المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

[بسم الله الرحمن الرحيم]   ‌ ‌65 - كتاب التفسير {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: اسْمَانِ مِنَ - التوضيح لشرح الجامع الصحيح - جـ ٢٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

[بسم الله الرحمن الرحيم]

‌65 - كتاب التفسير

{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} : اسْمَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، الرَّاحِمُ وَالرَّحِيمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالْعَلِيمِ وَالْعَالِمِ.

قوله: (هما اسمان) يريد: أنهما واحد في المعنى لا في الوزن، إذ الرحمن وزنه فعلان، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، فالرحمن: الرقيق، والرحيم: العاطف على خلقه بالرزق

(1)

.

(1)

رواه البيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 139 (82) من طريق محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس به.

قال الحافظ في "الفتح" 13/ 359: حديث ابن عباس لا يثبت لأنه من رواية الكلبي عن أبي صالح، والكلبي متروك الحديث. اهـ.

قلت: أوهى أسانيد ابن عباس: محمد بن مروان السدي الصغير، عن الكلبي عن أبي صالح عنه. قال الحافظ: هذِه سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب. انظر: "تدريب الراوي" 1/ 221.

ص: 9

وقال غيره

(1)

: الرحمن بجميع الخلق، والرحيم بالمؤمنين

(2)

، يوضحه أن الرحمن لم يقع إلالله؛ ولهذا قدمه قبل الرحيم، وقيل: الرحيم أولئ من الراحم؛ لأنه ألزم في المدح، كأنها لازمة له غير مفارقة، والراحم لمن يرحم مرة واحدة، وأغرب أحمد بن يحيى حيث قال: الرحمن عربي، والرحيم عبراني

(3)

.

= ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" 2/ 447 من طريق مقاتل بن سليمان عن الضحاك ابن مزاحم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبادي فاتحة الكتاب، جعلت نصفها لي ونصفها لهم وآية بيني وبينهم، فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: عبدي دعاني باسمين رقيقين أحدهما أرق من الآخر، فالرحيم أرق من الرحمن وكلاهما رقيقان .. الحديث. قال البيهقي: رقيقان قيل: هذا تصحيف وقع في الأصل، وإنما هما رفيقان والرفيق من أسماء الله تعالى.

قال السيوطي كما في "كنز العمال" 2/ 300: وفي سنده ضعف وانقطاع ويظهر لي أن فيه ألفاظًا مدرجة من قول ابن عباس. اهـ.

(1)

هو العَرْزمي كما في "معاني القرآن" للنحاس 1/ 54.

(2)

رواه ابن جرير 1/ 84 وعزاه للعَرْزمي.

(3)

كذا وقع بالأصل: الرحمن عربي، والرحيم عبراني. وهو خطأ، والصواب: الرحيم عربي، والرحمن عبراني. كما في "معاني القرآن" للنحاس 1/ 56، و"تفسير القرطبي" 1/ 91، وهذا القول قد ضعفه الزجاج في "معانيه" بقوله: وهذا القول مرغوب عنه.

ص: 10

‌1 - [باب] مَا جَاءَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ

وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ؛ (لأَنه)

(1)

يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ. وَ {الدِّينُ} الْجَزَاءُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{بِالدِّينِ} [الماعون: 1] بِالْحِسَابِ {مَدِينِين} [الواقعة: 86] مُحَاسَبِين. [فتح: 8/ 155]

4474 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ: "أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال] ثُمَّ قَالَ لِي: لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ". ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَه: أَلَمْ تَقُلْ: "لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟. قَالَ: "{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة:2] هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ". [2647، 4703، 5006 - فتح: 8/ 156]

ثم ساق حديث خُبيب بن عبد الرحمن -بضم الخاء المعجمة- عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ: "أَلمْ يَقُلِ اللهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] ثُمَّ قَالَ لِي: "لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً فِي القُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِد". ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ: لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2] هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالْقُرْآنُ العَظِيمُ الذِي أُوتيتُهُ".

(1)

ورد في هامش الأصل: (أنه)، وعليها علامة نسخة.

ص: 11

الشرح:

حديث أبي سعيد من أفراده، ويأتي في: التفسير في موضعين، وفضائل القرآن، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه

(1)

.

وخبيب أنصاري مدني يقال له السنحي

(2)

وهو خال عبيد الله بن عمر العمري، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة، قاله ابن حبان

(3)

، وما ذكره في سبب تسميتها أم الكتاب صالح لتسميتها الفاتحة، وأما من سماها أم الكتاب فلأن أم الشيء ابتداؤه وأصله، ومنه سميت أم القرى؛ لأن الأرض دحيت من تحتها

(4)

، ولها عدة أسماء أخر موضعه كتب التفسير، وكره تسميتها بذلك الحسن وابن سيرين، حكاه القرطبي

(5)

، وما ذكره من أن الدين الجزاء والحساب هو كذلك، وقد رواه الكشي

(6)

في "تفسيره" بإسناد إلى مجاهد، ويطلق أيضًا على الطاعة والعبادة وغيرهما، والمعنى متقارب، وقيل: في قوله {غَيْرَ مَدِينِينَ} [الوا قعة: 86]، أي: مملوكين، ويخص بيوم الدين؛ لأنه لا مَلِكَ سواه إذ ذاك، ولا ملجأ إلا إليه، وادعى الداودي أن في حديث أبي سعيد تقديمًا وتأخيرًا.

قوله: "ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} "، وقال مرة: كان قوله صلى الله عليه وسلم في تفسير الحجر: "ما منعك أن تأتي" قبل أن يعلمه أبو سعيد

(1)

أبو داود (1458)، والنسائي 2/ 139، وابن ماجه (3785).

(2)

ورد بهامش الأصل: منسوب إلى السنح من عوالي المدينة المشرفة.

(3)

"الثقات" 6/ 274.

(4)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 1/ 48 - 49.

(5)

"الجامع لأحكام القرآن" 1/ 97.

(6)

ورد بهامش الأصل: الظاهر أنه عبد بن حميد يقال في نسبه: الكشي بفتح الكاف وبالشين المعجمة، وكسر الكاف وإهمال السين.

ص: 12

أنه كان في الصلاة، ولا يظهر ذلك، وكأن أبا سعيد فهم الخطاب لمن هو خارج عن الصلاة إن استحضر ذلك، وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم، وفيه: أن الأمر على الفور والعمل بالعموم.

والسؤرة بالهمز وعدمه.

ومعنى "أعظم": ثوابها. قال محمد بن علي بن الحسين: أولها ثناء، وأوسطها إخلاص، وآخرها مسألة. وفي "الموطأ":"سورة ما أنزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في القرآن مثلها"

(1)

.

وفيه: دلالة على فضيلة كلام الله تعالئ بعضه على بعض، وهو الصواب، وإن كان يحتمل أن يكون المراد أعظم نفعًا للمتعبدين؛ لأنه لا تجزئ صلاة إلا بها، ولذلك قيل لها: السبع المثاني كما سيأتي، ويوضحه قوله تعالى:{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] والمراد بالخير العبادة. ذكره ابن بطال، قال: ويحتمل أن يكون أعظم بمعنى عظيم

(2)

.

وقوله: (قال: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ") قد يحتج به من لا يرى البسملة آية منها، والحمد: الثناء بجميل صفاته، والرب: المدبر. {الْعَالَمِينَ} كل موجود سوى الله.

وقوله: ("هي السبع المثاني والقرآن العظيم") هذا قول جماعة، وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير، أن السبع المثاني هي السبع الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس

(3)

.

(1)

"الموطأ" ص 73.

(2)

"شرح ابن بطال" 10/ 245 - 246.

(3)

رواه الطبري 7/ 534.

ص: 13

وذكر الحاكم على شرطهما عن ابن عباس أن السبع المثاني البقرة إلى آخر ما ذكر، وقال: الكهف بدل يونس

(1)

.

وذكر الداودي عن غيره أنها البقرة إلى براءة. قال: وقيل: هي السبع التي تلي هذِه السبع، وقيل السبع: الفاتحة، المثاني: القرآن كما قال تعالى: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23].

وقوله: ("والقرآن العظيم") فيه دلالة على أنها القرآن العظيم وأن الواو هنا ليست بعاطفة، وقال الضحاك: القرآن العظيم: سائره

(2)

.

واختلف لم سميت أم القرآن مثاني؟ على أقوال:

أحدها: لأنها تثنى في كل ركعة فريضة ونافلة، قاله قتادة

(3)

.

ثانيها: لأنه يثنى فيها على الله؛ لأن في الحمد ثناءً عليه

(4)

.

ثالثها: لأنها استثنيت لهذِه الأمة لم تنزل على من قبلها

(5)

.

رابعها: لتثنية نزولها

(6)

.

(1)

"المستدرك" 2/ 355.

(2)

رواه الطبري 7/ 542.

(3)

انظر: "تفسير البغوي" 4/ 390.

(4)

ذكره الزجاج في "معانيه" 3/ 185، ورده ابن عطية في "المحرر الوجيز" 8/ 352 بقوله: وفي هذا القول من جهة التصرف نظر. اهـ.

وأجاب عنه أبو حيان في "البحر المحيط" 5/ 465 بقوله: ولا نظر في ذلك؛ لأنها جمع مُثنى -بضم الميم مفعل من أثنى رباعيًا، أي: مقر ثناء على الله تعالى أي: فيها ثناء على الله تعالى.

(5)

رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن"(222)، ابن جرير 7/ 538، عن ابن عباس، وزاد ابن عطية في "المحرر" 8/ 352 نسبته إلى ابن أبي مليكة، وعزاه البغوي في "تفسيره" 4/ 391 إلى مجاهد.

(6)

هو قول الحسين بن الفضل كما في "تفسير البغوي" 4/ 391، و"زاد المسير" 4/ 414.

ص: 14

خامسها: لأن الفرائض والقصاص

(1)

تثنى فيها

(2)

.

فائدة:

الفاتحة مكية

(3)

. وقيل: مدنية

(4)

. وقيل: نزلت مرتين فيها، وقيل: نصفها مكي ونصفها مدني. حكاه أبو الليث السمرقندي في "تفسيره"

(5)

.

فائدة:

أبو سعيد بن المعلى قيل: اسمه رافع. وليس كذلك، فإنه قتل ببدر. قال ابن عبد البر: وأصح ما قيل فيه: الحارث بن نفيع بن المعلى بن لوذان الأنصاري الزرقي، له حديثان، وليس له في البخاري غير هذا الحديث. وقيل: أوس، وقيل: أبو سعيد بن أوس

(6)

.

(1)

ورد بالهامش: لعله والقصص.

(2)

عزاه النحاس في "معانيه" 4/ 40 لسعيد بن جبير. ولعل الناسخ قد استشكل قوله: القصاص، لقول أبي عبيد في "غريب الحديث" 1/ 443: سميت المثاني لأن القصص والأنباء ثنيت فيه.

(3)

روى الواحدي في "أسباب النزول" ص 22 هذا القول عن عليّ وابن عباس. وزاد ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 10 نسبته إلى: الحسن وأبي العالية وقتادة وأبي ميسرة.

(4)

روى ابن أبي شيبة هذا القول في "المصنف" 6/ 140 (30130)، ومن طريقه ابن الأعرابي في "معجمه"(2301)، والطبراني في "الأوسط" 5/ 100 (4788) عن أبي هريرة. ورواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص 367، وابن أبي شيبة في "المصنف" 6/ 140 (30136)، وأبو الشيخ في "العظمة"(1141)، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 299 من طرق مختلفة عن مجاهد، وبألفاظ مختلفة.

وقال الحسين بن الفضل كما في "أسباب النزول" ص 22: لكل عالم هفوة، وهذِه بادرة من مجاهد؛ لأنه تفرد بهذا القول والعلماء على خلافه. اهـ. وزاد ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 10 نسبته إلى ابن عباس وعبيد بن عمير وعطاء.

(5)

"بحر العلوم" 1/ 78.

(6)

"الاستيعاب" 4/ 233.

ص: 15

مات سنة أربع وسبعين عن أربع وثمانين سنة

(1)

، وابنه سعيد قاضي المدينة. تابعي، وأعمام أبي سعيد: راشد ورافع وهلال وأبو قيس بنو المعلى، شهدوا بدرًا وقتل رافع يومئذ، قتله عكرمة، ولم يذكر ابن إسحاق منهم سواه، وأخوهم عبيد قتله عكرمة أيضًا يوم أحد شهيدًا، ونفيع أسلم قبل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، وضربه رجل من مزينة حليف الأوس فقتله وهو ببطحان من أجل ما كان بين الأوس والخزرج، وكان أول قتيل في الإسلام في الأنصار، حكاه كله ابن الكلبي.

(1)

انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 33/ 348 - 350.

ص: 16

‌2 - باب {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]

4475

- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا: آمِينَ. فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَة؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". [انظر: 780 - مسلم: 410 - فتح: 8/ 159]

ذكر فيه حديث أَبِيِ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا: آمِينَ. فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلَائِكَةِ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

هذا الحديث سلف في: الصلاة سندًا ومتنًا وزيادة متابعة، وقد أسلفنا هناك خلافًا في تأمين الإمام عن مالك، والمشهور عنه المنع. وفي آمين خمس لغات سلفت، أفصحها وأشهرها المد مع التخفيف.

قال ابن درستويه: ولم يروه أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كذلك. وفي "صحيح ابن حبان" من حديث عدي بن حاتم رفعه: "اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال"

(1)

(2)

وأخرجه الطبري عن رجل له صحبة، وكذا قاله ابن عباس وجماعة

(3)

.

(1)

"صحيح ابن حبان" 14/ 140 (6246).

(2)

ورد بهامش الأصل: وفي "مسند أحمد" إلى عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وسأله رجل من بلقين. فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء؟ قال: "هؤلاء المغضوب عليهم فأشار على اليهود. قال: من هؤلاء؟ قال: "الضالون" يعني: النصارى. ثم ذكره بالسند كله أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم بوادي القرى وهو على فرسه، وسأله رجل من بلقين فقال: يا رسول الله، من هؤلاء المغضوب عليهم؟ فأشار إلى اليهود. فقال: هؤلاء الضالون فذكر نحوه ["المسند" 5/ 33، 77 وفي الأخير هنا اختلاف عما في "المسند"].

(3)

"تفسير الطبري" 1/ 110 - 111 (193 - 206).

ص: 17

ويوضحه قوله في اليهود: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ} [آل عمران: 112] وفي النصارى: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ} [المائدة: 77]، وقرئ شاذًا:(غيرَ) بالنصب حكاها ابن جرير

(1)

.

واختلف في الغضب من الله، فقيل: إنه إحلال عقوبته بمن غضب عليه، إما في دنياه وإما في آخرته. وقيل: إنه ذم منه لهم ولأفعالهم. وقيل: إنه صفة له

(2)

.

(1)

"تفسير الطبري" 1/ 158.

(2)

قلت: وعلى الأخير مذهب أهل السنة والجماعة، من أن الغضب صفة ثابتة لله تعالى على ما يليق به سبحانه وتعالى.

ص: 18

(2) سُورَةُ البَقَرَةِ

هي مدنية كلها إلا أربع آيات: {لَيْسَ الْبِرَّ} ، و {الشَّهْرَ الْحَرَامَ} ، و {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} ، و {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ} ، وقيل

(1)

: إنها أول سورة أنزلت بالمدينة إلا قوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا} ، وآيات الربا، وقيل: إنها مكية. وحديث يوسف بن ماهك، عن عائشة رضي الله عنها: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده

(2)

. وقوى الأول وسيأتي في البخاري.

(1)

رواه ابن المنذر في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" 2/ 413 - 414 عن ابن عباس، ورواه الواحدي في "أسباب النزول" ص 24 عن عكرمة، وكلا القولين دون استثناء. وزاد ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 19 - 20 نسبته إلى: الحسن ومجاهد وجابر بن زيد وقتادة ومقاتل. ثم قال: وذكر قوم أنها مدنية سوى آية وهي قوله {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} .

(2)

سيأتي برقم (4493).

ص: 19

‌1 - [باب] قَوْلهِ تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]

4476 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ لِي خَلِيفَة: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ: أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ -وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ فَيَسْتَحِي- ائْتُوا نُوحًا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ؛ فَيَسْتَحِي، فَيَقُولُ: ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُوسَى: عَبْدًا كَلَّمَهُ اللهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ. فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ. -وَيَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَيَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ- فَيَقُولُ ائْتُوا عِيسَى: عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللهِ وَرُوحَهُ. فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم: عَبْدًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَأْتُونِي فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ يُقَالُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي -مِثْلَهُ- ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَقُولُ: مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ".

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: "إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ". يَعْنِي قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا} [البقرة: 162]. [انظر: 44 - مسلم: 193 - فتح: 8/ 160]

ص: 20

حدثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا هِشَامٌ، ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَجْتَمِعُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ .. " الحديث.

ويأتي في: التوحيد

(1)

وخبر الواحد

(2)

.

وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه

(3)

.

وذكر بعضهم أن البخاري روى عن خليفة هذا في عشرة مواضع مقرونًا ومفردًا، والغالب إذا أفرده ذكره بصيغة: قال لي. فقيل: هو بمنزلة التحديث على رأي من يراه، وقيل بل هو على سبيل المذاكرة.

وقال ابن طاهر: لم يرو عنه البخاري إلا حديثًا واحدًا في الدعوات وهو ابن خياط الحافظ أبو عمرو شباب العصفري، صدوق، مات سنة أربعين ومائتين

(4)

. قيل: علمه الأشياء كلها كالآنية والسوط

(5)

. وقيل: أسماء الملائكة

(6)

. وقيل: أسماء الأشياء ومنافعها.

(1)

سيأتي برقم (7410، 7440، 7509، 7510، 7516) كتاب: التوحيد.

(2)

كذا بالأصل، وكذا عزاه المزي في "الأطراف"(1357)، فقال: وفي خبر الواحد عن مسلم بن إبراهيم، وتعقبه الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" بقوله: قلت: رواية مسلم بن إبراهيم ما هي في خبر الواحد، إنما هي في التوحيد. اهـ.

(3)

مسلم (193) والنسائي في "الكبرى" 6/ 284 (10984) وابن ماجه (4312).

(4)

انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 8/ 314 - 319.

(5)

روى هذا القول الطبري في "تفسيره" 1/ 252 - 253 عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والحسن والربيع بن أنس.

(6)

رواه ابن جرير في "تفسيره" 1/ 253 عن الربيع بن أنس.

ص: 21

وقوله في الحديث عن آدم: ("لست هناكم") يريد أنه لم يخبر أن له ذلك.

وقوله: ("حتى أستأذن على ربي")، وفي رواية:"في داره"

(1)

فمعناه: داره التي خلقها لعباده كما قيل: بيت الله الكعبة والمساجد.

وقوله: ("ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود"، قال أبو عبد الله: "إلا من حبسه القرآن" يعني قول الله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا}) أي: في حق الكافرين والمنافقين.

وقال في رواية أخرى: "فأمر الملائكة أن يخرجوا قومًا من النار" وهذا لا يخالف فيه، قد يؤمرون [أن]

(2)

يخرجوهم بشفاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

سيأتي برقم (7440).

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 22

‌2 - باب

قَالَ مُجَاهِدٌ: (إِلَى شَيَاطِينِهِمْ)[البقرة: 14]: أَصْحَابِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ. {مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} اللهُ جَامِعُهُمْ. {عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45] عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا. قَالَ مُجَاهِدٌ (بِقُوَّةٍ)[البقرة: 63] يَعْمَلُ بِمَا فِيهِ.

هذا كله أخرجه عبد بن حميد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد

(1)

. وقال السدي في {شَيَاطِينِهِمْ} : رءوسهم في الكفر

(2)

، وشيطان مشتق من شاط إذا بعد. والمراد: جامعهم يوم القيامة ليعاقبهم. وقيل: أي يصيبهم متى شاء. وعن مجاهد في قوة: بجد

(3)

، وقيل: بكثرة درس.

ص: وقال أبو العالية {مَرَضٌ} : شك، أي: نفاق. {صِبْغَةَ} : دين، {وَمَا خَلْفَهَا}: عبرة لمن بقي. {لَا شِيَةَ} : لا بياض.

وما أسنده في {صِبْغَةَ} هو قول قتادة أيضًا

(4)

، وقال مجاهد: أي: فطرة الله

(5)

وقال الكسائي: هو إغراء، أي: الزموا تطهير الله بالإسلام، لا ما تفعله اليهود والنصارى. وقيل: هي الختان، اختتن إبراهيم فجرت الصبغة على الختان لصبغهم الغلمان في الماء.

(1)

رواه عبد بن حميد في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" 1/ 70، 72، 132، وهو في "تفسير مجاهد" ص 69، 71، 74.

(2)

رواه الطبري 1/ 163.

(3)

هو قول ابن عباس وقتادة والسدي. رواها الطبري 1/ 367، وابن أبي حاتم 1/ 130.

(4)

رواه الطبري 1/ 622 (2120).

(5)

"تفسير مجاهد" ص 89.

ص: 23

وقوله: ({وَمَا خَلْفَهَا} عبرة لمن بقي). المعنى: لما بين يدي الصبغة من ذنوبهم، {وَمَا خَلْفَهَا} من يعمل مثلها، فخاف العامل أن يمسخ به، فالضمير للعقوبة. وقال ابن عباس:{لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} لمن حضر معهم. {وَمَا خَلْفَهَا} : لمن أتى من بعدهم

(1)

.

{وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} : أمة محمد أن ينتهكوا حرمة الله فيصيبهم ما أصاب السبت

(2)

.

وقال مجاهد: {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} ما قد مضى من خطاياهم {وَمَا خَلْفَهَا} ويعني: أهلكوا بها

(3)

.

وقال قتادة: {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} من ذنوبهم، {وَمَا خَلْفَهَا} من صيدهم الحيتان

(4)

.

وما ذكره في {شِيَةَ} لا بياض. وقيل: لا لون فيها يخالف جلدها، وقيل: لا بياض ولا سواد، وكل نحو الأقل

(5)

.

(ص): وقال غيره: {يَسُومُونَكُمْ} يُولونكم. وهو قول أبي محمد

(6)

. وقيل: يضرونكم في العذاب مرة كذا، ومرة كذا، كما يفعل بالإبل السائمة. والمعنى: يسومونكم على سوء العذاب، أي: يذيقونكم أشده.

(1)

رواه بمعناه ابن جرير 1/ 376.

(2)

رواه ابن جرير 1/ 378، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 135 عن السدي وعطية العوفي.

(3)

"تفسير مجاهد" ص 78.

(4)

رواه ابن جرير 1/ 376.

(5)

انظر: "تفسير ابن جرير" 1/ 395 - 396، "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 142 - 143.

(6)

وقاله أيضًا أبو عبيدة كما في "مجاز القرآن" 1/ 40.

ص: 24

(ص): ({ابْتَلَى}): اختبر، وقيل: امتحن.

(ص): ({الْوَلَايَةُ} -مفتوحة- مصدر الولاء، وهي الربوبية. وإذا كسرت الواو؛ فهي الإمارة). هو كما قال. وذكر في سورة "الكهف" الولاية: مصدر ولي، وهناك موضعه

(ص): (قال بعضهم: الفوم: الحبوب التي تؤكل كلها فوم).

قلت: قال ابن عباس: إنها البر بعينه

(1)

. وقال مجاهد وغيره: هو الخبز

(2)

. وقال الضحاك: هو الثوم

(3)

في قراءة عبد الله

(4)

.

وقيل: هو نبت الثاقاء.

(ص): ({فَادَّارَأْتُمْ}: أخلفتم). هو كما قال.

ص: (وقال قتادة: {فَبَاءُوا}: انقلبوا). قلت: وقيل: رجعوا، وهو بمعناه.

(ص): ({يَسْتَفْتِحُونَ}: يستنصرون. {شَرَوْا}: باعوا). هو كما قال.

(ص): ({رَاعِنَا}: من الرعونة. إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانًا، قالوا: راعنا). قلت: أو أرعنا سمعك؛ فاسمع بها ونسمع منك

(5)

.

(ص): {لَا يَجْزِي} : لا يغني. {خُطُوَاتِ} : من الخطو). والمعنى: آثاره.

(1)

"تفسير الطبري" 1/ 351 - 352.

(2)

المصدر السابق.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 123.

(4)

انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 41.

(5)

كذا بالأصل، ولعل الأولى: منا.

ص: 25

‌3 - [باب قَوْلُهُ تَعَالَى]: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]

4477 -

حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ". [4761، 6001، 6811، 6861، 7520، 7532 - مسلم: 86 - فتح: 8/ 163]

ذكر فيه حديث عبد الله: سَأَلْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَن تَقْتُلَ وَلَدَكَ مخافة أَنْ يَطْعَمَ مَعَك". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِي حَلِيلَةَ جَارِكَ".

الشرح:

هذا الحديث يأتي في سورة الفرقان.

وأخرجه في الأدب، والمحاربين، والديات، والتوحيد.

وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي

(1)

وابن ماجه.

والنِّد: ما كان مثل الشيء يضاده في أموره. والنديد: النِّد. قاله الخليل

(2)

. وأيّ هنا مشدد منون. قال ابن الجوزي: كذا سمعته من أبي محمد بن الخشاب. قال: ولا يجوز إلا تنوينه؛ لأنه اسم معرب [غير]

(3)

مضاف.

(1)

مسلم (86)، وأبو داود (2610)، والنسائي 7/ 90. ولم أقف عليه في ابن ماجه، ولم يشر إلى وجوده فيه المزي كما في "التحفة" (9480).

(2)

"العين" 8/ 10.

(3)

زيادة يقتضيها السياق، من "عمدة القاري" 14/ 424.

ص: 26

وتزاني: تفاعل من الزنا. معناه: أن يزني بها برضاها. والحليلة -بالحاء المهملة-: الزوجة لأنها تحل له، وهو يحل لها؛ لكونها تحل معه، أو لأن كلًّا منهما يحل أزرة الآخر، وهي أيضًا عرسه وقعيدته وبيته وغير ذلك.

ولما كان الشرك أعظم الذنوب بدأ به؛ لأنه جحد التوحيد، قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، ثم ثناه بالقتل، وهو عند أصحابنا. ثاني الشرك، ثم الزنا؛ لأنه سبب لاختلاط الأنساب، لاسيما مع حليلة الجار؛ لأن الجار محله الذب عنه، وعن حريمه، فإذا قابله بالزنا كان من أقبح الأشياء.

وفيه: ذم البخل؛ لأنه أداه إلى قتل ولده مخافة الأكل معه.

ص: 27

‌4 - باب قَوْله تَعَالَى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [البقرة:57]

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْمَنَّ} صَمْغَةٌ. {وَالسَّلْوَى} طائر.

4478 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ". [4639، 5708 - مسلم: 2049 - فتح: 8/ 163]

حَدثنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: قَالَ النبى صلى الله عليه وسلم: "الْكَمْأةُ مِنَ المَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ".

قلت: تابعه شعبة عن عبد الملك، ذكره فى سورة الأعراف والطب

(1)

.

الشرح:

المن: مثل الترنْجَبين

(2)

فهو منٌّ مَحْض لم يَشُبْه عمل.

وأثر مجاهد هذا أخرجه عبد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه

(3)

.

قال قتادة: كان يسقط عليهم في مجلسهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كسقوط الثلج، ثم يأخذ كل واحد منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك، فإذا تعدَّاه فسد، ويأخذ يوم الجمعة ما يكفيه ليومه ويوم السبت

(4)

.

(1)

سيأتي برقم (4639، 5708).

(2)

ذكره الطبري 1/ 334.

(3)

رواه عبد بن حميد كما في "الدر" 1/ 57، وهو في "تفسير مجاهد" ص 76.

(4)

رواه ابن أبي حاتم 1/ 114.

ص: 28

والسلوى: طائر يشبه السمان.

وقال الضحاك: هو السماني

(1)

. وعبارة بعضهم أنه أكبر من العصفور

(2)

. وعن وهب: المن خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النَّقى، والسلوى طير سمين يأخذون منه من سبت إلى سبت

(3)

. وأغرب المؤرج فقال: السلوى: العسل

(4)

. لا جرم قال ابن عطية: إنه طير بإجماع المفسرين

(5)

.

ثم الكلام على الحديث من وجوه:

ويأتي في سورة الأعراف والطب، وأخرجه مسلم

(6)

والترمذي والنسائي وابن ماجه

(7)

.

(1)

رواه الطبري 1/ 336 (991).

(2)

رواه ابن أبي حاتم 1/ 116.

(3)

رواه ابن أبي حاتم 1/ 115، 116.

(4)

ذكره القرطبي في "تفسيره" 1/ 347 - 348، ورد فيه على دعوى الإجماع. ومُؤرج هو: مؤرج بن عمرو السدوسي، أبو فَيْد، شيخ العربية، كان من أصحاب الخليل بن أحمد، وكان يُعَدّ مع سيبويه والنضر بن شُميل، من تصانيفه:"غريب القرآن"، "جماهير القبائل "، "المعاني" توفي سنة خمس وتسعين ومائة. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 9/ 309 - 310، "إنباه الرواة" 3/ 327 - 330.

(5)

"المحرر الوجيز" 1/ 305.

(6)

ورد بهامش الأصل: في "صحيح مسلم" الحديث في الأطعمة من حديث سعيد بن زيد عن الحسن العرني، عن عمرو بن حريث، عن سعيد بن زيد، عنه عليه السلام:"الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين" ثم أخرجه من طريق آخر إلى سعيد: "الكمأة من المن الذي أنزل الله على موسى وماؤها شفاء للعين". وأخرجه من طريق آخر، وفيه:"الذي أنزل على بني إسرائيل".

(7)

مسلم (2049)، والترمذي (2067)، والنسائي في "الكبرى" 4/ 156 (6666)، وابن ماجه (3454).

ص: 29

أحدها:

هذا الحديث يروى من طرق أخرى.

قال الترمذي بعد أن أخرجه من حديث أبي هريرة: وفي الباب عن سعيد بن زيد وأبي سعيد وجابر. ثم أخرجه من حديث سعيد بن زيد وقال: حسن صحيح

(1)

. وأخرجه النسائي من حديث شهر بن حوشب عن ابن عباس

(2)

، وأخرجه أبو سهل أحمد بن محمد بن سهل القطان من حديث عائشة.

وابن أبي عاصم في "الطب" من حديث بريدة وصهيب وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري.

وعند الدارقطني من حديث ابن عيينة عن عبد الملك بزيادة: "من المن الذي أنزل على بني إسرائيل". ورواه عطاء بن السائب، عن عمرو بن حريث، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووهم في قوله: عن أبيه، ولا يعلم لأبيه حريث صحبة، وقد قيل: إن سعيد بن زيد زَوْج أم عمرو بن حريث فكان عمرو ربيبه؛ فلذلك قال: حدثني أبي، وإنما روى عن سعيد بن زيد زوج أمه

(3)

.

وسفيان المذكور هنا هو الثوري وإن كان ابن عيينة يروي أيضًا عن عبد الملك كما مر؛ لأن الدارقطني بيَّن الزيادة التي رواها ابن عيينة على حديث سفيان الثوري؛ لأن الغالب إذا أُطْلق سفيان، عن عبد الملك يكون الثوري، كذا ذكره أبو مسعود لما ذكر هذا الحديث.

(1)

الترمذي (2066، 2067).

(2)

"السنن الكبرى" 4/ 156 (6669).

(3)

"علل الدارقطني" 4/ 406 - 407.

ص: 30

ولأبي نعيم من حديث رشدين بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا:"ضحكت الجنة فأخرجت الكمأ"

(1)

.

الوجه الثاني:

الكمأة: نبات معروف. وفي الترمذي من حديث شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الكمأة جدري الأرض، فقال صلى الله عليه وسلم:"الكمأة من المن" ثم قال: حسن

(2)

. وقد أوضحها ابن سيده وابن البيطار في "جامعه" وأبو حنيفة.

وقيل: إنها إلى الغُبْرة والسواد. والكمأة جماعة على الأصح واحدها كمْء

(3)

، وهو نادر؛ لأن حذف الهاء علامة للجمع إلا في هذا. ولها عدة أسماء ذكر ابن خالويه في كتاب "ليس" فوق العشرة منها بنات أوبر. وقال أبو عمرو: مثلها وأهمل اسمًا آخر. ذكرها كراع في "المنجد"، وذكر القزاز العرجون والفطر؛ لأن الأرض تنفطر عنها، وسمي أيضًا بنات الرعد؛ لأنها تكثر بكثرته.

الثالث:

ذهب أبو هريرة إلى ظاهره، روى الترمذي من حديث قتادة قال: حُدّثت أن أبا هريرة قال: أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسًا أو سبعًا فعصرتهن وجعلت ماءهن في قارورة وكحلت به جارية فبرئت

(4)

.

(1)

"موسوعة الطب النبوي" 2/ 619 - 620 (666).

(2)

الترمذي (2068).

(3)

"المحكم" 7/ 74.

(4)

الترمذي (2069).

ص: 31

وذهب غيره إلى أنه يضاف إليه أدوية ثم يكحل به، وبه جزم الخطابي لا بحتا فإنه يؤذي العين ويقذيها

(1)

. وقال ابن العربي: الصحيح أنه ينتفع بصورته في حال وبإضافته في أخرى

(2)

.

وقيل: إن كان في العين حرارة فماؤها وحده، وإن كان لغير ذلك فمع غيره. وذكر ابن الجوزي أن الأطباء يقولون: أَكْلُ الكمأة يجلو البصر. وقيل: يؤخذ فيشق ويوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها، ثم يؤخذ فيصير في ذلك الشق وهو فاتر فيكتحل به، ولا يجعل الميل في مائها وهي باردة يابسة. وقيل: أراد الماء الذي تنبت به، وهو أول مطر ينزل الأرض فتربى به الأكحال. ونقله عن سعيد أبو بكر بن عبد الباقي وقال: قاله لنا.

الرابع:

قد أسلفنا رواية الدارقطني: "إنها من المن الذي أنزل على بني إسرائيل". وأما الخطابي فقال: لم يرد الكمأة من نوع المن الذي أنزل على بني إسرائيل، وإنما معناه أنه شيء ينبت بنفسه من غير استنبات ومؤنة وتكلف له، فهو بمنزلة المن الذي كان ينزل عليهم فيكون قوتا لهم، وإنما نالت هذا الثناء؛ لأنها من الحلال الذي ليس في اكتسابه شبهة

(3)

، وكذا قال الداودي يريد أنه ليس زريعة، إنما ينبت بماء السماء. وقيل: أراد أنه لم ينفع منٌّ في هذِه العين، حكاه ابن التين. قال: وفي رواية: "ماؤها شفاء من العين". وقيل: يريد: من داء العين، فحذف المضاف.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1800.

(2)

"عارضة الأحوذي" 8/ 226.

(3)

"أعلام الحديث" 3/ 1799 - 1800.

ص: 32

‌5 - [باب]{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} الآية [البقرة:58]

{رَغَدًا} : وَاسِعا كَثِيرا.

4479 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، فَبَدَّلُوا وَقَالُوا: حِطَّةٌ، حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ". [انظر: 3403 - مسلم: 3015 - فتح: 8/ 164]

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي، عَنِ ابن المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، فَبَدَّلُوا وَقَالُوا: حِطَّةٌ، حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ".

الشرح:

هذا الحديث سلف في مناقب الأنبياء، ويأتي في سورة الأعراف

(1)

، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي

(2)

.

واختلف في هذِه القرية هل هي البلقاء أو الرملة أو بيت المقدس من باب حطة

(3)

، وحطة: مغفرة، أو أريحاء أو قرية الجبارين بقية العمالقة ورأسهم عوج. أقوال.

(1)

سيأتي برقم (4641) باب: قوله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} .

(2)

مسلم (3015)، والترمذي (2956)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 286 (10989)

(3)

رواه ابن جرير 1/ 339 عن ابن عباس.

ص: 33

وقال مقاتل: هي إيلياء

(1)

، وكانت يومئذ من وراء البحر، سميت قرية؛ لأنها قرت، أي: اجتمعت بالفتح والكسر حكاها ابن سيده

(2)

. ومحمد هذا شيخ البخاري، زعم الجياني أن ابن السكن وحده نسبه ابن سلام. قال: والأشبه أنه ابن بشار أو ابن المثنى، وقد ذكرهما أبو نصر من جملة شيوخه عن ابن مهدي

(3)

.

وعند الترمذي مصححًا: "دخلوا مزحفين على أوراكهم"

(4)

. أي: منحرفين. قال مجاهد: دخلوا على استهم إلى الجبل الذي تجلى عليه رب العزة وقالوا: حنطة

(5)

. فنتق فوقهم الجبل، فدخلوا سجدًا على حرف أعينهم إلى الجبل

(6)

، ومعنى حطة: حط عنا خطايانا - كما سلف، أي: حطتنا حطة وأصلها النصب، رفعت لإفادة الإثبات. وقيل: قولوا: لا إله إلا الله

(7)

. وقال ابن عباس: أمروا أن يستغفروا الله

(8)

.

وقوله: ("وقالوا: حطة حبة في شعرة") أي: حبة حنطة في شعرة الحطة وهو السفاء، وهو شوك الحنطة. وقيل: قالوا بالنبطية: هطا سمقاثا. أي: حنطة حمراء. وقال ابن مسعود: قالوا: حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء

(9)

.

(1)

انظر: "تفسير البغوي" 1/ 98 - 99.

(2)

"المحكم" 6/ 307.

(3)

"تقييد المهمل" 3/ 1026.

(4)

الترمذي (2956).

(5)

رواه الطبري 1/ 344.

(6)

ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 86 وعزاه لمجاهد.

(7)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 68، وابن جرير 1/ 340، وابن أبي حاتم في

"تفسيره" 1/ 118 عن عكرمة.

(8)

السابق 1/ 341.

(9)

رواه الطبري 1/ 344، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 119.

ص: 34

‌6 - باب قَوْلُهُ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} . [البقرة:97]

وَقَالَ عِكْرِمَة: جَبْرَ، وَمِيكَ، وَسَرَافِ: عَبْدٌ. إِيلْ: اللهُ.

4480 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِي: فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: "أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا". قَالَ: جِبْرِيلُ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [البقرة:97] أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ". قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي. فَجَاءَتِ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ فِيكُمْ ". قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا. قَالَ:"أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ". فَقَالُوا أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ. فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا. وَانْتَقَصُوهُ. قَالَ فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ. [انظر: 3329 - فتح: 8/ 165]

ثم ساق قصة إسلام عبد الله بن سلام، وسلفت في باب:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ} بعد باب: خلق آدم.

ولغات جبريل سلفت أول الكتاب.

ص: 35

والذي قال: هو عدونا. قيل: هو ابن صوريا

(1)

، وحكى الطبري خلافًا في سببه ليس هذا موضعه، وقيل: سببها أن قالوا: إن جبريل يطلعه على أسرارنا

(2)

، وأنهم قالوا: أُمِر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا

(3)

. لعنهم الله.

وقوله: (إن اليهود قوم بهت) أي: كذابون.

(1)

رواه الواحدي في "أسباب النزول" ص 33 - 34.

(2)

"تفسير الطبري" 1/ 478 - 479.

(3)

ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص 34.

ص: 36

‌7 - باب قَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة:106]

4481 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ، وَأَقْضَانَا عَلِيٌّ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَيٍّ؛ وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ لَا أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106]. [5005 - فتح: 8/ 167]

ذكر فيه عن حبيب -هو ابن أبي ثابت- عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَالَ عُمَرُ: أَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ، وَأَقْضَانَا عَلِيٌّ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَيٍّ؛ وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ: لَا أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106].

كذا وقع هنا، والمعروف عن عمر أنه كان يقرؤها (أو ننساها) وكذا ذكره بعد في فضائل القرآن بالإسناد المذكور، رواه هناك صدقة بن الفضل، عن يحيى، عن سفيان. وهنا عن عمرو بن علي، عن يحيى به. ويأتي في فضائل القرآن أيضاً

(1)

وحبيب هذا كان مدلسًا فيما ذكره ابن حبان، مات سنة تسع عشرة ومائة

(2)

.

ومعنى ({نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}): نغير حكمها. ومعنى ({نُنْسِهَا}): نؤخر، قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح النون مع الهمز، والباقون بفتحها

(1)

سيأتي برقم (5005).

(2)

"الثقات" 4/ 137.

ص: 37

وكسر السين من غير همز

(1)

، وقرأ سعد بن أبي وقاص (تنسها) يعني: الخطاب

(2)

.

{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} أرفق وأخف وأنفع {مِثْلِهَا} في الخفة والثواب، كنسخ بيت المقدس بالكعبة.

وقول أُبي: (لا أدع شيئًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) إنما ذلك أن يسمع شيئًا ثم يسمع غيره، ثم يقرأ تلك السورة فلا يذكر فيها ما سمع ويواظب على ذلك ويقول: إن الآية قد نسخت، فنطق أُبي بما سمع ويأخذ هؤلاء بالنسخ، ولعله لا يخبره بالنسخ لا واحد ولا غيره ممن أنكر النسخ، وقالوا: إنه بلاء، وقد يحدث على الإنسان فن من فنون العلم يفوق به أصحابه، أو يرزق بخير ذلك الفن من التعرف ما لا يرزقه غيره وإن شاركه في ذلك غيره.

فائدة:

جعل هذا الحديث جماعة من مسند أُبَيٍّ: [أبو]

(3)

مسعود والحميدي

(4)

وابن عساكر، وخالف غيرهم فجعله من مسند عمر.

(1)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 186.

(2)

انظر: "مختصر في شواذ القراءات" ص 16، "المحتسب" 1/ 103.

(3)

زيادة يقتضيها السياق.

(4)

"الجمع بين الصحيحين" 1/ 408 (648).

ص: 38

‌8 - [باب] قوله: {قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} [البقرة:116]

4482 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَالَ اللهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ: فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّاي: فَقَوْلُهُ: لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا". [فتح: 8/ 168]

ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَالَ اللهُ عز وجل: كَذَّبَنِي ابن آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّاي: فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّاي: فَقَوْلُهُ لِي وَلَد، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا".

وهو من أفراده، وسلف في بدء الخلق

(1)

.

وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة مرفوعًا مثله

(2)

.

والآية قرأها ابن عامر بلا واو، والباقون بثبوتها

(3)

، وذكر الواحدي أن هذِه الآية نزلت في اليهود حين قالوا: عزير ابن الله، وفي نصارى نجران حين قالوا: عيسى ابن الله. وفي مشركي العرب حين قالوا: الملائكة بنات الله

(4)

.

(1)

سلف برقم (3193) عن أبي هريرة.

(2)

"تفسير عبد الرزاق" 2/ 100.

(3)

انظرك "الحجة للقراء السبعة" 2/ 202.

(4)

"أسباب النزول" ص (42).

ص: 39

وقال الطبري: هم الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه. وتأويل الآية: {وَمَنْ أَظْلَمُ} إلى قوله: {فِي خَرَابِهَا} ، {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا}

(1)

(1)

"تفسير ابن جرير" 1/ 554.

ص: 40

‌9 - [باب] قَوْلُهُ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]

{مَثَابَةً} [البقرة: 125] يَثُوبُون: إليه: أي: يرجعون.

4483 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ اللهَ فِي ثَلَاثٍ -أَوْ وَافَقَنِى رَبِّي فِي ثَلَاثٍ- قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اتَّخَذْتَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ. قَالَ: وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ نِسَائِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ قُلْتُ: إِنِ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّ اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا مِنْكُنَّ. حَتَّى أَتَيْتُ إِحْدَى نِسَائِهِ، قَالَتْ يَا عُمَرُ، أَمَا فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ، حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟! فَأَنْزَلَ اللهُ {عَسَى رَبُّهُ إِنْ

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنْ عُمَرَ. [انظر: 402 - مسلم: 2399 - فتح: 8/ 168]

ثم ساق حديث أنس رضي الله عنه، عن عمر رضي الله عنه: وَافَقْتُ ربي في ثَلَاثٍ. وقد سلف بطوله في باب ما جاء في القبلة من كتاب الصلاة

(1)

.

وما ذكره في تفسير {مَثَابَةً} هو قول مجاهد وقتادة كما ذكره عبد بن حميد في "تفسيره" والطبري عن ابن عباس وغيره

(2)

. وقيل

(3)

: من الثواب الحاصل لمن آمن فيكون المعنى: جعلت البيت إثابة أو

(1)

سلف برقم (403).

(2)

"تفسير الطبري" 1/ 581. وعزاه السيوطي في "الدر" 1/ 222 إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وعبد بن حميد عن ابن عباس وعطاء ومجاهد.

(3)

ورد بهامش الأصل: من فوله: وقيل: إلى بمنزلتها مخرج في الهامش، وليس في آخره تصحيح، فاعلمه.

ص: 41

بمنزلتها. وقرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء على الخبر، والباقون بالكسر على الأمر

(1)

.

والمقام بفتح الميم: موضع القيام، فإن ضممت كان المراد الإقامة، وقد تستعمل كل منهما موضع الآخر كما نبه عليه ابن الجوزي. وقد أسلفت في الصلاة الخلاف في المقام ما هو في باب قوله:{وَاتَّخِذُوا} .

(1)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 2/ 220.

ص: 42

‌10 - [باب] قَوْلُهُ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} الآية [البقرة: 127]

القواعد: أساسه. واحدتها: قاعدة.

قلت: وقال الكسائي: الجدر. {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} واحدتهن قاعد. أي: بإسقاط هاء التأنيث؛ لأنها قعدت عن الحيض

(1)

.

4484 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ قَوْمَكِ بَنَوُا الْكَعْبَةَ وَاقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ:"لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْر". فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أُرَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ، إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. [انظر: 126 - مسلم: 1333 - فتح: 8/ 170]

ثم ساق حديث مالك، عن الزهري، عن سالم، عن (عبد الله بن)

(2)

محمد بن أبي [بكر]، عن (عبد الله بن)

(3)

عمر، عن عائشة رضي الله عنها في الاقتصار على قواعد إبراهيم.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 1/ 595.

(2)

ساقطة من الأصل.

(3)

ساقطة من الأصل.

ص: 43

سلف في الحج في باب: فضل مكة

(1)

.

قال الطبري: اختلف في القواعد أَحْدَثاها أم كانت قديمة قبلهما، بناه آدم، أو أهبط به إلى الأرض، ثم رفع أيام الطوفان، فرفع إبراهيم قواعده، وقال آخرون: بل كان موضع البيت ربوة حمراء كهيئة القبة، فبناه إبراهيم على أركان أربعة في الأرض السابعة. وعن ابن عباس: وضع البيت على أركان الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام.

ثم اختلف أهل التأويل في الذي رفع القواعد بعد إجماعهم على أن إبراهيم كان ممن رفعها، فقال بعضهم: رفعها إبراهيم وإسماعيل جميعًا، وقال آخرون: بل رفعها إبراهيم وكان إسماعيل يناوله الحجارة، وبناها من خمسة أجبل: حراء، وثبير، والطور، ولبنان، وجبل الخمر: جبل بالشام. وفي رواية: من جبل زيتا، وقال آخرون: بل الرافع إبراهيم وحده، وإسماعيل يومئذ طفل صغير

(2)

.

وقوله: ({تَقَبَّلْ مِنَّا}) أي: يقولان: ربنا، وهي قراءة أُبي وابن مسعود فيما قيل

(3)

، وقيل: قائله إسماعيل وحده، حكاه الطبري

(4)

.

(1)

سلف برقم (1583).

(2)

"تفسير الطبري" 1/ 595 - 601.

(3)

انظر: "المحتسب" 1/ 108.

(4)

"تفسير الطبري" 1/ 597 - 599.

ص: 44

‌11 - [باب] قوله: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة:136]

4485 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا {آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ} [البقرة:136] الآيَةَ. [7362، 7542 - فتح: 8/ 170]

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُم {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [البقرة:136] الآية.

هو من أفراده ويأتي في الاعتصام

(1)

والتوحيد

(2)

.

وسبب الإمساك عن ذلك كونهم حرَّفوا بعضًا وكتموا بعضًا، قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الآية [آل عمران: 187] كتموا ما أنزل إليهم في محمد. وهذا الحديث أصل في وجوب التوقف في كل مشكل من الأمور والمعلوم، فلا يقضى عليه بجواز ولا بطلان ولا بتحليل ولا تحريم، وقد أمرنا أن نؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء، إلا أن اليهود والنصارى حرَّفوا وبدَّلوا، ولا نعلم ما يأتون به صحيح أو محرف مبدل. فوجب التوقف عن تصديق ذلك وتكذيبه.

(1)

سيأتي برقم (7362)، باب: قول النبي "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء".

(2)

سيأتي برقم (7542) باب: ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها.

ص: 45

وعلى هذا المعنى كان توقف السلف عن بعض ما أشكل عليهم من الأحكام وتعليقهم القول فيه، كما سئل عثمان رضي الله عنه عن الجمع بين الأختين بملك اليمين، فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية

(1)

، وكما سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن رجل نذر أن يصوم كل يوم إثنين فوافق ذلك يوم عيد، فقال: أمر الله بالوفاء بالنذر ونهى رسوله عن صيام يوم العيد

(2)

، فهذا مذهب من سلك طريق الورع منهم، وإن كان غيرهم قد اجتهدوا واعتبروا معاني الأصول فرجحوا أحد المذهبين على الآخر، وإليه ذهب أكثر الفقهاء، وكأن معنى حرم ذلك أن المراد بإحدى الاثنتين بيان ما حرم علينا أو تفصيله، والمراد بالأخرى مدح المؤمنين على حسن الانقياد لما أمروا به والانتهاء عما نهوا عنه من غير تفصيل ولا تعيين؛ ولأن إحدى الاثنتين أخص في المعنى، وهو قوله:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} والأخرى أعم، وهي {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فقضوا بالأخص على الأعم.

(1)

رواه مالك في "الموطأ" ص 333، ومن طريقه الشافعي في "المسند" 2/ 16 - 17 (بترتيب السندي)، وعبد الرزاق 7/ 189 (12728)، والدارقطني 3/ 281، والبيهقي في "السنن" 7/ 163.

(2)

سلف برقم (1994).

ص: 46

‌12 - [باب]{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} الآية [البقرة:142]

4486 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، سَمِعَ زُهَيْرًا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا -أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا- وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَإِنَّهُ صَلَّى -أَوْ صَلاَّهَا- صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكَّةَ. فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا، لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [انظر: 40 - مسلم: 525 - فتح: 8/ 171]

ذكر فيه حديث البراء رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا. الحديث.

سلف في الإيمان في باب: الصلاة من الإيمان

(1)

، وسلف مختصرًا أيضًا في باب: التوجه نحو القبلة

(2)

وكان تحويل القبلة قبل بدر، ولم يقتل أحد قبل بدر إنما مات قبل التحويل البراء بن معرور في صفر، قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأبو أمامة أسعد بن زرارة مات ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبنى بعد الهجرة بستة أشهر، نبه عليه الدمياطي بخطه قبالة قوله: وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا، والمراد بالناس في الآية اليهود، وعند الطبري أهل الكتاب، وقيل: المنافقون

(3)

.

(1)

سبق برقم (40).

(2)

سبق برقم (399)

(3)

"تفسير الطبري" 2/ 3 - 4.

ص: 47

والسفهاء: جمع سفيه، والسفيه: الخفيف العقل، من قولهم: ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج، وقال المؤرج: السفيه: البهات الكذاب المتعمد خلاف ما يعلم، وقال قطرب: هو الجهول الظلوم، وقال المفسرون: ومعنى {سَيَقُولُ} ، قال: جعل المستقبل موضع الماضي دلالة على استدامة ذلك وأنهم مستمرون عليه، ومعنى {وَلَّاهُمْ}: يوليهم و {مُسْتَقِيمٍ} : بَيّنٌ واضح أي: حيث أمر أن يصلي فهو طريق مستقيم، وأسلفنا هناك أن القبلة حولت في العصر، وقيل: الظهر، وقيل: في الصبح، ذكره الداودي وهو غريب، نعم بلغ أهل قباء وهم في الصبح.

ص: 48

‌13 - [باب] قَوْله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} الآية [البقرة: 143]

4487 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَأَبُو أُسَامَةَ -وَاللَّفْظُ لِجَرِيرٍ- عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَقَالَ أَبُو أُسَامَة، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ. فَيُقَالُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ". {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] وَالْوَسَطُ: الْعَدْلُ. [انظر: 3339 - فتح: 8/ 171].

ذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُو: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ نعَمْ. فَيُقَالُ لأمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ". {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143، وَالْوَسطُ: العَدْلُ.

وفيه: أن الله تعالى يقيم الحجة يوم القيامة، ومنه:{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} [النحل: 111] وسؤاله تعالى نوحًا عن البلاغ وهو أعلم من باب التنبيه على أمته كما قال لعيسى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ} [المائدة: 116] وذكر في حديث آخر تمام الحديث.

ص: 49

قال: "يقول قوم نوح: كيف تشهدون علينا ونحن أول الأمم؟ فتقولون: نشهد أن الله بعث إلينا رسولًا، وأنزل علينا كتابًا وكان فيما أنزل علينا خبركم".

وقوله: (والوسط: العدل)، أي؛ لأن أحمد الأشياء أوسطها، ومنه:{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] أي: خيارهم.

وقال ابن جرير: الوسط: العدل والخيار

(1)

، وأنا أرى أنه في هذا الموضع بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين، مثل وسط الدار، وأرى أن الله تعالئ إنما وصفهم بذلك لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه كالنصارى ولا هم أهل تقصير فيه كاليهود.

(1)

"تفسير الطبري" 2/ 7 - 9.

ص: 50

‌14 - [باب] قَوْله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} الآية [البقرة: 143]

4488 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ أَنْزَلَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُرْآنًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَة، فَاسْتَقْبِلُوهَا. فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. [انظر: 403 - مسلم: 526 - فتح: 8/ 173]

ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: قد أُنزلِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قرآن أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. فَتَوَجَّهُوا إِلَى الكَعْبَةِ.

هذا الحديث سلف في الصلاة، والآية جواب لقولهم:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} والمعنى: أن قريشًا كانت تألف الكعبة، فأراد الله أن يمتحنهم بغير ما ألفوه؛ ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه، والمعنى: إلا ليعلم ذلك علم مشاهدة وأن من أنكر علمه كفر، وقوله:{وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} قال ابن عباس: يعني: تحويل القبلة

(1)

، فالتقدير: وإن

(2)

كان التحويل لكبيرة.

(1)

رواه الطبري 2/ 18، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 251.

(2)

كررت في الأصل.

ص: 51

‌15 - [باب] قَوْله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 145]

4489 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ غَيْرِى. [فتح: 8/ 173]

ذكر فيه عن أنس رضي الله عنه: قَالَ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ صَلَّى القِبْلَتَيْنِ غَيْرِي.

الذي صلوا إليها هم المهاجرون

(1)

الأولون وهم السابقون، وقاله أنس في آخر عمره، فإنه عُمِّر كما سلف، وقد عدد ابن منده آخر من مات بالأمصار، وآخر من مات مطلقًا أبو الطفيل عامر بن واثلة، قال البراء: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله هذِه الآية

(2)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: ينبغي أن يقول: هم المهاجرون الأولون وأن يقول: من الأنصار، وكل من أسلم قبل تحويل القبلة، والتحويل تقدم بعد كم من المقدم، والأصح من أقوال نحو عشرة أنه بعد مضي ستة عشر شهرًا كما هو في مسلم، وأنس من الأنصار بالاتفاق وليس من .. المهاجرين، والكلام في الأصل سقط منه شيء وإلا فلا يستقيم على هذا لوجود (

) في الأصل. والله أعلم.

(2)

سلف برقم (399).

ص: 52

‌16 - [باب] قوله: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} إِلَى: {الظَّالِمِينَ} [البقرة: 145]

4490 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما بَيْنَمَا النَّاسُ فِي الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ جَاءَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَأُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ أَلَا فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَ وَجْهُ النَّاسِ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الْكَعْبَةِ. [انظر: 403 - مسلم: 526 - فتح: 8/ 174]

ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور في الباب قبله.

ص: 53

‌17 - [باب] قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} الآية. [البقرة: 146]

4491 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. [انظر: 403 - مسلم: 526 - فتح: 8/ 174]

ذكر فيه حديث ابن عمر أيضًا.

قال قتادة والضحاك: أي: يعرفون أن القبلة هي الكعبة، أي: قبلة الأنبياء كمعرفتهم أبناءهم.

(1)

وقال الواحدي: نزلت في مؤمني أهل الكتاب؛ عبد الله بن سلام وأصحابه كانوا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته في كتابهم كما يعرف ولده إذا رآه، قال ابن سلام: لأنا كنت أشد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم مني بابني، فقال له عمر: وكيف ذاك؟ قال: لأني أشهد أن محمدًا رسول الله حقًا يقينًا وأنا لا أشهد بذلك لابني؛ لأنني لا أدري ما أحدثت النساء، فقال له عمر: وفقك الله

(2)

.

وقال الزمخشري: أي: يعرفون الرسول بخلته فلا يشتبه عليهم كما لا يشتبه أبناؤهم عليهم، وأضمر الرسول ولم يتقدم ذكره؛ لأن الكلام نزل عليه، وفي هذا الإضمار تفخيم وأنه لشهرته معلوم بغير إعلام، وقيل: الضمير للعلم أو القرآن أو لتحويل القبلة.

(1)

رواه الطبري في تفسيره 2/ 25، وابن أبي حاتم 1/ 255.

(2)

"أسباب النزول" ص (47).

ص: 54

وقوله: ({كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}) ويشهد للأول، وخص الأبناء؛ لأنهم أعرف وأشهر لصحبة الآباء

(1)

.

وفي "تفسير مقاتل" قال حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وابن صوريا وكنانة ووهب بن يهوذا وأبو رافع لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تطوفون بالكعبة، حجارة مثبتة؟ فقال عليه السلام:"إنكم لتعلمون أن الطواف بالبيت حق وأنه هو القبلة مكتوب في التوراة والإنجيل" فنزلت.

وقوله: ({الْمُمْتَرِينَ}) أي: الشاكين. حذر الله نبيه أن يأخذ بقلبه شيئًا من قولهم.

(1)

"الكشاف" 1/ 187.

ص: 55

‌18 - [باب] قوله: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} إلى {قَدِيرٌ} [البقرة: 148]

4492 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ -أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ- شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ. [انظر: 40 - مسلم: 525 - فتح: 8/ 174]

ذى فيه حديث البراء: صليتُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ -أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ- شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ نَحْوَ الكعبة.

وقد سلف قريبًا

(1)

.

(1)

سلف برقم (4486)، باب قوله تعالى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} .

ص: 56

‌19 - [باب] قوله: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية [البقرة: 149]

شَطْرُهُ: تِلْقَاؤُهُ.

4493 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ بَيْنَا النَّاسُ فِي الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ: أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، فَأُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ، فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ وَكَانَ وَجْهُ النَّاسِ إِلَى الشَّأْمِ. [انظر: 403 - مسلم: 526 - فتح: 8/ 175]

ذكر فيه حديث ابن عمر السالف أيضًا، وشطره: قصده ونحوه.

ص: 57

‌20 - [باب] قوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ} الآية [البقرة: 150]

4494 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْقِبْلَةِ. [انظر: 403 - مسلم: 526 - فتح: 8/ 175].

ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

قال مجاهد: هم مشركو العرب، وقولهم: راجعت قبلتنا

(1)

، وقد أجيبوا عن هذا بقوله:{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} .

وقيل: المعنى: لئلا يقولوا لكم قد أمرتم باستقبال الكعبة ولستم ترونها، فلما قال:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} زال هذا، وقيل: هو يتعلق بما قبله، وزعم أبو عبيدة أن (إلا) هنا بمعنى الواو

(2)

وهو خطأ عند حذاق النحاة

(3)

، والقول أنه استثناء أبين، أي: لكن الذين ظلموا منهم، فإنهم يحجون.

قال الداودي: أمر الناس أن يستقبلوا المسجد الحرام، وصلى عليه السلام إلى الكعبة وهو داخل المسجد، فمن في مكة خارجه يستقبل المسجد، ومن كان خارجها فالحرم، وهو كله مسجد، وقال بعض الناس: إن من

(1)

رواه الطبري 2/ 35 - 36.

(2)

"مجاز القرآن" 1/ 60.

(3)

منهم الفراء كما في "معانيه" 1/ 89، وابن جرير في "تفسيره" 2/ 37.

ص: 58

بَعُدَ عن مكة يستقبل ما يحاذيها إلى جهة المشرق أو المغرب، وكأنه يرى أن لو خط من البيت خطًّا إلى جهة المشرق أو خطًّا إلى جهة المغرب، ثم يستقبل كل من وراء الخط من أي الجهتين كان ذلك الخط، وهو معنى قول مالك، وروي نحوه عن عمر، وإليه ذهب النووي كما سلف في بابه، واحتج بقوله عليه السلام:"لا يستقبل أحدكم القبلة بغائط أو بول، ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" وقال: فدل أن الصلاة لا تكون إلى شرق أو غرب، قال: فصلاة أهل الجهات التي تقارب مكة من كل جهة تدل على خلاف هذا القول.

ص: 59

‌21 - [باب] قَوْلِهِ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية [البقرة: 158]

شَعَائِرُ: عَلَامَاتٌ، وَاحِدَتُهَا: شَعِيرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّفْوَانُ الْحَجَرُ. وَيُقَالُ الْحِجَارَةُ [الْمُلْسُ] الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، وَالْوَاحِدَةُ: صَفْوَانَةٌ بِمَعْنَى الصَّفَا، وَالصَّفَا لِلْجَمِيعِ.

4495 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فَمَا أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَلاَّ لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللهُ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158][انظر: 1643 - مسلم: 1277 - فتح: 8/ 175].

4496 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ: كُنَّا نَرَى أَنَّهُمَا مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلَامُ أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} إِلَى قَوْلِهِ {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} . [البقرة: 158].

ثم ساق حديث هشام عن أبيه، قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} .. الحديث. سلف في الحج وكذا حديث أنس الذي بعده، وزعم بعضهم فيما حكاه ابن العلاء في "أحكامه" ووهاه، نسخ هذِه

ص: 60

الآية بقوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 130] أي: إن قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ} إِذْن من الله وإباحة، وتخيير في الفعل والترك.

وقوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} عزم وجزم وأمر باتباع ملته في جميع مناسك الحج وهذا منها.

ومعنى شعائر: ما ذكره من أعلام الله التي تدل على طاعته، وهي ما كان من موقف أو سعي أو ذبح. وشعيرة بمعنى مشعرة

(1)

، والصفا مقصور: مكان مرتفع عند باب المسجد الحرام، وهو أنف من جبل أبي قبيس، وهو الآن درج فوقه أزج كإيوان

(2)

، كان عليه صنم على صورة رجل يقال له: إساف بن عمرو، وعلى المروة صنم على صورة امرأة تدعى نائلة -وعكس مقاتل- بنت ذئب، ويقال: بنت سهيل، زعموا أنهما زنيا في الكعبة فمسخا فوضعا على الصفا والمروة للاعتبار، فلما طالت المدة عبدا.

وقال عياض: حولهما قُصَي فجعل أحدهما ملاصق الكعبة والآخر بزمزم، وقيل: جعلهما بزمزم ونحر عندها، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كسرهما.

وفي "فضائل مكة" لرزين: لما زنيا لم يمهلهما الله أن يفجرا فيها فمسخهما فأخرجهما إلى الصفا والمروة، فلما كان عمرو بن لحي نقلهما إلى الكعبة ونصبهما على زمزم فطاف الناس بالكعبة وبهما

(3)

.

والصفا واحد، والمثنى صفوان، والجمع أصفاء.

(1)

انظر: "جمال القراء" ص 295.

(2)

انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" 3/ 181.

(3)

"إكمال المعلم" 4/ 353.

ص: 61

وقوله: (الحجارة الملس التي لا تنبت شيئًا) يعني أن الأخر التي يكون فيها طرف يأخذ التراب تنبت، وكذلك التي يكون فيها الشقوق.

وقوله: (والواحدة صفوانة) يريد وا حدة صفوان، وأما واحدة الصفا، فصفاة. قاله ابن التين.

والمروة: الحصاة الصغيرة قليلها مروات وكثيرها مرو، مثل تمرة وتمرات وتمر، فقال الكفار: إنه حرج عليه أن يطوف بهما فأنزل الله الآية.

ص: 62

‌22 - باب قَوْلِه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا} . [البقرة:165]

أَضْدَادًا، وَاحِدُهَا نِدٌّ.

4497 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَلِمَةً وَقُلْتُ أُخْرَى، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ". وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ وَهْوَ لَا يَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا دَخَلَ الْجَنَّةَ. [انظر:

1238 -

مسلم: 92 - فتح: 8/ 176]

ثم ساق حديث عبد الله رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كلِمَةً وَقُلْتُ أُخْرى، قَالَ:"مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ". وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ وَهْوَ لَا يَدْعُو لله نِدًّا دَخَلَ الجَنَّةَ.

وقد سلف في أول الجنائز بمعناه ويأتي في النذور

(1)

. وأخرجه مسلم والنسائي

(2)

.

وما فسره في قوله: أندادًا. هو قول أبي عبيدة

(3)

، وقال قتادة وغيره: الند: المِثلُ

(4)

. وما ذكره عبد الله يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان"

(5)

.

(1)

سلف برقم (1238)، وسيأتي برقم (6683).

(2)

مسلم (92)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 294 (11011).

(3)

"مجاز القرآن" 1/ 34.

(4)

انظر: "تفسير الطبري" 1/ 98 - 199.

(5)

سلف برقم (22) كتاب: الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان، ورواه مسلم (184).

ص: 63

‌23 - [باب] قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إِلَى قَوْلِه: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178]

{عُفِيَ} [البقرة:178]: تُرِكَ.

4498 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] فَالْعَفْوُ: أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] يَتَّبِعُ بِالْمَعْرُوفِ وَيُؤَدِّى بِإِحْسَانٍ، {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَة} [البقرة: 178] مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] قَتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ. [6881 - فتح: 8/ 176]

4499 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاريُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كِتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ". [انظر: 2703 - مسلم: 1675 - فتح 8/ 177]

ثم ساق حديث مجاهد سمعت ابن عباس يقول: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ القِصَاصُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لهذِه الأُمَّةِ:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] فَالْعَفْوُ: أَنْ يَقْبَلَ الدّيَةَ فِي العَمْدِ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} يَتَّبعُ بِالْمَعْرُوفِ وَيُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ، {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. ومعنى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} : قبول الدية من العمد. وقيل: هو فيمن قتل وله وليان، فعفا أحدهما فللآخر أن

ص: 64

يأخذ مقدار حصته من الدية.

وفيه تصريح بالنسخ المستفاد من الآية، وهو نسخ حكم بحكم القتل في بني إسرائيل إلى تخيير من له الدم.

وقوله: (فالعفو أن يقبل الدية) دال على أن التخيير عنده للأولياء لا للقاتل، وقد روي غيره، وهي مسألة خلاف لأهل العلم: هل الواجب القود، والدية بدل عنه عند سقوطه، أو أحد الأمرين لا بعينه؟ وهما قولان للشافعي. أصحهما أولهما. هو خلاف أيضا هل التخيير للولي أو للقاتل؟ والمشهور عنه الأول

(1)

.

وفي "تفسير مقاتل" أن حكم أهل الإنجيل العفو ولا قصاص ولا دية. وتقتل الجماعة بالواحد، خلافًا لداود

(2)

. وحكي عن [ابن]

(3)

الزبير وجابر والزهري

(4)

. وروى جويبر عن الضحاك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل اثنان بواحد"

(5)

وهذا كما ترى: ضعيف منقطع.

(1)

انظر: "روضة الطالبين" 9/ 239.

(2)

انظر: "الاستذكار" 25/ 234 - 235.

(3)

ساقطة من الأصول، والمثبت من "الاستذكار" 25/ 235، "مصنف عبد الرزاق" 9/ 479.

(4)

روى أثري ابن الزبير والزهري عبدُ الرزاق في "مصنفه" 9/ 479 (18083 - 18085).

(5)

لم أقف عليه من هذا الطريق، لكن روى ابن أبي شيبة 5/ 454 (27929)، والطبري في "تفسيره" 8/ 76، والبيهقي 8/ 25 عن سعيد بن جبير في قوله تعالى:{فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33]. قال: أن يقتل اثنين بواحد.

وروى البيهقي أيضًا 8/ 25 عن ابن عباس في هذِه الآية قال: لا يقتل اثنين بواحد. وقد روي ما قد يشبه معناه عن طلق بن حبيب، والضحاك، وقتادة كما عند الطبري في "تفسيره" 8/ 76 - 77. قالوا في قوله تعالى:{فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] قالوا: لا تقتل غير قاتله. وقد ذكر هذا القول الشافعي كما في "السنن" للبيهقي 8/ 25 ثم قال: وهذا يشبه ما قيل.

ص: 65

وفي "رءوس المسائل" للقرافي إحدى الروايتين: إذا قتلت الجماعة رجلًا، يقتل واحد منهم، ويجب على الباقين الدية، وهو مذهبنا إذا قتل بعضهم أخذ حصة الباقين من الدية وتوزع على عدد رءوسهم

(1)

.

قال الفراء: الآية نزلت في حيَّين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الكثرة والشرف؛ فكانوا يتزوجون نساءهم بغير مهر؛ فقتل الأوضع من الحيَّين من الشريف قتلى، فأقسم الشريف ليقتلن الذكر بالأنثى، والحر بالعبد، وأن يضاعفوا الجراحات؛ فأنزل الله هذا على نبيه، ثم نسخت بـ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}

(2)

. وحكاه النحاس عن ابن عباس.

وعنه: كان الرجل لا يقتل بالمرأة، ولكن يقتل الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة؛ فنزلت:{أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}

(3)

.

وقال السدي: نزلت في فريقين وقعت بينهما قتلى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاد بينهما؛ ديات النساء بديات الرجال، وديات الرجال بديات النساء

(4)

.

(1)

في كون هذا القول مذهبًا للشافعية نظر؛ قال النووي في "الروضة" 9/ 159: إذا قتلت الجماعة واحدًا قتلوا به، وأثبت ابن الوكيل قولًا: إن الجماعة لا يقتلون بالواحد، ونقل الماسرجسي عن القفال قولًا قديمًا أن الولي يقتل واحدًا من الجماعة أيهم شاء، ويأخذ حصة الآخرين من الدين ولا يقتل الجميع، وهذان القولان شاذان واهيان والمشهور قتل الجماعة بالواحد. اهـ.

(2)

"معاني القرآن" للفراء 1/ 108 - 109.

(3)

رواه الطبري 2/ 110.

(4)

كذا وقع بالأصل قول السدي، وفي "تفسير الطبري" 2/ 109: فأصلح بينهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يؤدي الحر دية الحر، والعبد دية العبد، والأنثى دية الأنثى، فقاصّهم بعضهم من بعض.

ص: 66

وقال علي والحسن: إنه على التراجع، إذا قتل رجل امرأة كان أولياء المرأة بالخيار بين قتله وأداء نصف الدية، وفي عكسه بالخيار بين قتلها وأخذ نصف الدية أو الدية كاملة. هاذا قتل رجل عبدًا؛ فإن شاء سيده قتله وأخذ بقية الدية بعد ثمن العبد، وفي عكسه: إن شاءوا قتلوه وأخذوا بقية الدية، وإن شاءوا أخذوا الدية

(1)

.

وقيل: إن الآية معمول بها يقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى با لأنثى، ويقتل الرجل بالمرأة، وعكسه، والحر بالعبد وعكسه. لقوله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} ، ولقول رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام:"المؤمنون تتكافأ دماؤهم"

(2)

وهو قول الكوفيين في العبد خاصة إلا عبد نفسه، خلافًا للنخعي فيه

(3)

.

وعند أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما كانت النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلًا من قريظة ودي بمائة وسق، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضير رجلًا من قريظة فقالوا: بيننا وبينكم رسول الله فأتوه، فنزلت:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}

(4)

[المائدة: 42]. وقالت طائفة: الآية مبينة للحكم، النوع مع النوع فقط لا لأحدهما مع الآخر فهي محكمة.

(1)

السابق 2/ 109.

(2)

رواه أبو داود (2751) وابن ماجه (2685) وأحمد 2/ 215 وعبد الرزاق 5/ 226 وابن الجارود في "منتقاه" 1/ 194 (771) كلهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" وله شاهد عن علي رواه النسائي 8/ 24 وأحمد 1/ 119 والحاكم 2/ 153 والدارقطني 3/ 98.

(3)

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 227 - 228، 230.

(4)

أبو داود (4494).

ص: 67

فائدة:

أصل القصاص المماثلة والمساواة.

قوله: ({فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] قَتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ). وقال قتادة: يقتل ولا تؤخذ منه الدية

(1)

.

ثم ذكر حديث الرُبَيِّع، وقد سلف في: الصلح، ويأتي في: الديات

(2)

، وفي سورة المائدة

(3)

.

وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه

(4)

.

وهو دال على جواز أخذ الدية في العمد، وذكر عبد بن حميد عن علي رضي الله عنه: كان الرجل في الجاهلية إذا قتل قتيلًا جاء قومه يصالحون بالدية فيجيء القاتل وقد أمن على نفسهِ فيعمد ولي المقتول فيقتله، ثم يطرح إليهم الدية

(5)

.

واختلف العلماء فيمن قتل بعد أخذها على قولين: أحدهما أنه كمن قتل ابتداء إن شاء قتله وإن شاء عفا عنه وعذابه في الآخرة، وهو قول جماعة منهم مالك والشافعي

(6)

.

والثاني: عذابه القتل ولا يمكِّن الحاكم الولي من العفو، قاله قتادة وعكرمة والسدي

(7)

وغيرهم.

(1)

رواه الطبري 2/ 117.

(2)

سيأتي برقم (6894) باب: السن بالسن.

(3)

سياتي برقم (4611) باب: قوله {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} .

(4)

أبو داود (4595)، والنسائي في "المجتبى" 8/ 27، وابن ماجه (2649).

(5)

رواه عبد بن حميد في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" 1/ 317 لكن عن الحسن.

(6)

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 237.

(7)

انظر هذِه الآثار في "تفسير الطبري" 2/ 117.

ص: 68

وفي أبي داود من حديث الحسن عن جابر رضي الله عنه، ولم يسمع منه أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا أعفو عمن قتل بعد أخذ الدية

(1)

.

وروي مرسلًا عن الحسن

(2)

وكأنه أشبه. قال أبو الليث: معناه عندنا: أنه إذا طلب الولي القتل، فأما إذا عفا عنه الثاني وتركه جاز عفوه؛ لأنه قتل بغير حق فكان كالقاتل الأول؛ لأنه لو عفا عنه جاز ذلك فكذلك الثاني

(3)

.

(1)

أبو داود (4507).

(2)

رواه البيهقي في "سننه" 8/ 53 ثم قال: هذا منقطع. اهـ.

(3)

"بحر العلوم" 1/ 181.

ص: 69

‌24 - [باب] قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام} الآية [البقرة: 183]

4501 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ عَاشُورَاءُ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ قَالَ:"مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ". [انظر: 1892 - مسلم: 1126 - فتح: 8/ 177]

4502 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: كَانَ عَاشُورَاءُ يُصَامُ قَبْلَ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ قَالَ:"مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ". [انظر: 1592 - مسلم: 1125 - فتح: 8/ 177]

4503 -

حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ الأَشْعَثُ وَهْوَ يَطْعَمُ فَقَالَ: الْيَوْمُ عَاشُورَاءُ! فَقَالَ: كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ، فَادْنُ فَكُلْ. [مسلم: 1127 - فتح: 8/ 178]

4504 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ الْفَرِيضَةَ، وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ، فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ. [انظر: 1592 - مسلم: 1125 - فتح: 8/ 178].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أي: فرض، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي: المفطرات وهو وصله إلى التقوى؛ لأنه يكف عن الشهوات المؤدية إلى المعاصي.

ص: 70

ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كَانَ عَاشُورَاءُ يَصُومُهُ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ قَالَ:"مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ".

وأخرجه مسلم والنسائي

(1)

.

وحديث عائشة رضي الله عنها كَانَ عَاشُورَاءُ يُصامُ قَبْلَ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ قَالَ:"مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ".

وذكر بعده حديثًا آخر عنها: وقد سلفا في الصوم

(2)

.

وذكر حديث عبد الله قال: دَخَلَ عَلَيْهِ الأَشْعَثُ وَهْوَ يَطْعَمُ فَقَالَ: اليَوْمُ عَاشُورَاءُ! فَقَالَ: كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ، فَادْنُ فَكُلْ.

وقد ذكره في أيام الجاهلية.

(1)

مسلم (1126)، والنسائي 4/ 204.

(2)

برقم (1893).

ص: 71

‌25 - [باب] قَوْلِهِ: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} إلى {تَعْلَمون} [البقرة:184]

وَقَالَ عَطَاءٌ: يُفْطِرُ مِنَ الْمَرَضِ كُلِّهِ كَمَا قَالَ اللَّه. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ: فِي الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا؛ تُفْطِرَانِ ثُمَّ تَقْضِيَانِ. وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ؛ فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا وَأَفْطَرَ. قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ {يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184] وَهْوَ أَكْثَرُ.

4505 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَلْيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. [فتح: 8/ 179]

ثم ساق حديث عَطَاءٍ، عن إسحاق، أنا روح، ثنا زكريا بن إسحاق، ثنا عمرو بن دينار، عن عطاء.

سَمِعَ ابن عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {وَعَلَى الذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . قَالَ ابن عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.

الشرح:

معنى (معدودات): قضى مثلها إذا أفطرها وفي التتابع خلاف، ونقل ابن التين عن مالك وأصحابه أنه يفرقها إن شاء، قال:

ص: 72

وقيل: إن أفطرها متتابعة قضاها كذلك، وإن كانت متفرقة قضاها كذلك، وهذِه الآية منسوخة، بقوله:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وكذا بينه سلمة كما ستعلمه، وأبعد من قال: إن الهاء في (يطيقونه) تعود إلى الفدية إذ لا ذكر لها. وقيل: معناها كمعنى (يُطوّقونه)، أنهم يتكلفون الصوم على مشقة. وقد أوضحنا ذلك في بابه فراجعه منه.

ص: 73

‌26 - [باب]{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية [البقرة: 185]

4506

- حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَرَأ: فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ. قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. [انظر: 1949 - فتح: 8/ 180]

4507 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَة، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 185] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِىَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا. [مسلم:1145 - فتح: 8/ 181] قال أبو عبد الله: مَاتَ بُكَيْرٌ قَبْلَ يَزِيدَ.

ذكر فيه أثر ابن عمر وسلمة بن الأكوع وقد سلفا في الصيام

(1)

مع الكلام عليهما. والبخاري روى أثر سلمة، وقال: مَاتَ بُكَيْرٌ قَبْلَ يَزِيدَ. وهو كما قال، وكان بكير بن عبد الله هو ابن الأشج، مات بالمدينة سنة سبع عشر ومائة، وقيل: سنة عشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، وقيل: سنة سبع وعشرين

(2)

، ومات يزيد بن أبي عُبيد بالمدينة سنة ست أو سبع وأربعين ومائة

(3)

.

وأثر عطاء رواه ابن جريج عنه

(4)

.

(1)

في باب: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} .

(2)

انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 4/ 242 (765).

(3)

انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 32/ 206 (7028).

(4)

رواه عبد الرزاق 4/ 219 عن ابن جريج عنه. وللبخاري مع هذا الأثر قصة رواها الحاكم في "معرفة علوم الحديث" ص 75 حيث ساق بسنده إلى البخاري أنه قال: اعتللت بنيسابور علة حفيفة وذلك في =

ص: 74

وأثر الحسن وإبراهيم أخرجهما عبد بن حميد، وكذا أثر أنس

(1)

. وإسحاق السالف هو ابن إبراهيم كما صرح أبو نعيم في "مستخرجه"، وروح هو ابن عبادة، وزكرياء ثقة، وعمرو لا يسأل عنه، وعطاء هو ابن أبي رباح أسلم كما صرح به خلف وغيره، وإن كان روى عن ابن عباس عطاء بن يسار أيضًا.

= شهر رمضان، فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله؟ فقلت: نعم. قال: خشيت أن تضعف عن قبول الرخصة. فقال: أخبرنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من أي المرض أفطر؟ قال: من أي مرض كان، كما قال الله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} قال البخاري: ولم يكن هذا عند إسحاق.

(1)

عزا آثار الحسن وإبراهيم وأنس إلى عبد بن حميدٍ السيوطيُّ كما في "الدر المنثور" 1/ 326، 327.

ص: 75

‌27 - [باب] قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]

4508 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه. لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}. [البقرة:187] [انظر: 1915 - فتح: 8/ 181]

ذكر فيه حديث البراء رضي الله عنه: لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لَا يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَال يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى:{عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} الآية [البقرة: 187].

الشرح:

(الرفث): الجماع عند ابن عباس

(1)

وقيل: منعوا من إتيانهن (ما ناموا)

(2)

. وقوله: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} أي: الرخصة أو الولد أو ليلة القدر

(3)

.

(1)

رواه الطبري 2/ 166، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 315.

(2)

في الأصل: (ما لم يناموا)، وهو خطأ؛ يبينه ما رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 315 عن معاذ بن جبل قال: أحيل الصيام على ثلاثة أحوال، كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا من ذلك ..

(3)

انظر: "تفسير الطبري" 2/ 175 - 176.

ص: 76

‌28 - [باب] قَوْلِه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر} إلى قوله {عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]

الْعَاكِفُ: الْمُقِيمُ.

4509 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيٍّ قَالَ: أَخَذَ عَدِيٌّ عِقَالاً أَبْيَضَ وَعِقَالاً أَسْوَدَ، حَتَّى كَانَ بَعْضُ اللَّيْلِ نَظَرَ فَلَمْ يَسْتَبِينَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلْتُ تَحْتَ وِسَادِي. قَالَ:"إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ أَنْ كَانَ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ". [انظر: 1916 - مسلم: 1090 - فتح: 8/ 182]

4510 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَد؟ أَهُمَا الْخَيْطَانِ؟ قَالَ:"إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ". ثُمَّ قَالَ: "لَا بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ". [انظر: 1916 - مسلم: 1090 - فتح: 8/ 182]

4511 -

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: وَأُنْزِلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة:187] وَلَمْ يُنْزَلْ {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] وَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللهُ بَعْدَهُ {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِي: اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ. [انظر: 1917 - مسلم: 1091 - فتح: 8/ 182]

ذكر فيه حديث عدي من طريقين، وحديث سهل وقد سلفا في الصوم

(1)

.

(1)

سلفا برقم: (1916، 1917).

ص: 77

‌29 - [باب] قَوْلِهِ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189]

4512 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَتَوُا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّه:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} . [البقرة: 189]. [انظر: 1803 - مسلم: 3026 - فتح: 8/ 183]

ذكر فيه حديث البراء رضي الله عنه كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله الآية المذكورة، وقد سلف في الحج

(1)

، قيل: كانت تفعله قريش.

(1)

برقم (1803).

ص: 78

‌30 - [باب] قَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِي (193)} [البقرة: 193]

4513

- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَتَاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ ضُيِّعُوا، وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي. فَقَالَا: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] فَقَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللهِ. [انظر: 3130 - فتح: 8/ 183]

4514 -

وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِىِّ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا وَتَعْتَمِرَ عَامًا، وَتَتْرُكَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ عز وجل، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللهُ فِيهِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: إِيمَانٍ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلَاةِ الْخَمْسِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ. قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} {إِلَى أَمْرِ اللهِ} [الحجرات: 9] {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَة.} ؟! [البقرة: 193] قَالَ: فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الإِسْلَامُ قَلِيلاً، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا قَتَلُوهُ، وَإِمَّا يُعَذِّبُوهُ، حَتَّى كَثُرَ الإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ. [انظر: 8، 3130 - مسلم: 16 - فتح: 8/ 184]

4515 -

قَالَ فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ: أَمَّا عُثْمَانُ فَكَأَنَّ اللهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنُهُ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ: هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ. [انظر: 3130 - فتح: 8/ 184]

ص: 79

ذكر فيه حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أَتَاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابن الزُّبَيْرِ فَقَالَا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ ضُيِّعُوا، وَأَنْتَ ابن عُمَرَ وَصَاحِبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي. فَقَالَا: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] فَقَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لله، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللهِ.

وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابن وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو المَعَافِرِيِّ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ. الحديث.

والمراد بالفتنة في الآية الشرك كما قاله ابن عباس وغيره

(1)

، ويكون الدين لله أي: يخلص التوحيد لله، قاله ابن عباس أيضًا

(2)

، وعبارة قتادة وغيره: حتى يقولوا: لا إله إلا الله

(3)

. وعبارة الحسن وزيد بن أسلم: حتى لا يعبد إلا الله

(4)

، والظالم من أبى أن يقول: لا إله إلا الله، قاله قتادة وعكرمة. وعن الربيع: هم المشركون

(5)

، وأضمر بعضهم في قوله:{فَإِنِ انْتَهَوْا} أي: انتهى بعضهم {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} منهم، وأباه بعضهم، وهذا على وجه المجازاة لما كان من المشركين الاعتداء، يقول: افعلوا بهم مثل (الذي)

(6)

فعلوا بكم

(7)

.

(1)

رواه الطبري 2/ 200 وقاله مجاهد وقتادة والسدي والربيع.

(2)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 328.

(3)

رواه الطبري 2/ 201.

(4)

ذكره ابن أبي حاتم 1/ 328.

(5)

روى هذِه الاثار الطبري 2/ 201.

(6)

في الأصل: الذين، والمثبت هو المناسب للسياق.

(7)

انظر: "تفسير الطبري" 2/ 201، 202.

ص: 80

والرجلان اللذان أتياه هما من أهل العراق، وفلان المذكور هو عبد الله بن لهيعة المصري القاضي، فيما ذكره بعض الحفاظ

(1)

، والرجل في قوله:(أن رجلًا أتى ابن عمر) وقال بعده: (قال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ} ذكر الحميدي أن البخاري سماه حكيمًا

(2)

.

وقوله: (وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، وأشار بيده وقال: هذا بيته حيث ترون).

فيه دلالة أن الزوج يسمى ختنًا.

قال ابن فارس: الختن: أبو الزوجة

(3)

.

وقال الأصمعي: إن الأَخْتانَ من قبل المرأة، والأحماء من قبل الزوج، وكذا قال ابن قتيبة: كل ما كان من قبل الزوج مثل: الأب والأخ فهم الأحماء، وكل من كان من قبل المرأة فهم الأختان، والصهر يجمع ذلك كله

(4)

.

وقوله: (هذا بيته) يريد بين أبيات النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

ورد بهامش الأصل: ذكر ذلك المزي في "أطرافه" والذهبي في "تذهيبه" والظاهر أنه كذا في أصله. والله أعلم. ["الأطراف" (7606)].

(2)

"الجمع بين الصحيحين" 2/ 280 (1442).

(3)

"مجمل اللغة" 2/ 312 (ختن).

(4)

"أدب الكاتب" ص 172 - 173.

ص: 81

‌31 - [باب] قَوْلِه: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195]

التَّهْلُكَةُ وَالْهَلَاكُ وَاحِدٌ.

4516 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ. [فتح: 8/ 185]

ثم ساق عن حُذَيْفَةَ: أنها نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ.

قلت: هو قول ابن عباس

(1)

، وعنه: الطول، ويقال لمن بيده فضل {وَأَحْسِنُوا}. وقال البراء والنعمان بن بشير وغيرهما: هو الرجل يذنب الذنب ثم يلقي بيده، ثم يقول: لا يغفر لي. وقال أبو قلابة: يقول: ليس لي توبة فينهمك في الذنوب

(2)

.

وحكى ابن أبي حاتم فيها أقوالًا، منها قول أبي أيوب: نزلت فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وظهر الإسلام قلنا بيننا: إنا كنا قد تركنا أهلينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله رسوله، فهل نقيم في أموالنا ونصلحها فنزلت، فكان الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا وندع الجهاد

(3)

، وخرجه الترمذي مصححًا

(4)

.

(1)

رواه الطبري 2/ 206 - 207.

(2)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 1/ 110 - 111.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم " 1/ 330 - 331.

(4)

الترمذي (2972).

ص: 82

والتهلكة مثلثة اللام حكاه الزجاج، والمعنى: إن لم تنفقوا في سبيل الله هلكتم، أي: عصيتم الله فهلكتم، وجائز أن يكون بتقوية عدوكم عليكم، وزعم المبرد أن المراد بالأيدي: الأنفس، فعبر بالبعض عن الكل

(1)

. وقال ابن الجوزي: إن كان الهلاك في الواجبات فهو الإثم، وإن كان في المكروهات فهو فوت الفضائل.

وقوله: {وَأَحْسِنُوا} فيه أقوال:

أحدها: في أداء الفرائض

(2)

.

ثانيها: الظن بالله

(3)

.

ثالثها: عودوا على من ليس في يده شيء

(4)

.

رابعها: صلوا الخمس، حكاه ابن أبي حاتم

(5)

.

وقال فضيل بن عياض: إن العبد لو أحسن الإحسان كله وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين

(6)

.

فائدة:

حديث حذيفة المذكور أخرجه البخاري عن إسحاق، ثنا النضر به، قال أبو علي: نسبه ابن السكن فقال: ابن إبراهيم، وقال الكلاباذي: النضر بن شميل قد روى عن إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور

(7)

.

(1)

ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 203.

(2)

رواه الطبري 2/ 212 عن رجل من الصحابة، وابن أبي حاتم 1/ 333 عن أبي إسحاق.

(3)

رواه الطبري 2/ 212، وابن أبي حاتم 1/ 333 عن عكرمة.

(4)

رواه الطبري 2/ 212 عن ابن زيد.

(5)

"تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 333.

(6)

رواه ابن أبي حاتم 1/ 333.

(7)

"تقييد المهمل" 3/ 964 - 965.

ص: 83

‌32 - [باب] قَولِهِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:196]

4517 -

حَدَّثَنَا آدَم، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي: مَسْجِدَ الْكُوفَةِ- فَسَأَلْتُهُ عَنْ: {فِدْيَةٌ مِنْ صِيَام} . فَقَالَ حُمِلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي. فَقَالَ: "مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ الْجَهْدَ قَدْ بَلَغَ بِكَ هَذَا، أَمَا تَجِدُ شَاةً". قُلْتُ لَا. قَالَ: "صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَاحْلِقْ رَأْسَكَ". فَنَزَلَتْ فِىَّ خَاصَّةً وَهْيَ لَكُمْ عَامَّةً. [انظر: 1814 - مسلمً: 1201 - فتح: 8/ 186]

ذكر فيه حديث كعب بن عجرة.

وقد سلف في الحج

(1)

، و (أرى) فيه بضم الهمزة: أظن. و (الجهد) بفتح الجيم: المشقة.

وقوله: "أما تجد شاة" قال الداودي: ليس هو في أكثر الروايات، وإنما فيه:"أطعم" أو "تصدق"، وكان ذلك عام الحديبية قبل أن يحلوا.

قال ابن أبي حاتم، عن ابن عباس: المرض أن يكون برأسه أذًى أو قرح

(2)

، وفي رواية: من اشتد مرضه

(3)

.

وعن ابن جريج: الصداع، والقمل

(4)

.

(1)

برقم (1817).

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 338.

(3)

رواها الطبري 2/ 237، وابن أبي حاتم 1/ 338.

(4)

هو قول عطاء كما في "تفسير الطبري" 2/ 236، وابن أبي حاتم 1/ 338، روى عن عطاءٍ ابن جريج.

ص: 84

وعن مجاهد: كائنًا ما كان من مرضه فادهن أو اكتحل أو تداوى

(1)

وقال عطاء فيما ذكره عبد: الصداع ونحوه

(2)

.

(1)

"تفسير مجاهد" 1/ 99. ورواه الطبري 2/ 237، وابن أبي حاتم 1/ 338.

(2)

رواه الطبري 2/ 236، وابن أبي حاتم 1/ 338، وزاد السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 386 نسبته إلى وكيع وعبد بن حميد.

ص: 85

‌33 - [باب] قوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]

4518 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يُنْزَلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. [انظر: 1571 - مسلم: 1226 - فتح: 8/ 186]

ذكر فيه حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أُنْزِلَتْ اَيَةُ المُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يُنْزَلْ قُرْاَنٌ يُحَرّمُهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأيِهِ مَا شَاءَ.

قال محمد: يقال: إنه عمر رضي الله عنه

(1)

.

تقدم ذلك في الحج

(2)

، قال ابن التين: وقوله: (قال رجل برأيه ما شاء) غير بيِّنٍ؛ لأن عمر إنما كان نهى عن فسخ الحج ولم يخالف كتاب الله ولا سنة نبيه.

(1)

رواه مسلم (1226/ 166)، ومحمد هو ابن حاتم.

قال الحافظ في "الفتح" 3/ 433: وحكى الحميدي أنه وقع في البخاري في رواية أبي رجاء عن عمران قال البخاري: يقال إنه عمر، أي الرجل الذي عناه عمران بن حصين، ولم أر هذا في شيء من الطرق التي اتصلت لنا من البخاري، لكن نقله الإسماعيلي عن البخاري كذلك فهو عمدة الحميدي في ذلك، وبهذا جزم القرطبي والنووي وغيرهما، وكأن البخاري أشار بذلك إلى رواية الجريري عن مطرف فقال في آخره: ارتأى رجل برأيه ما شاء. يعني: عمر، كذا في الأصل. أخرجه مسلم، عن محمد بن حاتم، عن وكيع، عن الثوري عنه. اهـ.

(2)

برقم (1571).

ص: 86

‌34 - [باب] قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198}

4519 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ فَنَزَلَتْ:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ. [انظر: 1770 - فتح: 8/ 186]

ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ .. إلى آخره.

سلف في الحج

(1)

والبيوع

(2)

، وشيخ البخاري فيه محمد: هو ابن سلام

(3)

. وعكاظ ومجنة، وذو المجاز أسواق نحو عرفات.

قال الداودي: وفيه دلالة على فضل الكفاف على الفقر؛ لأن الله سماه فضلًا.

(1)

برقم (1770).

(2)

برقم (2050).

(3)

انظر: "تقييد المهمل" 3/ 1016، ولم يجزم الجياني بأنه ابن سلام، وقال: لم ينسب أحد من رواة "الجامع" محمدًا هذا فيما قيَّدناه عنهم، وقد قال في الوضوء: نا محمد بن سلام، نا سفيان بن عيينة عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، وسئلا بأي شيء دُوْوِيَ جرح رسول الله .. الحديث وذكر أبو نصر محمد بن سلام فيمن روى عن ابن عيينة. اهـ.

ص: 87

‌35 - [باب] قوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} الآية [البقرة: 199]

4520 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَقِفَ بِهَا ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} . [البقرة:199].

4541 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَطَوَّفُ الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ مَا كَانَ حَلَالاً حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا رَكِبَ إِلَى عَرَفَةَ فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ هَدِيَّةٌ مِنَ الإِبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ، مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ، غَيْرَ إِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ؛ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ كَانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَنْطَلِقْ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ يَكُونَ الظَّلَامُ، ثُمَّ لِيَدْفَعُوا مِنْ عَرَفَاتٍ إِذَا أَفَاضُوا مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغُوا جَمْعًا الَّذِي يُتَبَرَّرُ فِيهِ، ثُمَّ لِيَذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا، أَوْ أَكْثِرُوا التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا ثُمَّ أَفِيضُوا، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا يُفِيضُونَ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} [البقرة: 199] حَتَّى تَرْمُوا الْجَمْرَةَ. [فتح: 8/ 187]

ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ .. الحديث.

سلف في الحج بنحوه

(1)

.

(1)

برقم (1665).

ص: 88

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: قَالَ يَطَوَّفُ الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ مَا كَانَ حَلَالًا حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا رَكِبَ إِلَى عَرَفَةَ فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ هَدِيَّةٌ .. إلى آخره.

وقيل: المراد بالناس في قوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} إبراهيم، مثل قوله:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} يعني: نعيم بن مسعود الأشجعي

(1)

، وقرئ شاذًّا (الناسي). يريد آدم

(2)

.

(1)

ذكره ابن جرير 2/ 306.

(2)

هي قراءة سعيد بن جبير كما في "المحتسب" لابن 1/ 119.

ص: 89

‌36 - [باب] قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} [البقرة: 201]

4522 -

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"[6389 - مسلم: 2690 - فتح: 8/ 187]

ثم ساق عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَقُولُ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً .. " إلى آخره

ويأتي في الدعوات

(1)

، وأخرجه مسلم أيضًا

(2)

، وفي الحسنة في الدنيا والآخرة أقوال للمفسرين ليس هذا موضعها.

(1)

برقم (6389).

(2)

مسلم (2690).

ص: 90

‌37 - [باب] قوله: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:204]

وَقَالَ عَطَاءٌ: النَّسْلُ: الْحَيَوَانُ.

4523 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ تَرْفَعُهُ قَالَ:"أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ".

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3457 - مسلم: 2668 - فتح: 8/ 188]

ذكر فيه حديث قبيصة، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَرْفَعُهُ قَالَ:"أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلدُّ الخَصِمُ".

ثم ذكره عنها من طريق آخر إليها معلقًا بلفظ: وقال عبد الله: ثنا سفيان، وعبد الله هذا: هو ابن الوليد العدني، كما نبه عليه خلف. وسفيان: هو ابن عيينة، كما صرح به الترمذي

(1)

والنسائي

(2)

.

وأما الأول فهو الثوري، لأن قبيصة كان يلازمه، وإن كان أيضًا قد روي عن ابن عيينة، ولكنه بالثوري أشهر، وذكره في المظالم عن أبي عاصم، عن ابن جريج به

(3)

.

وأثر عطاء أسنده ابن أبي حاتم عنه قال: نسل كلِّ دابة والناس أيضًا

(4)

.

(1)

الترمذي (2976).

(2)

النسائي 8/ 247 - 248.

(3)

سلف برقم (2457) باب: قول الله تعالى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} .

(4)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 367.

ص: 91

قال جماعة من أهل اللغة: النسل: الولد. زاد بعضهم: والذرية

(1)

.

قال ابن عرفة: قيل: خصم ألد لإعماله اللددين فيها، وهما جانبا فكه

(2)

، وقيل: لأنك كلما أخذت في الحجة من جانب أخذ من جانب آخر، والألد: الشديد الخصومة.

(1)

انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3563، "المجمل" 2/ 865.

(2)

كذا في الأصل، وفي "معاني القرآن" للنحاس 1/ 149: الألد في اللغة: الشديد الخصومة، مشتق من اللديدين، وهما صفحتا العنق. وكذا قال الجوهري في "الصحاح" 2/ 535، وابن فارس في "المجمل" 2/ 792.

ص: 92

‌38 - [باب] قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية [البقرة: 214]

4524

- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] خَفِيفَةً، ذَهَبَ بِهَا هُنَاكَ، وَتَلَا {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]. [فتح: 8/ 188] فَلَقِيتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ.

4525 -

فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَعَاذَ اللهِ، وَاللهِ مَا وَعَدَ اللهُ رَسُولَهُ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَائِنٌ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلِ الْبَلَاءُ بِالرُّسُلِ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَكُونَ مَنْ مَعَهُمْ يُكَذِّبُونَهُمْ، فَكَانَتْ تَقْرَؤُهَا {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا} مُثَقَّلَةً. [انظر: 3389 - فتح: 8/ 188]

ثم ساق عن ابن عباس رضي الله عنهما: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] خَفِيفَةً، ذَهَبَ بِهَا هُنَاكَ، وَتَلَا:{حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ} [البقرة: 214] فلقيت عروة بن الزبير فذكرت له ذلك، فقال: قالت عائشة رضي الله عنها: معاذ الله، والله ما وعد الله رسوله من شيء إلا علم أنه كائن قبل أن يموت .. إلى آخره.

وهذا أعلى ما ذكره عن عائشة، سلف في مناقب يوسف عليه السلام واضحًا

(1)

، ولما ذكر الحميدي المتن الأول قال: ذكرناه في مسند ابن عباس على ما ذكره أبو مسعود، وقد نقله البرقاني إلى مسند

(1)

برقم (3389).

ص: 93

عائشة، وفي رواية: كانوا بشرًا ويئسوا فظنوا أنهم قد كذبوا، ذهب بها هناك، وأومأ بها إلى السماء

(1)

.

ولابن المنذر: لما سمع الضحاك قول سعيد بن جبير لمن سأله عن هذِه الآية قال: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} : من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم. قال الضحاك: لو رحل إلى اليمن في هذِه لكان قليلًا.

وقراءة عاصم والكسائي وحمزة بالتخفيف، والباقون بالتثقيل

(2)

، وهو الذي ذهبت إليه عائشة، وهو الصحيح

(3)

كما قاله ابن الجوزي، ويحمل التخفيف على أن قوم الرسل ظنوا أنهم قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر.

وأما الآية التي ذكرها البخاري ففي "تفسير عبد الرزاق" عن قتادة أنها نزلت يوم الأحزاب، أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وأصحابه بلاء وحصر

(4)

وذكره ابن أبي حاتم عن السدي

(5)

، ونقله القرطبي عن الأكثرين

(6)

.

(1)

"الجمع بين الصحيحين" 2/ 77.

(2)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 441.

(3)

في قوله: وهو الصحيح نظر؛ فإنه لا ينبغي الترجيح بين القراءات فإذا ثبتت القراءتان لم ترجح إحداهما على الأخرى، قال النحاس في "إعراب القرآن" 3/ 538: والسلامة عند أهل الدين إذا صحت القراءتان عن الجماعة ألا يقال: إحداهما أجود من الأخرى؛ لأنهما جميعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيأثم من قال ذلك، وكان رؤساء الصحابة ينكرون مثل هذا. اهـ.

وانظر للإفادة: "قواعد التفسير" لخالد السبت 1/ 97 - 99.

(4)

"تفسير عبد الرزاق" 1/ 99 (250).

(5)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 379 (2000).

(6)

"الجامع لأحكام القرآن" 3/ 33.

ص: 94

وقيل: نزلت يوم أحد

(1)

. وقيل: نزلت تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله تعالى ورسوله

(2)

.

وقال مقاتل: نزلت في عثمان وأصحابه لما قال لهم المنافقون بأحد: لو كان محمد نبيًّا لم يسلط عليه القتل. فقالوا: من قتل منا دخل الجنة. فقال المنافقون: إنكم تمنون أنفسكم بالباطل. وقال الزجاج: معناه: بل حسبتم

(3)

.

ومعنى {مَثَلُ الَّذِينَ} أي: صفة، {خَلَوْا}: مضوا من الأنبياء والأمم السالفة

(4)

. وقال الزمخشري: أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها التقرير

(5)

، و {الْبَأْسَاءُ} الفقر

(6)

.

وقوله: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} قال مقاتل: هو اليسع واسمه شعيا {وَالَّذِينَ آمَنُوا} حزقيا الملك حين حضر القتال ومن معه من المؤمنين، فقتل ميشا ولده

(7)

اليسع.

{قَرِيبٌ} سريع، وقال الكلبي: في كل رسول بعث إلى أمته. وقال الضحاك: هو محمد وعليه يدل نزول الآية الكريمة، وأكثر

(1)

ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 3/ 333.

(2)

رواه بمعناه ابن أبي حاتم 2/ 379 عن ابن عباس، وعزاه الواحدي في "أسباب النزول" ص 68 - 69 لعطاء.

(3)

"معاني القرآن" للزجاج 1/ 285.

(4)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 1/ 164.

(5)

"الكشاف" 1/ 232.

(6)

رواه ابن أبي حاتم 2/ 380 عن ابن مسعود، وقال: وروي عن ابن عباس وأبي العالية والحسن في أحد قوليه ومُرة الهمداني وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان.

(7)

أي: ولد حزقيا، فميسا هو ابن حزقيا.

ص: 95

المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين، أي: بلغ بهم الجهد حتى استبطئوا النصر، فقال الله:{أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك وارتياب. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله فيقول الرسول: ألا إن نصر الله قريب. فقدم الرسول في الرتبة لمكانته، ثم قدم المؤمنين؛ لأنه المقدم في الزمان

(1)

.

قال الفراء: قرأه القراء بالنصب إلا مجاهدًا وبعض أهل المدينة رفعوا فقالوا: (حتى يقولُ)

(2)

.

(1)

ذكره ابن عطية في "المحرر الوجيز" 2/ 214 وعقب عليه بقوله: وهذا تحكم، وحمل الكلام على وجهه غير متعذر.

(2)

"معاني القرآن" 1/ 132.

ص: 96

‌39 - باب {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} إلى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:223]

4526 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا، فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ قَالَ: تَدْرِى فِيمَا أُنْزِلَتْ؟. قُلْتُ: لَا. قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ مَضَى. [4527 - فتح: 8/ 189]

4527 -

وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] قَالَ: يَأْتِيهَا فِي. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. [انظر: 4526 - فتح: 8/ 189]

4528 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِر، سَمِعْتُ جَابِرًا رضي الله عنه قَالَ كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ؛ فَنَزَلَتْ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . [البقرة:123][مسلم: 1435 - فتح: 8/ 189]

ذكر فيه عن إسحاق، نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، عن ابن عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتّى يَفْرُغ مِنْهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا، فَقَرَأَ سُورَةَ البَقَرَةِ حَتَّى انْتَهى إِلى مَكَانٍ، قَالَ: تَدْرِي فِيمَا أُنْزِلَتْ؟. قُلْتُ: لَا. قَالَ: نزلت فِي كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ مَضَى.

وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] قَالَ: يَأتِيهَا فِي. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابن عُمَرَ.

ثم ذكر فيه حديث جابر رضي الله عنه: كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِنْ

ص: 97

وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَلَ؛ فَنَزَلَتْ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].

الشرح:

إسحاق شيخ البخاري هو ابن إبراهيم كما نسبه ابن السكن

(1)

، وقال أبو نعيم -كما رواه عن أبى أحمد-: ثنا عبد الله بن محمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا النضر قال: رواه يعني: البخاري عن إسحاق بن إبراهيم، وزعم خلف أن البخاري رواه عن عبد الصمد، وكذا قال أبو نعيم في "مستخرجه".

وقوله: (رواه محمد بن يحيى بن سعيد)، زعم خلف أن البخاري رواه تعليقًّا عن محمد هذا.

ورواه أبو نعيم، عن أبي عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر الأعين، حدثني محمد بن يحيى بن سعيد، عن أبيه به، وزعم ابن طاهر أن محمدًا هذا ممن انفرد به البخاري

(2)

وأباه ابن عساكر فمن بعده فذكره في شيوخ مسلم.

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما من أفراده.

وحديث جابر أخرجه مسلم أيضًا

(3)

، وله في طريق آخر، عن الزهري، من أفراد مسلم: إن شاء مجبيةً وإن شاء غير مجبيةٍ غير أن ذلك في صمام واحد

(4)

، ويحتمل كما قال الداودي: أنها نزلت في الوجهين.

(1)

انظر: "تقييد المهمل" 3/ 964 - 965.

(2)

"الجمع بين رجال الصحيحين" 2/ 466 - 467 (1793).

(3)

مسلم (1435).

(4)

مسلم (1435/ 119).

ص: 98

وصحح الحاكم حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن هذا الحي من قريش كانوا (يسرحون)

(1)

النساء: بمكة ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات، فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار فرغبوا ليفعلوا ذلك بهن فأنكرن ذلك، فانتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الآية قال:"إن شئت مقبلة أو مدبرة وإن شئت باركة" وإنما يعني بذلك موضع الولد

(2)

.

وعند الواحدي: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت، فقال:

"وما أهلكك؟ " قال: حولت رحلي الليلة، فأوحى الله إلى رسوله الآية، يقول:"أقبل وأدبر واتق الدبر والحيض"

(3)

.

وقال ابن المسيب: أنزلت الآية في العزل

(4)

.

والطبري: أن ناسًا من حمير أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل منهم: يا رسول الله، إني رجل أحب النساء، فكيف ترى ذلك؟ فنزلت

(5)

.

وعند مقاتل: قال حُيي بن أخطب ونفر من اليهود للمسلمين: إنه لا يحل لكم جماع النساء: إلا مستلقيات وإنا نجد في كتاب الله أن جماع المرأة غير مستلقية دنس عند الله، فنزلت.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الحرث: منبت الولد.

وقال السدي: هي مزرعة يحرث فيها

(6)

.

(1)

كذا بالأصل، مع وضع علامة الإهمال على السين، وفي "المستدرك": يشرحون.

(2)

"المستدرك" 2/ 195.

(3)

"أسباب النزول" ص 79.

(4)

السابق ص 79 - 80.

(5)

"تفسير الطبري" 2/ 410.

(6)

السابق 2/ 404.

ص: 99

واختلف في قوله: {أَنَّى شِئْتُمْ} فقيل: كيف، وقيل: متى، وقيل: إن شئتم فاعزلوا أو ذروا، وقيل: حيث شئتم، ذكره الطبري

(1)

. ثم ساق عن يعقوب، ثنا ابن علية، ثنا ابن عون، عن نافع، قال: كان ابن عمر يقول: نزلت هذِه الآية في إتيان النساء: في أدبارهن، ثم ساق عن ابن عون أيضًا مثله. ثم ساق عن أبي قلابة، عن عبد الصمد كما سلف نحوه، وروى مالك عن ابن عمر أنه قال: أفٍّ أفٍّ أوَ يفعل ذلك مؤمن

(2)

؟!

وجمهور السلف وأئمة الفتوى على التحريم ولا عبرة بمن خالف، وفيه عدة أحاديث فوق العشرة، صحح ابن حزم منها حديث ابن عباس مرفوعًا:"لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلًا أو امرأة في دبرها". وحديث خزيمة مرفوعًا: "إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن"، ثم قال: هما صحيحان تقوم بهما الحجة ولو صح خبر في ذلك لكانا ناسخين، وقد جاء تحريمه عن عدة من الصحابة وغيرهم

(3)

، وما روي إباحة ذلك عن أحد إلا عن ابن عمر وحده باختلاف عنه، عن نافع باختلاف عنه، وعن مالك باختلاف عنه فقط

(4)

.

قلت: وجاء عنه إنكاره، ويؤيد الجمهورَ ردُّها بالرتق والقرن ولو ساغ الانتفاع بغيره لما ردت.

(1)

السابق 2/ 410.

(2)

السابق 2/ 407.

(3)

ورد بهامش الأصل: في هامش الأصل حاشية لفظها: نقله عن ابن المسيب أيضًا، وخالف فيه القرطبي فنقل عنه الإباحة، والذي ذكره عنه عبد بن حميد النهيُّ.

(4)

"المحلى" 10/ 70.

ص: 100

‌40 - [باب] قوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الآية [البقرة: 232]

4529

- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: كَانَتْ لِي أُخْتٌ تُخْطَبُ إِلَيَّ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَتَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَخَطَبَهَا فَأَبَى مَعْقِلٌ، فَنَزَلَتْ {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]. [5130، 5330، 5331 - فتح: 8/ 192]

ثم ساق عن معقل بن يسار رضي الله عنه: قَالَ كَانَتْ لِي أُخْتٌ تُخْطَبُ إِلَيَّ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، ثنَا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ أَنَّ أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَابى طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَتَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَخَطَبَهَا فَأَبَى مَعْقِلٌ، فَنَزَلَتْ {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232].

هذا الحديث من أفراده، وتعليق إبراهيم -وهو ابن طهمان، أسنده البخاري في النكاح عن أحمد بن أبي عمرو حفص بن عبد الله، عن أبيه، عنه

(1)

. وساقه أبو نعيم من حديث سلمة بن شبيب، عن يزيد بن أبي سليم عنه.

وقوله: (حدثنا أبو معمر) أهمله صاحب "الأطراف" وهو ثابت. وعند الطبري من حديث ابن جريج أن أخت معقل بن يسار جُميل

(1)

سيأتي برقم (5130) باب: من قال: لا نكاح إلا بولي.

ص: 101

بنت يسار -بضم الجيم- كما ضبطه ابن ماكولا

(1)

، كانت تحت أبي البداح وفي رواية ابن إسحاق: اسمها فاطمة بنت يسار، وسماها ابن فتحون جميلة، وقيل: جميل، وسماها المنذري: ليلى، وقيل: نزلت في جابر بن عبد الله، وكانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة، فانقضت عدتها، ثم رجع يريد رجعتها فأبى جابر فنزلت، وقيل: نزلت في أنه لا يضار وليته بعضلها عن النكاح قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، فليس له أن يعضلها حتى يرثها ويمنعها تستعف بزوج، وقيل: نزلت في الرجل يطلق امرأته ثم يمنعها إذا انقضت عدتها أن تزوج لغيره، فنهى الله عن ذلك

(2)

.

والعضل: المنع، أي: لا تضيقوا عليهن، بمنعكم إياهن، وحكي كسر ضاد عضل، والفتح والكسر من تعضل، والقراءة على الضم، وأمور معضلات: شداد، وكذا عضلها تعضيلًا ويقال: عضلت الناقة فهي معضل: احتبس ولدها في بطنها.

قال الشافعي: هذا أبين ما في الكتاب العزيز من أن للولي مع المرأة في نفسها حقًّا آخر، فلو كان الأمر يثبت دون وليها؛ لزوجت أخت معقل نفسها ولم يخاطب الله الأولياء، فدل على أن الأمر إليهم في التزويج مع رضاهن

(3)

.

وستعلم الاختلاف فيه في بابه.

(1)

"الإكمال" لابن ماكولا 2/ 125.

(2)

"تفسير الطبري" 2/ 498 - 500.

(3)

"الأم" 5/ 149، "مختصر المزني" بهامث "الأم" 3/ 51.

ص: 102

فائدة:

مَعْقِل -بإسكان العين المهملة قبلها ميم مفتوحة، ثم بعدها قاف مكسورة-، ابن يَسار -بفتح أوله وهو مثناة تحت- ابن عبد الله بن مُعَبَّر- بضم الميم وفتح العين المهملة، ثم باء موحدة مشددة مكسورة، ثم راء مهملة، ويقال: بكسر أوله وإسكان ثانيه، ثم مثناة تحت، كذا قيده أبو نصر وغيره، ونقل ابن فتحون، عن ابن عبد البر: بصاد مهملة

(1)

، قال العجلي: يكنى: أبا علي ولا نعلم أحدًا من

الصحابة يكنى بها غيره

(2)

.

قلت: هي كنية طلق بن علي اليماني وقيس بن عاصم المنقري كما ذكره أبو أحمد وغيره.

(1)

ورد بهامش الأصل: معبر، كما في الأصل، ضبطه النووي في "تهذيبه" وكما قال ابن فتحون عند ابن عبد البر: معقل بن يسار بن عبد الله بن معبر، وبخط أبي إسحاق بن الأمين تجاه صعير: معير لابن الكرخي

وقال النووي: وقيل: معير فثبت كما لابن الكرخي. والله أعلم.

(2)

"معرفة الثقات" 2/ 288 - 289.

ص: 103

‌41 - باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} إِلَى {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 234]

{يَعْفُونَ} [البقرة: 234]: يَهَبْنَ.

4530 -

حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:234] قَالَ: قَدْ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا؟! أَوْ تَدَعُهَا قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. [4536 - فتح: 8/ 193]

4531 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} [البقرة: 240] قَالَ: جَعَلَ اللهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً، إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:{غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقره: 240]. فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا. زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ.

وَقَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:{غَيْرَ إِخْرَاجٍ} . [البقرة: 240]. قَالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ} [البقرة: 240]. قَالَ عَطَاءٌ ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَا سُكْنَى لَهَا.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا. وَعَنِ

ص: 104

ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا فِي أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ لِقَوْلِ اللهِ {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:240] نَحْوَهُ. [5344 - فتح 8/ 193]

4532 -

حَدَّثَنَا حِبَّانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، فَذَكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي شَأْنِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَلَكِنَّ عَمَّهُ كَانَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: إِنِّي لَجَرِئٌ إِنْ كَذَبْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ الْكُوفَةِ. وَرَفَعَ صَوْتَهُ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ فَلَقِيتُ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ أَوْ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهْيَ حَامِلٌ؟ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ، وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ؟ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى. وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ مُحَمَّدٍ: لَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ. [4910 - فتح: 8/ 193]

ساق حديث ابن أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ ابن الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ هذِه الآية التي في البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] قَدْ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا؟! قال ندَعُهَا يَا ابن أَخِي، لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ مَكَانِهِ. قال حميد -يعني: ابن الأسود- أو نحو هذا.

وعن ابن أبي مليكة قال ابن الزبير: قلت لعثمان: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] نسختها الآية الأخرى فَلِمَ تَكْتُبْها؟ مراده بالآية الأخرى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] تدعها، قال: يا ابن أخي، لا أغير شيئًا من مكانه.

كأن عثمان رضي الله عنه راعى الإثبات؛ لأنه إنما نسخ الحكم خاصة دون اللفظ، وكأنه ظن أن ما نسخ لا يكتب وليس كما ظنه، بل له فوائد: ثواب التلاوة والامتثال؛ ولأنه لو أراد نسخ لفظه لرفعه، والأكثرون

ص: 105

-كما قال النحاس- على أن هذِه الآية ناسخة لآية: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 240]

(1)

ثم أخرج المتوفى عنها الحاملَ، كما سيأتي، ونقل عن علي أن لها أن تخرج وتحج إن شاءت ولا تقيم في منزلها قال: ثم حكي عن أربعة من الصحابة أنهم لم يوجبوا عليها الإقامة في بيتها قال: وزعم قوم أن: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} نسخها حديث: "لا وصية لوارث"

(2)

(3)

.

ثم ساق عن إسحاق وهو ابن إبراهيم كما حدث به البخاري في الأحزاب

(4)

أو ابن منصور، كما حدث به في الصلاة وغيرها

(5)

.

أنا روح، ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 240]، قال: كانت هذِه العدة، تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} إلى قوله:{مِنْ مَعْرُوفٍ} [البقرة: 240] قال: جعل لها تمام السنة، سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى: غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} والعدة كما هي واجب عليها. زعم ذلك عن مجاهد أي: زعم ذلك ابن أبي نجيح، عن مجاهد، كما بينه الحميدي

(6)

.

(1)

"الناسخ والمنسوخ" 2/ 70.

(2)

التخريج السابق 2/ 86 - 89.

(3)

رواه أبو داود (2870) والترمذي (2120) وابن ماجه (2713) من حديث أبي

أمامة وله شاهد عن أنس.

(4)

سيأتي برقم (4799).

(5)

سلف برقم (1221) وسيأتي برقم (4546، 5344).

(6)

"الجمع بين الصحيحين" 2/ 83.

ص: 106

ثم قال البخاري:

وقال عطاء: قال ابن عباس: نسخت هذِه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} .

قَالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ} [البقرة:240] قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ المِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَا سُكْنَى لَهَا

(1)

.

وهذا إن كان عطفًا على الإسناد الأول فلا خفاء فيه، وكذا فقد أخرجه أبو داود من حديث شبل، عن ابن أبي نجيح قال: قال عطاء

(2)

. ثم قال البخاري:

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، ثنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِد بهذا. وَعَنِ ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاء، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: نَسَخَتْ هذِه الآيَةُ عِدَّتَهَا فِيِ أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ لِقَوْلِ اللهِ تعالى {غَيْرَ إِخرَاجَ} [البقرة: 240] نَحْوَهُ.

هذا مذهب مجاهد يحتمل أن البخاري أدرجه على رواية إسحاق السالفة، أو علقه عن شيخه محمد بن يوسف، فيما نسبه أبو مسعود في "أطرافه"، وقد أخرجه أبو نعيم، عن سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن محمد، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن يوسف، ثم قال: ذكره البخاري عنه، وهذا مذهب مجاهد: استحقاقها ما لم تخرج. وادعى ابن بطال أنه من أفراده، وأنه لم يتابع عليه.

(1)

"الجمع بين الصحيحين" 2/ 83 (1103).

(2)

أبو داود (2301).

ص: 107

وقوله: (جعل الله لها تمام السنة وصية إن شاءت سكنت أو خرجت) أي: أراد أنها تخرج بعد تمام العدة، فلا بأس به غير أنه يذهب أن ذلك للأزواج كلهن، وليس كذلك إنما هو الزوجة التي لا ترث، فيجوز لها الوصية.

ومعنى {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} : متعوهن متاعًا ومعنى {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} فليوصوا وصية لأزواجهم، ثم نسخ ذلك بقوله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} الآية.

كانت المرأة ينفق عليها ما لم تخرج من بيت زوجها، فإذا خرجت قطعت عنها. وقول عطاء: في المتوفى لا سكنى لها قال به أبو حنيفة، ومذهب مالك أنها لها السكنى إذا كانت الدار ملكًا للميت أو منافعها

(1)

. وقول ابن عباس: نسختها عدتها عند أهلها .. إلى آخره. ليس ببين، إذ ليس بموجود في الكتاب ولا في السنة.

ثم ساق حديث عبد الله بن عون، عن محمد بْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَلَسْتُ إلى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، فَذَكَرْ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي شَأْنِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: ولكن عَمَّهُ كَانَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: إِنِّي لَجَرِيءٌ إِنْ كَذَبْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ الكُوفَةِ. وَرَفَعَ صَوْتَهُ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ فَلَقِيتُ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ أَوْ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابن مَسْعُودٍ فِي المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهْيَ حَامِل؟ فَقَالَ: قَالَ ابن مَسْعُودٍ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ، وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ؟ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ القُصْرى بَعْدَ الطُّولَى. وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ -عني: ابن

(1)

"مختصر اختلاف العلماء" 2/ 400، "النوادر والزيادات" 5/ 44.

ص: 108

مسعود- أن قوله: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] نزلت بعد قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} الآية [البقرة: 234] وقال ابن عباس وعلي: إنما هذِه في المطلقات، وأما في الوفاة فعدة الحامل آخر الأجلين

(1)

وبه قال سحنون، والأول أشهر وعليه الفقهاء وأنه تخصيص دل عليه خبر سبيعة، وأراد ابن مسعود بالتغليظ طول العدة إذا زادت مدة الحمل والرخصة إذا وضعت لأقل من أربعة أشهر وعشر، ومفهوم كلام ابن مسعود أنها نسختها.

وقوله: (إني لجرئ) أي: غير مستح.

وحديث سبيعة يأتي في تفسير سورة الطلاق

(2)

وغيره كما ستعلمه، وذكر الطبري عن ابن عباس وذكر الآية في {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234]، فقال: هذِه عدة المتوفى عنها زوجها إلا أن تكون حاملًا فالوضع

(3)

.

ومعنى {يَتَرَبَّصْنَ} : يحتبسن بأنفسهن معتدات عن الأزواج، والإحداد إلا من عذر، وقيل: إنما أمرت بالتربص عن الأزواج خاصة، وعن الحسن إنما كان يرخص في التزين ولا يرى الإحداد شيئًا

(4)

، وعن أبي العالية وغيره صارت هذِه العشرة مع الأشهر الأربعة لنفخ الروح فيها

(5)

(1)

"تفسير الطبري" 12/ 134 - 136.

(2)

سيأتي برقم (4910) باب: قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ} .

(3)

"تفسير الطبري" 2/ 526.

(4)

السابق 2/ 528.

(5)

"تفسير الطبري" 2/ 530 و"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 437.

ص: 109

وقوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ} أي: عدتهن {فَلَا جُنَاحَ} لا إثم. وقرأ ابن مسعود (لا حرج عليكم) والمعروف: الحلال الطيب قاله مجاهد

(1)

، وقال ابن عباس: تزينها عند انقضاء عدتها وتعرضها للتزويج

(2)

.

وقوله: {عَشْرًا} أي: عشر ليالٍ فأسقط الهاء يدل عليه قراءة ابن عباس (وعشر ليال)

(3)

.

وقال المبرد: معناه وعشرين مدة كل مدة فيها يوم وليلة.

وقيل: مبهم العدد ينصرف إلى الليالي لسبقها.

وقيل: لأن التاريخ يكون بالليلة إذا كانت هي أول الشهر واليوم تبع لها.

وقيل: التقدير: وأزواج الذين يتوفون، حذف المضاف. وقيل: يتربصن بعدتهم فحذف بعدتهم.

وزعم الراغب أن الأطباء تقول: إن الولد في الأكثر إذا كان ذكراً يتحرك بعد ثلاثة أشهر، وإذا كان أنثى بعد أربعة أشهر. فجعل ذلك عدة المتوفى عنها، وزيد عليها استظهارًا عشرة أيام، وخصت العشرة؛ لأنها أكمل الأعداد وأشرفها.

وعن أبي يوسف: المعتدة بالطلاق بالشهور إن وقع ذلك مع رؤية الهلال اعتدت بالأهلة وإن كان ناقصًا، فإن كانت وجبت في بعض شهر اعتدت تسعين يومًا في الطلاق، وفي الوفاة مائة وثلاثين يومًا.

(1)

"تفسير الطبري" 2/ 530.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 437.

(3)

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 3/ 186.

ص: 110

وروى يعقوب عن شيخه: إن كانت العدة وجبت في بعض شهر فإنها تعتد بما بقي من ذلك الشهر أيامًا ثم تعتد بما يمر عليها من الأهلة شهورًا، ثم تكمل الأيام الأول ثلاثين يومًا، وإذا وجبت العدة مع رؤية الهلال اعتدت بالأهلة، وهو قول محمد بن الحسن ومحمد بن إدريس، وروي عن مالك

(1)

.

فائدة:

قال ابن سلامة

(2)

في "ناسخه": ليس في كتاب الله آية ناسخة في سورة إلا والمنسوخ بعدها، إلا قوله:{مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] وآية الأحزاب: مي {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْد} [الأحزاب: 52] نسختها الآية التي قبلها: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب:50]. وهى من أعاجيبه.

وفي "تفسير ابن أبي حاتم": نسخ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 240] نسختها آية الأحزاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] الآية

(3)

وهو غريب.

(1)

"بدائع الصنائع" 3/ 195 - 196، "الأم" 5/ 206 - 207.

(2)

هو أبو القاسم هبة الله بن سلامة البغدادي الضرير المفسر توفي سنة 410 هـ له كتاب "ناسخ القرآن ومنسوخه"، "ناسخ الحديث ومنسوخه" انظر ترجمته في "تاريخ بغداد" 14/ 70 (7417)، "المنتظم" 7/ 296، "تاريخ الإسلام" 28/ 215، "البداية والنهاية" 12/ 445.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 452.

ص: 111

‌42 - [باب] قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]

4533 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: هِشَامٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ:«حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ مَلأَ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ أَوْ أَجْوَافَهُمْ -شَكَّ يَحْيَى- نَارًا» . [انظر: 2931 - مسلم: 627 - فتح: 8/ 195]

ذكر فيه حديث عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. يَوْمَ الخَنْدَقِ: "حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ .. " الحديث.

سلف في غزوة الخندق، وذكرنا الخلاف فيها، وهو دال على أن الوسطى هي العصر، وهو الأصح كما سلف هناك، ووقع في كتاب ابن التين عن عبيدة السلماني والشافعي أنها المغرب، وهو غريب. ثم قال: فهما وسطيان: وسطى القرآن: الصبح، ووسطى السنة: العصر، والوسطى التي فضل على غيرها.

ص: 112

‌43 - [باب] قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]

أي: مُطِيعِينَ

4534 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا أَخَاهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ. [انظر: 1200 - مسلم: 539 - فتح: 8/ 198]

اختلف في معنى (قانتين) هل هو العابد، أو الذاكر، أو قليل القيام، أو الداعي في حال القيام، أو الصامت أقوال

(1)

أو المقر بالعبودية أو الطائع كما ذكره أقوال.

وساق البخاري عقبه حديث زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا [أَخَاهُ] فِي حَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ. دال على أن القنوت: السكوت. وجزمه بأن القنوت الطاعة، نقله ابن أبي حاتم في "تفسيره" عن ابن عباس وابن مسعود وجماعات، وعن ابن عباس وابن عمر: مصلين. وعن الضحاك: مطيعين في الوضوء. وروى ليث بن أبي سليم، عن مجاهد أنه قال في الآية: من القنوت الركوع والسجود وخفض الجناح وغض البصر رهبة الله. وعن جابر بن زيد الصلاة كلها

(2)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: قوله: أقواله، الأولى، الظاهر حذفها، لقوله بعد ذلك أقوال، والله أعلم.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 449.

ص: 113

‌44 - [باب] قَوْله: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)} [البقرة: 239]

وَقَالَ ابن جُبَيْرٍ: {كُرْسِيُّهُ} [البقرة: 255] عِلْمُهُ، يُقَالُ:{بَسْطَةً} [البقرة: 247]: زِيَادَةً وَفَضْلًا {أَفْرِغْ} [البقرة: 250]: أَنْزِلْ {وَلَا يَئُودُهُ} : لَا يُثْقِلُهُ. آدَنِي: أَثْقَلَنِي. وَالآدُ وَالأَيْدُ: القُوَّةُ، السِّنَةُ: نُعَاسٌ. [يَتَسَنَّه]: يَتَغَيَّرْ. [فَبُهِتَ} [البقرة: 258]: ذَهَبَتْ حُجَّتُهُ. {خَاوِيَةٌ} [البقرة: 259]: لَا أَنِيسَ فِيهَا. {عُرُوشِهَا} [البقرة: 259]: أَبْنِيَتُهَا. (نُنْشِرُهَا)[البقرة: 266] نُخْرِجُهَا {إِعْصَارٌ} [البقرة: 266] رِيحٌ عَاصِفٌ تَهُبُّ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {صَلْدًا} [البقرة: 264]: لَيْسَ عَلَيْهِ شيءٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَابِلٌ} [البقرة: 264، 265]: مَطَرٌ شَدِيدٌ. الطَّلُّ: النَّدى، وهذا مَثَلُ عَمَلِ المُؤْمِنِ. {يَتَسَنَّه} [البقرة: 259]: يَتَغَيَّرْ.

4535 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِك، عَنْ نَافِع: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ فَيُصَلِّي بِهِمِ الإِمَامُ رَكْعَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّوُا الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالاً، قِيَامًا

ص: 114

عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي القِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أُرى عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم[انظر: 942 - مسلم: 839 - فتح: 8/ 199]

{فَإِنْ خِفْتُمْ} أي: فإن كان بكم خوف من عدو أو غيره {فَرِجَالًا} فصلوا راجلين وهو جمع راجل كقائم وقيام، ورجل يقال: رجل. أي: راجل وقرئ (فرجالا) بتخفيف الراء

(1)

(ورجَّالًا) بالتشديد و (رجلا)

(2)

، وعند أبي حنيفة: لا يصلون في حال المشي والمسايفة ما لم يمكن الوقوف

(3)

. وعند الشافعي: يصلون في كل حال، والراكب يومئ ويسقط عنه التوجه إلى القبلة

(4)

.

{فَإِذَا أَمِنْتُمْ} زال خوفكم، {فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} من صلاة الآمنين، أو إذا أمنتم فاشكروا الله على الأمن واذكروه بالعبادة كما أحسن إليكم بما علمكم من الشرائع وكيف تصلون أمنًا وخوفًا.

(ص): (وَقَالَ ابن جُبَيْرٍ: {كُرْسِيُّهُ} عِلْمُهُ). هذا أسنده عبد بن حميد

(5)

، من حديث جعفر عنه. ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره"

(6)

عنه، عن ابن عباس

(7)

، وسمي العلم كرسيًّا لمكانه الذي هو كرسي

(1)

ورد بالهامش: الظاهر أنه الجيم.

(2)

"مختصر شواذ القرآن" ص (22).

(3)

"بدائع الصنائع" 1/ 243، "تحفة الفقهاء" 2/ 178 - 179.

(4)

"الأم" 1/ 197.

(5)

عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 580 إلى عبد بن حميد.

(6)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 490 - ا 49.

(7)

ورد بالهامش: في هامش أصله: حاشية: لفظها ذكر اللفظ الآخر عن ابن عباس بسند ضعيف.

ص: 115

العالم. وقيل: وسح ملكه. وقيل: تمثل وقيل: إنه العرش. وروي أنه خلق كرسيًّا هو بين يدي العرش دونه السموات والأرض، وهو إلى العرش كأصغر شيء

(1)

.

(ص): (يُقَالُ: {بَسْطَةً}: زِيَادَةً وَفَضلًا). أي: وسعة. والظاهر أن المراد بالعلم المعرفة بما طلبوه لأجله من أمر الحرب. ويجوز أن يكون علمًا بالديانات وغيرها. والبسطة في الجسم فيها هيبة في القلوب.

(ص): ({أَفْرِغْ}: أَنْزِلْ). أي: صبه علينا.

(يَؤُدُهُ: يُثْقِلُهُ) أي: يشق عليه، وما ذكره أخرجه ابن أبي حاتم، عن ابن عباس وجماعة

(2)

، و (آدَني: أثقلني. والآد والأيد: القوة).

(ص): {فَبهُتَ} : ذَهَبَتْ حُجَّتُهُ) أي: تحير وانقطع.

(ص): {خَاوِيَة} : لَا أَنِيسَ فِيهَا) وهي قائمة على أبنيتها، ويقال: خاوية ساقطة. (السنة: النعاس) أي: وهو في العين، فإذا وصل إلى القلب كان نومًا.

({عُرُوشِهَا}: أَبْنِيَتُهَا) أي: سقطت ثم انهدمت الحيطان عليها.

((ننشرها): نخرجها) قلت: وقرئ بالزاي

(3)

. أي: نرتعها، وقيل: نحركها.

(1)

قال ابن كثير في "تفسيره" 2/ 444: والصحيح أن الكرسي غير العرش، والعرش أكبر منه كما دلت على ذلك الآثار والأخبار .. وهذِه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح، أمروها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 492.

(3)

انظر "الحجة للقراء السبعة" للفارسي 2/ 379.

ص: 116

(ص): ({إِعْصَارٌ} [البقرة: 266] رِيح عَاصِفٌ تَهُبُّ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ). قلت: وهي التي يقال لها: الزوبعة -كما قاله الزجاج- قيل لها: إعصار؛ لأنها تلف كالثوب إذا عصر، وقيل: لأنه يعصر السحاب وهو مئل المرائي بأعماله، فإذا كان يوم القيامة وجدها محبطة فيخسر.

(ص): وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {صَلْدًا} : لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) أي: من التراب الذي كان عليه وهذا أخرجه ابن أبي حاتم من حديث الضحاك عنه بلفظ: فتركه يابسًا لاينبت شيئًا

(1)

.

(ص): وقال عكرمة: وابل: مطر شديد أي: عظيم مقداره وهذا أخرجه عبد بن حميد

(2)

، و (الطَّلُّ: النَّدى) أي: مطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها (وهذا مَثَلُ عَمَلِ المُؤْمِنِ) أو كما قاله.

{يَتَسَنَّهْ} : يَتَغَيَّرْ) هو كما قال، والهاء أصلية أو هاء السكت.

ثم ذكر البخاري حديث ابن عمر في صلاة الخوف.

وقد سلف مثله في صلاة الخوف من طريق آخر إلى ابن عمر أيضًا.

(1)

" تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 518.

(2)

كما في "الدر المنثور" 1/ 60.

ص: 117

‌45 - باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}

(1)

[البقرة: 240]

4536 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة:240] إِلَى قَوْلِهِ {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240]

قَدْ نَسَخَتْهَا الأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا؟ قَالَ: تَدَعُهَا يَا ابْنَ أَخِي، لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. قَالَ حُمَيْدٌ: أَوْ نَحْوَ هَذَا. [انظر: 4530 - فتح: 8/ 201]

(1)

هذا الباب ليس في الأصول ولكنه مثبت من "الصحيح".

ص: 118

‌46 - [باب] قوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260]

{فَصُرْهُنَّ} : قطعهن.

4537 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260][انظر: 3372 - مسلم: 151 - فتح: 8/ 201].

ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ".

وقد سلف بطوله سندًا ومتنًا بزيادة في مناقب إبراهيم، وسلف الكلام عليه واضحًا، وكذا على قوله:{فَصُرْهُنَّ} فإن قراءة حمزة بالكسر. وقراءة الباقين بالضم

(1)

، وقال ابن التين: ضبطه في أكثر الكتب بالضم، والذي ذكره المفسرون أنه بالضم معناه: ضمهن إليك، وبالكسر: قطعهن، ويأتي في سورة يوسف أيضًا

(2)

.

(1)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" للفارسي 2/ 389.

(2)

سيأتي برقم (4694) باب: قوله {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} .

ص: 119

‌47 - قَوْله: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} إلَى قَوْلِهِ: {تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]

4538 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه يَوْمًا لأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} ؟ قَالُوا: اللهُ أَعْلَمُ. فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: قُولُوا: نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي قُلْ، وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلاً لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللهِ عز وجل، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ.

{فَصُرْهُنَّ} [البقرة: 260] قَطِّعْهُنَّ. [فتح: 8/ 201]

ثم ساق أثر ابن عباس أنها ضربت مَثَلاً لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: لغَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللهِ، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ.

همز (أيود) للإنذار وقرئ: (جنات)

(1)

و (ضعاف) والواو في {وَأَصَابَهُ اَلْكِبَرُ} واو الحال.

وقيل: يقال: وددت أن يكون كذا، ووددت لو كان كذا، فحمل العطف على المعنى كأنه قال: أيود لو كان له جنة فأصابه الكبر، وخص النخل والعنب بالذكر لفضلهما؛ لأن النخل معمول الأشجار

(1)

هي قراءة الحسن. انظر "شواذ القرآن" لابن خالويه ص 23.

ص: 120

وصفوها وأكرم ما ينبت ولا يشبه الحيوان في الاحتياج إلي التلقيح،

ولأن رأسه إذا قطع لم يثمر بعد.

وحديث ابن عباس ذكره أبو مسعود في مسنده، وخالفه خلف فذكره في مسند عمر.

ص: 121

‌48 - قوله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]

يُقَالُ: أَلْحَفَ عَلَيَّ، وَأَلَحَّ، وَأَحْفَانِي بِالْمَسْأَلَةِ، {فَيُحْفِكُمْ} [محمد: 37]: يُجْهِدْكُمْ.

4539 -

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيَّ قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَا اللُّقْمَةُ وَلَا اللُّقْمَتَانِ، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ" يَعْنِي: قَوْلَهُ {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} . [البقرة: 273]

ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لَيْسَ المِسْكِينُ الذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، إلى قوله: يَعْنِي: قَوْلَهُ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]

وقد سلف في الزكاة

(1)

.

وقوله: (يقال: ألحف علي وألح عليّ وأحفاني) يريد: معناهن واحد، وإن اختلف ما أخذت منه، فمعنى ألح عليَّ: لازمني ولم يفتر، ومعنى ألحف يشتمل بالمسألة على وجوه الطلب وهو مشتق من اللحاف الذي يتغطى به، ومعنى أحفى مثل ألح ومنه:{فَيُحْفِكُمْ} [محمد: 37] أي: يبالغ في مصلحتكم وهو مصدر في موضع الحال، أي: ملحفين والجمهور على أن معنى الآية لا يسألون البتة؛ لتعففهم عنها، وإن كان السابق إلى الفهم خلافه، ولا شك أن الإلحاح في المسألة ممتنعة عند الحاجة وعدمها ومن سأل وله أوقية من فضة

(1)

سلف برقم (1476) باب: قول الله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}

ص: 122

أربعون درهمًا، أو ما يقوم مقامهما، فقد ألحف كما نبه عليه أبو عمر

(1)

، والفقراء المذكورون في الآية هم فقراء المهاجرين دون غيرهم، حكاه ابن جرير عن جماعة

(2)

.

وأسند ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم أصحاب الصفة، وذكره أيضا مقاتل.

وقوله في الحديث: (يعني: قوله) قائله هو شيخ البخاري ابن أبي [مريم، وهو سعيد بن الحكم بن أبي مريم، كما ذكره الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق الحسن، عن سفيان قال: قلت لابن أبي [مريم: ما تقرأ (يعني قوله): واقرءوا إن شئتم قال: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا} [البقرة: 273]. قال الإسماعيلي: وهو من تفسيره، قال: وحديث إسماعيل بن جعفر يعني المذكور عنده أولى بالتفسير منه؛ لإتيانه بالآية في الرواية تصحيحًا، لما قاله وإن كان عن عطاء بن يسار وحده، عن أبي هريرة رضي الله عنه بخلاف رواية البخاري له عن عطاء وعبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة.

قلت: وأبو عمرة هو بشير بن عمرو بن محصن بن عتيك، حجازي، قتل مع علي بصفين وله صحبة

(3)

وقتل أخوه أبو عبيدة يوم بئر معونة، وقتل أخوهما ثعلبة يوم جسر أبي عبيد، وقتل أخوهم حبيب بن عمرو بن محصن يوم اليمامة، ولثعلبة بن عمرو أيضا ولد يقال له: عبد الرحمن روى له خارج "الصحيح"

(4)

.

(1)

"التمهيد" 4/ 96.

(2)

"تفسير الطبري" 3/ 96.

(3)

انظر ترجمته في "الاستيعاب" 4/ 284 (3138)، "أسد الغابة" 1/ 223.

(4)

انظر ترجمته في "أسد الغابة" 1/ 291 (609).

ص: 123

فائدة:

استدل ابن حزم بهذا الحديث على أن المسكين الذي له أدنى شيء لا يقوم بحاله يصبر ولا يسأل

(1)

، وقال ابن الجوزي: قد جعل في هذا الحديث من لا يسأل أعظم حاجة من السائل.

(1)

"المحلى" 6/ 148.

ص: 124

‌50 - قوله {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]:

: يُذْهِبُهُ.

4541 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ: عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ الأَوَاخِرُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَلَاهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ، فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. [انظر: 459 - مسلم: 1580 - فتح: 8/ 204]

ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ الأَوَاخِرُ مِنْ آخر سُورَةِ البَقَرَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فتَلَاهُنَّ فِي المَسْجِدِ، فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الخَمْرِ.

وقد سلف في الصلاة

(1)

.

(1)

سلف برقم (459) باب: تحريم تجارة الخمر في المسجد.

ص: 125

‌51 - قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]

: فَاعْلَمُوا.

4542 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَرَأَهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ، وَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. [انظر: 459 - مسلم: 1580 - فتح: 8/ 204]

ثم ساق الحديث المذكور.

وقد سبق بإسناده ومتنه في البيوع (و)

(1)

في الربا، أيضا

(2)

.

(1)

من هامش الأصل وعليها: لأنه أخرجه في البيوع مرتين.

(2)

سلف برقم (2584) باب: آكل الربا وشاهده وكاتبه، وبرقم (2226) باب: تحريم التجارة في الخمر.

ص: 126

‌52 - قوله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} الآية [البقرة: 280]

4543 -

وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهُنَّ عَلَيْنَا، ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. [انظر: 459 - مسلم: 1580 - فتح: 8/ 204]

ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها المذكور معلقا بقوله: وقال محمد بن يوسف، ثم ساقه، وذكر الإسماعيلي أنه لم يقف على وجه دخول هذا الخبر في هذا الباب في تفسير الآيات التي ذكرها. قلت: لعل وجهه أن هذِه الآيات متعلقة بآيات الربا والإشارة في ذلك إلى الجميع، قال شريح: وهذِه الآية مخصوصة بالربا؛ لأنها تعقب آية الربا فظاهره، فلا يترك إلى ميسرة؛ لقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]. وخولف في ذلك وأنه حكم مبتدأ بعد ذلك، وقيل: إنها ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر فيما عليه من الديون، وإن كان حرًّا، وقد قيل: إنه يباع فيه في أول الإسلام، ثم نسخ، وفيه حديث، وذهب الليث بن سعد إلى أنه يؤاجر ويقضي دينه من أجرته، وهو قول الزهري وعمر بن عبد العزيز ورواية عن أحمد.

ص: 127

‌53 - قوله: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} [البقرة: 281]

4544 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم آيَةُ الرِّبَا. [فتح: 8/ 205]

ثم ساق حديث الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا وهو من أفراده، ورواه عنه عن الضحاك عن ابن عباس، وفي رواية أبي صالح عنه: نزلت بمكة، وتوفي بعدها بأحد وثمانين يومًا زاد ابن المنكدر: هذا مستبعد لما فيه من انقطاع الوحي هذِه المدة. وقيل: نزلت يوم النحر بمنًى في حجة الوداع، وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير: عاش بعدها تسع ليال

(1)

وعند مقاتل: سبع. وحكى غيره: ثلاث ليال، وقيل: ثلاث ساعات

ذكرهما القرطبي

(2)

.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوها بين آية الربا وآية الدين"

(3)

. وقيل: إنه عاش بعدُ أحدًا وعشرين يوما، وفي البخاري عن البراء أن آخر آية نزلت:{يَسْتَفتُونَكَ} كما سيأتي

(4)

، وقال: إن آخر آية نزلت: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌّ مِن أَنفُسِكُمْ} وترجعون بفتح التاء لأبي عمرو

(5)

،

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 554.

(2)

"الجامع لأحكام القرآن" 3/ 375.

(3)

انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية 2/ 498، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 3/ 375.

(4)

سيأتي برقم (4605) كتاب التفسير، باب:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} .

(5)

انظر "الحجة للقراء السبعة" 2/ 417.

ص: 128

والباقون بالضم، واليوم يوم القيامة، وقيل: الموت.

‌54 - قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} الآية [البقرة: 284]

4545

- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهَا قَدْ نُسِخَتْ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 284] الآيَةَ. [4546 - فتح: 8/ 205]

حدثنا مُحَمَّدٌ، ثنَا النُّفَيْلِيُّ، ثنَا مِسْكِينٌ، ثنا شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -وَهْوَ ابن عُمَرَ- أَنَّهَا قَدْ نُسِخَتْ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 284] الآيَةَ.

ص: 129

‌55 - قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ}

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {إصْراً} [البقرة: 286]: عَهْدًا. وَيُقَالُ: {غُفْرَانَكَ} [البقرة: 285] مَغْفِرَتَكَ، {فَاْغْفِرْ لَنَا} [البقرة: 286].

4546 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَحْسِبُهُ ابْنَ عُمَرَ- {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} قَالَ: نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. [انظر: 4545 - فتح: 8/ 207]

حدثنا إِسْحَاقُ، ثنا رَوْحٌ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ به، وفي آخره: نَسَخَتْهَا الآيَةُ التِي بَعْدَهَا.

الشرح:

محمد هذا قال أبو نصر: أراه الذهلي. وقال ابن البيع: هو محمد بن إبراهيم البوشنجي، قال: وهذا الحديث، ما أملاه البوشنجي بنيسابور. والنفيلي: هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، أبو جعفر الحراني. روى عنه: أبو داود. وروى البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن رجل عنه. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين.

ومسكين: هو ابن كثير، الحذاء، الحراني، صدوق يغرب. مات سنة ثمان وتسعين ومائة.

ثم اعلم أن ما أوردناه من قوله: (حدثنا محمد ثنا النفيلي) هو ما وقعنا عليه من الأصول، وهو ما ذكره أبو نعيم، والإسماعيلي، وقال: إن البخاري رواه كذلك.

ص: 130

قال الجياني: سقط من كتاب ابن السكن ذكر محمد، إنما فيه النفيلي. وأكثر النسخ كما تقدم، وهو الصواب.

قال: وإسحاق في الثاني لم أجده منسوبًا، وقد حدث البخاري عن إبراهيم وابن منصور، وذكره أبو نعيم وأبو مسعود وخلف: ابن منصور.

وهذِه الآية ثبت في "صحيح مسلم" أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنها نسخت بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]

(1)

.

وقال ابن عباس: نزلت في كتمان الشهادة. حكاه ابن المنذر وابن أبي حاتم

(2)

، كما ساقه البخاري عن ابن عمر- رضي الله عنهما.

وقال الواحدي: المحققون على أنها محكمة.

وقال ابن التين: إن ثبت هذا عن ابن عمر فمعنى النسخ هنا العفو والوضع، يدل عليه الحديث:"إن الله تجاوز لأمتي عن ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تكلم"

(3)

.

واختلف في نسخ الأخبار، فقيل بالمنع وقيل بالجواز، وأصحهما: المنع، فيما أخبر الله أنه كان. فأما ما تعلق منها بأمر أو نهي فأجازه جماعة، وسواء كان ذلك خبرًا عما مضى أو عن مستقبل، وفرق بعضهم بين ما أخبر أنه فعله، وبين أن يفعله، قالوا: وذلك أن ما أخبر أنه يفعله، يجوز أن يفعله بشرط، وإخباره عما فعله لا يجوز دخول الشرط فيه. وقيل: إنه الأصح. وعليه تأول ابن عمر الآية.

(1)

مسلم (125) كثاب الإيمان، باب بيان أنه لم يكلف ما لا يطاق.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 572.

(3)

سلف برقم (2528) كتاب العتق، باب: الخطأ والنسيان في العتافة والطلاق ونحوه.

ص: 131

وأثر ابن عباس: {إِصْرًا} : عهدًا. أسنده ابن المنذر، وغيره عنه

(1)

.

وقال غيره: عهدًا وميثاقًا.

وقال عطاء: لا يمسخنا قردة ولا خنازير

(2)

، وقيل: ذنبًا ليس فيه توبة ولا كفارة

(3)

، وقرئ: آصارًا

(4)

. بالجمع. ولا تحمل: مبالغة في حمل عليه وغفرانك: منصوب بإضمار فعله.

(1)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 580.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 158.

(3)

المصدر السابق.

(4)

هي قراءة أُبَيٍّ. انظر "مختصر شواذ القرآن" لابن خالويه ص 25.

ص: 132

(3) ومن تفسير سورة آلِ عِمْرَانَ

{تُقَاةً} : وَتَقِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، {صِرٌّ}: بَرْدٌ، {شَفَا حُفْرَةٍ}: مِثْلُ شَفَا الرَّكِيَّةِ. وَهْوَ حَرْفُهَا {تبُوِّئُ} : تَتَّخِذُ مُعَسْكَرًا. المُسَوَّمُ: الذِي لَهُ سِيمَاءٌ بِعَلَامَةٍ أَوْ بِصُوفَةٍ أَوْ بِمَا كَانَ {رِبِّيُّونَ} : الجَمِيعُ، وَالْوَاحِدُ رِبِّيٌّ. {تَحُسُّونَهُم}: تَسْتَأصِلُونَهُمْ قَتْلًا. {غُزًّى} : وَاحِدهَا غَازٍ. {سَنَكْتُبُ} : سَنَحْفَظُ. {نُزُلًا} ثَوَابًا. وَيَجُوزُ: وَمُنْزلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، كَقَوْلِكَ: أَنْزَلْتُهُ.

وَقَالَ مُجَاهِد:: وَالْخَيْلُ المُسَوَّمَةُ المُطَهَّمَةُ الحِسَانُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبيرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى الرَّاعِيَةُ المُسَوَّمَةُ. وَقَالَ ابن جُبَيْرٍ: {وَحَصُوَرًا} : لَا يَأتِي النِّسَاءَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {مِّن فَوْرِهِمْ} : مِنْ غَضَبِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُخرِجُ اَلحَيَّ} : النُّطْفَةُ تَخْرُجُ مَيِّتَةً، وَيُخْرِجُ مِنْهَا الحَي. {وَالْإِبْكَارِ}: أَوَّلُ الفَجْرِ {وَاَلعَشِيِّ} : مَيْلُ الشَّمْسِ -أُرَاهُ- إلى أَنْ تَغْرُبَ.

هي مدنية، وسبب نزولها قدوم وفد نجران، قاله ابن اسحاق

(1)

. ({تُقَاةً} وتقية: واحدة). قلت: وقرئ: (تقية).

(ص): ({صِرٌّ}: برد)، أي: شديد. (شفا حفرة، مثل شفا الركية)، وهو حرفها، أي: وكنتم مشفين على أن تقعوا في نار جهنم؛ لما كنتم عليه من الكفر، فأنقذكم منها بالإسلام.

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 207.

ص: 133

({تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ}، تتخذ معسكرًا). قلت: وأصله ملزم وقرأ عبد الله: (تبوي)

(1)

بمعنى: تسوي لهم وتهيئ لهم. (المسوم: الذي له سيماء بعلامة أو بصوفة أو بما كان)، هو كما قال، وهو مذهب الجماعة إلا الأخفش قال: مسومين: مرسلين، ومسومين بفتح الواو وكسرها يعني: معلمين أنفسهم أو خيلهم، قال: الكلبي: معلمين بعمائم صفر مرخاة على أكتافهم. وعن الضحاك: معلمين بالصوف الأبيض في نواصي الدواب وآذانها، وعن مجاهد: مجزورة أذناب خيلهم، وعن قتادة: كانوا على خيل بلق، وعن عروة بن الزبير: كانت عمامة الزبير يومئذ صفراء، فنزلت الملائكة بذلك وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه:"تسوموا فإن الملائكة قد تسومت"

(2)

.

(ص): ({رِبِّيُّونَ}. جموع والواحد ربي)، قلت: هو قول مجاهد وغيره

(3)

، وقال أبان: الربي عشرة آلاف، وقال ابن زيد: هم الأتباع، وقال الحسن: هم العلماء الصبُرُ كأنه أخذ من النسبة إلى الرب

(4)

.

قلت: والربيون: الربانيون، وقرئ بالحركات الثلاث بالفتح على القياس والباقي من تغييرات النسب

(5)

، قال سعيد بن جبير: ما سمعنا بنبي قتل [في] القتال

(6)

.

(1)

هي قراءة يحيى وإبراهيم: انظر: "مختصر في شواذ القرآن" لابن خالويه ص 28.

(2)

انظر هذِه الآثار في "الكشاف" للزمخشري والحديث أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 440 (32712)، 7/ 263 (35905) عن عمير بن إسحاق.

(3)

"تفسير الطبري" 3/ 460 عن: ابن عباس (7961)، الحسن (7965)، قتادة (7966)، عكرمة (7968)، مجاهد (7970، 7971) والربيع (7972) الضحاك (7973).

(4)

انظر: "تفسير القرطبي" 4/ 230، "معاني القرآن" للنحاس 1/ 491.

(5)

انظر "المحتسب" لابن جني 1/ 173.

(6)

"الكشاف" 1/ 372.

ص: 134

(ص): ({تَحُسُّونَهُم}: تستأصلونهم قتلًا) أي: ذريعًا.

(ص): ({غُزًّى}: واحدها غاز) قلت: وقرئ بتخفيف الزاي على حذف التاء من غزاة

(1)

.

(ص): ({سَنَكْتُبُ}: سنحفظ) أي: ما قالوا في صحائف الحفظة، أو نستحفظه، أو نثبته في علمنا كما نثبت المكتوب.

(ص): ({نُزُلًا}: ثوابًا، ويجوز منزلًا من عند الله كقولك: أنزلته)، قلت: وقرئ: نزلًا بالسكون، وانتصاب نزلًا على الحال من جنات، ويجوز أن تكون بمعنى مصدر مؤكد كأنه قيل: رزقًا وعطاءً من الله.

(ص): (وقال مجاهد: {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} : المطهمة الحسان

(2)

. وقال ابن جبير وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى: الراعية). أثر مجاهد، أخرجه عبد بإسناده إليه

(3)

. والباقي، أخرجه ابن جرير عنهما، وعن مجاهد أيضا، وعن غيرهم منهم ابن عباس

(4)

. وعنه: المعلمة

(5)

. وقال ابن زيد: المعدة للجهاد. قال الطبري: والأولى بالصواب قول من قال: المعلمة بالشياتِ

(6)

، قال: الخيل والمطهم: التام الخلقُ.

وقال يعقوب: الذي يحسن منه كل شيء على حدته.

وقيل: الأنف والفم والعين، غيره. وجه مطهم: حسن صبيح.

(1)

هي قراءة الحسن والزهري كما في "المحتسب" 1/ 175.

(2)

"تفسير الطبرى" 3/ 203 (6735، 6736، 6737، 3768).

(3)

رواه عنهما ابن جرير في "تفسيره" 3/ 202 (6729)، (6730)، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.

(4)

"تفسير الطبري" 3/ 202 - 203.

(5)

المصدر السابق.

(6)

المصدر السابق 3/ 204.

ص: 135

(ص): (وقال ابن جبير: {وَحَصُورًا}: لا يأتي النساء:). أسنده عبد عنه

(1)

. وعن جماعات: لا يغشى النساء. أي: يمنعها من الشهوة، وهذا ليس مع العجز؛ فإنه نقص، والأنبياء منزهون عن النقص. قالوا: والسيد: الذي يغلب غضبه.

وحكاه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وابن جبير وجماعة

(2)

.

(ص): (وقال عكرمة: {مِنْ فَوْرِهِمْ}: من غضبهم. يوم بدر).

قلت: الفور مصدر، استعير للسرعة، أي: يأتونكم من ساعتهم هذِه. يمددكم ربكم بالبشر.

(ص): (وقال مجاهد: {يُخْرِجُ الْحَيَّ} من الميت: النطفة تخرج ميتة ويخرج منها الحي) هذا أسنده ابن جرير عنه. وحكاه أيضا عن ابن مسعود وجماعات، وعن عكرمة: هي البيضة تخرج من الحي وهي ميتة، ثم يخرج منها الحي

(3)

. وعن أبي مالك: النخلة من النواة، والنواة من النخلة، والحبة من السنبلة، والسنبلة من الحبة

(4)

. وقال الحسن: يخرج المؤمن الحي من الكافر الميت الفؤاد، ويخرج الكافر من المؤمن. قال ابن جرير: والأولى تأويل من قال: يخرج الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء من النطفة الميتة

(5)

.

(ص): ({وَالْإِبْكَارِ}: أول الفجر. {الْعَشِيِّ}: ميل: الشمس إلى أن تغرب). هو كما قال. وفي "الكتاب": الإبكار: من طلوع الشمس إلى وقت الضحي، وقرئ: و (الأبكار): جمع بكر. كسحر وأسحار.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" عنه به 3/ 255.

(2)

لم أقف عليه في المطبوع من "تفسير ابن أبي حاتم" وعنده عن عكرمة 2/ 642.

(3)

"تفسير الطبري" 3/ 223 - 224.

(4)

المصدر السابق 5/ 277.

(5)

المصدر السابق 3/ 225.

ص: 136

‌1 - قوله: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7]

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الحَلَالُ وَالْحَرَامُ. {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]: يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26] وَكَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: 100] وَكَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)} [محمد: 17]{زَيْغٌّ} [آل عمران: 7]: شَكٌّ {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7]: المُشْتَبِهَاتِ {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] يَعْلَمُونَ {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7].

4547 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] إِلَى قَوْلِهِ {أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ، فَاحْذَرُوهُمْ» . [مسلم: 2665 - فتح: 8/ 209]

قَالَ مُجَاهِدٌ: الحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنُ. {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} : يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَقَوْلِهِ:{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} كَقَوْلِهِ: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} : لا يؤمنون وَكَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} . هذا أخرجه عبد، وابن المنذر باسنادهما

(1)

.

والمحكم: ما اتضحت دلالته، والمتشابه: ما يحتاج إلى نظر وتخريج. وقيل: المحكم: ما لم ينسخ، والمتشابه: ما نسخ. وقيل:

(1)

أورده السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 7 وعزاه لعبد بن حميد والفريابي.

ص: 137

المحكم: آيات الحلال والحرام، والمتشابه: آيات الصفات والقدر. وقيل: المحكم: ما لم يحتج إلى تأويل. والمتشابه: ما يحتاج كقوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وقيل: المحكم: آيات الأحكام، والمتشابه: الحروف المقطعة. وأبعد من قال: إن القرآن كله محكم؛ لقوله: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} أو كله متشابه؛ لقوله: {مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} ولا حجة في ذلك فإن المراد: أحكمت نظمًا، ويشبه بعضه بعضًا، وعن ابن عباس: المحكمات: الثلاث الآيات {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إلى ثلاث آيات. والتي في بني إسرائيل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}

(1)

والمتشابه نحو: {آلمر} ، وشبهه.

(ص): ({زَيْغٌّ}: شك) قلت: وهم المبتدعة - وقيل: اليهود- في حمل الحروف المقطعة على الجُمَّل. وقيل: النصارى، ({ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ}: المشتبهات) أي: طلب افتتان الناس عن دينهم وضلالهم ({الرَّاسِخُونَ} -يعلمون- {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}) أي: فإنهم يفسرون المتشابه بما استأثر الله به، على أن الأوَلى الوقوف عند قوله:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} . ومنهم من يقف عند قوله: {إِلَّا اللَّهُ} ويبتدئ {وَاَلرَّسِخُونَ} ونقل عن الأكثرين، وقال الثوري: الأصح أن الراسخين يعلمونه. وقد اتفق أصحابنا وغيرهم من المحققين على أنه يستحيل أن يتكلم الله بما لا يفيد.

ثم ساق البخاري حديث ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: تَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هذِه الآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ} الآية قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِذَا رَأَيْتَ الذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ

(1)

"تفسير الطبري" 3/ 172 (6570).

ص: 138

مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الذِينَ سَمَّى اللهُ، فَاحْذَرُوهُمْ".

هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي، قال الترمذي: قد روى هذا الحديث غير واحد عن ابن أبي مليكة بإسقاط القاسم، وإنما ذكره يزيد بن إبراهيم عنه فيه. وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة سمع من عائشة أيضا

(1)

.

قلت: قد تابعه حماد بن سلمة، كما أفاده الإسماعيلي، وقد ذكره للاستشهاد على موافقة يزيد، وذكرهما ابن أبي حاتم

(2)

، ورواه الطبري من حديث حماد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عنها

(3)

.

وقوله: "أولئك الذين سمى الله" قال ابن عباس: هم الخوارج. وفي الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ والبدع ومن تتبع المشكلات المشكلة، أما من سأل عما أشكل عليه من هذا للاسترشاد، وتلطف في ذلك فلا بأس عليه، وجوابه واجبٌ، والأولى لا يجاب بل يزجر ويعذر كما فعل عمر بصبيغ بن عسل، فإنه ضربه؛ لأنه بلغه أنه يتبع المتشابه

(4)

. وقرأ عبد الله: (إن تأويله إلا عند الله) وقرأ أبي بن كعب: (ويقول الراسخون)

(5)

.

(1)

رواه مسلم (2665) كتاب العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه والنهي عن الاختلاف. وأبو داود (4598) والترمذي (2993، 2994).

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 595 ووقع فيه موقوفًا على القاسم.

(3)

"تفسير الطبري" 3/ 179.

(4)

رواها مالك في "الموطأ" 282 عن ابن عباس. والدارمي عن سليمان بن يسار 1/ 252 (146).

(5)

ذكرهما جميعًا الطبري في "تفسيره" 3/ 184.

ص: 139

‌2 - قوله: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]

4548 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، إِلاَّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا» . ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} . [انظر: 3286 - مسلم: 2366 - فتح: 8/ 212].

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ، إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا" .. الحديث.

سلف في مناقبها، بعلو درجة.

والاستهلال: البكاء، ومنه الإهلال بالحج وهو: رفع الصوت بالتلبية.

وقيل: النطق. وأخذ العلماء من هذا الحديث أن من لم يستهل فلا حياة له.

ص: 140

‌3 - قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ} [آل عمران: 77]

: لَا خَيْرَ. {أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]: مُؤْلِمٌ مِنَ الأَلَمِ، وَهوَ فِي مَوْضِعِ مُفْعِلٍ.

4549 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَلَفَ يَمِينَ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ؛ لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . فَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ} [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.

4550 -

قَالَ: فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قُلْنَا: كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ. كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» فَقُلْتُ: إِذًا يَحْلِفَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ» . [انظر: 2356، 2357 - مسلم: 138 - فتح: 8/ 212]

4551 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ -هُوَ ابْنُ أَبِي هَاشِمٍ- سَمِعَ هُشَيْمًا، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً أَقَامَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ فَحَلَفَ فِيهَا لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَهُ. لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً}. [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.

4552 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَخْرِزَانِ فِي بَيْتٍ -أَوْ فِي الْحُجْرَةِ- فَخَرَجَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ أُنْفِذَ بِإِشْفًى فِي كَفِّهَا، فَادَّعَتْ عَلَى الأُخْرَى، فَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ

ص: 141

ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ؛ لَذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ» . ذَكِّرُوهَا بِاللهِ وَاقْرَءُوا عَلَيْهَا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ} [آل عمران: 77]. فَذَكَّرُوهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . [انظر: 2514 - مسلم: 1711 - فتح: 8/ 213]

ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها:

حديث عبد الله بن مسعود: "مَنْ حَلَفَ يَمِينَ صَبْرٍ" .. الحديث. تقدم في الشهادات مفرقًا

(1)

.

ويمين الصبر: أن يحبس السلطان الرجل على اليمين حتى يحلف بها. ولو حلف من غير إحلاف ما قيل: حلف صبرًا. والصبر أن يأخذ يمين الإسلام، أن يقول: صبرت يمينه، أي: حلفه بالله فهذا القسم.

الحديث الثاني:

حديث عبد الله بن أبي أوفى السالف في البيع في باب: ما يكره من الحلف في البيع

(2)

.

الحديث الثالث:

حديث ابن أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَخْرِزَانِ فِي البَيْتِ -أَوْ فِي الحُجْرَةِ- فَخَرَجَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ أُنْفِذَ بِإِشْفًى فِي كَفِّهَا، فَادَّعَتْ عَلَى الأُخْرى، فَرُفِعَت إِلَى ابن عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ" .. الحديث.

(1)

سلف برقم (2666، 2667) باب: سؤال الحاكم المدعي هل لك بينة قبل اليمين.

(2)

سلف في البيوع برقم (2088).

ص: 142

وفي آخره "الْيَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ". وسلف في الشهادات مختصرًا أنه صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه

(1)

. وأخرجه في الشركة أيضا

(2)

. ومسلم والأربعة

(3)

.

وتخرزان: بضم الراء وكسرها. والإشفى: المثقب. والهمزة فيه زائدة، وهو الذي (تخرزه)

(4)

الأساكفة، وهو السقاء. والمزادة وما أشبههما، والمخصف: النعل.

واحتج بهذا الحديث من نفى القسامة وهم أهل العراق، وقالوا: يحلف المدعى عليه في كل شيء، والأحاديث السالفة ترد عليهم، كقوله:"أتحلفون وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم؟ "

(5)

. وحمل هذا الحديث بعض المالكية على عدم اللوث.

وقوله: "اليمين على المدعى عليه" أي: فإن نكل حلف المدعي. وقال قوم: لا يحلف، واختلفوا هل يغرم المدعى عليه إذا نكل ويسجن.

(1)

سلف برقم (2668) باب: اليمين على المدعى عليه.

(2)

سلف برقم (2514).

(3)

أخرجه مسلم (1711) كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه. وأبو داود (3619)، والترمذي (1342)، النسائي 8/ 248 - 249 وابن ماجه (2321).

(4)

في الأصل أعلاها: كذا، وعليها تعليق في الحاشية نصه: لعله: تخرز به.

(5)

سلف برفم (7173) كتاب الجزية، باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره.

ص: 143

‌4 - قوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ} [ال عمران: 64]

سَوَاءٌ: قَصْدٌ.

4553 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِي قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ - فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ، قَالَ: وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى - هِرَقْلَ، قَالَ: فَقَالَ هِرَقْلُ: هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ، فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا. فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي، ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَنِي؛ فَكَذِّبُوهُ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللهِ، لَوْلَا أَنْ يُؤْثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ. ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ لَا. قَالَ: أَيَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ، بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؛ قَالَ: قُلْتُ: تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالاً، يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا نَدْرِى مَا هُوَ

ص: 144

صَانِعٌ فِيهَا. قَالَ: وَاللهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا.

ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؛ قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلْتُكَ: عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟ فَقُلْتَ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالاً، يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَدٌ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ. قَالَ: إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا؛ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَمْ أَكُ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ، وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَي. قَالَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ، وَ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ}. [آل عمران: 164] إِلَى قَوْلِهِ: {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] ".

ص: 145

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا. قَالَ: فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، أَنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ عَلَيَّ الإِسْلَامَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرَّشَدِ آخِرَ الأَبَدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ قَالَ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِقَتْ، فَقَالَ عَلَيَّ بِهِمْ. فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ. [انظر: 7 - مسلم: 1773 - فتح: 8/ 214]

ثم ساق حديث أبي سفيان مع هرقل السالف في الإيمان فراجعه

(1)

.

والمراد بالكلمة القصد، فيها شرح، وقد فسرها بقوله:{أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ} وقال في "الكشاف" في {سَوَاءٍ} : مستوية

(2)

.

واستدل به القاضي عبد الوهاب على جواز قراءة الجنب الآية والآيتين خلافًا لأبي حنيفة والشافعي

(3)

، وقد أسلفنا هناك مثله في متن الحديث. وجزم ابن التين هنا أن المراد بالأريسيين أتباع عبد الله بن أريس، كان في الزمن الأول، بُعث إليهم فقتله هذا الرجل وأتباعه الذين بايعوه على مخالفة نبيهم، فكأنه قال: إن خالفت إنكم الذين خالفوا نبيهم، قال: وأنكر هذا؛ لأن أكثر الأمم أنكرت ما جاءت أنبياؤهم. قال: والأريسيون في اللغة: الملوك، وقيل: العلماء، وقيل: الأجير، وقال ابن فارس: الزراعون، وهي شاميَّة، الواحد أريس

(4)

، وقد أسلفنا ذلك واضحًا.

(1)

سلف في الإيمان برقم (51).

(2)

انظر "الكشاف" 1/ 326.

(3)

"المعونة" 1/ 52 - 53.

(4)

"مجمل اللغة" 1/ 91 مادة: (أرس).

ص: 146

‌5 - قوله: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]

(1)

4554 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ نَخْلاً، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءٍ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ يَقُولُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَيَّ بَيْرُحَاءٍ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِين". . قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: «ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ» . حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ «مَالٌ رَايِحٌ» . [انظر: 1461 - مسلم: 998 - فتح: 8/ 223]

4555 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاريُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبِيٍّ، وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِي مِنْهَا شَيْئًا. [انظر: 1461 - مسلم: 998 - فتح: 8/ 223]

ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ نَخْلًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءٍ .. الحديث.

سلف في الزكاة، وأخرجه أيضا في الوصايا والأشربة والوكالة

(1)

،

(1)

سلف في الزكاة برقم (1461) باب الزكاة على الأقارب، وفي الوصايا برقم (2752) باب: إذا وقف أو أوصى لأقاربه، ومن الأقارب وفي الوكالة برقم (2318) باب: إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك الله. وفي الأشربة برقم (5611) باب: استعذاب الماء.

ص: 147

وأخرجه مسلم والنسائي

(1)

.

ثم قال البخاري: وقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ:"ذَلِكَ مَاذ رَابِحٌ". حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ على مَالِكٍ: "مَالٌ رَايحٌّ".

وقد سلفت رواية عبد الله مسندة هناك

(2)

، ومرادها: أجرها مضاعفة، ورواية "رايح" تروح على صاحبها بالأجر.

وبيرحاء ذكرنا فيها أوجهًا عشرة منها المد والقصر فراجعه، وبخ: كلمة تقال عند مدح الشيء.

قال ابن فارس: وربما قالوا: (أخ)

(3)

.

وقوله: (وقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) روي عن أنس أنه قسمها بين أُبَي وحسان.

والبر هنا: الجنة. قاله ابن عباس وجماعات.

وعن مقاتل: التقوى

(4)

.

وقال غيره: الثواب.

وقرأ ابن مسعود: (حتى تنفقوا بعض ما تحبون) وهو يدل على أن [(من) في]

(5)

{مِّمَّا} للتبعيض

(6)

.

(1)

أخرجه مسلم (998) كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين. والنسائي في "الكبرى" 6/ 312.

(2)

سلفت برقم (1461) كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب.

(3)

"المجمل" 1/ 111 [بخ]، وفيه: ربما قالوا: بَخٍ والمثبت ما في الأصل.

(4)

"تفسير البغوي" 2/ 66.

(5)

زيادة يقتضيها السياق أثبتناها من "الكشاف".

(6)

"تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 703 (3810)، انظر:"الكشاف" 1/ 340.

ص: 148

قال محمد بن المنكدر فيما رواه عبد: لما نزلت هذِه الآية جاء زيد بن حارثة بفرس له لم يكن له مال أحب إليه منه. -قلت: سبل

(1)

. فيما ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره"-. فقال: يا رسول الله، هذِه صدقة، فحمل عليها أسامة فرأى ذلك في وجهه فقال:"إن الله قد قبلها منك"

(2)

.

(1)

هو اسم فرس زيد بن حارثة.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 704 (3814).

ص: 149

‌6 - قوله: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]

4556 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ:«كَيْفَ تَفْعَلُونَ بِمَنْ زَنَى مِنْكُمْ؟» . قَالُوا: نُحَمِّمُهُمَا وَنَضْرِبُهُمَا. فَقَالَ: «لَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ؟» . فَقَالُوا: لَا نَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فَوَضَعَ مِدْرَاسُهَا الَّذِي يُدَرِّسُهَا مِنْهُمْ كَفَّهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَطَفِقَ يَقْرَأُ مَا دُونَ يَدِهِ وَمَا وَرَاءَهَا، وَلَا يَقْرَأُ آيَةَ الرَّجْمِ، فَنَزَعَ يَدَهُ عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ فَقَالَ مَا هَذِهِ؟ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: هِيَ آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ مَوْضِعُ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ صَاحِبَهَا يَجْنَأُ عَلَيْهَا يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. [انظر: 1329 - مسلم: 1699 - فتح: 8/ 224]

ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا: الحديث بطوله.

وظاهر إيراده أن الآية نزلت في اليهود، فإن سياق الحديث أن عبد الله بن سلام قال لليهود: كذبتم {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} والذي ذكره أهل التفسير: إسرائيل كان اشتكى عرق النسا، فكان له صياح فقال: لئن أبرأني الله لا أكلت عرقا

(1)

.

(1)

رواه ابن جرير في "تفسيره" 3/ 352، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 705 وعبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 132 من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 91 وعزاه لعبد بن حميد والفريابي والبيهقي وابن المنذر والحاكم.

ص: 150

وفي رواية: فجعل بنوه بعد ذلك يتتبعون العروق يخرجونها من اللحم. وقيل: حرم على نفسه الأنعام، وقيل: لحوم الإبل وألبانها، فقالت اليهود له: حرم علينا هذا في التوراة، فأكذبهم الله وأخبر أن إسرائيل حرمه على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، ودعاهم إلى إحضارها

(1)

.

وحديث الباب سلف ويأتي في الحدود

(2)

أيضًا، واسم المرأة الزانية: بُسرة كما نبه عليه السهيلي

(3)

.

ونذكر هنا جملة من فوائده:

الأولى: أن الإسلام ليس شرطًا في الإحصان، وعند مالك: لا يصح إحصان الكافر

(4)

، قال: وإنما رجمهما؛ لأنهما لم يكونا أهل ذمة

(5)

، أي: بل أهل حرب، وكذا ذكره الطبري.

قال ابن التين: يريد أنه لو قدر على قتل جميعهم لقتل؛ لأن الجزية لم تكن نزلت حينئذ. وقال ابن القاسم: كانا من أهل فدك وخيبر حربًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذاك

(6)

.

وقال أبو هريرة -فيما رواه ابن إسحاق عن الزهري، عن المديني عنه-: كان هذا حين قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 351.

(2)

سلف في الجنائز برقم (1329) باب: الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد، وسيأتي برقم (6819)، باب: الرجم في البلاط.

(3)

"الروض الأنف" 2/ 298.

(4)

انظر: "المدونة" 3/ 386، 2/ 221، "القبس" لابن العربي 3/ 1017، "مختصر ابن الحاجب" ص 338.

(5)

"المنتقى" 7/ 133، "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 621.

(6)

انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 621

ص: 151

قال مالك: ولو كانا أهل ذمة لم يسألهم كيف الحكم فيهم، ولا حكم عليهم بقول أساقفتهم

(1)

.

وفيه نظر؛ لأن سؤالهم كان كإلزام، فإن قوله لهم:"كيف تفعلون؟ " لم يرد به تقليدهم ولا معرفة الحكم بينهم، وإنما المراد: إلزامهم بما يعتقدون في كتابهم، ولعله قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروها كما غيروا غيره، أو أنه أخبره من أسلم منهم.

وقال النووي: هذا تأويل غير جيد؛ لأنهما كانا من أهل المدينة، ولأنه رجم المرأة، والنساء الحربيات لا يجوز قتلهن مطلقًا

(2)

.

الثانية: الحكم بين أهل الذمة، والأصح عندنا وجوبه وفاقًا لأبي حنيفة، وهو قول الزهري وعمر بن عبد العزيز والحكم، وروي عن ابن عباس

(3)

.

وقال القرطبي: فإن كان ما رفعه إلى الإمام ظلمًا كالقتل والغصب بينهم، فلا خلاف بينهم بعد، ثم حكى الخلاف فيما عداه، ونقل عن مالك والشافعي أنه بالخيار بين الحكم بينهم وتركه، غير أن مالكًا يرى الإعراض أولى، ثم يذكر عن الشافعي أنه لا يحكم بينهم في الحدود

(4)

.

(1)

انظر: "المدونة" 3/ 386، "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 621، "طرح التثريب" 8/ 3.

(2)

"مسلم بشرح النووي" 11/ 208.

(3)

انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 141، "أحكام القرآن" للجصاص 2/ 610، "الأم" 4/ 129 - 130، "البيان" 12/ 283 - 284.

(4)

"المفهم" 5/ 110، وانظر:"المدونة" 3/ 386، "الأم" 4/ 129 - 130.

ص: 152

الثالثة: معنى (نحممهما) نسود وجوههما بالحُمم -بضم الحاء المهملة وهو الفحم، وروي:(نحملهما) -بحاء مهملة ولام- أي: نحملهما على شيء ليظهروا، وبالجيم بدلها، أي: نجعلهما على جمل. وقال الداودي: نحممهما: يركبان ويردفان أحدهما إلى الآخر، نجبيهم والتجبية هي أن يحملا على حمار، وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ويضرب مائة بحبل مطلي بقار

(1)

.

الرابعة: قوله: (فوضع مدراسها الذي يدرسها منهم كفه على آية الرجم)، يريد صاحب دراسة كتبهم، ومِفعل ومفعال من أبنية المبالغة، وهو عبد الله بن صوري -بضم الصاد وسكون الواو، وكسر الراء وفتحها- ولأبي داود:"ائتوني بأعلم رجل منكم" فأتوه بابني صوريا، ولعلهما -كما قال ابن المنذر-: عبد الله هذا وكنانة بن صوريا

(2)

، ويكون بناهما على لفظ أحدهما، أو يكون عبد الله يقال فيه أيضًا: ابن صوريا، وكان عبد الله أعلم من بقي من الأحبار بالتوراة، ثم كفر بعد ذلك، وزعم السهيلي أنه أسلم

(3)

(4)

.

الخامسة: في أبي داود أنه عليه السلام رجمهما بالبينة

(5)

، فإن صح -كما قال ابن عبد البر- فيكون الشهود مسلمين

(6)

، وإلا فينبغي أن يكون أقرا.

(1)

رواه أبو داود في "سننه"(4451) وقال المنذري في "مختصره" 6/ 265: وفيه أيضًا مجهول.

(2)

رواه أبو داود (4452).

(3)

جاء في هامش الأصل: ذكر السهيلي ذلك عن النقاش ولكن لم يضعفه.

(4)

ما جاء في "الروض الأنف" ليس من زعمه؛ بل قال هو في "كتابه" 2/ 289: ذكر النقاش أنه أسلم لما تحقق من صفات النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة، وأنه هو، وليس في "سيرة ابن اسحاق" ذكر إسلامه.

(5)

رواه أبو داود (4452).

(6)

"الاستذكار" 24/ 20.

ص: 153

وعند أبي حنيفة: إذا تزوج المسلم ذمية بشهادة ذميين جاز

(1)

، والجمهور: لا

(2)

. قال القرطبي: إن الكافر لا تقبل شهادته مطلقا ولو على كافر، سواء الحدود وغيرها. الحضر والسفر. وقبل شهادتهم جماعة من الناس وأهل الظاهر إذا لم يوجد مسلمون.

السادسة: قوله: (فرجمهما قريبًا من حيث موضع الجنائز) في المسجد، وفي رواية:(عند البلاط)

(3)

وهما متقاربان.

وقوله: (فرأيت صاحبها يَحنِي عليها يقيها الحجارة) وفي رواية: (يجنأ) بالهمز ثلاثي. أي: يميل ويعطف، وهو بالجيم. وعن الخطابي أن المحفوظ بالحاء أي: المهملة، أي: يكب عليها. يقال: حنا يحنو حنوًا

(4)

. وفي الحديث أن أبا بكر دعا أبا ذر يحني عليه. قال ابن الأثير: بالجيم بمعنى: أكب عليه. وقيل: هو مهموز، وقيل: الأصل فيه الهمز من جنأ يجنؤ ثم يخفف يقال: جنا وجانا إذا أكب عليه

(5)

. ورواه بعضهم كما قال المنذري بضم الياء، وروي (يجانيء) من [جانأ]

(6)

يجانئ ويجنئ بالهمز أي: ركع، وروي بفتح الحاء المهملة وتشديد النون. وفي "أطراف الموطأ" .. يقيد أكثر الرواة يجني من غير همز. وقال يحيى بن يحيى وطائفة: يَحنَى بالحاء المهملة وبغير همز، وهو أقرب إلى الصواب. وقال البيهقي:

(1)

"الهداية" 1/ 207.

(2)

انظر: "البيان" 9/ 225، "المغني" 9/ 349.

(3)

ستأتي برقم (6819) كتاب: الحدود، باب: الرجم في البلاط.

(4)

"معالم السنن" 3/ 281. وانظر: "أعلام الحديث" 3/ 1616، 1828، "معالم السنن" 3/ 281.

(5)

انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 302، 310، 454.

(6)

ساقطة من الأصل والمثبت يستقيم به السياق.

ص: 154

أهل الحديث رووه (يحني) وأهل اللغة بالجيم. وقال الهروي: هو بحاء أي: يُكِب، يقال: أحنى عليه إذا أكب عليه يقيه شيئًا، وقيل: هو بالخاء المعجمة وأنشد: -الذي يخني على لبد- أي: أكب عليه الدهر. فهذِه روايات، وقد سلف التنبيه عليها.

السابعة: فيه أن أنكحة الكفار صحيحة وكذلك رجمهما، وهو الأصح عندنا.

الثامنة: فيه دليل أنه لا يحفر لمن رجم، إذ لو حفر له ما استطاع أن يَحني عليها. قاله مالك، لكن في "صحيح مسلم" من حديث بريدة

(1)

أنه حُفر لماعز والغامدية إلى صدرهما

(2)

، وقيل: يحفر لمن قامت البينة عليه دون المُقِرِّ، وقيل: يخير.

التاسعة: فيه أن المرأة يقام عليها الحد وهي قاعدة، إذ لو كانت قائمة لما استطاع ما قيل.

(1)

ورد في هامش الأصل: حديث بريدة تكلم الناس فيه من جهة بشير بن المهاجر، والثقة قد يغلط، على أن أحمد وأبا حاتم قد تكلما فيه، وإنما سرى الوهم من حفر الغامدية إليه، والله أعلم.

(2)

مسلم (1695) كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى وفيه صدرها وليس صدرهما.

ص: 155

‌7 - قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]

4557 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلَامِ. [انظر: 3010 - فتح: 8/ 224]

ذكر فيه حديث أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأْتُونَ بهم بالسَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلَامِ.

قيل: الكاف زائدة، أي: أنتم خير أمة، وروى عبد بن حميد عن ابن عباس: هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وقال مجاهد: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} على هذا الشرط أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر ثم يتبين، وقيل: شهدتم الأنبياء الذين كذبهم قومهم بالبلاع

(2)

وقيل: معنى: {كُنْتُمْ} ، أي: في اللوح المحفوظ، وقيل: قد آمنتم، وقيل: أهل طريقة؛ لأن الأمة الطريقة، وقيل: نزلت في المهاجرين من مكة إلى المدينة، وبني سليم من الخزرج، وبني حارثة.

وقال السدي -فيما حكاه الطبري-: قال عمر بن الخطاب: لو شاء الله لقال: أنتم فكنَّا كلنُّا، ولكن هذا خاص بالصحابة ومن صنع مثلما صنعوا كانوا خير أمة.

(1)

أورده السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 113 وعزاه لعبد بن حميد وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والفريابي وأحمد والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهم.

(2)

رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" 3/ 390.

ص: 156

وفي لفظ: تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا

(1)

. وعند الرافعي أن رءوس اليهود -وعدد جماعة منهم ابن صوريا- عمدوا إلى مؤمنهم عبد الله بن سلام وأصحابه، فآذوهم لإسلامهم، فنزلت.

وقال مقاتل: نزلت في أُبَيٍّ ومعاذ وغيرهما، وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا قالا للمسلمين: ديننا خير مما تدعوننا إليه ونحن خير وأوصل منكم، فنزلت

(2)

. وقال الربيع: لم تكن أمة أكثر استجابة للإسلام من هذِه الأمة. وقال الحسن: نحن آخرها وأكرمهما على الله

(3)

.

وفي رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعًا: "ألا إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم آخرها وأكرمها على الله"

(4)

. ومعنى {وأُخْرِجَتْ} : أظهرت.

(1)

"تفسير الطبري" 3/ 389 - 390 (7606)، (7608).

(2)

انظر: "تفسير البغوي" 2/ 89.

(3)

المصدر السابق 3/ 391.

(4)

رواه الترمذي (3001)، وابن ما جه (4288) وأحمد 4/ 447، والبيهقي 9/ 5 وقال الترمذي: حديث حسن. وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(3460 - 3461).

ص: 157

‌8 - قوله: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: 122]

4558 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: فِينَا نَزَلَتْ {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ: بَنُو حَارِثَةَ، وَبَنُو سَلِمَةَ، وَمَا نُحِبُّ -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَمَا يَسُرُّنِي- أَنَّهَا لَمْ تُنْزَلْ لِقَوْلِ اللهِ {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122][انظر: 4051 - مسلم: 2505 - فتح: 8/ 225]

ذكر فيه عن سفيان -هو ابن عيينة- عن عَمْرو -وهو ابن دينار- عن جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قال: فِينَا نَزَلَتْ: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122] قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ: بَنُو حَارِثَةَ، وَبَنُو سَلِمَةَ، وَمَا نُحِبُّ - وَقَالَ سُفْيَانُ -يعني أحد رواته- مَرَّةً: وَمَا يَسُرُّنِي - أَنَّهَا لَمْ تُنْزَلْ لِقَوْلِ اللهِ: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122].

سلف في غزوة أحد من المغازي.

وأخرجه مسلم أيضا

(1)

.

وعند ابن أبي حاتم أن المسور قال لعبد الرحمن بن عوف: أخبرني عن فضلكم يوم أحد، وعن الطائفتين.

قال: هم الذين طلبوا الأمان من المشركين

(2)

. والفشل: التخاذل. قاله ابن اسحق.

(1)

سلف في المغازي برقم (4551) باب: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} ورواه مسلم (2505) كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل الأنصار.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 749.

ص: 158

وقال ابن جريج: الجبن

(1)

.

وبنو حارثة: بطن من الأنصار. وبنو سَلِمة -بكسر اللام-: هو سَلِمة بن سعد بن علي بن أسد بن شاردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج.

(1)

"تفسير الطبري" 3/ 419.

ص: 159

‌9 - [باب] قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية [آل عمران: 128]

4551 -

حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا» . بَعْدَ مَا يَقُولُ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» . فَأَنْزَلَ اللهُ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] إِلَى قَوْلِهِ {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} . [آل عمران: 128]. رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [انظر: 4069 - فتح: 8/ 225]

4560 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأَحَدٍ؛ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ:«سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» . يَجْهَرُ بِذَلِكَ وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا» . لأَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] الآيَةَ.

ذكر فيه حديث مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ العَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا". بَعْدَ مَا يَقُولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ". فَأَنْزَلَ اللهُ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]. رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

ص: 160

وأخرجه في المغازي والاعتصام أيضًا

(1)

.

وإسحاق هذا صدوق ثقة، قال ابن خزيمة: لا يحتج به. قلت: وتكلم في سماعه من الزهري

(2)

.

ثم ذكر حديث سَعِيدِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنّه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأَحَدٍ؛ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ .. الحديث.

زاد ابن حبان: وأصبح ذات يوم فلم يدع لهم، فذكرت ذلك له، فقال صلى الله عليه وسلم:"أما تراهم قد قدموا؟! " ثم قال: فيه بيان واضح أن القنوت إنما يكون في الصلاة عقب حادثة

(3)

، وأنه ليس منسوخًا، ولا يسلم له اختصاصه بالحادثة، وعند البخاري في غزوة أحد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: لعن في صلاة الصبح فلانًا وفلانًا -بأسامي المنافقين- فنزلت.

وقال البخاري -وسلف قبله-: قال حميد وثابت عن أنس: شُجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف يفلح قوم شَجُّوا نبيهم؟! " فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} وقد سلف هناك إسنادها

(4)

.

وروى الطبري من حديث عمر بن حمزة، عن سالم، عن أبيه أنه رضي الله عنهما قال:"اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن صفوان بن أمية" فنزلت.

(1)

سلف في المغازي برقم (4069)، باب: ليس لك من الأمر شيء وسيأتي في الاعتصام برقم (7346) باب: ليس لك من الأمر شيء.

(2)

ورد في هامش الأصل ما نصه: قال الذهبي وغيره عن الدارقطني أنه قال: تكلموا في سماعه من الزهري.

(3)

"صحيح ابن حبان" 5/ 323 - 324.

(4)

سلف برقم (4069) كتاب المغازي، باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} .

ص: 161

وأخرجه الطبري معلقًا عن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالمًا يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث

(1)

. وسلف هناك.

وعند الطبري أيضا من حديث نافع عنه: كان يدعو على أربعة نفر فنزلت

(2)

.

ولمقاتل: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عُصَيَّة وذكوان أربعين يومًا فنزلت، وقد سلف الكلام على ذلك واضحًا في غزوة أحد.

قال الداودي: وفي الحديث تقديم وتأخير أتى فيه ببعض حديثين؛ لأن بئر معونة كان بعد بدر، وقيل: أصل النزول أنه استأذن في أن يدعوَ باستئصالهم، فنزلت؛ لأنه تعالى علم أن منهم من سيسلم.

فائدة:

الوطأة في الحديث: الأخذة والبأس. وقيل: معناه. خذهم أخذًا شديدًا. وقال الداودي: الوطأة: الأرض، فإنه أراد جدوبة الأرض، فلم تنبت لهم شيئًا.

وقوله: ("كسِنِيِّ يوسف") هذا هو الأفصح، وروي "كسنين" بنونين

(3)

وهي قليلة، يريد سبعًا شدادًا ذات خمط وغلاء.

(1)

ورد في هامش الأصل: ذكر الترمذي في "جامعه" حديث "الصحيح" وسمى المبهم فيه فقال: أبا سفيان والحارث بن هشام وصفوان بن أمية. وزاد: فتاب عليهم فأسلموا. وقال: حسن غريب صحيح.

وفي رواية: أربعة نفر. ولم يسمهم، وقال: فهداهم الله للإسلام. ["الترمذي" (3004، 3005) وقال في الرواية الأولى: حسن غريب. ولم يقل: صحيح، وقال في الرواية الثانية: حسن غريب صحيح].

(2)

روى الطبري هذا الأحاديث في "تفسيره" 3/ 433.

(3)

"مسند أحمد" 2/ 521.

ص: 162

أخرى:

قوله: (بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد") فيه: أن الإمام يجمع بينهما، ومشهور مذهب مالك: لا يقول: ربنا لك الحمد. ووافق مرة أخرى.

وفيه: القنوت في الفجر وفاقًا لمالك، وإن اختلفوا في موضعه هل هو قبل الركوع أو بعده. ومشهور مذهب مالك أنه قبله

(1)

. وقال ابن حبيب بعد الركوع أحسن. وقال أبو حنيفة: لا قنوت فيه

(2)

. وبه قال يحيى بن يحيى، وليس هذا موضع ذلك.

فائدة:

(ابن)

(3)

الوليد في قوله: "اللهم أنج الوليد" هو أخو خالد بن الوليد أسر يوم بدر كافرًا ففاداه أخواه هشام وخالد، فلما بلغاه ذا الحليفة أفلت، وتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد معه عمرة القضاء بعدُ. وقيل: إنه لما أفلت منهما مشى على رجليه فطلباه فلم يدركاه، ونكبت إصبعه فمات عند بئر أبي عنبة على ميل من المدينة.

وسلمة بن هشام هو أخو أبي جهل كان من مهاجرة الحبشة، فلما هاجر إلى مكة حبسه أخوه، ثم هاجر بعد الخندق، وقتل بمرج الصفر سنة أربع عشرة. وقيل: بأجنادين في جمادى قبل وفاة الصديق بنيف وعشرين ليلة.

(1)

"المدونة" 1/ 73، 100.

(2)

انظر: "مختصراختلاف العلماء" 1/ 215.

(3)

ورد في هامش الأصل: ينبغي أن تحذف (ابن) من الكلام؛ لأنه أحسن، وإن كان ثبوتها صحيحًا.

ص: 163

وعياش بن أبي ربيعة بالشين المعجمة -أبو عبد الله- أو أبو عبد الرحمن - ابن عم أبي جهل، وأخوه لأمه أسماء بنت مخرمة، أسلم قبل دخوله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. واختلف في هجرته إلى الحبشة.

ص: 164

‌10 - [باب] قَوْله: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153]

وَهْوَ تَأْنِيثُ آخِرِكُمْ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52] فَتْحًا أَوْ شَهَادَةً.

4561 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ اثْنَي عَشَرَ رَجُلاً. [انظر: 3039 - فتح: 8/ 227]

ثم ساق حديث البراء رضي الله عنه: جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ اثْنَي عَشَرَ رَجُلًا.

وقد سلف هناك بالإسناد المذكور هنا سواء، وكذا في فضل من شهد بدرًا

(1)

. وزاد هنا من قوله: (ولم يبق) إلى آخره. وروي أنه بقي (معهم)

(2)

طلحة واثنا عشر رجلا من الأنصار فلحقه المشركون واستأذنه طلحة فقال: "كما أنت". واستأذنه رجل من الأنصار فأذن له (فأشغلهم)

(3)

هنية ورسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه قارُّون على الجبل، فقتلوا الأنصاري ولحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه طلحة فأبى، واستاذنه أنصاري فأذن له، فلم يزل كذلك حتى قتل الاثنا عشر

(1)

سلف برقم (3039) كتاب الجهاد، باب: ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وسلف في المغازي برقم (3986) باب: فضل من شهد بدرًا.

(2)

ورد في هامش الأصل: لعله: معه.

(3)

وردت هذِه الكلمة تبيينًا في الحاشية وعليها كلمة: كذا.

ص: 165

رجلا، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجبل، وأراد رجل أن يعلوه بسيف فاتقاها طلحة فقطعت إصبعه فقال: حس، فقال صلى الله عليه وسلم:"لو ذكرت الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك"

(1)

فلحقه أبي بن خلف، فأراد طلحة أن يقاتله فنهاه صلى الله عليه وسلم ورماه بالحربة فقتله، ورماه ابن قمئة فقال: خذها وأنا ابن قمئة، فقال صلى الله عليه وسلم:"أقمأك الله في النار". فنطحه تيس فأرداه، فلم يجد له موضعا وذهب إلى النار، ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طلحة. فانكسرت يومئذ ثلاثة أقواس، ثم تلاحق فكان الصديق والزبير ممن

استجاب لله وللرسول وذلك أن المشركين لما انصرفوا يوم أحد فبلغوا الروحاء حرض بعضهم بعضا على الرجوع لقتال المسلمين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فندب أصحابه فانتدبوا حتى وافوا حمراء الأسد على ثمانية أميال من المدينة، فأنزل الله هذِه الآية

(2)

.

(1)

رواه النسائي في "السنن" 6/ 29 - 30، وفي "عمل اليوم والليلة" ص 192. والطبراني في "الأوسط" 8/ 340 (8704) وقال: لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا عمارةُ بن غزيةَ تفرد به يحيى.

وصححه الألباني في "الصحيحة"(2171)، (2171)، (2796).

(2)

"مصنف عبد الرزاق" 5/ 363 - 366 في حديث طويل عن عروة. و"سنن النسائي الكبرى" 6/ 317. و"المعجم الكبير" 11/ 247 (11632).

و"تفسير الطبري" 3/ 519 (8238) ثلاثتهم عن عبد الله بن عباس.

ص: 166

‌11 - [باب] قَوْلِهِ: {أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران: 154]

4562

- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: غَشِيَنَا النُّعَاسُ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِى وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ. [انظر: 4068 - فتح: 8/ 228]

ذكر فيه حديث أنس: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: غَشِيَنَا النُّعَاسُ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ وآخُذُهُ.

وقد سلف هناك معلقًا

(1)

، وأسنده عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبي يعقوب، وهو بغوي يقال له: لؤلؤ ابن عم أحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغوي الأصم أبو جعفر. مات إسحاق سنة تسع وخمسين بعد البخاري بثلاث سنين، ومات ابن عمه أحمد سنة أربع وأربعين ومائتين، ويقال: في شوال سنة ثلاث، روى عنه الستة، وروى البخاري عن حسين عنه. يقال: وقعت الأمنة في الأرض. والأمنة والأماني واحد، وقد بسطناه هناك. قال مقاتل: نزلت الآية في سبعة: أبي بكر وعمر وعلي والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف ورجلين من الأنصار.

ص: 167

‌12 - [باب] قَوْله: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} الآية [آل عمران: 172]

{الْقَرْحُ} [آل عمران: 172] الجِرَاحُ. {اسْتَجَابُوا} [آل عمران: 172] أَجَابُوا. يَسْتَجِيبُ يُجِيبُ. وقد سلف هناك باب {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} .

وساق هناك حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة: يا ابن أخي كان أبواك منهم، الزبير وأبو بكر. (وخرجه) الإسماعيلي. في هذا الموضع أيضا. ولابن أبي حاتم عن عبيد الله بن عدي بن الخيار زيادة: وعثمان. وعن النخعي: قال ابن مسعود: نزلت هذِه الآية فينا، وكنا ئمانية عشر رجلًا

(1)

.

وعند الواقدي عن عمرو بن دينار: كانوا سبعين رجلا. وقراءة الأكثرين (القرح) بفتح القاف، وصوبه الطبري، لإجماع أهل التأويل على أن معناه القتل والجراح

(2)

. وقرأ حمزة وغيره بضمها

(3)

، فقيل: بمعنًى. قاله الزجاج: أي الجرح والألم.

وقال الفراء: الجراح بالفتح، ألمها بالضم كوُجدكم ووَجدكم، ولا يجدون إلا جُهدهم وجَهدَهم

(4)

. وفيه قراءة ثالثة بفتح القاف والراء، وهو مصدر قرح يقرح. وبضمهما على الإتباع، قال أبو البقاء: كاليُسر والعُسر

(5)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 816.

(2)

"تفسير الطبري" 3/ 518.

(3)

انظر: "المحتسب" لابن جني 1/ 166، "زاد المسير" لابن الجوزي 1/ 466.

(4)

"معاني القرآن" 1/ 247.

(5)

"التبيان" ص 210.

ص: 168

‌13 - [باب]؛ قوله: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]

4563

- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ -أُرَاهُ قَالَ- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. [آل عمران: 173]. [4564 - فتح: 8/ 229]

4564 -

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [انظر: 4563 - فتح: 8/ 229]

ذكر فيه عن أبي حَصين بالفتح فرد، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال:{حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} .. الآية.

وعنه قال: كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل.

المراد (بالناس) نعيم بن مسعود، أرسله أبو سفيان ليثبط المؤمنين، قاله الفراء

(1)

.

(1)

انظر: "معاني القرآن" 1/ 247.

ص: 169

وقال مجاهد: في {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} قال: أبو سفيان بن حرب، فإنه قال: موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا. فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدرًا

(1)

. ذكره إسحاق البُستي القاضي في "تفسيره" عن قتيبة ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد وزعم بعضهم أنه قال ذلك في غزوة حمراء الأسد. وفي "تفسير الطبري": مر بأبي سفيان ركب من عبد القيس، فقال: إذا جئتم محمدًا فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه. فلما أخبر قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل"

(2)

ذكره عن ابن إسحاق، وعن ابن عباس وقتادة: بنعيم ونحوه. ويجوز أن يكون (

)

(3)

في تثبيط المؤمنين ما أمكنه، فتارة بنعيم، وتارة بالركب، وتارة بالعير وشبهه. وإطلاق الناس وأراد به ما ذكره تجوزًا من باب إطلاق اسم الجمع على الواحد من جنسه، وهو مثل {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} وهو نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن عادة العرب إطلاق اسم الواحد على الجمع إذا كان عظيمًا، أو أتى بفعل عظيم؛ أو لأن نعيم بن مسعود من جنس الناس، كقولك: فلان يركب الخيل، ويلبس البُرودَ، وليس له إلا فرس واحد وبُرد واحد، كما ذكره في "الكشاف" ومعنى: حسبي كافيني، والوكيل: الحافظ والموكول إليه

(4)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 522 (8248).

(2)

المصدر السابق 3/ 522 (8244)، (8246)، (8247).

(3)

كلمة مطموسة بالأصل.

(4)

انظر: "الكشاف" 1/ 387 - 388.

ص: 170

‌14 - [باب] قوله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآيَةَ [آل عمران: 180]

{سَيُطَوَّقُونَ} [آل عمران: 180] كَقَوْلِكَ طَوَّقْتُهُ بِطَوْقٍ.

4565 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ- يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ» . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. [انظر: 2371 - مسلم: 987 - فتح: 8/ 230]

ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ .. " الحديث بطوله، وسلف في الزكاة

(1)

.

قال الواحدي: أجمع جمهور المفسرين على أنها نزلت في مانعي الزكاة

(2)

، وروى عطية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد ونبوته عليه أفضل الصلاة والسلام

(3)

، والتفاسير على هذا: سيطوقون الإثم، وأراد بالعمل كتمان العلم الذي آتاهم الله تعالى، وذكره الزجاج عن ابن جريج أيضا واختاره.

(1)

سلف برقم (1402) باب: إثم مانع الزكاة.

(2)

"البسيط" للواحدي آية 180.

(3)

"أسباب نزول القرآن" ص 136 - 137

ص: 171

وحكى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: هم أهل الكتاب بخلوا بالكتاب أن يبينوه للناس. وقال الحسن: هم كافر ومنافق بخل أن ينفق في سبيل الله أي: حين كانت النفقة فيه واجبة

(1)

، وقيل: نزلت في النفقة في العيال (وذي)

(2)

الأرحام إذا كانوا محتاجين، وقرئ {لا تَحْسَبَنَّ} بالتاء والياء

(3)

، ورجح الطبري التاء أي: لا تحسبن أنت يا محمد

(4)

. وخالفه الزجاج، فرجح الياء، واختلف في معنى {سَيُطَوَّقُونَ} ، فقال النخعي -فيما حكاه ابن أبي حاتم-: بطوق من النار

(5)

.

وعن ابن عباس: سيحملون يوم القيامة ما بخلوا به من كتمان نبوة رسول الله

(6)

، وعن مجاهد: يكلفون أن يأتوا بما بخلوا به

(7)

. وعن أبي مالك العبدي - فيما حكاه الطبري ما من عبد يأتيه ذو رحم له يسأله من فضلٍ عنده، فيبخل به عليه إلا أخرج له الذي بخل عليه شجاعًا أقرع من النار، فيطوقه. ورواه أبو قزعة حجر بن بيان عن رجل، عن رسول الله رضي الله عنه. ورواه أيضا بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه، عن جده مرفوعًا

(8)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 826.

(2)

كذا في الأصل وفي هامشها: لعله (وذوي).

(3)

بالتاء قراءة حمزة وبالياء قراءة نافعٍ وابن عامرٍ وابن كثير وأبي عمرٍو. انظر "الحجة للقراء السبعة" 3/ 106 - 107.

(4)

"تفسير الطبري" 3/ 531.

(5)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 828.

(6)

"تفسير الطبري" 3/ 534.

(7)

"تفسير الطبري" 3/ 534 (8298، 8299)، "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 827.

(8)

"تفسير الطبري" 3/ 532 - 535.

ص: 172

وعن ابن مسعود: ثعبان ينقر رأس أحدهم يقول: أنا مالك الذي بخلت به وينطوي على عنقه. وفي لفظ: يلتوي برأس أحدهم

(1)

.

وقال مقاتل: يطوق بحيةٍ ذَكَرٍ، لفِيهِ ذبيبتان كأنهما جبلان ينهشُهُ، فنفقته تدرأ عنه، فيلقمهما حتى يُقضَى بين الناس، وفي "الكشاف" يلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق، وفي أمثالهم:(تقلد طوق الحمامة) إذا جاء بهنةٍ يُسبُّ بها

(2)

.

(1)

"تفسير الطبري" 3/ 533.

(2)

"الكشاف" 1/ 392.

ص: 173

‌15 - [باب] قوله: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية [آل عمران: 186]

4566

- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، قَالَ: حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابن سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَيُّهَا الْمَرْءُ، إِنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إِنْ كَانَ حَقًّا، فَلَا تُؤْذِينَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ. فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَابَّتَهُ، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَا سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ -يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ- قَالَ: كَذَا وَكَذَا» . قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ، فَوَالَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ، لَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، لَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونَهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللهُ؛ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ ما رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللهُ،

ص: 174

وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى قَالَ اللهُ عز وجل {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} [آل عمران:186] الآيَةَ، وَقَالَ اللهُ {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقره: 109] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ، حَتَّى أَذِنَ اللهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرًا، فَقَتَلَ اللهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ. فَبَايَعُوا الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا. [انظر: 2987 - مسلم: 1798 - فتح: 8/ 230]

ذكر فيه حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فدكية، وأردف أسامة بن زيد وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج .. الحديث بطوله.

وهو أتم الطرق كلها، كما قاله الحميدي

(1)

.

وأخرجه البخاري أيضا في الجهاد، والأدب، واللباس، والطب، والاستئذان

(2)

، وأخرجه مسلم والترمذي

(3)

.

ذكر الواحدي عن (سعد)

(4)

بن مالك أن سبب نزولها أن كعب بن

(1)

"الجمع بين الصحيحين" 3/ 340 (2800).

(2)

سلف في الجهاد برقم (2987) باب: الردف على الحمار، وسيأتي في اللباس برقم (5964) باب الارتداف على الدابة، وفي الأدب برقم (6207) باب كنية المشرك، وفي الاستئذان برقم (6254) باب: التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين.

(3)

رواه مسلم (1798) كتاب الجهاد والسير، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على أذى المنافقين. والترمذي (2702).

(4)

كذا في الأصل وفي "أسباب النزول" كعب بن مالك وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم.

ص: 175

الأشرف كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وبها أخلاط منهم المسلمون، ومنهم المشركون، ومنهم اليهود. أراد أن يستميلهم، فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الأذى فأمر الله نبيه بالصبر على ذلك

(1)

.

وعند الطبري {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يعني: من اليهود، وقولهم {إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} وقولهم:{يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} وما أشبه ذلك من افترائهم على الله. ومعنى {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} يعني: النصارى من قولهم: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ} وما أشبهه. وقال عكرمة: نزلت في رسول الله إذ بعث أبا بكر إلى فنحاص بنِ عازورا يستمده، فقال فنحاص: قد احتاج ربكم أن نمده

(2)

.

والأذى مقصور يكتب بالياء، يقال: قد أذِيَ فلان يأذى إذا سمع ما يسوؤه. وقال أبو نصر: آذاه يؤذيه أذاة وأذية

(3)

.

ثم الكلام على حديث أسامة من وجوه:

أحدها:

قوله: (قطيفة فدكية) أي: كساء غليظ منسوب إلى فَدَك -بفتح الفاء والدال- على مرحلتين أو ثلاثة من المدينة.

ثانيها:

فيه الإرداف.

ولابن منده فيه جزء زاد فيه على ثلاثين نفسًا.

(1)

"أسباب النزول" ص 138 - 139 (287).

(2)

"تفسير الطبري" 3/ 541 - 542.

(3)

"الصحاح" 6/ 2266 [أذا].

ص: 176

وفيه:

جواز العيادة راكبًا، وأنَّ فِعْلَ ذلك لا ينقص في حق العظماء خلافًا لمن تكبر عن فعل هذِه السنة. قال المهلب وفيه أنواع من التواضع.

ثالثها:

قوله: (وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أُبي) يعني: قبل أن يظهر الإسلام وإلا فهو لم يسلم قط.

رابعها:

قوله: (فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة) أي: وهو ما اْرتفع من غبار حافرها، وهي واحدة العجاج. ومعنى (خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه) ستر وجهه وغطاه.

وقوله: (فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم) لعله نوى به المؤمنين ولا بأس به إذًا.

وقوله: (ثم وقف فنزل) فيه جواز استمرار الوقوف اليسير على الدابة، فإن طال نزل؛ لفعله صلى الله عليه وسلم.

وعن بعض التابعين. لما قيل له: نُهي عن الوقوف على متن الدابة. قال: أرأيت لو صيرتها (سائبة)

(1)

، أما كان يجوز لي ذلك؟ قيل له: نعم. قال: فأي فرق بينهما؟!

خامسها:

قوله: (فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقًّا، فلا تؤذنا به في مجالسنا) قال ابن الجوزي: كثير من النحويين يضمون ألف (أُحسِنُ) ويكسرون السين، أي: لا أعلم منه شيئًا.

(1)

كذا في الأصل وفي هامشها: لعله: سائرة.

ص: 177

وسمعت أبا محمد بن الحباب يفتح الألف والسين، أي: ليس شيء أحسن من هذا. ووقع للقاضي أبي علي: (لأُحسِن) من هذا. بالكسر من غير ألف. كما قال عياض. قال: وهو عندي أظهر

(1)

. وتقديره: أحسن من هذا أن تقعد في بيتك ولا تأتينا.

سادسها:

قوله: (فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون) أي: قاربوا أن يثور بعضهم إلى بعض بقتال. يقال: ثار يثور إذا قام بسرعة وا نزعاج. وعبا رة ابن التين: يتثاورون: يتواثبون. وقولهم: (فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم) أي: يسكنهم حتى سكنوا.

سابعها:

قوله صلى الله عليه وسلم: ("يا سعدُ، ألم تسمع ما قال أبو حُباب؟! " يريد: عبد الله بنَ أُبي) هو بحاء مهملة مضمومة ثم بباء موحدة- وفيه: بث الشكوى للصاحب. وقول سعد: (اعفُ عنه واصفح عنه). إنما قاله على سبيل الاستمالة؛ ليستخرج منه ما جبل عليه من كرم والأخلاق والعفو عن الجهال، ولا جرم أنه عفا عنه وتم لسعد مرادُه.

ثامنها:

قوله: (ولقد اصطلح أهل هذِه البحرة -وفي رواية: البحيرة- على أن يتوجوه، فيعصبونه بالعصابة) البحيرة -بضم الباء ثم حاء مهملة- تصغير البحرة. قال عياض: وفي غير "صحيح مسلم" البَحِيرة -بفتح الباء وكسر الحاء- قال: وكلاهما بمعنًى. يريد أهل المدينة

(2)

.

(1)

"إكمال المعلم" 6/ 172 - 173.

(2)

"إكمال المعلم بفوائد مسلم" 6/ 173.

ص: 178

والبحرة: الأرض والبلد والبحار والقرى. قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] قال بعض المفسرين: أراد القرى والأمصار

(1)

. وقال الطبري: كل قرية لها نهر جار فالعرب تسميها البحرة

(2)

.

وقال ياقوت: بَحْرة -بفتح أوله وسكون الحاء المهملة- على لفظ تأنيث البحر من أسماء المدينة. والبحرين قرية لعبد القيس يقال لها: بحرة، وبحرة: موضع لية بالطائف، يقال لها: بحيرة الرغاء، سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من حنين، وبنى به مسجدًا، وأما بتصغير بحرة فيراد به: كل مجتمع ماء مستنقع لا اتصال له بالبحر الأعظم غالبًا، ويكون ملحا وعذبا. [وذكر]

(3)

أربعة عشر موضعًا

(4)

، وضبط الحازمي التي بالطائف بضم الباء الموحدة. ومعنى (يتوجوه) يجعلوه ملِكًا

ورئيسًا عليهم، وكان من عادتهم إذا ملكوا إنسانًا توجوه وعصبوه، أي: يعمموه بعمامة الملوك.

وفي رواية ابن إسحاق: لقد جاءنا الله بك وإنا ننظم له الخرز لنتوجه

(5)

.

قال القرطبي: وهذا أولى من قول من قال: يعصبوه، أي: يملكوه فتعصب به أمورهم. ويبعد هذا -أيضا- قوله: (بالعصابة)

(6)

.

(1)

في "تفسير الطبري" 10/ 191 (27999)، "تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 3092 (17502) عن عكرمة.

(2)

"تفسير الطبري" 10/ 191.

(3)

زيادة ليست في الأصول يقتضيها السياق.

(4)

"معجم البلدان" 1/ 350

(5)

انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 220.

(6)

"المفهم" 3/ 657.

ص: 179

وقال ابن التين: معنى (يعصبوه بعصابة): يرئسونه عليهم ويسودونه، وكان الرئيس يسمى معصبًا؛ لما يعصبه برأسه من الأمور، قال: وقيل؛ كان الرؤساء منهم يعصبون رءوسهم بعصابة يعرفون بها.

تاسعها:

قوله: (فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك) معنى (شَرِق) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء ثم قاف: غص، يعني: حسد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان سبب نفاقه.

يقال: غص الرجل بالطعام، وشرق بالطعام، و (لحى)

(1)

بالعظم، والصناديد: الأشراف. وكان ما أمر به صلى الله عليه وسلم من العفو قبل أن يؤذن له في القتال كما ذكر في الأصل.

(1)

كذا في الأصل، وفي "فتح الباري" 8/ 232 و"تاج العروس" 9/ 316 [عصص]. (شجى).

وستأتي عند المصنف في حديث (6254) في كتاب: الاستئذان، باب: التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين (شجى)، ولعل الناسخ أخطأ فيها هنا أو تحرفت عنده.

ص: 180

‌16 - [باب] قوله: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [آل عمران: 188]

4567 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ {لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآيَةَ. [آل عمران: 188] الآيَةَ. [مسلم: 2778 - فتح: 8/ 233]

4568 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ، وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، مُعَذَّبًا، لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ، إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ، وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران: 187] كَذَلِكَ حَتَّى قَوْلِهِ: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188][مسلم: 2778 - فتح: 8/ 233]. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.

حَدَّثَنَا ابن مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا الَحجَّاج، عَنِ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّة أَخْبَرَة أَنَّ مَرْوَانَ بهذا. [مسلم: 2778 - فتح: 8/ 233]

ذكر فيه حديث أَبِي سعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رِجَالًا مِنَ المُنَافِقِينَ على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الغَزْوِ وتَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَذَرُوا

ص: 181

إِلَيْهِ وَحَلَفُوا، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ {وَلَايَحْسَبَنَّ} [آل عمران: 188] الآيَةَ. وأخرجه مسلم أيضًا

(1)

.

وحديث هِشَام، عن ابن جُرَيْجٍ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عن عَلْقَمَةَ بْن وَقَّاصٍ، أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابهِ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابن عَبَّاسٍ، فَقُلْ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ منا فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ، وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا، لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: وَمَا لَكُمْ وَلهَذِهِ، إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَئٍ، فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ عمَّا سَأَلَهُمْ، وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ ابن عَبَّاسٍ {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] كَذلِكَ حَتَّى قَوْلِهِ: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}

تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ.

حَدَّثنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَنَا الحَجَّاجُ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بهذا.

حديث مروان هذا أخرجه مسلم -أيضا- من حديث حجاج عن ابن جريج به، وفيه: بما أَتَى

(2)

، ورواه الواحدي من حديث زيد بن أسلم أن مروان بن الحكم كان يومًا -وهو أمير المدينة- عنده أبو سعيد وزيد بن ثابت ورافع بن خديج، فقال مروان: يا أبا سعيد، أرأيت قول الله:{لَا تَحْسَبَنَّ} الآية، والله إنا لنفرح بما أوتينا، ونحب أن نحمد بما لم نفعل.

(1)

مسلم (2777) كتاب: صفات المنافقين.

(2)

مسلم (2778).

ص: 182

فقال أبو سعيد: ليس هذا في هذا، إنما كان رجال .. الحديث

(1)

.

ورواه عبد في "تفسيره"، عن إسحاق بن عيسى، عن مالك، عن زيد بن [أسلم]

(2)

أن رافع بن خَديج وزيد بن ثابت كانا عند مروان، فقال مروان: يا رافع، في أي شيء نزلت هذِه الآية؟ فقال: في ناس من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى سفر تخلفوا فإذا قدموا اعتذروا، فكأن مروان أنكر ذلك، فخرج رافع وقال لزيد: أنشدك بالله هل تعلم ما أقول؟ قال: نعم

(3)

.

وقوله: (تابعه عبد الرزاق)

(4)

. يعني: هشامَ بنَ يوسف الصنعاني).

وقد أخرجه الإسماعيلي في "صحيحه" عن ابن زنجويه وأبي سفيان قالا: ثنا (عن)

(5)

عبد الرزاق، به. وقال أبو القاسم: ثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو عروبة، ثنا سلمة بن شبيب، ثنا عبد الرزاق به، وقال أبو مسعود، تابعه أيضا محمد بن ثور عن ابن جريج. واعترض الإسماعيلي فقال: يرحم الله البخاري أخرج هذا الحديث في "الصحيح" مع الاختلاف على ابن جريج، ويرجع الحديث إلى (باب)

(6)

مروان عن ابن عباس وبوابه بمنزلة واحدة، ولم يذكر حديث عروة عن مروان وحرسيه عن بسرة في مس الذكر

(7)

، وذكر هذا ولا فرق بينهما

(1)

"أسباب النزول" ص 140 - 141.

(2)

ساقطة من الأصول والسياق يقتضيها.

(3)

أورده السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 191 وعزاه لعبد بن حميد.

(4)

"تفسير عبد الرزاق" 1/ 143.

(5)

كذا في الأصل، وفوقها:(كذا).

(6)

ورد بهامش الأصل: لعله: بواب.

(7)

يشير المصنف إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم "من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ"رواه مالك وأحمد والأربعة.

ص: 183

إلا أن البواب مسمًّى ثم لا يعرف إلا هكذا، والحرسي (غير نفسه)

(1)

مسمًّى، والله يغفر لنا وله.

وقال الدارقطني في كتاب "التتبع": أخرج محمدٌ حديثَ ابن جريج -يعني هذا- من حديث حجاج -يعني كما سلف- ومن حديث هشام أيضًا، وقد اختلف، فينظر من يتابع أحدهما، وقد أخرج مسلم حديث حجاج دون حديث هشام

(2)

.

وفي "تفسير ابن أبي حاتم" عن ابن إسحاق، حدثني محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن عكرمة:{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} يعني: فنحاص وأشياع وأشباهما من الأحبار الذين يفرحون بما يصيبوا من الدنيا، وما زينوا للناس من الضلالة، وأن يقول الناس لهم: علماء. وليسوا بأهل علم. وعن الحكم بن أبان عن عكرمة، قال عبد الله: هو تبديلهم التوراة واتباع من اتبعهم على ذلك

(3)

.

وقال عبد بن حميد: ثنا يونس بن شيبان عن قتادة أنهم وفد أهل خيبر أتوا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعموا أنهم راضون بما جاء به، وهم متمسكون بضلالهم، وأرادوا أن يحمدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر لم يفعلوه، فنزلت

(4)

.

وعن الضحاك قال: كتب يهود يثرب إلى اليهود في الآفاق، الشام وغيرها يذكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس بنبي، فلا تؤمنوا به، ولا تتبعوه وعليكم بدينكم فاثبتوا عليه فأجابوهم، فلما أجابوهم، فرحوا بما قالوا،

(1)

هكذا في الأصل: ولعلها: نفسه غير.

(2)

"الإلزامات والتتبع" ص 333 - 334.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 838.

(4)

أوردها السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 192، وعزاها لعبد بن حميد.

ص: 184

فهو كقوله تعالى: {فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} [الأنعام: 44]

(1)

.

فائدة:

ذكر التأويلين في آية الباب. وقرأ سعيد بن جبير: (بما أوتوا)

(2)

وقال: اليهود: فرحوا بما أوتي آل إبراهيم من الكتاب والحكمة، ثم قال سعيد:{وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا} فهو قولهم: نحن على دين إبراهيم.

(1)

"تفسير الطبري" 3/ 547 (8340).

(2)

انظر: "تفسير الثعالبي" 1/ 339.

ص: 185

‌17 - [باب] قوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]

4569 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِى الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ، فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ .. وقد سلف في الطهارة وغيرها بفوائده

(1)

.

وروى الواحدي من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا: ما جاءكم به موسى من الآيات؟ قالوا: عصاه ويده، وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم؟ قالوا: يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبًا؛ فأنزل الله تعالى هذِه الآية

(2)

.

وروى عبد بن حميد من حديث أبي جناب الكلبي، عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمر على عائشة رضي الله عنها وعندها ابن عمر رضي الله عنهما فذكر حديثًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنها في ليلة من لياليها أن يتعبد، قالت: فجلس يقرأ ويبكي حتى أتاه بلال للفجر، فقال:

(1)

سلف في الطهارة برقم (117) باب السمر في العلم، وسلف في غيرها.

(2)

"أسباب النزول" ص 142.

ص: 186

يا رسول الله، ما يبكيك؟! قال:"وما يمنعني وقد أنزلت عليَّ الليلة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية، وويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها".

وقوله في حديث ابن عباس: (فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية، ثم قام فتوضأ).

وفي لفظ آخر ذكره بعدُ: فنام حتى انتصف الليل، أو قبله بقليل أو بعده بقليل

(1)

. وفي لفظ: (فقام من آخر الليل)

(2)

. ولا تضاد؛ إذ في بعض الروايات الصحيحة أنه توضأ وضوءًا بين الوضوئين، ثم أتى فراشه فنام، ثم قام قومة أخرى، ثم توضأ وضوءًا هو الوضوء، ثم قال:"اللهم أعظم لي نورًا .. "

(3)

الحديث، وهو دال على أنه قام قومتين، وكذا أخرجه الصيدلاني في "جزء أخبار النفل"

(4)

: فلما كان في جوف الليل الأول خرج إلى الحجرة، فقلب وجهه في السماء، ثم عاد إلى مضجعه، فلما كان في ثلث الليل الآخر خرج إلى الحجرة، فقلب وجهه في أفق السماء، ثم عهد إلى قربة .. الحديث.

قال جماعة من العلماء: يستحب للمستيقظ من نومه أن يتلو هذِه (الآية)

(5)

اقتداءً بالشارع، وقراءته لها؛ لأنه يبتدئ بعظمة ربه ويختمها بذكره أو بذكر الله وما ندب إليه من العبادة، وما وعد على ذلك من الثواب وتوعد على معصيته من العقاب، وأن هذِه الآيات جامعة

(1)

يأتي قريبًا برقم (4571).

(2)

مسلم (256) كتاب: الطهارة، باب: السواك.

(3)

مسلم (763) كتاب: الصلاة، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

(4)

ورد في هامش الأصل: في "جزء أخبار النفل" تخرج في الهامش بخط كاتب الأصل ولم يصح بعده. فاعلمه.

(5)

ورد بهامش الأصل: لعله: الآيات.

ص: 187

لكثير من ذلك. نبه على ذلك ابن التين، وروى أبو نصر الوايلي في "إبانته" من حديث المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة.

وروى الجُوزي -بالزاي- عن علي رضي الله عنه أنه عليه السلام كان إذا قام من الليل تسوك، ثم نظر في السماء، ثم قال:" {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى قوله: {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ".

وعن بريدة مرفوعًا: "أشد آية على الجن في القرآن هذِه الآية".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "لما أسري بي إلى السماء السابعة إذا وهج ودخان وأصوات، فقلت: يا جبريل، ما هذا؟ قال:(هذا)

(1)

الشياطين (يحرفون)

(2)

في أعين بني آدم أن لا يتفكروا في ملكوت السماء والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب"

(3)

.

وعنه أيضا مرفوعًا: "بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم فقال: إن لك ربًّا وخالقًا، اللهم اغفر لي، قال: فنظر الله له فغفر له".

(1)

في هامش الأصل: لعله (هذِه).

(2)

كذا في الأصل بموحدة وفي "المسند" أيضاً وعليها تعليق يشير إلى أنها في إحدى نسخه: (يخرِّقون) بخاء معجمة وبمثناة، وفي أخرى:(يحرمون).

(3)

رواه أحمد في "مسنده" 2/ 353، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 7/ 336 عن علي بن زيد، عن أبي الصلت عن أبي هريرة، قال ابن كثير في "تفسيره": علي بن زيد بن جدعان له منكرات 6/ 468 وضعف البوصيري إسناده في "زوائده" ص 312.

ص: 188

‌18 - [باب] قوله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 191]

4570 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَطُرِحَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وِسَادَةٌ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي طُولِهَا، فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الآيَاتِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَ، ثُمَّ أَتَى شَنًّا مُعَلَّقًا، فَأَخَذَهُ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِي، فَجَعَلَ يَفْتِلُهَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 8/ 236]

ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضا في مبيته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أطول من الذي قبله.

ص: 189

‌19 - [باب] قوله: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران: 192]

4571 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْيَ خَالَتُهُ قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِى بِيَدِهِ الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 8/ 236]

ذكر فيه أيضا الحديث المذكور مطولا.

قال أنس وغيره -فيما ذكره ابن أبي حاتم-: أي: من يخلد في النار

(1)

. وذكر الطبري نحوه عن الحسن وغيره

(2)

.

وعن جابر: دخوله إياها خزي وإن أخرج. ورجحه الطبري

(3)

.

(1)

رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" 3/ 842.

(2)

"تفسير الطبري" 3/ 552.

(3)

المصدر السابق.

ص: 190

‌20 - [باب] قوله: {إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: 193] الآيَةَ

4572 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْيَ خَالَتُهُ -قَالَ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 8/ 237]

ذكر فيه أيضا الحديث المذكور مطولا.

قال محمد بن كعب: هو الكتاب، ليس كلَّكم أتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ذكره عبد بن حميد. وعن قتادة: هو من سمع دعوة فأجابها. وعنه: سمعوا دعوة من الله فأجابوها وأحسنوا فيها وصبروا عليها

(1)

.

وقال ابن جريج فيما ذكره ابن أبي حاتم: هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

(1)

أورده السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 196 وعزاه لعبد بن حميد.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 843.

ص: 191

وذكره الطبري أيضا عن ابن زيد، ومقاتل في "تفسيره"، وصوب الطبري قول محمد بن كعب

(1)

.

فائدة:

{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} . قال ابن مسعود: إنه في الصلاة، إذا لم يستطع قائما فقاعدًا، وإلا فعلى جنبه. حكاه ابن أبي حاتم عنه.

وقال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرًا حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا. ثم قرأ سفيان هذِه الآية

(2)

.

وفي "تفسير ابن الجوزي" في قوله: {لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} قال أهل التفسير: يقال: الذين يذكرون الله. وقال جماعة منهم: هذا في الصلاة

(3)

. تيسير من الله وتخفيف. وقال آخرون: أراد به ذكر الله في وصفهم بالمداومة عليه، إذ الإنسان قلما يخلو من إحدى هذِه الحالات الثلاث. وعند الطبري عن ابن جريج: هو ذكر الله في الصلاة وغيرها، وقراءة القرآن

(4)

.

وقول ابن عباس رضي الله عنهما: (ثم قام إلى شن): هو القربة البالية.

قوله: (فوضع يده اليمنى على رأسي) يعني: ذراعه. وفتل أذنه؛ ليحفظ ذلك ويتعلمه؛ ولئلا ينساه.

(1)

"تفسير الطبري" 3/ 553.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 841 - 842.

(3)

"زاد المسير" 1/ 527.

(4)

"تفسير الطبري" 3/ 550.

ص: 192

(4) ومن سورة النِّسَاءِ

[قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {يَسْتَنْكِفْ} يَسْتَكْبِرُ. (قِوَامًا): قِوَامُكُمْ مِنْ مَعَايِشِكُمْ. {لَهُنَّ سَبِيلًا} يَعْنِي: الرَّجْمَ لِلثَّيِّبِ، وَالْجَلْدَ لِلْبِكْرِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مَثْنَى وَثُلَاثَ} يَعْنِي: اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا، وَلَا تُجَاوِزُ العَرَبُ رُبَاعَ].

هي مدنية، واستثنى أبو العباس الضرير في "مقامات التنزيل" آية التيمم، وآية صلاة الخوف وليس بجيد فإنهما كانا بالمدينة، ووقع للنحاس أنها مكية

(1)

، وحديث عائشة في "صحيح البخاري": ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

. يرده.

وقال الفاسي: نزلت عند الهجرة من مكة إلى المدينة، ونقل ابن النقيب عن الجمهور أنها مدنية، وفيها آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن أبي طلحة {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}. وقال عطاء: أول ما نزلت بالمدينة البقرة، ثم الأنفال، ثم آل عمران، ثم الأحزاب، ثم (الامتحان)

(3)

، ثم النساء. حكاه عنه السخاوي في "جمال القراء"

(4)

.

(1)

"معاني القرآن" 2/ 7.

(2)

سيأتي برقم (4993) كتاب فضائل القرآن، باب: تأليف القرآن.

(3)

يعني: الممتحنة.

(4)

"جمال القراء" ص 8.

ص: 193

‌1 - [باب] قول الله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]

4573

- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا، وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ [وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى] [النساء: 3] أَحْسِبُهُ قَالَ كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذْقِ وَفِي مَالِهِ. [انظر: 2494 - مسلم: 3018 - فتح: 8/ 238]

4574 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]. فَقَالَتْ يَا ابْنَ أُخْتِي، هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ، فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ. قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ فَأَنْزَلَ اللهُ {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} [النساء: 3] قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 3] رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ قَالَتْ: فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا عَنْ مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ، إِلاَّ بِالْقِسْطِ، مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلَاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ. [انظر: 2494 - مسلم: 3018 - فتح: 8/ 239]

يعني: (اثنين)

(1)

وثلاثا وأربعًا، ولا تجاوز العرب رُباع، يعني:

(1)

في هامش الأصل: كذا في نسخة صحيحة والصواب: (اثنتين)

ص: 194

لا تقول: خُماس ولا سُداس، وتَبع في ذلك أبا عبيدة

(1)

، وقد ذكر الطبري أن العشرة يقال فيها: عشار، ولا يسمع إلا في بيت الكميت فقط.

فلم يستريثوك حتى رميـ

ت فوق (الرجال)

(2)

خصالًا عُشارًا

يريد: عشرا

(3)

.

وعن خلف الأحمر أنه أنشد أبياتًا غريبة فيها: من خماس إلى عُشار، ومن قال: معنى {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} : تسع، وأن الواو جامعة، وقاس على التنازع فغير معتدٍّ به ولا يصح في اللغة؛ لأن معنى مثنى عند العرب اثنين للاثنين فقط، وأيضا فإن من كلام العرب الاختصار، ولا يجوز أن يكون تسعًا لأن لفظ التسع يقصر في مثنى وثلاث ورباع، وأيضا فلو كان كذلك لما حل إلا زواج تسع أو واحدة، ومدعي الأول الرافضة وطائفة من أهل الظاهر. وحديث غيلان السائر:"أمسك أربعًا وفارق سائرهن"

(4)

يرده، وعليه عمل الصحابة والتابعين، وذلك من خصائصه، وما يروي الرافضة عن علي رضي الله عنه أو غيره من السلف فغير معروف.

(1)

"مجاز القرآن" 1/ 116.

(2)

تحتها في الأصل علامة إهمال الحاء وهي حاء صغيرة والمثبت هو الصحيح انظر: "الأغاني" 15/ 98"، "خزانة الأدب" 1/ 170، "لسان العرب" 4/ 568.

(3)

"تفسير الطبري" 3/ 579.

(4)

رواه الترمذي (1128)، وابن ماجه (1953)، وابن حبان في "صحيحه" 9/ 465 (4157) وما بعده وغيرهم من حديث معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوه .. الحديث. والحديث خرجه المصنف في "البدر المنير" بإيضاح جلي، فراجعه فإنه مفيد جدًّا 7/ 602 - 611.

ص: 195

وقد ذهب بعض أهل الظاهر إلى إباحة الجمع بين ثماني عشرة تمسكًا بأن العدد في تلك الصيغ يفيد التكرار، وهو عجيب، وقد وافق ابن حزم الجمهور فقال في كتابه: لا يحل لأحد أن يتزوج أكثر من أربع نسوة إماءً وحرائر، أو بعضهن حرائر وبعضهن إماء. ولم يذكر فيه خلافًا، واستدل بحديث غيلان السالف، فإن قيل: إن معمرًا أخطأ فيه فأسنده.

قلنا: من ادعى ذلك فعليه البرهان، وهو ثقة مأمون.

قال: وإن لم يختلف في عدم جواز أكثر من ذلك أحد من أهل الإسلام، وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يصح لهم عقد الإسلام

(1)

.

واستدل بعض المالكية بمطلق هذِه الآية استواء الحر بالعبد في ذلك، وهو المشهور عن مالك كما قاله ابن رشد

(2)

، وهو قول ابن حزم

(3)

، وأباه أبو حنيفة والشافعي فاقتصرا على اثنتين

(4)

.

(ص): ((قوامًا) قوامكم من معايشكم).

أسنده ابن أبي حاتم عن ابن عباس

(5)

، قرأه ابن عمر بكسر القاف، وعيسى بن عمر بفتحها

(6)

.

(1)

"المحلى" 9/ 440 بتصرف.

(2)

"بداية المجتهد" 3/ 1004.

(3)

"المحلى" 9/ 440.

(4)

انظر: "الهداية" 1/ 211، "التهذيب" 5/ 319.

(5)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 864.

(6)

انظر: "البحر المحيط" لأبي حيان 3/ 170.

ص: 196

وخطأه في ذلك أبو حاتم السجستاني

(1)

، والمراد: ما يقوم بأمركم. كأنه أتى به على الأصل فقلبت الواو بالكسرة التي قبلها وهو التلاوة، ثم أثبتت الألف وحذفت، وإثباتها يليق به التفسير المذكور هنا.

(ص): ({لَهُنَّ سَبِيلاً}: الرجم للثيب والجلد للبكر). أسنده ابن أبى حاتم أيضا عن ابن عباس

(2)

.

(ص): (وقال ابن عباس: {يَسْتَنْكِفَ}: يستكبر). أسنده ابن أبي حاتم

(3)

عنه أيضا. قال الزجاج: هو مأخوذ من نكف الدمع إذا أنحيته بإصبعك عن خدك

(4)

. وقال أبو عمرو: استنكف من الأمر، ونكف بكسر الكاف. كأنك أنفت منه.

ثم ساق البخاري حديث ابن جُرَيْجٍ عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَة فَنَكَحَهَا، وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ فِيهِ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] أَحْسِبُهُ كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ العَذْقِ وَفِي مَالِهِ.

(1)

هو أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني ثم البصري، المقرئ النحوي اللغوي. حدث عن يزيد بن هارون، وأبي عبيدة بن المثنى والأصمعي.

حدث عنه: أبو داود والنسائي وأبو بكر البزار ومن تصانيفه: "إعراب القرآن" و"القراءات" و"الفصاحة" وغيرها. قال الذهبي: له باع طويل في اللغات والشعر والعروض واستخراج المغمَّى. مات 255 هـ وقيل 250. وانظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 4/ 204 (882) و"الأنساب" 7/ 46، "تهذيب الكمال" 12/ 201 (2620) و"سير أعلام النبلاء" 12/ 268 (102).

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 895.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1124.

(4)

انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3664.

ص: 197

وحديث الزهري عن عُرْوَة بْن الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ هذِه الآية. قَالَتْ: يَا ابن أُخْتِي، هي اليَتِيمَةُ تكونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَليُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ .. الحديث.

وقد سلف في الوصايا واضحًا

(1)

. قال الإسماعيلي في حديث هشام: هذا المتن وعامة من روى هذا عن هشام فإنه مضطرب. وهذا تفسير قوله: {اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} أشبه من أن يكون تفسيرًا لقوله: {أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} .

وحديث حجاج عن ابن جريج في تأويل الآية أشبه بما ساقه؛ لأنها قالت: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أنزلت في الرجل تكون عنده اليتيمة وهي ذات مال، فلعله ينكحها على مالها وهو لا يعجبه شيء من أمورها، ثم يضربها ويسيء صحبتها، فوعظ في ذلك. وقد روي في تأويلها عن ابن عباس، كما روي عن عائشة وعن عكرمة -فيما حكاه الطبري-: كان الرجل من قريش تكون عنده النسوة والأيتام فيذهب ماله، فيميل على مال الأيتام، فنزلت.

وعن ابن عباس قال: قصر الرجال على أربع من أجل أموال اليتامى. وعنه أيضا قال: كان الرجل يتزوج بمال اليتيم بما شاء الله، فنهي عن ذلك. وعن سعيد بن جبير: كان الناس على جاهليتهم إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه، فذكروا اليتامى فنزلت، فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك، فخافوا أن لا تقسطوا في النساء:

(2)

.

(1)

سلف في الوصايا برقم (2763) باب: قول الله تعالى: {وَءَاتُوْا اْلْيَتَمَىَ أَمْوَلَهُمْ} .

(2)

كل هذِه الآثار في "تفسير الطبري" 3/ 574 - 575.

ص: 198

وقال أبو محمد الذي ذكره أنه يتلى عليهم في الكتاب وهو قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} وقيل: الفرائض التي فرضت لهن بطريق الميراث. وقال الطبري: كانوا يشددون في اليتامى ولا يشددون في النساء:، ينكح أحدهم النسوة فلا يعدل بينهن، فقال تعالى: كما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى فخافوا في النساء: وانكحوا واحدة إلى أربع {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}

(1)

وكذا قال قتادة وابن جبير وابن عباس. وعن الحسن: أي: ما حل لكم من يتاماكم قراباتكم مثنى .. إلى آخره

(2)

.

فائدة:

الخوف في الآية: الظن. وقيل: العلم. وتقسطوا: تعدلوا. وقسط بمعنى جار. وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} أي: أعدل. ولعله بما جاء من الرباعي.

واليتيم في بني آدم من فقد أباه، ومن البهائم من فقد أمه

(3)

و (ما) أصلها لما [لا]

(4)

يعقل، وقد تجيء بمعنى (الذي) فتطلق على من يعقل كما هنا، وأبعد من قال: المراد بها هنا الفضل؛ لقوله بعد ذلك: {مِنَ النِّسَاءِ} مبينًا. و {طَابَ} : حل، قال تعالى:{أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} ، وقيل:{طَابَ} وهنا بمعنى: المحبة والاشتهاء.

(1)

المصدر السابق 575.

(2)

"تفسير الطبري" 3/ 575 - 577.

(3)

ورد بهامش الأصل: وقال لي بعض شيوخنا النازلين حلب: إنه روي في بعض الكتب: ومن الطير من فقد أبويه. والله أعلم.

(4)

ساقطة من الأصل والسياق يقتضيها.

ص: 199

فائدة:

(العَذْق) في حديث عائشة فسره الداودي بالحائط، والذي قاله أهل اللغة أنه بالفتح: النخلة وبالكسر: الكاسة، وهو ما في أكثر النسخ.

فصل:

قول عائشة في تفسير: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} فإنه محل النظر، أي: وإن خفتم أن لا تعدلوا في نكاح اليتامى فانكحوا

(1)

.

وعن مجاهد: إن خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى وتحرجتم أن تلوا أموالهم فتَحرَّجوا من الزنا، {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ}: أي: حل

(2)

كما سلف.

وقولها في الآية الأخرى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} أي: (عن) أو (في) وهذا إذا كانت كثيرة المال، وتأولها سعيد بن جبير على الوجهين في المَلِيَّة وعن المعدمة.

وقول عائشة: (إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذِه الآية: أي: {وَإِنْ خِفْتُمْ} - فأنزل: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} قالت: وقول الله في آية أخرى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} فهو في هذِه الآية بمعنى يستفتونك إلا أن يراد به: بعد أن خفتم، وفيه بعد.

وفيه من الفقه صداق المثل.

وفيه: أن غير اليتيمة لها أن تنكح بأدنى من صداق مثلها؛ لأنه إنما خرج ذلك في اليتامى.

(1)

"تفسير الطبري" 3/ 573 - 574.

(2)

"تفسير الطبري" 3/ 577

ص: 200

وفيه: أن لمولى اليتيمة أن ينكحها من نفسه إذا عدل في صداقها، وهو قول مالك والشافعي

(1)

.

فصل:

قال مثلَ قول عائشة في الآية ابن عباس

(2)

. وفيه: تزويجهن قبل البلوغ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه

(3)

. وقيل: اليتامى في الآية البالغات؛ احتجاجًا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "واليتيمة تستأمر في نفسها"

(4)

لا يكون ذلك إلا بعد البلوغ وستكون لنا عودة إلى ذلك في النكاح إن شاء الله.

(1)

انظر: "التفريع" 2/ 32، "بداية المجتهد" 3/ 946، "معرفة السنن والآثار" للبيهقي 10/ 72 - 73.

وفيه: أخبرنا الشافعي، قال: ولا يكون للرجل تزويج نفسه امرأة هو وليها، وإن أذنت له في نفسها كما لا يشتري من نفسه شيئًا هو ولي بيعه، ولكن يزوجه إيّاها السلطان أو ولي مثله في الولاية.

(2)

أخرجه الطبري في "تفسيره" 4/ 302 - 303 (10570).

(3)

انظر: "المبسوط" 4/ 214 - 215، "تبيين الحقائق" 2/ 122 - 123.

(4)

أخرجه أبو داود (2093)، والترمذي (1159) وقال: وفي الباب عن أبي موسى وابن عمر وعائشة. ثم قال: حديث أبي هريرة حديث حسن، وابن حبان في "صحيحه" 9/ 397 (4086).

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(825)، "صحيح الترمذي"(886).

ص: 201

‌2 - [باب] قوله: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} الآيَة [النساء: 6]

{وَبِدَارًا} [النساء: 6]: مُبَادَرَةً. {أَعْتَدْنَا} : أَعْدَدْنَا، أَفْعَلْنَا مِنَ العَتَادِ.

4575 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا، أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ، بِمَعْرُوفٍ. [انظر: 2212 - مسلم: 3019 - فتح: 8/ 241]

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]: أَنَّهَا نزَلَتْ فِي والي اليَتِيمِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا، أَنَّهُ يَأُكُلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بالمَعْرُوفٍ.

الشرح:

إسحاق هذا هو ابن منصور

(1)

كما صرح به خلف وأبو نعيم.

وهذا الأثر سلف في الوصايا عن عبيد بن إسماعيل بن أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عنها

(2)

. وسلف الكلام عليه واضحًا.

(1)

جاء في هامش الأصل: قال المزي في "أطرافه" في تطريف هذا الحديث: أخرجه في البيوع وفي التفسير عن إسحاق بن منصور، نسبه في التفسير ولم ينسبه في البيوع عن عبد الله بن نمير.

(2)

سلف برقم (2765) باب: وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته.

ص: 202

وأخرجه في البيوع

(1)

، ومسلم أيضا

(2)

.

ومعنى (مبادرة) أن يكبروا فيأخذوها منكم.

وقوله: ({أَعْتَدْنَا}: أعددنا) يريد أن معناهما واحد؛ لأن العتيد: الشيء المعد، قال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} هذا قول أبي عبيدة في "مجازه"

(3)

والآية نزلت في ثابت بن رفاعة وعمه، كما قال مقاتل؛ وذلك أن رفاعة توفي وترك ابنه ثابتا فولي ميراثه عمه وروى الطبري من حديث العرني

(4)

مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم لما سأله عمه عما يأكل من ماله، قال:"غير متأثل منه مالا ولا واق مالك بماله"

(5)

، وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أجد شيئًا، وليس لي شيء، وليتيمي مال قال:"كل منه غير مسرف ولا متأثل مالا"

(6)

قال: وأحسبه قال: "ربما تقد مالك بماله".

(1)

سلف برقم (2212) باب: من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم ..

(2)

مسلم برقم (3019) كتاب: التفسير.

(3)

"مجاز القرآن" 1/ 120، 272.

(4)

هو الحسن بن عبد الله العرني البجلي الكوفي روى عن ابن عباس ولم يدركه، وروى عن عمرو بن حريث وسعيد بن جبير، وروى عنه الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل، وهو ثقة من الطبقة الرابعة، وثقه ابن سعد والعجلي وأبو زرعة، وذكره ابن حبان، وقال: يخطئ. وقال ابن معين: صدوق ليس به بأس. والراوي عن الحسن العرني في هذا الحديث عمرو بن دينار، ولم أجد من نص على أنه روى عنه، وسماعه هنا محتمل فكلاهما في طبقة واحدة (الطبقة الرابعة).

انظر: "الجرح والتعديل" 3/ 45 (194)، "الثقات" لابن حبان 4/ 125، "التقريب"(1252).

(5)

"تفسير الطبري" 3/ 602 عن الحسن البصري أن رجلًا قال للنبي: ..

(6)

رواه بنحوه، أبو داود (2872) والنسائي 4/ 113 وابن ماجه (2718) وأحمد 2/ 216. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 8/ 241: إسناده قوي وحسنه الألباني في "الإرواء"(1456) وفي "صحيح أبي داود"(2556).

ص: 203

وفي الحميدي في رواية عثمان بن فرقد قال: أنزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح في ماله إن كان فقيرًا يأكل بالمعروف.

وقول عائشة في الآية هو قول عمر، وقال عَبيدة وعطاء والشعبي وأبو العالية: ليس له أن يأخذ منه إلا قرضًا

(1)

، وقال مجاهد: لا يأخذ قرضًا ولا غيره

(2)

، وبه قال مالك

(3)

، وأبو يوسف، وقال: الآية منسوخة نسختها: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً}

(4)

وهذا ليس تجارة، فإن احتاج إلى أن يسافر من أجله فله أن يأخذ ما يحتاج إليه ولا يقتني شيئًا، وهو قول أبي حنيفة ومحمد فيما حكاه النحاس. قال: وعن ابن عباس: نسخ الظلم والاعتداء ونسختها: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} .

ثم افترق الذين قالوا: إن الآية محكمة فرقا، فقال بعضهم: إن احتاج اقترض ورد إذا أيسر

(5)

، ونقل الطبري عن سعيد بن جبير أنه إن حضر الموت ولم يوسر تحلله من اليتيم، وإن كان صغيرًا تحلله من وليه

(6)

، وهو قول جماعة من التابعين وفقهاء الكوفة، وقال أبو قلابة: فليأكل بالمعروف مما يجيء من الغلة، فأما المال الناضُّ فليس له أن يأخذ منه شيئًا قرضًا ولا غيره

(7)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 3/ 597 - 598، "تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 869.

(2)

المصدر السابق 3/ 598.

(3)

انظر: "النوادر والزيادات" 11/ 297.

(4)

"معاني القرآن" للنحاس 20/ 23.

(5)

"الناسخ والمنسوخ" 2/ 146 - 147.

(6)

"تفسير الطبري" 3/ 598 (8610).

(7)

ذكره عن أبي قلابة القرطبي 5/ 43.

ص: 204

وقال الحسن: أيما احتاج أكل بالمعروف ولا قضاء، والمعروف قوته. وهو قول النخعي وقتادة

(1)

.

واختلف عن ابن عباس، وعنه: أنه يقوت نفسه من ماله حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم

(2)

، قال النحاس: وهو أحسن ما روي في تفسير الآية

(3)

. وهو اختيار إلكيا الطبري

(4)

. وعن ابن عباس رواية أخرى ذكرها ابن جرير عنه قال: يأكل بالمعروف: بأطراف أصابعه

(5)

.

ومذهب الشافعي أنه يجوز الأكل للفقير إذا انقطع عن كسب، ولا يرد بدَله، ويأخذ أقل الأمرين من النفقة وأجرة عليه.

وعن الحسن بن حي: الأكل بالمعروف لوصي الأب دون وصي الحاكم؛ لأنه يأخذ أجرًا فلا حاجة إلى الأكل أيضًا، بخلاف الأول. وقال بعض العلماء منهم ربيعة ويحيى بن سعيد: أن المخاطب بهذِه الآية ولي اليتيم إن كان غنيًّا وسع الولي عليه، وعفَّ عن ماله، وإن كان فقيرًا أنفق عليه بقدره

(6)

.

(1)

قول الحسن رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 602 بمعناه، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 869، أما قول النخعي وقتادة فرواه الطبري 3/ 602 والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" 2/ 150 - 151.

(2)

رواه الطبري 3/ 596 - 597، والحاكم 2/ 302 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

(3)

"الناسخ والمنسوخ" 2/ 153.

(4)

"أحكام القرآن" 2/ 117. وإلكيا الطبري هو عماد الدين بن محمد الطبري المعروف بإلكيا الهراس حدث عن زيد بن صالح الآملي، روى عنه سعيد الخير وأبو الطاهر السلفي، توفي في محرم 504 هـ وكان يلقبونه شمس الإسلام. انظر ترجمته من "سير أعلام النبلاء" 19/ 350 - 352.

(5)

"تفسير الطبري" 3/ 599 (8623).

(6)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 871.

ص: 205

وهو من باب خطاب العين والمراد به: الغير، والخطاب لليتامى والمراد به: الأولياء، وهو بعيد.

ونقل الطبري عن عائشة رضي الله عنها وغيرها: يضع يده مع أيديهم ويأكل معهم بقدر خدمته وعمله، وقال عكرمة: يدك مع أيديهم ولا تتخذ منه قلنسوة. وعن إبراهيم: بالمعروف ليس بلبس الكتان ولا الحلل ولكن ما يسد الجوع ويواري العورة، وكذا ذكره عن مكحول

(1)

.

ونقل النحاس عن عمر وغيره: أن له أن يأكل من جميع مال يتيمه إذا كان يلي ذلك، وإن أتى على المال ولا قضاء عليه

(2)

، وقد أوضحنا الكلام: على ذلك أيضا في الوصايا وأعدناه هنا؛ لبعد العهد به.

فائدة:

اختلف في الإشهاد في الآية: هل هو على وجه الندب؛ لأنه أمين أو الإيجاب؛ لأنه أمين الأب فقط. وقال عمر بن الخطاب وسعيد بن جبير: إنما هو على دفع الوصي ما استقرضه من مال اليتيم حال فقره

(3)

.

وفي الإشهاد فوائد: السلامة من الغُرْم عند الإنكار، وحسم مادة تطرق سوء الظن بالولي وامتثال الأوامر، وطيب قلب اليتيم بزوال ما كان يخشاه من فوات ماله ودوامه تحت الحجر. وعن بعض أصحاب مالك أن الأمر بالإشهاد منسوخ بقوله:{وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا} واحتج بها ابن القاسم في قوله: من دفع إليه مال ليدفعه إلى غيره أن عليه أن يشهده وإلا غرم

(4)

.

(1)

روى هذِه الآثار الطبري في "تفسيره" 3/ 599 - 600.

(2)

ذكره أبو جعفر النحاس بمعناه في "معاني القرآن" 2/ 21.

(3)

قاله القرطبي في "تفسيره" 5/ 45.

(4)

"المدونة" 4/ 354.

ص: 206

وقال عبد الملك: لا شيء عليه إلا أن يقول: اشهد عليه أو أحص معي، ومعنى الآية عنده دفع التنازع، وإلا فكل مولًى القولُ قوله

(1)

.

(1)

انظر: "مواهب الجليل" 7/ 198.

ص: 207

‌3 - [باب] قوله: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} الآية [النساء: 8]

4576 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} [النساء: 8] قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. تَابَعَهُ سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. [انظر: 2759 - فتح: 8/ 242]

ذكر فيه حديث عكرمة، عن ابن عباس- رضي الله عنهما أنها مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. تَابَعَهُ سَعِيدٌ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، هذِه المتابعة سلفت مسندة في الوصايا

(1)

، وذكرنا هناك عن الأكثرين أن ذلك على الندب لا الإيجاب.

ومعنى: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} يقال لهم: خذوا، بورك لكم. قاله سعيدبن جبير

(2)

.

(1)

سلف برقم (2759) باب: قول الله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 609 بمعناه. وذكره النحاس في "معاني القرآن" 2/ 25.

ص: 208

‌4 - [باب] قوله: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]

4577 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ مُنْكَدِرٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ عَادَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ مَاشِيَيْنِ فَوَجَدَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا أَعْقِلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ، فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَنَزَلَتْ {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]. [انظر: 194 - مسلم: 1616 - فتح: 8/ 243]

ذكر فيه حديث ابن جُرَيْجٍ، عن ابن المُنْكَدِر، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: عَادَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ مَاشِيَيْنِ، فَوَجَدَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا أَعْقِلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ، فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَنَزَلَتْ {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11].

كذا وقع هنا، ووهم ابن جريج فيه إنما نزل في جابر الآية الأخيرة:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} كذلك رواه شعبة والثوري، وابن عيينة، عن محمد بن المنكدر

(1)

.

وقد أخرجه الطبري في الوضوء من حديث شعبة، عن محمد بن

(1)

رواه البخاري (194) كتاب: الوضوء، باب: صب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه على المغمى عليه. من طريق شعبة عن محمد بن المنكدر به.

وبرقم (6723) كتاب: الفرائض. من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر، به ورواه مسلم (1616) كتاب: الفرائض، باب: ميراث الكلالة. من طريق سفيان - لعله الثوري- عن محمد بن المنكدر، به.

قال ابن حجر في "الفتح" 8/ 244: وكذا أخرجه مسلم من طريق سفيان الثوري عن ابن المنكدر بلفظ: حتى نزلت آية الميراث.

ص: 209

المنكدر

(1)

، ويؤيده ما ورد في بعض الطرق.

وقول جابر: (يا رسول الله إنما يرثني كلالة) والكلالة: من لا ولد له ولا والد، ولم يكن لجابر حينئذٍ ولد ولا والد. وأما آية الوصية فنزلت في ورثة سعد بن الربيع، قتل يوم أحد، وخلف ابنتين وأمهما وأخاه، فأخذ أخوه المال ولم يدع لهما شيئا فجاءت أمهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، قتل أبوهما يوم أحد شهيدًا، وإن عمهما أخذ مالهما، والله لا ينكحان إلا ولهما مال، فقال عليه السلام:"يقضي الله في ذلك" فنزلت آية الميراث {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} فدعا عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، ولك ما بقي"

(2)

.

وفي "تفسير مقاتل": نزلت في أوس بن مالك، وذلك أنه توفي وترك امرأته أم كجّة الأنصارية وابنتين إحداهما اسمها صفية، وترك ابني عمه عرفطة وسويدًا، ابني الحارث، فلم يعطياها ولا ولديها شيئًا

(3)

.

وفي "تفسير الجوزي" بدل سويد قتادة

(4)

، وفي "الكشاف" مات أوس بن الصامت وترك ثلاث بنات وزوجته أم كجَّة

(5)

، وفي "تفسير ابن جرير": مات عبد الرحمن أخو حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك امرأة يقال لها: أم كجَّة، وترك خمس أخوات، فجاءت الورثة فأخذوا ماله، فشكت أم كجَّة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت

(6)

.

(1)

"تفسير الطبري" 3/ 618.

(2)

رواه أبو داود (2891، 2892)، والترمذي (2092)، وابن ماجه (2720). قال الترمذي: هذا حديث صحيح. والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2573) وقال: إسناده حسن.

(3)

"تفسير مقاتل" آية 7 سورة النساء.

(4)

"زاد المسير" 2/ 18.

(5)

"الكشاف" للزمخشري 1/ 417.

(6)

"تفسير الطبري" 3/ 617.

ص: 210

وفي "تفسير الطبري" عن ابن عباس في قوله: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس أو بعضهم، وقالوا: تُعطى المرأة الربع أو الثمن، وتُعطى الابنة النصف ويُعطى الغلام الصغير، وليس من هؤلاء أحد يقاتل، اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه، ونقول له فيغيره

(1)

.

وفي رواية عطاء ومجاهد عنه

(2)

منه ما سيأتي على الأثر.

فائدة:

معنى {يُوصِيكُمُ} : يفرض عليكم.

(1)

المصدر السابق 3/ 617.

(2)

المصدر السابق 3/ 617.

ص: 211

‌5 - [باب] قوله: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} الآية [النساء: 12]

4578 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَالثُّلُثَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ. [انظر: 2747 - فتح: 8/ 244]

ذكر فيه حديث محمد بن يوسف وهو الفريابي، عن ورقاء هو ابن عمر، عن ابن أبي نجيح هو عبيد الله، عن عطاء هو ابن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: كَانَ المَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الوَصيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَالثُّلُثَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ.

كذا ذكره البخاري عنه وذكر في الوصايا بسنده، ولم يذكر الثلث، وهو على ما ذكره هناك من سقوطه

(1)

، ويأتي في الفرائض

(2)

. وقال غيره: ليست الآية منسوخة، وكذا معنى الوصية للوالدين يعني: من لا يرث من الوالدين والولد وسائر من ذكر من أهل الوارث. قالوا: إنما يستعمل النسخ إذا لم يوجد تخصيص.

(1)

سلف برقم (2747) باب: لا وصية لوارث.

(2)

برقم (6739) باب: ميراث الزوج مع الولد وغيره.

ص: 212

‌6 - [باب] قوله: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} الآية [النساء: 19]

وَيُذْكَرُ عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما [وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ][النساء: 19]: لَا تَقْهَرُوهُنَّ. (حوبا)[النساء: 2]: إِثْمًا. {تَعُولُوا} [النساء: 4] تَمِيلُوا. {نِحْلَةً} [النساء: 4] النِّحْلَةُ: المَهْرُ.

4579 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِيُّ، وَلَا أَظُنُّهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19] قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ. [6948 - فتح: 8/ 245]

ثم ساق حديث الشَّيْبَانِيّ: عن عكرمة، عَنِ ابن عَبَّاسٍ.

قال الشيباني: وذكره أبو الحسن السوائي ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ} الآية، قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا يزوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذِه الآية في ذلك.

الشرح:

تعليق ابن عباس أسنده أبو محمد الرازي من حديث علي بن أبي طلحة عنه به، والضحاك عنه بلفظ: لا تحبسوهن

(1)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 903.

ص: 213

و {كَرْهًا} : بالفتح، والضم قليل

(1)

بمعنى، والمختار كَرهًا يُكره على الشيء والكره من قبله: المشقة، و (تقهروهن) في بعض النسخ بدله (تنتهروهنَّ)

(2)

وهي رواية الشيخ أبي الحسن، وقيل:(يحبسوهن) كما سلف.

ويروى أن الرجل كان يتزوج المرأة فلا تعجبه فيضارها حتى تفتدي منه. الحُوب: الإثم -كما ذكره- وهو ما أسنده أبو محمد الرازي في "تفسيره" عن عكرمة، عنه. وعبارة غيره أنه الذنب العظيم

(3)

.

وقُرئ (حَوبا) بفتح الحاء و (حابا)

(4)

، وما ذكره في {تَعُولُوا} قاله جماعة

(5)

، وأسنده ابن المنذر في "تفسيره" عن ابن عباس

(6)

، وذكر نحوه مرفوعًا أن معناه: تجوروا وقال زيد: أن لا يكثر عيالكم، وبه قال الشافعي

(7)

، وأنكره المبرد

(8)

.

(1)

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (كَرْها) بفتح الكاف، وقرأ حمزة والكسائي (كُرْها) بالضم. انظر "الحجة للقراءات السبعة" لأبي علي الحسن الفارسي 3/ 144.

(2)

انظر "هامش اليونينية" حديث رقم (4578) 6/ 44 ط. دار طوق النجاة.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 856 - 857.

(4)

قراءة الجمهور بضم الحاء والحسن بفتحها وهي لغة بني تميم وغيرهم. انظر: "البحر المحيط" 3/ 161.

(5)

روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 860 من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، حدثنا محمد بن شعيب عن عمر بن محمد بن زيد عن هشام بن عروه، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} قال:"لا تجوروا". قال ابن أبي حاتم: قال أبي: هذا حديث خطأ، والصحيح عن عائشة موقوف، وروي عن ابن عباس وعائشة ومجا هد، وعكرمة، والحسن، والنخعي، وقتادة، والسدي أنهم قالوا: تميلوا.

(6)

ذكره السيوطي في "الدر" 2/ 211.

(7)

قول زيد والشافعي أخرجهما ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 860.

(8)

ذكره النحاس في "معاني القرآن" 2/ 15.

ص: 214

وقوله: (النِّحلة: المهر)، قيل: يعني به: الأزواج، ويروى: أن الولي كان يأخذ الصداق لنفسه، فأمره الله بالدفع إلى النساء:. وقيل: كان يجعل البضع صداقًا فنهوا عن ذلك، وقيل:{نِحْلَةً} : دينًا، وقيل: فرضًا مسمى

(1)

، وقال المبرد: معنى {نِحْلَةً} : أنه كان يجوز أن لا يعطي من ذلك شيئا ففرض الله إياه، وقيل: لا يكون نحلة إلا ما طابت به النفس، فأما ما أكره فلا يكون نحلة.

واعترض الإسماعيلي فقال: قوله: {نِحْلَةً} إن كان هذا التفسير من قول أبى عبد الله ففيه نظر، وقد قيل في ذلك غير وجه، ولعل ذكر أقربها منها نحلة، أي: يعطونها على غير عوض من مال يكنز منه لهن في ذلك. قال: وقيل: {نِحْلَةً} : ينحلونها، أي: إيتائهن الصداق ما التزمتم أن تدينوا به وتعتقدوه نحلة.

قلت: هذا التفسير من قول ابن عباس، كما أسنده أبو محمد الرازي في "تفسيره" من حديث علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: النحلة: المهر

(2)

.

وقال (أبو عبيدة)

(3)

فى "المجاز": نحلة: عن طيب نفس بالفريضة التي جعل الله لهم

(4)

.

وقال الزجاج عن بعضهم: هو من الله لهن نحلة أن جعل على الرجال الصداق، ولم يجعل على المرأة شيئًا في الغرم

(5)

.

(1)

المصدر السابق 3/ 861.

(2)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 861.

(3)

في الأصل (أبو عبيد) والصحيح ما أثبتناه.

(4)

"مجاز القرآن" 1/ 117.

(5)

قاله الأزهري في "تهذيب اللغة" 4/ 3532، وانظر "معاني القرآن" للنحاس 2/ 17.

ص: 215

وقال مقاتل: كان الرجل يتزوج بغير مهر: أرثك وترثيني، فتقول المرأة: نعم، فنزلت

(1)

.

وأثر ابن عباس الثاني ذكره في الإكراه بعد، فقال: وقال الشيباني: وحدثني عطاء أبو الحسن السوائي، ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس

(2)

، والسوائي بضم السين وفتحها. وأخرجه الإسماعيلي أيضًا من حديث سليمان الشيباني، عن عكرمة، عن ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية إذا تزوج المرأة فمات عنها قبل أن يدخل بها حبستها عصبته أن تنكح أحدًا حتى تموت فيرثونها؛ فنزلت، ثم قال: هذِه الرواية يخالف معناها حديث أسباط، يعني: الذي في الباب.

وللطبري من حديث عطاء الخراساني وغيره، عن ابن عباس نحوه، ومن حديث محمد بن أبي أمامة سهل بن حُنيف، عن أبيه قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان ذلك لهم في الجاهلية، فنزلت. وسمى المرأة عَكرمةُ كبيشةَ ابنة معن بن عاصم الأوسي

(3)

، وسمى الواحدي الابن حصنًا

(4)

.

وفي "تفسير مقاتل": نزلت في (قيس)

(5)

بن أبي قيس بن الأسلت وفي امرأته هند بنت صبرة وفي الأسود بن خلف الخزاعي في امرأته حُيية بنت أبي طلحة بن عبد العزى، وفي منظور بن سيار الفزاري وفي امرأته مليكة بنت خارجة المزنية تزوجوا نساء آبائهم بعد موت

(1)

انظر: "زاد المسير" 2/ 10.

(2)

سيأتي برقم (6948) باب: من الإكراه.

(3)

"تفسير الطبري" 3/ 647.

(4)

"أسباب النزول" ص 151.

(5)

كذا في الأصل، وفي "تفسير مقاتل"(محصن).

ص: 216

آبائهم، فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله، لم يدخلوا بنا، وما أنفقوا علينا، فنزلت. قال مقاتل: ثم انقطع الكلام.

ثم قال: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} كان الرجل يضر بامرأته لتفتدي منه، ولا حاجة له فيها، يقول: لا تحبسوهن {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} من المهر ثم استثنى {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} يعني: العصيان البين، وهو النشوز

(1)

، وقال عكرمة والحسن العُرني: كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صدقتها، فنهوا عن ذلك، وعن أبي مجلز: كان ذلك في الأنصار. وعن عطاء: كان أهل الجاهلية يحبسون المرأة على الصبي يكون فيهم. وعن مجاهد: كان ابنه الأكبر الذي ليس ابنها أحق بها، أو ينكحها غيره. وعن الزهري وأبي مجلز: كان هذا في حي من الأنصار، كان الرجل إذا توفي وخلف امرأة ألقى عليها وليه رداءً فلا تقدر أن تتزوج

(2)

.

قال غيرهما: ويتزوجها بغير مهر، وربما ضارها، فلا تقدر أن تتزوج حتى تفتدي منه، فنزلت. والمعنى: لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن، فتكونوا أزواجًا لهن. وقيل: لا تتزوجوهن لترثوهن كرهًا، فالمكروه العقد الموجب له. وقال السُّدِّي: كان الرجل يموت أبوه أو أخوه أو ابنه، ويترك زوجة، فإن سبق وارث البيت فألقى عليها ثوبه فهو أحق بها أن ينكحها بمهر صاحبه، أو ينكحها فيأخذ مهرها، فإن سبقت فذهبت إلى أهلها فهي أحق بنفسها.

وقال ابن زيد: كانت الوراثة في أهل يثرب، يموت الرجل، فيرث ابنهُ امرأةَ أبيه كما يرث أمه، لا تستطيع أن تمتنع، فإن كان صغيرًا حبست

(1)

"تفسير مقاتل" آية 19 سورة النساء.

(2)

"تفسير الطبري" 3/ 647، 648، 649.

ص: 217

عليه حتى يكبر، فإن شاء أصابها، وإن شاء فارقها. وعن مقسم: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها، فجاء رجل فألقى عليها ثوبه كان أحق الناس بها. وقال (أبو عبيدة)

(1)

في "المجاز" فممن تزوج امرأة أبيه فوُلِد له منها: الأشعث بن قيس

(2)

، تزوج أبوه قيس بن سعد (بنت)

(3)

امرأة أبيه معدي كرب فولدت له الأشعث، وأبو عمرو بن أمية خُلِّف على العامرية امرأة أبيه فولدت له أبا معيط.

وقال الأزهري: كان الرجل إذا مات وله امرأة وولد من غيرها ذكر يقول: أنا أحق بامرأته فيمسكها على العقد الذي كان عقده أبوه ليرثها [و] ما ورثته من أبيه، فأعلم الله أن ذلك حرام. وعند الطبري عن ابن عباس وابن شهاب: كانوا يعضلون أيَاماهُنَّ وهن كارهات للعضل حتى يمتن فيرثوهن أموالهن.

وعن ابن زيد: كان العضل بمكة: ينكح الرجل المرأة الشريفة فلعلها أن لا توافقه فيفارقها على أن ألا تتزوج إلا بإذنه، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها، فإذا خطبها الخاطب، فإن أعطته -أو قال: أرضته- أذن لها

(1)

في الأصل أبو عبيد، وما أثبتناه هو الصواب.

(2)

الأشعث بن قيس هو ابن قيس بن معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الأصفر.

انظر ترجمته من "الاستيعاب" 1/ 220، "أسد الغابة" 1/ 118، "الإصابة" 1/ 51. ذكر العيني في "عمدة القاري" 10/ 204 أن ابن عم له اسمه معدان بن الأسود بن سعد بن معديكرب الكندي، وأن قيسًا والأسود أخوان.

فعلى هذا يكون سعد بن معديكرب هو الذي تزوج امرأة أبيه معديكرب وأنجب الأسود أخا قيس لأمه.

وهذا هو الموافق لترجمته، لا كما ذكر المصنف والله أعلم.

(3)

كذا في الأصل، ولعلها زائدة.

ص: 218

وإلا عضلها. وأولى الأقوال بالصحة -كما قال أبو جعفر- قول من قال: هو الزوج الكاره لصحبة المرأة المضيقة عليها.

واختلف في الفاحشة، هنا، فعن الحسن وغيره: هو الزنا. وسلف أنه النشوز، والأولى -كما قال أبو جعفر- أنه يعني به: كل فاحشة من بذاء اللسان على الزوج أو أذى له. يأتي بمعنى الفواحش أتت بعد أن تكون ظاهره بينة، بظاهر الكتاب والسنة

(1)

، وهو قوله في رواية جابر، "فإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح"

(2)

.

وفي حديث ابن عمر زيادة: "ولا يعصينكم في معروف"

(3)

، وهذا يبين فساد قول من قال:{إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} : منسوخ بالحدود؛ لأن الحدود حق الله على من زنا، وأما العضل لتفتدي المرأة من الزوج ما آتاها يحق لزوجها، كما عضله إياها إذا نشزت لتفتدي منه (حق)

(4)

له، وليس أحدهما يبطل حق الآخر، وقد سلف العضل في سورة البقرة.

(1)

"تفسير الطبري" 3/ 653.

(2)

أخرجه مسلم (1218) كتاب الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

أخرجه عبد بن حميد 2/ 55 - 56 (858).

(4)

كذا في الأصل، والجادة (حقًّا) والله أعلم.

ص: 219

‌7 - [باب] قوله: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الآية [النساء: 33]

وَقَالَ مَعْمَرٌ: {مَوَالِيَ} أَوْليَاءَ وَرَثَةً. (عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ)[النساء: 33] هُوَ مَوْلَى اليَمِينِ، وَهْوَ الحَلِيفُ، وَالْمَوْلَى أَيْضًا: ابن العَمِّ. وَالْمَوْلَى: المُنْعِمُ المُعْتِقُ. وَالْمَوْلَى: المُعْتَقُ. وَالْمَوْلَى: المَلِيكُ. وَالْمَوْلَى: مَوْلًى فِي الدِّينِ.

4580 -

حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ} [النساء: 33] قَالَ وَرَثَةً. {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرُ الأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِى رَحِمِهِ؛ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ} [النساء: 33] نُسِخَتْ، ثُمَّ قَالَ {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] مِنَ النَّصْرِ، وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ، وَيُوصِى لَهُ. سَمِعَ أَبُو أُسَامَةَ إِدْرِيسَ، وَسَمِعَ إِدْرِيسُ طَلْحَةَ. [انظر: 2292 - فتح: 7/ 247]

موالي: أولياء ورثة (والذين عاقدت أيمانكم) هو مولى اليمين وهو الحليف، والمولى أيضًا: ابن العم، والمولى: المنعم بالعتق، والمولى: المُعْتَق، والمولى: المليك، والمولى: المولى في الدين.

قلت: أو الناصر أو المحب، وغير ذلك مما ذكرته في كتاب "المنهاج" وهذا بحسب اللغة، وإلا فالمراد هنا ما ذهب إليه أكثر أهل اللغة، وقيل: هم بنو العم.

ثم ساق حديث أبي أُسَامَةَ حماد بن أسامة، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاس - رضي الله

ص: 220

عنهما- قال: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا} [النساء: 33] قَالَ: وَرَثَةً. {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33]، كَانَ المُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ المُهَاجِرُ الأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ؛ لِلأُخُوَّةِ التِي آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النساء: 33]، نُسِخَتْ، ثم قَالَ:(وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ)[النساء: 33]، مِنَ النَّصرِ، وَالرِّفَادَةِ، وَالنَّصِيحَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ المِيرَاثُ، وَيُوصِي لَهُ. سَمِعَ أَبُو أُسَامَةَ إِدْرِيسَ، وَسَمِعَ إِدْرِيسُ طَلْحَةَ.

كذا ذكر هنا أن الناسخ لقوله: (والذين عاقدت أيمانكم)

(1)

{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} . والذي ذكر عن ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75]

(2)

. وقال ابن المسيب: كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك فنسخ.

فائدة:

قال البخاري عند الحديث -كما سلف- سمع أبو أسامة إدريس، وسمع إدريس طلحة.

قلت: صرح بهما الحاكم في "المستدرك" في الحديث، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين

(3)

.

(1)

قال الطبري في "تفسيره" 4/ 53 إنهما -يعني: عاقدت وعقدت- قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة أمصار المسلمين، بمعنى واحد.

قرأ عاصم وحمزة والكسائي {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ} بغير ألف، وقرأ الباقون (والذين عاقدت .. ) بالألف انظر:"حجة القراءات" ص 201.

(2)

انظر "تفسير الطبري" 4/ 55، "الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 203.

(3)

"المستدرك" 2/ 306.

ص: 221

‌8 - [باب] قوله: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40]

يَعْنِي: زِنَةَ ذَرَّةٍ.

4581 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ أُنَاسًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ، هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ، ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟» . قَالُوا: لَا. قَالَ: «وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؛» . قَالُوا: لَا. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ إِلاَّ يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَى الْيَهُودُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ فَقَالُوا عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا. فَيُشَارُ أَلَا تَرِدُونَ، فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ مَنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ. فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَكَذَلِكَ مِثْلَ الأَوَّلِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا، فَيُقَالُ: مَاذَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. قَالُوا: فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَفْقَرِ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ رَبَّنَا الَّذِي كُنَّا نَعْبُدُ. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» . [انظر: 22 - مسلم: 183 - فتح: 8/ 249]

ص: 222

ذكر فيه حديث أبي سعيد في الرؤية بطوله، وأخرجه البخاري في التوحيد

(1)

، ومسلم في الإيمان

(2)

.

روى ابن المنذر بإسناده عن عطية، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نزلت في الأعراب {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} فقال رجل: فما للمهاجرين يا أبا عبد الرحمن؟ قال: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} . وفي قراءة ابن مسعود: (مثقال نملة)

(3)

والذر: النمل الأحمر الصغير. قال ثعلب: مائة نملة وزن حبة، والذرة واحدة منها

(4)

.

وقيل: إن الذرة لا وزن لها، ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس. حكاه ابن الأثير.

وزعم بعض الحساب أن زنة الشعيرة حبة، وزنة الحبة أربع رزات، وزنة الرزة أربع سمسمات، وزنة السمسمة أربع خردلات، وزنة الخردلة أربع ورقات نخالة، وزنة النخالة، أربع ذرات؛ فعلمنا بهذا أن الذرة أربعة في أربعة في أربعة في أربعة، وأدركنا أن الذرة جزء من ألف وأربعة وعشرين من حبة، وذلك أن الحبة ضربناها في أربع ذرات جاءت ستة عشر سمسمة، والسمسمة ضربناها في أربعة جاءت أربعة وستين خردلة، وضربنا أربعة وستين خردلة جاءت مائتين (أربعة وخمسين)

(5)

، ضربناها فَي أربعة جاءت ألفا (وستة عشر)

(6)

ذرة.

(1)

سيأتي برقم (7439) باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} .

(2)

مسلم برقم (183) باب: معرفة طريق الرؤية.

(3)

انظر: "الكشاف" 1/ 446، و"البحر المحيط" 3/ 251.

(4)

"مجالس ثعلب" 2/ 475.

(5)

في هامش الأصل تعليق نصه: صوابه: ستة وخمسين.

(6)

في هامش الأصل تعليق نصه: صَوابه: وأربعة وعشرين.

ص: 223

وعند ابن عطية: الذرة الصغيرة من النمل، وهي أصغر ما يكون إذا مر عليها حول أنها تصغر كا لأفعى

(1)

. وقيل: الذرة رأس النملة الحمراء وهي الخردلة. وعند الثعلبي: قال يزيد بن هارون: زعموا أن الذرة ليس لها وزن.

يحكى أن رجلا وضع خبزًا حتى علاه الذر بقدر ما يستره، ثم وزنه فلم يزد على مقدار الخبز شيئًا.

وعن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب، ثم نفخ فيه وقال: كل واحدة من هؤلاء ذرة

(2)

.

وعن قتادة: كان بعض العلماء يقول: لأن يفضل حسابي وزن ذرة أحب إليَّ من الدنيا جميعا

(3)

.

وفي حديث ابن مسعود مرفوعًا: "تقول الملائكة: يا رب لم يبق لعبدك إلا وزن ذرة، فيقول جل وعز: ضعفوها له وأدخلوه الجنة"

(4)

.

وفي بعض النسخ بعد قوله: (زنة ذرة) يقال: هذا مثقال هذا، أي: وزنه. ومثقال مثقال من الفعل، والذرة: النملة الصغيرة.

وقال الجواليقي: يظن الناس أن المثقال وزن الدينار لا غير، وليس كذلك إنما مثقال كل شئ وزنه، وكل وزن يسمى مثقالا وإن كان وزن ألف. قال الشاعر: كلًّا يوفيه الجزاء بمثقال.

(1)

"المحرر الوجيز" 4/ 61.

(2)

أورده السيوطي في "الدر" 6/ 649 وعز اه لهناد. وهو في "الزهد" له 1/ 144 (193).

(3)

"تفسير الطبري" 4/ 91.

(4)

"تفسير الطبري" 4/ 92.

ص: 224

قال الهروي: أي: يوزن، وعند أبي نصر: مثقال الشيء: ميزانه من مثله

(1)

. قال الزجاج: هو مفعال من الثقل. وقيل: لكل ما يعمل وزن ومثقال تمثيلًا.

فصل:

وفي قوله: "هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة" فيه روايات أكثرها بضم أوله، وراؤه من غير تشديد، أي: تضرون؛ لأن الضير: المضرة، من قوله تعالى:{قَالُوا لَا ضَيْرَ} [الشعراء: 50] أي: لا يضر. ثانيها: فتح التاء وتشديد الضاد والراء من الضرر. ثالثها: في غير هذا الموضع: "تضامون"

(2)

بضم أوله من الضيم، أي: تلحقكم مشقة. رابعها: بفتح التاء وتشديد الضاد والميم معًا: تتفاعلون من التزاحم والانضمام، وأهل السنة على إثبات رؤية الله تعالى، وتأولوا قوله:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] في الدنيا. وقال بعضهم: بل يجوز أن يرى في الدنيا، وإنما معنى الآية: لا تحيط به.

وقوله: (وغبرات أهل الكتاب) أي: بقاؤهم، أصله غابر وغبر، مثل راكع ورُكَّع، وجمع غبر: غبرات، والمشهور في الاستعمال أن الغبر اسمه واحد وهي البقية، وأما البقايا فهي المغبرات، وواحد الأغبار غبرة، وغبر الشيء يغبر غبورًا إذا مكث، وغبر الشيء بمعناه، وتغبرت الناقة: حلبت غبيرها، وهي بقية اللبن، والغابر: الماضي أيضًا.

ومعنى (يحطم بعضها بعضًا) يكسر بعضها بعضًا؛ ولذلك سميت النار الحطمة؛ لأنها تحطم كل شيء، أي: تكسره وتأتي عليها.

(1)

"الصحاح" 4/ 1647 [ثقل].

(2)

سيأتي من حديث جرير رضي الله عنه برقم (4851) كتاب: التفسير سورة ق، باب: قوله: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} .

ص: 225

‌9 - [باب] قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} [النساء: 41]

الْمُخْتَالُ وَالْخَتَّالُ وَاحِدٌ، {نَطْمِسَ وُجُوهًا} [النساء: 47]: نُسَوِّيَهَا حَتَّى تَعُودَ كَأَقْفَائِهِمْ. طَمَسَ الكِتَابَ: مَحَاهُ {سَعِيَرَا} [النساء: 55]: وُقُودًا.

4582 -

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَان، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَة، عَنْ عَبْدِ اللهِ -قَالَ يَحْيَى: بَعْضُ الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ- قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «اقْرَأْ عَلَيَّ» . قُلْتُ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ: «فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» . فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} [النساء: 41] قَالَ: «أَمْسِكْ» . فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. [5056،5055،5050،5049 - مسلم 800 - فتح: 8/ 250]

الْمُخْتَالُ وَالْخَتَّالُ وَاحِد، {نَطْمِسَ وُجُوهًا} [النساء:47]: نُسَوِّيَهَا حَتَّى تَعُودَ كَأَقْفَائِهِمْ. طَمَسَ الكِتَابَ: مَحَاهُ {سَعِيَرَا} [النساء: 55]: وُقُودًا.

المختال أو الختال واحد، المختال ذو الخيلاء، ومعنى (حتى تعود كأقفائهم) أي: نذهب بالأعين والشفاه والأعين والحواجب لنردها أقفاء وهو قول قتادة، وقال أبي بن كعب: هو تمثيل والمخاطب به رؤساؤهم ممن آمن -كما قاله ابن عباس- أو أنهم حذروا أن يفعل هذا بهم في الآخرة، وقال محمد بن جرير: لم يكن ذلك؛ لأنه آمن منهم جماعة

(1)

.

(1)

"تفسير ابن جرير" 4/ 127.

ص: 226

ثم ساق حديث يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -قَالَ يحيى: بعض الحديث عن عمرو بن مرة- قال: قال لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((اقْرَأْ عَلَيَّ)). قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ .. ؟! الحديث، وأخرجه في فضائل القرآن في موضعين

(1)

، ومسلم

(2)

وأبو داود

(3)

والترمذي

(4)

والنسائي

(5)

.

وقوله: (قال يحيى .. إلى آخره) يوضحه ما ذكره في فضائل القرآن فإنه لما ساقه عن مسدد، عن القطان، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم به. قال الأعمش: وبعض الحديث: حدثني عمرو بن مرة، عن إبراهيم، وعن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، عن عبد الله

(6)

.

وقوله: (وعن أبيه) هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري رواه عن أبيه سعيد، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، ولم يدرك أبو الضحى ابن مسعود.

وقد روي عن مسروق، عن ابن مسعود. رواه مسلم من طريق يحيى عن سفيان، عن الأعمش، عن عمرو، عن إبراهيم، عن عبد الله.

ولما رواه الترمذي من حديث سفيان، عن سليمان، عن إبراهيم بن عبيدة قال: هذا أصح من حديث أبي الأحوص، يعني: المخرج عند مسلم عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة.

(1)

سيأتي برقمي (5049، 5055) باب: من أحب أن يسمع القرآن من غيره، باب: البكاء عند قراءة القرآن.

(2)

مسلم برقم (800) كتاب: صلاة المسافرين، باب: فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر.

(3)

أبو داود برقم (3668).

(4)

الترمذي برقم (3025).

(5)

النسائي 2/ 28 - 29.

(6)

يأتي برقم (5055).

ص: 227

ورواه الأزرق عن سفيان، عن عمرو، عن أبي عبيدة، عن عبد الله. وطرقه الدارقطني ثم قال: والمحفوظ عن حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله. وأصحهما الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله، وقيل: عن شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن النخعي، عن عبد الله

(1)

.

فصل:

فيه فضل ظاهر في قراءة عبد الله على من أنزل عليه، وقراءته عليه تحتمل أن يراد بها علم الناس حاله، أو خشي عليه السلام أن يغلبه البكاء عنها، وفيه: اْستماع القراءة من غيره، وقد يكون أبلغ في التدبر والتفهم من قراءة الإنسان بنفسه.

وقوله: (فإذا عيناه تذرفان) يعني: الدمع، يقال: ذرف الدمع وذرفت العين دمعها، وهو بالذال المعجمة، وروى عبد بن حميد في "تفسيره" أن عبد الله لما قرأ هذِه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} قال عليه السلام:"من سره أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"

(2)

.

فصل:

قوله: {عَلَى هَؤُلَاءِ} هم سائر أمته يشهد عليهم أولهم، فـ {عَلَى} بمعنى اللام، وقيل: أراد به أمته الكفار، وقيل: اليهود والنصارى، وقيل: كفار قريش، ومما يشهد به البلاغ أو بالإيمان أو بالأعمال، أقوال.

(1)

"علل الدارقطني" 5/ 177 - 182.

(2)

أخرجه دون ذكر الآية: ابن ماجه (138)، وأحمد 1/ 7، وابن حبان في "صحيحه" 15/ 542 (7066). وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه"(114).

ص: 228

وبكاؤه عند هذِه الآية؛ لأنه لابد من أداء الشهادة، والحكم على المشهود عليه إنما يكون بقول الشاهد، فلما كان عليه السلام هو الشاهد وهو الشافع بكى على المفرطين منهم، وقيل: بكى لعلم ما تضمنته هذِه الآية من هول المطلع وشدة الأمر؛ إذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب، وقيل: بكى فرحًا؛ لقبول شهادة أمته، وقبول تزكيتهم له ذلك اليوم.

خاتمة:

في "تفسير أبي الليث السمرقندي" من حديث محمد بن فضالة، عن أبيه: أنه عليه السلام أتاهم في بني ظفر، فجلس على الصخرة التي في بني ظفر ومعه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وناس من أصحابه، فأمر قارئًا يقرأ حتى أتى على هذِه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} بكى حتى اخضلت لحيته.

وقال: يا رب، هؤلاء من أنا بين ظهورهم، فكيف بمن لم أرهم

(1)

؟

وللثعلبي: فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "حسبنا" وفي "تفسير الجُوزي" وقال: شهيدًا عليهم {مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117].

(1)

"تفسير أبي الليث" 1/ 356.

ص: 229

‌10 - [باب] قَوْله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} الآية [النساء: 43]

{صَعِيدًا} [النساء: 43]: وَجْهَ الأَرْضِ. وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَتِ الطَّوَاغِيتُ التِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا: فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ، وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ، وَفِي كُلِّ حَى وَاحِدٌ، كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ. وَقَالَ عُمَرُ: الجِبْتُ: السِّحْرُ. {وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]: الشَّيْطَانُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الجِبْتُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ: شَيْطَانٌ، {وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]: الكَاهِنُ.

4583 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: هَلَكَتْ قِلَادَةٌ لأَسْمَاءَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهَا، رِجَالاً، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ، وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً، فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ. يَعْنِي آيَةَ التَّيَمُّمِ. [انظر: 43 - مسلم: 367 - فتح: 8/ 251]

{صَعِيدًا} [النساء: 43]: وَجْهَ الأَرْضِ.

هو قول أبي عبيدة فيما ذكره ابن المنذر. وقال ابن عباس: الصعيد: الحرث، حرث الأرض

(1)

.

(ص): (وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَتِ الطَّوَاغِيتُ التِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا: فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ، وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ، وَفِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ، كُهَّانٌ تَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشياطين). ذكره ابن أبي حاتم بإسناده

(2)

بزيادة وفي هلال واحد.

(1)

رواه عنه: عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 211 (814)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 148، والبيهقي في "السنن" 1/ 214.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 976.

ص: 230

(ص): (وَقَالَ عُمَرُ: الجِبْتُ: السِّحْرُ. {وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]: الشَّيْطَانُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الجِبْتُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ: شَيْطَان، وَالطَّاغُوتِ: الكَاهِنُ).

أسندهما عبد بن حميد، وفي ذلك أقوال أخر. وقيل: هما الشيطان في كل واحد منهما. وقيل: هما ما عبد من دون الله. وقيل في كل منهما أنه كاهن. وقال ابن عباس: هما رجلان من اليهود كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب

(1)

. قال سيبويه: الطاغوت اسم واحد مؤنث. وقال أبو العباس محمد بن يزيد: هو عندي جماعة.

ثم ذكر البخاري حديث عائشة رضي الله عنها: هَلَكَتْ قِلَادَةٌ لأَسْمَاءَ .. الحديث.

وفي آخره: فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، وقد سلف في بابه ويأتي في اللباس

(2)

.

وشيخ البخاري هنا محمد عن عبدة، ويشبه أن يكون البيكندي؛ لأنه يروي عن عبدة في غير موضع من الكتاب. قال الداودي: الحديث المشهور أن عائشة أضلت فأقام صلى الله عليه وسلم على التماسه ولم يكن معهم ماء فنزلت. وفي حديث آخر: استعارت عقدًا من أسماء فسقط، فبعث رجالًا في طلبه فصلوا بغير وضوء. ويحتمل أن يكون هذا الحديث مُبَيِّئا لسائر الأحاديث؛ لأنه أضاف العقد لعائشة عن علم أنه سقط لها ظنًّا منه أنها تملكه.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 135 وابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 975.

(2)

سيأتي برقم (5882) باب: استعارة القلائد.

ص: 231

‌11 - [باب] قوله: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]

أي: ذَوِي الأَمْرِ منكم.

4584 -

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ}. قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ. [مسلم: 1834 - فتح: 8/ 253]

ثم ساق عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في سَرِيَّةٍ.

سلف طرف منه من طريق علي في سرية عبد الله هذا، وأخرجه مسلم أيضا

(1)

.

عدي هو ابن سعد بن سهم بن عمرو بن هُصيص بن كعب بن لؤي بن غالب. واعترض الداودي فقال: قول ابن عباس أنها نزلت في عبد الله وهم من غيره، وهو حمل الشيء على ضده.

ثم ذكر قصة عبد الله السالف هناك قال: وقيل: إنه كان يمزح، والذي هنا خلاف قوله صلى الله عليه وسلم له:"إنما الطاعة في المعروف" إن كانت الآية قبل فكيف يخص عبد الله بالطاعة دون غيره، وإن كانت بعد فإنما قيل لهم: لم لم تطيعوه؟! وعند الواحدي أنها نزلت في عمار لما أجار على خالد فنهاه أن يجير على أمير إلا بإذنه

(2)

.

وشيخ البخاري هنا صدقة بن الفضل. وفي رواية أبي علي بن السكن

(1)

سلف برقم (4340) كتاب: المغازي، ومسلم (184) كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية.

(2)

"أسباب النزول" ص 161 - 162.

ص: 232

بدله: سُنيد بن داود، وتفرد به، وسائر الرواة على صدقة ولا يذكرون سنيدًا، وهو مصيصي اسمه علي ويكنى: أبا علي، وله تفسير حسن نبه على ذلك الجياني

(1)

.

وقال ابن يربوع الإشبيلي في كلامه على الكلاباذي: الصواب ما روت الجماعة، فإن سنيدًا صاحب تفسير. وذكر ابن السكن له في التفسير من الأوهام المحتملة؛ لأنه إنما ذكره في بابه الذي هو مشهور به فهو قريب بعيد. واختلف في (أولي الأمر منهم). فالبخاري قال:(ذو الأمر). وجابر قال: هم أهل الفقه والعلم

(2)

. وأبو هريرة قال: هم أمراء السرايا

(3)

. وعكرمة قال: هم أبو بكر وعمر

(4)

. وقيل: وعثمان وعلي.

وقد يرجع إلى شيء واحد؛ لأن أمراء السرايا من العلماء؛ لأنه كان لا يولي إلا من يعلم وكذا الصديق والفاروق أعلام العلماء، وكذا الباقي. وعبارة بعضهم: جميع الصحابة. ثم قيل: والتابعين. وقال عطاء: المهاجرون والأنصار

(5)

. وقال ابن كيسان: أرباب العقول الذين يسوسون أمر الناس. واختار مالك أنهم أهل العلم والقرآن

(6)

.

وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ} الآية [النساء: 83]. والأمر: القرآن، قال تعالى:{ذَلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} [الطلاق: 5] والصحيح أنه عام في كل من ولي أمر شيء.

(1)

"تقييد المهمل" 2/ 695.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 151.

(3)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 988.

(4)

رواه الطبري 4/ 153.

(5)

انظر "تفسير البغوي" 2/ 241.

(6)

انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 451 - 452.

ص: 233

‌12 - [باب] قوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]

4585

- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فِي شَرِيجٍ مِنَ الْحَرَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» . فَقَالَ الأَنْصَاريُّ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» . وَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الأَنْصَاريُّ، كَانَ أَشَارَ عَلَيْهِمَا بِأَمْرٍ لَهُمَا فِيهِ سَعَةٌ. قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَاتِ إِلاَّ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} . [النساء: 65][انظر: 2360 - فتح: 8/ 254]

أي: فيما اختلفوا فيه. ومنه: تشاجر القوم.

ثم ساق حديث شراج الحرة، وقد سلف في الشرب. وقال هنا: في شريج من الحرة. وقال هناك: في شراج

(1)

. ومعنى (أحفظه): أغضبه.

(1)

ورد في هامش الأصل: حاشية: والصواب شراج وهو الذي هناك.

ص: 234

‌13 - [باب] قوله: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} الآية [النساء: 69]

4586 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلاَّ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» . وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. [انظر: 4435 - مسلم: 3444 - فتح: 8/ 255]

ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ". وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] فَعَلِمْتُ أَنَهُ خُيِّرَ.

سلف قريبا في باب مرضه صلى الله عليه وسلم. والبحة -بضم الباء كما سلف-: غلظ في الصوت. يقال: بح يبح بحوحا. وإن كان من داء فهو البحاح، يقال: رجل بح بين البحح، إذا كان ذلك فيه خلقة.

ويروى أن قومًا قالوا: يا رسول الله، أنت معنا في الدنيا وترفع يوم القيامة لفضلك، فانزل الله:{وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ} فعرفهم أن الأعلَيْن ينحدرون إلى من هو أسفل منهم فيجتمعون ليذكروا نعمة الله عليهم

(1)

. وأخرجه الطبراني من حديث الأسود عن

(1)

"تفسير مقاتل"[النساء: 69].

ص: 235

عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل فذكر الحديث بمعناه

(1)

، وهو ثوبان كما ذكره الواحدي. وعنده من حديث مسروق: قال الصحابة: يا رسول الله، ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا، فنزلت

(2)

.

وقال مقاتل: نزلت في رجل من الأنصار يسمى عبد الله بن زيد بن عبدربه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خرجنا من عندك إلى أهلنا اشتقنا إليك، فكيف لنا برؤيتك إذا دخلنا الجنة؟ فنزلت، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتته أمه وهو في حديقة له فأخبرته بوفاته فقال عند ذلك: اللهم أعمني فلا أرى شيئًا بعد حبيبي أبدًا، فعمي مكانه، وكان يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا فجعله الله معه في الجنة

(3)

.

(1)

"المعجم الأوسط" 1/ 152 - 153 (477).

(2)

"أسباب النزول" ص 169 - 170.

(3)

أخرجه بنحوه ابن جرير في "تفسيره" 4/ 166 - 167 وانظر "معاني القرآن" للنحاس 2/ 130.

ص: 236

‌14 - [باب] قوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ} الآية [النساء: 75]

4587

- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ. [انظر: 1357 - فتح: 8/ 255]

4588 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَلَا {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 98] قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ. [انظر: 1357 - فتح: 8/ 255][النساء: 103] وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (حَصِرَتْ)[النساء: 90] ضَاقَتْ {تَلْوُوا} [النساء: 135] أَلْسِنَتَكُمْ بِالشَّهَادَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَاغَمُ الْمُهَاجَرُ. رَاغَمْتُ هَاجَرْتُ قَوْمِي. {مَوْقُوتًا} [النساء: 103] مُوَقَّتًا وَقْتَهُ عَلَيْهِمْ.

ثم ساق فيه عن ابن عباس: كُنْتُ أَنَا وَأُمّي مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ. وعنه: أنه تلا: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء: 98] قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ.

قال الزهري: معنى الآية في سبيل الله المستضعفين

(1)

. قال المبرد: ويجوز هذا، ويجوز أن يكون: وفي المستضعفين. وقال مجاهد -فيما ذكره عبدٌ-: أمروا أن يقاتلوا عن مستضعَفي أهل مكة من المؤمنين

(2)

. وقال قتادة: القرية الظالم أهلها: مكة، كان بها رجال ونساء وولدان فأُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل في سبيل الله حتى يستنقذهم.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 172.

(2)

أورده السيوطي في "الدر" 2/ 328 وعزاه لعبد بن حميد.

ص: 237

وذكره ابن أبي حاتم عن عائشة وابن عباس وغيرهما

(1)

.

وقول ابن عباس: (كنت أنا وأمي من المستضعفين). فيه دلالة أن الولد يتبع المسلم من الأبوين كان الأب والأم، وهو قول مالك في أحد قوليه. قال مطرف: والناس كلهم عليه. وإن كان مشهور قوله أن الولد يتبع الأب في الدين

(2)

.

وقوله: (ممن عذر الله) ظاهر في أنه لا حجر على الصبي والمرأة. (ص): (ويذكر عن ابن عباس: {حَصِرَتْ}: ضاقت). هذا أسنده ابن أبي حاتم في "تفسيره" من حديث علي بن أبي طلحة عنه

(3)

. قال مجاهد: هو هلال بن عويمر الذي حصر أن يقاتل المسلمين أو يقاتل قومه

(4)

. (فدفع عنهم)

(5)

المعنى على الدعاء، أي: أحصر الله صدورهم. قال أبو إسحاق: يجوز أن يكون خبرًا بعد خبر. وقيل: المعنى قد حصرت صدورهم ثم حذف قد. وقرأ الحسن: حَصِرَةً صدورُهم

(6)

.

(ص): {تَلْوُوا} ألسنتكم بالشهادة: يعني: وإن تلووا أو تعرضوا). فهذا أخرجه ابن المنذر من حديث علي بن أبي طلحة عنه بلفظ: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} يعني: إن تلووا ألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 1002.

(2)

انظر: "التفريغ" 1/ 359، "عيون المجالس" 2/ 733 - 734.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 1028.

(4)

رواه ابن أبي حاتم 3/ 1028.

(5)

كذا في الأصل، ولعل الصحيح:(فوقع فيهم).

(6)

رواها الطبري في "تفسيره" 4/ 200 وانظر: "شواذ القرآن" لابن خالويه ص 34.

ص: 238

(ص): (وقال غيره: المراغَم: المهاجر. راغمت: هاجرت قومي) هذا قول أبي عبيد

(1)

.

(ص): (موقوتًا): موقتًا وقته عليهم) هو قوله أيضًا

(2)

.

(1)

ولعله يقصد أبا عبيد القاسم بن سلام صاحب "غريب القرآن"، والكلام بنصه في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن المثنى 1/ 138.

(2)

التعليق السابق "مجاز القرآن" 1/ 139.

ص: 239

‌15 - [باب] قوله: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} الآية [النساء: 88]

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {أَرْكَسَهُمْ} : بَدَّدَهُمْ. فِئَةٌ: جَمَاعَةٌ.

4589 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88]: رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أُحُدٍ، وَكَانَ النَّاسُ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ فَرِيقٌ يَقُولُ: اقْتُلْهُمْ، وَفَرِيقٌ يَقُولُ: لَا. فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] وَقَالَ: «إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِى الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِى النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ» . [انظر: 1884 - مسلم: 1384 - فتح: 8/ 256]

قَالَ ابن عَبَّاسٍ

(1)

: {أَرْكَسَهُمْ} : بَدَّدَهُمْ. فِئَةٌ: جَمَاعَةٌ. وقال غيره: {أَرْكَسَهُمْ} : ردهم إلى حكم الكفر. وقال ابن مسعود: (ركَّسهم)

(2)

.

ثم ساق حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ السالف في غزوة أحد، وقال هنا: فرقة تقول: اقتلهم. وفرقة تقول: لا. وقال: "تنفي الخبث" وقال هناك: "الذنوب". وفسر زيد الآية: قوم رجعوا من أحد. وقال مجاهد: قوم أسلموا ثم استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى مكة فيأخذوا بضائع لهم، فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين؛ فرقة يقولون: هم منافقون

(3)

. وقوم يقولون: هم مؤمنون حتى يتبين أنهم منافقون. وفي الترمذي -وقال: حسن-: آخر قرية تخرب من قرى الإسلام المدينة

(4)

.

(1)

جاء في هامش الأصل تعليق نصه: تجاه هذا في الهامش ما لفظه: رواه ابن المنذر من حديث عطاء عنه.

(2)

هي قراءته: (رَكَّسَهُمْ) وهي شاذة، انظر:"المحتسب" 1/ 194.

(3)

"تفسير الطبري" 4/ 194.

(4)

الترمذي (3919).

ص: 240

‌16 - [باب]{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء: 83]

أَفْشَوْهُ.

{يَسْتَنْبِطُونَهُ} [النساء: 83]: يَسْتَخْرِجُونَهُ. [حَسِيبًا][النساء: 86]: كَافِيًا {إِلَّا إِنَاثًا} [النساء: 117] المَوَاتَ حَجَرًا أَوْ مَدَرًا وَمَا أَشْبَهَهُ. {مَرِيدًا} [النساء: 117]: مُتَمَرِّدًا. {فَلَيُبَتِّكُنَّ} [النساء: 119] بَتَّكَهُ قَطَّعَهُ. [قِيلًا][النساء: 122] وَقَوْلًا وَاحِدٌ طُبعَ خُتِمَ. [انظر: 1884].

(ص): ({أَذَاعُوا بِهِ} أفشوه). أسنده ابن أبي حاتم عن ابن عباس {أَذَاعُوا بِهِ} أفشوه. أي: أعلنوه. وقال ابن أبي حاتم: روي عن عكرمة وعطاء وقتادة والضحاك

(1)

، وقيل: هم ضعفة المسلمين. وقيل: هم المنافقون.

(ص): {يَسْتَنْبِطُونَهُ} : يستخرجونه. {حَسِيبًا]: كافيًا {إِلَّا إِنَاثًا} يعني الموات حجرًا، أو مدرًا وما أشبهه). ذكره كله ابن المنذر عن (أبي عبيد)

(2)

. قلت: وقال مجاهد: يعني الأوثان

(3)

.

قال أهل اللغة: إنما سميت إناثا؛ لأنهم سموها: اللات والعزى ومناة. وهذِه عندهم إناث.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 1014.

(2)

كذا في الأصل، ولعله يقصد أبا عبيد القاسم بن سلام صاحب "غريب القرآن" والكلام بنصه في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن المثنى 1/ 140.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 279.

ص: 241

(ص): ({مَرِيدًا}: متمردًا). أي: عاتيا خبيثًا خارجا عن الطاعة ظاهر الشر.

(ص): ({فَلَيُبَتِّكُنَّ}: بَتَّكَه: قطَّعه). قلت: وهي البَحِيرة الآتية في المائدة. ({قِيلًا} وقولًا واحدٌ. {طَبَعَ}: ختم).

ص: 242

‌17 - [باب] قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} الآية [النساء: 93]

4590 -

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: آيَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ، فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ.

ذكر فيه عن سعيد بن جبير: آيَةٌ أخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الكُوفَةِ، فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابن عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ، وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ.

أي: من آخر ما نزل، وروي عن زيد بن ثابت: نزلت الشديدة (قبلُ)

(1)

-أي: الهينة- بستة أشهر {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} بعد التي في الفرقان {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 68 - 70]

(2)

ومعنى الآية إن جازاه بذلك.

وحكي عن ابن عباس: وليس من صدوره الوعيد رجوعه، أو إن فعله مستحلا، وقوله:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] فشرط المشيئة في الذنوب كلها قائم، ما عدا الشرك.

وقال بعض العلماء عند قراءة الآية: هذا وعيد شديد في القتل، حظر الله به الدماء، وقيل: إن آية المشيئة خبر لا يدخله النسخ، لأن

(1)

هكذا في الأصل وفي الطبري: بعد وهو المناسب للسياق.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 222.

ص: 243

إخباره صدق لا يدخله نسخ، وآية النساء: والفرقان محكمتان، وقد قال تعالى بعد ذلك:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} وقال الطبري: جزاؤه جهنم حقًّا، ولكن الله يعفو ويتفضل على من آمن، فلا يجازيه بالخلود

(1)

، وكانت الصحابة إذا سئلوا عنه قبل نزوله غلقوا، وإذا نزل لم يفسروه، وتلا عمر رضي الله عنه أول حم غافر.

وذكر الواحدي عن الكلبى عن أي صالح عن ابن عباس أن مقيس بن صبابة الليثي وجد أخاه هشامًا قتيلا في بني النجار، وكان مسلمًا، فأتى مقيس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل معه رسولا من بني فهر إلى بني النجار، فأمرهم إن علموا قاتله فدفعوه إلى أخيه فيقتص منه، وإن لم يعلموا قاتلا أن يدفعوا إليه الدية. قالوا: سمعًا وطاعة، والله ما نعلم له قاتلا، ولكنا نؤدي إليه ديته. فأعطوه مائة من الإبل، فوسوس إليه الشيطان قتل الفهري، فرجع إلى مكة كافرًا وأنشد شعرًا، فأنزل الله هذِه الآية ثم أهدر الشارع دمه يوم الفتح فقتل بأسياف المسلمين بالسوق

(2)

. وذكر مقاتل أن الفهري اسمه عمرو.

فصل:

أثر ابن عباس جاء في رواية أخرى في سورة تبارك هذِه -يعني: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} - آية مكية نسختها آية مدنية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}

(3)

.

وفي أخرى: فأما من دخل في الإسلام وعقل فلا توبة له

(4)

.

(1)

"تفسير الطبري" 4/ 223.

(2)

"أسباب النزول" ص 174.

(3)

في الأصل علم على (متعمدًا): (لا. إلى).

(4)

رواهما الطبري في "تفسيره" 9/ 415 - 417.

ص: 244

وفي أخرى: فأمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل عبد الله.

كذا وقع في مسلم

(1)

، ولعله -كما قال القاضي-: أمرني ابن عبد الرحمن. ولعبد الرحمن ولدان سعيد وعبد الله. قال: ولا يمتنع أن يكون عبد الرحمن أمر سعيد بن جبير يسأل ابن عباس عما يعلمه عبد الرحمن، فقد سأل ابن عباس أكبر من عبد الرحمن وأقدم صحبة، وكان عبد الرحمن بالكوفة، فرحل سعيد إلى ابن عباس كما قال له ابن أبزى

(2)

.

وروى النسائي عن سالم بن أبي الجعد أن ابن عباس سئل عمن قتل مؤمنًا متعمدًا، ثم تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى، فقال: وأنى له التوبة وقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "يجيء متعلقا بالقاتل تشخب أوداجه دمًا يقول: أي رب سل هذا فيم قتلني؟ " ثم قال عبد الله: والله لقد أنزلها الله ثم ما نسخها

(3)

.

وقوله: (فرحلت) هو بالحاء المهملة، وهو الصحيح كما نبه عليه النووي في نسخة ابن ماهان، فدخلت بدال ثم خاء معجمة. وله وجه بأن يكون بمعناه كدخلت بعد رحلتي

(4)

.

فصل:

حكئ أبو جعفر النحاس في الآية أقوالًا: أحدها: لا توبة. روي عن ابن عباس وزيد بن ثابت، قال زيد: لما نزلت آية الفرقان عجبنا للينها، فلبثنا سبعة أشهر، وقيل: ستة -حكاه الثعلبي- فنزلت آية

(1)

مسلم (3023) كتاب: التفسير.

(2)

انظر "إكمال المعلم" 8/ 585.

(3)

"السنن الكبرى" للنسائي 2/ 286 - 287 (3462).

(4)

"صحيح مسلم بشرح النووي" 18/ 159.

ص: 245

النساء. وحكي عن ابن مسعود أيضا، وحكاه ابن أبي حاتم عن عمر وأبي هريرة وغيرهما، والآية محكمة

(1)

.

وفي مسلم أن رجلا قال لابن عمر: ألا تسمع ما يقول الله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} الآية، فما يمنعك أن لا تقاتل كما أمر الله؟ فقال: يا ابن أخي، أغترُّ بهذِه الآية ولا أقاتل أحب إليَّ من أن أغترَّ بالآية التي يقول الله فيها:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا}

(2)

.

ثانيها: له توبة. وبه قال جماعة منهم ابن عمر، وهو أيضا مروي عن ابن عباس وزيد بن ثابت. قال ابن عباس في السائل بالنفي، فقيل له: كنت تفتينا بالقبول. فقال: إني لأحسبه رجلا مغضبًا يريد أن يقتل مؤمنا. فوُجِدَ كما قال. وكذا وقع لسفيان

(3)

. أراد بالنفي تعظيم الأمر، وبالثاني ترك الناس -كما جرى لمن قتل تسعة وتسعين رجلا

(4)

، وآية النساء: دخلها التخصيص، فإنه لو قتله في حال كفره ثم أسلم فلا عقوبة في الدنيا والأخرى، وقد قال تعالى:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه: 82]{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25].

وقد اختلف عن ابن عباس أيضًا، فروي عنه: آية الفرقان نزلت في أهل الشرك. وعنه: نسختها الآية التي في النساء: -كما سلف.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 1037.

(2)

سيأتي برقم (4650) كتاب: التفسير، سورة الأنفال، ولم أجده في مسلم.

(3)

ذكره البغوي في "تفسيره" 2/ 267.

(4)

يشير المصنف رحمه الله إلى حديث التائب الذي قتل تسعا وتسعين نفسًا وقتل الراهب فكمل به المائة. وقد سلف برقم (3470) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: لم يسمَّ.

ص: 246

قال ابن الحصار

(1)

: الآيتان لم يتواردا على حكم واحد؛ لأن آية الفرقان نزلت في الكفار وآية النساء: في المؤمن، فلا تعارض، وقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وقال فيمن قتل عمدًا: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] فأثبت له أخوة الإسلام. وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} الآية [الحجرات: 9]، وإنما لا يغفر الله لمن لا يستغفر، ولا يتوب على من لا يتوب، ولكن تكرر منه قتل المؤمنين، وقتالهم وإن كان متأولًا فهو على ذنب عظيم؛ لأنه لا ينفك عن سوء عقيدته، وقد يحمله ذلك على الاستباحة كما سلف عن ابن عمر رضي الله عنهما.

قلت: وذهب كثير إلى أن آية النساء: منسوخة. فقيل: نسختها آية الفرقان. وقال أكثرهم: بقوله: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية.

وقال كثير: إنها محكمة، ثم اختلفوا في وجه إحكامها، فذهب عكرمة على حملها على الاستحلال، وخصت الآية بذلك لنزولها في رجل قتل مؤمنًا وارتد كما سلف، وغلط النحاس هذا الحمل؛ لعموم {مِن} وقد سلف التخصيص، وذكر الخلود لا يقتضي التأبيد؛ لأنه قد يأتي بمعنى امتداد الحين، تقول العرب: لأخلدن فلانًا في السجن. وقال القاضي إسماعيل في كتابه: هذا حكم من أحكام الآخرة ليس بالناس حاجة إلى أن يبرموا قولا غير أنا نرجو القبول من المسلم.

(1)

ابن الحصار هو أبو المطرِّف عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد القرطبي، المالكي، مات سنة 422 ص، انظر "سير أعلام النبلاء" 17/ 473 (312).

ص: 247

القول الثالت: أن أمره إلى الله تاب أو لم يتب، وعليه الفقهاء أبوحنيفة وأصحابه والشافعي يقول في كثير من هذا: إلا أن يعفو الله عنه أو معناه.

رابعها: قال أبو مجلز: المعنى: جزاؤه إن جازاه

(1)

، وهو غلط؛ لأن الله قال:{جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا} [الكهف: 106] ولم يقل أحد معناه: إن جازاهم. وهو أيضا خطأ في العربية؛ لأن بعده {وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ} ، وهو قول على معنى جزاه

(2)

.

وعن ابن عباس -فيما ذكره الثعلبي-: لا أعلم له توبة، إلا أن (يستغفر)

(3)

الله، قال السخاوي: وهو الصحيح عنه إن شاء الله، إذ أجمع المسلمون على صحة توبة قاتل العمد، وكيف لا تصح توبته، وتصح توبة الكافر والمرتد، يقتلان مؤمنًا ثم أسلما، قال عبد الله كنا معشرَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل المؤمن، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، وقاطع الرحم -يعني لا نشك في الشهادة لهم بالنار- حتى نزلت {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . فأمسكنا عن

الشهادة لهم. فقول أبي هريرة وابن عمر وابن عباس في جواب السائل عن قتل العمد: هل تستطيع أن تحييه؟! على وجه التعظيم

(4)

.

وعند الخوارج والمعتزلة أن المؤمن إذا قتل مؤمنًا أن هذا الوعيد لاحق به، وقالت المرجئة: نزلت في كافر قتل مؤمنًا، فأما مؤمن قتل مؤمنًا لا يدخل النار؛ وقالت طائفة من أهل الحديث: نزلت في مؤمن

(1)

"تفسير الطبري" 4/ 219.

(2)

"الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 217 - 226.

(3)

كذا في الأصل، ولعل الصحيح:(يغفر).

(4)

"جمال القراء، وكمال الإقراء" ص 293.

ص: 248

قتل مؤمنا، والوعيد عليه ثابت إلا أن يتوب أو يستغفر، وقالت طائفة: كل مؤمن قتل مؤمنًا، فهو مخلد في النار غير مرية ويخرج منها بشفاعة الشافعين، وعندنا أن المؤمن إذا قتل مؤمنًا لا يكفر به، إلا أن يستحل. فإن افتدى ممن قتله فذلك كفارة له كما جاء في الحديث، وإن كان تائبًا من ذلك ولم يكن مقادًا من قبل كانت التوبة أيضا كفارة له، فإن خرج من الدنيا بلا توبة ولا قود، فأمره إلى الله، والعذاب قد يكون نارًا وقد يكون غيرها في الدنيا؛ ألا ترى إلى قوله:{يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14] يعني بالقتل والأسر؟!

يدل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] فخاطب القاتلين بما خاطب المصلين وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} واقتتالهم كان على العمد لا على الخطأ، وروي أن مؤمنا قتل مؤمنًا متعمدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمر القاتل بالإيمان من فعله ولو كفر لأمر به، ولا أنه حرم عليه أهله، وتعلق الخوارج والمعتزلة بالآية، وقد سلف جواب ذلك، وأنها نزلت في كافر قتل مؤمنًا متعمدًا؛ ثم لو سلم نزولها في مؤمن قتل مؤمنًا فلا يسلم أن الخلود التأبيد، بدليل قوله:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34].

وقوله {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} وقوله: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)} [الهمزة: 3] وإنما يعني في الدنيا. ثم الخلود معناه غير معنى التأبيد وأما الغضب فهو جزاء أيضا، وقد يرد الماضى والمراد المستقبل.

ص: 249

‌18 - [باب]{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94]

السِّلْمُ، وَالسَّلَمُ، وَالسَّلَامُ وَاحِدٌ.

4591 -

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94]. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء: 94] تِلْكَ الْغُنَيْمَةُ. قَالَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {السَّلَامَ} . [مسلم: 3025 - فتح: 8/ 258]

(السَّلَمُ والسَّلْمُ والسِّلْم والسَّلَام واحِد). الأولى: فتح السين واللام، والثانية: بفتح السين وإسكان اللام، والثالثة: بكسر السين وإسكان اللام، وحكي عن قراءة أبان بن يزيد عن عاصم والرابعة بلام ألف، واختارها أبو عبيد، وخالفه أهل النظر، وقالوا: السَّلَم هنا أشبه؛ لأنه بمعنى الانقياد والتسليم، كقوله تعالى:{فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} [النحل: 28].

ولا شك أن السلم بفتح اللام: الاستسلام والانقياد، والسِّلْم بإسكان اللام وفتح السين وكسرها: الإسلام والصلاة.

وقراءة ابن عباس {السَّلَامِ} باللام -كما سيأتي- وقد أسندها عبد بن حميد في "تفسيره" عنه، يحتمل أن يكون بمعنى السِّلم، وأن يكون بمعنى التسليم، والبخاري ذكر أن السلم والسلام واحد وكذا ما قبله.

ص: 250

وقرأ نافع وابن عامر وحمزة (السلم) بغير ألف، والباقون بثبوتها

(1)

، وقوله:{مُؤْمِنًا} قرأ علي وابن عباس وغيرهما بفتح الميم الثانية مشددة اسم مفعول من أمنه

(2)

.

ثم ساق البخاري حديث ابن عباس {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} قال ابن عباس: كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ المُسْلِمُونَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ إلى قَوْلِهِ:{عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء: 93]: تِلْكَ الغُنَيْمَةُ. قَرَأَ ابن عَبَّاسٍ: {السَّلَامَ} .

وفي لفظ: رجل من بني سليم.

وذكر الواحدي عن سعيد بن جبير أن المقداد بن الأسود خرج في سرية، فمروا برجل في غنيمة له، فأرادوا قتله فقال: لا إله إلا الله. فقتله المقداد. وعن ابن أبي حدرد: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم قبل مخرجه إلى مكة، فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فحيا بتحية الإسلام فنزعنا عنه، فحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه في الجاهلية فقتله، واستلبه أي بعيره ومتاعه ووطب لبن معه، فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بخبره، فنزلت

(3)

.

قال السهيلي ثم مات محلم بإثر ذلك فلم تقبله الأرض مرارًا، فألقي بين جبلين. ويروى: عمدوا إلى صدفتين فسطحوه عليها ثم رضموا عليه الحجارة

(4)

حتى واروه، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال: "والله إن الأرض

(1)

انظر "الحجة للقراء السبعة" 3/ 175 - 176.

(2)

انظر: "زاد المسير" 2/ 94.

(3)

"أسباب النزول" ص 176 - 177.

(4)

ذكره السهيلي في "التعريف والإعلام" كما في "تفسير مهمات القرآن" 1/ 348.

ص: 251

لتطابق على من هو شر منه، ولكن الله أراد أن يعظكم في جرم ما بينكم بما أراكم منه"

(1)

قال: وكان أميرَ السرية أبو الدرداء. وقيل: رجل اسمه فديك

(2)

.

قال الواحدي: وذكر السدي أنه عليه السلام بعث أسامة بن زيد على سرية، فلقي مرداس بن نهيك الضمري فقتله، وكان من أهل فدك ولم يسلم من قومه غيره، فقال له صلى الله عليه وسلم:"هلا شققت عن قلبه" فنزلت

(3)

.

واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة في ثمانية نفر في أول رمضان سنة ثمان إلى بطن إضم، وهي فيما بين ذي خُشب وذي المروة، وبينها وبين المديثة ثلاثة برد؛ ليظن ظان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه تلك الناحية، ولأن تذهب بذلك الأخبار، وكان في السرية محلم بن جثامة -كما سلف- بن قيس الليثي، ثم نزلت الآية، فمضوا ولم يلقوا جمعًا، فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خُشُب فبلغهم توجهه صلى الله عليه وسلم إلى مكة فتوجهوا حتى لقوه بالسُّقيا، فلما كان يوم حنين قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس يختصمان في عامر بن الأضبط؛ عيينة يطلب بدم عامر وهو سيد غطفان يومئذ، والأقرع يدفع عن محلم؛ لمكانه من خندف، فتداولا الخصومة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عيينة: والله يا رسول الله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرقة ما أذاق نسائي. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين إذا رجعنا" وهو يأبى عليه، فلم يزل بهم حتى قبلوا الدية، ثم قال:"أين صاحيكم؟ " فقام رجل آدم ضرب طويل

(1)

"سيرة ابن هشام" 4/ 304.

(2)

انظر: "تفسير مبهمات القرآن" 1/ 349.

(3)

"أسباب النزول" ص 177.

ص: 252

عليه حلة قد كان تهيأ للقتل فيها، حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:"ما اسمك" قال: أنا محلم بن جثامة. فقال: "أمنته بالله ثم قتلته! اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة" فما مكث (إلا سبعًا)

(1)

حتى مات -كما سلف.

فائدة:

في هذِه الآية صحة إسلام من أظهر، وإجراؤه على أحكامهم، ومقتضاه أن من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو: أنا مسلم، أنه يحكم له بالإسلام. وقال محمد بن الحسن في "السير الكبير": لو أن يهوديًّا أو نصرانيًّا قال: أنا مسلم لم يكن مسلمًا؛ لأنهم كلهم يقولون: نحن مسلمون ومؤمنون. ويقولون: إن ديننا هو الإيمان

(2)

.

قال: ولو أن رجلا من المسلمين حمل على رجل من المشركين ليقتله فقال: لا إله إلا الله. كان مسلما، ولو رجع عن هذا ضربت عنقه لأن هذا هو الدليل على الإسلام

(3)

. وقال اللؤلؤي -عن أبي حنيفة-: إن اليهودي والنصراني إذا تلفظ بالشهادتين، ولم يتبرأ من اليهودية والنصرانية لم يكن بذلك مسلمًا. ووجهه أن هؤلاء منهم من يقول: محمد رسول الله ولكن إليكم، ومنهم من يقول: لم يبعث بعد وسيبعث. وقال ابن عباس -فيما ذكره الثعلبي-: إن الله حرم على المؤمنين أن يقولوا لمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله: لست مؤمنًا. كما حرم عليهم الميتة، فهو آمن على ماله ودمه فلا تردوا عليه.

(1)

في الأصل: (لاسبعًا). وانظر "سيرة ابن هشام" 4/ 303 - 304.

(2)

"شرح السير الكبير" 5/ 2265.

(3)

السابق 5/ 2261 - 2262.

ص: 253

فائدة:

تعلق من قال: إن الإيمان هو القول بهذِه الآية، وقالوا لما قال:{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} فمنع قتلهم بمجرد القول، فلولا أن هذا القول لم (يبح)

(1)

قتلهم قيل لهم: القوم إنما شكوا في حاله هل قاله تعوذًا؟ والله لم يجعل إلى عباده غير الحكم بالظاهر، ألا ترى أن المنافقين كانوا يقولون هذا القول وليسوا بمؤمنين، فثبت أن الإيمان هو الإقرار وغيره، وأن حقيقة الصدق بالقلب كما قال:"فهلا شققت عن قلبه" وفيها رد على أصحاب القدر؛ لأنه تعالى أخبر أنه منَّ على المؤمنين من بين جميع الخلق بأن خصهم بالتوفيق؛ لأنه لو خلق الخلق كلهم للإيمان -كما زعمت القدرية- فما معنى اختصاصه بالمنة.

(1)

في الأصل (لُقى) غير منقوطة، وعليها: كذا. ولعل المثبت يقرب المعنى المراد.

ص: 254

‌19 - [باب] قوله: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ]

(1)

وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ}

4592 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِىُّ أَنَّهُ رَأَى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْلَى عَلَيْهِ {لَا يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهْوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ -وَكَانَ أَعْمَى- فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. [انظر: 2831 - فتح: 8/ 259]

4593 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {لَا يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدًا فَكَتَبَهَا، فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَشَكَا ضَرَارَتَهُ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]. [انظر: 2831 - مسلم: 1898 - فتح: 8/ 259]

4594 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ادْعُوا فُلَانًا» . فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ أَوِ الْكَتِفُ فَقَالَ: «اكْتُبْ: لَا يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ» . وَخَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا ضَرِيرٌ. فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]. [انظر: 2831 - مسلم: 1898 - فتح: 8/ 259]

(1)

في الأصل بيض مكانها، وكتبت في "اليونينية" بدونها.

ص: 255

4595 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ ح. وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ {لَا يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ. [انظر: 3954 - فتح: 8/ 260]

ثم ساق حديث زيد بن ثابت السالف في الجهاد. وزاد فقال: والله يا رسول الله. بزيادة القسم.

وحديث البراء: وقد سلف فيه أيضًا. وحديث مقسم أن ابن عباس أخبره: لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر، والخارجون إلى بدر، وقد سلف في غزوة بدر أيضًا.

وقوله: (أملى عليه) وقوله: (يملُّها عليَّ) بمعنًى، قيل: يُملَّ ويملِي واحد، قال تعالى:{وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] ومعنى: (سُرِّي عنه) ارتفع عنه ما كان يجده، هو مشدد الراء

(1)

.

وقوله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} قرئ برفع (غير)، ونصبه ويجوز بالخفض بمعنى النَّصْب وهي قراءة نافع وابن عامر والكسائي. الاستثناء وموضع الحال أي: لا يستوي القاعدون أصحاء، والحديث دال على هذِه القراءة، ومن رفع -وهي قراءة الباقين- فعلى صفة القاعدين، أي: لا يستوي القاعدون الأصحاء والقاعدون

(2)

، ومن خفض فعلى الصفة للمؤمنين، أي: من المؤمنين الأصحاء، وهي قراءة شاذة

(3)

.

(1)

في هامش الأصل: رواه الشيوخ بالتشديد والتخفيف وهو صحيح.

(2)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 178 - 179.

(3)

قرأ بها أبو حيوة والأعمش، انظر "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 447.

ص: 256

فائدة:

حديث مقسم أخرجه البخاري عن إسحاق، وهو ابن منصور كما ذكره صاحبا "الأطراف" أبو مسعود وخلف، وقال أبو نعيم: ذكر أن البخاري رواه عنه أيضًا، وعند الحميدي ليس لمقسم في "الصحيح" غير هذا الحديث الواحد

(1)

.

أخرى:

روى نحو حديث زيد والبراء الفلتانُ بن عاصم: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الوحي فقال للكاتب: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} فقام الأعمى فقال .. الحديث

(2)

.

ذكره إسماعيل، وقال مقاتل:{غَيْرُ أُولِي الضَّرَر} الآية تعني عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم أهل العذر

(3)

. وفي ذكره الأول نظر، والمعذور أخوه أبو أحمد

(4)

.

وذكر الثعلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس أنه ابن جحش وليس بالأسدي. كان أعمى، وأنه جاء هو وابن أم مكتوم، فجعل لهما من الأجر ما للمجاهدين لزمانتهما.

وعن ابن أي ليلى: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} قال ابن أم مكتوم: اللهم أنزل عذري، فنزلت {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فوضعت بينهما.

(1)

"الجمع بين الصحيحين" 2/ 115.

(2)

رواه أبو يعلى في "المسند" 3/ 156 (1583)، وابن حبان في "صحيحه" 11/ 10 - 11 (4712).

(3)

"تفسير مقاتل"[النساء: آية 95].

(4)

في هامش الأصل: واسم أبي أحمد: عبد. بغير إضافة. وذكر بعضهم قولًا في أبي أحمد أنه عبد الله، وليس بشيء، فعليه يكون كلامه صحيحًا.

ص: 257

فكان بعد ذلك يغزو ويقول: ادفعوا إليَّ اللواء وأقيموني بين الصفين فإني لا أستطيع أن أفر

(1)

.

فائدة:

اقتضت الآية فضل المجاهدين على أولي الضرر بدرجة، وعلى القاعدين غير أولى الضرر بدرجات.

قال أبو إسحاق: وكان يقال: الإيمان درجة، والهجرة في سبيل الله درجة، والجهاد في الهجرة درجة، والقتل في الجهاد درجة. وقال ابن محيريز في هذِه الآية: هو سبعون درجة ما بين كل درجتين عدو الفرس الجواد المضمَّر سبعين خريفًا

(2)

.

فائدة:

قوله: {الْقَاعِدُونَ} إلى آخره ليس بمانع أن يكون في غيره؛ لأن القرآن ينزل في الشيء ويحتمل على ما في معناه، وقد أسلفنا أن ابن أم مكتوم كان يخرج في الجهاد؛ لقوله تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41].

فائدة:

اختلف أهل العلم: أي الجهاد أفضل، المتطوعة أم أهل الديوان؟ فذهب الجمهور -كما قال ابن النقيب- إلى الأول، ووجه الثاني أنهم مملكون بالعطاء ينصرفون إلى الثغور بالأوامر.

فائدة:

تعلق بهذِه الآية من قال: الغنى أفضل من الفقر؛ لقوله: {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} .

(1)

رواه ابن المنذر كما في "الدر المنثور" 2/ 363.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 233.

ص: 258

‌20 - [باب] قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} الآية [النساء: 97]

4596 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الأَسْوَدِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ، فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْي، ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى بِهِ، فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ اللهُ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] الآيَةَ. رَوَاهُ اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ. [7085 - فتح: 8/ 262]

حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ، ثنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ، قَالَا: ثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الأَسْوَدِ قَالَ: قُطِعَ على أَهْلِ المَدِينَةِ بَعْث فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابن عَبَّاس فَأَخْبَرْتُهُ، فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْي، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن عَبَّاسٍ أَنّ نَاسًا مِنَ المُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ المُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ المُشْرِكِينَ على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَأتِي السَّهْمُ يُرْمَى بِهِ، فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ اللهُ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ} الآية [النساء: 97].

رَوَاهُ اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ.

الشرح:

عنى بقوله: (وغيره) ابن لهيعة، يوضحه أن ابن أبي حاتم رواه عن يونس بن عبدالأعلى، أنا عبد الله بن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي

ص: 259

الأسود فذكره

(1)

، ورواية الليث ذكرها الإسماعيلي من حديث أبي صالح، قال: حدثني الليث عن أبي الأسود.

قال الواحدي: نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا، وأظهروا الإيمان وأسروا النفاق، فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلى حرب المسلمين فقتلوا، وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم. وروى [أشعث]

(2)

بن سوار، عن عكرمة، عن ابن عباس في هذِه الآية قال: كان قوم من المسلمين بمكة فخرجوا في قوم من المشركين إلى قتال فقتلوا معهم، فنزلت هذِه الآية

(3)

.

وقال مقاتل: كانوا نفرا أسلموا بمكة منهم الوليد بن الوليد بن المغيرة، وقيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والوليد بن عتبة بن زمعة، وعمرو بن أمية بن عبد شمس، والعلاء بن أمية بن خلف، ثم إنهم أقاموا عن الهجرة وخرجوا مع المشركين إلى بدر، فلما رأوا قلة المسلمين شكوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فقال)

(4)

: غر هؤلاء دينهم وكان بعضهم نافق بمكة، فلما قتلوا ببدر قالت لهم الملائكة. وهو ملك الموت وحده: فيم كنتم؟ يقول: في أي شيء كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض يعني: كنا مقهورين، لا نطيق أن نظهر الإيمان، فقال ملك الموت: ألم تكن

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 1045.

(2)

في الأصل: أسعد، والمثبت من "أسباب النزول"، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 3/ 264 (524).

(3)

"أسباب النزول" ص 180.

(4)

كذا في الأصل، وفي "تفسير مقاتل":(قالوا).

ص: 260

أرض الله واسعة يعني: المدينة فتهاجروا فيها يعني: إليها

(1)

. زاد ابن إسحاق فيهم الحارث بن زمعة بن الأسود، والعاصي بن منبه بن الحجاج

(2)

.

وروى ابن المنذر في "تفسيره" من حديث محمد بن شريك، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس: كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يخفون الإسلام، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت فكتب إلى من بقي من المسلمين بمكة بهذِه الآية وأنه لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة ونزلت فيهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ}

(3)

الآية [العنكبوت: 10] فكتب إليهم المسلمون بذلك فحزنوا، ثم نزل فيهم {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النحل: 110]. فكتبوا إليهم بذلك ففرحوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم، فنجا من نجا، وقتل من قتل

(4)

.

فائدة:

التوفي هنا: قبض الروح خلافًا للحسن، حيث قال: هو الحشر إلى النار

(5)

. و {تَوَفَّتْهُمُ} إن شئت جعلته ماضيًا فيكون في موضع نصب،

(1)

"تفسير مقاتل"[النساء:، آية 97]، [الأنفال، الآية: 49].

(2)

"سيرة ابن إسحاق" ص 289 - 290.

(3)

في الأصل بعد قوله: {آمَنَّا بِاللهِ} (وباليوم الآخر) وعليها علامة الحذف (لا

إلى).

(4)

رواه ابن المنذر في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" 2/ 365.

(5)

انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي 2/ 177.

ص: 261

أو رفعًا على الاستقبال والمعنى تتوفاهم. الملائكة ملك الموت -كما سلف- وأعوانه، وهم ستة: ثلاثة لأرواح المؤمنين، وثلاثة لأرواح الكافرين. و {ظَالِمِي} نصب على الحال، وظلم النفس هنا: تركهم الهجرة وخروجهم مع قوم إلى بدر، ورجوعهم إلى الكفر، وقيل: بالشك الذي حصل في قلوبهم حين رأوا قلة المسلمين.

{فِيمَ كُنْتُمْ} : سؤال توبيخ وتقريع، أي: أكنتم في أصحاب محمد أم مشركين؟

وعن سعيد بن جبير في قوله: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً} قال: إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها

(1)

.

وقال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرًا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم"

(2)

.

(1)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 1047.

(2)

أخرجه الثعلبي كما في "روح المعاني" للألوسي 5/ 126.

ص: 262

‌21 - [باب] قوله: {إِلَّا [الْمُسْتَضْعَفِينَ]

(1)

مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)} (الآية)

(2)

[النساء: 98]

4597 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 98] قَالَ كَانَتْ أُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ. [انظر: 1357 - فتح: 8/ 263]

ثم ساق حديث ابن عباس السالف قريبًا، {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ} كانت أمي ممن عذر الله.

(1)

في الأصل (المستضعفون) وهو مخالف للتلاوة، وفي اليونينية 6/ 48:(المستضعفين) ليس عليها تعليق.

(2)

فوقها في الأصل: كذا.

ص: 263

‌22 - [باب] قوله: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)} [النساء: 99]

4598

- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعِشَاءَ إِذْ قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ: «اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» . [انظر: 804 - مسلم: 675 - فتح: 264].

كذا وقع في الأصول، ووقع في رواية الشيخ أبي الحسن:(فعسى الله أن يعفو عنهم) والتلاوة: {عَسَى اَللَّهُ} وكذا عند أبي ذر وغيره كما أسلفناه. وإذا أخبر الله أن يترجى شيء فهو واجب كذلك النطق به. وقال مجاهد -فيما حكاه الجُوزي- في قوله: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} هم قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام، ولم يكن لهم عجلة في الهجرة فعذرهم الله بقوله:{عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} .

ثم ساق البخاري حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الدعاء على أولئك النفر.

وقد سلف في أول الاستسقاء وفيه الدعاء في الصلاة بما ليس في القرآن خلافًا لأبي حنيفة

(1)

.

(1)

انظر: "المبسوط" 1/ 198، "بدائع الصنائع" 1/ 236 - 237، "المنتقى" 1/ 168، "طرح التثريب" 3/ 106، "المجموع" 3/ 451، "المغني" 2/ 236 - 237.

ص: 264

‌23 - [باب] قوله: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} الآية [النساء: 102]

4599 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 102] قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ كَانَ جَرِيحًا. [فتح: 8/ 264]

ثم ساق عن يعلى -وهو ابن مسلم- عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما:{إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء:102] قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ كَانَ جَرِيحًا.

رخص لهم في وضع السلاح بسبب ما يثقل عنهم حملها بسبب ما ذكر من المطر والضعف، وأمرهم بأخذ الحذر مع ذلك خشية الغفلة فيهجم عليهم.

ص: 265

‌24 - [باب] قوله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} الآية [النساء: 127]

4600 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} إِلَى قَوْلِهِ {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]. قَالَتْ: هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ، هُوَ وَلِيُّهَا وَوَارِثُهَا، فَأَشْرَكَتْهُ فِي مَالِهِ حَتَّى فِي الْعِذْقِ، فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلاً، فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ بِمَا شَرِكَتْهُ، فَيَعْضُلَهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. [انظر: 2494 - مسلم: 3018 - فتح: 8/ 265)

ثم ساق حديث عائشة السالف في أوائل هذِه السورة فراجعه.

ص: 266

‌25 - [باب] قوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الآية [النساء: 128]

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {شِقَاقَ} [النساء: 35]: تَفَاسُدٌ. {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128]: هَوَاهُ فِي الشَّيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ {كَاَلمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129]: لَا هِيَ أَيِّمٌ وَلَا ذَاتُ زَوْجٍ. {نُشُوزًا} [النساء: 128]: بُغْضًا.

4601 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128]. قَالَتِ: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا، يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ. [انظر: 2450 - مسلم: 3021 - فتح: 8/ 265]

(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {شِقَاقَ}: تَفَاسُدٌ: {الْأَنْفُسُ الشُّحَّ}: هَوَاهُ فِي الشَّيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ، {كَاَلمُعَلَّقَةِ}: لَا هِيَ أَيِّمٌ وَلَا ذَاتُ زَوْجٍ، {نُشُوزًا}: بُغْضًا).

أخرج ذلك ابن أبي حاتم بإسناده إليه.

وقيل: الشقاق: العداوة، وحقيقته أن كلًّا من المتعاديين في شق خلاف شق صاحبه.

واختلف في معنى: {خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] فقال أبو عبيدة: أيقنتم. وخطأه الزجاج وقال: لو أيقنَّا لم نحتج إلى الحكمين. و {خِفْتُمْ} على بابها.

ص: 267

وقال عطاء في {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء:128]: يعني: الشح في الأيام أو في النفقة، أي أن المرأة تشح بالنفقة على ضرائرها وأبنائهن

(1)

. وقال سعيد بن جبير: هذا في المرأة تشح بالمال والنفس

(2)

. وتفسيره المعلق بما نقله ذكره الحسن أيضًا. وقال قتادة: كالمسجونة

(3)

، والبغض في النشوز هو بسبب إساءة عشرتها ومنعها نفقته ونفسه.

ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها في تفسير النشوز، وقد سلف في المظالم. وتفسير عائشة للآية قال ابن المسيب وسليمان بن يسار: نزلت في رافع بن خديج طلق امرأته تطليقة وتزوج شابة، فلما قاربت انقضاء العدة قالت: أنا أصالحك على بعض الأيام. فراجعها، ثم لم تصبر فطلقها، ثم سألت ذلك فراجعها، فنزلت

(4)

. وسلف نحوه هناك من رواية الشافعي. وقال علي: هي المرأة تكون عند الرجل وهي دميمة أو عجوز تكره مفارقته فيصطلحان على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة

(5)

، وقد بسطنا ذلك بأكثر من هذا هناك، فراجعه.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 945.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 309.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 310.

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 307.

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 305، وابن أبي حاتم 4/ 1080.

ص: 268

‌26 - [باب] قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145]

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: أَسفَلَ النَّارِ، {نَفَقًا} [الأنعام: 35]: سَرَبًا.

4602 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: كُنَّا فِي حَلْقَةِ عَبْدِ اللَّه، فَجَاءَ حُذَيْفَةُ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ. قَالَ الأَسْوَدُ: سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ اللهَ يَقُولُ [إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ][النساء: 145] فَتَبَسَّمَ عَبْدُ اللهِ، وَجَلَسَ حُذَيْفَةُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ فَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، فَرَمَانِي بِالْحَصَا، فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: عَجِبْتُ مِنْ ضَحِكِهِ، وَقَدْ عَرَفَ مَا قُلْتُ، لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ، ثُمَّ تَابُوا فَتَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ. [فتح: 8/ 266]

(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: أَسْفَلَ النَّارِ، نَفَقًا: سَرَبًا).

أسندهما ابن أبي حاتم عنه

(1)

، ثم ساق إلى الأَسْوَدِ قال: كُنَّا فِي حَلْقَةِ عَبْدِ اللهِ، فَجَاءَ حُذَيْفَةُ حتى قَامَ عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ على قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ. قَالَ الأَسْوَدُ: سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ اللهَ يَقُولُ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] فَتَبَسَّمَ عَبْدُ اللهِ، وَجَلَسَ حُذَيْفَةُ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فتفرق أَصْحَابُهُ، فَرَمَانِي بِالْحَصَا، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: عَجِبْتُ مِنْ ضَحِكِهِ، وَقَدْ عَرَفَ مَا

قُلْتُ، لَقَدْ أُنْزِلَ الثّفَاقُ على قَوْمٍ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ، ثُمَّ تَابُوا فَتَابَ اللهُ عَلَيهِم.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1098، 1284.

ص: 269

الشرح:

ما ذكره في تفسير الدرك الأسفل هو كذلك. أي: أسفل درج جهنم. وعبارة مقاتل تعني: الهاوية. قال ناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كان فلان وفلان منافقين فتابوا منه، فكيف يفعل الله بهم؟ فنزلت:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} قال ابن مسعود: يجعلون في توابيت من حديد تغلق عليهم -وروي: من نار- ثم تطبق عليهم

(1)

، والأدراك لغة: المنازل والطبقات، والدرك بفتح الراء وإسكانها لغتان. وقرأ حمزة بالسكون

(2)

، واختار الزجاج الفتح، قال: وعليه اقتصر المحدثون، والدركات للنار، والدرجات للجنة. والنار سبعة أطباق طبق فوق طبق، سميت بذلك لتداركها وتتابع بعضها فوق بعض، وعذبوا أشد من عذاب الكافرين لاستهزائهم ومداجاتهم.

وقوله: (سَرَبًا) أي: في الأرض، له مخلص إلى مكان. النفاق هو إظهار خلاف ما يبطن، مأخوذ من النافقاء وهو موضع اليربوع، فإذا طلب (منه)

(3)

خرج من النافقاء. شبه المنافق به لخروجه من الإيمان.

ومقصود حذيفة أن جماعة من المنافقين صلحوا واستقاموا فكانوا خيرًا من أولئك التابعين لمكان الصحبة والصلاح كمجمع ويزيد ابني جارية بن عامر؛ كانوا منافقين فصلحت حالهما واستقامت، وكأنه أشار بالحديث إلى تقلب القلوب، نبه عليه ابن الجوزي. وقال ابن التين: كأن حذيفة حذرهم أن ينزع منهم الإيمان؛ لأن الأعمال بالخواتيم.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 336، وابن أبي حاتم 4/ 1098.

(2)

انظر "الحجة للقراء السبعة" 3/ 188.

(3)

علق في الهامش: لعله: (من القاصعاء).

ص: 270

وتبسم عبد الله يحتمل أن يكون عجب لحذيفة وما قام به من القول بالحق وما حذر منه.

وقوله: (كانوا خيرًا منكم ثم تابوا) يعني أنهم لما تابوا كانوا خيرًا من هؤلاء وإن كانوا من أفاضل طبقتهم؛ لأن أولئك فضلتهم الصحبة كما سلف.

خاتمة:

أشد الناس عذابًا يوم القيامة ثلاثة: المنافق لهذِه الآية، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون، قال تعالى:{فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 115]. وقال: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] روي ذلك عن عبد الله بن عمرو. وقوله: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يقل: فأولئك هم (المؤمنين)

(1)

حاد عن كلامهم غيظًا لهم.

(1)

هكذا في الأصل، والجادة: المؤمنون.

ص: 271

‌27 - [باب] قَوْلِهِ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163] إِلَى قَوْلِهِ: {وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ} [النساء: 163].

4603

- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . [انظر: 3412 - فتح: 8/ 267]

4604 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ» . [انظر: 3415 - مسلم: 2376 - فتح: 8/ 267]

هدا متصل بقوله: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} [النساء: 153] فأعلم الله أن أمره كأمر النبيين الذين قبله يوحى إليه كما يوحى إليهم.

ثم ذكر حديث أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى".

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَن قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كذَبَ.

سلفا في مناقب يونس مع الجواب عنه، وقال الداودي: يريد: لا يقول أحد ذلك، فلو أراد النبي صلى الله عليه وسلم لكان نهيه قبل أن يعلم أنه خير البشر، فيقول: كذب من قال ما لم يعلم.

ص: 272

‌28 - [باب] قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء:176]

وَالْكَلَالَةُ: مَنْ لَمْ يَرِثْهُ أَبٌ أَوِ ابن، وَهْوَ مَصْدَرٌ مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ.

4605 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ، وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ {يَسْتَفْتُونَكَ} [انظر: 4364 - مسلم: 1618 - فتح: 8/ 267]

ثم أسند عن البراء قال: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ، وَآخِرُ اَيَةٍ نَزَلَتْ {يَسْتَفْتُونَكَ} .

الشرح:

أثر البراء سلف في المغازي ويأتي في سورة براءة

(1)

، وأخرجه في الفرائض أيضا

(2)

. وظاهر ما ذكره في الكلالة أنه جعلها مصدرًا لمن لم يرثه أب أو ابن، وقد روي عن علي وزيد وابن مسعود وابن عباس أنهم قالوا: إنها من لا ولد له ولا والد

(3)

، وهو قول البصريين، قالوا: هو مثل قوله: رجل عقيم إذا لم يولد له، مأخوذ من الإكليل، كأن الورثة أحاطوا به، وليس له أب ولا ابن، وقيل: مِن كَلَّ يَكِلُّ، يقال: كلَّت

(1)

برقم (4654)، باب: قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} .

(2)

سيأتي برقم (6744).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 302، و"تفسير الطبري" 3/ 622 عن ابن عباس.

ص: 273

الرحم إذا تباعدت، وطال انتسابها، منه: كل في مشيه إذا انقطع لبعد المسافة، وقيل: إنها الورثة، فقيل: هم من سوى الولد، وقيل: والوالد، قاله أهل المدينة والكوفة. وقيل: هم الإخوة للأم، وقيل: الإخوة من كانوا، وقيل: هم من سوى الولد وولد الولد.-ذكره الداودي- وقيل: إنها المال. قاله عطاء. وقيل: الفريضة. وقيل: المال والورثة، وقال ابن دريد: هم بنو العم ومن أشبهه. وقيل: هم العصبات كلهم وإن بعدوا، وقيل: هو مصدر كما في البخاري ليس للورثة ولا للمال، قيل: مثل قولهم: قتل فلان صبرًا وأدخل كرهًا.

ووقف عمر رضي الله عنه فيها عند سؤاله؛ وقال لابن عباس: احفظ عني ثلاثًا: أني لم أقل في الكلالة ولا الجد شيئًا ولم [أستخلف]

(1)

أحدًا

(2)

. وقيل: الكلالة الميت والحي إذا لم يكن ولد ولا ولد ولد له هذا يرث بالكلالة وهذا يورث بها. قيل: وعلى قول من قال: إن بها من لا ولد له يرث الإخوة مع الأب، وهو قول شاذ. وقيل: هذِه الآية في الأخت من الأب والتي قبلها من الإخوة للأم، قال الداودي: وفي الآية دليل أن الأخت ترث مع البنت خلافًا لابن عباس القائل: إنما ترث الأخت إذا لم يكن بنت، واحتج بهذِه الآية، قال: ويدل على إرثها معها قوله: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فلو كان كما قال ابن عباس لم يرث الأخ مع البنت ولا مع البنات، وهذا لا يقوله أحد، وقد ورث الشارع البنت النصف، وبنت الابن السدس، وللأخت ما بقي.

(1)

في الأصل: (أتخلف).

(2)

رواه أحمد 1/ 20، والطيالسي 1/ 30 - 31 (26).

ص: 274

وروي أن جابر بن عبد الله قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة عام حجة الوداع: إن لي أختًا، فما آخذ من ميراثها؟ فنزلت:{يَسْتَفْتُونَكَ} الآية. وقيل: إنها من آخر ما أنزل من الأحكام رواه أبو داود

(1)

.

وفي النسائي عن جابر قال: اشتكيت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أوصي لأخواتي بالثلثين؟ قال:"أحسِن" قلت: الشطر؟ قال: "أحسِن" ثم خرج وتركني ثم دخل علي فقال: "لا أراك تموت من وجعك هذا، إن الله أنزل وبين ما لأخواتك وهو الثلثان" فكان جابر يقول: نزلت هذِه الآية فيَّ {يَسْتَفْتُونَكَ}

(2)

.

ولعبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرٍ له وإلى جانبه حذيفة فبلغها رسول الله حذيفة فبلغها حذيفة لعمر، فلما استخلف عمر سأل حذيفة عنها رجاء أن يكون عنده تفسيرها، فقال له حذيفة: أن ظننت أن إمارتك تحملني أن أحدثك فيها ما لم أحدثك، قال عمر: لم أرد هذا رحمك الله

(3)

.

وروى أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البستي من حديث طاوس: أن عمر أمر حفصة أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، فسألته، فقال:"أو لم تكفه آيه الصيف" قال سفيان: أي: {وَإِن كاَنَ رَجُلٌ يُورَث كَلَالَهً} قال: فأتت بها عمر، فقرأها، فلما بلغ {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} طرح الكتف من يده، وقال: اللهم من بينت له، فلم تبين لي

(4)

،

(1)

أبو داود (2888) عن البراء أنها آخر آيه نزلت في الكلالة.

(2)

النسائي في "الكبرى" 4/ 69 (6324).

(3)

"تفسير عبد الرزاق" 1/ 173 (661).

(4)

رواه عبد الرزاق في "المصنف" 10/ 355 (19194) عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس.

ص: 275

وقيل: إن السائل عن هذا هو عمر. حكاه المنذري، وفي أبي داود، قيل لأبي إسحاق السبيعي: آية الصيف هي من مات ولم يدع ولدًا ولا والدًا؟ قال: كذلك ظنوا أنه كذلك

(1)

، وكان الصديق يرى أن الكلالة ما عدا الوالد والولد، وعمر يرى ما عدا الولد؛ فلما طعن عمر قال: إني لأستحيي أن أخالف أبا بكر، فرجع إلى قوله

(2)

، وقيل: إن آخر كلام عمر أنها من لا ولد له ووافق الصديق ابن عباس وباقي الصحابة.

(1)

أبو داود (2889).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 381.

ص: 276

(5) ومن سورة المَائِدَةُ

[قَالَ سُفْيَانُ: مَا فِي القُرْآنِ آيَة أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: 68] مَخْمَصَة: مَجَاعَة. {وَمَنْ أَحْيَاهَا} [المائدة: 32] يَعْنِي مَنْ حَرَّمَ قَتْلهَا إلَّا بِحَق حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا. {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]: سَبِيلا وَسُنَّةً].

ص: 277

‌1 - باب {حُرُمٌ} [المائدة: 1]

وَاحِدُهَا حَرَامٌ. {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} [المائدة: 13] بِنَقْضِهِمْ {الَّتِي كَتَبَ اللهُ} [المائدة: 21] جَعَلَ اللهُ {تَبُوءَ} [المائدة: 29] تَحْمِلُ {دَائِرَةٌ} [المائدة: 52] دَوْلَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ الإِغْرَاءُ التَّسْلِيطُ {أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] مُهُورَهُنَّ. قَالَ سُفْيَانُ مَا فِي القُرْآنِ آيَة أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: 68] مَخْمَصَة: مَجَاعَةٌ. {وَمَنْ أَحْيَاهَا} [المائدة: 32] يَعْنِي مَنْ حَرَّمَ قَتْلهَا إلَّا بِحَقٍّ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا. {شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة: 48]: سَبِيلا وَسُنَّةً المُهَيْمِنُ الأَمِينُ، القُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ. [فتح: 8/ 268].

هي مدنية. قال مقاتل: نزلت نهارًا

(1)

، وقال غيره: ونزلت بعدها التوبة. وقال السخاوي. هي في الإنزال بعد براءة عند أكثر العلماء. قال: وذهب إلى أنه ليس فيها منسوخ؛ لتأخرها. وقال آخرون: فيها عشرة مواضع منسوخة، وقال بعضهم فيما حكاه الناس فيها آيه واحدة منسوخة، ثم ذكر ستة لتكملة سبعة

(2)

.

قلت: ونزلت {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} بعرفة، وآية التيمم نزلت بالأبواء. {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] نزلت بذات الرقاع و {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} إلى قوله: {مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 82 - 83] قيل: نزلت قبل الهجرة {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ}

(1)

حكاه عن ابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 267.

(2)

"جمال القراء، وكمال الإقراء" ص 295 - 302.

ص: 278

[المائدة: 11] قيل نزلت بنخلة في الغزوة السابعة. وقيل: بالمدينة في شأن كعب بن الأشرف. ذكره صاحب "مقامات التنزيل"

(1)

.

وذكر أبو عبيد، عن محمد بن كعب القرظي: أن هذِه السورة نزلت في حجة الوداع فيما بين مكة والمديثة وهو على ناقته، فأندر كتفها فنزل عنها

(2)

.

وعند الثعلبي: قرأها عليه السلام في خطبته يوم حجة الوداع قال: "يا أيها الناس، إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها"

(3)

.

(ص): {حُرُمٌ} واحدها حرام)، أي: وأنتم محرمون لئلا يحرج عليكم.

(ص): {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ} وهو من استهلال الصبي، واستهل المطر: خرج من السحاب، وأهل بالحج: تكلم به وأظهره، واستهللنا وأهللنا الهلال، كل هذا من الظهور بعضه من بعض.

(1)

هو الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الرزاي الضرير -ويقال له: البصير- وكان ولد أعمى، وكان يتوقد ذكاءً، استملى على الحافظ عبد الرحمن ابن أبي حاتم، حدث ببغداد وانتخب عليه الدارقطني، ووثقه الخطيب. آخر من مات بالري من أصحاب ابن أبي حاتم، مات في رمضان سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ونسب إليه هذا الكتاب ابن حجر في "فتح الباري" 7/ 130، والعيني في "عمدة القاري" 7/ 99.

وانظر ترجمته في "تاريخ بغداد" 4/ 435، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1048، "شذرات الذهب" 3/ 153.

(2)

"فضائل القرآن" ص 239 وفيه: (فانصدع) مكان (فأندر).

(3)

روى الحاكم موقوفًا على عائشة قالت: أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه. "المستدرك" 2/ 311.

ص: 279

هذا الحديث في بعض النسخ وجزم في "الكشاف" بأن المراد -أيضا- رفع الصوت لغير الله، وهو قولهم: باسم اللات والعزى عند الذبح

(1)

.

(ص): ({فَبِمَا نَقْضِهِمْ} فبنقضهم)، يريد أن (ما) زائدة، مثل قوله:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ} ، ودخلت (فبما) للمصدر، وكذا كل ما أشبهه، وهذا أسنده ابن المنذر عن قتادة، قال -أعني قتادة-: نقضوه من وجوه كذبوا الرسل الذين جاءوا بعد موسى وقتلوا أنبياء الله، ونبذوا كتابه وضيعوا فرائضه

(2)

.

(ص): (وقال غيره: الإغراء: التسليط) لعله: يعني بالغير غير من فسر ما قبله، وقد نقلناه عن قتادة.

وقال في "الكشاف" فأغرينا ألصقنا وألزمنا. مِنْ غرى بالشئ إذا ألزمه ولصق به. وأغراه به غيرُه. ومنه الغِراء الذي يلصق به

(3)

.

(ص): ({الَّتِي كَتَبَ اللهُ} جعل الله)، عبارة "الكشاف" قسمها وسماها، أو خط في اللوح المحفوظ أنها لكم

(4)

. و {الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} بيت المقدس أو أريحاء أو فلسطين أو دمشق والشام، وكان إبراهيم صعد جبل لبنان فقيل له: انظر، فما نظره بصرك فهو مقدس وميراث لذريتك من بعدك.

كل هذا أسنده ابن المنذر عن مجاهد.

(1)

"الكشاف" 2/ 16.

(2)

رواه ابن المنذر في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" 2/ 474 وزاد السيوطي نسبته إلى عبد بن حميد.

(3)

"الكشاف" 2/ 18.

(4)

"الكشاف" 2/ 18.

ص: 280

(ص): ({دَائِرَةٌ} دولة) رواه ابن أبي حاتم عن السدي

(1)

. (ص): (وقال سفيان ما في القرآن آيه أشد عليّ من {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} عُثِر: ظهر. الأوليان: واحدهما أولى، ومنه أولى به: أحق به. (طعامهم) ذبائحهم، هذا ثابت في بعض النسخ.

(ص): ({أُجُورَهُنَّ}: مهورهن)، أسنده ابن المنذر عن ابن عباس

(2)

.

(ص): (المهيمن: الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله) عزاه في فضائل القرآن إلى ابن عباس، وأسنده ابن أبي حاتم من حديث علي بن أبي طلحة عنه

(3)

، وأصله كما قال الخطابي مؤيمن فقلبت الهمزة هاء

(4)

، لأنها أخف، وهو على وزن: مُسيطر -أي: الشاهد على خلقه لما يكون منهم قولا وفعلا. قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} الآية [يونس: 61]، وقيل: إنه الرقيب على الشيء والحافظ له. وقال بعض أهل اللغة: الهيمنة: القيام على الشيء والرعاية له. وقال الأزهري: هو من صفات الله، أي: الشهيد الشاهد، والرقيب والحفيظ، وقيل غير ذلك

(5)

.

(ص): ({وَمَنْ أَحْيَاهَا} من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعًا {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}: سبيلا وسنة). هذا ثابت في بعض النسخ. وقال ابن عباس: {مَخْمَصَةٍ} : مجاعة، هذا أسنده ابن أبي حاتم عنه

(6)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1158.

(2)

رواه ابن المنذر كما في "الدر المنثور" 2/ 461.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1150.

(4)

"غريب الحديث" 2/ 90.

(5)

"تهذيب اللغة" 4/ 3800 (همن).

(6)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1908.

ص: 281

‌2 - [باب] قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: مَخْمَصَةٌ مَجَاعَةٌ.

4606 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَتِ الْيَهُودُ لِعُمَرَ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَإِنَّا وَاللهِ بِعَرَفَةَ. قَالَ سُفْيَانُ وَأَشُكُّ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا. {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ]. [انظر: 45 - مسلم: 3017 - فتح: 8/ 270]

ذكر فيه حديث عمر رضي الله عنه في تفسيرها، وقد سلف.

ص: 282

‌3 - باب قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [المائدة: 6]

{تَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]: تَعَمَّدُوا. {ءَآمِّينَ} [المائدة: 2]: عَامِدِينَ. أَمَّمْتُ وَتَيَمَّمْتُ وَاحِدٌ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: لَمَسْتُمْ وَتَمَسُوهُنَّ {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وَالإِفْضَاءُ: النِّكَاحُ.

4607 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟! أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، وَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا الْعِقْدُ تَحْتَهُ. [انظر: 334 - مسلم: 367 - فتح: 8/ 271]

4608 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ، فَأَنَاخَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَزَلَ، فَثَنَى رَأْسَهُ فِي حَجْرِى رَاقِدًا، أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ. فَبِي الْمَوْتُ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَوْجَعَنِي، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتُمِسَ

ص: 283

الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ، فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] الآيَةَ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر: لَقَدْ بَارَكَ اللهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَرَكَةٌ لَهُمْ. [انظر: 334 - مسلم: 367 - فتح: 8/ 272]

{فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]: تَعَمَّدُوا. {ءَآمِّينَ} [المائدة: 2]: عَامِدِينَ. أَمَّمْتُ وَتيَمَّمْتُ وَاحِدٌ.

روى ابن المنذر عن سفيان بإسناده: تيمموا: تعمدوا

(1)

. وهو القصد.

(ص): (وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: لَمَسْتُمْ وَتَمَسُوهُنَّ {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] والإِفْضَاءُ: النِّكَاحُ).

وهذا أسنده ابن المنذر عن عكرمة عنه قال: الملامسة والمباشرة، والإفضاء والرفث والجماع نكاح ولكن الله يكني، وعن سعيد بن جبير، عنه: إن اللمس والمس والمباشرة: الجماع

(2)

.

وقال ابن أبي حاتم في "تفسيره": روي عن علي وأُبيّ ومجاهد وجماعات عددهم نحو هذا

(3)

.

ثم ساق حديث عائشة في العقد والتيمم سلف في التيمم وهناك أخرجه عن عبد الله بن يوسف، أنا مالك، وهنا عن إسماعيل ثنا مالك.

ثم ساقه بطوله سواء.

ثم ذكر حديثها أيضا مختصرا نحوه.

(1)

رواه ابن المنذر في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" 2/ 298، وزاد السيوطي نسبته إلى ابن جرير، وابن أبي حاتم.

(2)

رواه ابن المنذر في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" 2/ 297.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 961 (5367).

ص: 284

والبيداء المذكورة في الحديث: المفازة، ولم تذكر عائشة فيه أنه عليه السلام قام إلى الصلاة تلك الليلة، فيحتمل أن يكونوا نزلوا ليلا فصلى ثم نام. وقال الداودي: البيداء: ذو الحليفة، وكان عليه السلام إذا قفل عرَّس فبات بها حتى يصبح، وفعله أيضا ابن عمر

(1)

.

وظاهر هذا الحديث الذي هنا في آية التيمم أنها نزلت قبل صلاتهم ونص هنا أنه بعث ناسًا في طلب القلادة فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء، ولم يجدوا ماء، فصلوا وهم على غير وضوء فنزلت.

(1)

انظر الحديث السالف برقم (484) كتاب الصلاة، باب: المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 285

‌4 - باب قَوْلِهِ: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]

4609

- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ ح. وَحَدَّثَنِي حَمْدَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] وَلَكِنِ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ. فَكَأَنَّهُ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ: أَنَّ الْمِقْدَادَ قَالَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3952 - فتح 18/ 273]

ساق فيه عن المقداد بن الأسود أنه قال يَوْمَ بَدْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ولكن امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ. فَكَأَنَهُ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. سلف في غزوة بدر.

ثم قال البخاري: وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ أَنَّ المِقْدَادَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وهذا أخرجه الدارقطني من حديث سفيان بن وكيع بن الجراح، عن أبيه، والحديث سلف في غزاة بدر في باب

(1)

عن أبي نعيم كما ساقه هنا، وزاد هنا طريقة شيخه حمدان بن عمر، وهو لقب واسمه أحمد

(1)

كذا قال، والحديث باب قبل هذا الباب المهمل، وهو باب: قول الله تعالى {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} برقم (3952).

ص: 286

أبو جعفر الحميري البغدادي البزار، انفرد به البخاري

(1)

، عن الخمسة، روى عنه هذا الحديث الواحد، ومات سنة ثمان وخمسين ومائتين بعد البخاري

(2)

، وروى ابن أبي حاتم عن علي بن طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزل موسى وقومه إلى الأرض المقدسة، وجدوا فيها مدينة فيها قوم جبارون، خلقهم خلق منكر. قيل: هي يريحا -قال أبو عبيد: ويقال لها أيضا: أريح

(3)

- فبعث اثني عشر رجلا وهم النقباء الذين ذكرهم الله ليأتوا بخبرهم، فلقيهم رجل من الجبارين فجعلهم في كسائه وحملهم حتى أتى بهم المدينة، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه

(4)

.

وفي حديث عكرمة عنه: ودخل منهم رجلان حائطًا لرجل من الجبارين فجعلهما في كمه

(5)

. وعن مجاهد: كان لا يقل عنقود عنبهم إلا خمسة رجال أو أربعة ثم قالوا لهم: اذهبوا إلى موسى وقومه

(1)

في هامش الأصل تعليق نصه: أخرج له مقرونًا فاعلمه.

(2)

هو أحمد بن عمر الحميري، أبو جعفر البغدادي المُخَرِّمي البزار السمسار المعروف بحمدان.

روى عن: أبي الجواب الأحوص بن جواب، وروح بن عبادة، وعبيد الله بن موسى وأبي نعيم الفضك بن دكين.

روى عنه: البخاري مقرونًا بغيره، وأحمد بن محمد بن الأزهر الأزهري ومحمد بن مخلد الدوري، ومحمد بن المعلى السونيزي.

قال أبو بكر الخطيب: كان ثقة.

مات سنة ثمان وخمسين ومائتين.

انظر ترجمته في "تاريخ بغداد" 4/ 285، و"تهذيب الكمال" 1/ 414 (85).

(3)

هو أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم" 1/ 142.

(4)

رواه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 2/ 479.

(5)

رواه الطبري 4/ 515 (11660) بنحوه.

ص: 287

فأخبروهم بما رأيتم فقال لهم موسى: اكتموا هذا، فلم يكتم إلا رجلان يوشع وكالب عليهما السلام وهما المذكوران في قوله:{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} الآية

(1)

[المائدة: 23].

وقال مقاتل في "تفسيره": كان في أريحا ألف قرية، في كل قرية ألف بستان، فلما دخلها النقباء خرج إليهم عوج بن عناق، فاحتملهم ومتاعهم بيده حتى وضعهم بين يدي ملكهم واسمه مانوس بن سسورك فلما نظر إليهم أمر بقتلهم فقالت امرأته: أنعم على هؤلاء المساكين ودعهم فليرجعوا وليأخذوا طريقا غير الذي جاءوا فيه فأرسلهم لها فأخذوا عنقودا من كرومهم فحملوه على عمود بين رجلين فعجزوا عن حمله وحملوا رُمانتين على بعض دوابهم، فعجزت الدابة عن حملهما فقدموا على موسى وذكروا حالهم وأن طول كل واحد منهم سبعة أذرع ونصف و (كانا)

(2)

من بقايا قوم عاد يقال لهم: العماليق.

فائدة:

قوله: {فَاذْهَبْ} يحتمل أن يعبر به عن القصد والإرادة كما تقول كلمته فذهب يجيبني، أي: قصد إجابتي. والظاهر أنهم أردوا حقيقة الذهاب كفرًا واستهانة بدليل مقابلة ذهابهم بقعودهم.

وقوله: {أَنْتَ وَرَبُّكَ} المراد هارون كما قال الداودي وكان أكبر من موسى بسنة. وقال غيره -وهو الأظهر-: أراد الرب تعالى؛ ولهذا عوقبوا.

(1)

"تفسير مجاهد" 1/ 188 - 189.

(2)

كذا بالأصل، وكتب فوقها:(كذا)، وبهامشه كتب: لعل صوابه (وكانوا).

ص: 288

فصل:

جاء هنا أن المقداد قال ذلك، وجاء أن سعد بن معاذ قاله أيضا فيجوز أن يكونا قالاه، وهنا أن ذلك يوم بدر

(1)

.

وعن قتادة -فيما ذكره الطبري- أنه كان في الحديبية حين صُدَّ

(2)

.

(1)

ورد بهامش الأصل ما نصه: وفي "صحيح مسلم" أن الذي قال نحو هذِه المقالة لكن مع حذف وزيادة سعد بن عبادة. قال أبو الفتح في "سيرته": إنما يعرف ذلك عن سعد بن معاذ. كذلك ابن إسحاق وابن عقبة وابن سعد وابن عائذ وغيرهم واختلف في شهود سعد بن عبادة بدرًا لم يذكره ابن إسحاق ولا ابن عقبة فيهم وذكره الواقدي والمدائني وابن الكلبي فيهم.

(2)

"تفسير الطبري" 4/ 521.

ص: 289

‌5 - [باب] قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} الآية [المائدة: 33]

الْمُحَارَبَةُ لله: الكُفْرُ بِهِ.

4610 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاريُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ أَبُو رَجَاءٍ -مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ- عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرُوا وَذَكَرُوا، فَقَالُوا وَقَالُوا: قَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي قِلَابَةَ وَهْوَ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ؟ أَوْ قَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلَابَةَ؟ قُلْتُ: مَا عَلِمْتُ نَفْسًا حَلَّ قَتْلُهَا فِي الإِسْلَامِ إِلاَّ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، أَوْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ عَنْبَسَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ بِكَذَا وَكَذَا. قُلْتُ: إِيَّايَ حَدَّثَ أَنَسٌ قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمُوهُ فَقَالُوا: قَدِ اسْتَوْخَمْنَا هَذِهِ الأَرْضَ. فَقَالَ: «هَذِهِ نَعَمٌ لَنَا تَخْرُجُ، فَاخْرُجُوا فِيهَا، فَاشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا» . فَخَرَجُوا فِيهَا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا وَاسْتَصَحُّوا، وَمَالُوا عَلَى الرَّاعِى فَقَتَلُوهُ، وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ، فَمَا يُسْتَبْطَأُ مِنْ هَؤُلَاءِ؟ قَتَلُوا النَّفْسَ، وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَخَوَّفُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقُلْتُ تَتَّهِمُنِي؟ قَالَ: حَدَّثَنَا بِهَذَا أَنَسٌ. قَالَ: وَقَالَ يَا أَهْلَ كَذَا، إِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا أُبْقِىَ هَذَا فِيكُمْ -أَوْ- مِثْلُ هَذَا. [انظر: 233 - مسلم: 1671 - فتح: 8/ 273]

ثم ساق حديث أبي قلابة: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، فَذَكَرُوا وَذَكَرُوا، فَقَالُوا وَقَالُوا: قَدْ أَقَادَتْ بِهَا الخُلَفَاءُ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي قِلَابَةَ وَهْوَ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُول يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ زيدٍ؟ أَوْ قَالَ: مَا تَقُول يَا أَبَا قِلَابَةَ؟ قُلْتُ: مَا عَلِمْتُ نَفْسًا حَلَّ قَتْلُهَا فِي الإِسْلَامِ إِلا رَجُلًا زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ،

ص: 290

أَوْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ عَنْبَسَةُ: ثَنَا أَنَسٌ بِكَذَا وَكَذَا. قُلْتُ: إِيَّايَ حَدَّثَ أَنَسٌ قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ.

فذكر حديث العرنيين السالف في الطهارة، وفي آخره: حَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَخَوَّفُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقُلْتُ: تَتَّهِمُنِي؟ قَالَ: حَدَّثَنَا بهذا أَنَسٌ. قَالَ: وَقَالَ: يَا أَهْلَ كَذَا، إِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا بقي هذا فِيكُمْ أَوْ مِثْلُ هذا.

وقوله هنا (فذكروا وذكروا) قد أتى مثبتًا في موضع آخر من البخاري، وهو أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا فقال لهم: ما تقولون في القسامة؟ فقالوا: نقول في القسامة: القود بها حق قد أقادت بها الخلفاء، فقال لي: ما تقول يا أبا قلابة ونصبني للناس، فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رءوس الأجناد وأشراف العرب أرأيت لو أن خمسين رجلا منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنا، ولم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه قد سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا، قلت فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا في إحدى ثلاث خصال فذكرهن فقال القوم: أو ليس قد حدث أنس بن مالك أن نفرًا من عكل

الحديث

(1)

.

وعنبسة المذكور هو: ابن سعيد بن العاصي بن أمية -أخو يحيى وعمرو الأشدق قتيل عبد الملك- أبو خالد، أخرجا له. وعنبسة بن أبي سفيان أبو الوليد من أفراد مسلم. وعنبسة بن خالد بن يزيد الأيلي انفرد به البخاري، وروى عن عمه يونس بن يزيد.

(1)

سيأتي برقم (6899) كتاب: الديات، باب: القسامة.

ص: 291

وتفسيره المحاربة أسنده ابن أبي حاتم من حديث سعيد بن جبير، عنه يعني بالمحاربة: الكفر بعد الإسلام. وفسره غيره باللص الذي يقطع الطريق، والمكابر في الأمصار الذي يحمل السلاح على المسلمين، ويقصدهم أي موضع كان، وهو قول مالك والشافعي والأوزاعي والليث وابن لهيعة. وقيل: هو قاطع الطريق، فأما المكابر في الأمصار فليس بمحارب، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.

وقال ابن الحصار: واتفق العلماء على إجراء الآية على كل محارب من المسلمين، وقال الطبري: اختلف فيمن نزلت فيه، فقال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب كانوا أهل موادعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض

(1)

، وعند أبي داود: نزلت في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه

(2)

، وكذلك قال الحسن وعكرمة: نزلت في المشركين

(3)

.

وقال قوم: نزلت في العرنيين، وفي بعض الرواية قال أنس: نزلت هذِه الآية فيهم

(4)

، وقال السدي: نزلت في سودان عرنية، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهم الماء الأصفر، فشكوا ذلك إليه الحديث ..

(5)

. وروى أنه عليه السلام أرسل جريرًا في أثرهم فأتى بهم

(6)

.

(1)

"تفسير الطبري" 4/ 547.

(2)

أبو داود (4372).

(3)

رواه عنهما الطبري في "تفسيره" 4/ 547 (11810).

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 547.

(5)

رواه الطبري 4/ 549.

(6)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 148 (11815).

ص: 292

وفيه دلالة أن قصتهم كانت متأخرة؛ لتأخر إسلام جرير

(1)

.

وقال الكلبي فيما حكاه الثعلبي:

نزلت في قوم من بني هلال، كان أبو برزة الأسلمي عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعينه ولا يعين عليه، من أتاه من المسلمين فهو آمن، فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من أسلم من قوم أبي برزة، ولم يكن أبو برزة يومئذ شاهدًا، فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزلت.

فصل:

زعم قوم أن هذِه الآية ناسخة لقصة العرنيين، قاله ابن سيرين وأبو الزناد والداودي، والأحسن أنها محكمة، وفعله كان قصاصا بالمماثلة.

فصل:

واختلف العلماء في المحارب هل هو المشرك فقط أو الفاسق بشهر السلاح أو المرتد، أو مطلقا؟ على أقوال، وهل (أو) في الآية للتنويع أو للتخيير؟

فيه قولان للعلماء، وبالأول قال الشافعي

(2)

-كما ذكرناه في الطهارة- وبالثاني قال مالك

(3)

.

(1)

قال ابن حجر في "الهدي الساري" ص 255: وروى الطبري من حديث جرير بن عبد الله البجلي أنه كان أمير السرية ولا يصح. وقال في "الفتح" 1/ 340: إسناده ضعيف، والمعروف أن جريرًا تأخر إسلامه عن هذا الوقت بمدة. والله أعلم. اهـ.

(2)

"الأم" 2/ 160.

(3)

انظر: "بداية المجتهد" 4/ 1758 - 1759.

ص: 293

فصل:

الخصال الثلاث المذكورة في الحديث قد جاء في أحاديث أخر زيادة عليها، منها: حد الساحر ضربه بالسيف

(1)

، ومنها: إذا بويع بخليفتين فاقتلوا الآخِر منهما

(2)

، ومنها: قتل اللائط

(3)

.

(1)

رواه الترمذي (1460) من حديث جندب ضعفه الألباني في "الضعيفة"(1446).

(2)

رواه مسلم (1853) كتاب الإمارة، باب: إذا بويع لخليفتين.

(3)

رواه أبو داود (4462)، والترمذي (1456)، وابن ماجه (2561) وأحمد 1/ 300 من حديث ابن عباس بلفظ:"اقتلوا الفاعل والمفعول به". صححه الألباني في "صحيح الجامع "(6589).

ص: 294

‌6 - [باب] قَوْله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائده:45]

4611 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ -وَهْيَ عَمَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَطَلَبَ الْقَوْمُ الْقِصَاصَ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقِصَاصِ. فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ -عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-: لَا وَاللهِ لَا تُكْسَرْ سِنُّهَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ» . فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ» . [انظر: 2703 - مسلم: 1675 - فتح 8/ 274]

ذكر فيه حديث الربيع، وقد سلف في الصلح.

والجروح قد قرئت بالرفع والنصب في السبعة

(1)

(1)

نصبه نافع وعاصم وحمزة، ورفعه الباقون، وحجة من رفع الجروح أنه عطفه على ما قبله إن كان يقرأ برفع ما قبله، وإن كان يقرأ، بنصب ما قبله فإنما يرفعه على الابتداء والقطع عما قبله {قِصَاصٌ} خبر موضع الجملة وموضعها.

انظر: "الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها" 1/ 409.

ص: 295

‌7 - [باب] قوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآية [المائدة: 67]

4612 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَقَدْ كَذَبَ، وَاللهُ يَقُولُ:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] الآيَةَ [انظر: 3234 - مسلم: 177 - فتح: 8/ 275]

ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ كَذَبَ، وهو يَقُولُ:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67].

شيخه فيه محمد بن يوسف وهو الفريابي كما صرح به أبو نعيم، عن سفيان وهو الثوري، وروى الواحدي عن أبي سعيد: أنها نزلت يوم غدير خم في علي فأخذ بيده وقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه"

(1)

وقال مقاتل: نزلت في اليهود، وكان نزولها بعد أحد كما في "الكشاف"

(2)

وقيل: نزلت في عيينة بن حصن وفقراء أهل الصفة، وقيل:{بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} في أمر نسائك أي: زينب بنت جحش وهو مذكور في البخاري

(3)

وقيل: نزلت في الجهاد لما كرهه من كرهه وقيل: الرجم والقصاص. وقيل: من حقوق المسلمين، فلما نزلت خطب في حجة الوداع ثم قال:"اللهم هل بلغت؟ ".

(1)

"أسباب نزول القرآن" ص 204.

(2)

"الكشاف" 2/ 47.

(3)

لعله يشير إلى حديث رقم (7420) في كتاب: التوحيد، باب:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .

ص: 296

‌8 - [باب] قَوْله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} الآية [المائدة: 89]

4613 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنِ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة:89] فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لَا وَاللهِ، وَبَلَى وَاللهِ. [6663 - فتح: 8/ 275]

4614 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ أَبَاهَا كَانَ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ. قَالَ أَبُو بَكْر: لَا أَرَى يَمِينًا أُرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا؛ إِلاَّ قَبِلْتُ رُخْصَةَ اللهِ، وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. [6621 - فتح: 8/ 275]

ذكر فيه عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لَا والله، وَبَلَى والله.

هذا الحديث أخرجه أبو داود مرفوعا وصححه ابن حبان

(1)

، وشيخ البخاري فيه هو: ابن سلَمة -كما في الأصول- اللَّبَقي وكذا صرح به أبو مسعود وغيره، وذكر فيه حديث عائشة أيضا أن أباها كان لا يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين قال أبو بكر: لا أرى يمينا أرى غيرها خيرا منها إلا قبلت رخصة الله وفعلت الذي هو خير.

قلت: وروي عنها أيضا: هو أن يحلف على الشيء ثم يجده على خلاف ما ظن، وهو قول مالك وأبي حنيفة، والأول قول إسماعيل القاضي وغيره. قال الداودي: وقول عائشة الثاني تفسير للأول.

وليس قوله هذا ببيِّن بل هو اختلاف، وروى ابن المنذر، عن ابن جريج قال: بلغني أن رجلا من الأنصار -وهو ابن رواحة- كان

(1)

أبو داود (3254)، "صحيح ابن حبان" 10/ 176 (4333).

ص: 297

له أيتام وضيف، فأقبل بعد ساعة من الليل، فقال: عشيتم أضيافي؟ قالوا: انتظرناك. قال: فوالله لا آكله الليلة. وقال ضيفه: وما أنا بالذي آكل وقال أيتامه: ونحن كذلك فلما رأى عبد الله ذلك أكل وأكلوا، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "أطعتَ الرحمن وعصيتَ الشيطان"

(1)

. وروى ابن أبي حاتم، عن زيد بن أسلم أن ابن رواحة لما فعل ذلك أنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}

(2)

.

في "تفسير الجوزي" لما نزل {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] قالوا: يا رسول الله، كيف نصنع بأيماننا يعني: حلفهم على ما اتفقوا عليه فنزلت الآية، قال ابن عباس: اتفاقهم كان على الصوم نهارا والقيام ليلا. قال مقاتل: وكانوا عشرة حلفوا على ذلك أبو بكر وعمر وعلي والمقداد وعثمان بن مظعون وأبو ذر وسلمان وابن مسعود وعمار وحذيفة وسالم مولى أبي حذيفة وقدامة. زاد أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البُستي: عبد الله بن عمرو بن العاص.

فائدة:

{عَقَّدتُّمُ} : شدده أهل الحجاز وأهل البصرة -أي: وكدتم- واختارها أبو حاتم، وقرأ أهل الكوفة بالتخفيف، واختاره أبو عبيدة؛ لأن التشديد في التكرير مرة بعد مرة وقرأ أهل الشام (بما عاقدتم)

(3)

.

(1)

رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 499 (16045) وابن أبي شيبة 3/ 115 (12624)، والحربي في "إكرام الضيف" ص 46 عن مجاهد.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 14/ 1187 - 1188.

(3)

قال في "الكشف عن وجوه القراءات السبع" 1/ 417 قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بالتخفيف، وقرأ ابن ذكوان بألف بعد العين مخففًا، وقرأ الباقون مشددًا من غير ألف. وانظر "تفسير الطبري" 5/ 14.

ص: 298

فائدة:

اللغو ما لا يعتد به ولا يحصل على فائدة، وقيل: معناه الإثم أي: لا يؤاخذكم بالإثم بما كفرتم. وقال ابن جبير: هو الرجل يحلف على المعصية. وقال إبراهيم: هو أن ينسى. وقال زيد بن أسلم: هو قول الرجل: أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا ونحوه.

قال ابن عباس: هو أن يحرم ما أحل الله له فليس عليه فيه كفارة، وقال طاوس والقاضي إسماعيل: هو أن يحلف وهو غضبان

(1)

.

وعند الشافعي (

)

(2)

جمعهما فالأولى لغو؛ لأنها غير مقصودة، والثانية منعقدة؛ لأنها استدراك مقصود منه. نبه عليه الماوردي

(3)

.

فائدة:

الكفارة في اليمين مقيدة مرتبة بالنسبة إلى الصوم والإطعام عندنا لكل مسكين مد في جميع الكفارات، وقال أبو حنيفة: إن أطعم من الحنطة فنصف صاع، ومن غيره فصاع

(4)

. قال علي: يكفي الغداء والعشاء ولا يدفع لكافر خلافا لأبي حنيفة

(5)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1190 - 1191، وانظر "تفسير الماوردي" 2/ 286 - 287.

(2)

كلمة مطموسة في الأصل. ولعلها: في يمينين.

(3)

"الحاوي" 15/ 288 - 289.

(4)

انظر: "بدائع الصنائع" 5/ 101 - 102.

(5)

انظر: "بدائع الصنائع" 5/ 104.

ص: 299

‌9 - [باب] قوله: {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]

4615 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلَا نَخْتَصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَرَخَّصَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ قَرَأَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} . [المائدة: 87]. [5071، 5075 - مسلم: 1404 - فتح 8/ 276]

ذكر فيه حديث عبد الله، وهو ابن مسعود رضي الله عنه قال: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلَا نَخْتَصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ورَخَّصَ لنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نتَزَوَّجَ المَرْأَةَ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ قَرَأَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} [المائدة: 87].

قد سلف الكلام على المتعة في غزوة خيبر، ويأتي في النكاح.

ص: 300

‌10 - [باب] قَوْله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ} [المائدة: 90]

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {وَالْأَزْلَامُ} [المائدة: 90]: القِدَاحُ يَقْتَسِمُونَ بِهَا فِي الأُمُورِ. وَالنُّصُبُ: أَنْصَابٌ يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: الزُّلَمُ: القِدْحُ لَا رِيشَ لَهُ، وَهُوَ وَاحِدُ الأَزْلَامِ. وَالِاسْتِقْسَامُ: أَنْ يُجِيلَ القِدَاحَ فَإِنْ نَهَتْهُ انْتَهَى، وَإِنْ أَمَرَتْهُ فَعَلَ مَا تَأُمُرُهُ. وَقَدْ أَعْلَمُوا القِدَاحَ أَعْلَامًا بِضُرُوبٍ يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا، وَفَعَلْتُ مِنْهُ: قَسَمْتُ، وَالْقُسُومُ المَصْدَرُ.

4616 -

حَدَّثَنَا إِحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيز، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ، مَا فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ. [5579 - فتح: 8/ 276]

4617 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: مَا كَانَ لَنَا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ. فَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلَانًا وَفُلَانًا، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَهَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ. قَالُوا: أَهْرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ يَا أَنَسُ. قَالَ: فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلَا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ. [انظر: 2464 - مسلم: 1980 - فتح 8/ 277]

4618 -

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: صَبَّحَ أُنَاسٌ غَدَاةَ أُحُدٍ الْخَمْرَ، فَقُتِلُوا مِنْ يَوْمِهِمْ جَمِيعًا شُهَدَاءَ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا. [انظر: 2815 - فتح: 8/ 277]

4619 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَر، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

ص: 301

أَمَّا بَعْدُ. أَيُّهَا النَّاس، إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. [5581، 5588، 5589، 7337 - مسلم: 3032 - فتح: 8/ 277]

(وقال ابن عباس: الأزلام: القِدَاحُ يَقْتَسِمُونَ بِهَا فِي الأُمُورِ). كذا أسنده ابن المنذر وابن أبي حاتم، قال: وروي عن الحسن وغيره نحوه

(1)

، وقد سلف إيضاحه.

(ص): النصب والأنصاب: أصنام يذبحون عليها، وصله ابن أبي حاتم

(2)

والطبري

(3)

أيضا.

(ص): غيره الزلم: القدح لا ريش له، وهو واحد الأزلام، والاستقسام: أن يحيل القداح، فإن نهته انتهى، وإن أمرته فعل ما تأمره، وقد أعلموا القداح أعلاما بضروب يستقسمون بها، وفعلت منه: قسمت، والقَسوم المصدر.

الزلم -بفتح الزاي واللام وفيه لغة أخرى، وهي ضم الزاي وقوله:(لا ريش له) عبارة ابن فارس. القداح: السهم بلا قذذ ولا نصل، والقدح الواحد من قداح الميسر

(4)

. وظاهرها مغاير.

والنصب: واحد الأصنام ولذا تكون بسكون الصاد، ونصب بفتح النون، قال القتبي: هو حجر كانت الجاهلية تنصب وتذبح عنده فيجمد الدم. والميسر: القمار.

ثم ساق البخاري حديث ابن عمر: نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَإِنَّ فِي

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1198.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1198.

(3)

"تفسير الطبري" 4/ 414 - 415.

(4)

"مجمل اللغة" 2/ 746.

ص: 302

المَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ، مَا فِيهَا شَرَابُ العِنَبِ. كذا رواه، وذكر بعدُ عن والده عمر خمسة فذكر العنب ولا مخالفة، فكل واحد روى ما حفظ من الأصناف كما قاله الداودي، واعترضه ابن التين فقال: ليس ببيّن لأن ابن عمر لم يبين شيئا، ولم يترك صنفا إنما تركه عمر.

وما قاله ليس بالبين فقد ذكره عمر. كما ستعلمه، وهذا الحديث من رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن نافع، عنه. قال الحميدي: ليس له عن نافع عنه في "الصحيح" غيره

(1)

.

ثم ساق حديث أنس رضي الله عنه: مَا كَانَ لنَا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ هذا الذِي تُسَمُّونَهُ الفَضِيخَ. وإنّى لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلَانًا وَفُلَانًا، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَهَلْ بَلَغَكُمُ الخَبَرُ؟ .. الحديث سلف في المظالم بنحوه وأخرجه مسلم. وقوله: (أَهرق هذِه القلال) هو بفتح الهمزة والهاء وكسر الراء. وذكره ابن التين بلفظ: إن الخمر (الذي)

(2)

أهريقت

(3)

. ثم قال: صوابه هريقت أو أريقت، وأما الجمع بين الهاء والهمزة فليس بجيد؛ لأن الهاء بدل من الهمزة فلا يجمع بينهما.

وقوله: (غير فضيخكم) يريد الغالب من الخمر الفضيخ وغيرها بسر، والفضيخ: البسر يشدخ ويترك في وعاء من غير أن تمسه نار. وقال ابن فارس: هو رطب يشدخ وينبذ

(4)

.

(1)

"الجمع بين الصحيحين" 2/ 285.

(2)

فوقها في الأصل (كذا) فأثبتناها كما هي، والجادة أن تكتب (التي) كما هي في الباب التالي.

(3)

هي لفظ حديث الباب التالي مباشرة. فلعل ابن التين بادر بشرحه هنا وعنه نقل المصنف. والله أعلم.

(4)

"مجمل اللغة" 2/ 723.

ص: 303

والقلة: الكوز اللطيف الذي تقله اليد ولا يثقل عليها. قالها الخطابي. وزاد: القلة أيضا: الجرة يقلها الرجل القوي

(1)

. والذي قال أهل اللغة: أن القلة ما يقله الإنسان من جرة أو حبٍّ من غير تحديد

(2)

.

وفيه العمل بخبر الواحد وامتناع التخليل خلافا لأبي حنيفة، فإن خللت جاز أكلها عند مالك خلافا لنا.

ثم ساق حديث جابر: صَبَّحَ أُنَاسٌ غَدَاةَ أُحُدٍ الخَمْرَ، فَقُتِلُوا مِنْ يَوْمِهِمْ جَمِيعًا شُهَدَاءَ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا. سلف معناه في المظالم من حديث أنس

(3)

، والمغازي والجهاد

(4)

.

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ عُمَرَ على مِنْبَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ. أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ العِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ.

وذكره في الاعتصام والأشربة وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي

(5)

وقد سلف الجمع بينه وبين حديث ابنه ابن عمر أول الباب.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1837 - 1838.

(2)

"الفائق" 3/ 184.

(3)

سلف برقم (2464) باب: صب الخمر في الطريق.

(4)

سلف في الجهاد برقم (2815) باب: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا} وفي المغازي برقم (4044) باب: غزوة أحد.

(5)

أبو داود (3669)، الترمذي (1874)، النسائي 8/ 295.

ص: 304

‌11 - [باب] قوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93]

4620 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَان، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي أُهْرِيقَتِ الْفَضِيخُ. وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِى: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا. قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَكَانَتْ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ فِي بُطُونِهِمْ! قَالَ فَأَنْزَلَ اللهُ {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]. [انظر: 2464 - مسلم: 1980 - فتح: 8/ 278]

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ الخَمْرَ التِي أُهْرِيقَتِ الفَضِيخُ.

وزادني مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ .. الحديث.

وقد سلف في المظالم، رواه هناك عن محمد بن عبد الرحيم، أنا عفان، ثنا حماد، وسياقه هنا أعلى.

وأبو النعمان: هو محمد بن الفضل السدوسي عارم. وروى مرة عن رجل، عنه -كما وقع لمسلم والأربعة- قال البخاري: تغير بآخره

(1)

، وكان بعيدًا من العرامة وهي الشدة والقسوة.

(1)

"التاريخ الكبير" 1/ 208.

ص: 305

وأخرجه أيضا في الأشربة

(1)

، ومحمد هذا هو ابن سلام -كما جاء معرفا به في بعض النسخ

(2)

.

(1)

سيأتي برقم (5582).

(2)

وقع في هامش "اليونينية": البيكندي، وعليها رمز أبي ذر. وهي التي اعتمدها ابن حجر، وقال في "الفتح" 8/ 279: وقوله: (وزادني في محمدٌ البيكندي عن أبي النعمان) كذا ثبتت لأبي ذر، وسقط لغيره: البيكندي. ومراده أن البيكندي سمعه من شيخهما أبي النعمان بالإسناد المذكور فزاده فيه زيادة.

والحاصل أن البخاري سمع الحديث من أبي النعمان مختصرًا، ومن محمد بن سلام البيكندي عن أبي النعمان مطولًا. وتصرف الزركشي فيه غافلًا عن زيادة أبي ذر فقال: القائل (وزادني) هو الفربري، و (محمد) هو البخاري، وليس كما ظن رحمه الله وإنما هو كما قدمته. اهـ

ص: 306

‌12 - [باب] قَوْلِهِ: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية [المائدة: 101]

4621

- حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، قَالَ:«لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» . قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: فُلَانٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].

رَوَاهُ النَّضْرُ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ. [انظر: 93 - مسلم: 2359 - فتح: 8/ 280]

4622 -

حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ -تَضِلُّ نَاقَتُهُ-: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّهَا. [فتح: 8/ 280]

ذكر فيه: حَدَّثنَا مُنْذِرُ بْنُ الوَلِيدِ بْنِ (عَبْدِ الرَّحْمَنِ)

(1)

الجَارُودِيُّ، أنا أَبِي، ثنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَطَبَ النبي صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، قَالَ:"لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا". قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: فُلَانٌ، فَنَزَلَتْ هذه الآيَةُ:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].

رَوَاهُ النَّضْرُ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ.

(1)

في الأصل: (عبد الحميد) وهو خطأ.

ص: 307

هذا الحديث أخرجه أيضا في الرقاق والاعتصام

(1)

، ومسلم والترمذي والنسائي

(2)

، ورواية النضر أخرجها مسلم عن جمع، عنه منهم: محمود بن غيلان. وأخرجه الإسماعيلي من حديث خلاد بن أسلم عنه، ورواية روح ستأتي في الاعتصام عن محمد بن عبد الرحيم، عنه

(3)

. ومسلم عن محمد بن معمر عنه.

والخنين هو بخاء معجمة. قال النووي في "شرح مسلم": هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة

(4)

.

قال القرطبي: وهو المشهور وهو خروج الصوت من الأنف بغنة، وعند العذري بحاء مهملة

(5)

، وممن ذكرها القاضي

(6)

وصاحب "التحرير". وقال الخطابي: الحنين بكاء دون الانتحاب. قلت: وأصله من حنين المرأة وهو نزاعها إلى ولدها، وإن لم يكن عند ذلك صوت. وقال ابن فارس: وقد يكون حنينها صوتها، ويدل عليه ما جاء في الحديث من حنين الجذع

(7)

.

قال الخطابي: وقد يجعلون الحنين والخنين واحدًا، لأن الحنين من الصدور، والخنين -بالخاء معجمة- من الأنف. ومنه قول الشاعر:

(1)

سيأتي في الرقاق برقم (6468) باب القصد والمداومة على العمل، وبرقم (6486) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم

".

ويأتي في الاعتصام برقمي (7294 - 7295) باب: ما يكره من كثرة السؤال.

(2)

الترمذي (3056)، النسائي في "الكبرى" 6/ 338 (11154).

(3)

سيأتي برقم (7295).

(4)

"شرح صحيح مسلم" 15/ 112.

(5)

"المفهم" 6/ 165.

(6)

"إكمال المعلم" 7/ 330.

(7)

"مجمل اللغة" 1/ 219.

ص: 308

.... فلن يرجع الموتى خنين المآتم

(1)

.

قلت: هو الفرزدق يخاطب زوجة ومات لهما ابنان، وأوله:

فما ابناك إلا من بني الناس فاعلمي .....................

وهذا صرح به القزاز يعني: أنهما بمعنى.

وأنشد المبرد هذا البيت -بالحاء المهملة- قال: وأنشد له أيضا بالخاء المعجمة

(2)

، وعند ابن سيده: الخنين من بكاء النساء دون الانتحاب، وقيل: هو تردد البكاء حتى يصير في الصوت غنة. وقيل: هو رفع الصوت بالبكاء، وقيل: صوت يخرج من الأنف خن يخن خنينًا. [والخنين]

(3)

أيضا: الضحك إذا أظهره الإنسان فخرج خافيًا والفعل كالفعل

(4)

، وقال في الحاء المهملة: الحنين: الشديد من البكاء والطرب، وقيل: هو صوت الطرب، كان ذلك عن حزن أو فرح

(5)

.

فصل:

قيل: الآية نزلت في قوم كانوا يسألونه عليه السلام استهزاء. وسيأتي بعد، وقيل: قال رجل: يا نبي الله، أفرض الحج كل سنة؟ قال:"لو قلتها لوجبت ولو وجبت فتركتموها لكفرتم"

(6)

.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1840.

(2)

"الكامل في اللغة والأدب" 1/ 187.

(3)

ليست بالأصل، والمثبت من "المحكم".

(4)

"المحكم" 4/ 376.

(5)

"المحكم" 2/ 373.

(6)

أصله في مسلم (1337) كتاب: الحج، باب: الحج مرة في العمر.

ص: 309

وروى أحمد من حديث أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] قال: الحج في كل عام يا رسول الله؟ فسكت، فنزلت {لَا تَسْئلُواْ} الآية

(1)

.

وقيل: نزلت في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة، ألا ترى أنه بعده {مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ} قاله سعيد بن جبير حكاه ابن أبي حاتم وقال مقسم: هي فيما سألت الأمم أنبياءها عن الآيات

(2)

.

تنبيه:

إنما نهى عن السؤال؛ لأنه تعالى أحب الستر؛ رحمة لعباده، وأحب أن لا يقترحوا المسائل.

فائدة:

قيل: القائل: من أبي؟! هو عبد الله بن حذافة السهمي بما ذكره البخاري في الاعتصام

(3)

، وقيل: أخوه قيس فيما ذكره العسكري.

وقال مقاتل: نزلت في عبد الله بن جحش وعبد الله بن حذافة كما قال عليه السلام: "يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج" فقال عبد الله: في كل عام؛ .. الحديث، وفيه:"أيها الناس إن الدنيا قد رفعت لي ورفعت لي أنساب العرب. فأنا أنسبهم رجلا رجلا"(فقام)

(4)

رجل، فقال: يا رسول الله، أين أنا؟ قال:"في الجنة" ثم قام آخر فقال: يا رسول الله أين أنا؟

(1)

"المسند" 1/ 113.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1218.

(3)

سيأتي برقم (7294).

(4)

في الأصل: فقال.

ص: 310

قال: "في الجنة" ثم قام آخر فقال مثل ذلك، فقال:"في النار" فقام ابن حذافة وكان يطعن فيه، فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال:"حذافة" ثم قام رجل من بني عبد الدار فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال:"سعد" نسبه إلى غير أبيه، فقام عمر فقال: يا رسول الله، استر علينا ستر الله عليك، فإنا قوم قريب عهد بالشرك، فنزلت الآية.

ثم قال البخاري: (حدثنا الفضل بن سهل) وهو الأعرج الثقة مات سنة خمس وخمسين ومائتين ببغداد، (ثنا أبو النضر) هاشم بن القاسم مات ببغداد أيضا سنة سبع ومائتين، (ثنا أبو خيثمة) وهو زهير بن معاوية الحافظ مات بعد السبعين ومائة، فلج قبل موته بنحو سنة، (ثنا أبو الجويرية) وهو حطان بن خفاف بن زهير الكوفي تابعي، (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟

فأنزل الله هذِه الآية) حتى فرغ من الآية كلها، وقد أسلفنا هذا أولا، وهذا في البخاري خاصة.

ص: 311

‌13 - [باب] قوله: {مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: 116]

{وَإِذْ قَالَ اَللَّهُ} [المائدة: 116] يَقُولُ: قَالَ اللهُ. {وَإِذْ} [المائدة: 116]، هَا هُنَا صِلَةٌ، المَائِدَةُ أَصْلُهَا مَفْعُولَةٌ؛ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ وَالْمَعْنَى: مِيدَ بِهَا صَاحِبُهَا مِنْ خَيْرٍ، يُقَالُ: مَادَنِي يَمِيدُنِي. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55] مُمِيتُكَ.

4623 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: الْبَحِيرَةُ: الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ، لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ» . وَالْوَصِيلَةُ: النَّاقَةُ الْبِكْرُ، تُبَكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الإِبِلِ، ثُمَّ تُثَنِّي بَعْدُ بِأُنْثَى. وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهُمْ لِطَوَاغِيتِهِمْ إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ. وَالْحَامِ فَحْلُ الإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ، فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ، وَأَعْفَوْهُ مِنَ الْحَمْلِ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَسَمَّوْهُ الْحَامِيَ. وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: سَمِعْتُ سَعِيدًا قَالَ: يُخْبِرُهُ بِهَذَا قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3521 - فتح: 8/ 283]

4624 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْكَرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ

ص: 312

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَرَأَيْتُ عَمْرًا يَجُرُّ قُصْبَهُ، وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ» . [انظر: 1044 - مسلم: 901 - فتح: 18/ 283]

{وَإِذْ قَالَ اللهُ} أي: يقول الله، {وَإِذْ} هنا صلة)، هو كما قال.

(ص): (المائدة أصلها مفعولة كعيشة راضية وتطليقة بائنة، والمعنى: ميد بها صاحبها من خير يقال: مادني يميدني). هذا قول أبي عبيد أنها مأخوذة من العطاء

(1)

.

وقال الزجاج: هي مدى من ماد يميد إذا تحرك

(2)

، وقيل: هي من مادني يميدني إذا أنعشني فكأنها ناعشة، وقيل: من ماد يميد إذا أطعم وهي متقاربة سوى قول الزجاج، وهي سفرة حمراء عليها سمكة مشوية بلا فلوس

(3)

ولا شوك وعند رأسها ملح، وعند ذنبها خل، وحولها من جميع البقول إلا الكراث وخمسة أرغفة على واحد زيتون وآخر سمن، وآخر عسل، وآخر قديد، وآخر جبن.

وأغرب مجاهد فقال: ما نزلت وهذا مثل ضرب

(4)

، وحلف الحسن عليه أن القوم لما سمعوا الشرط استغنوا، وقالوا: لا نريد

(5)

، والصواب ما سلف.

وقال كعب: نزلت يوم الأحد فلذلك اتخذه النصارى عيدًا

(6)

.

(1)

هو في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 182.

(2)

"معاني القرآن وإعرابه" 2/ 220.

(3)

هكذا في الأصل و"الكشاف" 2/ 75، وفي "تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1247، و"الدر المنثور" 2/ 611: ليس عليها بواسير، وليس في جوفها شوك

(4)

رواه ابن أبي حاتم 4/ 1248 (7033).

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 135.

(6)

البغوي في "تفسيره" 2/ 458.

ص: 313

وقال أبو حاتم: المائدة الطعام بعينه، والعوام يظنونها الأخونة، واحدته خوان.

وقوله: (وتطليقة بائنة) غير ظاهر إلا أن يريد المطلق أبان الطلقة وأعلم بها، وإلا فالظاهر أنها فرقت بين الزوجين فتكون فاعلة على بابها.

(ص): (وقال ابن عباس: {مُتَوَفِّيكَ}: مميتك) هذا رواه ابن أبي حاتم من حديث علي بن طلحة عنه. وهذا اللفظ هو في سورة آل عمران، وفيها {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} قال وهب -كما حكاه ابن أبي حاتم: توفاه الله حين رفعه

(1)

.

ثم ساق عن ابن المُسَيِّبِ قَالَ: البَحِيرَةُ: التِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ، لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ".

ما ذكره في البحيرة قال ابن عباس: فهذا إذا نتجت خمسة أبطن

(2)

، وقال ابن فارس: سبعة أبطن

(3)

وكان آخرها ذَكَرًا شقوا أذنها وخلوها لا تمنع من مرعى ولا شراب وعمدوا إلى الخامس فنحروه فأكله الرجال خاصة، قيل: والنساء

(4)

، وإن كانت أنثى استحيوها وتركوها مع ابنها بعد شقهم أذن الأم وتركهم الانتفاع بها للنساء فقط، وإن كان ميتة اشترك فيها الرجال والنساء.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 661.

(2)

رواه الطبري 5/ 90، وابن أبي حاتم 4/ 1220.

(3)

"مجمل اللغة" 1/ 117.

(4)

هكذا في الأصل، والذي في التفاسير: أنه يأكله الرجال دون النساء.

ص: 314

واختلف في اشتقاقها قيل: من بحر: إذا شق. وقيل: هذا من الاتساع في الشيء.

والسائبة كما ذكره، وهي المخلاة تذهب حيث شاءت، وكان الرجل إذا قدم من سفر أو برأ من مرض قال: ناقتي سائبة فكانت كالبحيرة، وقيل: هو ما ينذره إذا برأ من مرضه [ ..... ]

(1)

فلا ولاء عليه.

والوصيلة: الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة أو سبعة، وكان الأخير ذكرًا ذبحوه للآلهة، وأكل منه الرجال والنساء، فإن كانت أنثى استحيوها وإن كان ذكرًا وأنثى استحيوهما جميعا، وقال: إنها وصلت أخاها ولم يشرب من لبنها إلا الذكور، وتلا ابن عباس رضي الله عنهما:{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ} الآية [الأنعام: 139]. وقيل: إنها إذا ولدت ستة أبطن عدتهن عناقين، وفي السابع عناقًا واحدًا. حكاه الهروي.

والحامي: البعير إذا ولد وَلَدُ ولده، قالوا قضى ما عليه وحمى ظهره، فيترك. وقيل: إذا أدرك من ولده عشرة فحول، قالوا: حمى ظهره، فخلي.

فصل:

وقوله: ("عمرو بن عامر") إنما هو عمرو بن لحي. واسم لحي ربيعة ابن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، وقيل: لحي بن ربيعة ابن إلياس بن مضر، نبه عليه الدمياطي.

و"قصبه" واحد الأقصاب: الأمعاء.

(1)

كلمة غير واضحة بالأصل. يُشبه أن تكون (فيعد). وعبارة "الفتح" 8/ 284: كان الرجل ينذر إن برئ من مرضه أو قدم من سفره ليسيبن بعيرًا.

ص: 315

فصل:

(ص): والوصيلة: الناقة البكر تبكر أول نتاج الإبل، ثم تثني بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. والحامي: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي قد سلف ذلك، وقيل في الغنم خاصة وقد سلف.

ثم قال: (وقال أبو اليمان: أنا شعيب، عن الزهري. قال: سمعت سعيدًا قال: يخبره بهذا). قلت: سلف في الفضائل تصريحه لسماعه له من أبي اليمان بقوله: حدثنا أبو اليمان

(1)

.

(قال: وقال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم .. نحوه).

(ورواه ابن الهادي، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه). قلت: أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من حديث الليث عن ابن الهادي به.

ثم ساق من حديث يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَرَأَيْتُ عَمْرًا يَجُرُّ قُصْبَهُ، وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ". ومعنى يحطم: يكسر.

(1)

سلف برقم (3521) كتاب: المناقب، باب: قصة خزاعة.

ص: 316

‌14 - [باب] قوله: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} الآية [المائدة: 117]

4625 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً -ثُمَّ قَالَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] إِلَى آخِرِ الآيَةِ- ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلَا وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي. فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117] فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ» . [انظر: 3349 - مسلم: 2860 - فتح: 8/ 286]

ساق فيه حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أيّهَا النَّاسُ إِنَّكُئم مَحشُورُونَ إلى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً .. " الحديث سلف في مناقب إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ويأتي في سورة الأنبياء والرقاق

(1)

، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي

(2)

.

والأغرل: الذي لم يختتن فبقيت معه غرلته، وهي القلفة والجلدة التي تقطع في الختان، كما سلف هناك بلغاته.

(1)

سيأتي في تفسير سورة الأنبياء برقم (4740)، وفي الرقاق برقم (6526) باب: كيف الحشر.

(2)

الترمذي (3167)، والنسائي 4/ 117.

ص: 317

قال الداودي: في قوله: "يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال" إلى آخره لعلهم منافقون، وقيل: هم مسلمون قصروا في بعض الحقوق. ومعنى "مرتدين على أعقابهم" أي: مقصرين في بعض المنازل، وهو أشبه بقوله:"لا تدري ما أحدثوا بعدك" والمنافقون كانوا كذلك، وأيضا بقوله:"من أمتي" وليسوا من أمته.

ص: 318

‌15 - [باب] قَوْلِهِ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} إلى قوله: {الْحَكِيمُ} [المائدة:118]

4626 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الُمغِيرَةُ بْنُ النّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ، وَإِنَّ نَاسًا يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: 117] إِلَى قَوْلِهِ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]. [انظر: 3349 - مسلم: 2860 - فتح: 8/ 286]

ذكر فيه حديث ابن عباس المتقدم، وهو يبين أن قول عيسى صلى الله عليه وسلم:{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} الآية على جهة التسليم لله، وقد علم أنه لا يغفر لكافر، وقال المبرد: المعنى وإن تغفر لهم كذبهم عليَّ. وقال الزجاج: علم عيسى أن فيهم من آمن، فالمعنئ: إن تعذبهم على كفرهم وفريتهم فقد استحقوا ذلك، وإن تغفر لمن تاب منهم بعد الافتراء والكفر

(1)

.

وقول من قال: إن عيسى لم يعلم أن الكافر لا يغفر له فأخبر. (يبعد)

(2)

لأن الأخبار لا تنسخ. وقيل: علم عيسى أنهم يعصون بعده، فقال: وإن تغفر لهم ما أحدثوا من المعاصي.

(1)

"معاني القرآن وإعرابه" 2/ 224.

(2)

غير واضحة بالأصل ولعل الصواب ما أثبتناه. والله أعلم.

ص: 319

(6) ومن سُورَةِ الأَنْعَامِ

قاَلَ ابن عَبَّاسٍ: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} مَعْذِرَتَهُمْ. {مَعْرُوشَاتٍ} : مَا يُعْرَشُ مِنَ الكَرْمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. {حَمُولَةً} [الأنعام: 142]: مَا يُحْمَلُ عَليْهَا. {وَلَلَبَسْنَا} [الأنعام: 9]: لَشَبَّهْنَا. {وَيَنْئَوْنَ} [الأنعام: 26]: يَتَبَاعَدُونَ. {تُبْسَلَ} : تُفْضَحُ {أُبْسِلُواْ} [الأنعام: 142]: أُفْضِحُوا. {بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} البَسْطُ الضَّرْبُ. {اسْتَكْبَرْتُمْ} : أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا. {مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ} : جَعَلُوا لله مِنْ ثَمَرَاتِهِمْ وَمَالِهِمْ نَصِيبًا، وَلِلشَّيْطَانِ وَالأَوْثَانِ نَصِيبًا. {أَكِنَّةً} [الأنعام: 25] وَاحِدُهَا كِنَانٌ {أَمَّا اشْتَمَلَتْ} يَعْنِي هَلْ تَشْتَمِلُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَلِمَ تُحَرِّمُونَ بَعْضًا وَتُحِلُّونَ بَعْضًا؟ {مَسْفُوحًا}: مُهْرَاقًا. {وَصَدَفَ} : أَعْرَضَ. (أُبْلِسُوا): أُوِيسُوا. وَ {أُبْلِسُوا} : أُسْلِمُوا. {سَرمَدًا} : دَائِمًا. {اسْتَهْوَتْهُ} : أَضَلَّتْهُ. {يَمْتَرُونَ} : يَشُكُّونَ. {وَقْرٌ} : صَمَمٌ، وَأَمَّا الوِقْرُ: الحِمْلُ. {أَسَاطِيرُ} وَاحِدُهَا أُسْطُورَةٌ وَإِسْطَارَةٌ وَهِيَ التُّرَّهَاتُ. {الْبَأْسَاءُ} مِنَ البَأْسِ، وَيَكُونُ مِنَ البُؤْسِ. {جَهْرَةً} مُعَايَنَةً. {اَلصُّورِ} جَمَاعَةُ صُورَةٍ، كَقَوْلِهِ: سُورَةٌ وَسُوَرٌ. {مَلَكُوتَ} : مُلْكٌ، مِثْلُ: رَهَبُوتٍ خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ، وَيَقُولُ: تُرْهَبُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُرْحَمَ. {وَإن تَعْدِلْ} : تَقْسِطْ، لَا يُقْبَلْ مِنْهَا فِي ذَلِكَ اليَومِ {جَنَّ}

ص: 320

أَظْلَمَ. {تَعَالَى} : عَلا يُقَالُ على اللهِ حُسْبَانُهُ أَيْ: حِسَابُهُ، وَيُقَالُ:{حُسْبَانًا} مَرَامِيَ. وَ {رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} ، {مُسْتَقَرٌّ} فِي الصُّلْبِ وَ {وَمُسْتَوْدَعٌ} فِي الرَّحِمِ. القِنْوُ: العِذْقُ، وَالِاثْنَانِ قِنْوَانِ، وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَانٌ، مِثْلُ صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ. {أَكِنَّةً} واحدها كنان.

هي مكية، قال ابن عباس: غير ست آيات، وروى ابن المنذر أنها نزلت ليلًا، وحولها سبعون ألف ملك، يجأرون بالتسبيح

(1)

، وعن مجاهد: خمسمائة ملك يرعونها ويحفونها

(2)

، وعنه: خمسمائة ألف ملك

(3)

. ذكره أبو محمد البستي، وروي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما ثلاث آيات منها نزلت بالمدنية وهي من قوله:{قُلْ تَعَالَوْا} إلى قوله: {تَتَّقُونَ} ، وهي المحكمات، وعن الكلبي: إلا قوله: {مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ} الآية.

وقال قتادة: قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ، والأخرى:{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ} وذكر ابن العربي أن قوله: {قُلْ لَا أَجِدُ} نزلت بمكة يوم عرفة

(4)

، وفي الدارمي عن عمر: الأنعام من نواجب القرآن

(5)

.

وقيل: اْختلف في تسع آيات منها {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ} ، {وَلَا

(1)

رواه ابن المنذر في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" 3/ 3.

(2)

عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 4 إلى عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ.

(3)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 196 (770).

(4)

"أحكام القرآن" 2/ 764.

(5)

"سنن الدارمي" 4/ 2141 (3444).

ص: 321

تَطْرُدِ} إلى {رَّحِيمٌ} ، {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} إلى {يُحَافِظُونَ} ، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} و {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ} إلى آخر ثلاث آيات منها، قاله صاحب "مقامات التنزيل"، ونزلت هذِه السورة بعد الحجر وقبل الصافات، ذكره السخاوي

(1)

وقيل: إنها نزلت جملةً

(2)

.

(ص)(قال ابن عباس {فِتْنَنُهُمْ}: معذرتهم). أسنده ابن أبي حاتم من حديث علي بن أبي طلحة عنه

(3)

، قال الزجاج: تأويلها لطيف جدًّا، أخبر الله بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم، ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حين رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك

(4)

.

(ص)({وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} ما يعرش من الكرم وغير ذلك)، هو كما قال، وقيل: معروشات مرفوعات على العرائش وقيل: ما يقوم على ساق، {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}: ما يبسط على وجه الأرض.

(ص) قوله: (ما يحمل عليها) أسنده ابن المنذر، عن علي بن أبي طلحة، عنه

(5)

يريد من إبل وخيل وبغال وحمير وكل ما حمل عليه. هذا

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص (8).

(2)

عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 3، عن ابن عمر إلى الطبراني وابن مردويه وعن أسماء بنت يزيد كذلك، وعن ابن عباس إلى ابن الضريس، وعن علي إلى البيهقي في "الشعب" والخطيب في "تاريخه".

ورواية علي هذِه وقفت عليها في "الشعب" 2/ 470، وفي "تاريخ بغداد" 7/ 271. ورواية اين عباس وقفت عليها في "الكبير" للطبراني 12/ 215 (129308) ورواية ابن عمر في "المعجم الصغير" 1/ 145 (220) و"الحلية" لأبي نعيم 2/ 44.

ورواية أسماء بنت يزيد في "المعجم الكبير" 24/ 178 (449) وفي أسانيدها كلام، فلتراجع.

(3)

في "تفسير ابن أبي حاتم" 14/ 1273 عن عطاء الخراساني عنه.

(4)

"معاني القرآن" 2/ 235 - 236.

(5)

انظر "الدر المنثور" 3/ 95.

ص: 322

قول جماعة وقال الضحاك: الحمولة من الإبل والبقر

(1)

، وقيل: هي الإبل التي تطيق الحمل.

واختلف في الفرش، فقيل: صغار الإبل، وقيل: الغنم، وقال ابن فارس: الحمولة: الإبل بأثقالها، والفرش من الأنعام: التي لا تصلح إلا للذبح

(2)

.

(ص)({وَلَلَبَسْنَا} لشبهنا). هذا رواه ابن المنذر، عن ابن عباس.

(ص)({وَيَنْئَوْنَ} يتباعدون). رواه ابن أبي حاتم من حديث عطاء، عنه

(3)

، زاد الجوزي عنه: نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذى نبيه ويتباعد عنه. وفي رواية الوالبي عنه: نزلت فى كفار مكة ينهون الناس عن اْتباعه، ويتباعدون بأنفسهم عنه.

(ص)({وأُبْسِلُواْ}: أفضحوا، {تُبْسَلَ} تفضح). رواه ابن المنذر عن علي، عن ابن عباس أيضا، وقال الإسماعيلي:{أبسلوا} : أسلموا، ولا معنى لقوله: فضحوا؛ لقوله:

(وإبسالي)

(4)

بني بغير جرم

بعوناه ولا بدم مراق

ولما ذكر ابن التين قوله: ({وأُبْسِلُواْ}: أفضحوا) قال: وقال أيضا: (أُسلِمُوا)، وقيل: أهلكوا، وقيل: ارتهنوا، وقيل: جيزوا. وهي متقاربة، ومعنى أُسلموا: أي بعلمهم لا يقدرون على التخلص

(5)

،

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 373 (14066).

(2)

"مجمل اللغة" 1/ 252 مادة [حمل] 3/ 715 مادة [فرش].

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 14/ 1278 (7207) من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.

(4)

بهامش الأصل كتب: كذا أنشده الجوهري: وإبسالي.

(5)

انظر "معاني القرآن" للزجاج 2/ 261.

ص: 323

ومنه استبسل فلان للموت، وأنشد لعوف بن الأحوص فذكر البيت السالف، ومعنى بعوناه بالعين غير معجمة، أي: جنيناه، والبَعْو

(1)

: الجناية.

(ص)({بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} البسط: الضرب)، هذا أسنده ابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضًا

(2)

.

(ص)({اسْتَكْثَرْتُمْ}: أضللتم كثيرًا)، هو كما قال.

(ص)({مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ} جعلوا لله من ثمراتهم وأموالهم نصيبا، وللشيطان والأوثان نصيبا، {أَمَّا اشْتَمَلَتْ} يعني: ما تشتمل على ذكر أو أنثى، فَلِمَ تُحِلّون بعضا وتحرمون بعضًا؟ {مَسْفُوحًا} مهراقًا {وَصدَفَ}: أعرض (أبلسوا)

(3)

أويسوا، (وأبسلوا): أسلموا، {سَرْمَدًا} دائمًا) هذا كله أسنده ابن المنذر إلى ابن عباس.

(ص)({اسْتَهْوَتْهُ} أضلته).

(ص)({يَمْتَرُونَ}: يشكون. {وَقْراً} صمما، وأما الوقر فالحمل. {أَسَاطِيرُ} واحدها أسطورة وإسطارة، وهي الترهات) أي: الأباطيل جمع ترهة. قاله أبو زيد، وأُسطورة بضم الهمزة، وإسطارة بكسرها.

(ص)({الْبَأْسَاءِ} من البأس، ويكون من البؤس)، أي: الفقر وسوء الحال، وقيل البؤس: الضر، والبأس: القتال، ذكره الداودي.

(ص)({وَإِنْ تَعْدِلْ}: تقسط) كذا قال، والذي يظهر أن المراد: وإن تَفْدِ كل فداء، والعدل: الفدية، وقد صرح به في "الكشاف"

(4)

.

(1)

في الأصل: ولا البَعْو.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1348 (7635).

(3)

في الأصل: أبسلوا.

(4)

"الكشاف" 2/ 103.

ص: 324

(ص){الصُّورِ} جمع صورة كقولك: سورة وسور)، هذا قول أهل اللغة، والذي ذكره المفسرون أن الصور قرن ينفخ فيه إسرافيل.

(ص)({مَلَكُوتَ}: ملك، مثل: رهبوت خير من رحموت، وتقول ترهب خير من أن ترحم {جَنَّ} أظلم، {تَعَالَى}: على، (تعدلون): تجعلون له عدلا).

({حُسْبَانًا} حسابا)، أي: جمع حساب، (يقال: على الله حسبانه، أي: حسابه ويقال {حُسْبَانًا} : مرامي و {رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} )، قلت: يسيران بحساب معلوم لإتمامه.

(ص)({فَمُسْتَقَرٌّ} في الصلب {وَمُسْتَوْدَعٌ} في الرحم)، أسنده ابن أبي حاتم، عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية

(1)

، وذكره ابن عزير، والذي ذكره أكثر المفسرين عكسه، حتى قال سعيد بن جبير: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: إن الله سبحانه يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه

(2)

.

وقال الحسن: مستقر في القبر، ومستودع في الدنيا، يوشك أن يلحق بصاحبه

(3)

.

وقال ابن مسعود: المستقر: الرحم، والمستودع: الأرض التي يموت بها

(4)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1356 (7635).

(2)

رواه بنحوه عبد الرزاق في "المصنف" 7/ 147 (12581) والطبري في "التفسير"

5/ 283 (13636)، و"الحاكم" 2/ 160 وأصله سيأتي برقم (5069).

(3)

رواه الطبري في "التفسير" 5/ 286 (13663).

(4)

رواه الطبري في "التفسير" 5/ 282 (13621)، والطبراني 9/ 208 (9016).

ص: 325

وقيل: مستقر في الأرحام إلى الوقت المؤقت لكم، ومستودع في الأصلاب لم يخلق بعد، قال الزجاج: الأكثر في القراءة فتح القاف، وقد قرئ بكسرها

(1)

، ومستودع بالفتح لا غير، وجائز أن يكون معناه: مستقر في الدنيا موجود، ومستودع في الأصلاب لم يخلق بعد. وجائز أن يكون مستقر في الأحياء، ومستودع في الثرى.

(ص (القنو: العِذق، والاثنان قنوان، والجماعة أيضا قنوان، مثل صنو وصنوان).

أسند ابن المنذر عن قتادة: القنو: العِذق، وأسند ابن أبي حاتم عن ابن عباس: القنوان الدانية: قصار النخل المتدانية عذوقها بالأرض

(2)

.

(1)

قرأها بالكسر ابن كثير وأبو عمرو. انظر "الحجة" للفارسي 3/ 364، "الكشف" 1/ 442.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 1354 (7705).

ص: 326

‌1 - [باب] قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59]

4627 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ: إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِير» . [انظر: 1039 - فتح: 8/ 291]

ذكر فيه حديث سَالِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنه عليه السلام قَالَ:"مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ .. " الحديث سلفَ في آخر الاستسقاء من حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعا، ويأتي في سورة الرعد ولقمان والاعتصام

(1)

.

ورواه عبد الرزاق في "تفسيره"، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله ابن عبد الله، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه

(2)

.

والمفاتح: جمع مَفْتَح وهو المفتاح، وقيل: جمع مِفْتح، وهو القرن، أي: عنده الوصلة إلى علم الغيب، وكل ما لا يعلم إذا استعلم يقال فيه: افتح عليَّ، وعبارة السدي: خزائن الغيب

(3)

، ومقاتل: غيب العذاب متى ينزل بكم

(4)

.

(1)

سيأتي برقم (4697) كتاب: التفسير، باب: قوله: {اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} ، وبرقم (4778) باب: قوله: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} ، وبرقم (7379) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)} .

(2)

"تفسير عبد الرزاق" 2/ 88 (2297).

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 210 (13308).

(4)

ذكره عنه البغوي في "التفسير" 3/ 150.

ص: 327

وعبارة غيرهما: ما غاب عن ابن آدم من خزائن الأرض والرزق والمطر والئواب.

وما أحسن من قال: إنه الشقاوة والسعادة.

وقيل: أي: عنده معرفة المطر يفتحه ليخلقه، وقيل: عواقب الأعمال وخواتم الأعمال.

وقيل: هي ما لم يكن بعد أنه يكون ثم لا يكون، وما يكون كيف يكون.

ولما كانت المفاتح يوصل بها إلى ما في المخازن المستوثق منها بالإغلاق والإقفال، ومن علم مفاتحها وكيف يفتح توصل إلى علم المغيبات كمن عنده مفاتح أقفال المخازن، وهو عالم بفتحها.

ومفاتح الغيب خمس -كما ذكر في الحديث- لا يعلمها إلا الله، وذكر عن الطبري أنه استدل بأحاديث لا يحتج بمثلها في الأحكام أنه بقي من الدنيا من الهجرة نصف يوم من أيام الآخرة، وهو خمسمائة عام، قال: وتقوم الساعة، ويعود الأمر إلى ما كان عليه قبل أن يكون شيء غير الباري ولا يبقى غير وجهه

(1)

. وهذا عجيب منه، والمشاهدة تدفعه.

وقال الداودي: إنه كفر ظاهر لا يحتمل تأويلا، وجعل يذكر في كتابه ما رواه المتركون ويؤول ظاهر القرآن والسنن الثابتة التي تخالف حكايته، انتهى.

وليس في كلام الطبري نفي البعث، وإنما قال: يبقى الأمر كما كان قبل أن يكون شيء، لعله يريد: ثم يكون البعث والحساب.

(1)

"تاريخ الطبري" 1/ 18، 42.

ص: 328

فائدة:

روى الطبري أن الرشيد رأى في منامه ملكا أو نبيا، فسأله عن وقت موته، فأشار بأصابعه الخمس، فعبره بعضهم بالشهور، وبعضهم بالسنين، وبعضهم بالأيام، وفسره أبو يوسف القاضي بما في "الإبانة"

(1)

وقال: إنه إشارة إليه أن الله عنده علم الساعة .. إلى آخرها. فكأنه قال: هذا من العلوم التى لا يعلم حقيقتها إلا الله، فسري عنه.

(1)

غير منقوطة في الأصل فلعلها ما أثبتناه.

ص: 329

‌2 - [باب] قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا} إلى قوله: {يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65] الآيَةَ

{يَلْبِسَكُمْ} [الأنعام: 65]: يَخلِطَكُمْ مِنَ الالْتِبَاسِ. {يَلْبِسُواْ} [الأنعام: 82]: يَخْلِطُوا. {شِيَعاً} [الأنعام: 65]: فِرَقًا.

4628 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» . قَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَهْوَنُ» . أَوْ «هَذَا أَيْسَرُ» . [7313، 7406 - فتح: 8/ 291]

ثم ساق حديث جابر عن شيخه أبي النعمان -هو محمد بن الفضل عارم السالف- قال: لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الَايَةُ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ". قَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قَالَ: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ". {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هذا أَهْوَنُ". أَوْ قال "هذا أَيْسَرُ".

الشرح:

هذا الحديث يأتي في التوحيد والاعتصام، وأهمل خلف الاعتصام، وقوله:({شِيَعًا} فرقا)، أي: مختلفة لا متفقة، وقال ابن عباس:{مِنْ فَوْقِكُمْ} : الرجم {مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} : الخسف، أي: كقارون، وإغراق آل فرعون، والأول كالحجارة المرسلة على قوم لوط وأصحاب الفيل

(1)

.

(1)

ذكره ابن الجوزي في "تفسيره" 3/ 59.

ص: 330

وكالماء المنهمر الذي نزل لإغراق قوم نوح. وقيل: {مِنْ فَوْقِكُمْ} من أكابركم، وسلاطينكم {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} من سفلتكم وعبيدكم

(1)

. وقيل {مِنْ فَوْقِكُمْ} حبس المطر {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} منع النبات.

وقوله: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} يعني: الفتن والاختلاف، قاله مجاهد

(2)

.

وقوله عليه السلام: "هذا أهون -أو- أيسر" أي لأن الفتن بين المخلوقين وعذابهم أهون من عذاب الله، وبالفتن ابتليت هذِه الأمة وذلك أنه عليه السلام سأل ألا يظهر على أمته عدو من غيرهم فأعطيها، والثانية فأعطيها، وهذِه فمنعها

(3)

. ولعلهم ابتلاهم بذلك؛ ليكفر عنهم.

(1)

روى الطبري 8/ 218 (13352، 13353) بنحوه عن ابن عباس.

(2)

رواه الطبري 5/ 239 (13356).

(3)

رواه مسلم (2890) كتاب: الفتن، باب: هلاك هذِه الأمة، من حديث سعد بن

أبي وقاص.

ص: 331

‌3 - باب {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ [بِظُلْم]

(1)

} الآية

4629 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَنَزَلَتْ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13][انظر: 32 - مسلم: 294 - فتح: 8/ 294]

ذكر فيه حديث عبد الله رضي الله عنه: لما نزلت هذِه الآية قال أصحابه: فأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} سلف في الإيمان أوائل الكتاب، وأخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء، ويأتي في تفسير سورة لقمان، وفي استتابة المرتدين

(2)

.

والمراد بالظلم في الآية: الشرك.

وفيه: أن المعاصي لا توجب الخلود ولا تمنع دخول الجنة.

(1)

وردت في الأصل: بسوء، والمثبت من "اليونينية".

(2)

سلف برقم (3360) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} ، وسيأتي برقم (4776) باب:{لَا تُشْرِكْ بِاللهِ} ، وبرقم (6918) باب: إثم من أشرك ..

ص: 332

‌4 - باب قَوْلِهِ: {وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}

4630 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ -يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . [انظر: 3395 - مسلم: 2377 - فتح: 8/ 294]

4631 -

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . [انظر: 3415 - مسلم: 2376 - فتح: 8/ 294]

ذكر فيه حديث أبي العالية رفيع بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى".

وحديث أبي هريرة: "ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى".

وقد سلف مع جوابه وأخرجهما في أحاديث الأنبياء. وكذا مسلم، وأخرج الأول في التوحيد

(1)

.

(1)

سيأتي برقم (7539) باب: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه.

ص: 333

‌5 - [باب] قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ [هَدَى]

(1)

اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}

4632 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَفِي «ص» سَجْدَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ تَلَا {وَوَهَبْنَا} [الأنعام: 84] إِلَى قَوْلِهِ: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنْهُمْ. زَادَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ؛ فَقَالَ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِىَ بِهِمْ. [انظر: 3421 - فتح: 8/ 294]

وذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: في سجدة {ص} وقد سلف في بابه مع الكلام عليه ويأتي في تفسير {ص}

(2)

وسلف في أحاديث الأنبياء، وزيادة العوام هنا عن مجاهد أسندها في سورة {ص} وهي سجدة شكر عندنا.

وفي قوله: ({فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}) دلالة أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يُنسخ.

وقيل: أمر بالاقتداء بهم في العقائد فقط. والهاء في {اقْتَدِهْ} للسكت؛ لئلا يتوقف على متحرك. واختلفوا إذا وصل؛ فقرأ حمزة والكسائي (اقْتَدِ) بحذف الهاء. والباقون بإثباتها ساكنة. وابن عامر من بينهم كسرها. وروى هشام عنه مدها وقصرها

(3)

.

والهدى هنا: السنة.

(1)

وردت في الأصل: هداهم، والمثبت من "اليونينية".

(2)

سيأتي برقم (4806)، (4807).

(3)

انظر: "حجة القراءات" ص (260).

ص: 334

‌6 - [باب] قَوْله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} الآية

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146]: البَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ. {الْحَوَايَا} [الأنعام: 146] المباعر. وَقَالَ غَيْرُهُ: {هَادُوا} [الأنعام: 146] صَارُوا يَهُودا، و {هُدْنَآ} [الأعراف: 156] تُبْنَا. وهَائِدٌ: تَائِبٌ.

4633 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ عَطَاءٌ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، لَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوهَا» .

وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، كَتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ، سَمِعْتُ جَابِرًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2236 - مسلم: 1581 - فتح: 8/ 295]

الشرح:

ما ذكره عن ابن عباس أسنده ابن المنذر من حديث علي بن أبي طلحة عنه، وهو قول المفسرين.

قال قتادة: وهو من الطير ما لم يكن مشقوق الظفر نحو البط وشبهه

(1)

. وهو عند أهل اللغة من الطير ما كان ذا مخلب، ودخل في ذا ما يصطاد بظفره من الطير، وجميع أنواع الكلاب والسباع والسنانير واختاره الزجاج

(2)

أنها ذوات الظلف كالإبل، وما ليس بذي أصابع ومنفرجة كالأوز والبط.

(1)

رواه الطبري 5/ 382 (14102) وفيه: وكل شيء ليس بمشقوق الأصابع.

(2)

"معاني القرآن" 2/ 301.

ص: 335

وقال ابن زيد: وذوات الظفر الإبل فقط

(1)

. وقال القتبي: هو كل ذي مخلب من الطير وحافر من الدواب، وحكاه عن بعض المفسرين وقال: سمي الحافر ظفرًا على الاستعارة

(2)

.

والشحوم: شحوم الثرب -وهو المِعَى- وقيل: الذي لم يختلط بعظم، وقيل: شحوم الكلى.

والظفر بضم الظاء والفاء، وقرأ الحسن بكسر الظاء وإسكان الفاء، وقرأ أبو السمَّال

(3)

بكسرها، وهي لغة.

وقوله: ({أَوِ الْحَوَايَا}: المباعر) وهو من تتمة قول ابن عباس كما سلف من طريق ابن المنذر، وعن الضحاك: الحوايا: المرابض

(4)

. وقيل: ما تحويه البطن، واجتمع واستقر. وقيل: بنات اللبن. وقيل: المِعَى والمصارين التي عليها الشحم.

فصل:

ثم ذكر البخاري حديث عطاء، وهو ابن أبي رباح، عن جابر رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قاتل الله اليهود، لما حرم الله عليهم شحومها جملوها، ثم باعوها فأكلوها"

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 382 (14106).

(2)

"تأويل مشكل القرآن" ص 153.

(3)

ورد بهامش الأصل: أبو السمَّال بفتح السين المهملة، ثم ميم مشددة، وفي آخره لام واسمه قعنب أبو سمية، عدوي مقرئ بصري له حروف شاذة لا يعتمد على نقله ولا يوثق به قاله الذهبي في "ميزانه" في الكنى. ا. هـ. ["الميزان" 6/ 208 (10269) وفيه أن اسمه معتب].

(4)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1411 (8037).

ص: 336

وقال أبو عاصم: ثنا عبد الحميد، وهو ابن جعفر فذكره. سلف ذلك كله قبل السلام

(1)

، وادعى ابن التين أنه وقع هنا لحومها بدل شحومها وأنه غلط والذي رأيناه شحومها فقط؛ كما أسلفناه. وأجملوه: أذابوه، يقال: أجملته وجملته وجملت بمعنى أذبت.

(1)

عليها في الأصل: (كذا)، وفي الهامش: ما في الأصل فيه نظر، وتطريف هذا الحديث فيها خرجه في البيوع والمغازي عن قتيبة، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء، عن جابر، وفي التفسير -هذا المكان- عن عمرو بن خالد، عن الليث ببعضه:"قاتل الله اليهود" إلخ، وفي البيوع: وقال أبو عاصم: ثنا عبد الحميد بن جعفر عن يزيد قال: كتب إليَّ عطاء. فذكره.

ص: 337

‌7 - باب قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}

4634 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ:«لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ، لِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ» . قُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ وَرَفَعَهُ؟ قَالَ نَعَمْ. [4637، 5220، 7403 - مسلم: 2760 - فتح: 8/ 295]

ذكر حديث عَمْرٍو -يعني: ابن مرة- عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ:"لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ، لِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ". قُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَرَفَعَهُ؟ قَالَ نَعَمْ.

هذا الحديث يأتي في تفسير سورة الأعراف والتوحيد والنكاح، وأخرجه مسلم، والترمذي والنسائي

(1)

.

الشرح:

قال قتادة: في قوله: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} ظاهرها وعلانيتها

(2)

، وكانوا يسرون الزنا بالحرة، ويظهرونه بالأمة، وقيل:{مَا ظَهَرَ} : الخمر، {وَمَا بَطَنَ}: الزنا

(3)

، وعند الماوردي: الظاهر: فعل الجوارح، والباطن: اعتقاد القلب

(4)

، وقيل: هي عامة

(1)

الترمذي (3530)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 342 (11173).

(2)

رواه الطبري 5/ 392 (14148).

(3)

هو قول الضحاك رواه عنه الطبري 5/ 392 (14151).

(4)

"تفسير الماوردي" 2/ 186.

ص: 338

في الفواحش ما أعلن منها فأظهر وما بطن فعل سرًّا، وقيل:{مَا ظَهَرَ} : ما بينهم وبين الخلق، {وَمَا بَطَنَ}: بينهم وبين الخالق، وقيل:{مَا ظَهَر} : العناق والقبلة، {وَمَا بَطَنَ}: النية.

والغيرة -بفتح الغين- الأنفة والحمية، وحكى البكري كسرها. قال النحاس: أن يحمي الرجل زوجته وغيرها من قرابته، ويمنع أن يدخل عليهن أو يراهن غير ذي محرم، وهو ضد الديوث والقُنْذُع. وقال ابن التياني في "موعبه": رجل غيران من قوم غيارى -بفتح الغين وضمها. قال صاحب "المطالع": معناه: تغير القلب وهيجان الحفيظة بسبب المشاركة في الاختصاص من أحد الفرجين بالآخر، هذا في حق الآدميين، وأما في حق الله تعالى فقد جاء مفسرًا من كلام نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام:"وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه"

(1)

، أي: غيرته منعه وتحريمه، ولما حرم الله تعالى الفواحش وتوعد عليها، وصفه عليه السلام بالغيرة، قال:"من غيرته أن حرم الفواحش".

وحب الله المدح ليس من جنس ما نفعل من حب المدح، وإنما الرب تعالى أحب الطاعات ومن جملتها مدحه ليثيب على ذلك، فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح ونحن نحب المدح لننتفع به ويرتفع قدرنا في قومنا، فظهر أن من غلط العامة قولهم: إذا كان الله يحبه فكيف لا نحبه نحن، نبه على ذلك ابن عقيل.

(1)

سيأتي برقم (5223) كتاب: النكاح، باب: الغيرة.

ص: 339

‌8 - [باب] قَوْلِهِ: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} [الأنعام: 150]

لُغَةُ أَهْلِ الحِجَازِ: هَلُمَّ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ.

هو قول أبي عبيدة، زاد: وأهل نجد يقولون للواحد: هلم، وللمرأة: هلمي، وللاثنين: هلما، والقوم: هلموا، والنساء: هلمن

(1)

.

قال أبو البقاء: فعلى الأول يكون اسمًا للفعل وبنيت؛ لوقوعها وقوع الأمر المبني، ومعناها: أحضروا شهداءكم، وعلى الثاني يكون فعلًا

(2)

، وقال ابن مالك: إذا كانت متعدية تكون بمعنى: هاتوا، وإذا كانت غير متعدية فتكون بمعنى: تعال.

(1)

"مجاز القرآن" 1/ 208.

(2)

"التبيان في إعراب القرآن" 1/ 363.

ص: 340

‌9 - [باب]{وَكِيلٌ} [الأنعام: 102]

حَفِيظٌ وَمُحِيطٌ بِهِ.

{قُبُلاً} [الأنعام: 111]: جَمْعُ قَبِيلٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ ضُرُوبٌ لِلْعَذَابِ، كُلُّ ضَرْبٍ مِنْهَا قَبيلٌ. {زُخْرُفَ الْقَوْلِ} [الأنعام: 112]: كُلُّ شَيْءٍ حَسَّنْتَهُ وَوَشَّيْتَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَهْوَ زُخْرُفٌ. {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: 138]: حَرَامٌ، وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهْوَ حِجْرٌ مَحْجُورٌ، وَالْحِجْرُ: كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيْتَهُ، وَيُقَالُ لِلأُنْثَى مِنَ الخَيْلِ: حِجْرٌ. وَيُقَالُ لِلْعَقْلِ: حِجْرٌ وَحِجًى. وَأَمَّا الحِجْرُ: فَمَوْضِعُ ثَمُودَ، وَمَا حَجَّرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الأَرْضِ: فَهُوَ حِجْرٌ، وَمِنْهُ سُمِّيَ حَطِيمُ البَيْتِ حِجْرًا، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَحْطُومٍ، مِثْلُ قَتِيلٍ مِنْ مَقْتُولٍ، وَأَمَّا حَجْرُ اليَمَامَةِ: فَهْوَ مَنْزِلٌ.

(ص)((وكيل): حفيظ ومحيط به)، يريد {لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 66]، ونزل هذا قبل الأمر بالقتال، وأما قوله:{تَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلاً} [الإسراء: 2]، قيل: يكون شريكا، أي: تكون أموركم إليه، وقيل: كافٍ، وقيل: كفيل.

(ص)({قُبُلًا} جمع قبيل) هو بضم القاف، قال ابن التين: ضبط في بعض الأمهات بكسر القاف وفتح الباء وليس ببين، وإنما يكون جمعًا إذا كان بضم القاف والباء.

ثم قال البخاري: (والمعنى أنه ضروب من العذاب كل ضرب منها قبيل).

قلت: بمعنى كفيل، أي: لو كفل لهم الملائكة وغيرهم بصحة هذا، لم يؤمنوا، كقوله:{أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} [الإسراء: 92].

ص: 341

وقيل: يجوز أن يكون معنى (قبلا) مقابلًا، مثل:{إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يوسف: 26] ومعنى قِبَلا بكسر القاف وفتح الباء: معاينة

(1)

، وقُبُلا استئنافًا.

(ص)({زُخْرُفَ}: كل شيء حسنته أو وشيته وهو باطل فهو زخرف). أصل الزخرف الذهب، ثم جعلوا كل مزين مزخرفًا منه، أو يكون كذهب من زخرف أي من ذهب. وقيل: أصله التزيين، وكذلك قيل للذهب: زخرف.

(ص)({وَحَرْثٌ حِجْرٌ}: حرام، وكل ممنوع فهو حِجْر محجور، والحِجْر: كل بناء بنيته، ويقال للأنثى من الخيل: حِجْر، ويقال للعقل: حِجْر وحِجى، وأما الحجر: فموضع ثمود، وما حجَّرت عليه من الأرض: فهو حِجْر، ومنه سُمِّيَ حطيم البيت: حِجْرًا، كأنه مشتق من محطوم، مثل قتيل من مقتول، وأما حَجْر اليمامة: فهو منزل)

قلت: حجر اليمامة -بفتح الحاء- قصبة اليمامة. وحجْر الإنسان بالفتح والكسر. والحجر: الحرام -مثلث الحاء- والكسر أفصح. قاله الجوهري

(2)

، وقرئ بهن في قوله:{وَحَرْثٌ حِجْرٌ}

(3)

.

(1)

انظر: "معاني القرآن" 1/ 204، و"معاني الفراء" 1/ 351، و"معاني الزجاج" 2/ 283.

(2)

"الصحاح" 2/ 623.

(3)

قرئت هذِه الكلمة بالضم والكسر وقرئت: (حِرْج) بإبدال الراء مكان الجيم. ولم أجد قراءتها بالفتح. انظر "تفسير الطبري" 5/ 354 - 355، "المحتسب" 1/ 231.

ص: 342

‌10 - [باب {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158]]

4635 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا * لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام: 158]. [انظر: 85 - مسلم: 157 - فتح: 8/ 296]

4636 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِينَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] ". ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ. انظر: 85 - مسلم: 157 - فتح: 8/ 297].

ثم ساق البخاري حديث أبي هريرة "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَاَهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا * لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158].

وعنه أيضا: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، وَذَلِكَ حِينَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]. ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ.

والبخاري روى هذا عن إسحاق بن منصور، وذكر أبو مسعود الدمشقي وأبو نعيم أنه الكوسج وفي نسخة من كتاب خلف الواسطي: رواه -يعني: البخاري- عن إسحاق بن نصر -يعني: السعدي،

ص: 343

ولمسلم: "ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض"

(1)

.

قال ابن مسعود: يطلع معها القمر في وقت واحد كأنهما بعيران، ثم قرأ:{وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)} [القيامة: 9]

(2)

.

واختلف في أوائل الآيات، ففي مسلم عن ابن عمرو:"أول الآيات طلوع الشمس وخروج الدابة وأيهما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على إثرها قريبًا منها"

(3)

، وروى نعيم بن حماد من حديث إسحاق بن أبي فروة، عن زيد بن أبي عتاب، سمع أبا هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"خمس لا يدرى أيتهن أول الآيات. وأيتهن جاءت لم تنفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ويأجوج ومأجوج، والدخان، والدابة"

(4)

.

وقيل: خروج الدجال؛ ويرجحه قوله عليه السلام: "إن الدجال خارج فيكم لا محالة"، فلو كانت الشمس طلعت قبل ذلك من مغربها لم ينفع اليهود إيمانهم أيام عيسى، ولو لم ينفعهم لما صار الدين واحدًا بإسلام من أسلم منهم، فإذا قبض عيسى ومن معه من المؤمنين يبقى الناس حيارى سكارى، فرجع أكثرهم إلى الكفر والضلالة، ويستولي أهل الكفر على من بقي من أهل الإسلام، فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها، وعنده يرفع القرآن، ثم يأتي الحبشي الكعبة فيهدمها، ثم

(1)

مسلم (158) كتاب: الإيمان، باب: بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 409 (14235) وليس فيه قوله: ثم قرأ (وجمع) الآية.

(3)

مسلم (2941) كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: في خروج الدجال

(4)

"الفتن" 2/ 653 (1839).

ص: 344

تخرج الدابة، ثم الدخان، ثم الرياح تلقي الكفار في البحر، ثم النار التي تسوق الناس إلى المحشر، ثم الهدة. أراد أن ذلك أول الآيات العظام، أول الآيات في زمان ارتفاع التوبة والطبع على كل قلب بما هو فيه.

ويروى من حديث أبي هريرة فيما ذكره الثعلبي مرفوعًا في حديث طويل: "تحبس الشمس عن الناس -حين تكثر المعاصي، ويذهب المعروف- مقدار ليلة تحت العرش، كلما استأذنت ربها من أين تطلع لا تجاب حتى يوافيها القمر صفحة منها، وتستأذن من أين تطلع فلا تجاب حتى يحبسا مقدار ثلاث ليالٍ للشمس وليلتين للقمر، فلا يعرف طول تلك إلا الموحدون، وهم يومئذ قليل، فإذا تم لهما مقدار ثلاث ليالٍ أرسل الله إليهما جبريل يأمرهما أن يرجعا إلى مغاربهما فيطلعا منه ولا ضوء لهما ولا نور فيطلعان أسودين مثل كسوفهما، فذلك قوله: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)} و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} فإذا بلغوا سرة السماء، أخذ جبريل بغروبهما ويردهما إلى المغرب فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة ثم يرد المصراعين، ثم يلتئم بابيهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صدع، فذلك قوله: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] تْم إنهما يكسفان بعد ذلك الضوء والنور ويطلعان ويغربان".

وروى نعيم بن حماد من حديث ابن عيينة عن عاصم، سمع زرًا عن صفوان بن عسال يرفعه:"إن بالمغرب بابًا للتوبة مسيرة عرضه سبعون أو أربعون عامًا لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها" ثم تلا هذِه الآية {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} الآية. وخرجه الترمذي وصححه

(1)

.

(1)

الترمذي (3536)، "الفتن" 2/ 656 (1850).

ص: 345

وروى الطبراني في "الأوسط" بسند فيه ابن لهيعة من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدًا ينادي: إلهي مرني أن أسجد لمن شئت، فيجتمع إليه زبانيته، فتقول: ما هذا التضرع؟ فيقول: إني سألت ربي أن ينظرني إلى يوم الوقت المعلوم، وهذا الوقت المعلوم، ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا فأول خطوة تضعها بأنطاكية، ثم تأتي إبليس فتلطمه" ثم قال: لا يروى هذا الحديث عن عبد الله إلا بهذا الإسناد، وتفرد به عثمان بن سعيد

(1)

.

وروى ابن خالويه في "أماليه" من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي حميد الحميري عنه مرفوعًا "يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة" ورواه نعيم بن حماد في كتابه عن وكيع، عن إسماعيل موقوفًا

(2)

، وذكر نحوه ابن عباس مرفوعًا فيما ذكره ابن النقيب، وروى نعيم من حديث [حماد بن سلمة عن علي بن زيد]

(3)

، عن العريان بن الهيثم سمع عبد الله بن عمرو قال: لا تقوم الساعة حتى تعبد العرب ما كان يعبد آباؤها عشرين ومائة عام بعد نزول عيسى وبعد الدجال

(4)

ومن حديث ابن لهيعة، ثني ابن عمرو: إن الشمس والقمر يجمعان في السماء في منزلة بالعشي، فيكون النهار سرمدًا عشرين سنة

(5)

.

(1)

"الأوسط" 1/ 36 (94).

(2)

"الفتن" 2/ 656 (1849) موقوفًا على عبد الله بن عمرو.

(3)

في الأصل: (حماد بن زيد)، والمثبت من "الفتن".

(4)

"الفتن" 2/ 599 (1667).

(5)

"الفتن" 2/ 655 (1845) عن ابن لهيعة قال: أعطاني يزيد بن أبي حبيب كتابًا فيه: عن عبد الرحمن بن معاوية سمع عبد الله بن عمر يقول، فذكره.

ص: 346

وفي رواية عنه: يقال للشمس: اطلعي من حيث غربت فمن يومئذ حتى يوم القيامة {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}

(1)

زاد البيهقي في: "البعث والنشور" عنه: وهي فيما بلغنا أول الآيات

(2)

.

وروى نعيم عن كثير بن مرة، ويزيد بن شريح، وعمرو بن سليمان قالوا: أخر طلوع الشمس من المغرب يوم واحد

(3)

فقط، فيومئذ يطبع على القلوب بما فيها، وترفع الحفظة والعمل، وتؤمر الملائكة أن لا يكتبوا عملا وتفزع الشمس والقمر خوفا من قيام الساعة

(4)

.

قلت: ووجهه: أنا خُلقنا للعبادة فإذا انقطعت فلا فائدة في القرار.

وعن وهب: طلوع الشمس الآية العاشرة وهي آخر الآيات، ثم تذهل كل مرضعة عما أرضعت

(5)

.

وعن ابن لهيعة إلى عبد الله مرفوعًا: "لا تلبثون بعد يأجوج ومأجوج إلا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها، فيقول من لا خلاق له: ما نبالي إذا رد الله علينا ضوءها من حيث ما طلعت من مشرقها أو مغربها، قال: فيسمعون نداء من السماء: يا أيها الذين آمنوا قد قبل منكم إيمانكم ورفع عنكم العمل. ويا أيها الذين كفروا قد أغلق عنكم باب التوبة، وجفت الأقلام، وطويت الصحف فلا يقبل من أحد توبة ولا إيمان إلا من آمن من قبل ذلك، ولا يلد بعد ذلك المؤمن إلا مؤمنا، والكافر إلا كافرًا، ويخر إبليس ساجدًا. يقول لأعوانه: هذِه الشمس قد طلعت من مغربها

(1)

"الفتن" 2/ 656 (1846).

(2)

لم أقف عليه في مطبوع "البعث والنشور".

(3)

كذا بالأصل، وفي "الفتن" يومًا واحدًا. وهو أنسب.

(4)

"الفتن" 2/ 638 (1785) مختصرًا.

(5)

"الفتن" 2/ 653 (1840).

ص: 347

وهو الوقت المعلوم، ولا عمل بعد اليوم، وتصير الشياطين ظاهرين في الأرض حتى يقول الرجل: هذا قريني الذي كان يغويني الحمد لله الذي أخزاه وأراحني منه، فلا يزال إبليس ساجدًا باكيا حتى تخرج الدابة فتقتله" وعن ابن عباس مرفوعا: "إذا طلعت الشمس من مغربها تذهل الأمهات عن أولادها، ولا تقبل لأحد توبة إلا من كان محسنًا في إيمانه، فإنه يكتب له بعد ذلك كلما كان يكتب له قبل ذلك، ولو أن رجلًا (ابتاع)

(1)

فرسًا لم يركب حتى تقوم الساعة من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى أن تقوم الساعة"

(2)

.

وروى ابن المنذر، عن الشعبي قالت عائشة رضي الله عنها: إذا خرج أول الآيات طرحت الأقلام وحبست الحفظة، وشهدت الأجساد على الأعمال.

فصل:

ذكر العلماء أنه إنما لم ينفع نفسًا إيمانها عند طلوع الشمس؛ لأنه خلص إلى قلوبهم ما يخمد به كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، ويصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت لانقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم، وبطلانها من أبدانهم فمن تاب في مثل هذِه الحالة لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت كما في الحديث:"فيها إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"

(3)

أي بلغت روحه من حلقه وذلك وقت

(1)

كذا بالأصل، وفي "الفتن" أنتج.

(2)

"الفتن" 2/ 654 - 655 (1843)، (1844).

(3)

رواه الترمذي (3537)، وأحمد 2/ 132 من حديث عبد الله بن عمر، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

ص: 348

المعاينة التي يرى فيها مقعده من النار أو من الجنة، فالمشاهدة لطلوع الشمس من مغربها مثله، وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له، مردودة ما عاش؛ لأن علمه بالله وبنبيه وبوعده قد صار ضرورة فإن امتدت أيام الدنيا -كما بيناه في حديث عبد الله بن عمرو- إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ولا يتحدثوا عنه إلا قليلا فيصير الخبر عنهم خاصًّا وينقطع التواتر، فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قُبِل منه.

فصل:

قيل: إن الحكمة في طلوعها من المغرب -فيما حكاه الثعلبي عن عبد العزيز بن يحيى الكلبي- أن إبراهيم عليه السلام قال لنمروذ: {فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258] وأن الملحدة والمنجمين عن آخرهم ينكرون وقوع ذلك ويقولون: هو غير كائن فيطلعها الله يومًا من المغرب ليري المنكرين قدرته، وأن الشمس في ملكه إن شاء أطلعها من المشرق وإن شاء من المغرب، وعلئ هذا يحتمل أن يكون رد التوبة والإيمان على من آمن وتاب من المنكرين لذلك والمنكرين بخبر الشارع؛ فأما المصدق لذلك فإنه تقبل توبتهم وينفعهم إيمانهم قبل ذلك. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يوضحه وهو قوله: لا يقبل من كافر عمل ولا توبة إذا أسلم حين يراها إلا من كان صغيرًا يومئذ فإنه لو أسلم بعد ذلك قُبِل منه ومن كان مذنبًا مؤمنا فتاب من الذنب قُبِل منه.

وروي عن عمران بن حصين أنه قال: إنما لم يقبل وقت الطلوع؛ لأنه تكون صيحة يهلك فيها كثير من الناس، فمن أسلم أو تاب في

ص: 349

ذلك الوقت أو هلك لم تقبل توبته، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته

(1)

.

وقال القرطبي: إنما كان طلوعها مخصوصًا بما ذكر في الحديث؛ لأنه أول تغيير هذا العالم العلوي الذي لم يشاهد فيه تغيير منذ خلقه إلى ذلك الوقت، وأما ما قبله من الايات فقد شوهد ما يقرب من نوعه، فإذا كان ذلك وطبع على كل قلب بما فيه من كفر أو إيمان أخرج الله الدابة ليعرف ما في بواطنهم من كفر أو إيمان فتسمهم ليتعارفوا بذلك، فتقول هذا لهذا: يا مؤمن، وهذا لذاك: يا كافر

(2)

.

وقيل: إنما لم ينفع الإيمان بعد ذلك؛ لأن بعده أول قيام الساعة، فإذا شوهد ذلك وعاش حصل الإيمان الضروري ولم ينفع الإيمان بالغيب الذي نحن مكلفونه. وقال مقاتل:{لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} يعني نفسًا كافرة، فمن كان لم يقبل منه عمله قبل ذلك فإنه لا يقبل منه بعده، ومن كان يُقْبَل قبله [قبل]،

(3)

منه بعد طلوعها، وقد سلف.

(1)

هذا الفصل بتمامه من "تفسير القرطبي" 7/ 146 - 148.

(2)

"المفهم" 7/ 242.

(3)

زيادة يستقيم ويتضح بها السياق.

ص: 350

(7) سورة الأَعْرَافِ

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: (وَرِيَاشًا): المَالُ (الْمُعْتَدِينَ): فِي الدُّعَاءِ وَفِي غَيْرِهِ. {عَفَوا} كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ {اْلْفَتَّاحُ} : القَاضِي {اْفْتَحْ بَيْنَنَا} : اقْضِ بَيْنَنَا. {نَتَقْنَا الْجَبَلَ} : رَفَعْنَا (انْبَجَسَتْ): اْنْفَجَرَتْ {مُتَبَّرٌ} : خُسْرَانٌ {ءَاسَى} : أَحْزَنُ {تَأْسَ} تَحْزَنْ.

وقَالَ غَيْرُهُ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} : يَقُولُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ {يَخْصِفَانِ} أَخَذَا الخِصَافَ مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ، يُؤَلِّفَانِ الوَرَقَ، يَخْصفَانِ الوَرَقَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. {سَوْآتِهِمَا} كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيْهِمَا، {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} هُوَ هَا هُنَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالْحِينُ عِنْدَ العَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهَا، الرّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ، وَهْوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ. {وَقَبِيلُهُ}: جِيلُهُ الذِي هُوَ مِنْهُمْ. {ادَّارَكُوا} : اجْتَمَعُوا. وَمَشَاقُّ الإِنْسَانِ وَالدَّابَّةِ كُلُّهُمْ يُسَمَّى سُمُومًا وَاحِدُهَا سَمٌّ. وَهْى عَيْنَاهُ وَمَنْخِرَاهُ وَفَمُهُ وَأُذُنَاهُ وَدُبُرُهُ وَإِحْلِيلُهُ. {غَوَاشٍ} : مَا غُشُّوا بِهِ. {نَشْرًا} : مُتَفَرِّقَةً. {نَكِداً} : قَلِيلًا. {يَغْنَوْا} : يَعِيشُوا {حَقِيقٌ} : حَقٌّ. {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} : مِنَ الرَّهْبَةِ {تَلْقَفُ} : تَلْقَمُ. {طَائِرُهُمْ} : حَظُّهُمْ. طُوفَانٌ مِنَ السَّيْلِ. وَيُقَالُ لِلْمَوْتِ الكَثِيرِ الطُّوفَانُ. {وَاَلقُمَّلَ} الحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الحَلَمِ. عُرُوشٌ وَعَرِيشٌ بِنَاءٌ. {سُقِطْ} : كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ، الأَسْبَاطُ قَبَائِلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

ص: 351

{يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} يَتَعَدَّوْنَ لَهُ يُجَاوِزُونَ {تَعْدُ} [الكهف: 28] تُجَاوِزْ. {شُرَّعًا} شَوَارعَ {بَئِيسٍ} شَدِيدٍ، {أَخْلَدَ} قَعَدَ وَتَقَاعَسَ {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} نَأْتِيهِمْ مِنْ مَأْمَنِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} {مِّن جِنَّةٍ} مِنْ جُنُونٍ. {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} : مَتَى خرُوجُهَا {فَمَرَّتْ بِهِ} : اسْتَمَرَّ بِهَا الحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ {يَنزَغَنَّكَ} : يَسْتَخِفَّنَّكَ، (طَيْفٌ) مُلِمٌ بِهِ لَمَمٌ وَيُقَالُ {طَآئِفٌ} وَهْوَ وَاحِدٌ. {يَمُدُّونَهُمْ} يُزَيِّنُونَ. {وَخِيفَةً} خَوْفًا {وَخُفْيَةً} مِنَ الإِخْفَاءِ، {وَالْآصَالِ} وَاحِدُهَا أَصِيلٌ وَهُوَ مَا بَيْنَ العَصْرِ إِلَى المَغْرِبِ كَقَوْلِهِ:{بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5]. [فتح: 8/ 297]

هي مكية، واستثنى بعضهم منها:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} أي: سل اليهود، وأكثر ما جرى ذكر اليهود بالمدنية. وقيل: إلا ثماني آيات، وقيل: خمس. وقال الكلبي: خمس عشرة.

وقوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} ذكر جماعة أنها نزلت في الخطبة يوم الجمعة فتكون مدنية.

(ص)(قال ابن عباس: {وَرِيشاً}: المال). وفي نسخة: (ورياشا). وهما قراءتان. وهذا التعليق أسنده ابن أبي حاتم من حديث علي بن أبي طلحة عنه

(1)

. وقوله: (ورياشا) وهي قراءة عاصم وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

، قال أبو حاتم: رواها عنه عثمان بن عفان، وهي عبارة عن

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1457 (8331).

(2)

انظر "المحتسب" 1/ 246.

ص: 352

سعة الرزق ورفاهية العيش وجود اللبس وقال ابن الأعرابى: الريش: الأكل والشرب، والرياش: المال المستفاد.

وقال ابن عباس: الريش: المال كما ذكره البخاري. وعنه: اللباس والعيش والنعيم

(1)

، يقال: تريش الرجل إذا تمول. وقال ابن زيد: هو الجمال

(2)

، و [قال]

(3)

قطرب: الريش والرياش واحد -وقد ذكره كذلك بعدُ- مثل حل وحلال، ويجوز أن يكون مصدرًا من قول القائل: راشه الله يريشه رياشا. وقال الأخفش: هو الخصب والمعاش. وقال القتبي: الريش والرياش: ما ظهر من اللباس

(4)

.

قال مقاتل: نزلت في ثقيف وبني عامر بن صعصعة وخزاعة وبني مدلج وعامر والحارث بن عبد مناة، قالوا: لا نطوف بالبيت الحرام في الثياب التي نقارف فيها الذنوب ولا نضرب على أنفسنا خباء من وبر ولا صوف ولا شعر ولا أدم، وكانوا يطوفون بالبيت عراة ونساءهم يطفن بالليل.

(ص)((المعتدين) في الدعاء وفي غيره) هو معطوف على قوله: (وقال ابن عباس) كذا أخرجه الطبري من حديث عطاء الخراسانى عنه أنه لا يحب المعتدين في الدعاء ولا في غيره

(5)

.

(ص)({عَفَوا}: كثروا وكثرت أموالهم) أخرجه أيضا من حديث

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 457 (14439)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1457 (8333).

(2)

رواه الطبري 5/ 458 (14442)، وابن أبي حاتم 5/ 1457 (8335).

(3)

في الأصل: (قد).

(4)

"القرطين" لابن مطرف الكناني 1/ 176.

(5)

الطبري في "تفسيره" 5/ 515 (14789).

ص: 353

علي عنه

(1)

. وقال مقاتل: أشروا وبطروا ولم يشكروا، وأصله من الكثرة، قال عليه السلام "أعفو االلحى"

(2)

وقال قتادة: {عَفَوا} سرُّوا بذلك

(3)

.

(ص)({اَلْفَتَّاحُ}: القاضي. {اَفْتَحْ بَيْنَنَا}: اقض بيننا) أسنده أيضا كما سلف، وعنه: ما كنت أدري قوله: {رَبَّنَا افْتَحْ} حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك. أي: أقاضيك

(4)

.

وقال المؤرج: {افْتَحْ} : افصل. قال الفراء: وأهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح

(5)

، وذكر غيره أنها لغة مراد.

(ص)({نَتَقْنَا}: رفعنا. {مُتَبَّرٌ}: خسران. {ءَاسَى}: أحزن. {تَأْسَ}: تحزن) أسنده أيضًا

(6)

.

ثم قال: (وقال غيره). وهو دال أن ذلك كله من كلام ابن عباس. ({أَلَّا تَسْجُدَ} أن تسجد {يَخْصِفَانِ}: أخذا الخصاف من ورق الجنة. يؤلفان الورق ويخصفان بعضه إلى بعض) أي: فالخصف الخرز، وهو أن يوضع جلد على جلد ويجمع بينهما بسير. وقال الهروي: أن يطبقا على أيديهما ورقة ورقة.

(ص)({سَوْءَاتِهِمَا}: كناية عن فرجيهما) قال المفسرون: لما بدت سوآتهما طفقا إلى أوراق الجنة فتعالت عنهما ولم يقدروا على الوصول

(1)

الطبري 6/ 9 (14892).

(2)

سيأتي برقم (5893) كتاب: اللباس، باب: إعفاء اللحى.

(3)

الطبري 6/ 10 (14902).

(4)

الطبري 6/ 4 (14867).

(5)

"معاني القرآن" 1/ 385.

(6)

الطبري 6/ 47 (15070)، 6/ 7 (14883).

ص: 354

إلى شيء منها، فرقت شجرة التين لهما وتهيأت حتى نالا من ورقها ما أرادا، فلذلك جعلها الله تؤتي ثمرها في العام مرتين، وجعل ثمرها ظاهرها وباطنها في الحلاوة سواء، ونزهها عن القشر والنوى وأنبتها في الدنيا كنبتها في الجنة. وقيل: شجرة الموز، فلذلك قوى الله خضرتها في اللون والنعومة، وجعل ثمرها ليس فيه نوى، وهو من أطيب الأغذية ولا يحدث عنه فضل، وجعل شجرها لا ينقطع كلما قطعت واحدة نشأت عنها أخرى. وقيل: كانت شجرة غير معلومة.

(ص)({وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}. هو ههنا إلى يوم القيامة، والحين عند العرب من ساعة إلى ما لا يحصى عدده)، هو كما قال، ثم قال:(الرياش والريش واحد)، وقد سلف، قال:(وهو ما ظهر من اللباس).

(ص)({وَقَبِيلُهُ}: جيله الذي هو منهم) قلت: قال غيره: جنوده؛ قال تعالى: {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)} [الشعراء: 95] وقيل: خيله ورجله؛ قال تعالى: {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] وقيل: ذريته؛ قال تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ} [[الكهف: 50] وقيل: أصحابه. وقيل: ولده ونسله. وقال الأزهري: القبيل: جماعة ليسوا من أب واحد، وجمعه: قبل، فإذا كانوا من أب واحد فهم قبيلة

(1)

.

(ص)({ادَّارَكُوا}: اجتمعوا) وعبارة غيره: تلاحقوا، وهو قريب منه.

(ص) (ومشاق الإنسان والدَّابةِ كلُّها تسمى سمومًا، واحدها سَمٌّ، وهي عيناه ومنخراه وفمه وأذناه ودبره وإحليله.

قلت: والمراد بـ {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40} يدخل البعير في خرم الإبرة.

(1)

"تهذيب اللغة" 3/ 2876 مادة: [قبل].

ص: 355

(ص)(ما غشوا به). قلت: هو جمع غاشية وهي التغطية.

(ص)({نَشْرًا}: متفرقة. {نَكِدًا}: قليلا) قلت: أكثرهم: عَسِرا ({ويَغْنَوْا}: يعيشوا) أخرجه عبد عن قتادة

(1)

، وعنه: كأن لم ينعم، رواه عبد الرزاق، عن معمر عنه، ورواه الطبري عن ابن عباس

(2)

.

(ص)({حَقِيقٌ}: حق) أي: جدير. ({وَاسْتَرْهَبُوهُمْ}: من الرهبة) أي: الخوف. ({تَلْقَفُ}: تلقم. {طَائِرُهُمْ}: حظهم. طوفان من السيل، ويقال للموت الكثير: طوفان. {وَاَلقُمَّلَ}: الحمنان يشبه صغار الحلم) قلت: قد سلف كذلك في مناقب موسى عليه السلام

(3)

، والحمنان: قراد. قال الأصمعي: أوله قمقامة صغير جدًا، ثم حمنانة، ثم حلمة ثم عَلّ ثم طِلح

(4)

. وذكر ابن عباس أنه السوس الذي يخرج من الحنطة، ذكره ابن جرير وفي رواية أنه الدَّبَى. وعن ابن زيد: البراغيث.

وقال ابن جبير: هي دواب صغار سود

(5)

.

وقال ابن جرير: وهي عند العرب صغار القردان

(6)

. وعند الهروي كبارها. وقيل: دواب أصغر من القمل.

وقال مجاهد والسدي وغيرهما فيما حكاه الثعلبي: هي الجراد الطيارة التي لها أجنحة. وقال عكرمة: هي بنات الجراد

(7)

.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 3/ 191.

(2)

"تفسير عبد الرزاق" 1/ 220 (922)، "تفسير الطبري" 6/ 7 (14880).

(3)

سلف قبل الحديث (3400) في كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: طوفان من السيل.

(4)

انظر: "الصحاح" 5/ 2104 (حمن).

(5)

"تفسير الطبري" 6/ 33 - 34 (15011، 15013، 15021، 15022).

(6)

"تفسير الطبري" 6/ 33 - 34.

(7)

"تفسير الطبري" 6/ 34 (15019).

ص: 356

وقال عطاء الخراساني: هي القمل، وبه قرأ الحسن بفتح القاف وسكون الميم

(1)

.

وقال الفراء: لم يُسمع للقمل واحدة

(2)

.

وقال الأخفش: واحده قملة. وحكى ابن جرير أن القُمَّل دابة تشبه القَمْل تأكله الإبل

(3)

.

وتفسير البخاري السالف هو قول أبي عبيد، ومعناه أنه ضرب من القراد يشبه الحلم يقال: إن الحلمة تتقفى من ظهرها فتخرج منها القمقام وهو أصغر فيما رأيته مما يمشي ويتعلق بالإبل، فإذا امتلأ سقط بالأرض وقد عظم، ثم يضمر حتى يذهب دمه فيكون قرادًا فيتعلق بالإبل ثانية فيكون حمنة.

قال أبو العالية: أرسل الله الحمنان على دوابهم فأكلتها حتى لم يقدروا على الميرة.

وقال ابن سيده: القُمَّل: صغار الذر والذبان، قيل: هو شيء صغير له جناح أحمر، وقال أبو حنيفة: هو شيء يشبه الحلم، وهو لا يأكل أكل الجراد ولكن يمتص الحب إذا وقع فيه الدقيق وهو رطب، فتذهب قوته وخيره وهو خبيث الرائحة، وفيه مشابهة من الحلم

(4)

.

قال في "الجامع": هو شيء أصغر من الظفر له جناح أحمر وأكدر. وقال أبو يوسف: هو شيء يقع في الزرع ليس بجراد فيأكل السنبلة وهي

(1)

انظر: "المحتسب" 1/ 257.

(2)

ذكره عنه الطبري في "تفسيره" 6/ 34.

(3)

"تفسير الطبري" 6/ 34.

(4)

"المحكم" 6/ 270.

ص: 357

غضة قبل أن تخرج فيطول الزرع ولا سنبلة فيه. وقال أبو عمرو: هي بلغة أهل اليمن البرغوث أو دابة تشبهه.

وقد بسطنا الخلاف هناك وأعدناه هنا لطوله، وهذِه إحدى الآيات التسع يجمعها:

عصا ويد جراد قمل ودم

ضفادع حجر والبحر والطور

وقيل: بدل الثلاثة الأخيرة: الطوفان والأخذ بالسنين والنقص، فيزاد بعد الأول: طوفان جدب نقص سنين.

قال البخاري رحمه الله: (عروش: بناء) أسنده الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وما كانوا يعرشون

(1)

.

وقال مجاهد: يبنون البيوت والمساكن

(2)

، وقيل: يعرشون الكروم: أي يرفعون عرائشها.

(ص)({سُقِطَ}: كل من ندم فقد سقط في يده) هو كما قال، وقد سلف في مناقب موسى.

(ص)({وَالْأَسْبَاطِ}: قبائل بني إسرائيل) قلت: وهو في الأصل شجرة لها أغصان.

(ص)({يَعْدُونَ}: يتعدون يجاوزون. {تعْدُ}: تجاوز) هو كما قال ({شُرَّعًا}: شوارع) أي: ظاهرة على وجه الماء.

(ص)({بَئِيسٍ}: شديد) هو كما قال. ({أَخْلَدَ}: قعد وتقاعس) أي: اطمأن ({سَنَسْتَدْجُهُمْ}: نأتيهم من مأمنهم) أي: فيهلكوا (كقوله تعالى: {فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} {مِنْ جِنَّةٍ} : من جنون.

(1)

"تفسير الطبري" 6/ 45.

(2)

"تفسير مجاهد" 1/ 245.

ص: 358

{فَمَرَّتْ بِهِ} : استمر بها الحمل. {يَنزَغَنَّكَ} : يستخفنك. (طيف): ملم به لمم، ويقال {طَائِفٌ} وهو واحد. {يَمُدُّونَهُمْ}: يزينون لهم. {وَخِيفَةً} : خوفا، وخفية من الإخفاء) هو كما قال.

({وَالْآصَالِ} واحدها أصل وأصيل: ما بين العصر إلى المغرب كقوله: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا}) قال ابن التين: وأُصُل بضم الهمزة والصاد، كذا ضبطه في بعض الروايات، وفي بعضها: أصيل، وليس ببين إلا أن يريد: أصلا، جمع: أصيل، فيصح ذلك، وما فسره به ذكره جماعة. وقال ابن فارس: الأصيل: بعد العشاء، وجمعه: أصل وآصال وأصايل، وقيل: أصل جمع أصيل كعبد وعبيد، وأصايل على هذا جمع الجمع. وقال ابن فارس: الأصايل لعله أن يكون جمع أصيلة

(1)

.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 97 - 98.

ص: 359

‌1 - [باب] قوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33]

4637

- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَرَفَعَهُ. قَالَ:«لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، فَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللهِ، فَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ» . [انظر: 4634 - مسلم: 2760 - فتح: 8/ 301]

ذكر حديث عبد الله رضي الله عنه: "لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، فَلِذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ"، الحديث سلف قريبا.

ص: 360

‌2 - [باب] قوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} إلى قوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأعراف: 143]

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {أَرِنِى} : أَعْطِنِي.

4638 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ لَطَمَ وَجْهِي. قَالَ:«ادْعُوهُ» . فَدَعَوْهُ قَالَ: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي مَرَرْتُ بِالْيَهُودِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَقُلْتُ: وَعَلَى مُحَمَّدٍ؟! وَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ؛ فَلَطَمْتُهُ. قَالَ: «لَا تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي: أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ؟» . [انظر: 2412 - مسلم: 2374 -

فتح: 8/ 302]

هذا الأثر أسنده ابن جرير من حديث علي عنه

(1)

. والميقات مفعال من الوقت، ومحل الخوض في الآية كتب التفسير، وذكرنا طرفا منه فيما مضئ من مناقب موسى. واسم الجبل ثبير، وكان صعقه يوم عرفة يوم الخميس، وأعطي التوراة يوم الجمعة، وهو يوم النحر. وروى أنس مرفوعًا "إن الجبل صار لعظمة الله ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بمكة حر اء وثبير وثور، وبالمدينة ثلاثة رضوى وورقان وأحد"

(2)

.

(1)

"تفسير الطبري" 6/ 50.

(2)

رواه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 314 - 315. وقال: غريب من حديث معاوية بن قرة، والجلد، ومعاوية الضال، تفرد به عنه محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي.

ص: 361

ثم ساق حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: "لَا تُخَيِّرُوا بَيْنِ الأنْبِيَاءِ".

وقد سلف مختصرًا في الفضائل، وأخرجه أيضا في الإشخاص والديات والتوحيد

(1)

، وأخرجه أيضا مسلم وأبو داود

(2)

.

(1)

سلف برقم (3398) كتاب: أحاديث الأنبياء، وسيأتي في الديات برقم (6917) باب: إذا لطم المسلم يهوديًّا، والتوحيد برفم (7427) باب: وكان عرشه على الماء.

(2)

أبو داود (4671).

ص: 362

‌3 - [باب] قوله: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [الأعراف]: 160]

4639 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءُ الْعَيْنِ» . [انظر: 4478 - مسلم: 2049 - فتح: 8/ 303]

ذكر فيه حديث سعيد بن زيد السالف في تفسير سورة البقرة. "الكمأة من المن"

ص: 363

‌4 - [باب] قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} الآية [الأعراف: 158]

4640 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ، فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ عُمَرُ مُغْضَبًا، فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ -حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ» . قَالَ: وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْخَبَرَ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي، إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ» . قالَ أبو عَبدِ اللهِ: "غامَرَ" سَبَقَ بِالْخيرِ. [انظر: 3661 - فتح: 8/ 303]

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَا: ثَئَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ العَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ محاورة .. الحديث وفي آخره: "هَل أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي، إِنِّي قُلْتُ: يَا أيّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ. وَقَالَ أَبُو بَكرٍ: صَدَقْتَ".

هذا الحديث سلف في فضائل الصديق عن هشام بن عمار، ثنا عبد الله بن سالم عن بسر به.

ص: 364

و (عبد الله) شيخ البخاري هنا، قيل: إنه ابن حماد بن أيوب أبو عبد الرحمن من آمُل جيحون، مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وروى عن البخاري أيضًا

(1)

، ويحتمل أن يكون عبد الله بن أُبي قاضي خوارزم و (سليمان) هو ابن بنت شرحبيل، وروى مرة البخاري عنه، مات بعد الثلاثين ومائتين. و (بسر) بالسين المهملة، و (أبو إدريس الخولاني) اسمه عائذ الله بن عبد الله بن عمرو، قاضي دمشق، ولد عام عشرين، ومات سنة ثمانين، و (أبو الدرداء) اسمه عويمر بن زيد الحارثي نزيل الشام، ومات سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: أربع.

وقوله: ("أما صاحبكم هذا فقد غامر") أي: خاصم غيره، ومعناه: دخل في غمرة الخصومة وهي معظمها، والغامر: الذي يرمي بنفسه في الأمور المهلكة، وقيل: هو من الغمر -بالكسر

(2)

وهو: الحقد الذي حاقد غيره. وقوله: "هل أنتم تاركو لى صاحبي" كذا هنا "تاركو" وفي بعض النسخ: "تاركوني"، وفي بعضها:"تاركون"، وهي أصوب، واقتصر ابن التين على رواية "تاركو"، ثم قال: صوابه: "تاركون".

قوله: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً] [الأعراف: 143]

فيه أبو سعيد وأبو هريرة- رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، سلفا في المناقب

(3)

، وسلف قريبا حديث أبي سعيد.

(1)

انظر ترجمته في "الثقات" لابن حبان 8/ 369، و"تاريخ بغداد" 9/ 444، و"تهذيب الكمال" 14/ 429 (3232).

(2)

"تهذيب اللغة" 3/ 2694.

(3)

هكذا في الأصل، ولم يُذكر هذا الباب في أي رواية من روايات "الصحيح" التي في "اليونينية"، والحديثان اللذان أشار إليهما المصنف سلفا في أحاديث الأنبياء، حديث أبي سعيد برقم (3398)، وحديث أبي هريرة برقم (3408).

ص: 365

‌5 - [باب] قَوْلِهِ: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [الأعراف: 161]

4641

- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58] فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ» . [انظر: 3403 - مسلم: 3015 - فتح: 8/ 304]

ذكبر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. وقد سلف في المناقب، وتفسير سورة البقرة

(1)

.

(1)

سلف في التفسير برقم (4479).

ص: 366

‌6 - [باب] قوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199]

{الْعُرْفُ} [الأعراف: 199]: المَعْرُوفُ.

4642 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ -وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ- وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا. فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ. قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَاللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199] وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ. وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ. [7286 - فتح: 8/ 304]

4643 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلاَّ فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ. [46441 - فتح: 8/ 305]

4644 -

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ. أَوْ كَمَا قَالَ. [انظر: 4643 - فتح: 8/ 305]

ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ، فَنَزَلَ عَلَى ابن أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ -وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَلسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا-

ص: 367

فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ

الحديث. ويأتي في: الأحكام وهو من أفراده.

والكهل: الذي خطه الشيب. قاله ابن فارس

(1)

، وقال المبرد: هو ابن ثلاث وثلاثين سنة.

وفيه: مؤازرة الإمام أهل الفضل والعلم. وقول عيينة: (هي يا ابن الخطاب) على معنى التهديد له. وقوله: (ما تعطينا الجزل) أي: ما تجزل لنا من العطايا. وأصل الجزل ما عظم من الحطب، ثم استعير منه: أجزل له في العطاء. واختير في الجدب جزل الحطب؛ لأن اللحم يكون غثًّا فيبض بنضجه.

وكان عيينة من المؤلفة قلوبهم كان فيه جفاء، وقيل: إنه ارتد عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلم، وقيل: جيء به أسيرًا إلى الصديق فجعل ولدان أهل المدينة يطعنون في كشحه، ويقول له

(2)

: ارتددت؟! فكان يقول: ما ارتددت ولم أكن أسلمت.

وقوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} كان [قبل] أن يؤمر بقتالهم، وقيل: المراد المؤلفة قلوبهم، وهو ظاهر استشهاد الحر على عمر بالآية، فهي منسوخة بآية السيف. وقيل: لا، إنما هي أمر باحتمال من ظلمه.

قال مجاهد فيما ذكره الطبري: خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تحسس عليهم. وعن ابن عباس وغيره: خذ العفو من أموال المسلمين، وهو الفضل. قال ابن جرير: وأمروا بذلك قبل نزول الزكاة، أي: صدقة كانت تؤخذ قبل الزكاة، ثم نسخت بها

(3)

.

(1)

"مجمل اللغة" 2/ 773.

(2)

هكذا بالأصل، ولعل الأولى:(ويقولون له).

(3)

"تفسير الطبري" 6/ 152 - 153.

ص: 368

والعرف: المعروف كما ذكره البخاري، ومنه صلة الرحم، وإعطاء من حرم، والعفو عمن ظلم، وقال ابن الجوزي: العرف والمعروف، ما عرف من طاعة الله

(1)

، وقرأ عيسى بن عمر:(بالعُرُف) بضمتين

(2)

، وهما لغتان. وقال الثعلبي: العرف والمعروف والعارف، كل خصلة حميدة.

قال الشاعر:

من يفعل الخير لا يعدم جوائزه

لا يذهب العرف بين الله والناس

وقال عطاء: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} لا إله إلا الله {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} أبي جهل وأصحابه، وقال ابن زيد: لما نزلت هذِه الآية قال- عليه السلام: "يا رب كيف والغضب" فنزلت {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ}

(3)

.

ثم قال البخاري بعد ذلك: حَدَّثنَا يَحْيَى، ثنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابن الزُّبَيْرِ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللهُ ذلك إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ.

يحيى هذا نسبه أبو علي ابن السكن: ابن موسى الحداني. ونسبه غيره في بعض المواضع: يحيى بن جعفر البلخي، قاله الجياني

(4)

.

وقال قتادة أيضًا: هذِه الآية أمر الله نبيه بها

(5)

.

وقال النحاس: قول ابن الزبير أولى الأقوال في الآية وما بعدها يدل له وهو {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} .

(1)

"زاد المسير" 3/ 506.

(2)

"مختصر شواذ القرآن" لابن خالويه ص 53.

(3)

رواه الطبري 6/ 155.

(4)

"تقييد المهمل" 3/ 1059.

(5)

رواه الطبري 6/ 155.

ص: 369

وقال أيضا: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} الآية

(1)

.

ثم قال البخاري: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ: ثنَا أَبُو أُسَامَةَ، قال هِشَامٌ: أخبرني عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أنْ يَأْخُذَ العَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ. أَوْ كَمَا قَالَ.

عبد الله هذا: هو ابن عامر بن براد

(2)

بن يوسف بن بُريد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، لم يرو عنه البخاري غير هذا التعليق، ولعله أخذه عنه مذاكرة، وأكثر مسلم عنه، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين.

ورواه أبو نعيم الحافظ من حديث هناد ثنا أبو أسامة حماد بن أسامة، فذكره.

(1)

"الناسخ والمنسوخ" 2/ 360، 364.

(2)

ورد بهامش الأصل: عبد الله بن عامر بن براد عمه هذا روى له ابن ماجه فاعلمه وفي "الكمال" جعلهما واحدًا، وهذا المذكور هنا هو: عبد الله بن براد وهو ابن يوسف، فاعلمه. اهـ. [قلتُ: عبد الله بن براد، عم عبد الله بن عامر بن براد، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 14/ 327 (3178)].

ص: 370

‌8 - ومن سُورَةُ الأَنْفَالِ

هي مدنية، وقال ابن عباس: إلا سبع آيات من قوله: {وإذ يمكر بك .. } [الأنفال: 30] إلى آخر سبع آيات. وقيل: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ} إلى آخر الآيتين. {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33].

قال السخاوي: نزلت قبل آل عمران، وبعد البقرة. قال: ونزلت آل عمران بعد {صَ} وقبل الجن

(1)

.

(1)

"جمال القراء" ص 8.

ص: 371

‌1 - [باب] قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية [الأنفال: 1]

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1]: المَغَانِمُ. قَالَ قَتَادَةُ: {رِيحُكُمْ} : الحَرْبُ يُقَالُ: نَافِلَةٌ: عَطِيَّةٌ.

4645 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: سُورَةُ الأَنْفَال؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ. {الشَّوْكَةُ} [الأنفال: 7] الْحَدُّ {مُرْدَفِينَ} [الأنفال: 9]: فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ، رَدِفَنِي وَأَرْدَفَنِي: جَاءَ بَعْدِي {ذُوقُوا} [الأنفال: 5]: بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَمِ {فَيَرْكُمَهُ} [الأنفال: 37]: يَجْمَعُهُ. {شَرِّدْ} [الأنفال: 57]: فَرِّقْ {وَإِنْ جَنَحُوا} [الأنفال: 61]: طَلَبُوا السِّلمُ والسَّلمُ والسَّلامُ وَاحد. {يُثْخِنَ} [الأنفال: 67] يَغْلِبَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {مُكَاءً} [الأنفال: 35] إِدْخَالُ أَصَابِعِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَ {تَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] الصَّفِيرُ {لِيُثْبِتُوكَ} [الأنفال: 30] لِيَحْبِسُوكَ.

(قال ابن عباس: الأنفال: المغانم)، هذا أسنده أبو محمد بن أبي حاتم من حديث علي عنه

(1)

.

واحدها: نفل، بفتح الفاء، وهو الزيادة، ولهذا قال بعده: يقال نافلة: عطية، وهي مما زاده الله لهذِه الأمة في الحلال؛ لأنه كان محرما على من كان قبلهم، وبهذا سميت النافلة من الصلاة؛ لأنها

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1649.

ص: 372

زيادة على الفرض وقيل في قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] أي: دعا بإسحاق فاستجيب له، وزيد يعقوب بغير سؤال.

(ص)(وقال قتادة: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}: الحرب). هذا أسنده عبد الرزاق عن معمر، عنه

(1)

.

(ص)({الشَّوْكَةِ}: الحد) هو كما قال

(2)

.

ثم أسند عن (سعيد بن جبير قلت: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر). هو أحد الأقوال. قيل: كان المسلمون ثلاث فرق، فرقة تقاتل العدو، وفرقة أحدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا ينال منه [ما]

(3)

يكره، وفرقة أخذت في جمع المغانم؛ فلما برد القتال تنازعوا في الأنفال، فنزلت أن الحكم فيها لله وللرسول، فاختبر بذلك طاعتهم، فرضوا وسلموا ثم بين حكم ذلك فقال {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية ذكره الحاكم عن عبادة وقال: على شرط مسلم

(4)

.

وقيل: نزلت في أبي اليسر، وقيل: إنها منسوخة بهذِه، ونقله النحاس عن الأكثرين

(5)

؛ وأما مكي فنقل عن الأكثر أنها محكمة.

(ص)({مُرْدِفِينَ} فوجا بعد فوج، ردفني وأردفني أي: جاء بعدي) ومن قرأه بالفتح، وهو نافع معناه: ردفهم الله بغيرهم وهم

(1)

"تفسير عبد الرزاق" 1/ 237 (1020).

(2)

انظر "مجاز القرآن" 1/ 241.

(3)

زيادة يقتضيها السياق.

(4)

"المستدرك" 2/ 135 - 136.

(5)

"الناسخ والمنسوخ" 2/ 365.

ص: 373

الملائكة، ومن قرأه بالكسر معناه: رادفين، يقال: ردفت بكسر الدال وأردفته إذا جئت بعده

(1)

، قال الطبري: تقول: أردفته وردفته بمعنى

(2)

، وقال أبو عبيد: إنها مردف والأصل: مرتدفين كما قاله سيبويه، وقال السدي: أي يمدكم بآلاف

(3)

توافق ما في آل عمران. ومن قرأ {بِأَلْفٍ} ولم يفسر المردِفين بإرداف الملائكة ملائكة أخرى والمردَفين بارتدافهم غيرهم جعل الألف من يقاتل [من] الملائكة أو الوجوه منهم الذين مَنْ سواهم أتباع

(4)

.

(ص)({ذُوقُواْ} باشروا وجربوا وليس هذا من ذوق الفم) هو كما قال. ({فَيَرْكُمَهُ} فيجمعه) وهذا أسنده ابن أبي حاتم عن ابن زيد

(5)

.

(ص)({فَشَرِّدْ}: فرق)، قال ابن مسعود -كما حكاه الزجاج- يفعل بهم فعلًا من القتل والتفريق

(6)

، وقال ابن عيينة: نكل بهم.

(ص)({وَإِنْ جَنَحُوا}: طلبوا)، هو كما قال.

({يُثْخِنَ}: يغلب)، هذا أسنده أبو محمد بن أبي حاتم من حديث الضحاك عن ابن عباس:[حتى]

(7)

يظهر في الأرض.

(ص)(وقال مجاهد: {مُكَاءً} إدخال أصابعهم في أفواههم، و {وَتَصْدِيَةً} الصفير) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي

(1)

انظر: "الحجة" للفارسي 4/ 124 - 125، "الكشف" لمكي 1/ 489.

(2)

"تفسير الطبري" 6/ 190.

(3)

رواه عنه الطبري 6/ 190 (15765) بلفظ: يتبع بعضهم بعضًا.

(4)

انظر "الكشاف" 2/ 241.

(5)

"تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1699 (9063).

(6)

"معاني القرآن وإعرابه" 2/ 420.

(7)

في الأصل: (بمن) والمثبت من "تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1732 (9153).

ص: 374

نجيح بزيادة: كانوا يخلطون بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته

(1)

، وهو عكس قول المفسرين وأهل اللغة؛ لأنهم قالوا: إن المكاء التصفير، والتصدية: التصفيق.

وكذا قال النحاس: إنه المعروف في اللغة، والمروي عن ابن عمر وغيره من العلماء

(2)

.

قال مقاتل: كان عليه السلام إذا صلى في الكعبة قام رجلان من المشركين من بني عبد الدار عن يمينه فيصفران كما يصفر المكاء وهو طائر هذا اسمه، ورجلان عن يساره يصفقان بأيديهما، ليخلطا عليه صلاته وقراءته، فقتل الله الأربعة ببدر ولهم يقول ولبقيتهم:{فَذُوقُوا الْعَذَابَ} يعني القتل ببدر {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}

(3)

.

(ص) قوله: ({لِيُثْبِتُوكَ}: ليحبسوك). هذا ذكره ابن أبي حاتم مسندًا من حديث ابن جريج عن عطاء وابن كثير

(4)

.

قال مقاتل: اجتمع في دار الندوة من قريش يوم السبت ليمكروا به، فأتاهم إبليس في صورة شيخ نجدي، فكلما ذكروا شيئا قال: ليس برأي، حتى قال أبو جهل: أرى أن تأخذوا من كل بطن من بطون قريش رجلا، فيضربونه بأسيافهم جميعا، فلا يدري قومه من يأخذون. فقال إبليس: هذا هو الرأي. فتفرقوا على ذلك. فجاء جبريل فأخبره بمكرهم وأمره أن يخرج تلك الليلة، فخرج إلى الغار، أي ثم هاجر وأصبح عليُّ على فراشه.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1698 - 1696 (9042، 9046).

(2)

"معاني القرآن" 3/ 152.

(3)

رواه البغوي في "تفسيره" 3/ 355 عنه مختصرًا.

(4)

"تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1688 (8996).

ص: 375

فقوله: {لِيُثْبِتُوكَ} يحبسوك في بيت أبي البختري

(1)

. {أَوْ يَقْتُلُوكَ} يعنى قول أبي جهل. {أَوْ يُخْرِجُوكَ} من مكة وهو رأي هشام بن عمرو.

وقرأ ابن عباس فيما حكاه في "الكشاف"(ليقيدوك)

(2)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: ذكر السهيلي عن ابن سلام أن الذي أشار بحبسه هو أبو البختري -كما ذكر في الأصل- والذي أشار بإخراجه ونفيه هو أبو الأسود ربيعة بن عامر أحد بني عامر بن لؤي، انتهى. ["الروض الأنف" 2/ 229].

(2)

"الكشاف" 2/ 253.

ص: 376

‌2 - قوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)} [الأنفال: 22]

4646 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)} [الأنفال: 22] قَالَ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. [فتح: 8/ 307]

ذكر فيه عن ابن أبي نجيح، واسمه عبد الله، عن مجاهد أنهم نفر من بني عبد الدار. قلت: وهو من أفراده.

وقال ابن إسحاق: هم المنافقون

(1)

. وهي تشتمل على كل من في معناهم.

و {الصُّمُّ} هنا: الذين تصاموا عن الهدى لم يسمعوه.

و {الْبُكْمُ} : الخرس الذين لم يسمعوا الهدى فيتكلمون به.

(1)

رواه الطبري 6/ 210 (15876).

ص: 377

‌3 - قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} الآية [الأنفال: 24]

{اسْتَجِيبُوا} [الأنفال: 24]: أَجِيبُوا {لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] يُصْلِحُكُمْ.

4647 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّث،، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ:«مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ أَلَمْ يَقُلِ اللهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}؟ " ثُمَّ قَالَ: "لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ» . فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَخْرُجَ فَذَكَرْتُ لَهُ.

وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبٍ سَمِعَ حَفْصًا سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بهذا، وَقَالَ: هِيَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2] السَّبْعُ الَمثَانِي. [انظر: 4447 - فتح: 8/ 307]

ثم ساق حديث أبي سعيد بن المعلى السالف في تفسير الفاتحة، وساقه عن إسحاق وهو ابن منصور.

كما صرح به أبو مسعود وخلف.

وقال في آخره:

وَقَال مُعَاذ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبٍ سَمِعَ حَفْصًا سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بهذا، وَقَالَ: هِيَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2] السَّبْعُ المَثَانِي.

ص: 378

وروى أحمد والترمذي -مصححًا- والنسائي والحاكم في فضائل القرآن

(1)

، مثل قصة أبي سعيد

(2)

.

فائدة تنعطف على أول السورة:

ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يَسْئَلُونَكَ} يعني في قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

، وقال الزجاج: إنما سألوا عنها؛ لأنها كانت حرامًا على من كان قبلهم

(4)

. وقال الطبري: اختلف العلماء في هذِه الآية هل هي الغنائم أو نفل السرايا أو الخمس والأولى أنه الزيادة، وذلك بحسب المصلحة

(5)

.

(1)

الترمذي (2875) وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد 2/ 412 - 413، والنسائي في "الكبرى" 6/ 351 (11205)، والحاكم 1/ 557.

(2)

ورد بهامش الأصل: سقط (عن أُبي بن كعب) أو نحو هذا الكلام.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1649 (8753).

(4)

"معاني القرآن وإعرابه" 2/ 399.

(5)

"تفسير الطبري" 6/ 168 - 170.

ص: 379

‌4 - [باب] قَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)} [الأنفال: 32]

قَالَ ابن عُيَيْنَةَ: مَا سمَّى اللهُ تَعَالَئ مَطَرًا فِي القُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا، وَتُسَمِّيهِ العَرَبُ الغَيْثَ، وَهْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28]

4648 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ -هُوَ ابْنُ كُرْدِيدٍ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ- سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ أَبُو جَهْلٍ:{اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] فَنَزَلَتْ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآيَةَ. [الأنفال: 33، 34]. [4649 - مسلم: 2796 - فتح: 8/ 308].

هذا ساقه في تفسيره، وكذا جاء في التفسير، أمطرنا في العذاب ومطرنا في الرحمة

(1)

.

وأما كلام العرب فمطرت السماء وأمطرت، وقد سمى ما ليس عذابًا مطرًا فقال {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} [النساء: 102] وهو وإن نسب إليه الأذى لا يخرجه عن أن يكون غيثًا.

(1)

انظر: "مجاز القرآن" 1/ 245.

ص: 380

ثم ساق عن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ أَبُو جَهْلٍ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا} الآية [الأنفال: 32] فَنَزَلَتْ {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} الآيَةَ، [الأنفال: 33، 34].

وشيخه فيه: حدثنا أحمد، ثنا عبيد الله بن معاذ سماه الواحدي ابن النضر

(1)

، وكذا قال الحاكم: وهو عندي أحمد بن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري، فقد بلغنا أن البخاري كان يكثر الكون بنيسابور [عند]

(2)

ابني النضر أحمد ومحمد

(3)

.

وقد روى البخاري أيضًا بعد عن (محمد)

(4)

أيضا عن عبيد الله هذا الحديث

(5)

.

وأحمد بن سيار المروزي: روى عنه البخاري أيضا عن محمد بن أبي بكر المقدمي

(6)

.

وأحمد آخر غير منسوب عن ابن وهب، قيل: إنه ابن أخي ابن وهب، أحمد بن عبد الرحمن، وقيل: أحمد بن صالح، وقيل: أحمد بن عيسى. والأول أصح

(7)

.

(1)

"أسباب النزول" ص 239.

(2)

في الأصل: (عن).

(3)

قال الحافظ في "الفتح" 8/ 308: (حدثني أحمد) كذا هو في جميع الروايات غير منسوب، وجزم الحاكمان أبو أحمد وأبو عبد الله أنه ابن النضر ابن عبد الوهاب النيسابوري. اهـ.

وانظر ترجمة أحمد بن النضر في "تهذيب الكمال" 1/ 515 (120).

(4)

في الأصل: (أحمد)، وجاء بهامشه: صوابه (محمد).

(5)

هو الحديث التالي مباشرة (4649).

(6)

روى عنه حديث في التوحيد برقم (7420) باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .

(7)

انظر حديث (1579) كتاب الحج، باب: من أين يخرج من مكة.

ص: 381

وعبيد الله بن معاذ هو التميمي. مات سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود.

وروى البخاري والنسائي عن رجل عنه، وأبوه قاضي البصرة، مات سنة خمس وتسعين ومائة. وقيل: سنة ست أو سبع، كان مولده سنة تسع عشرة ومائة.

وأخرجه مسلم في ذكر المنافقين والكفار عن عبيد الله نفسه عن أبيه، عن شعبة، عنه به.

ص: 382

‌5 - [باب] قوله: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33]

4649 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 33] فَنَزَلَتْ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآيَةَ. [الأنفال: 33، 34][انظر: 4648 - مسلم: 2796 - فتح: 8/ 309]

ساق فيه الحديث المذكور عن محمد بن النضر، ثنا عبيد الله به. وأخرجه مسلم عن عبيد الله بن معاذ نفسه، وهو أحد الأحاديث التي يرويها مسلم عن شخص، ويرويها البخاري عن رجل عن ذلك الشخص.

وروى عبد بن حميد في "تفسيره" من حديث مجاهد قال: نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة، ونقله الواحدي عن الأكثرين

(1)

.

وروى عبد عن قتادة أن هذا قول سفهاء هذِه الأمة وجهالها، وقيل: نزلت في مشركي قريش، قاله ابن إسحق فيما ذكره الطبري

(2)

.

قال مقاتل: وذلك أن النضر لما قال: الذي يقوله محمد أساطير الأولين، قال عثمان بن مظعون: اتق الله فإن محمدًا يقول الحق، قال: وأنا أقول الحق، قال: فإن محمدًا يقول: لا إله إلا الله، قال:

(1)

"أسباب النزول" ص 239.

(2)

"تفسير الطبري" 6/ 231 (16003).

ص: 383

وأنا أقولها ولكن أقول: الملائكة بنات الرحمن فنزلت: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)} [الزخرف: 81] فقال: صدقني محمد، فقال له الوليد بن المغيرة -وكان فصيحا: لا والله ما صدقك فلما فطن لها النضر قال: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} الآية فنزلت: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} الآية يعني: يصلون، وذلك أن نفرًا من بني عبد الدار قالوا: إنا قوم نصلي عند البيت، فلم يكن الله معذبنا ونحن نصلي فنزلت {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ} إذ ليس بينهم نبي ولا مؤمن، وهم يصدون عن المسجد الحرام المؤمنين، ثم أخبر عن صلاتهم بما سلف.

ونقل الواحدي عن المفسرين في قوله: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} أي: ما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين وأنبياؤهم معهم بين أظهرهم

(1)

.

وقال ابن عباس: لم يعذب قرية حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا، ويلحق بحيث أمر {وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}

(2)

. أي: ما كان الله معذب هؤلاء الكفار وفيهم المؤمنون يستغفرون، وقيل: منهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان منهم أبو سفيان بن حرب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، والحارث بن هشام، وحكيم بن حزام وجماعة، واختاره الزجاج

(3)

.

والمراد بالتعذيب هنا تعذيب الاستئصال، ثم ذكر المشركين خاصة وأنه معذبهم بالسيف فقال:{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ} [الأنفال: 34]

(1)

"تفسير البسيط" في تفسيره هذِه الآية، وفيه:(وأنت فيهم مقيم) بدل مما هنا (أنبياؤهم معهم).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 233 (16012).

(3)

"معاني القرآن" 2/ 412.

ص: 384

أي: لا يعذبهم الله بالسيف وهم يصدون عن المسجد الحرام، يعني المؤمنين بمنعهم من الطواف بالبيت وما كانوا أولياءه؛ لأنهم قالوا: نحن أولياؤه، فرد عليهم وقال:{إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ}

(1)

.

ومنهم من ادعى نسخها بقوله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ} ووهاه النحاس، وقال: سائر العلماء على أنها محكمة

(2)

.

(1)

"تفسير الوسيط" 2/ 457 - 458.

(2)

"الناسخ والمنسوخ" 2/ 381.

ص: 385

‌6 - [باب] قولهُ: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية وقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}

4650 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً جَاءَهُ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ لَا تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ. فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَغْتَرُّ بِهَذِهِ الآيَةِ وَلَا أُقَاتِلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] إِلَى آخِرِهَا. قَالَ فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39]. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ كَانَ الإِسْلَامُ قَلِيلاً، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ، إِمَّا يَقْتُلُوهُ وَإِمَّا يُوثِقُوهُ، حَتَّى كَثُرَ الإِسْلَامُ، فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِيمَا يُرِيدُ قَالَ فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا قَوْلِى فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ! أَمَّا عُثْمَانُ فَكَانَ اللهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ، فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنُهُ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَهَذِهِ ابْنَتُهُ أَوْ بِنْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ. [انظر: 3130 - فتح: 8/ 309)

4651 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ أَنَّ وَبَرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا أَوْ إِلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ. فَقَالَ وَهَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ كَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ. [انظر: 3130 - فتح: 8/ 310]

ساق فيه حديث نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] إلى آخِرِ الآيَةِ، فَمَا يَمْنَعُكَ

ص: 386

أَنْ تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ. فَقَالَ: يَا ابن أَخِي أَغْتَرُّ بهذِه الآيَةِ وَلَا أُقَاتِلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بالآيَةِ التِي يَقُولُ اللهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء:93] إلى آخِرِهَا .. الحديث.

وقد سلف في: سورة البقرة. والرجل: حكيم

(1)

، كما ذكره الحميدي في "جمعه"

(2)

.

ثم ساق بعده عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا أَوْ إِلَيْنَا ابن عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ تَرى فِي قِتَالِ الفِتْنَةِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا الفِتْنَةُ؟ كَانَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى المُلْكِ.

معنى: {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} يعني: حتى لا يبقى بأرض العرب من يقاتل على الكفر، ويحتمل أن يكون القتال باقيا إلى القيامة.

وقوله: (فكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلونه وإما يوثقونه)، هذا هو الصواب، وفي بعض الروايات:(يقتلوه ويوثقوه) وهو خلاف الصواب؛ لأن (إما) هنا عاطفة مكررة وإنما تجزمه إذا كانت شرطا، وقول ابن عمر رضي الله عنهما (وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه) دال على أن

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 8/ 310: 311 تقدم في تفسير سورة البقرة ما أخرج سعيد بن منصور من أن السائل هو حيان صاحب الدثنية، وروى أبو بكر النجاد في "فوائده" أنه الهيثم بن حنش، وقيل: نافع بن الأزرق، وسأذكر في الطريق التي بعد هذِه قولًا آخر.

ثم قال بعد: وأما قوله (فما قولك في علي وعثمان) فيؤيد أن السائل كان من الخوارج .. ويحتمل أن يكون غيره .. وكأنه كان رافضياً. وقال بعدُ: وقع في رواية البيهقي من وجه آخر عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه (فقال له حكيم) وكذا في "مستخرج أبي نعيم" من وجه آخر عن زهير بن معاوية. اهـ.

(2)

"الجمع بين الصحيحين" 2/ 280 (1442).

ص: 387

الختن عنده الزوج وهو قول محمد بن الحسن قال: وكذلك من كان من ذوي رحم الزوج، وقال الأصمعي وجماعة: الأَخْتَان من قبل المرأة، وسميت المصاهرة مخاتنة لالتقاء الختانين

(1)

.

(1)

انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 985 - 986 (ختن).

ص: 388

‌7 - [باب] قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} إلى قوله: {يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65]

4652

- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ -فَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ: أَنْ لَا يَفِرَّ عِشْرُونَ مِنْ مِائَتَيْنِ- ثُمَّ نَزَلَتِ {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمُ} الآيَةَ [الأنفال: 66]، فَكَتَبَ: أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ. زَادَ سُفْيَانُ مَرَّةً: نَزَلَتْ {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65]. قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَأُرَى الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىَ عَنِ الْمُنْكَرِ مِثْلَ هَذَا. [4653 - فتح: 8/ 311]

ذكر فيه عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فَكتِبَ الله عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ - فَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ: أَنْ لَا يَفِرَّ عِشْرُونَ مِنْ مِائَتَيْنِ -ثُمَّ نَزَلَتِ {الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ} الآيَةَ [الأنفال: 66]، فَكَتَبَ: أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ. زَادَ سُفْيَانُ مَرَّةً: نَزَلَتْ {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65]. قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ ابن شُبْرُمَةَ وَأُرى الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ مِئْلَ هذا.

وأخرجه أبو دا ود في: الجهاد

(1)

، وسفيان هو: ابن عيينة، واسم ابن شبرمة: عبد الله، قاضي الكوفة وعالمها، مات سنة أربع وأربعين ومائة.

(1)

أبو داود (2646).

ص: 389

‌8 - [باب] قوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ} الآيَةَ إِلَى {الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66]

4653

- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ فَقَالَ:{الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66]. قَالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ اللهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعِدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ. . [انظر: 4652 - فتح: 8/ 312]

ذكر فيه أيضا أثر ابن عباس: لما نزلت {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم ألا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف، فقال:{الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ} الآية، فلما خفف عنهم من العدة نقص من الصبر بقدرما خفف عنهم.

الشرح:

قول ابن شبرمة السالف أسنده ابن أبي حاتم من حديث سفيان قال: قال ابن شبرمة فذكره

(1)

، ومعناه: لا يحل له أن يفر من اثنين إذا كانا على منكر، وله أن يفر من أكثر منهما، قال ابن عيينة في "تفسيره" فذكرت هذا الحديث لعبد الله بن شبرمة، فقال ابن شبرمة: الأمر

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 5/ 1728 (9139).

ص: 390

بالمعروف والنهي عن المنكر مثله إذا كانا رجلين أمرهما، وإذا كانوا ثلاثة فهو في سعة من تركهم، واحتج بعض أهل العلم:{فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ} على أن الكارهين للمنكر إذا كانوا الثلث وجب عليهم التغيير.

وقول ابن عباس: (نقص من الصبر بقدر ما خفف الله عنهم) يعني: أنهم كانوا وضع عنهم أن يصبروا للأكثر من مثليهم.

والضعف في العدد في قول أكثر العلماء، وقيل: في القوة والجلد، وهو بفتح الضاد، وقرئ بضمها

(1)

، وقرأ أبوجعفر: ضعفاء -بالمد- جمع ضعيف

(2)

، وقرئ ({يَكُنْ}) بالتاء والياء

(3)

.

والتحريض: المبالغة في الحث على الأمر من الحرض، وهو أن يتابع فيه المرض حتى يشفى على الموت، أو أن يسميه حرضا، أو أن يقول: ما أراك إلا حرضا في هذا ومحرضًا فيه، وقرئ بالصاد المهملة، ويقال: حرصه، وحركه، وحرشه، وحربه بمعنى

(4)

. والآية لفظها خبر يراد به الأمر والنهي، وكذلك دخلها النسخ، وأبعد من قال: إنه تخفيف وليس بنسخ. حكاه مكي، فإن أكثر النسخ تخفيف.

قال قوم: إن هذا كان يوم بدر. قال ابن العربي: وهو خطأ

(5)

، وقد نص مقاتل أنه كان بعد بدر، والآية معلقة بأنهم يفقهون ما يقاتلون به وهو

(1)

قرأها عاصم وحمزة بفتح الضاد، وباقي السبعة بالضم. انظر "الحجة" للفارسي 4/ 161.

(2)

عزاها الطبري في "تفسيره" 6/ 285 لبعض المدنيين.

(3)

انظر: "الحجة" للفارسي 4/ 159 - 162، "الكشف" لمكي 1/ 494 - 495.

(4)

انظر: "مختصر شواذ القرآن" ص 55 قال حكاه الأخفش.

(5)

"أحكام القرآن" 2/ 877.

ص: 391

الثواب، والكفار لا يفقهونه، وقيل: إنهم كانوا في أول الإسلام قليلا، فلما كثروا خفف. ثم هذا في حقنا، أما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجب عليه مصابرة العدو الكثير؛ لأنه موعودٌ بالنصر كاملُ القوة إذ كانت بالله، كما قال:"اللهم بك أصول"

(1)

.

(1)

رواه أحمد 1/ 90 من حديث علي.

ص: 392

‌9 - سورة بَرَاءَةَ

[{مَرْصَدٍ} طريق {إِلَّآ} الإل: القرابة و (الذمة) والعهد]

(1)

.

{وَلِيجَةً} كُلُّ شَيء أَدْخَلْتَهُ فِي شَيء {الشُّقَةُ} السَّفَرُ، الخَبَالُ الفَسَادُ، وَالْخَبَالُ المَوْتُ. {وَلَا تَفْتِنِّي} لَا تُوَبِّخْنِي. {كُرْهًا} وَكُرْهَا واحِدٌ. {مُدَّخَلاً} يُدْخَلُونَ فِيهِ. {يَجْمَحُونَ} يُسْرِعُونَ {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} ائْتَفَكَتْ أنْقَلَبَتْ بِهَا الأَرْضُ. (أَهْوى) أَلْقَاهُ فِي هُوَّةٍ. {عَدْنٍ} خُلْدٍ، عَدَنْتُ بِأَرْضٍ أي أَقَمْتُ، وَمِنْهُ مَعْدِنٌ وَيُقَالُ فِي مَعْدِنِ صِدْقٍ. فِي مَنْبِتِ صِدْقٍ. {الْخَوَالِفِ} الخَالِفُ الذِي خَلَفَنِي فَقَعَدَ بَعْدِي، وَمِنْهُ يَخْلُفُهُ فِي الغَابِرِينَ، ويجُوزُ أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ مِنَ الخَالِفَةِ، وَإِنْ كَانَ جَمْعَ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ على تَقْدِيرِ جَمْعِهِ إِلَّا حَرْفَانِ فَارِسٌ وَفَوَارِسُ، وَهَالِكٌ وَهَوَالِكُ. {الْخَيْرَاتِ} وَاحِدُهَا خَيْرَةٌ وَهْيَ الفَوَاضِلُ. {مُرْجَوْنَ} مُؤَخَّرُونَ. الشَّفَا شَفِيرٌ وَهْوَ حَدُّهُ، وَالْجُرُفُ مَا تَجَرَّفَ مِنَ السُّيُولِ وَالأَوْدِيَةِ. {هَارٍ} هَائِرٍ. يُقَالُ: تَهَوَّرَتِ البِئْرُ إذا أنْهَدَمَتْ، وَانْهَارَ مِثلُهُ (لأَوَّاهٌ) شَفَقًا وَفَرَقًا.

وَقَالَ:

إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ

تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ

هي مدنية، واختلف في آيات منها آيتان مكيتان في شأن علي وعمه

(1)

هذِه الفقرة ساقطة من "اليونينية" ولم يشر في هامشها إلى سقوط شيء، وتكلم عليها الشارح بعدُ مما يدل على ثبوتها عنده في نسخته، ولكنه لم يشر إلى فروق نسخ، وفي "الفتح" 8/ 314 قال الحافظ: كذا في بعض النسخ، وسقط للأكثر.

ص: 393

العباس وشيبة قبل إسلامهما

(1)

{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} [التوبة: 19] وفيها عشر آيات في شأن تبوك.

وقوله: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا} [التوبة: 74] فقيل: إنها نزلت في المنافقين الذين هموا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وقيل: في عبد الله بن أبي. وقيل: في الجلاس بن سويد، وقيل: بتبوك. وقال مقاتل: كلها مدنية إلا قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} [التوبة: 128] إلى آخر السورة، قال السخاوي

(2)

: ونزلت بعد المائدة. قال ابن عباس: أول شيء نزل منها: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} [التوبة: 25] ثم أنزل الباقي فخرج عليه السلام إلى تبوك

(3)

. قال السهيلي: وأهل التفسير يقولون: إن آخرها نزل قبل أولها، فإن أول ما نزل منها:{انْفِرُوا خِفَافًا} ثم نزل أولها في نبذ كل عقد إلى صاحبه

(4)

.

قال ابن العربي: وقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: 5] ناسخة لمائة وأربعة عشر

(5)

آيه، ثم صار آخرها ناسخا لأولها، وهو قوله:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} الآية، وكذا ذكره مكي، وقال الضحاك:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} منسوخة بقوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4]

(6)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: في "صحيح مسلم" في فضل الجهاد، التصريح في غير مكان من الحديث أنه كان بالمدينة فاعلمه، وفيه: التصريح بإسلامهما. والله أعلم.

(2)

ورد بهامش الأصل: وفي الأصل المنقول منه (البخاري)، والظاهر أنه تصحيف وإنما هو السخاوي. والله أعلم.

(3)

"جمال القراء" ص (10).

(4)

"الروض الأنف" 4/ 201.

(5)

ورد بالهامش: صوابه: وأربع عشرة.

(6)

رواه الطبري 6/ 322 (16501) في تفسير سورة براءة، وروى عكسه عنه في تفسير سورة محمد 11/ 306 (31347).

ص: 394

وقال قتادة: هي ناسخة لها

(1)

.

والصحيح كما قاله الثعلبي: إن حكمها ثابت غير منسوخ؛ لأن القتل والمن والفداء لم يزل من أحكامه من أول حرب حاربهم، يدل عليه قوله:{وَخُذُوهُمْ} والأخذ: الأسر، والأسر أن يكون القتل أو الفداء أو المن كما فعل بثمامة.

فائدة:

لها أسماء غير براءة: التوبة؛ لأن فيها التوبة على المؤمنين، والفاضحة وغيرها، ذكرها الزمخشري

(2)

، وقال حذيفة فيما ذكره عبد: هي سورة العذاب.

أخرى:

قيل: إنما لم يبسمل في أولها؛ لأنها والأنفال سورة واحدة، وفي الحاكم عن ابن عباس: سألت علياًّ عن ذلك فقال: لأن البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان

(3)

، والصحيح -كما قال القشيري: أن جبريل ما نزل بها فيها.

(ص): ({مَرْصَدٍ}: طريق)، أي: يأخذون فيه، والمَرْصَد: الموضع الذي يرقب فيه العدو.

(ص)(الإل: القرابة، الذمة: العهد). هو كما قال ({وَلِيجَةً} كل شيء أدخلته في شيء). أسنده ابن أبي حاتم، عن الربيع

(4)

.

(1)

روى الطبري في "تفسيره" 11/ 306 (31343، 31344) عن قتادة قال: ({فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} نسختها {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} .

(2)

"الكشاف" 2/ 275.

(3)

"المستدرك" 2/ 330.

(4)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1765 (10048) بلفظ: {وَلِيجَةً} : دخلاء.

ص: 395

وقال الفراء: بطانة من المشركين

(1)

.

(ص)({الشُّقَّةُ}: السفر) أسنده أيضا عن ابن عباس

(2)

، قيل في السفر البعيد، وقيل: الغاية التي يقصد إليها.

(ص)(الخبال: الفساد، والخبال: الموت)

(3)

، قال ابن عباس: يريد عجزًا، وجبنًا

(4)

أي: إنهم كانوا يجبنونكم عن القتال بتهويل الأمر عليكم.

(ص)(ولأوضعوا خلالكم من التخلل بينكم)، أي: لأسرعوا في الدخول بينكم بالإفساد، والإيضاع: الإسراع، وخلال الشيء وسطه.

(ص)(ولا تفتني: لا توبخني) قلت: نزلت في جد بن قيس المنافق قال له عليه السلام: "هل لك في جلاد بني الأصفر" يعني الروم تتخذ منهم سراري ووصفاء، فقال: ائذن لي في القعود عنك ولا تفتني بذكر النساء، فقد علم قومي أني مغرم وإني أخشى أن لا أصبر عنهن

(5)

، قال ابن عباس: اعتل جد بن قيس بقوله: ولا تفتني، ولم يكن له علة إلا النفاق، قال تعالى:{أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} .

(ص)(كَرها وكُرها واحد)، أي: بفتح الكاف وضمها.

(ص)({مُدَّخَلًا}: يدخلون فيه)، قرئ بضم الميم وفتحها، وهو ما في بعض النسخ -يعني: الضم- والمعنى متقارب.

(1)

"معاني القرآن" 1/ 426.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1804 (10070).

(3)

في الهامش: حاشية: قال ابن قرقول: صوابه الموتة يعني (

).

(4)

ذكره الواحدي في "تفسيره" عنه.

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 387 (16803).

ص: 396

قال قتادة: سربًا

(1)

، وقال الحسن: وجهًا يدخلونه

(2)

. والملجأ أول الآية: المكان الذي يتحصن فيه.

قال ابن عباس: مهربا، والمغارات جمع مغارة، وهي المكان الذي تغور فيه تستتر، من قولهم: غار الماء في الأرض، قال ابن عباس: يعني: سراديب

(3)

.

(ص)(يجمحون: يسرعون)، أي: لا يرد وجوههم شيء، ومنه فرس جموح.

(ص)(والمؤتفكات: ائتفكت انقلبت بها الأرض)، أسنده أبو محمد عن قتادة وهي قريات لوط المنقلبات

(4)

.

(ص)(أهوى: ألقاه في هوة. عدن: خلد، عدنت بأرض، أي: أقمت بها، ومنه معدن، ويقال: في معدن صدق: في منبت صدق، الخوالف: الخالف الذي خلفني فقعد بعدي، ومنه يخلفه في الغابرين، ويجوز أن يكون النساء من الخوالف، وإن كان جمع الذكور، فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حرفان فارس وفوارس، وهالك وهوالك).

قلت: أهمل سابق وسوابق وبالس وبوالس، وداجن ودواجن. ذكره ابن مالك.

(1)

رواه الطبري 6/ 393 (16827).

(2)

في "تفسير البغوي" 4/ 59.

(3)

روى الطبري 6/ 392 (16823) وابن أبي حاتم 6/ 1814 (10331، 10333، 10334) بلفظ: {مَلْجَأً} حرزًا {مَغَارَاتٍ} يعني: الغيران أو {مُدَّخَلاً} يقول: ذهابًا في الأرض، وهو النفق في الأرض، وهو السرب.

(4)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1837 (10201).

ص: 397

وفي "شرح اللمع" للأصبهاني

(1)

: ومن الأسماء: غارب وغوارب، وكاهل وكواهل، وحائج وحوائج، وعائش وعوائش للنوعان.

وقال قتادة وغير واحد: الخوالف: النساء

(2)

المتخلفات، وقيل: أخسأ الناس.

(ص)({الْخَيْرَاتِ} واحدتها خيرة، وهي الفواضل)، قاله أبو عيد

(3)

وغيره بزيادة الحسان. (مرجون: مؤخرون لأمرالله) ليقضي فيهم بما هو قاض.

(ص)(الشفا: الشفير، وهو حده، والجرف: ما تَجَرَّف من السيول والأودية) أي: وهو جانبها الذي ينحدر بالماء أصله، فبقي دائما.

(ص)(هار، هائر): يريد به أنه مقلوب من أهائر.

(ص) (شفقا وفرقا، قال:

إذا ما قمت أرحلها بليل

تأوه آهة الرجل الحزين

(يقال: تهورت البئر إذا انهدمت وانهارت مثله واحتج له بهذا البيت)

(4)

.

(1)

هو علي بن الحسين الضرير، النحوي الأصبهاني، المعروف بجامع العلوم. استدرك على الفارسي والجرجاني صنف "شرح الجمل"، "الجواهر"، "المجمل"، "البيان من شواهد القرآن"، "علل القراءات". قالى البيهقي في "الوشاح" هو في النحو والإعراب كعبة لها أفاضل العصر سدنة. والفضل بعد خفائه أسوة حسنة.

وانظر: "بغية الوعاة" 2/ 160.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 442 (17079: 17087).

(3)

هو في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 267.

(4)

ورد بهامش الأصل: كذا في أصله وعليه (لا .. إلى). فاعلمه، وهو صحيح؛ لأنه يأتي بعد الشعر، ولكن قال فيه: وقد سلف. اهـ. [قلت الذي يظهر أنها تأخرت عن مكانها قليلاً فكان ينبغي أن تسبق بعد (هار، هائر) وتعليقه عليها.

ص: 398

زاد غيره: المترحم شفقا وفرقا، وقيل: أواه: دعاء. واحتج له بهذا البيت، وقال كعب: إذا ذكر النار تأوه

(1)

.

وهذا البيت للمثقب العبدي، واسمه: عائذ بن محصن بن ثعلبة بن واثلة بن عدي، قال المرزباني

(2)

: وقيل: أرساس بن عائذ، وقال أبو عبيدة: اسمه: شاس بن نهار

(3)

، والأول أثبت، وسمي المثقب؛ لقوله:

رددن تحية وكنن أخرى

(وثقبن الوصاوص)

(4)

بالعيون

(5)

والبيت المنشد هو من قصيدة أولها:

أفاطم قبل بينك متعيني

ومنعك ما سألت كأن تبيني

فلا تعِدِي مواعد كاذباتٍ

تمرُّ بها رياح الصيف دوني

فإني لو تخالفني شمالي

لما أتبعتها أبدًا يميني

إذًا لقطعتها ولقلتُ بيني

كذلك أجتوي من يجتويني

إلى أن قال:

فسل الهم عنك بذات لوث

عذافرة كمطرقة القيون

إذا قمت أرحلها بليل ................ البيت

(1)

رواه الطبري 6/ 498 (17426 - 17428).

(2)

هو محمد بن عمران بن موسى المرزباني، كان صاحب أخبار، ورواية للآداب، وصنف كتباً كثيرة في أخبار الشعراء، والنوادر وغير ذلك، مات سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.

انظر: "تاريخ بغداد" 3/ 135، "سير أعلام النبلاء" 16/ 447.

(3)

البيت ذكره أبو عبيدة في "مجازه" 1/ 270 وعزاه للمثقب العبدي ولم يذكر اسمه.

(4)

قبالتها بهامش الأصل: وأرين محاسنًا.

(5)

هكذا بالأصل، والبيت معروف بلفظ:(للعيون).

ص: 399

وبعده:

تقول إذا درأت لها وضيني

أهذا دينه أبدًا وديني

أكل الدهر حَلٌّ وارتحال

فما يُبقي عليَّ ولا يقيني

ومن حكمها وآدابها قوله:

فإما أن تكون أخي بحق

فأعرف منك غثِّي من سميني

وإلا فاطرحني واتخذني

عدوًا أتقيك وتتقيني

فما أدري إذا يممت أرضا

أريد الخير أيهما يليني

آلخير الذي أنا أبتغيه

أم الشر الذي هو يبتغيني

(1)

(ص)(يقال: تهورت البئر إذا تهدمت، وانهارت مثله)، وقد سلف، يريد أنه صيرهم النفاق إلى النار.

(1)

انظر القصيدة في "المفضليات" ص 288.

ص: 400

‌1 - [باب قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1)}]

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {أُذُنٌ} [التوبة: 61]: يُصَدِّقُ. {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ، وَالزَّكَاةُ: الطَّاعَةُ وَالإِخْلَاصُ {لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 7]: لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ {يُضَاهِئُونَ} {التوبة: 30} : يُشَبِّهُونَ.

4654 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه يَقُول: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ. [انظر: 4364 - مسلم: 1618 - فتح: 6/ 316]

(ص)(قال ابن عباس: {أُذُنَ} يصدق). قلت: فيقبل كل عذر.

(ص)({تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، ونحوه كثير، والزكاة الطاعة والإخلاص. {لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} لا يشهدون). قلت: فترفعهم بها من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين، وأصلها إليها والزيادة.

(ص)({يُضَاهِئُونَ}: يشبهون.) قلت: هو أصلها، وقرأ عاصم بالهمز

(1)

، وهي لغة.

ثم ساق حديث أَبي إِسْحَاقَ، عن البَرَاءَ آخِرُ اَيَةٍ نَزَلَتْ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ.

هذا سلف في آخر تفسير سورة النساء

(2)

، وسلف في تفسير سورة البقرة، عن ابن عباس: إن آخر آيه، آية الربا

(3)

(1)

انظر: "الحجة" 4/ 186، "الكشف" 1/ 502.

(2)

سلف برقم (4605) باب: قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} .

(3)

سلف برقم (4544) باب: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} .

ص: 401

وقيل: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} [البقرة: 281] بعدها. قال الداودي: ولم يختلفوا أن أول براءة نزلت سنة تسع، لما حج الصديق بالناس أنزلت:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] عام حجة الوداع، فكيف تكون براءة آخر سورة أنزلت؟ ولعل البراء أراد بعض براءة.

ص: 402

‌2 - [باب] قوله: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2]

(سيحُوا): سِيرُوا.

4655 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ، بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَهْلِ مِنًى بِبَرَاءَةَ، وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. [انظر: 369 - مسلم: 1347 - فتح: 8/ 317].

أي: آمنين بالعهد، أي: قل لهم يا محمد: سيروا في الأرض آمنين غير خائفين.

ثم ساق حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ .. الحديث.

تقدم في الصلاة في باب: ما يستر من العورة، وسلف في: الحج أيضًا

(1)

.

وأول هذِه الأشهر: شوال، وقيل: يوم عرفة، وجعلت هذِه المدة أمانا لمن كان له عهد أربعة أشهر فما دونها، كان

(2)

له أجل أكثر منها يفيء إليه؛ لقوله تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} وسماها حُرُمًا؛ لقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} أي: لتحريم قتال

(1)

سلف برقم (1622) باب: لا يطوف بالبيت عريان.

(2)

هكذا بالأصل، ولعله:(ومن كان).

ص: 403

المشركين بها

(1)

، وأما قوله تعالى:{مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} قلت: هذِه هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.

قال ابن إسحاق

(2)

وغيره: المؤجلون في هذِه الآية صنفان من المشركين:

أحدهما: كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر ليرتاد لنفسه ثم هو حرب بعد ذلك. وابتداء هذا الأجل كما قال الثعلبي-: يوم الحج الأكبر، وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر.

فأما من لا عهد له، فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم، ثم نسخ بآية السيف

(3)

.

وقال النحاس: أحسن الأقوال في الآية أنها فيمن نقض العهد، فأما من لم ينقضه فهو مقيم على عهده {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7]. قال: وأما ما جاء في الحديث أن ينبذ إلى كل ذي عهد عهده أن يكون للناقض، على أن الرواية بسقوط هذِه اللفظة أولى وأكثر وأشبه

(4)

.

(1)

ورد بالهامش: لعله فيها.

(2)

"تفسير الطبري" 6/ 302 (16370).

(3)

كلام الطبري سياقه أوضح قال في "تفسيره": فقال بعضهم: هم صنفان من المشركين: أحدهما: كانت مدة العهد بينه وبين رسول صلى الله عليه وسلم أقل من أربعة أشهر، وأمهل بالسياحة أربعة أشهر.

والآخر منهما: كانت مدة عهده بغير أجل محدود، فقصر به على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه، ثم هو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين، يقتل حيثما أدرك ويؤسر، إلا أن يتوب. اهـ ثم ساق كلام ابن إسحاق.

(4)

"الناسخ والمنسوخ" 2/ 414 - 416.

ص: 404

‌3 - [باب] قوله: {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} الآية [التوبة: 3]

آذَنَهُمْ: أَعْلَمَهُمْ.

4656 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي الْمُؤَذِّنِينَ، بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى: أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ حُمَيْدٌ: ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ، وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. [انظر: 369 - مسلم: 1347 - فتح: 8/ 317]

ص: 405

‌4 - [باب {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}]

(1)

4657 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا -قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ- فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أَنْ لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. فَكَانَ حُمَيْدٌ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ. مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. [انظر: 369 - مسلم: 1347 - فتح: 8/ 320]

{وَأَذَانٌ} : إعلام. قلت: وهو اسم من الإيذان، يقال: أذن إيذانا وأذانًا.

ثم ذكر حديث أبي هريرة المذكور من طريقين: وفي آخر الثاني: فَكَانَ حُمَيْدٌ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ. مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قلت: وهذا هو الأصح، وقد سلف في الحج أنه عليه السلام قال يوم النحر:"هذا يوم الحج الأكبر"

(2)

وهو نص، وقيل: أيامه كلها.

وقال ابن عباس: إنه يوم عرفة. وقال ابن سيرين: إنه العام الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفق فيه حج أهل الملل. وعن مجاهد في رواية: الحج الأكبر القران، والأصغر العمرة

(3)

.

(1)

سقط هذا الباب في نسخة الشارح وأشار في "اليونينية" إلى ثبوتها في نسخة أبي ذر فقط.

(2)

سلف برقم (1742) باب: الخطبة أيام منى، من حديث ابن عمر.

(3)

بسط الطبري هذِه المسألة في "تفسيره" وعدد الروايات في كل قول ورجع كونه يوم النحر، ثم ساق الروايات في سبب تسميته بذلك. فانظره 6/ 309 - 318 (16396: 16482).

ص: 406

فائدة:

حجة الصديق كانت سنة تسع. قال البيهقي في "دلائله": ونزلت سورة براءة بعد خروجه، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا ليقرأها على الناس. ثم ساق ذلك عن ابن إسحاق فقال: إنه موجود في الأحاديث الموصولة. ثم ذكر من حديث مقسم عن ابن عباس أنه عليه السلام بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات وأتبعه عليًّا إلى أن قال: وكان علي ينادي بها فإذا بح قام أبو هريرة فنادى بها. ثم ساق من حديث أبي الزبير عن جابر رضي الله عنهما أن عليًّا قرأ على الناس براءة حتى ختمها. ثم ساق من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة أنه عليه السلام بعث مع علي بآيات من براءة

(1)

.

(1)

"دلائل النبوة" 5/ 293 - 298.

ص: 407

‌5 - [باب] قوله: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} الآية [التوبة: 12]

4658 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ إِلاَّ ثَلَاثَةٌ، وَلَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ. فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: إِنَّكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم تُخْبِرُونَا فَلَا نَدْرِى، فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا وَيَسْرِقُونَ أَعْلَاقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ، أَجَلْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ الْبَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ. [فتح: 8/ 322].

يعني: رءوس قريش وقادتهم أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو.

قال الفراء: لا عهود لهم

(1)

.

قرأ ابن (عامر)

(2)

إيمان بكسر الهمزة، والباقون بالفتح

(3)

.

وقال مجاهد: أهل فارس والروم.

وقال حذيفة: ما قوتل أهل هذِه الآية ولم يأت أهلها

(4)

.

ثم ساق البخاري حديث زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هذِه الآيَةِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ، وَلَا مِنَ المُنَافِقِينَ إِلَّا أَرْبَعَةٌ. فَقَالَ أَعْرَابِيّ: إِنَّكُمْ -أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - تُخْبِرُونَا بما لا ندري أخبارًا

(1)

"معاني القرآن" 1/ 425.

(2)

ورد في الأصل (عباس) وبهامشها كتب (صوابه عامر). فأثبتناها.

(3)

انظر: "الحجة" للفارسي 4/ 177، "الكشف" لمكي 1/ 500.

(4)

رواه الطبري 6/ 330 (16541: 16543)، وابن أبي حاتم 6/ 1761 (10024).

ص: 408

لَا نَدْرِي ما هي، فَمَا بَالُ هؤلاء الذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا ويسْرِقُونَ أَعْلَاقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الفُسَّاقُ، أَجَلْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، بينهم شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ المَاءَ البَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ.

اعترض الإسماعيلي فقال: قال إسماعيل: يعني الذين كاتبوا المشركين، وليس في الحديث الذي ذكره بيان للآية، وقد ذكر بيانها سفيان عن إسماعيل، عن زيد سمعت حذيفة يقول: ما بقي من المنافقين من أهل هذِه الآية: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] إلا أربعة أنفس قال: فإذا كان ما ذكرت في خبر سفيان، فحق أن يخرج في سورة الممتحنة، وإنما ذكر المنافقين في البقرة وآل عمران وغيرهما فلِمَ أتى بهذا الحديث في ذكرهم؟

قلت: وكان حذيفة أسر إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء عدة من المنافقين وأئمة الكفر الذين نزلت فيهم الآية ولم يسر إليه بأسماء جميعهم، واليه الإشارة بقوله:{لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101].

قال الداودي: وظاهر إيراد حديث حذيفة أنه يعلمهم؛ لقوله: (ولا من المنافقين إلا أربعة) إلا أن يقال: ممن سمي له.

و (يبقرون) بالباء ثم قاف أي: يفتحون، يقال: بقرت الشيء إذا فتحته، قاله ابن فارس

(1)

، ورواه قوم بالنون بدل الباء، حكاه ابن الجوزي، والأول أصح. وقال الخطابي: معنى ينقرون: ينقبون، والنقر أكثره إنما يكون في الصخور والخشب، والأعلاق يعني بعين مهملة كما ضبطه به ابن الجوزي: المال النفيس، وكل شيء له قدر، واحده: علق بكسر العين، يسمى بذلك لتعلق العلم به.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 131.

ص: 409

وكذا قال الخطابي: الأعلاق: نفائس الأموال، وكل شيء له قيمة أوله من نفسه قدر فهو علق

(1)

. وبخط الدمياطي بالغين المعجمة ضبطها، وقد حكاه ابن التين، ثم قال: لا أعلم له وجهًا.

وقوله: (لما وجد برده) إشارة إلى قطع لذته. ومعنى (أجل): نعم.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1844.

ص: 410

‌6 - [باب] قوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]

4659

- حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ» . [انظر:2371 - مسلم: 987 - فتح: 8/ 322]

4660 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ مَرَرْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الأَرْضِ؟ قَالَ: كُنَّا بِالشَّأْمِ فَقَرَأْتُ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ فِينَا، مَا هَذِهِ إِلاَّ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ. [انظر: 1406 - فتح: 8/ 322}

ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ".

وحديث زيدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ على أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ بهذِه الأَرْضِ؟ قَالَ: كُنَّا بِالشَّامِ فَقَرَأْتُ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآية [التوبة: 34] قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هذِه فِينَا، مَا هذِه إِلَّا فِي أَهْلِ الكِتَاب. قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ. سلف في الزكاة، وقد احتج بعض المالكَية في جواز أخذ الورق من الذهب وعكسه بقوله:{يُنْفِقُونَهَا} ولم يقل: ينفقونهما

(1)

، وقيل: يعود الضمير إلى الكنز لاشتماله عليهما، وقيل: يعاد على أحدهما؛ {أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62].

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 7/ 243 - 245، "أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 930، "المنتقى" 4/ 304.

ص: 411

‌7 - [باب] قَوْلِهِ: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} الآية [التوبة: 35]

4661 -

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللهُ طُهْرًا لِلأَمْوَالِ. [انظر: 1404 - فتح: 8/ 324]

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ: ثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أً سْلَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما فَقَالَ: هذا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللهُ طُهْرًا لِلأَمْوَالِ. وقد سلف في الزكاة، وليس لخالد هذا عن ابن عمر في "الصحيح" غيره كما نبه عليه الحميدي

(1)

، وهذا رأي عمر بن عبد العزيز أيضا أنها -أعنى: الآية التي قبلها- منسوخة بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103] وهذا نسخ الخبر، وقد سلف أن الأخبار لا تنسخ.

(1)

"الجمع بين الصحيحين" 2/ 294. وورد بهامش الأصل: وكذا لم يذكر المزي في أطرافه له عن ابن عمر غيره، وقال: تعليق في الزكاة، وهنا بقوله: وقال أحمد بن شبيب. فاعلمه، وكلام ابن الصلاح أن هذا أخذه عنه في المذاكرة؛ لأنه شيخه.

ص: 412

‌8 - [باب] قوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} الآية [التوبة: 36]

{ألْقَيِّمُ} القَائِمُ.

4662 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا، أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» . [انظر: 67 - مسلم: 1679 - فتح: 8/ 324]

هو قول أبي عبيدة

(1)

. و {الدِّينَ} هو الحساب الصحيح. وقال ابن عباس: القضاء القيم

(2)

.

وقوله: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي في الأربعة، وقيل: في الاثنى عشر بالقتال ثم نسخ. وقيل بارتكاب الآثام.

ثم ساق حديث ابن أبي بكرة -وهو عبد الرحمن بن أبي بكرة وهو نفيع، أول مولود

(3)

ولد في الإسلام بالبصرة- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا، أَرْبَعَة حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُوالقَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الذِي بَيْنَ جُمَادى وَشَعْبَانَ".

(1)

"مجاز القرآن" 1/ 258.

(2)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1792 (10001).

(3)

ورد بهامش الأصل: يعني عبد الرحمن.

ص: 413

سلف في العلم، وبدء الخلق، والمغازي، والحج، وأخرجه في الأضاحي

(1)

ومسلم وأبو داود والنسائي

(2)

، وابتدأ عليه السلام بذي القعدة، ومنهم من ابتدأ بالمحرم؛ ليكون عددها من سنة.

وقوله: ("ثلاثة متواليات") بدل عن متوالية؛ تنبيهًا على تقليلها في معدودات.

وقوله: ("ورجب مضر") إلى آخره، هو إيضاح له؛ لأن غير مضر كانوا ينقلونه عنه إلى شهر غيره كما فعلوه في النسيء، وكانت مضر تحافظ على تحريم رجب وشعبان من أجله، وربيعة تجعل منها رمضان.

وقوله: "إن الزمان قد استدار .. " إلى آخره، كان ذلك في حجة الوداع، وهو سبب تأخيره حجة الوداع إلى العاشرة حتى وقع الحج في ذي الحجة موافقة لأول الخلق فإنه يقال: أول خلق الشمس في برج الحمل فوافق ذلك تاسع ذي الحجة.

(1)

سلف في الحج برقم (1741)، وفي بدء الخلق برقم (3197)، وفي المغازي برقم (4406)، وسيأتي في الأضاحي برقم (5550).

(2)

أبو داود (1947)، النسائي في "الكبرى" 2/ 469 - 470 (4215).

ص: 414

‌9 - [باب] قوله: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [االتوبة: 40]

{مَعَنَا} نَاصِرُنَا، السكينة: فعيلة من السكون.

4663 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَارِ، فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا. قَالَ:«مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» . [انظر: 3653 - مسلم: 2381 - فتح: 8/ 325]

4664 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ حِينَ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ قُلْتُ: أَبُوهُ الزُّبَيْرُ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ، وَخَالَتُهُ عَائِشَةُ، وَجَدُّهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَدَّتُهُ صَفِيَّةُ. فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ إِسْنَادُهُ. فَقَالَ: حَدَّثَنَا، فَشَغَلَهُ إِنْسَانٌ وَلَمْ يَقُلِ ابْنُ جُرَيْجٍ. [4665، 4666 - فتح: 8/ 326]

4665 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فَغَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: أَتُرِيدُ أَنْ تُقَاتِلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَتُحِلُّ حَرَمَ اللهِ؟. فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ! إِنَّ اللهَ كَتَبَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَبَنِي أُمَيَّةَ مُحِلِّينَ، وَإِنِّي وَاللهِ لَا أُحِلُّهُ أَبَدًا. قَالَ قَالَ النَّاسُ: بَايِعْ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ. فَقُلْتُ: وَأَيْنَ بِهَذَا الأَمْرِ عَنْهُ؟ أَمَّا أَبُوهُ فَحَوَارِيُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -يُرِيدُ الزُّبَيْرَ- وَأَمَّا جَدُّهُ فَصَاحِبُ الْغَارِ -يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ- وَأُمُّهُ فَذَاتُ النِّطَاقِ -يُرِيدُ أَسْمَاءَ- وَأَمَّا خَالَتُهُ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ -يُرِيدُ عَائِشَةَ- وَأَمَّا عَمَّتُهُ فَزَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يُرِيدُ خَدِيجَةَ، وَأَمَّا عَمَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَدَّتُهُ -يُرِيدُ صَفِيَّةَ- ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الإِسْلَامِ، قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ. وَاللهِ إِنْ وَصَلُونِي وَصَلُونِي مِنْ قَرِيبٍ، وَإِنْ رَبُّونِي رَبَّنِي أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، فَآثَرَ التُّوَيْتَاتِ وَالأُسَامَاتِ

ص: 415

وَالْحُمَيْدَاتِ، يُرِيدُ أَبْطُنًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ بَنِي تُوَيْتٍ وَبَنِى أُسَامَةَ وَبَنِى أَسَدٍ، إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَاصِ بَرَزَ يَمْشِي الْقُدَمِيَّةَ -يَعْنِي: عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَإِنَّهُ لَوَّى ذَنَبَهُ- يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ. [انظر: 4664 - فتح: 8/ 326]

4666 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَلَا تَعْجَبُونَ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ قَامَ فِي أَمْرِهِ هَذَا؟! فَقُلْتُ: لأُحَاسِبَنَّ نَفْسِي لَهُ، مَا حَاسَبْتُهَا لأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ، وَلَهُمَا كَانَا أَوْلَى بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْهُ، وَقُلْتُ: ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنُ أَخِي خَدِيجَةَ، وَابْنُ أُخْتِ عَائِشَةَ فَإِذَا هُوَ يَتَعَلَّى عَنِّي وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَعْرِضُ هَذَا مِنْ نَفْسِي، فَيَدَعُهُ، وَمَا أُرَاهُ يُرِيدُ خَيْرًا، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لأَنْ يَرُبَّنِي بَنُو عَمِّي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي غَيْرُهُمْ. [انظر: 4664 -

فتح: 8/ 326]

(السكينة فعيلة من السكون) أي: والوقار، ليس ضد الحركة. قيل: الضمير على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: على أبي بكر. وهو حسن؛ لأن الشارع لم تزل عليه.

ثم ساق حديث أبي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغَارِ، فَرَأَيْتُ آثَارَ المُشْرِكِينَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا. قَالَ:"مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا". وقد سلف في مناقبه في الهجرة.

ثم ساق عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ حِينَ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابن الزُّبَيْرِ -قُلْتُ: أَبُوهُ الزُّبَيْرُ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ، وَخَالَتُهُ عَائِشَةُ، وَجَدُّهُ أَبُو بَكْرٍ، وَجَدَّتُهُ صَفِيَّةُ. فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ إِسْنَادُهُ. فَقَالَ: ثَنَا، فَشَغَلَهُ إِنْسَانٌ وَلَمْ يَقُلِ: ابن جُرَيْجٍ.

ص: 416

ثم قال: حَدَّثَنِا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ -وهو المسندي- قَالَ: ثَنِا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثنَا حَجَّاجٌ -هو ابن محمد الأعور- قَالَ ابن جُرَيْجٍ: قَالَ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فَغَدَوْتُ عَلَى ابن عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: أَتُرِيدُ أَنْ تُقَاتِلَ ابن الزُّبَيْر وتحل حَرَمَ اللهِ؟ فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ! إِنَّ اللهَ كَتَبَ ابن الزُّبَيْرِ وَبَنِي أُمَيَّةَ مُحِلّينَ، وَإِنِّي والله لَا أُحِلُّهُ أَبَدًا. قَالَ: قَالَ النَّاسُ: بَايعْ لِابْنِ الزُّبَيْرِ. فَقُلْتُ: وَأَيْنَ بهذا الأَمْرِ عَنْهُ؟ أَمَّا أَبُوهُ: فَحَوَارِيُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -يُرِيدُ الزُّبَيْرَ- وَأَمَّا جَدُّهُ فَصَاحِبُ الغَارِ -يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ- وَأُمُّهُ فَذَاتُ النِّطَاقِين -يُرِيدُ أَسْمَاءَ- وَأَمَّا خَالَتُهُ فَأُمُّ المُؤْمِنِينَ -يُرِيدُ عَائِشَةَ- وَأَمَّا عَمَّتُهُ فَزَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -يُرِيدُ خَدِيجَةَ- وَأَمَّا عَمَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَدَّتُهُ -يُرِيدُ صَفِيَّةَ- ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الإِسْلَامِ، قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ. والله إِنْ وَصَلُونِي وَصَلُونِي مِنْ قَرِيبٍ، وَإِنْ رَبُّونِي رَبَّنِي أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، فَآثَرَ التُّوَيْتَاتِ وَالأُسَامَاتِ وَالْحُميْدَاتِ، يُرِيدُ أَبْطُنًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ بَنِي تُوَيْتٍ وَبَنِي أُسَامَةَ وَبَنِي حميد، إِنَّ ابن أَبِي العَاصِ بَرَزَ يَمْشِي القُدَمِيَّةَ -يَعْنِي: عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ- وَإِنَّهُ لَوى ذَنبَهُ، يَعْنِي ابن الزُّبَيْرِ.

ثم ساق عن ابن أَبِي مُلَيْكَةَ قال: دَخَلْنَا عَلَى ابن عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَلَا تَعْجَبُونَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ قَامَ فِي أَمْرِهِ هذا؟! فَقُلْتُ: لأُحَاسِبَنَّ نَفْسِي لَهُ، مَا حَاسَبْتُهَا لأَبِي بَكْرٍ [وَلَا لِعُمَرَ]

(1)

، وَلَهُمَا كَانَا أَوْلَى بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْهُ، وَقُلْتُ: ابن عَمَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنُ أَخِي خَدِيجَةَ، وَابْنُ أُخْتِ عَائِشَةَ فَإِذَا هُوَ يَتَعَلَّى عَنِّي وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَعْرِضُ هذا مِنْ نَفْسِي، فَيَدَعُهُ، وَمَا أُرَاهُ يُرِيدُ خَيْرًا، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ أنْ يَرُبَّنِي بَنُو عَمِّي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي غَيْرُهُمْ.

(1)

ساقطة من الأصل.

ص: 417

الشرح:

قيل: الذي وقع بينه وبين [ابن]

(1)

الزبير كان في بعض قراءته القرآن. ومعنى (محلين) يعني: مبيحين القتال في الحرم، وكان ابن الزبير يدعى المحل

(2)

، والمراد بكون خديجة عمته -يعني عمة أبيه الزبير- فهي عمة له.

و (ربُّوني) بضم الباء كما ضبطه صاحب "المطالع" أي: يكونون علي أمراء وأربابًا فيشاهدون إحسانهم عندي ويعطوه. وربَّني بفتح الباء.

وقوله: (وصلوني وربوني) يريد بذلك بني أمية. والأكفاء: الأمثال، الواحد: كفؤ.

وقوله: (أَبْطُنًا من بني أسد) يعني قرابته، والثلاثة من بني عبد العزى.

و (الحميدات) بنو حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي قبيلة من أزد قريش.

و (التويتات): بنو تويت بن حبيب بن أسد. و (الأسامات): بنو أسامة بن عبد الله بن حميد بن زهير.

و (القدمية) بضم القاف وفتح الدال، قاله أبو عبيد يعني: التبختر، ضربه مثلا لركوبه معالي الأمور أنه سعى فيها وعمل بها

(3)

.

وقال ابن قتيبة: هي القدمية واليقدمية

(4)

.

(1)

ساقطة من الأصل.

(2)

ورد بهامش الأصل: في أصله الحل.

(3)

"غريب الحديث" لأبي عبيد 2/ 296.

(4)

"غريب الحديث" لابن قتيبة 2/ 344 - 344.

ص: 418

قال ابن الأثير: الذي عند البخاري القدمية، معناه: تقدمه في الشرف والفضل. والذي جاء في كتب الغريب: اليقدمية. بالياء والتاء وعند الأزهري بالياء، وعند الجوهري بالتاء، وقيل: إن اليقدمية -بالياء- التقدم بالهمة والفعل

(1)

. وعند صاحب "المطالع" رواه بعضهم اليقدمية بفتح الدال وضمها، والضم صح لنا عن شيخنا أبي الحسن. وقال الخطابي:(يمشي القدمية) يعني: التبختر، وهو مثل يريد أنه قد برز وبلغ الغاية (إلى أمِّ هامته)

(2)

. (وإن الآخر لوى ذنبه) أي: لم يتم لما أراده، لكن زاغ عن ذلك

(3)

.

وقوله: (لوى ذنبه) أي ثناه، يقال: لوى فلان ذنبه ورأسه وعطفه إذا ثناه وصرفه، ويروى بالتشديد للمبالغة، وهو مثل لترك المكارم والروغان وإيلاء الجميل، ويجوز أن يكون كناية عن التأخر؛ لأنه قاله في مقابلة أن ابن أبي العاصي يمشي اليقدمية وضبط الدمياطي: لوى بالتشديد. وقال: كنى به عن الجبن، وإيثار الدعة كما تفعل السباع إذا أرادت النوم بأذنابها.

قال أبو عبيد: يريد أنه لم يتبرز لاكتساب المجد، وطلب الحمد، ولكنه راغ وتنحى

(4)

وكذلك لوى ثوبه في عنقه، ثم قال: ويقال بالتخفيف أيضا، وقرئ بالوجهين {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ}

(5)

[المنافقون: 5].

(1)

"تهذيب اللغة" 3/ 2903، "الصحاح" 5/ 2008، "النها ية في غريب الحديث" 4/ 27.

(2)

وقعت في الأصل: التي أمها منه. والمثبت من "أعلام الحديث".

(3)

"أعلام الحديث" 3/ 1846.

(4)

"غريب الحديث" 2/ 296.

(5)

قرأها بالتخفيف نافع والمفضل عن عاصم، وباقي السبعة بالتشديد، انظر "الحجة" للفارسي 6/ 292.

ص: 419

قال ابن التين: معنى (لوى ذنبه) لم يتم له ما أراد. وقال الداودي: يعني أنه مرس بالحرب لا يتأخر ولا يتقدم في غيره، ويضع الأشياء مواضعها، فيدني الناصح ويقصي الكاشح

(1)

.

ومعنى (لأحاسبن): لأناقشن نفسي في معونته ونصحه والذب عنه، قاله الخطابي

(2)

، وقال الداودي: إني أذكر في مناقبه ما لم أذكر في مناقبهما؛ لعلم الناس بذلك منهما، ولكن فضلهما زاد على فضل من ينسبان إليه.

و (يتعلى): معناه يترفع أعلى، وقوله:(ما كنت أظن أني أعرض عليه هذا من نفسي فيدعه) يقول: ما ظننت أنه لا يعرف لي حق بنعتي ونصحي.

وقوله: (لأن يربني بنو عمي) أي: قريشًا، أي: يكون ربا علي وأميرًا. قال الداودي: وكان الضحاك بن قيس يدعو إلى نفسه، وعبد الملك أقرب إلى ابن عباس منه، وكان ابن عباس يعظم الحرم، ويقول: لا يقاتل فيه ولا يقاد فيه من لجأ إليه، ومالك لا يقوله

(3)

.

(1)

نقل الحافظ في "الفتح" 8/ 329 عن الداودي عكس ذلك، فقال: المعنى أنه وقف فلم يتقدم ولم يتأخر، ولا وضع الأشياء مواضعها فأدنى الكاشح وأقصى الناصح، ونحوه في "عمدة القاري" 15/ 198.

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1847.

(3)

انظر: "النوادر والزيادات" 14/ 226.

ص: 420

‌10 - [باب] قوله: {وَاَلْمُؤَلَّفَةِ قلُوبُهُمِ} [التوبة: 60]

قَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَأَلَّفُهُمْ بِالْعَطِيَّةِ.

4667 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ وَقَالَ:«أَتَأَلَّفُهُمْ» . فَقَالَ رَجُلٌ: مَا عَدَلْتَ. فَقَالَ: «يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ» . [انظر: 3344 - مسلم: 1064 - فتح: 8/ 330]

ثم ساق حديث ابن أَبِي نُعْمٍ، وهو: عبد الرحمن، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ: بُعِثَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ وَقَالَ:"أَتَأَلَّفُهُمْ". فَقَالَ رَجُل: مَا عَدَلْتَ. فَقَالَ: "يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هذا قَوْمٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ".

هذا الحديث سلف في باب علامات النبوة مطولا، والمغازي، ويأتي في التوحيد

(1)

.

فصل:

وكان المؤلفة قلوبهم نحو الخمسين كما أسلفته في الخمس، منهم أبو سفيان بن حرب، وابنه معاوية، وأبو السنابل، وحكيم بن حزام، وعباس بن مرداس، واختلف في الوقت الذي يتألفهم فيه فقيل: قبل إسلامهم ليسلموا، وقيل: بعده ليثبتوا. واختلف متى قطع ذلك عنهم فقيل: في خلافة الصديق، وقيل: في خلافة الفاروق. واختلف في نسخه واستمراره، وقد سلف إيضاح ذلك هناك.

(1)

سلف في علامات النبوة برقم (3610) وفي المغازي برقم (4351) باب: بعث علي بن أبي طالب، وسيأتي في التوحيد برقم (7432) باب: تعرج الملائكة والروح إليه.

ص: 421

‌11 - [باب] قوله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية [التوبة: 79]

{يَلْمِزُونَ} [التوبة: 79]: يَعِيبُونَ، وَ {جُهْدَهُمُ} [التوبة: 79] وَجَهْدَهُمْ: طَاقَتَهُمْ.

4668 -

حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نَتَحَامَلُ، فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الآخَرُ إِلاَّ رِئَاءً. فَنَزَلَتْ {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} الآيَةَ [التوبة: 79]. [انظر: 1415 - مسلم: 1018 - فتح: 8/ 330]

4669 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قلْت لأبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ زَائِدَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنصَارِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ، فَيَحْتَالُ أَحَدُنَا حَتَّى يَجِيءَ بِالُمْدِّ، وِإنَّ لأَحَدِهِمِ اليَوْمَ مِائَةَ آلفٍ، كَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِنَفْسِهِ [انظر: 1415 - مسلم: 1018 - فتح: 8/ 330]

ثم ساق حديث أَبِي وَائِلٍ شقيق بن سلمة، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنصاري قَالَ: لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نتَحَامَلُ، فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَجَاءَ إِنْسَان بِأَكْثَرَ مِنْهُ. فَقَالَ المُنَافِقُونَ: إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هذا.

هذا الحديث سلف في الزكاة، في باب اتقوا النار.

وعنه أيضا قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ .. الحديث، سلف أيضا.

وما ذكر في (جهدهم) هو قول البصريين: إنهما لغتان بمعنى.

ص: 422

وقال بعض الكوفيين: هذِه بالفتح: المشقة، وبالضم: الطاقة، وقال الشعبي: هو بالضم في المشقة وبالفتح في العمل.

ومعنى ({يَلْمِزُونَ}: يعيبون). كما قال، وقيل: كان عبد الرحمن ابن عوف تصدق بنصف ماله أربعة آلاف درهم أو أربعمائة دينار، وأتى عاصم بن عدي بمائة وسق تمر فلمزهما المنافقون، وقالوا: هذا رياء، فنزلت. فقال قوم: ما أعظم رياءه فنزلت هذِه الآية، وجاء أنصاري بنصف صُبرة من تمر فقالوا: ما أغنى الله عن هذا فنزلت {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} . ويروى أن أبا عقيل جاء بصاع تمر فقال: مالي غير صاعين نقلت فيهما الماء على ظهري (خبأت)

(1)

أحدهما لعيالي وجئت بالآخر، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صاع هذا. وقد أوضحنا ذلك هناك فراجعه.

وأبو عقيل: اسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة من ولد (عَبْهَلة)

(2)

بن مكي كان اسمه عبد العزى فسماه عليه السلام عبد الرحمن عدو الأوثان، حليف بني جَحْجَبَى بن كلفة بن عوف شهد بدرًا وما بعدها واستشهد يوم اليمامة

(3)

.

(1)

في الأصل (خبيت) وبهامشها (لعله: خبأت).

(2)

هكذا في الأصل، وفي "الاستيعاب" 4/ 280، "أسد الغابة" 6/ 219:(عبيلة).

(3)

هكذا ذكره المصنف، والأرجح أن أبا عقيل صاحب الصاع غير هذا، وقد اختلف في اسمه فقيل: حبحاب، وقال ابن إسحاق: هو أحد بني أنيف الأراشي، حليف بني عمرو بن عوف، ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" 4/ 279، وابن الأثير في "أسد الغابة" 6/ 220، وهو ما رجحه الحافظ في "الفتح" 8/ 331.

ص: 423

‌12 - [باب] قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} الآية [التوبة:80]

4670

- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ» . قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللهُ {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 184]. [مسلم: 2400 - فتح: 8/ 333]

4671 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ.

وَقَالَ غَيْرُه: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَثَبْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا؟! قَالَ: أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:«أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ» . فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: «إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا» . قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَمْكُثْ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] إِلَى قَوْلِهِ {وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] قَالَ فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

ص: 424

ذكر فيه حديث أَبِي أُسَامَةَ حماد بن أسامة، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ جَاءَ .. الحديث، سلف في الجنائز.

وحديث ابن عباس عن عمر مثله، وساقه هناك في باب ما يكره من الصلاة على المنافقين سندًا ومتنا، فراجعه.

ص: 425

‌13 - [باب] قَوْلِهِ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]

4672

- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِيهِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِثَوْبِهِ فَقَالَ: تُصَلِّي عَلَيْهِ وَهْوَ مُنَافِقٌ وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ. قَالَ: «إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ أَوْ أَخْبَرَنِي فَقَالَ {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} فَقَالَ: سَأَزِيدُهُ عَلَى سَبْعِينَ» . قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصَلَّيْنَا مَعَهُ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)} [التوبة: 84][انظر: 1269 - مسلم: 2400 - فتح: 8/ 337]

ذكر فيه حديث نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ .. فذكر الحديث بمعناه، ورأى الفاروق في معارضته التصلب في الدين والشدة على المنافقين، وقصد عليه السلام الشفقة على من تعلق بطرف من الدين، وتألف ابنه عبد الله وقومه الخزرج وكان رئيسهم، فلو ترك الصلاة قبل النهي عنها كان عارًا على قومه فاستعمل عليه السلام أفضل الأمرين من حسن السياسة والدعاء إلى الدين والتآلف عليه إلى أن نُهي فانتهى.

قال الداودي: وفي رواية أخرى: أنه لم يصل عليه، وأنه أخرجه من قبره ونفث عليه، وجعله على ركبتيه

(1)

.

(1)

ستأتي برقم (5795) كتاب: اللباس، باب: لبس القميص، من حديث جابر.

ص: 426

وقوله: "سأزيد على السبعين" وسلف في الجنائز، "لو أعلم أني إن زدت عليها كفر له لزدت عليها"، وفي أخرى:"لأزيدن". قال الداودي: (كلتاهما)

(1)

أو إحداهما وهم وإن لم يكن صلى عليه. وقيل: لما قال: "سأزيد" نزلت {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} الآية فتركه. وذكره عمر خوف النسيان وتبسمه عليه السلام تعجب من صلابة عمر وبغضه لهم، ولعله على وجه الغلبة. فإن ضحكه كان تبسمًا، ولم يكن تبسم عند شهود الجنازة.

(1)

في الأصل: (كلاهما) وفي الهامش: صوابه كلتاهما.

ص: 427

‌14 - باب قَوْلِهِ: {سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا} الآية [التوبة: 95]

4673 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ: وَاللهِ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي أَعْظَمَ مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أُنْزِلَ الْوَحْيُ {سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} [التوبة: 95] إِلَى {اْلْفَاسِقِينَ} . [التوبة: 96]. [انظر: 2757 - مسلم: 716، 2769 - فتح: 8/ 340]

ساق فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ: والله مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي أَعْظَمَ مِنْ صِدْقِي رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الذِينَ كَذَبُوا حِينَ أُنْزِلَ الوَحْيُ {سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا} [التوبة: 95] إِلَى قوله: {اْلْفَاسِقِينَ} . [التوبة: 96].

كذا وقع في نسخ البخاري ومسلم -كما قاله عياض: (أن لا أكون كذبته) والمعنى: أن أكون كذبته، ولا زائدة كما قال تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] أي: أن تسجد

(1)

.

(1)

"إكمال المعلم" 8/ 284 - 285.

ص: 428

‌15 - [باب]{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ} [التوبة: 96]

وقوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} الآية [التوبة: 102]. [فتح: 8/ 340]

4674 -

حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ -هُوَ ابْنُ هِشَامٍ- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَنَا «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَابْتَعَثَانِي، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَا لَهُمُ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ. فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالَا لِي هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَا: أَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ» . [انظر: 845 - مسلم: 2275 - فتح: 8/ 341].

ساق فيه حديث سَمُرَةَ. وسلف طرف منه في الجنائز ويأتي في التعبير أيضًا

(1)

.

وقال الضحاك: هم قوم تخلفوا عن تبوك منهم أبو لبابة، فندموا فنزلت

(2)

. وقيل: هم الثلاثة الذين خلفوا.

(1)

سلف برقم (1386) وسيأتي في التعبير برقم (7047) باب: تعبير الرؤيا بعد الصبح.

(2)

رواه الطبري 6/ 461 (17158).

ص: 429

‌16 - [باب] قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية [التوبة: 113]

4675 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَيْ عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ» . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» . فَنَزَلَتْ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [التوبة: 113]. [انظر: 1360، مسلم: 24، بزيادة].

ساق فيه قصة أبي طالب السالفة في الجنائز.

وقال علي رضي الله عنه: مررت بمسلم يستغفر لأبيه، وهو مشرك، قد مات، فنهيته. فقال: استغفر إبراهيم لأبيه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت

(1)

. وقيل غير ذلك.

قال تعالى: {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}

(2)

[البقرة: 119].

(1)

رواه الترمذي (3101)، والنسائي 4/ 91، وقال الترمذي: حديث حسن.

(2)

في الأصل: (تسأل عن أصحاب الجحيم).

ص: 430

‌17 - [باب] قَوْلِهِ: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار} إلى {رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]

4676

- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، قَالَ أَحْمَد: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ-، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ» . [انظر: 2757 - مسلم: 716، 2769 - فتح: 8/ 341]

ذكر فيه طرفا من قصة كعب رضي الله عنه.

ص: 431

‌18 - [باب] قوله: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} إلى {التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]

4677 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ -وَهْوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ- أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ وَغَزْوَةِ بَدْرٍ. قَالَ: فَأَجْمَعْتُ صِدْقَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى، وَكَانَ قَلَّمَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ سَافَرَهُ إِلاَّ ضُحًى وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ، فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ، وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِي وَكَلَامِ صَاحِبَيَّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ غَيْرِنَا، فَاجْتَنَبَ النَّاسُ كَلَامَنَا، فَلَبِثْتُ كَذَلِكَ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ الأَمْرُ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ يَمُوتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكُونَ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي مَعْنِيَّةً فِي أَمْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا أُمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى كَعْبٍ» . قَالَتْ: أَفَلَا أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ قَالَ: «إِذًا يَحْطِمَكُمُ النَّاسُ فَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ» . حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْفَجْرِ آذَنَ بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا، وَكَانَ إِذَا اسْتَبْشَرَ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْقَمَرِ، وَكُنَّا -أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ- الَّذِينَ خُلِّفُوا عَنِ الأَمْرِ الَّذِي قُبِلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا حِينَ أَنْزَلَ اللهُ لَنَا التَّوْبَةَ، فَلَمَّا ذُكِرَ الَّذِينَ كَذَبُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ، وَاعْتَذَرُوا بِالْبَاطِلِ، ذُكِرُوا بِشَرِّ مَا ذُكِرَ بِهِ أَحَدٌ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} الآيَةَ [التوبة: 94]. [مسلم: 716، 2769 - فتح: 8/ 342].

ذكر فيه قصتهم، وسلفت بطولها.

ص: 432

‌19 - [باب] قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة: 119]

4678 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ. فَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْلَاهُ اللهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم[لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} [التوبة: 117] إِلَى قَوْلِهِ {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]. [مسلم: 716 - فتح: 8/ 343].

ذكر طرفا منها، وكان خروجه في تبوك في حر شديد، كان الرجلان والثلاثة على بعير فعطشوا يوما عطشا شديدًا، فأقبلوا ينحرون الإبل، ويشقون كروشها ويشربون ما فيها.

ومعنى {يَزِيغُ} يميل، وليس ميلا عن الإسلام، وإنما هموا بالقعود فتاب الله عليهم، وأمرهم به. ومعنى {خلفوا} عن الأمر الذي قُبِل من الذين اعتذروا كما سلف، وقيل: عن التوبة، وقيل: معناه تركوا، و {رَحُبَتْ}: وسعت، و {وَظَنُّوا}: أيقنوا.

قوله: (وكانت أم سلمة محسنة في شأني مَعْنية في أمري) أي: تذكر فضله، وروي (مُعيِنة في أمري) من عنيت في الأمر: إذا تكلفته.

ومعنى (أبلاه): اختبره. قيل: ولا يكون الابتلاء إلا في الخير، والبلاء من بلوت يكون في الخير والشر.

ص: 433

‌20 - [باب] قَوْلِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} الآية [التوبة: 128]

4679 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اْسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ؛ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ. فَقَالَ أَبُو بَكْر: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِى شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128] إِلَى آخِرِهِمَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.

تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَاللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ. وَقَالَ مُوسَى:

ص: 434

عَنْ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ. وَتَابَعَهُ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ أَبُو ثَابِتٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: مَعَ خُزَيْمَةَ، أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ. [انظر: 2807 - فتح 8/ 344]

ذكر فيه: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي ابن السَّبَّاقِ -وهو عبيد- أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الوَحْي -قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي المَوَاطِنِ.

وفي آخره: حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128] إلى آخِرِهِمَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ التِي جُمِعَ فِيهَا القُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.

ثم قال: تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَاللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابن شِهَابِ وَقَالَ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ. وَقَالَ مُوسَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثنَا ابنَ شِهَابٍ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ. وَتَابَعَهُ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ أَبُو ثَابِتٍ: حَدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ: مَعَ خُزَيْمَةَ، أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ.

قلت: أما متابعة عثمان فأخرجها أبو بكر عبد الله بن سليمان الأشعث: حدثنا محمد بن يحيى ثني عثمان به

(1)

.

وتعليق موسى أسنده البخاري في الأحكام عن موسى

(2)

.

(1)

"كتاب المصاحف" ص 14.

(2)

إنما أسنده في كتاب: فضائل القرآن برقم (4986) باب: جمع القرآن.

ص: 435

وقوله: (وتابعه يعقوب عن أبيه) يريد المتابعة في أبي خزيمة، لكن ابن أبي داود، لما ذكر حديث يعقوب هذا عن أبيه، عن ابن شهاب، عن ابن السباق، عن زيد قال في الحديث: حتى وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة بن ثابت

(1)

.

وتعليق أبي ثابت أخرجه في الأحكام عنه

(2)

-واسمه محمد بن عبيد الله، مولى عثمان بن عفان- وأخرجه مسلم دونه من حديث جعفر بن عون، عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري، عن الزهري به

(3)

.

وخزيمة بن ثابت شهد أحدًا، وما بعدها، ذو الشهادتين، شهد صفين ممسكًا عن القتال، فلما قتل عمار، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمار:"تقتلك الفئة الباغية" فجرد سيفه وقاتل حتى قتل

(4)

، وهو صاحب آية الأحزاب كما سيأتي، وكان ابنه عمارة فقيهًا راوية، وولده خزيمة بن عمارة، وخزيمة صاحب الترجمة له أخوان عبد الله، ووحوح لا عقب له

(5)

.

وأبو خزيمة هذا هو ابن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وهم بنو اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد وتوفي في خلافة عثمان، وليس له

(1)

"كتاب المصاحف" ص 15.

(2)

سيأتي برقم (7191) باب: يستحب للكاتب أن يكون أمينًا.

(3)

لم أقف عليه في مسلم، ورواه ابن أبي شيبة 5/ 261 (25868) عن جعفر بن عون، به. ورواه الطبراني 5/ 149 (4904) من طريق ابن أبي شيبة.

(4)

رواه أحمد 5/ 214 - 215، والجزء المرفوع منه رواه مسلم (2916) كتاب: الفتن، من حديث أم سلمة.

(5)

انظر: "أسد الغابة" 2/ 33 (1446)، "الإصابة" 1/ 435.

ص: 436

عقب، وأخوه أبو محمد مسعود بن أوس الذي كان يزعم أن الوتر واجب، شهد بدرًا وما بعدها، وتوفي في خلافة عمر، وقيل: إنه شهد صفين مع عليٍّ، وليس له عقب، وهو صاحب هذِه الآية

(1)

.

وأكثر روايات خزيمة بغير شك، وادعى ابن الجوزي وَهْم رواية أبي خزيمة فليس بحديثه. ولما ذكر الحميدي هذا الحديث في مسند الصديق [قال]

(2)

: المسند منه قول الصديق لزيد: قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

.

ولما ذكر خلف أن أبا مسعود قال: رواه البخاري من جميع طرقه عن الزهري، قال: خارجة بن زيد وابن السباق عن زيد. قال: ليس كما قال، إنما رواه البخاري من حديث عبيد وحده؛ لأن حديث خارجة عنده إنما هو في فقد آية من الأحزاب، فوجدها مع خزيمة {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] كما ستعلمه في موضعه، ولا اضطراب فيهما؛ لأن آية التوبة وجدها أيام الصديق، وآية الأحزاب وجدها أيام عثمان كما صرح به أحمد بن (خالد)

(4)

في "مسنده" وغيره.

فصل:

هذِه الآية {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} الآية، قال أبي بن كعب: هي

(1)

انظر: "الاستيعاب" 4/ 205 (2960) وفيه خلاف فيراجع.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

(3)

"الجمع بين الصحيحين" 1/ 91.

(4)

غير واضحة بالأصل، ولعل الصواب ما أثبتناه، وهو أبو عمر، أحمد بن خالد، يعرف بابن الجباب، فقيه مالكي، محدث، مات سنة اثنتين وعثرين وثلاثمائة. انظر "سير أعلام النبلاء" 15/ 240.

ص: 437

آخر ما نزل من القرآن صححه الحاكم على شرط الشيخين

(1)

، زاد القاضي إسماعيل: إلى آخر السورة، وروى ابن مروديه في "تفسيره" من حديث مجالد عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك، عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فجاءه قوم من جهينة فقالوا: إنك نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا. قال: "ولم سألتم بهذا؟ " قالوا: نطلب الأمن فأنزل الله تعالى هذِه الآية {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}

(2)

.

وروى ابن أبي داود عن أبي العالية قال: كان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب في خلافة أبي بكر، فلما انتهوا إلى قوله:{صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} الآية ظنوا أنهاآخر ما نزل من القرآن، فقال أبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها: {لَقَدْ جَاءَكُمْ} إلى آخر السورة، فهذا آخر ما نزل

(3)

.

وفي "تفسير ابن مردويه " قال: ختم الأمر بما فتح به لا إله إلا الله، يقول الله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء: 25].

فصل:

السبعة على ضم الفاء، أي: من جلدتكم وقبيلتكم ونسلكم.

قال ابن عباس: ليس في العرب قبيلة إلا ولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضرها وربيعها ويمنها

(4)

. وقيل: أي من نكاح لا من سفاح، وقد

(1)

"المستدرك" 2/ 338.

(2)

عزاه لابن مردويه السيوطي في "الدر" 3/ 529.

(3)

"كتاب المصاحف" ص 9.

(4)

رواه عبد بن حميد والحارث في "مسنده" وابن المنذر كما في "الدر المنثور" 3/ 524.

ص: 438

أخبر به كذلك. وقيل: أي: بشر مثلكم ليس من جنس الملائكة، وقرأ ابن عباس وغيره بفتح الفاء من النفاسة، أي: أفضلكم خلقا وأشرفكم نسبا وأكثركم طاعة

(1)

.

فائدة: جمعت هذِه الآية ست صفات لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرسالة والنفاسة والعزة، وهو المنع الغالب الشديد. والعنت: المشقة. وقال ابن الأنباري: أصله التشديد، وقال الضحاك: الإثم، وقال ابن أبي عروبة: الضلال. وقيل: الضر، وقيل: الهلاك

(2)

. ومعناه: عزيز عليه أن تدخلوا النار.

الرابعة:

حرصه على إيصال الهداية إليكم في الدنيا والآخرة، وقيل: حريص عليكم لتؤمنوا، وقيل: حريص على دخولكم الجنة: {رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} : فعول من الرأفة والرحمة، قال الحسن بن الفضل: لم يجمع الله لنبي من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا الرسول، حيث قال:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وقال: {إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143].

فصل:

مقتل أهل اليمامة سنة اثنتي

(3)

عشرة من الهجرة، سميت اليمامة باسم المصلوبة على بابها التي كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام، وتعرف بالزرقاء لزرقة عينها، واسمها عنز، ومن أسمائها حواء، قال عياض: والعروض بفتح العين المهملة.

(1)

انظر: "مختصر شواذ القرآن" ص 30.

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 4/ 27 - 28.

(3)

ورد بهامش الأصل: أرَّخها بعضهم سنة إحدى عشرة، وبعضهم سنة اثنتي عشرة.

ص: 439

فصل:

معنى (يستحر القتل): يشتد ويكثر، استفعل من الحر، وذلك أن المكروه يضاف إلى الحر، والمحبوب يضاف إلى البرد، ومنه المثل: ولِّ حارها من تولى قارها.

وقتل بها من المسلمين ألف وأربعمائة منهم سبعون جمعوا القرآن.

فصل:

قول الصديق: (فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) هو كلام من يؤثر الاتباع ويخشى الابتداع، وإنما لم يجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان بمعرض أن ينسخ أو يزاد فيه، فلو جمعه لَكُتِبَ فكان من عنده نقصان ينكر على من عنده زيادة، فلما أُمن هذا الأمر بموته جمعه الصديق.

ومعنى (تتبعت القرآن): تتبعت وجوهه وقراءته، وسأل عنها غيره ليحيط بالأحرف السبعة الذي نزل به، ويعلم القراءة التي هي غير قراءته.

وروى ابن أبي داود من حديث هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه

(1)

.

وعند الثعلبي عن يحيى بن جعدة قال: كان عمر بن الخطاب لا يثبت آيه في الصحف حتى يشهد عليها رجلان، فجاءه رجل من الأنصار بالآيتين منآخر براءة، فقال عمر: والله لا أسألك عليها بينة كذلك

(1)

"المصاحف" ص 6، وقال الحافظ في "الفتح" 9/ 14 - 15: رجاله ثقات مع انقطاعه، وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب، وقال السخاوي في "جمال القراء": ص 86 المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 440

كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤهما فأثبتهما. وعنه: أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

، وكذا روي عن هلال بن أمية وهي آخر آيه نزلت من السماء في قول بعضهم، وآخر سورة كاملة سورة براءة. وعن قتادة: آخر عهدنا بالوحي هاتان الآيتان خاتمة سورة براءة {لَقَدْ جَاءَكُمْ} إلى {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}

(2)

.

فصل:

هذا وما سلف يدفع قول من اعترض وقال: كيف يثبت القرآن بخبر واحد؟ لأن عمر وهلالًا وأبيًّا وزيدًا وأبا خزيمة وخزيمة شهدوا بها، فلئن سلمنا ما قالوا -ولا نسلمه- فخزيمة أذكرهم ما نسوه، ولهذا قال زيد: وجدتها مع خزيمة -يعني: مكتوبة- ولم يقل: عرفني أنها من القرآن مع تصريح زيد بأنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقال: إن خزيمة جعل الشارع شهادته بشهادتين، فإذا شهد في هذا وحده كان كافيا، ولعل هذا هو المراد من شهادته، كأن الله أطلع نبيه على هذا الأمر بعده، وأنه يحتاج إليه في شيء لا يوجد إلا عنده ويكتفي به. وهو من أعلام نبوته، وأما ما ذكره ابن التين من قوله لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين لا يعد يحتاج إلى تثبت، ويجوز أن يكون زيد سألهما ليقف على وجوه القراءة فيهما لا على وجدانهما.

(1)

رواه سعيد بن منصور في "سننه" 5/ 302 (1053) عن سفيان عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة به. وقد رواه الطبري 6/ 524 (17527) عن شيخه سفيان بن وكيع، ولكن جعل (عبيد بن عمير) بدل (جعدة).

(2)

رواه الطبري 6/ 524 عن قتادة، عن أُبي بن كعب قال: أحدث القرآن عهدًا بالله الآيتان: فذكرهما.

ص: 441

فصل:

عثمان رضي الله عنه لم يصنع في القرآن شيئا، وأنما أخذ الصحف التي حفظها عمر عند حفصة وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاصي وأبي بن كعب في اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فكتب منها مصاحف وسيرها إلى الأمصار؛ لأن حذيفة أخبره بالاختلاف في ذلك، فلما توفيت حفصة أخذ مروان ابن الحكم تلك الصحف فغسلها وقال: أخشى أن يخالف بعض القرآن بعضا، وفي لفظ: أخاف أن يكون فيه شيء يخالف ما نسخ عثمان. وإنما فعل عثمان هذا ولم يفعله الصديق ولا عمر؛ لأن غرض أبي بكر كان جمع القرآن بجميع حروفه ووجوهه التي نزل بها وهي على لغة قريش وغيرها، وكان غرض عثمان تجريد لغة قريش من تلك الغرائب، وقد جاء ذلك تصريحا به من قول عثمان لهؤلاء الكُتَّاب، فجَمْعُ أبي بكر غير جمع عثمان، وقصد بإحضار المصحف -وقد كان زيد ومن أضيف إليه حفظوه- سد باب المقالة، وأن يزعم زاعم أن في الصحف قرآنا لم يكتب، ولئلا يرى إنسان فيما كتبوه شيئا مما لم يقرأ به فينكره، فالصحف شاهدة بصحة جميع ما كتبوه.

فصل:

قوله: (أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال) الرقاع: جمع رقعة تكون من ورق ومن جلد وشيء شبهه. والأكتاف جمع كتف: وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه، والعسب جمع عسيب: وهو أصل جريد النخل العريض منه كانوا يكشطون طرفها ويتخذونها عصًا وكانوا يكتبون في طرفها العريض.

ص: 442

وقال ابن فارس: عسيب النخل كالقضبان لغيره

(1)

.

وقال الداودي: هي العيدان التي يمكن القراءة فيها، وذكر في التفسير، واللخاف وهو بالخاء المعجمة: وهي حجارة بيض رقاق واحدتها لخفة، وقال الأصمعي فيها: عرض ورقة، وقيل: الخزف.

فصل:

(لم أجدها مع أحد غيره). قيل: يريد وجدها عنده مكتوبة، وقد كان القرآن مؤلفا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدور الرجال. هذا التأليف الذي يشاهد إلا سورة براءة كانت من آخر ما نزل لم يبين الشارع موضعها، ذكره ابن التين، قال: وبيانه في خبر ابن عباس: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني فقرنتم بينهما ولم تجعلوا بينهما البسملة ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال عثمان: كان عليه السلام تنزل عليه الآيات فيقول: "ضعوها في موضع كذا". وكانت الأنفال أول ما نزل عليه بالمدينة وبراءة آخر ما نزل عليه من القرآن، وكانت تشبه قصتها، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبين أمرها، وظننت أنها منها، فمن أجل ذلك جعلتها في السبع الطوال

(2)

.

(1)

"مجمل اللغة" 2/ 667، مادة:(عسب).

(2)

رواه أبو داود (786)، والترمذي (3086)، وأحمد في "المسند" 1/ 57، والنسائي في "الكبرى" 5/ 10 (8007) والحاكم في "المستدرك" 2/ 221، وقال الترمذي: حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين: وقال =

ص: 443

‌10 - سُورة يُونُسَ عليه السلام

-

‌1 - [باب]

وَقَالَ ابن عَبَّاس: {فَاخْتَلَطَ} [يونس: 24]: فَنَبَتَ بالْمَاءِ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ. وَ {قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [يونس: 68]. وَقَالَ زيدُ بْنُ أَسْلَمَ: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} [يونس: 2]: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَيْرٌ. يُقَالُ: {تِلْكَ آيَاتُ} [يونس:1]: يَعْنِي هذِه أَعْلَامُ القُرْآنِ وَمِثْلُهُ. {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] المَعْنَى: بِكُمْ. {دَعْوَاهُمْ} [يونس: 10]: دُعَاؤُهُمْ {أُحِيطَ بِهِمْ} [يونس: 22]: دَنَوْا مِنَ الهَلَكَةِ {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: 81]{فَأَتْبَعَهُمْ} [يونس: 90] وَأَتْبَعَهُمْ وَاحِدٌ. {عَدُوًّا} [يونس: 90]: مِنَ العُدْوَانِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} [يونس: 11] قَوْلُ الإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ: اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11]: لأُهْلِكُ مَنْ

= الألباني في "ضعيف أبي داود"(145): رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير يزيد الفارسي ولم تثبت عدالته. اهـ

قلت: وفي الحديث تأكيد لقول البيهقي في "المدخل " كما ذكره السيوطي في "الإتقان" 1/ 218 "إن آيات القرآن وسوره كانت مرتبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عدا الأنفال وبراءة" اهـ وفيه أيضًا: أن ابن عباس كان يرى أن السبع الطوال أولها: البقرة، وآخرها الأعراف ثم يونس. وتتمة لذلك انظر:"البرهان" للزركشي 1/ 244 - 246.

ص: 444

دُعِيَ عَلَيْهِ وَلأَمَاتَهُ. {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس: 26]: مِثْلُهَا حُسْنَى {وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]: مَغْفِرَةٌ. {الْكِبْرِيَاءُ} [يونس: 78]: المُلْكُ. [فتح: 8/ 345]

هي مكية، قال الكلبي: إلا {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64] فمدنية. نقله عنه أبو العباس في "مقامات التنزيل" قال: وما بلغنا أن فيها مدنيًّا غيرها، وفي "تفسير ابن النقيب" عن الكلبي أنها مكية إلا قوله:{وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} الآية [يونس: 40] فمدنية.

وقال مقاتل: كلها مكي غير آيتين {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} إلى {الْخَاسِرِينَ} [يونس: 94 - 95] فمدنيتان.

وعند ابن مردويه عن ابن عباس: فيها روايتان: أشهرهما عنه مكية

(1)

، وثانيهما: مدنية.

وفي "تفسير ابن النقيب" عثه: كلها مكية إلا ثلاث آيات فإنهن نزلن بالمدينة: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} إلى آخرها. قال: وقيل: نزل من أولها نحو من أربعين آية بمكة وباقيها بالمدينة

(2)

.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {فَاخْتَلَطَ}: فَنَبَتَ بِالْمَاءِ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث علي عنه

(3)

.

(1)

ذكره السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 534.

(2)

انظر: "زاد المسير" 4/ 3.

(3)

الذي في "تفسير ابن أبي حاتم 6/ 1941 (10314) من طريق عثمان بن عطاء، عن أبيه ورواه الطبري 6/ 546 (17613) من طريق عطاء الخراساني، عن ابن عباس. ورواه أيضًا ابن المنذر كما في "الدر المنثور" 3/ 545.

ص: 445

(ص)(وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} محمدًا. وَقَالَ مُجَاهِد: خَيْرٌ) الأول قول الحسن وقتادة، يريد أن يشفع لهم

(1)

، وقول مجاهد هذا أسنده أبو محمد البستي

(2)

من حديث ابن أبي نجيح، عنه. ثم روي عنه أيضًا: صلاتهم وتسبيحهم. وعن ابن عباس: سبق لهم السعادة في الذِّكر الأول. وعن السدي قال: قدم يقدمون عليه عند ربهم. وعن الربيع بن أنس: ثواب صدق

(3)

.

قلت: وعن ابن عباس أيضًا منزل صدق، وقيل: القدم: العمل الصالح

(4)

.

(ص)(يُقَالُ: {تِلْكَ آيَاتُ} يَعْنِي: هذِه أَعْلَامُ القُرْآنِ وَمِثْلُهُ) أسنده ابن أبي حاتم، عن السدي، عن أبي مالك: تلك آيات الله، يعني: أعلام الدين، وعن الحسن: آيات الكتاب، قال: التوراة والزبور. وعن قتادة: الكتب التي خلت قبل القرآن

(5)

.

(ص)({حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} المَعْنَى: بِكُمْ) قلت: ويجوز أن يكون عودًا بعد الخطاب إلى الإخبار.

(ص)({فَأَتْبَعَهُمْ} وَأَتْبَعَهُمْ وَاحِدٌ) يعني: وصلاً وقطعًا. وقال

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 528 (17555).

(2)

هو أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البستي، حدث عن ابن راهويه وغيره، وحدث عنه أبو حاتم بن حبان، له "السنن" وقيل "مسند". انظر: ترجمته في "الإكمال" لابن ماكولا 1/ 431 - 432، "الأنساب" للسمعاني 2/ 209، "سير أعلام النبلاء" 14/ 140.

(3)

هذه الآثار رواها الطبري 6/ 528 - 529 ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 1922 - 1924، ورجح الطبري أن تكون بمعنى الأعمال الصالحة.

(4)

رواه الطبري 6/ 527 (17545) عن مجاهد.

(5)

"تفسير ابن حاتم" 6/ 1921 - 1922.

ص: 446

الأصمعي: الثاني: أدركه ولحقه، والأول: اتبع أثره، أدركه أو لم يدركه، وكذا قاله أبو زيد وغيره، وقيل: بوصلها في الأمر: اقتدى به، وبالقطع خيرًّا أو شرًّا، وهو قول أبي عمرو

(1)

.

(ص)({عَدُوًّا}: مِنَ العُدْوَانِ) أي في قوله: {بَغْيًا وَعَدْوًا} (و)

(2)

ظلمًا وعدوانًا

(3)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} قَوْلُ الإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ: اللَّهُمَّ لَا تبارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ. {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}: لأُهْلِك مَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ وَلأَمَاتَه) أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه

(4)

، وقيل: إنه قولهم: {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال: 32] وقرأ ابن (عامر)

(5)

(لقَضَى) بفتح القاف والضاد، وفتح لام {أَجَلُهُمْ} ، والباقون بضم القاف وكسر الضاد ورفع لام أجلهم

(6)

.

(ص)({لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى}: مِثْلُهَا حُسْنَى، {وَزِيَادَةٌ}: مَغْفِرَةٌ) أسندها ابن أبي حاتم من حديث الضحاك عنه

(7)

، وقيل: الجنة. وقال غيره: النظر إلى وجهه.

(1)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 3/ 313، "تفسير القرطبي" 8/ 377 وفيهما عزو القراءة بوصل الألف لقتادة، وعزاها ابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 59، والبناء في "إتحاف فضلاء البشر" ص 254 للحسن.

(2)

هكذا بالأصل، ولعل الصواب:(أي).

(3)

انظر: "تفسير الوسيط" للواحدي 2/ 558، "تفسير البغوي" 4/ 148.

(4)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1932 (10255).

(5)

في الأصل: (عباس) مُضَبَبٌ عليها، وفي الهامش: صوابه عامر.

(6)

انظر: "الحجة" للفارسي 4/ 253، "الكشف" لمكي 1/ 515.

(7)

"تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1946 (10337).

ص: 447

قلت: أخرجه مسلم من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب مرفوعًا

(1)

.

قال أبو العباس الدمشقي: وروي عن ابن أبي ليلى قوله.

وقال الترمذي: إنما أسندها حماد ورواه سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قوله

(2)

.

قلت: أسنده سفيان بن سعيد، عن عطاء بن السائب، عن ابن أبي ليلى، عن صهيب وشعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب مرفوعًا بزيادة:"الحسنى شهادة أن لا إله إلا الله" رواهما ابن مردويه، وذكر له شاهدًا من حديث أبي بن كعب وغيره من الصحابة، وحكاه مرفوعًا عن الصديق

(3)

، وذكره البيهقي في "بعثه" من حديث جابر

(4)

.

(ص)({الْكِبْرِيَاءُ}: المُلْكُ) أسنده أبو محمد بن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه، وفي رواية الأعمش عنه: الكبرياء في الأرض: العظمة

(5)

.

(1)

مسلم (181) كتاب: الإيمان، باب: إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى.

(2)

الترمذي (3105).

(3)

انظر: "الدر المنثور" 3/ 546 - 547.

(4)

"البعث والنشور" ص 249 (493).

(5)

"تفسير ابن أبي حاتم" 16/ 973 (10509)، (105010).

ص: 448

[باب] قوله: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ} الآية

{نُنَجِّيكَ} [يونس: 92] نُلْقِيكَ على نَجْوَةٍ مِنَ الأَرْضِ، وَهْوَ النَّشَزُ المَكَانُ المُرْتَفِعُ.

4680 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ:«أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ، فَصُومُوا» . [انظر: 2004 - مسلم: 1130 - فتح: 8/ 348]

(ص)({نُنَجِّيكَ}: نُلْقِيكَ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الأَرْضِ) أي: موضع مرتفع (وَهْوَ النَّشَزُ وهو المَكَانُ المُرْتَفِعُ) قيل: السِّرُّ فيه أنهم كانوا يعبدونه فأراهم الله إياه بعد غرقه، وقيل: غرق هو وقومه فخرج وحده، وقرئ بالحاء

(1)

، أي: ننحيك وحدك. وقيل: ببدنك، وقيل: بجسدك. أي: عريانًا بغير روح)

(2)

.

ساق فيه حديث أَبِي بِشْرٍ -وهو جعفر بن أبي وحشية إياس الواسطي- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ .. الحديث في صوم عاشوراء، وقد سلف في الصوم من حديث عبد الله بن سعيد بن جبير، عن عمه، عن ابن عباس فراجعه، وأخرجه في الهجرة

(3)

،

(1)

عزاها ابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 60 لابن السميفع. وعزاها الماوردي في "تفسيره" 2/ 449 ليزيد اليزيدي، وقال: وحكاها علقمة عن ابن مسعود.

(2)

ما بين القوسين ورد في المخطوط قبل الباب، وما رتبناه هو المناسب والموائم لترتيبها حسب نص البخاري.

(3)

سلف برقم (3943).

ص: 449

ويأتي في طه

(1)

، قال مقاتل: وذلك أن بني إسرائيل قالوا: إن القبط لم يغرقوا، فأوحى الله إلى البحر فطفا بهم على وجهه، فنظروا إلى فرعون على الماء فمنذ يومئذ إلى يوم القيامة تطفو الغرقى على الماء فذلك. قوله:{لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} يعني: لمن بعدك إلى يوم القيامة. وعند الثعلبي: فقالت بنو إسرائيل لما أخبرهم موسى بهلاك القبط: ما مات فرعون ولا يموت أبدًا، فأمر تعالى البحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصيرًا كأنه ثور، فرآه بنو إسرائيل فمن ذلك الوقت لا يقبل البحر ميتا أبدًا. فإن قلت: فقد ذكر بعد أن نوحًا لما أرسل الغراب لينظر له الأرض رأى جيف الغرقى فلهى بها عن حاجة نوح. قلت: الماء قد نضب فإذًا رأى الجيف، وهنا إنما هو وجوده واستقراره.

فائدة:

ذكر ابن أبي حاتم بإسناده عن السدي قال: خرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يعدون ابن عشرين سنة لصغره، ولا ابن ستين لكبره، ومعهم فرعون وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان ليس فيها أنثى

(2)

. وقال ابن عباس رفعه: "كان مع فرعون سبعون قائدًا مع كل قائد سبعون ألفًا" ذكره ابن مردويه.

فائدة:

البحر الذي غرق فيه فرعون -واسمه الوليد بن مصعب بن الريان أبو مرة. وقال الثعلبي: أبو العباس من بني عمليق بن لاود بن أرم بن

(1)

سيأتي برقم (4737).

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1981 (10557).

ص: 450

سام بن نوح- القلزم -بضم القاف وحكى ابن السمعاني فتحها- موضع على ساحل البحر بين مصر ومكة

(1)

، وكنيته أبو خالد لطول بقائه.

فائدة:

وصح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا "إن جبريل حثى فى في فرعون التراب حين ألجمه الغرق خشية أن تدركه الرحمة" صححه ابن حبان

(2)

والحاكم وقال: إنما لم يخرجاه؛ لأن أكثر أصحاب شعبة وقفوه على ابن عباس

(3)

، وله شاهد فذكره، وحسنه الترمذي وصححه مرة واستغربه

(4)

. قلت: وله شواهد أخر

(5)

. وفي "تفسير ابن مردويه" ومن حديث أبي هريرة

(6)

وابن عمر مرفوعًا

(7)

.

(1)

انظر: "معجم البلدان" 4/ 387.

(2)

"صحيح ابن حبان" 14/ 97 (6215).

(3)

"المستدرك" 2/ 340.

(4)

"سنن الترمذي"(3107، 3108).

(5)

في هامش الأصل: لعل الواو زائدة.

(6)

رواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 71 (8235)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 44 (9390).

(7)

رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 396 (1569).

ص: 451

‌11 - ومن سورة هُودٍ صلى الله عليه وسلم

-

وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: الأَوَّاهُ الرَّحِيمُ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: (بَادِئَ الرَّأي) مَا ظَهَرَ لَنَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْجُودِيِّ} جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ. وَقَالَ الحَسَنُ: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ} يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{أَقْلِعِىِ} أَمْسِكِي. {عَصِيبٌ} شَدِيدٌ. {لَا جَرَمَ} بَلَى. {وَفَارَ اَلتَّنُّورُ} نَبَعَ المَاءُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَجْهُ الأَرْضِ. [فتح: 8/ 848]

هي مكية، وقيل: إلا آية {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ} [هود: 12] وقال مقاتل: إلا آيتين {أَقِمِ الصَّلَاةَ} [هود: 114] و {أُولَئِكَ يُؤمِنُونَ بِهِ} [هود: 17] نزلت في ابن سلام وأصحابه

(1)

.

(ص)(وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: الأَوَّاهُ: الرَّحِيمُ بِالْحَبَشِيَّةِ) وقد سلف الكلام فيه في براءة.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: (بَادِي الرَّأي) مَا ظَهَرَ لَنَا) هذا أسنده أبو محمد من حديث عثمان بن عطاء، عن أبيه، عنه

(2)

، كما سلف في أحاديث الأنبياء.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: [اْلْجُودِيِّ}: جَبَل بِالْجَزِيرَةِ) هذا أسنده أبو محمد من حديث ابن أبي نجيح عنه كما سلف: تشامخت الجبال وتطاولت وتواضع هو لله فلم يغرق، فأرست عليه السفينة

(3)

. وقيل: إن جبل الجودي بالموصل، وقيل: بآمد وهما من الجزيرة. وقال ياقوت: إنه جبل مطل على جزيرة ابن عمر على دجلة فوق الموصل،

(1)

انظر: "زاد المسير" 4/ 72.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 2022 (10815)، عن عطاء من قوله.

(3)

السابق 6/ 2037 (10915).

ص: 452

بالقرب من قرية ثمانين

(1)

. قال بعضهم: أكرم الله ثلاثة جبال بثلاثة أنبياء: حراء بنبينا، والجودي بنوح، والطور بموسى صلى الله عليهم وسلم.

وقال عمر فيما ذكره ابن مردويه: لما استوت السفينة على الجودي لبث نوح ما شاء الله ثم أذن له فهبط على الجبل، ودعا الغراب فقال: ائتني بخبر الأرض، فانحدر الغراب على الأرض وفيها الغرقى من قوم نوح، فجعل يأكل فأبطأ على نوح فلعنه، ودعا الحمامة فأمرها فلم تلبث إلا قليلًا حتى جاءته تنفض وريشة في منقارها، فقالت: اهبط فقد أنبتت الأرض، فبارك نوح فيها وفي بيت يأويها وأن تحبب إلى الناس، وقال: ولولا أن يغلبك الناس على نفسك لدعوت الله أن يجعل رأسك من ذهب

(2)

.

وذكر الثعلبي أن طول السفينة ألف ذراع ومائتا ذراع وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، طبقة فيها الدواب والوحش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير وكانت من الساج. وفي رواية: طولها ثمانون ذراعًا وعرضها خمسون ذراعًا، وبابها في عرضها، وارتفاعها في السماء ثلاثون ذراعًا.

(ص)(وَقَالَ الحَسَنُ: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ} يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ) هذا أسنده أبو محمد الحنظلي من حديث أبي المليح عنه

(3)

.

(1)

"معجم البلدان" 2/ 84، 179.

(2)

رواه ابن مردويه، كما في "الدر المنثور" 3/ 605.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 2073 (11141) من طريق أبي مليح، عن ميمون بن مهران.

ص: 453

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {أَقْلِعِي} أَمْسِكِي. {عَصِيبٌ} شَدِيدٌ. {لَا جَرَمَ} بَلَى. {وَفَارَ اَلنَّنُّوُر} نَبَعَ المَاءُ) هذا رواه أيضا من حديث علي بن طلحة عنه

(1)

.

(وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَجْهُ الأَرْضِ) يقال: أقلعت السماء بعدما أمطرت: إذا أمسكت.

قال أبو عبيدة: إنما قيل له: عصيب، لأنه يعصب الناس بالسكر

(2)

. و [لا]

(3)

جرم: لابد، ولا محالة. وأصله من جرم. أي: كسب.

وقوله: ({وَفَارَ} نبع) أي: ظهر على وجه الأرض، وقيل لنوح: إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت وأصحابك في السفينة.

وهو قول ابن عباس وعكرمة والزهري. وعن ابن عباس: يريد التنور الذي يخبز فيه. قال الحسن: كان تنورًا من حجارة

(4)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 26/ 2036 (10910)، 6/ 2061 (11056)، 6/ 2019 (10795)، 6/ 2028 (10854).

(2)

"مجاز القرآن" 1/ 293. وفيه: لأنه يعصب الناس بالشر.

(3)

زيادة يقتضيها السياق.

(4)

انظر: "تفسير الطبري" 7/ 38 - 40، "تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 2029.

ص: 454

‌1 - [باب {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}]

وَقَالَ غَيْرُهُ: {وَحَاقَ} [هود: 8]: نَزَلَ، يَحِيقُ: يَنْزِلُ. {يَئُوسٌ} : فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَبْتَئِسْ} [هود: 36]: تَحْزَنْ. {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} [هود: 5] شَكٌّ وَامْتِرَاءٌ فِي الحَقِّ. {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} [هود: 5]: مِنَ اللهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا.

4681 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ {أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ} قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ. [4682، 4683 - فتح: 8/ 349]

4682 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ:{أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِى صُدُورُهُمْ} قُلْتُ يَا أَبَا الْعَبَّاسِ مَا تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فَيَسْتَحِي، أَوْ يَتَخَلَّى فَيَسْتَحِي، فَنَزَلَتْ {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}. [هود: 5]. [فتح: 8/ 349]

4683 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} [هود: 5] وَقَالَ غَيْرُهُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَسْتَغْشُونَ} [هود: 5]: يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ {سِيءَ بِهِمْ} [هود: 77] سَاءَ ظَنُّهُ بِقَوْمِهِ. {وَضَاقَ بِهِمْ} [هود: 77] بِأَضْيَافِهِ {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81]: بِسَوَادٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {أُنِيبُ} [هود: 88]: أَرْجِعُ. [فتح: 8/ 350]

ص: 455

(ص)({أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ}) إلى قوله: ({الصُّدُورِ}).

يقال: ثنيت الشيء ثنيًا إذا عطفته وطويته، وكان طائفة من المشركين يقولون: إذا أغلقنا أبوابنا وأرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم بنا، فأخبر الله تعالى عما كتموه.

ومعنى {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} : يطوونها على عداوته. قال قتادة: وذلك أخفى ما يكون من ابن آدم إذا ثنى صدره واستغشى ثيابه وأضمر همه في نفسه

(1)

. ومعنى {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} ليتواروا عنه ويكتموا عداوته، فقال تعالى {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} أي: النفوس.

قاله ابن عباس. وقيل: استخفوا من الله. قال الواحدي: نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلًا حلو الكلام يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يحبه وينطوي بقلبه على ما يكره فنزلت

(2)

. وقرأ الجمهور: (لا يَثنون) بفتح الياء، وعن سعيد بن جبير ضمها. وستأتي له تتمة بعد.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: {وَحَاقَ}: نَزَلَ، يَحِيقُ: يَنْزِلُ) أي: العذاب.

(ص)(يَئُوسٌ: فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ) أي لشديد اليأس من رحمة الله وسعة رزقه كفور لنعمته.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَبْتَئِسْ}: تَحْزَنْ) هو قول الفراء

(3)

والزجاج، وقال ابن عباس: لا تغتم

(4)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 626 (17963)، وابن أبي حاتم 6/ 1999 - 2000 (10664).

(2)

"أسباب النزول" ص 271.

(3)

"معاني القرآن" 2/ 13.

(4)

انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي 4/ 100.

ص: 456

(ص)({يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} شَكٌّ وَامْتِرَاءٌ فِي الحَقِّ) قد سلف، وقد أخرجه أبو محمد عن مجاهد

(1)

.

(ص)({لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ}: مِنَ اللهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا) وقد سلف أيضا.

تم ساق عن مُحَمَّدٍ بنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابن عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ}

(2)

فسَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ.

ثم رواه بعد ذلك وفيه: قُلْتُ: يَا أَبَا العَبَّاسِ مَا هو؟ فذكره.

(تَثْنَوْنِي) على وزن يحلولي جعل الفعل للصدور. أي: تلتوي، ووزن (تَثْنَوْنِي) تَفْعَوْعِل على بناء المبالغة فى ميل الصدور والعطف. كما تقول: استوسقت الإبل: اجتمعت، واعشوشبت الأرض، واحلولت الدنيا، ونحو ذلك، وماضي (تثنوني): اثنونيت، وهو بكسر النون الأخيرة. قال ابن التين: وروي بفتحها، وليس بالبين. قلت: وروي بالمثناة فوق وتحت أيضا، وقيل: بحذف النون الأخيرة على وزن ترعوي.

وقوله: (يتخلوا) روي بالخاء المعجمة من الخلوة، وبالمهملة، حكاهما ابن التين، ثم قال عن الشيخ أبي الحسن أن الثاني أحسن، ولعله يريد أنه يرقد على حلاوة قفاه، فيقال: يحلا

(3)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1999 (10658).

(2)

وهي قراءة شاذة. انظر: "شواذ القرآن" لابن خالويه ص 64.

(3)

قال الجوهري في "الصحاح" 6/ 2319: وقع فلان على حُلاوة القفا بالضم، أي على وسط القفا.

ص: 457

وقوله: (فيفضوا إلى السماء) أي: يكشفون حتى يراهم من فيها. يقال: أفضى الرجل إلى امرأته: إذا باشرها.

ثم روى عن عَمْرِو قَالَ: قَرَأَ ابن عَبَّاسٍ: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} .

ثم قال: (وَقَالَ غَيْرُهُ: عَنِ ابن عَبَّاسٍ {يَسْتَغْشُونَ}: أنهم يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ). مراده بالغير: غير عمرو بن دينار، وقد رواه أبو محمد، عن أبيه، عن أبي صالح، ثنا معاوية، عن علي بن طلحة، عن ابن عباس به

(1)

.

(ص)({سِيءَ بِهِمْ}: سَاءَ ظَنُّهُ بِقَوْمِهِ) لأنهم أتوه في صورة غلمان جرد فلما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه.

(ص)({وَضَاقَ بِهِمْ}: بِأَضْيَافِهِ) أي: ضاق صدره، وعظم المكروه عليه، قال الزجاج: يقال: ضاق زيد بأمره ذرعًا: إذا لم يجد بالمكروه فيه مخلصا

(2)

.

(ص)({بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}: بِسَوَادٍ) من الليل، أي: سواد يغشى بعد مضي قطعة صارت منه، وهذا وما قبله أسنده أبو محمد عن ابن عباس

(3)

.

(ص) ({سِجِّيلٍ} : الشَّدِيدُ الكَبِيرُ. سِجِّيلٌ وَسِجِّينٌ، وَاللَّامُ وَالنُّونُ أُخْتَانِ، وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ:

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1998 (10655) بلفظ: يكنون.

(2)

انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي 4/ 136.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 2065.

ص: 458

وَرَجْلَةٍ يَضْرِبُونَ البَيْضَ ضَاحِيَةً

ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الأَبْطَالُ سِجِّينَا

وذكر البخاري في تفسير سورة الفيل عن ابن عباس: {سِجِّيلٍ} سَنْك، وَكِلْ بالفارسية. فسنك: حجر، وكل: طين.

وهذا البيت هو لتميم بن مقبل، وهو من جملة قصيدة ذكر فيها ليلى زوج أبيه، وكان خلف عليها، فلما فرق بينهما الإسلام ذكرها، وقال: تواصت. بدل: تواصى.

و (رجلة) قال ابن التين: رويت بفتح الراء وكسر الجيم جمع راجل، وروي بكسر الراء والجيم أي: ذي رجلة. قال: والبيض بفتح الباء جمع بيضة، أراد: بيضة الحديد.

ومعنى ضاحية: ظاهرة. يقال: ضحى يضحى، وضحا يضحا: إذا أصابته الشمس، ومنه:{وَلَا تَضْحَى} [طه: 119] والمعنى: أنهم يضربون مواضع البيض وهي التروس. وقال الحسين بن الفضل النيسابوري

(1)

: هو فعيل من السجن، فإنه يثبت من وقع فيه فلا يبرح مكانه.

وقال المؤرج: سجين وسجيل، أي: دائم. ورواه ابن الأعرابي: سخينًا بالخاء المعجمة، أي: سخنًا حارًّا. يعني: الضرب. وعند أبي نصر: هي حجارة من سجيل طبخت بنار جهنم -أعاذنا الله منها- متكوب عليها أسماء القوم

(2)

.

قال الأزهري: لما أعربته العرب صار فيها

(3)

.

(1)

هو أبو يعلى البجلي، الحسين بن الفضل بن عمير، المفسر، اللغوي، المحدث. انظر: ترجمته في: "سير الأعلام" 13/ 414.

(2)

"الصحاح" 5/ 1725.

(3)

"تهذيب اللغة" 2/ 1634.

ص: 459

وقال غيره: إنه عربي. وقال مجاهد: هو بالفارسية

(1)

. وقيل إنه اسم لسماء الدنيا. وقال عكرمة: سجيل: بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض منها نزلت الحجارة. وقيل: هو جبال في السماء، وهي التي أشار الله إليها بقوله:{وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [النور: 43] وقيل غير ذلك. وقال قتادة: {مِنْ سِجِّيلٍ} : من طين يؤيده قوله في موضع آخر: {حِجَارَةً مِّن طِينٍ} [الذاريات: 33]

(2)

وأنكر على البخاري تفسير السجين بالشديد؛ إذ لو كان كذلك لكان حجارة سجيلا؛ لأنه لا يقال: حجارة من شديد؛ لأن شديدًا نعت.

(1)

رواه الطبري 7/ 91 (18438) - (18441).

(2)

هذِه الآثار ذكرها ابن الجوزي في "تفسيره" 4/ 144 - 145، والقرطبي 9/ 82.

ص: 460

‌2 - [باب] قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]

4684 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَالَ اللهُ عز وجل: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" وَقَالَ: "يَدُ اللهِ مَلأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" وَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ» . [7496،7419،7411،5352 - مسلم: 993 - فتح/ 352]

{اعْتَرَاكَ} [هود: 54] افْتَعَلْتَ مِنْ عَرَوْتُهُ أَيْ: أَصَبْتُهُ، وَمِنْهُ: يَعْرُوهُ، وَاعْتَرَانِي {آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56] أَيْ: فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ. {عَنِيدٌ} [هود: 59] وَعَنُودٌ وَعَانِدٌ وَاحِدٌ، هُوَ تَأْكِيدُ التَّجَبُّرِ، {وَاسْتَعْمَرَكُمْ} [هود: 61] جَعَلَكُمْ عُمَّارًا، أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ فَهْيَ عُمْرَى جَعَلْتُهَا لَهُ. {نَكِرَهُمْ} [هود: 70] وَأَنْكَرَهُمْ وَاسْتَنْكَرَهُمْ وَاحِدٌ {حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73]: كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ. مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ. {سِجِّيلٍ} [هود: 82] الشَّدِيدُ الْكَبِيرُ. سِجِّيلٌ وَسِجِّينٌ، وَاللاَّمُ وَالنُّونُ أُخْتَانِ، وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ

وَرَجْلَةٍ يَضْرِبُونَ الْبَيْضَ ضَاحِيَةً

ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الأَبْطَالُ سِجِّينَا

(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أُنِيبُ}: أَرْجِعُ) أي في المعاد.

ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللهُ عز وجل: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" وَقَالَ: "يَدُ اللهِ مَلأى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" وَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ المِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ".

ص: 461

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا والترمذي والنسائي وابن ماجه

(1)

.

ومعنى: "لَا تَغِيضُهَا" أي: لا تنقصها يقال: غاض الماء: يغيض. و ("سحاء"): دائمة الصب والهطل بالعطاء، أصله السيلان، يريد: كأنها لامتلائها بالعطاء تسيل الليل والنهار، وروي: سحًّا. بالتنوين على المصدر. ومعنى: "بيده الميزان" إلى آخره: قسمته بالعدل. وأئمة السنة على وجوب الإيمان بهذا وأشباهه من غير تفسير، بل يجري على ظاهره، ولا يقال: كيف.

(ص)({اعْتَرَاكَ}: افْتَعَلْتَ مِنْ عَرَوْتُهُ، أَيْ: أَصَبْتُهُ، وَمِنْهُ: يَعْرُوهُ، وَاعْتَرَانِي) أسنده أبو محمد من حديث ابن أبي نجيح، عن مجاهد

(2)

.

(ص)({آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} أَيْ: فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، {عَنِيدٍ} وَعَنُودٌ وَعَانِدٌ وَاحِدٌ، هُوَ تَأْكِيدُ التَّجَبُّرِ) هو كما قال.

(ص): ({وَاسْتَعْمَرَكُمْ}: جَعَلَكُمْ عُمَّارًا) أسنده أبو محمد أيضا عن مجاهد

(3)

كما سلف. (أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ فَهْى عُمْرى: جَعَلْتُهَا لَهُ) قلت: أي: هبة.

(ص)({نَكِرَهُمْ}: وَأَنْكَرَهُمْ وَاسْتَنْكَرَهُمْ وَاحِدٌ) أي: خاف من امتناعهم عن طعامه.

(ص)({حَمِيدٌ مَجِيدٌ}: كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ. مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ) أي: وهو ذو الشرف والمجد والكرم.

(1)

الترمذي (3045)، وابن ماجه (197)، والنسائي في "الكبرى" 4/ 413 (7733).

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 2046 (10968).

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 2048 (10982).

ص: 462

‌3 - [باب]{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [هود: 84]

إلى أَهْلِ مَدْيَنَ؛ لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ، وَمِثْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وَاسْأَلِ {اْلْعِيرُ} [يوسف: 82] يَعْنِي: أَهْلَ القَرْيَةِ وَأَصْحَابَ العِيرِ {وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} [هود: 92] يَقُولُ: لَمْ تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، وَيُقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ الرَّجُلُ حَاجَتَهُ: ظَهَرْتَ بِحَاجَتِي وَجَعَلْتَنِي ظِهْرِيًّا، وَالظِّهْرِيُّ ههنا: أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ. {أَرَاذِلُنَا} [هود: 27]: سُقَاطُنَا. {إِجْرَامِي} [هود: 35] هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ أَجْرَمْتُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: جَرَمْتُ. {الْفُلْكَ} [هود: 37] وَالْفَلَكُ: وَاحِدٌ وَهْيَ السَّفِينَةُ وَالسُّفُنُ. مُجْرَاهَا مَدْفَعُهَا وَهْوَ مَصدَرُ أَجْرَيْتُ، وَأَرْسَيْتُ حَبَسْتُ وَيُقْرَأُ: مَرْسَاهَا مِنْ رَسَتْ هِيَ، وَ (مَجْرَاهَا) [هود: 41] مِنْ جَرَتْ هِيَ وَمُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا: مِنْ فُعِلَ بِهَا. الرَّاسِيَاتُ: ثَابِتَاتٌ. [فتح: 8/ 353].

(ص)({وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} أي: إلى أَهْلِ مَدْيَنَ؛ لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ، وَمِثْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وَاسْأَلِ {الْعِيرَ} يَعْنِي: أَهْلَ القَرْيَةِ وَأَصْحَابَ العِيرِ) قلت: فهو مجاز

(1)

.

(1)

قال ابن تيمية: قوله {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} مثل قوله {قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} فاللفظ هنا يراد به السكان من غير إضمار ولا حذف، فهذا بتقدير أن يكون في اللغة مجاز، فلا مجاز في القرآن، بل وتقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز تقسيم مبتدع محدث لم ينطق به السلف، والخلف فيه على قولين، وليس النزاع فيه لفظيًّا، بل يقال: نفس هذا التقسيم باطل لا يتميز هذا عن هذا، ولهذا كان كل ما يذكرونه من الفروق =

ص: 463

(ص)({وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} يَقُولُ: لَمْ تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، وَيُقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ الرَّجُلُ حَاجَتَهُ: ظَهَرْتَ بِحَاجَتِي وَجَعَلْتَنِي ظِهْرِيًّا، وَالظِّهْرِيُّ ههنا: أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ) قلت: [سلف]

(1)

في بدء الخلق، الظهري الذي ينساه ويغفل عنه. قال ابن عباس: يريد: ألقيتموه خلف ظهوركم، وامتنعتم من قتلي مخافة قومي، والله أكبر وأعز من جميع خلقه

(2)

.

(ص)({أَرَاذِلُنَا}: أسقاطنا) أي: أحسابا. ({إِجْرَامِي} مَصْدَرُ أَجْرَمْتُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: جَرَمْتُ) قلت: فمعنى الآية: فعليَّ إثم إجرامي أو عقوبة إجرامي، فحذف المضاف. والإجرام: اكتساب السيئة. يقال: أجرم فهو مجرم، {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} من الكفر والتكذيب.

(ص)({الْفُلْكَ} وَالْفَلَكُ: وَاحِدٌ وَهْيَ السَّفِينَةُ وَالسُّفُنُ) وقد سلف صفتها. وقال ابن التين ضبط بالإسكان في بعض الروايات، وفي بعضها بالفتح وهو أبين. قال ابن فارس: الجمع والواحد في هذا الاسم سواء

(3)

، واستدل غيره على صحة ذلك بقوله:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] وقوله: {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الشعراء: 119] يقال: الواحد فلك بفتح الفاء واللام والجمع بضم الفاء

= تبين أنها فروق باطلة، وكلما ذكر بعضهم فرقًا أبطله الثاني. "مجموع الفتاوى" 7/ 113، وانظر رسالته "الحقيقة والمجاز" من "مجموع الفتاوى" 20/ 400.

(1)

مطموسة في الأصل، وقد سلف فى أحاديث الأنبياء، (34) باب: قول الله تعالى {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} .

(2)

انظر "الوسيط" للواحدي 2/ 587.

(3)

"مجمل اللغة" 2/ 706.

ص: 464

وسكون اللام. وقال بعض الأعراب: الفلك هو المعرج إذا ماج البحر واضطرب.

(مجراها): مسيرها. {مُرْسَاهَا} : موقفها، (وَهْوَ مَصْدَرُ أَجْرَيْتُ، وَأَرْسَيْتُ حَبَسْتُ) أي: بأمر الله إجراؤها وإرساؤها. (وَيُقْرَأُ: مَرْسَاهَا مِنْ رَسَتْ هِيَ، وَ (مَجْرَاهَا) مِنْ جَرَتْ هِيَ وَمُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا: مِنْ فُعِلَ بِهَا. {رَّاسِيَاتٍ} : ثَابِتَاتٌ)

قلت: الفتح قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم. والباقون بالضم. واتفقوا على الضم في {مُرْسَاهَا} . وقرأ الحسن وغيره بفتحها

(1)

. وقرئ أيضا في الشواذ مجرايها ومرسايها بإبدال الألف ياء فيهما

(2)

. وقرئ -فيما حكاه الثعلبي- مجاراها بضم الميم. قال الزجاج: إنما قرأ (مجراها) بالفتح، فالمعنى: بالله جريها، (ومرساها) المعنى: وبالله يقع إرساؤها. ومن قرأ بالضم فيهما فالمعنى: بالله إجراؤها وبالله إرساؤها. يقال: أجريته فجرى وأجرى بمعنى، ومن قال بالفتح فهو من جرت جريا ومجرى، ورست رسوًا ومرسًا. والمرسا: المستقر، والمعنى: أن الله أمرهم أن يسموا في وقت جريها واستقرارها. و (مجراها) موضع خفض على الصفة، ويجوز بالياء (

)

(3)

وإن لم تقرأ على [

]

(4)

، أي: مجريا ومرسا أو على المدح، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو مجريها ومرسيها.

(1)

انظر: "الحجة" للفارسي 4/ 329، "الكشف" لمكي 1/ 528.

(2)

انظر: "شواذ القرآن" ص 64 - 65، "زاد المسير" 4/ 108 - 109.

(3)

كلمة غير واضحة بالأصل.

(4)

كلمة غير واضحة بالأصل.

ص: 465

قال ابن عباس: تجري باسم الله وترسي باسم الله، وقال: كان إذا أراد أن يدعو قال: باسم الله، فرست هاذا أراد أن تجري قال: باسم الله، فجرت. وفي الحديث من طريق ابن عباس رضي الله عنهما:"أمان لأمتي إذا هم ركبوا السفن أو البحر أن يقولوا: سبحان الملك {مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} إلى آخر الآيات [الزمر: 67]، {بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} "

(1)

.

(1)

رواه الطبراني 12/ 124 (12661)، وفي "الأوسط" 6/ 184 (6136).

ص: 466

‌4 - [باب] قَوْلِهِ: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]

وَاحِدُ الأَشْهَادِ: شَاهِدٌ، مِثْلُ: صَاحِبٍ وَأَصْحَابٍ.

4685 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهِشَامٌ قَالَا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: بَيْنَا ابْنُ عُمَرَ يَطُوفُ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ -أَوْ قَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ- سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُدْنَى الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ -وَقَالَ هِشَامٌ يَدْنُو الْمُؤْمِنُ- حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ: تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ يَقُولُ: أَعْرِفُ، يَقُولُ: رَبِّ أَعْرِفُ -مَرَّتَيْنِ- فَيَقُولُ: سَتَرْتُهَا فِي الدُّنْيَا وَأَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ- ثُمَّ تُطْوَى صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الآخَرُونَ أَوِ الْكُفَّارُ فَيُنَادَى عَلَى رُءُوسِ الأَشْهَادِ:{هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [هود: 18]. وَقَالَ شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ. [انظر: 2441 -

مسلم: 2768 - فتح: 8/ 353]

(واحد الأشهاد: شاهد، مثل صاحب وأصحاب). وهم الأنبياء والرسل. وقال مجاهد: الملائكة، وقال زيد بن أسلم: الأشهاد أربعة الأنبياء والملائكة والمؤمنون والأجناد. وقال قتادة فيما ذكره ابن أبي حاتم: الخلائق

(1)

.

(ص)

(2)

ثم ساق البخاري من حديث قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: بَيْنَما ابن عُمَرَ يَطُوفُ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ -أَوْ قَالَ: يَا ابن عُمَرَ- ما سَمِعْتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي النَّجْوى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 7/ 22، "تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 2016 - 2017.

(2)

هكذا في الأصل، وفي الهامش: لا محل هنا للصاد.

ص: 467

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُدْنَى المُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ -وَقَالَ هِشَامٌ: يَدْنُو المُؤْمِنُ من ربه- حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كنَفَهُ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ: تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ يَقُولُ: رَبِّ أَعْرِفُ -مَرَّتَيْنِ- فَيَقُولُ: سَتَرْتُهَا عليك فِي الدُّنْيَا، وَأَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ -ثُمَّ تُطْوى صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الآخَرُونَ أَوِ الكُفَّارُ فَيُنَادى على رُءُوسِ الأَشْهَادِ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] ". وَقَالَ شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ: حَدَّثنَا صَفْوَانُ.

سلف في المظالم. ومعنى (كنفه) ستره.

ص: 468

‌5 - [باب] قوله: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} [هود: 102]

{الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [هود: 99]: العَوْنُ المُعِينُ. رَفَدْتُهُ: أَعَنْتُهُ {تَرْكَنُوا} [هود: 113] تَمِيلُوا {فَلَوْلَا كَانَ} [هود: 116]: فَهَلَّا كَانَ {أُتْرِفُوا} [هود: 116]: أُهْلِكُوا. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106]: شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ.

4686 -

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» . قَالَ ثُمَّ قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} [هود: 102]. [مسلم: 2583 - فتح: 8/ 354]

({الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}: العون المعين، رفدته: أعنته) قال مجاهد: أرفدوا يوم القيامة بلعنة أخرى

(1)

.

(ص)({تَرْكَنُوا} تَمِيلُوا) أي: في المحبة ولين الكلام والمودة قاله ابن عباس. قال ابن زيد وغيره: لا تداهنوا الظلمة. وقال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم

(2)

.

(ص)({فَلَوْلَا كَانَ}: فَهَلَّا كَانَ) وقال ابن عباس: يريد ما كان. ونقل الواحدي عن المفسرين أن معنى (لولا) هنا نفي

(3)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 109 (18552) بلفظ: أردفوا.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 124، وابن أبي حاتم 6/ 2090 (11256).

(3)

"تفسير الوسيط" 2/ 597.

ص: 469

قال الفراء: لم يكن منهم. يعني: من القرون المهلكة

(1)

. {أُولُو بَقِيَّةٍ} : ذو.

(ص)({أُتْرِفُوا}: أُهْلِكُوا) أي: من تجبرهم وتركهم الحق، والترفه أصله النعمة بالمترف.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}: شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ) أي: الزفير الأول والشهيق الثاني.

وقال الضحاك ومقاتل: الأول نهيق الحمار، والثاني آخره حين فراغه

(2)

. وقال أبو العالية: الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر

(3)

.

ثم ساق حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه مرفوعًا: "إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ". ثُمَّ قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ} الآية.

وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه

(4)

، وهو من أفلت رباعي، أي: ما يؤخره.

(1)

"معاني القرآن" 2/ 30.

(2)

انظر: "الوسيط" 2/ 591، "تفسير البغوي" 4/ 200، "زاد المسير" 4/ 158، "تفسير القرطبي" 9/ 98.

(3)

رواه الطبري 7/ 114 (18580، 18581).

(4)

الترمذي (3110)، ابن ماجه (4018).

ص: 470

‌6 - باب قَوْلِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هو د: 114]

{وَزُلَفًا} [هود: 114]: سَاعَاتٍ بَعْدَ سَاعَاتٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ المُزْدَلِفَةُ، الزُّلَفُ: مَنْزِلَةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ وَأَمَّا {زُلْفَى} [سبأ: 37]: فَمَصْدَرٌ مِنَ القُرْبَى، ازْدَلَفُوا: اجْتَمَعُوا {وَأَزْلَفْنَا} [الشعراء: 64]: جَمَعْنَا.

4687 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ -هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} [هود: 114]. قَالَ الرَّجُلُ أَلِيَ هَذِهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي» . [انظر: 526 - مسلم: 2763 - فتح: 8/ 355]

ئم أسند حديث ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عَلَيْهِ {أَقِمِ الصَّلَاةَ} [هود: 114] .. الحديث.

سلف في الصلاة، وأن الأصح في اسم هذا الرجل أبو اليسر كعب بن عمرو، وهو ابن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب، شهد العقبة مع السبعين وشهد بدرًا، وهو ابن عشرين، وأسر العباس يومئذ، وكان رجلا قصيرا دحداحة ذا بطن، مات بالمدينة سنة خمس وخمسين وله عقب.

وظاهر ما في البخاري أن المزدلفة سميت بذلك للاجتماع بها، ولعله لاجتماع قريش بها دون عرفة، وقيل: سميت بذلك لقربها من عرفات.

ص: 471

(12) ومن سورة يُوسُفَ عليه السلام

-

وقًالَ فُضَيْلٌ، عَنْ حُصيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ:{مُتَّكَأً} الأُتْرُجُّ. قَالَ فُضَيْلٌ: الأُتْرُجُّ بالْحَبَشِيَّةِ مُتْكًا. وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ. وَقَالَ قَتَادَةُ {لَذُو عِلْمٍ} . عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ. وَقَالَ ابن جُبَيْرٍ صُوَاعٌ مَكُّوكُ الفَارِسِيِّ الذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{تُفَنِّدُونِ} تُجَهِّلُونِ. وَقَالَ غَيْرُهُ غَيَابَةٌ كُلُّ شَيء غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهْوَ غَيَابَةٌ. وَالْجُبُّ الرَّكِيَّةُ التِي لَمْ تُطْوَ. {بِمُؤْمِنٍ لَنَا} بِمُصَدِّقٍ. {أَشُدَّهُ} قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ، يُقَالُ بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدٌّ، وَالْمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ. وَأَبْطَلَ الذِي قَالَ الأُتْرُجُّ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ العَرَبِ الأُتْرُجُّ، فلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ المُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إلى شَرٍّ مِنْهُ، فَقَالُوا إِنَّمَا هُوَ المُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ، وَإِنَّمَا المُتْكُ طَرَفُ البَظْرِ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا مَتْكَاءُ وَابْنُ المَتْكَاءِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ المُتَّكَإِ. {شَغَفَهَا} يُقَالُ إِلَى شِغَافِهَا وَهْوَ غِلَافُ قَلْبِهَا، وَأَمَّا شَعَفَهَا فَمِنَ المَشْعُوفِ {أَصْبُ} أَمِيلُ. {أَضْغَاثُ أَحْلَام} مَا لَا تَأْوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ مِلْءُ اليَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَمِنْهُ {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} لَا مِنْ قوله:{أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} وَاحِدُهَا ضِغْثٌ {وَنَمِيرُ} مِنَ المِيرَةِ {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ. (أَوى إِلَيْهِ) ضَمَّ إِلَيْهِ، السِّقَايَةُ مِكْيَالٌ {تَفْتَؤُا} لَا تَزَالُ. {حَرَضًا} مُحْرَضًا، يُذِيبُكَ الهَمُّ. (تَحَسَّسُوا) تَخَبَّرُوا. {مُزْجَاةٍ} قَلِيلَةٍ {غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ} عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ.

ص: 472

هي مكية إلا أربع آيات ثلاثة في أولها: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)} وسبب نزولها سؤال اليهود عن أمر يعقوب ويوسف، أو تسلية له عما يفعل به قومه بما فعل إخوة يوسف به. وقال سعد بن أبي وقاص: نزلت: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} فتلاها عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا، فنزلت:{اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا} [الزمر: 23] أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد

(1)

.

(ص)(وقَالَ فُضَيْلٌ عن حصين، عن مجاهد {مُتَّكَأً}. قال فضيل: الأُتْرُجُّ بِالْحَبَشِيَّةِ مُتْكًا. وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ).

التعليق الأول أخرجه ابن المنذر عن يحيى بن محمد، ثنا مسدد، ثنا يحيى بن سعيد، عن فضيل بن عياض، عن حصين به. وتعليق ابن عيينة أخرجه في "تفسيره". وتعليق فضيل الثاني أخرجه أبو محمد، عن أبيه، عن إسماعيل بن عثمان، ثنا يحيى بن يمان عنه

(2)

. وقال مجاهد: المتكأ مثقل: الطعام، ومخفف: الأترج. ذكره ابن أبي حاتم

(3)

، وضبطه ابن التين عنه في البخاري بضم الميم مخفف، ثم قال: وعنه مثقلًا: الطعام. وعند القرطبي مخفف غير مهموز: هو الأترج بلغة القبط

(4)

. وقيل: المتكأ: كل ما اتكئ عليه. وقيل: مجلس متكأ فيه.

(1)

"المستدرك" 2/ 345، وانظر:"أسباب النزول" ص 275.

(2)

الذي في "تفسير ابن أبي حاتم" 7/ 2132 (11535) عن أبيه، ثنا سهل بن عثمان، ثنا يحيى بن يمان، عن المنهال بن خليفة، عن سلمة بن تمام من قوله.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 7/ 2133 (11539).

(4)

"تفسير القرطبي" 9/ 178.

ص: 473

وقال البخاري بعد ذلك: (وَالْمُتَّكَأُ مَا اْتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ. وَأَبْطَلَ الذِي قَالَ: الأُتْرُجُّ، أنه لَيْسَ فِي كَلَامِ العَرَبِ الأُتْرُجُّ، فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ المُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ، فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ المُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ، وَإِنَّمَا المُتْكُ طَرَفُ البَظْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا مَتْكَاءُ، وَابْنُ المَتْكَاءِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ المُتَّكَإ).

قلت: ودعوى أن ذلك ليس في كلام العرب من الأعاجيب، فقد قال في "المحكم": المتك: الأترج. وقيل: الزُّمَاوَرْد

(1)

، وهو ما في "الصحاح" حكاه الفراء. وعن الأخفش: هو الأترج

(2)

. وقال في "الجامع": المتك: الأترج، وأنشد عليه شعرًا، واحده متكة. وأهل عمان يسمون السوسن المتك، وأما أبو حنيفة الدينوري فزعم أن المتك بالضم: الأترج، قال: وقرأ قوم هذا الحرف بالإسكان، وقالوا: هو الأترج، وكذلك قال ابن عباس، وذكر أن الذي بالفتح هو السوسن، وبنحوه ذكره أبو علي القالي وابن فارس في "المجمل"

(3)

وغيرهما.

وقوله: (وابن المتكاء) قيل: هي التي لم تخفض. وقيل: هي التى لا تحبس بولها. وذكر أن عمرو بن العاصي كان في سفر فغنَّى، فاجتمع عليه الناس، فقرأ فتفرقوا فعل ذلك غير مرة، فقال: يا بني المتكاء إذا أخذت في مزامير الشيطان اجتمعتم عليَّ، وإذا أخذت في كتاب الله تفرقتم

(4)

.

(1)

"المحكم" 6/ 487.

(2)

"معاني القرآن" للفراء 2/ 42، "الصحاح" 4/ 1607 مادة (متك).

(3)

"مجمل اللغة" 2/ 822.

(4)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" 4/ 293.

ص: 474

(ص)(وَقَالَ قَتَادَةُ {لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ}: عليم عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن عيينة، عن ابن أبي عروبة، عنه

(1)

.

(ص)(وَقَالَ ابن جُبَيْرٍ صُوَاعٌ: مَكُّوكُ الفَارِسِيِّ الذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ) هذا رواه ابن أبي حاتم أيضا من حديث أبي بشر عنه

(2)

. وقيل: الصواع: مشربة الملك. وقيل: هو شيء من فضة شبه المكوك مرصع بالجواهر يُعمل على الرأس وكان المقياس واحد فى الجاهلية.

(ص)(وقال ابن عباس {تُفَنِّدُونِ} أي تُجهلون)، قلت: ونحوه قال أبو عبيدة: لولا أن تسفهونى

(3)

وقال مجاهد: لولا أن تقولوا: ذهب عقلك

(4)

.

(ص)(وقال غيره {غَيَابَتِ}: كل شيء غيب عنك شيئًا فهو غيابة)، قلت: ومنه سُميت حفرة القبر غيابة؛ لأنها تغيب المدفون.

(ص)(والجب: الركية التي لم تطو) هو كما قال. قال الحسن: غيابة: قعره. وقال قتادة: أسفله

(5)

.

(ص)({بِمُؤْمِنٍ لَنَا} بِمُصَدِّقٍ لنا) أي: لمحبتك إياه.

(ص)({أَشُدَّهُ} قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ، يُقَالُ بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاحِدُهَا شَدٌّ).

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 7/ 2170 (11777).

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 7/ 2173 (11803).

(3)

"مجاز القرآن" 1/ 318.

(4)

"تفسير مجاهد" 1/ 320.

(5)

رواه الطبري 7/ 154 (18817)، وابن أبي حاتم 7/ 2107 (11362).

ص: 475

اخْتلف في الأشد، قيل: ليس له واحد من لفظه، قاله (أبو عبيد (

(1)

. وقيل: هو جمع واحده: شدة، قاله سيبويه. وقال الكسائي: شد كما في الأصل. وفيه عدة أقوال: من ثمانية عشر إلى ستين. وقال مالك: الحلم. وقال الثعلبي: منتهى شبابه. وشدته: قوته. وقال ابن عباس: ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين

(2)

.

وقال ابن التين: الأظهر أنه أربعون لقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص: 14] وذلك أن النبي لا ينبأ إلا بعد أربعين سنة.

(ص)({شَغَفَهَا} بلغ إِلَى شغَافِهَا وَهْوَ غِلَافُ قَلْبِهَا، وَأَمَّا شَعَفَهَا فَمِنَ المَشْعُوفِ) قيل: الشغاف داء، وقيل: هو حب القلب، وقيل: هو علقة سوداء في صميمه، وهي بفتح الشين كما في كتب أهل اللغة، وضبطه المحدثون بكسرها، ومعنى الكلمة، أي: أصاب حبه شغاف قلبها، كما يقال: كبده إذا أصاب كبده.

وقوله: (وَأَمَّا شَعَفَهَا فَمِنَ المَشْعُوفِ) يقال: فلان شعوف بفلان: إذا بلغ به الحب أقصى المذاهب، مشعوف من شعاف الجبال. أي: أعلاها.

(ص)({أَصْبُ}: أَمِيلُ) يقال: صبا إلى اللهو يصبو صبوًا: إذا مال إليه.

(ص)({أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ}: مَا لَا تَأْوِيلَ لَهُ) أي: أخلاط رؤيا كاذبة لا أصل لها. والضغث في الأصل: حزمة من الحشيش المختلف.

(1)

لعله يقصد في "غريب القرآن" والكلام بنصه في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 305.

(2)

ذكره الطبري في "تفسيره" 7/ 175 وقال: روي من وجه غير مرضي.

ص: 476

وقال البخاري: (الضِّغْثُ: مِلْءُ اليَدِ مِنْ الحَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَمِنْهُ قوله عز وجل: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا}) قال: (وقوله: {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} وَاحِدُهَا ضِغْثٌ).

(ص)({وَنَمِيرُ} مِنَ المِيرَةِ) أي: نجلب إليه الطعام، يقال: مار أهله يميرهم ميرًا إذا أتاهم بطعام.

(ص)({وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} مَا يَحْمِله بَعِيرٌ) أي: لأنه كان يكال لكل رجل وقر بعير.

(ص)((أَوى إِلَيْهِ) ضَمَّ إِلَيْه) أي: وأنزله معه.

(ص)(السِّقَايَةُ مِكْيَالٌ) كان يشرب به الملك جعلها يوسف مكيالًا؛ لئلا يكال بغيرها.

(ص)({تَفْتَؤُاْ}: لَا تَزَالُ) قلت: قال ابن عباس وغيره. لا تزال تذكر يوسف

(1)

، وهو المعروف. وعن مجاهد: تفتر

(2)

.

(ص)({حَرَضًا} مُحْرَضًا، يُذِيبُكَ الهَمُّ) قال ابن عباس: حتى تكون كالشيخ الفاني.

(ص)((تَحَسَّسُوا): تَخَبَّرُوا) قال ابن عباس: تبحثوا عن يوسف

(3)

.

قلت: هو بالحاء وبالجيم قريب منه. وقيل: هما واحد. وقيل بالحاء في الخير وبالجيم في الشر. وقيل: بالحاء لنفسه، وبالجيم لغيره. ومنه الجاسوس.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 277 (19686).

(2)

"تفسير مجاهد" 1/ 320، ورواه أيضًا الطبري 7/ 277 (19681).

(3)

انظر "تفسير الوسيط"6292.

ص: 477

(ص)({مُزْجَاةٍ} قَلِيلَةٍ) قلت: أو رديئة أوكاسدة أو مدفوعة. قيل: هو متاع الأعراب من سمن وصوف وشبههما. وقيل: وَرِق رديئة لا تجوز إلا توضيعًا.

(ص)({غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ}: عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ) أي: عقوبة تغشاهم وتبسط عليهم.

(ص)({اسْتَيْأَسُوا}: يئسوا) من اليأس قال ابن عباس: يريد: من قومهم أن يؤمنوا

(1)

.

(ص)({خَلَصُوا نَجِيًّا}: اعتزلوا. يقال للواحد: نجي، والاثنين والجمع: نجي والجمع أنجية)

(2)

يريد أن النجي يكون للجمع والاثنين والواحد. وقال الأزهري: نجي جمع أنجية، وكذلك قولهم: نجوى

(3)

. وعند ابن فارس: الواحد نجي

(4)

، وقيل مثل ما في الأصل.

(1)

انظر: "الوسيط" 2/ 638، "زاد المسير" 4/ 296.

(2)

ثبت هذا من رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني كما في "اليونينية"، وانظر "الفتح" 8/ 361.

(3)

انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3510. مادة (نجا).

(4)

"مجمل اللغة" 2/ 857. مادة (نجو) ونصه: فلان نجيُّ فلانٍ، والجمع أنجية.

ص: 478

‌1 - [باب] قوله: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} الآية [يوسف: 6]

4688

- وَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْكَرِيمُ بْنُ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ» . [انظر: 3382 - فتح: 8/ 361]

ثم ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "الْكَرِيمُ بْنُ الكَرِيمِ بْنِ الكَرِيمِ بْنِ الكَرِيمِ".

الحديث سلف في مناقب الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، والبخاري رواه هنا عن عبد الله بن محمد يعني المسنَدي، كذا هو في الأصول. وأما خلف

(1)

فذكره في "أطرافه" بلفظ: وقال عبد الله بن محمد.

فائدة: في تسمية إخوة يوسف الأحد عشر: روبيل أكبرهم وشمعون ولاوى ويهوذا وزبالون ويشجر، وأمهم ليا بنت ليان بن ناهز بن آزر، وهي بنت خالة يعقوب عليه السلام، وولد له من سريتين أربعة نفر: دان ونفثال وجاد وإشر -وقيل: شير- ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راجيل فولدت له يوسف وبنيامين، وماتت راجيل من نفاس بنيامين

(2)

.

(1)

في هامش الأصل: وكذا المزي، وكذا هو في أصل لنا دمشقي، وفي أصلنا المصري: حدثنا عبد الله بن محمد.

(2)

انظر: "البداية والنهاية" لابن كثير 1/ 197.

ص: 479

‌2 - [باب] قوله: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)} [يوسف: 7]

4689 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: «أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاهُمْ» . قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ابْنُ نَبِيِّ اللهِ ابْنِ نَبِيِّ اللهِ ابْنِ خَلِيلِ اللهِ» . قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟» . قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» . تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. [انظر: 3353 - مسلم: 82378 - فتح: 8/ 362]

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ سلف أيضا في مناقب الأنبياء.

ثم قال: تَابَعَهُ -يعني عبدة- أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. أي: عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وهذِه أسندها هناك عن عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة.

ص: 480

‌3 - [باب] قوله: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف: 18]

{سَوَّلَتْ} زَيَّنَتْ.

4690 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللهُ، كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ» . قُلْتُ: إِنِّي وَاللهِ لَا أَجِدُ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] وَأَنْزَلَ اللهُ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11] الْعَشْرَ الآيَاتِ [انظر: 2593 - مسلم: 2770 - فتح: 8/ 362]

4691 -

حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ -وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ- قَالَتْ بَيْنَا أَنَا وَعَائِشَةُ أَخَذَتْهَا الْحُمَّى، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَعَلَّ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ» . قَالَتْ: نَعَمْ وَقَعَدَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ مَثَلِى وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} . [انظر: 3388 - فتح: 8/ 363]

({سَوَّلتَ} زَّينَتْ). أسنده أبو محمد، عن قتادة

(1)

.

ثم ساق حديث الإفك السالف مختصرًا من طريقين.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 7/ 2111 (11396).

ص: 481

‌4 - [باب] قوله: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23]

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] بِالْحَوْرَانِيَّةِ هَلُمَّ.

وَقَالَ ابن جُبَيْرٍ: تَعَالَهْ.

4692 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: هَيْتَ لَكَ قَالَ وَإِنَّمَا نَقْرَؤُهَا كَمَا عُلِّمْنَاهَا {مَثْوَاهُ} [يوسف: 21]: مُقَامُهُ {أَلْفَيَا} [يوسف: 25]: وَجَدَا {أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ} [الصافات:69]{أَلْفَيْنَا} [البقرة: 170] وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12]. [فتح: 8/ 363]

4693 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَئُوا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالإِسْلَامِ قَالَ:«اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ» فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِثْلَ الدُّخَانِ، قَالَ اللهُ:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10] قَالَ اللهُ {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} [الدخان: 15] أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ وَقَدْ مَضَى الدُّخَانُ وَمَضَتِ الْبَطْشَةُ. [انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح: 8/ 363]

({مَثْوَاهُ} مُقَامُهُ. أي: عندنا. {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا}: وَجَدَا، {أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ}: وجدوا). هو كما قال.

(وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {هَيْتَ لَكَ} بِالْحَوْرَانِيَّةِ هَلُمَّ) هذا أسنده عبد في "تفسيره" عنه

(1)

(وَقَالَ ابن جُبَيْرٍ: تَعَالَهْ) أي: إلى ما هو لك.

(1)

رواه أيضًا الطبري في "تفسيره" 7/ 177 (18982).

ص: 482

و {هَيْتَ} بفتح الهاء والتاء، وهي قراءة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرئ بكسر الهاء وضم التاء مهموز أيضا. أي: تهيأت لك، وأنكرها أبو عمرو، وعن عكرمة أن معناها زينت وحسنت. وقرئ بفتح الهاء وكسر التاء، وبكسر الهاء وفتح التاء

(1)

، قال الحسن: هي سريانية. وقال مجاهد: عربية

(2)

. وذكر أبو عبيد عن العرب أنها لا تثني هيت ولا تجمعه ولا تؤنث، وإنما يتميز بما قبله وما بعده.

ثم ساق عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه {هَيْتَ لَكَ} قال: إنما نقرؤها كما علمناها.

قلت: ورواه الفراء من حديث الشعبي عنه أيضا أنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هيت لك

(3)

، لكن في "تفسير ابن مردويه" عنه أنه قرأ بكسر الهاء وضم التاء.

ثم قال البخاري: (وَعَنِ ابن مَسْعُودٍ: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ). قلت: أنكر بعضهم الضم، وهو شريح، وقال إنه لا يعجب إنما يعجب من لايعلم

(4)

.

(1)

انظر: "الحجة" للفارسي 4/ 416، "الكشف" لمكي 2/ 8.

(2)

"تفسير مجاهد" 1/ 313.

(3)

رواه الفراء في "معاني القرآن" 2/ 40.

(4)

وهي أيضًا قراءة علي وابن عباس وعكرمة وقتادة والنخعي والأعمش وحمزة والكسائي وآخرين واختارها الفراء كما في "المعاني" 2/ 384، والعجب في الآية كقوله تعالى {وَيَمْكُرُ اللهُ} ، {سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ} وأيضًا لا ينبغي رد قراءة متواترة ولا ترجيح قراءة متواترة على أخرى مثلها؛ إذ كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه وواففت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا وصح سندها فهي قراءة صحيحة اهـ. "النشر" لابن الجزري 1/ 9، فإذا ثبتت قراءتان لا يقال بأن إحدى القراءتين أجود من الأخرى- انظر:"البرهان" 1/ 339 وقد وقع في ذلك شيخ المفسرين =

ص: 483

وأنكره الزجاج

(1)

؛ لأنه ليس بعجب الآدميين.

والمعنى المجازاة عليه فسمى المجازاة على الشيء باسم الشيء

(2)

.

ثم ساق حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "اللَّهُمَّ اكْفِنيهِمْ بِسَبْعٍ كسَبْعِ يُوسُفَ".

وقد سلف في الاستسقاء، ويأتي في سورة الروم

(3)

.

ومعنى (حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ) أذهبته. يقال: سنة حصاء: جرداء لا خير فيها، ومنه حصت البيضة شعر رأسي. أي: حلقته.

= الإمام الطبري رحمه الله فكان يرجح بعض القراءات على بعض ومثال ذلك ذكره للقراءات في قوله تعالى: (هيت لك) وترجيحه قراءة فتح الهاء والتاء وتسكين الياء "التفسير" 7/ 179 اهـ.

(1)

يعني: أنكر كلام شريح.

(2)

انظر: "زاد المسير" 7/ 49 - 50.

(3)

سيأتي برقم (4774).

ص: 484

‌5 - [باب] قوله: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} الآية [يوسف: 49]

وَحَاشَ، وَحَاشَى: تَنْزِيهٌ وَاسْتِثْنَاءٌ {حَصْحَصَ} [يوسف: 51]: وَضَحَ.

4694 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ اللهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ، وَنَحْنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لَهُ:{أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} . [انظر:3372 - مسلم: 151 - فتح: 8/ 366].

(وَحَاشَ، وَحَاشَى: تَنْزِيهٌ وَاسْتِثْنَاءٌ) كما قال: {مَا خَطبُكُنَّ} أي: ما أمركن وما قصتكن. {إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} : قلن ذلك، وشدد النون من {رَاوَدْتُنَّ} كأنها عوض حرفين الميم و [الواو]

(1)

في المذكرين؛ لأنك تقول فيه: راودتم أصله: راودتموه.

وقوله: (تنزيه): هو بالزاي، وقيل: تبريه بالباء والراء، و [أنجيتنا: الناجية]

(2)

.

(1)

في الأصل: (الياء)، والمثبت هو الصواب، وانظر:"إعراب القرآن" للنحاس 2/ 144.

(2)

هكذا في الأصل، غير منقوطة، ولم أجد لها وجهاً.

ص: 485

ثم قال البخاري: (حَدَّثنَا سعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ) وهو: أبو عثمان سعيد بن عيسى بن تليد بالمثناة فوق في أوله الرعيني المصري، مات سنة تسع عشرة ومائتين، وهو من أفراده

(1)

(ثنا عبد الرحمن بن القاسم) وهو ابن خالد بن جنادة المصري، أبو عبد الله مولى زبيد بن الحارث العتقي فقيه مصر، واسمه: عبد الصمد، يروي عن ورش عن نافع القراءة

(2)

(عن بكر بن مضر) وهو: ابن محمد بن حليم بن سلمان المصري، أبو محمد مولى ربيعة بن شرحبيل بن حسنة، ولد سنة اثنتين ومائة، ومات يوم عرفة سنة أربع أو ثلاث وسبعين. يعني: ومائة

(3)

.

(عن عمرو بن الحارث) وهو: ابن يعقوب أبو أمية مولى الأنصار، المؤدب، المصري، مات سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائة عن نيف وخمسين سنة

(4)

- عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُ اللهُ لُوطًا، لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ .. " الحديث.

سلف في مناقب الأنبياء من طريق الأعرج، عن أبي هريرة

(5)

.

(1)

انظر ترجمته في: "الثقات" لابن حبان 1/ 161، و"تهذيب الكمال" 11/ 92.

(2)

انظر: "ثقات ابن حبان" 8/ 374، و"تهذيب الكمال" 17/ 344، و"السير" 9/ 120.

(3)

انظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 517، "الثقات" لابن شاهين ص 14، و"تهذيب الكمال" 4/ 227 - 228.

(4)

في هامش الأصل: لعله مرة.

(5)

سلف برقم (3375).

ص: 486

وظاهره أنه كان يأوي في الشدائد إلى الله، وقال مجاهد: الركن الشديد: عشيرته

(1)

.

وابن القاسم هذا صاحب مالك الذي روى عنه سحنون "المدونة"، وعنه: أصبغ وغيره، توفي سنة إحدى وتسعين ومائة، ورد عنه أنه قال: خرجت مع مالك اثنتي عشرة سنة، أنفقت كل مرة ألف دينار.

ونقل ابن التين عن الشيخ أبي الحسن أنه لم يرو عنه في البخاري غير هذا الحديث، وكان من العلماء الزاهدين، وفضائله شهيرة جمة.

(1)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 3/ 369.

ص: 487

‌6 - [باب] قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [يوسف: 110]

4695 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [يوسف: 110] قَالَ: قُلْتُ: أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: كُذِّبُوا. قُلْتُ: فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ قَالَتْ: أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ. فَقُلْتُ لَهَا: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا. قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الآيَةُ؟ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ. [انظر: 3389 - فتح: 8/ 367]

4696 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَقُلْتُ لَعَلَّهَا {كُذِبُوا} [يوسف: 110] مُخَفَّفَةً. قَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ. [انظر: 3389 - فتح: 8/ 367]

ذكر فيه حديث عُرْوَةَ بن الزبير، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَسْأَلُهَا عَنْ قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} قَالَ: قُلْتُ: أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا؛ قَالَتْ عَائِشَةُ: كُذّبُوا .. الحديث.

ثم ساق بعد عن عروة أنه قال لها: لعلها: كذبوا. مخففة. قالت: معاذ الله، نحوه.

وقد سلف في مناقب الأنبياء، وفي تفسير سورة البقرة في قوله:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [البقرة: 214] من طريق ابن عباس

(1)

.

(1)

سلف برقم (4524).

ص: 488

ومعنى {اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} يعني: من إيمان قومهم، أو رأى قومهم العذاب، وتفسير عائشة رضي الله عنها في {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} تفسير حسن، وقال عطاء والحسن وقتادة:{ظَنُّوا} : أيقنوا أن قومهم قد كذبوهم

(1)

، ونقله ابن عرفة عن أكثر أهل اللغة، ومعنى التخفيف: ظن الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به عن نصر الله إياهم بإهلاك أعدائهم، وقرأ مجاهد:(كذبوا) بفتح الكاف وتخفيف الذال وكسره

(2)

، وهو معنى ما قبله. وقال ابن عرفة: الكذب: الانصراف عن الحق، فالمعنى: كذبوا تكذيبًا لا تصديق بعده، وقد أوضحنا ذلك هناك.

(1)

انظر "تفسير الوسيط" 2/ 638، "زاد المسير" 4/ 296.

(2)

عزاها ابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 296 لأبي رزين، ومجاهد، والضحاك.

ص: 489

‌13 - ومن سورة الرَّعْدِ

وقًالَ ابن عَبَّاسٍ: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} مَثَلُ المُشْرِكِ الذِي عَبَدَ مَعَ اللهِ إِلَهًا غَيْرَهُ كَمَثَلِ العَطْشَانِ الذِي يَنْظُرُ إِلَى خَيَالِهِ فِي المَاءِ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ وَلَا يَقْدِرُ. وَقَالَ غَيْرُهُ:{سَخَّرَ} ذَلَّلَ. {مُتَجَاوِرَاتٌ} مُتَدَانِيَاتٌ. {الْمَثُلَاتُ} وَاحِدُهَا مَثُلَةٌ وَهْيَ الأَشْبَاهُ وَالأَمْثَالُ، وَقَالَ:{إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا} . {بِمِقْدَارٍ} بِقَدَرٍ {مُعَقِّبَاتٌ} مَلَائِكَةٌ حَفَظَةٌ تُعَقِّبُ الأُولَى مِنْهَا الأُخْرى، وَمِنْهُ قِيلَ العَقِيبُ. يُقَالُ عَقَّبْتُ فِي إِثْرِهِ، المِحَالُ العُقُوبَةُ. {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} لِيَقْبِضَ عَلَى المَاءِ. {رَابِيًا} مِنْ رَبَا يَرْبُو. {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ} المَتَاعُ مَا تَمَتَّعْتَ بِهِ. {جُفَاءً} أَجْفَأَتِ القِدْرُ إِذَا غَلَتْ فَعَلَاهَا الزَّبَدُ، ثُمَّ تَسْكُنُ فَيَذْهَبُ الزَّبَدُ بِلَا مَنْفَعَةٍ، فَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ الحَقَّ مِنَ البَاطِلِ. {الْمِهَادُ} الفِرَاشُ. (يَدْرَءُونَ) يَدْفَعُونَ دَرَأْتُهُ دَفَعْتُهُ. {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} أي يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} تَوْبَتِي. {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} لَمْ يَتَبَيَّنْ. {قَارِعَةٌ} دَاهِيَةٌ {فَأَمْلَيْتُ} أَطَلْتُ مِنَ المَلِيِّ وَالْمُلَاوَةُ وَمنْهُ مَلِيًّا، وَيُقَالُ لِلْوَاسِعِ الطَّوِيلِ مِنَ الأَرْضِ مَلًى مِنَ الأَرْضِ {أَشًقُّ} أَشَدُّ مِنَ المَشَقَّةِ {مُعَقِّبَ} مُغَيِّرٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{مُتَجَاوِرَاتٌ} طَيِّبُهَا، وَخَبِيثُهَا السِّبَاخُ، {صِنْوَانٌ} النَّخْلَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} وَحْدَهَا {بِمَاءٍ وَاحِدٍ} {بِمَاءٍ وَاحِدٍ} كَصَالِحِ بَنِي آدَمَ وَخَبِيثِهِمْ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ، {السَّحَابَ الثِّقَالَ} الذِي فِيهِ المَاءُ {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} يَدْعُو المَاءَ بِلِسَانِهِ وُيشَيرُ إِلَيْهِ فَلَا يَأْتِيهِ أَبَدًا، سَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا: تَمْلأُ بَطْنَ وَادٍ، {زَبَدًا رَابِيًا} زَبَدُ السَّيْلِ خَبَثُ الحَدِيدِ وَالْحِلْيَةِ.

هي مدنية غير آية {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا} [الرعد: 31] وقيل: مكية، وقال

ص: 490

مقاتل: مكية ومدنية خلط، ونقل القرطبي عنه: أنها مدنية

(1)

، وقال السخاوي: نزلت بالمدينة كما قاله عطاء، وبعد سورة (ق) وقبل سورة الرحمن

(2)

، وقد اختلف في خمس آيات منها.

فائدة:

وللترمذي -وقال: غريب- من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرعد، ما هو؟ قال:"ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوقه حيث شاء الله" قالوا: ما هذا الصوت؟ قال: "زجره السحاب إذا زجره" قالوا: صدقت

(3)

.

أخرى: للحاكم -وقال: صحيح الإسناد- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد"

(4)

.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} مَثَلُ المُشْرِكِ الذِي عَبَدَ مَعَ اللهِ إِلَهًا غَيْرَه، كَمَثَلِ العَطْشَانِ الذِي يَنْظُرُ إلى خَيَالِهِ فِي المَاءِ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ وَلَا يَقْدِرُ)

هذا رواه أبو محمد بن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي، عنه

(5)

.

(1)

"تفسير القرطبي" 9/ 278.

(2)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(3)

"سنن الترمذي"(3117) والنسائي في "الكبرى" 5/ 336 (9072) والطبراني في "الكبير" 12/ 45. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وحسنه الألباني في "الصحيحة" (1872).

(4)

"المستدرك" 2/ 349.

(5)

رواه أيضًا الطبري 7/ 365 (20294)، وزاد السيوطي في "الدر" 4/ 101 عزوه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.

ص: 491

ثم قال: -أعني البخاري- (وقال غيره: {سَخَّرَ}: ذلل).

قال ابن التين: عند الشيخ أبي الحسن: ولا يقدره. وعند غيره: ولا يقدر، وهما صحيحان، يقال: قدرت الشيء أقدر وأقدره. وقوله بعد ذلك: ({كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدًا) وهو قول مجاهد

(1)

، وقيل: إن الذي يدعو إلى الأصنام بمنزلة القابض على الماء لا يحصل له شيء.

(ص)({مُتَجَاوِرَاتٌ}: مُتَدَانِيَاتٌ) وذكر بعد عن مجاهد (طيبها وخبيثها السباخ). وهذا رواه ابن المنذر من حديث ابن أبي نجيح، عنه

(2)

، وقيل: في الكلام حذف، والمعنى: الأرض قطع متجاورات وغير متجاورات، كقوله:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي: والبرد، حذف للعلم به، والمتجاورات: المدن، وما كان عامرًا، أو غيرها الصحاري، وما كان غير عامر.

(ص)(الأغلال واحدها غل، ولا تكون الأغلال إلا في الأعناق).

قلت: يقال منه: غل الرجل فهو مغلول.

(ص)({الْمَثُلَاتُ}: وَاحِدُهَا مَثُلَةٌ وَهْيَ الأَشْبَاهُ وَالأَمْثَالُ. وَقَالَ {إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ}) قلت: يقال للعقوبة: مثل مثلة، قال ابن الأنباري: وهي العقوبة التي تبقي في المعاقب شينًا بتغيير بعض خلقه

(3)

.

(1)

"تفسير مجاهد" 1/ 326.

(2)

رواه أيضًا الطبري 7/ 332 (20074)، وعزاه لابن المنذر السيوطي في "الدر" 4/ 84 وزاد عزوه لابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.

(3)

انظر: "تفسير الوجيز" 3/ 6 "زاد المسير" 4/ 306.

ص: 492

(ص)({بِمِقْدَارٍ}: بِقَدَر) قلت: قال ابن عباس: مقدار كل شيء يقدره تقديرًا، ما يكون قبل أن يكون، وكل ما هو كائن إلى يوم القيامة.

(ص)({مُعَقِّبَاتٌ}: مَلَائِكَةٌ حَفَظَة يُعَقِّبُ الأُولَ مِنْهَا الآخر، وَمِنْهُ: العَقِيبُ. يُقَالُ: عَقَّبْتُ فِي إِثْرِهِ) قلت: ومعنى حفظة: يحفظون عليه كلامه وفعله، {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} أي: بإذن الله، والأحسن كما قال ابن التين: أنه أراد ملائكة الليل والنهار، كأنهم يتعاقبون فيها، كما بينه في الحديث السالف:"يتعاقبون فيكم"

(1)

.

وقوله: (ويقال: عقبت في إثره)، وجدته بخط الدمياطي بتشديد القاف. وقال ابن التين: هو بفتح القاف وتخفيفها. قال: وضبطه بعضهم بتشديدها، وفي بعض النسخ بكسرها ولا وجه له، إلا أن يكون لغة.

(ص): (المُحَال: العقوبة)، قلت: وقيل: قوي الكيد، وفيه أقوال أخر: الحول، الحيلة، المكر، الجدال، ضمته أصلية أو زائدة قولان، وقرأ الأعرج والضحاك بضم الميم

(2)

من المحالة الحيلة. قال أبو العباس: وأصله من قولهم: محل بفلان: يسعى به إلى السلطان وغرضه الهلاك

(3)

، ومن جعلها زائدة، قال: أصله من الحول، وقيل: بالفتح زائد، وبالكسر أصلية.

(ص)({كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ}: لِيَقْبِضَ عَلَى المَاءِ) أي: كمادٍّ.

(ص)({رَابِيًا}: مِنْ رَبَا يَرْبُو) أي: في السماء.

(1)

سلف برقم (555) من حديث أبي هريرة.

(2)

هكذا هنا، والذي في المصادر: أنهما قُرِئا بالفتح، انظر "معاني القرآن" للنحاس 3/ 485، "المحتسب" 1/ 356، "المحرر الوجيز" لابن عطية 8/ 148.

(3)

انظر "الصحاح" 5/ 1817.

ص: 493

(ص)({أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ} المَتَاعُ: مَا تَمَتَّعْتَ بِهِ) قلت: وقال مجاهد: المتاع: الحديد والنحاس والرصاص

(1)

، وقال غيره: الذي يوقد عليه.

(ص){فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} : الذهب والفضة.

(ص)({جُفَاءً}: أَجْفَأَتِ القِدْرُ: إِذَا غَلَتْ فَعَلَاهَا الزَّبَدُ، ثُمَّ تَسْكُنُ فَيَذْهَبُ الزَّبَدُ بِلَا مَنْفَعَةٍ، فَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ الحَقَّ مِنَ البَاطِلِ) قلت: الجفا: ما بدأه السيل، جفا الوادي جفاء إذا رمى، وأجفأ لغة قليلة، وكذا أجفأت القدر إذا كفأتها وأملتها فصببت ما فيها، ولا تقل أجفأتها، والمعنى: أن الباطل وإن على في وقت فمآله إلى اضمحلال.

(ص)({الْمِهَادُ}: الفِرَاشُ) كما قال.

(ص)((يَدْرَءُونَ): يَدْفَعُونَ، دَرَأْتُهُ: دَفَعْتُه) قلت: قال ابن عباس: يدفعون بالعمل الصالح الشر من العمل، كما روي أنه عليه السلام قال لمعاذ بن جبل:"إذا عملت سيئة فاعمل حسنة بجنبها تمحها"

(2)

قال ابن كيسان: هو أنهم كلما أذنبوا تابوا ليدفعوا بالتوبة معرة الذنب

(3)

.

(ص)({سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}: أي: يَقُولُونَ سَلَام عَلَيْكُمْ) أي: سلمكم الله من أهوال يوم القيامة وشرها، بصبركم في الدنيا على طاعته.

(ص)({وَإِلَيْهِ مَتَابِ}: إليه تَوْبَتِي) أي: رجوعي.

(ص)({أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا}: ألَمْ يَتَبَيَّنْ) قلت: وقال ابن عباس: أفلم يعلم

(4)

.

(1)

"تفسير مجاهد" 1/ 327.

(2)

رواه الترمذي (1987/م)، وأحمد 5/ 228 بلفظ:"يا معاذ أتبع السيئة الحسنة تمحها".

(3)

انظر "تفسير الوسيط" للواحدي 3/ 14، "زاد المسير" 4/ 324 - 325.

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 388 (20412).

ص: 494

قال الكلبي: ييأس: يعلم في لغة الحجاز والنخع

(1)

، وهو قول مجاهد والحسن وقتادة

(2)

.

(ص)({قَارِعَةٌ}: دَاهِيَةٌ) أي: تقرعهم مصيبة شديدة بما صنعوا من كفرهم وأعمالهم الخبيثة، وقال أبو سعيد الخدري ومجاهد: في السرايا التي كان عليه السلام يبعثها إليهم

(3)

.

(ص)(أمليت: أَطَلْتُ لهم مِنَ المَلِيِّ وَالْمُلَاوَةُ وَمِنْهُ مَلِيًّا، وَيُقَالُ لِلْوَاسِعِ الطَّوِيلِ مِنَ الأَرْضِ: مَلًى) قلت: الملا مقصور غير مهموز -بفتح الميم- يكتب بالألف: الصحراء الواسعة لا نبت فيها ولا جبل، والملاوة -بضم الميم وفتحها -أي: قد أطيل في عمره.

(ص)({أَشَقُّ}: أَشَدُّ مِنَ المَشَقَّةِ) أي: [ .... ]

(4)

.

(ص)({مُعَقِّبَ}: مُغَيِّرٌ) قلت: قال ابن عباس: لا ناقض لحكمه. وقال الفراء: لا راد له

(5)

، وهما بمعناه، والمعقب: الذي يتبع الشيء فيستدركه، ولا يستدرك أحد على حكم الله

(6)

.

(ص)({صِنْوَانٌ}: النَّخْلَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} منفردة وَحْدَهَا) قلت: هو جمع صنو، وقرئ بضم الصاد

(7)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 7/ 388، "المحرر الوجيز" 8/ 171.

(2)

رواه الطبري 7/ 389 (20413)، (20414) عن مجاهد وقتادة. وانظر "تفسير الوسيط" 3/ 17، "زاد المسير" 4/ 331.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 391 (20433).

(4)

كلمة غير واضحة في الأصل.

(5)

"معاني القرآن" 2/ 66.

(6)

انظر: "تفسير الوسيط" 3/ 21.

(7)

القراءة بضم الصاد والتنوين رواها الفارسي في "الحجة" 5/ 6 من طريق القواس، عن حفص، عن عاصم، وقال: ولم يقلْهُ غيره عن حفص.

ص: 495

(ص)({يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} كَصَالِحِ بَنِي آدَمَ وَخَبِيثِهِمْ وأَبُوهُمْ وَاحِدٌ) قلت: فالطبع لا أثر له والمؤثر.

(ص)(السَّحَابُ الثِّقَالُ: الذِي فِيهِ المَاءُ) هو كما قال.

(ص)({فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}: تَمْلأُ كل واد) من أودية جمع وادٍ، وهو: كل منفرج بين جبلين يجتمع إليه ماء المطر فيسيل. والقدر: مبلغ الشيء، والمعنى: بقدرها من الماء، فإن صغر قل الماء، وإن اتسع كثر. قال ابن الأنباري: شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر، إذ نفع نزول القرآن يعم كعموم نفع نزول المطر، وشبه الأودية بالقلوب

(1)

.

(ص)({زَبَدًا رَابِيًا} الزبد: زَبَدُ السَّيْلِ خَبَثُ الحَدِيدِ والحلية). سلف أيضا، أي: عاليًا فوق الماء. قال ابن عباس: وهو الشك والكفر

(2)

.

(1)

انظر: "الوسيط" 3/ 12.

(2)

المرجع السابق.

ص: 496

‌1 - [باب] قَوْلِهِ: {اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد: 8]

{وَغِيضَ} [هود: 44]: نُقِصَ.

4697 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللهُ: لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلاَّ اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلاَّ اللهُ، وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللهُ» . [انظر: 1039 - فتح: 8/ 375]

({وَغَيضَ}: نُقِصَ). أسنده إسماعيل بن أبي زياد الشامي، عن ابن عباس.

وقال الضحاك: غيضها: أن تأتي بالولد ما دون التسعة

(1)

، وعن الحسن: السقط، وقيل: تزاد بالوضع لأكثر من تسعة، وقيل: أي: تغيض من الستة أشهر ثلاثة أيام، وقيل: تغيض بإراقة الدم في الحمل حتى يتضاءل الولد، وتزداد إذا أمسكت الدم فيعظم الولد، وقيل: تغيض بمن ولدته من قبل وتزداد بمن ولدته من بعد، وقيل: تغيض بالحيض أيامه، وتزداد بالنفاس بعد الوضع. وقيل: من عدد الأولاد، فقد تحمل المرأة واحدًا، وتحمل أكثر منه، ويؤخذ من الآية أن الحامل تحيض، وهو مذهبنا خلافًا لأبي حنيفة

(2)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 346 (20184).

(2)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 171، "تفسير القرطبي" 9/ 286.

ص: 497

ثم ساق البخاري حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: "مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ .. " الحديث.

سلف قريبًا في سورة الأنعام

(1)

.

والمفاتيح: الخزائن، كما سلف، وشيخ البخاري هنا هو إبراهيم بن المنذر، عن معن، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر. رضي الله عنهما مرفوعًا، قال أبو مسعود، وتفرد به إبراهيم هذا، وهو عزيز وقال الدارقطني: رواه ابن أبي شيبة، عن مالك، عن عبد الله، عن ابن عمر موقوفًا.

(1)

سلف برقم (4627).

ص: 498

‌14 - ومن سورة إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

-

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: (هَادٍ)[الرعد: 7] دَاعٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَدِيدٌ قَيْحٌ وَدَمٌ. وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ} أَيَادِيَ اللهِ عِنْدَكُمْ وَأَيَّامَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} رَغِبْتُمْ إِلَيْهِ فِيهِ {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} يَلْتَمِسُونَ لَهَا عِوَجًا {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} أَعْلَمَكُمْ آذَنَكُمْ {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} هذا مَثَلٌ كَفُّوا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ {مَّقَامِي} حَيْثُ يُقِيمُهُ اللهُ بَيْنَ يَدَيْهِ {مِنْ وَرَائِهِ} قُدَّامِهِ. {لَكُمْ تَبَعًا} وَاحِدُهَا تَابعٌ مِثْلُ غَيَبِ وَغَائِبٍ {بِمُصْرِخِكُمْ} اسْتَصْرَخَنِي اسْتَغَاثَنِي يَسْتَصْرِخُهُ مِنَ الصُّرَاخِ {وَلَا خِلَالٌ} مَصْدَرُ خَالَلْتُهُ خِلَالًا، وَيَجُوزُ أَيْضًا جَمْعُ خُلَّةٍ وَخِلَالٍ {اجْتُثَّتْ} اسْتُؤْصِلَتْ.

هي مكية إلا آية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] وفي المراد بذلك أقوال محلها التفسير. قال السخاوي: ونزلت بعد سورة نوح، وقبل سورة الأنبياء

(1)

.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: (هَادٍ) دَاعٍ) أسنده ابن أبي حاتم من حديث علي عنه

(2)

. (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَدِيدٌ قَيْحٌ وَدَمٌ) أسنده ابن المنذر من حديث ابن أبي نجيح عنه

(3)

، وكذا ما ذكره عنه بعد في قوله:{مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} رغبتم إليه فيه

(4)

.

(ص) (وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ} أَيَادِيَ اللهِ

(1)

"جمال القراء" ص 8.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 7/ 2225 (12154).

(3)

عزاه لابن المنذر السيوطي في "الدر" 4/ 138.

(4)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 158.

ص: 499

عِنْدَكُمْ وَأَيَّامَهُ) هو كذلك في "تفسيره".

(ص)({وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} يَلْتَمِسُونَ لَهَا عِوَجًا) أي: يلتمسون غير القصد، والعوج بالفتح: ما كان مائلًا منتصبًا كالحائط. والعود: كالجبل وشبهه، وبالكسر: في الأرض والدين وشبههما، قاله ابن السكيت وابن فارس

(1)

.

وما ذكره عن مجاهد في {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} استحسنه النحاس، فذهب إلى أنهم أعطوا ما لم يسألوه، وذلك معروف في اللغة أنه يقال: امض إلى فلان، فإنه يعطيك كل ما سألت، وإن كان يعطي غير ما سأل

(2)

.

وقرئ: (من كُلٍّ)، بالتنوين، وفسره الضحاك وقتادة على النفى

(3)

. وقال الحسن: من كل الذي سألتموه، أي: من كل ما سألتم

(4)

.

(ص)({وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} أَعْلَمَكُمْ) معنى تأذن: أذن، مثل توعد وأوعد. قال الفراء: تأذَّن وأذَّن بمعنى

(5)

.

(ص){فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} هذا مَثَلٌ كَفُّوا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ)

قلت: وقيل: عضوا على أيديهم غيظًا يوضحه قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران: 119].

(ص)({مَّقَامِي}: حَيْثُ يُقِيمُهُ اللهُ بَيْنَ يَدَيْهِ) هو قول ابن عباس

(1)

"إصلاح المنطق" ص 164، "مجمل اللغة" 2/ 365.

(2)

"معاني القرآن" 3/ 533.

(3)

رواهما الطبري في "تفسيره" 7/ 459 (20831)، (20834).

(4)

رواه الطبري 7/ 458 (20829).

(5)

"معاني القرآن" 2/ 69.

ص: 500

وغيره، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول كما تقول: ندمت على ضربك.

(ص)({مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ}: قُدَّامِهِ) قال أبو عبيدة

(1)

وغيره: وهو من الأضداد

(2)

، واستشكله ابن عرفة، وإنما قيل ذلك في الأماكن والأوقات، وقال الأزهري: معناه ما توارى عنه واستتر

(3)

.

(ص)({لَكُمْ تَبَعًا} وَاحِدُهُم تَابعٌ مِثْلُ غَيَبٍ وَغَائِبٍ) قلت: أي: قال الضعفاء وهم: الأتباع الذين استكبروا لأكابرهم الًذين استكبروا عن العبادة (لله)

(4)

.

(ص)({بِمُصْرِخِكُمْ} اسْتَصرَخَنِي: اسْتَغَاثَنِي يَسْتَصْرِخُهُ مِنَ الصُّرَاخِ) وهو الإغاثة. قال الحسن: إذا كان يوم القيامة قام إبليس خطيبًا على منبر من نار فقال: {اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} الآية

(5)

، والقراءة الصحيحة: فتح الياء في (مصرخي) وهو الأصل

(6)

، وقرأ حمزة: بكسر الياء

(7)

.

قال الزجاج: هي عند جميع النحويين ضعيفة، ولا وجه لها إلا وجه

(1)

"مجاز القرآن" 1/ 337.

(2)

انظر: "الأضداد" لابن الأنباري ص 68 (34).

(3)

"تهذيب اللغة" 4/ 3879.

(4)

في الأصل: (ولك)، وانظر "تفسير الوسيط" 3/ 28.

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 435 (20647).

(6)

إن المصنف رحمه الله قد جانبه الصواب؛ فإنه قد جعل إحدى القراءتين المتواترين راجحة والأخرى مرجوحة، وقد بينا خطأ ذلك من كلام ابن الجزري في "النشر" والزركشي في "البرهان" تحت حديث رقم (4692) فراجعه.

(7)

انظر: "الحجة" للفارسي 5/ 28، "الكشف" لمكي 2/ 26، وقال قطرب: هي لغة في بني يربوع. انظر: "زاد المسير" 4/ 357.

ص: 501

ضعيف، وهو ما أجازه الفراء من الكسر على أصل التقاء الساكنين

(1)

. (ص)({وَلَا خِلَالٌ}: مَصْدَرُ من خَالَلْتُهُ خِلَالًا، ويكون أَيْضًا جَمْعُ خُلَّةٍ وَخِلَالٍ) قلت: كظلة وظلال. قال ابن التين: كذا قال، والذي ذكره الجماعة: أنه مصدر خالله كما ذكره أولًا.

(1)

انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 75.

ص: 502

‌1 - [باب] قوله: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 24، 25]

4698 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لَا يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا وَلَا وَلَا وَلَا، تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«هِيَ النَّخْلَةُ» . فَلَمَّا قُمْنَا قُلْتُ لِعُمَرَ: يَا أَبَتَاهُ وَاللهِ لَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكَلَّمَ؟ قَالَ: لَمْ أَرَكُمْ تَكَلَّمُونَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا. قَالَ عُمَرُ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. [انظر: 61 - مسلم: 2811 - فتح: 7/ 377]

ذكر فيه حديث ابن عمر السالف في العلم وغيره.

ومعنى ("لا يتحات ورقها") لا يسقط. وفي الشجرة الطيبة أقوال: النخلة، أو كل شجرة طيبة مثمرة أو شجرة في الجنة، أو المؤمن، أو قريش، أو جوزة الهند، ولا يصح.

ففي "الصحيح" الأول، وفي "صحيح الحاكم" على شرط مسلم من حديث أنس مرفوعًا هي النخلة

(1)

.

والخبيثة: الحنظلة، ومعنى طيبة الثمرة: لذيذها، أو حسن المنظر والشكل، أو أنها نافعة في نفسها. {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} آمن من الانقطاع {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} أغصانها، أو بعيدة عن عفونات الأرض {تُؤْتِي

(1)

"المستدرك" 2/ 352.

ص: 503

أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}: دائمة كل وقت، ورجح ابن جرير أنه هنا غدوة وعشية

(1)

.

وقوله: ("ولا يتحات ورقها ولا ولا ولا، تؤتي أكلها"): ولا يصيبها كذا ولا كذا. لم يذكر الراوي الأشياء المعطوفة، ثم ابتدأ فقال:"تؤتي أكلها كل حين"، ووقع في رواية ابن سفيان صاحب مسلم، ورواية غيره عن مسلم "لا يتحات ورقها، ولا تؤتي أكلها كل حين"، وكذا هو في "صحيح البخاري" أيضا. واستشكل إبراهيم بن سفيان هذا فقال: لعل مسلمًا رواه: "تؤتي أكلها" بإسقاط "لا" وأكون أنا وغيري غلطنا في إثبات "لا"

(2)

. ورده القاضي وقال: بل هو صحيح، ووجهه أن لفظة "لا" ليست متعلقة بـ "تؤتي" بل بمحذوف تقديره: لا يتحات ورقها ولا مكررًا. أي: ولا يصيبها كذا ولا كذا، ثم ابتدأ فقال: تؤتي

(3)

.

وقول عمر: (لأن تكون قلتها أحب إليَّ من كذا وكذا) هو بفتح اللام، ولابن مردويه في (شجرة طيبة) قال صلى الله عليه وسلم:"هي التي لا ينقص ورقها" هي النخلة، وفي لفظٍ: قال عبد الله: فأردت أن أقول: هي النخلة. فمنعني عمر، وقال: الله ورسوله أعلم

(4)

.

(1)

"تفسير الطبري" 7/ 443.

(2)

مسلم (2811/ 64) كتاب: صفة الجنة والنار، باب: مثل المؤمن

(3)

"إكمال المعلم" 8/ 347.

(4)

انظر: "الدر المنثور" 4/ 144.

ص: 504

‌2 - [باب] قوله: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} الآية [إبراهيم: 27]

.

4699 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَد، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} . [انظر: 1369 - مسلم: 2871 - فتح: 8/ 378]

ذكر فيه حديث البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وقد سلف في الجنائز، وأخرجه مسلم والأربعة

(1)

.

والمسلم يبتلى في القبر فيسأل عن ربه ودينه ونبيه، فمن ثبَّته الله قال: الله ربى، والإسلام ديني ومحمد نبيي، فهذا تثبيت الآخرة والدنيا أنه وفِّق لهذا واعتقده في الدنيا. قال قتادة: بلغني أن هذِه الأمة تبتلى في قبورها

(2)

.

(1)

أبو داود (4750)، الترمذي (3120)، النسائي 4/ 101 - 102، ابن ماجه (4269).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 450 (20773).

ص: 505

‌3 - [باب]{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا} الآية [إبراهيم: 28]

{أَلَمْ تَرَ} [إبراهيم: 28] أَلَمْ تَعْلَمْ، كَقَوْلِهِ:{أَلَمْ تَرَكَيْفَ} [إبراهيم: 24]. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا} [البقرة: 243]: البَوَارُ: الهَلَاكُ، بَارَ يَبُورُ بَوْرًا {قَوْمًا بُورًا} هَالِكِينَ.

4700 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا} قَالَ: هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ.

{أَلَمْ تَرَ} أَلَمْ تَعْلَمْ، كَقَوْلِهِ:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} . {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا} : البَوَارُ الهَلَاكُ، بَارَ يَبُورُ بَوْرًا: هلك.

ثم ساق عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كفار أهل مكة. وعنه: قادة المشركين يوم بدر

(1)

{وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ} أي: من تبعهم جهنم.

(1)

رواه الطبري 7/ 453 (20795).

ص: 506

‌15 - ومن سورة الحِجْرِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} الحَقُّ يَرْجِعُ إلى اللهِ وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ. {لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} : عَلَى الطَّرِيقِ وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {لَعَمْرُكَ} لَعَيْشُكَ {قَوْمٌ منُكَرُونَ} أَنْكَرَهُمْ لُوطٌ وَقَالَ غَيْرُهُ {كِتَابٌ مَعْلُومٌ} أَجَلٌ {لَوْ مَا تَأْتِينَا} هَلَّا تَأْتِينَا شِيَعٌ أُمَمٌ وَللأَوْلِيَاءِ أَيْضًا شِيَعٌ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {يُهْرَعُونَ} [هود: 78] مُسْرِعِينِ (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) لِلنَّاظِرِينَ {سُكِّرَتْ} غُشِّيَتْ {بُرُوجًا} مَنَازِلَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ {لَوَاقِحَ} مَلَاقِحَ مُلْقَحَةً (حمأ) جَمَاعَةُ حَمْأَةٍ وَهْوَ الطِّينُ المُتَغَيِّرُ وَالْمَسْنُونُ المَصْبُوبُ {تَوْجَلْ} تَخَفْ {دَابِرُ} آخِرَ {لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} الإِمَامُ كُلُّ مَا ائْتَمَمْتَ وَاهْتَدَدتَ بِهِ {الصَّيْحَةُ} الهَلَكَةُ.

هي مكية، قال الكلبي: إلا {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا} [الحجر: 87] فمدنية. قال السخاوي: ونزلت بعد يوسف وقبل الأنعام

(1)

.

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: {صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} الحَقُّ يَرْجِعُ إلى اللهِ وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ).

هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه

(2)

.

وقيل: أرادني وأمرني.

وقرأ ورش: (عَلِيٌّ مستقيم)

(3)

رافع إلى الدين والحق.

(1)

"جمال القراء" ص 8.

(2)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 184.

(3)

ذكرها البناء في "إتحاف فضلاء البشر" ص 274 وعزاها ليعقوب والحسن.

ص: 507

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {لَعَمْرُكَ}: لَعَيْشُكَ). هذا أسنده ابن أبي حاتم أيضا من حديث معاوية عن علي عنه

(1)

، وفي حديث أبي الجوزاء عنه: ما خلق الله وما برأ وما ذرأ نفسًا هو أكرم عليه من محمد، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره

(2)

.

ولفظ ابن مردويه: وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا. وأسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حلف الله بحياة أحد إلا بحياة محمد" ثم قال: "لعمرك يا محمد وحياتك يا محمد"

(3)

.

(ص)({قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} أَنْكَرَهُمْ لُوطٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {كِتَابٌ مَعْلُومٌ} أَجَلٌ) ظاهره أن الأول من قول ابن عباس وكله ظاهر.

(ص)({لَوْ مَا تَأْتِينَا}: هَلَّا تَأْتِينَا) قلت: وكذا لولا. قال ابن عباس: أفلا جئتنا بالملائكة حتى نصدقك

(4)

.

(ص)(شِيَعٌ: أُمَمٌ والأولياء شيع أيضًا) قلت: سميت أمة لمتابعة بعضهم بعضًا فيما يجتمعون عليه كما قاله الفراء

(5)

.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {يُهْرَعُونَ} مُسْرِعِينِ) هذا في سورة هود، وهو قول عامة المفسرين.

(ص)({لِلْمُتَوَسِّمِينَ}: لِلنَّاظِرِينَ) يقال: توسمت في فلان خيرًا رأيت أثره فيه، والمتوسم: الناظر في السمة الدالة على الشيء. قال

(1)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 192.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 526 (21230).

(3)

انظر: "الدر المنثور" 4/ 192.

(4)

انظر: "الوسيط" 3/ 40.

(5)

لم أجده في "معانيه" ونقله عنه الواحدي في "الوسيط" 3/ 40، وابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 385.

ص: 508

عطاء عن ابن عباس: المتفرسين وقيل: الناظرين أو المتفكرين أو المعتبرين

(1)

. وفي حديث أنس مرفوعًا: "إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم"

(2)

.

(ص)({سُكِّرَتْ}: غُشِّيَتْ) هو قول أبي عبيدة

(3)

. قال أبو عمرو: هذا مأخوذ من السكر في الشراب

(4)

. وقال ابن عباس: سكرت: أخذت

(5)

. قال الحسن: سجرت.

(ص)({بُرُوجًا}: مَنَازِلَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ) هو قول ابن عباس

(6)

.

(ص)({لَوَاقِحَ} مَلَاقِحَ مُلْقَحَةً). قلت: فحذفت الميم ورد فيه على أصل الثاني كما يقال: أنقل البيت فهو ناقل، يجعلونه بدلا من منقل. قال ابن عباس والمفسرون: يعني: [للشجر]

(7)

والسحاب. قال ابن مسعود: يبعث الله الرياح لتلقح السحاب فتحمل الماء فتمجه في

(1)

انظر "تفسير الطبري" 7/ 528، "معاني القرآن" للنحاس 4/ 35، "الوسيط" 3/ 49، "تفسير البغوي" 14/ 388، "المحرر الوجيز" لابن عطية 8/ 342، "زاد المسير" 4/ 409، "تفسير القرطبي" 10/ 43.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 528 - 529 (21252)، والطبراني في "الأوسط" 3/ 207 (2935)، والقضاعي في "الشهاب" 2/ 116 (651)، وحسنه الألباني في "الصحيحة"(1693).

(3)

"مجاز القرآن" 1/ 347.

(4)

انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1719.

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 498 (21055).

(6)

انظر "تفسير الوسيط" 3/ 41، "زاد المسير" 4/ 387.

(7)

في الأصل: (للبحر) والمثبت هو الصواب، ورواه الطبري 7/ 506 (21107)، وانظر "تفسير الوسيط" 3/ 42.

ص: 509

السحاب ثم تمريه فيدر كما تدر اللقحة

(1)

.

(ص)({حمأ} جَمَاعَةُ حَمْأَةٍ وَهْوَ الطِّينُ المُتَغَيِّرُ، وَالْمَسْنُونُ: المَصْبُوبُ) من الحمأ: الطين الأسود المنتن، والمسنون: المتغير الرائحة، يقال: سن الماء فهو مسنون، أي: تغير. وقال سيبويه: المسنون: المصبوب على صورة [و] مثال من سنة الوجه وهي صورته

(2)

.

(ص)({تَوْجَلْ}: تَخَفْ) هو كما قال: وجل يوجل وجلًا، فهو وجل.

(ص)({دَابِرُ}: آخِرَ) من بقي منهم.

(ص)({لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} الإِمَامُ؛ كُلُّ مَا ائْتَمَمْتَ وَاهْتَدَيْتَ بِهِ) قلت: وسمي الطريق إمامًا لأنه يؤم ويتبع.

وقوله: {وَإِنَّهُمَا} أي: الملائكة ومدينة قوم لوط {لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} بطريق واضح مستبين {يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} في أسفارهم.

(ص)({الصَّيْحَهُ}: الهلكة). قلت: أتتهم الصيحة فماتوا عن آخرهم في وقته.

(1)

رواه الطبري 7/ 505 (21099).

(2)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 4/ 26، "الوسيط" 3/ 44، "تفسير القرطبي" 10/ 22.

ص: 510

‌1 - [باب] قوله: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)} [الحجر: 18]

4701 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ -قَالَ عَلِيٌّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفْوَانٍ- يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الْحَقَّ وَهْوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ - وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى، نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ - فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ، قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَيُحْرِقَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الأَرْضِ- فَتُلْقَى عَلَى فَمِ السَّاحِرِ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيَصْدُقُ، فَيَقُولُونَ أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ» . حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ -وَزَادَ: والْكَاهِنِ- وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ فَقَالَ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ وَقَالَ عَلَى فَمِ السَّاحِرِ. قُلْتُ: لِسُفْيَانَ: قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْكَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَرْفَعُهُ أَنَّهُ قَرَأَ فُزِّعَ. قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو. فَلَا أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أَمْ لَا. قَالَ سُفْيَانُ: وَهْيَ قِرَاءَتُنَا. [7481،4800 - فتح: 8/ 380]

ص: 511

ساق فيه حديث سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كأنه سلسلة على صَفْوَانٍ". رواه عن علي بن عبدالله، عنه.

ثم ساق بعد بالسند المذكور إلى أَبِي هُرَيْرَةَ قال: إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ. وَزَادَ: الكَاهِنِ.

ثم ساق عن سُفْيَانَ فَقَالَ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، ثنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ، وَقَالَ: على فَمِ السَّاحِرِ. قُلْتُ لِسُفْيَانَ: قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوى عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ أَنَّهُ قال:"فُزِّعَ". قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو. فَلَا أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أَمْ لَا. قَالَ سُفْيَانُ: وَهْيَ قِرَاءَتُنَا.

قال أبو الحسن

(1)

البغدادي: رواه علي بن حرب عن سفيان فوقفه، ورواه أيضا عن إسحاق بن عبد الواحد، عن ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبي هريرة. قال: وهذا غلط في ذكره ابن عباس، فإن جماعة رووه عن سفيان فقالوا: عن عكرمة، ثنا أبو هريرة

(2)

.

وأخرجه أيضا في سورة سبأ والتوحيد، وأبو داود والنسائي وابن ماجه

(3)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: كذا بخط المؤلف في الهامش هو الدارقطني.

(2)

"علل الدارقطني" 8/ 263 - 264.

(3)

أبو داود (3989)، والترمذي (3223)، وابن ماجه (194). ولم أجده عند النسائي، وانظر:"التحفة" 10/ 282 - 283 (14249).

ص: 512

و"خضعانًا"

(1)

بمعنى الخضوع، وهو بضم الخاء مصدر خضع إلا أنه لم يصرفه وهو منصرف، وضبط في بعض النسخ بفتح الخاء. والخضوع: الانقياد والتسليم. وفيه إثبات الكلام القديم -سبحانه- وأنه مسموع.

و {فَزَعٍ} قراءة ابن عامر بفتح الفاء والزاي، والباقون بضم الفاء وكسر الزاي، أي: فزع الفزع عنها

(2)

.

والاستثناء في قوله: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} منقطع أو {إِلَّاَ} بمعنى لكن، أو متصل، أي حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئًا من الوحي وغيره إلا من استرقه، فإنا لم نحفظها منه أن يسمعه إلا الوحي لقوله:{إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)} [الشعراء: 212]. وعن ابن عباس: كانت لا تحجب عن السماء، وكانوا يدخلونها، فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سموات، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا من الكل، فما من أحد يريد أن يسترق السمع إلا رمي بشهاب، وفي رواية قال: فإذا سمع الشيطان شيئًا فإنه يلقيه إلى الكاهن في أسرع من طرفة عين، فإن لحقه الشهاب قبل أن يومئ بالكلمة إلى صاحبه فيحرقه، وما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه حتى يلقوها إلى الأرض، فيكذب عليها مائة كذبة، ويصدق في واحدة، ثم قيل: إن الشهاب كواكب تضيء. قال تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)} [الصافات: 6 - 7] وسمي شهابًا لبريقه وشبهه بالنار.

(1)

ورد بهامش الأصل: ذكر فيه ابن قرقول ضم الخاء وكسرها (

) وحرر فيه الفتح فاعلمه.

(2)

انظر: "الحجة" للفارسي 6/ 16، "الكشف" لمكي 2/ 205 - 206.

ص: 513

وقيل: بل الشهاب شعلة نار، ثم اختلفوا كما قال ابن جرير

(1)

: هل يقتل أم لا، فعن ابن عباس: يجرح ويحرق ولا يقتل

(2)

، وقال عن الحسن وغيره: يقتل

(3)

.

(1)

هكذا في الأصل، ولم أجده إلا من قول القرطبي في "تفسيره".

(2)

رواه الطبري 7/ 500 (21068)، 10/ 474 (29282).

(3)

انظر "تفسير القرطبي" 10/ 10 - 11.

ص: 514

‌2 - [باب] قوله: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)} [الحجر: 80]

4702

- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَصْحَابِ الْحِجْرِ:«لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» . [انظر: 433 - مسلم: 2980 - فتح: 8/ 381]

ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "لَا تَدْخُلُوا على هؤلاء القَوْمِ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ".

الحديث سلف في باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، أعلى من هذا بدرجة، فإنه ساقه هنا عن اثنين عن مالك، وهناك عن واحد عن مالك، وسلف في المغازي أيضا عن واحد عن مالك

(1)

، ومن غير طريقه بنزول

(2)

.

وقوله: ("باكين") ضبطه الشيخ أبو الحسن بيائين، ولا وجه له؛ لأنه ليس أصل البكاء مهموزًا، نبه عليه ابن التين.

وقوله: ("أن يصيبكم") أي: لأن يصيبكم.

(1)

سلف برقم (4420).

(2)

سلف برقم (4419).

ص: 515

‌3 - [باب] قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)} الآية

(1)

[الحجر: 87]

4703

- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: مَرَّ بِىَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُصَلِّي فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ فَقَالَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ؟» . فَقُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24] ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ» فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَذَكَّرْتُهُ فَقَالَ: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2] هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ». [انظر: 4474 - فتح: 8/ 381]

4704 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ» . [فتح: 8/ 381]

ساق فيه حديث أبي سعيد بن المعلى السالف في سورة الفاتحة.

وحديث أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمُّ القُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَائقُرْآنُ العَظِيمُ". وهو صريح في الرد على ابن سيرين في قوله: لا تقولوا أم القرآن، إنما (هو)

(2)

فاتحة الكتاب، وأم الكتاب: اللوح المحفوظ

(3)

. قيل: سميت بذلك؛ لأنها أصله، أو لأنها تتقدمه، أي: تليه، أو لأن علمه يتولد بتشعب منها.

(1)

ورد في الأصل أعلاها: كذا وفي الهامش: وينبغي أن تحذف منه الآية.

(2)

ذكر أعلاها: كذا. وفي الهامش: لعلها: هي.

(3)

عزاه السيوطي في "الدر" 1/ 20 لابن الضريس في "فضائل القرآن"، وانظر:"تفسير ابن كثير" 1/ 151.

ص: 516

‌4 - [باب] قوله: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)} [الحجر: 91]

{الْمُقْتَسِمِينَ} [الحجر: 90] الذِينَ حَلَفُوا وَمِنْهُ {لَاَ أُقْسِمُ} [القيامة: 1] أَيْ: أُقْسِمُ، وَتُقْرَأُ (لأُقْسِمُ). {وَقَاسَمَهُمَآ} [الأعراف: 21] حَلَفَ لَهُمَا وَلَمْ يَحْلِفَا لَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَقَاسَمُوا} [النمل: 49]: تَحَالَفُوا.

4705 -

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)} [الحجر: 91] قَالَ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً، فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ بِبَعْضِهِ. [فتح: 8/ 372]

4706 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)} [الحجر: 90] قَالَ آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. [فتح: 8/ 382]

هذا أخرجه ابن أبي حاتم، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه

(1)

.

وقوله: (وتقرأ: (لأقسم)) هي قراءة ابن كثير في رواية قنبل

(2)

، ووهاها البصريون، لأن اللام تفتحها النون في القسم.

وقوله: ({لَا أُقْسِمُ} أي: أقسم)، يريد أن (لا) زائدة، وهو قول ابن عباس، وأنكره الفراء

(3)

، وأجازه البصريون؛ لأن القرآن كله

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 2901 (16473).

(2)

انظر: "الحجة" للفارسي 6/ 343، "الكشف" لمكي 2/ 349.

(3)

"معاني القرآن" 3/ 207.

ص: 517

كالسورة الواحدة، وقيل: هي للتنبيه بمعنى ألا.

ثم ساق البخاري من حديث أبي بِشْرٍ جعفر بن إياس، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ {جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)} [الحجر: 91] قَالَ: هُمْ أَهْلُ الكِتَابِ، جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً، فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ.

وعن أَبِي ظَبْيَانَ -واسمه حصين بن جندب، والد قابوس- عَنِ ابن عَبَّاسٍ {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)} [الحجر: 90] قَالَ: آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ، اليَهُودُ وَالنَّصَارى.

قلت: العضه: هي الرمي بالبهتان، واحده: عضة وقيل: هم أهل مكة، وقيل غير ذلك. قال الخطابي: وقوله: {كَمَا} هو من مشكل القرآن؛ لأن الكاف للتشبيه بشيء لم يتقدم له ذكر، والمشبه به مضمر، كأنه قال: أنا النذير المبين عذابًا كما أنزلنا

(1)

.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1870.

ص: 518

‌5 - [باب] قَوْلِهِ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحجر: 99]

قَالَ سَالِمٌ: {الْيَقِينُ} [الحجر: 99]: المَوْتُ.

(ص)({وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} قال سالم: الموت). هذا أخرجه ابن أبي حاتم من حديث طارق بن عبد الرحمن عن سالم

(1)

.

(1)

رواه ابن أبي شيبة 7/ 201 (35272) والطبري في "تفسيره" 7/ 554 (21434) كلاهما من طريق سفيان، عن طارق، به. وكذلك عزاه لهما السيوطي في "الدر" 4/ 203، وعزاه أيضًا لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.

ص: 519

‌16 - ومن سورة النَّحْلِ

{رُوحُ الْقُدُسِ} جِبْرِيلُ {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)} [الشعراء: 193]{فِي ضَيْقٍ} يُقَالُ أَمْر ضَيْقٌ وَضَيِّقٌ، مِثْلُ هَيْنٍ وَهَيِّنٍ وَلَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ. قَالَ ابن عَبَّاس:(تَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ): تَتَهَيَّأُ. {سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} : لا يِتوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {فِي تَقَلُّبِهِمْ} اخْتِلَافِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمِيدُ تَكَفَّأُ {مُفْرَطُونَ} مَنْسِيُّونَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} هذا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ القِرَاءَةِ وَمَعْنَاهَا الاعْتِصَامُ باللهِ. وقَالَ ابن عبَّاسِ: {تُسِيمُونَ} : تَرْعَونَ. {شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84]: نَاحِيَتِهِ {قَصْدُ السَّبِيلِ} البَيَانُ. الدِّفْءُ: مَا اسْتَدْفَأْتَ {تُرِيحُونَ} بِالْعَشِيِّ وَتَسْرَحُونَ بِالْغَدَاةِ {بِشِقِّ} يَعْنِي المَشَقَّةَ. {عَلَى تَخَوُّفٍ} تَنَقُّصٍ {الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} وَهْيَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، كَذَلِكَ النَّعَمُ {الْأَنْعَامِ} جَمَاعَةُ النَّعَمِ {أَكْنَانًا}: وَاحِدُها كِنٌّ، مثلُ: حِمْلٍ وأحْمَالٍ {سَرَابِيلَ} قُمُصٌ {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} وَأَمَّا {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} فَإِنَّهَا الدُّرُوعُ. {دَخَلًا بَيْنَكُمْ} كُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ فَهْوَ دَخَلٌ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ {وَحَفَدَةً} مَنْ وَلَدَ الرَّجُلُ. السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهَا، وَالرِّزْقُ الحَسَنُ مَا أَحَلَّ اللهُ، وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ {أَنْكَاثًا} هِيَ خَرْقَاءُ، كَانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَهَا نَقَضَتْهُ. وَقَالَ ابن مَسْعُودٍ: الأُمَّةُ مُعَلِّمُ الخَيْرِ. [وَالْقَانِتُ المُطِيعُ].

هي مكية إلا قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} [النحل: 126] إلى آخرها. وقيل: إلا ثلاث، نزلن بينما منصرفه من أحد، أو كلها مدنية،

ص: 520

أو أولها مكي إلى {[وَالَّذِينَ هَاجَرُوا]

(1)

فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [النحل: 41] وإلى آخرها مدني أقوال.

قال السخاوي: ونزلت بعد الكهف وقبل سورة نوح

(2)

.

(ص)({رُوحُ الْقُدُسِ}: جِبْرِيلُ {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)}) أي: فيما استودع من الرسالة إليهم.

(ص)({فِي ضَيْقٍ} يُقَالُ: أَمْرٌ ضَيْقٌ وَضَيِّقٌ، مِثْلُ هَيْنٍ وَهَيِّنٍ وَلَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ).

قلت: قرأ ابن كثير بكسر الضاد

(3)

. قال الأخفش: وهو لغة في الأمر. قال الفراء: الضَّيق: ما ضاق عنه صدرك، والضِّيق ما يكون في الذي يتسع مثل الدار والثوب. أي: لا يضيق صدرك من مكرهم

(4)

. وقيل: في أمر ضيق، وهو نعت.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {فِي تَقَلُّبِهِمْ}: في اخْتِلَافِهِمْ) أسنده ابن جرير من حديث علي بن أبي طلحة عنه

(5)

.

(ص)({مُفْرَطُونَ}: مَنْسِيُّونَ) هو من قول مجاهد أيضا كما أسنده الطبري عنه، أي متروكون في النار، وهو قول سعيد بن جبير

(6)

. وقال الحسن: أي: يعجلون إليها، ومن كسر الراء فالمراد: يبالغون في الإساءة.

(1)

في الأصل: (من هاجروا)، والمثبت هو الصحيح.

(2)

"جمال القراء" ص 8.

(3)

انظر: "الحجة" للفارسي 5/ 79، "الكشف" لمكي 2/ 41.

(4)

"معاني القرآن" 2/ 115.

(5)

"تفسير الطبري" 7/ 590 (21613).

(6)

المرجع السابق 7/ 603 (21678)، (21684).

ص: 521

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمِيدُ: تَكَفَّأُ) رواه ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه

(1)

. قال ابن التين: ضبطه بعضهم بضم التاء وتخفيف الفاء، وبفتح التاء وتشديد الفاء، وهو أشبه، وقيل: تميد: تتحرك.

(ص)({سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا}: لا يِتوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ)

(2)

ثم قال: (وقال غيره) ظاهره أنه من قول مجاهد أيضا، وقد أخرجه الطبري عن ابن عباس.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [النحل: 98] هذا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ القِرَاءَةِ، وَمَعْنَاهَا الاعْتِصَامُ باللهِ) قلت: وهذا إجماع، إلا ما روي عن أبي هريرة وداود ومالك أنهم قالوا: بعدها أخذًا بظاهر الآية

(3)

.

(ص)(قال ابن عباس: {شَاكِلَتِهِ}: نَاحِيَتِهِ) هذِه اللفظة في {سُبْحَانَ} بعدها، قال الليث: الشاكلة من الأمور: ما وافق فاعله، والشكل. بالكسر: الدل. وبالفتح: المثل والمذهب، والمرأة الغربة الشكلة

(4)

. وقال البخاري هناك: شاكلة: ناحية، وهي من شَكْلِهِ.

(ص)({قَصْدُ السَّبِيلِ}: البَيَانُ) قلت: قيل: أصل القصد: استقامة الطريق. وقصد السبيل: الإسلام. قال مجاهد: طريق الحق على الله

(5)

.

(ص)(الدِّفْءُ مَا اْسْتَدْفَأْتَ به) أي: من الأكسية والأبنية.

(1)

رواه الطبري 7/ 570 (21539) من طريق ابن أبي نجيح به، وأروده السيوطي في "الدر" 4/ 212 وزاد عزوه لابن المنذر، وابن أبي حاتم.

(2)

رواه الطبري 7/ 613 (21745) عن مجاهد.

(3)

انظر: "تفسير القرطبي" 1/ 77.

(4)

انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1916، "تفسير الوسيط" 3/ 124.

(5)

"تفسير مجاهد" 1/ 345، ورواه أيضًا الطبري 7/ 564 - 565 (21493).

ص: 522

(ص)({تُرِيحُونَ} بِالْعَشِيِّ وَتَسْرَحُونَ بِالْغَدَاةِ) إلى مراعيها أي: تردونها إلى مرا حها، وهو حيث تأوي إليه، {وَحِينَ تَسْرَحُونَ}: ترسلونها بالغداة إلى مراعيها، يقال: سرح القوم إبلهم سرحًا. قال قتادة: وأحسن ما يكون إذا راحت عظامًا ضروعها، طوالًا أسنمتها

(1)

.

(ص)({بِشِقِّ} يَعْنِي: المَشَقَّةَ) ومعناه: إلا بجهد الأنفس.

(ص)({عَلَى تَخَوُّفٍ} أي: تَنَقُّصٍ) يقال: هو يتخوف المال. أي: يتنقصه ويأخذ من أطرافه.

(ص)({الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} وَهْي تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، وكَذَلِكَ النَّعَمُ الأنعام جماعة النعم) يعني: الإبل والبقر والغنم. {لَعِبْرَةً} : لدلالة على قدرة الله.

(ص) ({سَرَابِيلَ} قُمُصٌ {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي: وواحدها سربال. قال ابن عباس وقتادة: هي القمص من الكتان والقطن والصوف. {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} : الدروع. أي: تقيكم شدة الطعن والضرب والرمي

(2)

.

(ص)({دَخَلًا بَيْنَكُمْ} كُلُّ شَيءٍ لَمْ يَصِحَّ فَهْوَ دَخَلٌ) قلت: وكذا الدغل، وهو الغش والخيانة.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {وَحَفَدَةً} مَنْ وَلَدَ الرَّجُلُ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث سعيد بن جبير ومجاهد عنه. وعن مجاهد: ولد الولد. وقال ابن مسعود: الأصهار. وقال مجاهد: الخدم.

وقيل: الأعوان. وقال عكرمة: هو من تبعه من ولده.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 561 (21470).

(2)

أثر قتاده رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 627 - 628، وانظر "تفسير الوسيط" 3/ 76.

ص: 523

وقال العوفي: هم [بنو] امرأة الرجل ليسوا منه

(1)

.

(ص)(السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهَا، وَالرِّزْقُ الحَسَنُ مَا أَحَلَّ اللهُ) أخرجه الحاكم وصحح إسناده

(2)

. وقال مقاتل: هذِه الآية منسوخة بآية المائدة، لأن تحريم الخمر كان بالمدينة، والنحل مكية، وحكاه النحاس عن جماعة، ثم قال: والحق أنه خبر لا نسخ فيه.

[وهو خبر]

(3)

عما كانوا يفعلونه، لا إذنْ ولا نسخ فيه، وأنكر على أبي عبيدة السكر: الطعم

(4)

.

(ص)(وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ {أَنْكَاثًا} هِيَ خَرْقَاءُ، كَانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَهَا نَقَضَتْهُ) قلت: ابن عيينة حكاه عن صدقة، عن السدي. كذا أخرجه الطبري

(5)

وابن أبي حاتم. قال مقاتل: وهذِه المرأة قرشية اسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وتلقب جعرانة لحمقها، كانت إذا غزلت الشعر أو الكتان نقضته، فلا هي تركته تنتفع به ولا هي كفت عن العمل. وذكر السهيلي أنها بنت سعد بن زيد مناة بن (تميم)

(6)

بن مرة

(7)

. وجزم به ابن التين فقال: هي ريطة بنت سعد كانت تغزل بمغزل كبير، فإذا برمته وأتقنته أمرت جارية فنقضته. وجزم غيره بأنها ريطة بنت عمر بن سعد، كانت خرقاء تغزل هي

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 7/ 616 - 620، "تفسير الوسيط" 3/ 74.

(2)

"المستدرك" 2/ 355 عن ابن عباس.

(3)

في الأصل: صلى الله عليه وسلم، وفوقها: كذا، وبالهامش: الظاهر حذف صلى الله عليه وسلم وإثبات مكانها وهو خبر، أو نحوها. والله أعلم.

(4)

"الناسخ والمنسوخ" 2/ 486 - 487.

(5)

"تفسير الطبري" 7/ 637 (21879).

(6)

في هامش الأصل: لعله تيم.

(7)

"تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 115.

ص: 524

وجواريها من الغداة إلى نصف النهار ثم تأمرهن فينقضن جميعًا ما غزلن، هذا دأبها. وروى ابن مردويه في "تفسيره" عن ابن عباس (من حديث)

(1)

ابن عباس أنها نزلت في التي كانت تصرع وخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصبر والدعاء لها، فاختارت الصبر والجنة، قال: وهذِه المجنونة، سعيدة الأسدية، وكانت تجمع الشعر والليف

(2)

.

والأنكاث: ما نقض من الخز والوبر وغيرهما ليغزل ثانية.

(ص)(وَقَالَ ابن مَسْعُودٍ: الأُمَّةُ مُعَلِّمُ الخَيْرِ) هذا أسنده الحاكم من حديث مسروق عنه وقال: صحيح على شرط الشيخين

(3)

.

(ص)(الْقَانِتُ: المُطِيعُ) هو من تتمة كلام ابن مسعود، وقد أخرجه كذلك ابن مردويه في "تفسيره"

(4)

وقال مجاهد: كان مؤمنًا بالله وحده والناس كلهم كفار.

فائدة:

الأمة لها معان أخر: القرن من الناس والجماعة والدين والحين، والواحد الذي يقوم مقام جماعة وغير ذلك.

(ص)({أَكْنَانًا}: وَاحِدُها كِنٌّ، مثلُ: حِمْلٍ وأحْمَالٍ) قلت: وهو كل شيء وقى شيئا وستره.

(1)

كذا في الأصل وفوقها: كذا.

(2)

عزاه له السيوطي في "الدر المنثور" 243/ 4 من طريق عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس.

(3)

"المستدرك" 3/ 272.

(4)

رواه أيضًا الطبري في "تفسيره" 7/ 660 (21971).

ص: 525

‌1 - [باب] قوله: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل:70]

4707

- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَعْوَرُ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو «أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ، وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» . [انظر: 2823 - مسلم: 2706 - فتح: 8/ 387]

ذكر فيه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو "أَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ وَالْكَسَلِ، وَأَرْذَلِ العُمُرِ، وَعَذَابِ القَبْرِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَفِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ".

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا، وفتنة الدجال من رواية البخاري، وفي لفظ:"اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات". وسلف قطعة منه في باب من غزا بصبي للخدمة، من الجهاد، وهي:"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال"

(1)

.

فائدة: ("أرذل العمر"): أردؤه وأوضعه، مثل رذل رذالة. قال السدي: أرذله: الخرف. وقال قتادة: تسعون سنة. وعن علي: خمس وسبعون

(2)

. قال عكرمة: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر

(3)

.

(1)

سلف برقم (2893).

(2)

رواه الطبري 7/ 615 (21756).

(3)

انظر: "تفسير الوسيط" 3/ 73، "زاد المسير" 4/ 467.

ص: 526

‌17 - ومن سورة سبحان

[1 - باب]

4708 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} [الإسراء: 51] يَهُزُّونَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نَغَضَتْ سِنُّكَ أَيْ: تَحَرَّكَتْ. [4739،4994 - فتح: 8/ 388]

هي مكية، قيل: إلا آيات اختلف فيهن منها: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} [الإسراء: 33]. وقال قتادة: إلا ثماني آيات: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] إلى آخرهن، وقيل: هذِه كانت بين مكة والمدينة قال السخاوي: نزلت بعد القصص وقبل سورة يوسف

(1)

.

ثم ساق البخاري عن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ إِنَّهُنَّ مِنَ العِتَاقِ الأُوَلِ. أي: نزولهن متقدم

(2)

.

والعتاق: جمع عتيق، وهو كل ما بلغ الغاية في الجود، سميت العرب عتيقًا، قال ابن فارس: العتيق: القديم من كل شيء

(3)

. وقال الخطابي: المراد تفضيل هذِه السورة لما تتضمن من ذكر القصص

(1)

"جمال القراء" ص 8 وفيه أنها قبل سورة يونس.

(2)

ورد بهامش الأصل: أو (نزولها) وكان في الأصل (نزولهم) فأصلحته كما تبدى للحاذقين.

(3)

"مجمل اللغة" 2/ 645.

ص: 527

وأخبار جلة الأنبياء وأخبار الأمم

(1)

.

(وهو من تلادي) أي: ما حفظته قديمًا، والتليد والتالد ضد الطريف

(2)

، الأول قديم والثاني مستحدث. وذكر بعد هذا عنه زيادة الأنبياء. وأخرجه في أحاديث الأنبياء

(3)

وفضائل القرآن.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} يَهُزُّونَ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث علي بن أبي طلحة

(4)

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: نَغَضَتْ سِنُّكَ أَيْ: تَحَرَّكَتْ) هو قول الحسن فيما أسنده الحنظلي وغيره. وقال: روي عن مجاهد وعن غيره.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1877.

(2)

قال الجوهري: الطارف والطريف من المال: المستحدث، وهو خلاف التالد والتليد. "الصحاح" 4/ 1394.

(3)

ورد بهامش الأصل: طرفه المزى فقال: في التفسير: عن بندار، عن غندر. وفيه، وفي فضائل القرآن عن آدم كلاهما عن شعبة. وما أدري ما قاله المؤلف، وعزو الحديث في الأصل الذي كتبت منه مخرج في الهامش بخط شيخنا المؤلف. والظاهر أنه كتاب الأنبياء، وعليها سواد، والله أعلم. [انظر:"التحفة" 7/ 88 (9395)].

(4)

رواه أيضًا الطبري 8/ 91، 92، وعزاه لابن أبي حاتم السيوطي في "الدر" 4/ 339.

ص: 528

[2 - باب]

أخبَرْنَاهُمْ أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ، وَالْقَضَاءُ عَلَى وُجُوهٍ {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23] أَمَرَ رَبُّكَ، وَمِنْهُ الُحكْمُ {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} [يونس: 93]، وَمِنْهُ الخَلْقُ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]. {نَفِيرًا} [الإسراء: 6] مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُ. {وَلِيُتَبِّرُوا} [الإسراء: 7] يُدَمِّروا {مَا عَلَوْا} [الإسراء: 7]. {حَصِيراً} [الإسراء: 8] مَحْبِسًا مَحْصَرًا {حَقَّ} [الإسراء: 16] وَجَبَ {مَّيسُوَرَا} [الإسراء: 28] لَيِّنًا. {خِطْئًا} [الإسراء: 31] إِثْمَا، وَهْوَ اسْمٌ مِنْ خَطِئْتُ، وَالْخَطَأُ مَفْتُوحٌ مَصْدَرُهُ مِنَ الإِثْمِ، خَطِئْتُ بِمَعْنَى أَخْطَأْتُ. {تَخْرِقَ} [الإسراء: 37]: تَقْطَعَ. {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [الإسراء: 47]: مَصْدَرٌ مِنْ نَاجَيْتُ، فَوَصَفَهُمْ بِهَا، وَالَمْعْنَى: يَتَنَاجَوْنَ {وَرُفَاتًا} [الإسراء: 49، 98]: حُطَامًا {وَاسْتَفْزِزْ} [الإسراء: 64] اسْتَخِفَّ {بِخَيْلِكَ} [الإسراء: 64]: الفُرْسَانِ، وَالرَّجْلُ: الرَّجَّالَةُ وَاحِدُهَا رَاجِلٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ. {حَاصِبًا} [الإسراء: 68] الرِّيحُ العَاصِفُ، وَالَحْاصِبُ أَيْضًا مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ وَمِنْهُ {حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ، وَهْوَ حَصَبُهَا، وُيقَالَ: حَصَبَ فِي الأَرْضِ ذَهَبَ، وَالَحْصبُ مُشْتَقٌّ مِنَ الحَصْبَاءِ وَالِحْجَارَةِ. {تَارَةً} [الإسراء: 69] مَرَّةً وَجَمَاعَتُهُ تِيَرَةٌ وَتَارَاتٌ {لَأَحْتَنِكَنَّ} [الإسراء: 62] لأستَأْصِلَنَّهُمْ يُقَالُ احْتَنَكَ فلَأنٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ عِلْمٍ اسْتَقْصَاهُ. {طَائِرَهُ} [الإسراء: 13]: حَظُّهُ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: كُلُّ سُلْطَانٍ فِي القُرْآنِ فَهُوَ حُجَّةٌ. {وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: 111] لَمْ يُحَالِفْ أَحَدًا. [فتح: 8/ 388]

(ص)({وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: 4] أَخْبَرْنَاهُمْ أَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ، وَالْقَضَاءُ على وُجُوهٍ {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23] أَمَرَ رَبُّكَ، وَمِنْهُ الحُكْمُ {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} [يونس: 93]، وَمِنْهُ الخَلْقُ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]).

قلت: ومنه: {إِذَا قَضَى أَمْرًا} [آل عمران: 47] أي: كتب {فَإِذَا قَضَيْتُمُ} [البقرة: 200] أديتم وفرغتم {مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب

ص: 529

23] أجله {لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 58] لفصل {لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا} [الأنفال: 42] ليمضي {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11] الهلاك {لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} [إبراهيم: 22] وجب {فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} [يوسف: 68] أبرمها {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23] وصى، وبه قرأ ابن مسعود، كما أسنده عبد الرزاق

(1)

. وروى ابن المنذر عن ابن عباس: إنما هي وصى، ألزقت الواو بالصاد. {فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] مات {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} [سبأ: 14] نزل {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)} [عبس: 23] يعني: حقًّا لم يفعل ما أمره {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} [القصص: 44] عهدنا. ذكرها النيسابوري في "نظائره".

قال الأزهري: قضى في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه، منها:{ثُمَّ قَضَى أَجَلًا} [الأنعام: 2] معناه ختمه وأتمه، ومنه الأمر {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23] وكأنه أمر قاطع حتم، ومنه الإعلام {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 4] أعلمناهم إعلامًا قاطعًا، ومنه {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ} [الحجر: 66] أي: أوحينا وأعلمنا. ومنه القضاء: الفصل في الحكم، ومنه: قضى دَيْنَهُ. أي: قطع بالعزيمة عليه الأداء، وكل ما أحكم عمله فيه، وقضى ذمته: إذا قضى أمرًا قطعه وأخذ بأحكامه. ومنه القتل، وذلك قوله:{فَقَضَى عَلَيْهِ} أي: قتله

(2)

.

(ص){نَفِيرًا} مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُ) قيل: هو بمعنى نافر مثل قدير وقادر، وقيل: هو جمع نفر كعبد وعبيد، وأصله القوم يجتمعون فيشيرون إلى أعدائهم ليحاربونهم.

(1)

"تفسير عبد الرزاق" 1/ 23 (1554).

(2)

"تهذيب اللغة" 3/ 2986.

ص: 530

(ص){وَليُتَبِّرُوا} يُدَمِّرُوا {مَا عَلَوْا} ) قال الزجاج: كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته، والمعنى: ليدمروا وليخربوا ما غلبوا عليه

(1)

.

(ص)({حَصِيَرَا} مَحْبِسًا مَحْصرًا) هو قول قتادة، ومحبسا بكسر الباء الموحدة، وقال الحسن: فراشا ومهادا

(2)

. و (محصرًا) بفتح الصاد، لأنه من حصر يحصر.

(ص)({حَقَّ} وَجَبَ) هو قول ابن عباس: استوجب العذاب

(3)

، يعني قوله:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].

(ص)({مَيْسُورًا} لَيِّنًا) هذا أصله اللين السهل، قال مجاهد: عِدْهم عدة حسنة

(4)

.

(ص)({خَطَئاً} [الإسراء: 31] إِثْمًا، وَهْوَ اسْمٌ مِنْ خَطِئْتُ، وَالْخَطَأُ مَفْتُوحٌ مَصْدَرُهُ مِنَ الإِثْمِ، خَطِئْتُ بِمَعْنَى أَخْطَأْتُ) قلت: قوله: (هو اسم من خطئت) الذي قاله جماعة من أهل اللغة كما قاله ابن التين أنه بكسر الخاء مصدرخطأ، مثل علم علمًا، وقد يصح في المصدرفتح الخاء مثل ما في الأصل، والطاء ساكنة.

وقوله: (خَطِئْتُ بِمَعْنَى أَخْطَأْتُ) المشهور من قول أهل اللغة خلافه، كما نبه عليه ابن التين أيضا، وذلك أن خطئ إذا أثم وتعمد الذنب، وأخطا يخطئ، والاسم الخطأ إذا لم يتعمده، وقيل: خطأ إذا لم يصب الصواب

(5)

.

(1)

انظر: "زاد المسير" 5/ 11.

(2)

رواهما الطبري 8/ 42 (22103)، (22109).

(3)

انظر: "تفسير الوسيط" 3/ 101، "تفسير القرطبي" 10/ 234.

(4)

انظر: "تفسير الوسيط" 3/ 105، "زاد المسير" 5/ 29، "تفسير القرطبي" 10/ 249.

(5)

انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 1061، "الصحاح" 1/ 47.

ص: 531

(ص)({لَن تَخْرِقَ} لن تقطع) يقال: خرق ثوبه إذا قطعه وشقه، قال ابن عباس: لن تخرق بكبرك ومشيك عليها، {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} بعظمتك، وإنما أنت مخلوق عبد ذليل

(1)

.

(ص){وَإِذْ هُمْ نَجْوى} : مَصْدَرٌ مِنْ نَاجَيْتُ، فَوَصَفَهُمْ بِهَا، وَالْمَعْنَى: يَتَنَاجَوْنَ) أي: بينهم بالتكذيب والاستهزاء قاله ابن عباس

(2)

.

(ص)({وَرُفَاتًا}: حُطَامًا) قال الفراء: لا واحد له

(3)

.

(ص)({وَاسْتَفْزِزْ}: اسْتَخِفَّ) أي: وازعج، يقال: فزه وأفزه. أي: أزعجه واستخفه، ومعنى الأمر ههنا التهديد.

(ص)({بِخَيْلِكَ}: الفُرْسَانِ، وَالرَّجْلُ: الرَّجَّالَةُ وَاحِدُهَا رَاجِلٌ، مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ) قلت: والباء في بخيلك زائدة، وكل راجل راكب أو راجل في معصية الله فهو من خيل إبليس وجنوده، والرجل جمع راجل وقرأ حفص بكسر الجيم

(4)

.

(ص)({حَاصِبًا} الرِّيحُ العَاصِفُ) أي: تحمل التراب (وَالْحَاصِبُ أَيْضا مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ وَمِنْهُ {حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ، وَهْوَ حَصَبُهَا، وَيُقَالُ: حَصَبَ فِي الأَرْضِ ذَهَبَ، وَالْحَصَبُ مُشْتَقٌّ مِنَ الحَصْبَاءِ وَالْحِجَارَةِ) أي: وهي العذاب. يحصبكم: يرميكم بالحجارة.

(1)

انظر: "تفسير الوسيط" 3/ 108، "زاد المسير" 5/ 36، "تفسير القرطبي" 10/ 261.

(2)

انظر: "الوسيط" 3/ 111.

(3)

"معاني القرآن" 2/ 125.

(4)

وقراءة باقي السبعة بإسكان الجيم، انظر:"الحجة" للفارسي 5/ 109، "الكشف" لمكي 2/ 28.

ص: 532

(ص)({تَارَةً} [الإسراء: 69] مَرَّةً وَجَمَاعَتُهُ تِيَرَةٌ وَتَارَاتٌ) تيرة بكسر التاء وفتح الياء والأحسن كما قال ابن التين: سكونها مثل قاع وقيعة.

(ص)({لَأَحْتَنِكَنَّ} [الإسراء: 62] لأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ، يُقَالُ: احْتَنَكَ فُلَانٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ عِلْمٍ اسْتَقْصَاهُ) قلت: فالمعنى: لأستأصلنهم ولأستولين عليهم بالإغواء والإضلال، وأصله من احتناك الجراد الزرع وهو أن يأكله ويستأصله باحتناك ويفسده. هذا هو الأصل ثم تسمى الاستيلاء على الشيء وأخذ كله احتناكًا

(1)

.

(ص)({طَائِرَهُ}: حَظُّهُ) قلت: أو عمله.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: كُلُّ سُلْطَانٍ فِي القُرْآنِ فَهُوَ حُجَّةٌ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث عكرمة عنه

(2)

.

(ص)({وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: 111] لَمْ يُحَالِفْ أَحَدًا) أي: ولم يبتغ نصر أحد، وهذا قول مجاهد

(3)

، أي: لم يحتج في الانتصار بغيره.

(1)

انظر: "الوسيط" 3/ 115.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 1030 (5778).

(3)

"تفسير مجاهد" 1/ 372، ورواه أيضًا الطبري 8/ 172 (22850).

ص: 533

‌3 - [باب قوله: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1]]

4709 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ ح. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أُتِىَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ قَالَ جِبْرِيلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ. [انظر: 3394 - مسلم: 168 - فتح: 8/ 391]

4710 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» . زَادَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ «لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِىَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ». نَحْوَهُ. [انظر: 3886 - مسلم: 170 - فتح: 8/ 391]

(قَاصِفًا)[الإسراء: 69] رِيحٌ تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ.

ثم ذكر حديث ابن شِهَابٍ، قَالَ ابن المُسَيِّبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَن، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ، قَالَ جِبْرِيلُ: الحَمْدُ لله الذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ.

وأخرجه هو ومسلم والنسائي في الأشربة أيضًا

(1)

.

(1)

النسائي 8/ 312.

ص: 534

وحديث (يونس)

(1)

، عَنِ ابن شِهَاب، عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن، عن جابرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَمَّا كَذَّبَتني قُرَيْش". الحديث سلف في المعراج. زَادَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: ثنَا ابن أَخِي ابن شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ قال:"لَمَّا كَذَّبَتني قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إلى بَيْتِ المَقْدِسِ". نَحْوَهُ.

(ص)({قَاصِفًا} [الإسراء: 69] رِيحٌ تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ) أي: تكسره بشدة وأراد هنا ريحًا شديدة تقصف الفلك بشدة.

(1)

في الأصل: (عقيل).

ص: 535

[4 - باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]

كَرَّمْنَا وَأَكْرَمْنَا وَاحِدٌ {ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 75] عَذَابَ الحَيَاةِ وَعَذَابَ المَمَاتِ {خِلَافَكَ} [الإسراء: 76] وَخَلْفَكَ سَوَاءٌ {وَنَئَا} [الإسراء: 83] تَبَاعَدَ {شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84]: نَاحِيَتِهِ، وَهْيَ مِنْ شَكْلِهِ {صَرَّفنَا} [الإسراء: 41، 89]: وَجَّهْنَا {قبَيلًا} [الإسراء: 92]: مُعَايَنَةً

وَمُقَابَلَةً، وَقِيلَ: القَابِلَةُ؛ لأَنَّهَا مُقَابِلَتُهَا وَتَقْبَلُ وَلَدَهَا {خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100] أَنْفَقَ الرَّجُلُ: أَمْلَقَ، وَنَفِقَ الشَّيْءُ: ذَهَبَ {قَتُورًا} [الإسراء: 100]: مُقَتِّرًا. {لِلْأَذْقَانِ} [الإسراء: 107، 109] مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ، وَالْوَاحِدُ: ذَقَنٌ. وَقَالَ مُجَاهِد: {مَوْفُورًا} [الإسراء: 63]: وَافِرًا {تَبِيعًا} [الإسراء: 69]: ثَائِرًا، وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: نَصِيرًا. {خَبَتْ} [الإسراء: 97]: طَفِئَتْ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {وَلَا تُبَذِّرْ} [الإسراء: 26]: لَا تُنْفِقْ فِي البَاطِلِ {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ} [الإسراء: 28]: رِزْقٍ {مَثْبُورًا} [الإسراء: 102]: مَلْعُونًا {وَلَا تَقْفُ} [الإسراء: 36]: لَا تَقُلْ {فَجَاسُوا} [الإسراء: 5]: تَيَمَّمُوا. {يُزْجِى} [الإسراء: 66] الفُلْكَ: يُجْرِي الفُلْكَ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} [الإسراء: 107، 109]: لِلْوُجُوهِ. [فتح: 8/ 392]

(ص)(كَرَّمْنَا وَأَكْرَمْنَا وَاحِدٌ) قال ابن عباس: فضلنا، أي: بالعقل والنطق والتمييز.

ص: 536

وقال: ليس من دابة إلا وهي تأكل بفيها إلا ابن آدم فهو يأكل بيده

(1)

.

(ص)({ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} عَذَابَ الحَيَاةِ وَعَذَابَ المَمَاتِ) أي: ضعفهما، يريد: عذاب الدنيا والآخرة، أي: ضعف ما يعذب به غيره، وهذا تخويف لأمته؛ لئلا يركن أحد من المسلمين إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه.

(ص)({خِلَافَكَ} وَخَلْفَكَ سَوَاءٌ) أي: بعدك، يعنى: بعد خروجك كقوله: {بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ} [التوبة: 81].

(ص)({وَنَئَا}: تبَاعَدَ) أي: بعد بنفسه عن القيام بالحقوق.

(ص)({شَاكِلَتِهِ}) سلف الكلام عليها في سورة النحل.

(ص)({صَرَّفْنَا}: وَجَّهْنَا) أي: وبينا من الأمثال وغيرها مما وجب الاعتبار به.

(ص)({قَبِيلًا}: مُعَايَنَةً وَمُقَابَلَةً)، هو قول قتادة

(2)

، (وقيل: كفيلًا وَقِيلَ: القَابِلَةُ؛ لأَنَّهَا مُقَابِلَتُهَا وَتَقْبَلُ وَلَدَهَا) ضبط بعضهم تقبل بضم التاء كما نقله ابن التين، وليس ببين، كأنه من قبل يقبل إذا رضي الشيء وأخذه. قال: ولعله توهم أنه من كفل يكفل، وذلك لا يقال فيه إلا قبل به يقبل: إذا تكفل به.

(ص)({خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} أَنْفَقَ الرَّجُلُ: أَمْلَقَ، وَنَفِقَ الشَّيْءُ: ذَهَبَ) أي بكسر الفاء.

(1)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 4/ 176، "الوسيط" 3/ 117 - 118، "زاد المسير" 5/ 62 - 63.

(2)

رواه الطبري 8/ 148 (22707).

ص: 537

قال ابن عباس وقتادة: خشية الفقر والفاقة، وقال السدي: خشية أن ينفقوا فيقتروا

(1)

.

(ص)({قَتُورًا}: مُقَتِّرًا) أي: بخيلًا ممسكًا، يقال: قتر يقتِرُ ويقتُرُ قترًا، وأقتر إقتارًا، وقتَّر تقتيرًا: إذا قصر في الإنفاق.

(ص)({لِلْأَذْقَانِ} مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ، وَالْوَاحِدُ: ذَقَنٌ) أي: بفتح القاف، قال ابن عباس: للوجوه

(2)

، يريد يسجدون بوجوههم وجباههم وأذقانهم، واللام هنا بمعنى على.

(ص)({مَّوْفُورًا}: وَافِرًا {تَبِيعًا}: ثَائِرًا) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه

(3)

، ثم قال: وقال ابن عباس: نصيرًا، وتبيع بمعنى: تابع.

(ص)({خَبَتْ}: طَفِئَتْ) يقال: خبت النار تخبو إذا سكن لهبها.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {وَلَا تُبَذِّرْ}: لَا تُنْفِقْ فِي البَاطِلِ) أسنده ابن المنذرمن حديث عطاء عنه

(4)

.

(ص)({ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ}) أي: انتظار رزق يأتيك من عند الله.

(ص)({مَثْبُورًا} [الإسراء: 102]: مَلْعُونًا) هو قول ابن عباس

(5)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 8/ 154، "معاني القرآن" للنحاس 4/ 198، "الوسيط" 3/ 130.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 163 (22790).

(3)

رواه أيضًا الطبري 8/ 107 (22465)، وعزاه السيوطي في "الدر" 4/ 347 لابن أبي شيبة وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

(4)

رواه أيضًا الطبري 8/ 69 (22254)، ورواه بنحوه البخاري في "الأدب المفرد"(445) من طريق عكرمة، عن ابن عباس. وزاد السيوطي عزوه في "الدر" 4/ 320 لسعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في "الشعب".

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 159 (22756).

ص: 538

وقال غيره: هالكًا، قال أبو عبيد: المعروف في الثبور الهلاك، والملعون هالك.

(ص)({وَلَا تَقْفُ} [الإسراء: 36]: لَا تَقُلْ) أي: في شيء بما لا تعلم.

(ص)({فَجَاسُوا}: تَيَمَّمُوا) أي: قصدوا، وقيل: مشوا، وقيل: قهروا وغلبوا، وقيل: الجوس: طلب الشيء باستقصاء، وقال ابن عرفة: معناه عاثوا وأفسدوا.

(ص)({يُزْجِى} الفُلْكَ: يُجْرِي الفُلْكَ) أي: يسوقه ويسيره حالًا بعد حال.

(ص)({يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ}: لِلْوُجُوهِ) هو قول ابن عباس

(1)

، يريد: يسجدون بوجوههم كما سلف.

(1)

رواه الطبري 8/ 163 (22790)، وابن المنذر كما في "الدر المنثور" 4/ 372.

ص: 539

[باب قوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} الآيَةَ [الإسراء: 16]]

4711 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَمِرَ بَنُو فُلَانٍ. حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَقَالَ أَمِرَ. [فتح: 8/ 394]

ثم ساق من حديث أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَقُولُ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا فِي الجَاهِلِيَّةِ أَمِرَ بَنُو فُلَانٍ. حَدَّثنَا الحُمَيْدِيُّ، ثنَا سُفْيَانُ، وَقَالَ: أَمَرَ. أي: في قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} وهي قراءة الحسن وعلي وابن عباس في رواية، وقراءة الجمهور:{أَمَرْنَا} ، على صيغة الماضي من أمر ضد نهى، وقرئ بتشديد الميم بخلاف عن أبي عمرو

(1)

، وقال ابن التين: كسر الميم أنكره أهل اللغة؛ لأن أمر لا يتعدى، وأمرهم الله أكثرهم، ولا يعرف أمِرَهم الله، وما ذكره عن الحميدي، عن سفيان: أمر بفتح الميم لا وجه له؛ لأنه لا يقال: أمر بنو فلان إذا كثروا، وإنما ذكر عن قتادة أمِرنا بني فلان بمعنى: أكثرنا

(2)

، وأنكره الكسائي عليه.

(1)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 91.

(2)

رواه الطبري 8/ 52 (22162) بلفظ: (أمَرْنا): أكثرنا مترفيها.

ص: 540

‌5 - [باب]: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)} [الإسراء: 3]

4712 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمَّ قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يُجْمَعُ النَّاسُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاسُ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ. وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عز وجل قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ -فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ- نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى

ص: 541

أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ -وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا- نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عز وجل ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى». [انظر: 3340 - مسلم: 194 - فتح: 8/ 395]

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقد سلف مختصرًا في أحاديث الأنبياء في باب ذكر نوح وهنا أتم منه، والثلاث التي لإبراهيم قوله للكافر: هذِه أختي، يريد في الإسلام و {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} قيل: معناه إن كان ينطق فكبيرهم فعله و {إِنِّي سَقِيمٌ} أي: سأسقم، وقد سلف مع الجواب عنها. وعيسى كلمة الله لأنه كان من الكلمة: كن، فكان.

وقوله في آخره: (كما بين مكة وحمير) يريد: صنعاء لأنها بلد حمير.

ص: 542

‌6 - [باب] قوله: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55]

4713 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقِرَاءَةُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ لِتُسْرَجَ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ» . يَعْنِي: الْقُرْآنَ. [انظر:2073 - فتح: 8/ 397]

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خُفِّفَ على داود القرآن فكان يأمر بدابته لتسرج وكان يقرأ قبل أن يفرغ" يعني: القرآن.

أراد بالقرآن: الزبور.

سلف في أحاديث الأنبياء، قال الربيع بن أنس: والزبور هو ثناء على الله ودعاء وتسبيح. وقال قتادة: كنا نحدث أنه دعاء علمه الله داود وتحميد وتمجيد لله ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود

(1)

.

فائدة:

معنى الآية السالفة {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا} : يا ذرية من حملنا مع نوح لا تشركوا، وخص نوحًا بالذكر ليذكرهم نعمة الإنجاء من الغرق على آبائهم، والجمهور على أن نوحًا والد الناس كلهم، وذكر المنذري أن الذرية هنا جميع أهل الأرض. والضمير في قوله:{إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} هو موسى. والصحيح أنه نوح وقد صح في "المستدرك" عن سلمان رضي الله عنه قال: كان نوح إدْا طعم طعامًا أو لبس ثوبًا حمد الله فسمي عبدًا شكورًا

(2)

، وفي "تفسير ابن مردويه" من حديث أبي فاطمة

(1)

رواه الطبري 8/ 94 (22372).

(2)

"المستدرك" 2/ 360.

ص: 543

مرفوعًا: "كان نوح لا يعمل شيئًا صغيرًا ولا كبيرًا إلا قال: بسم الله والحمد لله فسماه الله عبدًا شكورًا، وفي حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه مرفوعًا: "إنما سمي نوح عبدًا شكورًا أنه كان إذا أمسى وأصبح قال: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ} الآية"، ومن حديث عبد الله بن زيد الأنصاري مرفوعًا: "{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} وما كان مع نوح إلا أربعة أولاد: سام وحام ويافث وكوش فذلك أربعة أولاد نوح تناسلوا هذا الخلق"

(1)

(1)

انظر: "الدر المنثور" 4/ 294 - 295.

ص: 544

‌7 - [باب] قوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} الآية [الإسراء: 56]

4714 -

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ {إِلَى رَبِّهِمِ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَاسًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنُّ، وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِدِينِهِمْ. زَادَ الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ. {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} [الإسراء: 56]. [4715 - مسلم: 3030 - فتح: 8/ 397]

ذكر فيه حديث أَبِي مَعْمَرٍ عبد الله بن سخبرة، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أوَّل {الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57] قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنَ الإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَاسًا مِنَ الجِنِّ، فَأَسْلَمَ الجِنُّ، وَتَمَسَّكَ هؤلاء بِدِينِهِمْ. زَادَ الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ. {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} [الإسر اء: 56].

ص: 545

‌8 - [باب] قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} الآيَةَ [الإسراء: 57]

4715

- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الآيَةِ {الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمِ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] قَالَ: نَاسٌ مِنَ الْجِنِّ {كَانُوا} يُعْبَدُونَ فَأَسْلَمُوا. [انظر: 4714 - مسلم: 3030 - فتح: 8/ 398]

ساق فية أيضا أثر عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه فِي هذِه الآيَةِ {الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] قَالَ: نَاسٌ مِنَ الجِنِّ كَانُوا يُعْبَدُونَ فَأَسلَمُوا. وزيادة الأشجعي أسنده ابن مردويه من حديث عبد الجبار بن العلاء، عنه عن سفيان به بزيادة: فأسلم الجن من غير أن يعلم الإنسيون فنزلت {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ}

(1)

.

قال ابن التين: قوله: (يعبدون ناسًا من الجن). فيه نظر؛ لأن الجن لا يسمون ناسًا، وعلى ما فسره ابن مسعود يكون الضمير في {يَبْتَغُونَ} يعود إلى المحذوف من يدعون التقدير: أولئك الذين يدعونهم آلهة.

قرأ ابن مسعود: (تدعون) بالمثناة فوق

(2)

، وقيل: المدعون عيسى وعزير، وقيل: الملائكة عبدهم قوم من العرب.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 4/ 343.

(2)

عزاها ابن الجوزي في "زاد المسير" 5/ 50 لابن مسعود، وابن عباس، وأبي عبد الرحمن.

ص: 546

‌9 - [باب] قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]

4716 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ} [الإسراء: 60]: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. [انظر: 3888 - فتح: 8/ 398]

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} : شَجَرَةُ الزَّقُّومِ.

زاد سعيد بن منصور بإسناده: وليست رؤيا منام

(1)

، وقيل: إنما فتن الناس بالرؤيا والشجرة؛ لأن جماعة ارتدوا وقالوا: كيف يسرى به إلى بيت المقدس في ليلة واحدة، وقالوا لما نزلت {شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)} [الدخان: 43]: كيف تكون في النار شجرة فإنها تأكلها النار، فكانت فتنة لهم، ذكره عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة

(2)

.

فإن قلتَ: وأين ذكر الله في القرآن لعنها، قلتُ: قد لعن آكلها والعرب تقول: فكل طعام مكروه ملعون، وهذِه الشجرة هي الزقوم كما سلف قيل: هي شجرة غبراء مرة قبيحة الرءوس حكاه ابن المديني

(3)

.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 4/ 345.

(2)

"تفسير عبد الرزاق" 1/ 324 (1585).

(3)

"المجموع المغيث" 2/ 21.

ص: 547

وقيل: هو فعول وهو (الزقم)

(1)

وهو اللقم الشديد والشرب المفرط، وقيل: من الزقم (وهي)

(2)

القيء وفي لغة اليمن كل طعام يُتقيَّأ منه يقال له: زقوم، وقال ثعلب: كل طعام يقتل، والزقم: الطاعون

(3)

. وحكي في "غرر التبيان" فيه ثلاثة أقوال: شجرة الكشوث تلتوي على الشجر فتجففه

(4)

، الشيطان، أبو جهل

(5)

.

وروى ابن مردويه من حديث عبد الرزاق عن أبيه عن مناء

(6)

مولى عبد الرحمن بن عوف أن عائشة رضي الله عنها قالت لمروان: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ولأبيك ولجدك: "إنكم الشجرة الملعونة في القرآن"، ومن حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما لما ذكر الله الزقوم في القرآن قال أبو جهل: هل تدرون ما الزقوم؟ هو التمر بالزبد، أما والله لئن أمكننا الله بها لتزقمناها تزقمًا فنزلت:{وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} الآية

(7)

. وعند مقاتل قال: عبد الله بن الزبعرى: إن الزقوم بلسان البربر الزبد. فقال أبو جهل: يا جارية ابغينا تمرًا وزبدًا وقال لقريش: تزقموا من هذا الزقوم.

(1)

في الأصل: (التزكم)، ولعل الصواب ما أثبتناه، وانظر:"عمدة القاري" 15/ 277.

(2)

في هامش الأصل: لعله: وهو.

(3)

انظر: "المحكم" 6/ 161، وفيه: الزقمة: الطاعون.

(4)

قال الواحدي: وهو قول ضعيف، وتفسير لا يليق بالآية. "تفسير البسيط" سورة الإسراء، الآية (60).

(5)

"غرر التبيان" ص 310 - 311 (617).

(6)

ورد بهامش الأصل: والد عبد الرزاق هو: همام الصنعاني ما روى له سوى ولده وقد وثقوه. وأما مناء فكذاب.

(7)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 346 وعزاه لابن مردويه، وغيره.

ص: 548

وعند ابن سيده: لما نزلت آيه الزقوم لم تعرفه قريش، فقال أبو جهل: إن هذا ليس ينبت ببلادنا فمن منكم يعرفه؟ فقال رجل قدم عليهم من إفريقية: إن الزقوم بلغة إفريقية الزبد بالتمر

(1)

.

(1)

"المحكم" 6/ 161.

ص: 549

‌10 - [باب] قوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]

قَالَ مُجَاهِدٌ: صَلَاةَ الفَجْرِ.

4717 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ» . يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [انظر: 176 - مسلم: 362، 649 - فتح: 8/ 399]

(قَالَ مُجَاهِدٌ: صَلَاةَ الفَجْرِ) هذا أسنده ابن المنذر من حديث ابن أي نجيح عنه

(1)

.

ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "فَضْلُ صَلَاةِ الجَمِيعِ على صَلَاةِ الوَاحِدِ (خَمسٌ وَعِشْرُونَ)

(2)

دَرَجَةً، وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ". يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].

وقد سلف في الصلاة، وروى ابن مردويه من حديث أبى الدرداء رضي الله عنه: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قال: "يشهده الله وملائكة النهار"

(3)

.

(1)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 355 وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر. وهو عند ابن جرير 8/ 128 (22603).

(2)

في الأصل: (خمسة وعشرين).

(3)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 355 وعزاه للحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه.

ص: 550

وفي لفظ "ثلاث ساعات يبقين من الليل يفتح الله عز وجل الذكر الذي لم يره أحد غيره فيمحو ما شاء ويثبت، ثم في الساعة الثانية ينزل إلى عدن فيقول: طوبى لمن دخلك، ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا بملائكة فيقول: هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأجيبه حتى يصلى الفجر ودْلك قوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} يقول: يشهده الله وملائكته وملائكة الليل وملائكة النهار"

(1)

.

وروى الحاكم نحوه على شرط الشيخين من حديث الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأبي سعيد مرفوعًا

(2)

، وروى ابن المنذر من حديث أبي عبيدة عن عبد الله كان يقول: يتداول الحرسان من ملائكة الله من الليل وحارس النهار عند طلوع الفجر واقرأوا إن شئتم: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}

(3)

. وعن الضحاك: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار الذين يشهدون أعمال بني آدم، وعبد الرزاق عن عطاء قال: تشهده الملائكة والجن.

(1)

رواه أيضًا الطبري 8/ 127 (22595) بنحوه.

(2)

"المستدرك" 1/ 210 - 211.

(3)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 355 وعزاه أيضًا سعيد بن منصور، وابن جرير، والطبراني.

ص: 551

‌11 - [باب] قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]

4718 -

حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا، يَقُولُونَ يَا فُلَانُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ. [انظر: 1475 - فتح: 8/ 399]

4719 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . [انظر: 614 - فتح: 8/ 399]

رَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1474]

حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، ثنَا أَبُو الأَحْوَصِ، -واسمه سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي- عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا، يَقُولُونَ يَا فُلَانُ اشْفَعْ، يا فلان اشفع حتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللهُ المَقَامَ المَحْمُودَ.

رواه حمزة بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديث جابر رضي الله عنه:"مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هذِه الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ .. " الحديث.

وقد سلف في الأذان بمتنه وإسناده سواء، وتعليق حمزة أسنده الإسماعيلي من حديث يحيى بن بكير عن الليث، عن عبيد الله بن

ص: 552

أبي جعفر قال: سمعت حمزة قال: سمعت أبي فذكره. وسلف في الزكاة حديثه عن ابن بكير عن الليث، ولم يذكر المقام المحمود، ثم قال: وزاد عبد الله: حدثني الليث، حدثني ابن أبي جعفر، عن حمزة، فيشفع ليقضي بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقامًا محمودًا، يحمده أهل الجمع كلهم، رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنا أُبي وشعيب بن الليث، عن الليث، حدثني ابن أبي جعفر يذكر المقام المحمود.

وفي الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا محسنا: "المقام المحمود: الشفاعة"

(1)

. ولابن أبي حاتم: "هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي"

(2)

.

إذا تقرر ذلك فقوله: (جثًا) هو جمع جاث على الركب. قال في "المغيث": ويجوز أيضا فتح الجيم وكسرها كالعَصي والعِصي، قاله ابن الأثير- ويروى جثىَّ بتشديد (الياء)

(3)

جمع جاث أي: جلس على ركبته

(4)

.

وقال ابن الجوزي عن ابن الخشاب: جُثًّا بالتشديد والضم جمع جاث كغاز وغُزًّا، وجثا مخففة جثوة ولا معنى لها هنا. وقال ابن التين: جُثي بضم الجيم جمع جثوة، كخُطا وخطوة. قلت: وأصله كل شيء مجمع كمدية ومُدى، وفجوة وفُجى وفجوات.

(1)

الترمذي (3137).

(2)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 356.

(3)

في الأصل: (الثاء)، والصواب ما أثبتناه.

(4)

"المجموع المغيث" 1/ 297 وفيه؛ بكسر الجيم وضمها، وانظر:"النهاية" 1/ 239.

ص: 553

‌12 - [باب] قوله: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} [الإسراء: 81]

يَزْهَقُ: يَهْلِكُ.

4720 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ نُصُبٍ فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]{قُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49]. [انظر: 2478 - مسلم: 1781 - فتح: 8/ 400]

زهق: هلك. هو قول قتادة فيما أخرجه ابن أبي حاتم بإسناده إليه

(1)

، وفي رواية عنه: هلك الباطل، وهو الشيطان

(2)

. وقال ابن مسعود في رواية زاذان: هو السيف أعني: الحق. وقال قتادة: القرآن

(3)

. وقيل: [الحق]

(4)

وهو الثابت الذي لا يزول، كما أن الباطل زائل ذاهب.

ثم ساق حديث ابن مسعود رضي الله عنه: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ نُصُبٍ

الحديث، وقد سلف قريبًا في الفتح

(5)

.

و (نصب): بالفتح والضم صفة للستين وثلاثمائة، والمشهور أنه

(1)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 360.

(2)

رواه الطبري 8/ 138 (22661).

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 138 (22660).

(4)

في الأصل: (الباطل)، والصواب ما أثبتناه.

(5)

سلف برقم (4287) كتاب: المغازي.

ص: 554

واحد الأنصاب؛ لأن هذا الجمع لا يجيئ بعده إلا واحدًا (

)

(1)

، فيبعد على هذا (أن يكون)

(2)

الواحد صفة للجمع.

وقوله: (يطعنها) هو بالضم

(3)

كما سلف

وروى الحاكم، وقال: صحيح الإسناد عن علي رضي الله عنه قال: أصعدني النبي صلى الله عليه وسلم على منكبه فعالجت الصنم الأكبر، وكان من نحاس موتدًا بأوتاد من حديد إلى الأرض فعالجته حتى فلقته فقذفته فما صعد به بعد إلى الساعة

(4)

.

وفي طعن الأصنام بالعود دلالة على إلحاق ما في معناها بها كالعيدان والمزامير التي لا معنى لها إلا اللهو بها عن ذكر الله. قال ابن المنذر: وفي معنى الأصنام الصور المتخذة من المدر والخشب وشبهها ولا يجوز بيع شيء منها إلا الأصنام التي تكون من ذهب أو فضة أو خشب أو حديد أو رصاص إذا غيرت وصارت قطعًا، أي وصار ينتفع بها في مباح. قال المهلب: ما كسر من آلات الباطل، وكان فيه بعد كسرها منفعة فصاحبها أولى بها مكسورة، إلا أن يرى الإمام حرقها بالنار على معنى التشديد والعقوبة في المال، وقد هم صلى الله عليه وسلم بتحريق دور من تخلف عن صلاة الجماعة

(5)

، وقد روي عن عمر أنه أراق لبنًا شيب بماء على صاحبه.

قلت: وأصحابنا يدعون نسخ ذلك.

(1)

هكذا بالأصل.

(2)

مكررة في الأصل.

(3)

ورد بهامش الأصل: ويجوز الفتح، لغتان في "الصحاح"["الصحاح" 6/ 2157].

(4)

"المستدرك" 2/ 366 - 367.

(5)

سلف برقم (644) كتاب: الأذان، باب: وجوب صلاة الجماعة، من حديث أبي هريرة.

ص: 555

‌13 - [باب] قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85]

4721 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ وَهْوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالَ: مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا: سَلُوهُ. فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ مَقَامِي، فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)} [الإسراء: 85]. [انظر: 125 - مسلم: 2794 - فتح: 8/ 401]

ذكر فيه حديث ابن مسعود رضي الله عنه: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ وَهْوَ مُتَّكِئٌ على عَسِيبٍ إِذْ مَرَّ به اليَهُودُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقَالَ مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا: سَلُوهُ. فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ مَقَامِي، فَلَمَّا نَزَلَ الوَحْيُ قَالَ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} [الإسراء: 85].

هذا الحديث سلف في العلم، ويأتي في التوحيد والاعتصام

(1)

، وأخرجه الترمذي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئًا نسأل عنه هذا الرجل. فقالوا سلوه عن الروح،

(1)

سيأتي برقم (7297)، (7456).

ص: 556

فنزلت

(1)

، ولابن مردويه عنه: قالت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن الروح وكيف تعذب، وإنما هي من الله، ولم يكن نزل عليه فيه شيء فجاءه جبريل بهذِه الآية

(2)

.

قال ابن عباس في هذِه الآية: لا تزيدوا عليها ولكن قولوا كما قال الله {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}

(3)

وعند ابن منده من حديث السدي عن أبي مالك، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعثت قريش عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن أمية بن المغيرة إلى يهود المدينة، يسألونهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث. وفيه: هو من أمر الله بقول الله، هو خَلْق مِن خَلْق الله، ليس هو شيء من الله، وفي حديث مجاهد عنه: الروح أمر من أمر الله، وخلق من خلقه (صورته)

(4)

صورة بني آدم، وما ينزل ملك من السماء إلا ومعه واحد من الروح

(5)

.

إذا تقرر ذلك فالحرث بحاء مهملة وثاء مثلثة، وهو موضع الزرع، وذكره في كتاب العلم وبخاء معجمة وباء موحدة، والخاء مكسورة والراء مفتوحة كما ضبطه بهما القاضي عياض وصححهما

(6)

، وتميم تقول بفتح الخاء والأول أصوب كما نقله النووي عن العلماء، ويجوز أن يكون الموضع فيه الوصفان

(7)

.

(1)

الترمذي (3140).

(2)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 361.

(3)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 362 وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه.

(4)

في الأصل: (صورة) وفي الهامش: لعله صورته.

(5)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 4/ 53، "زاد المسير" 5/ 82، "الروح" لابن القيم ص 239، "تفسير ابن كثير" 14/ 235.

(6)

"مشارق الأنوار" 1/ 231.

(7)

"صحيح مسلم بشرح النووي" 17/ 137.

ص: 557

والعسيب: لعله أراد القضيب، قال ابن فارس: عسبان النخل كالقضبان لغيره

(1)

.

وقوله: (ما رابكم إليه) قال الخطابي: كذا تقوله العامة، وإنما هو ما إربكم إليه. أي: ما حاجتكم

(2)

.

ووقع في رواية أبي الحسن بالمثناة تحت بدل الباء الموحدة، وقد أسلفنا فيما مضى أن العلماء اختلفوا في الروح اختلافًا منتشرًا، وأن الكلام فيه مما يغمض ويدق، قال الأشعري: هو النفس الداخل، وقيل: هو جسم لطيف مشارك الأجسام الظاهرة والأعضاء الظاهرة، وقال بعضهم: لا يعلمها إلا الله. والجمهور على أنها معلومة، فقيل: الدم وليس في الآية دليل على أنها لا تعلم ولا أنه عليه السلام لم يكن يعلمها، وإنما أجاب بما في الآية الكريمة؛ لأنه كان عند اليهود إن أجاب بتفسير الروح فليس بشيء.

وأفرد ابن منده الحافظ كتابًا في معرفة الروح والنفس وقال: اختلف في معرفة الأرواح ومحلها من النفس، فمذهب أهل السنة والجماعة أن الأرواح كلها مخلوقة قال صلى الله عليه وسلم:"الأرواح جنود مجندة"

(3)

والجنود المجندة مخلوقة، وقال بعضهم: إنها من أمر الله أخفى الله حقيقتها وعلمها عن خلقه، قال تعالى {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} وقيل: إنها نور من نوره، وحياة من حياته، وفى الحديث:"إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم ألقى عليها نورًا"

(4)

.

(1)

"مجمل اللغة" 2/ 667.

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1873.

(3)

سلف برقم (3336).

(4)

رواه الترمذي (2642)، وأحمد 2/ 176 والحاكم 1/ 30 - 31 كلهم من طريق عبد الله بن الديلمي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا. وقال الترمذي: هذا =

ص: 558

ثم اختلفوا في فناء الأرواح بموت الأبدان والأنفس على قولين

(1)

: أحدهما: لا تموت ولا تبلى قال عليه السلام: "أرواح الشهداء في أجواف طير خضر في الجنة تأكل وتشرب"

(2)

، وقال:"يعرج بروح المؤمن إلى السماء فتسجد".

وثانيهما: تموت ولا تبلى، وتبلى الأبدان.

واحتجوا بحديث الصور قالت جماعة: الأرواح على صور الخلق لها أيد وأرجل وسمع وبصر.

وقال بعضهم: الأرواح تعذب كالأجسام لأخبار فيه. قال تعالى {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)} [المطففين: 7] فيعذبان جميعًا كما ينعمان، لأخبار ثابتة فيه عن الصحابة والتابعين. وغلط من ادعى بعثها مجردة من غير بدن؛ لأنه ترابي، ثم قيل: ينشئ الله لها أجسامًا من الجنة، وما أبعده!!

وقيل: للمؤمن ثلاثة أرواح، وللكافر والمنافق واحد. وقيل: للأنبياء والصديقين خمسة أرواح، وكله بحكم. وقيل: الروح روحان: اللاهوتية والناسوتية. وقيل: روحانية خلقت من الملكوت، فإذا فنت رجعت إليه. وقيل: إنما تكون نورية روحانية ملكوتية إذا كانت صافية، وقيل: الروح لاهوتية، والنفس أرضية طينية نارية.

وشر الأقوال تناسخها وانتقالها من جسم إلى جسم، وقال مقاتل في

= حديث حسن. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، قد تداوله الأئمة، وقد احتجا بجميع رواته، ثم لم يخرجاه، ولا أعلم له علة. وصححه أيضًا الشيخ أحمد شاكر في تحقيق "المسند"(6644)، والألباني في "الصحيحة"(1076).

(1)

انظر: "الروح" لابن القيم ص 227.

(2)

رواه الترمذي (1641) من حديث كعب بن مالك، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 559

قوله: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام: 60] إن الإنسان له حياة وروح ونفس، فإذا نام خرج من نفسه (الذي)

(1)

يعقل به الأشياء شعاع وله حبل إلى الجسد لشعاع النفس إلى الأرض، فيرى الرؤيا بالنفس التي خرجت منه وتبقى الحياة والروح في الجسد فيه تتقلب وتتنفس، فإذا حرك رجعت إليه أسرع من طرفة عين، فإذا أراد الله أن يميته في المنام، يميت النفس ويقبض الروح إليها فيموت في منامه، وقال: بالذهن يرى الرؤيا.

قال مقاتل: فتخرج نفسه إذا نام، فإذا أخذت إلى فوق فرأت رؤيا رجعت النفس فأخبرت الروح، ومخبر الروح القلب فيصبح يعلم أنه رأى رؤيا صالحة يعرف ما رأى في منامه، فتجيء النفس وتجيء الروح وتخبر الروح القلب، فإن نام مستلقيًا على وجهه فرجوع النفس إلى الجسد بمنزلة الشعاع إذا نظر من الكوة، فإن حرك النائم كان أسرع إلى الجسد من الشمس إذا [

(2)

الكوة إذا غشيها الغيم أو يسترها شيء.

ثم اختلفوا في معرفة الروح والنفس

(3)

، فقالت طائفة: النفس طيفية

(1)

في هامش الأصل: لعله التي. والنفس الروح، والروح تذكر وتؤنث، وفي الحديث:"ما من نفس منفوسة"، وفي القرآن:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)} و {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)} .

(2)

كلمة غير واضحة بالأصل، وفوقها: كذا.

(3)

قال شارح الطحاوية: وأما اختلاف الناس في مسمى النفس والروح، هل هما متغايران، أو مسماهما واحد؟ فالتحقيق أن النفس تطلق على أمور، وكذلك الروح، فيتحد مدلولهما تارة، ويختلف تارة، فالنفس تطلق على الروح، ولكن غالب ما تسمى نفساً إذا كانت متصلة بالبدن، وأما إذا أخذت مجردة فتسمية الروح أغلب عليها .. "شرح الطحاوية" ص 394.

ص: 560

نارية، والروح نورية روحانية. وقال بعضهم: الروح لاهوتية والنفس ناسوتية. وقال أهل الأثر: الروح غير النفس. وقولهم النفس بالروح والنفس لا تريد إلا الدنيا والروح تدعو إلى الآخرة وتؤثرها، وقد جعل الهوى تبعا للنفس، فالشيطان مع النفس والهوى، والملك مع العقل والروح.

وفي "التمهيد" من طريق وهب قال: إن الله خلق آدم وجعل نفسًا وروحًا، فمن الروح عفافه وفهمه وحلمه وسخاؤه، ومن النفس شهوته وغضبه ونحو هذا

(1)

.

قال السهيلي: هذا معناه صحيح، وسبيلك أن تنظر في كتاب الله أولًا لا إلى الأحاديث التي تنقل مرة على اللفظ ومرة على المعنى، فيقول: قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] ولم يقل: من نفسي، فلا يجوز أن يقال هذا، ولا خفاء فإنه من الفرق في الكلام، وذلك يدل على أن بينهما فرقًا في المعنى. وبعكس هذا {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} [المائدة: 116] ولم يقل: ما في روحي، فلو كانت النفس والروح اسمين بمعنى واحد كالليث والأسد لصح وقوع كل واحد منهما لصاحبه في آي كثيرة، فأين إذن كون الروح والنفس بمعنى واحد لولا الغفلة عن تدبر القرآن؟ ثم أطال الكلام فيه

(2)

.

وأما أبو محمد بن حزم فإنه قال: هما واحد لقوله عليه السلام: "أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك" وأخذ بروحي ذكره أول "محلاه"

(3)

.

(1)

"التمهيد" 5/ 243.

(2)

"الروض الأنف" 2/ 62 - 63.

(3)

"المحلى" 1/ 5 - 6، وقوله:(أخذ بنفسي .. ) إنما هو من قول بلال، وكذلك ذكره في "المحلى".

ص: 561

وقال ابن العربي في "عواصمه": الروح معقولة، واختلف في النفس فمنهم من جعلها الدم، ومنهم من جعلها معقولة بمنزلة الروح، وقد يعبر بالروح عن القلب والنفس، وعن القلب بهما، وعن النفس بالروح، وعن الروح والحياة بهما، وقد تتعدى هذِه الألفاظ إلى غير العقلاء بل إلى غير الأحياء فتجعل في كل شيء، فيقال لكل شيء قلب ونفس وروح وحياة، واستجازة، وزعم قوم أن الروح استنشاق الهواء، وقال عامة المعتزلة: إنها عرض، وأغرب ابن الراوندي

(1)

فقال: إنها جسم لطيف يسكن البدن، وقال بعض الحكماء: إن الله تعالى خلقها من ستة أشياء: من جوهر النور والطب والبقاء والحياة والعلم والعلو، ألا ترى أنه ما دام في الجسد كان نوريًّا، قال الواحدي: والمختار أنه جسم لطيف توجد به الحياة

(2)

.

خاتمة:

الروح في كتاب الله تنطلق على معان سلفت هناك، ونبه عليها ابن منده أيضا: الرحمة {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22] ملك من الملائكة السابعة على صورة الإنسان وجسده كجسد الملائكة {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] جبريل {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)}

(1)

هو أبو الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق بن الراوندي، كان معتزليًّا ثم تزندق، وقيل: كان لا يستقر على مذهب ولا نحلة، ويقال: كان غاية في الذكاء، وقد صنف كتبًا كثيرة يطعن فيها على الإسلام.

قال الحافظ في ترجمته: إنما أوردته لألعنه، توفي إلى لعنة الله في سنة ثمان وتسعين ومائتين.

انظر: "وفيات الأعيان" 1/ 94، "سير أعلام النبلاء" 14/ 59، "لسان الميزان" 1/ 491 (999)

(2)

"الوسيط" 3/ 125.

ص: 562

[الشعراء: 193] الوحي. {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} [النحل: 2] عيسى روح الله.

أخرى:

قال محمد بن نصر المروزي: قد تأول قوم من الزنادقة والروافض في روح آدم ما تأولته النصارى في روح عيسى، وما تأول قوم من أن النور والروح انفعلا من الذات المقدسة، فصارا في المؤمن، فعبد صنف من النصارى عيسى ومريم جميعًا؛ لأن عيسى عندهم روح صار في مريم، قالوا: ثم صار بعد آدم في الوصي بعد، ثم هو في كل نبي ووصيّ، إلى أن صار في علي، ثم في كل وصيٍّ وإمام، يعلم كل شيء ولا يحتاج أن يتعلم من أحد، وروت فرقة من المتعبدة أن الله أيد أولياءه من المؤمنين بأن أسكن روحًا منه قلوبهم، وذلك إذا اشتغلوا بالله وانقطعوا إليه، فهنالك تتصل تلك الروح بربهم، فيعلموا بزعمهم الغيب، وهؤلاء قوم يسمون الفكرية، وهم ضرب من الزنادقة، ولهم كلام تشيع، واحتجوا بقوله:{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} ولا خلاف بين المسلمين في أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بني آدم كلها مخلوقة، الله خلقها وأنشأها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف سائر خلقه، قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]

(1)

.

تنبيه:

جمع ابن التين في الروح في الآية أحد عشر قولًا، فعن ابن عباس: له أحد عشر ألف جناح، وألف وجه يسبح الله إلى يوم القيامة، وقيل:

(1)

انظر: "الروح" لابن القيم ص 227 - 228.

ص: 563

هو ملك له تسعون ألف لسان يسبح الله بها ويقدسه، وقيل: هو جبريل، وقيل: هو ملك رجلاه في الأرض السفلى ورأسه عند قائمة العرش، وقيل: هو خلق كخلق بني آدم، له أيد وأرجل، وقيل: عيسى، وقيل: القرآن، وقيل: هو الوحي، وقيل: هو الروح التي تحيا بلا جسد. فسألوه عن كيفية امتزاجه بالجسم واتصال الحياة به، وقيل: هو خلق من خلق الله، لا ينزل ملك إلى الأرض إلا نزل معه، وقيل: -كما في الأصل- لا يعلمه إلا الله، قال: وقيل: هو ملك عظيم، تقوم روحه فتكون صفًّا، وتقوم الملائكة صفًّا، قال تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38].

ص: 564

‌14 - باب {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]

4722 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ، كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء: 110]. [7490، 7525، 7547 - مسلم: 446 - فتح: 8/ 404]

4723 -

حَدَّثَنِي طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ. [6327، 7526 - مسلم: 447 - فتح: 8/ 405]

ذكر فيه عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنها نزلت وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ، كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا سَمِعَهُ المُشْرِكُونَ سَبُّوا القُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعَ المُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا القُرْآنَ، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110].

ويأتي في التوحيد، وأخرجه مسلم أيضا والنسائي والترمذي

(1)

.

ثم ذكر عن عَائِشَةَ رضي الله عنها {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَتْ: أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ.

(1)

الترمذي (3145)، النسائي 2/ 177 - 178.

ص: 565

أي: فسمت عائشة الصلاة دعاء، قال ابن التين: ولا يكاد يقع ذلك للقراءة، فيقال: إنما قيل صلاة؛ لأنها لا تكون إلا بدعاء، والدعاء صلاة. قلت: لكن أصلها الدعاء.

وذكر الواحدي في حديث عائشة رضي الله عنها كان أعرابي يجهر فيقول: التحيات لله، والصلوات والطيبات، يرفع بها صوته؛ فنزلت هذِه الآية، وقال عبد الله بن شداد: كان أعراب بني تميم إذا سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قالوا: اللهم ارزقنا مالًا وولدًا، ويجهرون؛ فنزلت

(1)

. وروى ابن مردويه من حديث أشعث عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في الدعاء

(2)

. وعن أبي [السمح] دراج

(3)

عن أنصاري له صحبة مرفوعًا: أنها نزلت في الدعاء

(4)

. وعن إبراهيم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة رضي الله عنه:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} نزلت في الدعاء والمسألة

(5)

.

ورجح النووي رواية ابن عباس، وقال: إنه الأولى والمختار

(6)

، وقد علمت أنه روي عنه كمقالة عائشة رضي الله عنها.

(1)

"أسباب النزول" ص 304 (597 - 598).

(2)

رواه أيضًا الطبري 8/ 166 (22809) من طريق عباد بن العوام، عن أشعث، به. وعزاه السيوطي في "الدر" 4/ 375 لابن أبي شيبة وابن منيع ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن مردويه.

(3)

في الأصل: (عن أبي دراج)، والصواب ما أثبتناه.

(4)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 375 وعزاه لسعيد بن منصور والبخاري في "تاريخه" وابن المنذر وابن مردويه. وهو في "التاريخ الكبير" 3/ 256 (882).

(5)

رواه الطبري 8/ 167 (22812) من طريق سفيان، عن إبراهيم الهجري، عن أبي عياض قال: نزلت في الدعاء.

(6)

"صحيح مسلم بشرح النووي" 4/ 165.

ص: 566

(18) ومن سورة الكَهْفِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَقْرِضُهُمْ} تَتْرُكُهُمْ، {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: جَمَاعَةُ الثَّمَرِ. {بَاخِعٌ} مُهْلِكٌ {أَسِفًا} نَدَمًا. الكَهْفُ: الفَتْحُ فِي الجَبَلِ. وَالرَّقِيمُ: الكِتَابُ، مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ. {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا. {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}. {شَطَطًا} إِفْرَاطًا. {بِالْوَصِيدِ} الفِنَاءُ جَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ وَيُقَالُ: الوَصِيدُ البَابُ. {مُؤْصَدَةٌ} مُطْبَقَة آصَدَ البَابَ وَأَوْصَدَ {بَعَثْنَاهُمْ} أَحْيَيْنَاهُمْ

{أَزْكَى} أَكْثَرُ، وَيُقَالُ: أَحَلُّ، وَيُقَالُ: أَكْثَرُ ريعًا. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ} لَمْ تَنْقُصْ. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنِ ابن عَبَّاسٍ: الرَّقِيمُ اللَّوْحُ مِنْ رَصَاصٍ، كَتَبَ عَامِلُهُمْ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ طَرَحَهُ فِي خِزَانَتِهِ، فَضَرَبَ اللهُ عَلَى آذَانِهِمْ فَنَامُوا. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَأَلَتْ تَئِلُ تَنْجُو. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَوْئِلًا} مَحْرِزًا {لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} لَا يَعْقِلُونَ.

هي مكية إلا قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} [الكهف: 28] فإنها مدنية، وقال مقاتل: إلا ثلاث آيات. قال السخاوي: ونزلت قبل النحل و (بعد)

(1)

الغاشية

(2)

، وفي أفراد مسلم من حديث أبي الدرداء مرفوعًا:"من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من الدجال" وفي لفظ: "من

(1)

في الأصل: قبل.

(2)

"جمال القراء" ص 8.

ص: 567

آخر الكهف"

(1)

وغريب من الحاكم استدراكه عليه

(2)

وهو فيه، وفي الترمذي مصححًا:"من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال"

(3)

نعم صحح الحاكم إسناد حديث أبي سعيد مرفوعًا: "من قرأسورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين"

(4)

.

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: {تَقْرِضُهُمْ}: تَتْرُكُهُمْ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه

(5)

كما سلف في أحاديث الأنبياء.

(ص)({وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ}: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ) هو من تفسير قول مجاهد

(6)

، وقد أخرجه ابن عيينة في "تفسيره" عن ابن جريج عن يزيد: بضم الثاء والميم

(7)

، قال: وكل ما في القرآن من ثمر فهو المال، وقيل: الثمر: الشجر، وقال أبو عمران الجوني: الثمر: أنواع المال.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: جَمَاعَةُ الثَّمَرِ) هو قول ابن عباس، كما أخرجه ابن المنذر من حديث قتادة عنه

(8)

، ومراده أنه قد جمع ثمرة على ثمار ثم جمع ثمار على ثمر.

(1)

"صحيح مسلم"(89) كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل سورة الكهف وآية الكرسي.

(2)

"المستدرك" 2/ 368.

(3)

الترمذي (2886).

(4)

"المستدرك" 2/ 368.

(5)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 391 وعزاه لابن أبى شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

(6)

رواه الطبري 8/ 222 (23056).

(7)

قرأها عاصم بفتح الثاء والميم، وأبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم، وقرأ باقي السبعة بضم الثاء والميم. انظر "الكشف" لمكي 2/ 59.

(8)

رواه الطبري 8/ 223 (23058) من طريق قتادة، عن ابن عباس قال: يعني أنواع المال، وزاد السيوطي عزوه في "الدر" 4/ 403 لأبي عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 568

(ص)[{بَاخِعٌ}]

(1)

مهلك [أسَفاً] نَدَمًا.

الكَهْفُ: الفَتْحُ فِي الجَبَلِ. وَالرَّقِيمُ: الكِتَابُ، مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ {أَمَدًا}: غاية {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} : أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} . {شَطَطًا} : إِفْرَاطًا {مِرْفَقًا} : كل شيء ارتفقت به، {تَزَاوَرُ}: تميل من الزور، والأزور: الأميل، {فَجْوَةٍ}: متسع، والجمع: فجوات وفجاء، كقولك ركوة وركاء. {بِالْوَصِيدِ}: الفِنَاءُ، جَمْعُهُ: وَصَائِدُ وَوُصُدٌ وَيُقَالُ: الوَصِيدُ: البَابُ. مُوصَدَةٌ: مُطْبَقَةٌ، آصَدَ البَابَ وَأَوْصَدَ، {بَعَثْنَاهُمْ} أَحْيَيْنَاهُمْ، {أَزْكَى}: أَحَلُّ، وَيُقَالُ: أَكْثَرُ ريعًا.

قَالَ ابن عَبَّاسٍ {أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ} : لَمْ تَنْقُصْ. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنِ ابن عَبَّاسٍ: الرَّقِيمُ اللَّوْحُ مِنْ رَصَاصٍ، كَتَبَ عَامِلُهُمْ أَسْمَاءَهُمْ ثمَّ طَرَحَهُ فِي خِزَانَتِهِ، فَضَرَبَ اللهُ على آذَانِهِمْ فَنَامُوا {مَّوْبِقًا}: مهلكًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَأَلَ يَئِلُ: يَنْجُو. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَوْئِلًا} : مَحْرِزًا {لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} : لَا يَعْقِلُونَ).

الشرح:

هذِه الألفاظ سلف أكثرها في باب: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} في أواخر: أحاديث الأنبياء. وقول: ابن عباس: ({وَلَمْ تَظْلِمْ}: لم تنقص) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث عطاء عنه

(2)

، وأثر سعيد عنه في الرقيم، أخرجه ابن المنذر بلفظ: إن الفتية طلبوا فلم يجدوهم، فرفع ذلك إلى الملك فقال: ليكونن لهؤلاء شأن. فدعا بلوح من رصاص فكتب أسماءهم فيه وطرحه في خزائنه. قال: والرقيم: هو اللوح الذي كتبوا فيه.

(1)

ساقطة من الأصل.

(2)

أورده السيوطي في "الدر" 4/ 403 وعزاه لابن أبي حاتم، وابن المنذر.

ص: 569

وروى ابن مردويه من حديث قيس، عن سماك، عن عكرمة قال: ما في القرآن شيء إلا وأنا أعلمه إلا أربعة أحرف: {وَالرَّقِيمِ} فإني لا أدري ما هو، وسألت عنه كعبًا، فقال: هو القرية التي خرجوا منها .. الحديث، وعند السهيلي:{وَاَلرَّقِيمِ} : اسم كلبهم، وقيل: اسم علم للوادي

(1)

، وقول مجاهد:{مَوْئِلًا} محرزًا أخرجه سفيان، عن ابن جريج، عنه

(2)

.

(1)

انظر: "تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 141 - 142، و"الروض الأنف" 2/ 54.

(2)

رواه الطبري 8/ 244 (23161) عن حجاج، عن ابن جريج، به.

ص: 570

‌1 - [باب] قوله: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]

4724

- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ قَالَ:«أَلَا تُصَلِّيَانِ؟» .

{رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف: 22] لَمْ يَسْتَبِنْ. {فُرُطًا} [الكهف: 28] نَدَمًا {سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29] مِثْلُ السُّرَادِقِ، وَالْحُجْرَةِ الَّتِي تُطِيفُ بِالْفَسَاطِيطِ، {يُحَاوِرُهُ} [الكهف: 37] مِنَ الْمُحَاوَرَةِ {لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي} [الكهف: 38] أَيْ: لَكِنْ أَنَا هُوَ اللهُ رَبِّي، ثُمَّ حَذَفَ الأَلِفَ وَأَدْغَمَ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الأُخْرَى. {زَلَقًا} [الكهف: 40] لَا يَثْبُتُ فِيهِ قَدَمٌ. {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ} [الكهف: 44]: مَصْدَرُ الْوَلِيِّ. {عُقْبًا} [الكهف: 44]: عَاقِبَةٌ وَعُقْبَى وَعُقْبَةٌ وَاحِدٌ، وَهْيَ الآخِرَةُ قِبَلاً {قُبُلاً} [الكهف: 55] وَقَبَلاً: اسْتِئْنَافًا {لِيُدْحِضُوا} [الكهف: 56] لِيُزِيلُوا، الدَّحْضُ الزَّلَقُ.

ساق فيه حديث صَالِحِ، عَنِ ابن شِهَاب قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الحسين أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ، عَنْ علِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ فقَالَ:"أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ ".

سلف أطول من هذا في الصلاة، في باب: التحريض على صلاة الليل من حديث شعيب عن الزهري، وفيه الاستشهاد بهذِه الآية، وكأنه أحاله عليه، ويأتي في الاعتصام والتوحيد

(1)

.

(1)

سلف برقم (1127)، وسيأتي برقم (7347)، (7465).

ص: 571

قال الدارقطني: رواه الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن الحسين، فلما نبه على الصواب رجع. ورواه معمر، عن الزهري، عن علي مرسلًا، وكذلك رواه مسعر، عن عتبة بن قيس، عن علي

(1)

.

قال ابن أبي شيبة: أصح الأسانيد كلها الزهري، عن علي بن حسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب

(2)

.

ومعنى (طرقه): أتاه ليلًا كما سلف هناك، واحتج بهذا الحديث من قال: الآية عامة، على من قال: المراد هنا بالإنسان: الكفار خاصة.

(ص)({رَجْمًا بِالْغَيْبِ} لَمْ يَسْتَبِنْ) سلف في الباب المشار إليه قريبًا.

(ص)({أَعْثَرْنَا}: أظهرنا)، أي: واطلعنا عليهم.

({فُرُطًا}: نَدَمًا) قلت: وقيل: أشراطًا، وقال مجاهد: ضياعًا

(3)

.

وقال السدي: هلاكًا، وأفرط فرطًا: تهاون به، أصله من التفريط، وهو تقديم العجز، ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه

(4)

، وقال الفراء: متروكًا، تركت فيه الطاعة، قيل: هو عيينة بن حصن، قال: أنا أشرف مضر وأجلها

(5)

.

(ص) ({سُرَادِقُهَا} : مِثْلُ السُّرَادِقِ، وَالْحُجْرَةِ التِي تُطِيفُ

(1)

"علل الدارقطني" 3/ 98 - 100.

(2)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 41/ 375 - 376 من طريق أبو عبد الله الحاكم، عن أبي بكر بن أبي دارم يحكي عن بعض شيوخه، عن أبي بكر بن أبي شيبة. وذكره أيضًا المزي في "تهذيب الكمال" 20/ 388.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 215 - 216 (23024).

(4)

انظر: "تفسير الوسيط" 3/ 146.

(5)

"معاني القرآن" 2/ 140.

ص: 572

بِالْفَسَاطِيطِ) قلت: فهو كل ما أحاط بالشيء واشتمل عليه من ثوب أو حائط، وقيل: أراد به الدخان الذي يحيط بالكفار يوم القيامة.

(ص)({يُحَاوِرُهُ} مِنَ المُحَاوَرَةِ) أي: يراجعه الكلام.

(ص)({لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي} أَيْ: لكن أَنَا هُوَ اللهُ رَبِّي، ثُمَّ حَذَفَ الأَلِفَ وَأَدْغَمَ إِحْدى النُّونَيْنِ فِي الأُخْرى) هو كما قال، ومن قرأ بإثبات ألف أنا فإنه أثبت الألف في الوصل كما تثبت في الوقف على لغة من يقول: أنا قمت

(1)

، وهو غير مختارٍ في القراءة

(2)

.

(ص)({زَلَقًا} لَا يَثْبُتُ فِيهِ قَدَمٌ) قلت: أو لا ثبات فيه، والزلق: المكان الزلقة، والمعنى: أنها تصير جرداء لا نبات فيها.

(ص)({هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ}: مَصْدَرُ الوَلِيِّ) سلف في البقرة الكلام عليه، وقرئ بالفتح وبالكسر

(3)

، والوجه الفتح، وعليه أكثر القراء؛ لأن الكسر الإمارة، والمراد هنا:(التولية)

(4)

، أي: يومئذ يتولون الله ويتبرءون مما كانوا يعبدونه.

(ص)({عُقْبًا}: عَاقِبَةٌ وَعُقْبَى وَعُقْبَةٌ وَاحِدٌ، وَهو الآخِرَةُ) أي: خير عقب الطاعة وإثابة، ثم حذف المضاف إليه.

(ص)({قُبُلاً} وَقَبَلًا: اسْتِئْنَافًا) قال ابن التين: ما أعرف استئنافا، إنما هو استثقالًا، وهو يعود على الآخر منهما بفتح القاف والباء. وقال

(1)

قرأها كذلك ابن عامر. انظر: "الحجة" للفارسي 5/ 145، "الكشف" لمكي 2/ 61.

(2)

انظر "تفسير الوسيط" 3/ 149.

(3)

قرأها حمزة والكسائي بكسر الواو، والباقون بفتحها. انظر:"الحجة" 5/ 149، "الكشف" 2/ 62.

(4)

في الأصل: (التونيه) غير منقوطة، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ص: 573

مجاهد: فجأة

(1)

، وقال الكسائي: عيانًا، وأكثر أهل اللغة على الضم فيهما جمع قبيل، أي: أبوابًا وضروبًا، وقيل: معناه: تقابلهم، كما جاء من قبل. ومعنى قبلًا: استئنافًا، كما قال في الأصل: بفتح القاف والباء، يقال: لا أكلمك إلى عشرين ذي قبل.

(ص)({لِيُدْحِضُوا}: لِيُزِيلُوا، الدَّحْضُ: الزَّلَقُ) أي: ليبطلوا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، يقال: دحضت حجته إذا بطلت، وأدحضت حجته إذا أبطلتها.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 242 (23156).

ص: 574

‌2 - [باب] قوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)} [الكهف: 60]

زَمَانًا، وَجَمْعُهُ: أَحْقَابٌ.

4725 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا. فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ؛ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ، فَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهْوَ ثَمَّ، فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ، وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَنَامَا، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ، فَخَرَجَ مِنْهُ، فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، وَأَمْسَكَ اللهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ، نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] قَالَ: وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ. فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} قَالَ: فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا فَقَالَ مُوسَى: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)} [الكهف: 64] قَالَ: رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى

ص: 575

الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى ثَوْبًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى. فَقَالَ الخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَني إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أتيْتُكَ لِتُعَلِّمَني مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا. قَالَ:{إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 67]، يَا مُوسَى إِنِّي على عِلْمِ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ على عِلْمِ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَكَ اللهُ لَا أَعْلَمُهُ. فَقَالَ مُوسَى:{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69]. فَقَالَ لَهُ الخَضِرُ: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: 70]، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ على سَاحِلِ البَحْرِ، فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الخَضِرَ، فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا رَكبَا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَفْجَأْ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إلى سَفِينَتِهِمْ {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف: 71]. قَالَ: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 72]. قَالَ: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 73]. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا" قَالَ: "وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ على حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي البَحْرِ نَقْرَةً، فَقَالَ لَهُ الخَضِرُ: مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هذا العُصْفُورُ مِنْ هذا البَحْرِ. ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ، فَبَيْنَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ، إِذْ أَبْصَرَ الخَضِرُ غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الخَضِرُ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى:{وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} [الكهف: 69 - 75] قَالَ:

ص: 576

وهذا أَشَدُّ مِنَ الأُولَى، قَالَ:{قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76]{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]-قَالَ مَائِلٌ- فَقَامَ الخَضِرُ {فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] بِيَدِهِ. فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا، وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77]. قَالَ: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] إلى قَوْلِهِ: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 82]. فَقَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا".

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَكَانَ ابن عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا، وَكَانَ يَقْرَأُ وَأَمَّا الغُلَأمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. [انظر: 74 - مسلم: 2380 - فتح: 8/ 409]

({حُقُبًا}: زمانًا، وجمعه أحقاب)، قلت: هو عند أهل اللغة ثمانون سنة، وقيل: سبعون خريفًا، وقيل: هو دهر أو زمان، كما في الأصل.

ثم ساق البخاري حديث الخضر مع موسى بطوله.

وقد سلف في العلم، وأحاديث الأنبياء

(1)

، و {مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} قيل: هما بحر الأردن وبحر القلزم، وقيل: بحر المغرب وبحر الزقاق، وقيل غير ذلك كما سلف في كتاب العلم، فهما بحران اجْتمعا بمجمع البحرين، أحدهما أعلم بالظاهر، وهو علم الشرعيات، وهو موسى، والآخر أعلم بالباطن وأسرار الملكوت، وهو الخضر، وفي اسمه أقوال سلفت في العلم، وكذا حاله أيضا فراجعه.

(1)

سلف برقم (3400) باب: حديث الخضر مع موسى عليهما السلام.

ص: 577

‌3 - [باب] قَوْلِهِ: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)}

[الكهف:61]

{سَرَبًا} : مَذْهَبًا، يَسْرُبُ: يَسْلُكُ، وَمِنْهُ {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: 10]

4726 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْنُ موسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابن خرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَني يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، وَعَمْرو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبَيْرٍ -يَزِيدُ أَحَدُهمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَغَيْرَهمَا قَدْ سَمِعْتهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدٍ- قَالَ إِنَّا لَعِنْدَ ابن عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ، إِذْ قَالَ: سَلُوني. قلْت: أَيْ أَبَا عَبَّاسٍ -جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ- بِالْكوفَةِ رَجل قَاصٌّ يُقَالَ: لَهُ نَوْفٌ، يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَمَّا عَمْرٌو فَقَالَ لِي: قَالَ: قَدْ كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ، وَأَمَّا يَعْلَى فَقَالَ لِي: قَالَ ابن عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مُوسَى رَسُولُ اللهِ عليه السلام قَالَ: ذَكَّرَ النَّاسَ يَوْمًا حتَّى إِذَا فَاضَتِ العُيُونُ، وَرَقَّتِ القُلُوبُ وَلَّى، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، هَلْ فِي الأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا. فَعَتَبَ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إلى اللهِ. قِيلَ: بَلَى. قَالَ: أَيْ رَبِّ، فَأَيْنَ؟ قَالَ: بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، اجْعَلْ لِي عَلَمًا أَعْلَمُ ذَلِكَ بِهِ". فَقَالَ لِي عَمْرٌو قَالَ: "حَيْثُ يُفَارِقُكَ الحُوتُ". وَقَالَ لِي يَعْلَى قَالَ: "خُذْ نُونًا مَيِّتًا حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، فَقَالَ لِفَتَاهُ: لَا أُكُلِّفُكَ إِلاَّ أَنْ تُخْبِرَنِي بِحَيْثُ يُفَارِقُكَ الحُوتُ. قَالَ مَا كَلَّفْتَ كَثِيرًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف: 60]: يُوشَعَ بْنِ نُونٍ -لَيْسَتْ عَنْ سَعِيدٍ- قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ظِلِّ صَخْرَةٍ فِي مَكَانٍ ثَرْيَانَ، إِذْ تَضَرَّبَ الحُوتُ، وَمُوسَى نَائِمٌ، فَقَالَ فَتَاهُ: لَا أُوقِظُهُ. حَتَى إِذَا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ أَنْ يُخْبِرَهُ، وَتَضَرَّبَ الحُوتُ، حتَّى دَخَلَ البَحْرَ فَأَمْسَكَ اللهُ عَنْهُ

ص: 578

جِرْيَةَ البَحْرِ حتَّى كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ -قَالَ لِي عَمْرٌو هَكَذَا كَأَنَّ أثَرَهُ فِي حَجَرٍ، وَحَلَّقَ بَيْنَ إِبْهَامَيْهِ وَاللَّتَيْنِ تَلِيانِهِمَا- {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] قَالَ: قَدْ قَطَعَ اللهُ عَنْكَ النَّصَبَ -لَيْسَتْ هذِه عَنْ سَعِيدٍ- أَخْبَرَهُ، فَرَجَعَا فَوَجَدَا خَضِرًا. قَالَ لِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: على طِنْفِسَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى كبِدِ البَحْرِ. قَالَ سَعِيد بْنُ جُبَيْرٍ: مُسَجًّى بِثَوْبِهِ قَدْ جَعَلَ طَرَفَهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، وَطَرَفَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: هَلْ بِأَرْضِي مِنْ سَلَامٍ؟ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا. قَالَ: أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ، وَأَنَّ الوَحْيَ يَأْتِيكَ؟ يَا مُوسَى، إِنَّ لِي عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْلَمَهُ، وَإِنَّ لَكَ عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَعْلَمَهُ. فَأَخَذَ طَائِرٌ بِمِنْقَارِهِ مِنَ البَحْرِ، وَقَالَ: والله مَا عِلْمِي وَمَا عِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هذا الطَّائِرُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ البَحْرِ. حَتئ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ وَجَدَا مَعَابِرَ صِغَارًا تَحْمِلُ أَهْلَ هذا السَّاحِلِ إلى أَهْلِ هذا السَّاحِلِ الآخَرِ عَرَفُوهُ، فَقَالُوا: عَبْدُ اللهِ الصَّالِحُ -قَالَ: قُلْنَا لِسَعِيدٍ: خَضِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ- لَا نَحْمِلُهُ بِأَجْرٍ. فَخَرَقَهَا وَوَتَدَ فِيهَا وَتدًا. قَالَ مُوسَى {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف: 71]-قَالَ مُجَاهِدٌ: مُنْكَرًا- قَالَ: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 72]-كَانَتِ الأُولَى نِسْيَاناً، وَالْوُسْطَى شَرْطًا، وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا- قَالَ:{لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 73]، {لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ} [الكهف: 74]- قَالَ يَعْلَى: قَالَ سَعِيدٌ: وَجَدَ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ، فَأَخَذَ غُلَامًا كَافِرًا ظَرِيفًا فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ. قَالَ:{أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف: 74] لَمْ تَعْمَلْ بِالْحِنْثِ -وَكَانَ ابن عَبَّاسٍ قَرَأَهَا: زَكِيَّةً زَاكِيَةً مُسْلِمَةً. كَقَوْلِكَ: غُلَامَا زَكِيًّا -فَانْطَلَقَا، فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ- قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ: هَكَذَا، وَرَفَعَ يَدَهُ فَاسْتَقَامَ. قَالَ يَعْلَى: حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ: قَمَسَحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ، {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77]- قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نَأْكُلُهُ. {وَكاَنَ

ص: 579

وَرَآءَهُم} [الكهف: 79]، وَكَانَ أَمَامَهُمْ -قَرَأَهَا ابن عَبَّاسٍ: أَمَامَهُمْ مَلِكُ- يَزْعُمُونَ عَنْ غَيْرِ سَعِيدٍ أَنَّة هُدَدُ بْنُ بُدَدٍ، وَالْغُلَامُ الَمقْتُولُ اْسْمُهُ -يَزْعُمُونَ-: جَيْسُورٌ. {مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79]، فَأَرَدْتُ إِذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ أَنْ يَدَعَهَا لِعَيْبِهَا، فَإِذَا جَاوَزُوا أَصْلَحُوهَا فَانْتَفَعُوا بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سَدُّوهَا بِقَارُورَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بِالْقَارِ، كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ، وَكَانَ كَافِرًا {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف: 80]، أَنْ يَحْمِلَهُمَا حُبُّهُ على أَنْ يُتَابِعَاهُ على دِينِهِ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبَدِّلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً لِقَوْلِهِ:{أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} [الكهف: 74]{وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 81]: هُمَا بِهِ أَرْحَمُ مِنْهُمَا بِالأوَّلِ الذِي قَتَلَ خَضِرٌ، وَزَعَمَ غَيْرُ سَعِيدٍ أَنَّهُمَا أُبْدِلَا جَارِيَةً، وَأَمَّا دَاوُدُ بْن أَبى عَاصِمٍ فَقَالَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: إِنَّهَا جَارِيَةٌ.

({سَرَبًا}: مذهبا، يسرب: يسلك، ومنه: {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}) سلف قريبا في باب حديث الخضر مع موسى.

ثم ساق قطعة منه وفيه.

("في مكان ثريان") أي: فيه بلل وندى، نعت المذكر، ونعت المؤنث ثروى، تصغيره ثُريَّا.

وقوله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} قيل: كان نسيان موسى أن يقدم إلى يوشع شيء في أمر الحوت، ونسيان يوشع أن يخبر بتسربه، لكنه قال بعد أن قال لفتاه:("لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيرًا")، وقيل: نسبة النسيان إليهما مجازًا كما في العمرين.

والطنفسة -بكسر الطاء وفتح الفاء وكسرها- بساط له خمل. و (كبد البحر): وسطه -بفتح الكاف وكسر الباء- ويجوز غير ذلك.

وقوله: ("فخرقها ووتد فيها وتدًا") يقال: وتدت الوتد، أتده وتدًا، والأمر منه تِدْ، والوتد بالكسر والفتح لغة، وكذلك أتود، والقدوم مخففة قال الداودي: الفأس الصغيرة.

ص: 580

وقوله: {إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} قال مجاهد: أي: بين البحرين

(1)

، وقال أبي بن كعب: إفريقية

(2)

.

وادعى بعضهم فيما نقله ابن التين أن في قوله: "لو صبر حتى يقص علينا من أمرهما" دلالة أن الخضر قد مات؛ إذ لو كان حَيًّا لمضى واجتمع به، وما ذكره غير لازم، وقراءة ابن عباس (وكان أمامهم ملك) كالتفسير للقراءة المشهورة.

وقوله: (يزعمون عن غير (سعيد)

(3)

أنه هدد بن بدد، والغلام جيسور) بالجيم كذا للنسفي والجرجاني، وكذا قيده الدارقطني، وعند المروزي بالحاء، وكذا لأبي ذر وابن السكن وعند القابسي: جلبتور، وكذا صححه عبدوس في أصل كتابه، وقال القابسي: في حفظي إنما هو بالنون جنسور

(4)

.

و (زكية) قراءة أهل الكوفة، واختار أبو عمرو (زاكية)، وزعم أن الزكية: التي لم تذنب، وأكثر أهل اللغة على أن معناهما واحد

(5)

، وقد سلف ذلك هناك، وقراءة ابن عباس (زاكية): مسلمة، والأشبه قراءتها بفتح السين واللام؛ لأنه كان كافرًا، وضبط أيضًا بإسكانها.

و {يُرهِقَهُمَا} : يلحقهما أو يكلفهما. (وخشينا): علمنا، وقيل: إنه من قول صاحب موسى.

(1)

"تفسير مجاهد" 1/ 378 وهو تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} [الكهف: 61]، ورواه كذلك الطبري 8/ 247 (23179).

(2)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 4/ 265.

(3)

في الأصل: (شعبة)، وهو خدأ، والصواب ما أثبتناه.

(4)

ورد بهامش الأصل: الذي أحفظه ورأيته في نسختي (

) حنبتور.

(5)

انظر: "الكشف" لمكي 2/ 68.

ص: 581

وقوله: قبل: (قال لي عثمان بن أبي سليمان: على طنفسة خضراء). القائل: (قال لي). هو ابن جريج.

وقوله: (منهم من يقول: سدوها بقارورة، ومنهم من يقول: بالقار). أما القار: فهو الزفت، والقارورة لعلها فعلولة من ذلك، وإلا فالقارورة واحدة القوارير من الزجاج.

قول: (وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية، وأما داود بن أبي عاصم، فقال عن غير واحد: إنها جارية) لعل المراد بالغير الكلبي، فإنه قال ذلك بزيادة: فتزوجها نبي فولدت أنبياء، فهدى الله بهم أمة من الأمم، وقيل: ولدت سبعين نبيًّا، وقد سلف ذلك في كتاب العلم، وقيل: ولدت ولدًا صالحًا، وعند مقاتل بلفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله أبدلهما غلاما مكان المقتول". وقوله: (وأما داود بن أبي عاصم) فهو قول ابن جريج أيضًا، قال ابن التين: وقوله: (وزعم

غير سعيد) الذي في كتب التفسير أن سعيدًا هذا -وهو ابن جبير- قال: أبدلا جارية

(1)

، وكذا قال ابن عباس: أبدلا منه جارية ولدت نبيُّا

(2)

. قلت: وهو ما قدمته أنا في كتاب العلم.

(1)

رواه الطبري 8/ 266 (33249).

(2)

انظر: "زاد المسير" 5/ 181.

ص: 582

‌4 - [باب] قوله: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ} [الكهف: 62] إِلَى قَوْلِهِ: {قَصَصاً} [الكهف: 64،63]

{حِوَلًا} [الكهف: 108]: تَحَوُّلًا {نُّكْرًا} [الكهف: 74]: دَاهِيَةً {يَنقَضَّ} [الكهف: 77]: يَنْقَاضُ كَمَا تَنْقَاضُ السِّنُّ {لَتَّخَذْتَ} [الكهف: 77] وَاتَّخَذْتَ وَاحِدٌ {رُحْمًا} [الكهف: 81]: مِنَ الرُّحْمِ، وَهو أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحْمَةِ، وَتُدْعَى مَكَّةُ: أُمَّ رُحْمٍ؛ أَيِ: الرَّحْمَةُ تَنْزِلُ فيها. [فتح: 8/ 422].

ص: 583

‌5 - [باب قولهُ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف: 63]]

4727 -

حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى الْخَضِرِ. فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا، فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ: بَلَى، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ: أَيْ رَبِّ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْهِ قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَاتَّبِعْهُ. قَالَ: فَخَرَجَ مُوسَى، وَمَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَمَعَهُمَا الْحُوتُ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَنَزَلَا عِنْدَهَا. قَالَ: فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ فَنَامَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ عَمْرٍو قَالَ: وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: الْحَيَاةُ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلاَّ حَيِيَ، فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ، قَالَ فَتَحَرَّكَ، وَانْسَلَّ مِنَ الْمِكْتَلِ، فَدَخَلَ الْبَحْرَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا} الآيَةَ [الكهف:62] قَالَ: وَلَمْ يَجِدِ النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ، قَالَ لَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ:{أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} الآيَةَ [الكهف:63]. قَالَ: فَرَجَعَا يَقُصَّانِ فِي آثَارِهِمَا، فَوَجَدَا فِي الْبَحْرِ كَالطَّاقِ مَمَرَّ الْحُوتِ، فَكَانَ لِفَتَاهُ عَجَبًا، وَلِلْحُوتِ سَرَبًا، قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، إِذْ هُمَا بِرَجُلٍ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى قَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا} [الكهف:70]. قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَكَهُ اللهُ لَا أَعْلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَنِيهِ اللهُ لَا تَعْلَمُهُ. قَالَ: بَلْ أَتَّبِعُكَ. قَالَ: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْأَلْنِى عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: 70]،

ص: 584

فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمْ فِي سَفِينَتِهِمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ -يَقُولُ: بِغَيْرِ أَجْرٍ- فَرَكِبَا السَّفِينَةَ. قَالَ: وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ الْبَحْرَ، فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ فِي عِلْمِ اللهِ إِلاَّ مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى، إِذْ عَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى قَدُومٍ فَخَرَقَ السَّفِينَةَ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ} الآيَةَ [الكهف: 71] فَانْطَلَقَا إِذَا هُمَا بِغُلَامٍ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَطَعَهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى:{قَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} [الكهف: 75،74] إِلَى قَوْلِهِ {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] فَقَالَ بِيَدِهِ: هَكَذَا فَأَقَامَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّا دَخَلْنَا هَذِهِ الْقَرْيَةَ، فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا، {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77]. قَالَ: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 78]. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا» . قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا. [انظر: 74 - مسلم: 2380 - فتح: 8/ 422]

ثم ساق حديث الخضر أيضا بطوله.

وضبط (تنقاض) مشددة الضاد ومخففة، ومعناه مخالف لمعنى الأول، فإن معنى ينقض: ينكسر وينهدم ويسقط بسرعة، وينقاض ينقلع من أصله، وقال ابن فارس: انقاضت البيضة انشقت

(1)

. ومن قرأ ينقاص بالصاد المهملة، قيل: معناه انشق طولًا، وقيل: ينشق وينقلع من أصله.

(1)

"مجمل اللغة" 2/ 739 مادة [قيض].

ص: 585

وقال ابن دريد: انقاص غير معجمة: ولم يَبِنْ

(1)

، وبالمعجمة انكسر وبان

(2)

، وأراد به ميله. ومثله حديث:"لا تتراءى نارهما"

(3)

أي: لو وقف إنسان في موضع إحدى النارين لم ير نار الأخرى.

وقوله: (وفي حديث غير عمرو قال: وفي أصل (الصخرة)

(4)

عين يقال لها الحياة لا تصيب من مائها شيئا إلا حيي).

قال الداودي: لا أرى هذا يثبت، وإن كان محفوظًا فذلك كله من خلق الله وقدرته إذا أراد إحياء ميت أنشره، قال: وفي دخول الحوت في العين دلالة على أنه حَيٌّ قبل دخوله فيها، لو كان كما في هذا الحديث فلا يحتاج إلى العين، والله تعالى قادر أن يحييه بلا عين.

قال: وقوله: (فلما استيقظ موسى قال لفتاه آتنا غداءنا). وهم، إنما قال له بعد أن ساروا يومًا وليلة. قال: وكذلك قوله: (وجدناه عند الصخرة). وهم.

واعترض ابن التين فقال: قوله: إن الحوت دخلها وهو حي، إنما قال:(وأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك). وتوهيمه الثاني قد سلف في الحديث السالف مثله أيضا.

وقراءة ابن عباس: (سفينة صالحة). وافقه عليها عثمان أيضًا.

(1)

يعني: (انصدع ولم يَبِنْ).

(2)

"جمهرة اللغة" 2/ 896.

(3)

رواه أبو داود (2645)، من حديث جرير بن عبد الله، وقد روي مرسلًا، وسبق تخريجه.

(4)

في الأصل: الشجرة، والمثبت هو الصحيح كما في المتن.

ص: 586

‌5 - [باب] قوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)} [الكهف:103]

صنعًا: عملًا.

4728 -

حَدَّثَنِي محَمَّد بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُصْعَبٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبي {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)} [الكهف: 103] هُمُ الَحرُورِيَّة؟ قَالَ: لَا، هُمُ اليهُودُ وَالنَّصَارى، أمَّا اليَهُودُ فَكَذَّبُوا محَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا النَّصَارى كَفَروا بِالْجَنَّةِ وَقَالُوا لَا طَعَامَ فِيهَا وَلَا شَرَابَ، وَالَحْرُورِيَّهُ الذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ، وَكَانَ سَعْدٌ يسَمِّيهِمُ: الفَاسِقِينَ. [فتح: 8/ 425]

ذكر فيه حديث مُصْعَبٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)} [الكهف: 103]، هُمُ الحَرُورِيَّةُ؟ قَالَ: لَا، هُمُ اليَهُودُ وَالنَّصَارى، أَمَّا اليَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا النَّصَارى فكَفَرُوا بِالْجَنَّةِ فقَالُوا لَا طَعَامَ فِيهَا وَلَا شَرَابَ، وَالْحَرُورِيَّةُ الذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ، وَكَانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ: الفَاسِقِينَ.

الشرح:

هذا الحديث من أفراده. ووالد مصعب هو سعد بن أبي وقاص.

وفي "مستدرك الحاكم" مصرحًا به على شرطهما عن مصعب بن سعد قال: لما خرجت الحرورية قلت لأبي -سعد

(1)

: هؤلاء الذين أنزل الله فيهم {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: أولئك أهل الصوامع، وهؤلاء زاغوا فأزاغ الله قلوبهم

(2)

.

(1)

ورد في هامش الأصل: سعد بدل من أبي، وهو سعد بن أبي وقاص مالك بن الليث وكتبه أبو إسحاق.

(2)

"المستدرك" 2/ 370.

ص: 587

ولابن مردويه عن أبي الطفيل سأل ابن الكواء عليًّا عن هذِه الآية فقال له: إن بعضهم الحرورية

(1)

. وفي رواية: فجرة قريش الأخسرين أعمالًا، والذين يحسبون أنهم يحسنون (صنعًا)

(2)

منهم أهل حرورة، قال: ولم يقل حروراء

(3)

.

وعن ابن عون عن مصعب بن سعد قال: قال رجل من الخوارج لسعد: هذا من أئمة الكفر، فقال سعد: كذبت، بل أنا قابلت أئمة الكفر. فقال رجل للخارجي: هذا ممن قال الله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} ، فقال سعد: كذبت {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} الآية.

وعن علي: أنهم الرهبان

(4)

.

فصل:

وإنما خسر اليهود والنصارى لأنهم يعبدوا على غير أصل صحيح، فخسروا الأعمال والأعمار، والحرورية لما خالفوا عهد الله إليهم في القرآن من طاعة أولي الأمر بعد إقرارهم به كان ذلك نقضًا منهم له.

والحرورية نسبة إلى قرية تعاقدوا فيها. قيل: والآية دالة على أن الأصول لا يعذر فيها المؤول بخلاف الفروع لقوله: {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} .

(1)

رواه الطبري 8/ 294 (23394).

(2)

طمس بالأصل.

(3)

انظر: "الدر المنثور" 4/ 456.

(4)

رواه الطبري 8/ 293 (23385).

ص: 588

‌6 - [باب] قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} الآيَةَ [الكهف: 105]

4729 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ: اقْرَءُوا {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]» .

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مِثْلَهُ. [مسلم: 2785 - فتح: 8/ 426]

حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، ثنا المُغِيرَةُ حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ: اقْرَءُوا إن شئتم {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] ".

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مِثْلَهُ.

شيخ البخاري محمد بن عبد الله: هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي، نسبه إلى جده كما قاله الجياني، قال: ونسبه الحاكم والكلاباذي

(1)

.

وقوله: (وعن يحيى بن بكير إلى آخره). قال الجياني أيضا: إنما يرويه البخاري عن الذهلي عنه، وكذا ذكر أبو مسعود الدمشقي، حيث

(1)

انظر: "الجمع بين رجال الصحيحين" 2/ 465.

ص: 589

قال: رواه محمد، عن محمد بن عبد الله، عن سعيد ويحيى بن بكير

(1)

.

ورواه مسلم أيضًا عن محمد بن إسحاق الصغاني، عن يحيى بن بكير، عن مغيرة بن عبد الرحمن.

(1)

"تقييد المهمل" 3/ 1050.

ص: 590

(19) ومن سورة كهيعُص

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: أَبْصِرْ بِهِمْ وَأَسْمِعْ اللهُ يَقُولُهُ، وَهُمُ اليَوْمَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} هو يَعْنِي قوله:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} ، الكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ شَيْءٍ وَأَبْصَرُهُ، {لَأَرْجُمَنَّكَ} لأَشْتِمَنَّكَ {وَرِءْيًا} مَنْظَرًا. [وَقَالَ أَبو وَائِلٍ: عَلِمَتْ مَرْيَمُ أنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةِ حَتَّى قالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} ] [مريم: 18]. وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} تُزْعِجُهُمْ إِلَى المَعَاصِي إِزْعَاجًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِدًّا} عِوَجًا. قَالَ ابن عَبَّاسٍ {وِرْدًا} عِطَاشًا {أَثَاثًا} مَالًا {إِدًّا} قَوْلًا عَظِيمًا {رِكْزًا} صَوْتًا. [وَقَالَ مُجَاهدٌ: {فَلْيَمْدُدْ} [مريم: 75]: فَلْيَدَعْهُ]. {غَيًّا} خُسْرَانًا {وَبُكِيًّا} جَمَاعَةُ بَاكٍ {صِلِيًّا} صَلِيَ يَصْلَى {نَدِيَّا} وَالنَّادِي مَجْلِسًا.

قال مقاتل: هي مكية إلا سجدتها، وفيه فيما حكاه القرطبي: نزلت بعد المهاجرة إلى أرض الحبشة

(1)

، قال السخاوي: نزلت بعد فاطر، وقبل طه

(2)

، وعن الكلبي:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] نزلت بالمدينة في عبد الله بن رواحة، وقصته لا تدل على ذلك

(3)

.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: أَبْصِرْ بِهِمْ وَأَسْمِعْ اللهُ يَقُولُهُ، وَهُمُ اليَوْمَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ {فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} يَعْنِي: قَوْلَهُ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}، الكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ شَىْءٍ وَأَبْصَرُهُ) وهذا أخرجه ابن المنذر من حديث عطاء عنه

(4)

.

(1)

"تفسير القرطبي" 11/ 72 - 73.

(2)

"جمال القراء" ص 8.

(3)

انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 427 - 428.

(4)

عزاه السيوطي في "الدر" 4/ 489 لابن المنذر، وابن أبي حاتم.

ص: 591

(ص)({لَأَرْجُمَنَّكَ}: لأَشْتِمَنَّكَ) أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس أيضًا بهذا السند

(1)

.

(ص)({وَرِئْيًا}: مَنْظَرًا) أخرجه الحنظلي من حديث أبي حسان عن ابن عباس، الأثاث: المتاع، والرئي: المنظر، وقيل: الأثاث: المال، والرئي: المنظر الحسن، قيل: واحد الأثاث أثاثة، وقيل: لا واحد له من لفظه.

(ص)(وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {تَؤُزُهُمْ أَزّا}: تُزْعِجُهُمْ إِلَى المَعَاصِي إِزْعَاجًا) هذا أخرجه ابن عيينة في "تفسيره".

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِدًّا}: عِوَجًا) هذا أخرجه ابن المنذر من حديث ابن جريج.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ (وِرْدًا): عِطَاشًا {أَثَاثًا} : مَالًا) هذا سلف، زاد الواحدي فيه: مشاة. قال قتادة: سيقوا إليها وهم ظماء، والورد: الجماعة التي ترد الماء، ولا يرد أحد الماء إلا بعد العطش

(2)

.

(ص)({إِدًّا}: قَوْلًا عَظِيمًا) أي: كما قال: {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} [الإسراء: 40].

(ص)({رِكْزًا}: صَوْتًا) هذا رواه الحنظلي

(3)

عن أبيه، عن أبي صالح، حدثني معاوية، عن علي، عنه

(4)

.

(1)

عزاه السيوطي في "الدر" 4/ 491 لابن المنذر، وابن أبي حاتم.

(2)

"الوسيط" للواحدي 3/ 196.

(3)

هو ابن أبي حاتم.

(4)

عزاه السيوطي في "الدر" 4/ 514 لابن المنذر، وابن أبي حاتم.

ص: 592

(ص)((غَيًّا): خُسْرَانًا) قلت: وقال ابن مسعود: وغيره عن ابن عباس: هو واد في جهنم. وقال ابن مسعود: هو نهر في جهنم بعيد خبيث الطعم، وليس معنى {يُلْقُونَ}: يرون فقط؛ لأن اللقيا معناه: الاجتماع والملابسة معها

(1)

.

(ص)({وَبُكِيًّا}: جَمَاعَةُ بَاكٍ) سُجَّدًا لله متفرغين إليه، قال الزجاج: قد بين الله أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا آيات الله سجدوا وبكوا

(2)

.

(ص)({صِلِيًّا}: صَلِيَ يَصْلَى) أي: دخلها وعاش حرها.

(ص)({نَدِيَّا} وَالنَّادِي مَجْلِسًا) قلت: هو مجلس القوم ومجمعهم، ومنه:{وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29].

(ص)(وَقَالَ مُجَاهدٌ: {فَلْيَمْدُدْ} [مريم: 75]: فَلْيَدَعْهُ)

(3)

قلت: وقال ابن عباس: يريد بأن الله يمد له فيها حتى يستدرجه

(4)

.

(1)

"تفسير الوسيط" 3/ 188.

(2)

نقله عنه ابن الجوزي في "تفسيره" 5/ 245.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 373.

(4)

انظر: "الوسيط" 3/ 193.

ص: 593

‌1 - [باب] قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} الآية [مريم: 39]

4730 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ. فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ -وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ- ثُمَّ يُنَادِى يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ -وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ- فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: 39] وَهَؤُلَاءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ". [مسلم: 2849 - فتح: 8/ 428]

ساق فيه حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادى: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ. فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ -وَكلُّهُمْ قَدْ رَآهُ- ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ -وَكلُّهُمْ قَدْ رَآهُ- فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنةِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: 39] وهؤلاء فِي غَفْلَة أَهْلُ الدُّنْيَا {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} .

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا، وأخرجاه أيضا من حديث ابن عمر

(1)

، ولفظ الترمذي في حديث أبي سعيد: "أتي بالموت

(1)

سيأتي برقم (6548)، ورواه مسلم (2850).

ص: 594

كالكبش الأملح، فيوقف بين الجنة والنار فيذبح، فلو أن أحدًا مات فرحًا لمات أهل الجنة، ولو أن أحدًا مات حزنًا لمات أهل النار". ثم قال: حسن صحيح

(1)

، وأخرجه البخاري أيضًا عن أبي هريرة: الخلود

(2)

، وأخرجه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ "يجاء بالموت فيوقف على الصراط فيقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين أن يخرجوا من مكانهم، ثم يقال: يا أهل النار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، فيؤمر به فيذبح على الصراط"

(3)

.

وأخرجه الترمذي بلفظ: "وأتي بالموت مُلَبَّبًا فيوقف على السور الذي بين الجنة والنار، فيضجع فيذبح ذبحًا على السور"، ثم قال: حسن صحيح

(4)

.

وقال عبد الله فيما أسند ابن مردويه في الآية، قال: ذبح الموت

(5)

.

ومعنى "فيشرئبون" هو بالهمز: يرفعون رءوسهم إلى المنادي، والأملح: الذي فيه بياض كثير وسواد، قاله الكسائي. وعند ابن الأعرابي: هو الأبيض الخالص

(6)

، والحكمة في كونه أسود وأبيض فيما قاله علي بن حمزة

(7)

: أن البياض من جهة الجنة والسواد من جهة النار.

(1)

الترمذي (2558).

(2)

سيأتي برفم (6545).

(3)

ابن ماجه (4327).

(4)

الترمذي (2557).

(5)

عزاه السيوطي في "الدر" 4/ 490 لابن أبي حاتم وابن مردويه.

(6)

انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3442.

(7)

هو أبو الحسن الكسائي.

ص: 595

وقال المازري: الموت عند أهل السنة عرض من الأعراض يضاد الحياة، وزعم بعض المعتزلة: أنه ليس بعرض، بل معناه عدم الحياة، وهو خطأ لقوله تعالى:{خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [تبارك: 2] فأثبته مخلوقًا. وعليهما ليس الموت بجسم، فيتأول الحديث على أن الله تعالى يخلق هذا الجسم مثالًا، لأن الموت لا يطرأ على أهل الآخرة

(1)

.

وإن كان ابن عباس ومقاتل والكلبي قالوا: إن الموت والحياة جسمان، فالموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء، وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها، خطوها مد البصر فوق الحمار ودون البغل لا تمر بشيء ولا يجد ريحها إلا حيى، وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل.

وفيه: دلالة على أنهم يعاينون ملك الموت في هذِه الصورة.

ثم هذا الحديث وغيره من الأحاديث نص في الخلود لأهل الدارين لا إلى أمد ولا غاية، فمن قال: أنهم يخرجون منها وأن النار تبقى خالية وأنها تفنى وتزول، فهو خروج عن مقتضى المعقول ومخالف لما جاء به الرسول وما أجمع عليه أهل السنة والعدول، وإنما تخلى جهنم وهي الطبقة العليا التي فيها عصاة أهل التوحيد، وهي التي ينبت على شفيرها الجرجير، وقد بين ذلك موقوفُ عبدِ الله بن عمرو بن العاصي: يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها ليس فيها أحد من الموحدين

(2)

.

(1)

"المعلم بفوائد مسلم" 2/ 431 - 432.

(2)

رواه البزار في "مسنده" 6/ 442 (2478).

ص: 596

وهذا وإن [كان]

(1)

موقوفا فإن مثله لا يقال بالرأي.

وإنما يؤتى بالموت في صورة كبش؛ لأنه جاء أن ملك الموت أتى آدم في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة ألاف جناح، والذي يذبحه يحيى بن زكريا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل الذي يذبحه جبريل. ذكره في "التذكرة"

(2)

.

(1)

زيادة يقتضيها السياق.

(2)

"التذكرة" ص 511 - 513.

ص: 597

‌2 - [باب] قوله: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} الآية [مريم: 64]

4731

- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ " فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 164]. [فتح: 8/ 428]

ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ: "مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ " فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64].

وسلف في باب: ذكر الملائكة، ويأتي في التوحيد

(1)

.

(1)

سلف برقم (3218)، وسيأتي برقم (7455).

ص: 598

‌3 - [باب] قَوْلِهِ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)} [مريم: 77]

4732

- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَبَّابًا قَالَ: جِئْتُ الْعَاصِيَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِىَّ أَتَقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ، فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: لَا حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّ لِي هُنَاكَ مَالاً وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا} [مريم: 77] [انظر: 2091 - مسلم: 2715 - فتح: 8/ 429]

رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَحَفْصٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ.

ذكر فيه حديث سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عن خبابٍ .. الحديث، ثم قال: رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَحَفْصٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ.

قد سلف في البيوع في باب القين والحداد من حديث شعبة، وأخرجه أيضا في المظالم والإجارة

(1)

. وأخرجه مسلم والترمذي

(2)

. وقال في السند الأخير: حدثنا يحيى، عن وكيع، عن الأعمش

(3)

، ذكر الجياني عن الكلاباذي أن يحيى بن موسى الحداني ويحيى بن جعفر البلخي يرويان جميعًا عن وكيع في "الجامع"

(4)

.

(1)

سلف برقم (2275)، (2425).

(2)

مسلم (2795)، والترمذي (3162).

(3)

سيأتي برقم (4735).

(4)

"تقييد المهمل" 3/ 1060.

ص: 599

‌4 - [باب] قوله: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)} [مريم: 78]

قَالَ: مَوْثِقًا.

4733 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِي بْنِ وَائِلِ السَّهْمِيِّ سَيْفًا، فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. قُلْتُ: لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يُمِيتَكَ اللهُ، ثُمَّ يُحْيِيَكَ. قَالَ إِذَا أَمَاتَنِي اللهُ ثُمَّ بَعَثَنِي، وَلِي مَالٌ وَوَلَدٌ. فَأَنْزَلَ اللهُ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)} [مريم: 78،77]. قَالَ: مَوْثِقًا. لَمْ يَقُلِ الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ: سَيْفًا وَلَا مَوْثِقًا. [انظر: 2091 - مسلم: 2795 - فتح: 8/ 430]

ذكر فيه أيضًا الحديث المذكور من حديث سفيان عن الأعمش به، وفيه: فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِي بْنِ وَائِلِ السَّهْمِى سَيْفًا. وفي آخره: {عَهْدًا} : موثقًا.

ص: 600

‌5 - [باب] قوله: {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} [مريم: 79]

4734 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ قَالَ فَأَتَاهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللهُ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: فَذَرْنِي حَتَّى أَمُوتَ ثُمَّ أُبْعَثَ، فَسَوْفَ أُوتَى مَالاً وَوَلَدًا، فَأَقْضِيكَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا} [مريم: 77] [انظر: 2091 - مسلم: 2795 - فتح: 8/ 430]

(لم يقل الأشجعي عن سفيان: سيفًا ولا موثقًا)، والعهد هو توحيد الله والإيمان به، وقال ابن مسعود: يقول الله يوم القيامة: من له عندي عهد فليقم. فقال له جلساؤه: يا أبا عبد الرحمن فعلِّمنا. قال: قولوا: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك عهدًا في هذِه الحياة الدنيا إنك إن تكلني إلى عملي يقربني من الشر ويباعدني عن الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عهدًا تؤديه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد

(1)

.

(1)

رواه ابن أبي شيبة 6/ 69 (29517)، والطبراني 9/ 186 - 187 (8918)، والحاكم 2/ 377 - 378 كلهم من طريق المسعودي، عن عون بن عبد الله، عن أبي فاختة، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود. وسقط من إسناد الحاكم (أبو فاختة).

ورواه أحمد 1/ 412 من طريق عون بن عبد الله، عن ابن مسعود مرفوعًا.

ص: 601

فائدة:

(العاصي) بالياء وربما حذفت وليس من العصيان، وإنما هو من عصى يعصو إذا ضرب بالسيف

(1)

. ذكر فيه أيضا الحديث من حديث شعبة عن الأعمش به.

(1)

انظر: "الصحاح" 6/ 2429 واستشهد بقول جرير: تَصِفُ السيوفَ وغيركم يَعْصَى بها ..

ص: 602

‌6 - [باب] قَوْلِهِ عز وجل: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا} يوم القيامة {فَرْدًا} [مريم: 80]

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90]: هَدْمًا.

4735 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ لِي: لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. قَالَ: قُلْت: لَنْ أَكْفُرَ بِهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ؟ فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَالٍ وَوَلَدٍ. قَالَ فَنَزَلَتْ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)} [مريم: 77 - 80]. [انظر: 2091 - مسلم: 2795 - فتح: 8/ 431]

ساقه فيه أيضا من حديث وكيع عَنِ الأَعْمَشِ.

وذكر فيه عن ابن عباس رضي الله عنهما: {الْجِبَالُ هَدًّا} : هَدْمًا.

أخرجه الحنظلي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي، عنه

(1)

.

(1)

رواه أيضًا الطبري 8/ 384 (23955)، وزاد السيوطي عزوه في "الدر" 4/ 511 لابن المنذر، وابن أبي حاتم.

ص: 603

‌20 - ومن سورة طه

قَالَ ابن جُبَيْرٍ: بِالنَّبَطِيَّةِ {طه (1)} يَا رَجُلُ [قال مجاهد: {أَلْقَى}: صَنَعَ]. يُقَالُ: كُلُّ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَاًّفَأَةٌ، فَهْيَ عُقْدَةٌ. (أَزْرِي) ظَهْرِي. {فَيُسْحِتَكُمْ} يُهْلِكَكُمْ (الْمُثْلَى) تَأْنِيثُ الأَمْثَلِ، يَقُولُ: بِدِينِكُمْ يُقَالُ: خُذِ المُثْلَى خُذِ الأَمْثَلَ. {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} يُقَالُ: هَلْ أَتَيْتَ الصَّفَّ اليَوْمَ يَعْنِي المُصَلَّى الذِي يُصَلَّى فِيهِ {فَأَوْجَسَ} أَضْمَرَ خَوْفًا فَذَهَبَتِ الوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} لِكَسْرَةِ الخَاءِ. {فِي جُذُوعِ} أَيْ على جُذُوعِ النَّخْلِ. {خَطْبُكَ} هو بَالُكَ. {مِسَاسَ} مَصْدَرُ مَاسَّهُ مِسَاساً. {لَنَنْسِفَنَّهُ} لَنَذْرَينَّهُ. {قَاعًا} يَعْلُوهُ المَاءُ وَالصَّفْصفُ المُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} الحُلِيُّ الذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ. {فَقَذَفْتُهَا} فَأَلْقَيْتُهَا، {أَلْقَى} صَنَعَ. {فَنَسِيَ} مُوسَى، هُمْ يَقُولُونَهُ أَخْطَأَ الرَّبَّ. {أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} العِجْلُ. {هَمْسًا} حِسُّ الأَقْدَامِ. {حَشَرْتَنِي} عَنْ حُجَّتِي {وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} فِي الدّنْيَا. قَالَ ابن عَبَّاسٍ:{بِقَبَسٍ} : ضَلُّوا الطَّرِيقَ، وكانوا شَاتينَ، فقال: إن لم أَجِدْ عليها مَنْ يَهْدِي الطَّرِيقَ آتِكُمْ بِنَارٍ تُوقِدون. وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ {أَمْثَلُهُمْ} أَعْدَلُهُمْ طَرِيقَةً. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {هَضْمًا} لَا يُظْلَمُ فَيُهْضَمُ مِنْ حَسَنَاتِهِ {عِوَجاً} وَادِيًا. {أَمْتاً} رَابِيَةً {سِيرَتَهَا} حَالَتَهَا الأُولَى {النُّهَى} التُّقَى

ص: 604

{ضَنْكًا} الشَّقَاءُ {هَوى} شقِيَ {الْمُقَدَّسِ} المُبَارَكِ {طُوى} اسْمُ الوَادِي {بِمَلْكِنَا} بِأَمْرِنَا {مَكَانًا سِوى} مَنْصَفٌ بَيْنَهُمْ. {يَبَساً} يَابِسًا {عَلَى قَدَرٍ} مَوْعِدٍ {وَلَا تَنِيَا} تَضْعُفَا.

هي مكية، وعن الكلبي في رواية إلا {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} [طه: 130] وهي في وقت الصلاة.

(ص)(قَالَ ابن جُبَيْرٍ: بِالنَّبَطِيَّةِ {طه (1)}: يَا رَجُلُ) هذا أسنده الحنظلي من حديث أبي بشر عنه

(1)

، قال: وكذا روي عن جماعات، فذكر منهم ابن عباس، وقال مقاتل: هو بالسريانية: يا رجل. قال غيره: هي لغة لعك، وفي كتاب أبي عبيدة عن يونس إنكاره على قائله

(2)

، وقرئ بكسر الطاء والهاء وبغير ذلك

(3)

، وهو من أسمائه أيضا

(4)

.

(ص)(يُقَالُ كُلُّ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ، فَهْيَ عُقْدَةٌ) قلت: قال ابن عباس: يريد أطلق (على)

(5)

لساني العقدة التي فيه حتى يفهموا كلامي

(6)

.

(1)

رواه أيضًا الطبري 8/ 389 (23988) من طريق عبد الله بن مسلم أو يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير. وانظر "تفسير ابن كثير" 9/ 310.

(2)

"مجاز القرآن" 2/ 15.

(3)

انظر: "الحجة في القراءات السبعة" 5/ 217، "الكشف عن وجوه القراءات" 2/ 95.

(4)

روى الطبري 8/ 390 (23996) عن ابن عباس أنه اسم من أسماء الله تعالى، وروى الحاكم 2/ 378 عن ابن عباس: هو كقولك يا محمد، بلسان الحبش، وعزا السيوطي في "الدر" 4/ 517 لابن مردويه أنه من أسمائه صلى الله عليه وسلم.

(5)

ورد أعلاها في الأصل: لعله (عن).

(6)

انظر: "الوسيط" 3/ 205.

ص: 605

(ص)({أَزْرِي}: ظَهْرِي) أي: (قوته)

(1)

ظهري وأعني به.

(ص)({فَيُسْحِتَكُمْ}: يُهْلِكَكُمْ) أي: ويستأصلكم، يقال: سحته الله وأسحته: استأصله وأهلكه، ويقرأ بضم الياء

(2)

.

(ص)({بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} تَأْنِيثُ الأَمْثَلِ)، أي: وهو الأفضل (يَقُولُ بِدِينِكُمْ، يُقَالُ: خُذِ المُثْلَى، خُذِ الأَمْثَلَ) يقال: فلان أمثل فرقته. أي: أفضلهم وهم الأماثل.

(ص)({ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} يُقَالُ: هَلْ أَتَيْتَ الصَّفَّ اليَوْمَ، يَعْنِي: المُصَلَّى الذِي يُصلَّى فِيهِ) أي العيد. وقال أبو عبيدة: موضع التجمع، قال: ولا يسمى المصلى الصف

(3)

.

(ص)({فَأَوْجَسَ}: أَضْمَرَ خَوْفًا فَذَهَبَتِ الوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} لِكَسْرَةِ الخَاءِ) قلت: لأن سحرهم كان من جنس ما أراهم من العصى، فخاف أن يلتبس على الناس أمره ولا يؤمنوا به.

(ص)({فِي جُذُوعٍ}: على جُذُوع النَّخْلِ) أي (في) بمعنى (على) كقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور: 38] أي: عليه.

(ص)({خَطْبُكَ}: بَالُكَ) أي: ما شأنك الذي دعاك إلى ما صنعت.

(ص)({مِسَاسَ} مَصْدَرُ مَاسَّهُ مِسَاسًا) قلت: ومعنى المساس: لا يمس بعض بعضًا.

(1)

ورد في هامش الأصل: لعله (قوة).

(2)

قرأها بالضم حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي انظر:"الحجة" للفارسي 5/ 228، "الكشف" لمكي 2/ 98.

(3)

عبارة أبي عبيدة في "المجاز" 2/ 23: أي صفوفًا، وله موضع آخر من قولهم: هل أتيت الصف اليوم يعني: المصلى الذي يُصلى فيه اهـ. وانظر: "تفسير القرطبي" 11/ 221.

ص: 606

(ص)({لَنَنْسِفَنَّهُ} لَنَذْرِيَنَّهُ) يقال: ذرى يذرى ويذري ذروًا وذرًا أي يصيرها رملًا يسيل سيلًا، ثم يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح.

(ص)({يَبَساً}؛ يَابِسًا) هو قول مجاهد

(1)

، وذلك أن الله أيبس لهم الطريق حتى لم يكن فيه ماء ولا طين.

(ص)({فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}: حِسُّ الأَقْدَامِ) أي: إلى المحشر. والهمس: الصوت الخفي كصوت أخفاف الإبل في المشي، وعن ابن عباس وغيره: يعني: تحريك الشفاه بغير منطق

(2)

. أي: فلا يجهر أحد بكلام إلا كالسر من الإشارة بالشفة وتحريك الفم من غير صوت.

(ص)({قَاعًا} يَعْلُوهُ المَاءُ وَالصَّفْصَفُ المُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ) قال الفراء: القاع: ما انبسط من الأرض في السراب نصف النهار، وجمعه قيعة، ومنه قوله:{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: 39] والصفصف: الأملس الذي لا نبات فيه

(3)

، ونحو هذا قال المفسرون. {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)} قال ابن عباس: ليس فيها منخفض ولا مرتفع

(4)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} الحُلِيُّ الذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وقد أسنده أبو محمد الرازي من حديث ابن أبي نجيح عنه

(5)

، وقد سلف ذلك في أحاديث الأنبياء أيضا، وكذا قوله بعده {فقذفتها}: ألقيتها. {أَلْقَى} : صنع. {فَنَسِىَ} موسى. {أَلَّا يَرْجِعُ

(1)

"تفسير مجاهد" 1/ 399، ورواه أيضًا الطبري 8/ 438 (24225).

(2)

عزاه السيوطي في "الدر" 4/ 551 لعبد بن حميد وابن المنذر، عن مجاهد، وروى الطبري 8/ 459 (24334) عن ابن عباس قال: الصوت الخفي.

(3)

"معاني القرآن" 2/ 191، 254.

(4)

انظر: "تفسير الطبري" 8/ 458.

(5)

أسنده أيضًا الطبري 8/ 445 (24258) من طريق ابن أبي نجيح.

ص: 607

إِلَيْهِمْ قَوْلًا}: العجل) وسلف أيضًا. وقيل: إن الحلي أخذه بنو إسرائيل من قوم فرعون لما قذفهم البحر بعد غرقهم.

(ص)({حَشَرْتَنِي أَعْمَى} عَنْ حُجَّتِي {وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} فِي الدُّنْيَا) أي: عالمًا بحجتي فيها.

(ص)(وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ {أَمْثَلُهُمْ}: أَعْدَلُهُمْ) هو كذلك في "تفسيره"، وقيل: أعلمهم عند نفسه.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {هَضْمًا}: لَا يُظْلَمُ فَيُهْضَمُ مِنْ حَسَنَاتِهِ) أسنده ابن المنذر من حديث علي، عنه: لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يَظْلِمَ فتزاد سيئاته، ولا يُظلم فيهضم من حسناته

(1)

.

(ص)({عِوَجاً}: وَادِيًا. و {أَمْتًا}: رَابِيَةً) قد سلف هذا.

(ص)({سِيرَتَهَا}: حَالَتَهَا الأُولَى) أي: يردها عصًا كما كانت. والسيرة: الهيئة والحالة، يقال لمن كان على شيء فتركه ثم عاد إليه: عاد إلى سيرته. قال الزجاج: المعنى: سنعيدها إلى سيرتها، فلما حذف (إلى) وصل إليها الفعل فنصبها.

(ص)({النُّهَى} التُّقَى) أي: الذين يتناهون يعفو لهم عن المعاصي، وخصوا بالذكر؛ لأنهم أهل التفكر والاعتبار، وقد سلف في أحاديث الأنبياء واضحًا.

(ص)({ضَنْكًا} شقاءً) قلت: أي: وشدةً وضيقًا وكل ما ضاق فهو ضنك. وعن ابن عباس: عذاب القبر يلتئم على صاحبه، فلا يزال يعذب حتى يبعث. وعنه أنها صعقة القبر (حين)

(2)

تختلف أضلاعه

(3)

.

(1)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 552.

(2)

ورد في هامش الأصل: في الأصل (حتى).

(3)

انظر: "تفسير الوسيط" 3/ 226.

ص: 608

(ص)({هَوَى}: شَقِيَ) أي: وهلك وسقط في النار، يقال: هوى يهوي هويًا (إذا)

(1)

وقع في مهواة.

(ص)({الْمُقَدَّسِ}: المُبَارَكِ {طُوى}: اسْمُ الوَادِي) سلفا في أحاديث الأنبياء.

(ص)({بِمَلْكِنَا}: بِأَمْرِنَا) هذا على كسر الميم، وعليها أكثر القراء، ومن قرأ بالفتح فهو المصدر الحقيقي، ومن قرأ بالضم فمعناه: بقدرتنا وسلطاننا. أي: لم نقدر على ردهم

(2)

، وقد سلف ذلك في أحاديث الأنبياء.

(ص)({مَكَانًا سُوًى}: مَنْصَفٌ بَيْنَهُمْ) أي: مكانًا تستوي مسافته على الفريقين. وقرئ: (سُوى) بالضم أيضًا

(3)

.

(ص)({عَلَى قَدَرٍ}: مَوْعِدٍ) أي: وهو أربعون سنة.

(ص)({وَلَا تَنِيَا}: تَضْعُفَا).

(1)

في الأصل: (وا)، وفي الهامش: لعله إذا.

(2)

قرأها بالفتح نافع وعاصم، وبالضم حمزة والكسائي. انظر:"الحجة" للفارسي 5/ 244، "الكشف" 2/ 104.

(3)

قرأها بالضم ابن عامر وعاصم وحمزة، انظر:"الحجة" 5/ 224، "الكشف" 2/ 98.

ص: 609

‌1 - [باب] قَوْلِهِ: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)} الآية [طه: 41]

4736 -

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْتَقَى آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى لآدَمَ: أَنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ، وَاصْطَفَاكَ لِنَفْسِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: فَوَجَدْتَهَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» . {اْلْيَمُّ} [طه: 39] الْبَحْرُ. [انظر: 3409 - مسلم: 2652 - فتح: 8/ 434]

ذكر فيه حديث مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:" الْتَقَى آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ الذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الجَنَّةِ؟ فقَالَ آدَمُ: أَنْتَ الذِي أصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ، وَاصْطَفَاكَ لِنَفْسِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَوَجَدْتَهَا كُتِبَ عليَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى".

هذا الحديث يأتي من بعد من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة وفيه:"قبل أن يخلقني أو قدره عليَّ"

(1)

. وسلف في باب: وفاة موسى عليه السلام من حديث حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. وفي آخره:"فحج آدم موسى" مرتين.

وأخرجه مسلم بألفاظ:

منها: "فقال موسى: يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة".

ومنها: "قبل أن يخلقني بأربعين سنة".

(1)

سيأتي برقم (4738).

ص: 610

ومنها: "أنت الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة".

ومنها: "هل وجدت فيها -يعني: في التوراة- {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}. قال: نعم".

قال الدارقطني: وروى هذا الحديث أبو هلال الراسبي، عن أبي هريرة فوقفه، وكان كثيرًا مما يتوقى رفعه. ولما رواه هدبة عن ابن مهدي -يعني ابن ميمون الراوي عن محمد بن سيرين- رفعه مرة، ثم رجع عنه فأوقفه

(1)

.

وأسلفنا هناك أنه يجوز [أن] تكون محاجتهما بالأرواح أو حقيقة أو يوم القيامة، ويجوز -كما قال ابن الجوزي- أن يكون شرح حال بضرب مثل لو اجتمعا مآلًا، ويكون تخصيص موسى بهذا دون غيره من الأنبياء، لأنه أول من جاء بالتكاليف، وموسى مال في لومه إلى الكسب، وآدم مال إلى القدر، وكلاهما حق لا يبطل أحدهما صاحبه، ومتى قضى للقدر على الكسب أخرج إلى مذهب القدرية، أو للكسب على القدر أخرج إلى مذهب الجبرية كما مضى هناك، وإنما وقعت الغلبة لآدم من وجهين:

أولهما: أنه ليس لمخلوق أن يلوم مخلوقًا فيما قضي عليه إلا أن يأذن الشرع بلومه، فيكون الشرع هو اللائم، كما قال عليه السلام:"إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب"

(2)

فلما أخذ موسى يلومه ولم يؤذن له عارضه بالقدر.

الثاني: أن الفعل اجتمع فيه القدر والكسب، والتوبة تمحو أثر

(1)

"العلل" 8/ 115 - 116.

(2)

سلف برقم (2152) كتاب: البيوع، باب: بيع العبد الزاني، من حديث أبي هريرة.

ص: 611

الكسب، فلما تِيْبَ عليه لم يبق إلا القدر، والقدر لا يتوجه إليه لوم، وزعم الليث بن سعد أن الحجة إنما صحت لادم من أجل أن الله قد غفر له، فلم يكن لموسى أن يعيره بما قد غفر له، وأما من أخطأ ولم تأته المغفرة فالعلماء مجمعون أنه لا يجوز أن يحتج بما احتج به آدم فلا يقول: أتلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وقد قدر الله ذلك عليَّ وإن كان محقًّا. والأمة مجمعة على جواز حمد المحسن على إحسانه ولوم المسيء على إساءته، وتعديد ذنوبه عليه، ولم يشرع للابن لوم أبيه، وإنما لم يسقط اللوم عن العاصي منَّا لبقائه في دار التكليف، وأحكامهم جارية عليهم من العقوبة والتوبيخ وغيرهما، وفي ذلك زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، وأما آدم فليس في دار التكليف.

وقوله: ("فحج آدم موسى") أي: غلبه بالحجة وظهر عليه بها، والمراد بالتقدير السالف الكتابة في اللوح المحفوظ أو في صحف التوراة وألواحها، وقد سلف ذلك، أي: كتبه عليَّ قبل خلقي بأربعين سنة، ولا يجوز أن يراد به حقيقة القدر، فإن علم الله قد تم على عباده وأراده من خلقه لا أول له. فإن قلت: فما المعنى بالتحديد المذكور في المكتوب، وفي الحديث:"إن الله قدر المقادير قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة"

(1)

.

قلت: كما أجاب عنه ابن الجوزي أن المعلومات كلها قد أحاط بها العلم القديم قبل وجود كل مخلوق؛ ولكنه كتبها في اللوح المحفوظ في

(1)

رواه مسلم (2653) كتاب: القدر، باب: حجاج آدم وموسى، والترمذي (2156) من حديث عبد الله بن عمرو.

ص: 612

زمان دون زمان، فجائز أن يكون كتب أمر ما يجري لآدم قبل خلقه بأربعين سنة، وجائز أن تكون الإشارة إلى مدة لبثه طينًا، فإنه بقي كذلك أربعين سنة، وكأنه يقول: كتب ما جرى منذ سوَّاني طينًا قبل أن ينفخ فيَّ الروح. وقد جاء في روايةٍ: "بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين سنة"

(1)

.

(1)

رواه مسلم (2652/ 15).

ص: 613

‌2 - [باب] قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ} [طه: 77]

4737

- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَالْيَهُودُ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوهُ». [انظر: 2004 - مسلم: 1130 - فتح: 8/ 434]

ثم ذكر حديث ابن عباس في يوم عاشوراء، وقد سلف في بابه.

ص: 614

‌3 - [باب] قَوْلِهِ: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117]

4738

- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ النَّجَّارِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«حَاجَّ مُوسَى آدَمَ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَأَشْقَيْتَهُمْ؟. قَالَ: قَالَ آدَمُ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي أَوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟!» . قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» . [انظر: 3409 - مسلم: 2652 - فتح: 8/ 434]

ذكر فيه حديث أبي هريرة السالف: "حاج آدم موسى".

وقوله: (فتشقى) فيه دلالة على وجوب نفقة الولد على الوالد، لإفراده بالذكر عن زوجه. وذكر البخاري الحديث المذكور كما سلف في قوله:{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)} يريد قول آدم: اصطفاك لنفسه. وذكره لحديث ابن عباس في صوم عاشوراء من هذين الحديثين لقوله فيه: أظهر الله فيه موسى على فرعون.

وقوله: ("أخرجت الناس من الجنة") فيه: إطلاق نسبة الشيء إلى من له تسبب فيه. والمراد بالجنة هنا جنة الخلد لا كما قال المعتزلة أنها بستان

(1)

.

خاتمة:

روى ابن مردويه من حديث الوليد بن مسلم، عن القاسم، عن أبي أمامة

(2)

رضي الله عنه مرفوعًا: "إن اسم الله الأعظم لفي ثلاث سور: البقرة وآل

(1)

انظر: "تفسير القرطبي" 1/ 258.

(2)

ورد في هامش الأصل: حديث أبي أمامة يأتي في الدعاء.

ص: 615

عمران وطه" قال فالتمستها فوجدتها في البقرة: {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] وفي طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] وفاتحة آل عمران {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 2]

(1)

.

وذهبت طائفة إلى ترك التفضيل بين أسماء الله، والمراد بالأعظم:(إذا)

(2)

وقع في خبرٍ: عظيم

(3)

. وحكاه ابن بطال عن جماعة

(4)

. والحديث السالف -أي: أنه من كتاب الله أعظم- يرده.

وفي الترمذي

(5)

أنه في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163] و {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}

(6)

{الم (1) اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1 - 2]

(7)

وعنده

(8)

أيضًا أنه عليه السلام سمع رجلًا قال: اللهم إني أسألك بأنك الله الذي لا إله إلا هو، أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد فقال عليه السلام:"قد دعا الله بالاسم الأعظم"

(9)

.

(1)

عزاه له السيوطي في "الدر" 1/ 575 - 576، وزاد عزوه لابن أبي الدنيا في "الدعاء"

والطبراني، وابن مردويه، والهروي في "فضائله"، والبيهقي في "الأسماء والصفات".

(2)

هكذا بالأصل، ولعل الصواب:(كما).

(3)

رواه أبو داود (1495)، والنسائي 3/ 52، وأحمد 3/ 158 كلهم من طريق خلف بن خليفة، عن حفص ابن أخي أنس، عن أنسٍ مرفوعاً:"لقد دعا الله باسمه العظيم".

(4)

"شرح ابن بطال" 10/ 143 - 144.

(5)

ورد في هامش الأصل: هو في أبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث أسماء بنت يزيد.

(6)

هكذا في الأصل بذكر ثلاث آيات، وفي "السنن" آيتان ليس فيهما آية الكرسي.

(7)

الترمذي (3478) من حديث أسماء بنت يزيد.

(8)

ورد في هامش الأصل: هو من أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه. قال الترمذي: حسن غريب.

(9)

الترمذي (3475) من حديث بريدة الأسلمي.

ص: 616

‌21 - ومن سورة الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام

-

4739 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَم، وَطَهَ، وَالأَنْبِيَاءُ هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي. [انظر:4708]

وَقَالَ قَتَادَةُ {جُذَاذًا} [الأنبياء: 58] قَطَّعَهُنَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ {فِي فَلَكٍ} [الأنبياء: 33] مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ {يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33]: يَدُورُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {نَفَشَتْ} [الأنبياء: 78]: رَعَتْ {يُصْحَبُونَ} [الأنبياء: 43]: يُمْنَعُونَ. {أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92]: قَالَ: دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ} [الأنبياء: 98]: حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {أَحَسُّوا} [الأنبياء: 12]: تَوَقَّعُوهُ مِنْ أَحْسَسْتُ. {خَامِدِينَ} [الأنبياء: 15]: هَامِدِينَ. {وَحَصِيدٌ} [هود: 100] مُسْتَأْصَلٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ. {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19]: لَا يُعْيُونَ، وَمِنْهُ:{حَسِيرٌ} [الملك: 4] وَحَسَرْتُ بَعِيرِي. عَمِيقٌ بَعِيدٌ. {نُكِسُوا} [الأنبياء: 65]: رُدُّوا. {صَنْعَةَ لَبُوسٍ} [الأنبياء: 80]: الدُّرُوعُ. {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ} [الأنبياء: 93]: اخْتَلَفُوا، الْحَسِيسُ وَالْحِسُّ وَالْجَرْسُ وَالْهَمْسُ وَاحِدٌ، وَهْوَ مِنَ الصَّوْتِ الْخَفِيِّ {آذَنَّاكَ} [فصلت: 47] أَعْلَمْنَاكَ {آذَنْتُكُمْ} [الأنبياء: 109] إِذَا أَعْلَمْتَهُ فَأَنْتَ وَهْوَ عَلَى سَوَاءٍ لَمْ تَغْدِرْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 13] تُفْهَمُونَ {ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] رَضِىَ. {التَّمَاثِيلُ} [الأنبياء: 52] الأَصْنَامُ، {السِّجِلِّ} [الأنبياء: 104] الصَّحِيفَةُ. [فتح: 8/ 435]

هى مكية، قيل: إلا قوله: {أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء: 44] قال الكلبى: بالقتل والسبى. وقال الضحاك: فتح البلاد. وهذِه الأمور لم تكن إلا بعد الهجرة وقبل موت العلماء. قال

ص: 617

السخاوي: ونزلت بعد سورة إبراهيم وقبل سورة {قَدْ أَفْلَحَ}

(1)

.

ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: بَنو إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطَهَ، وَالأَنْبِيَاءُ هُنَّ مِنَ العِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي. سلف في بني إسرائيل.

(ص)(وَقَالَ قَتَادَةُ: {جُذَاذً}: قَطَّعَهُنَّ) هذا رواه الحنظلي من حديث زريع عنه

(2)

.

(ص)(وَقَالَ الحَسَنُ: {فِي فَلَكٍ} مِثْلِ فَلْكَةِ المِغْزَلِ. {يُسَبِّحُونَ}: يَدُورُونَ) قلت: عبارة الواحدي الفلك: طاحونة كهيئة فلكة المغزل. قال: يريد أن الذي تجري فيه النجوم مستدير كاستدارتها

(3)

.

(ص)(وقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {نَفَشَتْ}: رَعَتْ ليلًا) هذا أخرجه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عنه

(4)

. وعند ابن مردويه: كأن كرمًا أينع. قلت: وهملت إذا رعت نهارًا بلا راعٍ، ويقال: سربت وسرحت إلى رعيها بالنهار.

(ص)({يُصْحَبُونَ}: يُمْنَعُونَ) أي: من عداها، والعرب تقول: صحبك الله. أي: حفظك وأجارك.

(ص)({أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} قَالَ: دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ) هو قول ابن عباس

(5)

.

(1)

"جمال القراء" ص 8.

(2)

رواه أيضا الطبري 9/ 37 (24632) من طريق سعيد عن قتادة، وعزاه السيوطي في "الدر" 4/ 578 لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

(3)

"الوسيط" 3/ 236.

(4)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 24 (1874) عن الزهري من قوله.

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 9/ 81 (24785).

ص: 618

(ص)(وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ}: حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ) أسنده الحنظلي من حديث ابن أبجر عنه. قلت: وروي عن علي ومجاهد وقتادة مثله

(1)

.

(ص)(وَقَالَ [غَيْرُهُ]: {أَحَسُّوا}: تَوَقَّعُوا مِنْ أَحْسَسْتُ) قلت: عبارة الواحدي: رأوا عذابنا بحاسة البصر. قال: ويجوز أن يكون المعنى: لما (رأوا)

(2)

عذابنا

(3)

.

(ص)({خَامِدِينَ}: هَامِدِينَ) أي: ميتين كخمود النار إذا طفئت. قال الخليل: الهمود: الموت، والهامد والهميد: الميت، وشجر هامد: يابس. (دار)

(4)

هامدة: لا نبات بها

(5)

.

(ص)({وَحَصِيدٌ}: مُسْتَأْصَلٌ، يَقَعُ عَلَى الوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ) أي: كما يحصد الزرع بالمنجل.

(ص)({يَسْتَحْسِرُونَ}: يُعْيُونَ، وَمِنْهُ {وَهُوَ حَسِيرٌ} وَحَسَرْتُ بَعِيرِي) وقال السدي: لا ينقطعون عن العبادة. ويقال: حسر واستحسر إذا تعب وأعيا

(6)

.

(ص)(عَمِيقٌ بَعِيدٌ) هذا في سورة الحج.

(ص)({نُكِسُوا}: رُدُّوا) إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالعلم.

(ص)({صَنْعَةَ لَبُوسٍ}: الدُّرُوعُ) أي: لأنها تلبس.

(1)

رواه الطبري 9/ 89 (24822)، 24824) عن مجاهد وقتادة.

(2)

هكذا في الأصل، وفي "الوسيط":(ذاقوا).

(3)

"الوسيط" 3/ 231.

(4)

هكذا في الأصل، ولعل صوابه:(أرض).

(5)

"العين" 4/ 31.

(6)

انظر: "تفسير الوسيط" 3/ 233.

ص: 619

قال قتادة: أول من صنعها داود، وإنما كانت صفائح، فهو أول من سردها وحلقها

(1)

، فجمعت الجنة والتحصين

(2)

.

(ص)({وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ}: اخْتَلَفُوا) أي فصاروا يهودًا ونصارى ومجوسًا ومشركين.

(ص)(الْحَسِيسُ وَالْحِسُّ وَالْجَرْسُ وَالْهَمْسُ وَاحِدٌ، وَهْوَ الصَّوْتُ الخَفِيُّ) أي: حركة لهبها.

(ص)({آذَنَّاكَ}: أَعْلَمْنَاكَ. {آذَنْتُكُمْ}: أعلمتكم، إِذَا أَعْلَمْتَهُ فَأَنْتَ وَهْوَ على سَوَاءٍ لَمْ تَغْدِرْ) أي: أعلمتكم للحرب إعلامًا يستوي في علمه لا أستبد دونكم لتتأهبوا لما يراد منكم.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}: تُفْهَمُون) أخرجه ابن المنذر وغيره عنه بلفظ: تفقهون

(3)

. وقال قتادة: تسألون شيئًا من دنياكم على التهديد

(4)

.

(ص)({ارْتَضَى}: رَضِيَ) قال ابن عباس لمن قال: لا إله إلا الله. وقال مجاهد: لمن رضي عنه

(5)

.

(ص)({التَّمَاثِيلُ}: الأَصْنَامُ) والتمثال: اسم للشيء المصنوع مشبهًا بخلق من خلق الله، وأصله من مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به. وأصل ذلك تمثال، وجمعه تماثيل.

(1)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 25 (1880)، والطبري 9/ 53 (24713).

(2)

في "الوسيط" 3/ 246: فجمعت الخفة والتحصين.

(3)

رواه الطبري 9/ 10 (24496)، وانظر "الدر المنثور" 4/ 564.

(4)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 21 (1851)، والطبري 9/ 10 (24499) بلفظ: استهزاءً بهم. وانظر: "الوسيط" 3/ 231 - 232.

(5)

رواه الطبري 9/ 18 (24544).

ص: 620

(ص)({السِّجِلِّ}: الصَّحِيفَةُ) أي: المكتوب فيها، وقيل: اسم رجل مخصوص كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: هو ملك يطوي الصحف

(1)

.

(1)

روى هذِه الأقوال الطبري في "تفسيره" 9/ 94 - 95 ثم قال: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب: قول من قال: السجل: الصحيفة؛ لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، ولا يُعْرف لنبينا صلى الله عليه وسلم كاتب كان اسمه السجل، ولا في الملائكة ملك ذلك اسمه.

ص: 621

‌1 - [باب] قوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا} الآية [الأنبياء: 104]

4740

- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ شَيْخٍ مِنَ النَّخَعِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلَا إِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ} [المائدة: 117] إِلَى قَوْلِهِ {شَهِيدٌ} [المائدة: 117] فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ» . [انظر: 3349 - مسلم: 2860 - فتح: 8/ 437]

ذكر فيه حديث ابن عباس السالف في أحاديث الأنبياء وآخر سورة المائدة، ويأتي في الرقاق

(1)

، وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه

(2)

.

(1)

سلف برقم (4625) باب: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} ، وسيأتي برقم (6524)، (6526) باب: كيف الحشر.

(2)

الترمذي (2423) ولم أجده عند ابن ماجه، وانظر "تحفة الأشراف"(5622).

ص: 622