاب يحيى يقول فيه: عن بشير، عن سهل بن أبي حثمة

(3)

. وبعضهم يقول: سمع بشير نفرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا

(4)

(1)

هكذا في الأصل، وفي "الدرر": فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظُنَّ أن ذلك صُلحٌ.

(2)

"الدرر في اختصار المغازي والسير" ص 201 - 203.

(3)

أبو داود (3010).

(4)

السابق (3011).

ص: 382

-فيما ذكره أبو داود- وبعضهم يقول: عن رجال من الصحابة

(1)

، ومنهم من يرسله. قال: فكان النصف سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعزل النصف للمسلمين لما ينوب من النوائب.

ورواية محمد بن فضيل، عن يحيى، عنه، عن رجال من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهمًا، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين النصف الباقي للوفود

(2)

. فهاتان الروايتان مصرحتان بأن النصف له وللمسلمين المقسوم عليهم والنصف الباقي هو المدخر وأصرح من ذلك رواية سليمان بن بلال، عن يحيى، عن بشير المرسلة أنه صلى الله عليه وسلم قسمها ستة وثلاثين سهمًا، فعزل للمسلمين ثمانية عشر سهمًا، يجمع كل سهم مائة، سهم النبي صلى الله عليه وسلم معهم كسهم أحدهم، وعزل ثمانية عشر سهمًا، وهو الشطر لنوائبه، وكان ذلك الوطيح والكتيبة والسلالم وتوابعها

(3)

. فقد يضمن هذا المدخر للنوائب الذي لم يقسم بين الغنائم هو الوطيح والسلالم الذين لم يجر لهما في الغنيمة ذكر صريح. والكتيبة التي كان بعضها صلحًا وبعضها عنوة، وقد يكون غلب عليها حكم الصلح، فلذلك لم يقسم فيها قسم.

وما أسلفناه من أنهم كلهم ممن شهد الحديبية ثم خيبر فالمعروف أن غنائم خيبر كانت لأهل الحديبية من حضر الوقعة بخيبر ومن لم يحضرها، وهو جابر بن عبد الله، وذلك أن الله أعطاهم ذلك في شجرة الحديبية وأن أهل السفينة من لم يشهدوا الحديبية ولا خيبر، وكانوا فيمن قسم لهم من غنائم خيبر، وكذلك الدوسيون

(1)

السابق (3012).

(2)

السابق (3012).

(3)

السابق (3014).

ص: 383

والأشعريون، وذهب آخرون إلى أن بعضها فتح صلحًا وبعضها عنوة، روي ذلك عن سعيد بن المسيب وابن شهاب.

ولأبي داود من حديث عبيد الله بن عمر -قال: أحسبه عن نافع، عن ابن عمر- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل والأرض، وألجأهم إلى قصرهم، فصالحوه على أن له الصفراء والبيضاء والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فغَيَّبُوا مَسْكًا لحيي بن أخطب فيه ذخيرة من حلي قومت بعشرة آلاف دينار، وكانت لا تزف امرأة إلا استعاروا ذلك الحلي، فقال صلى الله عليه وسلم لسعية:"أين مَسْك حيي؟ " قال: أذهبته الحروب والنفقات. فوجدوا المسك، فقتل ابن أبي الحقيق وسبى نساءهم وذراريهم، وأراد أن يجليهم، فقالوا: دعنا نعمل في هذِه الأرض ولنا الشطر ما بدالك، ولكم الشطر

(1)

. زاد البلاذري في "فتوحه": وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا

(2)

.

ففي هذا أنها فتحت صلحًا، والصلح انتقض فصار عنوة.

قال ابن إسحاق: وكان المتولي القسم جبار بن صخر وزيد بن ثابت، وكانا حاسبين قاسمين

(3)

. قال ابن سعد: استعمل على الغنائم فروة بن عمرو البياضي -وعند ابن إسحاق أبو اليسر كعب بن عمرو

(4)

- ثم أمر فجزئ خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها لله، وسائر السهمان أغفال فكان أول ما خرج سهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر ببيع

(1)

أبو داود (3006).

(2)

"فتوح البلدان" ص 35.

(3)

"سيرة ابن هشام" 3/ 413.

(4)

"سيرة ابن هشام" 3/ 387.

ص: 384

الأربعة أخماس في من يزيد، فباعها فروة، وقسم ذلك بين أصحابه، فكان الذي ولي إحصاء الناس زيد بن ثابت، وكانوا ألفًا وأربعمائة والخيل مائتي فرس، وكانت السهمان على ثمانية عشر سهمًا لكل مائة سهم وللخيل أربعمائة سهم، فكان الخمس الذي صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي منه على ما أراه الله من السلاح والكسوة.

قال: وأعطى منه أهل بيته من بني المطلب والأيتام والسُّؤَّال، وأطعم من الكتيبة نساءه وبني عبد المطلب وغيرهم

(1)

.

وفي "شرف المصطفى" أنه صلى الله عليه وسلم عرب العربي وهجن الهجين يوم خيبر فأسهم للعربي سهمين وللهجين سهمًا، وقاد صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاثة أفراس لزاز والسكب والظرب، وقاد الزبير أفراسًا.

وروى البلاذري من حديث الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: قسمت خيبر على ألف وخمسمائة سهم وثمانين سهمًا؛ لأنهم كانوا ألفًا وخمسمائة وثمانين رجلاً، لذين شهدوا الحديبية منهم ألفٌ وخمسمائة وأربعون رجلاً، والذين كانوا مع جعفر بالحبشة أربعون رجلاً

(2)

. وهو غريب، فإن ابن إسحاق وغيره ذكروا أن أهل السفينتين

(3)

كانوا ستة عشر رجلاً

(4)

، وأن قومًا منهم قدموا قبل ذلك بنحو سنتين وليس لهم مدخلٌ في هذا.

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 107 - 108.

(2)

"فتوح البلدان" ص 40 - 41.

(3)

أهل السفينتين: هم الذين أقاموا بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعث فيهم رسول الله إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري، فحملهم في سفينتين، فقدم بهم عليه صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر. انظر "سيرة ابن هشام" 3/ 414.

(4)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 417، "البداية والنهاية" 4/ 596.

ص: 385

وللحاكم في "مستدركه" من حديث ابن أبي سبرة، عن فطر الحارثي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة من يهود المدينة إلى خيبر، فأسهم لهم كسهمان المسلمين، ومعه أيضًا عشرون امرأة فأخذ الخمس ولم يسهم لهن.

ولأبي عبيد في "أمواله" أنه صلى الله عليه وسلم قسمها أثلاثًا إلا ثلاثًا السلالم والوطيح والكتيبة فإنه تركها لنوائب المسلمين

(1)

، وللسهيلي: لما قسمها أخرج الخمس لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل

(2)

.

(1)

انظر: "الأموال" ص 61 - 62 (142).

(2)

"الروض الأنف" 4/ 48.

ص: 386

‌39 - باب اسْتِعْمَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ

4244 و 4245 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ: قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ ". فَقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ. فَقَالَ:"لَا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا". [انظر: 2201، 2202 - مسلم: 1593 - فتح: 7/ 496]

4246، 4247 - وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهَا.

وَعَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلَهُ. [انظر: 2201، 2202 - مسلم: 1593 - فتح: 7/ 496]

ذكر فيه حديث مالك، عَنْ عَبْدِ المَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَنه عليه السلام اسْتَعْمَلَ رَجُلاً .. وذكر قصة التمر الجنيب.

وقد سلف في البيوع في باب: إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه.

ثم قال: وَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ المَجِيدِ، عَنْ سَعِيدٍ بن المسيب، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّه عليه السلام بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيَّ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهَا.

وَعَنْ عَبْدِ المَجِيدِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلَهُ.

وقد أسلفنا هناك اسم الذي استعمله وأنه سواد بن غزية بن وهب بن

ص: 387

علي بن عمرو بن الحارث بن قضاعة حليف بني عدي بن النجار، شهد بدرًا وأسر فيه خالد بن هشام المخزومي، وأمره على خيبر، وهو الذي طعنه صلى الله عليه وسلم بمخصرة ثم أعطاه إياها وقال:"استقد"، وهو أخو بني عدي السالف في الحديث الثاني.

و (عبد المجيد) هو ابن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أخرج له مسلم أيضًا، وانفرد مسلم بعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، وليس في الصحيحين غيرهما. وفي السنن الأربعة عبد المجيد بن وهب العامري له حديث في ثلاثيات "المسند"

(1)

.

فائدة: "الجمع": الرديء، وهو عند الأصمعي وغيره: كل لون من النخل لا يعرف اسمه. والجنيب: الجيد.

وقوله: (إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين. فقال: "لا تفعل").

ولم يذكر فسخ تلك البياعات، فلعل ذلك لا يقدر عليه؛ لتعذر إحصاء ذلك. وقد سلف هناك أنه قال:"أوه عين الربا، لا تفعل"

(2)

.

والأصل فسخ ذلك، وأن يرد مثله. وعند ابن وهب: أن حوالة الأسواق في ذلك فور يوجب القيمة.

وقوله: ("بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا") معناه أن تبتاع من غير من بعت منه الجمع عند المالكية، وغيره عمم احتجاجًا بهذا الحديث.

(1)

"مسند أحمد" 5/ 30.

(2)

سلف برقم (2312) كتاب: الوكالة، باب: إذا باع الوكيل شيئًا فاسدًا، من حديث أبي سعيد.

ص: 388

‌40 - باب مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ خَيْبَرَ

4248 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: أَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. [انظر: 2285 - مسلم: 1551 - فتح: 7/ 416]

ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَعْطَى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيْبَرَ اليَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا ويزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وقد سلف في المزارعة

(1)

وهو ظاهر في جواز المعاملة، وخالف أبو حنيفة.

(1)

سلف برقم (2331) باب: المزارعة مع اليهود.

ص: 389

‌41 - باب الشَّاةِ الَّتِي سُمَّتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ

رَوَاهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

4249 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ. [انظر: 3169 - فتح: 7/ 497]

ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ.

الشرح:

المرأة التي سمته في الذراع وأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشر بن البراء بن معرور اسمها زينب بنت الحارث بن سلام. وقيل: هي أخت مرحب اليهودي. واختلف هل قتلها وصلبها أو صفح عنها؟ وقد يجمع بينهما بأنه صفح عنها لنفسه أولاً، فلما مات بشر من تلك الأكلة قتلها، وذلك أن بشرًا لم يزل معتلاً من تلك الأكلة حتى مات بعد حول.

وروى معمر في "جامعه" عن الزهري أنها أسلمت فتركها صلى الله عليه وسلم. قال معمر: هكذا قال الزهري: أسلمت، والناس يقولون قتلها وأنها لم تسلم

(1)

. وفي "جامع معمر" أيضًا أن أم بشر بن البراء قالت للنبي صلى الله عليه وسلم في المرض الذي مات فيه: ما تتهم يا رسول الله، فإني لا أتهم إلا الأكلة التي أكلها معك بشر بخيبر، فقال:"وأنا لا أتهم بنفسي إلا تلك فهذا أوان قطعت أبهري"

(2)

والأبهر: عرق مستبطن القلب،

(1)

"جامع معمر" 11/ 28 - 29 (19814).

(2)

السابق 11/ 29 (19815).

ص: 390

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال عند موته: "مازالت أكلة خيبر تعادني -أي: تعاودني- وتعتادني المرة بعد المرة فهذا أوان قطعت أبهري" وكان ينفث منها مثل الزيت، قال الشاعر:

ألاقي في تذكر آل سلمى

كما يلقى السليم من العداد

فائدة:

السم مثلث السين.

ص: 391

‌42 - باب غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

4250 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ، فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ:"إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ". [انظر: 3730 - مسلم: 2426 - فتح: 7/ 498]

ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أَمَّرَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أسَامَةَ عَلى قَوْمٍ، فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ .. الحديث.

سلف في مناقبه، أعني: زيد بن حارثة.

فصل:

بعد خيبر وادي القرى في جمادي الآخرة سنة سبع افتتحها عنوة كما قال أبو عمر

(1)

.

وأما ابن إسحاق فذكر أنه صلى الله عليه وسلم حاصر أهلها ليالي ثم انصرف راجعًا إلى المدينة، وفيها أصيب غلامه صلى الله عليه وسلم مدعم، أصابه سهم غرب فقتله

(2)

.

وقد أسلف البخاري ذلك من حديث أبي هريرة واضحًا

(3)

.

قال البلاذري: ولما بلغ أهل تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل وادي القرى صالحوه على الجزية فأقاموا ببلادهم وأرضهم في أيديهم، وولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد بن أبي سفيان، وكان إسلامه يوم

(1)

"الدرر في اختصار المغازي والسير" ص 207.

(2)

"سيرة ابن هشام" 3/ 391.

(3)

سلف برقم (4234) باب: غزوة خيبر.

ص: 392

فتحها

(1)

. وروى عن عمر بن عبد العزيز أن عمر أجلى أهل فدك وتيماء وخيبر

(2)

.

قال ابن سعد عطفًا على غزوة خيبر: ثم سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة في شعبان سنة سبع من الهجرة. على مثال عربة، ذكره الحازمي وقال: بقرب مكة على مسافة يومين منها، وذكره ابن سيده أيضًا قال: وبسكون الراء موضع من بلاد بني عامر بن مالك

(3)

.

ثم سرية الصديق إلى بني كلاب بنجد بناحية ضرية في شعبان سنة سبع

(4)

، ثم سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى فدك في شعبان أيضًا، ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة في رمضان وهو وراء بطن نخل، وبوب عليها البخاري فيما يأتي، باب بعثه عليه السلام أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة، ثم سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجبار في شوال.

قال ابن سعد: ثم عمرة القضاء

(5)

. وستأتي.

فصل:

استشهد بخيبر جماعة من قريش: ربيعة بن أكثم

(6)

، ورفاعة بن مسروح من بني الأسد، ومن الأنصار وغيرهم، وذكرهم ابن سعد

(1)

ورد بهامش الأصل: الذي رأيته غير واحد صرح به أنه أسلم يوم الفتح ولكن البلاذري كذا ذكر، كما قال شيخنا، وقد نقله كذلك أبو الفتح اليعمري، وفيه ما فيه.

(2)

"فتوح البلدان" ص 48.

(3)

"المحكم" 10/ 173.

(4)

ورد بهامش الأصل: وذكرها مسلم بعد عمرة القضاء إلى بني فزارة.

(5)

"طبقات ابن سعد" 2/ 117 - 120.

(6)

ورد في هامش الأصل: سقط: وثقف بن عمرو.

ص: 393

خمسة عشر، وزاد غيره على ذلك

(1)

، وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون رجلاً

(2)

.

فائدة:

ذكر ابن إسحاق بإسناده عن عمرو أنه صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه وأنا فيهم: "قفوا"، ثم قال:"اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك من خير هذِه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا بسم الله". قال: وكان يقولها لكل قرية دخلها

(3)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: ذكر الشهداء ابن سيد الناس في "سيرته" جماعة من قريش ومن الأنصار، وكأنه سقط من الأصل شيء، والله أعلم.

(2)

"طبقات ابن سعد" 2/ 107.

(3)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 379.

ص: 394

‌43 - باب عُمْرَةُ الْقَضَاءِ

ذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

4251 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. قَالُوا: لَا نُقِرُّ بِهَذَا، لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. فَقَالَ:"أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ". ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ "امْحُ رَسُولَ اللهِ". قَالَ عَلِيٌّ: لَا وَاللهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا. فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، لَا يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلَاحَ، إِلاَّ السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ، إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا، إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا. فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا، فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِى: يَا عَمِّ يَا عَمِّ. فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عليها السلام: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ. حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ. قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهْيَ بِنْتُ عَمِّي. وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي. وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي.

فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَالَتِهَا وَقَالَ "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ". وَقَالَ لِعَلِيٍّ: "أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ". وَقَالَ لِجَعْفَرٍ "أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي". وَقَالَ لِزَيْدٍ "أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا". وَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَا تَتَزَوَّجُ بِنْتَ حَمْزَة؟. قَالَ: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ". [انظر: 1781 - مسلَم: 1783 - فتح: 7/ 499]

4252 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح.

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مُعْتَمِرًا،

ص: 395

فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سِلَاحًا عَلَيْهِمْ إِلاَّ سُيُوفًا، وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلاَّ مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ. [انظر: 2701 - فتح: 7/ 499]

4253 -

حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ قَالَ: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَرْبَعًا. [انظر: 1775 - مسلم: 1255 - فتح: 7/ 508]

4254 -

ثُمَّ سَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ، قَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ؟ فَقَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُمْرَةً إِلاَّ وَهْوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ. [انظر: 1776 - مسلم: 1255 - فتح: 7/ 508]

4255 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ؛ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1600 - فتح: 7/ 508]

4256 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -هُوَ ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ. وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. وَزَادَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ قَالَ: "ارْمُلُوا". لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوَّتَهُمْ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ. [انظر: 1602 - مسلم: 1266 - فتح: 7/ 508]

4257 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّمَا سَعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِيُرِىَ

ص: 396

الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ. [انظر: 1602 - مسلم: 1266 - فتح: 7/ 509]

4258 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ وَهْوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهْوَ حَلَالٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ. [انظر: 1837 - مسلم: 1410 - فتح: 7/ 509]

4259 -

وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. [انظر: 1837 - مسلم:1410 - فتح: 7/ 509]

يقال لهذِه العمرة: عمرة القضية، وعمرة القضاء -كما سيأتي.

فكان من خبرها أنه صلى الله عليه وسلم خرج في ذي القعدة من السنة السابعة قاصدًا مكة للعمرة على ما عاقد عليه قريشًا - في الحديبية، فلما اتصل ذلك بقريش خرج أكابر منهم عن مكة؛ عداوة لله ولرسوله، ولم يقدروا على الصبر في رؤيته يطوف بالبيت هو وأصحابه، فدخل صلى الله عليه وسلم مكة وأتم الله له عمرته، وقعد بعض المشركين بقعيقعان ينظرون إلى المسلمين وهم يطوفون بالبيت، فأمرهم صلى الله عليه وسلم بالرمل ليُروا المشركين جلدهم لما قالوا: وهنتهم حمى يثرب، وتزوج صلى الله عليه وسلم في هذِه العمرة ميمونة بنت الحارث الهلالية، قيل: تزوج بها قبل الإحرام، وقيل: بعد أن حل منها، وقيل: في حال إحرامه، فلما تمت الأيام الثلاثة التي هي أمد الصلح جاء حويطب بن عبد العزى ومعه سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشركين بأن يخرج عن مكة، ولم يمهلوه أن يبني على ميمونة ويصنع لهم طعامًا، فقال حويطب: اخرج عنا، فلا حاجة لنا بطعامك، فقال له سعد: يا عاض بظر أمه، أرضك وأرض أمك دونه، فأسكته رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج وبنى بها بسرف وماتت به سنة ثلاث وستين وقيل: سنة ست وستين، وصلى عليها

ص: 397

ابن عباس

(1)

وابن الأصم وكلاهما ابن أخت لها وفيها نزلت: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] في أحد الأقوال وذلك أن الخاطب جاءها وهي على بعير لها فقالت: البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر ابن سعد: أن المعتمر بهم كانوا ألفين هم أهل الحديبية ومن انضاف إليهم، إلا من مات منهم أو استشهد بخيبر، واستخلف على المدينة أبا رُهم الغفاري، وقيل: غيره، وساق ستين بدنة وجعل عليها ناجية بن جندب ومائة فرس قدم عليها محمد بن مسلمة أمامه وجعل على السلاح أوس بن خولي في مائتي

(2)

رجل ببطن يأجج، ثم خلفهم غيرهم حتى قضى الكل مناسك عمرتهم

(3)

.

وقول البخاري: (ذكره أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم)، هذا أسنده البيهقي في "دلائله" من حديث معمر، عن الزهري عنه قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وهو يقول:

خلوا بني الكفار عن سبيله

قد نزل الرحمن في تنزيله

بأن خير القتل في سبيله

نحن قتلناكم على تأويله

كما قتلناكم على تنزيله

(4)

.

وأسنده ابن حبان في "صحيحه" من حديث ثابت عنه بزيادة:

وبذهل الخليل عن خليله

يا رب إني مؤمن بقيله

فقال له عمر: يا ابن رواحة، أتقول الشعر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،

(1)

ورد بهامش الأصل: سقط: ودخل قبرها هو ودخل غيرهما.

(2)

عند ابن سعد (مائة).

(3)

"طبقات ابن سعد" 2/ 120 - 121.

(4)

"دلائل النبوة" 4/ 322.

ص: 398

فقال صلى الله عليه وسلم: "دعه يا عمر، لهذا أشد عليهم من وقع النبل"

(1)

. وأوله في

"إكليل الحاكم":

بسم الذي لا دين إلا دينه .... بسم الذي محمد رسوله

أنا الشهيد أنه رسوله

قد أنزل الرحمن في تنزيله

في صحف تتلى على رسوله

زاد النيسابوري في "شرفه ": أعرف حق الله في قوله.

وزعم ابن هشام في "سيرته" أن قوله:

نحن قتلناكم على تأويله

كما قتلناكم على تنزيله

لعمار بن ياسر قالها يوم صفين يريد الذي فيه عمار مع علي وهو ظاهر؛ لأن المشركين لم يقاتلوا على التأويل

(2)

، وذكره ابن عقبة من طريق الزهري بعد (خلوا):

أنا الشهيد أنه رسوله

(3)

.

وقال مجاهد: فيما ذكره عبد بن حميد: لما صده قريش عام الحديبية وفخروا بذلك ما قصه الله، فدخل عليهم من قابل، وأنزل الله تعالئ في ذلك:{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}

(4)

.

وقال الحاكم في "إكليله":

قد تواترت الأخبار عن أئمة المغازي أنه لما دخل هلال ذي القعدة من سنة سبع أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا عمرتهم ولا يتخلف منهم أحدًا

(1)

"صحيح ابن حبان" 13/ 104 (5788).

(2)

"سيرة ابن هشام" 3/ 425 - 426.

(3)

رواه عنه البيهقي في "الدلائل" 4/ 314 - 315.

(4)

انظر: "الدر المنثور" 1/ 373.

ص: 399

ممن شهد الحديبية، وخرج معه قوم من المسلمين سوى أهل الحديبية ممن لم يشهد صلح الحديبية عُمَّارًا، فكان المسلمون فيها ألفين سوى النساء والصبيان وتسمى هذِه العمرة بعمرة الصلح وعمرة القضاء، كما سلف. والقضاء: الفصل.

قلت: وأحرم من باب المسجد بذي الحليفة ولبى، والمسلمون معه يلبون.

وقال السهيلي: سميت عمرة القضاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قاضى قريشًا عليها، لا لأنه قضى العمرة التي صُدَّ عنها فيها، فإنها لم تكن فسدت بصدهم عن البيت، بل كانت عمرة تامة متقبلة حتى أنهم حين حلقوا شعورهم بالحل احتملتها الريح، فألقتها في الحرم فهي معدودة في عُمَر النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

، قال ابن الأثير: وذكر البخاري لها في الغزوات وليست منها؛ لأنها تضمنت ذكر المصالحة مع المشركين بالحديبية.

ثم ذكر البخاري في الباب أحاديث:

أحدها: حديث أبي إسحاق، عن البراء قَالَ: اعْتَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي ذِي القَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ .. الحديث بطوله.

ذكره في الصلح في باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان

(2)

، سندًا ومتنًا إلا أنه قال هنا: لا نقر بهذا وقال: هناك: لا نقر بها، وقال هنا:(فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب). وقد سلف تأويله هناك.

وقوله: (أتوا عليًّا وقالوا قل لصاحبك يخرج عنا) وقد سلف من القائل لذلك، واقتصر الدمياطي على حويطب وقال هنا عن علي:(أنا أخذتها)، وقال هناك: أنا أحق بها.

(1)

"الروض الأنف" 4/ 77.

(2)

سلف برقم (2698).

ص: 400

وقوله: (وقال زيد: ابنة أخي) أي: لأنه كان صلى الله عليه وسلم آخى

(1)

بمكة بين مولاه زيد وعمه حمزة، وفي آخره (قال علي: ألا تتزوج ابنة حمزة؟ قال: "إنها ابنة أخي من الرضاعة" واسمها أمامة على أحد الأقوال الستة

(2)

فيها أو أمة الله أو سلمى أو عمارة أو فاطمة، وأمها سلمة بنت عميس، وعمارة بنت حمزة أمة خولة بنت قيس بن قهد من بني مالك بن النجار، ويعلى بن حمزة وعامر بن حمزة درج أمهما من بني عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. وكان حمزة يكنى بيعلى وعمارة أيضا، وكان ليعلى أولاد: عمارة والفضل والزبير وعقيل ومحمد درجوا، فلم يبق لحمزة عقب. وقوله:(وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي) هي أسماء بنت عميس الخثعمية، ولدت لجعفر أولادًا، ثم ولدت للصديق محمدًا، ثم ولدت لعلي يحيى، زاد ابن سعد: وعونًا

(3)

.

وقوله: (هذا ما قاضى) القضاء قطع الأشياء والنزاع منها بأحكام فكأنهم قسموا ما كان بينهم مما اتفقوا عليه، وإنما شرطوا أن يكون السيف في القراب ليكون ذلك أمارة للسلم، فلا يظن أنهم دخلوا قهرًا، وعادة العرب لا يفارقهم السلاح في سلم أو حرب.

والقراب معروف: شيء يخرز من الجلود.

وقضاؤه صلى الله عليه وسلم بابنة حمزة لخالتها فيه أن النساء أولى بالحضانة من

(1)

ورد في هامش الأصل: هذا بناءً على أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين بعضهم في بعض بمكة، وهذا قد أنكره أبو العباس بن تيمية إنكارًا شديدًا في الرد على الرافضي، والظاهر أنه قاله تأويلًا لقوله تعالى:{فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} ولهذا قال له عليه السلام: "أنت أخونا ومولانا" والله أعلم.

(2)

ورد بهامش الأصل: ذكرها خمسة فقط.

(3)

"الطبقات الكبرى" 3/ 20.

ص: 401

الرجال، والعصبة إنما حقهم في ولاية العقود وإنالة المال ونحوهما، والأصل في الحضانة الأم، وهي أولى من الأب؛ لأنها أحنى على الولد، وأهدى لما يصلحة فإذا عدمت فأمها.

الحديث الثاني:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أنه عليه السلام خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلى أَنْ يَعْتَمِرَ العَامَ المُقْبِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سلَاحًا عَلَيْهِمْ إِلَّا سُيُوفًا، وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا، فَاعْتَمَرَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ.

هذا الحديث سلف في باب الصلح مع المشركين بالسند والمتن سواء، و (سريج) شيخ شيخ البخاري -بالسين المهملة- ابن النعمان الجوهري، مات سنة سبع عشرة ومائتين، روى عنه مرة، وهنا روى عن واحد عنه.

الحديث الثالث:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما في عمرة رجب وإنكار عائشة عليه. سلف في العمرة سندًا ومتنًا، إلا أنه هناك أبسط، ورواه هنا عن قتيبة، عن جرير. وهناك عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير به

(1)

.

الحديث الرابع:

حديث ابن أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما في العمرة أيضًا. وقد سلف قريبًا في الحديبية سندًا ومتنًا

(2)

.

(1)

هكذا ذكره المصنف، وإنما رواه البخاري هنا عن عثمان، وهناك عن قتيبة.

(2)

سلف برقم (4188).

ص: 402

الحديث الخامس:

حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في الرمل. سلف في الحج

(1)

كيف كان بدء الرمل سندًا ومتنًا.

وقال في آخره: وَزَادَ ابن سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعَامِهِ الذِي اسْتَأمَنَ قَالَ: "ارْمُلُوا"

ليُريَ المشركينَ قُوَّتَهُمْ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ.

ئم ساق عن عَطَاء، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّمَا سَعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَة؛ لِيُرِيَ المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ.

ومعنى (وهنتهم حمى يثرب) أضعفتهم، وروي: وهنهم.

ويثرب من كلام المشركين وقد روي النهي عنه

(2)

. والوفد: القوم يفدون. والرمل: الهرولة.

وقوله: (وأن يمشوا بين الركنين) يعني: اليماني والأسود وهذا مذهب ابن عباس، والفقهاء على الرمل في جميع الثلاث، وكره بعضهم تسميته شوطًا، وإنما يقال:(طوف)

(3)

. والحديث يرده.

الحديث السادس:

وهو في الحقيقة ثامن: حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: تَزَوَّجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ وَهْوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهْوَ حَلَالٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ.

(1)

في هامش الأصل: لعله سقط: (في باب).

(2)

رواه أحمد 4/ 285 من حديث البراء مرفوعًا: "من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله عز وجل، هي طابة، هي طابة". وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4607)؛ لأجل يزيد بن أبى زياد.

(3)

في هامش الأصل: لعله: طوفة.

ص: 403

وَزَادَ ابن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي ابن أَبِي نَجِيحٍ وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما تزوجها فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ.

وهذا رويناه في "السيرة" من طريق زياد بن عبد الله عنه

(1)

، وسلف في الحج مسندًا من طريق النسائي وغيره إليه

(2)

، والبخاري أخرجه هناك في باب: تزويج المحرم من طريق الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم، وقد سلف الكلام عليه هناك، فليراجع.

فصل:

ذكر ابن سعد بعد عمرة القضاء سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم في ذي الحجة سنة سبع، بعث ابن أبي العوجاء السلمي في خمسين رجلاً إلى بني سليم، فخرج إليهم وتقدمه عين لهم كان معهم فحذرهم فجمعوا، فأتاهم ابن أبي العوجاء وهم معدون له، فدعاهم إلى الإسلام قالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا إليه فتراموا بالنبل ساعة وجعلت الأمداد تأتي حتى أحدقوا بهم من كل ناحية، فقاتل القوم قتالاً شديدًا حتى قتل عامتهم وأصيب ابن أبي العوجاء جريحًا مع

القتلى ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا المدينة في أول صفر

سنة ثمان. قال ابن سعد: ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوَّح بالكَديِد في صفر سنة ثمانٍ. قال: ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك في صفر أيضًا. قال: ثم سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى بني عامر في ربيع الأول سنة

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 426.

(2)

النسائي 5/ 191 - 192.

ص: 404

ثمان. قال: تم سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح في ربيع الأول، ثم مؤتة

(1)

.

(1)

"طبقات ابن سعد" 2/ 123 - 128.

ص: 405

‌44 - باب غَزْوَةُ مُوتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ

4260 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَعْفَرٍ يَوْمَئِذٍ وَهْوَ قَتِيلٌ، فَعَدَدْتُ بِهِ خَمْسِينَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي دُبُرِهِ. يَعْنِي: فِي ظَهْرِهِ. [4261 - فتح:

7/ 510]

4261 -

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ مُوتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى، وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. [انظر: 4260 - فتح: 7/ 510]

4262 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ:"أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ - وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ- حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ". [انظر: 1246 - فتح: 7/ 512]

4263 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنهم جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ -تَعْنِي مِنْ شَقِّ الْبَابِ- فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ. قَالَ: وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ. قَالَ: فَذَهَبَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ. وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُطِعْنَهُ، قَالَ: فَأَمَرَ أَيْضًا، فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا. فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ

ص: 406

التُّرَابِ" قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ، فَوَاللهِ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَنَاءِ. [انظر: 1299 - مسلم: 935 - فتح: 7/ 512]

4264 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَيَّا ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ. [انظر: 3709 - فتح: 7/ 515]

4265 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِى يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا بَقِيَ فِي يَدِى إِلاَّ صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ. [4266 - فتح: 7/ 515]

4266 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، وَصَبَرَتْ فِي يَدِى صَفِيحَةٌ لِي يَمَانِيَةٌ. [انظر: 4265 - فتح: 7/ 515]

4267 -

حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي: وَاجَبَلَاهْ وَاكَذَا وَاكَذَا. تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلاَّ قِيلَ لِي: آنْتَ كَذَلِكَ؟ [4268 - فتح: 7/ 516]

4268 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْثَرُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِهَذَا، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ. [انظر: 4267 - فتح: 7/ 516]

(مؤتة) بضم الميم وبالهمز قرية من أرض البلقاء أي: بأدناها من أرض الشام، وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان، والفتح بعدها في رمضان.

وأما الموتة بلا همز فضرب من الجنون، كما نبه عليه السهيلي

(1)

،

(1)

"الروض الأنف" 4/ 78.

ص: 407

لكن في "أمالي" أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش قال أبو العباس محمد بن يزيد: لا تهمز موتة.

وقال صاحب "المطالع": أكثر الرواة لا يهمزونها. وأما ثعلب فلم يحك في "فصيحه" غير الهمز

(1)

، وتبعه الجوهري

(2)

وآخرون. وفي "الواعي" و"الجامع" بالهمز ودونه، واقتصر ابن فارس على الهمز

(3)

.

ولما ذكر ابن إسحاق أن مؤتة قرية من أرض البلقاء قال: لقيهم -يعني: زيد بن حارتة ومن معه- جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال لها: مشارف، ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: مؤتة

(4)

.

وهذا منه يؤذن أن مشارف غير مؤتة. وقد قال المبرد: المشرفية سيوف تنسب إلى المشارف من أرض الشام، وهو الموضع الملقب بمؤتة

(5)

.

فصل:

وكان سببها أنه صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي أحد بني لِهب بكسر اللام بكتابه إلى ملك الروم -وقيل: إلى ملك بصرى- فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، فأوثقه (رباطًا)

(6)

ثم قدم فضربت عنقه

(1)

"الفصيح" ص 63.

(2)

"الصحاح" 1/ 268. ما دة (موت).

(3)

"مجمل اللغة" 3/ 819.

(4)

"سيرة ابن هشام" 3/ 433.

(5)

"الكامل في اللغة والأدب" 2/ 255.

(6)

غير مقروءة في الأصل، والمثبت من "أسد الغابة" 1/ 408، "الإصابة" 1/ 286، "الاستيعاب" 1/ 361 وغيرها.

ص: 408

صبرًا ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره، فاشتد ذلك عليه وندب الناس فأسرعوا، وأمر عليهم زيد بن حارثة. وقال:("إن أصيب زيد فجعفر، وإن أصيب فعبد الله بن رواحة") فتجهزوا ثُم تهيئوا وعسكروا بالجرف، وهم ثلاثة آلاف، وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله وقاتلوهم. وخرج مشيعًا لهم حتى بلغ ثنية الوادع، فقال المسلمون: دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين: فلما ودع عبد الله بن رواحة بكى، فقال: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فكيف بالصدر بعد الورود، ثم قال:

لكنني اسأل الرحمن مغفرة

وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة

بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مروا على جَدَثي

أرشده الله من غاز وإن رشدا

ثم مضوا حتى نزلوا مُعان من أرض الشام بضم الميم. وقال الوقشي: الصواب فتحها فبلغ الناس أن هرقل نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وتغلب مائة ألف منهم، عليهم رجل من بلي يقال له: مالك بن زافلة، فلما بلغ ذلك المسلمين فأقاموا على مُعان ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له، فشجع الناس عبد الله بن رواحة، وقال: يا قوم، والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعددٍ ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم

ص: 409

إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة، ثم التقى الناس فقتل الثلاثة كما أخبر صلى الله عليه وسلم، زيد، ثم جعفر، ثم ابن رواحة، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد، فدفع القوم وتحاشى بهم، ثم حاز وانحيز عنه، حتى انصرف بالناس كما ذكره ابن إسحاق

(1)

وهو المحاز. وحكى ابن سعد وغيره أن الهزيمة كانت على المسلمين. وحكى أيضا أن الهزيمة كانت على الروم

(2)

، كما سيأتي في البخاري. ورفعت الأرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى معتركهم

(3)

فلما أخذ خالد اللواء قال: "الآن حمي الوطيس"

(4)

.

وعدد ابن إسحاق من استشهد من المسلمين، ومنهم الأمراء الثلاثة كما سلف

(5)

، ولما قدموا استقبلهم أهل المدينة يحثون في وجوهم التراب، ويقولون: يا فرارون، فيقول صلى الله عليه وسلم: "ليسوا بفرارين ولكنهم كرارين

(6)

إن شاء الله"

(7)

.

وقد ذكر الحاكم شعر عبد الله بن رواحة لما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم في حق زيد:"دخل الجنة وهو يسعى". وقال في حق جعفر: "فإنه شهيد دخل الجنة، وهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة" وذكر شعره لما عقر فرسه، وهو أول من عقر فرسًا في الإسلام وقاتل. ثم ذكر شعر ابن رواحة وقتله، وأنه دخل معترضًا

(8)

.

(1)

"سيرة ابن هشام" 3/ 427 - 435.

(2)

طبقات ابن سعد"2/ 130.

(3)

رواه البيهقي في "الدلائل" 4/ 364 - 365.

(4)

رواه البيهقي في "الدلائل" 4/ 369.

(5)

"سيرة ابن هشام" 3/ 447.

(6)

كذا في الأصل وفي هامشها: الجادة: كرارون.

(7)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 438.

(8)

انظر: "دلائل النبوة" للبيهقي 4/ 363 - 369.

ص: 410

وعند ابن هشام أن جعفرًا أخذ اللواء بيمينه فقطعت وأخذها بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة

(1)

.

وفي "الدلائل" للبيهقي: لما أخذ خالد اللواء قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره" فمن يومئذ سمي خالد سيف الله

(2)

. زاد ابن عائذ: ونعم عبد الله وأخو العشيرة.

وفي حديث العطاف بن خالد: لما أصبح خالد جعل مقدمته ساقته وساقته مقدمته، وميمنته ميسرته، وميسرته ميمنته، فأنكر الروم ذلك وقالوا: قد جاءهم مدد، فرعبوا وانكشفوا منهزمين فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم

(3)

. وفي حديث جابر بن عبد الله: وغنم المسلمون بعض أمتعة المشركين.

إذا عرفت ذلك فقد ساق البخاري في الباب أحاديث:

أحدها: عَمْرو، عَنِ ابن أَبِي هِلَالٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ، أَنَّ ابن عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَعْفَرٍ يَوْمَئِذٍ وَهْوَ قَتِيلٌ، فَعَدَدْتُ بِهِ خَمْسِينَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ، ولَيْسَ مِنْهَا شَى فِي دُبُرِهِ.

وذكر في الحديث بعده (فوجدناه في القتلى، ووجدنا في جسده بضعًا وتسعين بين طعنة ورمية) ولا تحالف بينهما؛ لأنه لم يعد الرمي في الأولى.

و (ابن أبي هلال) هو سعيد بن أبي هلال الليثي الذي ولد بمصر سنة سبعين، ونشأ بالمدينة، ثم رجع إلى مصر في خلافة هشام، ومات بها سنة ثلاثين أو خمس وثلاثين ومائة.

(1)

"سيرة ابن هشام" 3/ 434.

(2)

"دلائل النبوة" 4/ 367 - 368.

(3)

رواه البيهقي في "الدلائل" 4/ 370.

ص: 411

ثانيها: حديث ابن عُمَرَ: "إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفرٌ" .. إلى آخره.

سلف، رواه عن أحمد بن أبي بكر، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن نافع، عنه. وليس للمغيرة في "الصحيح" غيره، وهو ثقة وإن ضعفه أبو داود. عرض عليه الرشيد قضاء المدينة وجائزة أربعة آلاف دينار فامتنع فأجازه بألفين

(1)

، وكان فقيه المدينة بعد مالك، ومات سنة ست أو ثمان وثمانين ومائة، وروى عمر بن الحكم، عن أبيه قال: جاء النعمان بن مهض اليهودي

فوقف مع الناس وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبا القاسم إن كنت نبيًا فسميت من سميت قليلاً أو كثيرًا أصيبوا جميعًا؛ لأن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم فقالوا: إن أصيب فلان ففلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعًا، ثم جعل اليهودي يقول لزيد: اعهد فلا ترجع إلى محمد أبدًا، إن كان محمد نبيًا، قال زيد: أشهد أنه نبي صادق بار.

فائدة: ظواهر الحديث أن زيدًا أصيب أولاً، ثم جعفر، ثم ابن رواحة. بل صريح حديث أنس الآتي، وكذا حديث الحكم السالف.

وقال ابن إسحاق: قول كعب بن مالك يصدق أن جعفرًا كان أول قتيل، وهو:

إذ يقتدون بجعفر ولوائه

قُدَّامَ أولهم ونعم الأول

حتى تفرجت الصفوف وجعفر

حيث اللقاء تحت الصفوف مجدّل

(2)

وكذا ذكر ابن سعد، عن أبي عامر أنه أول قتيل، ثم زيد، ثم عبد

(1)

عليها في الأصل: حاشية: بألفي دينار.

(2)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 444.

ص: 412

الله بن رواحة، ثم انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط، حيث لم أر اثنين جميعًا، ثم أخذ اللواء رجل من الأنصار فسلمه لخالد -في حديث عروة: فأخذه ثابت بن أقرم العجلاني، ثم تسلمه خالد

(1)

- فحمل على الروم، فهزمهم الله أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى وضع المسلمون أسيافهم حيث شاءوا

(2)

.

الحديث الثالث:

حديث أَنَسٍ رضي الله عنه أنه عليه السلام: نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ:"أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَها جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابن رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ -وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ- حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْف مِنْ سُيُوفِ اللهِ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ".

هذا الحديث سلف في الجهاد

(3)

، وهو ظاهر في نصره على الكفار، وكذا قوله في الجنائز والجهاد:"ثم أخذها خالد من غير إمرة ففتح له".

ومعنى: (نعى زيدًا) .. إلى آخره أخبر بموتهم، وقوله:(تذرفان) أي: الدمع، وقيل:(تدمعان) وهو مثله.

الحديث الرابع:

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها في قتل هؤلاء الثلاثة: جلس يُعرف فيه الحزن.

سلف بطوله في الجنائز. و (صائر الباب): شقه، كما صرح به فيه.

(1)

"سيرة ابن هشام" 3/ 435، "دلائل النبوة" 4/ 364.

(2)

"الطبقات الكبرى" 2/ 130.

(3)

سلف برقم (2798) باب: تمني الشهادة.

ص: 413

وقوله: ("فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ") وقع هنا بكسر الثاء وفيه لغتان كما سلف. حثا يحثو، وحثى يحثي حثيًا.

و (العناء): النصب. يقال: عنا عناءً إذا نصب.

الحديث الخامس:

حديث عامرٍ قَالَ: كَانَ ابن عُمَرَ إِذَا حَيَّا ابن جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابن ذِي الجَنَاحَيْنِ.

هو من مناقبه الظاهرة.

السادس:

حديثْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ أنْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَومَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ.

وفي رواية: لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يومئذ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، وَصَبَرَتْ فِي يَدِي صَفِيحَة لي يَمَانِيَةٌ. أصلها أن تقرأ بتشديد الياء؛ لأنها ياء النسبة، إلا أنهم خففوها، يقال: سيف يمان، والأصل يماني.

الحديث السابع:

حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي: وَاجَبَلَاهْ وَاكَذَا وَاكَذَا. تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لِي: آنْتَ كَذَلِكَ؟!

وعنه أيضًا قَالَ: أُغْمِيَ عَلى عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ بهذا، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ.

كذا أورده البخاري هنا، وإغماؤه كان في غير هذا الموضع، وأخته لم تكن إذْ ذَاك معه. وقد سلف الكلام على النوح في بابه.

ص: 414

‌45 - باب بَعْثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ

4269 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَكَفَّ الأَنْصَاريُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ" قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [6872 - مسلم: 96 - فتح: 7/ 517]

4270 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ: مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ. [4271، 4272،4273 - مسلم: 1815 - فتح: 7/ 517]

4271 -

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبَعْثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، عَلَيْنَا مَرَّةً أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّةً أُسَامَةُ. [انظر: 4270 - مسلم: 1815 - فتح: 7/ 517]

4272 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَغَزَوْتُ مَعَ ابْنِ حَارِثَةَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا. [انظر: 4270 - مسلم: 1815 - فتح: 7/ 517]

4273 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ. فَذَكَرَ خَيْبَرَ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ الْقَرَدِ. قَالَ يَزِيدُ وَنَسِيتُ بَقِيَّتَهُمْ. [انظر: 4270 - مسلم: 1815 - فتح: 7/ 517]

ص: 415

ذكر فيه حديث أبي ظبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُل مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إله إِلَّا اللهُ. فَكَفَّ الأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إله إِلَّا اللهُ" قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ.

هذا الحديث أخرجه في الديات أيضًا، كما ستعلمه، وأخرجه مسلم في الإيمان وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير

(1)

. ورواه محمد بن شجاع بن نبهان المروزي، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ظبيان، عن سعد

(2)

بن مالك، عن أسامة

(3)

.

و (الحرقة): اسم جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودوعة بن جهينة.

قال الكلبي: سموا بذلك؛ لأنهم أحرقوا بني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بالنبل أي: قتلوهم، والذي قتله أسامة نهيك بن مرداس بن ظالم.

وقوله: (حتى تمنيت) إلى آخره للمبالغة، لا على الحقيقة.

وفيه: أن من تأول لا قود عليه، ولم يذكر فيه أيضًا دية ولا كفارة، واستنبط الداودي تأمير من لم يبلغ، وفيه: حسن إسلام جهينة، وقد سلف حديث:"سبعة مولى لا مولى لهم إلا الله ورسوله" وعد منهم جهينة.

(1)

أبو داود (2643)، والنسائي في "الكبرى" 5/ 176 (8594).

(2)

هكذا في المخطوط والصواب (سعيد) انظر "طبقات ابن سعد" 2/ 130.

(3)

انظر: "تحفة الأشراف" 1/ 44.

ص: 416

فصل:

ذكر البخاري هذا البعث بعد مؤتة وأنه كان الأمير وقد أسلفناه قبلها، فإن الأمير غيره، والله أعلم الصحيح من ذلك ويبعد تعدد الواقعة فإنه لا يقتل بعد النهي، ويبعد النسيان أيضًا.

الحديث الثالث:

حديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ البُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ: مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ. وفي لفظ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَغَزَوْتُ مَعَ ابن حَارِثَةَ استَعْمَلَهُ عَلَيْنَا. وفي لفظ: فَذَكَرَ خَيْبَرَ وَالْحُدَيْبِيَةَ ويوْمَ حُنَيْنٍ وَيوْمَ القَرَدِ. قَالَ يَزِيدُ -ابن أبي عبيد الراوي عن سلمة-: وَنَسِيتُ (بَقِيَّتَهُمْ)

(1)

.

فيه: فضل ظاهر لأسامة الحب ابن الحب رضوان الله عليه

فصل:

ذكر ابن سعد هنا سرية عمرو بن العاصي إلى ذات السلاسل في جمادى الأولئ سنة ثمان، وذكرها البخاري في الأواخر كما سيأتي، ثم سرية الخبط أميرها أبو عبيدة في رجب سنة ثمان، والبخاري ذكرها في الأواخر ثم سرية (أبي قتادة)

(2)

بن ربعي إلى خَضِرة وهي أرض محارب في شعبان سنة ثمان، ثم سريته أيضًا إلى بطن إِضَم في أول رمضان، ثم سرية ابن أبي حدرد إلى الغابة فيما ذكره ابن إسحاق

(3)

، ثم الفتح

(4)

. فاعلم ذلك.

(1)

الأصل فوقها: كذا وفي هامشها: الوجه: بقيتها أو بقيتهن.

(2)

وردت بالأصل: قتادة. والصواب ما أثبتناه. انظر: "سيره ابن هشام" 4/ 302.

(3)

انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 302.

(4)

"الطبقات الكبرى" 2/ 131 - 134.

ص: 417

‌46 - باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ

وَمَا بَعَثَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم.

4274 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوا مِنْهَا". قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ -يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا- وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ، يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا، قَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". فَأَنْزَلَ اللهُ السُّورَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]. [انظر: 3007 - مسلم: 2494 - فتح: 7/ 519]

ذكر فيه حديث علي رضي الله عنه في كتابة حاطب إلى أهل مكة، وقد سلف في الجهاد فراجعه، والظعينة: المرأة كما سلف.

ص: 418

وقول علي رضي الله عنه: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد) أكد الضمير المنصوب بأنا، كقوله تعالى:{إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف: 39] وقيل: لا يؤكد بها ضمير المنصوب؛ لأنها في موضع رفع، ولا يؤكد المنصوب بالمرفوع، ويكون أنا في الآية فاصلة على هذا مثل:{تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20] وقوله: (فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الآية إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} هذا صريح في نزول الآية فيه، وقد ذكره كذلك في التفسير كما ستعلمه.

قال مجاهد: نزلت أيضًا في قوم مع حاطب كتبوا إلى أهل مكة يحذرونهم

(1)

.

وقوله تعالى: {بِالْمَوَدَّةِ} أي: تلقون إليهم النصيحة بالمودة؛ لأن (من) لا تزاد في الواجب عند البصريين

(2)

، وأجازه بعض الكوفيين كما سلف هناك. قال الفراء: دخول الباء وخروجها سواء

(3)

.

وقوله تعالى: {وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ} أي: فكيف يخفى عليَّ تحذيركم الكفار.

وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي} فيه تقديم وتأخير، المعنى: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إن كنتم خرجتم، هذا ما عليه الأكثر، وقيل: إن في الكلام حذفًا، أي: إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي فلا تلقوا إليهم بالمودة.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 58 (33938).

(2)

كذا في الأصل.

(3)

"معاني القرآن" 3/ 147.

ص: 419

وقوله: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} يجوز أن يكون بدلاً وتبعًا من تلقون، والأفعال تبدل من الأفعال،، وقيل المعنى: أنتم تسرون إليهم. ثم خبر تعالى بتبرؤ إبراهيم من المشركين وعداوته إياهم، فقال:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ}

فائدة:

المرأة المذكورة قد أسلفنا في الجهاد أن اسمها سارة، أمر صلى الله عليه وسلم بقتلها يوم الفتح مع هند بنت عتبة وفرتنى، وقريبة، وعكرمة، وهبار و (أم سعد)

(1)

، ومقيس بن صبابة الليثي، والحويرث بن نُقيد بن بحير بن عبد بن قصي، وابن خطل ستة نفر وأربع نسوة فقتل منهم ابن خطل ومقيسًا والحويرث قاله ابن سعد

(2)

، و (أم)

(3)

سعد قاله ابن إسحاق قال: وكان لابن خطل قينتان تغنيان بهجائه صلى الله عليه وسلم فرتنى وصاحبتها

(4)

.

قال بعضهم: صاحبتها أرنب فقتلت إحداهما وهربت الأخرى حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنها. وأما سارة فاستؤمن لها فآمنها ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرسا زمن عمر؛ بالأبطح فقتلها، وكانت مولاة لبني عبد المطلب.

(1)

في هامش الأصل: قوله: (وأم سعد) فيه نظر، والظاهر أنه: وابن سعد، وهو عبد الله بن سعد بن أبي السرح، ويدل لذلك قول شيخنا المؤلف بعده: ست وأربع نسوة، وقد عمل بعده أيضًا أم سعد وقد كانت ابن سعد فأصلحت على أم سعد، والظاهر أن الإصلاح بخط شيخنا المؤلف، وفيه نظر.

(2)

"الطبقات الكبرى" 2/ 136.

(3)

كذا في الأصل، ولعله: ابن.

(4)

"سيرة ابن هشام" 4/ 28 - 29.

ص: 420

والحويرث قتله علي وكان نخس بفاطمة وأم كلثوم حين أريد بهما المدينة، فرمي بفناء الأرض، وكان ابن خطل بعثه مصدقًا فقتل مسلمًا وارتد مشركًا، وكان مقيس قتل الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ بعد أخذ ديته، ورجع إلى قريش مشركًا، فقتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه.

فائدة أخرى:

حاطب ابن أبي بلتعة -والبلتعة في اللغة: التطرف قاله أبو عبيد، واسم أبي بلتعة عمرو، وقيل: أبو بلتعة بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل بن العتيك بن سعَّاد -بتشديد العين بن راشدة وكان اسمه خالفة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم راشدة بن أدب بن جزيلة -بفتح الجيم وكسر الزاي- بن لخم أخي جزام وعاملة، حليف عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، يكنى أبا محمد أو أبا يحيى أو أبا عبد الرحمن، شهد بدرًا والحديبية وما بعدها، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى المقوقس صاحب مصر والإسكندرية في المحرم سنة ست بُعيد الحديبية، فأقام عنده خمسة أيام، ورجع بهدية، منها مارية أم إبرا هيم، وأختها سيرين وبغلته دلدل، وحماره يعفور وعسل وثياب وغير ذلك من الطرف، ثم بعثه الصديق أيضًا إلى المقوقس، فصالحهم، فلم يزالوا كذلك حتى دخلها عمرو بن العاصي، فنقض الصلح وقاتلهم، وافتتح مصر، وذلك في سنة عشرين

(1)

في خلافة عمر

(2)

، وكان شديدًا على الرقيق، انتحر رقيقه ناقة لرجل من مزينة، فقال

(1)

في هامش الأصل: وكذا قاله أبو عمر في "الاستيعاب" ولكن البيهقي ذكره في سنة إحدى وعشرين.

(2)

انظر "الاستيعاب" 1/ 376.

ص: 421

عمر: أراك تجيعه وأضعف عليه القيمة على جهة الأدب والردع

(1)

، وكان من فرسان قريش وشعرائهم، مات بالمدينة سنة ثلاثين، فصلى عليه عثمان عن خمس وستين سنة، وكان تاجرًا يبيع الطعام، وترك يوم مات أربعة آلاف دينار ودراهم وغير ذلك، وفي الصحابة حاطب أربعة سواه منهم حاطب بن عمرو بن عبيد الأوسي بدري أيضًا، لم يذكره ابن إسحاق فيهم.

(1)

رواه مالك في "الموطأ" ص 466 (38).

ص: 422

‌47 - باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ

4275 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسِ رضي الله عنهما قَالَ: صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ -الْمَاءَ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ- أَفْطَرَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ. [انظر: 1944 - مسلم: 1113 - فتح: 8/ 3]

4276 -

حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ، يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ -وَهْوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ- أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الآخِرُ فَالآخِرُ. [انظر: 1944 - مسلم: 1113 - فتح: 8/ 3]

4277 -

حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ، وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ -أَوْ عَلَى رَاحِلَتِهِ- ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا. [انظر: 1944 - مسلم: 1113 - فتح: 8/ 3]

4278 -

حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ، وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ -أَوْ عَلَى رَاحِلَتِهِ-، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا. [انظر:1944 - مسلم:1113 - فتح: 8/ 3]

4279 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ

ص: 423

طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَافَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا؛ لِيُرِيَهُ النَّاسَ، فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. [انظر: 1944 - مسلم: 1113 - فتح: 8/ 3]

وتوجه عليه السلام لها يوم الأربعاء لعشر ليال خلون منه بعد العصر سنة ثمان.

ثم أسند البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: غَزَا غَزْوَةَ الفَتْحِ فِي رَمَضَانَ.

وعن ابن المسيب مثل ذلك، وعن ابن عباس قال: صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا بَلَغَ الكَدِيدَ -المَاءَ الذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ- أَفْطَرَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ.

وقد سلف في الصوم.

ثم أسند عن ابن عباس أيضًا أنه عليه السلام خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ المَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَذَلِكَ عَلى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَيصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ، فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلى مَكَّةَ، يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الكَدِيدَ -وَهْوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ- أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الآخِرُ فَالآخِرُ.

ثم أسند عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ، وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِر، فَلَمَّا اسْتَوى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ -أَوْ رَاحِلَتِهِ- ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ المُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا.

ص: 424

وعنه: خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ.

وعن طاوس عنه سَافَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا؛ ليراه النَّاسُ، فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَكَانَ ابن عَبَّاسٍ يَقُول: صَامَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.

هذا الحديث من مراسيل الصحابة؛ لأن ابن عباس كان من المستضعفين بمكة كما نبه عليه ابن التين

(1)

، قال: والكديد: العقبة المطلة على الجحفة.

وفي الحديث ردٌّ على جماعة:

أولهم: عبيدة السلماني، في قوله: ليس له الفطر إذا شهد أول رمضان في الحضر مستدلاً بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}

(2)

[البقرة: 185]، وهو عند الجماعة محمول على من شهده أجمع، إذ لا يقال لمن شهد بعض الشهر، شهده كله.

ثانيهم: أبو مجلز، في قوله: إذا أدركه الشهر مقيمًا فلا يسافر، فإن سافر صام

(3)

.

ثالثهم: الظاهرية، أنه لا يصح الصوم في السفر

(4)

.

(1)

ورد في هامش الأصل: في "سيرة أبي الفتح اليعمري" في الفتح، وكان العباس بن عبد المطلب قد خرج قبل ذلك بعياله مسلمًا مهاجرًا، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: بالجحفة، وقيل: بذي الحليفة.

(2)

"مصنف عبد الرزاق" 4/ 269 (7759)، "مسند ابن الجعد" ص 36) (131)، "سنن البيهقي" 4/ 246.

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 283 (9000).

(4)

"المحلى" 6/ 243.

ص: 425

وقوله: (ومعه عشرة آلاف) هذا هو المعروف، وفي "شرف المصطفى": عن عروة: اثنا عشر ألفًا.

وقال يحيى بن سعيد: في عشرة آلاف أو اثني عشر ألفًا قد أكب على واسطة رحله حتى كاد ينكسر به تواضعًا وشكرًا لربه وقال: "الملك لله الواحد القهار"، وقال مالك: خرج في ثمانية آلاف أو عشرة آلاف وكتم الناس وجهه ذلك؛ لئلا يعلم أحد أين يريد ودعا الله أن يخفي ذلك عنهم.

وقوله: (وذلك على رأس ثماني سنين ونصف من الهجرة) بنحوه ما ذكره أبو نعيم الحداد في "جمعه بين الصحيحين": كان الفتح بعد السنة الثامنة، وقال مالك: كان الفتح في تسع عشر يومًا من رمضان على رأس ثماني سنين، وحقيقة الحساب على ما ذكره الشيخ: أبو محمد في "جامع مختصره" أنها سبع سنين وسبعة أشهر؛ لأن الفتح في الثامنة في رمضان وكان مقدمه المدينة في ربيع الأول، يدل عليه أن ابن عباس قال: أقمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة عشر نقصر الصلاة كما سلف في موضعه

(1)

وهو لم يحضر الفتح؛ لأنه كان من المستضعفين بمكة

(2)

.

وقوله: (خرج في رمضان إلى حنين) كذا وقع ولم تكن غزوة حنين في رمضان، وإنما كانت في شوال سنة ثمان، كما نبه عليه الدمياطي، وقال ابن التين: لعله يريد آخر رمضان؛ لأن حنينًا كانت عام ثمان إثر فتح مكة، قاله الداودي.

(1)

سلف برقم (1080) كتاب: تقصير الصلاة، باب: ما جاء في التقصير

(2)

في هامش الأصل: تقدم أعلاه ما فيه. اهـ. يشير إلى التعليق السابق.

ص: 426

وصوابه إلى خيبر أو مكة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قصدها في هذا الشهر، فأما حنين فكانت بعد الفتح بأربعين ليلة، وكان قصد مكة أيضًا في هذا الشهر، كذا حكاه المجد ابن تيمية في "منتقاه" عن شيخه [ابن]

(1)

عبد القادر

(2)

.

قال المحب الطبري: فنحن نجوز أن يكون ذلك لما قصد ذلك وكان في هذا الشهر، وكان قصده بعدها حنينًا، فأطلق عليه الخروج إلى حنين؛ لاحتمال قصدهما جميعًا ويجوز فطره بعد الخروج بأيام لما بلغ الكديد، لا يوم الخروج.

ثم ما ذكر عن شيخه فيه نظر، فقد ذكر بعض أهل التاريخ أن خروجه إلى حنين كان بعد الفتح بخمسة عشر يومًا، وذكر بعضهم ذلك، كذلك قال ابن التين: وحديث ابن عباس السالف في الصلاة والآتي في باب مقامه بمكة زمن الفتح قريبًا أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة تسعة عشر يومًا يصلي ركعتين

(3)

يرد هذا؛ لأن مكة فتحها على ما تقدم عن مالك يوم تسعة عشر من رمضان، فكيف يخرج في رمضان وهو بعد أقام بمكة تسعة عشر يومًا يقصر اللهم إلا أن يريد بذلك في غير زمن الفتح، وأن ذلك كان في حجة الوداع أو غيرها. وحنين: واد بمكة بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً، وقال: المعروف أن حنينًا كانت في شوال، وسبب حنين أنه لما أجمع صلى الله عليه وسلم على الخروج إلى مكة لنصرة خزاعة، أتى الخبر إلى هوازن أنه يريدهم، فاستعدوا للحرب، حتى أتوا سوق ذي المجاز، فسار صلى الله عليه وسلم حتى أشرف على وادي حنين مساء ليلة الأحد، ثم

(1)

في الأصل: (عن شيخه عبد القادر).

(2)

"المنتقى من أخبار المصطفى" 2/ 184 عقب حديث رقم (2182).

(3)

سلف برقم (1080) كتاب: تقصير الصلاة، وسيأتي برقم (4298).

ص: 427

(صابحهم)

(1)

يوم الأحد النصف من شوال.

وقوله: (بإناء من لبن أو ماء) وقوله بعده: (بإناء من ماء) لا تعارض بينهما؛ لأن الأول شك والثاني جزم، وأما الداودي فجمع بينهما بأنه دعا بهذا مرة، والآخر أخرى، وجمع ابن التين بأن الأول كان في حنين، والثاني في الفتح.

وقوله: (للصوَّام): كذا هو بالألف في الأصول، وذكره ابن التين بحذفها، وقال هو جمع صائم.

وقوله: (فأفطر حتى قدم مكة) ظاهره فصام، لكن سلف قبله (فلم يزل مفطرًا حتى انسلخ الشهر).

وقول ابن عباس: (فمن شاء صام ومن شاء أفطر) ظاهره التخيير، والأفضل عندنا الصوم لمن لم يتضرر به

(2)

، وهو مشهور مذهب مالك خلافًا لابن الماجشون. قال تعالى:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وقوله: (ليراه) أي: لئلا يتكلف أصحابه الصوم فيضعفوا عن الحرب، فإذا فعل هو بادروا إلى الفطر، وقيل: يحتمل أن يريهم ذلك، وقد بيت هو الصوم للضرورة قاله الداودي، وجعله مطرف حجة على فطره وإن بيت الصوم، ومنعه جماعة أصحاب مالك، وفي الكفارة عندهم ثلاثة أقوال

(3)

.

ثالثها: أن تأول فعله صلى الله عليه وسلم ورأى ابن القاسم الوجوب.

(1)

ورد بهامش الأصل: لعله: صافقهم.

(2)

انظر: "البيان" 3/ 469.

(3)

انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 19 - 22، "المنتقى" 2/ 48 - 49.

ص: 428

‌48 - باب أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رايته يَوْمَ الْفَتْحِ

؟

4280 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ؟ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ. فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ:"احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْخَيْلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ". فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ، قَالَ: يَا عَبَّاسُ، مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ غِفَارُ. قَالَ: مَا لِي وَلِغِفَارَ ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ، قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمَرَّتْ سُلَيْمُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا، قَالَ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ. ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ، وَهْيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ، فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِى سُفْيَانَ، قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ: «مَا قَالَ؟ ". قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: "كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ". قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ.

قَالَ عُرْوَةُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ؟ [انظر:2976] قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كُدَا، فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ: حُبَيْشُ بْنُ

ص: 429

الأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ. [فتح: 8/ 5]

4281 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ، وَهْوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ يُرَجِّعُ. وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ. [4835، 5034، 5047، 7540 - مسلم: 794 - فتح: 8/ 13]

4282 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ زَمَنَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ؟ ". [انظر: 1588 - مسلم: 1351 - فتح: 8/ 13]

4283 -

ثُمَّ قَالَ: "لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ". قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ؟ قَالَ: وَرِثَهُ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ. قَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ فِي حَجَّتِهِ، وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ: حَجَّتِهِ، وَلَا زَمَنَ الْفَتْحِ. [6764 - مسلم: 1614 - فتح: 8/ 14]

4284 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْزِلُنَا - إِنْ شَاءَ اللهُ، إِذَا فَتَحَ اللهُ - الْخَيْفُ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ". [انظر: 1589 - مسلم: 1314 - فتح: 8/ 14]

4285 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: "مَنْزِلُنَا غَدًا -إِنْ شَاءَ اللهُ -بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ". [انظر: 1589 - مسلم: 1314 - فتح: 8/ 14]

4286 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: "اقْتُلْهُ" قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا نُرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا. [انظر: 1846 - مسلم: 1357 - فتح: 8/ 15]

ص: 430

4287 -

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء:81]، {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)}. [سبأ:49] [انظر: 2478 - مسلم: 1781 - فتح: 8/ 15]

4288 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنَ الأَزْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"قَاتَلَهُمُ اللهُ، لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ". ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ، وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ. وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 398 - مسلم: 1331 - فتح: 8/ 16]

ذكر فيه ثمانية أحاديث:

أحدها:

حديث هِشَام، عَنْ أَبِيهِ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ عَامَ الفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أَبُوً سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هذِه؟ ثم ساق الحديث وذكر إسلامه.

وفيه أنه ركز رايته بالحجون وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدا، فقتل من جيش خالد بن الوليد يومئذ رجلان: حبيش بن الأشعر، وكرز بن جابر الفهري.

ص: 431

والكلام عليه من وجوه:

أحد ها:

ذكر ابن سعد أنه عليه السلام لما نزل مر الظهران أمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار، ولم يبلغ قريشًا مسيره وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم، فبعثوا أبا سفيان يتحسس الأخبار، وقالوا: إن لقيت محمدًا خذ لنا منه أمانًا، فخرج ومعه حكيم بن حزام وبديل، فلما راءوا العسكر أفزعهم وعلى الحرس تلك الليلة عمر، فسمع العباس صوت أبى سفيان فقال: أبا حنظلة.

قال: لبيك. قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف فأسلم ثكلتك أمك وعشيرتك

(1)

.

ولابن إسحاق أن أبا سفيان ركب مع العباس ورجع بديل وحكيم

(2)

. ولابن عقبة: ذهبوا كلهم مع العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا.

ولأبي معشر: أن الحرس جاءوا بأبي سفيان إلى عمر فقال: أبقوهم حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أخبره الخبر جاء العباس إلى أبي سفيان فأردفه، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوا بالآخرين.

وللبيهقي: "ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن" بعد أن قال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"

(3)

.

(1)

"الطبقات الكبرى" 2/ 135.

(2)

انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 21.

(3)

"دلائل النبوة" 5/ 37.

ص: 432

وذكر الطبري أنه عليه السلام وجه حكيم بن حزام مع أبي سفيان بعد إسلامهما إلى- مكة وقال: "من دخل دار حكيم فهو آمن -وهي بأسفل مكة- ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن - وهي بأعلى مكة" وكان هذا أمانًا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة

(1)

، ولهذا قال جماعة من أهل العلم منهم الشافعي: أن مكة مؤمنة وليست عنوة، والأمان كالفتح، ورأى أن أهلها مالكون رباعهم، فلذلك كان يجيز كراءها لأربابها، وبيعها وشراءها؛ لأن من أمن فقد حرم ماله ودمه، فمكة مؤمنة إلا من استثنى الشارع.

ثانيها:

"عند حطم الجبل". هو بالحاء، وهو ما حطم منه. أي: ثلم من عرضه فبقي منقطعًا، قاله الخطابي

(2)

، وكذا قال ابن التين: لعله يريد عند موضع يهدم من الجبل ويكسر. قال: فيكون بفتح الحاء وكسر الطاء، وكذا ضبط في بعض الكتب، وفي بعضها بسكون الطاء والأولى ضبط اللغة وإنما حبس هناك لأنه موضع ضيق يرون منه كلهم فلا تفوته رؤية أحد منهم، ثم حكى مقالة الخطابي السالفة.

والكتيبة: القطعة المجتمعة من الجيش، وأصله من الكتبة وهو أنك إذا جمعت شيئًا إلى شيء فقد كتبته، وكان أبو سفيان يقول عندما كثرت الحرس: يا عباس، إن هذا الملك. يقول العباس: بل النبوة يا أبا سفيان.

(1)

"تاريخ الطبري" 2/ 158.

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1751.

ص: 433

فائدة:

كان شعار المهاجرين يومئذ عبد الرحمن، والخزرج عبد الله، والأوس عبيد الله.

ثالثها:

قوله: (فأسلم أبو سفيان) هذا هو الصواب، وقيل: بل رجع وهو على كفره، حكاه ابن التين.

وقول سعد بن عبادة: (يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة)، أي: يوم الحرب، أو يوم حرب لا يجد فيه المرء منه ملجئًا، أو يوم القتل، يقال: لحم فلان فلانًا: قتله.

وقوله بعده: (اليوم تستحل الكعبة): فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، قال:"كذب سعد، هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة". وفي رواية أخرى: هذا يوم تستحل فيه الحرمة. فقال صلى الله عليه وسلم: "بل يوم المرحمة ويوم يعظم الله فيه الحرمة".

وذكر أن أبا قتادة قال: هذا يوم يذل الله فيه قريشًا، فقال صلى الله عليه وسلم:"مهلا فإن لله في قريش جار أما إنك لو وزنت حلمك بأحلامهم لرجحت أحلامهم".

وقول أبي سفيان: (يا عباس هذا يوم الذمار) أي: هذا يوم أؤمل فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني مكروه.

قال الخطابي: (يوم الذمار): يوم القتل. تمنى أن يكون له يد فيحمي قومه

(1)

.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1751.

ص: 434

وقوله: (جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) كذا وقع عند جميع الرواة. ورواه الحميدي في كتابه: هي أجل الكتائب

(1)

. وهو الأظهر، وقد كان عمر أراد قتل أبي سفيان، فقال صلى الله عليه وسلم عندما أتى به العباس فقال العباس: دوني يا عمر، قال صلى الله عليه وسلم:"ما دون أبي الفضل شر". قال عمر: قد برح الخفاء دعني أقتل أبا سفيان؛ فإنه رأس الكفر. فجعل العباس يتلطف رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إن أبا سفيان يحب أن يذكر، فاجعل له شيئًا يذكر به. فقال صلى الله عليه وسلم:"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن".

رابعها:

(الحجون): موضع بأعلى مكة بفتح الحاء.

قوله: (وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدى) قد أسلفنا في الحج أن الصواب دخوله صلى الله عليه وسلم من كداء. بالفتح. فراجعه. وسلف السر فيه.

قال ابن التين: والذي عليه أهل اللغة أن كداء بفتح الكاف والمد، والكدي بالضم وتشديد الياء، وسلف في الحج عن عروة، ولم يسنده أنه صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كداء من أعلى مكة

(2)

. والمضبوط في الأمهات الفتح للأعلى والضم للأسفل، وكذا أسنده عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها

(3)

وهو في حديث ابن عمر كذلك أيضًا

(4)

، وإنما وقع هنا: أنه أمر خالدًا فدخل من أعلى مكة. ودخل هو من كدا ضبطه

(1)

"الجمع بين الصحيحين" 3/ 326.

(2)

سلف برقم (1580) باب: من أين يخرج من مكة.

(3)

سلف برقم (1579).

(4)

سلف برقم (1576).

ص: 435

في الأمهات بضم الكاف، وفي إحدى روايات عروة كُدَا بالضم التي هي أعلى مكة.

خامسها:

(حبيش) بالحاء المهملة المضمومة، ثم باء موحدة

(1)

. وقال ابن إسحاق: خُنيس

(2)

-بخاء معجمة ثم نون

(3)

. والأول أصح- ابن خالد بن خليفة بن منقذ بن ربيعة بن أصرم ابن خنيس

(4)

بن حرام بن حبيشة بن عمرو بن كعب بن لحي الأشعر، عند الكلبي: حبيش وعند ابن سعد وغيره: هو خالد أبوه، وهو المقتول مع كرز لا ابنه حبيش

(5)

، وأم معبد عاتكة بنت خليفة بن منفذ، وكنية حبيش أبو صخر. روى في "الغيلانيات" من حديثه قصة أم معبد بطولها

(6)

. وله صحبة. وكرز بن جابر بن حسيل بن لاحب بن عتبة بن عمرو بن سنان بن محارب، أخي الحارث وغالب بن فهر كان قبل إسلامه أغار على سرح المدينة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ شقران بناحية بدر فلم يدركه، فهي بدر الأولى، ثم أسلم فحسن إسلامه، وولاه صلى الله عليه وسلم الجيش الذي خرج في طلب العرنيين فأدركهم وجاء بهم، استشهد يوم الفتح. وفي الصحابة أربعة سواه، يقال لكل منهم كرز.

(1)

ورد بهامش الأصل: تكملة الضبط: ثم شين معجمة.

(2)

"سيرة ابن هشام" 4/ 27.

(3)

ورد بهامش الأصل: تكملة الضبط: ثم سين مهملة.

(4)

ورد بهامش الأصل: بخط الشيخ: خبيس.

(5)

"الطبقات الكبرى" 2/ 136.

(6)

"الغيلانيات" 2/ 832 - 837.

ص: 436

الحديث الثاني: حديث عبد الله بن مغفل: في الرجيع بسورة الفتح. يأتي في التفسير وفضائل القرآن.

الحديث الثالث: حديث أسامة: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟

سلف في الحج. وسياقه هنا أتم، وفيه:"لا يرث المؤمن الكافر ولا الكافر المؤمن".

الرابع:

حديث أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْزِلُنَا -إِنْ شَاءَ اللهُ، إِذَا فَتَحَ اللهُ- الخَيْفُ، حَيثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفرِ".

الخامس:

حديثه أيضًا: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: "مَنْزِلُنَا غَدًا -إِنْ شَاءَ اللهُ- بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْت تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ". سلفا في الحج أيضًا.

الحديث السادس: حديث أَنَسِ في المغفر:

وقد سلف في باب دخوله الحرم ومكة غير محرم. زاد هنا: قال مالك: ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نُرى -والله أعلم- يومئذ محرمًا. وهو كما قال؛ لأنه لم يرو واحد أنه تحلل يومئذ من إحرامه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"وإنما أحلت لي ساعة من نهار" وقوله تعالى: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)} [البلد: 2] أيضًا شاهد له، وقيل: يحتمل أن يكون محرمًا، إلا أنه لبس المغفر للضرورة وهذا من خواصه، ومن دخل مكة لا لنسك فإحرامه مستحب على الأصح عندنا، وعند أبي مصعب والزهري خلافًا لمالك، لكن مشهور مذهبه [أن من]

(1)

تركه لا شيء عليه.

(1)

طمس بالأصل وهذا ما يقتضيه السياق.

ص: 437

وفي قتله ابن خطل دلالة أن الحرم لا يعصم من القتل الواجب، وكان قد قتل وارتد كما سلف قريبًا.

الحديث السابع:

حديث أَبِي مَعْمَرٍ عن عبد الله قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ وَحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ:" {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} ".

(نصب) بضم النون والصاد، ويجوز إسكان الصاد، ويجوز فتح النون مع ذلك أيضًا، وكلها واحد الأنصاب. كما نبه عليه ابن التين، والنصب: الحجر أو الصنم المنصوب للعبادة، ومنه:{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] والأنصاب أيضًا أعلام الطريق يهتدى بها، سميت أنصابًا؛ لأنها تنصب، فارتفعت للأبصار. (يطعنها) بضم العين على ما سلف.

الحديث الثامن:

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ: حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، وأخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ .. الحديث.

سلف في الحج في باب: من كبر في نواحي الكعبة عن أبي معمر، عن عبد الوارث، عن أيوب

(1)

.

وقال هنا: (تابعه معمر، عن أيوب، وقال وهيب: ثنا أيوب، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم). وسقط من نسخة الأصيلي والد عبد الصمد

(1)

سلف برقم (1601).

ص: 438

والصواب إثباته.

وقوله: (ولم يصلِّ فيه) قد سلف الجمع بين هذا وبين ما خالفه في الصلاة في باب قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فراجعه. وأخذ الناس برواية الأثبات.

ص: 439

‌49 - باب دُخُولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ

4289 -

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ، حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِىَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَمَكَثَ فِيهِ نَهَارًا طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ، فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلَالاً وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟ [انظر: 397 - مسلم:1392 - فتح: 8/ 18]

4290 -

حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ.

تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيْبٌ فِي: كَدَاءٍ. [انظر: 1577 - مسلم: 1258 - فتح: 8/ 18]

4291 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ. [انظر: 1577 - مسلم: 1258 - فتح: 8/ 18]

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثنِي يُونُسُ أَخْبَرَني نَافِع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ يَوْمَ الفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الحَجَبَةِ، فذكر الحديث في صلاته عليه السلام فيما قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟

ثم ساق حديث هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّه صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مكة عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ التِي بِأَعْلَى مَكَّةَ.

ص: 440

تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيْبٌ فِي: كَدَاءٍ.

ثم ساقه من حديث أبي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: أنه صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ.

هذا الباب سلف -وأصله في الحج- وبيان الاختلاف [بين]

(1)

كَداء وكُدى، وأن الصواب أن الفتح: العليا، والضم السفلى.

قال القاضي عياض: كَداء، وكُداء، وكُدى جاءت في أحاديث: الحج والجهاد، وفتح مكة، وغير موضع، واختلفت الروايات والتفسير فيها.

كداء مفتوح ممدود غير مصروف بأعلى مكة: ثنية. وقال الخليل وغيره: يعني كما تقدم، وكُدي -بالضم مشدد الياء-: جبلان قرب مكة، الأعلى منهما هو الممدود

(2)

.

وقال غيره: كدى مقصور منون مضموم: الذي أسفلها، والمشددة؛ لمن خرج إلى اليمن وليس من طريقه صلى الله عليه وسلم في شيء

(3)

. وقد سلف واضحًا، فلا حاجة إلى إعادته، وقد سلف الهمز فيه أيضًا.

(1)

ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.

(2)

"العين" 5/ 396 مادة: (كدى).

(3)

"إكمال المعلم" 4/ 335 - 336.

ص: 441

‌50 - باب مَنْزِلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ

4292 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ، فَإِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، قَالَتْ: لَمْ أَرَهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. [انظر: 1103 - مسلم: 336 - فتح: 8/ 19]

ذكر فيه حديث أم هانئ أَنَّهُ اغْتَسَلَ يَوْمَ الفَتْحِ فِي بَيْتِهَا، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ.

وقد سلف في باب: صلاة الضحى في السفر وغيره

(1)

.

(1)

سلف برقم (1176).

ص: 442

‌51 - باب

4293 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي". [انظر: 794 - مسلم: 484 - فتح: 8/ 19]

4294 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا، وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ. قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ، وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ مَا تَقُولُونَ:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدْرِى. أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا. فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ اللهُ لَهُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} : فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر:3] قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ. [انظر: 3627 - فتح: 8/ 20]

4295 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهْوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْغَدَ يَوْمَ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ، حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، لَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ. وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ

ص: 443

عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَليُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ". فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْح: مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الَحرَمَ لَا يُعِيذ عَاصيًا، وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ. [قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: الَخرْبَةُ: البَلِيَّة]. [انظر: 104 - مسلم: 1354 - فتح: 8/ 20]

4296 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهْوَ بِمَكَّةَ:"إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ". [انظر: 2236 - مسلم: 1581 - فتح: 8/ 20]

ذكر فيه أربعة أحاديث:

أحدها:

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي".

وقد سلف في: الصلاة، في باب: الدعاء في الركوع، وهو ظاهر في جواز الدعاء فيه

(1)

، ومالك لا يراه

(2)

، ولعله لم يبلغه الحديث.

ثانيها:

حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هذا مَعَنَا وَلنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فذكر الحديث: وأنه جاء لفهم، وفسر الفتح بفَتْح مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} قال عمر: ما أعلم فيها إلا ما تعلم. وسيأتي في: التفسير أيضًا

(3)

.

(1)

انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 1/ 415.

(2)

انظر: "المنتقى" 1/ 149.

(3)

سيأتي برقم (4967).

ص: 444

والقائل لعمر ذاك هو: عبد الرحمن بن عوف كما ذكره ابن التين

(1)

، ولم ينقله هذا لابن عباس، وأظنه أراد أن يكون ابنا له من أبنائهم معه فأخبره عمر ما زادهم به من القرابة والعلم، وبين لهم ذلك بما امتحنهم به.

الحديث الثالث:

حديث أَبِي شُرَيْحٍ العَدَوِيِّ وأَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهْوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ الحديث.

سلف في الحج

(2)

واضحًا، واسمه: خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزى بن معاوية بن المحترش بن عمرو بن نبهان، أخي مازن رهط بديل بن ورقاء ابني عدي أخي كعب وفليح وسعد وعوف أولاد عمرو بن لحي الخزاعي العدوي، وينسب تارة الكعبي إلى العم؛ لشهرة بني كعب بن خزاعة على إخوتهم.

وقد روي في الحديث مرفوعًا: "نزل القرآن بلغة الكعبين"

(3)

-يعني: كعب بن لؤي، وكعب بن خزاعة- أسلم أبو شريح قبل فتح مكة، وكان يحمل أحد ألوية بني كعب بن خزاعة الثلاثة يوم الفتح، والثاني محبر بن سفيان بن سلول بن كعب، والثالث عمرو بن سالم من بني منيح القائل:

(1)

ورد بهامش الأصل: تقدم في هذا "الصحيح" أنه عبد الرحمن بن عوف، وسيأتي أيضا التصريح به في باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم، فلا حاجة لعزوه لابن التين.

(2)

سيأتي برقم (1832).

(3)

لم أقف عليه مرفوعًا، ولكن أورده أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص 340 من قول ابن عباس، وبنحوه كذلك عند الطبري في "تفسيره" 1/ 51 (65) هذا ورواه الطبري أيضًا 1/ 52 (66) عن قتادة عن أبي الأسود الدئلي.

ص: 445

اللهم إني ناشد محمدًا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

مات أبو شريح بالمدينة سنة ثمان وستين.

قال الداودي: وتأويل عمرو ليس بشيء، أي: في قوله: (إن الحرم لا يعيذ عاصيًا) إلى آخره، وأكثر ما يجوز أن يجعل بمكة من الحرب، إذا أُرِيدَ بها أحد أن يدفع عن نفسه، كما جعل ابن الزبير رضي الله عنه أو يكون الملحد من أراد ظلمه.

ووقع في "السير" لابن إسحاق: عمرو بن الزبير بدل عمرو بن سعيد

(1)

، والصواب ما في "الصحيح"، والوهم فيه من دون ابن إسحاق، فقد رواه يونس بن بكير عنه على الصواب، وقد سلف هناك اختلاف العلماء في الاستعاذة في الحرم، وعندنا وعند مالك: نعم

(2)

، وخالف أبو حنيفة، وقيل: إن قتل في الحرم استعيذ منه، وإلا فلا

(3)

. وجه الأول قصة ابن خطل وغيره.

الحديث الرابع: حديث جابر رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة:"إن الله ورسوله حرم بيع الخمر".

وقد سلف في البيع

(4)

.

(1)

"سيرة ابن إسحاق" ص 208.

(2)

انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 373 - 374، "المنتقى" 3/ 80، "المجموع" 7/ 465، "أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 2/ 61 - 62.

(3)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 2/ 33.

(4)

سلف برقم (2236).

ص: 446

‌52 - باب مَقَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ

4297 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ. [انظر: 1081 - مسلم: 693 - فتح: 8/ 21]

4298 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. [انظر: 1080 فتح: 8/ 21]

4299 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلَاةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَنَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا زِدْنَا أَتْمَمْنَا. [انظر: 1080 - فتح: 8/ 21]

ذكر فيه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ. وحديث عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَقَامَ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.

وعن أبي شِهَابٍ -وهو عبد ربه بن رافع الحناط- عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ نَقْصُرُ الصَّلَاةَ.

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: وَنَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا زِدْنَا أَتْمَمْنَا.

وقد سلف ذلك في الصلاة، في باب: ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، فراجعه.

ص: 447

‌53 - باب

(1)

4300 -

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عَامَ الْفَتْحِ. [6356 - فتح: 8/ 22]

4301 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا وَنَحْنُ مَعَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: وَزَعَمَ أَبُو جَمِيلَةَ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الْفَتْحِ. [فتح: 8/ 22]

4302 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو قِلَابَةَ: أَلَا تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَه؟ قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا لِلنَّاسِ، مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَي إِلَيْهِ -أَوْ أَوْحَى اللهُ بِكَذَا- فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ، وَكَأَنَّمَا يُغْرَى فِي صَدْرِي، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمِ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهْوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ. فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ وَاللهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقًّا. فَقَالَ: "صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا". فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي؛ لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ. فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ. [فتح: 8/ 22]

4303 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ

(1)

فائدة: قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 8/ 22: كذا في الأصول بغير ترجمة، وسقط من رواية النسفي، فصارت أحاديثه من جملة الباب الذي قبله، ومناسبتها له غير ظاهرة، والمناسب لترجمته: من شهد الفتح.

ص: 448

الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنْ يَقْبِضَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وَقَالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ فِي الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقْبَلَ مَعَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: هَذَا ابْنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. قَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أَخِي، هَذَا ابْنُ زَمْعَةَ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هُوَ لَكَ، هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَة". مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَة". لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ". وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذَلِكَ. [انظر: 2053 - مسلم: 1457 - فتح: 8/ 23]

4304 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ، قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟! ". قَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا". ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2648 - مسلم: 1688 - فتح: 8/ 24]

4305، 4306 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي

ص: 449

عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاشِعٌ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَخِي بَعْدَ الْفَتْحِ قُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِ، جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ. قَالَ "ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا". فَقُلْتُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: "أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ وَالْجِهَادِ". - فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ بَعْدُ -وَكَانَ أَكْبَرَهُمَا- فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ. [انظر:2962،2963 - مسلم: 1863 - فتح: 8/ 25]

4307، 4308 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ: انْطَلَقْتُ بِأَبِي مَعْبَدٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ، قَالَ:"مَضَتِ الْهِجْرَةُ لأَهْلِهَا، أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ". فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ. وَقَالَ خَالِدٌ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ مُجَاشِعٍ أَنَّهُ جَاءَ بِأَخِيهِ مُجَالِدٍ. [فتح: 8/ 25]

4309 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُهَاجِرَ إِلَى الشَّأْمِ. قَالَ: لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ، فَانْطَلِقْ فَاعْرِضْ نَفْسَكَ، فَإِنْ وَجَدْتَ شَيْئًا وَإِلاَّ رَجَعْتَ. [انظر: 3899 - فتح: 8/ 25]

4310 -

وَقَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: لَا هِجْرَةَ الْيَوْم -أَوْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. [انظر: 3899 - فتح: 8/ 25]

4311 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ. [انظر: 3899 - فتح: 8/ 25]

4312 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَسَأَلَهَا عَنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَتْ: لَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ الإِسْلَامَ، فَالْمُؤْمِنُ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ. [انظر: 3080 - مسلم: 1864 - فتح: 8/ 25]

ص: 450

4313 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ:"إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهْيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحْلِلْ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ، لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ". فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلاَّ الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْقَيْنِ وَالْبُيُوتِ. فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ:"إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ حَلَالٌ". وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِ هَذَا -أَوْ نَحْوِ هَذَا-[انظر: 1349 - مسلم: 1353 - فتح: 8/ 26]

رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر:1112 - مسلم: 1355]

ذكر فيه (ستة)

(1)

أحاديث:

أحدها:

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَاب، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بْنِ صُعَيْرٍ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عَامَ الفَتْحِ.

وهذا رواه يونس في كتابه عن محمد بن إسحاق، عن الزهري به أيضاً. و (ثعلبة) هذا يقال له: ابن أبي صعير أيضاً -بالصاد والعين المهملتين- بن عمرو بن زيد بن شيبان العذري حليف بني زهرة، روى عنه ابنه، وهما صحابيان، ولد ابنه سنة ستٍّ أو سبع من الهجرة، ومات سنة تسع وثمانين عن ثلاث وثمانين سنة، وروى عبد الله، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأغرب ابن التين فقال:

(1)

كذا بالأصل، ولعل صوابها: ثمانية؛ إذ أن المصنف عدهم في الشرح كما سيأتي ثمانية أحاديث.

ص: 451

عبد الله هذا إن كان عقل ذلك أو عقل عنه كانت له صحبة، وإن لم يعقل عنه شيئًا كانت تلك (فضيلة)

(1)

وهو من الطبقة الأولى من التابعين. قلت: أطبقوا

(2)

على صحبته كما ذكرناه

(3)

.

الحديث الثاني:

حديث الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ وَنَحْنُ مَعَ ابن المُسَيَّبِ قَالَ: وَزَعَمَ أَبُو جَمِيلَةَ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الفَتْحِ.

سيأتي عنه معلقًا أنه التقط منبوذًا فأتى عمر فسأل عنه، فأثني عليه خير، وأنفق عليه عمر

(4)

. زاد مالك في "موطئه": وجعل ولاءه له

(5)

وهو ضمري وقيل: سمي (سُنَيْن) بضم السين المهملة، ثم نون مفتوحة، ثم مثناة تحت ساكنة وربما حكى تشديدها ثم نون. وجميلة: بفتح الجيم وكسر الميم، وذكره في الصحابة غير واحد: ابن منده وابن حبان

(6)

وغيرهما، وأما ابن المنذر فقال: أبو جميلة رجل مجهول. قال البيهقي: قد قاله الشافعي

(7)

أيضًا في كتاب الولاء فإن ثبت كان معناه في الولاء: أجرته والقيام بحفظه دون الولاء المعروف؛ لأنه كمن أعتق.

(1)

في الأصل: (قضية)، وهو تحريف، المثبث هو الصواب. انظر:"عمدة القاري" 14/ 300.

(2)

ورد بهامش الأصل: رأيت الذهبي جزم بصحبته في غير مكان، لكنه قال في "الكاشف": له صحبة إن شاء الله. [قلت: قال الذهبي فى "التجريد" 1/ 301: له رؤية ورواية].

(3)

انظر ترجمتهما في "الاستيعاب" 1/ 286 (279)، 3/ 12 (1496).

(4)

قلت: بل قد سلف قبل حديث (2662) كتاب: الشهادات.

(5)

"الموطأ" ص 460 (19).

(6)

"الثقات" 3/ 179.

(7)

"الأم" 4/ 56. وانظر: "معرفة السنن والاثار" 9/ 91.

ص: 452

قلت: وحج مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، قال ابن أبي حاتم: روى عنه الزهري وزيد بن أسلم

(1)

، قلت: وروى عن الصديق والفاروق أيضًا. والذي أثنى عليه هو شيبان، أفاده الشيخ أبو حامد في "تعليقه".

الحديث الثالث:

حديث عمرو بن سلمة في إمامة قومه وهو ابن ست أو سبع سنين، وهو من أفراده، ولم يخرج البخاري له غيره وهو عمرو بن سلمة -بكسر اللام- بن نفيع الجرمي أبو بريد أو أبو يزيد، وقيل: سلمة بن قيس.

وقوله: (بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي) يقال: بدرت إلى الشيء، وبادرت أي: سعيت.

وقوله: ("وليؤمكم أكثركم قرآنًا") هذا ما رجح به، وفي حديث أبي قلابة:"فليؤمكم أكبركم"

(2)

أي: سنًّا مع التساوي في القراءة والأول مع التساوي في السن، وترجيح القراءة، وفيه: حجة للشافعي في صحة إمامة الصبي في الفرض، ومنع من ذلك مالك

(3)

، قال: كان هذا في أول الإسلام، وحملوا الحديث على عمومه، ولم يبلغ فعلهم الشارع.

وقوله: (وكانت عليَّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني) أي: انضمت ونقصت عن أن تسترني، يقال: قلص الشيء أو: تقلص إذا انضم، وقلص: إذا نقص.

وقوله: (فقالت امرأة من الحي ألا تغطون عنا است قارئكم).

(1)

"الجرح والتعديل" 4/ 320.

(2)

سلف برقم (628).

(3)

انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 285، "الأم" 1/ 147.

ص: 453

كذا هو في الأصول: تغطون بالنون، وذكره ابن التين بحذفها، ثم قال: والصواب إثباتها؛ لأنه مرفوع على أصله.

الحديث الرابع:

حديث عائشة رضي الله عنها مسندًا ومعلقًا في قصة ابن وليدة زمعة، وفي آخره:"الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ". قَالَ ابن شِهَابٍ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذَلِكَ، وقد سلف في أول البيع

(1)

فراجعه.

وقوله: ("هو لك، هو أخوك يا عبد بن زمعة") من أجل أنه ولد على فراشه، فيه رد على من يقول أنه ملكه إياه عبدًا، فإن قلت: الولد لا يستلحق على فراش أبيه.

قلت: يحتمل أن يكون قول ابن زمعة معروفا أنه وطء الأمة لو كانت فراشًا.

ويحتمل أن عبدًا وارث زمعة وحده ولم ترثه سودة؛ لأنها مسلمة وكان زمعة كافرًا، ورثه عبد إذ كان حين موته كافرًا أيضًا. ذكرها ابن التين.

الحديث (الخامس)

(2)

:

حديث عُرْوَة بْن الزُّبَيْرِ، أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ الفَتْحِ .. الحديث سلف في الشهادات مختصرًا، واسمها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسود

(3)

بن هلال بن عمر بن مخزوم ابنة أخي

(1)

سلف برقم (2053).

(2)

في الأصل (الرابع) وهو تكرار، لعله من باب السهو، وعليه بُني ما بعده، لكن المثبت هو الصواب.

(3)

ورد بهامش الأصل: كذا في "الاستيعاب": ابن عبد الأسود، وفي غيره: عبد الأسد. وكذا ذكره المؤلف في نسب عمها وكذا في نسب ابن عمها.

ص: 454

أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وابن عمها الأسود بن سفيان بن عبد الأسد، وفي صحبته نظر كما قاله أبو عمر

(1)

، وأخوه هبار بن سفيان قتل بمؤتة، وقتل أخوها عبد الله بن سفيان باليرموك، قاله الزبير، وقال غيره بأجنادين.

وعمر بن سفيان هاجر إلى الحبشة، قاله الزبير. وعبد الله بن سفيان من مهاجرة الحبشة هو وأخوه هبار، قاله ابن إسحاق

(2)

. ونزل عبد الله حمص وجرف، والأسود أبوها قتله حمزة يوم بدر أول من قتل، وكان عهد أنه ليشربن من حوض المسلمين أو ليهدمنه أو يموتن دونه فخرج، وخرج إليه حمزة فقتله -وكان سيئ الخلق- قال الزبير: أدركه حمزة وهو يكسر الحوض فقتله فاختلط دمه بالماء.

وقوله: (ففزع قومها إلى أسامة) أي: لجئوا إليه، يقال: فزعت إليه -بكسر الزاي- فأفزعني أي: لجأت إليه فأعانني، وفزعت عنه: كشفت عثه الفزع، ومنه قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23].

الحديث السادس:

حديث عَاصِم -هو: ابن سليمان الأحول- عَنْ أَبِي عُثْمَانَ- هو: عبد الرحمن بن مل النهدي - حَدَّثَنِي مُجَاشِعٌ فذكر حديث المبايعة.

وقد سلف في: الجهاد في باب: البيعة في الحرب أن لا يفروا

(3)

، مختصرًا.

ثم ذكر بعد: وقال مجاشع بن مسعود. وقال في الأول: جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الهِجْرَةِ.

(1)

"الاستيعاب" 1/ 183 (48).

(2)

انظر: "سيرة ابن هشام" 1/ 349.

(3)

سلف برقم (2962 - 2963).

ص: 455

وقال في الثاني: انْطَلَقْتُ بِأَبِي مَعْبَدٍ. ثم قال فيه: وَقَالَ خَالِدٌ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ مُجَاشِعٍ أَنَّهُ جَاءَ بِأَخِيهِ مُجَالِدٍ. وهو بيان لأخيه، مجاشع ومجالد ابنا مسعود بن ثعلبة بن وهب من بني بهثَهَ بن سليم بصري قتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين -أعني: مجاشعًا- اتفقا عليه، وادعى الدمياطي انفراد البخاري بمجالد.

الحديث السابع:

حديث أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُهَاجِرَ إِلَى الشَّأمِ. قَالَ: لَا هِجْرَةَ ولكن جِهَادٌ ونية، فَانْطَلِقْ فَاعْرِضْ نَفْسَكَ، فَإِنْ وَجَدْتَ شيْئًا وَإِلَّا رَجَعْتَ.

وقال النضر: أنا شعبة، أنا أبو بشر: سمعت مجاهدًا: قلت لابن عمر فقال: لا هجرة اليوم، أو بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم ساق عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ المَكِّيِّ، أَنَّ ابن عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ.

ثم ساق عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَسَأَلَهَا عَنِ الهِجْرَةِ فَقَالَتْ: لَا هِجْرَةَ اليَوْمَ، كَانَ المُؤْمِنُ يَفِرُّ بِدِينِهِ إِلَى اللهِ عز وجل وإِلى رَسُولِهِ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا اليَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ الإِسْلَامَ، فَالْمُؤْمِنُ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، ولكن جِهَادٌ وَنِيَّةٌ.

وطريق مجاهد وعطاء سلفا في الهجرة

(1)

.

واسم أبي بشر: جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري الواسطي، مات سنة خمس أو أربع أو ثلاث وعشرين ومائة، وكان مولده سنة سبعين.

(1)

سلفا برقم (3899 - 3950).

ص: 456

وقد سلف تأويل لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية.

قال ابن التين: قيل: يريد أن الهجرة لا تبتدأ حينئذ، وأن من كانت تقدمت له هجرة فهو مستمر عليها بدليل قوله في حديث الوداع:"اللهم أمض لأصحابي هجرتهم"

(1)

.

الحديث الثامن:

حديث ابن جُرَيْجٍ عن حَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ يَوْمَ الفَتْحِ فَقَالَ:"إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ" إلى آخره.

فَقَالَ العَبَّاسُ: إِلَّا الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْقَيْنِ وَالْبُيُوتِ. فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ:"إِلَّا الإِذْخِرَ". وَعَنِ ابن جُرَيْج قال: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ بِمِثْلِ هذا -أوْ نَحْوِ هذا-

رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله سلف في الحج من حديث خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، ومن حديث جرير، عن منصور، عن (مجاهد، عن طاوس)

(2)

عن ابن عباس رضي الله عنهما بطوله

(3)

.

والقين: الحداد. وسكوته عليه السلام قبل قوله: "إلا الإذخر" لينظر ما يوحى إليه في ذلك.

فصل:

ذكر ابن سعد بعد الفتح سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس بقين من رمضان سنة ثمان ليهدمها، فخرج في ثلاثين فارسًا من أصحابه حتى انتهوا إليها فهدمها.

(1)

سلف برقم (1295).

(2)

في الأصل: (مجاهد عن عطاء، عن طاوس) بزيادة: عطاء، وهو خطأ، والمثبت كما في البخاري، وكذا مسلم (1353).

(3)

سلف برقم (1833 - 1834).

ص: 457

ثم سرية عمرو بن العاصي إلى سواع في رمضان، وهو صنم لهذيل ليهدمه فهدمه. ثم سرية (سعد)

(1)

بن زيد الأشهلي إلى مناة، فيه أيضًا: فهدمه ورجع لستٍ بقين من رمضان. ثم سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة في شوال سنة ثمان

(2)

. وعند ابن إسحاق: قيل: هدم العزى ثم غزوة حنين

(3)

.

(1)

في الأصل: سعيد، والمثبت من "الطبقات" وهو موافق لما في "الاستيعاب" 2/ 158 (940)، "الإصابة" ت (3163).

(2)

"الطبقات الكبرى" 2/ 145 - 147.

(3)

انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 64 - 65.

ص: 458

‌54 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُم} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . [التوبة: 25 - 27]. [فتح: 8/ 27]

4314 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ: رَأَيْتُ بِيَدِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ضَرْبَةً، قَالَ: ضُرِبْتُهَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ. قُلْتُ: شَهِدْتَ حُنَيْنًا؟ قَالَ: قَبْلَ ذَلِكَ. [فتح: 8/ 27]

4315 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ، وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ، فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، يَقُولُ:"أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". [انظر: 2864 - مسلم: 1776 - فتح: 8/ 27]

4316 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: قِيلَ لِلْبَرَاءِ -وَأَنَا أَسْمَعُ-: أَوَلَّيْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَا، كَانُوا رُمَاةً، فَقَالَ:"أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". [انظر: 2864 - مسلم: 1776 - فتح: 8/ 28]

4317 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ - وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ: أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفِرَّ، كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً، وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمِ انْكَشَفُوا، فَأَكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتُقْبِلْنَا بِالسِّهَامِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِزِمَامِهَا وَهْوَ يَقُولُ:"أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ". قَالَ إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ: نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَغْلَتِهِ. [انظر: 2864 - مسلم: 1776 - فتح: 8/ 28]

4318، 4319 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي لَيْثٌ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ

ص: 459

شِهَابٍ. وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ". وَكَانَ أَنْظَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ، حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا، فَلْيَفْعَلْ". فَقَالَ: النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا لَا نَدْرِى مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ". فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. [انظر: 2307، 2308 - فتح: 8/ 32]

4320 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اعْتِكَافٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَفَائِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[انظر: 2032 - مسلم: 1656 - فتح: 8/ 34]

4321 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ

ص: 460

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَدْ عَلَا رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَضَرَبْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللهِ عز وجل. ثُمَّ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ". فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ قَالَ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، فَقُمْتُ فَقَالَ:"مَالَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ". فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ وَسَلَبُهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنِّي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَاهَا اللهِ إِذًا، لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَ فَأَعْطِهِ". فَأَعْطَانِيهِ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلَامِ. [انظر: 2100 - مسلم: 1751 - فتح: 8/ 34]

4322 -

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ -مَوْلَى أَبِي قَتَادَة- أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَآخَرُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ، فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ، فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي، وَأَضْرِبُ يَدَهُ، فَقَطَعْتُهَا، ثُمَّ أَخَذَنِي، فَضَمَّنِي ضَمًّا شَدِيدًا حَتَّى تَخَوَّفْتُ، ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ، وَدَفَعْتُهُ ثُمَّ قَتَلْتُهُ، وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ، فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّه. ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ". فَقُمْتُ لأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي فَجَلَسْتُ، ثُمَّ بَدَا لِي، فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلَاحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلاَّ، لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَدَّاهُ إِلَيَّ؛ فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلَامِ. [انظر: 2100 - مسلم: 1751 - فتح: 8/ 36]

ص: 461

حنين: واد بينه وبين مكة ثلاث ليال، وهو حنين بن قاينة بن مهلائيل نسب إليه الموضع

(1)

، وهي غزوة هوازن كما سلف في الجهاد في باب: من قاد دابة غيره في الحرب

(2)

.

وادعى السهيلي أنها تعرف أيضًا بأوطاس فسميت باسم الموضع الذي كانت فيه الوقعة أخيرًا

(3)

، وكانت يوم السبت لست ليال من شوال سنة ثمان من الهجرة، وكانت سيماء الملائكة فيها عمائم حمر، قد أرخوها بين أكتافهم.

وقال ابن سعد في موضع آخر عن الحكم: خرج إليها عليه السلام لليلتين بقيتا من رمضان أي مهيئًا

(4)

قالوا: في اثني عشر ألفًا: عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفان من أهل مكة، فقال الصديق: لا نغلب اليوم من قلة، فانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوال، فلما انهزمت بنو سليم وأهل مكة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يا أنصار الله وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله" فثاب إليه من انهزم، وثبت معه يومئذٍ العباس وعلي والفضل وأبو سفيان بن الحارث وربيعة بن الحارث وأبو بكر وعمر وأسامة في أناس من أهل بيته وأصحابه

(5)

.

قال الحارث بن النعمان: مائة رجل وسيأتي تعداد بعضهم، ورماهم بحصيات؛ فقذف الله في قلوبهم الرعب وانهزموا لا يلوي أحد على أحد، وسبى منهم ستة آلاف رأس، وكانت الإبل أربعة وعشرين ألف بعير

(1)

ذكره أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم" 2/ 472.

(2)

سلف برقم (2864).

(3)

"الروض الأنف" 4/ 138.

(4)

كلمة غير واضحة بالأصل.

(5)

"الطبقات الكبرى" 2/ 143، 150 - 151.

ص: 462

والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة، ثم رد عليهم سبيهم لما أتاه وفدهم بإسلامهم، ثم انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فأقام بها ثلاث عشرة ليلة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لثنتي عشرة بقيت منها ليلاً، فأحرم بالعمرة ثم رجع من ليلته فبات ثم غدا يوم الخميس وانصرف إلى المدينة.

وفي لفظ: لم يكن معه يومئذ إلا أبو سفيان بن الحارث.

وفي حديث يعلى بن عطاء: أنه عليه السلام اقتحم يومئذ عن فرسه، وأخذ كفًا من تراب وضرب بهم وجوههم، فلم يبق منهم أحد إلا امتلأت عيناه وفوه ترابًا

(1)

. وعند ابن هشام وغيره فيمن ثبت معه يوم حنين قثم بن عباس، وفيه نظر؛ لأنه عليه السلام توفي وهو صغير

(2)

. وعند الزبير بن أبي بكر: وكان عتبة ومغيث ابنا أبى لهب ممن ثبت يومئذ، ولابن إسحاق: وأيمن ابن أم أيمن

(3)

.

ولابن عبد البر

(4)

: وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأم سليم.

(1)

رواه أحمد 5/ 286.

(2)

كان سنه في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوق الثمان كما هو مستنبط من حديث أم الفضل الذي رواه الإمام أحمد 6/ 339 وغيره وفيه: "تلد فاطمة غلامًا ترضعينه بلبن ابنك قثم" فولدت الحسن .. الحديث، وقال ابن السكن: لا يصح سماعه.

وقال أبو بكر البندرنجي: لا صحبة له. انظر: "الإصابة" 3/ 227.

إلا أن ابن حبان ذكره فيمن روى عن النبي "الثقات" 3/ 337.

وذكر الذهبي في "التجريد" 2/ 13، و"السير" 3/ 440: أن له صحبة.

وقد اتفق الجميع على أنه كان آخر الناس خروجًا من لحد النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

"سيرة ابن هشام" 4/ 72.

(4)

"الدرر" ص 225.

ص: 463

ولعبد الغني: وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب. ولابن الأثير: وعقيل بن أبي طالب

(1)

، ولابن عباس في "تفسيره": وأبو دجانة، ونفر من الأنصار تعلقوا بثغر النخلة، وللبيهقي عن ابن مسعود بقيت أنا معه في ثمانين رجلاً من الأنصار والمهاجرين، وناولته كفًا من تراب فضرب به وجوههم، فامتلأت أعينهم ترابًا

(2)

. وقال العباس:

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة .... وقد فر من قد فر منهم وأقشعوا

وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه

لما مسه في الله لا يتوجعُ

يريد بالميت أيمن ابن أم أيمن. ولأبي معشر

(3)

: ثبت معه يومئذ مائة رجل بضعة (وثلاثين)

(4)

من المهاجرين وسائرهم من الأنصار، وسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه، ثم طرح غمده وقال:"أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"

وقال لأبي سفيان بن الحارث: "ناولني تراباً" فناوله .. الحديث، وكان صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء التي أهداها له فروة بن نفاثة

(5)

. وقال ابن هشام: [قال صلى الله عليه وسلم]

(6)

حينئذ لبغلته -أي: الشهباء، كما ذكره أبو نعيم في "دلائله"-:"البدي" فوضعت بطنها على الأرض وأخذ حفنة فضرب بها وجوه هوازن

(7)

.

(1)

"أسد الغابة" 4/ 64 ت (3726).

(2)

رواه في "دلائل النبوة" 5/ 142.

(3)

أبو معشر اسمه: نجيح المدني مولى، عارف با لأحداث والسير وأحد المحدثين، وتوفي أيام الهادي، وله من الكتب كتاب "المغازي". انظر:"الفهرست" ص 134.

(4)

ورد فوق هذِه الكلمة في الأصل: كذا وفي الهامش: والجادة: وثلاثون.

(5)

رواه مسلم (1775) من حديث عباس بن عبد المطلب.

(6)

ما بين المعقوفين زيادة ليست في الأصل، يقتضيها السياق.

(7)

الحديث رواه الطبري في "تاريخه" 2/ 169 عن أنس به، ولم أقف عليه في المطبوع =

ص: 464

وعند ابن سعد

(1)

أن هذِه البغلة هي: دلدل، وتبعه أبو عمر

(2)

وابن حزم

(3)

وغيرهما، وفي مسلم:(بغلته الشهباء)

(4)

. يعني: دلدل التي أهداها المقوقس، ويجوز أن يكون ركبهما يومئذ معًا.

فصل:

ذكر البخاري في الباب أحاديث:

أحدها:

حديث يَزِيد بْن هَارُونَ، نَا إِسْمَاعِيلُ قال: رَأَيْتُ بِيَدِ ابن أَبِي أَوْفَى ضَرْبَةً، قَالَ: ضُرِبْتُهَا مَعَ رسول الله يَوْمَ حُنَيْنٍ. قُلْتُ: شَهِدْتَ حُنَيْنًا؟ قَالَ: قَبْلَ ذَلِكَ.

قلت: هو ممن بايع تحت الشجرة، وهو آخر الصحابة موتًا بالكوفة سنة ست وثمانين، وهو: عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي أبو معاوية أو أبو إبراهيم أو أبو محمد، أبوه صحابي أيضًا، بعث مع ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة.

الحديث الثاني:

حديث البَرَاء جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ، ولكن عَجِلَ سَرَعَانُ القَوْمِ، فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ البَيْضَاءِ، يَقُولُ:"أَنَا النَّبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب".

= من "الدلائل" و (البدي): قال الجوهري: ألبد بالمكان، أقام به، ولَبَدَ الشيء بالأرض أي: لصق. "الصحاح" 2/ 533.

(1)

"الطبقات" 2/ 150.

(2)

"الدرر" ص 255.

(3)

"جوامع السيرة" ص 239.

(4)

رواه مسلم (1777) من حديث سلمة بن الأكوع.

ص: 465

وعنه بنحوه، وقالوا: كانوا رماة، فقال:"أنا النبي .. " إلى آخره،

وعنه: سأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم، فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان لآخذ بزمامها، وهو يقول:"أنا النبي لا كذب". قال إسرائيل وزهير: نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته.

هذا الحديث سلف في الجهاد في باب: بغلته البيضاء

(1)

، وقال أبو حميد: أهدى ملك أيلة إليه بغلة بيضاء

(2)

، وباب: من صف أصحابه عند الهزيمة وغيرهما

(3)

.

وقوله: (سرعان) هو بفتح السين والراء أي: (أَخِفَّاؤهم) والمستعجلون منهم، وحكي سكون الراء، وحكي أيضًا ضم السين جمع سريع، وقال الخطابي: بعضهم يقوله بكسر السين وهو خطأ، قال: وأما قولهم: سرعان ما فعلت فبالفتح والضم والكسر

(4)

. وقال ابن التين: هو بضم السين وقيل: الصواب فتحها مع فتح الراء.

الحديت الثالث:

حديث ابن أَخِي ابن شِهَابٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولً اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ ..

الحديث.

(1)

سلف برقم (2874).

(2)

سلف برقم (1481) مسندًا، وقبل حديث (2873) معلقًا.

(3)

سلف برقم (2930).

(4)

"معالم السنن" 1/ 202، وانظر:"إكمال المعلم" 2/ 519.

ص: 466

وقد سلف في الخمس سندًا ومتنًا

(1)

. ومعنى: (قفل من الطائف): رجع، والقافلة: الراجعة من السفر، ويذكر أن الأقرع بن حابس وعيينة بن حصين وعباس بن مرداس أبوا أن يطيبوا فقوبلوا في مال لهم.

الحديث الرابع:

حديث نذر اعتكاف عمر رضي الله عنه في الجاهلية وأمره عليه السلام بوفائه.

سلف في الاعتكاف، ورواه هناك من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، وفيه: أعتكف ليلة

(2)

. ورواه هنا من حديث معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: لما قفلنا من حنين سأل عمر عن ذلك.

ثم قال: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ به، وخرج ذلك مخرج الحض على الوفاء لا اللزوم، وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. وهو الأصح عندنا.

الحديث الخامس:

حديث أَبِي قَتَادَةَ: خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ، ثم ذكر قصة السلب.

ثم قال: وَقَالَ اللَّيْثُ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ -مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ- أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ .. فذكره أيضًا، وقد أسلفت الكلام عليهما في باب: من لم يخمس الأسلاب

(3)

.

ومعنى: (يختله) بكسر التاء: يخدعه.

(1)

سلف برقم (3131، 3132).

(2)

سلف برقم (2032).

(3)

سلف برقم (3142).

ص: 467

وقوله: (واشتريت به خرافًا): هو اسم ما يخترف من الثمر كالخرفة، فأقام الثمر مقام الأصل والمراد هنا: البستان، كما جاء في الرواية الأخرى:(مَخْرَفًا).

ص: 468

‌55 - باب غَزَاةِ أَوْطَاسٍ

4323 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِىَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ. قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي. فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحِي؟! أَلَا تَثْبُتُ؟! فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللهُ صَاحِبَكَ. قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ. فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَقْرِئِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، فَمَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ". وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ". فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيمًا". قَالَ أَبُو بُرْدَةَ إِحْدَاهُمَا لأَبِي عَامِرٍ وَالأُخْرَى لأَبِي مُوسَى. [انظر: 2884 - مسلم: 2498 - فتح: 8/ 41]

ذكر فيه حديث أبي موسى رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصَّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ. قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الذِي رَمَانِي. فَقَصدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ إلى أن قال: فَقَتَلْتُهُ ثم مات أبو عامر واستخلفه

ص: 469

وفيه: "اللهم اغفر لعبيد أبي عامر" واستغفر له أيضًا.

قال ابن هشام: رماه أخوان من بني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه، والآخر ركبته

(1)

. وعند ابن عبد البر: هما العلاء وأوفى ابنا الحارث

(2)

.

وقوله: (فأتبعته) ضبط بقطع الألف، وصوابه بوصلها وتشديد التاء؛ لأن معناه: سرت في أثره. ومعنى (أتبعت) بقطع الألف: لحقته. والمراد هنا: سرت في أثره.

وقوله: (على سرير مرمل) أي: منسوج بحبل ونحوه.

وقوله: (وعليه فراش) قال أبو الحسن: الذي أحفظ في هذا: (ما عليه فراش) وأراها سقطت.

ودريد بن الصمة هذا له رأي ومعرفة بالحرب، وكان شجاعًا مجربًا كما بينه ابن إسحاق في "سيرته"

(3)

.

وأوطاس: اسم موضع كما صرح به الجوهري

(4)

. وقيل: ماء لبني سليم، حكاه أبو موسى في "المغيث"

(5)

وبه كانت الوقعة، من وطست الشيء وطسًا إذا كدرته وأثرت فيه، والوطيس: نقرة في حجر يوقد حوله النار فيطبخ به اللحم، والوطيس: التنور. فلما انهزم الكفار يوم حنين وأمر صلى الله عليه وسلم بطلبهم انتهى بعضهم إلى الطائف وبعضهم نحو نخلة وتوجه قوم منهم إلى أوطاس، فعقد النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عامر لواء ووجهه في

(1)

"سيرة ابن هشام" 4/ 90.

(2)

"الدرر في اختصار المغازي والسير" ص 227.

(3)

اْنظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 65. وفيه: كان شيخًا مجربًا.

(4)

"الصحاح" 3/ 989.

(5)

"المجموع المغيث" 4/ 431.

ص: 470

طلبهم فانتهى إلى عسكرهم، فإذا هم ممتنعون فقتل منهم أبو عامر تسعة مبارزة، ثم برز له العاشر معلمًا بعمامة صفراء فضرب أبا عامر فقتله، واستخلف أبا موسى فقاتلهم حتى فتح الله عليه، وقتل قاتل أبي عامر.

فائدة:

في الجزء الثاني من السادس لابن السماك من حديث مقاتل بن حيان عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة أوطاس في حرٍّ شديد، وكان شباب المسلمين يحتلمون فيغتسلون بالماء البارد فيتأذون، حتى شكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال -"عليه السلام"-:"إذا أخذ أحدكم مضجعه فليذكر الله، يسبح حتى يحس بالنعاس، فإذا أحس فليقل ثلاث مرات: أعوذ بالله من الأحلام والاحتلام، وأن يلعب بي الشيطان في اليقظة والمنام" قال ابن عمر: وأنا يومئذ في شباب المسلمين لقد تأذيت بالاحتلام والاغتسال وبرد الماء، فقلنا هذا الكلام فاسترحنا

(1)

.

فائدة: أسلم في غزوة حنين شيبة بن عثمان، وكان أضمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم سوءًا، فرفع له شواظ من نار كالبرق فذب عنه فأسلم

(2)

كما أسنده سعد.

(1)

أورد الذهبي في "الميزان" 2/ 126 ترجمة عمر بن صبح، من طريق محمد بن يعلى، عن عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر به. وقال الذهبي في عمر: ليس بثقة ولا مأمون. قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث. قال الدارقطني وغيره: متروك. وقال الأزدي: كذاب وقال ابن حجر فيه أيضًا: متروك كذبه ابن راهويه. "التقريب"(4922)، وزاد الذهبي علة أخرى فقال: ومحمد بن يعلى واهٍ، والحديث منكر. اهـ.

(2)

رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 7/ 298 - 299 (7192)، والبيهقي في "دلائل النبوة" 5/ 145.

ص: 471

فائدة:

قتل مع أبي عامر أيضًا أيمن بن عبيد، وهو ابن أم أيمن، وسراقة بن الحارث وغيرهما

(1)

.

(1)

انظر: "الدرر" لابن عبد البر (ص 228)، "سيرة ابن هشام"(4/ 90).

ص: 472

‌56 - باب غَزْوَةُ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ

قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقَبْةَ.

4324 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، سَمِعَ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ". قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ الْمُخَنَّثُ: هِيتٌ. حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا، وَزَادَ: وَهْوَ مُحَاصِرٌ الطَّائِفَ يَوْمَئِذٍ. [انظر: 5235، 5887 - مسلم: 2180 - فتح: 8/ 43]

4325 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأَعْمَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الطَّائِفَ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا قَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ". فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: نَذْهَبُ وَلَا نَفْتَحُهُ -وَقَالَ مَرَّةً: "نَقْفُلُ"- فَقَالَ: "اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ". فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ". فَأَعْجَبَهُمْ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَتَبَسَّمَ. قَالَ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْخَبَرَ كُلَّهُ.4326، 4327 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا -وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ- وَأَبَا بَكْرَةَ -وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ - فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَا: سَمِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ". وَقَالَ هِشَامٌ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ -أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ -قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ عَاصِمٌ قُلْتُ: لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلَانِ حَسْبُكَ بِهِمَا. قَالَ: أَجَلْ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَنَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَالِثَ

ص: 473

ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ. [6766، 6767 - مسلم: 63 - فتح: 8/ 45]

4328 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَالَ لَهُ: "أَبْشِرْ". فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ: أَبْشِرْ. فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ: "رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلَا أَنْتُمَا". قَالَا: قَبِلْنَا. ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ:"اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا، وَأَبْشِرَا". فَأَخَذَا الْقَدَحَ فَفَعَلَا، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَنْ أَفْضِلَا لأُمِّكُمَا. فَأَفْضَلَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً. [انظر: 188 - مسلم: 2498 - فتح: 8/ 46]

4329 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَ أَنَّ يَعْلَى كَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَبَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -بِالْجِعْرَانَةِ- وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ، مَعَهُ فِيهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ - إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ؟ فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَ، فَجَاءَ يَعْلَى فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْمَرُّ الْوَجْهِ، يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ:"أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلُنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنَفًا؟ ". فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ:"أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ". [انظر: 1536 - مسلم: 1180 - فتح: 8/ 47].

4330 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي". كُلَّمَا

ص: 474

قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. قَالَ: "مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ". قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. قَالَ: "لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا. أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ". [7245 - مسلم:1061 - فتح: 8/ 47]

4331 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي رِجَالاً الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ ". فَقَالَ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُعْطِى قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالاً حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ؛ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاللهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ رَضِينَا. فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "سَتَجِدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ". قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا. [انظر: 3146 - مسلم: 1059 - فتح: 8/ 52]

4332 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ، فَغَضِبَتِ الأَنْصَارُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ". قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ". [انظر: 3146 - مسلم: 1059 - فتح: 8/ 53]

ص: 475

4333 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ الْتَقَى هَوَازِنُ وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةُ آلَافٍ وَالطُّلَقَاءُ، فَأَدْبَرُوا، قَالَ:"يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ". قَالُوا لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْك. فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ". فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَقَالُوا، فَدَعَاهُمْ فَأَدْخَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ:"أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ "، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَاخْتَرْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ". [انظر: 3146 - مسلم: 1059 - فتح: 8/ 53]

4334 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: "إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ ". قَالُوا بَلَى. قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ". [انظر: 3146 - مسلم: 1059 - فتح: 8/ 53]

4335 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِسْمَةَ حُنَيْنٍ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مَا أَرَادَ بِهَا وَجْهَ اللهِ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ:"رَحْمَةُ اللهِ عَلَى مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ". [انظر: 3150 - مسلم: 1062 - فتح: 8/ 55]

4336 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاسًا، أَعْطَى الأَقْرَعَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى نَاسًا، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ وَجْهُ اللهِ. فَقُلْتُ: لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَحِمَ اللهُ مُوسَى. قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ"[انظر: 3150 - مسلم: 1062 - فتح: 8/ 55]

ص: 476

4337 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بِنَعَمِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةُ آلَافٍ وَمِنَ الطُّلَقَاءِ، فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ، فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا، الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ". قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ". قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ. وَهْوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، فَنَزَلَ فَقَالَ:"أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ". فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةٌ فَنَحْنُ نُدْعَى، وَيُعْطَى الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا. فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ ". فَسَكَتُوا فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ ". قَالُوا: بَلَى. فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ". فَقَالَ هِشَامٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْه؟! [انظر: 3146 - مسلم: 1059 - فتح: 8/ 53]

هو كما قال، قال ابن سعد: قالوا: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه، وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعًا إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحش النار في وجهه ويحرقه ويقول:

يا ذا الكفين لست من عُبّادكا

ميلادنا أكبر من ميلادكا

أنا (حشوت)

(1)

النار في فؤادكا

(1)

في "الطبقات": حششت.

ص: 477

قال: فانحدر معه من قومه أربعمائة سراعًا فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام

(1)

. وسمي الطائف؛ لأن الدّمون ابن عبيد -كما قال هشام

(2)

في "بلدانه" أو ابن الصدف كما قال البكري لما قتل ابن عمه عمر بحضرموت وأقبل هاربًا إلى وَجٍّ وأتي مسعود بن مُعتِّب الثقفي، وكان تاجرًا ذا مال، فقال: أحالفكم لتزوجوني وأزوجكم وأبني عليكم طوفًا مثل الحائط لا يصل إليكم أحد من العرب، فبنى بذلك المال طوفًا عليهم فسميت به الطائف

(3)

.

وقال بعضهم -فيما حكاه السهيلي-: سميت بذلك لأن الجنة التي دي قوله تعالى: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)} [القلم: 19]. هي الطائف، اقتلعها جبريل من موضعها فأصبحت كالصريم وهو الليل، أصبح موضعها كذلك، ثم سار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف اليوم، فسميت باسم الطائف التي طاف عليها وبها، وكانت بقرب صنعاء ومن ثم كان الماء والشجر بالطائف دون ما حولها من الأرضين، وكانت هذِه الجنة بعد عيسى عليه السلام بيسير

(4)

.

(1)

"الطبقات" 2/ 157 - 158.

(2)

قال الذهبي في ترجمته: ابن الكلبي العلامة الأخباري النسابة الأوحد أبو المنذر هشام ابن الأخباري الباهر محمد بن السائب بن بشر الكلبي، الكوفي الشيعي أحد المتروكين كأبيه .. وتصانيفه جمة "سير أعلام النبلاء" 10/ 101 - 102.

قلت: سردها صاحب "الفهرست" ص 138 - 141، وذكر منها كتاب "البلدان الكبير"، وكتاب "البلدان الصغير".

(3)

"معجم ما استعجم" 1/ 67.

(4)

"الروض الأنف" 4/ 162.

ص: 478

وذكر البخاري في الباب أحاديث:

أحدها:

حديث زينَبَ ابنةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَدْخُلَنَّ هؤلاء عَلَيْكُم". قَالَ ابن عُيَيْنَةَ: وَقَالَ ابن جُرَيْج: المُخَنَّثُ: هِيتٌ. وفي لفظ: وَهْوَ مُحَاصِر الطَّائِفَ يَوْمَئِذٍ.

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

المخنث: بكسر النون أفصح، وإن كان الأشهر الفتح، وهو الذي خلقه خلق النساء في حركاته وهيئاته وكلامه ونحو ذلك. ثم من يكون ذلك خلق فيه فلا ذمَّ عليه ومن تكلفه فهو المذموم، سمي مخنثًا لانكسار كلامه ولينه. يقال: خنثت الشيء إذا عطفته.

ثانيها:

ابنة غيلان اسمها بادية -بمثناة تحت قبل الهاء- وقيل: بالنون.

قال أبو نعيم

(1)

: أسلمت وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستحاضة، بنت غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي هو ثقيف. وأم غيلان: سبيعة بنت عبد شمس، أسلم يوم فتح الطائف ولم يهاجر، وكان عنده عشر نسوة فأمره عليه السلام أن يتخير منهن أربعًا، وكان غيلان أحد وجوه ثقيف ومقدميهم، وفد على كسرى فقال له: أي ولدك أحب إليك، فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى

(1)

"معرفة الصحابة" 6/ 3276 - 3277.

ص: 479

يبرأ والغائب حتى يئوب فقال كسرى: مالك ولهذا الكلام؟ هذا كلام الحكماء، وأنت من قوم جفاة لا حكمة فيهم. فما غذاؤك؟ قال: خبز البر، قال: هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر!

وقيل: قاله لهوذة بن علي -والصحيح الأول كما نبه عليه السهيلي

(1)

- وكان شاعرًا محسنًا، توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب، وهو أحد من قال:{لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وكان أيضًا أبيض طوالاً جعدًا ضخمًا جميلاً.

ثالثها:

(هيت) بكسر الهاء، وروي بخط بعضهم فتحها ثم مثناة تحت ثم مثناة فوق. قال ابن درستويه: صوابه بنون ثم باء موحدة، قال: وما سواه تصحيف، قال: والهنب: الأحمق، وقيل: اسمه ماتع -بالتاء المثناة فوق- وهو ما ذكره أبو موسى المديني في "الصحابة"، حيث قال: اسم هيت: ماتع. وجاء في حديث أنه غربه مع هنب إلى الحمى، وقال الداودي: إلى روضة خاخ، وقيل: إنه بألف ثم نون مشددة ثم هاء، كان بالمدينة، وهي إلى حمراء الأسد، وفي الطبراني من حديث واثلة أنه صلى الله عليه وسلم خرج أنجشة، وأخرج عمر فلانًا

(2)

. وكانوا هؤلاء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيهم لين في القول وخضابة في الأيدي والأرجل ولا يرمون بفاحشة، وربما لعب بعضهم بالكُرَّج

(3)

.

(1)

"الروض الأنف" 4/ 163.

(2)

"المعجم الكبير" 22/ 85 (205).

(3)

قال صاحب "اللسان" 7/ 3849: الكرج: الذي يلعب به، فارسي معرب، وهو بالفارسية: كره. ثم ذكر عن الليث: الكرج يتخذ مثل المهر يلعب عليه.

ص: 480

وفي "مراسيل أبي داود" أن عمر رضي الله عنه رأى لاعبًا بالكُرَّج، فقال: لولا أني رأيت هذا يلعب به على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفيته من المدينة

(1)

.

وبالمدينة آخر اسمه: هدم، بكسر الهاء ثم دال مهملة ساكنة.

وعند أبي موسى: نفى أبو بكر ماتعًا إلى فدك، وليس بها يومئذ أحد من المسلمين، وظاهر تعدد المكان المنفي إليه اختلاف الواقعة.

فائدة:

(هيت) مولى عبد الله بن أبي أمية المذكور معه في هذا الحديث، وعبد الله هذا أخو أم سلمة.

رابعها:

قوله: (تقبل بأربع وتدبر بثمان) إنما قال: (بثمان) ولم يقل: بثمانية؛ لأنه أراد الأطراف وهي مذكرة، وأراد العكن واحدتها: عكنة، وهي مؤنثة، وهو من التأنيث المعنوي ولذلك قال أربع، ولم يقل: أربعة على تأنيث العدد. قال ابن حبيب عن مالك: معناه أن أعكانها وهي تراكب اللحم في البطن حتى ينعطف بعضها على بعض فهي في بطنها أربع طوابق وتبلغ أطرافها إلى خاصرتيها في كل جانب أربع.

ولابن الكلبي أنه قال بعد (وتدبر بثمان): مع ثغر كالأُقْحُوان إن قعدت تبنت، وإن تكلمت تغنت. وفي لفظ: فإذا اضطجعت تمنت وإذا قامت ارتجت، هيفاء شموع نجلاء مع ثغر كأنه الأقحوان وتقبل بأربع وتدبر بثمان. ثم ذكر شعرًا بين رجليها مثل الإناء المكفوف.

(1)

"المراسيل"(515).

ص: 481

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع فقال: "لقد (غلغلت)

(1)

في النظر إليها يا عبد الله" ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى، فلما فتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له (بريهة)

(2)

، ولما قبض صلى الله عليه وسلم أبى أن يرده الصديق، فلما ولي عمر قيل: إنه قد ضعف وكبر فاحتاج، فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل الناس ويرجع إلى مكانه

(3)

.

خامسها:

هذا الحديث أصل في نفي كل من يتأذى به. وفي "صحيح ابن حبان" عن عائشة رضي الله عنها: دخل النبي صلى الله عليه وسلم وهيت ينعت امرأة من يهود، فأخرجه صلى الله عليه وسلم، فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة يستطعم

(4)

. وفي "صحيح مسلم": كان يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة من الرجال، قال: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند بعض نسائه، وهو ينعت امرأة. وفيه:"ألا أرى هذا يعرف ما ههنا، لا يدخلن عليكم" قال: فحجبه

(5)

.

وفي لفظ عند أبي موسى: لا يرى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفطن لشيء من أمر النساء مما يفطن له الرجال، ولايرى أنه له في ذلك إربة. وفيه:"ألا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع منه".

(1)

غير واضحة بالأصل والمثبت من "التمهيد" 22/ 276، وذكر محققه أنه وقع في بعض الروايات:(حققت). وانظر كذلك: "الفتح" 9/ 336.

(2)

كذا بالأصل. وأعلاها كلمة: كذا.

(3)

حكى قول ابن الكلبي غير واحد منهم: ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 276، والباجي في "المنتقى" 6/ 183.

(4)

"صحيح ابن حبان" 10/ 340 (4488).

(5)

مسلم برقم (2181) كتاب: السلام، باب: منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب، من حديث عائشة، وفي آخره أن عائشة هي التي قالت: فحجبوه.

ص: 482

وفي "مسند سعد بن أبي وقاص" أنه خطب امرأة بمكة وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ليس عندي من يراها ولا من يخبرني عنها، فقال هيت: أنا أنعتها: إذا أقبلت أقبلت بستٍّ وإذا أدبرت أدبرت بأربع. وكان يدخل على سودة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أراه إلا منكرًا" فمنعه ولما قدم المدينة نفاه

(1)

.

ولأبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه، فقيل: يا رسول الله، هذا يتشبه بالنساء فنفاه إلى (النقيع)

(2)

، فقيل: ألا تقتله؟ فقال: "إني نهيت عن قتل المصلين"

(3)

.

سادسها:

{غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} في الآية: هو المخنث الذي لا يقوم (له)

(4)

كما ذكره عكرمة

(5)

، وقيل: الشيخ الهرم والخنثى والمعتوه والطفل والعنين.

سابعها:

أسلفنا أن مخنثًا قال الكلام السالف لعبد الله بن أبي أمية ولعبد الرحمن بن عوف وفي "تاريخ أبي الفرج الأصبهاني" قيل ذلك لعمر بن أبي سلمة ابن أم سلمة، أو لأخيه سلمة، وذكر يونس بن بكير، عن ابن

(1)

خبر سعد رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 275.

(2)

قال أحد رجال الإسناد عن أبي داود وهو أبو أسامة: والنقيع: ناحية في المدينة، وليس بالبقيع.

(3)

أبو داود (4928)، قال المنذري: في إسناده: أبو يسار القرشي. سئل عنه أبو حاتم فقال: مجهول "مختصر السنن" 7/ 240، وذكره الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1260) وقال: منكر.

(4)

كذا بالأصل، وفي "تفسير الطبري": زُبّه.

(5)

رواه عنه الطبري في "التفسير" 9/ 359 (26007).

ص: 483

إسحاق: أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته يقال له: ماتع، وكان يكون بمنزله فسمعه يقول لخالد بن الوليد: إن فتح الله عليكم غدًا الطائف أدلك على ابنة غيلان، فذكره، وذكر ابن حبان عن ماتع. قاله.

الخالة اسمها فاختة بنت عمرو بن عائذ

(1)

. قال الواقدي: فغربه صلى الله عليه وسلم هو وهيت إلى روضة خاخ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلا مع الناس، فلما ولي الصديق أخرجهما، فلما توفي دخلا، فلما ولي عمر أخرجهما، فلما قتل دخلا. وفي "معرفة الصحابة" لأبي منصور الباوردي من حديث إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص، قال: قالت عائشة رضي الله عنها لمخنث كان بالمدينة -يقال له: أنه- ألا تدلنا على امرأة نخطبها على عبد الرحمن بن أبي بكر؟ قال: بلى، إذا أقبلت فوصف كذا، وإذا أدبرت فوصف كذا. فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يا أنه أخرج من المدينة إلى حمراء الأسد، فليكن بها منزلك، ولا تدخل المدينة".

ثامنها:

فيه كما قال المهلب: حجة لمن أجاز بيع الأعيان الغائبة على الصفة كما قاله مالك خلافًا للشافعي، و [لو]

(2)

لم تكن الصفة في هذا الحديث تعني: الرؤية؛ لم ينهه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخول على النساء، وقد يقاس عليه الخصي والمجبوب.

وفيه: زجر من تشبه بالنساء وردعه، وتشبه الرجال بالنساء وعكسه عند القصد حرام.

(1)

"السيرة" لابن حبان ص 354.

(2)

ليست في الأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال" 7/ 362 - 363، ويقتضيه السياق.

ص: 484

تاسعها:

قوله: ("لا يدخلن هؤلاء عليكم") هل هو على التنزيه أو التحريم؟ قيل بالأول؛ لأنه لم يظهر فيه ما يدل أنه أراد ذلك لنفسه، وإنما ظهر منه الوصف فقط، وقيل بالثاني.

الحديث الثاني:

حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، نَا سُفْيَانُ -هو ابن عيينة، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ- هو السائب بن فروخ الشَّاعِرِ الأَعْمَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَمْرٍ وقَالَ: لَمَّا حَاصَرَ النبى صلى الله عليه وسلم الطَّائِفَ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا قَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ". فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: نَذْهَبُ وَلَا نَفْتَحُهُ - وَقَالَ مَرَّةً: "نَقْفُلُ" -فَقَالَ: "اغْدُوا عَلَى القِتَالِ". فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالَ:"إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ". فَأَعْجَبَهُمْ، فَضحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَتَبَسَّمَ. قَالَ الحُمَيْدِيُّ: ثنَا سُفْيَانُ بالْخَبَر كُلهِ. أي: أخبرنا بجميع الحديث بلفظ: أنا وأخبرني، لا بغيره. وكان مدة المحاصرة ثمانية عشر يومًا، فيما ذكره ابن سعد

(1)

، ويقال: خمسة عشر يومًا، وقال ابن هشام سبعة عشر يومًا

(2)

. وعن مكحول أنه عليه السلام نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يومًا

(3)

، وفي "الجمع بين الصحيحين" لأبي نعيم الحداد: حصار الطائف كان أربعين ليلة.

(1)

"الطبقات" 2/ 158.

(2)

"سيرة ابن هشام" 4/ 127.

(3)

رواه أبو داود في "المراسيل"(335) دون ذكر المدة، وقد روى مسلم (1059) من حديث أنس مطولًا، وفيه: ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة.

ص: 485

وروى يونس عن ابن إسحاق: ثلاثين ليلة أو قريبًا من ذلك. وفي رواية الكلبي: بضعًا وعشرين ليلة.

وفي "السير" لسليمان بن طرخان أبي المعتمر: حاصرهم شهرًا.

وعند ابن حبان والزهري: بضع عشرة ليلة

(1)

.

وصححه ابن حزم

(2)

.

وفي "الاكتفاء" لأبي الربيع بن سالم: عشرين يومًا.

فائدة:

اختلف الحفاظ في هذا الحديث هل هو عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أو ابن عمرو؟

(3)

.

قال الحاكم في "إكليله": رواية الحفاظ عن سفيان على الأول وهو الصواب.

ورواه المتأخرون من أصحابه على الثاني.

(1)

"السيرة" لابن حبان ص 354.

(2)

"جوامع السيرة" ص 243.

(3)

قلت: مما يرفع كل خلاف ويقطع كل شك رواية الإمام أحمد في "المسند" 2/ 11 حيث قال: حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، عن أبي العباس عن عبد الله بن عمر -قيل لسفيان: ابن عمرو؟ قال: لا ابن عمر .. ثم ذكر الحديث في مسند ابن عمر بن الخطاب؛ هذا وقد قال الشيخ الفذ الشيخ أحمد شاكر معقبًا بكلام نفيس ماتع: ومن البين الواضح أنهم كلهم لم يتنبهوا إلى رواية الإمام أحمد هنا، وهو من أحفظ أصحاب ابن عيينة إن لم يكن أحفظهم، وإثباته بالقول الصريح الواضح أن ابن عيينة سئل: ابن عمرو؟ -يعني: ابن العاص- فقال: لا، ابن عمر -يعني: ابن الخطاب- فهذا يرفع كل خلاف، ويقطع بأن من روى بفتح السين أخطأ جدًّا، سواء كان ممن روى عن سفيان ابن عيينة أم كان ممن بعدهم، أم كان من أصحاب نسخ الصحيحين. اهـ.

انظر تعليقه على "المسند"(4588).

ص: 486

وقد شفا الحميدي حيث قال في حديث عبد الله: ابن عمر بن الخطاب

(1)

. وأبو العباس الشاعر بالثاني أشهر

(2)

، إلا أن هذا الحديث عن عبد الله بن عمر، ثم رواه

(3)

من طريق: الدارمي، عن علي بن المديني، ثنا سفيان غير مرة، [عن عمرو بن دينار]

(4)

، عن أبي العباس الشاعر، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

وأما مسلم فأخرجه على الوهم عن جماعة من المتأخرين عن سفيان، وقال: عبد الله بن عمرو

(5)

.

وقال الجياني: وقع عند الأصيلي والنسفي: عبد الله بن عمرو وقرئ على أبي زيد فرواه بضم العين وهو الصواب [وقد غلط في]

(6)

هذا كثير من الناس منهم ابن المديني، وخُطّيءَ فرجع، ولما ذكر الدارقطني القولين قال: الصواب ابن الخطاب.

وفي مسند ابن عمر خرجه أبو مسعود وغيره في "الأطراف"

(7)

.

(1)

"مسند الحميدي" 1/ 562 (723)، والمعنى -كما قال ابن حجر في "الفتح" 8/ 44 - : أن الحميدي قد بالغ في إيضاح ذلك فقال في "مسنده" في روايته لهذا الحديث: عبد الله بن عمر بن الخطاب.

(2)

قال الحافظ في "الفتح" 8/ 45: قال المفضل العلائي عن يحيى بن معين: أبو العباس عن عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر في الطائف، الصحيح ابن عمر. اهـ.

(3)

أي: الحاكم، وعنه رواه البيهقي في "الدلائل" 5/ 167.

(4)

ما بين المعقوفين زيادة ليست في الأصل، والمثبت من مصدر التخريج، وكذا كتب التراجم.

(5)

"صحيح مسلم"(1778) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة الطائف.

(6)

من "تقييد المهمل" وبه يستقيم السياق.

(7)

"تقييد المهمل" 2/ 689 - 690، 3/ 878.

ص: 487

الحديث الثالث:

شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمِ: سَمِعْمتُ أَبَا عُثْمَانَ: سَمِعْتُ سَعْدًا -وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمِ فِي سَبِيلِ اللهِ- وَأَبَا بَكْرَةَ -وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ، فَجًاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَا: سَمِعْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ".

معنى (تسور حصن الطائف): صعد من أعلاه، مثل:{إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص:21].

قال البخاري: وَقَالَ هِشَامٌ: نَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ -أي: زياد بن فيروز -أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: سمعت سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قَالَ عَاصِم: قُلْتُ: لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلَانِ حَسْبُكَ بِهِمَا. قَالَ: أَجَلْ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَنَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ.

قلت: قد سُمي بعضهم، ذكر ابن سعد في "طبقاته" أنه خرج إليه منهم بضعة عشر رجلاً

(1)

. قال السهيلي: منهم الأزرق -عبد الحارث ابن كلدة المتطبب زوج سمية مولاة الحارث وأم زياد- والمنبعث وكان آسمه المضطجع فبدل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه، ومنهم: يحنَّس النبال ووردان جد الفرات بن زيد بن وردان، وإبراهيم بن جابر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء هؤلاء العبيد لسادتهم حين أسلموا، ومنهم: نافع بن مسروح، ونافع مولى غيلان

(2)

.

(1)

"الطبقات" 2/ 159.

(2)

"الروض الأنف" 4/ 164.

ص: 488

وأما موسى بن عقبة فقال: لم يخرج أحد من الطائف غير أبي بكرة فأعتقه، وتبعه الحاكم والبيهقي

(1)

وغيرهما، ويحمل على أنه نجرج وحده أولاً، وهو مبين كذلك في كتاب: الجهاد، ثم خرج بعده جماعة، وعن الزهري: لم يخرج إليه (

)

(2)

زياد.

فائدة: (أبو بكرة) اسمه نفيع بن الحارث، كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ لأنه تدلى ببكرة من حصن الطائف وأخبره بذلك

(3)

.

الحديث الرابع:

حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ نَازلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بلَالٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَالَ لَهُ: "أَبشِرْ". فقال: قد أكثرت علي من أبشر الحديث.

اعترض الداودي، فقال: قوله: (بين مكة والمدينة) وهم، وإنما هو بين مكة والطائف

(4)

.

الحديث الخامس:

حديث يعلى في الجبة، للمتضمخ بالطيب، سلف في: الحج

(5)

.

(1)

"دلائل النبوة" 5/ 157.

(2)

طمس بالأصل، ولعله:(غير أبي بكرة، أخي) كما ذكره ابن كثير عن الزهري في "البداية والنهاية" 4/ 746، وسماه: أبو بكرة بن مسروح أخو زياد بن أبي سفيان لأمه.

(3)

انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 7/ 190، "ثقات ابن حبان" 5/ 77، و"تهذيب الكمال" 17/ 5.

(4)

ونقله ابن حجر أيضًا في "الفتح" 8/ 46 عن القاضي عياض والفاكهي وغير واحد، ثم قال: وكذا جزم النووي. اهـ.

قلت: وهو ما قاله الحموي في "معجم البلدان" 2/ 142.

(5)

سلف برقم (1536).

ص: 489

الحديث السادس:

حديث عبد الله بن زيد بن عاصم: لما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس .. الحديث بطوله، والعالة: الفقراء، عال: إذا افتقر، يعيل.

الحديث السابع:

حديث أنس مثله سلف أيضًا في أواخر الخمس

(1)

.

وقوله: (فجمعهم في قبة من أدم) جمع: أديم، وهو الجلد الذي تم دباغه.

قال السيرافي: لم يجمع فعيل على فعل إلا أديم وأدم، وأفيق وأفق، وقضيم وقضم، والقضم: الصحيفة، والأفق: الجلد الذي تم دباغه.

وقوله: (فقال: "إن قريشًا حديت عهد بجاهلية") كذا وقع. والوجه: حديثو، كما نبه عليه الدمياطي بخطه

(2)

.

الحديث الثامن: -بعد ما سلف-:

حديث أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِسْمَةَ حُنَيْنٍ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مَا أَرَادَ بهذا وَجْهَ اللهِ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وقَالَ:"رَحْمَةُ اللهِ عَلى مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكثَرَ مِنْ هذا فَصَبَرَ". ثم ذكر بعده حديث أبي وائل أيضًا عنه قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم ناسًا، أعطى الأقرع مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناسًا، فقال رجل: ما أريد بهذِه

(1)

سلف برقم (3146).

(2)

قال الحافظ في "الفتح" 8/ 54: فيه نظر.

ص: 490

القسمة وجه الله. فقلت: لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "رحمة الله على موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".

وقد سلف في الخمس

(1)

.

قوله: (قال رجل من الأنصار): هو غريب، وأما التميمي الذي قال له: اعدل. فهو ذو الخويصرة كما ذكره في الحديث، كما نبه عليه السهيلي

(2)

-وهو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد، وقال: اللهم ارحمني ومحمدًا

(3)

- وقد سلف قريبًا في باب علامات النبوة أيضًا

(4)

. ويذكر عن ابن سعد كاتب الواقدي: أنه حرقوص بن زهير السعدي من سعد تميم، وكان لحرقوص هذا مشاهد كثيرة محمودة في حرب العراق مع الفرس أيام عمر، ثم كان خارجيًّا، ولقد قال صلى الله عليه وسلم فيه:"إنه سيكون من ضئضئ هذا قوم تحتقرون صلاتكم إلى صلاتهم" وذكر صفة الخوارج

(5)

، وليس ذو الخويصرة هذا هو ذو الثدية الذي قتله علي بالنهروان، ذلك اسمه نافع ذكره أبو داود

(6)

، أي: مترجمًا له على من سماه حرقوصًا، والذي ذكره جماعة أنه حرقوص، وروي أن قائل ذلك كان أسود يوم خيبر، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخل النار من شهد بدرًا والحديبية حاشا رجلاً معروفًا منهم، قيل: هو حرقوص السعدي.

(1)

سلف برقم (3150).

(2)

"الروض الأنف" 4/ 168.

(3)

سياتي برقم (6010) كتاب: الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم.

(4)

سلف حديث ذي الخويصرة التميمي برقم (3610).

(5)

سلف برقم (3344) وهو عند مسلم برقم (1064).

(6)

"سنن أبي داود"(4769 - 4770).

ص: 491

فصل

(1)

:

ينعطف على غزوة الطائف: لما خرج عليه السلام من حنين يريد الطائف، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته، وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنةٍ، فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوا عليهم وتهيأوا للقتال. وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قريبا من حصنه وعسكر هناك، فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدًا. كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، وقتل منهم اثنا عشر رجلاً، فارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع مسجد الطائف اليوم، وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب، فضرب لهما قبتين، وكان يصلي بين القبتين حصار الطائف كله، فحاصرهم ثمانية عشر يومًا -كما سلف- ونصب عليهم المنجنيق، وهو أول ما رمى به في الإسلام، فيما ذكر ابن هشام.

قال ابن إسحاق: حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة

(2)

ثم زحفوا إلى جدار الطائف؛ ليخرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالاً، فأمر عليه السلام بقطع أعناب ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون

(3)

.

(1)

تنبيه: من هذا الفصل إلى بداية الباب الذي بعده: كُتب في الأصل بخط غير واضح، وفيه كلمات كثيرة غير مقروءة، أثبتناها اعتمادًا على صورتها التقريبية، ومصادر التخريج، كما سيأتي.

(2)

الدبابة: التي تُتُخذ للحروب وهي آلة من الجلد والخشب يدخل فيها الرجال، ويقربونها من الحصن المحاصر لينقبوه وهم في جوفها، سميت بذلك لأنها تدفع فتدب. "لسان العرب" مادة:(دبب) 3/ 1315.

(3)

"سيرة ابن هشام" 4/ 128.

ص: 492

قال ابن سعد: ثم سألوه أن يدعها لله وللرحم، فقال عليه السلام:"إني أدعها لله وللرحم".

ونادى مناديه: أيما عبد نزل من حصن وخرج إلينا فهو حر. فخرج منهم بضعة عشر رجلاً -كما سلف- فأعتقهم رسول الله ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه

(1)

، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة فاستشار عليه السلام نوفل بن معاوية الديلي، فقال:"ما ترى؟ ". قال: ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك.

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب، فأذن في الناس بالرحيل فضج من ذلك الناس فقالوا: نرحل ولم تفتح علينا الطائف؟ فقال عليه السلام: "فاغدوا غدًا على القتال" فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال عليه السلام: "إنا قافلون إن شاء الله" فسروا بذلك وأذعنوا، وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك. وقال لهم:"قولوا: لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" فلما ارتحلوا واستقلوا قال: "قولوا: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون" وقيل: يارسول الله، ادع الله على ثقيف. فقال:"اللهم اهد ثقيفا وائت بهم"

(2)

.

فائدة: استشهد بالطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن سعيد بن العاص، وعرفطة بن الحباب

(3)

، وعبد الله بن أبي بكر الصديق، رمي بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلق.

(1)

مانه يمونه موناً: إذا احتمل مؤونته وقام بكفايته، فهو رجل ممون. "اللسان" مادة:(مون).

(2)

"الطبقات" 2/ 158 - 159.

(3)

سمَّاه ابن إسحاق في عَدِّه شهداء الطائف: عرفطة بن جنّابِ. انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 131 - 132.

ص: 493

فصل:

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة، وبها قسم غنائم حنين.

قال ابن سعد: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال المحرم سنة تسع المصدقين يصدقون العرب، فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم، وبريدة بن الحصيب إلى أسلم وغفار وغيرهما، وأمر بأخذ العفو منهم وتوق كرائم أموالهم.

قال ابن إسحاق: بعث المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء، فخرج عليه العنسي وهو بها، وفرق صدقات بني سعد على رجلين: الزبرقان بن بدر على ناحية، وقيس بن عاصم على ناحية، والعلاء بن الحضرمي على البحرين، وبعث عليًّا على نجران؛ ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم.

ثم بعث عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارسًا من العرب ليس فيهم قرشي ولا أنصاري وكانوا فيما بين السُّقيا وأرض بني تميم في المحرم سنة تسع فغنموا، ورد إليهم فأسلموا، وأهلَّ خواصهم.

فصل:

قال ابن سعد: وسرية قطبة بن عامر إلى خثعم في صفر سنة تسع في عشرين رجلاً فغنمها، ثم سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب في ربيع الأول سنة تسع، وسلفت سرية علقمة بن مُجزِّز، وكانت إلى الحبشة في شهر ربيع الآخر سنة تسع كما سلف، وسلفت سرية عليّ أيضًا وكانت إلى القُلْس: صنم طيء؛ ليهدمه في التاريخ المذكور فهدموه وغنموا، وفي السبي أخت عدي، وهرب عدي إلى الشام -كما سلف هناك.

ص: 494

فصل:

وكانت سرية عكاشة بن محصن إلى الجناب: أرض عذرة وكانت في ربيع الآخر أيضًا سنة تسع

(1)

.

فصل:

خبر كعب بن زهير مع رسول صلى الله عليه وسلم وقصيدته المشهورة: بانت سعاد، كان بين رجوعه من الطائف وغزوة تبوك وقد ساقها ابن إسحاق بعدها

(2)

.

(1)

"الطبقات" 2/ 160 - 164.

(2)

ساق ابن إسحاق قصيدة كعب بعد غزوة الطائف، كما في "سيرة ابن هشام" 4/ 152 - 169.

ص: 495

‌57 - باب السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْدٍ

4338 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَكُنْتُ فِيهَا، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَىْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا. [انظر: 3134 - مسلم: 1749 - فتح: 8/ 56]

ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَكُنْتُ فِيهَا، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَي عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا.

هذا الحديث سلف في: الخمس وفي لفظ: أو أحد عشر بعيرًا

(1)

.

وفي مسلم: ونفلوا بعيرًا بعيرًا، فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي أبي داود: فنفلنا أميرنا بعيرًا بعيرًا لكل واحد، فلما قدمنا لم يغير رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع

(2)

. وهذا هو المراد برواية: فنفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرًا بعيراً

(3)

بعيراً أي: أقرنا على ما نفلنا أميرنا.

وهذِه السرية ذكر ابن سعد أنها كانت في شعبان سنة ثمان

(4)

، وأن الأمير: أبو قتادة، أرسله صلى الله عليه وسلم إلى خضرة: أرض محارب بنجد، ومعه خمسة عشر رجلاً، فغنموا مائتي بعير وألفي شاةٍ وسبوا سبايا كثيرة وكانت غيبتهم خمس عشرة ليلة، وجمعوا الغنائم وأخرجوا الخمس فعزلوه وقسموا ما بقي على السرية

(5)

.

(1)

هذا اللفظ هو الذي في رواية الخمس (3134) التي أشار لمضِّيها المصنف.

(2)

أبو داود (2744).

(3)

رواه مسلم (1749/ 37).

(4)

ورد بهامش الاصل: وفي حاشية النسخة التي نقلت منها ما لفظه: وذكرها النووي قبل مؤتة.

(5)

"الطبقات" 2/ 132 - 133.

ص: 496

قال ابن التين: وروي أنهم كانوا عشرة وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرًا وأنه صلى الله عليه وسلم أخذ ثلاثين منها، قال: فلو كان النفل من خمس الخمس لم يعمهم ذلك، وقد ذكرنا ذلك أيضًا هناك.

ص: 497

‌58 - باب بَعْثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ

4339 -

حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، وَحَدَّثَنِي نُعَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا. فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا، صَبَأْنَا. فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ؛ فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِى، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فَقَالَ:"اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ". مَرَّتَيْنِ. [7189 - فتح: 8/ 56]

ذكر فيه حديث سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا. فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا .. الحديث.

وقد سلف قبل بدء الخلق

(1)

واضحًا.

قال الداودي: لم ير عليه السلام القود في ذلك؛ لأنه تأول ولم يذكر فيه دية ولا كفارة؛ فإما أن يكون قبل نزول الآية أو شُبِّه على المحدث، أو سكت عنه؛ لعلم السامع، وقال الخطابي: إنما نقم عليه السلام على خالد في استعجاله بشأنهم وترك التثبت في أمرهم إلى أن يستبرئ المراد من قولهم: صبأنا؛ لأن الصبأ مقتضاه الخروج من دين إلى دين، يقال: صبأ الرجل فهو صابئ إذا خرج من دين؛ ولذلك دعا المشركون نبينا

(1)

سلف معلقًا بعد حديث (3172) كتاب: الجزية، باب: إذا قالوا: صبأنا ولم يحسنوا أسلِمنا.

ص: 498

- صلى الله عليه وسلم الصابئ، وإنما تأول خالد في قولهم فيما يرى أنه كان مأمورًا بقتالهم إلى أن يسلموا، وقولهم:(صبأنا) يحتمل أن يكون معناه: خرجنا من ديننا إلى دين آخر غير الإسلام، فلما لم يصرحوا بالدخول في الإسلام نفذ خالد الأمر الأول في قتالهم إذ لم يجد شريطة حقن الدم بصريح الاسم، ويحتمل أنه إنما لم يكف عنهم من قبل أنه ظن إنما عدلوا عن اسم الإسلام إليه أنفة من الاستسلام والانقياد، فلم ير ذلك القول إقرارًا بالدين.

وقد روي أن ثمامة بن أثال لما أسلم دخل مكة معتمرًا، فقال له كفار قريش: أصبأت؟ فقال: لا، ولكن أسلمت. وهو مثل حديثه الآخر أنه بعثه صلى الله عليه وسلم إلى أناس من خثعم، فاعتصموا بالسجود فقتلهم فوداهم النبي صلى الله عليه وسلم بنصف الدية

(1)

، وإنما كان عذر خالد في هذا؛ لأن السجود لا تمحض دلالته على قبول الدين؛ لأن كثيرًا من الأمم يعظمون رؤساءهم بالسجود ويظهرون لهم الخضوع بأن يخروا على وجوههم. قال: وفيه دليل أن الكافر إذا لاذ بالصلاة لم يكن ذلك منه إسلامًا حتى يصف الدين قولاً بلسانه

(2)

. وقيل: لما قتل الله مسيلمة وقتل خالد بني جذيمة، قال له مالك بن نويرة وكان قد أسلم: ما قال صاحبك في كذا -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له خالد: وليس

(1)

رواه الطبراني 4/ 114 (3836) عن قيس بن أبي حازم، عن خالد بن الوليد به، وقال الهيثمي في "المجمع" 5/ 253: رجاله ثقات. اهـ. وكذا قال الألباني في "الإرواء" 5/ 31. وبنحوه لكن فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية دون تعيين خالد بن الوليد، ورواه أبو داود (2645)، والترمذي (1604) كلاهما عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله مرفوعًا.

انظر: "الإرواء"(1207).

(2)

هنا انتهى قول الخطابي من "أعلام الحديث" 3/ 1765 - 1766.

ص: 499

بصاحبك؟ فأمر به فقتل، فشكي ذلك منهم إلى أبي بكر، وأشار عليه عمر أن يقيد من خالد، فسكت عنه، فلما أكثر عليه، قال له أبو بكر: ليس ذلك عليه، هبه تأول فأخطأ.

وفيه دليل أن مفهوم الخطاب يجري مجرى الخطاب، وأن من تكلم بكلام في معنى كلام الإيمان يريد به الإيمان كان مؤمنًا. قاله الداودي؛ لأنه عليه السلام لم يرض بصنع خالد وإنما عذره في ذلك. وقد أسلفنا عن الخطابي أن الكافر إذا لاذ بالصلاة لم يكن ذلك منه إسلامًا.

فصل:

أسلفنا هذِه السرية عند ابن سعد قبل حنين وأنها في شوال سنة ثمان، قال: وكانوا بأسفل مكة على ليلة ناحية يلملم وهو يوم الغميصاء بعد رجوع خالد من هدم العزى، أرسله صلى الله عليه وسلم داعيًا إلى الإسلام لا مقاتلاً في ثلاثمائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فخرجوا إليهم وعليهم السلاح، وكانوا أسلموا وبنوا المساجد وأذنوا وصلوا، فقال: ما هذا السلاح؟ قالوا: ظننا أنكم عدو، فقال: ضعوا السلاح، فوضعوه، فاستأسرهم وقتل منهم، فلما قتلهم أرسل عليه السلام عليًّا يودي لهم قتلاهم وما ذهب منهم

(1)

. وجذيمة هو ابن عامر بن مناة بن كنانة.

(1)

"الطبقات" 2/ 147 - 148.

ص: 500

‌59 - [باب] سَرِيَّةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيّ وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ

وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِ.

4340 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُطِيعُونِي؛ قَالُوا: بَلَى. قَالَ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا. فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا. فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا. فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّارِ. فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ"[7145، 7257 - مسلم: 1840 - فتح: 8/ 58]

ذكر فيه حديث عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَاسْتَعْمَلَ عليها رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ تُطِيعُونِي؛ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا. فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا. فَأوْقَدُوا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا. فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّارِ. فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ".

هذِه القصة كذا ساقها البخاري. وأما ابن سعد فذكر أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسًا من الحبش تراءاهم أهل جدة، فبعث إليهم علقمة بن مجزز في شهر ربيع الآخر سنة تسع في ثلاثمائة، فانتهى إلى جزيرة

ص: 501

في البحر، فلما خاض البحر إليهم هربوا منه، فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهلهم فأذن لهم، فتعجل عبد الله بن حذافة فأمَّره على من تعجل، وكانت فيه دعابة، فنزلوا ببعض الطريق، (وأوقدوا)

(1)

نارًا يصطلون عليها، فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذِه النار. فقام بعض القوم فتحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها، فقال: اجلسوا إنما كنت أضحك معكم. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أمركم بمعصية فلا تطيعوه"

(2)

.

وذكرها الحاكم في صفر، وزعم ابن إسحاق أن وقاص بن مجزز كان قُتِل يوم ذي قرد، فأراد أخوه الأخذ بثأره فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذِه السرية

(3)

.

وكانت سرية علي إلى الفُلس صنم لطيء ليهدمه في التاريخ المذكور في خمسين ومائة رجل من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسًا راية سوداء ولواء أبيض فهدمه، وحرقه وملئوا أيديهم من السبي والنعم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم وهرب عدي إلى الشام، ووجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف: رسوب ومخذم واليماني، وثلاثة أدراع، واستعمل على السبي أبا قتادة، وعلى الماشية والرثة عبد الله بن عتيك فتركت الأسياف صفيًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعزل الخمس وعزل آل حاتم فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة

(4)

.

(1)

في الأصل: (وأقودوا)، وهو تحريف، والمثبت هو الصواب.

(2)

"الطبقات الكبرى" 2/ 163.

(3)

"سيرة ابن هشام" 4/ 317.

(4)

"الطبقات" 2/ 164.

ص: 502

وقوله: (فهموا .. إلى آخره) وفي رواية أخرى: هم بعضهم أن يدخل، وبعضهم قال: إنما فررنا من النار

(1)

.

وفيه: أن التأويل الفاسد لا يُعذر به صاحبه؛ لأنهم علموا قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قاله الداودي.

ومعنى (خمدت)

(2)

: طفئ لهبها، وهو بفتح الميم.

وقوله: "لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة" أي: ذلك جزاؤهم لو فعلوا.

(1)

أبو داود (2625).

(2)

ورد بهامش الأصل: خمد كنصر وسمع لغتان في الماضي وفي المضارع كذلك.

ص: 503

‌60 - [باب] بَعْثُ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ

4341، 4342 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ، قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ، ثُمَّ قَالَ:"يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا". فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ، أَيَّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ. قَالَ: لَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ. قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ فَانْزِلْ. قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ. فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا. قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللهُ لِي، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي. [انظر: 2661، 4345 - مسلم: 1733 - فتح: 8/ 60]

4343 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا، فَقَالَ:"وَمَا هِيَ؟ ". قَالَ الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ -فَقُلْتُ لأَبِي بُرْدَةَ: مَا الْبِتْعُ؟ قَالَ: نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْمِزْرُ: نَبِيذُ الشَّعِيرِ- فَقَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". رَوَاهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. [انظر: 2261 - مسلم: 1733 - فتح: 8/ 62]

4344، 4345 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَدَّهُ أَبَا مُوسَى، وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ:"يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا". فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ أَرْضَنَا بِهَا شَرَابٌ مِنَ

ص: 504

الشَّعِيرِ الْمِزْرُ، وَشَرَابٌ مِنَ الْعَسَلِ الْبِتْعُ. فَقَالَ:"كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". فَانْطَلَقَا، فَقَالَ مُعَاذٌ لأَبِي مُوسَى: كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا. قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي. وَضَرَبَ فُسْطَاطًا، فَجَعَلَا يَتَزَاوَرَانِ، فَزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى، فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ. فَقَالَ مُعَاذٌ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. تَابَعَهُ الْعَقَدِيُّ وَوَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ.

وَقَالَ وَكِيعٌ وَالنَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَة. [انظر: 2261، 4342، مسلم: 1733 - فتح: 8/ 62]

4346 -

حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَرْضِ قَوْمِي، فَجِئْتُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنِيخٌ بِالأَبْطَحِ، فَقَالَ:"أَحَجَجْتَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "كَيْفَ قُلْتَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ لَبَّيْكَ إِهْلَالاً كَإِهْلَالِكَ. قَالَ: "فَهَلْ سُقْتَ مَعَكَ هَدْيًا؟ ". قُلْتُ: لَمْ أَسُقْ. قَالَ: "فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَاسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ". فَفَعَلْتُ، حَتَّى مَشَطَتْ لِي امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ، وَمَكُثْنَا بِذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ. [انظر: 1559 - مسلم: 1221 - فتح: 8/ 63]

4347 -

حَدَّثَنِي حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: "إِنَّكَ سَتَأْتِى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ

ص: 505

أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ". [انظر: 1395 - مسلم: 19 - فتح: 8/ 64]

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: طَوَّعَتْ: طَاعَتْ وَأَطَاعَتْ لُغَةٌ، طِعْتُ وَطُعْتُ وَأَطَعْتُ.

4348 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ مُعَاذًا رضي الله عنه لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ صَلَّى بِهِمِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ:{وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ.

زَادَ مُعَاذٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَرَأَ مُعَاذٌ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ سُورَةَ النِّسَاءِ، فَلَمَّا قَالَ:{وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء::125] قَالَ رَجُلٌ خَلْفَهُ: قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ. [فتح: 8/ 165]

ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث أبي بردة قَالَ: بَحَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على مخلاف قال: واليمن مخلافان، ثم قال:"يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا" فانطلق كل واحد منهما. إلى عمله .. الحديث بطوله.

والكلام عليه من وجوه:

أحدها:

المراد هنا بالمخلاف: الكورة من الإقليم. وقيل: المخلاف في لغة أهل اليمن- كالرستاق من الرساتق. وعبارة الخليل: إنه الكورة بلغة أهل اليمن

(1)

، وعبارة غيره إنه الإقليم، والجمع: مخاليف.

(1)

"العين" 4/ 267.

ص: 506

ثانيها:

فيه أن العالم والواعظ والمقبول من قوله مأمور بألا يقنِّط الناس، وأن ييسر على المبتدئ في الإسلام ولا يفاجئه بالشدة.

ثالثها:

قول معاذ: (يا عبد الله بن قيس، أيم هذا؟) أصله: (أي)، أدخل عليها (ما) فأسقط الألف منها كما أسقط في قوله: لم هذا؟ وعم تسأل؟

وقال الخطابي: إنما سقطت كما قيل: إيش هذا: بإسقاط الياء، وأصله: أي شيء هذا؟

(1)

رابعها:

قوله: (هذا رجل كفر بعد إسلامه. قال: لا أنزل حتى يقتل. قال: إنما جيء به لذلك فانزل. فقال: لا أنزل حتى يقتل. فأمر به فقتل ثم نزل) ظاهره أنه لم يستتب، ومذهبنا وجوبها في الحال، ومذهب مالك استتابته ثلاثًا، فإن تاب وإلا قتل. وتقتل المرتدة عندنا وعند مالك خلافًا لأبي حنيفة

(2)

، قال صلى الله عليه وسلم:"من بدل دينه فاقتلوه"

(3)

.

خامسها:

قوله: (كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوقه تفوقًا) أي: أقرؤه حينًا بعد حين. مأخوذ من فواق الناقة وهو ما بين الحلبتين، ومنه قوله تعالى:{مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: 15] أي: مهل. وذكر الهروي عن أبي موسى

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1768.

(2)

انظر: "الأم" 6/ 145، "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 471، "النوادر والزيادات" 14/ 495 - 496، "الاستذكار" 22/ 146.

(3)

سلف برقم (3017).

ص: 507

أنه قال: أما أنا فأتفوقه تفوق اللَّقُوح. أي: لما

(1)

أقرأ جزئي مرة، ولكن أقرؤه شيئًا بعد شيء

(2)

. وكذا ذكره الجوهري بعد أن قال: فوقت الفصيل. أي: سقيته اللبن فواقًا، وتفوق الفصيل إذا شرب اللبن كذلك

(3)

.

سادسها:

قوله: (فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) كذا هو في الأصول (جزئي) بضم الجيم، وبخط الدمياطي لعله أربي وهو الوجه ولا يتعين ما ذكره

(4)

.

الحديث الثاني:

حديث خَالِد، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا، فَقَالَ:"وَمَا هِيَ؟ ". قَالَ البِتْعُ وَالْمِزْرُ فَقُلْتُ لأَبِي بُرْدَةَ: مَا البِتْعُ؟ قَالَ: نَبِيذُ العَسَلِ، وَالْمِزْرُ: نَبِيذُ الشَّعِيرِ -فَقَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". رَوَاهُ جَرِير وَعَبْدُ الوَاحِدِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ.

(1)

في هامش الأصل: لعله (لم). قلت: والذي عند الهروي: لا.

(2)

"غريب الحديث" 2/ 269.

(3)

"الصحاح" 4/ 1547.

(4)

فائدة: تابع المصنف في ذلك الحافظ في "الفتح" حيث قال: قال الدمياطي: ولعله أربى، وهو الوجه. وهو كما قال لو جاءت به الرواية، ولكن الذي في الرواية صحيح والمراد به أنه جزَّأ الليل أجزاء: جزءًا للنوم، وجزءًا للقراءة والقيام، فلا يلتفت إلى تخطئة الرواية الصحيحة الموجهة بمجرد التخيل. اهـ. "الفتح" 8/ 62.

ص: 508

الحديث الثالث:

حَدَّثنَا مُسْلِمٌ، ثَنَا شُعْبَةُ، عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جَدَّهُ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ:"يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا .. " الحديث، فقال أبو موسى: يا نبي الله إن أرضنا بها شراب من الشعير المزر، وشراب من العسل البتع، فقال:"كل مسكر حرام" ثم ذكر باقيه كما في الأول.

تَابَعَهُ العَقَدِيُّ وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ.

وَقَالَ وَكِيع وَالنَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

فيه وما قبله حجة على أبي حنيفة في تجويزه ما لا يبلغ بشاربه السكر مما عدا الخمر

(1)

، وبين في حديث جابر رضي الله عنه:"ما أسكر كثيره فقليله حرام"

(2)

. وهو إجماع الصحابة كما نقله القاضي عبد الوهاب

(3)

، وفي النسائي عن أبي موسى: أن المزر نبيذ الذرة

(4)

.

وفيه: نهي

(5)

النبي صلى الله عليه وسلم[عن]

(6)

الجعة، والجعة نبيذ يتخذ من الشعير

(7)

.

(1)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 371.

(2)

رواه أبو داود (3681)، والترمذي (1865)، وابن ماجه (3393)، وأحمد 3/ 343. وقال الترمذي: حديث حسن غريب. اهـ.

(3)

"المعونة" 1/ 469.

(4)

"المجتبى" 8/ 299 - 300.

(5)

ورد أعلى هذِه الكلمة في الأصل: لعله: نهى.

(6)

زيادة عن الأصل، ويقتضيها السياق. "المجتبى" 8/ 299 - 300.

(7)

رواه أبو داود (3697)، والترمذي (2808)، والنسائي 8/ 302 ثلاثتهم عن علي رضي الله عنه. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. اهـ. وأصل الحديث دون ذكر الجعة، ورواه مسلم (2078).

ص: 509

الحديث الرابع:

حَدَّثَنا عَبَّاسُ بْنُ الوَلِيدِ، فذكره إلى أبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلى أَرْضِ قَوْمِي باليمن، فَجِئْتُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنِيخٌ بِالأَبْطَح .. الحديث.

سلف ذكره في الحج: عن شيخه محمد بن يوسف، إلى أبي موسى فراجعه

(1)

. قال الجياني: كذا رُويناه عن ابن السكن عباس بن الوليد يعني: النرسي. وفي رواية أبي أحمد: ثنا عباس. غير منسوب، وكذلك كان في كتاب أبي زيد إلا أنه قرأه عليهم: عياش -بالشين المعجمة- وليس بشيء، وإنما هو عباس بن الوليد. وليس في "الجامع" إلا هذا، وحديث في: علامات النبوة

(2)

. وكذا قال صاحب "المطالع": عباس هذا بالسين المهملة وهو النرسي، وذكر بعضهم فيه عن أبي أحمد أنه كان يقوله بالمعجمة، ولم يحك الأصيلي عنه، وعن أبي زيد أنه بالمهملة

(3)

. وأما الدمياطي فضبطه بالشين المعجمة ثم قال: هو أبو الوليد عياش بن الوليد الرقام البصري، مات سنة [ست و]

(4)

عشرين ومائتين، روى عنه البخاري في مواضع، وروى أبو داود عن

(1)

سلف برقم (1559).

(2)

الحديث سلف برقم (3633)، وقد علق البخاري ثالثًا سيأتي برقم (7090) أما عن كلام الجياني فهو في "تقييد المهمل" 2/ 691.

(3)

وجزم بمثل ذلك القاضي عياض في "المشارق" 2/ 112 - 113، والحافظ في "الفتح" 8/ 64، وكذا العيني في "العمدة" 14/ 333.

(4)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، والمثبت هو الذي في كتب التراجم انظر:"تهذيب الكمال" 22/ 562 (4603)، و"الكاشف"(4356)، و"تهذيب التهذيب" 3/ 352.

ص: 510

رجل

(1)

عنه. وقال في آخر علامات النبوة بعد أن ضبطه بالإهمال: أبو الفضل عباس، مات سنة ثمان وثلاثين

(2)

، وابن عمه عبد الأعلى

(3)

مات قبله سنة سبع وئلاثين ومائتين. ولما ذكره في: البيوع، في باب: النهي عن تلقي الركبان

(4)

؛ ضبطه خطأ بالمعجمة

(5)

.

إذا عرفت ذلك، فأبو موسى رضي الله عنه أهل بإهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعين شيئًا، فأمره بالطواف والسعي، ثم حل، و [عن]

(6)

عائشة رضي الله عنها أنهم خرجوا لا يرون إلا الحج، وكان ينتظر الوحي، فلما دنوا من مكة أمر من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، وأقام من معه هدي على إحرامه حتى فرغ من الحج، وقال:"عمرتكم للأبد"

(7)

.

(1)

رجل هو عيسى بن شاذان، وحديثه في "سنن أبي داود" برقم (677)، هذا وقد صرح أبوه بالتحديث عن عياش في حديث رقم (2619).

أما عن ضبط الدمياطي لـ (عباس) وتعيينه عياش الرقام، فهو منازع فيه، والصواب: عباس النرسي، قاله الحافظ في "الفتح" 8/ 64.

(2)

هو عباس بن الوليد النرسي، الذي وقع في اسمه الخلاف هذا، وكذلك اختلف في وفاته فقيل -كما ذكر المصنف- سنة ثمان وثلاثين ومائتين. وقيل: سنة سبع وثلاثين. انظر: "تهذيب الكمال" 14/ 259 (3145).

(3)

هو عبد الأعلى بن حماد بن نصر الباهلي، أبو يحيى النرسي، روى عنه البخاري ومسلم. انظر:"تهذيب الكمال" 16/ 348 (3683)، "تهذيب التهذيب" 2/ 464.

(4)

سلف برقم (2163): عن عياش بن الوليد.

(5)

رفع الحافظ رحمه الله كل خلاف في ذلك وقال بأن عباس له حديثان وثالث معلق -كما تقدم- وباقي ما في الكتاب من حديث عياش الرقام. ثم فصّل في الأمر فليراجع "هدي الساري" ص 213 - 214.

(6)

زيادة عن الأصل يقتضيها السياق.

(7)

سلف أصله برقم (294، 1709).

ص: 511

وأما الفسخ فإن كان محفوظًا فهو خاص، وكذلك نهى عنه عمر وضرب عليه، وكان يستحب ترك القران؛ ليأتي بعملين فيكون أعظم لأجره، فحمل عليه قوم أنه كان ينهى عن التمتع، وليس كذلك، ويدل على صحة ذلك قوله: إن نأخذ بكتاب الله فقد أمر بالتمام، وإن نأخذ بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يحل حتى نحر الهدي

(1)

. فإنما نهى أن يفسخ الحج في العمرة.

الحديث الخامس:

حديث أبي معبد مولى ابن عباس -واسمه نافذ، مات سنة أربع ومائة- عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ .. الحديث، وفيه:"فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ .. " إلى آخره.

سلف في الزكاة في موضعين

(2)

.

ثم قال: (قال أبو عبد الله: طوعت: طاعت، وأطاعت لغة، طِعْتُ وطُعْتُ وأَطَعْتُ).

وقوله: "أطاعوا" ذكره ابن التين بلفظ "طاعوا بذلك" أي: انقادوا لك بذلك، يقال: هو طوعه إذا انقاد له، فإذا مضى لأمره فقد أطاعه، وإذا وافقه فقد طاوعه.

وفيه: أن الإمام يتولى أخذ الزكاة وأن من وجبت عليه الزكاة

(1)

سلف برقم (1559).

(2)

هكذا في الأصل! والصواب أنه سلف في ثلاثة مواضع في الزكاة أولها: برقم (1395) باب: وجوب الزكاة. ثانيها: (1458) باب: لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة. ثالثها: (1496) باب: اخذ الصدقة من الأغنياء.

ص: 512

لا يأخذها، وأن لا تنقل، وتفرق في الموضع الذي جمعت فيه، وأنها إذا فرقت في جنس واحد من الثمانية أجزأ.

وقوله: "وإياك وكرائم أموالهم". هي جمع: كريمة، وهي: النفيسة.

الحديث السادس:

حديث عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا قَدِمَ اليَمَنَ صَلَّى بِهِمِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمَ إِبْرَاهِيمَ.

ثم قال: زَادَ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبيبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَرَأً مُعَاذٌ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ [سورة النساء]

(1)

، فَلَمَّا قَالَ:{وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:: 125] قَالَ رَجُلٌ خَلْفَهُ: قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ.

معنى (قرت): بردت دمعها؛ لأن دمعة السرور باردة، بخلاف دمعة الحزن فإنها حارة؛ ولذلك يقال للمدعو له: أقرَّ الله عينه، وللمدعو عليه: أسخن الله عينه.

وقال ثعلب وغيره: معناه: بلغ أمنيته، فلا تطمع نفسه إلى من هو فوقه.

قال الداودي: وقائل هذا الكلام متكلم يعيد وجوبًا، والشارع لم يحلم بهذا حتى يوجبها؛ لقوله:"صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"

(2)

.

(1)

سقط ما بين المعقوفين من الأصل، والمثبت من "اليونينية" 5/ 163.

(2)

رواه مسلم (537) كتاب: المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة.

ص: 513

وروي أنه قرأ سورة الإخلاص، فقال المأموم كذلك فلم يأمره بالإعاة

(1)

.

وذكر الشيخ أبو محمد، عن بعضهم أنه إذا قال: فعل الله بك يا فلان. فسدت صلاته، ولا يكون على هذا إعادة مثل قوله (كذلك)

(2)

: الله. ثم استغربه، وفي الرواية: لا بأس أن يقول: اللهم افعل بفلان.

(1)

ورد بهامش الأصل: هذا جاهل التحريم، وهذا كلام قليل فلا يعيد عند الشافعية.

(2)

كلمة غير واضحة بالأصل، ولعلها ما أثبتناه.

ص: 514

‌61 - [باب] بَعْثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيد إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ

4349 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ، بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانَهُ، فَقَالَ:"مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ، مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ". فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ، قَالَ: فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ. [فتح: 8/ 65]

4350 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا، وَقَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا؟! فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "لَا تُبْغِضْهُ، فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ". [8/ 66]

4351 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِى خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً؟! ". قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّقِ اللهَ. قَالَ:"وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِىَ اللَّه؟! ". قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ:"لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي". فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ.

ص: 515

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ". قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهْوَ مُقَفٍّ فَقَالَ: "إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ رَطْبًا، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ". وَأَظُنُّهُ قَالَ: "لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ". [انظر: 3344 - مسلم: 1064 - فتح: 8/ 67]

4352 -

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ.

زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بِسِعَايَتِهِ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ ". قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ". قَالَ وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا. [انظر: 1557 - مسلم: 1216 - فتح: 8/ 69]

4354،4353 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ أَنَّهُ ذَكَرَ لاِبْنِ عُمَرَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، فَقَالَ أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ، وَأَهْلَلْنَا بِهِ مَعَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ:"مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً". وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَدْيٌ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْيَمَنِ حَاجًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"بِمَ أَهْلَلْتَ؟ فَإِنَّ مَعَنَا أَهْلَكَ". قَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "فَأَمْسِكْ، فَإِنَّ مَعَنَا هَدْيًا". [مسلم: 1232 - فتح: 8/ 70]

ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث البراء رضي الله عنه: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ إِلَى اليَمَنِ، قَالَ ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانَهُ، فَقَالَ:"مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ، مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ". فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ، قَالَ: فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ.

ص: 516

التعقيب: أن يعقب الجيش بعد القفول ليصيبوا غرة من العدو، قاله الخطابي

(1)

. وقال ابن فارس: التعقيب: غزاة بعد غزاة

(2)

. وقال الداودي: هو أن تبعث قومًا؛ ليبذل لهم قوم قد تقدم لهم الخروج في عمل آخر أو غزو ويخرجون في عقبهم.

واستدل به على جواز استعمال بني هاشم على الخمس، بخلاف حديث الفضل: أنهم لا يستعملون على الصدقات، ومن جوز جعله كالإجارة، فيجوز خمسًا كالفيء بخلاف من يأخذها منهم من غير مقابل.

الحديث الثاني:

حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا إِلَى خَالِد بن الوليد لِيَقْبِضَ الخُمُسَ وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا، وَقَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلَا تَرى إِلَى هذا؟! فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"يَا بُرَيْدَةُ أتبْغِض عَلِيًّا؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. فقَالَ: "لَا تُبْغِضْهُ، فَإِنَّ لَهُ فِي الخُمُسِ أَكثَرَ مِنْ ذَلِكَ".

قوله: (وقد اغتسل) يريد أنه وقع على جارية صارت له في القسمة من الخمس، واعتذر عنه الشارع بأن له في الخمس أكثر من ذلك.

وقوله: (كنت أبغض عليًّا) لعله رأى منه ما ظن أنه تعدى فيه الحق فكرهه له، ففيه: الأمر بالمعروف على حسب ما تبين، وفيه: جواز القول فيمن يظن أنه قارف ذنبًا. وقد روي الحديث بأتم من هذا، قال بريدة: كنت في جيش فغنموا، فبعث أمير الجيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث من يخمسها، فبعث عليًّا رضي الله عنه، وفي السبي وصيفة من أفضل

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1770.

(2)

"المجمل" 3/ 620 مادة (عقب).

ص: 517

السبي فوقعت في الخمس، ثم خمس فصارت في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خمس فصارت في آل علي، فأتى ورأسه يقطر .. وذكر الحديث

(1)

، ففيه بيان قسمته لنفسه وإصابته قبل الاستبراء، والجواب أن ما يقسم بالولاية من الأشياء التي هي من هذا الجنس يجوز أن يقع ذلك ممن هو شريك فيه، كما يقسم الإمام بالإمامة الغنائم بين أهلها وهو منهم، ومنصوب الإمام في ذلك كالإمام، وأما الاستبراء فيحتمل أن تكون غير بالغة، وقد قال بعدمه في حقها غير واحد من

العلماء منهم: القاسم بن محمد وسالم والليث وأبو يوسف. ويحتمل أن تكون عذراء، وهو رأي ابن عمر وإن بلغت -ذكره كله الخطابي- وفيه: أن شهادة العدو ومن في قلبه شنآن ويبغض صاحبه غير مقبولة

(2)

.

الحديث الثالث:

حديث أبي سعيد الخدري: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَالأَقْرَع بْنِ حَابِسٍ، وَزيدِ الخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بهذا مِنْ هؤلاء. فَبَلَغَ رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث.

الذهيبة: واحدة الذهب يذكر ويؤنث، والتأنيث لغة أهل الحجاز، قاله القزاز. وقال ابن فارس ربما أنث

(3)

. وكذا قال الجوهري، قال: والقطعة: ذهبة، وتجمع على الأذهاب

(4)

.

(1)

رواه أحمد 5/ 350 - 351.

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1772 - 1773.

(3)

"مجمل اللغة" 1/ 361 (ذهب).

(4)

"الصحاح" 1/ 129 (ذ هب).

ص: 518

ونقدم الكلام عليه من وجوه:

أحدها: الذهيبة .. إلى آخره.

ومعنى مقروظ: مدبوغ بالقرظ، وهو شجر يدبغ بورقه، ولونه إلى الصفرة.

وقال الخليل: هو ورق السلم

(1)

.

وقوله: (لم تُحَصّل من ترابها) أي: لم تخلص من تراب المعدن.

ثانيها:

عيينة بن بدر هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو [بن]

(2)

جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة -واسمه: عمرو، ضربه أخ له ففزره فسمي فزارة -واسم عيينة: حذيفة فأصابته لقوةٌ

(3)

فجحظت عيناه، فسمي: عيينة، يكنى أبا مالك، وكان يقال لجده حذيفة: رب معد، وشهد عيينة والأقرع

(4)

مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، وقيل: إنهما شهدا الفتح. وكان عيينة من المنافقين ارتد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه خالد في وثاق إلى أبي بكر فأسلم وعفا عنه، وخارجة بن حصن أخوه، وابن أخيه الحر بن قيس بن حصن، أسلما في وفد فزارة بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وكانوا بضعة عشر رجلاً.

(1)

"العين" 5/ 133 (قرظ).

(2)

ليست في الأصل، والمثبت من "أسد الغابة" 4/ 331 (4160)، "تاريخ الإسلام" 3/ 347.

(3)

مرض يعرض للوجه فيميله إلى أحد جانبيه، وفي "الإصابة" (6151): أصابته شجة بدل (لقوة).

(4)

ورد بهامش الأصل: جزم أبو عمر في ترجمة الأقرع بأنهما شهدا الفتح وحنينًا والطائف.

ص: 519

والأقرع بن حابس لقب واسمه فراس، وكان في رأسه قرع فلقب بذلك، [ذكر ذلك]

(1)

عن ابن دريد -وهو: ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع أخي نهشل، ابني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك أخي سعد، ابني زيد مناة أخي عمرو، ابني تميم بن مر بن أُدْ بن طابخة. قدم في وفد تميم، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين مائة من الإبل -كما سلف في الخمس، وصعصعة بن ناجية بن عقال- جد الفرزدق الشاعر ابن همام بن غالب بن صعصعة- قدم فأسلم.

وعياض بن (حمار)

(2)

بن سفيان، كذا نسبه ابن الكلبي وابن سعد

(3)

، [روى]

(4)

له مسلم.

وعلقمة هو: ابن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، من المؤلفة وكان سيدًا في قومه حليمًا عاقلاً.

(1)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، وبه يستقيم السياق، هذا والسياق بتمامه في "عيون الأثر" 2/ 237.

(2)

في "الطبقات": (حماد). وهو تصحيف، والصواب:(حمار)، وقد تصحف عند غيره أيضًا: ولذلك قال ابن حجر في "الإصابة"(6128): وأبوه باسم الحيوان المشهور، وقد صحفه بعض المتنطعين؛ لظنه أن أحدًا لا يسمى بذلك. اهـ.

(3)

نسبه ابن سعد، واللذين قبله -الأقرع وصعصعة- في "الطبقات" 7/ 36 - 38 إلا أن نسب عياض بن حمار عند غيره مختلف، حيث قالوا: عياض بن حمار بن أبي حمار بن ناحية بن عقال بن محمد بن سفيان. انظر: "الاستيعاب" 3/ 302 (2034)، و"تهذيب الكمال" 22/ 565 (4605)، و"تاريخ الإسلام" 4/ 281 - 282.

(4)

ليست في الأصل، ويقتضيها السياق، وحديث عياض الذي في مسلم رقم (2865) كتاب: الجنة، وقال المزي: وليس له عنده غيره. "التهذيب" 22/ 566 - 567.

ص: 520

وعامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب فارس بني عامر، وذكره وهم -كما قال الدمياطي- قال: لأنه مات كافرًا، وعمه أبو براء هو ملاعب الأسنة عامر بن مالك بن جعفر، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر الشاعر.

ثالثها:

قوله: (فقام رجل غائر العينين) أي: غارت عيناه ودخلتا، فهو ضد الجاحظ، يقال: غارت عينه تغور غورًا فهي غائرة.

قوله: (مشرف الوجنتين) أي: ليس بسهل الخد، وقد أشرفت وجنتاه، أي: علتا على ما حوله، والوجنتان: العظمان المشرفان.

و (ناشز الجبهة): ناتئها، وكل ناتئ ناشز، وأخذ من: النشز، وهو ما ارتفع من الأرض، ومنه قوله تعالى:{فَانْشُزُوا} أي: ارتفعوا.

و (الجبهة): ما بين الجبين من الإنسان وهو الموضع الذي تمسه الأرض من السجود.

(كث اللحية): كثير شعرها، وقيل: لحية مجتمعة، قال الهروي في صفته عليه السلام: كث اللحية، يقال: الكثوثة فيها: أن تكون غير رقيقة ولا طويلة ولكن فيها كثافة، ورجل كث اللحية، وقوم كث

(1)

.

وقوله: (محلوق الرأس) كانوا لا يحلقون رءوسهم ويفرقون شعورهم.

وقوله: (مشمر الإزار) شمره: رفعه عن الكعب.

رابعها:

قوله: (لعله يصلي) مفهومه قتل تاركها، وفيه خلاف مشهور.

(1)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" 4/ 152.

ص: 521

وقوله: ("لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس")، النقب من قولهم: نقب الحائط نقبًا: إذا فتح فيه فتحًا.

وقوله: (وهو مقف) أي: مُولٍّ، يقال: قفى الرجل القوم: إذا ولاهم قفاه، وقد أقفاه يقفهم إذا فعل ذلك فهو مقفٍ.

وقوله: ("يخرج من ضئضئ هذا") أي: أصله، يقال هو من ضئضئي صدف. أي: من أصل صدف. ومن ضوض صدف مثله.

وقال الداودي: من ضيضي هذا، أي: ممن يقول مقالته. وقيل: هو الولد والنسل، وهو الأصل. وقال ابن فارس: الضئضئ: كثرة النسل وبركته. ذكره في باب الضاد المعجمة

(1)

، وروي بالمهملة.

وقوله: ("يتلون كتاب الله رطبًا") قيل: سهلاً كما في الرواية الأخرى: (لينًا)

(2)

. وقال الخطابي: أي: واظب عليها فلا يزال لسانه رطبًا بها، ويكون أيضًا تحسين الصوت بالقراءة، ومن الثقافة والحذق بها فيجري لسانه بها ويمر عليها مرًّا لا (يغير)

(3)

ولا يتكسر. كل هذِه الوجوه محتملة، وهذا شبيه بما روي من قوله:"من أراد أن يقرأ القرآن غصًّا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد"

(4)

، وقيل: يريد الذي لا شدة في صوته وهو لين رطب. وقيل: يريد أنه يحفظ ذلك حفظًا حسنًا.

(1)

"مجمل اللغة" 2/ 569 (ضوضو).

(2)

رواه مسلم (1064/ 145).

(3)

كذا في الأصل، وفي "الأعلام ": يتعثر.

(4)

"أعلام الحديث" 3/ 1775 - 1776، والحديث رواه ابن ماجه (138) من حديث عبد الله بن مسعود.

ص: 522

وقوله: ("لا يجاوز حناجرهم") أي: لا يرفع فيما يرفع من العمل الصالح.

وقيل: لم يتمكن في قلوبهم كثير شيء من اليقين به، وإنما يحفظونه بالألسن، وهي مقاربة الحناجر، فنسب إليها ما قاربها.

("ويمرقون من الدين") أي: الطاعة دون الملة.

وقوله: ("لأقتلنهم قتل ثمود") إن قلت: إذا كان قتلهم واجبًا فكيف منع خالدًا أن يقتله؟ فالجواب، كما قال الخطابي: إنما منعه لعلمه بأن الله سيمضي قضاءه فيه حتى يخرج من نسله من يستحق القتل لسوء فعله ومروقه من الدين، فيكون قتلهم عقوبة لهم، فيكون أدل على الحكمة وأبلغ في المصلحة

(1)

.

الحديث الرابع: حديث جابر في إهلال علي، سلف في الحج سندًا ومتنًا

(2)

. وزاد هنا: (فقدم عليّ بسعايته)، وزاد في آخره:(فأهدى له عليٌّ هديًا). والمراد بالسعاية: ما أخذ من خالد.

ومعنى: (أهدى له هديًا): أعطاه شيئًا أهداه، ليس أنه أوجب هديًا ثم أعطاه له عليًّا، وإن كان الظاهر خلافه، ويحتمل أن يكون عليٌّ بدلاً من الضمير في (له) فيكون عليٌّ مخفوضًا على هذا، ذكره ابن التين.

الحديث الخامس:

حديث بَكْر أَنَّهُ ذَكَرَ لاِيْنِ عُمَرَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ .. الحديث. وفيه: فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ فَإِنَّ مَعَنَا أهْلَكَ". قَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "فَأَمْسِكْ، فَإِنَّ مَعَنَا هَدْيًا".

(1)

المرجع السابق.

(2)

سلف برقم (1557).

ص: 523

يريد بأهله فاطمة، فأعلمه إن كان أهل بعمرة أنها تحل له، فلما أخبره (أنه)

(1)

أمره بالإمساك عن الإحلال، وأن يجعل نيته عن الحج، وهو دال على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متمتعًا وإنما كان مفردًا أو قارنًا.

خاتمة: قال ابن سعد: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا إلى اليمن، يقال: مرتين. إحداهما في رمضان سنة عشر من مهاجره، وعقد له لواء وعممه بيده، وقال له:"امض ولا تلتفت ولا تقاتلهم حتى يقاتلوك" فخرج في ثلاثمائة فارس ففرق أصحابه وأتوا بنهب فجعل عليها بريدة بن الحصيب الأسلمي ثم لقي جمعهم، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، فقاتلهم ثم أسلموا فقسم الغنائم ثم وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وقد قدمها حاجًّا سنة عشر

(2)

. وذكر الدمياطي بعثه في هذِه السنة فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، فكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ كتابه خرَّ ساجدًا، ثم جلس. فقال:"السلام على همدان". وتتابع أهل اليمن على الإسلام. ويشبه أن يكون ما ذكره هو السرية الأولئ والباقي الثانية.

(1)

كذا بالأصل ولعله سقط: أهل بحج.

(2)

"الطبقات" 2/ 169 - 170.

ص: 524

‌62 - [باب] غَزْوَةُ ذِي الْخَلَصَةِ

.

4355 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كَانَ بَيْتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَه: ذُو الْخَلَصَةِ وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ ". فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا، فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ. [انظر: 3020 - مسلم: 2476 - فتح: 8/ 70]

4356 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: قَالَ لِي جَرِيرٌ رضي الله عنه: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا تُرِيحُنِى مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ ". وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ:"اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا". فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ. قَالَ: فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. [انظر: 3020 - مسلم: 2475، 2476 - فتح: 8/ 70]

4357 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا تُرِيحُنِى مِنْ ذِي الْخَلَصَة؟ ". فَقُلْتُ: بَلَى. فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ:"اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا". قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ. قَالَ وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ. قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا. قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلَامِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَا هُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا

ص: 525

وَلَتَشْهَدًا أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. قَالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلاً مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ. قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. [انظر: 3020 - مسلم: 2475، 2476 - فتح: 8/ 70]

الخلصة: بضم الخاء واللام -وقال ابن إسحاق: بفتحهما، كما أسلفناه في ترجمة جرير عن ابن هشام- صنم لدوس سيعبد في آخر الزمان، كما تبت في الحديث:"لا تقوم الساعة حتى تصطفق أليات نساء دوس وخثعم حول ذي الخلصة"

(1)

والخلصة في اللغة: نبات ينبت نبات الكرم طيب الريح تتعلق بالشجر، له حب كعنب الثعلب. وجمع الخلصة: خلص، وله ورق أغبر رقاق، وهو أحمر لا يؤكل ويرعى، قاله أبو عبيدة فيما ذكره المبرد. ولما وتر بامرئ القيس قيل: استقسم عنده بثلاثة أزلام: الزاجر والآمر والمتربص، فخرج له الزاجر فسب الصنم ورماه بالحجارة وقال: اعضض ببظر أمك. وذكر شعرًا، ذكره أبو الفرج الأصبهاني قال: فلم يستقسم عنده أحد -يعني: بعد [حتى]

(2)

جاء الإسلام

(3)

.

ثم ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث كلها عن جرير:

أحدها:

قال: كَانَ بَيْتٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: ذُو الخَلَصَةِ وَالْكَعْبَةُ اليَمَانِيَةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ، فَقَالَ لِه عليه السلام:"أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ؟ ".

(1)

سيأتي برقم (7116) كتاب: الفتن، بنحوه من حديث أبي هريرة.

(2)

ليست في الأصل، ومثبتة من "الأغاني".

(3)

"الأغاني" 9/ 111.

ص: 526

فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا، فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا لنَا وَلأَحْمَسَ.

ثانيها:

عنه أيضًا بمثله، وفيه: وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ اليَمَانِيَةَ، وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَضرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ:"اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا". فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ. قَالَ: فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.

ثالثها:

عنه أيضًا بمثله، وفيه: وَكَانَ ذُو الخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهُ: الكَعْبَةُ. قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ اليَمَنَ كَانَ فيِهَا رَجُل يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلَامِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ههنا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا (ولتشهدن)

(1)

أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ، أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ. قَالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلاً مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ .. الحديث.

(1)

كذا في الأصل بالنون الثقيلة، وفي اليونينية وغير نسخةٍ: لتشهدًا. فائدة: ومذهب البصريين في ذلك كتابة نون التوكيد الخفيفة بالألف كالتنوين، وأما الكوفيون فتكتب عندهم النون، هذا وقد كتبت في رسم المصحف بالألف كمذهب البصريين، كما في قوله تعالى:{وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} ، وقوله:{لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} وليس في القرآن لهما نظير.

انظر: "البيان" لابن الأنباري 2/ 523.

ص: 527

وقد سلف في مناقب جرير واضحًا

(1)

. قال الداودي: وقيل لها: اليمانية؛ لأنها كانت في اليمن. قال: ولعلها سميت شامية؛ لأن بابها يقابل الشام، وسموها الكعبة مضاهاة للبيت الحرام. وفي مسلم: وكان يقال له: الكعبة اليمانية

(2)

. أي: من أجله و (له) بمعنى من أجله لا تنكر في العربية. كما أسلفناه هناك.

وهذِه السرية كانت قبل وفاته عليه السلام بشهرين أو نحوهما.

وأبو أرطاة رسول جرير، اسمه: حصين بن ربيعة بن الأزور بن سلمة بن مرة بن سعد أخي ذهل، ابني معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث، أخي عبقر، والد علقة بن عبقر، ابني أنمار بن إراش، وأنمار أبو بجيلة وأبو خثعم أيضًا. وقيل: اسمه حسين بالسين، وكذا سماه مسلم في روايته

(3)

، والأكثر بالصاد، ويقال: حصن، وقيل: ربيعة بن حصن، وقيل: ابن حسين. وفي كتاب أبي موسى: وقيل: أرطاة. وقيل: أبو أرطاة. وقيل: بقير.

وخثعم هو ابن أنمار بن إراش وإخوته لأبيه: الصور وعبقو وصهيبة وخزيمة وأشهل وسهل وطريف وحذيفة والحارث بنو أنمار، أمهم بجيلة بنت صعب، أخت باهلة، ولدت وحضنت لمعن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان، وغطفان بن سعد، وعلي بن أعصر بن سعد.

(1)

سلف برقم (3823).

(2)

مسلم (2476/ 137) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل جرير

(3)

قال النووي في "شرحه" 16/ 37: هكذا في بعض النسخ (حصين) بالصاد، وفي أكثرها (حسين) بالسين، وذكر القاضي الوجهين، وقال: والصواب الصاد، وهو الموجود في نسخة ابن ماهان. اهـ.

ص: 528

وأحمس هذا -بالحاء المهملة- هو أحمس بجيلة، وهو ابن الغوث بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، وهو غير أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

وهما من: حمس الرجل: إذا سمع، وأيضًا: هاج وغضب، فهو حمس وأحمس، كرجل وأرجل، والأصل فيه الشدة، ومنه: حمست الحرب، وحمس الشيء: إذا اشتد، وكان يقال لقريش: الحمس أي: المتشددون في دينهم، ويقال لهم أيضًا: الأحاميس.

وفيه: بركة دعائه صلى الله عليه وسلم، وكذا ضربه يده في صدره؛ لينال بركة ذلك.

وقوله: ("ألا تريحني من ذي الخلصة؟ ") سببه كراهية أن يعبد غير الله.

وجرير هو ابن عبد الله بن جابر، وهو السَّليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن علي. ويقال: عدي بن مالك بن سعد بن زيد بن قسر، وهو مالك بن عبقر بن أنمار بن إراش -بهمزة مكسورة كما أسلفناه في ترجمته- مات بقرقيسيا سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين بعد المغيرة بن شعبة.

ص: 529

‌63 - [باب] غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلَاسِلِ

وَهْيَ غَزْوَةُ لَخْمٍ وَجُذَامَ. قَالَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عُرْوَةَ: هِيَ بِلَادُ بَلِيٍّ وَعُذْرَةَ وَبَنِي الْقَيْنِ.

4358 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ". قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا". قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "عُمَرُ". فَعَدَّ رِجَالاً فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ. [انظر: 3662 - مسلم: 2384 - فتح: 8/ 74]

ثم ساق حديث خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَمْرَو بْنَ العَاصِي عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ .. الحديث.

وقد سلف في فضائل الصديق من هذا الوجه من حديث خالد الحذاء، عن أبي عثمان قال: حدثني عمرو بن العاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل: فأتيته .. الحديث

(1)

، وقد سلف هناك ضبطها وتاريخها واضحًا فراجعه.

و (أبو عثمان) هو: ابن مَل النهدي، أسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مخضرم.

ولخم وجذام قبيلتان من قحطان، وبلي وعذرة قبيلتان غيرهما وبنو القين قبيل بن تيم.

(1)

سلف برقم (3662).

ص: 530

وفيه: فضل ظاهر لأبي بكر وعمر وفضل لعائشة رضي الله عنها.

فصل:

وفي هذِه الغزوة تيمم أميرها عمرو بن العاصي خشية البرد، وقال له عليه السلام:"صليت بأصحابك وأنت جنب"

(1)

وقد ذكره البخاري معلقًا في التيمم

(2)

كما أسلفنا الكلام عليه هناك، وذكر البيهقي في "دلائله" هنا بابًا في الجزور التي نحرت في هذِه الغزوة وما جرى لعوف بن مالك الأشجعي فيها، وإخباره عليه السلام عوفًا بعلمه بها قبل أن يخبره عوف، من حديث عوف بن مالك الأشجعي من طريق ابن شهاب وغيره، وأنه أخذ منها جزءًا على قسمتها، وأن أبا بكر وعمر تقيآه وقالا: ما أحسنت حين أطعمتنا

(3)

.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

علَّقه قبل حديث (345) باب: إذا خاف الجنب على نفسه

(3)

"دلائل النبوة" 4/ 404.

ص: 531

‌64 - باب ذَهَابُ جَرِيرٍ إِلَى الْيَمَنِ

.

4359 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنْتُ بِالْبَحْرِ فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ: ذَا كَلَاعٍ، وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ ذُو عَمْرٍو: لَئِنْ كَانَ الَّذِي تَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكَ، لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ. وَأَقْبَلَا مَعِي، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ صَالِحُونَ. فَقَالَا: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ قَالَ: أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ، إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً، وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا، إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ، فَإِذَا كَانَتْ بِالسَّيْفِ كَانُوا مُلُوكًا يَغْضَبُونَ غَضَبَ الْمُلُوكِ وَيَرْضَوْنَ رِضَا الْمُلُوكِ. [فتح:

8/ 76]

ذكر فيه حديث قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنْتُ بِالْيمن فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ: ذَا كَلَاع، وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ ذُو عَمْرٍو: لئِنْ كَانَ الذِي تَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكَ، لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ. وَأَقْبَلَا مَعِي، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ المَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا: قُبِضَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ صَالِحُونَ. فَقَالَا: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَرَجَعَا إِلَى اليَمَنِ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ قَالَ: أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ، إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً، وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا، إِنَّكُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ، فَإِذَا كَانَتْ بِالسَّيْفِ كَانت مُلُوكًا يَغْضَبُونَ غَضَبَ المُلُوكِ وَيَرْضَوْنَ رِضَا المُلُوكِ.

ص: 532

ما ذكر له ما يكون إلا عن كتاب أو كهانة، والذي قاله ذو عمرو لا يكون إلا عن كتاب من كتب الله المتقدمة، وكان بعثه هذا في سنة إحدى عشرة، بعثه عليه السلام إلى ذي الكلاع يدعوه إلى الإسلام، فأسلم.

ومعنى: (تأمرتم): تشاورتم. وذكر ابن عبد البر أن ذا عمرو وذا الكلاع أقبلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين، ومعهما جرير بن عبد الله أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما في قتل الأسود العنسي

(1)

وهو صحيح. وقيل: بل كان جرير معهما مسلمًا وافدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول إليهم جابر بن عبد الله في قتل الأسود فقدموا وافدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كانوا ببعض الطريق. قال ذو عمرو لجرير .. الحديث.

وذو الكلاع: اسمه اسميفع، وقيل:(سميفع)

(2)

بغير همز، وقيل: أفع وهو حميري. يكنئ: أبا شرحبيل، وقيل: أبو شراحيل.

ذكر ابن عبد البر

(3)

أنه أعتق عشرة آلاف بيت

(4)

.

وقال ابن دريد في "المنثور": كان ذو الكلاع ادعى الربوبية في الجاهلية، وإن إسلامه كان أيام عمر؛ لأنه عليه السلام كتب له مع جرير، وجرير إنما قدم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

"الاستيعاب" 2/ 52.

(2)

في الأصل: سميقع، والمثبت من مصادر التخريج.

(3)

ورد بهامش الأصل: في غير الاستيعاب

(4)

انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 2/ 53 - 55، و"أسد الغابة" 2/ 177.

ص: 533

‌65 - باب غَزْوَةُ سِيفِ الْبَحْرِ، وَهُمْ يَرصدونَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَأَمِيرُهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ رضي الله عنه

-

4360 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ، فَخَرَجْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الْجَيْشِ، فَجُمِعَ، فَكَانَ مِزْوَدَي تَمْرٍ، فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلٌ قَلِيلٌ حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ؟! فَقَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ. ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهَا الْقَوْمُ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا. [انظر: 2483 - مسلم: 1935 - فتح:

8/ 77]

4361 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَمِائَةِ رَاكِبٍ، أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ، فَسُمِّىَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ، فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا: الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْنَا أَجْسَامُنَا، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنَصَبَهُ فَعَمَدَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ مَعَهُ -قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: ضِلَعًا مِنْ أَعْضَائِهِ فَنَصَبَهُ، وَأَخَذَ رَجُلاً وَبَعِيرًا- فَمَرَّ تَحْتَهُ، قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ. وَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ لأَبِيهِ: كُنْتُ فِي الْجَيْشِ فَجَاعُوا. قَالَ: انْحَرْ. قَالَ: نَحَرْتُ. قَالَ: ثُمَّ جَاعُوا قَالَ: انْحَرْ. قَالَ: نَحَرْتُ. قَالَ: ثُمَّ جَاعُوا. قَالَ: انْحَرْ. قَالَ: نَحَرْتُ ثُمَّ جَاعُوا. قَالَ: انْحَرْ. قَالَ: نُهِيتُ. [انظر: 2483 - مسلم: 1935 - فتح: 8/ 77]

ص: 534

4362 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا، لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ. فَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُوا. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"كُلُوا، رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللهُ، أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ". فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ {بِعُضْوٍ} فَأَكَلَهُ. [انظر: 2483 - مسلم: 1935 - فتح: 8/ 78]

(سيف): بكر السين

(1)

: شاطئه، وتدعى: سرية الخبط -كما ذكره البخاري بعدُ في حديث جابر- لأكلهم إياه، وكانت في رجب سنة ثمان فيما ذكره ابن سعد، وكانوا ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار فيهم عمر بن الخطاب، وعليهم أبو عبيدة، بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية مما يلي ساحل البحر وبينهما وبين المدينة خمس ليال، فأصابهم جوع شديد حتى أكلوا الخبط، وابتاع قيس بن سعد (جزرًا)

(2)

فنحرها لهم وألقى لهم البحر حوتًا عظيمًا، فأكلوا منه ثم انصرفوا ولم يلقوا كيدًا

(3)

وكانت غزوة ذات السلاسل قبلها في جمادى الآخرة من السنة على قول الحاكم وابن سعد

(4)

، وكانت غزوة مؤتة قبلها في جمادى الأولى من السنة أيضًا.

ثم ساق البخاري في الباب أربعة أحاديث عن جابر:

أحدها:

حديث وهب بن كيسان عنه: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ،

(1)

ورد بهامش الأصل: يعني المهملة.

(2)

في هامش الأصل: جزورًا.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 132.

(4)

"الطبقات الكبرى" 2/ 131.

ص: 535

وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ فخرجوا، ففني زادهم، وجُمِعَ أزواد القوم، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، فاقتاتوا تَمْرَة تَمْرَة، فَقُلْتُ -أي: قال وهب-: مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ؟! فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ. ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى البَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهَ القَوْمُ ثماني عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا.

ثانيها:

من حديث عمرو بن دينار عنه: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ. إلى أن قال: فَأَلْقَى لَنَا البَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا: العَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُا نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْنَا أَجْسَامُنَا.

وفيه: فَعَمَدَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ مَعَهُ وَأَخَذَ رَجُلاً وَبَعِيرًا فَمَرَّ تَحْتَهُ، قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ ثلاثًا، ثُمَّ ثلاثًا، ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ.

ثالثها:

من حديث عمرو عنه، وفيه: فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ. وأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُوا. فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"كُلُوا، رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللهُ، أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ". فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ بِعُضوٍ فَأَكَلَهُ.

وهذا الحديث ذكره في الصيد والذبائح كما سيأتي

(1)

، ولمسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر: فأكلنا منه شهرًا

(2)

، وفي حديث وهب بن

(1)

سيأتي برقم (5493).

(2)

مسلم (1935).

ص: 536

كيسان عنه عند الحاكم: اثني عشر يومًا

(1)

.

وقال ابن التين: إحدى روايتي البخاري -نصف شهر أو (ثمانية عشر)

(2)

ليلة- وهم، أو يتجاوز أحدهما لتقارب ذلك

(3)

.

وقوله: (الظرب). كذا هو في الأصول بظاء، وهو ما ذكره أهل اللغة أيضا. ووقع في بعض النسخ بالضاد، كما حكاه ابن التين، ثم نقل عن القزاز أن الظِّرْب -ساكن الراء-: جبل منبسط ليس بالعالي، وأن غيره قاله بكسرها: وهو الرابية. والضلع بكسر الضاد، وفتح اللام. وقوله:(فنصبا) صوابه: فنصبتا؛ لأن الضلع مؤنثة، نعم يجوز فيها؛ لأنه لا فرج لها. والودك بفتح الواو والدال.

و (ثابت أجسامنا): رجعت.

و (الخبط): الورق الذي يسقط من الشجر عند خبطك إياها. وقال الداودي: هو الورق الأخضر الرطب كانوا يأكلونه، فكان أحدهم يضع كما يضع البعير، والخبط من علف الإبل.

ونهيُ أبي عبيدة عن نحر الجزائر؛ خوفًا من أن يبقوا بغير حمولة،

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 8/ 80: وهي شاذة، وأشد منها شذوذًا رواية الخولاني: فأقمنا قبلها ثلاثًا. اهـ.

(2)

كذا بالأصل والصواب: ثماني عشرة.

(3)

قال الإمام النووي: طريق الجمع بين الروايات أن من روى شهرًا هو الأصل ومعه زيادة علم، ومن روى دونه لم ينف الزيادة ولو نفاها قُدِّم المثبت، وقد قدمنا مرات أن المشهور الصحيح عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له، فلا يلزم نفي الزيادة لو لم يعارضه إثبات الزيادة، كيف وقد عارضه، فوجب قبول الزيادة، وجمع القاضي بينهما بأن من قال: نصف شهر، أراد: أكلوا منه تلك المدة طريًّا، ومن قال شهرًا أراد أنهم قدَّدوه فأكلوا منه بقية الشهر قديدًا والله أعلم. اهـ. "شرح صحيح مسلم" 13/ 88 - 89.

ص: 537

وكان نحرها من ماله أطعمهم إياها -كذا في كتاب ابن التين- والظاهر أنه قيس بن سعد بن عبادة

(1)

، وبه صرح الدمياطي بخطه في الذبائح. وقول أبي عبيدة:(كلوا) اعتبارًا بقوله تعالى: {وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} وأكل الشارع منه في المدينة دال على أنه لم يبح لهم أكله للضرورة.

ففيه: الرد على من منع الطافي فطعامه ما طفا أو ألقاه إلى الساحل، وكذا حكم سائر حيوان البحر على اختلاف أصنافها إلا ما يعيش في بر وبحر على ما استثناه أصحابنا كالضفدع والسرطان والحية، وعند المالكية خلاف في احتياج الضفدع إلى الذكاة

(2)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: جزم النووي في "شرح مسلم" بأنه قيس.

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي 13/ 86 - 88.

ص: 538

‌66 - [باب] حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ

4363 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. [انظر: 369 - مسلم: 1347 - فتح: 8/ 82]

4364 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ، وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء:176]. [4605، 4654، 6744 - مسلم:1618 - فتح:8/ 82]

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه بَعَثَهُ فِي الحَجَّةِ التِي أَمَّرَهُ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أن ألَا يَحُجّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفن بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ.

وحديث أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ، وَآخِرُ آية نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176].

أما حديث أبي هريرة فسلف في الحج

(1)

، وأما حديث البراء فيأتي في التفسير ولم يذكر (كاملة) ولفظه هناك: آخر سورة نزلت: [{بَرَاءَةٌ}]

(2)

وَاخر آية نزلت {يَسْتَفْتُونَكَ} . واعترض الداودي على قوله: (كاملة) وقال: إنه ليس بشيء، إنما أنزلت شيئًا بعد شيء.

(1)

سلف برقم (1622).

(2)

ما بين المعقوفين ليس في الأصل، والمثبت كما في الحديث وسيأتي برقم (4605).

ص: 539

وقال ابن عباس -فيما ذكره النحاس- في آخر سورة نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} وسيأتي في التفسير في آخر سورة البقرة عن ابن عباس أن آخر آية نزلت آية الربا

(1)

.

قال الداودي: يقال: إن الصِّدِّيق حج في تلك السنة في ذي القعدة؛ لأن قريشًا كانوا صيروا حجهم عامين في ذي الحجة وعامين في ذي القعدة. وفرض الحج في السنة العاشرة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمشهور خلاف ما ذكره، وقد ذكرناه في بابه.

(1)

سيأتي برقم (4544). فائدة: للجمع بين حديث البراء وحديث ابن عباس قال الحافظ في "الفتح" 8/ 316 فيما يتعلق أولًا بآخر آية نزولًا: يجمع بأنهما لم ينقلاه وإنما ذكراه عن استقراء بحسب ما اطلعا عليه، وأولى من ذلك أن كلا منهما أراد أخر آية مخصوصة، وأما السورة: فالمراد بعضها أو معظمها، وإلا ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية، وأوضح من ذلك أن أول براءة نزل عقب فتح مكة سنة تسع عام حج أبي بكر، وقد نزل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وهي في المائدة في حجة الوداع سنة عشر، فالظاهر أن المراد معظمها. اهـ.

ص: 540

‌67 - [باب] وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ

4365 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي صَخْرَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. فَرِيءَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَجَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ". قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ. [انظر:3190 - فتح: 8/ 83]

من هنا بدأ البخاري بالوفود، وذكر فيه حديث عمران بن حصين قال: قَالَ أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. فَرُؤِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ فَجَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ:"اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ". قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ.

هذا الحديث سلف نحوه من طريق أبي موسى في باب غزوة الطائف

(1)

.

وفيه: ما كان عليه أهل اليمن من رقة القلوب، وقد شهد لهم الشارع بأنهم ألين قلوبًا وأرق أفئدة.

قال الداودي: وقيل: إنه قال هذا القول وهو في جهة وادي القرى والمدينة ومكة بجنب اليمن، وهذا إنما ذكره العلماء في قوله:"الايمان يمان"

(2)

نبه عليه ابن التين.

(1)

سلف برقم (4328).

(2)

سلف برقم (3302) من حديث أبي مسعود، وبرقم (3499) من حديث أبي هريرة.

ص: 541

‌68 - باب

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، بَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ، فَأَغَار، وَأَصَابَ مِنْهُمْ نَاسًا، وَسَبَى مِنْهُمْ نِسَاءً.

4366 -

حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهَا فِيهِمْ: "هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ". وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ:"أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ". وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ:"هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمٍ". أَوْ "قَوْمِي". [انظر: 2543 - مسلم: 2525 - فتح: 8/ 84]

4367 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ. قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلَافِي. قَالَ عُمَرُ مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا} [الحجرات:1] حَتَّى انْقَضَتْ. [4845، 4847، 7302 - فتح: 8/ 84]

وهذِه قد أسلفناها قريبا في غزوة ذي الخلصة وأنها في المحرم سنة تسع، و (عيينة) هذا فزاري، وبنو العنبر حسن إسلامهم.

ثم ذكر في الباب حديث أبي هريرة رضي الله عنه: لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بعْدَ ثَلَاثٍ سمعتهن مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهَا: "هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ". وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ:"أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ". وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ:"هذِه صَدَقَاتُ قَوْمٍ". أَوْ "قَوْمِي".

وفيه: منقبة ظاهرة لهم.

ص: 542

وحديث عبد الله بن الزبير: قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ القَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ. وقَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] حَتَّى انْقَضَتْ.

وكان اختلاف أبي بكر وعمر قبل قوله عليه السلام لعمر حين قارع أبا بكر: "هل أنتم تاركوا لي صاحبي، إن الله بعثني بالبينات والهدى فقال أبو بكر: صدقت، وقلتم: كذبت"

(1)

فعرفت الناس له ذلك بعد، وذهب أبو بكر إلى أن القعقاع كان أرق من الأقرع، وذهب [عمر]

(2)

إلى أن الأقرع أجرأ من القعقاع، وكل أراد خيرًا قال عمر: وكنت أخشى من أبي بكر بعض الجد.

وقوله: (فنزل في ذلك

) الآية المذكورة. زاد في التفسير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذِه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني: أبا بكر

(3)

. وقال الحسن: ذبح قوم قبل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فأمرهم أن يعيدوا ذبحًا آخر، ونزلت الآية، وقال قتادة: ذكر لنا أن قومًا قالوا [لو]

(4)

نزل في كذا وكذا، وصنع كذا وكذا؛ فكره الله ذلك وقدَّم فيه

(5)

.

(1)

سلف برقم (3661).

(2)

ليست في الأصل، والمثبت ما يقتضيه السياق.

(3)

سيأتي برقم (4845).

(4)

زيادة يحتاجها السياق، مثبتة من مصدر التخريج.

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 377 - 378 (31660، 31661).

ص: 543

‌69 - باب وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ

4368 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّ لِي جَرَّةً يُنْتَبَذُ لِي نَبِيذٌ، فَأَشْرَبُهُ حُلْوًا فِي جَرٍّ، إِنْ أَكْثَرْتُ مِنْهُ، فَجَالَسْتُ الْقَوْمَ، فَأَطَلْتُ الْجُلُوسَ خَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ. فَقَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا النَّدَامَى". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ، حَدِّثْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ، إِنْ عَمِلْنَا بِهِ دَخَلْنَا الْجَنَّةَ، وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ:"آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللهِ، هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ مَا انْتُبِذَ فِي الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ". [انظر: 53 - مسلم: 17 - فتح: 8/ 84]

4369 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا بِأَشْيَاءَ نَأْخُذُ بِهَا وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ:"آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَعَقَدَ وَاحِدَةً - وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ: الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ". [انظر:53 - مسلم:17 - فتح:8/ 85]

4370 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو. وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ، أَنَّ كُرَيْبًا -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوا إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالُوا: اقْرَأْ عليها السلام مِنَّا جَمِيعًا، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّيهَا، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ مَعَ

ص: 544

عُمَرَ النَّاسَ عَنْهُمَا. قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا، وَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ. فَأَخْبَرْتُهُمْ، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْهُمَا، وَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَصَلاَّهُمَا، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْخَادِمَ فَقُلْتُ: قُومِي إِلَى جَنْبِهِ فَقُولِي: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَمْ أَسْمَعْكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا؟!. فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِى. فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، إِنَّهُ أَتَانِى أُنَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ". [انظر: 1233 - مسلم: 834 - فتح: 8/ 86]

4371 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ -هُوَ ابْنُ طَهْمَانَ- عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى. يَعْنِي: قَرْيَةً مِنَ الْبَحْرَيْنِ. [انظر: 892 - فتح: 8/ 86]

ذكر فيه أحاديث:

حديث أبي جمرة -بالجيم- عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريقين في وفد عبد القيس، وقد سلف في الإيمان.

وحديث عائشة رضي الله عنها: في قضائه الركعتين بعد الظهر بعد العصر، وقال:"إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ بِالاسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِي عَنهما".

وحديث أبي جمرة -بالجيم أيضًا- عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ عَبْدِ القَيْسِ بِجُوَاثَى مِنَ البَحْرَيْنِ.

ص: 545

وقوله: (وإنا أخبرنا أنكِ تصليهما) كذا هو في الأصول، يعني: الركعتين بعد العصر واعترض ابن التين فقال الصواب: تصليهما؛ لأنه فعل مستقبل للقرينة المخاطبة، مرفوع على أصله.

وفيه: حجة للشافعي على قضائها بعد العصر خلافًا لمالك

(1)

.

(1)

قد حكى ابن قدامة أيضًا في "المغني" 2/ 533 أن الصحيح جوازه، كمذهب الشافعي ثم حكى منعه عن أصحاب الرأي كمذهب مالك، فيما ذكره المصنف.

ص: 546

‌70 - باب وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَحَدِيثِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ

4372 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِى الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ ". فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ. حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ:"مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ ". قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ:"مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ ". فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ. فَقَالَ: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ"، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا وَاللهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 462 - مسلم: 1764 - فتح: 8/ 87]

4373 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ. وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِطْعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:"لَوْ سَأَلْتَنِى هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي". ثُمَّ انْصَرَفَ

ص: 547

عَنْهُ. [انظر: 3620 - مسلم: 2273 - فتح: 8/ 89]

4374 -

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ". فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَىَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِى شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ"[انظر: 3621 - مسلم: 2274 - فتح: 8/ 89]

4375 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي كَفِّي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ، فَأُوحِىَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ". [انظر: 3621 - مسلم: 2274 - فتح: 8/ 89]

4376 -

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَهْدِىَّ بْنَ مَيْمُونٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ وَأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ، فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنَا: مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ. فَلَا نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلَا سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ إِلاَّ نَزَعْنَاهُ وَأَلْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَبٍ. فتح: [8/ 90]

4377 -

وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُولُ: كُنْتُ يَوْمَ بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غُلَامًا أَرْعَى الإِبِلَ عَلَى أَهْلِي، فَلَمَّا سَمِعْنَا بِخُرُوجِهِ فَرَرْنَا إِلَى النَّارِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. [فتح: 8/ 90]

ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصته، وقد سلف محْتصرًا في الصلاة، والأشخاص

(1)

.

(1)

سلفا برقم (462، 2422).

ص: 548

وفيه: بعث السرايا واغتسال المشرك، وقد سلف حكمه، وقال ابن القاسم: إذا اغتسل قبل الإسلام، وكان قد أجمع على الإسلام؛ فإنه يجزئه

(1)

. يريد أثه وقع في قلبه المعرفة بالله وبرسالة رسوله.

ومعنى صبوت: خرجت من دين إلى دين آخر.

وقوله: (إن تقتل تقتل ذا دم، ادعى الداودي أن المراد: ذمة وعهد ووفاء. قال: وفيه: أن ثلاثة أيام بلاغ في العذر. وفيه: الأمر بإطلاق الأسير قبل إسلامه بغير فداء ولا شرط.

الحديث الثاني:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة مسيلمة، وقد سلف سندًا ومتنًا في باب: علامات النبوة

(2)

.

وقوله: ("هذا ثابت يجيبك عني") أي: إن كان عندك كلام تتكلم به جاوبك فيه عما تريده، وأسلفنا هناك أن مسيلمة بكسر اللام، وهو أبو هارون بن ثمامة أو يمامة، وكناه الأخطل المتنبئ أبا أمامة بن كثير الحقير، ادّعَى النبوة وعمَّر، وكان كاهنًا أصيفر، أخينس وأتى بترهات وأباطيل، أحل ما لا يحل، أُنَزِّه شرحي هذا وسماع أذني عنه.

و (العنسي) بالنون كما سلف، واسمه الأسود -كما ذكره البخاري بعد- ابن كعب، ولقبه: عبهلة، أي: أمره لا يرد، وذو الخمار أيضًا، إما لأنه اسم شيطانه، أو لأنه كان يخمر وجهه.

وعنس هو زيد بن مالك، وهو مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ. خرج العنسي بصنعاء، وعليها

(1)

انظر: " المدونة" 1/ 40.

(2)

سلف برقم (3620).

ص: 549

المهاجر بن أبي أمية، وكان أول ما ضل به عدو الله أن مرَّ بحمار فعثر لوجهه، فادعى أنه سجد له، ولم يقم الحمار حتى قال عدو الله: شأ

(1)

فقام، وقتل بغمدان، حمل رأسه وسلبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: ومنهم من يقول: كان ذلك في خلافة أبي بكر والله أعلم.

وقد أوضح الواقدي حاله في كتاب "الردة" ومن ترهاته: والمايسات ميسا والداوسات دوسًا. وكان لا يغتسل ولا يصلي ويتعاطى المنكر، وقتل عليها.

الحديث الثالث:

حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي كَفِّي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ .. " الحديث، سلف معناه فيما مضى

الحديث الرابع:

حَدَّثنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بْنَ مَيْمُونٍ سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ العُطَارِدِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ خْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ وَأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابِ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُفْنَا بهِ، فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنَا: مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ. فَلَا نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلَا سهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ إِلَّا نَزَعْنَاهُ وَأَلْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَبٍ.

(1)

ورد بهامش الأصل: كذا في حاشية أصله هي كلمة تستعمل عند دعاء الحمار وصحفه (غ) فقال: شيا. اهـ. وقوله (غ) الظاهر أنه مغلطاي، والله أعلم. اهـ.

[قلت: قال صاحب "النهاية في غريب الحديث" 2/ 436: ورواه بعضهم بالسين المهملة وهو بمعناه. وقال الجوهري: شأشأت بالحمار: إذا دعوته، وقلت له: تَشُؤْ تَشُؤْ. "الصحاح" 1/ 57 (شأشأ)].

ص: 550

وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ العطاردي يَقُولُ: كُنْتُ يَوْمَ بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غُلَامًا أَرْعَى الإِبِلَ عَلَى أَهْلِي، فَلَمَّا سَمِعْنَا بِخُرُوجِهِ فَرَرْنَا إِلَى النَّارِ إِلى مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ.

أبو رجاء هذا اسمه عمران بن ملحان، أسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، وروى عن عمر وعلي وعدَّة، وكان عالمًا عاملاً معمرًا، نبيلاً من القراء، مات سنة سبع أو ثمان ومائة.

والجثوة بضم الجيم: القطعة من التراب، وجمعها: جثًا.

معنى: (منصل الأسنة) بالنون: نازعها، يقال: أنصلت الرمح: نزعت نصله، ونصلته: جعلت له نصلاً. ونصل السهم: خرج، فهو من الأضداد، وكانوا لا يقاتلون في الأشهر الحرم؛ تعظيمًا لها.

ص: 551

‌71 - [باب] قِصَّة الأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ

4378 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ -وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ- أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَهْيَ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ -وَهْوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: خَطِيبُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضِيبٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: إِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَمْرِ، ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْقَضِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ، وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ، وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ وَسَيُجِيبُكَ عَنِّي". فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3620 - مسلم: 2273 - فتح: 8/ 91]

4379 -

قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي ذَكَرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَىَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ". فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ. [انظر: 3621 - مسلم: 2274 - فتح: 8/ 92]

ذكر فيه قصته وقصة مسيلمة بنحو ما سبق.

وقوله في مسيلمة -أي: بكسر اللام-: (وكانت تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد الله بن عامر) اسمها: كيسة (أمة)

(1)

بني عبد القيس، وكريز هو ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.

(1)

كُتب فوقها في الأصل: كذا.

ص: 552

وقوله: (وهي أم عبد الله) صوابه: أم ولد عبد الله بن عامر لا أمه، كما نبه عليه الدمياطي

(1)

، و (عامر) شقيق أروى -أم عثمان بن عفان وغيره- أمهم أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم، وعامر والحارث وعبيس وأروى أولاد كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.

وذكره ابن التين بلفظ: وكان تحته، ثم قال: صوابه وكانت. والعنسي بالنون، وضبطه ابن التين بإسكان النون وبفتحها، ولم يحك في التفسير سوى الإسكان، فقال: به قرأناه.

وقوله: ("وضع في يدي سواران من ذهب، ففظعتهما وكرهتهما").

يقال: فظع

(2)

الأمر بالضم فظاعة فهو فظيع، أي: شديد شنيع، جاوز المقدار، وكذلك أفظع الأمر فهو مفظع، وأفظع الرجل على ما لم يسم فاعله، أي: نزل به أمر عظيم، وأفظعت الشيء واستفظعته: وجدته فظيعًا

(3)

، والمعنى على هذا: وجدتهما فظيعين.

(1)

فائدة: قد حكى الحافظ في "الفتح" 8/ 92 هذا التنبيه ثم عقب قائلًا: وهو اعتراض متجه، ولعله كان فيه: أم عبد الله بن عبد الله بن عامر؛ فإن لعبد الله بن عامر ولدًا اسمه عبد الله كاسم أبيه، وهو من بنت الحارث، وكانت كيسة قبل عبد الله بن عامر تحت مسيلمة الكذاب. اهـ.

(2)

ورد بهامش الأصل: فظع هو بالظاء ولم يذكره الجوهري في "صحاحه" إلا فيها. ولم يذكر فضع بالضاد، فأما ابن قرقول فذكر اللفظ في الفاء مع الظاء الساكنة، وفسرها ثم ذكرها في الفاء مع الضاد فقال في باب الظاء: وهو موضع اللفظة.

(3)

قاله الجوهري في "الصحاح" 3/ 1259.

ص: 553

‌72 - [باب] قِصَّةُ أَهْلِ نَجْرَانَ

4380 -

حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ، فَوَاللهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَّا، لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا. قَالَا: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلاً أَمِينًا، وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلاَّ أَمِينًا. فَقَالَ:"لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ". فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ". فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:- "هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ". [انظر: 3745 - مسلم: 2420 - فتح: 8/ 93]

4381 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ابْعَثْ لَنَا رَجُلاً أَمِينًا. فَقَالَ: "لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ". فَاسْتَشْرَفَ لَهُ النَّاسُ، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. [انظر: 3745 - مسلم: 2420 - فتح: 8/ 94]

4382 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ". [انظر: 3744 - مسلم: 2419 - فتح: 8/ 94]

حديث

(1)

صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ العَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ، فَوَاللهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فلاعناه، لَا نُفْلِحُ نَحْنُ ولَاَ عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا. قَالَا: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلاً أَمِينًا، وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا. فَقَالَ:"لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ".

(1)

في هامش الأصل: لعله سقط: (ذكر فيه).

ص: 554

فَاستَشْرَفَ لها أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"قُمْ يَا أَبا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ". فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هذا أَمِينُ هذِه الأمّةِ".

ثم ساق حديث صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ابْعَثْ لنَا رَجُلاً أَمِينًا .. الحديث.

وسلف في مناقبه، وقال ههنا:(فاستشرف لها الناس) وقال هناك: (فاستشرف أصحابه).

ثم ذكر حديث أَنَسٍ: "إِنَّ لكلِ أُمَّةٍ أمينًا .. " الحديث، سلف أيضًا هناك.

الشرح:

كان أهل نجران أهل كتاب، والسيد والعاقب: علماؤهم وملوكهم. ذكر ابن سعد أنه عليه السلام (كتب)

(1)

إلى أهل نجران، فخرج إليه وفدهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، فيهم: العاقب -وهو عبد المسيح من كندة- وأبو الحارث بن علقمة -رجل من ربيعة- وأخوه (كوز)

(2)

، وأوس والسيد ابنا الحارث، وزيد بن قيس

(3)

وشيبة

(4)

وخويلد، وخالد وعمرو وعبيد الله، وفيهم ثلاثة نفر يتولَّون أمرهم:

(1)

تحرفت في الأصل: (ركب) والمثبت هو الصواب. وانظر: "الطبقات" 1/ 357.

(2)

كذا في الأصل وستأتي قريبًا هكذا أيضًا وفوقها علامة تصحيح: (صح)، وفي "الطبقات":(كرز). قلت: قال الحافظ في "تبصير المنتبه" 3/ 1198: واختلف في كوز بن علقمة، ففي رواية ابن إسحاق هكذا، والأكثر بالراء بدل الواو. اهـ. وانظر:"المؤتلف والمختلف" 4/ 1983 - 1984، "الإكمال" 7/ 181.

(3)

ورد بهامش الأصل لعله: وزبد، وقيس.

(4)

ورد بهامش الأصل لعله: ونبيه. اهـ. [قلت: هذا التعليق والذي قبله هما في رواية ابن إسحاق عندما عيَّن أسماءهم، نقلها عنه غير واحد. انظر: "الروض الأنف" 3/ 4، "البداية والنهاية" 5/ 60].

ص: 555

العاقب أميرهم وصاحب مشورتهم والذي يصدرون عن رأيه، وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم. والسيد، وهو صاحب رحالهم، ويقدُمُهم كوز وهو يقول:

إليك تعدو قلقًا وضينها

(1)

معترضًا في بطنها جنينها

مخالفًا دين النصارى دينها

ودخلوا المسجد وعليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحرير، فقاموا يصلون في المسجد نحو الشرق، فقال عليه السلام:"دعوهم" ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنهم ولم يكلمهم، فقال لهم عثمان: ذلك من أجل زيكم. فانصرفوا بزيِّهم ذلك، ثم غدوا عليه بزي الرهبان، فسلموا، فرد عليهم ودعاهم إلى الإسلام، فأبوا وأكثروا الكلام واللجاج بينهم، وتلا عليهم القرآن وقال:"إن أنكرتم ما أقول لكم فهلم أباهلكم" فانصرفوا على ذلك.

فغدا عبد المسيح ورجلان من ذوي رأيهم فقالوا: قد بدا لنا أن لا نباهلك، فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك، فصالحهم على ألفي حلة، ألف في رجب، وألف في صفر، أو قيمة ذلك من الأواقي، وعلى عارية ثلاثين درعًا، وثلاثين رمحًا، وثلاثين بعيرًا، وثلاثين فرسًا إن كان باليمن كيد، ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة

(1)

قال ابن هشام: الوضين حزام الناقة. "السيرة" 2/ 206. وقال ابن الأثير: الوضين: بطان منسوج بعضه على بعض، يُشدّ به الرحل على البعير كالحزام للسَّرج. ثم ذكر هذا البيت وقال: أراد أنها قد هزلت ودَقَّت للسير عليها. "النهاية في غريب الحديث" 5/ 199.

ص: 556

محمد صلى الله عليه وسلم النبي، على أنفسهم (وملائهم)

(1)

وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم، ولا يغير أسقف عن سقيفاه، ولا راهب عن رهبانيته، ولا واقف عن وقفانيته، وأشهد على ذلك شهودًا، منهم: أبو سفيان، والأقرع بن حابس، والمغيرة بن شعبة، ورجعوا إلى بلادهم فلم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرًا حتى رجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأسلما)

(2)

وأقام أهل نجران على ما كتب لهم حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما ولي أبو بكر كتب بالوصاة بهم، ثم أصابوا ربًا فأخرجهم عمر من أرضهم، وكتب لهم: هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران، من سار منهم أنه آمن بأمان الله، لا يضرهم أحد من المسلمين؛ وفاءً لهم بما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر. أما بعد: فمن وقعوا به من أمراء الشام وأمراء العراق فليوسعهم من جريب الأرض، فما اعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة، وعقب لهم بمكان أرضهم، لا سبيل عليهم لأحد ولا مغرم.

أما بعد: فمن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم فإنهم أقوام لهم الذمة، وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرًا بعد أن تقدموا، ولا يكلفوا إلا من ضيعتهم التي اعتملوا غير مظلومين ولا معنوف عليهم. شهد عثمان بن عفان ومعيقيب، فوقع ناس منهم بالعراق فنزلوا النجرانية التي بناحية الكوفة

(3)

.

فصل:

العقب هنا: الذرية، وقيل: كل الورثة.

(1)

كذا في الأصل، وفي "الطبقات" وغير ما موضع: وملتهم.

(2)

ورد بهامش الأصل: لم أر أحدًا ذكرهما ولا واحدًا منهما في الصحابة إلا ما مقتضاه هنا عن ابن سعد، نقله أبو الحسن السبكي عنه، والله أعلم.

(3)

"الطبقات الكبرى" 1/ 357 - 358.

ص: 557

‌73 - [باب] قِصَّةُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ

4383 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا" ثَلَاثًا. فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي. قَالَ جَابِرٌ: فَجِئْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا" ثَلَاثًا. قَالَ: فَأَعْطَانِي. قَالَ جَابِرٌ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ، فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُعْطِنِي، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي. فَقَالَ: أَقُلْتَ: تَبْخَلُ عَنِّي؟ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ؟ - قَالَهَا ثَلَاثًا - مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ.

وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: جِئْتُهُ، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: عُدَّهَا. فَعَدَدْتُهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ، فَقَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ. [انظر: 2296 - مسلم: 2314 - فتح: 8/ 95]

عمان: بضم العين، وفتح الميم

(1)

.

ذكر فيه حديث جابرٍ رضي الله عنه: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَؤ قَدْ جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا". ثَلَاثًا. فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ البَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فوفاه الصديق .. الحديث، وفيه عن الصديق:(وأي داء أدوأ من البخل) قالها ثلاثًا.

وعن عمرو، عن محمد بن علي: سمعت جابرًا يقول: جئته، فقال لي أبو بكر: عدها، فعددتها فوجدتها خمسمائة، فقال: خذ مثلها،

(1)

في هامش الأصل: لا تحتاج في تفسيرها بالفتح؛ لأن الألف تتطلب انفتاح ما قبلها، ولو قال: وتخفيف الميم، كان أكمل وأحسن. والله أعلم.

ص: 558

مرتين، وهذا قد أسلفته بسنده في أبواب الكفالة

(1)

.

وقوله: (أدوأ من البخل) ضبطه الدمياطي بخطه بالهمز، وقال ابن التين فيه: غير مهموز؛ لأنه من دوى

(2)

. والبخل -بضم الباء وإسكان الخاء، وبفتحهما- وهو: أن يمنع المرء ما وجب عليه فلا يؤديه.

(1)

جاء في هامش الأصل: قرأناها من أصله: والهبة أيضًا. اهـ. [قلت: والذي في الهبة سلف برقم (2598) لكن من طريق سفيان، عن ابن المنكدر، عن جابر، به].

(2)

في الهامش تعليق نصه: قال في "المطالع": (أدوى) كذا يقوله المحدثون غير مهموز، والصواب:(أدوأ) بالهمز .. إلى آخر كلامه.

ص: 559

‌74 - باب قُدُومُ الأَشْعَرِيِّينَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ

وَقَالَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ". [انظر:2486]

4384 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ، فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نُرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؛ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ. [انظر: 3763 - مسلم: 2460 - فتح: 8/ 96]

4385 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى أَكْرَمَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ جَرْمٍ، وَإِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ وَهْوَ يَتَغَدَّى دَجَاجًا، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ، فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاءِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ. فَقَالَ: هَلُمَّ، فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُهُ. فَقَالَ: إِنِّي حَلَفْتُ: لَا آكُلُهُ. فَقَالَ: هَلُمَّ أُخْبِرْكَ عَنْ يَمِينِكَ، إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَرٌ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَأَبَى أَنْ يَحْمِلَنَا فَاسْتَحْمَلْنَاهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُتِىَ بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا قَبَضْنَاهَا قُلْنَا: تَغَفَّلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَمِينَهُ، لَا نُفْلِحُ بَعْدَهَا أَبَدًا. فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا، وَقَدْ حَمَلْتَنَا. قَالَ:"أَجَلْ، وَلَكِنْ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا". [انظر: 3133 - مسلم: 1649 - فتح: 8/ 97]

4386 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيُّ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ". قَالُوا: أَمَّا إِذْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ". قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ. [انظر: 3190 - فتح: 8/ 98]

ص: 560

4387 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الإِيمَانُ هَا هُنَا" -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيَمَن- وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". [انظر: 3302 - مسلم: 51 - فتح: 8/ 98]

4388 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ"

وَقَالَ غُنْدَرٌ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3301 - مسلم: 52 - فتح: 8/ 98]

4389 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِتْنَةُ هَا هُنَا، هَا هُنَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". [انظر: 3301 - مسلم: 52 - فتح: 8/ 99]

4390 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ". [انظر: 3301 - مسلم: 52 - فتح: 8/ 99]

4391 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَاءَ خَبَّابٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَيَسْتَطِيعُ هَؤُلَاءِ الشَّبَابُ أَنْ يَقْرَءُوا كَمَا تَقْرَأُ؟ قَالَ أَمَا إِنَّكَ لَوْ شِئْتَ أَمَرْتُ بَعْضَهُمْ يَقْرَأُ عَلَيْكَ. قَالَ: أَجَلْ. قَالَ اقْرَأْ يَا عَلْقَمَةُ. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حُدَيْرٍ: أَخُو زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ: أَتَأْمُرُ عَلْقَمَةَ أَنْ يَقْرَأَ وَلَيْسَ بِأَقْرَئِنَا؟! قَالَ: أَمَا إِنَّكَ إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْمِكَ وَقَوْمِهِ. فَقَرَأْتُ خَمْسِينَ آيَةً مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ. قَالَ

ص: 561

عَبْدُ اللهِ: مَا أَقْرَأُ شَيْئًا إِلاَّ وَهُوَ يَقْرَؤُهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى خَبَّابٍ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: أَلَمْ يَأْنِ لِهَذَا الْخَاتَمِ أَنْ يُلْقَى؟ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَنْ تَرَاهُ عَلَيَّ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَأَلْقَاهُ. رَوَاهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. [فتح: 8/ 100]

ثم ساق أحاديث:

أحدها:

حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا: ثنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنَا ابن أَبِي زَائِدَةَ، [عَنْ أَبِيهِ]

(1)

، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ اليَمَنِ، فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نُرى ابن مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ البَيْتِ؛ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ.

هذا الحديث سلف في مناقب عبد الله بن مسعود بإسناد آخر ولم يذكر أمه

(2)

-وسقط من نسخة أبي زيد شيخا البخاري، وابتدأ الإسناد بقوله:(حدثنا يحيى بن آدم) والصواب ثبوتهما

(3)

- وأمه أم عبد بنت عبد ودّ بن سواء بن قريم

(4)

، وأمها: هند بنت عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب.

وفيه: فضل ابن مسعود وأمه.

(1)

سفط من الأصل، والمثبت هو الصواب كما في "اليونينية".

(2)

سلف برقم (3763).

(3)

وعلل لذلك الحافظ قائلًا: لم يدرك البخاري يحيى بن آدم؛ لأنه مات في ربيع الأول سنة ثلاث ومائتين بالكوفة، والبخاري يومئذ ببخارى ولم يرحل منها، وعمره يومئذ تسع سنين، وإنما رحل بعد ذلك بمدة. اهـ.

(4)

في هامش الأصل: في "الاستيعاب": أم عبد بنت سويد بن قريم. اهـ. [قلت: بل الذي عاينته فيه وهو كما ذكر المصنف وغيره أنها: أم عبد بنت عبد ود بن سواء بن قريم!! "الاستيعاب" 3/ 111 (1677)]

ص: 562

ثانيها:

حديث أبي موسى، وقد سلف في الخمس.

وقوله: (لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى أَكْرَمَ هذا الحَيَّ مِنْ جَرْمٍ) يريد أنه نزل على الرية

(1)

.

ثالثها:

حديث عمران بن حصين: جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "أَبْشِرُوا

" الحديث، سلف قريبًا في باب: وفد بني تميم

(2)

.

رابعها:

حديث أبي مسعود: "الإِيمَانُ هَا هُنَا -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى اليَمَنِ- وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ القُلُوبِ فِي الفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ".

وسلف في مناقب قريش مع طريق آخر من حديث أبي هريرة

(3)

.

خامسها:

حديث ابن أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ".

قَالَ غُنْدَرٌ: قال شُعْبَة: عَنْ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

كلمة غير منقوطة بالأصل، وعلَّم عليها الناسخ، فكأنه استشكلها، والله أعلم.

(2)

برقم (4365).

(3)

سلف برقم (3498)، ومن حديث أبي هريرة برقم (3499).

ص: 563

سادسها:

حديث أَبِي الغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (قَالَ)

(1)

: "الايمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِتْنَةُ ههنا، ههنا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ".

سابعها:

حديث أبي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه -أيضًا، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"آتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ، أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ".

وفيه: ثناء على أهل اليمن؛ لمبادرتهم إلى الدعوة وإسراعهم إلى قبول الإيمان، وفي قوله:"الحكمة يمانية" ثناء على الأنصار، ومعنى الحكمة: الفقه كقوله: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129] قال أهل التأويل: يعني الفقه، وأكثر فقهاء الصحابة الأنصار، ذكره كله الخطابي، قال: ووصف الأفئدة بالرقة، والقلوب باللين، وذلك أنه يقال: إن الفؤاد غشاء القلب، فإذا رق نفذ القول وخلص إلى ما وراءه، وإذا غلظ تعذر وصوله إلى داخله، فإذا صادف القلب لينًا علق به وتجمع فيه

(2)

.

قلت: وقيل: أراد بقوله: "الإيمان يمان" أن ابتداء الإيمان من اليمن؛ لأن مكة يمانية، وهي مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبي عبيد، وقيل: كان عليه السلام حين قال هذا بتبوك، والمدينة حينئذٍ بينه وبين اليمن، وهو يريد مكة والمدينة. وقيل: أراد الأنصار؛ لأنهم يمانيون.

(1)

كذا في الأصل، ولعله سقط:(قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ فالحديث عن أبي هريرة مرفوعًا.

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1780.

ص: 564

وقيل: يمان، وأصله يماني، فخففوا ياء النسبة، كما قالوا: تهامون والأشعرون والسعدون، وقيل: إنما قال ذلك حين صرفت القبلة إلى مكة

(1)

.

الحديث الثامن:

حديث عَلْقَمَةَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ ابن مَسْعُودٍ، فَجَاءَ خَبَّابٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَيَسْتَطِيعُ هؤلاء الشَّبَابُ أَنْ يَقْرَءُوا كَمَا تَقْرَأُ .. إلى آخره.

رواه غندر، عن شعبة، عن سليمان، هو كما تقدم، وليس هذا موضعه، وقول ابن مسعود لخباب:(ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى) يعني: خاتم الذهب الذي رآه في يد خباب.

فيه: الرفق في الموعظة، وتعليم من لم يعلمه، وأن بعض الصحابة كان يخفى عليه بعض أمر الشارع، وأن على من وعظ قبول الموعظة.

وفيه: تحريم لباس الذهب على الرجال، إنما [حرم]

(2)

للتشبيه بالنساء أو للكبر والتيه.

(1)

انظر: "غريب الحديث" 1/ 294 - 295.

(2)

ما بين المعقوفتين زيادة أشار إليها الناسخ فقال في هامش الأصل: لعله سقط: حرم.

ص: 565

‌75 - [باب] قِصَّةُ دَوْسٍ وَالطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ

4392 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ، عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ:"اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ". [انظر: 2973 - مسلم: 2524 - فتح: 8/ 101]

4393 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ:

يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا

عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ

وَأَبَقَ غُلَامٌ لِي فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا غُلَامُك؟ ". فَقُلْتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى. فَأَعْتَقْتُهُ. [انظر:2530 - فتح: 8/ 101]

ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ، عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ. قَالَ:"اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ".

وحديثه أيضًا قال: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلْتُ فِي الطَّرِيقِ:

يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا

عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ

وَأَبَقَ غُلَامٌ لِي فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الغُلَامُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هذا غُلَامُكَ؟ ". فَقُلْتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللهِ. فَأَعْتَقْتُهُ.

ادعى الداودي أن قوله: (هلكت)، ليس بمحفوظ، إنما قال:(عصت وأبت). وفيه بعد. وقوله: "اللهم اهد دوسًا" فيه حرصه عليه السلام على من أسلم على يديه. وقوله: (وأبق لي غلام) أنه وهم، وإنما

ص: 566

ضل كل واحد منهما من صاحبه. ولا دليل له على ذلك.

وقوله: "هذا غلامك" لعله أن يكون عرفه بالصفة من أبي هريرة أو تفرس في قصده في ممشاه وممشى أبي هريرة.

ص: 567

‌76 - [باب] قِصَّةِ وَفْدِ طَيِّئٍ وَحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ

4394 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْنَا عُمَرَ فِي وَفْدٍ، فَجَعَلَ يَدْعُو رَجُلاً رَجُلاً وَيُسَمِّيهِمْ، فَقُلْتُ: أَمَا تَعْرِفُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين؟ قَالَ: بَلَى، أَسْلَمْتَ إِذْ كَفَرُوا، وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا، وَوَفَيْتَ إِذْ غَدَرُوا، وَعَرَفْتَ إِذْ أَنْكَرُوا. فَقَالَ عَدِيٌّ: فَلَا أُبَالِي إِذًا. [مسلم: 2523 - فتح: 8/ 102]

ذكر فيه حديث عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِم رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْنَا عُمَرَ رضي الله عنه فِي وَفْدٍ، فَجَعَلَ يَدْعُو رَجُلاً رَجُلاً وَيُسَمِّيهِمْ، فَقُلتُ: أَمَا تَعْرِفُنِي يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى، أَسْلَمْتَ إِذْ كَفَرُوا، وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوأ، وَوَفَيْتَ إِذْ غَدَرُوا، وَعَرَفْتَ إِذْ أَنْكَرُوا. فَقَالَ عَدِيٌّ: فَلَا أُبَالِي إِذًا.

عدي بن حاتم هو ابن عدي بن سعد بن الحشرج الطائي، ولد حاتم الموصوف بالجود، وكان عدي طوالاً من سادات الناس، وكان في الجاهلية نصرانيًّا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغارت خيله على أرض طيء فرَّ عدي إلى الشام وأخذت خيل المسلمين أخته، فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلها مع نسائهم في موضع، ومر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فأشار إليها فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، وأنا ابنة حاتم، فامنن عليَّ منَّ الله عليك. قال:"ومن وافدك؟ " قالت: عدي بن حاتم، قال:"الفارّ من الله ورسوله؟! " ثم مضى وتركها، ثم مر بها الغد، فقالت مثل ذلك، ثم الثالث كذلك، فمنَّ عليها وحملها وكساها وأعطاها نفقة، ثم جاء أخوها فأسلم، كما ساقه ابن إسحاق بطوله

(1)

.

(1)

كما في "سيرة ابن هشام" 4/ 246.

ص: 568

وقوله: (فجعل يدعو رجلاً رجلاً، فقلت: أما تعرفني؟) يدل أنه قال له: ما اسمك؟ وعمي عن اسمه، ويجري ذلك كثيرًا.

ص: 569

‌77 - باب حَجَّةُ الْوَدَاعِ

4395 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا". فَقَدِمْتُ مَعَهُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ ". فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ:"هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ". قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 8/ 103]

4396 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ. فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ قَالَ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَمِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. قُلْتُ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ. قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ قَبْلُ وَبَعْدُ. [مسلم:1245 - فتح: 8/ 104]

4397 -

حَدَّثَنِي بَيَانٌ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقًا، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "كَيْفَ أَهْلَلْتَ؟ ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ". فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي. [انظر: 1559 - مسلم:1221 - فتح: 8/ 104]

4398 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِر، أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ

ص: 570

عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ حَفْصَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَتْ: حَفْصَةُ: فَمَا يَمْنَعُكَ فَقَالَ: "لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَسْتُ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي". [انظر: 1566 - مسلم: 1229 - فتح: 8/ 105]

4399 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: حَدَّثَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ -وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِىَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ" "نَعَمْ". [انظر: 1513 - مسلم: 1334 - فتح: 8/ 105]

4400 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ حَتَّى أَنَاخَ عِنْدَ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ "ائْتِنَا بِالْمِفْتَاحِ". فَجَاءَهُ بِالْمِفْتَاحِ فَفَتَحَ لَهُ الْبَابَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ، ثُمَّ أَغْلَقُوا عَلَيْهِمِ الْبَابَ، فَمَكَثَ نَهَارًا طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ، وَابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ، فَسَبَقْتُهُمْ فَوَجَدْتُ بِلَالاً قَائِمًا مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: صَلَّى بَيْنَ ذَيْنِكَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ. وَكَانَ الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ سَطْرَيْنِ، صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنَ السَّطْرِ الْمُقَدَّمِ، وَجَعَلَ بَابَ الْبَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَاسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُكَ حِينَ تَلِجُ الْبَيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ، قَالَ وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى. وَعِنْدَ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ. [انظر: 397 - مسلم: 1329 - فتح: 8/ 105]

4401 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ ". فَقُلْتُ:

ص: 571

إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللهِ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَلْتَنْفِرْ". [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 8/ 106]

4402 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَلَا نَدْرِى مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَقَالَ:"مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ، أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ، فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ -ثَلَاثًا- إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ". [انظر: 3057 - مسلم: 169 - فتح: 8/ 106]

4403 -

"أَلَا إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". قَالُوا نَعَمْ. قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ -ثَلَاثًا- وَيْلَكُمْ -أَوْ وَيْحَكُمُ- انْظُرُوا، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". [انظر: 1742 - مسلم: 66 - فتح: 8/ 106]

4404 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا: حَجَّةَ الْوَدَاعِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى. [انظر: 3949 - مسلم: 1254 - فتح: 8/ 107]

4405 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِجَرِيرٍ:"اسْتَنْصِتِ النَّاسَ". فَقَالَ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". [انظر: 121 - مسلم: 65 - فتح: 8/ 107]

4406 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ

ص: 572

خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: "أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ؟ ". قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ ". قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: "أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟ ". قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمَ هَذَا" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ:"أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرَ؟ ". قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ- عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ" فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ" أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " مَرَّتَيْنِ. [انظر: 67 - مسلم: 1679 - فتح: 8/ 108]

4407 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْيَهُودِ قَالُوا: لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ فَقَالُوا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3]. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ مَكَانٍ أُنْزِلَتْ، أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ. [انظر: 45 - مسلم: 3017 - فتح: 8/ 108]

4408 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ.

ص: 573

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَقَالَ: مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ مِثْلَهُ. [انظر: 214 - مسلم: 1211 - فتح: 8/ 109]

4409 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ -هُوَ ابْنُ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ، أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَىْ مَالِي؟ قَالَ:"لَا". قُلْتُ أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: "لَا". قُلْتُ: فَالثُّلُثِ؟ قَالَ: "وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا، وَجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ:"إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ". رَثَى لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ". [انظر: 56 - مسلم: 1628 - فتح: 8/ 109]

4410 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. [انظر: 1726 - مسلم: 1304 - فتح: 8/ 109]

4411 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَخْبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. [1726 - مسلم: 1304 - فتح: 8/ 109]

4412 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ يَسِيرُ عَلَى حِمَارٍ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -

ص: 574

قَائِمٌ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَسَارَ الْحِمَارُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ، فَصَفَّ مَعَ النَّاسِ. [انظر: 76 - مسلم: 504 - فتح: 8/ 109]

4413 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا شَاهِدٌ عَنْ سَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ، فَقَالَ: الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. [انظر: 1666 - مسلم: 1286 - فتح: 8/ 110]

4414 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِىِّ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. [انظر: 1674 - مسلم: 1287 - فتح: 8/ 110]

كانت سنة عشر، سميت بذلك؛ لأنه ودعهم فيها، وتسمى حجة البلاع؛ لقوله:"هل بلغت" وحجة الإسلام؛ إذ لا مشرك فيها.

وعاش بعدها بقية ذي الحجة ثم المحرم وصفر واثني عشر يومًا من ربيع الأول، وتوفي عند ارتفاع نهاره يوم الإثنين.

وذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث عائشة رضي الله عنها: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ .. الحديث، وقد سلف في الحج في باب: طواف القارن

(1)

.

ثانيها:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ فليحلل. فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ (قَالَ)

(2)

هذا ابن عَبَّاسٍ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:

(1)

سلف برقم (1638).

(2)

في الأصل: (فقال). والمثبت كما في "اليونينية".

ص: 575

{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَمِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. قُلْتُ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ المُعَرَّفِ. فقَالَ: كَانَ ابن عَبَّاس يَرَاهُ قَبْلُ وَبَعْدُ.

قال الداودي: إن أراد من دخل بعمرة فهو إجماع، وإن أراد من حج فإما كان في ذلك العام حاجًّا إن ثبت ما روي في ذلك. والذي في البخاري أنه أراد الحج عملاً بقوله:(بعد المعرف). أي: بعد الوقوف بعرفة، يقال: عرف الناس إذا شهدوا عرفة.

والأصل في {مَحِلُّهَا} الفتح؛ لأنه من حل يحل، إلا أن المعنى: حيث يحل أمره ونحره، وسمي البيت: عتيقًا؛ لقدمه أو لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يغلب عليه جبار قط.

الحديث الثالث:

حديث أبي موسى رضي الله عنه في قدومه بإهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم. سلف في الحج.

الرابع:

حديث حفصة رضي الله عنها: أَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ.

الخامس:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الخثعمية، سلفا أيضًا هناك.

السادس:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى القَصْوَاءِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ وَعُثْمَانُ حَتَّى أَنَاخَ عِنْدَ البَيْتِ، وفيه دخوله فيه والصلاة، وقد سلف في الحج حديث ابن عمر

ص: 576

رضي الله عنهما عن بلال في صلاته في الكعبة وقول البخاري: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ) -هو بالسين المهملة- الجوهريُّ من أفراده.

و (القصواء): بفتح القاف والمد، وهي: المقطوع طرف أذنها، ولم تكن قصواء وإنما هو علم عليها.

وقوله: (ثم أغلقوا عليهم الباب). كذا في الأصول، وفي بعضها: غلَّقوا بتشديد اللام.

وقوله: (وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة سطرين، صلى بعد العمودين من السطر المقدم) إلى آخره. هو بالسين المهملة من سطرين للجماعة، وللأصيلى بالمعجمة وهو تصحيف كما قاله عياض

(1)

.

وقوله: (وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء) أي: حجارة، وجمع مرمرة: مرمر، وهو حجر معروف، قال الكسائي: المرمر: الرخمام حكاه القاضي

(2)

.

الحديث السابع:

حديث عائشة رضي الله عنها في حيض صفية رضي الله عنها، وقد سلف في الحج

(3)

.

الثامن:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: كُنَّا نَتَحَدَّثُ عن حجة الوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فذكر الحديث، وفي آخره:"لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". سلف بعضه في الحج.

(1)

"مشارق الأنوار" 2/ 214 - 215.

(2)

السابق 1/ 377.

(3)

سلف برقم (1733).

ص: 577

التاسع:

حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه وأَنَّه عليه السلام غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا: حَجَّةَ الوَدَاعِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرى. سلف بعضه أول المغازي.

العاشر:

حديث جرير رضي الله عنه: أَنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: "اسْتَنْصِتِ النَّاسَ". فَقَالَ؟ "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".

الحادي عشر:

(حديث أبي بكر)

(1)

رضي الله عنه: "إن الزمان قَدِ اسْتَدَارَ .. " إلى آخره، سلف في الحج بنحوه

(2)

.

ومعنى الاستدارة: أن الأشهر الحرم لا تبدل، فينتقل إلى غيرها كما كان أهل الجاهلية يفعلون، إذا أرادوا تحليل المحرم أخروه إلى صفر، وقيل: كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر؛ لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يغزون فيها، ويؤخرون أيضًا رجبًا، فيبدلونه بشعبان؛ ولذلك خصه بقوله:"رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" وإنما أضيف إليه مضر؛ أنها كانت تحافظ عليه وتعظمه، وقيل: لأن ربيعة كانت تجعل رمضان رجبًا وترى أن رمضان هو الشهر الرابع من الحرم، وقيل: كانوا يؤخرون أيضًا صفر إلى ربيع الذي بعده إلى ما يليه يعني: يعود التحريم إلى المحرم، وقيل: إنما كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر

(1)

كذا في الأصل وهو تحريف، والصواب:(أبي بكرة) عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

سلف برقم (1741).

ص: 578

فقط، ثم يعودون فيحرمون المحرم، ومنه قوله تعالى:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} الآية [التوبة:37].

ومعنى {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ} : ليكملوا عدد الأربعة الأشهر، يحرمون ذا القعدة وذا الحجة وصفرًا ورجبًا فيواطئوا العدة، والمواطأة: الموافقة، وقد سلف أنهم جعلوا عامين في ذي القعدة وعامين في ذي الحجة، فاستدار الزمان إلى أن رجع الحج إلى وقتها الأول، والأشهر الحرم إلى ما كانت عليه.

وقوله: ("منها أربعة حرم، ثلاث متواليات") قال ابن التين: صوابه ثلاثة: متوالية ولعله أعاد على المعنى: ثلاث مدد متواليات، فكأنه عبر عن الشهر بالمدد، قال: والأشهر فتح (قاف)

(1)

ذي القعدة وحاء ذي الحجة

(2)

وعدهما من سنتين، وقيل: من سنة

(3)

. وقوله تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أكثر المفسرين على أن الضمير عائد على الأربعة الحرم لا على الاثني عشر.

(1)

في الأصل: باب، وهو تحريف، والمثبت هو الصواب.

(2)

قلت: حكى غير واحد أن الأشهر في ذي الحجة كسر الحاء -على عكس ما أورده المصنف- كالنووي في "شرحه" 11/ 168، والبعلي في "المطلع" ص 154، والسيوطي في "الديباج" 4/ 282، بينما حُكي مثل الذي ذكر المصنف عن صاحب "المطالع" كذا ذكره البعلي في "المطلع" ص 167.

(3)

فائدة: قال النووي: اختلفوا في الأدب المستحب في كيفية عدّها، فقالت طائفة من أهل الكوفة وأهل الأدب: يقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة: ليكون الأربعة من سنة واحدة. وقال علماء المدينة والبصرة وجماهير العلماء: هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ثلاثة سرد وواحد فرد، وهذا هو الصحيح الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة، وعلى هذا الاستعمال أطبق الناس من الطوائف كلها. "شرح مسلم" 11/ 168، وانظر: 1/ 182 - 183 حيث ذكر النووي أن أبا جعفر النحاس حكى ذلك في كتابه "صناعة الكتاب".

ص: 579

الحديث الثاني عشر:

حديث طَارِقِ بْنِ شِهَاب، أَنَّ أُنَاسًا مِنَ اليَهُودِ قَالُوا: لَوْ نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ فِينَا لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَومَ عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَيَّةُ آيَةٍ؟ فَقَالُوا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ مَكَانٍ أُنْزِلَتْ، أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ.

يأتي إن شاء الله تعالى في التفسير في المائدة

(1)

.

الحديث الثالث عشر:

حديث عائشة رضي الله عنها: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمِنَّا مَنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ .. الحديث سلف في الحج

(2)

.

الحديث الرابع عشر:

حديث عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: عَادَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ .. الحديث سلف في الجنائز وقد أوصله البخاري فيها والوصايا

(3)

.

وفيه: وجوب نفقة الزوجات وقد أدخله البخاري فيها.

وقوله: (رثى له أن مات بمكة) هو من قول الزهري، كما نص عليه الحديث.

الحديث الخامس عشر:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الوَداعِ.

(1)

سيأتي برقم (4606).

(2)

سلف برقم (1562).

(3)

سلف برقم (1295، 2742).

ص: 580

سلف في بابه، ومالك يرى على من لبّد أن يحلق للاتباع

(1)

. وفي لفظ: وأناس من أصحابه وقصّر بعضهم.

الحديث السادس عشر:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أَنَّهُ أَقْبَلَ يَسِيرُ عَلَى حِمَارٍ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَسَارَ الحِمَارُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ فَصَفَّ مَعَ النَّاسِ، سلف في الصلاة

(2)

.

الحديث السابع عشر:

حديث هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ -وَأَنَا شَاهِدٌ- عَنْ سَيْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ، فَقَالَ: العَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ، سلف في الحج.

الحديث الثامن عشر:

حديث أبي أيوب رضي الله عنه: أَنَّهُ صَلىَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاعِ المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، سلف فيه أيضًا وذلك بالمزدلفة كما ذكره هناك

(1)

انظر: "المنتقى" 3/ 34.

(2)

سلف برقم (493).

ص: 581

‌78 - باب غَزْوَةُ تَبُوكَ

(1)

، وَهْيَ غَزْوَةُ الْعُسْرَةِ

4415 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَسْأَلُهُ الْحُمْلَانَ لَهُمْ، إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ -وَهْيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ- فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ. فَقَالَ:"وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ". وَوَافَقْتُهُ، وَهْوَ غَضْبَانُ وَلَا أَشْعُرُ، وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلاَّ سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْتُ بِلَالاً يُنَادِى: أَيْ عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ. فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوكَ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ، قَالَ:"خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ - وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ - فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ فَقُلْ: إِنَّ اللهَ -أَوْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ فَارْكَبُوهُنَّ". فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِمْ بِهِنَّ، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَكِنِّي وَاللهِ لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لَا تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا لِي: إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ، وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ. فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ حَتَّى أَتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْعَهُ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ، فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى. [انظر: 3133 - مسلم: 1649 - فتح: 8/ 110]

4416 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ قَالَ: "أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي؟ ". وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا شُعْبَة، عَنِ الْحَكَمِ: سَمِعْتُ مُصْعَبًا. [انظر: 3706 - مسلم: 2404 - فتح: 8/ 112]

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 8/ 111: هكذا أورد المصنف هذا الترجمة بعد حجة الوداع، وهو خطأ وما أظن ذلك إلا من النساخ؛ فإن غزوة تبوك كانت في شهر رجب من ستة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف. اهـ.

ص: 582

4417 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يُخْبِرُ قَالَ: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعُسْرَةَ قَالَ: كَانَ يَعْلَى: يَقُولُ تِلْكَ الْغَزْوَةُ أَوْثَقُ أَعْمَالِي عِنْدِي. قَالَ عَطَاءٌ: فَقَالَ صَفْوَانُ: قَالَ يَعْلَى: فَكَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إِنْسَانًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الآخَرِ -قَالَ عَطَاءٌ: فَلَقَدْ أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ أَيُّهُمَا عَضَّ الآخَرَ فَنَسِيتُهُ- قَالَ: فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ، فَانْتَزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ. قَالَ عَطَاءٌ وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَفَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا، كَأَنَّهَا فِي فِي فَحْلٍ يَقْضَمُهَا؟! ". [انظر: 1848 - مسلم:1674 - فتح: 8/ 112]

ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها:

حديث أَبِي مُوسى رضي الله عنه أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَسْأَلُهُ الحُمْلَانَ، إِذْ [هم]

(1)

مَعَهُ فِي جَيْشِ العُسْرَةِ -وَهْيَ غَزْوَةُ تبوكَ- فَقَالَ: "والله لَا أَحْمِلُكُمْ". ثم بعث إليه فحملهم .. الحديث.

ثانيها:

حديث يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا رضي الله عنه قَالَ: أَتُخَلّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنّسَاءِ؟ قَالَ: "ألا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسى، إِلَّا أَنَّهُ ليس

(2)

نَبِئ بَعْدِي؟ ". وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حدثنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ: سَمِعْتُ مُصْعَبًا.

(1)

ساقطة في الأصل.

(2)

كذا با لأصل، وعلَّم فوقها (خـ)، وكتب في الهامش: خـ: (لا). [قلت: إشارة إلى نسخة].

ص: 583

ثالثها:

حديث يَعْلَى رضي الله عنه: غَزَوْتُ مَعَ رَسِولِ الله صلى الله عليه وسلم العُسْرَةَ. فذكر حديث العض، وقد سلف في الإجارة

(1)

.

الشرح:

تبوك: المشهور فيها ترك الصرف؛ للتأنيث والعلمية، وجاء في موضع من البخاري:(حتى بلغ تبوكًا)

(2)

تغليبًا للموضع.

وسميت تبوك؛ بالعين التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ألا يمسوا من مائها شيئًا، فسبق إليها رجلان، وهي تبض بشيء من ماء، فجعلا يدخلان فيها سهمين ليكثر ماؤها، فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهما -فيما ذكر القتبي-:"مازلتما تبوكانها منذ اليوم". قاله القتبي. فبذلك سميت العين تبوك. والبوك كالنقش والحفر في الشيء. يقال منه: باك الحمار الأتان يبوكها إذا (نزا)

(3)

عليها. قلت: قد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ففي "صحيح مسلم":"إنكم ستأتون عين تبوك غدًا إن شاء الله، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئًا حتى آتي"

(4)

. ولابن إسحاق: فقال: "من سبق إليها" قالوا: يارسول الله فلان وفلان وفلان

(5)

.

(1)

سلف برقم (2265).

(2)

قال النووي في "شرح مسلم" 17/ 89: هكذا هو في أكثر النسخ تبوكا بالنصب -[قلت: يعني عند مسلم في حديث (2769)]- وكذا هو في نسخ البخاري وكأنه صرفها لإرادة الموضع دون البقعة اهـ وكذا أشار الحافظ في "الفتح" 8/ 118 أنها في رواية: (تبوكًا)، دون تعيين أو عزو.

(3)

في الأصل: (نزل)، ولعله تصحيف، والمثبت من "الصحاح" 4/ 1576.

(4)

مسلم (706/ 10) بعد حديث (2281).

(5)

انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 182.

ص: 584

وعند الواقدي: سبق إليها (أربعة)

(1)

من المنافقين معتب بن قشير والحارث بن يزيد الطائي ووديعة بن ثابت وزيد بن لصيت.

وذكر ابن عائذ أنه عليه السلام اغترف غرفة منها فمضمض بها فاه، ثم بصقه فيها، ففارت عينها حتى امتلأت حتى الساعة، وبينها وبين المدينة أربعة عشر مرحلة، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، وهي آخر غزاة غزاها بنفسه، وخرج إليها -كما قال ابن سعد- في رجب سنة تسع يوم الخميس، وسميت العسرة -كما قال الله تعالى:{الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة: 117] وخرجوا في حر شديد، وكان الرجلان والثلاثة على البعير الواحد، فعطشوا يومًا عطشًا شديدًا، فأقبلوا ينحرون الإبل و (يشربون)

(2)

أكراشها ويشربون ما فيها، فكان ذلك عسرة من الماء، وعسرة من الطهر، وعسرة من النفقة، وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها [إلا هذه الغزوة]

(3)

فإنه أعلمهم بها؛ ليأخذوا عدة سفرهم، وليتأهبوا له لبعده ومشقته؛ ولما بلغه أن الروم جمعت جموعًا كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجلبت معه لخم وجذام وعاملة وغسان، وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء، فثدب رسول الله الناس إلى الخروج وأعلمهم بالمكان الذي يريد، ليتأهبوا لذلك، وذلك في حر شديد، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وهو أثبت عندنا

(4)

-وخالفه ابن عبد البر، فقال: الأثبت: علي بن أبي طالب- فلما سار تخلف ابن أُبي ومن كان معه، فقدم

(1)

وقع في الأصل: (أربعون) والمثبت وهو الصواب من هامشها، وكتب بجوارها: لعله الصواب.

(2)

جاء في هامش الأصل: لعله: (ويشقون)، وفي "الطبقات" 2/ 167 ويعصرون.

(3)

ليس في الأصل، والسياق يقتضيها.

(4)

"الطبقات" 2/ 165 - 166.

ص: 585

- عليه السلام تبوك في ثلاثين ألفًا من الناس، وكانت الخيل عشرة آلاف، وأقام بها عشرين يومًا، يقصر الصلاة وعند (ابن عبد البر)

(1)

: بضعة عشر يومًا، ولحقه أبو ذر وأبو خيثمة السالمي، ثم انصرف عليه السلام ولم يلق كيدًا وقدم المدينة في رمضان سنة تسع.

وعند البيهقي: كان معه [زيادة]

(2)

على ثلاثين ألفًا من الناس، وحمل فيها عثمان على ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها

(3)

.

وعند الواقدي: بسبع مائة بعير ومائة فرس.

وفي "الصحابة" لابن الأثير عن أبي زرعة: شهد معه تبوك أربعون ألفًا. وفي كتاب الحاكم

(4)

، عن أبي زرعة: سبعون ألفًا

(5)

.

ويجوز أن يكون عد مرة المتبوع، ومرة المتبوع والتابع.

قال البيهقي: وقد روي في سبب خروجه عليه السلام إلى تبوك وسبب رجوعه خبر إن صح ثم ذكر من حديث شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن عثمان أن اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، إن كنت

(1)

في الأصل: ابن سعد، وهو خطأ، ولعله سبق القلم؛ فإنه يحكي قول ابن سعد ثم اعترض بقول ابن عبد البر في مدة الإقامة وهذا القول أورده ابن عبد البر في "الدرر" ص 242.

(2)

زيادة ليست في الأصل، مثبتة من قول البيهقي.

(3)

"دلائل النبوة" 5/ 214، 219.

(4)

ورد بهامش الأصل: وهذا أيضًا في "علوم أبي عمرو بن الصلاح". [قلت: انظر "علوم الحديث" ص 297.

(5)

ساق الخطيب البغدادي كلام أبي زرعة في "الجامع" 2/ 293، بإسناده إليه؛ وفيه شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أربعون ألفًا، وشهد معه تبوك سبعون ألفا. اهـ فاتضح -أو لعله- أن ما نقله المصنف عن ابن الأثير فيه انتقال نظر أو تحريف، والعزو إلى هنا أولى.

ص: 586

صادقًا أنك نبي فالحق بالشام فإنها أرض المحشر وأرض الأنبياء. فصدق ما قالوا، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل:{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} إلى قوله: {تَحْوِيلًا} [الإسراء: 76 - 77] وأمره تعالى بالرجوع إلى المدينة. وقال: "فيها محياك، وفيها مماتك، ومنها تبعث" الحديث

(1)

.

فصل:

ولما رجع أمر بهدم مسجد الضرار، وسمى لحذيفة المنافقين الذين أرادوا المكر به، وهم: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأبو حاضر الأعرابي، وعامر، وأبو عامر الراهب -وهو رأسهم، ولأجله بني المسجد- والجلاس بن سويد بن الصامت، ومجمع بن جارية وفليح التيمي، وحصين بن نمير، وطعمة بن أبيرق، وعبد الله بن عيينة ومرة بن الربيع، قال: ومات هؤلاء الاثنا عشر منافقين محاربين لله

ولرسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

. وادعى ابن الجوزي أن الجلاس تاب وحسنت حاله. وقال ابن حبيب في مجمع: له استقامة وصحبة.

فصل:

ومن المنافقين على زمنه أوس بن قيظي وبجاد بن عثمان الضبيعي، وكان ممن بنى مسجد النفاق وكذلك بحزج وبشر بن أبيرق أبو طعمة، وبشر بن زياد أخو رافع، وثعلبة بن حاطب، وجارية بن عامر بن مجمع، والجد بن عبد الله من أصحاب عقبة تبوك، والجد بن قيس،

(1)

"دلائل النبوة" 5/ 254 - 255.

(2)

المصدر السابق 5/ 257 - 259.

ص: 587

والحارث بن زيد أحد من سبق إلى عين تبوك، والحارث بن سويد الذي قتل المجذر وحاطب بن أمية بن نافع، وحدير بن أبي حدير، وخذام بن خالد، وخذام بن وداعة، وداعس اليهودي، ودري بن الحارث الأوسي، ورافع بن حريملة، ورافع بن زياد، ورافع بن زيد، ورفاعة بن رافع، وقيل: رفاعة بن زيد بن التابوت -عم قتادة بن النعمان- وقيل: (

)

(1)

وزيد بن جارية. وقيل: يزيد. وقيل: ثابت، وزيد بن عمرو، وزيد بن اللصيت، وقيل: النصيت، وسعد بن حنيف، وسعد بن زرارة، وسلسلة بن برهام،

وسلالة بن الحمام، وسوقة بن عدي الساعدي، وسويد اليهودي والضحاك بن خليفة وعبد الله بن أبي، وعبد الله بن (

)

(2)

، وعباد بن حنيف، وعدي بن ربيعة، وعقبة بن كديم، وقزمان، وقيس بن رفاعة، وقيس بن زيد. وقيل: ابن يزيد، وقيس بن عمرو، وكنانة بن صوريا ومالك بن أبي (توفل)

(3)

، ومبشر بن أبيرق، وقال ابن ماكولا: له صحبة واستقامة، ومخشي بن حمير الأشجعي، وقيل: تاب، ومربع بن قيظي الأعمى، ومسعود بن أوس بن زيد بن أصرم، ومعتب -وقيل: مغيث- بن قشير، ومعمر بن عمرو بن أوفى، ونبتل بن الحارث، ووديعة بن جذام، ووديعة بن ثابت، ووديعة بن عامر، ويزيد بن جارية بن مجمع -وقيل: تاب- وقد سلف، (وأبو خيثمة)

(4)

بن اللأزعر.

(1)

كلمة غير واضحة بالأصل.

(2)

كلمة غير واضحة بالأصل، ولعلها: ربيل، وقد جاء بهامش الأصل تعليق عليها؛ لكنه غير واضح أيضًا.

(3)

ورد في هامش الأصل: لعل صوابه: نوفل. اهـ. [قلت: وفي عدد من المصادر: قوقل].

(4)

كذا في الأصل، وفي غير ما مصدر: أبو حبيبة. انظر: "تاريخ الطبري" 2/ 186، "تاريخ الإسلام" للذهبي 2/ 38 - 40.

ص: 588

فصل:

قوله في الحديث الأول: "خذ هذين القرينين (وهذين)

(1)

القرينين" أراد: النظيرين المتساويين في السن.

وقوله: ("هذين"). قال ابن التين: صوابه: هاتين؛ لأن القرينين مؤنثان.

وقوله: (ابتاعهم) وفي بعض النسخ: (ابتاعهن). وهو صوابه أو ابتاعها؛ لأنه جمع ما لا يعقل.

فصل:

والحديث الثاني من أعظم مناقب عليّ رضي الله عنه.

وقوله: (قال أبو داود، ثنا شعبة .. ) إلى آخره. أسنده البيهقي في "دلائله" من حديث يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة فذكره

(2)

.

فصل:

والعض بالأسنان، وأصله عضض على وزن: علم، وقيل: على وزن: ضرب، والأول أوضح؛ لقوله تعالى:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} الفرقان: 27] والثنية: مقدم الأسنان، وهي أربعة: ثنتان من الأعلى وثنتان من الأسفل. ويقضمها: يخلعها، وهو بفتح الضاد. يقال: قضمت الدابة شعيرها تقضمه، أي: أكلته.

(1)

في الأصل (هذه)، والمثبت هو الصحيح الموافق للنص.

(2)

"دلائل النبوة" 5/ 220، وهو في "مسند الطيالسي" 1/ 170 (206).

ص: 589

‌79 - باب حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللهِ تعالى {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:118]

4418

- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ، قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ -يُرِيدُ الدِّيوَانَ- قَالَ كَعْبٌ فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَىْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِى شَيْئًا، فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ

ص: 590

رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ:"مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ. فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا. فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ؛ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ:"تَعَالَ". فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي:"مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟! ". فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللهِ، لَا وَاللهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ". فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَكَ. فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ. فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ

ص: 591

الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ. فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُكَ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ. فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ. فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ. فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا. وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِي هَذَا الأَمْرِ. قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ، قَالَ: "لَا،

ص: 592

وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ". قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا. فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ. فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ -قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ- سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ. قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ. قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: "أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ". قَالَ: قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ، قَالَ: "لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ". وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِ اللهِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: فَإِنِّي

ص: 593

أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ. فَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللهُ فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} إِلَى قَوْلِهِ:{وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117 - 119] فَوَاللهِ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، فَإِنَّ اللهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ: لأَحَدٍ، فَقَالَ تبارك وتعالى:{سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّ اللهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} . قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللهُ فِيهِ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللهُ:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ، إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ. [انظر: 2757 - مسلم: 716، 2769 - فتح: 8/ 113]

ذكر فيه قصته بطولها، وقد سلف بعضه في الجهاد، وأشرنا إلى أن البخاري خرجه في عشرة مواضع في "صحيحه" مطولاً ومختصرًا

(1)

.

وقوله: (ولم يعاتب أحدًا تخلف عنها) -يعني: بدرًا- وقد سلف هناك: ولم يعاتب الله أحدًا تخلف عنها -بزيادة الجلالة-.

وقوله: (إلا ورى بغيرها) أي: ستر، كما سلف في موضعه.

وقوله: (فجلا للمسلمين) أي: كشف وبيّن وأظهر، مثل قوله

(1)

سلف برقم (2757، 2947، 2950، 3088، 3556، 3889، 3951) وسيأتي برقم (4673، 4676، 4677، 4678، 6255، 6690، 7225).

ص: 594

تعالى: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187] وهو مخفف

(1)

.

وقوله: (ليتأهبوا أهبة غزوهم) وفي بعض النسخ (عدوهم) والأُهبة -بضم الهمزة- ما يحتاجون إليه ويستعدونه.

وقوله: (حتى اشتد بالناس الجد) الجد -بكسر الدال

(2)

- جهاد في الشيء والمبالغة فيه. قال ابن التين: وضبط في بعض الكتب برفع (الناس) على أنه فاعل، ويكون الجد منصوبًا بإسقاط حرف الخفض، وقيل: نعت لمصدر محذوف، فكأنه قال: أشتد الناسُ الاشتداد الجد، ويجوز نصب (الناس) ورفع (الجد) على إسقاط الخافض من (الناس).

وقوله: (حتى أسرعوا وتفارط الغزو) أي: تباعد، ويئست من اللحاق وكل شيء سبق فقد فرط.

وقوله: (وليتني فعلت) فيه: تمني ما فات فعله.

وقوله: (مغموصًا عليه النفاق) وفي مسلم: (في النفاق)

(3)

أي: متهمًا مستحقرًا. يقال: غمصت فلانًا واغتمصته إذا استحقرته واستصغرته. وقوله: (فقال رجل من بني سلمة -هو بكسر اللام- يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفه) البرد: واحد البرود، وعطفه: جانبه. يقال: ثنى فلان عليَّ عطفه، أي: أعرض عليَّ.

(1)

ورد بهامش الأصل: وكذا ضبطه النووي، والذي يظهر لي أن التشديد أفصح كقوله {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} أو أنه يقال بالتشديد والتخفيف، والتشديد أفصح. والله أعلم.

(2)

كذا بالأصل، ولعلها: الجيم.

(3)

مسلم (2769).

ص: 595

وقوله: (فقال معاذ: بئس ما قلت) فيه: كراهة السب لمن يشار إليه بالشرف.

وقوله: (فأجمعت صدقه) أي: عزمت عليه.

وقوله: (ليوشكن الله أن يسخطك عليّ)، أي: يعجلني. يقال: أوشك فلان خروجًا، من العجلة.

وقوله: (وثار رجال من بني سلمة) أي: هبوا - (وقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: كافيك من ذنبك، فأسقط حرف الجر، ونصب (كافيك)؛ لأنه خبر كان واسمها استغفار.

وقوله: (يؤنبوني) أي: يلوموني، وفيه: التأسي بالغير، فإن المصيبة إذا عمَّت هانت بخلاف ما إذا خصت، وهذا في الدنيا موجود، وفي الآخرة مفقود، قال تعالى:{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)} [الزخرف: 39]، وفي نهي الناس عن كلامهم أن للإمام أن يؤدب بعض أصحابه بالهجران، وإن جاوز ذلك ثلاثة أيام.

وقوله في مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي أنهما ممن شهد بدرًا غريب ذلك كما نبهت عليه فيما مضى، ولم يذكر أحد من أهل السير أنهما شهداها

(1)

.

وقوله: (ونهى المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة) هو بالرفع، وموضعه بالنصب على الاختصاص.

(1)

ممن قال بشهودهما إياها ابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر، انظر:"الاستيعاب" 3/ 439 (2390)، 4/ 103 (2718) و"أسد الغابة" 5/ 134، 406 (4814، 5381) و"الإصابة" 3/ 396، 606 (7865، 7978).

ص: 596

قال سيبويه: عن العرب: اللهم [اغفر]

(1)

لنا أيتها العصابة

(2)

.

وقوله: (من جفوة الناس) هو بفتح الجيم، أي: من جفائهم.

(وتسورت الجدار): علوت سوره، وأبو قتادة هو: الحارث بن ربعي.

ومعنى (أنشدك): أسألك، وأصله رفع الصوت بذلك.

وقوله: (ولامضيعة) هو بإسكان الضاد وكسرها، أي: حيث يضاع حقك. وقوله: (فتيممت بها التنور) أي: قصدته وأحرقتها. وأنثه على معنى الصحيفة.

وقوله: (فسجرته بها) أي: حميته، وحميت البئر: ملأته ماء، وسجرت السماء بالمطر.

وقوله: (فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوثي عندهم حتى يقضي الله) عبر عن الإشارة بالقول، وإلا فقد نهى عن مكالمته.

وفيه: إحراق الكتاب الذي فيه المكروه.

وفيه: اعتزال النساء عند الذنب الذي لا يعلم المخرج منه.

وقوله: (أوفى على جبل سلع) أي: أشرف وصعد وعلا، وسلع: جبل معروف بالمدينة.

وقوله: (فخررت ساجدًا) فيه: سجود الشكر، وكرهه مالك. وذكر ابن القصار جوازه.

وقوله: (نزعت له ثوبيَّ، فكسوته إياهما ببشراه ووالله ما أملك غيرهما يومئذ) أي: من اللباس، وإلا فكان له مال، ولذلك قال:(إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة)

(1)

زيادة ليست في الأصل مثبتة من "الكتاب" لسيبويه.

(2)

"الكتاب" 2/ 232.

ص: 597

وقوله: (فتلقاني الناس فوجًا فوجًا) أي: جماعة جماعة.

وقوله: (لتهنك توبة الله عليك) هو بكسر النون، وصوب ابن التين الفتح؛ لأن أصله يهنأ بفتح النون.

وقوله: (فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله) كانا أخوين آخى بينهما صلى الله عليه وسلم.

وقوله: "أمسك عليك بعضر مالك" فيه: التصدق بكل ماله. ولعله علم منه أنه لا يقدر على الصبر على الضرر والإطاقة.

وقوله: (ماأعلم أحدًا أبلاه الله في صدق الحديث)، يقال: أبلاه الله بلاءً حسنًا، وبلوت. يكون للخير والشر. قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] والمراد هنا النعمة، ومنه قوله تعالى:{وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49] أي: نقمة، وأصله الاختبار، وأكثر ما يأتي مطلقاً في الشر، فإذا جاء في الخير جاء مقيدًا، كما قال: بلاءً حسنًا، وقال ابن قتيبة: يقال: أبلاه الله يبليه أو بلاءً حسنًا، وبلاه يبلوه بلاءً في الشر

(1)

. وقال صاحب "الأفعال": بلاه الله بالخير والشر بلاءً اختبره به ومنعه له. وأبلاه بلاء حسنًا: فعله به

(2)

.

وقوله: (أن لا أكون كذبته) قال القاضي: كذا في نسخ البخاري ومسلم

(3)

.

والمعنى: أن أكون كذبته، و (لا) زائدة، كما قال:{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] أي: أن تسجد.

(1)

"أدب الكاتب" ص (259).

(2)

"الأفعال" لابن القطاع 1/ 103.

(3)

"إكمال المعلم" 8/ 284.

ص: 598

وقوله: (قال كعب: كنا تخلفنا) كذا في البخاري، وفي مسلم: خُلفنا.

وقوله: (وأرجأ رسول الله) أي: أخر. وقول كعب في تفسير {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] ليس هو تخليفه عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه، ولما يأمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.

حكي عن محمد بن يزيد أنه قال: معنى {خُلِّفُوا} : ولَّوا؛ لأن معنى خلفت فلانًا: فارقته قاعدًا عما نهضت فيه

(1)

وفسرها عكرمة: خلفوا: أقاموا بعقب النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وقرأ جعفر بن محمد: (خالفوا)

(3)

. وقال أبو مالك: معناه: عن التوبة

(4)

.

وفي حديث كعب غير ما سلف: ذكر الرجل في مكانه ليوفي بالحديث على وجهه، وفيه: تفضيل كعب ببيعة العقبة؛ لأنها أول بيعة في الإسلام، وذلك أنهم واعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم إلى المدينة مهاجرًا إذا أُذن له.

وفيه: أنه كان من السابقين الأولين الذين صلوا القبلتين، وغير ذلك.

(1)

"تفسير الطبري" 6/ 508.

(2)

"معاني القرآن" للنحاس 3/ 264.

(3)

هي من القراءات الشاذة كما ذكرها ابن جني في "المحتسب" 1/ 305 - 306.

(4)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1905 و"معاني القرآن" 3/ 264.

ص: 599

‌80 - [باب] نُزُولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْحِجْرَ

4419 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْحِجْرِ قَالَ: "لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ". ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ. [انظر: 433 - مسلم: 2980 - فتح: 8/ 125]

4420 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِ الْحِجْرِ: "لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ". [انظر: 433 - مسلم:2980 - فتح: 8/ 125]

ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْحِجْرِ قَالَ: "لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، أَنْ يُصِيبَكُم مَا أَصَابَهُمْ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ". ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الوَادِيَ.

ثم ذكره بلفظ آخر أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَصْحَابِ الحِجْرِ: "لَا تَدْخُلُوا عَلَى هؤلاء المُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَن يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُم".

هذا الحديث سلف في الصلاة في باب: الصلاة في مواضع الخسف

(1)

وأن معنى قوله: "أن يصيبكم" أي: خشية أن يصيبكم، وقيل: لئلا يصيبكم، وإن أخذ على البخاري في قوله: نزوله وإنما مر به مسرعا، ومعنى (يقنع رأسه): ستره، وأرض ثمود بين الحجاز والشام، وقد أسلفنا هناك أن ذلك كان في طريقه إلى تبوك، وكذلك ذكره البخاري هنا، وكره مالك في "المدونة" الطلب في قبور الجاهلية

(1)

سبق برقم (433).

ص: 600

وبيوتهم، وعلل لأجل الحديث؛ لأنه لا ينبغي أن يدخل عليهم إلا للاعتبار والبكاء لا لطلب الدنيا، وقيل: خيفة مصادمة قبر نبي أو صالح

(1)

.

(1)

" المدونة" 1/ 249.

ص: 601

‌81 - باب

4421 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقُمْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ -لَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَذَهَبَ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ عَلَيْهِ كُمُّ الْجُبَّةِ، فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ جُبَّتِهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. [انظر: 182 - مسلم: 274 - فتح: 8/ 125]

4422 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: "هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". [انظر: 1481 - مسلم: 1392 - فتح: 8/ 125

4423 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ:"إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟! قَالَ:"وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ". [انظر: 2838 - فتح: 8/ 126]

ذكر فيه أحاديث.

أحدها:

حديث المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: ذَهَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقُمْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ المَاءَ -لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: فِي غَزْوَةِ تبوكَ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ .. الحديث.

وسلف في الطهارة

(1)

.

(1)

سبق برقم (182).

ص: 602

ثانيها:

حديث أَبِي حُمَيْدٍ: أَقْبَلْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تبوكَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: "هذِه طَابَةُ".

سلف في الحج

(1)

زاد هنا: "أحد يحبنا ونحبه".

ثالثها:

حديث أنس رضي الله عنه: أَنَّه صلى الله عليه وسلم رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ المَدِينَةِ فَقَالَ:

"إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا" .. الحديث. سلف في الجهاد في باب: من حبسه العذر عن الغزو

(2)

. والمراد: سابقوا بقلوبهم لشغل ضمائرهم بهم، يقولون: هم اليوم بموضع كذا وكذا، وقد أسلفنا أن طابة وطيبة من أسماء المدينة، قيل: لأنها الأمان كما قال الداودي. والقرية التي تأكل الثرى كما سلف، ودار الهجرة والتنزيل، ومهبط الوحي، ودار النصرة، ومثوى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًّا وميتا.

فائدة:

عند البيهقي: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك جعل النساء والصبيان والولائد يقلن:

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع

ثم قال: هذا يذكره علماؤنا عند مقدمه المدينة من مكة [لا أنه لما قدم]

(3)

المدينة من ثنيات الوداع عند مقدمه من تبوك والله أعلم

(4)

.

(1)

سبق برقم (1872).

(2)

سبق برقم (2838).

(3)

المثبت من "دلائل النبوة" وفي الأصل: (إلا أنه إنما يقدم) والسياق يقتضي المثبت.

(4)

"دلائل النبوة" 5/ 266.

ص: 603

فوائد متعلقة بغزوة تبوك:

الأولى:

قال عليه السلام في جهازه للجد بن قيس: "هل لك العام في الأصفر؟ "

جلاد بني الأصفر فقال: يا رسول الله، لو تأذن لي ولا تفتني، فأذن له فنزلت:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي}

(1)

[التوبة: 49] وقال: قوم من المنافقين بعضهم لبعض: {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} الآية

(2)

[التوبة: 81].

ثانيها:

أنفق عثمان فيها نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها كما سلف. وجاء البكاءون وهم سبعة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:{لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} الآية [التوبة: 92]. وهم: سالم بن عمير، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى المازني، وعمرو بن غنمة، وسلمة بن صخر، والعرباض بن سارية، وعبد الله بن مغفل، وقيل غير ذلك، وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم فلم يعذرهم وهم اثنان وثمانون رجلا فيما ذكر ابن سعد، وكان عبد الله بن أبي بن سلول قد عسكر على ثنية الوداع في حلفائه من اليهود والمنافقين

(3)

.

الثالثة:

لما مر عليه السلام على الحجر نهى عن الشرب من مائه والتوضؤ به، وأن ما عجن به أطعم الإبل، وأن لا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 387.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 436.

(3)

"الطبقات الكبرى" 2/ 165، وانظر:"تفسير الطبري" 6/ 447 و"سيرة ابن هشام" 4/ 172 و"الدرر" لابن عبد البر ص (239).

ص: 604

صاحب له، ففعلوا إلا أن رجلين خرج أحدهما لحاجته فخنق على مذهبه فدعا له فشفي، وخرج آخر لطلب بعيره، فاحتملته الرياح حتى طرحته بجبلي طيء، فأهدوه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة

(1)

.

فصل:

ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرع فأعطوه الجزية، وكتب فيهم كتابًا فهو عندهم، وكتب ليحنة بالمصالحة أيضًا.

فصل:

وبعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة -كما ساقه ابن إسحاق- فأخذ وحقن دمه وصولح على الجزية، وقتل أخوه حسان وكانت بدومة الجندل بينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة

(2)

.

فصل:

ولما انصرف من تبوك راحلا إلى المدينة مر بوادي المشقق وبه ماء قليل فأمر أن لا يسقى منه حتى يأتي، فسبق، فدعا على فاعله، ثم وضع يده الكريمة فيه ودعا فبقى له حس كالصواعق فشربوا واستقوا وذكر أن له لسانًا.

فصل:

وفيه: مات عبد الله ذو البجادين المزني، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره ودلاه أبو بكر وعمر فلما دفناه كشفه قال:"اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه". قال عبد الله بن مسعود: يا ليتني كنت أنا هو.

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 176، "الدرر" ص (240).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 436.

ص: 605

فصل:

ثم أمر بهدم مسجد الضرار كما مر فهدم وحرق، ونزلت فيه الآية.

فصل:

ولما قدم المدينة من تبوك في رمضان، قدم عليه ذلك الشهر وفد ثقيف وأسلموا. كما ساقه ابن إسحاق

(1)

.

فصل:

وذكر ابن إسحاق قدوم ضمام بن ثعلبة وإسلام قومه، وقدوم الجارود بن بشر بن المعلا في وفد عبد القيس، وكان نصرانيًا

(2)

، وقد سلف قدوم بني حنيفة وفيهم مسيلمة الكذاب.

فصل:

وقدم زيد الخيل بن المهلهل الطائي كما ساقه ابن إسحاق

(3)

، وسلف وفد عدي بن حاتم

(4)

.

فصل:

وقدم فروة بن مسيك المرادي كما ساقه ابن إسحاق

(5)

، وعمرو بن معدي كرب، وقدم الأشعث بن قيس في ثمانين راكبا من كندة فقال عليه السلام:"ألم تسلموا؟ " قالوا: بلى. ثم ارتد الأشعث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلم وشهد القادسية وغيرها ومات بالكوفة بعد الأربعين.

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 180 - 183، 194، و"الدرر" ص 241 - 243.

(2)

انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 241 - 242 وسلف برقم (4373).

(3)

انظر "سيرة ابن هشام" 4/ 245.

(4)

سلف برقم (4394).

(5)

انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 249.

ص: 606

فصل:

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الأزدي في وفد الأزد فأمره على من أسلم من قومه ويجاهد ففعل وقدم عليه كتاب ملوك حمير، ورسولهم إليه بإسلامهم الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قَيْلُ ذي رعين، ومعافر وهمدان، وبعث إليه زرعة ذو يزن بإسلامهم، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا طويلا مشتملًا على أحكام.

فصل:

[وقدم]

(1)

فروة بن عمرو الجذامي رسولا بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء ثم قتله الروم. ثم بعث خالد بن الوليد في ربيع الآخر وجمادى الأولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا.

فصل:

وقدم في هدنة الحديبية قبيل خيبر رفاعة بن زيد الجذامي، وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا، فأسلم وحسن إسلامه، وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى قومه

(2)

.

فصل:

وقدم وفد همدان مرجعه من تبوك فكتب لهم، وقدم وفد تُجيب، وهم من السكون ثلاثة عشر رجلًا قد ساقوا معهم صدقات أموالهم فأمرهم بردها في فقرائهم، قالوا: ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا، فكتب لهم وأجازهم، ودعا لذلك الكلام منهم وأجازه،

(1)

ليست في الأصل، والسياق يقتضيها.

(2)

انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام 4/ 249 - 267.

ص: 607

فحسن حاله

(1)

.

فصل:

وقدم وفد ثعلبة سنة ثماني مرجعه من الجعرانة أربعة نفر فأجازهم، وقدم بنو سعد هزيم من قضاعة في سنة تسع ذكره الواقدي، قال ابن سالم

(2)

في "الاكتفاء": ولما رجع من تبوك قدم عليه وفد فزارة بضعة عشر رجلًا منهم خارجة بن حصن وشكوا السنة فدعا لهم.

فصل:

وقدم وفد بني أسد وهم عشرة رهط فيهم وابصة بن معبد، وطليحة بن خويلد وذكر الواقدي قدوم وفد بهراء من اليمن ثلاثة وعشرون

(3)

رجلاً فأسلموا. وقدم وفد غدرة في صفر سنة تسع اثنى عشر رجلاً فيهم حمزة بن النعمان وأخبروا خبرهم وأنه ليس عليهم إلا الأضحية، وقدم وفد بلى في ربيع الأول من السنة المذكورة، فأسلموا وسأله أبو الضباب شيخ الوفد عن أمور منها الضالة من الغنم توجد بالفلاة، فقال:"هي لك أو لأخيك أو للذئب"، وعن البعير، فقال:"مالك وله دعه حتى يجده صاحبه"

(4)

وأجازهم.

فصل:

وقدم وفد بني مرة ثلاثة عشر رجلًا رأسهم الحارث بن عوف، فدعا

(1)

انظر: "عيون الأثر" 2/ 329.

(2)

هو أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي له مصنفات كثيرة منها: "الاكتفاء في سيرة المصطفى" وكتاب "الصحابة"، "سيرة البخاري"، "المصباح الظلم". انظر في ترجمته "سير أعلام النبلاء" 23/ 134، "الوافي بالوفيات" 15/ 432.

(3)

كذا بالأصل وفي "الطبقات" 1/ 331: ثلاثة عشر رجلاً.

(4)

سلف برقم (91) كتاب: العلم، باب: الغضب في الموعظة.

ص: 608

لبلادهم وأجازهم، وقدم وفد خولان (ستة عشر مؤمنين)

(1)

، وقال لهم:"إنه من زارني في المدينة كان في جواري يوم القيامة" وأمرهم بهدم صنم خولان فهدموه

(2)

.

فصل:

وقدم وفد محارب عام حجة الوداع، وهم أغلظ العرب وأفظهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المواسم أيام عرضه نفسه على القبائل يدعوهم إلى الله، فجاء منهم عشرة نائبين عمن ورائهم من قومهم، فأسلموا وعرف رجل منهم فأنه كان يؤذيه، واستغفر له، وقال:"إن الاسلام يجب ما كان قبله من الكفر"

(3)

.

فصل:

وقدم وفد صداء في سنة ثمان عند انصرافه من الجعرانة، وأسلموا، وقدم وفد غسان في رمضان سنة عشر ثلاثة عشر نفرًا

(4)

، فأسلموا، وقد وفد سلامان سبعة نفر، فيهم حبيب ابن عمرو فأسلموا، وكان في شوال سنة عشر فيما ذكره الواقدي، وقدم وفد بني عبس، فسألهم عن خالد بن سنان:"هل له عقب؟ " فقالوا: لا. قال الواقدي: وقدم وفد غامد سنة عشر، فأسلموا فكتب لهم وأُجيزوا، وقدم عليه وفد النخع وهم آخر وفد قدموا للنصف من محرم سنة إحدى عشرة في مائتي رجل، فنزلوا دار

الأضياف ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرين بالإسلام وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل

(5)

.

(1)

كذا بالأصل وفي "الطبقات" 1/ 324: (عشرة نفر).

(2)

"الطبقات" 1/ 297، 324.

(3)

"الطبقات" 1/ 299.

(4)

كذا في الأصل وفي "الطبقات" 1/ 338 ثلاثة نفر.

(5)

انظر هذِه الوفود في "الطبقات" 1/ 295، 326، 338، 332، 345، 346.

ص: 609

‌82 - [باب] كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ

4424 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ. فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. [انظر: 64 - فتح: 8/ 126]

4425 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيَّامَ الْجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ:"لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً". [7099 - فتح: 8/ 126]

4426 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ يَقُولُ: أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الْغِلْمَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ نَتَلَقَّى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً مَعَ الصِّبْيَانِ. [انظر: 3083 - فتح: 8/ 126]

4427 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الصِّبْيَانِ نَتَلَقَّى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، مَقْدَمَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ. [انظر: 3083 - فتح: 8/ 126]

ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث ابن عباس- رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرى مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ البَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ. فَحَسِبْتُ أَنَّ ابن المُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ.

ص: 610

ثانيها:

حديث الحسن عن أبي بكرة قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرى قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأة".:

ثالثها:

حديث الزهري: عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أذكرني خَرَجْتُ مَعَ الغِلْمَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ نتَلَقَّىَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً مَعَ الصِّبْيَانِ.

وفي لفظ: إلى ثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك، وهذا سلف في الجهاد والأول أيضًا

(1)

، وكسرى بكسر الكاف وفتحها فارسي، وهرقل ملك الروم كما سلف أول الإيمان

(2)

، ودعاؤه لا شك في إجابته.

قيل: هلك منهم عندها أربعة عشر في سنة حتى ملكوا أمرهم امرأة، وفيه أنها لا تكون إمامًا ولا حاكمًا لنقصها، وإن كان قد يتأتى منها التنفيذ، وجوز ابن جرير أن تكون حاكما

(3)

وحكاه ابن خويز منداد عن مالك، وقال أبو حنيفة: تكون حاكما في كل أمر تجوز فيه شهادة النساء

(4)

، واستنبط منه الخطابي أن المرأة لا تلى النكاح لنفسها ولا لغيرها، والعامل في قوله:(أيام الجمل) بمعنى لأسمعتها؛ لأن

(1)

سلف برقم (2939).

(2)

سلف برقم (51).

(3)

"المعونة" 2/ 414.

(4)

"الهداية" 3/ 118.

ص: 611

سمعتها قبل، وإنما نفعه الله بها يومئذ، وأسلفنا هناك أن الداودي قال: قوله: "إلى ثنية الوداع" ليس بمحفوظ؛ لأنها من جهة مكة وتبوك من الشام مقابلتها كالمشرق والمغرب إلا أن يكون ثمة ثنية أخرى في تلك الجهة، قال: الثنية: الطريق في الجبل، وليس كذلك وإنما الثنية: ما ارتفع من الأرض.

وفيه: بعثه صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام؛ بعث دحية الكلبي إلى قيصر ملك الروم، وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس -كما سلف، وعمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة، وحاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وعمرو بن العاصي إلى جيفر وعيد ابني الجلنداء

(1)

ملكي عمان وسليط بن عمرو العامري إلى ثمامة بن أثال وهوذة بن علي الحنفيين ملكى اليمامة، والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين بعد انصرافه من الحديبية، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام، ويقال: بعثه إلى جبلة بن الأيهم الغساني

(2)

.

وفيه: سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن، والمهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحضرمي ملك اليمن، وبعث أسامة في سرية إلى أبلى ناحية البلقاء يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر في السنة الحادية عشر لأجل الروم، وفي جيشه أبو بكر

(3)

وعمر

(1)

ورد بهامش الأصل: قال

الذي في القاموس أن الجلنداء ممدود وقال: وغلط فيه الجوهري.

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1787.

(3)

ورد بهامش الأصل: أنكر الحافظ العلامة أبو العباس بن تيمية كون أبي بكر معه =

ص: 612

وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان وخلق

(1)

وسار بعده، وقد ذكره البخاري قريبًا.

= وقال: إنه عليه السلام استخلفه على الصلاة فكيف يرسله معهم ولم يسلم ذلك أيضًا في عمر وإلا قال. وقيل: إنه جهز معه عمر.

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 4/ 79.

ص: 613

‌83 - باب مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} [الزمر: 30 - 31]

الآية أي: سيموتون

4428 -

وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِى مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ". [فتح: 8/ 131]

4429 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا، ثُمَّ مَا صَلَّى لَنَا بَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ. [انظر: 763 - مسلم: 462 - فتح: 8/ 130]

4430 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ. فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ. فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر:1] فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ. [انظر: 3627 - فتح: 8/ 130]

4431 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ! اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ فَقَالَ: "ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا". فَتَنَازَعُوا، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ؟ أَهَجَر؟ اسْتَفْهِمُوهُ. فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: "دَعُونِي، فَالَّذِى أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ". وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ قَالَ: "أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ". وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ: فَنَسِيتُهَا. [انظر: 114 - مسلم: 1637 - فتح: 8/ 132]

ص: 614

4432 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "قُومُوا". قَالَ عُبَيْدُ اللهِ فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ. لاِخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. [انظر: 114 - مسلم: 1637 - فتح: 8/ 132]

4433، 4434 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ عليها السلام فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ فَضَحِكَتْ، فَسَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ.

فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ يَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ. [انظر: 3623، 3624 - مسلم: 2450 - فتح: 8/ 135]

4435 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ:{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ} الآيَةَ [النساء:69]، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. [4436، 4437، 4463، 4586، 6348، 6509 - مسلم: 2444 - فتح: 8/ 136]

4436 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَرَضَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلَ يَقُولُ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى". [انظر:

4435 -

مسلم: 2444 - فتح: 8/ 136]

ص: 615

4437 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُحَيَّا" أَوْ: "يُخَيَّرَ". فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِىَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى". فَقُلْتُ: إِذًا لَا يُجَاوِرُنَا. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ. [انظر: 4435 - مسلم: 2444 - فتح: 8/ 136]

4438 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَصَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ:"فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى". ثَلَاثًا ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي. [انظر: 890 - فتح: 8/ 138]

4439 -

حَدَّثَنِي حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، الَّتِي كَانَ يَنْفِثُ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ. [5016، 5735، 5751 - مسلم: 2192 - فتح: 8/ 131]

4440 -

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهْوَ مُسْنِدٌ إِلَيَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ". [5674 - مسلم: 2444 - فتح: 8/ 138]

4441 -

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِلَالٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ

ص: 616

يَقُمْ مِنْهُ: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْلَا ذَلِكَ لأُبْرِزَ قَبْرُهُ، خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. [انظر: 435 - مسلم: 529 - فتح: 8/ 140]

4442 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وَهْوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الأَرْضِ: بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللهِ بِالَّذِى قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِى مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ عَلِيٌّ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَ: "هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ". فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح: 8/ 141]

4443، 4444 - وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ وَهْوَ كَذَلِكَ يَقُولُ:"لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. [انظر: 435، 436 - مسلم: 531 - فتح: 8/ 140]

4445 -

أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلاً قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَلَا كُنْتُ أُرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ أَحَدٌ مَقَامَهُ إِلاَّ تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي بَكْرٍ. رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح: 8/ 140]

ص: 617

4446 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي، فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 890 - مسلم: 2443 - فتح: 8/ 140]

4447 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَاريُّ -وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ- تِيبَ عَلَيْهِمْ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا. فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَاللهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي وَاللهِ لأُرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلْنَسْأَلْهُ: فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ؟ إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وَإِنِّي وَاللهِ لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [6266 - فتح: 8/ 142]

4448 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ. ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ أَنَسٌ: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ. [انظر: 680 - مسلم: 419 - فتح: 8/ 143]

4449 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ -مَوْلَى عَائِشَةَ- أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ

ص: 618

كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ. فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ. فَلَيَّنْتُهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ -أَوْ عُلْبَةٌ، يَشُكُّ عُمَرُ- فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ:"لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ". ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى". حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. [انظر: 890 - مسلم: 2443 - فتح: 8/ 144]

4450 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولَ:"أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ ". يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي، ثُمَّ قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ. فَأَعْطَانِيهِ فَقَضِمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي. [انظر: 890 - مسلم: 2443 - فتح: 8/ 144]

4451 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَكَانَتْ إِحْدَانَا تُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ، فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ:"فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى". وَمَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَفِي يَدِهِ جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً فَأَخَذْتُهَا، فَمَضَغْتُ رَأْسَهَا وَنَفَضْتُهَا، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ بِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ نَاوَلَنِيهَا فَسَقَطَتْ يَدُهُ -أَوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ - فَجَمَعَ اللهُ بَيْنَ رِيقِى وَرِيقِهِ فِي آخِرِ

ص: 619

يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ. [انظر: 890 - مسلم: 2443 - فتح: 8/ 144]

4452، 4453 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُغَشًّى بِثَوْبِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِه، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى.

- ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَاللهِ لَا يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا. [انظر: 1241، 1242 - فتح: 8/ 145]

4454 -

قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ. فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ. فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللهُ:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إِلَى قَوْلِهِ: {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] وَقَالَ: وَاللهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلاَّ يَتْلُوهَا.

فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ. [انظر: 1242 - فتح: 8/ 145]

4455، 4456، 4457 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَبَّلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ. [5709 وانظر: 1241، 1242 -

فتح: 8/ 146]

4458 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى وَزَادَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لَا تَلُدُّونِي، فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ. فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: "أَلَمْ أَنْهَكُمْ

ص: 620

أَنْ تَلُدُّونِي». قُلْنَا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ. فَقَالَ: "لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ، إِلاَّ الْعَبَّاسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [5712، 6886، 6897 - مسلم: 2213 - فتح: 8/ 147]

ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

ذكره معلقًا بلفظ: وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ: "يَا عَائِشَةُ، مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الذِي أَكَلْتُه بِخَيْبَرَ، فهذا أَوَانُ وَجَدْتُ آنْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمَّ".

والأبهر -بفتح الهمزة والهاء- عرق مستبطن القلب، قيل: هي النياط التي علق بها القلب فإذا آنقطع [مات]

(1)

، فمات عليه السلام شهيدًا رفعة له.

واسم المرأة التي سمته زينب بنت الحارث بن سلام، وقيل: أخت مرحب، وقد سبق في غزوة خيبر، في باب: الشاة التي سُمَّت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر

(2)

.

و (أوان) -بالفتح- على الظرف، وبنيت على الفتح لإضافتها إلى مبني وهو الماضي؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، وروي بالرفع على خبر (هذا) -كما قاله عياض

(3)

.

(1)

غير موجودة بالأصل، والسياق يقتضيها، لأنها جواب الشرط.

(2)

سلف برقم (4249).

(3)

"مشارق الأنوار" 1/ 51 بتصرف.

ص: 621

وقوله: "ما أزال أجد .. " إلى آخره، أي: إنه كان نقص من لذة ذوقه، قاله الداودي، وليس [بَبَيِّن]

(1)

، كما قال ابن التين؛ لأن نقص الذوق ليس بألم.

الحديث الثاني:

حديث أُمّ الفَضْلِ بنْتِ الحَارِثِ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بـ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)} ، ثُمَّ مَا صَلَّى لنَا بَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ.

وقد سلف

(2)

، وقولها:(ما صلى لنا بعدها) أي: في علمها، كما قاله الداودي، قال: وكان ذلك قرب وجعه، وكانت وفاته يوم الإثنين لاثني عشرة ليلة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة حين اشتد الضحاء، وبدأ به وجعه في بيت ميمونة بنت الحارث يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وصلى الصديق في مرض موته ست عشرة صلاة قبل موته، كما قاله الشيخ أبو محمد، فتكون آخر صلاة صلاها صلاة العصر.

قال الحاكم: والأثبت عندنا والأصح أنه توفي يوم الإثنين، حين زاغت الشمس منه، ودفن في تلك الساعة، وآخر عهدًا به في القبر قُثم على الأثبت والأصح، لا علي، ولا (

)

(3)

، ولا يصح المغيرة، بل لم يحضر دفنه.

الحديث الثالث:

ابن عباس رضي الله عنهما: كان عمر بن الخطاب يدني ابن عباس .. إلى آخره.

(1)

مكررة بالأصل.

(2)

سلف برقم (763).

(3)

كلمة غير واضحة بالأصل.

ص: 622

سلف في الفتح، ويأتي في التفسير

(1)

.

الحديث الرابع:

قَالَ ابن عَبَّاسٍ أيضًا: يَوْمُ الخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ! اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ فَقَالَ:"ائْتُونِي أَكتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ".

سلف في الجزية، في باب: إخراج اليهود من جزيرة العرب، وفي جوائز الوفد من الجهاد

(2)

، وقوله:"لن تضلوا" في بعضها "لا تضلون"، قال ابن التين: هو صوابه، وقوله:(أهجر) سلف بيانه، وهو سؤال ممن حضر في البيت، هل هو هذيان؟ يقال: هجر العليل: إذا هذى، ويحتمل أن يكون من قائله على وجه الإنكار، كأنه قال: أتظنونه هجر؟ وقيل: إن عمر قال: غلبه الوجع، فيجوز أن يكون قال للذي ارتفعت أصواتهم على جهة الزجر، كقول القائل: نزل فلان الوجع فلا تؤذوه بالصوت، وقوله:

(فذهبوا يردون عنه) كذا في الأصول، وذكره ابن التين بلفظ:(يردوا) ثم قال: وصوابه (يردون).

وقوله: "أما الذي فيه خير مما تدعونني إليه" يريد ما أشرف عليه من لقاء ربه، قاله الداودي، وقال غيره: الذي أنا فيه من ترككم على كتاب خير مما تدعونني إليه أن أكتب لكم، وفيه نظر؛ لأنه لم يذكر أنهم دعوه إلى أن يكتب لهم، يدل عليه قول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب. كما ذكره في الحديث بعده.

(1)

سلف برقم (3294) كتاب: المغازي، باب: منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وسيأتي برقم (4969).

(2)

سلف برقم (3168) ورقم (3053).

ص: 623

الحديث الخامس:

حديثه أيضًا لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي البَيْتِ رِجَالٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"هَلُمُّوا أَكتُبْ لَكُمْ كتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ". الحديث.

واللغو: الكلام الذي لا محصول له، واللغط بكثير القول والاختلاف.

الحديث السادس:

حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دَعَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ فِي

شَكْوَاهُ الذِي قُبِضَ فِيهِ، فَسَارَّهَا بِشَئءٍ فَبَكَتْ.

وسلف في مناقبها وغيره

(1)

، وشيخه هناك يحيى بن قزعة، وهنا يَسْرة -بالمثناة تحت، ثم سين مهملة- بن صفوان أبو صفوان، وهو من أفراده، مات سنة خمس عشرة أو ست عشرة ومائتين.

الحديث السابع:

حديثها أيضًا رضي الله عنها قالت: كنت أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَسَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ:{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ} الآيَةَ [النساء: 69]، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. أي: أيقنت، البُحة بضم الباء، يقال: بححت بالكسر أبحُّ بحًّا، ورجل أبح، ولا يقال: باح، وامرأة بحاء.

الحديث الثامن:

حديثها أيضًا: لَمَّا مَرِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المَرَضَ الذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلَ يَقُولُ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى".

(1)

سلف برقم (3715).

ص: 624

الحديث التاسع:

حديثها أيضًا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ ثُمَّ يُحَيَّا" أَوْ: "يُخَيَّرَ". فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ القَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ البَيْتِ ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلى". فَقُلْتُ: إِذًا لَا يُجَاوِرُنَا. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الذِي كَانَ حدثنا، وَهْوَ صَحِيحٌ.

والرفيق الأعلى: كأنه يتأول الآية: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] والرفيق: الصاحب المرفق، وهو هنا يعني: الرفقاء، يعني: الملائكة، يقال للواحد والجماعة: رفيق كصديق وعدو، وقيل: الرفيق المرتفق: مرتفق الجنة.

وعن الداودي أنه اسم لكل ما سما، وأراد الأعلى منها؛ لأن الجنة فوق ذلك، وأنكر ذلك عليه لغرابته، وانفراده عن أهل اللغة به، وكأنه صحيف الرقيع بالقاف، وهو من أسماء السماء، وفي "الصحاح": الرفيق الأعلى: الجنة.

وقوله: (إذًا لا يجاورنا) هو بفتح الراء لاعتماد الفعل على (إذًا)، فإن اعترضت حشوًا واعتمد الفعل على ما قبلها سقط عملها كأنا إذًا أزورك، فيرفع لاعتماد الفعل على أنا.

وقوله: (ورأسه على حجر عائشة) في الروايات الأخرى: مات بين حاقنتي وذاقنتي وأخرى: بين سحري ونحري.

والجمع: أن ذلك حصل إنما في تلك الحالة أو غيرها.

الحديث العاشر:

حديثها أيضًا: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 625

وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ، الحديث.

معنى: (يستن): يستاك. ومعنى: (أَبَدَّه): أتبعه بصره لا يرتد طرفه عنه. وقولها: (فقضمته)، أصل القضم: الكسر، والقضامة من السواك ما يكسر من شعب أراكه ويفتت. وقيل معنى: قضمته أي: مضغت رأسه بأسنانها، وروي بالصاد المهملة. والحاقنة: نقرة الترقوة، وهما حاقنتان، أي: نقرتا الترقوتين وحبل العاتق، قيل: إنها المطمئن بين الترقوة والحلق، وقال ابن فارس: ما سفل عن البطن

(1)

. وعبارة بعضهم: ما دون الترقوة من الصدر. وقيل: إنها التراقي. وقيل: إنها ما تحت السرة. وقال ابن دريد: تقول العرب: لألزقن حواقنه بذواقنه فقيل: الحواقن: ما سفل من البطن، والذواقن: ما على. وقال أبو عبيدة: الذواقن جمع ذقن وهو مجمع أطراف اللحيين. وقال ثابت: إنها طرف الحلقوم، وفسر أبو بكر لألزقن حواقنه بذواقنه: أعلاه وأسفله

(2)

. وعبارة الخطابي: هو ما يناله الذقن من الصدر

(3)

. وهذا كقولها: (بين سحري ونحري). وعبارة أبي الهيثم: أنها نقرة الذقن. وعبارة ابن فارس: أنها طرف الحلقوم الناتئ

(4)

، وقال أبو عبد الملك: ما بين سرتها وذقنها.

الحديث الحادي عشر:

حديثها أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الذِي تُوُفِّيَ فِيهِ طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ التِي كَانَ يَنْفِثُ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْهُ.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 245.

(2)

"جمهرة اللغة" 1/ 561.

(3)

"أعلام الحديث" 3/ 1791.

(4)

"مجمل اللغة" 1/ 359.

ص: 626

قيل: النفث أقل ريقًا من التفل، وقيل: لا ريق معه. والمعوذات -بكسر الواو- {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} وفي حديث أنه صلى الله عليه وسلم لما سحر، عقد له إحدى عشرة عقدة؛ فأنزل الله إحدى عشرة آية: المعوذتين بكمالهن.

وقال الداودي: المعوذات: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} ، والمعوذتين. وأصل أعوذ بالله: ألجأ إليه، وهو عياذي، أي: ملجئي.

الحديث الثاني عشر:

حديثها أيضًا رضي الله عنها: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَهْوَ مُسْنِدٌ إِلَيَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْيي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأعلى". سلف.

الحديث الثالث عشر:

حديثها أيضًا قالت: قَالَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ، اتَّخَذُوا".

الحديث سلف في أواخر الجنائز

(1)

.

الحديث الرابع عشر:

حديثها أيضًا: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، الحديث سلف مختصرًا في: الصلاة، في باب: حد المريض أن يشهد الجماعة

(2)

.

وفي الطهارة أيضًا في باب: الغسل في المخضب مطولًا

(3)

.

(1)

سلف برقم (1330).

(2)

سلف برقم (664، 665).

(3)

سلف برقم (198).

ص: 627

والوكاء: الخيط الذي يربط به. والمخضب: شبه المركن: إجانة يغسل فيها الثياب. قال الداودي: هو من حجارة كالجفنة.

الحديث الخامس عشر:

حديثها، وعبد الله بن عباس قالا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فقال وَهْوَ كَذَلِكَ:"لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. سلف من طريق عائشة قريبًا

(1)

.

الحديث السادس عشر:

حديثها أيضًا، قالت: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ، وَمَا حَمَلَنِي عَلى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلاً قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَإلاَّ كُنْتُ أُرى أَنَّهُ لم يقم أَحَد مَقَامَهُ إِلَّا تَشَاءَمَ النَاسُ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي بَكْرٍ. رَوَاهُ ابن عُمَرَ وَأَبُو مُوسى وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. سلف

الحديث السابع عشر:

حديثها أيضًا، مَاتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي، فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ المَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. سلف.

الحديث الثامن عشر:

حديث الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ -وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الذِينَ- تِيبَ عَلَيْهِمْ أَنَّ ابن عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب رضي الله عنه خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجَعِهِ الذِي تُوُفَيَ منه، فَقَالَ النًّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ

(1)

سلف برقم (4441).

ص: 628

الله صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا. فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ والله بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ العَصَا، وَإِنِّي والله لأُرى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هذا .. الحديث بطوله.

ومعنى: عبد العصا: أنه صلى الله عليه وسلم يموت ويلي غيره، فيكون علي وغيره مأمورين ومأجورين.

وفيه: صراحة أن عليًا لم يسأل الولاية، وحلف على ذلك، واعلم أن البخاري تفرد بهذا الإسناد. وفي سماع الزهري من عبد الله المذكور نظر، نبه عليه الدمياطي

(1)

وقد سلف في حديث كعب، وكذلك هو عند مسلم الزهري عن عبد الله عن أبيه

(2)

. وتارة الزهري، عن عبد الرحمن، [عن أبيه و]

(3)

، عن عمه عبيد الله جميعًا، عن كعب

(4)

.

الحديث التاسع عشر:

حديث أنس رضي الله عنه: أَنَّ المُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاثْنَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ لَمْ يَفْجَأُهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَشَفَ سجف حُجْرَةِ عَائِشَةَ، الحديث، وفي آخره: ثُمَّ دَخَلَ الحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ.

يقال: فجأني الأمر يفجؤني إذا جاء بسرعة. ولما صلى -في حديث عائشة

(5)

- خلف أبي بكر كانت صلاة الظهر يوم الأحد، وتوفي في يوم الاثنين.

(1)

ورد بهامش الأصل: وما قاله الدمياطي: قاله قبله أحمد بن صالح المصري كما نقله العلائي في "مراسيله" عنه فقال: إن الزهري لم يسمع منه شيئًا، والله أعلم.

(2)

مسلم (1558) كتاب: المساقاة، باب: استحباب الوضع من الدين.

(3)

زيادة من مسلم.

(4)

مسلم (716) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب الركعتين في المسجد.

(5)

سلف برقم (687).

ص: 629

الحديث العشرون:

حديثها أيضًا أنها كانت تقول: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ.

ثم ذكرت قصة عبد الرحمن السالفة.

وقولها: (بين سحري ونحري) السحر: الرئة، وقال الداودي: هو ما بين الثديين.

وقوله: (وبين يديه ركوة أو علبة) يشك عمر -يعني ابن سعيد- أحد رواته. والركوة: من الأدم، راؤها مثلثة كما سلف، والعلبة: قدح من خشب ضخم يحلب فيه، أو من جلود الإبل، أو أسفله جلد وأعلاه خشب مدور أو غصن أو جذور، وجمعه: علب وعلاب.

وقولها: (وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقولها بعده (وهو مستند إلى صدري)، وفي حديث جابر بن عبد الله- عند ابن سعد- عن علي رضي الله عنه أنه قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مسنده إلى صدري، وفي حديث عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجري، قلت: يا عباس أدركني؛ فإني هالك، فكان جدهما جميعًا أن أضجعاه.

وعن علي بن حسين: قبض ورأسه في حجر علي رضي الله عنه. وكذا قال الشعبي وابن عباس. قال أبو غطفان: فقلت له: إن عروة حدثني، عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري. فقال ابن عباس: أتعقل؟ والله لتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لمستند إلى صدر علي، وهو الذي غسله وأخي الفضل، وأبى أبي أن يحضر.

ص: 630

وقال أنه عليه السلام كان يستحي أن أراه حاسرًا

(1)

.

وروى الحاكم في "إكليله" من حديث عمرو بن ثابت بن أبي المقدام، عن أبيه، عن جده العرنى، عن علي رضي الله عنه، قال: أسندت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري فسالت نفسه. ومن حديث أم سلمة: كان علي رضي الله عنه آخرهم عهدًا به جعل يسارة فاه على فيه حتى قبض.

ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضره الموت: "ادعو إلي حبيبي" فقلت: أدعو علي بن أبي طالب، فوالله ما يريد غيره. فلما رآه نزع الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه، فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه

(2)

.

الحديث الحادي بعد العشرين:

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بلَالٍ، قال هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: وأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أً نَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولَ:"أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ ". الحديث.

وإسماعيل هذا هو ابن أبي أويس، ومات سنة ست أو سبع وعشرين ومائتين، ومات شيخه سليمان سنة اثنتين أو سبع وسبعين ومائة بالمدينة. قال أبو حاتم في الأول: محله الصدق مغفل، وضعفه النسائي

(3)

.

الحديث الثاني بعد العشرين:

حديثها أيضًا: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي

(1)

"طبقات ابن سعد" 2/ 262 - 264.

(2)

قال ابن حجر: ما أخرجه الحاكم وابن سعد من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ورأسه في حجر علي كل طريق منها لا يخلو من شيعي فلا يلتفت إليهم.

(3)

انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 180 (613)، "الضعفاء والمتروكين" للنسائي ص 18 (42).

ص: 631

وَنَحْرِي، الحديث. وهو بمعنى ما سلف.

الحديث الثالث بعد العشرين:

حديثها أيضًا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ، فَدَ خَلَ، الحديث.

وقد سلف في: فضائل الصديق

(1)

.

والسنح بإسكان النون منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة، وقوله:(فتيمَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قصده.

والحبرة: ثوب. وقيد ابن التين بالأخضر، قال: يستحب للموتى أن يسجوا به وربما كفنوا فيه.

وقوله: (فقبله وبكى) فيه: أنه لا بأس بتقبيل الميت والبكاء عليه بعد موته ما لم يعلن.

وقوله: (لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها) وقد أسلفنا أن المراد: ليس عليك بعد هذِه الموتة كرب مقبورًا، ولا عند نَشْرِك، ولا في الموقف، ولا في أحوال يوم القيامة كلها.

وقال الداودي: لا يموت في قبره موتة أخرى كما قيل في الكافر والمنافق بعد أن ترد إليه روحه ثم يقبض، وقال قبله: أي لا يجمع الله عليك كرب هذا الموت، قد عصمك الله من عذابه ومن أهوال يوم القيامة، وقيل: أراد بذلك ردًا لقول من قال لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشد من كان في ذلك عمر، وذلك أنه قال: ليبعثه الله فليقطعن أيدي رجال، فأخبر أبو بكر أنه مات، وليس يحيى ثم يموت، فيكون

(1)

سلف برقم (3667) كتاب: فضائل الصحابة باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "لوكنت متخذًا خليلًا".

ص: 632

له موتتان، وقد عالج من الموت شدة، وقال:"إن للموت سكرات"، وقيل: أراد: موتك في موت شريعتك؛ يدل على ذلك قوله في الحديث: "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات". وقول عمر رضي الله عنه: (ما هو إلا أن سمعت قوله في الحديث: من كان يعبد محمداً فإن محمدًا قد مات- أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي) أي: تحيرت ودهشت.

عن ابن الأعرابي: عقر الرجل ونحر: إذا تحير، ضبطه أبو الحسن بضم العين، وضبطه غيره بفتحها، وكذا هو في كتب أهل اللغة. وتقلني: تحملني، قال تعالى:{حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا} [الأعراف: 57].

قوله: (وحتى هويت إلى الأرض) هوى بالفتح يهوي هويًا: سقط إلى أسفل، وهوِي يهوى: إذا أحب، وأهوى إليه بيده ليأخذه، وبتلاوة الصديق هذِه الآية:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} إلى قوله: {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، كان يسمى: أمير الشاكرين

(1)

.

الحديث الرابع والخامس بعد العشرين:

حديثها وابن عباس رضي الله عنه: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ.

فيه ما تقدم وأنه لا بأس بتقبيله، وزاد: فقالت عائشة: لددناه في مرضه.

اللدود: أن يسقى الإنسان الدواء من أحد شقيه، ومنه لديدا الوداي: جانباه، وقيل: هو ما صب في وسط الفم، وقيل: ما صب في الحلق.

(1)

"تفسير الطبري" 3/ 455.

ص: 633

وقوله: (لا يبقى في البيت أحد إلا لدّ) فيه مشروعية القصاص فيما يصاب به الإنسان عمدًا.

وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم ربما انتقم لنفسه، ويكون معنى حديث عائشة رضي الله عنها: إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها، أي: ما أصيب به في بدنه قد انتهكت به حرمة الله، وإن ترك الانتقام ترك الأموال.

وفيه: أن التأويل البعيد لا يعذر به صاحبه.

ص: 634

‌وصية النبي صلى الله عليه وسلم

-

(1)

4459 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَتْ: مَنْ قَالَهُ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّي لَمُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، فَدَعَا بِالطَّسْتِ فَانْخَنَثَ فَمَاتَ، فَمَا شَعَرْتُ، فَكَيْفَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ؟! [انظر: 2741 - مسلم: 1636 - فتح: 8/ 148]

4460 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما: أَوْصَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: لَا. فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِهَا؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ. [انظر: 2740 - مسلم: 1634 - فتح: 8/ 148]

4461 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً، إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلَاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً. [انظر: 2739 - فتح: 8/ 148]

4462 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام: وَاكَرْبَ أَبَاهُ. فَقَالَ لَهَا: "لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ". فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم التُّرَابَ؟! [فتح: 8/ 149]

ذكر فيه حديث الأسود: قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَتْ: مَنْ قَالَهُ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وإِنِّي لَمُسْنِدَتُهُ إِلى

(1)

ورد بهامش الأصل: هذِه الترجمة ليست في سماعنا فيما أعلم، وقد راجعت حين إلقائه أصلاً لنا فلم أرها فيه على ما في الأصل الذي سمعنا منه، والله أعلم.

ص: 635

صَدْرِي، فَدَعَا بِالطَّسْتِ فَانْخَنَثَ فَمَاتَ، فَمَا شَعَرْتُ، فَكَيْفَ أَوْصَى إِلَى عَلِيً؟!

معنى الحديث: مال إلى أحد شقيه، وفيه: حديث النهي عن اختناث الأسقية، وهو أن تثنى أفواهها ليشرب منها، وسمي المخنث لانخناثه وتثنيه في مشيه وحركاته، وقيل: انخنث: استرخى.

وذكر بعده حديث طلحة: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما: أَوْصَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: لَا. فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِهَا؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ. وسلف معناه.

وحديث عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً، إِلَّا بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ .. الحديث وقد سلف.

وحديث حَمَّاد، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَاهْ. فَقَالَ لَهَا: "لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ". فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهْ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهْ، إِلى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم التُّرَابَ؟!

قال الخطابي: تكلم فيه غير واحد من أهل العلم، ويدخل فيهم أيضًا من لا يعد من أهل العلم، وهو إسحاق بن إبراهيم الموصلي فيما يعيب أصحاب الحديث في كتاب له، وزعم أنهم لا يعرفون معنى قوله:"ليس على أبيك كرب بعد اليوم" ثم قال: إنما كان كربه شفقة على أمته لما علم من وقوع الاختلاف والفتن بعده، قال: وهذا ليس بشيء، ولو كان كما قال لوجب انقطاع شفقته عن الأمة بعد موته، وشفقته دائمة على الأمة أيام حياته وباقية بعد وفاته؛ لأنه

ص: 636

مبعوث إلى الغابرين قرنًا بعد قرن إلى قيام الساعة، وإنما هو ما كان يجده من كرب الموت وغيره، وكان بشرًا يناله الوصب، فيجد له من الألم مثل ما يجد الناس أو أكثر، وإن كان صبره عليه واحتماله أحسن، وقد روي عن عبد الله بن مسعود قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محموم، فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكًا شديدًا، قال:"أجل، إنا معشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء كما يضاعف لنا الأجر" فالمعنى: لا يصيب بعد اليوم نصب ولا وصب يجد له كرباً إذا مضى إلى دار الكرامة

(1)

.

فائدة:

زاد أبو داود عن حماد: يا أبتاه من ربه ما أدناه. وروى المبارك بن فضالة، عن ثابت، ولفظه: قالت فاطمة: واكرباه، فقال: فقال: "إنه ليس على أبيك كرب بعد اليوم"

(2)

وأخرج ابن ماجه بعضه في: الجنائز

(3)

.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1794 - 1795.

(2)

أبو داود الطيالسي 3/ 527 (2158).

(3)

ابن ماجه (1630).

ص: 637

‌84 - باب آخِرِ مَا تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

-

4463 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ يُونُسُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرَ". فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". فَقُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارُنَا. وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ قَالَتْ: فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". [انظر: 4435 - مسلم: 2444 - فتح: 8/ 150]

ذكر فيه حديث الزُّهْرِيّ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسيِّبِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ العِلْم أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ صَحِيحٌ يقول: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرَ". فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ البَيْتِ ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". فَقُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارُنَا. وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَدِيثُ الذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى".

هذا الحديث ساقه في الباب قبله من حديث الزهري أيضًا عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 638

‌85 - باب وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

-

4464، 4465 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا.

الحديث 4464 [4978 - فتح: 8/ 150]

الحديث 4465 [انظر: 3851 - مسلم: 2351 - فتح: 8/ 150]

4466 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَهْوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ. [انظر: 3536 - مسلم: 2341 - فتح: 8/ 150]

ذكر فيه حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا.

إن قلتَ: قد يعارضه ما ذكره أيضًا من حديث ابن عقبة: سمعت عمرو بن دينار، قلت لعروة: إن ابن عباس يقول: لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بضع عشرة سنة

(1)

. وذكر في الهجرة من حديث عكرمة وعمرو بن دينار، عنه: ثلاث عشرة

(2)

.

قلتُ: عنه أوجه:

أحدها: أن هذا من حيث حمي الوحي وتتابع، روايته الأخرى: من حين البعثة.

(1)

"التاريخ الصغير" 1/ 29.

(2)

"التاريخ الكبير" 1/ 10، و"التاريخ الصغير" 1/ 28 - 29.

ص: 639

ثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم أسر الوحي ثلاث سنين أو نحوها، ثم أمر بأن يصدع

بما يؤمر. قاله أهل السير.

ثالثها: أنه ابتدئ بالوحي بعد الرؤيا الصادقة التي كانت ستة أشهر بسنتين ونصف.

رابعها: أن إسرافيل وكل به ثلاث سنين كما سلف، ثم جاءه جبريل بالقرآن، وادعى الداودي أن المشهور عن ابن عباس ثلاث عشرة.

وذكر فيه أيضًا حديث عائشة: أَنَّه صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ وَهْوَ ابن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. وهو قول ابن شهاب

ورواية أنس عاش ستين

(1)

، وهو أقل ما قيل، وعن ابن عباس خمسًا وستين

(2)

، وهو أكثر ما قيل، وقد أسلفنا ذلك في أول هذا

الشرح.

وفي باب: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، في: أحاديث الأنبياء أيضًا، وأما غسله وتكفينه والصلاة عليه فمحل بسطه كتب السير.

(1)

سيأتي برقم (5900) كتاب: اللباس، باب: الجعد.

(2)

"التاريخ الصغير" 1/ 29.

ص: 640

‌86 - باب

4467 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ. [يَعْنِي صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ]. [انظر: 2068 - مسلم: 1603 - فتح: 8/ 151]

ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها: تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ودِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا.

وقد سلف في الرهن

(1)

وغيره، وذكره البخاري هنا؛ ليعلم أنه من آخر أحواله.

(1)

سلف برقم (2068).

ص: 641

‌87 - باب بَعْثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنهما فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ

(1)

4468 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ، فَقَالُوا فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ قُلْتُمْ فِي أُسَامَةَ، وَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ". [انظر: 3730، مسلم: 2426 - فتح: 8/ 152]

4469 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ". [انظر: 3730 - مسلم: 2426 - فتح: 8/ 152]

ذكر فيه حديث سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ، فَقَالُوا فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ قُلْتُمْ فِي أُسَامَةَ، وَإِنَّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ".

وحديث ابن دِينَارٍ، عَنْ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما:"إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتهِ" الحديث.

وقد سلف في: المناقب

(2)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: كذا بخط المؤلف في الهامش وخرج إليها ولم يصح أيضًا. وقد أسلفناها.

(2)

سلف برقم (3730).

ص: 642

‌88 - باب

4470 -

حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَه: مَتَى هَاجَرْتَ؟ قَالَ خَرَجْنَا مِنَ الْيَمَنِ مُهَاجِرِينَ، فَقَدِمْنَا الْجُحْفَةَ، فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَقُلْتُ لَهُ: الْخَبَرَ؟ فَقَالَ: دَفَنَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ خَمْسٍ. قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِي بِلَالٌ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فِي السَّبْعِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. [فتح: 8/ 153]

ذكر فيه حديث أَبِي الخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَتَى هَاجَرْتَ؟ قَالَ: خَرَجْنَا مِنَ اليَمَنِ مُهَاجِرِينَ، فَقَدِمْنَا الجُحْفَةَ، فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَقُلْتُ: ما الخَبَرَ؟ فَقَالَ: دَفَنَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ خَمْسٍ. قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِي بِلَالٌ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُا فِي السَّبْعِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ.

والصنابحي: عبد الرحمن بن عسيلة من كبار التابعين، مشهور، مخضرم كما ذكر مرادي عابد، سمع أبا بكر ومعاذًا، وعنه أبو الخير اليزني

(1)

وغيره، وكان عبد الملك يجلسه معه على السرير، ومات في خلافته، والكلام على ليلة القدر سلف في بابها.

(1)

ورد بهامش الأصل: واسم أبي الخير: مرثد بن عبد الله اليزني توفي سنة 90.

ص: 643

‌89 - باب كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

4471 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رضي الله عنه: كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ سَبْعَ عَشْرَةَ. قُلْت: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. [انظر: 3949 - مسلم: 1254 - فتح: 8/ 153]

4472 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ رضي الله عنه قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَمْسَ عَشْرَةَ. [فتح: 8/ 153]

4473 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً. [مسلم: 1814 - فتح: 8/ 153]

ذكر فيه حديث أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ. قُلْتُ: كَمْ غَزَا النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ.

وحديث أبي إسحاق، ثنا البَرَاءُ رضي الله عنه قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خمْسَ عَشْرَةَ.

وحديث ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً.

وحديث زيد بن أرقم سلف: أول المغازي، وحديث بريدة أخرجه عن أحمد بن الحسن، وهو ابن جنيدب

(1)

الترمذي الحافظ من أفراده.

وحديث البراء أسلفه هناك:

(1)

ورد بهامش الأصل: كان في أصله جندب. ثم ضرب على الياء والذي ظهر لي من الضرب أنه ضرب شيخنا المؤلف والصواب إثباتها. والله أعلم.

ص: 644

خاتمة نختم بها ما ذكره البخاري:

روى ابن سعد في "طبقاته" بإسناد جيد، عن أنس عليه السلام: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" حتى جعل يغرغر بها في صدره، وما كاد يفصح بها لسانه

(1)

.

وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: آخر ما عهد به صلى الله عليه وسلم أنه أوصى بالرهاويين وجعل يقول: "إن بقيت لا أدع بجزيرة العرب دينين"

(2)

، وفي حديث علي بن عبد الله بن عباس أوصى بالدوسيين والداريين والرهاويين خيرًا

(3)

، وعن جابر رضي الله عنه: أوصى قبل موته بثلاث: "ألا لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله".

وأخرجه مسلم أيضًا

(4)

، وفي "مسند أحمد" من حديث أبي عبيدة بن الجراح: آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجر ان من جزيرة العرب"

(5)

، وفي "الإكليل":"اليهود والنصارى من الحجاز"، وروى سليمان بن طرخان: آخر ما تكلم به جلال الدين الرفيع: "فقد بلغت".

(1)

"الطبقات" 2/ 253.

(2)

السابق 2/ 254.

(3)

المصدر السابق.

(4)

مسلم (2877) كتاب: الجنة ونعيمها، باب: الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت.

(5)

"مسند أحمد" 1/ 196.

ص: 645