المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(22) ومن سورة الحَجِّ وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {الْمُخْبِتِينَ}: المُطْمَئِنِّينَ. وَقَالَ ابن - التوضيح لشرح الجامع الصحيح - جـ ٢٣

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

(22) ومن سورة الحَجِّ

وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {الْمُخْبِتِينَ} : المُطْمَئِنِّينَ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {فِي أُمْنِيَّتِهِ} إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ، فَيُبْطِلُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ. وَيُقَالُ: أُمْنِيَّتُهُ: قِرَاءَتُهُ {إِلَّا أَمَانِيَّ} يَقْرَءُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَشِيدٌ بِالْقَصَّةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ {يَسْطُونَ} يَفْرُطُونَ مِنَ السَّطْوَةِ، وَيُقَالُ: يَسْطُونَ: يَبْطشُونَ. {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ} أُلْهِمُوا. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {بِسَببٍ} بِحَبْلٍ إلى سَقْفِ البَيْتِ. {تَذْهَلُ} : تُشْغَلُ.

هي مدنية، ذكره ابن مردويه عن ابن عباس وغيره

(1)

، وقال مقاتل: بعضها مكي أيضًا، وعن قتادة أنها مكية وعنه: مدنية غير أربع آيات، وعن عطاء: إلا ثلاث منها {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج: 19]

(2)

ويؤيده حديث أبي ذر وعلي الآتيان.

(ص)(وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {الْمُخْبِتِينَ} المُطْمَئِنِّينَ) ذكره ابن عيينة في "تفسيره" عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقيل: المطمئنين بأمر الله، وقيل: المطيعين، وقيل: المتواضعين وقال: الخاشعين أو العابدين.

(ص)([وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ]: {فِي أُمْنِيَّتِهِ}: إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثهِ، فَيُبْطِلُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ) هذا أسنده أبو محمد

(1)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 616.

(2)

انظر: "زاد المسير" 5/ 401، "تفسير القرطبي" 12/ 1.

ص: 9

الرازي عن أبيه، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة عنه

(1)

. وروى البزار هنا شيئًا صنعه

(2)

.

وشقي: هوى في الشقاء، (ويقال:{فِي أُمْنِيَّتِهِ} قراءته، إلا أماني: يقرءون ولا يكتبون).

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَشِيدٌ بِالْقَصَّةِ) هذا أسنده ابن المنذر من حديث ابن جريج عنه

(3)

. والقصة: الجص، وقيل: طويل.

(ص)(يَسْطُونَ يَبْطُشُونَ وَقَالَ غَيْرُهُ -أي: غير مجاهد- {يَسْطُونَ} يَفْرُطُونَ مِنَ السَّطْوَةِ)، يقال: سطا عليه وسطا به إذا تناوله بالبطش والعنف والشدة، أي: يكادون يقعون بمحمد وأصحابه من شدة الغيظ ويبسطون إليهم أيديهم بالسوء.

(ص)({وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ}: أُلْهِمُوا) قال ابن عباس: يريد لا إله إلا الله والحمد لله، وزاد ابن زيد: والله أكبر

(4)

، وقال السدي: إلى: القرآن

(5)

.

(ص)({تَذْهَلُ} تُشْغَلُ) يقال: ذهل عن كذا يذهل ذهولًا إذا تركه أو شغله عنه شاغل. قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام

(6)

.

(1)

رواه أيضًا الطبري 9/ 177 (25336) من طريق عبد الله، عن معاوية به. وزاد السيوطي في "الدر" 4/ 664 عزوه لابن أبي حاتم، وابن المنذر.

(2)

لعله يقصد قصة الغرانيق، وقد رواها البزار في "المسند" 11/ 296 (5096) من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

(3)

رواه أيضًا الطبري 9/ 169 (25307) من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد.

(4)

رواه الطبري 9/ 127 (25002).

(5)

انظر: "تفسير الوسيط" 3/ 264 - 265.

(6)

رواه الطبري 9/ 108 (24914).

ص: 10

(ص)(وقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {بِسَبَبٍ}: بِحَبْلٍ إلى سَقْفِ البَيْتِ) هذا أسنده ابن المنذر من حديث أبي إسحق، عن التميمي، عنه: فليمدد بحبل إلى سماء بيته فليختنق به

(1)

.

(1)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 625، ورواه أيضًا الطبري 9/ 119 (24963) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق به.

ص: 11

‌1 - [باب] قوله: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} الآية [الحج: 2]

4741 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْن حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأعمَشُ، حَدَّثَنَا أَبوصَالحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَقُولُ الله عز وجل يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا آدَمُ. يَقولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ. فَيُنَادى بِصَوْتٍ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ. قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ ألْفٍ -أُرَاهُ قَالَ- تِسْعَمِائَةٍ وَتسْعَةً وَتِسْعِينَ. فَحِينئِذٍ تَضَعُ الحَامِلُ حَمْلَهَا وَيَشِيبُ الوَلِيدُ {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2] ". فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَمِائَةٍ وَتسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ، ثُمَّ أَنْتُمْ فِي النَّاسِ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جَنْب الثَّوْرِ الأَبْيَضِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، وَإِنِّي لأَرْجُو أنْ تكونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ". فَكَبَّرْنَا ثمَّ قَالَ: "ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ". فَكَبَّرْنَا، ثمَّ قَالَ:"شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ". فَكَبَّرْنَا. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 2] وَقَالَ: مِنْ كُلِّ ألفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. وَقَالَ جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَأَبُو مُعَاوَيةَ: (سَكْرى وَمَا هُمْ بِسَكْرى). [انظر: 3348 - مسلم: 222 - فتح: 8/ 441]

ذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري صلى الله عليه وسلم "يَقُولُ اللهُ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ: يَا آدَمُ. فيَقُول: لَبَّيْكَ رَبَّنَا .. " الحديث. وقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ: {سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 2] وَقَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتسْعَةً وَتِسْعِونَ. وَقَالَ جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ: (سَكْرى وَمَا هُمْ بِسَكْرى)

(1)

.

(1)

قرأها كذلك حمزة والكسائي، وقرأ باقي السبعة:{سُكَارَى} . انظر: "الكشف" لمكي 2/ 116.

ص: 12

و [قد]

(1)

: شفينا القول في ذلك في باب قصة يأجوج ومأجوج، ويأتي في التوحيد والرقاق

(2)

ومتابعة أبي [أسامة]

(3)

أسندها هناك وقوله: "ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض" إلى آخره، جاء في حديث آخر:"إن معكم يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الجن والإنس ما كانتا في شيء إلا كثرتاه"

(4)

.

(1)

في الأصل: (قال)، والمثبت هو الملائم للسياق.

(2)

سيأتي برقم (6530)، (7483).

(3)

في الأصل (موسى) وضُببَ عليها، وفي الهامش:(صوابه أسامه)، وسلف مسندًا برقم (3348).

(4)

رواه الترمذي (3169)، وأحمد 4/ 435 من حديث عمران بن حصين، وقال الترمذي: حسن صحيح.

ص: 13

‌2 - [باب] قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} الآية [الحج: 11]

{وَأَتْرَفْنَاهُمْ} [المؤمنون: 33]: وَسَّعْنَاهُمْ.

4742 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ؛ قَالَ هَذَا دِينٌ صَالِحٌ. وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ؛ قَالَ هَذَا دِينُ سُوءٍ. [فتح: 8/ 442]

{حَرْفٍ} : جانب، أو شك أو غير طمأنينة من أمره أقوال

(1)

، ثم قال:{وَأَتْرَفْنَاهُمْ} : وسعنا عليهم وموضع هذا في السورة التي بعدها.

ثم ساق حديث أبي حصين -وهو عثمان بن عاصم- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ المَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ، قَالَ هذا دِينٌ صَالِحٌ. وَإِنْ لَمْ تَلِدِ اْمْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ؛ قَالَ هذا دِينُ سُوءٍ.

الشرح:

(نتجت) بضم أوله يقال: نتجت الناقة فهي منتوجة مثل: نُفست المرأة فهي منفوسة، فإذا أردت أنها حاضت قلت: نَفست بفتح النون

(1)

انظر "معاني القرآن" للنحاس 4/ 383، "الوسيط" 3/ 261، "تفسير البغوي" 5/ 368.

ص: 14

ونتَجت أهلها، ومنهم من حكى الضم في نفست في الثاني والفتح في الأول، وروى عطية فيما ذكره الواحدي عن أبي سعيد قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أَقِلْنِي، قال:"إن الاسلام لا يقال: والإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد" فنزلت

(1)

.

(1)

"أسباب النزول" ص 316 - 317 (618).

ص: 15

‌3 - [باب] قوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية [الحج: 19]

4743 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ فِيهَا إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ يَوْمَ بَرَزُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ. رَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ: عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَوْلَهُ. [انظر: 3966 - مسلم: 3033 - فتح: 8/ 443]

4744 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ قَيْسٌ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19] قَالَ: هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ عَلِيٌّ، وَحَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. [انظر: 3965 - فتح: 8/ 443]

ذكر فيه حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، وحديث علي رضي الله عنه أن هذِه الآية نزلت في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر، وقد سلف ذلك في غزوة بدر. ثم قال: ورواه سفيان عن أبي هاشم وقال عثمان: عن جرير، عن منصور، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز قوله. ورواية سفيان هذِه التي تابع بها هشيمًا سلفت هناك أيضًا.

وساقه الحاكم من حديث سفيان -وهو ابن سعيد- عن أبي هاشم، أظنه: عن أبي مجلز، عن قيس، عن علي. ثم قال: وهذا إسناد صحيح عن علي. قال: وتابع سليمان التيمي أبا هاشم على روايته عن أبي

ص: 16

مجلز، [عن قيس، عن علي]

(1)

، ثم ساقه. ثم قال: صحيح، فقد صح الحديث بهذِه الروايات عن علي كما صح عن أبي ذر

(2)

.

قال الدارقطني: ورواه عن [

]

(3)

عون [بن]

(4)

كهمس، عن سليمان، عن أبي مجلز، عن قيس. فذكره، ووهم عون فيه، وإنما يروي التيمي بهذا الإسناد:"أنا أول من يجثو للخصومة"، قال قيس: فيهم نزلت {هَذَانِ خَصْمَانِ} كذلك رواه معتمر عن أبيه، وفصل قول علي من قول قيس، وتابعه عيسى بن يونس، ويزيد بن هارون فروياه عن التيمي، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد قوله: نزلت فيهم هذِه الآية. ولم يذكرا عليًّا، وحديث أبي هاشم عن أبي ذر صحيح، وقول معتمر عن أبيه صحيح، وحديث [عون بن]

(5)

كهمس عن سليمان وهم

(6)

. وقال في موضع آخر: فاضطرب الحديث

(7)

.

قلت: و (كهمس)

(8)

تابعه عبد الله بن المبارك ويوسف بن يعقوب السدوسي كما ساقه ابن مردويه، قال النووي: ولا يلزم من هذا ضعف الحديث ولا اضطرابه؛ لأن قيسًا سمعه من أبي ذر فرواه عنه وسمع من علي بعضه وأضاف إليه ما سمعه من أبي ذر وذكره أبو مجلز

(1)

في الأصل: (عن علي، عن قيس، عن علي).

(2)

"المستدرك" 2/ 386 - 387.

(3)

كلمة غير واضحة بالأصل.

(4)

في الأصل: عن.

(5)

زيادة من "العلل".

(6)

"علل الدارقطني" 4/ 100 - 101.

(7)

نقله عنه القاضي عياض في "إكمال المعلم" 8/ 594، والنووي في "شرح مسلم" 18/ 166، وابن حجر في "هدي الساري" ص 372.

(8)

هكذا في الأصل، ولعل الصواب: عون بن كهمس.

ص: 17

ولم يقل: إنه من كلام نفسه ورأيه ولا عيب في ذلك فيذكره الرواي مرة ويرفعه أخرى عند الرواية

(1)

.

قلت: وعلى تقدير ذكره له مرفوعًا فالحكم للرفع على الراجح. وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس أنهم أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين: نحن أولياء الله وأقدم كتابًا ونبينا قبل نبيكم فقال المؤمنون: نحن أحق بالله .. الحديث

(2)

. وعنه: لما بارز علي وصاحباه وقتلوا من بارزهم قلت: صدق الله {هَذَانِ خَصْمَانِ} الآية

(3)

.

فائدة:

المراد بصاحبي علي: حمزة وعبيدة بن الحارث، وبصاحبي عتبة: أخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، وصحف عبيد الله بن موسى شيبة بستة، يريد فكان المبارزون ستة، وهو غريب فلا يكمل عددهم إلا بشيبة. فقتل عتبةَ وشيبةَ عليٌّ وحمزةُ، ومالا على الوليد فقتلاه وقطع الوليد رجل عبيدة فمات بها بالصفراء.

(1)

"شرح صحيح مسلم للنووي" 18/ 166 - 167.

(2)

عزاه له السيوطي في "الدر" 4/ 628، ورواه أيضًا الطبري 9/ 124 (24984).

(3)

انظر: "الدر المنثور" 4/ 627.

ص: 18

(23) ومن سورة المُؤْمِنِينَ

قَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {سَبْعَ طَرَائِقَ} : سَبْعَ سمَوَاتٍ. {لَهَا سَابِقُونَ} : سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ. {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} : خَائِفِينَ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} : بَعِيدٌ بَعِيدٌ. {فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} : المَلَائِكَةَ. {لَنَاكِبُونَ} : لَعَادِلُونَ. {كَالِحُونَ} : عَابِسُونَ. {مِنْ سُلَالَةٍ} : الوَلَدُ، وَالنُّطْفَةُ السُّلَالَةُ. وَالْجِنَّةُ وَالْجُنُونُ وَاحِدٌ. وَالْغُثَاءُ: الزَّبَدُ وَمَا ارْتَفَعَ عَنِ المَاءِ، وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ.

مكية، وأخطأ من قال:{حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ} [المؤمنون: 64] إنها مدنية

(1)

.

وصحح الحاكم من حديث عمر مرفوعًا: "لقد أنزل الله علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة" ثم قرأ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} إلى عشر آيات

(2)

.

قال السخاوي: ونزلت بعد الأنبياء وقبل سورة تنزيل السجدة

(3)

.

(ص)(قَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {سَبْعَ طَرَائِقَ} سَبْعَ سَمَوَاتٍ) هو في "تفسيره" كذلك كل سماء طريقة، سميت بذلك لتطارقها، وهو أن بعضها فوق بعض.

(1)

نقل الإجماع على كونها مكية ابن الجوزي في "زاد المسير" 5/ 458، والقرطبي في "تفسيره" 12/ 102.

(2)

"المستدرك" 2/ 392.

(3)

"جمال القراء" ص 8.

ص: 19

(ص)({لَهَا سَابِقُونَ} سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ) قلت: وقال ابن عباس: ينافسون فيها أمثالهم من أهل البر والتقوى. وقال الكلبي: سبقوا الأمم إلى الخيرات

(1)

.

(ص)({وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}: خائفون) أي: أن لا يتقبل منهم ما عملوه.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ}: بَعِيدٌ بَعِيدٌ) أسنده ابن أبي حاتم من حديث علي عنه

(2)

، ومن وقف على هيهات وقف بالهاء.

(ص)({فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ}: المَلَائِكَةَ) هو قول: مجاهد كما أسنده ابن أبي حاتم عنه

(3)

وإما الحفظة أو الحُسَّاب

(4)

.

(ص ({لَنَاكِبُونَ}: لَعَادِلُونَ) أسنده ابن أبي حاتم عنه، أعني عن ابن عباس

(5)

كما سلف.

(ص)({كَالِحُونَ}: عَابِسُونَ) أسنده كذلك أيضا، وقال ابن مسعود: الكالح الذي بدت أسنانه وتقلصت شفتاه كالرأس المشوط بالنار

(6)

.

(ص)({مِنْ سُلَالَةٍ}: الوَلَدُ، وَالنُّطْفَةُ: السُّلَالَةُ) قيل: إنما قيل لآدم سلالة؛ لأنه سل من كل تربة.

(1)

انظر: "تفسير الوسيط" 3/ 293.

(2)

رواه أيضًا الطبري 9/ 213 (25491) من طريق معاوية، عن علي، به.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 8/ 2512 (14064).

(4)

رواه الطبري 9/ 252 (25697) وابن أبي حاتم 8/ 2511 (14063) عن قتادة. وانظر: "زاد المسير" 5/ 495.

(5)

رواه أيضًا الطبري 9/ 235 (25629، 25630) من طريق عطاء وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.

(6)

رواه الطبري 9/ 246 (25675، 25676).

ص: 20

(ص)(وَالْجِنَّةُ وَالْجُنُونُ وَاحِدٌ) أي: حالة جنون.

(ص) (وَالْغُثَاءُ: الزَّبَدُ وَمَا ارْتَفَعَ عَلَى [الْمَاءِ]

(1)

، مما لَا يُنْتَفَعُ بِهِ)

قلت: والمعنى: صيرناهم هلكى فيبسوا كما يبس نبات الأرض فيهدموا

(2)

.

(1)

ليست في الأصل والمثبت من "الصحيح".

(2)

انظر: "الوسيط" 3/ 290.

ص: 21

(24) ومن سُورَة النُّورِ

{مِنْ خِلَالِهِ} مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِ السَّحَابِ. {سَنَا بَرْقِهِ} الضِّيَاءُ. (مذعنين). يُقَالُ لِلْمُسْتَخْذِي مُذْعِنٌ، أَشتَاتًا وَشتَّى وَشتَاتٌ وَشَتٌّ وَاحِدٌ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} بَيَّنَّاهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ سُمِّيَ القُرْآنُ لِجَمَاعَةِ السُّوَرِ، وَسُمِّيَتِ السُّورَةُ لأَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مِنَ الأُخْرى فَلَمَّا قُرِنَ بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ سُمِّيَ قُرْآنًا. وَقَالَ سعْدُ بْنُ عِيَاضٍ الثُّمَالِيُّ المِشْكَاةُ الكُوَّةُ بلِسَانِ الحَبَشَةِ، وَقوله تعالى:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} تَأْلِيفَ بَعْضِهِ إلى بَعْضٍ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} فَإِذَا جَمَعْنَاهُ وَأَلَّفْنَاهُ فَاتَّبعْ قُرْآنَهُ، أي مَا جُمِعَ فِيهِ، فَاعْمَلْ بِمَا أَمَرَكَ، وَانْتَهِ عَمَّا نَهَاكَ اللهُ، وَيُقَالُ لَيْسَ لِشِعْرِهِ قُرْآنٌ أي تَأْلِيفٌ، وَسُمِّيَ الفُرْقَانَ لأَنَّهُ يُفَرّقُ بَيْنَ الحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وُيقَالُ لِلْمَرْأَةِ مَا قَرَأَتْ بِسَلًا قَطُّ أي لَمْ تَجْمَعْ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا. وَقَالَ {وَفَرَضْنَاهَا} أَنْزَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً وَمَنْ قَرَأَ {وَفَرَضْنَاهَا} يَقُولُ فَرَضْنَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} لَمْ يَدْرُوا لِمَا بِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ.

هي مدنية جزما

(1)

. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا سورة البقرة والنساء والمائدة والحج والنور فإن فيهم الفرائض، أخرجه الحاكم وقال: على شرط الشيخين، وعن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا،

(1)

انظر: "زاد المسير" 6/ 3.

ص: 22

وقال: صحيح الإسناد

(1)

: "لا تنزلوهن -يعني: النساء الغرف- ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور"

(2)

.

(ص)({مِنْ خِلَالِهِ} مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِ السَّحَابِ) قلت: وخلاله جمع، جمع خلل قاله الواحدي

(3)

، وقال ابن التين: خلال: جمع خلل مثل: جبل وجبال وهو مخرج القطر، و {الْوَدْقَ}: المطر

(4)

.

(ص)(مذعنين). يُقَالُ لِلْمُسْتَخْذِي بالخاء المعجمة مذعن. قال الزجاج: الإذعان الإسراع مع الطاعة

(5)

. فمعنى مسرعين: مذعنين وهم قريش يقال: أذعن في حقي أي: طاوعني لما كنت ألتمس منه وصار يسرع إليه.

(ص)(أَشْتَاتًا وَشَتَّى وَشَتَاتٌ وَشَتٌّ وَاحِدٌ) قلت: ومعناه التفرقة جمع شت.

(ص)(وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عِيَاضٍ الثُّمَالِي: المِشْكَاةُ: الكُوَّةُ، بِلِسَانِ الحَبَشَةِ) ذكره ابن أبي حاتم وغيره

(6)

. وهو سعد، مكبر، تابعي من أصحاب ابن مسعود، قال ابن عبد البر: حديثه مرسل ولا تصح له صحبة

(7)

، وذكره الحاكم في "مستدركه" عن ابن عباس ثم قال:

(1)

ورد بهامش الأصل: هذا حديث موضوع، وقد ذكره ابن الجوزي في "موضوعاته" في النكاح، وكذا قال الذهبي في "تلخيص المستدرك" وآفته في "المستدرك" عبد الوهاب بن الضحاك، قال أبو حاتم: كذاب.

(2)

"المستدرك" 2/ 395 - 396.

(3)

"الوسيط" 3/ 323.

(4)

ذكرها الطبري في "التفسير" 10/ 195.

(5)

"معاني القرآن" 4/ 50.

(6)

رواه الطبري 9/ 325 (26111).

(7)

انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 2/ 166 (956).

ص: 23

صحيح على شرطهما

(1)

، وقاله عمر أيضا. وقوله: إنها بالحبشية لعله يريد أصلها كما سلف مثله في (طه) وهي بفتح الكاف وضمها، قال الواحدي: وهي عند الجميع غير نافذة

(2)

. وقيل: المشكاة التي يعلق بها القنديل أو القائمة في وسط القنديل التي يدخل فيها الفتيلة. قال أبي بن كعب: المشكاة: صدره، والمصباح: الإيمان والقرآن، والزجاجة: قلبه، والشجرة المباركة: الإخلاص

(3)

.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {أَنْزَلْنَاهَا}: بَيَّنَّاهَا) أسنده ابن المنذر من حديث مجاهد عنه.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ سُمِّيَ القُرْآنُ لِجَمَاعَةِ السُّوَرِ، وَسمِّيَتِ السُّورَةُ لأَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مِنَ الأُخْرى) قلت: وقيل: لشرفها وفضلها، ويقال لكل شيءٍ عماد سور (فَلَمَّا قُرِنَ بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ سُمِّيَ قُرْآنًا) أي: لاجتماعه

(4)

.

(وَقَوْلُهُ: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)}: تَأْلِيفَ بَعْضِهِ إلى بَعْضٍ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)}: فَإِذَا جَمَعْنَاهُ وَأَلَّفْنَاهُ فَاتَّبعْ قُرْآنَهُ، أي: مَا جُمِعَ فِيهِ، فَاعْمَلْ بِمَا أَمَرَكَ، وَانْتَهِ عَمَّا نَهَاكَ، وَيُقَالُ: لَيْسَ لِشِعْرِهِ قُرْآنٌ،

(1)

"المستدرك" 2/ 397، وقال: صحيح الإسناد.

(2)

"الوسيط" للواحدي 3/ 320.

(3)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" مفرقًا بالأرقام (14561)، (14578)، (14582)، (14591).

(4)

وقيل: من سور المدينة؛ لإحاطتها بالآيات إحاطة سور المدينة بأهلها، وقد تهمز فتكون من السُّؤر وهو ما بقي من الشراب في الإناء كأنها قطعة وفضلة من القرآن. كل هذا لفةً، أما في الاصطلاح فهي: قرآن يشتمل على آي ذوات فاتحة وخاتمة، وأقلها ثلاث آيات. وتتمة للفائدة انظر:"البرهان" 1/ 463 - 464.

ص: 24

أي: تَأْلِيفٌ، وَسُمِّيَ الفُرْقَانَ؛ لأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: مَا قَرَأَتْ بِسَلًا قَطُّ أَيْ: ما تَجْمَعْ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا). قلت: فحاصله أن هذِه المادة من الجمع.

(ص)(ويقال في {وَفَرَضْنَاهَا} -أي بالتشديد- أَنْزَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً وَمَنْ قَرَأَ {وَفَرَضْنَاهَا} -أي: بالتخفيف- يَقُولُ: فَرَضْنَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ) أي: إلى يوم القيامة قلت: وحجة التخفيف قوله: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص: 85] أي: أحكامه وفرائضه، وفي القراءة الأولى وهي قراءة أبي عمرو حذف أي: وفرَّضنا فرائضها

(1)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا}: لَمْ يَدْرُوا؛ لِمَا بِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ) أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه

(2)

، وقال غيره: لم يبلغوا الحلم، وقيل: لم يطيقوا ولم يقووا.

(1)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 5/ 309، "حجة القراءات" لأبي زرعة ص 494.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 8/ 2579 (14432).

ص: 25

‌1 - [باب] قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآية [النور: 6]

4745 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ عُوَيْمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلَانَ فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ سَلْ لِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَسَائِلَ، فَسَأَلَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللهِ لَا أَنْتَهِى حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَصْنَع؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «قَدْ أَنْزَلَ اللهُ الْقُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ» . فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُلَاعَنَةِ بِمَا سَمَّى اللهُ فِي كِتَابِهِ، فَلَاعَنَهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ حَبَسْتُهَا فَقَدْ ظَلَمْتُهَا، فَطَلَّقَهَا، فَكَانَتْ سُنَّةً لِمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلاَّ قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا، إِلاَّ قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا» . فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ، فَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ. [انظر: 423 - مسلم: 1492 - فتح: 8/ 448]

ساق فيه حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ عُوَيْمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي العَجْلَانَ فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا

الحديث بطوله في اللعان.

ويأتي في بابه إن شاء الله.

ص: 26

وأخرجه أيضا في الصلاة والطلاق والاعتصام

(1)

ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه

(2)

(3)

.

وعاصم هذا أوسي شهد بدرًا على الأصح وما بعدها مات سنة خمس وأربعين وقارب مائة وعشرين سنة وبنته سهلة كانت عند ابن عوف. وبنو العجلان: بطن من بلى. وابنه أبو البداح مات سنة سبع عشرة ومائة في خلافة هشام عن أربع وثمانين. وأخوه معن بن عدي عقبي بدري، وقتل هو باليمامة ومؤاخيه زيد بن الخطاب، والجميع [

]

(4)

.

وعويمر هو ابن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان

(5)

.

وشريك المرمي به هو: ابن عبدة بتحريك الباء ابن مغيث بن الجد ابن العجلان والسحماء أمه وأم البراء بن مالك قيل: إنه شهد مع أبيه أحدًا.

(1)

سيأتي برقم (5259)، (5308)، (7304).

(2)

أبو داود (2245)، النسائي 6/ 143، ابن ماجه (2066).

(3)

ورد بهامش الأصل ما نصه: في أطراف المزي تطريف هذا الحديث، فقال: في الطلاق وفي التفسير وفي الاعتصام وفي الأحكام، وفي المحاربين وفي التفسير أيضًا وفي الصلاة وفي الطلاق أيضًا، فالحاصل: أنه أخرجه في الطلاق مرتين وكذا في التفسير.

(4)

كلام غير واضح بالأصل. والذي في "الاستيعاب" 4/ 3 أنهما قتلا جميعًا يومئذ. أي يوم اليمامة.

(5)

ذكره كذلك الطبري -كما في "الاستيعاب" 3/ 298 - والخطيب في "الأسماء المبهمة" ص 208، وفي "سنن أبي داود"(2245) أنه عويمر بن أشقر العجلاني، وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 298: عويمر بن أبيض العجلاني الأنصاري، وصوَّب الحافظ في "الفتح" 9/ 447 أنه ابن الحارث، وقال: فلعل أباه كان يلقب أشقر أو أبيض.

ص: 27

وكانت الملاعنة في شعبان سنة تسع، وكان عويمر قدم من تبوك فوجدها حبلى وعاش ذلك المولود سنتين ثم مات وعاشت أمه بعده يسيرًا. ذكره بعضهم

(1)

، لكن في كتاب أبي داود: أنه كان -يعني: الغلام- أميرًا على مصر، وما يُدعى لأبٍ

(2)

.

وأما أحكامه: ففيه سؤال العالم من هو أعلم منه، وفي تركه الإنكار على عويمر لمَّا قال ذلك، قتل فاعل ذلك، ودعواه ذلك؛ لأن إقراره كحكمه.

وقوله: "قد أنزل فيك الله القرآن" قيل: "وفي صاحبتك" ظاهره أنه أول لعان كان في الإسلام.

والجمهور على أن أول لعان هلال بن أمية وقد ثبت ذلك مصرحًا به في "مسلم"

(3)

، وأُول الأول على أن معناه ما نزل في قصة هلال؛ لأن ذلك حكم لجميع الناس، وجمع الداودي بينهما بأن قال: يحتمل أن يكونا جميعا في وقت فنزل القرآن فيهما أو يكون أحدهما وهمًا

(4)

.

قوله: (إن حبستها فقد ظلمتها فطلقها) فكانت سنة استدل به بعض أصحاب أبي حنيفة على أن نفس اللعان ليس بطلاق، لكن الشارع أجاب بأنه لا ملك له عليها، وبه قال مالك والشافعي والجمهور أن

(1)

ذكر هذِه الرواية الزيلعي في "نصب الراية" 3/ 253 وعزاها لابن سعد في "الطبقات".

(2)

أبو داود (2256) وفيه: (أميرًا على مُضَر). وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "مختصر السنن" للمنذري 3/ 169: في "السنن" والمنذري: (مضر) بالضاد المعجمة، وأنا أرجح أنه تصحيف؛ لأن رواية الطيالسي: لقد رأيته أمير مصر من الأمصار. اهـ. وانظر: "مسند الطيالسي" 4/ 391 (2789).

(3)

مسلم (1496) كتاب: اللعان، من حديث أنس بن مالك.

(4)

في الأصل: وهم، وفي الهامش: صوابه وهمًا.

ص: 28

الفرقة تقع بينهما بنفس اللعان وتحرم على التأبيد ولا يتوقف على لعانها عندنا خلافًا لبعض المالكية

(1)

.

والأسحم -بالحاء المهملة- شديد السواد

(2)

، وقال الداودي: أو يميل إليها.

والدعج في العين: شدة سوادها (مع)

(3)

شدة البياض

(4)

، وقال

الداودي: الدعج في العين: دون السواد شيئا، قال: وقيل: هو

الأكحل، وحديث ابن عباس الآتي:"أكحل العين".

والألية -بفتح الهمزة- العجز، يقال: رجل آلي وامرأة عجزاء

(5)

، وقال هنا:"عظيم الأليتين"، وفي حديث ابن عباس:"سابغ الأليتين". و"خدلج الساقين": عظيمهما.

وقوله: "وإن جاءت به أحيمر" هو تصغير أحمر، وهو الأبيض، وهو غير مصروف. قال ابن التين: وصوابه أحيمرًا. قال: والأحمر: الشديد الشقرة.

والوَحَرَة -بفتح الواو والحاء المهملة: دويبة تلزق بالأرض كالغطاءة، شبهه بها لقصره وحمرتها، وفي أبي داود صفات أخر له

(6)

.

(1)

انظر: "مختصر الطحاوي" ص 215، "الهداية" 2/ 304، "التفريع" 2/ 100، "الإشراف" لعبد الوهاب 2/ 161، "عيون المجالس" 3/ 1311 - 1313، "الأم" 5/ 291، "روضة الطالبين" 8/ 331، "المغني" 11/ 147.

(2)

انظر: "غريب الحديث" للخطابي 1/ 271، "الفائق" 2/ 160، "النهاية في غريب الحديث" 2/ 348.

(3)

في الأصل: (من) وفي الهامش: لعله (مع).

(4)

انظر: "المخصص" 1/ 99.

(5)

انظر: "غريب الحديث" لابن الجوزي 1/ 39.

(6)

أبو داود (2256) من حديث ابن عباس.

ص: 29

وفيه: أن الشبه معتبر، لكن عارضه الفراش، وهو أقوى، وكذلك صنع في ابن وليدة زمعة

(1)

، وإنما يحكم بالشبه وهو حكم القافة إذا استوت العلائق.

وفيه من الفوائد أيضا: الاستعداد للوقائع بعلم أحكامها قبل وقوعها، والرجوع إلى من له الأمر، وإجراء الأحكام على الظاهر، والله يتولى السرائر، وأن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما حدًا ولا تعزيرًا، وإن علمنا كذب أحدهما على الإيهام.

وقوله في الحديث بعد: (جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض لها).

فيه: إثبات التوارث بينهما، وهو إجماع فيما بينه وبين الأم، وكذا بينه وبين أصحاب الفروض من جهة أمه، وبه قال الزهري ومالك وأبو ثور، وقال أحمد: إذا انفردت الأم أخذت جميع ماله بالعصوبة وقال أبو حنيفة: إذا انفردت أخذت الجميع لكن الثلث فرضا والباقي ردًا على قاعدته في إثبات الرد

(2)

. وقوله فيه: (وكانت حاملًا) فيه دلالة أن الحامل تلاعن خلافا لأبي حنيفة، ومذهب مالك انتفاء الحمل وإن كان متقدمًا، وله قول آخر فيه

(3)

.

(1)

سلف برقم (2053).

(2)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 479 - 481، "الاستذكار" 15/ 510 - 513.

(3)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 510، "النوادر والزيادات" 5/ 335، "الإشراف" لابن المنذر 2/ 234.

ص: 30

‌2 - [باب] قوله: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)} [النور: 7]

4746

- حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلاً رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ؟ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّلَاعُنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ قُضِيَ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ» . قَالَ فَتَلَاعَنَا، وَأَنَا شَاهِدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَفَارَقَهَا فَكَانَتْ سُنَّةً أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَكَانَتْ حَامِلاً، فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَيْهَا، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمِيرَاثِ أَنْ يَرِثَهَا، وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللهُ لَهَا. [انظر: 423 - مسلم: 1492 - فتح: 8/ 448]

ذكر فيه حديث سهل أيضا، أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا رأى مع امرأته رجلًا أيقتله؟ الحديث.

وقد سلف، واللعان يجري بين الزوجين مطلقا عند الجمهور، وخالف أبو حنيفة في الرقيق والذمي والمحدود في القذف

(1)

.

(1)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 500، "الاستذكار" 17/ 243، "الإشراف" 2/ 240 - 241.

ص: 31

‌3 - [باب] قَوْلِهِ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)} [النور: 8]

4747 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلاً يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْبَيِّنَةَ وَإِلاَّ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ هِلَالٌ، فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» . ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا إِنَّهَا مُوجِبَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهْوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ» . فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ». [انظر: 2671 - فتح: 8/ 449]

ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"البينة أو حد في ظهرك" الحديث.

ويأتي مسندا في الشهادات والطلاق

(1)

.

(1)

سيأتي برقم (5307) باب: يبدأ الرجل بالتلاعن.

ص: 32

وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه

(1)

(2)

.

وفيه: أن القذف موجب للحد ولاعن

(3)

، وبه قال مالك والشافعي

(4)

، وقال أبو حنيفة: لا حد عليه وإن لم يلاعن حبس حتى يلاعن قال: لأنه عليه السلام لم يجعل عليه حدًا، وهو وقت البيان، لكن قد بينه في حديث هلال، وهو الأول كما سلف، وإذا بين الشيء لا يلزمه تكراره

(5)

، وجواب بعض المالكية فيما حكاه ابن التين: لم يحد؛ لأنه لم يطالب، ولأن شريكا كان ذميًا، وهو غير جيد؛ لأنه صحابي أحدي -كما سلف- فإسلامه متقدم على هذا بسنتين.

وإن قذفها ولم يسم الرجل قيل: يحد، فيه قولان للشافعي، والمنع هو قول مالك وأبي حنيفة

(6)

.

فصل:

وفيه:

وعظ الإمام وعرض التوبة على المذنبين.

(1)

أبو داود (2254)، الترمذي (3179)، ابن ماجه (2067).

(2)

ورد بهامش الأصل: من قوله: ويأتي في الشهادات إلى ابن ماجه مخرج في الهامش بخط شيخنا المؤلف وصوابه أن يقول: تقدم في الشهادات ويأتي في الطلاق، والباقي صحيح فاعلمه.

(3)

أي: أنه إذا قذف امرأته مع البينة فقد وجب اللعان، وإن نكل عن اللعان أو لم يأت بالبينة فقد وجب عليه الحد.

(4)

انظر: "التفريع" 2/ 98، "الإشراف" 2/ 157، "عيون المجالس" 3/ 1293 - 1296، "الإشراف" لابن المنذر 1/ 240، "روضة الطالبين" 8/ 321.

(5)

انظر: "بدائع الصنائع" 3/ 238، "المبسوط" 7/ 39 - 40، "المنتقى" 4/ 77.

(6)

انظر: "المنتقى" 4/ 71، "الأم" 5/ 116.

ص: 33

والبدأة بالزوج في اللعان. فلو لاعنت قبله لم يصح لعانها، وصححه أبو حنيفة، وهو مشهور مذهب مالك

(1)

.

وأن ألفاظه هي المذكورة في القرآن.

وأن اللعان يكون بحضرة الإمام أو القاضي، وأنه يلاعن بينهما. وأن من فهم منهم الإقرار بشيء لا يؤاخذ به حتى يقر، وأن اللعان من قيام.

فصل:

معنى فتلكأت تبطأت وتوقفت

(2)

. و (نكصت): رجعت

(3)

.

وقوله: ("أبصروها") هو بقطع الهمزة مفتوحة من أبصر يبصر، يقال: أبصرت الشيء إذا رأيته، وبصرت به إذا صرتُ به بصيرا، وكذا قوله في حديث عويمر:"انظروا".

(1)

انظر: "بدائع الصنائع" 3/ 237 - 238، "المنتقى" 4/ 77.

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" 4/ 268.

(3)

انظر: "الصحاح" 3/ 1060 [نكص]، "النهاية في غريب الحديث".

ص: 34

‌4 - [باب] قَوْلِهِ: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} [النور: 9]

4748 -

حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً رَمَى امْرَأَتَهُ فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَلَاعَنَا كَمَا قَالَ اللهُ، ثُمَّ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ. [5313،5306، 5314. 5315،

6748 -

مسلم: 1494 - فتح: 8/ 451]

ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا رَمَى أمْرَأَتَهُ وانتفى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِهِمَا فَتَلَاعَنَا كَمَا قَالَ اللهُ، ثمَّ قَضَي بِالْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ المُتَلَاعِنَيْنِ.

الشرح:

هذا الحديث أخرجه في الطلاق (ومسلم هنا)

(1)

، وهذا الرجل هو العجلاني.

وفيه من زيادة الأحكام: نفي الولد والتحاقه بالمرأة وانقطاعه عنه إلا إذا أكذب نفسه، وقال أبو حنيفة وجماعة: إذا أكذب نفسه ضرب الحد

(2)

.

وفيه أيضا: الملاعنة بحضرة الإمام -كما سلف- وحضره سهل أيضا، وهو دال على أنه يراعي حضور الجماعة، وأقلهم عدًّا أربعة، لكن الأصح عندنا أنه على وجه الاستحباب، لا الإيجاب، وبه قال

(1)

قلت: أخرجه مسلم في كتاب: اللعان (1494) ولم أجده عنده في التفسير.

(2)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 506 - 515، "الاستذكار" 17/ 235، "الإشراف" 2/ 245.

ص: 35

أبو حنيفة، وانفرد عثمان بن سليمان البتي، حيث قال: لا فرقة بين المتلاعنين، وهما على نكاحهما

(1)

، والسنة قاضية عليه، نعم قال أبو حنيفة: لابد من حكم الحاكم بها

(2)

.

(1)

انظر: "شرح ابن بطال" 7/ 466، "إكمال المعلم" 5/ 82.

(2)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 505، "الاستذكار" 17/ 222 - 223، "الإشراف" 1/ 233.

ص: 36

‌5 - [باب] قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11]

أَفَّاكٌ: كَذَّابٌ.

4749 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها {وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور:11] قَالَتْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ. [انظر: 2593 - فتح: 8/ 451]

ذكر فيه عن عَائِشَةَ رضي الله عنها {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} قَالَتْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَى بْنُ سلُولَ. هو قول ابن عباس أيضا وجماعات، وذكر البخاري بعدُ (حمنة)

(1)

معه حسان أيضا.

ومعنى: {تَوَلَّى كِبْرَهُ} استبد بمعظمه وانفرد به. قالت عائشة أيضا: والعُصبة أربعة هؤلاء وزيادة مسطح بن أثاثة، والعُصبة في قول ابن فارس نحو العشرة

(2)

، وقال ابن عزيز: عصبة: جماعة من العشرة إلى الأربعين.

(1)

هي أخت السيدة زينب بنت جحش وانظر ترجمتها في "الثقات" لابن حبان 3/ 99، و"الاستيعاب" 4/ 374، و"الإكمال" 2/ 514.

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 671 - 672.

ص: 37

‌6 - [باب] قوله: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} إلى {الْكَاذِبُونَ} [النور: 12، 13]

4750 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَمَا نَزَلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيه، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ اْنْقَطَعَ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا تَأْكُلُ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ، وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ،

ص: 38

فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ، بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم اللَّطَفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ:«كَيْفَ تِيكُمْ؟» . ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي، وَلَا أَشْعُرُ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ مَا نَقَهْتُ، فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ -وَهْوَ مُتَبَرَّزُنَا- وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ، فَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهْيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي، قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا! قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ، أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَعْنِى سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ:«كَيْفَ تِيكُمْ؟» . فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِىَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ، مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَيْكَ فَوَاللهِ، لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّه! وَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِى فَدَعَا

ص: 39

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنهما حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِى يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِى يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهْلَكَ، وَمَا نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ عَلَيْهَا مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ» . قَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَعْذَرَ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَر: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ، قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً، مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي» . فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَاريُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ، ضَرَبْتُ عُنُقَهُ؛ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا -مِنَ الْخَزْرَجِ- أَمَرْتَنَا، فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ -وَهْوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ- وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ: فَمَكُثْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي -وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَلَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ- يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ

ص: 40

عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا، لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي، قَالَتْ فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللهِ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ» . قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ. قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: لأُمِّي أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ، إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ -وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ - وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلاً إِلاَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِىَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ، وَهْوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُرِّيَ عَنْهُ وَهْوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا:«يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللهُ عز وجل فَقَدْ بَرَّأَكِ» . فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ وَاللهِ، لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلاَّ اللهَ عز وجل. وَأَنْزَلَ اللهُ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسِبُوهُ} [النور: 11] الْعَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه -وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، وَفَقْرِهِ-: وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ

ص: 41

لِعَائِشَةَ مَا قَالَ. فَأَنْزَلَ اللهُ {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} [النور: 22] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَاللهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ:«يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟» . فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْرًا. قَالَتْ: وَهْيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الإِفْكِ. [انظر: 2593].

ثم ساق حديث الإفك بطوله.

وقد سلف في الشهادات

(1)

، وسلف قطعة منها في غيرها فراجعه

(2)

.

وقولها هنا: (فادّلج، فأصبح عند منزلي). هو بوصل الألف وتشديد الدال أصله: دلج، أي: سار آخر الليل، فإن أردت السير كل الليل قلت: أدلج، بقطعها.

و (نقهت) قد أسلفنا هناك فتح القاف وضمها، وادعى ابن التين أنه في الأمهات بالكسر، وأنه عند أهل اللغة بالفتح.

وقولها في أم مسطح: (هي ابنة أبي رُهم بن عبد مناف) أي: ابن المطلب بن عبد مناف.

وقولها: (وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق) أم الصديق: أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة.

(1)

سلف برقم (2661).

(2)

برقم (2637، 4025، 4749).

ص: 42

وقولها: (فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح) كذا هنا، وقال بعدُ في قوله:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ} : أنها عثرت ثلاثًا وهي تقول: تعس مسطح

(1)

.

وقولها: (فرجعتُ إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلا ولا كثيرا) ظاهره أنها لم تكن قضت ما خرجت إليه خلاف ما نحن فيه، فإنه ساكت عن ذلك.

قولها: (فاستعذر من عبد الله بن أبي) ظاهره: أن ذلك بعد علم عائشة بالحديث وظاهر حديثها في قوله: {وَلَا يَأْتَلِ} خلافه.

وقوله: ("ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي") وكذا ذكره فيما مضى، وقال فيما سيأتي:"والله ما علمت عليه من سوء قط ولا دخل في بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي".

وقولها: (وأنَّ [الله]

(2)

مبرئي ببراءتي) كذا في الأصول، وفي بعضها: مبرئني، وادعى ابن التين أنه الأكثر في النسخ وأنه ليس ببين؛ لأن نون الوقاية إنما تدخل في الأفعال لتسلم من الكسر، والأسماء تكسر فلا تفتقر إلى نون وقاية.

وقولها: (ولا أحمد إلا الله) وذكر بعد: (ولا أحمده، ولا أحمدكما ولكن أحمد الله).

وقولها في زينب: (فعصمها الله بالورع)، وقالت بعد:(بدينها).

(1)

سيأتي برقم (4757).

(2)

ليست في الأصل، والمثبت من اليونينية.

ص: 43

‌7 - [باب] قوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} الآية [النور: 14]

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَلَقَّوْنَهُ} [النور: 15]: يَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ، [{تُفِيضُونَ} [يونس: 61]: تَقُولُونَ].

4751 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ أُمِّ رُومَانَ -أُمِّ عَائِشَة- أَنَّهَا قَالَت: لَمَّا رُمِيَتْ عَائِشَةُ خَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا [انظر: 3388 - فتح: 8/ 483]

هذا تفسير فتح اللام مع تشديد القاف، وهي قراءة الأكثر، فمنهم من أدغم الذال في التاء ومنهم من أظهرها

(1)

، وقيل: يجوز أن يكون معناه من التلقي للشيء، وهو أخذه وقبوله، وقراءة عائشة بكسر اللام وتخفيف القاف من الولق: وهو الإسراع في الكذب، وقيل: هو الكذب، وهي قراءة يحيى بن يعمر، وقراءة محمد بن السميفع بضم التاء وسكون اللام، وضم القاف، وقرأ أبي وابن مسعود: إذ تتلقَّونَهُ من التلقي

(2)

.

(ص)({تُفِيضُونَ}: تَقُولُونَ) فمعنى {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} لأصابكم فيما أخذتم، خضتم {فِيهِ} من الكذب {عَذَابٌ عَظِيمٌ} في الدنيا والآخرة. قال ابن عباس: لا انقطاع له.

(1)

أدغمها أبو عمرو، وحمزة، والكسائي (إذ تَّلقونه)، وأظهرها باقي السبعة. انظر:"الحجة" للفارسي 5/ 317.

(2)

انظر: "المحتسب" لابن جني 2/ 104 - 105، "زاد المسير" 6/ 21، وذكر ابن الجوزي أن قراءة أُبي مثل قراءة السيدة عائشة رضي الله عنهما، وعند الطبري 9/ 285 مثل ما ذكره المصنف.

ص: 44

ثم قال البخاري: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سلَيْمَانُ، عَنْ حُصيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ أُمِّ رُومَانَ -أُمَ عَائِشَةَ رضي الله عنهما أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا رُمِيَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها خَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا.

كذا في الأصول، وفي بعض الروايات: سفيان بدل سليمان وهو الصواب

(1)

. كما نبه عليه الجياني

(2)

، وهو سليمان بن كثير، أخو محمد، ومحمد مشهور بالرواية عن أخيه، ولما رواه الإسماعيلي، عن أبي يعلى والحسن قالا: أنا ابن أبي شيبة، ثنا ابن فضيل، عن حصين بزيادة: فما أفاقت إلا وعليها حمى، مناقض ذلك، وهذا الذي رواه البخاري في الباب لا يتصل بالترجمة.

وقوله: (مغشيا عليها) قال ابن التين: صوابه: مغشية.

(1)

ورد بهامش الأصل: يعني: سليمان لا سفيان فاعلمه، وهو سليمان بن كثير أخو محمد بن كثير، كذا صوبه ابن قرقول والجياني من قبله، وقد عزاه المؤلف إلى الخطابي.

(2)

"تقييد المهمل" 2/ 697.

ص: 45

‌8 - [باب] قوله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ} الآية [النور:15]

4752

- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقْرَأُ {إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}. [انظر: 4144 - فتح: 8/ 482].

ذكر فيه حديث ابن أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقْرَأُ {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} .

وقد سلف الكلام عليه.

ص: 46

‌9 - [باب] قوله: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} الآية [النور: 16]

4753 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَبْلَ مَوْتِهَا عَلَى عَائِشَةَ، وَهْيَ مَغْلُوبَةٌ قَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ. فَقِيلَ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَتِ: ائْذَنُوا لَهُ. فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ. قَالَ: فَأَنْتِ بِخَيْرٍ -إِنْ شَاءَ اللهُ- زَوْجَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ. وَدَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلَافَهُ فَقَالَتْ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَيَّ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا. [انظر:3771 - فتح: 8/ 482]

4754 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيد، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْن، عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ نِسْيًا مَنْسِيًّا. [فتح: 8/ 483]

ذكر البخاري في آخر كتاب الاعتصام: فقال رجل من الأنصار: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، الآية

(1)

.

قال ابن إسحاق وغيره: هو أبو أيوب الأنصاري

(2)

.

ثم ساق البخاري حديث ابن أَبِي مُلَيْكَةَ: اسْتَاذَنَ ابن عَبَّاسٍ على عائشة رضي الله عنها قَبْلَ مَوْتِهَا، وَهْيَ مَغْلُوبَةٌ، قَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ. فَقِيلَ: ابن عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومِنْ وُجُوهِ المُسْلِمِينَ. قَالَتِ: ائْذَنُوا لَهُ. فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ إِنِ اْتَّقَيْتُ. قَالَ: فَأَنْتِ بِخَيْرٍ

(1)

سيأتي برقم (7370).

(2)

رواه الواحدي في "أسباب النزول"(636) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 47

-إِنْ شَاءَ اللهُ- زَوْجَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ. وَدَخَلَ ابن الزُّبَيْرِ خِلَافَهُ، فَقَالَتْ: دَخَلَ علي ابن عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا.

ثم ساق عَنِ القَاسِمِ أَنَّ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما استَأذَنَ عَلَى عَائِشَةَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ نِسْيًا مَنْسِيًّا.

وعلقه في النكاح في باب: نكاح الأبكار فقال: وقال ابن أبي مليكة: وقال ابن عباس: لم ينكح رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرًا غيرك. وقد أسنده هنا وذكره أصحاب الأطراف في مسند ابن عباس، وهو كذلك، ورواه أحمد عن عبد الرزاق، أنا معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ابن أبي مليكة، عن ذكوان مولى عائشة، أنه استأذن لابن عباس على عائشة، وهي تموت، وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فذكره بنحوه، وفيه: إنك أحب أزواج رسول الله إليه، ولم يحب إلا طيبًا، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، فليس في الأرض من مسجد إلا وهو يتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء، فنزل التيمم فوالله إنك لمباركة

(1)

. وهذِه الرواية تدل على إرسال رواية البخاري، وأن ابن أبي مليكة لم يشهد ذلك ولا سمعه منه حالة قولها لعدم حضوره.

فائدة:

معنى (نسيًا منسيًا): ليتني لم أك شيئا، وفي استئذان ابن عباس عليها دلالة أن الصحابة كانوا يعودون أمهات المؤمنين.

(1)

"مسند أحمد" 1/ 349.

ص: 48

[باب] قوله: {يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)} [النور: 17]

4755

- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا. قُلْتُ: أَتَأْذَنِينَ لِهَذَا؟ قَالَتْ: أَوَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ. قَالَ سُفْيَانُ: تَعْنِي ذَهَابَ بَصَرِهِ. فَقَالَ:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

قَالَتْ لَكِنْ أَنْتَ .. [انظر: 4146 - مسلم: 2488 - فتح: 8/ 484]

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي

الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَ حَسَّانُ

بْنُ ثَابِتٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا. قُلْتُ: أَتَأْذَنِينَ لهذا؟ قَالَتْ: أَوَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ

عَذَابٌ عَظِيمٌ. قَال سُفْيَانُ: تَعْنِي ذَهَابَ بَصَرِهِ. فَقَالَ:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِل

قَالَتْ: لكن أَنْتَ.

ص: 49

‌10 - [باب] قوله: {وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)} [النور: 18]

4756 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ فَشَبَّبَ وَقَالَ:

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

قَالَتْ لَسْتَ كَذَاكَ. قُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ {وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} ؟ [النور: 18] فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى وَقَالَتْ: وَقَدْ كَانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 4146 - مسلم: 2488 - فتح: 8/ 485]

وساق فيه من حديث شعبة، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ على عَائِشَةَ فَشَبَّبَ وَقَالَ:

حَصَانٌ .. البيت

قَالَتْ: لَسْتَ كذلك. قُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هذا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} ؟ [النور: 11] فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ العَمَى؟! وَقَالَتْ: كَانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

الشرح:

محمد بن يوسف هو الفريابي، لا البيكندي الراوي عن ابن عيينة، وسفيان هو الثوري، لا ابن عيينة، وإن كان ابن عيينة روى عن الأعمش؛ لتصريح الإسماعيلي في "صحيحه" بأن محمدا هو الفريابي وسفيان هو الثوري في روايته لهذا الحديث في نفس الإسناد، ثم قال: ليس الحديث من ترجمة الباب في شيء، وفي هذِه القصيدة التي لحَسَّان أبيات حسان، منها:

ص: 50

حليلة خير الناس دينًا ومنصبًا

نبي الهدى والمكرمات الفواضل

عقيلة حي من لؤي بن غالب

كرام المساعي مجدها غير زائل

مهذبة قد طيب الله (خيمها)

(1)

وطهرها من كل سوء وباطل

فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم

فلا رفعت سوطي إليَّ أناملي

وكيف وودي ما حييت ونصرتي

لآل رسول الله زين المحافل

فإن الذي قد قيل ليس بلائق

بك الدهر بل قيل امرئ متحامل

و (حصان رزان) بفتح أولهما أي: عفيفة كاملة العقل، ذات ثبات ووقار وسكون، و (تزن) أي: تتهم، و (غرثى): أي جائعة، أي لا تغتاب أحدا؛ لأنها لو اغتابتهم شبعت من لحومهم، و (الغوافل): العفائف عما يرمين به.

قال أبو العباس: يريد أن عائشة في غاية العفة والنزاهة والورع المانع لها أن تتكلم في عرض غافلة، وشبَّهها بالغرثى؛ لأن بعض الغوافل آذاها، فما تكلمت فيها، فكأنها كانت بحيث تنتصر ممن آذاها بأن تقابلها بما يؤذيها، لكن حجزها عن ذلك عقلها وورعها

(2)

.

وقوله: (لكن أنت)، وفي رواية:(لست كذلك)، تعني: لكن أنت لم تصبح غرثان من لحوم الغوافل، وهو دال على أنه خاض فيمن خاض، وقد ذكر أبو داود أنه حُدَّ

(3)

. زاد الطحاوي: ثمانين

(4)

، وكذا حمنة ومسطح ليكفر الله عنهم بذلك إثم ما صدر منهم حتى لا يبقى عليهم تبعة في الآخرة.

(1)

في هامش الأصل: في الأصل (جيبها).

(2)

"المفهم" 6/ 421 - 422.

(3)

أبو داود (4475).

(4)

"تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار" 5/ 292 (3374).

ص: 51

وأما ابن أُبيّ فإنه لم يحد لئلا ينقص من عذابه شيء، أو تألفًا لقومه وإطفاء للفتنة، وقد روى القشيري في "تفسيره" عن ابن عباس أنه حد ثمانين. قال القشيري: مسطح لم يثبت عنه قذف صريح فلم يذكر فيمن حد، كذا قال. وقد سلف خلافه، وأغرب الماوردي فقال: إنه لم يحد أحد من أهل الإفك

(1)

.

(1)

"النكت والعيون" 4/ 81، وقد حكاه الماوردي نقلًا ولم يتبناه.

ص: 52

‌11 - [باب] قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} إلى قوله: {رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 19، 20]

تشيع: تظهر، أي: تنتشر، وَقَوْلِهِ:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ [أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} ] [النور: 22].

4757 -

وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيَّ خَطِيبًا، فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي، وَأيْمُ اللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلاَّ وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلاَّ غَابَ مَعِي» . فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ -وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ-فَقَالَ: كَذَبْتَ، أَمَا وَاللهِ، أَنْ لَوْ كَانُوا مِنَ الأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ. حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَا عَلِمْتُ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ. فَعَثَرَتْ وَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَقُلْتُ: أَيْ أُمِّ تَسُبِّينَ ابْنَكِ وَسَكَتَتْ ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: تَسُبِّينَ ابْنَكِ ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ. فَانْتَهَرْتُهَا، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا أَسُبُّهُ إِلاَّ فِيكِ. فَقُلْتُ: فِي أَيِّ شَأْنِي؟ قَالَتْ: فَبَقَرَتْ لِي الْحَدِيثَ فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي كَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلاً وَلَا كَثِيرًا، وَوُعِكْتُ فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي. فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلَامَ، فَدَخَلْتُ

ص: 53

الدَّارَ فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِي السُّفْلِ وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ. فَقَالَتْ أُمِّي: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ فَأَخْبَرْتُهَا وَذَكَرْتُ لَهَا الْحَدِيثَ، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنِّي، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ خَفِّضِى عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإِنَّهُ وَاللهِ، لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ، إِلاَّ حَسَدْنَهَا وَقِيلَ فِيهَا. وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي، قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهْوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ فَقَالَ لأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا. فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ أَيْ بُنَيَّةُ إِلاَّ رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ. فَرَجَعْتُ وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتِي، فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا إِلاَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا أَوْ عَجِينَهَا. وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ، وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلاَّ مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ. وَبَلَغَ الأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! وَاللهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللهِ. قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، فَلَمْ يَزَالَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَقَدِ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا أَوْ ظَلَمْتِ، فَتُوبِي إِلَى اللهِ، فَإِنَّ اللهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ» . قَالَتْ: وَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَهْيَ جَالِسَةٌ بِالْبَابِ فَقُلْتُ: أَلَا تَسْتَحِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا. فَوَعَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَالْتَفَتُّ إِلَى أَبِي فَقُلْتُ: أَجِبْهُ. قَالَ: فَمَاذَا أَقُولُ؟ فَالْتَفَتُّ إِلَى أُمِّي فَقُلْتُ: أَجِيبِيهِ. فَقَالَتْ: أَقُولُ مَاذَا؟ فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ فَوَاللهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ. وَاللهُ عز وجل يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ، مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ، لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ، وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي فَعَلْتُ. وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ، لَتَقُولُنَّ قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً -وَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ- إِلاَّ أَبَا

ص: 54

يُوسُفَ حِينَ قَالَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَاعَتِهِ فَسَكَتْنَا، فَرُفِعَ عَنْهُ، وَإِنِّي لأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، وَهْوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ:«أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ بَرَاءَتَكِ» . قَالَتْ: وَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبًا فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قُومِي إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُهُ وَلَا أَحْمَدُكُمَا، وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ، فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: أَمَّا زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَعَصَمَهَا اللهُ بِدِينِهَا، فَلَمْ تَقُلْ إِلاَّ خَيْرًا، وَأَمَّا أُخْتُهَا حَمْنَةُ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْمُنَافِقُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَهْوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهْوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنَةُ. قَالَتْ: فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النور: 22] إِلَى آخِرِ الآيَةِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ {وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} [النور: 22]-يَعْنِي مِسْطَحًا- إِلَى قَوْلِهِ {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، وَاللهِ يَا رَبَّنَا إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا، وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ. [انظر: 2593 - مسلم: 2770 - فتح: 8/ 487]

وقال أبو أسامة: عن هشام بن عروة: أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر .. بطوله. أسنده مسلم

(1)

عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب، عن أبي أسامة به

(2)

.

خاتمة:

قال هشام بن عمار: سمعت مالكًا يقول: من سب أبا بكر وعمر أُدِّب، ومن سب عائشة قتل؛ لأن الله تعالى يقول: {يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ

(1)

في هامش الأصل: والترمذي في التفسير عن محمود بن غيلان، عن أبي أسامة به، وقال: حسن صحيح غريب من حديث هشام.

قلت (المحقق): انظر الترمذي (3180).

(2)

مسلم (2770/ 58) كتاب: التوبة، باب: في حديث الإفك وقبول توبة القاذف.

ص: 55

تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)} [النور: 17] فمن سبها فقد خالف القرآن وقتل، ومن سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله، ومن كذب الله فهو كافر

(1)

.

وعند الشافعي من سبها أدب، حكاه ابن العربي عنه

(2)

.

وقال القاضي حسين في "اختلاف نية الإمام والمأموم": إذا سب الشيخين أو الحسن أو الحسين هل يكفر؟ فيه وجهان

(3)

.

قوله: ("وَأيْمُ اللهِ") اختلف في ألفه، هل هي ألف وصل أو قطع.

وقوله: (فقام سعد بن عبادة فقال: ائذن لي يا رسول الله بضرب أعناقهم) هو وهم من أبي أسامة أو من هشام، وصوابه: سعد بن معاذ كما نبه عليه الدمياطي.

وكذا قال ابن التين: هذا ليس بصحيح.

والأحاديث كلها: سعد بن معاذ، والذي عارضه سعد بن عبادة. كذا ذكره قريبًا، وكذا أسلفه في الشهادات

(4)

، وقد أسلفنا هناك أن ابن حزم وغيره وهَّى رواية سعد بن معاذ فراجعه. وأم حسان بن ثابت اسمها الفريعة بفاء وعين مهملة.

وقولها: (فوعكت) الوعك: الحمى. وزاد هنا: (فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار، فوجدت أم رومان في السفل، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية؟).

(1)

انظر: "المنتقى" 7/ 206.

(2)

"أحكام القرآن" 3/ 1356.

(3)

انظر: "فتاوى السبكي" 2/ 575.

(4)

سلف برقم (2661) باب: تعديل النساء: بعضهم بعضًا.

ص: 56

قال الداودي: وفي قولها: (فإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني) معان، أمَّا أحدها: فإن أم رومان أمها قد مارست من الرزايا ما هون عليها ذلك

(1)

.

والخادم هي بريرة، وفيه دلالة على إطلاقه على من عتقت. وقولها:(وقد اكتنفني أبواي) أي: أحاطا بي.

(1)

الرزايا: المصائب "الصحاح" 1/ 53 ولعله يقصد أنها قابلت من المصاعب والمصائب مما جعلها أكثر تجلدًا.

ص: 57

‌12 - [باب] قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}

4758 -

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ. [4759 - فتح: 8/ 489]

4759 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. [انظر: 4758 - فتح: 8/ 489]

وقال أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: ثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عن ابن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ نِسَاءَ المُهَاجَرَاتِ الأُوَلَ"، لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تعالى:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَ فَاخْتَمَرْنَ بها. هذا أسنده ابن المنذر، عن محمد بن علي بن زيد الصائغ، عن أحمد به. ولشبيب نسخة عن يونس، عن الزهري.

والخمار: ما غطى به الرأس كالعمامة للرجل، والجيوب: الصدور، والنحور. والمروط: أكسية معلمة تكون من خز، وتكون من صوف. قيل: إن النساء: كن يلبسن الدرع وله جيب مثل جيب الدراعة، فتكون المرأة مكشوفة الصدر والنحر إذا لبسته، فأمرت بستر ذلك.

وفيه دلالة على أن صدر المرأة الحرة ونحرها عورة، ولا يجوز للأجنبي النظر إليهما منها.

ص: 58

ثم أسند البخاري من حديث صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] أَخَذْنَ أُزْرَهُنَ، فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الحَوَاشِي، فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. وقد بيناه.

والأزر: المآزر، وضرب الخمار على الجيب أن تغطي المرأة رأسها وترمي الخمار من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع، فالخمار المجزئ ما يغطي الرأس والعنق والصدر والعاتقين.

ص: 59

(25) ومن سورة الفُرْقَانِ

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {هَبَاءً مَنْثُورًا} : مَا تَسْفِي بِهِ الرِّيحُ. {مَدَّ ألظِّلَّ} : مَا بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ. {سَاكِنًا} : دَائِمًا. {عَلَيْهِ دَلِيلًا} طُلُوعُ الشَّمْسِ. {خِلْفَةً} : مَنْ فَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ عَمَلٌ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ فَاتَهُ بِالنَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ الحَسَنُ:{هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} : فِي طَاعَةِ اللهِ، وَمَا شَيْءٌ أَقَرَّ لِعَيْنِ المُؤْمِنِ أَنْ يَرى حَبِيبَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{ثُبُورًا} : وَيْلًا. وَقَالَ غَيْرُهُ السَّعِيرُ مُذَكَّرٌ، وَالتَّسَعُّرُ وَالاِضْطِرَامُ: التَّوَقُّدُ الشَّدِيدُ. {تُمْلَى عَلَيْهِ} : تُقْرَأُ عَلَيْهِ، مِنْ أَمْلَيْتُ وَأَمْلَلْتُ، الرَّسُّ: المَعْدِنُ، جَمْعُهُ: رِسَاسٌ. {مَا يَعْبَأُ} يُقَالُ: مَا عَبَأْتُ بِهِ شَيْئًا: لَا يُعْتَدُّ بِهِ. {غَرَامًا} : هَلَاكًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَعَتَوْا} : طَغَوْا. وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {عَاتِيَةٍ} عَتَتْ عَنِ الخُزَّانِ.

مكية، وقيل: إلا {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} [الفرقان: 70] وقيل: إلا {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68].

وقال الضحاك: هي مدنية، وفيها آيات مكيات، من أولها إلى قوله:{وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} [الفرقان: 3]

(1)

.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {هَبَاءً مَنْثُورًا}: مَا تَسْفِي بِهِ الرِّيحُ).

(1)

انظر: "تفسير القرطبي" 13/ 1.

ص: 60

أسنده ابن المنذر من حديث عطاء عنه، بزيادة: وتبثه

(1)

.

وقال غيره: إنه شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة

(2)

، وهباءً جمع هباءة، ويقال لما تطاير من تحت سنابك الخيل: هباء منبث.

(ص)({مَدَّ الظِّلَّ} مَا بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) أي: هو ظل لا شمس معه.

(ص)({سَاكِنًا}: دَائِمًا. {عَلَيْهِ})، لا يزول ولا تنسخه الشمس،

ومعنى {سَاكِنًا} : مقيمًا، كما يقال: فلان ساكن بحي كذا، إذا أقام به.

(ص)({دَلِيلًا}: طُلُوعُ الشَّمْسِ)، وهو قول ابن عباس

(3)

: تدل الشمس على الظل، يعني: لولا الشمس ما عرف الظل، ولولا النور ما عرفت الظلمة، فبضدها تتبين الأشياء.

(ص)(مَنْ فَاتَهُ باللَّيْلِ عَمَلٌ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ فَاتَهُ بِالنَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ) هو قول الحسن

(4)

، وقال مجاهد: يخلف هذا هذا

(5)

، وقيل:{خِلْفَةً} : مختلفين

(6)

، كقوله تعالى:{وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [البقرة: 164].

(ص)(وَقَالَ الحَسَنُ {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} فِي طَاعَةِ اللهِ، وَمَا شَيء أَقَرَّ لِعَيْنِ المُؤْمِنِ من أَنْ يَرى حَبِيبَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ). هذا أسنده عنه ابن المنذر من حديث جرير عنه، وقال: يرى والده أو ولده أو حميمه

(7)

.

(1)

رواه الطبري 9/ 381 (26331) من طريق ابن جريج، عن عطاء، به.

(2)

رواه الطبري 9/ 381 (26328) عن مجاهد.

(3)

رواه الطبري 9/ 395 (26403).

(4)

رواه الطبري 9/ 405 (26452).

(5)

رواه الطبري 9/ 406 (26456).

(6)

رواه الطبري 9/ 406 (26457) عن ابن زيد.

(7)

رواه الطبري بنحوه 9/ 424 (26554).

ص: 61

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {ثُبُوَراً}: وَيْلًا) أسنده أيضًا من حديث علي عنه

(1)

.

(ص)(وَقَالَ غَيْر: السَّعِيرُ يذكر، وَالتَّسَعُّرُ وَالاِضْطِرَامُ: التَّوَقُّدُ الشَّدِيدُ) قلت: أي: نار تلظى، تراهم من مسيرة مائة عام، قاله قتادة وغيره.

(ص)({تُمْلَى عَلَيْهِ}: تُقْرَأُ عَلَيْهِ، مِنْ أَمْلَيْتُ عليه وَأَمْلَلْتُ) أي: يحفظها لا ليكتبها؛ لأنه لم يكن كاتبًا.

(ص)(الرَّسُّ: المَعْدِنُ، جَمْعُهُ رِسَاسٌ) وقال مجاهد: كانوا على بئر لهم، يقال له: الرس، فنسبوا إليها

(2)

. وقيل: قتلوا نبيهم رَسُّوه في البئر. أي: دسوه فيها. والرس لغة: كل بئر غير مطوية.

وقال قتادة: أصحاب الأيكة وأصحاب الرس: أمتان أرسل إليهما شعيب فعذبوا بعذابين

وقال السدي: هو بئر بأنطاكية، قتلوا فيها حبيب

(3)

النجار فنسبوا إليها، وهو قول ابن عباس في رواية عكرمة، قال: سألت كعبًا عن أصحاب الرس فقال: هم الذين قتلوا صاحب ياسين القائل لهم: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس: 20] ورسوه في بئر لهم يقال له: الرس، أي: دسوه فيها كما سلف

(4)

.

(ص)({غَرَامًا}: هَلَاكًا)، أراد: دائمًا ملازمًا.

(1)

رواه الطبري 9/ 370 (26291).

(2)

رواه الطبري 9/ 390 (26380).

(3)

عليها في الأصل: كذا.

(4)

رواه الطبري عن عكرمة بنحوه 9/ 390 (26377، 26378).

ص: 62

(ص)({مَا يَعْبَأُ} يُقَالُ مَا عَبَأْتُ بهِ شَيْئًا: لم يُعْتَدُّ بِهِ)، أي: فوجوده وعدمه عندي سواء، وهذا قول أَبي عبيدة

(1)

، وقال الزجاج: تأويله: أي وزن يكون لكم عنده

(2)

، قال مجاهد: ما يفعل بكم

(3)

، وأصل العبء: الثقل.

(ص)(وَقَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {عَاتِيَةٍ}: عَتَتْ على الخُزَّانِ). هذا موجود في "تفسيره".

(ص)({لِزَامًا}: هلكة) أي: فلا يعطون التوبة، واللزام يوم بدر؛ كما سيأتي، والمعنى: أنهم قتلوا ببدر، واتصل به عذاب الآخرة لازمًا لهم، فلحقهم الوعيد الذي ذكره الله ببدر.

(1)

"مجاز القرآن" 2/ 82.

(2)

"معاني القرآن" للزجاج 5/ 56.

(3)

"تفسير مجاهد" 2/ 457، ورواه أيضًا الطبري 9/ 427 (26567).

ص: 63

‌1 - [باب] قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)} [الفرقان: 34]

4760

- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه. أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ:«أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟!» . قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا. [6523 - مسلم: 2806 - فتح: 8/ 492]

ذكر فيه حديث قَتَادَةَ، ثنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رسول اللهِ، يُحْشَرُ الكَافِرُ على وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ:"أليْسَ الذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا على أَنْ يُمْشِيَهُ على وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟! ". قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا.

ويأتي في الرقاق

(1)

، وقد أخرجه مسلم أيضًا، وهذا فيما روي أنه عارضه لما قال عليه السلام:"يحشر الناس على ثلاث طرائق: ركبانًا ومشاة وعلى وجوههم"

(2)

.

(1)

سيأتي برقم (6523).

(2)

رواه الترمذي (3142) من حديث أبي هريرة.

ص: 64

‌2 - [باب] قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ [وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} ] الآية [الفرقان: 68]

{يَلْقَ أَثَامًا} : العقوبة

4761 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ وَحَدَّثَنِي وَاصِلٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ -أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللهِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ» . قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» . قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68].

4762 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]. فَقَالَ سَعِيدٌ: قَرَأْتُهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ. فَقَالَ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ، الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. [انظر: 3855 - مسلم: 3023 - فتح: 8/ 492]

4763 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ، فَرَحَلْتُ فِيهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. [انظر: 3855 - مسلم: 3023 - فتح: 8/ 493]

4764 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] قَالَ: لَا تَوْبَةَ لَهُ. وَعَنْ قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} قَالَ

ص: 65

كَانَتْ هَذِهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ. [انظر: 3855 - مسلم: 3023 - فتح: 8/ 493]

{أَثَامًا} : العقوبة: أي: والجزاء لما فعل، قال الفراء: أثمه الله يأثمه آثامًا إذا جازاه جزاء الإثم

(1)

. قال المفسرون: أثام: واد في جهنم من دم وقيح

(2)

.

ثم ساق حديث سُفْيَانَ، عن مَنْصُور وَسُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ -واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي، كان إذا أخذ عطاءه تصدق به، ثم يجده سواء، قال: وسببه أني لا أشترطه على ربي، مات قبل أبي جحيفة- عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَالَ وَحَدَّثَنِي وَاصِلٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَأَلْتُ -أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَنْبِ عِنْدَ اللهِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ: ثمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَة جَارِكَ". قَالَ: وَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ} إلى قوله: {وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68].

هذا الحديث سلف في أوائل تفسير البقرة عن عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره مختصرًا وقال:(أعظم) بدل: (أكبر)

(3)

.

والقائل قال: وحدثني واصل هو سفيان -وهو الثوري- قال الدارقطني.

(1)

لم أجده في "معاني القرآن" للفراء، عند كلامه على هذِه الآية، وذكره الواحدي

عنه في "البسيط" 16/ 614.

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 9/ 68.

(3)

سلف برقم (4477) كتاب: التفسير.

ص: 66

ورواه أبو معاوية وأبو شهاب الحناط وشيبان بن عبد الرحمن عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله، ورواه ابن مهدي عن الثوري، عن واصل، عن أبي وائل، عن أبي ميسرة، عن عبد الله، ووهم هو على سفيان ذلك، ورواه مهدي، عن واصل، عن أبي وائل، عن أبي ميسرة، عن عبد الله ومحمد بن كثير، فجمعا بين واصل والأعمش ومنصور، عن أبي وائل، عن أبي ميسرة، فيشبه أن يكون الثوري جمع بينهم لابن مهدي ومحمد فجعل إسنادهم واحدًا ولم يذكر بينهم خلافًا وحمل حديث واصل على حديث سليمان ومنصور، وفصل بعضهم فجعل حديث واصل عن أبي وائل عن عبد الله وهو الصواب؛ لأن شعبة ومهدي بن ميمون روياه عن واصل عن أبي وائل عن عبد الله، كما رواه يحيى عن الثوري

(1)

.

وتفرد يحيى عنه، عن واصل عن أبي وائل، عن عبد الله من غير ذكر أبي ميسرة، وأنكرها ابن مهدي، ورواه عبد الوهاب الثقفي، عن الثوري، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله. ورواه النسائي عن عبدة [بن]

(2)

عبد الله، عن يزيد، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله

(3)

.

ورواه الحاكم في "مستدركه" من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن أبي داود السبيعي، عن أنس. ومن طريق إسماعيل أيضًا قال: أخبرني

(1)

"علل الدارقطني" 5/ 221 - 223.

(2)

في الأصل: (عن) والمثبت هو الصواب.

(3)

النسائي 7/ 90 وقال: هذا خطأ، والصواب الذي قبله [يعني: طريق سفيان، عن واصل، عن أبي وائل] وحديث يزيد هذا خطأ، إنما هو واصل، والله تعالى أعلم. اهـ.

ص: 67

من سمع أنس بن مالك، فذكره، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد إذا جمع بين الإسنادين

(1)

.

فصل:

ثم ذكر البخاري بعده حديث القَاسِم بْنِ أَبِي بَزَّةَ أَنَّهُ سَأَل سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]. فَقَال سعِيدٌ: قَرَأْتُهَا عَلَى ابن عَبَّاسٍ كَمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ. فَقَالَ: هذِه مَكّيَّة نَسَخَتْهَا آيَة مَدَنِيَّةٌ، التِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.

ثم ساق حديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَال اخْتَلَفَ أَهْلُ الكُوفَةِ فِي قَتْلِ المُؤْمِنِ، فَرَحَلْتُ إِلَى ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ.

وقد سلف هذا في النساء

(2)

.

ثم ساق عن سعيد أيضًا: سألت ابن عباس عن قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} . قال: لا توبة له. وعن قوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} كانت هذِه في الجاهلية، وقد سلف الكلام على ذلك واضحًا.

(1)

لم أجده هكذا، وإنما الذي رواه الحاكم بهذا الإسناد هو حديث أنس السالف في الباب قبله، انظر:"المستدرك" 2/ 402.

(2)

سلف برقم (4590) كتاب: التفسير، باب:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} .

ص: 68

‌3 - [باب] قَوْلِهِ: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)}

4765 -

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ ابْنُ أَبْزَى سُئلِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] وَقَوْلِهِ: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] حَتَّى بَلَغَ {إِلاَّ مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: فَقَدْ عَدَلْنَا بِاللهِ وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا} إِلَى قَوْلِهِ {غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70].

ذكر فيه حديث مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ: ابن أَبْزى سُئل ابن عَبَّاسِ رضي الله عنهما عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} . وقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} حتى بلغ {إِلَّا مَنْ تَابَ} فسألته فقال: لما نزلت قال أهل مكة: فقد عدلنا بالله وقلنا النفس التي حرم الله وأتينا الفواحش فأنزل الله {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} إلى قوله: {غَفُورًا رَحِيمًا} .

ص: 69

‌4 - [باب] قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} الآية [الفرقان: 70]

4766 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93]. فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. وَعَنْ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ. [انظر: 3855 - مسلم: 3023 - فتح: 8/ 495]

ذكر فيه الأثر المذكور عن مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزى أَنْ أَسْأَلَ ابن عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93]، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. وَعَنْ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ. قد سلف الكلام أيضًا على ذلك.

ص: 70

‌5 - [باب] قوله: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان:77]

[: هَلَكَةٌ].

4767 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ الدُّخَانُ وَالْقَمَرُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان:77]. [انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح: 8/ 496]

ذكر فيه عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ الدُّخَانُ وَالْقَمَرُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77]. هذا سلف.

وذكرنا ثم أن اللزام: القتل الذي أصابهم يوم بدر، حكاه ابن أبي حاتم عن جماعات منهم ابن مسعود وأبي بن كعب، والمعنى: أنهم قتلوا ببدر واتصل به عذاب الآخرة لازمًا لهم، فلحقهم الوعيد الذي ذكره الله ببدر. وعن الحسن أن ذلك يوم القيامة، وفي رواية: موتًا

(1)

، وقال أبو [عبيدة]

(2)

-فيما ذكره عنه ابن دريد: {لِزَامًا} : فيصلا، كأنه من الأضداد عنده، واحتج بشعر فيه

(3)

.

و (البطشة) أيضًا يوم بدر، فيعد هذا أربعة.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 8/ 2746 (15512 - 15516).

(2)

في الأصل: عبيد.

(3)

"جمهرة اللغة" 2/ 826، والشعر الذي احتج به قول الشاعر:

لازلت محتملًا علي ضغينةً

حتى الممات تكون منك لزامًا

ص: 71

(الدخان): سنة أصابت أهل مكة بدعوته، فأكلوا الميتة والعظام والجلود. وأما (القمر) فسأله أهل مكة أن يريهم آية فأراهم انشقاقه، فقالوا: سحر مستمر. وأما (الروم) فإن فارسًا غلبتهم فتكلم المسلمون وكفار قريش، وأحب المسلمون أن تغلب الروم؛ لأنهم أهل كتاب، وأحب كفار قريش أن تغلب فارس؛ لأنهم عَبَدة أوثان، فأنزل الله {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3] فتخاطر أبو بكر وأبو جهل فغلبت الروم فذلك قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 4 - 5] وهو نصر الروم، على فارس، وأخذ المسلمون الخطار، وذلك قبل تحريم الميسر.

ص: 72

(26) ومن سورة الشُّعَرَاءِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَعْبَثُونَ} تَبْنُونَ {هَضِيمٌ} يَتَفَتَّتُ إِذَا مُسَّ مُسَحَّرِينَ المَسْحُورِينَ. (لَيْكَةُ) وَالأَيْكَةُ جَمْعُ أَيْكَةٍ، وَهْي جَمْعُ شَجَرٍ {يَوْمِ الظُّلَّةِ} إِظْلَالُ العَذَابِ إِيَّاهُمْ {مَّوْزُونٍ} مَعْلُومٍ {كَالطَّوْدِ} الجَبَلِ. الشِّرْذِمَةُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ {فِي السَّاجِدِينَ} المُصلِّينَ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} كَأَنَّكُمْ. الرِّيعُ الأَيْفَاعُ مِنَ الأَرْضِ وَجَمْعُهُ رِيعَةٌ وَأَرْيَاعٌ، وَاحِدُ الرِّيَعَةِ {مَصَانِعَ} كُلُّ بِنَاءٍ فَهْوَ مَصْنَعَةٌ (فارهين)

مَرِحِينَ، فَارِهِينَ بِمَعْنَاهُ وَيُقَالُ فَارِهِينَ حَاذِقِينَ {تَعْثَوْا} أَشَدُّ الفَسَادِ عَاثَ يَعِيثُ عَيْثًا. {وَالْجِبِلَّةَ} الخَلْقُ، جُبِلَ خُلِقَ، وَمِنْهُ جُبُلًا وَجِبِلًا وَجُبْلًا، يَعْنِي الخَلْقَ. قاله ابن عَبّاسٍ.

هي مكية [إلا]

(1)

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا}

(2)

[الشعراء: 227] وقرئ: (بمثل ما ظلموا)

(3)

.

(1)

زبادة يقتضيها السياق.

(2)

هي مكية في قول الجمهور. وقال مقاتل: منها مدني، الآية التي يذكر فيها الشعراء، وقوله:{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} .

وقال ابن عباس وقتادة: مكية إلَّا أربع آيات منها نزلت بالمدينة من قوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)} إلى آخرها.

انظر: "تفسير القرطبي" 13/ 87، "زاد المسير" 6/ 114.

(3)

انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 2836 (16080).

ص: 73

أنزلت في حسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك شعراء الأنصار، قاله كعب بن زهير

(1)

، والمراد بقوله:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)} شعراء المشركين أمية بن أبي الصلت والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، وقال مقاتل: فيها من المدني {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)} ، وقوله:{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)} قال السخاوي: ونزلت بعد الواقعة وقبل النمل

(2)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَعْبَثُونَ}: تَبْنُونَ) أسنده ابن المنذر من حديث ابن أبي نجيح عنه

(3)

.

(ص)({بِكُلِّ رِيعٍ}: فج {تَعْبَثُونَ}: تبنون) بنيانًا.

(ص)({هَضِيمٌ} يَتَفَتَّتُ إِذَا (يبس)

(4)

) هو قول مجاهد أيضًا

(5)

. وقيل: هو المنضم في وعائه قبل أن يظهر.

(ص)(وقَالَ ابن عَبَّاسٍ {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}: كَأَنَّكُمْ) أسنده ابن المنذر من حديث معاوية عن علي عنه

(6)

، و (لعل) يأتي في الكلام بمعنى (كأن) لقوله تعالى:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الشعراء: 3].

(ص) ({الْمُسَحَّرِينَ}

(7)

: المَسْحُورِينَ) أي: من سحر مرة بعد مرة.

(1)

قال الحافظ ابن كثير في "التفسير" 10/ 387: ولكن هذِه السورة مكية فكيف يكون سبب نزول هذِه الآية في شعراء الأنصار؟ في ذلك نظر، ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها، والله أعلم.

(2)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(3)

انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 463: يعني بنيانا.

(4)

كذا بالأصل والذي في "صحيح البخاري": مس. انظر "اليونينية" 6/ 111.

(5)

"تفسير مجاهد" 2/ 464 ولفظه: يتهشم تهشمًا.

(6)

رواه الطبري من طريق معاوية أيضًا عنه 9/ 462 (2608).

(7)

كذا بالأصل، وفي "اليونينية" 6/ 111: مسحرين.

ص: 74

وأخرجه ابن المنذر أيضًا عنه. وعن ابن عباس أيضًا: من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب

(1)

، قال الفراء: أي: إنك تأكل الطعام والشراب وتسحر به، أي: علله بالطعام والشراب، والمعنى: لست بملك ولا رسول إنما أنت بشر مثلنا لا تفضلنا في شيء

(2)

.

(ص)(الليكة وَالأَيْكَةُ جَمْعُ أيكٍ، وَهْي جماعة الشَّجَرِ) أخرجه ابن المنذر أيضًا كما سلف عن ابن عباس.

وهي شجرة المقل، وكان أكثر شجر (الروم)

(3)

، وقال مجاهد: الغيضة من الشجر الملتف.

(ص)({يَوْمِ الظُّلَّةِ} إِظْلَالُ العَذَابِ عليهم) قلت: ومعنى الظلة هنا: السحاب التي قد أظلتهم.

(ص)({فِي السَّاجِدِينَ}: المُصَلِّينَ) أي: منفردًا وجماعة، وعن ابن عباس: في أصلاب الموحدين

(4)

.

(ص)(وقال ابن عباس {مَّوْزُونٍ}: مَعْلُومٍ) أخرجه ابن المنذر أيضًا، وموضع هذا في الحجر

(5)

.

(ص)({كَالطَّوْدِ}: كالْجَبَلِ) أي: العظيم.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 9/ 467.

(2)

"معاني القرآن" 2/ 282.

(3)

كذا بالأصل وقال في هامشه: لعله (الدوم). وهو المثبت في تفسير "الطبري"، "الدر المنثور".

(4)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 9/ 2828 (16029)، وفيه: يتقلب في أصلاب الأنبياء

(5)

يعني قوله تعالى: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} [الحجر: 19]، انظر "الدر المنثور" 4/ 177.

ص: 75

(ص)({لَشِرْذِمَةٌ}: طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ) وروي عن ابن عباس: أتبعه فرعون في ألفي

(1)

حصان سوى الإناث، وكان موسى في ستمائة ألف من بني إسرائيل، فقال فرعون:{إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)} وروي عن عبد الله كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفًا.

(ص)(الرِّيعُ: الأَيْفَاعُ مِنَ الأَرْضِ، وَجَمْعُهُ: رِيعَةٌ وَأَرْيَاعٌ، واحدها: ريعة) كذا صرح أهل اللغة أن الريع ما ارتفع من الأرض جمع ريعة، وقال المفسرون: هو الطريق. وقيل: الفج، وقيل: الجبل، حكاه الجوهري.

قال: والواحد: ريعة، والجمع: رياع

(2)

.

وقوله: (وجمعه: ريعة) هو بكسر الراء وفتح الياء، كقِردٍ وقِردَة.

وقوله: (وأرياع: واحدها رياعة). الذي ذكر بعض المفسرين أن جمع ريعة: أرياع وريَعة بفتح الياء، وأن ريعًا جمع ريعة بسكون الياء كعهنة وعهن.

(ص)({مَصَانِعَ} كُلُّ بِنَاءٍ فَهْوَ مَصْنَعَةٌ) قلت: وقال سفيان: هي مصانع للماء، وقال مجاهد: قصورًا وحصونًا

(3)

، وعنه: بروجًا للحمام عبثا

(4)

.

(ص)((فارهين) فرحين

(5)

) انتهى والهاء مبدلة من الحاء؛ لأنها من

(1)

ورد بهامش الأصل ما نصه: سقط لعله: أو ألف ألف.

(2)

"الصحاح" 3/ 1224.

(3)

"تفسير مجاهد" 2/ 463، ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 9/ 2794 (15812).

(4)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 9/ 2794 (15813).

(5)

وقع في هامش الأصل: كذا هنا في بعض النسخ وفي بعضها: مرحين. وهي روايتنا.

ص: 76

حروف الحلق، وفارهين بمعناه، وهو قول أبي عبيدة وقال: فارهين: حاذقين أي: بنحتها. من قولهم: فره الرجل فهو فاره

(1)

.

(ص)({تَعْثَوْا} هو أَشَدُّ الفَسَادِ، عَاثَ يَعِيثُ عَيْثًا).

(ص)(والْجِبِلَّةُ: الخَلْقُ، جُبِلَ: خُلِقَ، وَمِنْهُ جُبُلًا وَجِبِلًا وَجُبْلًا، بمعنى: الخَلْقَ) أي: الأمم المتقدمين قبلهم، وزاد غيره: جِبْلًا ويجوز جُبُلًّا وجِبِلًّا فهذِه سبعة أوجه قرئ بخمسة منها

(2)

.

(1)

"مجاز القرآن" 2/ 88 - 89.

(2)

قرأها نافع وعاصم (جِبلًّا) بكسر الجيم والباء، وتشديد اللام، وقرأها أبو عمرو وابن عامر (جُبْلًا) بضم الجيم وسكون الباء وتخفيف اللام، وقرأها بافي السبعة (جُبُلًا) -بضم الباء والجيم مع تخفيف اللام.

وقرئت في الشاذ (جُبُلاًّ) بضم الجيم والباء، وتشديد اللام، و (جِبْلاً) بكسر الجيم، وسكون الباء، وتخفيف اللام. انظر:"الكشف" لمكي 2/ 219، "المحتسب" لابن جني 2/ 216. وانظر:"تهذيب اللغة" 1/ 535.

ص: 77

‌1 - [باب {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)}]

(1)

[الشعراء: 87]

4768

- وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ: عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ إِبْرَاهِيمَ يرى أَبَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ الْغَبَرَةُ وَالْقَتَرَةُ» . [انظر:3350 - فتح: 8/ 499].

4769 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَخِي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَيَقُولُ اللهُ إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ» . [انظر: 3350 - فتح: 8/ 499]

(ص)(وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ: عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ يرى أَبَاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ الغَبَرَةُ وَالْقَتَرَةُ"). هذا التعليق أسنده النسائي عن أحمد بن حفص عن (إبراهيم بن إبراهيم بن طهمان)

(2)

.

ثم ساق البخاري عن إِسمَاعِيلَ، ثنَا أَخِي، عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ لسَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَهً، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"يَلْقَى إِبْرَاهيمُ أَبَاهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ. فَيَقُولُ اللهُ: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ". وهذا ساقه بهذا السند في أحادلِث الأنبياء في باب قول الله: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] وأطول من ذلك، و ("القترة"): الغبار.

(1)

ترجمة الباب لم يوردها المصنف في الأصل.

(2)

كذا بالأصل، وفي "سنن النسائي الكبرى" 6/ 422 (11375): عن أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان، به.

ص: 78

‌2 - [باب] قوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} [الشعراء: 214، 215]

: أَلِنْ جَانِبَكَ.

4770 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» . لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ:«أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» . قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا. قَالَ:«فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» . فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟! فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)} [المسد: 1، 2]. [انظر: 1394 - مسلم: 208 - فتح: 8/ 501]

4771 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللهُ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا» . تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. [انظر: 2753 - مسلم: 206 - فتح: 8/ 501]

ص: 79

ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] صعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي:"يَا بَنى فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ". لِبُطُونِ قُرَيْشٍ .. الحديث.

ثم ساقه بعد عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أيضًا.

وقال في آخره: تَابَعَهُ أَصْبَغُ، عَنِ ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شهَابٍ، عنه.

قد سلف في أحاديث الأنبياء في باب: من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية، حديث ابن عباس وأبي هريرة

(1)

، وفي قول أبي لهب: تبًا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] صريح في نزولها فيه، وقد ساقه كذلك في تفسير سورة تبت

(2)

.

وفيه: تكنية الكافر، وحكى النووي فيه خلافًا للعلماء، وأن بعضهم قال: إنما يجوز من ذلك ما يكون على جهة التألف، وإلا فلا، إذ في الكنية نوع تعظيم

(3)

.

وقوله في الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} هم بنو عبد مناف، وقيل: بنو عبد المطلب وكانوا أربعين رجلًا، وقيل: هم قريش، وبه جزم ابن التين، والقربى في الخُمس بنو هاشم وبنو المطلب عند الشافعي

(4)

،

(1)

حديث ابن عباس سلف برقم (3525، 3526)، وحديث أبي هريرة سلف برقم (3527) كتاب: المناقب.

(2)

سيأتي برقم (4971).

(3)

"شرح صحيح مسلم" 3/ 83.

(4)

"النكت والعيون" 2/ 320.

ص: 80

وقال الداودي: وبنو هاشم وقربى دون قربى. وقيل: إنما هو الأقرب من العشيرة. وفي آيه الخمس {الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] دون ذكر عشيرة. وقال الإسماعيلي لما ذكر هذين الحديثين: هما مرسلان؛ لأن هذِه الآية نزلت بمكة وابن عباس كان صغيرًا وأبو هريرة لم يكن حينئذ مسلمًا.

ص: 81

(27) ومن سورة النَّمْلِ

وَالْخَبْءُ مَا خَبَأْتَ. {لَا قِبَلَ} لَا طَاقَةَ. الصَّرْحُ كُلُّ مِلَاطٍ اتُّخِذَ مِنَ القَوَارِيرِ، وَالصَّرْحُ القَصْرُ، وَجَمَاعَتُهُ صُرُوحٌ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{وَلَهَا عَرْشٌ} سَرِيرٌ {كَرِيمٌ} حُسْنُ الصَّنْعَةِ، وَغَلَاءُ الثَّمَنِ {مُسْلِمَيْنِ} طَائِعِينَ. {رَدِفَ} اقْتَرَبَ {جَامِدَةً} قَائِمَةً {أَوْزِعْنِي} اجْعَلْنِي. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{نَكِّرُوا} غَيِّرُوا {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} يَقُولُهُ سُلَيْمَانُ. {الصَّرْحَ} بِرْكَةُ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ، أَلْبَسَهَا إِيَّاهُ.

هي مكية قال السخاوي: نزلت قبل القصص، بعد القصص سبحان

(1)

.

(ص)(الْخَبْءُ مَا خَبَأْتَ) أي: لوقت، يقال: خبأت الشيء (إخباوه خبوًا)

(2)

، وهو هنا بمعنى الغيث، ومنه القطر والنبات والريح والمعادن.

(ص)({لَا قِبَلَ}: لَا طَاقَةَ. الصَّرْحُ: كُلُّ مِلَاطٍ اتُّخِذَ مِنَ القَوَارِيرِ) أي: لا كُلَّ بناء (وَالصَّرْحُ: القَصْرُ) وهو قول أبي عبيدة

(3)

(وَجَمَاعَتُهُ صُرُوحٌ).

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(2)

كذا في الأصل، والذي في كتب اللغة: خَبَأْتُ الشيء أَخْبَؤُه، خَبْأً. انظر:"تهذيب اللغة" 1/ 971، "مجمل اللغة" 2/ 312، "المحكم" 5/ 146.

(3)

"مجاز القرآن" 2/ 95.

ص: 82

وقوله: (ملاط)

(1)

هو بخط الدمياطي بالباء، وذكره ابن التين بالميم، قال: الملاط بفتح الميم: الطين، وقيل: إنه الصخر. وقيل: كل بناء عالٍ مرتفع، قال ابن فارس: هو البيت الواحد المنفرد الطويل في السماء

(2)

.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}: سَرِيرٌ {كَرِيمٌ}: حَسنُ الصَّنْعَةِ وَ (غال)

(3)

الثَّمَنِ) وهذا أسنده أبو محمد من حديث علي عنه

(4)

.

(ص)({مُسْلِمِينَ}: طَائِعِينَ) أي: منقادين لأمر سليمان، ولم يقل: مطيعين؛ لأن أطاعه: إذا أجاب أمره، وطاعه: إذا انقاد لأمره، وهؤلاء أجابوا أمره.

(ص)({رَدِفَ}: اقْتَرَبَ) هو قول السُّدَّي، وعبارة ابن عباس: قرب لكم

(5)

.

(ص)({جَامِدَةً}: قَائِمَةً) أي: كأنها لا تسير في رأي العين بخلاف الحال.

(ص)({أَوْزِعْنِي}: اجْعَلْنِي) قلت: وألهمني أيضًا، يقال: فلان موزع بكذا، أي: مولع به.

(1)

وقع تعليق بهامش الأصل نصه: تكلم القاضي على اختلاف الرواة في الملاط، وكذا ابن قرقول، فلا حاجة إلى عزوه إلى نسخة مقتصرًا على ذلك.

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 556، مادة:(صرح).

(3)

كذا في الأصل، وفي الهامش أشار إلى أنه في نسخة: وغلاء.

(4)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 9/ 2867 (16262، 16264) عن عطاء الخراساني، وزهير بن محمد.

(5)

رواه الطبري 10/ 10 (27077) بلفظ، (اقترب لكم) وانظر:"تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 2917.

ص: 83

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نَكِّرُوا}: غَيِّرُوا) أسنده أبو محمد من حديث أبي نجيح عنه بلفظ: غيروه

(1)

.

(ص)({وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} يَقُولُهُ سُلَيْمَانُ) قلت: وقيل: من قول بلقيس، الواحدي: قالت: وأوتينا العلم، أي: بصحة نبوة سليمان

(2)

.

(ص)(الصَّرْحُ: بِرْكَةُ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ، أَلْبَسَهَا إياها) قول مجاهد

(3)

، وقيل: إنه قصر. وقيل: صحن داره.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 2890 (16411).

(2)

"الوسيط" 3/ 379.

(3)

"تفسير مجاهد" 2/ 473.

ص: 84

(28) ومن سورة القَصَصِ

{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} إِلَّا مُلْكَهُ، وَيُقَالُ: إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْأَنْبَاءُ} الحُجَجُ.

هي مكية، وقوله:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] نزلت بالجحفة لما اشتاق إلى مكة، قال سفيان بن عيينة: سمعتها من مقاتل منذ سبعين سنة، قال مقاتل: فيها من المدني: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} إلى قوله: {الْجَاهِلِينَ}

(1)

[القصص: 52 - 55].

(ص)({إِلَّا وَجْهَهُ}: إِلَّا مُلْكَهُ، وَيُقَالُ إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ) هو قول سفيان

(2)

، وقال أبو عبيدة: إلا جلاله

(3)

، وقيل: إلا إياه.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْأَنْبَاءُ}: الحُجَجُ) أسنده أبو محمد من حديث ابن أبي نجيح عنه

(4)

.

(1)

انظر: "زاد المسير" 6/ 200.

(2)

"تفسير سفيان الثوري" ص 234.

(3)

"مجاز القرآن" 2/ 112.

(4)

"تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 3000 (17045).

ص: 85

‌1 - [باب] قَوْلِهِ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية

4772 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ عِنْدَهِ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ:«أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ» . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟! فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «وَاللهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» . فَأَنْزَلَ اللهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم {إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]. [انظر:1360 - مسلم: 24 - فتح: 8/ 506]

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {أُولِى الْقُوَّةِ} [القصص: 76]: لَا يَرْفَعُهَا الْعُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ. {لَتَنُوءُ} [القصص:76]: لَتُثْقِلُ. {فَارِغًا} [القصص: 10] إِلاَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. {الْفَرِحِينَ} [القصص:76]: الْمَرِحِينَ. {قُصِّيهِ} [القصص: 11] اتَّبِعِي أَثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْ يَقُصَّ الْكَلَامَ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} [يوسف: 3]. {عَنْ جُنُبٍ} [القصص: 11]: عَنْ بُعْدٍ عَنْ جَنَابَةٍ وَاحِدٌ، وَعَنِ اجْتِنَابٍ أَيْضًا، {يَبْطِشَ} [القصص: 19]. {يَأْتَمِرُونَ} [القصص:20]: يَتَشَاوَرُونَ. الْعُدْوَانُ وَالْعَدَاءُ وَالتَّعَدِّى وَاحِدٌ. آنَسَ: أَبْصَرَ. الْجِذْوَةُ: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الْخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ، وَالشِّهَابُ: فِيهِ لَهَبٌ. وَالْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ. {رِدْءًا} [القصص: 34]: مُعِينًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] وَقَالَ غَيْرُهُ {سَنَشُدُّ} [القصص: 35] سَنُعِينُكَ كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا. مَقْبُوحِينَ: مُهْلَكِينَ. {وَصَّلْنَا} [القصص: 51] بَيَّنَّاهُ وَأَتْمَمْنَاهُ. {يُجْبَى} [القصص: 57] يُجْلَبُ. {بَطِرَتْ}

ص: 86

[القصص: 58]: أَشِرَتْ. {فِي أُمِّهَا رَسُولًا} [القصص: 59]: أُمُّ القُرى مَكَّةُ وَمَا حَوْلَهَا. ({تَكُنْ} [القصص: 69]: تُخْفِي. أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ: أَخْفَيْتُهُ، وَكَنَنْتُهُ: أَخْفَيْتُهُ وَأَظْهَرتُهُ. {وَيْكَأَنَّ اللهَ} [القصص: 82] مِثْلُ: أَلمْ تَرَ أَنَّ اللهَ {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [القصص: 82] يُوَسِّعُ عَلَيْهِ وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ. [فتح: 8/ 506]

ذكر فيه قصة أبي طالب، وقد سلفت في الجنائز، وقام الإجماع على أنها نزلت فيه؛ كما نقله الزجاج

(1)

.

وقوله: (ويعيدانه بتلك المقالة)، أي: يعيدان له تلك المقالة، وسلف في الجنائز: ويعودان بتلك المقالة. وقوله: ({مَنْ أَحْبَبْتَ}) يجوز أن يكون لقرابته أو هدايته، قال الداودي: والحديث دال على أن العباد غير خارجين من علم الله ولا ممنوعين من العمل، وأن العباد لم يُكَلفوا إلا ما يستطيعون، لأنه عليه السلام لم يكن ليدعوه إلى ما لا يستطيع.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: أولو القُوَّةِ: لَا يَرْفَعُهَا العُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ.) هذا سلف في أحاديث الأنبياء في باب {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} ، وكذا {لَتَنُوءُ}: لَتُثْقِلُ

(2)

.

(ص)({فَارِغًا} إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى) أي: فلا صبر لها عنه.

(ص)({الْفَرِحِينَ}: المَرِحِينَ) سلف هناك.

(ص)[{قُصِّيهِ}]

(3)

: اتَّبِعِي أَثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْ يَقُصَّ الكَلَامَ {نَحْنُ نَقُصُّ}) قلت: السياق هنا دال للأول.

(1)

"معاني القرآن" 4/ 149.

(2)

سلف عقب حديث (3411).

(3)

ساقطة من الأصل

ص: 87

(ص)({عَن جُنُبٍ}: عَنْ بُعْدٍ عَنْ جَنَابَةٍ وَاحِدٌ، وَعَنِ اجْتِنَابٍ أَيْضًا) قلت: وهذِه المادة كلها دالة على ذلك.

(ص)({يَبْطِشَ} وَيَبْطُشُ) أي: بكسر الطاء وضمها.

(ص)({يَأْتَمِرُونَ}: يَتَشَاوَرُونَ) أي: فيك ليقتلوك. قاله أبو عبيد

(1)

،

يعني: أشراف قوم فرعون، وقال الزجاج: يعني: يأمر بعضهم بعضًا بقتلك

(2)

.

(ص)(الْعُدْوَانُ وَالْعَدَاءُ وَالتَّعَدِّي وَاحِدٌ) أي: لا ظلم علي بأن أكلف أكثر منها وأطالب بالزيادة على ذلك.

(ص)(آنَسَ: أَبْصَرَ) أي: ورأى.

(ص)(الْجِذْوَةُ: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ) قلت: وهي مثلثة الجيم قراءات ولغات

(3)

.

(ص)(وَالشِّهَابُ: فِيهِ لَهَبٌ).

(ص)(الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ) قلت: سلف بيانه.

(ص)({رِدْءًا}: مُعِينًا. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: لي {يُصَدِّقُنِي}) قلت: والتصديق لهارون، خلافًا لمقاتل حيث قال: لفرعون

(4)

، يقال: لفلان ردء: إذا كان ينصره ويشد ظهره، وأردأت الرجل: أعنته.

(1)

"مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 100.

(2)

"معاني القرآن" 5/ 170.

(3)

قرأ حمزة بضم الجيم، وقرأ عاصم بالفتح، وقرأ الباقون بالكسر. انظر:"الحجة للقراء السبعة" 5/ 413، "الكشف" لمكي 2/ 173.

(4)

"تفسير البغوي" 6/ 208.

ص: 88

(ص) (وَقَالَ غَيْرُهُ -يعني: [غير]

(1)

ابن عباس- {سَنَشُدُّ} : سَنُعِينُكَ، كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا) أي: نعينك ونقويك به، وشد العضد كناية عن التقوية كما ذكره.

(ص)({الْمَقْبُوحِينَ}: المُهْلَكِينَ) أي: من المبعدين الملعونين، من القبح وهو الإبعاد.

قال أبو زيد: يقال: قبح الله فلانًا قبحًا وقبوحًا. أي: أبعده عن كل خير

(2)

، قال الكلبي: يعني سواد الوجه وزرقة العين، وعلى هذا يكون بمعنى المقبحين.

(ص)(وصَّلْنَاه: بَيَّنَّاهُ وَأَتْمَمْنَاهُ) أي: بينا لكفار مكة بما في القرآن من خبر الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم. وقال الفراء: أنزلناه يتبع بضعه بعضًا

(3)

.

(ص)({يُجْبَى}: يُجْلَبُ) أي: من كل بلد. وقال الواحدي: يجمع، من قولك: جبيت الماء في الحوض، أي: جمعت. وقرئ: (تجبى) بالتاء

(4)

.

(ص)({بَطِرَتْ}: أَشِرَتْ) قال ابن فارس: البطر: تجاوز الحد في المرح

(5)

. وقيل: هو الطغيان بالنعمة. المعنى: بطرت في معيشتها. وقيل: أبطرها معيشتها.

(1)

في الأصل: (عن)، والمثبت هو الصواب.

(2)

انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري 3/ 2870.

(3)

"معاني القرآن" 2/ 307.

(4)

"الوسيط" 3/ 404، والذي قرأ بالتاء نافع وحده، وقرأ الباقون بالياء. انظر:"الحجة للقراء السبعة" 5/ 423 - 424، "الكشف" لمكي 2/ 175.

(5)

"المجمل" 1/ 128.

ص: 89

(ص)({فِي أُمِّهَا رَسُولًا}: أُمُّ القُرى مَكَّةُ وَمَا حَوْلَهَا) سميت بذلك؛ لأن الأرض دحيت من تحتها.

(ص)({تُكِنُّ}: تُخْفِي. أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ: أَخْفَيْتُهُ، وَكَنَنْتُهُ: أَخْفَيْتُهُ وَأَظْهَرْتُهُ) كذا في الأصول في الثاني: أخفيته بالألف، ولأبي ذر بحذفها. وكذا هو عند ابن فارس: أخفيته: سترته، وخفيته: أظهرته

(1)

. وقال أبو عبيد: أخفى الشيء وخفي إذا ظهر، قال: وهو من الأضداد.

(ص)({وَيْكَأَنَّ اللهَ}: مثل أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ) هو قول أبي عبيدة

(2)

، وعبارة ابن عباس: ذلك. وقال الخليل والفراء: مفصولة من (كأن)، وذلك أن القوم تندموا فقالوا: وَيْ، متندمين على ما سلف منهم، و (كأن) في مذهب الظن والعلم

(3)

.

(ص)({يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}: يُوَسِّعُ عَلَيْهِ وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ) سلف هناك.

(1)

السابق 1/ 297.

(2)

"مجاز القرآن" 2/ 112.

(3)

انظر: "العين" 8/ 443، "معاني القرآن" 2/ 312.

ص: 90

‌2 - [باب] قوله: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} الآية [القصص: 85]

4773 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْعُصْفُرِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] قَالَ: إِلَى مَكَّةَ. [فتح: 8/ 509]

ذكر فيه من حديث سفيان العصفري -وهو ابن دينار- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قَالَ: إلى مَكَّةَ.

أي: ومعاد الرجل بلده. وعنه أيضًا: الموت. وقيل: إلى يوم القيامة. وقيل: إلى الجنة. وقيل: إلى بيت المقدس. حكاه ابن أبي حاتم

(1)

.

(1)

"تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 3025 - 3026، وانظر أيضًا:"تفسير الطبري" 10/ 116 - 117.

ص: 91

(29) ومن سورة العَنْكَبُوتِ

قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} ضَلَلَةً. {فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ} عَلِمَ اللهُ ذَلِكَ، إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ فَلِيَمِيزَ اللهُ كَقوله:{لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ} . {وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} أَوْزَارِهِمْ.

هي مكية. قال أبو العباس: وفيها اختلاف في سبع عشرة آية، فذكرها. قال السخاوي: ونزلت بعد {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} وقبل سورة المطففين

(1)

، قال مقاتل: ونزلت {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ} في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب أول قتيل من المسلمين يوم بدر، رماه ابن الحضرمي بسهم فقتله، وهو أول من يدعى إلى الجنة من شهداء هذِه الأمة. وقال فيه عليه السلام يومئذ:"مهجع سيد الشهداء"

(2)

.

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}: ضَلَلَةً) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه بلفظ: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} قال: من الضلالة. وقال قتادة: معجبين بضلالتهم

(3)

، وقيل: أي علموا أنهم يعذبون وقد فعلوا.

(ص)(وقال غيره) أي: غير ابن عباس (الحيوان والحيوة واحد)

(4)

أي فيها الحياة الباقية.

(1)

"جمال القراء" ص 8.

(2)

ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص 350 (667) عن مقاتل.

(3)

"تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 3060 (17305، 17306).

(4)

كذا بالأصل وهي غير مثبتة في أصل "اليونينية" وبهامشها: وقال غيره: الحيوان والحي واحد. وعليها رمز أبي ذر. ومثله ذكره الحافظ في "الفتح" 8/ 510 وقال: =

ص: 92

(ص)({فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ} عَلِمَ اللهُ ذَلِكَ، إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ فليميزنَّ اللهُ كَقوله: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ}) أي: فليعلمن الله الذين صدقوا في قولهم: آمنا. ومعنى العلم هنا الإظهار، وإلا فعلمه تام.

(ص)({وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}: أوزارًا مع أَوْزَارِهِمْ) أي: بسبب من أضلوا وصدوا عن سبيل الله.

= ثبت هذا لأبي ذر وحده، وللأصيلي: الحيوان والحياة واحد. اهـ قلت: هو ما أثبته المصنف كما ترى.

ص: 93

(30) ومن سورة الرُّوم

‌1 - (باب)

{فَلَا يَرْبُو} [الروم: 39]: مَنْ أَعْطَى يَبْتَغِي أَفْضَلَ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا. قَالَ مُجَاهِدٌ: {يُحْبَرُونَ} [الروم: 15]: يُنًعَّمُونَ. {يَمْهَدُونَ} [الروم: 44]: يُسَوُّونَ المَضَاجِعَ، {الْوَدْقَ} [الروم: 48]: المَطَرُ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [الروم: 28] فِي الآلِهَةِ، وَفِيهِ {تَخَافُونَهُمْ} [الروم: 28] أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. {يُصَدَّعُونَ} [الروم: 43]: يَتَفَرَّقُونَ، {فَاصْدَعْ} [الحجر: 94] وَقَالَ غَيْرُهُ: ضُعْفٌ وَضَعْفٌ لُغَتَانِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {السُّوأَى} [الروم: 10]: الإِسَاءَةُ، جَزَاءُ المُسِيئِينَ.

4774 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ فَقَالَ يَجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ. فَفَزِعْنَا، فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَغَضِبَ فَجَلَسَ فَقَالَ مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ لَا أَعْلَمُ. فَإِنَّ اللهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} وَإِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الإِسْلَامِ فَدَعَا عَلَيْهِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ» ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ جِئْتَ تَأْمُرُنَا بِصِلَةِ

ص: 94

الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللهَ، فَقَرَأَ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10] إِلَى قَوْلِهِ: (عَائِدُونَ)[الدخان: 15] أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذَابُ الآخِرَةِ إِذَا جَاءَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 16] يَوْمَ بَدْرٍ وَلِزَامًا يَوْمَ بَدْرٍ {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} [الروم: 1، 2] إِلَى {سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3] وَالرُّومُ قَدْ مَضَى. [انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح: 8/ 511]

هي مكية. وروى الواحدي من حديث الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب بذلك المؤمنون فنزلت: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} إلى قوله: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} قال: فرح المسلمون بظهور الروم على أهل فارس

(1)

.

قال السخاوي: نزلت بعد: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} وقبل العنكبوت

(2)

.

فائدة:

قال هشام بن محمد كما نقله أبو عمر في كتاب "القصد والأمم": من ولد يافث بن نوح رومي بن لنطي بن يونان بن يافث، وهم الروم الأول، أما الروم الثاني الذي رجع الملك إليهم فهم من ولد رومي بن لنطي من ولد عيص بن إسحاق، غلبوا على اليونانيين فبطل ذكر الأولين، وغلب هؤلاء على الملك، ولما قال (أمير المؤمنين)

(3)

لعمرو بن العاصي: أنتم أقرب إلينا نسبًا، نحن بنو العيص بن إسحاق وأنتم بنو إسماعيل بن إبراهيم، قال له عمرو: صدقت. زاد الرشاطي: ورومي يقال له:

(1)

"أسباب النزول" ص 535 (675).

(2)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(3)

كذا بالأصل وعليها علامة استشكال، وكتب بالهامش: فيه نظر.

ص: 95

رومانس الثاني، وهو الذي بنى مدينة رومية فنسبت إليهم، ورومي معرب من ولد رومانس والروم في لغتهم لا [يسمعون]

(1)

أنفسهم ولا يدعوهم أهل الثغور إلا رومانس.

قال: وقوم من الروم يزعمون أنهم من قضاعة من تنوخ وبهراء وسليخ، ومنهم قوم يزعمون أنهم من إياد وقوم ينسبون إلى غسان من آل جفنة، وعند [الواحدي]

(2)

: صار اسم أبيهم لهم كالاسم للقبيلة. قال: وإن شئت هو جمع رومي منسوبًا إلى الروم ابن عيص

(3)

. وعند أهل اللغة: رام الشيء يرومه رومًا، أي: طلبه. وأهل هذِه البلاد يسمونهم الإفرنج. وقال ابن صاعد في "طبقاته": كانت الروم فيها صابئة يعبدون الكواكب إلى أن قام قسطنطين بن هيلان باني القسطنطينية بدين النصرانية، ودعا الروم إلى الشرع به فأطاعوه وتنصروا عن آخرهم ورفضوا دينهم من تعظيمهم الهياكل وعبادة الأوثان وغير ذلك من شريعة النصرانية، ولم يزل دين النصرانية يفشو ويظهر إلى أن دخل فيه أكثر الأمم المجاورة للروم من الإفرنجية الجلالقة والصقالبة وبرجان [والفرس]

(4)

وجميع أهل مصر من القبط وجمهور السودان من الحبشة والنوبة وغيرهم.

(ص)(وقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُحْبَرُونَ}: يُنَعَّمُونَ) أسنده الحنظلي من حديث ابن أبي نجيح عنه

(5)

.

(1)

كذا بالأصل ولعل الصواب (يُسمون).

(2)

في الأصل: الواحي.

(3)

ذكره في "البسيط" عند تفسيره لقوله تعالى {غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} .

(4)

كلمة غير واضحة في الأصل ولعل ما أثبتناه هو الصواب.

(5)

انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 500.

ص: 96

وقال ابن عباس: يكرمون.

وقال يحيى بن كثير وغيره: السماع في الجنة

(1)

.

(ص)({فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ}: مَنْ أَعْطَى عطية يَبْتَغِي بها أَفْضَلَ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا). هو قول سعيد بن جبير وغيره

(2)

، وهو ربا حلال لا أجر فيه ولا وزر، وهذا في حق الأمة، أما في حقه عليه السلام فهو حرام عليه؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} [المدثر: 6] وقيل في الآية غير ذلك.

(ص)({يَمْهَدُونَ}: يُسَوُّونَ المَضَاجِعَ) أي: يوطئون مقار أنفسهم في القبور أو في الجنة.

(ص) ({الْوَدْقَ} : المَطَرُ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}

(3)

فِي الآلِهَةِ، وَفِيهِ {تَخَافُونَهُمْ} أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث علي عنه

(4)

.

قال قتادة: وهو مثل ضربه الله للمشركين: فهل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في نفسه وماله مثله، فإذا لم ترضوا بهذا فكيف تجعلون لله شريكًا

(5)

؟!

زاد غيره: وليس كمثله شيء، ولا تجعلون عبيدكم مثلكم وأنتم كلكم أرقاء لله تعالى.

(ص)({يُصَدَّعُونَ}: يَتَفَرَّقُونَ) قيل: هو بمعنى قوله: {يَوْمَئِذٍ

(1)

رواه الطبري 10/ 173 (27916).

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 10/ 187 - 188.

(3)

وقعت في الأصل {هل لكم فيما ملكت أيمانكم} .

(4)

رواه الطبري من طريق آخر عنه 10/ 181 (27949).

(5)

رواه الطبري 10/ 181 (27947).

ص: 97

يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} [الزلزلة: 6] وقيل: هو ما ذكر بعده من عمل صالح أو من كفر. وقيل: هو تفاوت المنازل.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: ضُعْفٌ وَضَعْفٌ لُغَتَانِ) قلت: كذا قال الخليل، ويقال الضُّعف في الجسد، والضَّعف في العقل

(1)

.

وعبارة ابن التين: وقيل: هو بالضم، ما كان من الخلق، وبالفتح ما سفل، المعنى: خلقكم من المني، أي: في حال ضعف.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {السُّوأَى} أي: الإِسَاءَةُ، جَزَاءُ المُسِيئِينَ) أي: العاقبة السيئة وهي النار. قال ابن التين: ضبط الإساء بالمد وكتب بالألف وفتح الهمزة، وفي بعض الكتب بكسر الهمزة والمد، وفي بعض الأمهات بالفتح والقصر، وكذلك هو في اللغة مقصور يكتب بالألف؛ لأنك تقول: رجل أسيان. وقد قالوا: أسوان، فجائز على هذا القول كتبه بالألف، وأصله أسيتُ

(2)

آسى، أي: حزنت، ومنه قوله تعالى:{فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف: 93] فأما السوء: فهو أشد الشر، والسوأى فعل منه، ومعنى (أَسَاؤُوا): أشركوا.

فصل:

ثم ساق من حديث أَبِي الضُّحَى -مسلم بن صبيح الكوفي العطار- عَنْ مَسْرُوقٍ عن ابن مسعود رضي الله عنه. وقد سلف في الاستسقاء مختصرًا، ويأتي أيضًا في الدخان مختصرًا

(3)

، فراجعه.

(1)

"العين" 1/ 281.

(2)

رسمت في الأصل (أئست)، والمثبت يوافق ما في كتب اللغة. والله أعلم.

(3)

سيأتي برقم (4822).

ص: 98

‌2 - [باب] قوله: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم: 30]

لِدِينِ اللهِ.

{خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 37]: دِينُ الأَوَّلِينَ. وَالْفِطْرَةُ: الإِسْلَامُ.

4775 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟» ثُمَّ يَقُولُ: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30]. [انظر: 1358 - مسلم: 2658 - فتح: 8/ 512]

ئم ساق حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ ولد إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ"

(1)

.

وقد سلف في أواخر الجنائز، فراجعه.

(1)

بعدها في الأصل: (الإسلام).

ص: 99

(31) ومن سُورةِ لُقْمَانَ

‌1 - باب {لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]

4776 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيم، عَنْ عَلْقَمَة، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لاِبْنِهِ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} " [لقمان: 13]. [انظر: 32 - مسلم: 124 - فتح: 8/ 513]

هي مكية، واختلف في قوله:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} . و {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} ، وقوله:{يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} مدنيتان

(1)

.

وسلف ترجمة لقمان في أحاديث الأنبياء.

وابنه: اسمه أنعم -فيما قاله قتادة- وكان كافرًا، فمازال به حتى أسلم، وزعم غيره أن اسم ابنه مشكم، وقيل: ماثان. وقيل: ثاران

(2)

.

قال السخاوي: ونزلت بعد الصافات، وقبل: سبأ

(3)

.

(1)

"زاد المسير" 6/ 315.

(2)

ذكر الماوردي في تفسيره "النكت والعيون" 4/ 333 في اسم ابنه ثلاثة أقاويل: أحدها: مشكم، قاله الكلبي، الثاني: أنعم، حكاه النقاش، الثالث: بابان.

(3)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

ص: 100

فصل:

ساق في الباب حديث عبد الله لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]. . الحديث. سلف في الإيمان وأحاديث الأنبياء وسورة الأنعام أيضًا

(1)

، وقد سلف أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والمشرك ينسب نعمة الله إلى غيره؛ لأن الله هو الرزاق والمحيي المميت. وقيل: هو الظالم لنفسه.

(1)

سلف في أحاديث الأنبياء برقم (3360)، وفي سورة الأنعام برقم (4629).

ص: 101

‌2 - [باب] قوله: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية [لقمان: 34]

4777

- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ:«الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَلِقَائِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الإِسْلَام؟ قَالَ:«الإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ:«الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ:«مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ رَبَّتَهَا، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رُءُوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللهُ {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان:34]» . ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ: «رُدُّوا عَلَيَّ» . فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوا فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. فَقَالَ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ» . [انظر: 50 - مسلم: 9، 10 - فتح: 8/ 513]

4778 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَر، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَه، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ» ثُمَّ قَرَأ: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:34]. [انظر: 1039 - فتح: 8/ 513].

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه في سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام والإحسان، وقد سلف في الإيمان، وزاد هنا "وكتبه".

وقال: "وتؤمن بالبعث الآخر" وقال: "وإذا كان الحفاة العراة رءوس الناس".

ص: 102

ثم ساق بعده حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما "مفتاح الغَيْبِ خَمْسٌ" الحديث.

سلف في سورة الأنعام

(1)

وقال: "مفاتيح" بدل "مفتاح"

(2)

.

وجاء الحديث الذي قبله بروايات يقرب بعضها من بعض. قال هنا (إذ أتاه رجل) وقال في أخرى: (في هيئة أعرابي يرى عليه أثر السفر)

(3)

.

وفي أخرى: (حسن الهيئة حسن الثياب طيب الريح، وأنه قال: يارسول الله، أأدنو؟ قال:"ادنه" فدنا دنوة، ثم قال: يا رسول الله، أأدنو؟ فدنا دنوة كالموقر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعجبنا من توقيره لرسول صلى الله عليه وسلم، وزاد في صفة الإسلام بعد "أن تشهد أن لا إلة إلا الله وأن محمدًا رسول الله" "وتغتسل من الجنابة". وزاد أنه كلما أجابه يقول:"فإذا فعلت ذلك كنت مؤمنًا كنت مسلمًا" فيقول: نعم صدقت. فعجبنا من توقيره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد:"وتؤمن بالقدر خيره وشره". وزاد: "وإذا تطاول أهل الابل فى البنيان وولدت الأمة ربتها"

(4)

.

وفي بعض الروايات أن عمر سمع الحديث. وفي بعضها أنه شهد القصة. وفي أخرى أنه عليه السلام. قال: "هذا جبريل يعلمكم دينكم وما خفي علي قبل هذا اليوم".

(1)

سلف برقم (4627).

(2)

قلت: بل (مفاتيح) وردت هنا في بعض روايات البخاري، وهو المثبت في أصل "اليونينية". وبهامشها (مفتاح) وعليها رمز أبي ذر وابن عساكر وأبي الوقت.

(3)

رواه مسلم (8) كتاب: الإيمان، وغيره من حديث عمر بن الخطاب بلفظ:"لا يرى عليه أثر السفر".

(4)

رواه النسائي 8/ 101 - 102 من حديث أبي هريرة وأبي ذر، وفي "الكبرى" 3/ 446 (5883) من حديث ابن عمر، مع اختلاف في بعض الألفاظ.

ص: 103

وفي بعضها أنه عليه السلام قال لعمر بعد ثلاثة أيام: "أتدري من الرجل هو جبريل"

(1)

وظاهر روايةٍ أخرى أنه لم يعرفه حين دخوله عليه وسؤاله إياه، وإنما علمه بعد أن طلبوا رده فلم يجدوه

(2)

.

وسلف أن قوله: ("أشراطها"): علاماتها، واحدها: شرط بفتح الراء.

("وربتها"): يريد من تعول عليها وتفعل بها فعل الربة المالكة. وفيه: إجابة السائل لما لم يسأل عنه تبرعًا؛ لقوله: ("ولكن سأحدثك عن أشراطها"). وقال في الزكاة: "المفروضة" ولم يذكر مثله في الصلاة.

(1)

رواه أبو داود (4695) من حديث عمر بن الخطاب.

(2)

رواه مسلم (9) من حديث أبي هريرة.

ص: 104

(32) ومن سورة {تَنْزِيلُ} السجدة

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَهِينٌ} ضَعِيفٍ، نُطفَةُ الرَّجُلِ. {ضَلَلْنَا} هَلَكْنَا. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: الجُرُزُ التِي لَا تُمْطَرُ إِلَّا مَطَرًا لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا. {يَهْدِ} يُبَيِّنُ.

هي مكية، وفيها من المدني:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} قاله مقاتل

(1)

. وقال ابن عباس: إلا ثلاث آيات: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا} .

قال السخاوي: ونزلت بعد: {قَدْ أَفْلَحَ} وقبل الطور

(2)

.

(ص)({مَهِينٌ} ضَعِيفٍ، نُطْفَةُ الرَّجُلِ. {ضَلَلْنَا} هَلَكْنَا) أسنده الحنظلي من حديث ابن أبي نجيح

(3)

عنه. وقال غيره: صرنا ترابًا. وهو راجع إلى قول مجاهد؛ لأنه يقال: أضل الميت: إذا دفن، وأضللته أنا: دفنته.

(ص)(وقال ابن عباس: الجُرز التي لا تمطر إلا مطرًا لا يغني عنها شيئًا). قلت: وقيل: هي تجرز ما فيها من النبات، كما يقال: رجل جروز إذا كان يأتي على كل مأكول لا يبقي منه شيئًا. وقال: هي أرض غليظة يابسة لا نبت فيها.

(ص)({يَهْدِ} يُبَيِّنُ).

(1)

"زاد المسير" 6/ 332.

(2)

"جمال القراء" ص 8.

(3)

"تفسير مجاهد" 2/ 510، ورواه الطبري 10/ 235 (28212).

ص: 105

‌1 - [باب] قوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]

4779

- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]. وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ اللهُ مِثْلَهُ. قِيلَ لِسُفْيَانَ رِوَايَةً. قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ؟ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُرَّاتِ. [انظر: 3244 - مسلم: 2824 - فتح: 8/ 515]

4780 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا، بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ» . ثُمَّ قَرَأَ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: 17]. [انظر: 3244 - مسلم: 2824 - فتح: 8/ 515]

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي" الحديث.

سلف في صفة الجنة

ثم ساق أيضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: "قال الله .. " مثله. قيل لسفيان -يعني: أحد رواته-: رواية؟ قال: فأي شيء؟!

ثم ساقه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه -أيضًا مثله

وقال بعد: "وَلَا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا، من بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ". ثُمَّ قَرَأَ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ} الآية.

ص: 106

قال أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح قرأ أبو هريرة. (قُرَّات أعين).

قوله: "بله" قال ابن التين: ضبطه بفتح الهاء، كأنه رآه فيها مثل كيف وأين، وفي بعضها بالكسر، وهو الظاهر؛ لأنه يضاف إلى ما بعده مثل (قبل) و (بعد) إذا أضيفا خفضا. قيل:"بله" بمعنى (كيف) وبمعنى (دع) وبمعنى (أجل)، كأنه يريد: دع ما أطلعتم عليه فإنه سهل أو يسير في جنب ما دخرته لهم، وحكى الليث أنها بمعنى (فضل)، كأنه يقول: هذا الذي غيبته عن علمهم فضل ما أطلعتم عليه منه. قال ابن فارس: وبله بمعنى (سوى)، وبمعنى (دع)، وذكر الحديث

(1)

.

والأشبه أن يكون في هذا الحديث بمعنى (سوى) و (غير)، لأجل أن في الحديث:"من بله".

{أُخْفِيَ لَهُمْ} قراءة العامة، أي خفي لهم، وقرأ حمزة ويعقوب:(أخفي) مسكنة الياء، أي: أنا أخفي، وقراءة عبد الله:(نخفي)، بالنون، وقرأ محمد بن كعب:(أخفى لهم)، يعني: أخفى الله تعالى من قرة أعين، وقراءة العامة على التوحيد

(2)

.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 133.

(2)

"شواذ القرآن" لابن خالويه ص 119، انظر:"الحجة" للفارسي 5/ 463، "الكشف"لمكي 2/ 191.

ص: 107

(33) ومن سُورَةِ الأَحْزَابِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب: 26]: قُصورِهِمْ

(1)

. معروفًا في الكتاب.

مدنية، قال السخاوي: ونزلت بعد آل عمران، وقبل الممتحنة

(2)

.

(1)

"تفسير مجاهد" 2/ 517.

(2)

"جمال القراء" ص 8.

ص: 108

‌1 - [باب {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}]

(1)

4781 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِر، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَلْيَأْتِنِي وَأَنَا مَوْلَاهُ» . نظر: 2298 - مسلم: 1619 - فتح: 8/ 517]

(ص): ({صَيَاصِيهِمْ}: قصورهم) هذا أسنده الحنظلي بالسند السالف.

ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ" الحديث.

وقد سلف في الاستقراض

(2)

، ومعنى الآية: أن الشارع إذا أمر أو نهى، وخالفته النفس فإتباعه أولى، والضياع -بفتح الضاد: الهلكة، ويحتمل -كما قال ابن التين- أن يكون الفعل، فيكون مصدر ضاع يضوع ضِياعًا، وهو بكسر الضاد، وكذلك الضَياع: الأموال من العقار، وهو جمع ضيعة، وهو بكسر الضاد أيضًا.

(1)

لم يذكر المصنف هذا الباب، وأثبت في "اليونينية".

(2)

سلف برقم (2398) باب: الصلاة على من ترك دينًا.

ص: 109

‌2 - [باب] قوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} الآية [الأحزاب: 5]

4782 -

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ -مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلاَّ: زَيْدَ ابْنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ}. [الأحزاب: 5] [مسلم: 2445 - فتح: 8/ 517]

ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ رضي الله عنهما

(1)

-مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زَيْدَ ابن مُحَمَّدٍ، حَتَّى {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} [الأحزاب: 5].

وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي

(2)

، ومعنى الآية: ادعوهم لآبائهم الذين ولدوهم، ومعنى:{أَقْسَطُ} أعدل.

(1)

كذا بالأصل.

(2)

الترمذي (3209)، (3814)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 429 (11397).

ص: 110

‌3 - [باب] قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} الآية [الأحزاب: 23]

{نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23]: عَهْدَهُ. {أَقْطَارِهَا} [الأحزاب: 14] جَوَانِبُهَا. {سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا} [الأحزاب: 14]: لأَعْطَوْهَا.

4783 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاريُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: نُرَى هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]. [انظر: 2805 - مسلم: 1903 - فتح: 8/ 518]

4784 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ لَمَّا نَسَخْنَا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلاَّ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]. [انظر: 2807 - فتح: 8/ 518]

الشرح:

الأشهر في {نَحْبَهُ} : عهده -كما ذكره -وهو قول مجاهد

(1)

، وعبر معظمهم بالنذر، وقيل: النفس، وقيل: الخطر العظيم.

روى البخاري، عن أَنَسٍ رضي الله عنه: هذِه الآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ.

(1)

"تفسير مجاهد" 2/ 517.

ص: 111

وفي "الحلية" لأبي نعيم: أنه عليه السلام تلا هذِه الآية على المنبر، فسأله رجل: من هؤلاء؟ فأقبل طلحة بن عبيد الله، فقال عليه السلام:"هذا منهم"

(1)

. وفي "تفسير ابن أبي حاتم": "إن عمارًا منهم"، وفي "تفسير ابن سلام":"هم حمزة وأصحابه"، وقال ابن التين: كان ممن نذر ذلك عبد الله بن جحش، قال: وقيل في {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} : أن طلحة بن عبيد الله منهم.

وما ذكره في {أَقْطَارِهَا} أنه جوانبها. هو كذلك، وواحدها قطر، وفيها لغة أخرى: قتر وأقتار. وما ذكره في {لَآتَوْهَا} هو على قراءة المد، وقراءة أهل الحجاز بالقصر، أي: جاءوها وفعلوها ورجعوا عن الإسلام وكفروا

(2)

.

ثم ساق حديث خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ لَمَّا نَسَخْنَا الصُّحُفَ فِي المَصَاحِفِ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، كُنْتُ كثيرًا أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ بن ثابت الأَنْصَارِيِّ، الذِي جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهَادَتَهُ بشَهَادَةَ رَجُلَيْنِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23].

وهذا الحديث سلف وضبط ذلك بشهادة زيد وخزيمة.

(1)

"حلية الأولياء" 1/ 87 - 88.

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 10/ 271، "الحجة" للفارسي 5/ 472.

ص: 112

‌4 - [باب] قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآية [الأحزاب: 28]

وقال معمر: التَّبَرُّجُ أَنْ تُخْرِجَ مَحَاسِنَهَا، و {سُنَّةَ اَللَّهِ} [الأحزاب: 62] سنّها: جَعَلَهَا.

4785 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَهَا حِينَ أَمَرَ اللهُ أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ، فَبَدَأَ بِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ اللهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28]» . إِلَى تَمَامِ الآيَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. [4786 - مسلم: 1475 - فتح: 8/ 519].

هذا ذكره عبد الرزاق عن معمر

(1)

.

ثم ساق حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم جاءَهَا حِينَ أَمَرَه اللهُ تعالى أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ، فَبَدَأَ بِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ ألا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ"، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بفِرَاقِهِ، قَالَتْ ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ اللهَ تعالى قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 29] ". إِلَى

(1)

المقصود بمعمر هنا هو ابن المثنى وكلامه في "المجاز" 2/ 138. نبه عليه ابن حجر في "الفتح" 8/ 519، وقال: وتوهم مغلطاي ومن قلده أن مراد البخاري معمر بن راشد، فنسب هذا إلى تخريج عبد الرزاق في "تفسيره" عن معمر، ولا وجود لذلك في "تفسير عبد الرزاق".

ص: 113

تَمَامِ الآيَتَيْنِ. فَقُلْتُ لَهُ: فَفِي أَيِّ هذا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ.

هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة

(1)

.

(1)

أبو داود (2203) - مختصرًا، الترمذي (3204)، النسائي 6/ 55 - 56، ابن ماجه (2053).

ص: 114

‌5 - [باب] قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ} الآية [الأحزاب: 29]

وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34]: القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.

4786 -

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» . قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] إِلَى {أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29]» . قَالَتْ: فَقُلْت: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟! فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَا فَعَلْتُ.

تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو سُفْيَانَ الْمَعْمَرِىُّ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. [انظر: 4785 - مسلم: 1475 - فتح: 8/ 520]

(قَالَ قَتَادَةُ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ}: القُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.) هدا رواه الحنظلي عن أحمد بن منصور، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر عنه

(1)

.

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ

(1)

انظر "تفسير عبد الرزاق" 2/ 96 (2342).

ص: 115

- صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي، قًالَ:"إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي .. " الحديث.

ثم قال: تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو سُفْيَانَ المَعْمَرِيُّ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.

الشرح:

قوله: (وقال الليث) يجوز أن يكون عن كاتب الليث -أبي صالح عبد الله بن صالح- فإن الحديث عنده وليس هو عند البخاري ممن يخرج له في الأصول إلا في موضع واحد في البيوع

(1)

، صرح بسماعه منه، وروايته عنه.

ومتابعته عبد الرزاق أخرجها ابن ماجه من حديث محمد بن يحيى عنه

(2)

، ولما رواه النسائي، عن يونس بن عبد الأعلى، عن يونس بن يزيد وموسى بن علي، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وعن محمد بن عبدالأعلى، عن محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قال: هذا خطأ، ولا أعلم من الثقات تابع معمرًا على هذِه

(1)

ورد في هامش الأصل: روى البخاري في تفسير سورة الفتح، عن عبد الله ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة حديثًا في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [(4838)]. وقد اخُتلف في عبد الله على أقوال، قال المزي: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال إنه كاتب الليث، وذكر حجته في ذلك، والمكان الذي ذكره المؤلف لا أستحضره الآن. اهـ. [وانظر:"تهذيب الكمال" 15/ 113 - 114.

وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 2/ 358: ووقع في روايتنا من طريق أبي ذر: حدثنا عبد الله بن مسلمة يعني القعنبي، والظاهر أنه الأصوب. اهـ. وانظر:"فتح الباري" 8/ 585].

(2)

ابن ماجه (2053).

ص: 116

الرواية

(1)

. وأفاد ابن عساكر أن معاوية بن صالح الصدفي رواه عن الزهري، عن عروة، قال الدارقطني: وكذا رواه محمد بن ثور وابن المبارك والحسن بن أبي الربيع الجرجاني.

وقوله: (وأبو سفيان المعمري) اسمه محمد بن حميد البصري، ولقب بالمعمري؛ لأنه رحل إلى معمر، مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين، روى له مسلم أيضًا.

إذا تقرر ذلك: فمما عد من خصائصه - عليه أفضل الصلاة والسلام - أنه كان يجب عليه -على الأصح- تخيير زوجاته بين اختيار زينة الدنيا ومفارقته، وبين اختيار الآخرة والبقاء في عصمته، ولا يجب ذلك على غيره.

ووجهه الآية المذكورة وفي سبب نزولها أقوال محل الخوض فيها كتب التفسير، وقد أوضحت القول فيها في كتاب "غاية السول في خصائص الرسول"

(2)

، فلما نزلت آية التخيير بدأ بعائشة كما نص عليه في الحديث.

وحقيقته أن يجعل الطلاق إلى المرأة، فإن لم تطلق فليس بشيء، كما لو فوتته لا يمضي، فلما بدأ بها اختارته، ثم اخترنه باقي نسائه، وبه قال الأكثرون، وقال الماوردي: إلا فاطمة بنت الضحاك الكلابية، وكان قد دخل بها، فاختارت الحياة الدنيا وزينتها، فسرحها، فلما كان في زمن عمر وجدت تلقط البعر وتقول: إني

(1)

"السنن الكبرى" 3/ 362 (5632، 5633)، وانظر:"تحفة الأشراف" 12/ 87 (16632).

(2)

"غاية السول" ص 109.

ص: 117

اخترت الدنيا على الآخرة، فلا دنيا ولا آخرة، زاد ابن الطلاع: وكانت تقول: أنا الشقية، قال: وكانت تحته قيلة بنت قيس، وأنه أوصى بتخييرها في مرضه فاختارت فراقه قبل الدخول. وقال الماوردي: هل كان التخيير (بين)

(1)

الدنيا والآخرة أو بين الطلاق والمقام؟ فيه قولان للعلماء أشبههما بقول الشافعي الثاني، وقال بعد: إنه الصحيح

(2)

.

وكذا فرض الخلاف القرطبي، وعبارته: هل كان في البقاء أو الطلاق، أو بين الدنيا فيفارقهن أو بين الآخرة فيمسكهن ولم يخيرهن في الطلاق، وقال: ذكره الحسن وقتادة، ومن الصحابة: علي، فيما رواه أحمد عنه أنه قال لم يخير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه إلا بين الدنيا والآخرة

(3)

.

وعبارة ابن الجوزي: المعنى في تخييره: إن اخترتن الدنيا فأخبرنني حتى أطلقكن، ولا يكون من تخيير المرأة إذا اختارت نفسها وقع الطلاق، فإنه كناية في حقه، أو يكون جوابًا عن سؤالها فهو كناية من جانبها أيضًا قبلته بلفظ الاختيار.

وفرع الماوردي فقال: فعلى الأول لا شيء حتى تطلق، وعلى الثاني فيه وجهان: أحدهما: أن تخييره كتخيير غيره ويرجع فيه إلى نيته ونيتها، وثانيهما: أنه صريح في الطلاق لخروجه مخرج التغليظ.

(1)

في الأصل: (بعد)، والمثبت هو الصواب.

(2)

انظر: "غاية السول" صى 113 - 116.

(3)

"تفسير القرطبي) 14/ 170، وحديث علي في "المسند" 1/ 78 من زيادات عبد الله بن أحمد، وقال الشيخ أحمد شاكر (588): إسناده ضعيف جدًّا

ثم إن هذا الحديث خطأ يخالف الأحاديث الصحاح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيَّر أزواجه الطلاق فاخترن الله ورسوله.

ص: 118

وحاصل الخلاف: هل هو صريح أو كناية، ومذهب الأربعة والجمهور، -كما قاله النووي- أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقًا، ولا تقع به فرقة، وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث: أن نفس التخيير يقع به طلقة بائنة، سواء اختارت زوجها أم لا، وحكاه الخطابي وغيره من مذهب مالك، قال القاضي: لا يصح عنه

(1)

. وقال ربيعة: يقع رجعيًّا وإن اختارت زوجها. وحكى الرازي الحنفي خلافًا عن السلف فيمن خير امرأته، فقال علي: إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية، أو نفسها فبائنة. وعنه: لا شيء في الأول، وقال عمر (بن)

(2)

عبد الله: لا شيء في الثاني، وقال زيد بن ثابت: في (أمرك بيدك) وإن اختارت نفسها رجعية.

وقال أبو حنيفة وصاحباه وزفر في الخيار: إن اختارت زوجها فلا شيء، أو نفسها فبائن إذا أراد الزوج الطلاق، ولا يكون ثلاثًا وإن نوى، وقال ابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري: إن اختارت زوجها فلا شيء أو نفسها فواحدة، وقال مالك في الخيار: إنه ثلاث إذا اختارت نفسها، وإن طلقت نفسها واحدة لم يقع شيء

(3)

، وحكى سحنون عن أكثر أصحابهم أنها طلقة بائنة، وقيل: رجعية

(4)

.

قال ابن المنذر: قول عائشة- رضي الله عنها (خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعد ذلك علينا شيئًا) دال على اختيارها زوجها لم يكن طلاقًا،

(1)

"شرح مسلم" للنووي 10/ 79 - 80، وانظر:"إكمال المعلم" 5/ 32 - 33.

(2)

كذا بالأصل وعليها علامة استشكال والصواب (و) كما في "أحكام القرآن" للجصاص.

(3)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 5/ 227.

(4)

انظر: "النوادر والزيادات" 5/ 224.

ص: 119

بخلاف اختيارها نفسها، وأن المخيرة إذا اختارت نفسها فهي مطلقة، بهذا، يملك زوجها رجعتها. ثم حكى عن عمر وابن مسعود وابن عباس أنها إذا اختارت نفسها فرجعية، وبه قال ابن أبي ليلى والثوري والشافعي.

وروي: بائن، روي عن علي، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وقيل: ثلاث، وهو قول مالك والليث وقبلهما زيد بن ثابت والحسن البصري

(1)

.

فائدة:

قوله: ("فلا تعجلي") قاله شفقة عليها، فإنه خاف أن يحملها صغر سنها وقلة تجربتها على اختيار الفراق فيجب فراقها، وقد يقتدي بها غيرها من نسائه.

وقوله: ("حتى تستأمري أبويك" (صريح في أنها لو أوقعت الطلاق لوقع، وانفرد طاوس فقال: الطلاق للرجل، وقيل: إنما أمره الله بالتخيير؛ لعلمه أنهن يخترنه، وهذا لا يعلم في غير أمهات المؤمنين. قال هذا القائل: فيكره أن يخير الرجل المرأة، ورد عليه باستعمال السلف له.

(1)

انظر: "الإشراف" 1/ 158.

ص: 120

‌6 - [باب] قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ} الآية [الأحزاب: 37]

4787

- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ {وَتُخْفِى فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. [7420 - فتح: 8/ 523]

ذكر فيه حديث أنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ هذِه الآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زينَبَ بنت جَحْشٍ وَزيدِ بْنِ حَارِثَةَ.

هذِه القصة قد ساقها بعد مطولة من حديث أنس أيضًا. قال أنس رضي الله عنه: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا لكتم هذِه الآية.

قال قتادة: كان عليه السلام يحب أن يطلقها فيكره أن يقول له: طلقها، فيسمع الناس بذلك فيفتنوا، وسئل الحسن عن هذِه الآية فقال: أعلم الله نبيه أن زيدًا يطلق زينب ثم تتزوجها بعد. وأخرجه النسائي والترمذي وقال: صحيح

(1)

.

قال القاضي عياض: وأصح ما فيه ما حكي عن علي بن الحسين أن الله قد أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه، فلما شكاها إليه زيد قال له:"أمسك عليك زوجك" وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها، ما الله مبديه ومظهره من أمر التزويج وطلاق زيد، ثم أوضح ذلك

(2)

.

(1)

الترمذي (3212)، النسائي في "الكبرى" 6/ 432 (11407).

(2)

"إكمال المعلم" 1/ 531 - 532.

ص: 121

ومن خصائصه عليه أفضل الصلاة والسلام أنه إذا رغب في نكاح امرأة، فإن كانت خلية فعليها الإجابة على الأصح، وحرم على غيره خطبتها، وإن كانت ذات زوج وجب على زوجها طلاقها لينكحها على الصحيح كما أوضحت ذلك في "الخصائص"

(1)

.

فائدة:

جاء في زواجه بزينب أنه أشبع الناس خبزًا ولحمًا، وجاء أنه أولم بشاة، وجاء أنه أشبعهم من الحيس الذي أرسلته أم سليم في تور. قال القاضي عياض: وهو وهم من بعض الرواة ركب قصة على أخرى

(2)

.

قلت: ولم لا يجوز أن يكون المجموع وقع فأخبر كل عما شاهده بعد انصراف الأولين.

= وقد اختلفت الآثار الواردة في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها، بل لم يصح منها الكثير، حتى قال الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذِه الآية: ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم -هاهنا- آثارًا عن بعض السلف رضي الله عنهم، أحببنا أن نضرب عنها صفحًا؛ لعدم صحتها، فلا نوردها.

وأصح ما قيل فيها، ما قال القاضي عياض، وهو ما اختاره الحافظ ابن كثير في "تفسيره" والحافظ ابن حجر في "الفتح" وغيرهما.

وقد كانت قصة زواج زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها، ثم طلاقه لها، وتزويج الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم منها، تغيير لمفاهيم وقيم اجتماعية موروثة في حياة الجماعة العربية في جاهليتها، فبزواج زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم من زينب، قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفوارق الطبقية الموروثة، والعصبيات الجاهلية. وبعد طلاقه لها وزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كان ذلك إبطالًا للعرف السائد من تحريم زوجات الأدعياء، بل كان فيه إبطال لعادة التبني في ذاتها.

انظر: "تفسير ابن كثير" 11/ 170 - 174، "فتح الباري" لابن حجر 8/ 524.

(1)

"الخصائص" ص 196.

(2)

"إكمال المعلم" 4/ 602.

ص: 122

‌7 - [باب]: قَوْلِهِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} الآية [الأحزاب: 51]

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: (تُرْجِئُ) تُؤَخِّرُ. (أَرْجِئْهُ [الأعراف: 111] و [الشعر اء: 36]: أَخِّرْهُ.

4788 -

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشَامٌ، حَدَّثَنَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللاَّتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقُولُ أَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟! فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب:51] قُلْتُ: مَا أُرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ. [5113 - مسلم: 1464 - فتح: 8/ 524]

4789 -

حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {تُرْجِئُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب:51]. فَقُلْتُ لَهَا: مَا كُنْتِ تَقُولِي؟ قَالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ لَهُ إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَيَّ فَإِنِّي لَا أُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْكَ أَحَدًا.

تَابَعَهُ عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ سَمِعَ عَاصِمًا. [مسلم: 1476 - فتح: 8/ 525]

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: (تُرْجِئُ): تُؤَخِّرُ. أرجه: أَخِّرْهُ. أسنده ابن أبي حاتم من حديث علي بن أبي طلحة عنه، والهمز أكثر وأجود.

وهذِه الآية نزلت -كما نقله الواحدي عن المفسرين- حين طلب أزواجه عليه السلام زيادة النفقة وشبه ذلك، فهجرهن شهرًا حتى نزلت فيهن آية التخيير فأمر أن يخيرهن.

وعلى أنهن أمهات المؤمنين فلا ينكحن أبدًا، وعلى أنه يؤوي إليه

ص: 123

من يشاء ويرجي من يشاء، فيرضين به منهن، قسم لهن أم لم يقسم فيرضين بذلك.

وقال قوم: لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقهن، فقلن: يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا، فنزلت

(1)

.

وحكى ابن الجوزي في الآية أربعة أقوال:

أحدها: تطلق من تشاء من نسائك وتمسك من تشاء منهن، قاله ابن عباس.

ثانيها: تترك نكاح من تشاء من أمتك، قاله الحسن.

ثالثها: تعتزل من شئت من أزواجك ولا تأتيها بغير طلاق، وتأتي من تشاء فلا تعتزلها، قاله مجاهد.

الرابع: تقبل من تشاء من المؤمنات اللواتي وهبن أنفسهن وتترك من تشاء، قاله السدي وعكرمة

(2)

.

ثم ساق البخاري في الباب حديت عَائِشَةَ رضي الله عنها: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

الحديث.

وأخرجه أيضًا في النكاح.

ومسلم والنسائي وابن ماجه

(3)

.

ومن حديثها أيضًا عَنْ مُعَاذَةَ، عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي بيت المَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أَنْ نزلت عليه {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51]. فَقُلْتُ لَهَا: مَا كُنْتِ تَقُولِينَ؟ فقَالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ لَهُ إِنْ كَانَ ذَلكَ إِلَيَّ فَإِنِّي لَا أُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْكَ أَحَدًا.

(1)

"أسباب النزول" للواحدي ص 371.

(2)

"زاد المسير" 6/ 407.

(3)

النسائي 6/ 54، ابن ماجه (2000).

ص: 124

تابعه عباد بن عباد سمع عاصمًا.

وأخرجه أولًا من حديث عبد الله، عن عاصم الأحول، عن معاذة به مسلم وأبو داود والنسائي

(1)

.

وظاهر قولها: (أغار) إلى آخره .. يدل على أن الآية نزلت في الواهبة نفسها، وبه قال الشعبي. وظاهر استئذانه أنه لم يخرج أحدًا، وهو قول الزهري: ما علمت أنه أرجأ أحدًا من أزواجه. وصححه الواحدي

(2)

، وقال قتادة: أطلق له أن يقسم بينهن كيف شاء، فلم يقسم إلا بالقسط.

روى عبد في "تفسيره" عن أبي رزين أن الآية لما نزلت آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، فكان يقسم بينهن سواء، لا يفضل بعضهن على بعض، وأرجأ ميمونة وسودة وجويرية وصفية وأم حبيبة، وصححه بعضهم، وجعل الداودي أم حبيبة في المؤويات، وهو غريب.

وعن الشعبي: إن نساء وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فدخل)

(3)

ببعضهن وأرجأ بعضهن ولم يفارقهن حتى توفي، ولم ينحكن بعده، منهم أم شريك

(4)

.

قال البيهقي: إن صح سنده كأنه أرجأهن ولم يقبلهن، وإن كن حلالًا له، ولما أرجأ خولة تزوجها عثمان بن مظعون

(5)

.

(1)

أبو داود (2136)، النسائي في "الكبرى" 5/ 301 (8936).

(2)

"أسباب النزول" ص 372.

(3)

في الأصل: (يدخل)، والمثبت المناسب للسياق الموافق لمصادر التخريج.

(4)

انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 365، "أحكام القرآن" للجصاص 5/ 239، 240.

(5)

"سنن البيهقي" 7/ 55.

ص: 125

فوائد:

الأولى: اختلف في الواهبة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أقوال:

أحدها: أم شريك، قاله عروة، وأخرجه النسائي عنها

(1)

، وهي بنت جابر بن ضباب بن حجر، من بني عامر بن لؤي. قاله مقاتل، وكانت تحت أبي العسر الدوسي، فولدت له شريكًا ومسلمًا، ثم مات عنها.

ثانيها: ميمونة بنت الحارث، قاله ابن عباس.

ثالثها: زينب بنت خزيمة الأنصارية، أم المساكين، قاله الشعبي

(2)

.

رابعها: خولة بنت حكيم، قالته عائشة، ففي "الصحيح" كما سيأتي عنها: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة تهب نفسها للرجل، فلما نزلت:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} وقلت: يا رسول الله، ما أرى ربك إلا يسارع في هواك، وهذا يدل على أن معنى قوله:{تُرْجِي} : تؤخر فلا تقبل هبتها، وتؤوي إليك من تشاء بقبول هبتها، كما هو أحد الأقوال السالفة.

وهذا الحديث أخرجه من حديث محمد بن سلام، ثنا ابن فضيل، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها، قال: ورواه أبو سعيد المؤدب، ومحمد بن بشر، وعبدة، عن هشام، عن أبيه، عنها، يزيد بعضهم على بعض

(3)

.

أما رواية أبي سعيد فأخرجها الإسماعيلي من حديث منصور بن أبي مزاحم، عنه.

(1)

النسائي في "الكبرى" 5/ 294 (8928).

(2)

انظر: "تفسير البغوي" 6/ 364.

(3)

سيأتي برقم (5113) كتاب: النكاح، باب: هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد؟

ص: 126

وأما رواية محمد بن بشر فأخرجها من حديث أبي كريب، ثنا أبو أسامة ومحمد بن بشر، عن هشام به. وأما رواية عبدة فأخرجها مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عنه، عن هشام به

(1)

.

وقال السهيلي: اسمها غزية، وقيل: غزيلة

(2)

، وقيل: إن الواهبة ليلى بنت الخطيم. وعند أبي عبيدة أن فاطمة بنت شريح وهبت نفسها له؛ فنزلت {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} وعند عبد بن حميد، عن الشعبي: وهبت امرأة من الأنصار نفسها له. وقوله للجونية: "هبي لي نفسك" إنما قاله لها وهي زوجه. أي: مكنيني، فليس مما نحن فيه.

الثانية:

اختلف في عقد النكاح بلفظ الهبة لغير سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولين: أحدهما: صحته ولها ما سمي، وإلا فلها فرض مثلها، قاله أبو حنيفة وأصحابه

(3)

.

والثاني: لا، وذلك من خصائصه، وبه قال الشافعي ومالك، قال ابن القاسم: قال مالك: لا يحل ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكاه أبو عبيد، عن ابن المسيب قال: وبه قالت الأمة جميعها أن الهبة محرمة على البشر بعده؛ لقوله: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} ثم روى بإسناد عن عطاء جوازها

(4)

.

(1)

مسلم (1464/ 50).

(2)

الذي في "الروض الأنف" 4/ 268 أن اسمها خولة أو خويلة.

(3)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 291 - 292، "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 537 - 539، "المبسوط" 5/ 59 - 61.

(4)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 537 - 539، "المنتقى" 3/ 275 - 276، "روضة الطالب" مع شرحه "أسنى المطالب" 3/ 101.

ص: 127

وعند ابن القاسم صحته بلفظ الهبة إذا أراد به النكاح، كما إذا قال: وهبت لك ابنتي، وأراد به النكاح. وقال ابن المواز: لم يختلف أصحاب مالك أنه يفسخ قبلها، فإن بنى بها فقال ابن القاسم وعبد الملك: لا فسخ. وقال أشهب وابن عبد الحكم: يفسخ

(1)

، وهو قول الشافعي، لا يصح عنده إلا بأحد لفظين: إما التزويج أو الإنكاح، وهو قول أبي ثور والزهري وربيعة، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه كما سلف، وأبو عبيد وداود: ينعقد بلفظ الهبة والبيع والتملك والصدقة

(2)

. وعن مالك: انعقادها بذلك إذا ذكر المهر

(3)

، وأورد الطحاوي على الشافعي قوله: لا ينعقد النكاح بما سماه الله الطلاق فإنه ينعقد بالكنايات، وجوابه: أن النكاح نوع تعبد فاختص، بخلافه، أما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأصح انعقاد نكاحه بلفظ الهبة؛ للآية السابقة، وعلى هذا لا يجب مهر بالعقد، ولا بالدخول كما هو مقتضى الهبة.

وحكاه الرازي عن مجاهد وابن المسيب

(4)

.

وهل يشترط لفظ النكاح من جهته أم يكفي بلفظ الإتهاب؟

فيه وجهان لأصحابنا:

أحدهما: لا يشترط -كما في حق المرأة، وأصحهما: نعم؛ لقوله تعالى: {أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} فاعتبر في جانبه النكاح

(5)

.

(1)

"النوادر والزيادات" 4/ 451.

(2)

انظر: "البيان" 9/ 233، 9/ 460.

(3)

انظر: "المنتقى" 3/ 275.

(4)

"أحكام القرآن" للجصاص 5/ 537.

(5)

انظر: "البيان" 9/ 139.

ص: 128

قال أصحابنا: وينعقد نكاحه بمعنى الهبة حتى لا يجب مهر ابتداء ولا انتهاء، وفي وجه غريب أنه يجب المهر، والذي خص به هو انعقاد نكاحه بلفظ الهبة دون معناها

(1)

. وقال الماوردي مرة بسقوط المهر

(2)

، وقال أخرى: اختلف أصحابنا فيمن لم يسم لها مهرًا في العقد، هل يلزمه لها مهر المثل؟ على وجهين. وجه المنع أن المقصود منه التوصل إلى ثواب الله تعالى

(3)

.

الثالثة:

أغرب الماوردي فحكى خلافًا عن العلماء: هل كانت عنده عليه السلام امرأة موهوبة أم لا؟ من أجل اختلاف القراء في فتح (أن) وكسرها من قوله: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا}

(4)

فعلى الثاني يكون شرطًا مستقبلًا، وعلى الأول يكون خبرًا عن ماض، قال: وعليه اختلف في من هي؟ فذكر بعض ما أسلفناه من الأقوال

(5)

.

فائدة تنعطف على التخيير:

هل كان يحرم عليه - عليه أفضل الصلاة والسلام - طلاق من اختارته؟ فيه وجهان لأصحابنا: أحدهما وبه قطع الماوردي

(6)

، ونص عليه في "الأم": نعم كما يحرم إمساكها لو رغبت عنه، ومكافأة لهن

(1)

"روضة الطالبين" 7/ 9.

(2)

"الحا وي" 9/ 15.

(3)

المصدر السابق 9/ 24.

(4)

قرأها بالفتح: أُبي بن كعب، والحسن، والثقفي، وسلَّام. انظر:"المحتسب" لابن جني 2/ 182.

(5)

"النكت والعيون" 4/ 412 - 414.

(6)

"الحاوي" 9/ 12، "النكت والعيون" 4/ 396.

ص: 129

على صبرهن، وبه يشعر قوله تعالى:{وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} فإنه فراقهن وتزوج غيرهن.

وأصحهما: لا، كما لو أراد واحد من الأمة طلاق زوجته لا يمنع منه، وإن رغبت فيه، ولأن البدل معناه مفارقتهن أولًا والتزويج بأمثالهن بدلًا عنهن، وذلك مجموع أمرين، فلا يقتضي المنع من أولهما، وادعاء الحجر على الشارع في الطلاق بعيد. وفي وجه ثالث أنه يحرم عقب اختيارهن، ولا يحرم إذا انفصل عنه

(1)

.

وذكر النحاس في الآية أقوالًا منها: أنها منسوخة بالسنة، وهو أولاها

(2)

.

قالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حل له النساء. صححه الترمذي

(3)

. وكذا قالت أم سلمة بزيادة: إلا ذات محرم، وقال تعالى:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} ويجوز أن تكون عائشة أرادتها، والآية وإن كانت متقدمة في التلاوة فهي متأخرة في النزول، كما وقع ذلك في قوله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} إلى قوله: {عَشْرًا} [البقرة: 234] لأنه ناسخ لقوله: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] وإن كان متأخرًا عنه في التلاوة، فقد يسبق التالي

(4)

إلى معرفة الحكم الذي استقر. ومنها أنها محكمة.

خاتمة:

فيه: لا بأس بعرض المرأة نفسها على أهل الخير.

(1)

انظر: "البيان" 9/ 145 - 146.

(2)

"معاني القرآن" 5/ 367 - 368.

(3)

الترمذي (3216).

(4)

لعله يعني (القارئ).

ص: 130

‌8 - [باب] قَوْلِهِ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 53]

يُقَالُ: {إِنَاهُ} : إِدْرَاكُهُ، أَنَى يَأْنِي أَنَاةً {لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63] إِذَا وَصَفْتَ صِفَةَ المُؤَنَّثِ قُلْتَ قَرِيبَةً وَإِذَا جَعَلْتَهُ ظَرْفًا وَبَدَلًا، وَلَمْ تُرِدِ الصِّفَةَ نَزَعْتَ الهَاءَ مِنَ المُؤَنَّثِ، وَكَذَلِكَ لَفْظُهَا فِي الوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ لِلذَّكَرِ وَالأُنْثَى.

4790 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ. [انظر: 402 - مسلم: 2399 - فتح: 8/ 527]

4791 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَان، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ دَعَا الْقَوْمَ، فَطَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ وَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ، وَقَعَدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَدْخُلَ، فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا، فَانْطَلَقْتُ فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَنْزَلَ اللهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآيَةَ [الأحزاب: 53]. [4792، 4793، 4794، 5154، 5163، 6866، 5168، 5170، 5171، 5466، 6238، 6239، 6271، 7421 - مسلم: 1428 - فتح: 8/ 527].

4792 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذِهِ الآيَة -آيَةِ الْحِجَابِ- لَمَّا أُهْدِيَتْ زَيْنَبُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ، صَنَعَ طَعَامًا، وَدَعَا الْقَوْمَ، فَقَعَدُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ، ثُمَّ يَرْجِعُ، وَهُمْ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا

ص: 131

الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: 53] إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] فَضُرِبَ الْحِجَابُ، وَقَامَ الْقَوْمُ. [انظر: 4791 - مسلم: 1428 - فتح: 8/ 527]

4793 -

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ. قَالَ: "ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ". وَبَقِىَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللهِ» . فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ اللهُ لَكَ؟ فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا ثَلَاثَةُ رَهْطٍ فِي الْبَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَمَا أَدْرِي أخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا، فَرَجَعَ حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ دَاخِلَةً وَأُخْرَى خَارِجَةً أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. [انظر: 4791 - مسلم: 1428 - فتح: 8/ 527]

4794 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيَدْعُو لَهُنَّ وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُونَ لَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ رَأَى رَجُلَيْنِ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيثُ، فَلَمَّا رَآهُمَا رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلَانِ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ وَثَبَا مُسْرِعَيْنِ، فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ بِخُرُوجِهِمَا أَمْ أُخْبِرَ فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 4791 - مسلم: 1428 - فتح: 8/ 528]

ص: 132

4795 -

حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا سَوْدَةُ: أَمَا وَاللهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ، قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى. وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ: فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ» . [انظر: 146 - مسلم: 2170 - فتح: 8/ 528]

يقال: (إِنَاهُ): إِدْرَاكُهُ، أَنَى يَأْنِي أناء. وفي نسخة: أناة، والوجه: أنيًا. {لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63] إِذَا وَصَفْتَ صِفَةَ المُؤَنَّثِ قُلْتَ: قَرِيبَةً وَإِذَا جَعَلْتَهُ ظَرْفًا وَلَمْ تُرِدِ الصِّفَةَ نَزَعْتَ الهَاءَ مِنَ المُؤَنَّثِ، وَكَذَلِكَ لَفْظُهَا في الاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ والذَّكَرِ وَالأُنْثَى.

ثم ساق حديث حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ البَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الحِجَابِ.

وعن أبي مِجْلَزٍ -لاحق بن حميد- عَنْهُ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بنت جَحْشٍ دَعَا القَوْمَ، فَطَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ .. الحديث. وفيه: فألقى الحجاب ونزلت الآية.

ثم ساقه من حديث أَبِي قِلَابَةَ، عن أنسٍ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بهذِه الآيَةِ، آيَةِ الحِجَابِ وساق الحديث. وفي آخره: فَضُرِبَ الحِجَابُ، وَقَامَ القَوْمُ.

ثم ساق من حديث عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بُنِيَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزَيْنَبَ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا، فَيَجِيءُ

ص: 133

القوم فَيَأْكُلُونَ ويخْرُجُونَ .. الحديث. وفي آخره: وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الحِجَابِ.

ثم ساق عن إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ، عن حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ، فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ خَرَجَ إلى حُجَرِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ .. الحديث وفي آخره: وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الحِجَابِ. وَقَالَ ابن أَبِي مَرْيَمَ: أَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيْلُ، سَمِعَ أَنَسًا، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويحيى هذا هو ابن أيوب الغافقي، استشهد به البخاري، واحتج به مسلم.

ثم ساق من حديث هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ الحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى على مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ يَا سَوْدَةُ: أَمَا والله مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ، قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى. وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ فَدَخَلَتْ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ: فَأُوْحِيَ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ العَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضعَهُ فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ ".

وهذِه الأحاديث كلها دالة على الحجاب.

والحديث الأخير وإن لم يذكر فيه، بل قوله:"قد أذن لكن" إلى آخره ظاهره عدمه، فالبخاري ذكره في مواضع أخر من حديث الزهري، عن عروة، عنها: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل قبل المناصع، وكان عمر يقول: يا رسول الله، احجب نساءك. فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة، فناداها عمر: قد عرفناك

ص: 134

يا سودة؛ حرصًا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله الحجاب

(1)

، ومن عادته الإحالة على أصل الحديث، لكن هذا غير الحجاب الأول، فإنه أراد هنا حجبة الشخص مطلقًا، وإن كن متلفعات، وفي الأول نزل الحجاب في الدخول عليهن، كما ستعلمه من أنهن كن يحجبن أشخاصهن عن الرجال، كما فعلته حفصة وغيرها.

قال القاضي عياض: فرض الحجاب مما اختص به أزواجه، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز كما في حديث حفصة لما توفي عمر رضي الله عنهما سترها النساء عن أن يُرى شخصها، فلما توفيت زينب جعلوا لها قبة تستر شخصها

(2)

.

وقد أسلفنا ذلك في الصلاة في الحجاب أحد ما وافق عمر فيه ربه تعالى، ولا خلاف أن غيرهن يجوز لهن أن يخرجن لما يحتجن إليه من أمورهن الجائزة بشرط أن تكون (بذة)

(3)

الهيئة خشنة الملبس، تفلة الريح، مستورة الأعضاء، غير متبرجة بزينة ولا رافعة صوتها.

وقوله: (بني على رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بخبز ولحم) وقد سلف قريبًا اختلاف الرواية فيه، والجمع مما ذكرته.

وقوله فى الآية: {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} : بعد الأكل.

وقوله: (وبقي ثلاثة) وفي الرواية الأخرى: رجلان. لعله باعتبارين: كانوا ثلاثة ذهب واحد وبقي اثنان، وهو أولى من قول

(1)

سلف برقم (146) كتاب: الوضوء، باب: خروج النساء: إلى البراز.

(2)

"إكمال المعلم" 7/ 57.

(3)

في الأصل: (بد) غير منقوطة، وعلمها:(كذا). والمثبت هو الأليق للسياق.

ص: 135

ابن التين: إحداهما وهم.

وقوله: (وضع رجله في أسكفة الباب) هي عتبته التي يوطأ عليها، كما قاله الخليل

(1)

.

وقوله: (وفي يده عرق) هو بفتح العين وبسكون الراء، عظم عليه لحم. وعبارة الداودي: العرق: البضعة من اللحم. وعبارة ابن فارس: العراق: العظم إذا أخذ لحمه، وفلان معروق اللحم: إذا كان قليل اللحم

(2)

.

وقوله: (وأرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب) زاد الواحدي من حديث عمرو بن شعيب، عن أنس: فلما أرخى الستر دوني، فذكرت ذلك له

(3)

، فقال: إن كان ما تقول حقَّا لينزلن فيه قرآن، فأنزل الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} وروى من حديث ليث، عن مجاهد أنه عليه السلام كان يطعم ومعه أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، وكانت معهم، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت آية الحجاب

(4)

.

وقال الفراء: كانت الصحابة يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الغداء، فإذا طعموا أطالوا الجلوس، وسألوا أزواجه الحوائج، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت، فشق ذلك على بعض، وتكلم

(1)

"العين" 5/ 315.

(2)

"المجمل" 2/ 662.

(3)

يعني: لأبي طلحة.

(4)

رواه الطبري 9/ 325 (28616)، "أسباب النزول" ص 373 - 374 (707، 709)،، وحديث أنس أخرجه الترمذي (7123) وقال:[حسن] غريب من هذا الوجه. اهـ.

ص: 136

بعضهم في ذلك وقالوا: أننهى أن ندخل على بنات عمنا إلا بإذن ومن وراء حجاب، لئن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتزوجن بعضهن، فقال أبو بكر وذووه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضًا لا ندخلن عليهن إلا بإذن؟! فنزلت {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ} الآية. وأنزل في التزويج {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ}

(1)

.

وقال مقاتل: كانوا يجلسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام وبعده، وكان ذلك في بيت أم سلمة. وكذا قاله قتادة فيما ذكر عبد بن حميد، كان ذلك يؤذيه ويستحيي أن يقول لهم: قوموا، وربما خرج وهم في بيته يتحدثون

(2)

.

والجمع بين هذِه الأقوال -والله أعلم- أن بعض الرواة ضم قصة إلى أخرى، ونزلت الآية عند المجموع، وكان ذلك سنة خمس من الهجرة، وكان عمر وقع في ظنه نفرة عظيمة في أن يطلع أحد على حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صرح له بقوله: احجب نساءك. ولم يزل ذلك عنده إلى أن نزل الحجاب، وبعده قصد أن لا يخرجن أصلًا، فأفرط في ذلك بحيث أنه أفضى إلى الحرج والمشقة والإضرار بهن، فإنهن محتاجات إلى الخروج كما قال عليه السلام:"قد أذن لَكُنَّ أن تخرجن لحاجتكن" ثم جاء الحجاب الثاني كما سلف. وما تقدم من كراهته عليه السلام لم يظهره، وأظهره عمر فاجتمعت القضايا.

ودعوى من ادعى أن هذِه المصلحة التي أشار بها عمر خفيت على غيره يرده ما ذكرناه.

(1)

"معاني القرآن" 2/ 349.

(2)

رواه بنحوه الطبري 10/ 325 (28614).

ص: 137

فائدة:

تزويجه بزينب إما سنة ثلات -كما قاله أبو عبيدة- وفيه نظر، لأن الحجاب كان حين زواجها سنة خمس، لا جرم أن قتادة قال: كان سنة خمس. وقيل غير ذلك كما سلف في الصلاة.

فائدة أخرى:

(انكفأت) في حديث عائشة بالهمز. أي: انقلبت وانصرفت. ووقع لبعض الرواة: انكفت بتركه، وكأنه لما سهل الهمزة بقيت الألف ساكنة فلقيها ساكن فحذفت، والصواب الأول كما نبه عليه القرطبي

(1)

.

فائدة أخرى:

{بيُوُتَ} بضم الباء وكسرها وهما قراءتان، والكسر عن عاصم وجماعة أهل الكوفة، ولا يراه البصريون ويقولون: إن الضم بعد الكسر لا يوجد في كلام العرب. والمختار عند أهل الكوفة أيضا الضم

(2)

.

وقوله: (فيستحيي منكم) هو بيائين ويجوز بواحدة.

(1)

"المفهم" 5/ 497.

(2)

انظر: "حجة القراءات" ص 127.

ص: 138

‌9 - [باب] قَوْلِهِ: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} إلى قوله: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب: 54، 55]

4796 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَقُلْتُ: لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِينَ عَمُّكِ» . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ. فَقَالَ:«ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ» . قَالَ عُرْوَةُ: فَلِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا تُحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ. [انظر: 2644 - مسلم: 1445 - فتح: 8/ 531]

ذكر فيه حديث عُرْوَةَ، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها السالف في الشهادات: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي القُعَيْسِ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الحِجَابُ .. الحديث بطوله. وهو ليس فيه من تفسير الآية شيء وإن كان يجوز أن يكون أراد به بيان جواز دخول الأعمام والآباء من الرضاعة على أمهات المؤمنين لقوله: "ائذني له إنه عمك، تربت يمينك".

ومن فوائده: إثبات اللبن للفحل، وأن أخا الفحل بمنزلة العم.

و ("تربت يمينك") كلمة تدعو بها العرب ولا يريدون حقيقتها ووقوعها، لأن معناها افتقرت. يقال: ترب إذا افتقر. وأترب إذا استغنى، كأنه إذا ترب لصق بالتراب، وإذا أترب صار له من المال بقدر التراب.

ص: 139

‌10 - [باب] قَوْلِهِ: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 56]

قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: صَلَاةُ اللهِ عز وجل ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ المَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ المَلَائِكَةِ: الدُّعَاءُ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {يَصِلُونَ} [الأحزاب: 56]: يُبَرِّكُونَ. {لَنُغْرِيَنَّكَ} [الأحزاب: 60]: لَنُسَلِّطَنَّكَ.

4797 -

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَّا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ قَالَ:«قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» . [انظر:3370 - مسلم: 406 - فتح: 8/ 532]

4798 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا التَّسْلِيمُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» . قَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ «عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ» .

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابن أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ وَقَالَ:"كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ". [6358 - فتح: 8/ 532]

ص: 140

(قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: صَلَاةُ اللهِ عز وجل: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ المَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ المَلَائِكَةِ: الدُّعَاءُ). أسقط منه الطحاوي وأبو بكر الرازي لفظة (ثناؤه عليه) وما هنا أصوب، وزاد: إخبار الله الملائكة برحمته لنبيه وتمام نعمته عليه

(1)

.

(ص)(وقال ابن عَبَّاسٍ: {يُصَلُّونَ}: يُبَرِّكُونَ) هذا أسنده ابن أبي حاتم عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي، عنه

(2)

، وقد أفرد نفسه بالذكر، وكذا نبيه، وإن جمع بين اسمه واسم ملائكته في الضمير، ولا امتناع فيه مثل:{وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] وقد قيل: إن قوله: {يُصَلُّونَ} ضمير الملائكة دون اسم الله تعالى.

(ص)({لَنُغْرِيَنَّكَ}: لَنُسَلِّطَنَّكَ) أي: عليهم، ولنأمرنك بقتالهم.

ثم ساق حديث كعب بن عجرة وحديث أبي سعيد الخدري بالصلاة عليه، وقد سلفا.

(1)

لم أهتد إليه في "المختصر".

(2)

عزاه إلى ابن أبي حاتم ابنُ كثير في "تفسيره" 11/ 210.

ص: 141

‌11 - [باب] قَوْلِهِ: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} إلى قوله: {وَجِيهًا} [الأحزاب: 69]

4799

- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلَاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا (69)} [انظر: 278 - مسلم: 339 - فتح: 8/ 534]

ذكر فيه حديث عَوْفٍ، عَنِ الحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلَاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:"إِنَّ مُوسَى كلانَ رَجُلًا حَيِيًّا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا} الآية [الأحزاب: 69] ". وقد سلف في الطهارة. وقيل: إنهم قالوا: قتل أخاه هارون في الجبل وكان ألين لنا منه، وأشد (حياء)

(1)

، فأمر الله الملائكة تحمله، فمروا به على مجالس بني إسرائيل فتكلمت بموته فدفنوه، ولم يعلم موضع قبره إلا الرخم، فإنه أصم أبكم

(2)

.

(1)

كذا بالأصل، وفي مطبوع "تفسير الطبري": حبًا.

(2)

رواه ابن جرير في "تفسيره" 10/ 338.

ص: 142

(34) ومن سورة سَبَأ

يُقَالُ {مُعَاجِزِينَ} مُسَابِقِينَ {بِمُعْجِزِينَ} بِفَائِتِينَ {مُعَاجِزِينَ} مُغَالِبِينَ {سَبَقُوا} فَاتُوا {لَا يُعْجِزُونَ} لَا يَفُوتُونَ {يَسْبِقُونَا} يُعْجِزُونَا قوله: {بِمُعْجِزِينَ} بِفَائِتِينَ، وَمَعْنَى {مُعَاجِزِينَ} مُغَالِبِينَ يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُظْهِرَ عَجْزَ صَاحِبِهِ. مِعْشَارٌ. عُشْرٌ الأُكُلُ الثَّمَرُ {بَاعِدْ} وَبَعِّدْ وَاحِدٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{لَا يَعْزُبُ} لَا يَغِيبُ. العَرِمُ السُّدُّ مَاءٌ أَحْمَرُ أَرْسَلَهُ اللهُ فِي السُّدِّ فَشَقَّهُ وَهَدَمَهُ وَحَفَرَ الوَادِيَ، فَارْتَفَعَتَا عَنِ الجَنْبَيْنِ، وَغَابَ عَنْهُمَا المَاءُ فَيَبِسَتَا، وَلَمْ يَكُنِ المَاءُ الأَحْمَرُ مِنَ السُّدِّ، ولكن كَانَ عَذَابًا أَرْسَلَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ: العَرِمُ المُسَنَّاةُ بِلَحْنِ أَهْلِ اليَمَنِ. وَقَالَ غَيْر العَرِمُ الوَادِي. السَّابِغَاتُ الدُّرُوعُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُجَازى يُعَاقَبُ. {أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} بِطَاعَةِ اللهِ. {مَثْنَى وَفُرَادَى} وَاحِدٌ وَاثْنَيْنِ. {التَّنَاوُشُ} الرَّدُّ مِنَ الآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا. {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} مِنْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَهْرَةٍ. {بِأَشْيَاعِهِم} بِأَمْثَالِهِمْ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {كَالْجَوَابِ} كَالْجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ. الخَمْطُ الأَرَاكُ. وَالأَثَلُ الطَّرْفَاءُ. العَرِمُ الشَّدِيدُ.

مكية إلا {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ} الآية [سبأ: 6]، قاله مقاتل

(1)

، ونزلت بعد الزمر، وقبل: لقمان. قاله السخاوي

(2)

.

(1)

"زاد المسير" 6/ 430.

(2)

"جمال القراء" ص 8.

ص: 143

وفي الترمذي من حديث فروة بن مسيك المرادي مرفوعًا: "إن سبأ رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة وتشاءم أربعة: لخم وجذام وغسان وعاملة، والأولون: الأزد والأشعرون وحمير وكندة ومذحج وأنمار". فقال رجل: وما أنمار؟ قال "الذين فيهم خثعم وبجيلة" ثم قال: حسن غريب

(1)

.

وأخرجه في "المستدرك" من حديث عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس بمثله، ثم قال: صحيح الإسناد، وشاهده حديث فروة

(2)

.

وعند ابن إسحاق: سبأ اسمه: عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قطحان

(3)

، وهو يقظان بن عامر، وهو هود بن شالح بن أرفخشد ابن سام بن نوح، وهو أول من سبى من العرب، فلقب بذلك، وقال الكلبي: اسمه عامر، وكان يقال له: عب الشمس، مثل: عبِّ الشمس بالتشديد، وقال أبو العلاء المعري في كتاب "الأيك والغصون": لو كان الأمر على ما يقولون لوجب أن لا يهمز.

ولا يمنع أن يدعى أن أصل السبي الهمز، إلا أنهم فرقوا بين سبيت المرأة وسبأت الخمر والأصل واحد.

وقال الوزير أبو القاسم في "أدب الخواص": هذا اشتقاق غير صحيح؛ لأن سبأ مهموز والسبي غير مهموز، والصواب أن يكون من سبأت النار جلده إذا أحرقته، ومن سبأت الخمر إذا اشتريتها.

قال ابن هشام في "تيجانه" وكان أول متوج، وهو الذي بنى عرين مصر بين البحرين، لتكون صلة بين المشرق والمغرب، وولى عليها ابنه

(1)

الترمذي (3222).

(2)

"المستدرك" 2/ 423 - 424.

(3)

"سيرة ابن هشام" 1/ 7.

ص: 144

بابليون، فبه سميت مصر بابليون، وبنى سبأ أيضا السد المذكور في القرآن، وهو سد فيه سبعون نهرًا، ونقل إليه الشجر من مسيرة ثلاثة أشهر في ثلاثة أشهر، ولم يتمه، وأتمه من بعده الصعب بن مراثد ذو القرنين، وكان بين جبل مأرب والجبل الأبلق الذي هو متصل ببحيرة النجاة، ومأرب متصل بجبل عمان، وما فوق السد مسيرة ستة أشهر، وما تحته كذلك، ويأتي إليه من أعلى اليمن (نهرا)

(1)

سوى ما يأتيه من السيول من حضرموت وأرض برهوت إلى أرض الحبشة، وكان يحبس الماء فيه من الحول إلى الحول، وبلغ من العمر خمسمائة سنة، وبنى سبأ أيضًا قنطرة سنحة، وهي من أوابد الدنيا.

(ص)(يُقَالُ: {مُعَاجِزِينَ}: مُسَابِقِينَ، {بِمُعْجِزِينَ}: بِفَائِتِينَ، {سَبَقُوا}: فَاتُوا، {لَا يُعْجِزُونَ}: لَا يَفُوتُونَ، {يَسْبِقُونَا}: يُعْجِزُونَا، وَمَعْنَى {مُعَاجِزِينَ}: مُغَالِبِينَ، يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُظْهِرَ عَجْزَ صَاحِبِهِ) قلت: وقال ابن زيد: معاجزين: مجاهدين

(2)

.

(ص)(مِعْشَارٌ: عُشْرٌ) أي: ما أعطيناهم من القوة والعمر والمال والولد.

(ص)(الأُكُلُ: الثَّمَرُ) هو كما قال.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا يَعْزُبُ}: لَا يَغِيبُ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس

(3)

.

(ص) ({سَيْلَ الْعَرِمِ} : هو السُّدُّ، مَاءٌ أَحْمَرُ، أَرْسَلَهُ اللهُ فِي السُّدِّ فَشَقَّهُ وَهَدَمَهُ وَحَفَرَ الوَادِيَ، فَارْتَفَعَتَا يعني: الجنتين، وَغَابَ عَنْهُمَا

(1)

كذا في الأصل ولعلها نهران، وسقطت النون من الناسخ سهوًا.

(2)

رواه الطبري 10/ 347 (28710) بلفظ: جاهدين ليحبطوها أو يبطلوها.

(3)

رواه الطبري عن ابن عباس وعن مجاهد 10/ 345، 346 (28705، 28706).

ص: 145

المَاءُ فَيَبِسَتَا، وَلَمْ يَكُنِ المَاءُ الأَحْمَرُ مِنَ السُّدِّ، ولكن كَانَ عَذَابًا أَرْسَلَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح، عن مجاهد.

وقوله: (يعني) في بعض النسخ (عن) من رواية أبي ذر، وهو ظاهر.

(ص): (وقال عمرو بن شرحبيل: العرم: المسنَّاة، بلحن أهل اليمن) وهذا أسنده عبد بن حُميد، عن يحيى بن عبد الحميد، عن شريك، عن أبي إسحاق، عنه، وقال: بلسان أهل اليمن، بدل:(بلحن)

(1)

.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: العَرِمُ: الوَادِي) هو قول عطاء، وفيه قول آخر أنه اسم الجرذ الذي أرسل عليهم وخرب السد. وآخر: أنه الماء. وفي لفظ: المطر الكثير. وآخر: أنه السد. وقيل: إنه صفة السيل من الحرامة، وهو ذهابُه كل مذهب. وقال أبو حاتم: هو جمع لا واحد له من لفظه

(2)

.

وقول عمرو: إنه المسناة، أي: السد. ذكره السهيلي، وقال: هو قول قتادة

(3)

. وقال ابن التين: معنى المسناة: ما بني في عرض الوادي ليرتفع السيل ويفيض على الأرض. قال: وقيل: إنها عند أهل العراق كالربية تبنى على سيف البحر ليمتنع الماء. قال: والمسناة بضم الميم وتشديد النون، كذا هو مضبوط في أكثر الروايات، وكذا هو في أكثر اللغة، وضبط في رواية الأصيلي بفتح الميم وسكون السين

(1)

رواه الطبري عن أبي ميسرة: (بلحن) 10/ 362 (28790).

(2)

انظر: "جمهرة اللغة" 2/ 773.

(3)

"الروض الأنف" 1/ 22.

ص: 146

وتخفيف النون، وفي "مغائص الجوهر في أنسالب حمير" قال ابن سرية: في زمن إياس بن رحيعم بن سليمان بن داود بعث الله رجلًا من الأزد يقال له: عمرو بن الحجر، وآخر يقال له: حنظلة بن صفوان، وفي زمنه كان خراب السد، وذلك أن الرسل دعت أهله إلى الله، فقالوا: ما نعرف لله علينا من نعمة، فإن كنتم صادقين فادعوا الله علينا وعلى سدنا، فدعوا عليهم، فأرسل الله عليهم مطرًا جرذًا أحمر، كأن فيه النار أمامه جارس، فلما خالط الجارس السد انهدم.

فائدة:

قال أبو عبيد البكري في كتابه "اللآلي شرح الأمالي": يقال: إن الذي بنى السد بلقيس. وقال المسعودي: بناه لقمان بن عاد وجعله فرسخًا في فرسخ، وجعل له ثلاثين مثغبًا.

(ص)(السَّابِغَاتُ: الدُّرُوعُ) أي: تعم كل البدن.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُجَازى: يُعَاقَبُ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه

(1)

، وقال طاوس فيما ذكره عبد: هي المناقشة -يعني: الحساب- يقول: من نوقش عذب، وهو الكافر لا يغفر له

(2)

.

(ص)({أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ}: بِطَاعَةِ اللهِ) أي: بكلمة واحدة، أو عظة واحدة، أو خصلة واحدة.

(ص){مَثْنَى وَفُرَادَى} : وَاحِدٌ وَاثْنَيْنِ)، أي: اثنين اثنين متناظرين، وفرادى واحدًا واحدًا منفكين.

(1)

رواه أيضًا الطبري 10/ 366 (28810).

(2)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 105 (2408).

ص: 147

(ص) ({التَّنَاوُشُ}

(1)

: الرَّدُّ مِنَ الآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا) هذا قول ابن عباس

(2)

، وقيل: التوبة، وقا ل مجاهد: هو التناول. قال قتادة: أي: تناول التوبة

(3)

. واختار أبو عبيد ترك الهمز، قال: لأن معناه التناول، وإذا همز كان معناه البعد

(4)

.

(ص)({وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}: مِنْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَهْرَةٍ) هو قول مجاهد، وقال الحسن: حيل بينهم وبين الإيمان لما رأوا العذاب

(5)

.

(ص)({بِأَشْيَاعِهِمْ}: بِأَمْثَالِهِمْ) هو كما قال.

(ص)(وَقَال ابن عَبَّاسٍ: {كَالْجَوَابِ}: كَالْجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ) هذا أسنده ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي، عنه. وقال مجاهد: هي حياض الإبل

(6)

، وأصله في اللغة الجابية، وهو الحوض الذي يجبى فيه الشيء، أي: يجمع، ويقال: إنه كان يجمع على جفنة واحدة ألف رجل يأكلون بين يديه.

(ص)(الْخَمْطُ: الأَرَاكُ) هو قول مجاهد والضحاك وغيرهما

(7)

، وقال أبو عبيد: كل شجرة فيها مرارة، ذات شوك

(8)

، وقال ابن فارس: كل شجر لا شوك له

(9)

.

(1)

ساقطة من الأصل والمثبت من "الصحيح".

(2)

رواه الطبري 10/ 389 (28901).

(3)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 5/ 428.

(4)

وجدته من كلام أبي عبيدة انظر: "مجاز القرآن" 2/ 150 - 151.

(5)

انظر: "تفسير الطبري" 10/ 391 - 392.

(6)

"تفسير مجاهد" 10/ 364.

(7)

انظر: "تفسير الطبري" 2/ 524.

(8)

وجدته من قول أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 2/ 147.

(9)

"مجمل اللغة" 1/ 303.

ص: 148

(ص)(وَالأَثْلُ: الطَّرْفَاءُ) هي جماعة الشجر، واحدها طرفاء، وقيل: هو شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم

(1)

، وقال الداودي: هو والخمط صنفان من الشجر الذي لا يثمر.

(ص)(الْعَرِمُ: الشَّدِيدُ) سلف.

(1)

قاله الفراء في "معاني القرآن" 2/ 359.

ص: 149

‌1 - [باب] قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} الآية [سبأ: 23]

4800 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِى قَالَ: الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ -وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ- فَيَسْمَعُ الكَلِمَةَ، فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُقَالُ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا؟! فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ» . [انظر: 4701 - فتح: 8/ 537]

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه "إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ .. " الحديث، سلف قريبًا.

و {فُزِّعَ} قرئ بضم الفاء وفتحها

(1)

، وقرأه الحسن بالراء المهملة، وهو بمعناه

(2)

.

ولما نزل جبريل بالوحي ظثت الملائكة أنه ينزل بشيء من أمر الساعة ففزعت.

(1)

قرأها ابن عامر بالفتح، وباقي السبعة بالضم، انظر:"الحجة للفارسي" 6/ 16.

(2)

انظر: "المحتسب" 2/ 191 - 192.

ص: 150

‌2 - [باب] قَوْلِهِ: {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46]

4801 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّفَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «يَا صَبَاحَاهْ» فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ قَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يُمَسِّيكُمْ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟» . قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» . فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟! فَأَنْزَلَ اللهُ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1][انظر: 1394 - مسلم: 208 - فتح: 8/ 539]

ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما السالف قريبًا {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} وهناك ذكره مطولًا

(1)

.

(1)

سلف مطولًا برقم (4770) كتاب: التفسير، باب:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)}

ص: 151

(35) ومن سورة المَلَائِكَةُ

قَالَ مُجَاهِدٌ: القِطْمِيرُ: لِفَافَةُ النَّوَاةِ. {مُثْقَلَةٌ} مُثَقَّلَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الحَرُورُ بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: الحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ (وَغَرَابِيبُ): أَشَدُّ سَوَادٍ، الغِرْبِيبُ: الشَّدِيدُ السَّوَادِ.

مكية بإجماع، ونزلت قبل مريم، وبعد الفرقان. قاله السخاوي

(1)

.

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: القِطْمِيرُ: لِفَافَةُ النَّوَاةِ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن جريج، عنه

(2)

، وهو قول ابن عباس

(3)

، ونقله الثعلبي عن أكثر المفسرين، قال: وعن ابن عباس أنه شق النواة

(4)

، وعن السدي: هو ما يقطع به القمع والفتيل في شق النواة.

والنقير: الحبة التي في وسط النواة، وخالف ابن فارس فجعل هذا القطمير

(5)

.

(ص)({مُثْقَلَةٌ}: مُثَقَّلَةٌ) أي: بذنوبها.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: الحَرُورُ بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: الحَرُورُ بِاللَّيْلِ) أي: الحارة (وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ) أي: مع الشمس، وبه جزم الثعلبي.

(ص)((وَغَرَابِيبُ): أَشَدُّ سَوَادٍ، الغِرْبِيبُ: الشَّدِيدُ السَّوَادِ) هذا قول ابن عباس كما أسنده ابن أبي حاتم.

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 531.

(3)

رواه الطبري 10/ 403 (28960، 28961).

(4)

انظر: "تفسير القرطبي" 14/ 336.

(5)

"المجمل" 2/ 763.

ص: 152

(36) ومن سورة {يس

(1)}

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَعَزَّزْنَا} : شَدَّدْنَا. {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} : كَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ. {أَن تُدْرِكَ اَلْقَمَرَ} : لَا يَسْتُرُ ضَوء أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. {سَابِقُ النَّهَارِ}: يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ. {نَسْلَخُ} : نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، وَيَجْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. {مِنْ مِثْلِهِ}: مِنَ الأَنْعَامِ. (فَكِهُونَ): مُعْجَبُونَ. {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} : عِنْدَ الحِسَابِ. وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرِمَةَ {الْمَشْحُونِ} : المُوقَرُ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {طَائِرُكُمْ} : مَصَائِبُكُمْ. {يَنْسِلُونَ} : يَخْرُجُونَ. {مَرْقَدِنَا} : مَخْرَجِنَا. {أَحْصَيْنَاهُ} : حَفِظْنَاهُ. مَكَانَتُهُمْ وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ.

مكية ونزلت قبل الفرقان، وبعد سورة الجن، كما قاله السخاوي

(1)

. وفي الترمذي -وقال: غريب- عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "من قرأها كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات"

(2)

(3)

وصح: "اقرءوا يس على موتاكم"

(4)

زاد أحمد: "لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له"

(5)

وبعض العرب يقول: يس بفتح النون،

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(2)

الترمذي (2887).

(3)

ورد بهامش الأصل: عقبه الترمذي في "جامعه" بقوله: وهارون أبو محمد شيخ مجهول. انتهى يعني: المذكور في إسناد هذا الحديث.

(4)

رواه أبو داود (3121)، والنسائي 6/ 265، وقد تقدم تخريجه في كتاب: الجنائز.

(5)

"مسند أحمد" 5/ 26.

ص: 153

وهو جائز في العربية لا ينصرف، والتسكين أجود -كما قاله الزجاج- ويجوز خفضها كما قاله الفراء

(1)

.

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: {فَعَزَّزْنَا}: شَدَّدْنَا) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح، عنه

(2)

قال: وروي عنه أيضًا: زدنا

(3)

. والثاني: هو شمعون مع (يُحنا)

(4)

وبولس أرسلهم عيسى صلى الله عليه وسلم دعاة إلى الله، والقصة معروفة. والقرية: أنطاكية، وكان بها من الفراعنة انطيخس يعبد الأصنام، وقيل: بعث إليه من المرسلين صادق، وصدوق، وشلوم. وخفف عاصم الزاي

(5)

، ولم يؤمن من القوم غير حبيب النجار. الإسرائيلي.

(ص)({يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}: كَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ) أي: الثلاثة، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم، وقرأ عكرمة (يا حَسْرَهْ على العباد): بجزم الهاء.

(ص)({أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} لَا يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ) أي: لئلا تذهب آيتها.

(ص)({سَابِقُ النَّهَارِ}: يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ) أي: فإذا أدرك كل واحد منها صاحبه قامت القيامة، وذلك قوله:{وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)} [القيامة: 9].

(1)

"معاني القرآن" 2/ 371، وانظر:"الحجة للقراء السبعة" 6/ 35، "حجة القراءات" ص 595.

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 534.

(3)

رواه الطبري 10/ 431 (29086).

(4)

كتب في هامش الأصل: (كذا في حاشية الأصل: أو يوحنا)

(5)

قرأ عاصم في رواية أبي بكر، والمفضل {فَعَزَّزْنَا} مخففة الزاي، انظر:"الحجة للقراء السبعة" 6/ 38.

ص: 154

(ص)({نَسْلَخُ}: نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، ويجري كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا) وقال الكلبي نذهب به.

(ص)({مِنْ مِّثْلِهِ}: مِنَ الأَنْعَام) هو قول مجاهد وقتادة

(1)

. وقال ابن عباس وجماعة: هي السفن

(2)

. وكأنه أشبه لقوله: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} وإنما الغرق في الماء.

(ص)({فكهون}: معجبون) قلت: وقيل: ناعمون، وقيل: طيبون، وفي بعض النسخ (فاكهون) ومعناه فرحون، وقيل: ذو فاكهة

(3)

، وقال الفراء: معناهما واحد

(4)

.

(ص)({جُنْدٌ مُحْضَرُونَ}: عِنْدَ الحِسَابِ) أي: فلا يدفع بعضهم بعضًا عن النار.

(ص)(وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرِمَةَ {الْمَشْحُونِ}: المُوقَرُ) أي: المملوء، وهو حمل الآباء في السفينة، والأبناء في الأصلاب.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {طَائِرُكُمْ}: مَصَائِبُكُمْ) قلت: وقال قتادة: أعمالكم

(5)

، وقال الحسن والأعرج: طيركم.

(ص)({يَنْسِلُونَ}: يَخْرُجُونَ) قلت: ومنه قيل للولد: نسل؛ لأنه يخرج من بطن أمه، والنسلان والعسلان: الإسراع في السير.

(1)

"تفسير الطبري" 10/ 446 (29164، 29165).

(2)

"تفسير الطبري" 10/ 445 (29152).

(3)

هذِه الأقوال أوردها الطبري عن ابن عباس وغيره "تفسير الطبري" 10/ 453 - 454 (29195، 29197).

(4)

"معاني القرآن" 2/ 380.

(5)

"تفسير الطبري"10/ 433 (29090).

ص: 155

(ص)({مَرْقَدِنَا}: مَخْرَجِنَا) وقيل: مقامنا. وهو بمعناه.

(ص)({أَحْصَيْنَاهُ}: حَفِظْنَاهُ) أي: وعددناه وبيناه.

(ص)({مَكَانَتِهِمْ}: وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ) أي: أقعدناهم في منازلهم قردة وخنازير.

ص: 156

‌1 - [باب] قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} [يس: 38]

4802

- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيه، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ:«يَا أَبَا ذَرٍّ، أَتَدْرِى أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟» . قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} [يس: 38]» . [انظر: 3199 - مسلم: 159 - فتح: 8/ 541]

4803 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيه، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ» . [انظر: 3199 - مسلم: 159 - فتح: 8/ 541]

ذكر فيه حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه عليه السلام قال له: "يَا أَبَا ذَرٍّ، أَتَدْرِي أَيْنَ لَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ ".

الحديث سلف في بدء الخلق، ويأتي في التوحيد

(1)

.

وأخرجه أيضًا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي

(2)

.

وفيه إخبار عن سجودها تحت العرش ولا ينكر أن يكون ذلك عند محاذاتها في مسيرها للعرش، وقد ورد في القرآن سجود الشمس والقمر والنجوم، وليس ذلك بمخالف لقوله:{تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86]؛

(1)

سيأتي برقم (7424) باب: وكان عرشه على الماء.

(2)

مسلم (159)، وأبو داود (4002)، والترمذي (2186، 3227)، و"سنن النسائي الكبرى" 6/ 343 (11176).

ص: 157

لأن المذكور في الآية إنما هو نهاية مدرك البصر إياها حال الغروب، ومصيرها تحت العرش للسجود إنما هو بعد غروبها، فلا تعارض، وليس معنى {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} سقوطها فيها، وإنما هو خبر عن الغاية التي بلغها [ذو]

(1)

القرنين في مسيره حتى لم يجد وراءها مسلكًا لها فوقها، أو على سمتها، كما يرى غروبها من كان في لجة البحر لا يبصر الشاطئ، كأنها تغرب في البحر وهي في الحقيقة تغيب وراءه، و (في) هنا بمعنى (فوق)، ومعنى (حمئة): ذاتَ حماة، ومن قرأ (حامية)، فقيل: هو مشتق منه وسهل الهمزة، وقيل: معناه: حارة وقيل: يجوز أن تكون حارة وهي ذات حماة، وقال القتبي: ويجوز أن تكون هذِه العين من البحر، وأن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها فتقام حروف الصفة مقام الموصوف، والله أعلم به بما أراد.

وقوله: ({لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}) أي: إلى مستقر لها، قال ابن عباس: لا تبلغ مستقرها حتى ترُجع إلى منازلها. وقال قتادة: إلى وقت واحد لها لا تعدوه

(2)

، وقيل: إلى إنهاء أمرها عند انقضاء الدنيا، وقيل: إلى أبعد منازلها في الغروب، وقد سلف هناك أنه قرئ:(لا مستقر لّهَا) أي: لا قرار لها، فهي جارية أبدًا

(3)

.

وقيل: مُستَقَرَّهَا: غاية ما ينتهي إليه صعودها وارتفاعها لأطول يوم في الصيف وأقصر يوم في الشتاء.

(1)

في الأصل: (ذوي) والمثبت هو الأليق بالسياق.

(2)

"تفسير الطبري" 10/ 441 (29122).

(3)

انظر: "زاد المسير" 7/ 19.

ص: 158

قال الخطابي: وأما قوله: "مُسْتَقَرّهَا تحت العرش" فلا ينكر أن يكون لها استقرار تحته، لا نحيط به نحن، قال: ويحتمل أن يكون المعنى: إن علم ما سألت -عنه من مستقرها تحت العرش- في كتاب كتب فيه ابتداء أمور العالم ونهايتها، (فتنقطع دون السماء)

(1)

وتستقر عند ذلك فيبطل فعلها، وهي اللوح المحفوظ الذي بين فيه أحوال الخلق والخليقة ومآل أمورهم

(2)

.

(1)

هكذا في الأصل، وفي "أعلام الحديث": فينقطع دوران الشمس.

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1893.

ص: 159

(37) ومن سورة الصَّافَّاتِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} : مِنْ كُلِّ مَكَانٍ {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} : يُرْمَوْنَ {وَاصِبٌ} : دَائِمٌ، لَازِبٌ: لَازِمٌ {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} يَعْنِي: الحَقَّ الكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيْطَانِ {غَوْلٌ} : وَجَعُ بَطْنٍ {يُنْزَفُونَ} : لَاتَذْهَبُ عُقُولُهُمْ {قَرِينٌ} : شَيْطَانٌ {يُهْرَعُونَ} : كَهَيْئَةِ الهَرْوَلَةِ {يَزِفُّونَ} : النَّسَلَانُ فِي المَشْي {وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: المَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الجِنِّ، وَقَالَ اللهُ

تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} : سَتُحْضرُ لِلْحِسَاب. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} : المَلَائِكَةُ {صِرَاطِ الْجَحِيمِ} : سوَاءِ الجَحِيمِ وَوَسَطِ الجَحِيمِ {لَشَوْبًا} : يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ {مَّدْحُورًا} : مَطْرُودًا {بَيْضٌ مَكْنُونٌ} : اللُّؤْلُؤُ المَكْنُونُ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)} : يُذْكَرُ بِخَيْرٍ {يَسْتَسْخِرُونَ} : يَسْخَرُونَ {بَعْلًا} : رَبًّا. {الْأَسْبَابِ} : السَّمَاء.

هي مكية، وعن عبد الرحمن بن زيد: إلا: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)} إلى آخر القصة.

ونزلت بعد الأنعام وقبل لقمان، كما قاله السخاوي

(1)

.

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا}: يُرْمَوْنَ) أي: من كل جانب من آفاق السماء.

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

ص: 160

(ص)({وَاصِبٌ}): دَائِمٌ) قلت: ونظيره: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} [النحل: 52]

(1)

. وقال ابن عباس: شديد. وقال الكلبي: موجع.

(ص)({لَازِبٍ}: لازم) أي: بإبدال الميم باءً، كأنه يلزم اليد، واللازب: الحد الحر يلصق ويعلق باليد، وقال السدى: خالص، وقال مجاهد والضحاك: منتن.

(ص)({تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} الكُفَّارُ تَقُولُهُ للشياطين) أخرجه عنه مجاهد

(2)

، وقال قتادة: هو قول الإنس للجن، أي: تصدونا عن طريق الجنة، وقيل: هو قول التابعين للمتبوعين

(3)

.

(ص)({غَوْلٌ} وَجَعُ بَطْنٍ) هو قول قتادة وقال الكلبي: إثمٌ نظيره {لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} وقال الحسن: صداع.

وقيل: ما يذهب عقولهم. وقيل: ما يكره

(4)

.

(ص)({يُنْزِفُونَ} لا تذهب عقولهم). قلت: على قراءة كسر الزاي

(5)

ومن قرأ بفتحها: لا ينفد شرابهم

(6)

.

(ص)((قرين): شيطان) هو قول مجاهد

(7)

، وقال غيره: كاذبين الألسن.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 10/ 473 - 474، وهو مروي عن مجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة وابن زيد.

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 541.

(3)

أخرج هذِه الأقوال الطبري 10/ 483 - 484.

(4)

انظر: "تفسير الطبري" 10/ 485 - 486، "زاد المسير" 7/ 56 - 57.

(5)

ورد في هامش الأصل: الذي يظهر أنه انعكس عليه؛ لأنه بفتح الزاي لا تذهب عقولهم، ومن قرأ بالكسر فمعناه -والله أعلم- ولاهم عن شربها ينفد شرابهم، وهما قرآن في السبع.

(6)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 54 - 55.

(7)

"تفسير مجاهد" 2/ 542، وانظر:"تفسير الطبري" 1/ 490 (29379).

ص: 161

قال مقاتل: كانا أخوين -وقال غيره: كانا شريكين- أحدهما خطروس -وهو الكافر- والآخر يهوذا -وهو المؤمن- وهما اللذان قص الله خبرهما في سورة الكهف

(1)

.

(ص)({يُهْرَعُونَ}: كَهَيْئَةِ الهَرْوَلَةِ) أي: من الإسراع.

(ص)({يَزِفُّونَ}: النَّسَلَانُ فِي المَشْيِ) وهذا أسلفه في أحاديث الأنبياء، وقال الحسن ومجاهد: يسرعون زفيف النعام، وهو حال بين المشي والطيران، وقال الضحاك: يسعون

(2)

، وقرأ حمزة بضم أوله

(3)

، وهما لغتان.

(ص)({وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: المَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الجِنِّ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}: سَتُحْضَرُ لِلْحِسَاب) قلت: وهذا قول مجاهد

(4)

، وقال قتادة: جعلوا الملائكة بنات

(5)

. وسموا جنًّا لاختفائهم عن الأبصار، وقال ابن عباس: هم من الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس. وقال الحسن: أشركوا الشيطان في عبادة الله فهو النسب الذي جعلوه

(6)

.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {الصَّافُّونَ}: المَلَائِكَةُ) هذا أخرجه ابن جرير، عنه بزيادة: صافون تسبح لله

(7)

. وعن السدي: الصلاة

(8)

.

(1)

انظر "تفسير البغوي" 7/ 41.

(2)

أخرج هذِه الآثار الطبري 10/ 503 - 504.

(3)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 56.

(4)

"تفسير مجاهد" 2/ 546، وانظر:"تفسير الطبري" 10/ 535.

(5)

انظر: "تفسير الصنعاني" 2/ 128 (2560).

(6)

انظر: "تفسير البغوي" 7/ 63.

(7)

انظر: "تفسير الطبري" 10/ 539 (29683).

(8)

انظر: "تفسيرالطبري" 10/ 539 - 540 (29688).

ص: 162

(ص)({صِرَاطِ الْجَحِيمِ} سَوَاءِ الجَحِيمِ وَوَسَطِ الجَحِيمِ) قلت والصراط: الطريق، أي: طريق النار.

(ص)({لَشَوْبًا}: يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ) أي: وهو الماء الحار الشديد.

(ص)({مَّدْحُورًا} مَطْرُودًا) قلت: ذلك في الأعراف، وأما هنا فلفظه:{دُحُورًا} أي: يبعدونهم عن مجالس الملائكة، والطرد: الإبعاد.

(ص)({بَيْضٌ مَكْنُونٌ}: اللُّؤْلُؤُ المصون) أي: في الصفاء واللين، جمع بيضة.

(ص)({وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)}: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ) أسلفه في أحاديث الأنبياء عن ابن عباس

(1)

، أي: أثنينا له ثناء حسنًا وذكرًا جميلًا فيمن بعده من الأنبياء والأمم.

(ص)({يَسْتَسْخِرُونَ}: يَسْخَرُونَ) قلت: وقيل: يستدعي بعضهم بعضًا إلى أن يسخر.

(ص)({بَعْلًا}: رَبًّا) قلت: وهو اسم صنم لهم كانوا يعبدونه؛ ولذلك سميت مدينتهم بعلبك.

(1)

سلف معلقًا في باب: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)} بعد رقم (3341).

ص: 163

‌1 - [باب] قوله: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)} [الصافات: 139]

4804 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنِ ابْنِ مَتَّى» . [انظر: 3412 - فتح: 8/ 543]

4805 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ» . [انظر: 3415 - مسلم: 2376 - فتح: 8/ 543]

ذكر فيه حديث أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنِ يونسَ بنِ مَتَّى".

وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أيضًا مرفوعًا:"مَنْ قَالَ أَنَا خَيْر مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ".

وقد سلف، وفيه: أن (أنا) يعود على المتكلم من كان، ليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة.

ص: 164

(38) ومن سُورَة ص

‌1 - باب

4806 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَوَّامِ قَالَ سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنِ السَّجْدَةِ فِي ص قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْجُدُ فِيهَا. [انظر: 3421 - فتح: 8/ 544]

4807 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنِ الْعَوَّامِ قَالَ سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ سَجْدَةِ ص فَقَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ أَيْنَ سَجَدْتَ؟ فَقَالَ: أَوَمَا تَقْرَأُ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84]{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] فَكَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْتَدِىَ بِهِ، فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3421].

{عُجَابٌ} [ص: 5]: عَجِيبٌ. الْقِطُّ: الصَّحِيفَةُ، هُوَ هَا هُنَا صَحِيفَةُ الْحَسَنَاتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {فِي عِزَّةٍ} [ص: 2]: مُعَازِّينَ. {الْمِلَّةِ الآخِرَةِ} [ص: 7]: مِلَّةُ قُرَيْشٍ. الاخْتِلَاقُ: الْكَذِبُ. {الأَسْبَابُ} [ص: 10]: طُرُقُ السَّمَاءِ فِي أَبْوَابِهَا {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ} [ص: 11]: يَعْنِي قُرَيْشًا {أُولَئِكَ الأَحْزَابُ} [ص: 13]: الْقُرُونُ الْمَاضِيَةُ. {فَوَاقٍ} [ص: 15]: رُجُوعٍ. {قِطَّنَا} [ص: 16]: عَذَابَنَا {اتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} [ص: 63]: أَحَطْنَا بِهِمْ {أَتْرَابٌ} [ص: 52]: أَمْثَالٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأَيْدُ} [ص: 17]: الْقُوَّةُ فِي الْعِبَادَةِ {الأَبْصَارُ} [ص: 45]: الْبَصَرُ فِي أَمْرِ اللهِ، {حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} [ص: 32]: مِنْ ذِكْرٍ. {فَطَفِقَ مَسْحًا} [ص: 33]: يَمْسَحُ أَعْرَافَ الْخَيْلِ وَعَرَاقِيبَهَا. {الأَصْفَادِ} [ص: 38]: الْوَثَاقِ. [فتح: 8/ 544]

ص: 165

وهي مكية ونزلت بعد سورة الانشقاق. وقبل: الأعراف، قاله السخاوي

(1)

.

ثم ساق فيه حديث العَوَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنِ السَّجْدَةِ فِي ص، قَالَ سُئِلَ ابن عَبَّاسٍ فَقَالَ:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]. وَكَانَ ابن عَبَّاسٍ يَسْجُدُ فِيهَا.

وعنه قَالَ سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ سَجْدَةِ ص فَقَالَ سَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ مِنْ أَيْنَ سَجَدْتَ؟ فَقَالَ: أَوَ مَا تَقْرَأُ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84]{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 95] فَكَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيكُّمْ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وهذا سلف في تفسير سورة الأنعام من حديث سليمان الأحول أن مجاهدًا أخبره أنه سأل ابن عباس فذكره. ثم ذكر طريق العوام أيضًا.

شيخ البخاري في الثاني هو محمد بن عبد الله، قال الكلاباذي وابن طاهر: نراه الذهلي.

وسجود ابن عباس فيها دال على الاستنان بشريعة من قبلنا، وعندنا أنها سجدة شكر تستحب في غير الصلاة وتحرم فيها، ومحل السجو فيها فيها (وأناب) أو (مآب) حكاه المالكية

(2)

.

(ص)({عُجَابٌ}: عَجِيبٌ). قلت: وقرئ بتشديد الجيم، والمعنى واحد، وقيل: هو أكثر

(3)

.

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(2)

انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 4/ 1640، "مواهب الجليل" 2/ 362.

(3)

انظر: "المحتسب" 2/ 230، "زاد المسير" 7/ 102 - 103.

ص: 166

(ص)(الْقِطُّ: الصَّحِيفَةُ، وهُوَ هُنَا صَحِيفَةُ الحَسَنَاتِ) وقال سعيد بن جبير: نصيبًا من الآخرة

(1)

، وقال قتادة: نصيبًا من العذاب

(2)

، وقائل ذلك أبو جهل

(3)

، وقيل: النضر بن الحارث بن كلدة

(4)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فِي عِزَّةٍ} أي: مُعَازِّينَ) أسند هذا عبد بن حميد من حديث ابن أبي نجيح عنه، وعن قتادة: في حمية وفراق

(5)

.

(ص)({الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ}: مِلَّةُ قُرَيْشٍ) أخرجه الطبري من حديث القاسم بن أبي بزة، عنه، وأخرج أيضًا عن ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي والسدي أنها النصرانية

(6)

، وقاله قتادة أيضًا فيما حكاه عبد والفراء في "معانيه"

(7)

.

(ص)(الاِخْتِلَاقُ: الكَذِبُ) هو كما قال.

(ص)({الْأَسْبَابَ}: طُرُقُ السَّمَاءِ (وَهِيَ أَبْوَابُهَا)

(8)

قلت: وقيل: هي الجبال.

(ص)({جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ})(ما) صلة ({مَهْزُومٌ}: يَعْنِي قُرَيْشًا) أي: مغلوب ممنوع من الصعود إلى السماء.

(ص)({أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ}: القُرُونُ المَاضِيَةُ) أي: الذين مرُّوا.

(1)

رواه الطبري 10/ 560 (29789).

(2)

رواه الطبري 10/ 559 (29787).

(3)

"تفسير الطبري" 10/ 559 (29787).

(4)

"تفسير البغوي" 7/ 75.

(5)

رواه الطبري 10/ 5475 (29722).

(6)

"تفسير الطبري" 10/ 552 (29743 - 29746).

(7)

"معاني القرآن" للفراء 2/ 399.

(8)

كذا بالأصل، والذي في "اليونينية"(في أبوابها)

ص: 167

(ص)({فَوَاقٍ}: رُجُوعٍ) أي: إلى الدنيا، وفيه ضم الفاء وفتحها لغتان، وهما قراءتان، وقيل: الفتح راحة، وبالضم انتظار

(1)

.

(ص)({قِطَّنَا}: عَذَابَنَا) قد سلف.

(ص)({فَطَفِقَ مَسْحًا}: يَمْسَحُ أَعْرَافَ الخَيْلِ وَعَرَاقِيبَهَا) أي: بالسيف يمسح سوقها وأعناقها.

(ص)({الْأَصْفَادِ}: الوَثَاقِ) أي: مشدودين في العتود، واحدهما صفد.

(ص)({أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا}: أَحَطْنَا بِهِمْ) أي: وليس كذلك، فلم يدخلوا معنا النار. وقوله:(أحطنا بهم) كذا هو في الأصول، وبخط الدمياطي

(2)

لعله: أخطأناهم، وحذف مع ذلك القول الذي هو تفسيره، وهو {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} .

(ص)({أَتْرَابٌ}: أَمْثَالٌ) أي: جمع ترب، وهو اللِدَةُ، أي: على سن واحد.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: (الأَيْدُ): القُوَّةُ فِي العِبَادَةِ و (الأَبْصَارُ): البَصَرُ فِي أَمْرِ اللهِ) هذا الأثر أسنده الطبري، عن محمد بن سعد، حدثني أبي، حدثني عمي، حدثني أبي، عن أبيه، عنه

(3)

. وعن مجاهد: القوة في الطاعة

(4)

، وعن قتادة: أعطي قوة في العبادة وفقهًا

(1)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 66.

(2)

وقع بهامش الأصل: كان ينبغي أن يذكره من كلام ابن قرقول في "المطالع" أو من أصله "المشارق" لأن الدمياطي [أخذه] من أحدهما. والله أعلم.

(3)

الطبري 10/ 592 (29961).

(4)

"تفسير مجاهد" 2/ 548، وانظر:"تفسير الطبري" 10/ 592 (29965)

ص: 168

في الإسلام

(1)

، قال: وذكر لنا أن داود كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر. قلت: الثابت في "الصحيح" أنه كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه

(2)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 10/ 592 (29966).

(2)

سلف برقم (1131) كتاب: التهجد، باب: من نام عند السحر، ورواه مسلم (1159) كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم الدهر.

ص: 169

‌2 - [باب] قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35]

4808 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ، فَأَمْكَنَنِى اللهُ مِنْهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي» . قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا. [انظر: 461 - مسلم: 541 - فتح: 8/ 546]

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عليَّ

البَارِحَةَ .. "الحديث، سلف في الصلاة سندًا ومتنًا. وقوله:{لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} قيل: جميعه، وقد (أوتي)

(1)

الملك لغيره، وهو بعض ذلك.

وقد قدر الشارع على العفريت، وهو من بعض ذلك الملك، وأخذ أبو هريرة شيطانًا وجده يسرق (التمر) مرات فأراد أن يوثقه

(2)

.

(1)

عليها في الأصل (كذا).

(2)

سلف برقم (2311) كتاب: الوكالة، باب: إذا وكل رجُلاً فترك الوكيل شيئًا فأجازه ..

ص: 170

[باب] قوله: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]

4809 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنِ الدُّخَانِ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا قُرَيْشًا إِلَى الإِسْلَامِ فَأَبْطَئُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ» ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ فَحَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْجُلُودَ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنَ الْجُوعِ، قَالَ اللهُ عز وجل:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)} [الدخان: 11،10] قَالَ: فَدَعَوْا {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} [الدخان: 12 - 15] أَفَيُكْشَفُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: فَكُشِفَ، ثُمَّ عَادُوا فِي كُفْرِهِمْ، فَأَخَذَهُمُ اللهُ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}. [الدخان: 16].

ذكر فيه حديث مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْنَا على عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ العِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللهُ أَعْلَمُ، الحديثما بطوله، وقد سلف قريبًا

(1)

.

(1)

سلف برقم (4774) تفسير سورة الروم.

ص: 171

ومعنى قوله: (فليقل: الله أعلم)، أي: يبين أنه لا يعلمه، وقد سأل عمر رضي الله عنه يومًا [قومًا]

(1)

من الصحابة عن شيء، فقال بعضهم: الله أعلم، فقال عمر رضي الله عنه: إن علم أحدكم فليقل بما يعلم، وإلا فليقل: لا أعلم، وإنما كره ذلك أن يقال على وجه الامتناع من القول من غير أن يريد أنه لا يعلم.

وقوله: (فحصَّت كل شيء) أي: أذهبت نباتها وخيرها بالجدب، يقال: سنة حصاء إذا كانت جرداء

(2)

لا خير فيها.

(1)

بالأصل: [جراء]، والصواب ما أثبتناه. انظر "الصحاح" 3/ 1032.

(2)

بالأصل: [جراء] والصواب ما أثبتناه انظر "الصحاح" 3/ 1032.

ص: 172

(39) ومن سورة الزُّمَرِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ} يُجَرُّ على وَجْهِهِ فِي النَّارِ، وَهْوَ قوله تعالى:{أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا} [فصلت:40]. {ذِي عِوَجٍ} لَبْسٍ. {وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ} مَثَلٌ لآلِهَتِهِمِ البَاطِلِ، وَالإِلَهِ الحَقِّ. {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} بِالأَوْثَانِ خَوَّلْنَا أَعْطيْنَا. {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} القُرْآنُ. {وَصَدَّقَ بِهِ} المُؤْمِنُ يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقُولُ هذا الذِي أَعْطَيْتَنِي عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ {مُتَشَاكِسُونَ} الشَّكِسُ العَسِرُ لَا يَرْضَى بِالإِنْصَافِ وَرَجُلًا سِلْمًا وَيُقَالُ سَالِمًا صَالِحًا. {اشْمَأَزَّتْ} نَفَرَتْ {بِمَفَازَتِهِمْ} مِنَ الفَوْزِ. {حَافِّينَ} أَطَافُوا بِهِ مُطِيفِينَ بِحِفَافَيْهِ بِجَوَانِبِهِ {مُتَشَابِهًا} لَيْسَ مِنَ الاشْتِبَاهِ ولكن يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي التَّصْدِيقِ.

هي مكية، وفيها مدني {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} نزلت في وحشي بن حرب. و {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ، قال مقاتل: وكذا قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ}

(1)

يعني: المدينة. ونزلت بعد سورة سبأ، وقبل سورة المؤمن. قاله السخاوي

(2)

.

(ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ} يُجَرُّ على وَجْهِهِ فِي

(1)

"زاد المسير" 7/ 160.

(2)

"جمال القراء" ص 8.

ص: 173

النَّارِ، وَهْوَ قوله تعالى:{أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . {غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} أي: غير ذي لَبْسٍ) هذا كله أخرجه عبد بن حميد، عن روح، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عنه. ورواه الطبراني

(1)

من حديث ابن أبي نجيح، عنه أيضًا. قال: وقال آخرون: هو أن ينطلق به إلى النار مكتوفًا، ثم يرمى به فيها، فأول ما تمس النار وجهه، وهذا قول يذكر عن ابن عباس بضعف

(2)

. قلت: وقيل: يلقى فيها مغلولًا فلا يقدر أن يتقي النار إلا بوجهه، وفي الكلام حذف، والمعنى: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن يدخل الجنة.

(ص)({وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} مَثَلٌ لآلِهَتِهِمِ البَاطِلِ وَالإِلَهِ الحَقِّ) وقال بعد ذلك {وَرَجُلًا سَلَمًا} وَيُقَالُ سَالِمًا صَالِحًا خالصًا. قلت: عامة القراء على كسر السين، أي: صالحًا. وقرئ (سالمًا) أي: خالصًا

(3)

، وروي عن ابن عباس، وقال الزجاج: سَلَمًا وسِلمًا مصدران وصف بهما على معنى: ورجلًا ذا سِلم

(4)

، واختار أبو حاتم سَلمًا، وقال: هو الذي لا تنازع فيه.

(ص)({وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} بِالأَوْثَانِ) أي: وذلك أنهم خوفوه معرة الأوثان وقالوا: إنك تعيب آلهتنا وتذكرها بسوء، فوالله لتكفن عن ذكرها أو لتخبلنك أو تصيبنك سوء.

(1)

كذا بالأصل، والصواب الطبري ويؤكده باقي النقل.

(2)

"تفسير الطبري" 10/ 630 (30127).

(3)

قرأها ابن كثير وأبو عمرو: (سالمًا)، وقرأ باقي السبعة:(سلَمًا) بفتح السين واللام، وقرأها ابن أبي عبلة:(سِلْمٌ) بكسر السين ورفع الميم، انظر:"الحجة" للفارسي 6/ 94، "الكشف" 2/ 238، "زاد المسير" 7/ 180.

(4)

انظر: "زاد المسير" 7/ 180.

ص: 174

(ص)({خَوَّلْنَاهُ}: أَعْطَيْنَاه) أي: نعمة منا.

(ص)({وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} القُرْاَنُ. {وَصَدَّقَ بِهِ} المُؤْمِنُ يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقُولُ: هذا الذِي أَعْطَيْتَنِي عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ) هذا قول الحسن

(1)

، وفيه أقوال أخر، وقرئ (وصدق) مخففًا.

(ص)({مُتَشَاكِسُونَ} الشَّكِسُ العَسِرُ لَا يَرْضَى بِالإنْصَافِ) هو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيما أسنده الطبري عنه

(2)

، وعن قتادة: هو المشرك سارعه الشيطان

(3)

. والشكس، بفتح الشين وكسر الكاف وإسكانها، وهو في اللغة بالإسكان، كما نقله عنهم ابن التين، وفي "الباهر": رجل شكس بالفتح والتسكين: صعب الخلق، وقوم شُكس، وقيل: بالفتح وكسر الكاف، وبالكسر والإسكان جميعًا: السيِّئ الخلق.

(ص)({اشْمَأَزَّتْ} نَفَرَتْ) أسنده الطبري، عن السدي

(4)

، وعن مجاهد: انقبضت. قال: وذلك يوم قرأ عليهم النجم عند باب الكعبة

(5)

. وعن قتادة: كفرت قلوبهم واستكبرت

(6)

.

(ص)({بِمَفَازَتِهِمْ}، من الفوز). قلت: وقرئ (بمفازاتهم)، على الجمع أيضًا

(7)

، واختار أبو عبيد الأول؛ لأن المفازة هنا: الفوز.

(1)

هو في الطبري 11/ 5 (30148) بنحوه عن مجاهد.

(2)

الطبري 10/ 632 (30134).

(3)

الطبري 10/ 631 (10131).

(4)

الطبري 11/ 11 (30168).

(5)

الطبري 11/ 11 (30167).

(6)

الطبري 11/ 11 (30166) بلفظ: نفرت قلوبهم.

(7)

قرأها أبو بكر عن عاصم، وحمزة والكسائي بالجمع، وقرأها باقي السبعة وحفص عن عاصم بالإفراد. انظر:"الحجة" 6/ 97، "الكشف" 2/ 240.

ص: 175

(ص)({حَافِّينَ} أَطَافُوا بِهِ مُطِيفِينَ بِحِفَافَيْهِ: (بِجَوَانِبِهِ)

(1)

هذا أسنده الطبري، عن قتادة

(2)

، والحفاف بكسر الحاء: الجانب.

(ص)({مُتَشَابِهًا} لَيْسَ مِنَ الاشْتِبَاهِ، ولكن يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي التَّصْدِيقِ) أسنده الطبري، عن سعيد بن جبير

(3)

.

(1)

أشار بهامش الأصل أنها في نسخة (بجانبيه)[قلت: هي رواية أبي ذر كما في هامش "اليونينية"].

(2)

الطبري 11/ 35 (30262).

(3)

الطبري 10/ 628 (30117).

ص: 176

‌1 - [باب] قَوْلِهِ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} الآية [الزمر: 53]

4810 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ يَعْلَى إِنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً. فَنَزَلَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] وَنَزَلَ {قُلْ يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} . [الزمر: 53]. [فتح: 8/ 549]

ذكر فيه حديث يَعْلَى أنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ (أَخْبَرَهُ)

(1)

عَنِ ابن عَبَّاسٍ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا فَقَالُوا: إِنَّ الذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً. فنزلت {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله: {وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] وَنَزَلَ {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية [الزمر: 53].

هذا الحديث أخرجه أيضا مسلم وأبو داود والنسائي

(2)

.

(1)

في الأصل: أخرجه، والمثبت ما يوافق "اليونينية".

(2)

مسلم برقم (122) كتاب: الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة والحج.

وأبو داود (4274)، والنسائي 7/ 87 - 88.

ص: 177

ويعلى هذا هو ابن حكيم. ذكره أبو داود مصرحًا به في إسناده

(1)

، وأما أبو مسعود وخلف فقالا: هو ابن مسلم

(2)

، وكلاهما يروي عن سعيد بن جبير، وقد سلف الكلام على ذلك.

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 8/ 550: زعم بعض الشراح أنه وقع عند أبي داود فيه: يعلى بن حكيم ولم أر ذلك في شيء من نسخه، وليس في البخاري من رواية يعلى بن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس سوى حديث واحد، وهو من رواية غير ابن جريج عن يعلى. والله أعلم. اهـ.

(2)

ورد بهامش الأصل: وكذا قال المزي فأنكراه، وقد ذكر هذا الحديث في ترجمته عن سعيد بن جبير، وقد راجعت نسخة عندي من "سنن أبي داود" فرأيته غير منسوب فيها، والحديث في الفتن. [قلت: راجعت ترجمتيهما في "تهذيب الكمال" فلم أره ذكر الحديث في ترجمة أي منهما، غير أنه ذكر في ترجمة كل منهما روايته عن سعيد بن جبير ورواية ابن جريج عنه مع رمز البخاري. فكأنه لم يقطع بأحدهما. والله أعلم].

ص: 178

‌2 - [باب] قَوْلِهِ: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67]

4811 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} . [الزمر؛ 67]. [7414، 7415، 7451، 7513 - مسلم: 2786 - فتح: 8/ 550]

ذكر فيه حديث عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ على إِصْبَعٍ .. الحديث.

وفي آخره: فَضَحِكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67].

ويأتي في التوحيد، وأخرجه أيضًا مسلم والترمذي والنسائي

(1)

.

والحبر بفتح الحاء ويجوز كسرها: العالم، والجمع أحبار، وما يكتب به بالكسر.

وظاهر الحديث أنه عليه السلام صدق الحبر، دليله قراءته الآية المشيرة لنحو ما قال. وقال بعض المتكلمين: ليس ضحكه وتلاوته الآية تصديقًا، بل هو رد لقوله، وإنكار تعجب من سوء اعتقاده فإن مذهب

(1)

الترمذي (3238)، النسائي في "الكبرى" 4/ 400 (7687).

ص: 179

اليهود التجسيم، وقوله:(تصديقًا له). إنما هو من كلام الراوي وفهمه، والأول أظهر كما قاله النووي

(1)

.

وهذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان مشهوران: التأويل والإمساك عنه مع الإيمان بها مع الاعتقاد أن الظاهر غير مراد، فعلى الأول الإصبع هنا: القدرة، أي: خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل، وذكره هنا للمبالغة، ويحتمل -كما قاله ابن فورك

(2)

- أن يكون المراد به هنا أصابع بعض مخلوقاته، وهو غير ممتنع، وكذا قال محمد بن شجاع الثلجي

(3)

: يحتمل أن يكون خلق من خلقه يوافق اسمه اسم الإصبع، وما ورد في بعض الروايات من أصابع الرحمن يتأول على القدرة والملك

(4)

.

وضحكه عليه السلام حتى بدت نواجذه لا ينافي كون ضحكه تبسمًا، فإن النواجذ -كما قال الأصمعي: هي الأضراس كلها، أي: الأنياب لا أقصى الأسنان، وهي ضرس الحلم، كما قال بعضهم.

(1)

"شرح مسلم" 17/ 130 - 131.

(2)

"مشكل الحديث وبيانه" ص 257 - 258.

(3)

ورد في هامش الأصل: الثلجي بالثاء المثلثة وبعد اللام جيم، وهو محمد بن شجاع. قال الذهبي: الفقيه صاحب التصانيف، مشهور مبتدع. هذا لفظ "المشتبه"، وقد ذكر له في "الميزان" ترجمة مطولة منها: قال ابن عدي: كان يضع أحاديث في التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث، يثلبهم بذلك. اهـ. "المشتبه" 1/ 89، "لسان الميزان" 5/ 23 (7664).

(4)

مذهب أهل السنة إثبات الصفات من غير تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل. قال الشيخ العثيمين رحمه الله في "شرح الواسطية" 1/ 261: (الوجه الخامس: أن يقال: إن هذِه اليد التي أثبتها الله جاءت على وجوه متنوعة يمتنع أن يراد بها النعمة أو القوة، فجاء فيها ذكر الأصابع والقبض والبسط، والكف واليمين، وكل هذا يمتنع أن يراد بها القوة؛ لأن القوة لا توصف بهذِه الأوصاف". اهـ.

ص: 180

‌3 - [باب] قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية [الزمر:67]

4812 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِى السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُول: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟» [6519، 7382، 7413 - مسلم: 2787 - فتح: 8/ 551]

ذكر فيه حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ الزهري، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟ ". وكذا قال شعيب والزبيدي وإسحاق بن يحيى، عن الزهري، عن أبي سلمة. وقال يونس: عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفسره في التوحيد، والمراد باليمين: القدرة أيضًا، وخوطبنا بما نفهمه، لأنه أوضح وآكد في النفس

(1)

.

(1)

تقدم قريبًا بيان مذهب أهل السنة في إثبات صفة اليد.

ص: 181

[باب] قَوْلِهِ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية [الزمر: 68]

4813

- حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الآخِرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَذَلِكَ كَانَ أَمْ بَعْدَ النَّفْخَةِ؟» . [انظر: 2411 - مسلم: 2373 - فتح: 8/ 551]

4814 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» . قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَة؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الإِنْسَانِ إِلاَّ عَجْبَ ذَنَبِهِ، فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ. [4935 - مسلم: 2955 - فتح: 8/ 551]

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ:"إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَذَلِكَ كَانَ أَمْ بَعْدَ النَّفْخَةِ؟ ". سلف في الإشخاص، وفي أحاديث الأنبياء

(1)

.

وقوله: "فإذا أنا بموسى" إلى آخره. قال الداودي: هو وهم فإنه مقبور مبعوث بعد النفخة، فكيف يكون ذلك قبلها، وقيل:{إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ} أربعة هم: جبريل، وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل، وحملة العرش.

ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه -أيضًا: "ما بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ".

(1)

سلف برقم (3408) باب: وفاة موسى وذكره بعد.

ص: 182

قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنَبِهِ، فِيهِ يُرَكَّبُ الخَلْقُ.

وأخرجه أيضًا مسلم والنسائي

(1)

، ومعنى (أبيت): الجزم بشيء، وإنما أجزم به أنها أربعون، وقد جاءت مفسرة من رواية غيره في غير مسلم: أربعون سنة. قال ابن التين: إما أن يكون لم يعلم ذلك، أو سكت ليخبرهم في وقت فنسي أو شغل، وعجم

(2)

الذنب -بالسكون، ويقال: بالباء- هو عظم لطيف في أصل الصُّلب وهو أصل العصعص عند العجز، وهو العسيب من الدواب، وهو أول ما يخلق من الآدمي، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه، وإليه الإشارة بقوله:("فيه يركب الخلق")، أي: عليه يتم وإليه يضاف الجمع إذا أعيد، وفي "البعث"

(3)

لابن أبي الدنيا من حديث أبي سعيد الخدري، قيل: يا رسول الله، ما العجب؟ قال:"مثل حبة خردل".

فإن قلت: ما فائدة إبقاء هذا العظم دون غيره؟ قلت: له سر فيه لا نعلمه؛ لأن من يظهر الوجود من العدم لا يحتاج إلى أن يكون لفعله شيء يبني عليه، فإن علل هذا فيجوز أن يكون الباري تعالى جعل ذلك للملائكة علامة على أن يحيي كل إنسان بجواهره بأعيانها، ولا يحصل العلم لهم بذلك إلا ببقاء عظم كل شيء؛ ليعلم أنه إنما أراد بذلك

(1)

"سنن النسائي الكبرى" 6/ 449 (11459)

(2)

ورد بهامش الأصل: كان ينبغي أن يقول: وعجب الذنب بالباء، ويقال بالميم للحديث الذي يتكلم عليه. والله أعلم.

(3)

ورد بهامش الأصل: هو في "البعث والنشور" لابن أبي داود من حديث أبي سعيد، ثم إني رأيته كذلك في "مسند أبي يعلى الموصلي"[أبو يعلى 2/ 523 (1382)].

ص: 183

إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هي جزء منها، كما أنه لما أمات عزيرًا وحماره أبقى عظام الحمار فكساها؛ ليعلم أن هذا المنشأ ذلك الحمار لا غيره، ولولا إبقاء شيء لجوزت الملائكة أن تكون الإعادة للأرواح إلى أمثال الأجساد لا إلى أعيانها. نبه عليه ابن عقيل الحنبلي، وما ورد في بعض الروايات إطلاق البلى على كل شيء من الإنسان محمول على ما قيد هنا وهو ما عدا عجب الذنب

(1)

، وخص من ذلك أيضا الأنبياء، فإن الله حرم على الأرض فني أجسادهم، وكذلك الشهداء أو من [في]

(2)

معناهم كالمؤذن المحتسب وشبهه.

(1)

يقول الدكتور زغلول النجار: أثبت المتخصصون في علم الأجنة أن جسد الإنسان ينشأ من شريط دقيق للغاية يسمى باسم "الشريط الأولي" الذي يتخلق بقدرة الخالق "سبحانه وتعالى" في اليوم الخامس عشر من تلقيح البويضة وانغراسها في جدار الرحم، وإثر ظهوره يتشكل الجنين بكل طبقاته وخاصة الجهاز العصبي، وبدايات تكون كل من العمود الفقري، وبقية أعضاء الجسم، لأن هذا الشريط قد أعطاه الله تعالى القدرة على تحضير الخلايا على الانقسام، والتخصص، والتمايز والتجمع في أنسجة متخصصة، وأعضاء متكاملة في تعاونها على القيام بكافة وظائف الجسد.

وثبت أن هذا الشريط يندثر فيما عدا جزءًا يسيرًا منه يبقى في نهاية العمود الفقري (العصص) وهو المقصود بعجب الذنب في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا مات الإنسان يبلى جسده إلا عجب الذنب الذي تذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يُعاد خلقُهُ منه بنزول مطر خاص من السماء ينزله ربنا تبارك وتعالى وقت أن يشاء فينبت كل مخلوق من عجب ذنبه، كما تنبت البقلةُ من بذرتها.

وقد أثبتت مجموعة من علماء الصين في عدد من التجارب المختبرية استحالة إفناء عجب الذنب كيميائيًا بالإذابة في أقوى الأحماض، أو فيزيائيًا بالحرق، أو بالسَّحق، أو بالتعريض للأشعة المختلفة، وهو ما يؤكد صدق حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يعتبر سابقة لكافة العلوم المكتسبة بألف وأربعمائة سنة على الأقل.

"الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة" ص 167.

(2)

زيادة بها يستقيم السياق.

ص: 184

(40) ومن سورة المُؤْمِنُ {حم (1)}

قَالَ مُجَاهِدٌ: مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ. وَيُقَالُ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِقَوْلِ شُرَيْحِ بْنِ أَبِي أَوْفَى العَبْسِيِّ:

يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ

فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ

الطَّوْلُ التَّفَضُّلُ {دَاخِرِينَ} : خَاضِعِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِلَى النَّجَاةِ} : الإِيمَانِ {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} يَعْنِي: الوَثَنَ {يُسْجَرُونَ} : تُوقَدُ بِهِمِ النَّارُ. {تَمْرَحُونَ} : تَبْطَرُونَ. وَكَانَ العَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ، فَقَالَ رَجُلٌ لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ قَالَ وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ والله عز وجل يَقُولُ {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} [الزمر: 53]، وَيَقُولُ:{وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} : وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ على مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ.

هي مكية ونزلت بعد الزمر، ثم الحواميم مرتبة إلى آخرها. قاله السخاوي

(1)

.

(1)

"جمال القراء وكمال القراء" ص 8.

ص: 185

‌1 - باب

4815 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [انظر: 3678 - فتح: 8/ 553]

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ) أخرجه الطبري من حديث ابن أبي نجيح عنه

(1)

.

(ص) (وُيقَالُ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِقَوْلِ شُرَيْحِ بْنِ أَبِي أَوْفَى العَبْسِيِّ:

يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ

فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ)

ويروى:

يذكرني حاميم لما طعنته .....................

هذا البيت من أبيات ذكرها الحسن بن المظفر النيسابوري في "مأدبة الأدباء" أولها:

وأشعث قوام بآيات ربه

قليل الأذى فيما ترى العين مسلم

هتكت تحت الرمح جيب قميصه

فخرَّ صريعًا لليدين وللفم

على غير شيء غير أن ليس تابعًا

عليًا ومن لا يتبع الحق يندم

يذكرني حاميم ............... البيت.

(1)

لم أقف عليه في "تفسيره".

ص: 186

ويروى: ولقته بالرمح من تحت بزه .. فخرّ .. إلى آخره.

ويروى: (شارع) بدل (شاجر).

ويروى بدل (يندم)(يظلم)، ويروى أيضًا بعد ذلك:

شككت إليه بالسنان قميصه

فأرديته عن ظهر طرف مسوم

أقمت له في وقعة الجمل صلبه

بمثل قدامي النسر حران لهزم

قال: فكان شريح مع علي يوم الجمل، وكان شعار أصحاب علي يومئذ حاميم، فلما نهد

(1)

شريح لمحمد بن طلحة بن عبيد الله، الملقب بالسجاد وطعنه قال: حاميم، فقال شريح هذا الشعر، وقال بعضهم: لما طعنه شريح قال: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله فهو معنى قوله: يذكرني حاميم. قال الحسن: والأول أصح.

وقال الزبير: إن طلحة أمر ابنه محمدًا السجادَ يوم الجمل أن يتقدم باللواء وأمرته عائشة بالكف فتقدم، وثنى درعه بين رجليه وقام عليها فجعل كلما حمل عليه رجل قال: نشدتك بحاميم. فينصرف، حتى شد عليه رجل من بني أسد بن خزيمة، يقال: حديد، فنشده بحاميم، فلم ينته فطعنه فقتله، و (قتل قبله من بني أسد رجلًا

(2)

يقال له: كعب بن مدلج). وقيل: قتله شداد بن معاوية العبسي، وقيل: قتله عبد الله بن معكبر من بني غطفان حليف بني أسد، وقيل: قتله ابن مكيسرة الأزدي، وقيل: قتله معاوية بن شداد العبسي، وقيل:

(1)

المناهدة، في الحرب: أن يَنْهدَ بعضهم إلى بعض، وهي في معنى نهضُوا، إلَّا أن النهوض قيامٌ على قُعود، ومُضِيٌّ، والنُّهُود: مُضيٌّ على كلِّ حال. "تهذيب اللغة" 4/ 3673.

(2)

كذا بالأصل، ووقع في "عمدة القاري":(وقيل: قتله كعب بن مدلج).

ص: 187

عصام بن المقشعر النصري، وعليه كثرة الحديث

(1)

.

وقال المرزباني: هو الثبت، وقال الذي قتله:

وأشعث قوام .. إلى آخره.

وفي نسخة يتيمة البحترية، قال عدي بن حاتم الطائي:

من بلغ أفناء مذحج أنني

ثأرت بحالي ثم لم أتأثم

تركت أبا بكر ينوء بصدره

بصفين مخضوب الكعوب من الدم

يذكرني ثأري غداة لقيته

فأجررته رمحي فخر على الفم

يذكرني يس لما طعنته

فهلا تلا يس قبل التقدم

وذكر أبو زيد عمر بن شبة في كتابه "حرب الجمل" من طريق ابن إسحاق أن مالكًا الأشتر النخعي قتل مجمد بن طلحة، وقال في ذلك شعرًا فذكره، وحدثنا علي بن سلمة، عن داود بن أبي هند قال: كان على محمد بن طلحة يومئذ عمامة سوداء، فقال علي: لا تقتلوا صاحب العمامة السوادء فإنه أخرجه برُّه بأبيه، فلقيه شريح فأهوى إليه بالرمح فتلا حاميم فقتله.

وذكر أبو مخنف لوط

(2)

في كتابه: "حرب الجمل" -التي أنكرها ابن حزم وغيره-، الذي قتل محمدًا مدلج بن كعب، رجل من بني [سعد]

(3)

بكر، وقيل: شداد.

(1)

انظر: "الاستيعاب" 3/ 428 - 429.

(2)

هو لوط بن يحيى الكوفي، قال ابن معين: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال الدارقطني: إخباري ضعيف. انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 128، "الضعفاء والمتروكين" للدارقطني ص 333 (448)، "سير أعلام النبلاء" 7/ 301.

(3)

ليست بالأصل، والمثبت من "عمدة القاري".

ص: 188

فصل:

وفي (حم) أقوال أخر: هل هو اسم من أسماء القرآن، أو اسم الله الأعظم، أو حم الأمر، أو حروف الرحمن مقطعة الر، وحم، ونون.

وقول البخاري الماضي: ويقال: هو اسم. لعله يريد على قراءة من قرأ حاميم بفتح الميم، أي: اتل حاميم، ولم يصرفه؛ لأنه جعله اسمًا للسورة.

ويجوز أن يكون لالتقاء الساكنين، ويجوز فتح الحاء وكسرها، وهما قراءتان

(1)

.

(ص)(الطَّوْلُ: التَّفَضُّلُ) قلت: وأصله الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه.

(ص)({دَاخِرِينَ} خَاضِعِينَ) قلت: وقيل: صاغرين، وقيل: أذلاء، والمعنى متقارب.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {النَّجَاةِ} الإِيمَانِ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي أبي نجيح عنه

(2)

.

(ص)({لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} يَعْنِي الوَثَنَ) أي: لأن الأوثان لا تأمرنا بعبادة، ولم تدع الربوبية، وفي الآخرة تتبرأ من عبادتها.

(ص)({تَمْرَحُونَ} تَبْطَرُونَ) أي: بالفخر والخيلاء.

(ص)({يُسْجَرُونَ} تُوقَدُ بِهِمِ النَّارُ) قال مجاهد: يصيرون وقودًا لها

(3)

.

(1)

انظر: "الحجة" للفارسي 6/ 101 - 102، "الكشف" 1/ 188.

(2)

رواه أيضًا الطبري 11/ 63 (30354).

(3)

رواه الطبري 11/ 78 (30401).

ص: 189

(ص)(وَكَانَ العَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ، فَقَالَ رَجُل لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟ فقَالَ وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ والله يَقُولُ {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} ويقُولُ {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ على مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ).

قال ابن مسعود ومجاهد وعطاء في المسرفين هم: السفاكون للدماء

(1)

.

وقال ابن عباس: نزلت: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} في وحشي قاتل حمزة

(2)

، وكان ابن عباس يقرأ:(إِنّ اللهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعًا لمن يشاء).

ثم ساق البخاري حديث عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِي: أَخْبِرْنِي بأَشَدِّ مَا صَنَعَ المُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِفِنَاءِ الكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولَوى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ به خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثم قَالَ:{أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28].

هذا الحديث سلف في المبعث

(3)

، وآخر مناقب الصديق، ومعنى {أَن يَقُولَ}: كان يقول، وهذا كما قال يوشع في موسى.

(1)

رواه الطبري 11/ 64 (30359) عن مجاهد.

(2)

رواه الواحدي في "أسباب النزول" ص 346 (660).

(3)

سلف برقم (3856) كتاب: مناقب الأنصار، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم -وأصحابه من المشركين بمكة.

ص: 190

(41) ومن سورة حم السَّجْدَةِ [فُصلت]

وَقَالَ طَاوُسٌ عَنِ ابن عَبَّاسٍ: {ائْتِيَا طَوْعًا} أَعْطِيَا. {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} أَعْطَيْنَا. وَقَالَ المِنْهَالُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي أَجِدُ فِي القُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ قَالَ {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)} . {وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا} . {رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فَقَدْ كَتَمُوا فِي هذِه الآيَةِ، وَقَالَ {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إلى قوله:{دَحَاهَا} فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءٍ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى {طَائِعِينَ} فَذكَرَ فِي هذِه خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَقَالَ {وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} عَزِيزًا حَكِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا، فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى. فَقَالَ {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} فِي النَّفْخَةِ الأُولَى ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ، فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الآخِرَةِ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، وَأَمَّا قوله:{مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . {وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ} فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ لأَهْلِ الإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ وَقَالَ المُشْرِكُونَ تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ. فَخَتَمَ على أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا وَعِنْدَهُ {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآيَةَ، وَخَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّمَاءِ، فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ، وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا المَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي

ص: 191

يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قوله:{دَحَاهَا} ، وَقوله:{خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَئ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ. {وَكَانَ اللهُ غَفُورًا} سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ، أي لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الذِي أَرَادَ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ القُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًا مِنْ عِنْدِ اللهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ المِنْهَالِ بهذا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{مَمْنُونٍ} مَحْسُوبٍ. {أَقْوَاتَهَا} أَرْزَاقَهَا. {فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} مِمَّا أَمَرَ بِهِ. {نَحِسَاتٍ} مَشَائِيمَ {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} عِنْدَ المَوْتِ. {اهْتَزَّتْ} بِالنَّبَاتِ. {وَرَبَتْ} ارْتَفَعَتْ. وَقَالَ غَيْرُهُ {مِنْ أَكْمَامِهَا} حِينَ تَطْلُعُ. {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} أي بِعَمَلِي أَنَا مَحْقُوقٌ بهذا. {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} قَدَّرَهَا سوَاءً. {فَهَدَيْنَاهُمْ} دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الخَيْرِ وَالشَّرِّ كَقوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)} وَكَقوله: {هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} وَالْهُدى الذِي هُوَ الإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَصْعَدْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} {يُوزَعُونَ} يُكَفَّوْنَ. {مِنْ أَكْمَامِهَا} قِشْرُ الكُفُرى هِيَ الكُمُّ. {وَلِيٌّ حَمِيمٌ} القَرِيبُ. {مِنْ مَّحِيصٍ} حَاصَ حَادَ. {مِرْيَةٍ} وَمِرْيَةٍ وَاحِدٌ أَيِ امْتِرَاءٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} الوَعِيدُ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {اْلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الصَّبْرُ عِنْدَ الغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ

ص: 192

فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ اللهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ.

هي مكية.

(ص)(وَقَال طَاوُسٌ عَنِ ابن عَبَّاسٍ: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} أَعْطِيَا. {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} أَعْطَيْنَا) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث سليمان الأحوال، عن طاوس، عنه به

(1)

، وليس {ائْتِيَا} بمعنى أعطيا في كلامهم، لا جرم قال ابن التين: فيه نظر إلا أن يكون ابن عباس قرأ بالمد؛ لأن أتى مقصور معناه: جاء، وممدود رباعي معناه: أعطى، ونقل غيره عن ابن جبير أنه قرأها (آتيا) بالمد على معنى أعطيا الطاعة، وأن ابن عباس قرأ (آتينا) بالمد أيضًا على المعنى المذكور، وجمعه بالياء والنون وإن كان مختصًا بمن يعقل؛ لأن معناه: أتينا بمن فيها أو لأنه لما خبر عنهن بفعل من يعقل جاء فيهن بالياء والنون، كقوله:{رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] وأجاز الكسائي أن يجمع كل شيء بالياء والنون، والواو والنون، وفيه بعد

(2)

.

(ص) (وَقَال المِنْهَالُ عَنْ سَعِيدٍ بن جبير قَالَ: قَال رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَجِدُ فِي القُرْآنِ شيئًا

(3)

يختلف عَلَيَّ، قَالَ:{فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} . {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)} . {وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا} {

(4)

رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فَقَدْ كَتَمُوا فِي هذِه الآيَةِ، وَقَال {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إلى قوله:{دَحَاهَا} فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ،

(1)

رواه أيضًا الطبري 11/ 92 (30453).

(2)

انظر: "المحتسب" 2/ 245، "معاني القرآن" 6/ 251.

(3)

في هامش الأصل: كذا نحفظه (أشياء).

(4)

في هامش الأصل: كذا نحفظه (والله).

ص: 193

ثُمَّ قَالَ {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى {طَائِعِينَ} فَذَكَرَ فِي هذِه خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَقَالَ:{وَكاَنَ اَللَّهُ غَفُوَرَا رَّحِيمًا} عَزِيزًا حَكِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا، فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى. فَقَالَ {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} فِي النَّفْخَةِ الأُولَى ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ الله، فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الأخرى أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ:{مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . {وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا} فَإِنَّ اللهَ تعالى يَغْفِرُ لأَهْلِ الإِخْلَاصِ ذنبهم، وَقَالَ المُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ. فيختمَ الله على أَفْوَاهِهِمْ وتنطق أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عرفوا أَنَّ اللهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ} الآيَةَ، وقوله: خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّمَاءِ، فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ، ودحيها أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا المَرْعَى، وَخَلَقَ الجِبَالَ وَالآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{دَحَاهَا} ، وَقَوْلُهُ:{خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَئ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وخلق السَّمَوَات فِي يَوْمَيْنِ.

وقوله: {وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} سَمَّى نَفْسَهُ بذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ، أَيْ: لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الذِي أَرَادَ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ القُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللهِ. قَالَ البخاري: حدثنيه يُوسفُ بْنُ عَدِيٍّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ المِنْهَالِ بهذا) كذا هو ثابت في أصل الدمياطي، وفي "أطراف خلف" وكذا هو في "التهذيب" قال: وليس له عن ابن عدي في الصحيح غيره

(1)

،

(1)

"تهذيب الكمال" 32/ 441 - 442.

ص: 194

وعن أبي بكر البرقاني فيما ذكره ابن جبرون أنه قال: قال لي إبراهيم بن محمد الأزدستاني: شوهدت نسخة لكتاب "الجامع" فيها على الحاشية: حدثنا محمد بن إبراهيم

(1)

، ثنا يوسف بن عدي، فذكره، ورواه الإسماعيلي، عن أحمد بن زنجويه، ثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد الرقي، ثنا عبيد الله بن عمرو به.

ويوسف هذا هو ابن عدي بن زريق التيمي مولاهم أبو يعقوب الكوفي، أخو زكريا، سكن مصر، روى عن إسماعيل بن عياش وشريك ومالك، وعنه البخاري هذا الحديث (ويقاون بواسطة وفي يوم وليلة بواسطتين وجمع)

(2)

، وثقه أبو زرعة وابن حبان، مات بعد الثلاثين ومائتين

(3)

وروى له في حديث: الدعاء إذا انتبه من الليل فقط

(4)

.

وما ذكره ابن عباس في قوله: {فَلَا أَنْسَابَ} الآية. جواب حسن، وقيل: إن ذلك عند اشتغالهم بالصراط وعند الميزان وتناول الصحف، وهم فيما بين ذلك يتساءلون.

وقوله: (والسماء بناها). كذا وقع، والتلاوة {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27] وكلام ابن عباس يدل أن (ثم) على بابها في ترتيبها

(1)

قال ابن حجر في "الفتح" 8/ 559 بعد أن ذكر أن البرقاني ذكره في "المصافحة": قال البرقاني: ويحتمل أن يكون هذا من صنيع من سمعه من البوشنجي فإن اسمه محمد بن إبراهيم.

(2)

هكذا في الأصل، ومغزى الكلام: أي: يروي عنه البخاري بواسطة وفي مواضع أخرى بواسطتين وجمع.

(3)

انظر "تهذيب الكمال" 32/ 438 (7144)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 484.

(4)

رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(870).

ص: 195

الخبر، لأنه دحى الأرض أخرى، أي: بسطها، وقيل: إن (ثم) هنا بمعنى الواو، وفيه بعد، وذكر بعض المفسرين أن (ثم) هنا على بابها، وقيل: المعنى: ثم أخبركم بهذا، كقوله:{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17].

وهذِه الأيام من أيام الدنيا، وقيل: كل يوم ألف سنة. قال ابن عباس، وعبد الله بن سلام: ابتدأ خلق الأرض يوم الأحد، فخلق سبع أرضين فيه وفي يوم الإثنين، ثم جعل فيها رواسي وبارك فيها وقدر فيها الأقوات في يومين: الثلاثاء والأربعاء، ثم استوى إلى السماء فخلق سبع سموات في يومين: الخميس والجمعة، فلذلك سمي يوم الجمعة؛ لاجتماع الخلق فيه

(1)

، وهو دال على أن (ثم) عند ابن عباس على الترتيب في هذِه الآية -كما سلف- وهو ظاهر إيراد البخاري، وقيل: كان خلق السموات يوم الثلاثاء والأربعاء، ودحا الأرض في الخميس والجمعة، وهو ظاهر إيراد الطبري أيضًا.

والآكام جمع أكمة: وهي التل، وقيل: الجبل الصغير.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} قال: غير مَحْسُوبٍ) أخرجه عبد بن حميد، عن عمر بن سعد، عن سفيان، عن ابن جريج، عنه

(2)

، وقيل: غير مقطوع، وقيل: لا يمن فيه، وقيل: غير منقوص

(3)

.

(ص) ({أَقْوَاتَهَا} أَرْزَاقَهَا. {فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} مِمَّا أَمَرَ بِهِ. {نَّحِسَاتٍ} مَشَائِيمَ، {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ} قُرنائهم

(4)

. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} عِنْدَ

(1)

رواه الطبري 11/ 88 (30430) عن ابن عباس رضي الله عنه.

(2)

رواه الطبري 12/ 641 (37650).

(3)

رواه الطبري 12/ 641 (37648 - 37652).

(4)

عليها في الأصل: كذا. ولعله استشكل معناها، والمعنى يقتضي قرنَّا بهم.

ص: 196

المَوْتِ. {اهْتَزَّتْ} بِالنَّبَاتِ. {وَرَبَتْ} ارْتَفَعَتْ. {مِنْ أَكْمَامِهَا} حِينَ تَطْلُعُ. {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} أَيْ بِعَمَلِي فيقول: أَنَا مَحْقُوقٌ بهذا).

هذا كله من كلام مجاهد، أسنده عبد من حديث حجاج، عن ابن جريج، عنه، ومن حديث سفيان وورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه

(1)

. والمراد بالقوت: ما يتقوت به ويؤكل، وقال قتادة: جعل اليماني باليمن، وكذا غيره في مكانه، فجعل فيها ما يتجر فيه.

وقوله: (مما أمر به)، أي: ما أراده. وقال قتادة: خلق شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها

(2)

.

قوله: (قرنَّا بهم) أي: الشياطين.

(ص)(وقال غيره) يعني: غير مجاهد. ({سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} قَدَّرَهَا سَوَاءً) قلت: المعنى في تتمة أربعة أيام استوت استواء، وقيل: جوابا للسائلين، وقيل: للمحتاجين، وقول ابن زيد:(قدرها) على تقدير مسألتهم علم تعالى ذلك قبل كونه، وعليه يخرج ما في البخاري، فإنه جعل (سواء) متعلقًا بـ (قدَّر)، وهو قول الفراء أيضًا

(3)

.

(ص)({فَهَدَيْنَاهُمْ} دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الخَيْرِ وَالشَّرِّ، كَقَوْلِهِ: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)} وَكَقَوْلِهِ: {هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} وَالْهُدى الذِي هُوَ الإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أسعدناه

(4)

، مِنْ ذَلِكَ {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} قلت: وخفيف

(5)

: تسهيل طريق الخير بخلاف الخذلان نسأل الله السلامة.

(1)

انظر "تفسير مجاهد" 2/ 569 - 572.

(2)

الطبري 11/ 93 (30457).

(3)

"معاني القرآن" 3/ 12 - 13.

(4)

قال ابن حجر في "الفتح"8/ 560: قال السهيلي: هو بالصاد أقرب إلى تفسير (أرشدناه) من أسعدناه بالسين المهملة.

(5)

كذا بالأصل وأعلاها كلمة (كذا).

ص: 197

(ص)({يُوزَعُونَ}: يكفون) أي: يساقون ويدفعون إلى النار، وقال قتادة: يحبس أولهم على آخرهم

(1)

.

(ص)({مِنْ أَكْمَامِهَا} قِشْرُ الكُفرى الكُمُّ واحدها) قلت: والمراد به الستر الذي يكون على الطلعة، وهي تسمى الجف، وقيل: حين تطلع الثمرة من وعائها، والكفرى بتشديد الفاء وتخفيف الراء، كذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها عكسه، وهو ما ضبطه أهل اللغة، كما ذكره ابن التين، وفي بعض النسخ (وقال غيره: ويقال للعنب إذا خرج أيضا كافور وكفري)

(2)

. وهذا أسنده ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي به.

(ص)({وَلِيٌّ حَمِيمٌ} القَرِيبُ) قلت: وقيل: صديق.

({مِن مَّحِيصٍ} حَاصَ عنه: حَادَ عنه) أي: ما لهم من مهرب، و (ما) هنا حرف وليس باسم؛ فلذلك لم يعمل فيه الظن، وجعل الفعل ملغى.

(ص)({مِرْيَةٍ} وَمُرْيَةٍ وَاحِدٌ أَيِ امْتِرَاءٌ) قلت: وقرأ الجماعة بالكسر، وقرأ الحسن بالضم

(3)

، والامتراء: الشك، وكذلك المراء.

(ص) (وَقَالَ

(4)

مُجَاهِدٌ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} هي وعيد) أي: وتهديد.

(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {اْلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الصَّبْرُ عِنْدَ الغَضَبِ أي: والحلم عند الجهل.

(1)

الطبري 11/ 99 (30484).

(2)

في هامش "اليونينية" وعليها رمز أبي ذر عن المستملي، ورمز أبي الوقت.

(3)

"معاني القرآن" للنحاس 6/ 287.

(4)

في الأصل: وقالوا.

ص: 198

(ص) وَالْعَفْوُ عِنْدَ الإِساءَةِ، فَإِذَا فعلوا ذلك عَصَمَهُمُ اللهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيم) هذا مشهور عنه

(1)

.

قال مقاتل: نزلت في أبي سفيان بن حرب وكان مؤذيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فصار له وليًا بعد أن كان عدوًّا

(2)

، نظيره {عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة: 7] وقيل: معنى {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: قل لمن تلقاه سلام عليكم.

وعن ابن عباس: هما الرجلان يتقاولان، فيقول أحدهما لصاحبه: يا صاحب كذا. فيقول له الآخر: إن كنت صادقًا علي فغفر الله لي، وإن كنت كاذبًا فغفر الله لك.

(1)

الطبري 11/ 111 (30544).

(2)

انظر القرطبي 15/ 362.

ص: 199

‌1 - باب قَوْلِهِ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} الآية [فصلت: 22]

4816 -

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ:{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} الآيَةَ [فصلت: 22] كَانَ رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفَ -أَوْ رَجُلَانِ مِنْ ثَقِيفَ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ- فِي بَيْتٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَتُرَوْنَ أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ حَدِيثَنَا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْمَعُ بَعْضَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَئِنْ كَانَ يَسْمَعُ بَعْضَهُ لَقَدْ يَسْمَعُ كُلَّهُ. فَأُنْزِلَتْ {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} الآيَةَ [فصلت: 23]{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ} الآيَةَ [فصلت: 23][4817، 7521 - مسلم: 2775 - فتح: 8/ 561]

ذكر فيه حديث مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عبد الله بن سخبرة، عَنِ ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه:{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} الآيَةَ [فصلت: 22][كَانَ]

(1)

رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفَ -أَوْ رَجُلَانِ مِنْ ثَقِيفَ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ- فِي بَيْتٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ حَدِيثَنَا؟ فقَالَ بَعْضهُمْ: يَسْمَعُ بَعْضَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَئِنْ كَانَ يَسْمَعُ بَعْضهُ لَقَدْ يَسْمَعُ كُلَّهُ. فَأُنْزِلَتْ {وَمَا كُنْتُمْ} الآيَةَ [فصلت: 22]. يأتي في التوحيد أيضًا، ولم يعزه خلف إليه فيه، وصرح أبو مسعود بهما، وأخرجه أيضا مسلم والنسائي والترمذي

(2)

.

(1)

في الأصل: قال.

(2)

الترمذي (3248)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 451 (11468).

ص: 200

[باب] قَوْلِهِ: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} الآية [فصلت: 23]

4817 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ: عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ -أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ- كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ أَتُرَوْنَ أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ قَالَ الآخَرُ يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا. وَقَالَ الآخَرُ إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} الآيَةَ [فصلت: 22]. وَكَانَ سُفْيَانُ يُحَدِّثُنَا بِهَذَا فَيَقُولُ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ أَوِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَوْ حُمَيْدٌ -أَحَدُهُمْ أَوِ اثْنَانِ مِنْهُمْ- ثُمَّ ثَبَتَ عَلَى مَنْصُورٍ، وَتَرَكَ ذَلِكَ مِرَارًا غَيْرَ وَاحِدَةٍ. [1475، 4816 - مسلم: 2755 - فتح: 8/ 562]

ذكر فيه أيضًا وزاد فيه: كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا .. إلى آخره.

ص: 201

[باب] قَوْلِهِ: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} الآيَةَ [فصلت: 24]

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَذَثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُور، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بِنَحْوِهِ.

ثم ذكره، وقال نحوه، وفي آخر الذي قبله: وَكَانَ سُفْيَانُ يُحَدِّوثنا بهذا فَيَقُولُ: ثنَا مَنْصورٌ أَوِ ابن أَبِي نَجِيحٍ أَوْ حُمَيْدٌ يعني: الأعرج -أَحَدُهُمْ أَوِ اثْنَانِ مِنْهُمْ- ثُمَّ ثَبَتَ عَلَى مَنْصورٍ، وَتَرَكَ ذينك مِرَارًا غَيْرَ مرة.

وقد روي بغير شك أن الرجل من قريش، وذكر الثعلبي أن الثقفي اسمه عبد ياليل بن عمرو بن عمير وختناه زمعة وصفوان بن أمية، وقال ابن بشكوال: القرشي: الأسود بن عبد يغوث، والثقفي: الأخنس بن شريق

(1)

.

ذكره ابن عباس، وفي "تفسير الجُوزي" نزلت في صفوان بن أمية وربيعة وصما بن عمرو الثقفيين، واختلف في الختن هل هو من قبل الزوج أو الزوجة، وقد سلف.

وقوله: (كثيرة شحم بطونهم) يقرأ بإضافة كثيرة إلى شحم، وهو من باب تقديم الخبر على الاسم، وكذلك (فقه قلوبهم) معناه: قلوبهم قليلة فقه، والأول بطونهم كثيرة شحم، وفيه تنبيه على أن الفطنة قلما تكون مع السمن.

(1)

"غوامض الأسماء المبهمة" 2/ 713.

ص: 202

ومعنى {تَسْتَتِرُونَ} تستخفون في قول الأكثرين، وقال مجاهد: تتقون

(1)

. وقال قتادة: تظنون

(2)

، وروي أن أول ما ينبئ عن الإنسان فخذه وكفه.

وقوله: (إن أخفينا) جاء في رواية: خافتنا، وهو نحوه؛ لأن المخافتة والخفت إسرار النطق، وأما الإخفاء فهو كذلك أيضًا، وقيل: معناه في اللغة: أظهر، ولا يصح ذلك هنا.

وما ذكره سفيان من التردد أولًا والقطع آخرًا ظاهر لا يقدح؛ لأنه تردد في أي هؤلاء الثقات حدثه ثم ثبت له التعيين واستقر عليه.

وقوله: {فَإِنْ يَصْبِرُوا} أي: في الدنيا على أعمال أهل النار {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} : يسترضوا ويطلبوا العتبى {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} وهذا دال على الجزع؛ لأن المستعتب جزع، وقرئ بضم أوله وكسر التاء

(3)

(من المعتبين) أي: على إرضائه؛ لأنهم فارقوا دار العمل.

(1)

في الأصل (تغيبون)، والمثبت من "تفسير الطبري" 11/ 100 (30494).

(2)

رواه الطبري 11/ 101 (30495).

(3)

انظر: "المحتسب" 2/ 245.

ص: 203

(42) ومن سورة حم عسق

وَيُذْكَرُ عَنِ ابن عَبَّاسٍ {عَقِيمًا} لَا تَلِدُ. {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} القُرْآنُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} نَسْلٌ بَعْدَ نَسْلٍ {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا} لَا خُصُومَةَ. {طَرْفٍ خَفِيٍّ} ذَلِيلٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} يَتَحَرَّكْنَ وَلَا يَجْرِينَ فِي البَحْرِ. {شَرَعُوا} ابْتَدَعُوا.

هي مكية، قال مقاتل: وفيها من المدني {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ} الآية {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)} إلى قوله: {مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}

(1)

قلت: وقوله: {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قيل: منسوخة بقوله: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} وقيل: مكية، والمعنى مودة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أو صلة الرحم، وقيل: مدنية، فإنها في قرابته.

وقوله: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} نزلت في الصديق حين سبه الأنصاري فجاوبه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"إني رأيت ملكًا بينك وبينه يرد عليه ما يقول لك فلما سببته اعتزلت" فنزلت

(2)

. وأكثرهم على أن معنى الانتصار هنا: ما كان في الجراح، وما يجوز الاقتصاص منه. فأما السبة والشتمة فهما (أعيان)

(3)

.

(1)

انظر: "زاد المسير" 7/ 270.

(2)

في هامش الأصل لعله: اعتزلك. وانظر سنن أبو داود (4897)، وأحمد 2/ 436 من حديث أبي هريرة، دون ذكر أنه سبب النزول، وانظر:"تفسير ابن كثير" 12/ 290.

(3)

كذا في الأصل وفوقها: (كذا).

ص: 204

(ص)(وَيُذْكَرُ عَنِ ابن عَبَّاسٍ {عَقِيمًا} لَا تَلِدُ. {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} القُرْآنُ) هذا ذكره جويبر، عن الضحاك، عنه

(1)

، وقيل في الروح: النبوة. وقيل: الرحمة، وقيل: جبريل، والعقيم -كما ذكر- الذي لا يلد ولا يولد له.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} نَسْلٌ بَعْدَ نَسْلٍ) هذا أسنده ابن أبي حاتم، عن حجاج، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه

(2)

.

وقال الفراء: (فيه) بمعنى (به)

(3)

، وقال القتبي:{يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} ، أي: في الزوج، وخطأ من قال: في الرحم؛ لأنها مؤنثة لم تذكر

(4)

.

(ص)({لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} لَا خُصُومَةَ بيننا. {طَرْفٍ خَفِيٍّ} ذَلِيلٍ) هذا من بقية كلامه، وقيل: ينظرون بقلوبهم؛ لأنهم يحشرون عميًا.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} يَتَحَرَّكْنَ وَلَا يَجْرِينَ فِي البَحْرِ) أي: مع سكونها وثباتها.

(ص)({شَرَعُوْا} ابْتَدَعُوا) أي: فهو مجنب غير مقبول.

(1)

"تفسير مجاهد" 2/ 573.

(2)

رواه الطبري في "التفسير" 11/ 160 (20746) من طريق علي بن أبي طلحة، عنه بلفظ: لا يُلقِح.

(3)

"معاني القرآن" 3/ 22.

(4)

الذي في "القرطين" 2/ 119: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي: يخلقكم في الرحم أو في الزوج.

ص: 205

[باب] قوله تعالى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]

4818 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ طَاوُسًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ: "إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ". [انظر: 3497 - فتح 8/ 564]

أسلفت الكلام عليها أولًا.

ثم ساق البخاري حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما. أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هذِه الآية فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: عَجلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ:"إِلًّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ القَرَابَةِ".

أي: لأن قريشًا كانت تصل أرحامها، فلما بعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعته، فقال:"صلوني كما كنتم تفعلون"

(1)

وقال: "إلا أن تتوادوا وتتقربوا إليه بطاعته"

(2)

وقيل: هي منسوخة، وقد سلف، والذي سألوه أن يودوه بقراِبته ثم رده اللهٍ إلى ما كان عليه الأنبياء، كما قال نوح وهود:{لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا} [هود: 29]، وقال هود {أَجْرًا} [هود: 51].

(1)

ذكره عن عكرمة مرسلًا النحاس في "معاني القرآن" 6/ 308، "التفسير" 16/ 21.

(2)

رواه القرطبي في "التفسير" 16/ 23 عن ابن عباس مرفوعًا.

ص: 206

وعن ابن عباس: لما نزلت {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ} الآية قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين نودهم؟ قال:"علي وفاطمة وولدها"

(1)

(2)

.

(1)

رواه الطبراني 3/ 47 (2641).

(2)

قال الحافظ ابن كثير بعدما ذكر الحديث بسند عن ابن أبي حاتم: هذا إسناد ضعيف فيه مبهم لا يعرف عن شيخ شيعي متحرق، وهو حسين الأشقر، ولا يقبل خبره في هذا المحل. وذكرُ نزول الآية في المدينة بعيد، فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولاد بالكلية، فإنها لم تتزوج بعلي إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة. والحق تفسير الآية بما فسرها به الإمام حبرُ الأمة، وترجمان القرآن، عبد الله بن عباس، كما رواه عنه البخاري، ولا تنكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض، فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولاسيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعليّ وأهل بيته وذريته، رضي الله عنهم أجمعين. اهـ. "تفسير ابن كثير" 12/ 270، 271.

ص: 207

(43) ومن سورة حم الزُّخرُفِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى أُمَّةٍ} : على إِمَامٍ. (وَقِيلَهُ يَا رَبِّ): تَفْسِيرُهُ: أَيَحْسِبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، وَلَا نَسْمَعُ قِيلَهُمْ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} : لَوْلَا أَنْ جَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الكُفَّارِ (سَقْفا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارجَ) مِنْ فِضَّةٍ -وَهْى: دَرَجٌ- وَسُرُرُ فِضَّةٍ. {مُقَرَّنِينَ} : مُطِيقِينَ {ءَاسَفُونَا} : أَسْخَطُونَا. {يَعْشُ} : يَعْمَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ} أَيْ: تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ، ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ. {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ}: سُنَّةُ الأَوَّلِينَ. {مُقْرِنِينَ} يَعْنِي: الإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ. (يَنْشَأُ فِي الحِلْيَةِ): الجَوَارِي. جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} : يَعْنُونَ الأَوْثَانَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:{مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} : الأَوْثَانُ إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {فِي عَقِبِهِ} : وَلَدِهِ. (مُقْتَرِنِينَ): يَمْشُونَ مَعًا. {سَلَفًا} : قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفًا لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. {وَمَثَلًا} : عِبْرَةً. {يَصُدُّونَ} : يَضِجُّونَ. {مُبْرِمُونَ} : مُجْمِعُونَ. {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} : أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ. {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} : العَرَبُ تَقُولُ: نَحْنُ مِنْكَ البَرَاءُ وَالْخَلَاءُ وَالْوَاحِدُ وَالاِثْنَانِ وَالْجَمِيعُ مِنَ المُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ يُقَالُ فِيهِ: بَرَاءٌ؛ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَلَوْ قَالَ: بَرِيءٌ. لَقِيلَ فِي الاثْنَيْنِ: بَرِيئَانِ. وَفِي الجَمِيعِ:

ص: 208

بَرِيئُونَ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ إِنَّنِي بَرِىٌ بِالْيَاءِ، وَالزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ. مَلَائِكَةً يَخْلُفُونَ: يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

قال مقاتل: مكية غير آية {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} الآية

(1)

، وأصل الزخرف: الذهب -كما نبه عليه ابن سيده- ثم سمى كل زينة زخرفًا، وزخرف البيت: زيَّنهُ وأكمله، وكل ما زوق وزين فقد زخرف

(2)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى أُمَّةٍ}: على إِمَامٍ) أخرجه ابن أبى حاتم من حديث ابن أبي نجيح، عنه. قلت: وقيل: ملة، والمعنى متقارب، لأنهم يتبعون الملة ويقتدون بها، وفي بعض النسخ هنا:(قال قتادة: {فِي أُمِّ الْكِتَابِ}: جملة الكتاب، أصل الكتاب)

(3)

.

(ص)((وَقِيلَهُ يَا رَبِّ) تَفْسِيرُهُ: أم يحسبون أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، وَلَا نَسْمَعُ قِيلَهُ يا رب) قلت: أنكر ذلك، وقال: إنما يصح أن لو كانت التلاوة: وقيلهم. وقيل: المعنى إلا من شهد بالحق، وقال: قيله يا رب، على الإنكار. وقيل: لا نسمع سرهم ونجواهم ونسمع قيله. ذكره الثعلبي، وقال أولًا: وقيله يا رب، يعني: وقول محمد شاكيا إلى ربه.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}: لَوْلَا أَنْ يجَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الكُفَّارِ سقْفًا مِنْ فِضَّةٍ، ومَعَارجَ مِنْ فِضَّةٍ -وَهْى دَرَجٌ- وَسُرُرُ فِضَّةٍ) أثر ابن عباس هذا أخرجه ابن جرير، عن أبي عاصم، ثنا عيسى، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عنه

(4)

.

(1)

"زاد المسير" 7/ 301.

(2)

"المحكم" 5/ 203.

(3)

رواه الطبري في "التفسير" 7/ 404 (20507).

(4)

"التفسير" 11/ 184 (30843) لكن من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.

ص: 209

(ص)(مُقْرِنين: مُطِيقِينَ) ضابطين فارهين، وهو من القرن، كأنه أراد وما كنا له مقارنين في القوة، وقال بعد:{وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} ، يعني: الخيل والإبل والبغال والحمير). وقال بعده: (وقال غيره- يعني: غير قتادة: مقرنين: ضابطين، يقال: فلان مقرن لفلان: ضابط له)

(1)

.

(ص)({ءَاسَفُونَا} أَسْخَطُونَا) قلت: وقيل: أغضبونا. وقيل: خالفونا وكله متقارب.

(ص)({يَعْشُ}: يَعْمَى) قراءة العامة بالضم، وقرأ ابن عباس بالفتح، أي: تظلم عينه، أو يضعف بصره

(2)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} أَيْ: تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ، ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ) أخرجه ابن أبي حاتم بالسند السالف في (أُمَةٍ)

(3)

.

(ص)(قال قتادة: وإنه لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذِه الأمة لهلكوا، ولكن الله عاد برحمته فكرره عليهم)

(4)

وهذا ثابت في بعض النسخ من غير عزو، وقال:(مسرفين): مشركين

(5)

.

(1)

قاله أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 2/ 202 مستشهدًا بقول الكميت:

ركبتم صَعْبَتي أَشَرًا وحيفًا

ولستم للصعاب بمقرنينا

(2)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 6/ 356 - 358.

(3)

انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 579.

(4)

ذكره ابن كثير في "تفسيره" 12/ 300 ثم قال: وقول قتادة لطيف المعنى جدًا، وحاصله أنه يقول في معناه: إنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير والذكر الحكيم -وهو القرآن- وإن كانوا مسرفين معرضين عنه؛ بل يأمر به ليهتدي من قدَّر هدايته، وتقوم الحجة على من كتب شقاوته. اهـ.

(5)

"الطبري" 11/ 167 (30771).

ص: 210

(ص)({وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ}: سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) أي: وعقوبتهم.

(ص)(يَنْشَأُ فِي الحِلْيَةِ): الجَوَارِي، يقول: جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ؟) أي: تربى وتنبت وتكبر {فِي الْحِلْيَةِ} : في الزينة، يعني: الجواري كما ذكره، والآية دالة على الرخصة للنساء في الحرير والذهب، والسنة واردة أيضًا

(1)

.

قال قتادة في هذِه الآية: قلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تتكلم بالحجة عليها

(2)

. ومجاز الآية: أو من ينشأ تجعلونه ربًّا أو بنات الله، تعالى عن ذلك.

(ص)({لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} يَعْنُونَ: الأَوْثَانَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} يعني: الأَوْثَانُ إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) هو قول مجا هد، يعني: الأوثان

(3)

، وقال قتادة وغيره: يعني: الملائكة. قالوا: وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياها لرضاه منا بعبادتنا

(4)

.

(1)

روى الترمذي (1720)، والنسائي 8/ 161 من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا:"حُرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحُل لإناثهم". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. اهـ وكذا صححه الألباني في "الإرواء"(277) مخرجًا شواهده ومفصلًا. فانظره. وقد خرجه في "الصحيحة"(1865) لكن من حديث زيد بن أرقم مرفوعًا ثم أفاد معقبًا حيث قال: وهو من حيث دلالته ليس على عمومه، بل قد دخله التخصيص في بعض أجزائه، فالذهب بالنسبة للنساء حلال، إلا أواني الذهب والفضة فهن يشتركن مع الرجال في التحريم اتفاقًا

وكذلك الذهب والحرير محرم على الرجال؛ إلا لحاجة لحديث عرفجة بن سعد الذي اتخذ أنفًا من ذهب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم .. اهـ.

(2)

رواه الطبري 11/ 174 (30798).

(3)

"تفسير مجاهد" 2/ 581.

(4)

قلت: وهذا كذب منهم، كما لا يخفى على كل لبيب؛ لأن الله تعالى وإن أراد كفر =

ص: 211

فرد الله عليهم وقال: {مَّا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} فيما يقولون: {إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} : يكذبون

(1)

. قيل: قوله: {مَّا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} مردود إلى قوله: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} والمعنى: أن الله لم يرد عليهم قولهم {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} وإنما المعنى: ما لهم بقولهم: (الملائكة بنات الرحمن) علم؛ يوضحه أن بعده: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ} أي: أنزلنا عليهم كتابًا فيه هذا، وقيل: معنى {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} أي: ما لهم عذر في هذا؛ لظنهم أن ذلك عذر فرد الله ذلك عليهم، فالرد محمول على المعنى

(2)

.

(ص)({فِي عَقِبِهِ}: في وَلَدِهِ) يريد وولد ولده. قال ابن فارس: ويقال: بل كل الورثة كلهم عقب

(3)

.

(ص)[مقترنين]

(4)

(يَمْشُونَ مَعًا) أي: متتابعين يقارن بعضهم بعضًا.

(ص)({سَلَفًا}: قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفًا لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ) قلت: وكذا من مضى من غيرهم من الأمم، وقرئ بضم السين واللام وفتحهما

(5)

.

(ص)({وَمَثَلاً}: عبرة) أي: (للآخرين): لمن يجيء بعدهم.

= الكافر لا يرضاه، وليس تقديره الكافر على الكفر رضا منه، فهو سبحانه وإن كان يريد المعاصي قدرًا فهو لا يحبها ولا يرضها ولا يأمر بها بل يبغضها وشمخطها وينهى عنها وهذا قول السلف قاطبة، فيقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. انظر "شرح الطحاوية" 1/ 79.

(1)

ذكره البغوي في "التفسير" 7/ 209.

(2)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 6/ 344 - 345.

(3)

"مجمل اللغة" 2/ 620.

(4)

سقطت من الأصل.

(5)

قرأها حمزة والكسائي بضم السين واللام، وقرأها باقي السبعة بفتحهما. انظر:"الحجة" للفارسي 6/ 152.

ص: 212

(ص)(يَصِدِّون: يَضِجُّونَ) يريد بكسر الصاد، ومن قرأ بالضم فالمعنى: يعرضون

(1)

وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى. وأنكر بعضهم الضم، وقال: لو كان مضمومًا لكان (عنه)، ولم يكن:{ومِنْهُ} . وقيل: معنى {مِنْهُ} : من أجله

(2)

. فلا إنكار في الضم.

(ص)({مُبْرِمُونَ}: مجمعون) قلت: وقيل: محكمون. وهو نحوه.

(ص)({أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ) أي: إن كان للرحمن ولد في (قلوبكم)

(3)

فأنا أول من عبده وكذبكم.

وقال الحسن: يقول: ما كان له من ولد.

وقيل

(4)

: هو من عبد، أي: أنف وغضب، وهو ما قاله البخاري بعدُ ({أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي: ما كان فأنا أول الآنفين، وهما لغتان: عابد وعَبِدٌ).

قال: (وقرأ عبد الله: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ). قال: (ويقال: {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: الجاحدين، من عبِدَ يَعْبَد).

وقوله: (عابد وعبد) كذا هو بكسر الباء من (عبد) بخط الدمياطي، وقال ابن التين: ضبط بفتحها، قال: وكذا هو في ضبط كتاب ابن فارس العبد: الأنف

(5)

، وكذا في "الصحاح": العبَد، بالتحريك: الغضب، وعَبِد بالكسر، أي: أنف

(6)

.

(1)

قرأها نافع وابن عامر والكسائي بضم الصاد، وقرأ باقي السبعة بكسر الصاد. انظر:"الحجة" للفارسي 6/ 154.

(2)

"معاني القرآن" للنحاس 6/ 376 - 377.

(3)

كأنها كذلك في الأصل، والصواب (قولكم) كما نقله الطبري في "تفسيره" 11/ 215 (31005، 31006) عن مجاهد.

(4)

"زاد المسير" 7/ 333.

(5)

"مجمل اللغة" 2/ 642.

(6)

"الصحاح" 2/ 503.

ص: 213

وأما (عبِدَ) بمعنى: جحد، فهو بكسر الباء في أكثر النسخ وفتحها في مضارعه، وفي بعض الروايات: فتحها ماضيًا وضمها مضارعًا، وفي أخرى: وكسرها أيضًا.

قال: ولم يذكر أهل اللغة عبد بمعنى: جحد. وذكر ابن عُزير أن معنى العابدين والآنفين: الجاحدين.

(ص) وقال غيره، أي: غير مجاهد.

(ص)({إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ}) أي: ذو براء (الْعَرَبُ تَقُولُ: نَحْنُ مِنْكَ البَرَاءُ وَالْخَلَاءُ وَالْوَاحِدُ، وَالاِثْنَانِ والجمع مِنَ المُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ يُقَالُ فِيهِ: بَرَاءٌ؛ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ) أي: وضع موضع النعت.

(ص)(وَلَوْ قَالَ: بَرِيءٌ. لَقِيلَ فِي الاثْنَيْنِ: بَرِيئَانِ. وَفِي الجمع: بَرِيئُونَ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ: (إِنَّنِي بَرِيءٌ) بالياء)، أي: وكسر الراء.

(ص)(وَالزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ) هذا قد أسلفته، وقيل: الباطل. وقيل: هو زينة الحياة الدنيا.

(ص)({مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ}: يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) أي: كما يخلفكم أولادكم.

ص: 214

[باب] قوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)} [الزخرف: 77]

4819 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 56]. [انظر: 3230 - مسلم: 871 - فتح: 8/ 568]

وَقَالَ قَتَادَةُ (مَثَلاً لِلآخِرِين): عِظَةً. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مُقْرَّنِينَ} [الزخرف: 13] ضَابِطِينَ يُقَالُ فُلَانٌ مُقْرِنٌ لِفُلَانٍ: ضَابِطٌ لَهُ. وَالأَكْوَابُ: الأَبَارِيقُ الَّتِي لَا خَرَاطِيمَ لَهَا {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81] أَيْ: مَا كَانَ فَأَنَا أَوَّلُ الأَنِفِينَ وَهُمَا لُغَتَانِ رَجُلٌ عَابِدٌ وَعَبِدٌ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ} [الفرقان:30] وَيُقَالُ: أَوَّلُ الْعَابِدِينَ: الْجَاحِدِينَ مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ. وَقَالَ قَتَادَةُ {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} [الزخرف: 4] جُمْلَةِ الْكِتَابِ أَصْلِ الْكِتَابِ.

ذكر فيه حديث صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى المِنْبَرِ {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 56]. وقد سلف في: بدء الخلق

(1)

، وهناك قال: قال سفيان بن عيينة: قرأه عبد الله: (يا مال). وصفة النار أيضًا

(2)

.

وأخرجه أيضًا مسلم وأبو داود والترمذي

(3)

.

قال الزجاج: وأنا أكرهها؛ لمخالفتها المصحف

(4)

، وعند الجُوزي: ينادون مالكًا أربعين سنة فيجيبهم بعدها: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} .

(1)

سلف برقم (3230).

(2)

سلف برقم (3266).

(3)

رواه مسلم برقم (871) أبو داود (3992)، والترمذي (508).

(4)

حكاه عنه ابن الجوزي في "زاد المسير" 7/ 329.

ص: 215

ثم ينادون رب العزة {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} ل [المؤمنون: 107] فلا يجيبهم مثل عمر الدنيا، ثم يقول:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] وقيل: نداؤهم لمالك أن يموتوا فيستريحوا، فيجيبهم بعد ألف سنة:{إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} .

(ص)(وقال قتادة: (مثلًا للآخرين): عظة لمن بعدهم)

(1)

. وفي بعض النسخ: عبرة. بدل عظة، وهو ما سلف قبل، وجزم به الثعلبي.

(ص)(وَالأَكْوَابُ: الأَبَارِيقُ التِي لَا خَرَاطِيمَ لَهَا) أي: ولا آذان، واحدها كوبة. وعبارة "الكشاف" الكوب: الكوز بلا عروة

(2)

.

(1)

الطبري 11/ 200 (30918).

(2)

"الكشاف" 4/ 167.

ص: 216

-‌

[باب]{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)} [الزخرف: 5]

: مُشْرِكِينَ. والله لَوْ أَنَّ هذا القُرْاَنَ رُفِعَ حَيْثُ رَدَّهُ أَوَائِلُ هذِه الأُمَّةِ لَهَلَكُوا. {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)} [الزخرف: 8] عُقُوبَةُ الأَوَّلِينَ (جُزْءًا)[الزخرف: 15]: عِدْلًا.

(ص)({جُزْءًا}: عِدْلًا) المعنى: أنهم عبدوا الملائكة فجعلوا لله شبهًا، وهذا قول قتادة

(1)

، وقال عطاء: نصيبًا وشركًا

(2)

، ومعنى جعلوا: قالوا هذا ووصفوه. وقيل جزء: إناث، يقال: جزأت المرأة: إذا ولدت أنثى.

(1)

رواه الطبري في "التفسير" 11/ 172 (30790).

(2)

ذكره عنه النحاس في "معانيه" 6/ 342.

ص: 217

(44) ومن سورة الدُّخَانِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رَهْوًا} : طَرِيقًا يَابِسًا. {عَلَى العَالَمِينَ} : على مَنْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ. {فَاْعْتِلُوهُ} : اْدْفَعُوهُ. {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ} : أَنْكَحْنَاهُمْ حُورًا عِينًا يَحَارُ فِيهَا الطَّرْفُ. {تَرْجُمُونِ} : القَتْلُ. وَرَهْوًا: سَاكِنًا. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {كَالْمُهْلِ} : أَسْوَدُ كَمُهْلِ الزَّيْتِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تُبَّع} : مُلُوكُ اليَمَنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسَمَّى تُبَّعًا؛ لأَنَّهُ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ، وَالظِّلُّ يُسَمَّى تُبَّعًا لأَنَّهُ يَتْبَعُ الشَّمْسَ.

هي مكية. وفي الترمذي: غريبًا عن أبي هريرة مرفوعًا: "من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك"

(1)

وعنه: "من قرأ الدخان ليلة الجمعة غفر له"

(2)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: قال الترمذي بعد استغرابه: وعمر بن أبي خثعم يضعف. قال محمد: هو منكر الحديث. انتهى. وذكر هذا الحديث ابن الجوزي في "الموضوعات"، وأما الحديث الذي بعده في الترمذي أيضًا، وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، هشام أبو المقداد يضعف، لم يسمع الحسن من أبي هريرة. هكذا قال أيوب ويونس بن عبيد، وعلي بن زيد. انتهى لفظه. اهـ[قلت: انظر التعليق التالي].

(2)

أما الحديث الأول فقد رواه الترمذي برقم (2888) من طريق عمر بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به، وأما الحديث الثاني فقد رواه برقم (2889) من طريق هشام أبي المقداد، عن الحسن، عن أبي هريرة به. وانظر "الموضوعات" لابن الجوزي 1/ 404 (485)، و"الضعيفة"(4632، 6734).

ص: 218

(ص)(قال مجاهد: {رَهْوًا}: طَرِيقًا يَابِسًا) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه. وعنه: منفرجًا. أسنده عبد

(1)

مع الأول أيضا، وقال في الأول: يابسًا كهيئته بعد أن ضربه، قال: لا تأمره يرجع، اتركه حتى يدخله آخرهم

(2)

.

ثم قال البخاري: ويقال: [رهوًا]

(3)

ساكنًا. أي: كهيئته

(4)

-كما ذكرنا- وذلك لأن موسى سأل ربه أن يرسل البحر؛ خوفًا أن يعبر فرعون في أثره فقال الله ذلك، وكان عرضه فرسخين، وفيه قول ثالث: أي: سهلًا

(5)

. وآخر: صعودًا. قاله مقاتل.

(ص)({عَلَى العَالَمِين} على مَنْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ) أي: من عالمي زمانهم.

(ص)({فَاعْتِلُوهُ}: اْدْفَعُوهُ) إلى النار وسوقوه، وقرئ بضم التاء وكسرها

(6)

.

(ص)({تَرْجُمُونِ}: القَتْلُ) قلت: (حصبته)

(7)

قاله قتادة، وقال ابن عباس: يشتمون ويقولون: هو ساحر

(8)

.

(1)

أي عبد بن حميد، وقد عزاهما إليه صاحب "الدر المنثور" 7/ 410 ط. دار الفكر.

(2)

انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 589.

(3)

قال الطبري: وهو أولى الأقوال في ذلك بالصواب

واذا كان ذلك معناه كان لا شك أنه متروك سهلًا دمثًا وطريقًا يبسًا. "التفسير" 11/ 235.

(4)

روي ذلك عن ابن عباس والربيع والضحاك وابن زيد. "تفسير الطبري" 11/ 235 (31106 - 31110).

(5)

انظر: "الحجة" للفارسي 6/ 165، "الكشف" 2/ 264.

(6)

كذا بالأصل، والذي جاء في "تفسير الطبري" 1/ 2331 (31598) عن قتادة: أي: أن ترجمون بالحجارة.

(7)

رواه الطبري (31095) بنحوه عنه.

(8)

ليست في الأصل، والمثبت من هامش "اليونينية" وعليها رمز أبي ذر.

ص: 219

(ص)(وقال ابن عباس: {كَالْمُهْلِ}: أسود كمهل الزيت). رواه جويبر، عن الضحاك، وقيل: هو دُرْدِيُه

(1)

، وقيل: السم. وقال الأصمعي: هو بفتح الميم

(2)

: الصديد وما يسيل من الميت. وعن غيره: هو كعكر الزيت، وبالضم: الرماد ونحوه، وقيل: هو خبث الجواهر. حكاه ابن سيده

(3)

، وقيل: الذي انتهى حرُّه. حكاه عبد، عن ابن جبير

(4)

.

(ص)(وقال غيره) يعني: غير ابن عباس ({تُبَّع}: ملوك اليمن كل واحد منهم تبعًا؛ لأنه يتبع صاحبه، والظل يسمى تبعًا؛ لأنه يتبع الشمس)

(5)

. قلت: وتبع هنا هو تبع الحميري، وكان سار بالجيوش حتى تحير

(6)

الحيرة وبنى سمرقند

(7)

. وقال سعيد: وهو الذي كسا البيت

(8)

. وفي الحديث: "ما أدري [تبع]

(9)

نِبيًّا كان أو غير نبيٍّ."

(10)

.

(ص)({وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}: أَنْكَحْنَاهُمْ حُورًا عِينًا يَحَارُ فِيهَا الطَّرْفُ): أي: من بياضها وصفاء لونها. والعِين: العظيمة العَين.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 218 - 219 (23042) عن مجاهد، وقال أهل اللغة: دُرْدِي الزيت وغيره: ما يبقى في أسفله. "مختار الصحاح" صلى الله عليه وسلم 85 مادة (درد).

(2)

ذكر قوله أبو عبيد في "غريب الحديث" 2/ 8.

(3)

"المحكم" 4/ 236.

(4)

رواه الطبري 8/ 219 (33046).

(5)

هو قول أبي عبيدة بلفظه، وزاد: وموضع تبع في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام، وهم ملوك العرب الأعاظم. "مجاز القران" 2/ 209.

(6)

كذا بالأصل وفي مصدر التخريج كما سيأتي: حتى عبر.

(7)

حكى ذلك الماوردي والثعلبي عن قتادة كما في "تفسير القرطبي" 16/ 146.

(8)

رواه ابن المنذر، وابن عساكر كما في "الدر المنثور" 7/ 418 ط. دار الفكر.

(9)

ما بين المعقوفتين ليس في الأصل، ومثبت من مصدر التخريج؛ ليستقيم به السياق.

(10)

رواه الحاكم 1/ 36 من حديث أبي هريرة، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة، ولم يخرجاه. اهـ.

ص: 220

[باب] قوله: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10]

قَالَ قَتَادَةُ: فَارْتَقِبْ: فَانْتَظِرْ.

4820 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِم، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَضَى خَمْسٌ: الدُّخَانُ، وَالرُّومُ، وَالْقَمَرُ، وَالْبَطْشَة، وَاللِّزَامُ. [انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح: 8/ 571]

ثم ساق حديث مَسْرُوقٍ، عن عبد الله قَالَ: مَضَى خَمْسٌ: الدُّخَانُ، وَالرُّومُ، وَالْقَمَرُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ. وقد سلف، وساقه في:{يَوْمَ نَبْطِشُ} أيضًا

(1)

.

(1)

سيأتي برقم (4825).

ص: 221

[باب] قوله: {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)} [الدخان: 11]

4821

- حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا؛ لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)} [الدخان: 11،10] قَالَ: فَأُتِىَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ اسْتَسْقِ اللهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ. قَالَ:«لِمُضَرَ؟! إِنَّكَ لَجَرِئٌ» . فَاسْتَسْقَى فَسُقُوا. فَنَزَلَتْ {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ. فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} [الدخان: 16] قَالَ: يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ. [انظر: 1007 - مسلم: 3798 - فتح: 8/ 571].

ذكر فيه حديث مسروق، عن عبد الله أيضًا قال: إِنَّمَا كَانَ هذا؛ لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ .. الحديث، وقد سلف في الاستسقاء أيضًا.

والجهد: بفتح الجيم وضمها لغتان مثل الفرق. فبالضم: الجوع، والفتح: المشقة.

ثم ساقه في قوله: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ} وقوله: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى} وقال: الذِّكْرُ وَالذِّكْرى وَاحِدٌ. ثم ساقه في قوله: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)} وقوله في هذا: (فدعا) ثم قال: ((تعودون) بعد هذا) كذا في الأصول "تعودون" وساقه ابن التين بلفظ: "تعودوا"، ثم قال: كذا وقع والصواب: "تعودون".

ص: 222

‌باب {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)} [الدخان: 12]

4822

- حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ تَقُولَ لِمَا لَا تَعْلَمُ: اللهُ أَعْلَمُ، إِنَّ اللهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} [ص: 86] إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا غَلَبُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ» . فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ أَكَلُوا فِيهَا الْعِظَامَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجَهْدِ، حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجُوعِ. قَالُوا {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 11] فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَادُوا. فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ، فَعَادُوا، فَانْتَقَمَ اللهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 11] إِلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16][انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح: 8/ 572]

ص: 223

‌باب {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)} [الدخان: 13]

الذِّكْرُ وَالذِّكْرى وَاحِدٌ.

4823 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَعَا قُرَيْشًا كَذَّبُوهُ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ» . فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ -يَعْنِي- كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى كَانُوا يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ فَكَانَ يَقُومُ أَحَدُهُمْ فَكَانَ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، ثُمَّ قَرَأَ:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)} [الدخان: 11،10] حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} [الدخان: 15] قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى يَوْمَ بَدْرٍ. [انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح: 8/ 573].

ص: 224

‌باب {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)} [الدخان:14]

4824

- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى قُرَيْشًا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ» . فَأَخَذَتْهُمُ السَّنَةُ حَتَّى حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْجُلُودَ -فَقَالَ أَحَدُهُمْ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ- وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَيْ مُحَمَّدُ، إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ فَدَعَا ثُمَّ قَالَ:«تَعُودُوا بَعْدَ هَذَا» . فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ ثُمَّ قَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10] إِلَى: {عَائِدُونَ} [الدخان: 15] أَيُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَةِ؟ فَقَدْ مَضَى الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَقَالَ أَحَدُهُمُ: الْقَمَرُ وَقَالَ الآخَرُ: الرُّومُ. [انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح: 8/ 573].

ص: 225

‌باب {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} [الدخان: 16]

4825 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: اللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ، وَالدُّخَانُ

(1)

. [انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح: 8/ 574].

(1)

تنبيه: هذِه الأحاديث لم يذكرها المصنف في الأصل، وقد أشار إليها أثناء شرحه لحديث رقم (4820، 4821).

ص: 226

(45) ومن سورة الجَاثِيَةِ

{جَاثِيَةً} [الجاثية: 28]: مُسْتَوْفِزِينَ عَلَى الرُّكَبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نَسْتَنْسِخُ} [الجاثية: 29]: نَكْتُبُ. {نَنْسَاكُمْ} [الجاثية: 34]: نَتْرُكُكُمْ.

هي مكية.

(ص)(مُسْتَوْفِزِينَ عَلَى الرُّكَبِ)

(1)

أي: من هول ذلك اليوم.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نَسْتَنْسِخُ}: نَكْتُبُ) هذا أخرجه عبد بن حميد، عن عمربن سعد، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح عنه

(2)

.

(ص)({نَنْسَاكُمْ}: نَتْرُكُكُمْ) أي: في النار

(3)

.

(1)

قاله مجاهد، ورواه عنه الطبري في "تفسيره" 11/ 265 (31213).

(2)

قلت: قد أخرج ابن أبي حاتم معناه عنه كما في "الفتح" 8/ 574.

(3)

روي ذلك عن ابن عباس كما في "تفسير ابن أبي حاتم" 10/ 2392، وبه قال أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 2/ 211.

ص: 227

[باب] قوله: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} الآيَةَ [الجاثية: 24]

4826

- حَدَّثَنَا الُحمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الُمسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ عز وجل: يُؤْذِينِي ابن آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ". [6181، 6182، 7491 - مسلم: 2246 - فتح: 8/ 574]

ذكر في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ تعالى: يُؤْذِينِي ابن آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أقلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ".

الشرح:

هذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم وأبو داود والنسائي

(1)

.

قيل: معناه: صاحب الدهر ومدبر الأمور المنسوبة إلى الدهور

(2)

.

وقيل: المعنى: إنكم تسبون الدهر؛ لما ينزل بكم، والفعل إنما هو لله، فمن سب الدهر لما يطوي عليه دخل في هذا الحديث، لا لما يرى من المنكر فيه، وكانت العرب إذا أصابتهم مصميبة يسبون الدهر، ويقولون عند ذكر موتاهم: أبادهم الدهر، ينسبون ذلك إليه، ويرونه الفاعل لهذِه الأشياء، ولا يرونها من قضاء الله وقدره، وأنه أزلي لا أول له، فأعلمهم الله أنه محدث، يقلب ليله ونهاره، لا فعل له،

(1)

أبو داود (5274)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 457 (11487).

(2)

قاله الخطابي في "أعلام الحديث" 3/ 1904.

ص: 228

إنما هو ظرف للطوارئ

(1)

.

وكان أبو بكر بن داود الأصبهاني

(2)

يرويه بفتح الراء من الدهر، منصوب على الظرف، أي: أنا طول الدهر، بيدي الأمر، وكان يقول: لو كان مضموم الراء لصار من أسماء الله تعالى، وقال القاضي عياض: نصبه بعضهم على التخصيص. قال: والظرف أصح

(3)

. وقال أبو جعفر النحاس: يجوز النصب، أي: بأن الله باق معهم أبدًا لا يزول

(4)

.

وأما ابن الجوزي فقال: هو باطل من وجوه:

أحدها: أنه خلاف أهل النقل، فإن المحدثين المحققين لم يضبطوها إلا بالضم، ولم يكن ابن داود من الحفاظ ولا من علماء النقل.

ثانيها: أنه ورد بألفاظ صحاح تبطل تأويله، وهي:"لا تقولوا: يا خيبة الدهر؛ فإن الله هو الدهر"

(5)

. أخرجاه.

(1)

قلت: وأحسن ما قيل في تفسيره -كما قال الحافظ ابن كثير- ما قاله الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من الأئمة: كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: يا خيبة الدهر. فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله، فكأنهم إنما سبّوا الله عز وجل؛ لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نهي عن سب الدهر بهذا الاعتبار؛ لأن الله هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال. قال ابن كثير: هذا أحسن ما قيل في تفسيره وهو المراد والله أعلم، وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى: أخذ من هذا الحديث!! "تفسير ابن كثير" 12/ 364.

(2)

ورد بهامش الأصل: هو أبو بكر بن داود بن علي بن خلف، وهو إمام أهل الظاهر، مشهور الترجمة.

(3)

"إكمال المعلم" 7/ 183.

(4)

"معاني القرآن" 6/ 429 - 430.

(5)

سيأتي برقم (6182) كتاب: الأدب، باب: لا تسبوا الدهر، ومسلم (2246/ 4) كتاب: الألفاظ من الأدب، باب: النهي عن سب الدهر.

ص: 229

ولمسلم: "لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر"

(1)

.

ثالثها: تأويله يقتضي أن تكون علة النهي لم تذكر؛ لأنه إذا قال: "لا تسبوا الدهر فأنا الدهر، أقلب الليل والنهار" وكأنه قال: لا تسبوا الدهر فأنا أقلبه. ومعلوم أنه يقلب كل شيء من خير وشر، وتقليبه للأشياء لا يمنع ذمها، وإنما يتوجه الأذى في قوله:"يؤذيني ابن آدم" على ما أشرنا إليه.

وقال القرطبي: أي: يخاطبني من القول بما يتأذى به من يصح في حقه التأذي، لا أن الله تعالى يتأذى؛ لأن التأذي ضرر وألم، والرب تعالى منزه عن ذلك، وهذِه توسعات يفهم منها أن من يعامل الله بتلك المعاملات تعرض لعقابه ومؤاخذته، ولا شك في كفر من نسب تلك الأفعال -يعني: الممدوحة والمذمومة- أو شيئًا منها للدهر حقيقة أو اعتقد ذلك، وأما من جرت على لسانه ولا يعتقد صحتها فليس بكافر، ولكنه تَشبَّه بأهل الكفر، وارتكب ما نهاه عنه الشارع، فليتب وليستغفر

(2)

.

(1)

مسلم (2246/ 5).

(2)

"المفهم" 5/ 547 - 548.

ص: 230

(46) ومن سورة الأَحْقَافِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تُفِيضُونَ} : تَقُولُونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَثَرَةٍ وَأُثْرَةٍ وَأَثَارَةٍ: بَقِيَّةُ عِلْمٍ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} : لَسْتُ بِأَوَّلِ الرُّسُلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {أَرَأَيْتُمْ} هذِه الأَلِفُ إِنَّمَا هِيَ تَوَعُّدٌ إِنْ صَحَّ مَا تَدَّعُونَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ:{أَرَأَيْتُمْ} : بِرُويَةِ العَيْنِ؛ إِنَّمَا هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَبَلَغَكُمْ أَنَّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ خَلَقُوا شَيْئًا.

هي مكية كما جزم به الثعلبي، وفيها آيتان مدنيتان قال:{أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ} قال ابن عباس: نزلت في ابن سلام وابن يامين النضري وعمير بن وهب.

وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} قال الكلبي: نزلت بالمدينة، {وَاْلَّذِينَ كَفَرُواْ} أسد وغطفان وحنظلة بن مالك، {وَاْلَّذِينَءَامَنُواْ} جهينة ومزينة وأسلم

(1)

، وقال مقاتل: قوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} نزلت بالمدينة، والأحقاف: رمال مستطيلة باليمن في حضر موت.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تُفِيضُونَ}: تَقُولُونَ) أسنده: ابن أبي حاتم، عن حجاج، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه

(2)

.

(ص)(أَثَرَةٍ وَأُثْرَةٍ وَأَثَارَةٍ: بَقِيَّةٌ من عِلْمٍ). هو قول أبي عبيدة

(3)

،

(1)

ذكره الماوردي في "تفسيره" 5/ 274.

(2)

ورواه الطبري 11/ 275 (31232).

(3)

"مجاز القرآن" 2/ 212.

ص: 231

وقال الحسن: الشيء يثار أي: يستخرج. وقال ابن عباس: هو الخط. ورفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

، وقال قتادة: خاصة من علم

(2)

، يقال: لفلان عندي أثرة وأثرة، أي: شيء أخصه به، ومنه: أثرت فلانًا على فلان، وقيل: خبر عن بعض الأنبياء، من أثرث الحديث

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} أي: لَسْتُ بِأَوَّلِ الرُّسُلِ) أسنده ابن المنذر، عن غيلان، عن ابن أبي صالح، عن معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عنه

(3)

.

(ص) (وقال غيره: {أَرَأَيْتُمْ} هذِه الألف إنما هي توعد إن [صح]

(4)

ما تدعون لا يستحق أن يعبد، وليس قوله:{أَرَأَيْتُمْ} ، برؤية العين، إنما هو: أتعلمون أبلغكم أن ما تدعون من دون الله خلقوا شيئا)؟!

قلت: وجواب الشرط محذوف، التقدير: إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين؟ ويدل على هذا المحذوف قوله: {إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .

(1)

رواه الطبري 11/ 272 (31223) موقوفًا، ورواه أحمد 1/ 226 مرفوعًا.

(2)

الطبري 11/ 272 (31225).

(3)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 4.

(4)

ليست بالأصل، والمثبت من "اليونينية".

ص: 232

[باب] قوله: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} الآية [الأحقاف: 17]

4827

- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ عَلَى الْحِجَازِ اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ، فَخَطَبَ فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ؛ لِكَىْ يُبَايِعَ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا، فَقَالَ: خُذُوهُ. فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْوَانُ إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} [الأحقاف: 17]. فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ اللهُ فِينَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِلاَّ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ عُذْرِي. [فتح: 8/ 576].

ذكر فيه حديث يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ عَلَى الحِجَازِ اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ، فَخَطَبَ فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ؛ لِكَى يُبَايعَ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا، فَقَالَ: خُذوهُ. فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هذا الذِي أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: 17]. فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الحِجَابِ: مَا أُنْزَلَ فِينَا شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ عُذْرِي.

أوضح هذا الإسماعيلي، فروى أن معاوية أراد أن يستخلف يزيدَ، فكتب إلى مروان، وكان على المدينة، فجمع مروان الناس فخطبهم وقال: إن أمير المؤمنين قد رأى رأيا حسنًا في يزيد، ودعا إلى بيعة يزيد، فقال عبد الرحمن: ما هي إلا هرقلية، إن أبا بكر والله لم يجعلها في أحد من ولده، ولا من أهل (بلده)

(1)

ولا من أهل بيته.

(1)

عليها في الأصل: كذا.

ص: 233

فقال مروان: ألست الذي قال الله فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} ؟ فقال عبد الرحمن: ألست ابن اللعين الذي لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فسمعتنا عائشة فقالت: يا مروان أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا والله ما أنزلت إلا في فلان بن فلان الفلاني، وفي لفظ: لو شئت أن أسميه سميته، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض، أي: قطعة من لعنة الله، فنزل مروان مسرعًا حتى أتى باب عائشة، فجعل يكلمها وتكلمه، ثم انصرف.

وفي لفظ: فقالت عائشة: كذب والله، ما نزلت فيه. ويبين ما أوردناه الشيءَ الذي قاله عبد الرحمن لمروان، وذكره أيضًا ابن التين فقال: الذي ذكر أنه قال له: أهرقلية؟ بيننا وبينكم ثلاث سبقن: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أهله من لو جعل الأمر إليه لكان أهلًا لذلك، فلم يفعل، وتوفي أبو بكر وفي أهله من لو جعل الأمر إليه لكان أهلًا، وكذلك عمر.

وقولها: (ما أنزل فينا شيئًا من القرآن، إلا أن الله أنزل عذري) تريد: في (بني)

(1)

أبي بكر، وأما أبو بكر فنزل فيه:{ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة: 40] وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح: 29] وقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] في آي كثيرة

(2)

.

(1)

في الأصل: (ابني) وكتب بهامشها (لعله: ابن) ولعل المثبت أنسب من كليهما للسياق.

(2)

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 8/ 577: وقد شغب بعض الرافضة فقال: هذا يدل على أن قوله {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} ليس هو أبا بكر. وليس كما فهم هذا الرافضي، بل المراد بقول عائشة:(فينا) أي: في بني أبي بكر، ثم الاستثناء من عموم النفي وإلا فالمقام يخصص والآيات التي في عذرها في غاية المدح لها. اهـ.

ص: 234

[باب] قوله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ} الآية [الأحقاف: 24]

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: العارض: السَّحَابُ.

4828 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَه، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. [6092 - فتح: 8/ 578].

4829 -

قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ. فَقَالَ:«يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24]» . [انظر: 3206 - مسلم: 899 - فتح: 8/ 578]

(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: العارض: السَّحَابُ) هذا أخرجه ابن المنذر، عن غيلان كما سلف، وهؤلاء هم قوم ثمود، فلما رأوا العذاب مستقبلًا لهم، مستقبل أوديتهم وأنهارهم استبشروا وقالوا: هذا عارض ممطرنا، أي: سحابة تمطر.

قال ابن هشام في "تيجانه": حبس الله القطر عن عاد أربع سنين فتلفت زروعهم وجناتهم، وأسرع الموت فيهم وفي البهائم فأمرهم ملكهم بالاستسقاء، فقصدوا إلى شيخ منهم يقال له: قيل، وكان خطيبًا، فقدموه وخرجوا يستسقون فلم يسقهم الله شيئًا، فشكوا إلى هود، فقال: إن الله يرسل عليكم ثلاث سحابات، فاختاروا لأنفسكم

ص: 235

ما شئتم، فلما أصبحوا رأوا ثلاث سحابات صفراء وحمراء وسوداء، فأقامت تلك السحب عليهم ثلاثة أيام متعلقة من جهة المغرب، فاتفق رأيهم علي السوداء، فلما أخبروا هودًا فأرسل الله عليهم من السوداء ريحًا صرصرًا حسمت الشجر ولوحت الزرع، ولم تدع منهم أحدًا في الثمانية الأيام المذكورة في القرآن العزيز إلا ميسعان بن عفير وبنوه الذين آمنوا معه، وإنهم لعلى الدنيا إلى يوم القيامة.

ثم ساق البخاري فقال: حَدَّثنَا أَحْمَدُ، ثنَا ابن وَهْبٍ، أبنا عَمْروٌ أَنَّ أَبَا النَضْرِ حَدَّئَهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا حَتَّى أَرى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ .. الحديث.

وأخرجه في بدء الخلق

(1)

والأدب أيضًا، ومسلم وأبو داود

(2)

.

وأبو النضر هذا اسمه: سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله وكاتبه.

وأحمد شيخ البخاري هو: أحمد بن عيسى المصري كما قاله أبو مسعود وخلف، وعرفه ابن السكن بأنه أحمد بن صالح المصري، وغلط الحاكم قول من قال: إنه ابن أحي ابن وهب. وقال ابن منده: كلما قال البخاري في "جامعه": حدئنا أحمد، عن ابن وهب. فهو ابن صالح، وإذا حدث عن ابن عيسى نسبه

(3)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: حاشية: يحرر هل أخرجه في بدء الخلق أم لا؟ [قلت: أخرجه فيه برقم (3206) بمعنى الشطر الثاني منه: كان النبي إذا رأى مخيلة في السماء .. ]

(2)

أبو داود (5098).

(3)

قلت: نسبه أحمد بن عيسء في رواية أبي ذر كما في هامش "اليونينية و"الفتح" 8/ 578.

ص: 236

و (لهواته) جمع لهاة: وهي اللحمة الحمراء المتدلية من الحنك الأعلى، وجمعها: لَهَوات ولُهى ولهيات.

وقولها: (عرفت الكراهة في وجهه) وهي من أفعال القلوب التي لا ترى، ولكنه إذا فرح القلب تبلج الجبين وإذا حزن أربد الوجه، فعبرت عن الشيء الظاهر في الوجه بالكراهية؛ لأنها ثمرتها، كما يعبر عن الشيء بثمرته، وهذا أحد قسمي المجاز.

ص: 237

(47) ومن سورة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

-

{أَوْزَارَهَا} : آثَامَهَا، حَتَّى لَا يَبْقَى إِلا مُسْلِمٌ. (عَرَّفَهَا): بَيَّنَهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} : وَلِيُّهُمْ. {عَزَمَ الْأَمْرُ} : جَدَّ الأَمْرُ. {فَلَا تَهِنُوا} : لَا تَضْعُفُوا. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {أَضْغَانَهُمْ} : حَسَدَهُمْ. {ءَاسِنٍ} : مُتَغَيِّرٍ.

وهي مدنية كما جزم به الثعلبي، وعزاه في "الكشاف" لمجاهد، وقال الضحاك وسعيد بن جبير: وهي سورة القتال

(1)

، وقال الضحاك والسدي: إنها مكية

(2)

. وعن ابن عباس وقتادة أن قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} نزلت بعد حجة النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، كذا حكاه ابن النقيب

(3)

، والذي في الثعلبي عن ابن عباس أنها نزلت حين خرج من مكة، وأنه التفت إلى مكة وقال:"أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إليَّ ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك"

فنزلت

(4)

. قال أبو العباس: ما حكي عن السدي الإجماع على خلافه؛ لأن هذِه السورة فيها ذكر القتال والمنافقين من أهل المدينة على أن في سياقة تفسير السدي لهذِه السورة بيانًا أنها مدنية.

(ص)({أَوْزَارَهَا}: آثَامَهَا، حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مُسْلِمٌ) اعترض ابن التين، فقال: قوله: آثامها لم يذكره أحد غيره والذي قيل: إنها

(1)

"الكشاف" 4/ 210.

(2)

"زاد المسير" 7/ 394.

(3)

ذكره الماوردي في "تفسيره" 5/ 290، وابن الجوزي في "زاد المسير" 7/ 394.

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 313 (31372) عن ابن عباس.

ص: 238

السلاح أو حتى ينزل عيسى. قلت: قد ذكره الثعلبي حيث قال أولًا: أي: أثقالها فلا يكون حرب. قال: وقيل: آثامها وإجرامها. فترتفع وتنقطع؛ لأن الحرب لا تخلو من الإثم في أحد الجانبين والفريقين. وقيل: حتى يضع الأعداء المحاربون أوزارها وآثامها بأن يتوبوا من كفرهم ويؤمنوا بالله ورسوله.

(ص)({عَرَّفَهَا}: بَيَّنَهَا): أي: بين لهم منازلهم حتى يهتدوا إلى مساكنهم، ودرجاتهم سكانها مذ خلقوا، وقيل: طيَّبها لهم. والعرف: الريح الطيبة.

(ص) ([وَقَالَ]

(1)

مُجَاهِدٌ: {مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} : وَليُّهُمْ) أي: ناصرهم وحافظهم. وقرأ ابن مسعود: (ولي الذين آمنوا)

(2)

.

(ص)({عَزَمَ اَلأَمْرُ}: جَدَّ الأَمْرُ) أي: وعزم عليه وأمروا بالقتال. وهذا من قول مجاهد وقد أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه

(3)

.

(ص)({فَلَا تَهِنُوْا}: لَا تَضْعُفُوا) هو كما قال: وقد عطف على قول مجاهد أيضًا.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {أَضْغَانَهُمْ}: حَسَدَهُمْ) أخرجه ابن المنذر، عن غيلان، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي، عنه

(4)

.

(ص)({ءَاسِنٍ}: متغير) قلت: وفيه القصر والمد.

(1)

ليست في الأصل، والمثبت من متن "اليونينية".

(2)

الطبري 11/ 312 (31369).

(3)

انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 599.

(4)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 54.

ص: 239

(ص){وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}

4830 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهَا: مَهْ. قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ. قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} . [7502،5987،4832،4831 - مسلم: 2554 - فتح: 8/ 579]

4831 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} [محمد: 22]. [انظر: 4830 - مسلم: 2554 - فتح: 8/ 580]

4832 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي الْمُزَرَّدِ بِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} [محمد: 22]» . [انظر: 4830 - مسلم: 2554 - فتح: 8/ 580]

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ .. " الحديث، وفي آخره: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اْقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} الآية.

ثم رواه بعد بلفظ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} " من طريق معاوية بن أبي المزرد، عن عمه أبي الحباب سعيد بن يسار، عن أبي هريرة به، وهو صدوق أخرج له مسلم أيضًا، وأخرجه في بدء الخلق

(1)

والأدب.

(1)

لم أجده في بدء الخلق، وكذلك لم يعزه إليه المزي في "التحفة" 10/ 76 (13382)

ص: 240

ومسلم والنسائي أيضًا

(1)

؟

وانفرد نافع بالكسر من (عسيتم)، والباقون على الفتح

(2)

، وقد حكى عبد الله بن مغفل أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها بكسر السين.

والرحم مشتقة من الرحمة، وهي عرض جعلت في جسم، ولذلك قامت وتكلمت، كما أسلفناه في الموت، ويجوز كما قال القاضي أن يكون المراد: قام ملك من الملائكة وتعلق بالعرش تكلم عن لسانها بهذا بأمر الله.

قال: ويجوز أن يكون قيامها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك، والمراد تعظيم شأنها وفضلية واصلها وعظيم إثم قاطعها بعقوقهم، وبهذا سمي العقوق قطعًا، والعق: الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل.

واختلف في الرحم التي يجب صلتها، كما قال القاضي، فقال بعضهم: هي كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما، فعلى هذا لا تجب في بني الأعمام وبني الأخوال؛ لجواز الجمع في النكاح دون المرأة وأختها وعمتها، وقيل: بل هذا في كل ذي رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث محرمًا كان أو غيره، وهذا هو الصواب؛ لقوله عليه السلام في أهل مصر:"فإن لهم ذمة ورحمًا"

(3)

، وقوله: "إن أبر البر أن

(1)

"سنن النسائي الكبرى" 6/ 461 (11497).

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 320، "الحجة" للفارسي 2/ 349، "الكشف" 1/ 303.

(3)

رواه مسلم (2543) كتاب: فضائل الصحابة، باب: وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر، من حديث أبي ذر.

ص: 241

يصل الرجل أهل ودِّ أببه"

(1)

مع أنه لا محرمية، وفيه دلالة على أن قطعها كبيرة.

والعائذ: المستعيذ وهو المعتصم بالشيء، الملتجئ إليه، المستجير به.

وحقيقة الصلة العطف والرحمة، وصلة الله عباده لطفه لهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أو صلتهم بأهل ملكوته وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته.

ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطعها معصية كبيرة، والأحاديث في الباب تشهد له، ولكن الصلة درجات، بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة دون غايتها لا يسمى قاطعًا ولو قصر عما قدر عليه، وينبغي له أن يسمى واصلًا

(2)

.

وفي حديث آخر: "الرحم شجنة من الرحمن"

(3)

وهي كما قال ابن سيده: الشعبة من الشيء وهي الرحم المشتبكة. والضم لغة فيه، وقيل: إنها الصهر

(4)

.

زاد صاحب "الباهر": فيها فتح الشين وكسر الجيم وأنها الرحم والقرابة المشتبكة المشبهة بغصن الشجر.

(1)

رواه مسلم برقم (2552/ 13) كتاب: البر والصلة، باب: فضلة صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما. من حديث ابن عمر.

(2)

"إكمال المعلم بفوائد مسلم" 8/ 19 - 21.

(3)

سيأتي برقم (5988) كتاب الأدب: باب من وصل وصله الله، من حديث أبي هريرة.

(4)

"المحكم" 7/ 177.

ص: 242

وقوله: ("فأخذت بحقوي الرحمن") في نسخة: بحقو، والحقو: معقد الإزار وجمعه أحق وأحقاء، وسمي الإزار (حقوًا)

(1)

للمجاورة، ولما جعل الله الرحم شجنة، أي: قرابة، شبه بذلك مجازًا واتساعًا، استعار لها الاستمساك به كما يستمسك القريب بقريبه، والنسيب نسيبه، والحقو فيه مجاز وتمثيل، ومنه قولهم: عذت بحقو فلان: إذا اعتصمت به أو استجرت.

فائدة:

صح أن صلة الرحم تنسأ في الأجل

(2)

، والأصح أن الزيادة معنوية بالبركة في عمره، أو بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ ويجوز ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الرب ما سيقع له من ذلك، وهو معنى قوله:{يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] وأبعد من قال: المراد: بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت.

(1)

من هامش الأصل وفوقها: لعله سقط.

(2)

سلف برقم (2067) كتاب: البيوع، باب: من أحب البسط في الرزق، ورواه مسلم (2557) كتاب: البر والصلة، باب: صلة الرحم وتحريم قطيعتها.

ص: 243

(48) ومن سورة الفَتْحِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} : السَّحْنَةُ. وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: التَّوَاضُعُ. {شَطْأَهُ} : فِرَاخَهُ {فَاسْتَغْلَظَ} : غَلُظَ. {سُوقِهِ} : السَّاقُ حَامِلَةُ الشَّجَرَةِ. وَيُقَالُ: {دَائِرَةُ السَّوْءِ} كَقَوْلِكَ: رَجُلُ السَّوْءِ. وَدَائِرَةُ السَّوْءِ: العَذَابُ. {وَتُعَزِّرُوهُ} : تَنْصُرُوهُ. {شَطْأَهُ} : شَطْءُ السُّنْبُلِ، تُنْبِتُ الحَبَّةُ عَشْرًا أَوْ ثَمَانِيًا وَسَبْعًا، فَيَقْوى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَذَاكَ قوله تعالى:{فَآزَرَهُ} : قَوَّاهُ، وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقُمْ على سَاقٍ، وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ خَرَجَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَوَّاهُ بِأَصْحَابِهِ، كَمَا قَوى الحَبَّةَ بِمَا يَنْبُتُ مِنْهَا.

هي مدنية، وقيل نزلت بين الحديبية والمدينة منصرفه من الحديبية أو بكراع الغميم.

والفتح صلح الحديبية (أي)

(1)

: فتح مكة.

(ص)([وقال] مجاهد: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ}: السَّحْنَةُ) أخرجه إسماعيل القاضي، عن نصر بن علي بن بشر بن عمر، عن الحكم، عنه. وفي النسخ الصحيحة قبل هذا: وقال مجاهد: (بورًا: هالكين)

(2)

{سِيمَاهُمْ}

إلى آخره. والسحناء بالمد، كذلك السحنة بالتحريك، وقد تسكن: الهيئة.

(1)

كذا بالأصل، ولعلها (أو).

(2)

وقع بالأصل: بوارها لكن. غير منقوطة، والصواب ما أثبتناه وهي رواية أبي ذر كما في هامش "اليونينية"، و"الفتح" 8/ 581.

ص: 244

(ص)(وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: التَّوَاضُعُ) رواه ابن أبي حاتم من طريق حميد، عن قيس عنه بزيادة: الخشوع والتواضع.

ومن طريق منصور عنه: الخشوع

(1)

. قلت: ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه، فقال: ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبًا من فرعون.

ورواه أيضًا عبد، عن منصور عنه: الخشوع. وعن عكرمة: هو أثر التراب، وعن الحسن: هو بياض في وجوهم يوم القيامة. وعن ابن جبير: بلل الوضوء وأثر الأرض. وقيل: من كثرة الصلاة. وقيل: أثر السهر وصفرة الوجه

(2)

. وقال مقاتل: السمت الحسن

(3)

والهدي.

(ص)({شَطْأَهُ}: فِرَاخَهُ. {فَاسْتَغْلَظَ}: غَلُظَ. [{سُوقِهِ}]: السَّاقُ حَامِلَةُ الشَّجَرَةِ) ما ذكره في أن شطأه: فراخه، هو كذلك، يقال: أشطأ الزرع فهو مشطئ إذا استفرخ.

وقوله: (غلظ) في {فَاسْتَغْلَظَ} هو كذلك، أي: غلظ وقوي، وسوقه: أصوله، كما ذكر. وقيل: في تفسير الآية من قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} إلى قوله: {وَرِضْوَانًا} في العشرة رضي الله عنهم.

(ص) ({دَائِرَةُ السَّوْءِ} : أي: العذاب والهلاك والدمار، وقرئ بفتح السين أيضًا

(4)

.

(ص)({وَتُعَزِّرُوهُ}: تَنْصُرُوهُ) قال عكرمة: يقاتلون معه بالسيف

(5)

،

(1)

عزاه لابن أبي حاتم ابن كثير في "تفسيره" 13/ 1331.

(2)

انظر هذِه الآثار في "تفسير الطبري" 11/ 375 - 372.

(3)

رواه الطبري لكن عن ابن عباس 11/ 370 (31621).

(4)

قرأها ابن كثير وأيو عمرو بضم السين، وباقي السبعة بالفتح. انظر:"الحجة" للفارسي 6/ 20.

(5)

رواه الطبري 11/ 337 (31472).

ص: 245

وقرئ بالزايين.

(ص)(شَطْأَهُ): شَطْءُ السُّنْبُلِ، تُنْبِتُ الحَبَّةُ عَشْرًا وثَمَانِيًا وَسَبْعًا، فَيَقْوى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فذلك قَوْلُهُ. {فَآزَرَهُ}: قَوَّاهُ، وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدةً لَمْ تَقُمْ على سَاقٍ، وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ خَرَجَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَوَّاهُ بِأَصْحَابِهِ، كَمَا قَوى الحَبَّةَ بِمَا يَنْبُتُ مِنْهَا). قد أسلف قبله الكلام على شطئه وقرئ (شطأه) بفتح الطاء، قال مالك في قوله:{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} : ليس لمن سبَّ الصحابة في الفيء نصيب، أي لمن يبغضهم، وأما ما شجر بينهم، فكل متأول.

ص: 246

‌1 - [باب] قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} [الفتح: 1]

4833 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلاً، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ سَأَلَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فُلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ، نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ. قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ. فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» . ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} . [الفتح: 1]. [انظر: 4177 - فتح: 8/ 582]

4834 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} [الفتح:1] قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ. [انظر: 4172 - فتح: 8/ 583]

4835 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سُورَةَ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا. قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَحْكِيَ لَكُمْ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَفَعَلْتُ. [انظر: 4281 - مسلم: 794 - فتح: 8/ 583]

ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ كان يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ سأَلَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ سأَلَهُ، فُلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ: ثكلتك أمك عُمَرَ، نَزَرْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ. قَالَ عُمَرُ:

ص: 247

فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيّ قُرْآنُ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصرُخُ بِي فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ. فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: "أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِي أَحَبُّ إلى مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ". ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} .

الكلام عليه من وجوه- بعد أن تعلم أنه أخرجه في المغازي وفضائل القرآن

(1)

، وأخرجه أيضًا الترمذي والنسائي

(2)

:

أحدها:

قال الدارقطني: رواه عن مالك، عن زيد، عن أبيه، عن عمر متصلًا محمد بن خالد بن عثمة، وأبو نوح عبد الرحمن بن غزوان وإسحاق الحُنَيني، ويزيد بن أبي حكيم، ومحمد بن حرب المكي، وأما أصحاب "الموطأ" فرووه عن مالك مرسلًا

(3)

.

وقال القابسي: قوله: (قال عمر: فحركت بعيري) إلى آخره يبين أن أسلم عن عمر رواه، ولما رواه البزار، عن محمد بن المثنى، عن ابن عثمة بلفظ قال: سمعت عمريقول، ثم قال: وثنا الفضل بن سهل، ئنا ابن غزوان، ثنا مالك، عن زيد، عن أبيه، عن عمر فذكره. قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، ولا نعلم حدث به عن زيد بن أسلم إلا مالكًا، ولا عن مالك إلا ابن عثمة وابن غزوان

(4)

.

(1)

سيأتي برقم (5012) كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل سورة الفتح.

(2)

"سنن الترمذي"(3262)، "سنن النسائي الكبرى" 6/ 461 (11499).

(3)

"علل الدارقطني" 2/ 146، وانظر:"الموطأ" ص 144.

(4)

"مسند البزار" 1/ 388 - 389 (264، 265).

ص: 248

قلت: قد سلف عنه غيرهما، ورواه أحمد في "مسنده" عن (أبي نوح قراد بن نوح)

(1)

، عن مالك، عن زيد، عن أبيه، عن عمر به

(2)

.

ثانيها:

هذا السفر كان ليلا كما سلف، وكان منصرفه عليه السلام من الحديبية لا خلاف فيه كما سلف في موضعه، فإن البخاري ساقه أيضًا هناك

(3)

.

والثكل: فقد الولد، يقال: ثكلت وأثكلت، كأنه دعا على نفسه بالموت؛ لسوء فعل أو قول توهم أنه وقع منه، ويجوز أن يكون ذلك مما جرى على لسانهم من غير قصد حقيقته.

ونزرت بنون مفتوحة، ثم زاي مخففة مفتوحة أيضًا، وقيل: مشددة، ثم راء ساكنة ومعنى التخفيف: ألححت عليه. قاله ابن فارس

(4)

والخطابي

(5)

، وقال مالك: راجعت. وقال ابن وهب: أكرهته

(6)

، أي: أتيته ما يكره من سؤالي، فأراد المبالغة. والنزر: القلة، ومنه: أكثر النزور هطلة الماء. قال أبو ذر: سألت من لقيت من العلماء أربعين سنة فما أجابوا إلا بالتخفيف، وكذا ذكره ثعلب وأهل اللغة

(7)

. وبالتشديد ضبطه الأصيلي وكأنه على المبالغة، وقال الداودي: نزرت، قللت كلامه إذ سألته فيما لا يحب أن يجيب فيه.

(1)

هكذا بالأصل، وإنما هو أبو نوح عبد الرحمن بن غزوان، المعروف بقُرَاد. انظر ترجمته في:"تهذيب الكمال" 17/ 335 (3927).

(2)

"مسند أحمد" 1/ 31.

(3)

سلف برقم (4177) كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية.

(4)

"مجمل اللغة" 3/ 864 مادة: (نزر).

(5)

"أعلام الحديث" 3/ 1732.

(6)

"التمهيد" 3/ 269.

(7)

انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3549، "المحكم" 9/ 24.

ص: 249

وفيه: أن الجواب ليس لكل الكلام بل السكوت جواب لبعضه، ولعل عمر كرر السؤال لشيء أهمه، والشارع أعلم بما يسكت عنه ويجيب فيه، لكنه إنما سكت لاستغنائه بما أنزل عليه من الوحي.

وقوله: (فما نشبت) هو بكسر الشين أي: لبثت.

ثالثها:

قوله: ("لهي أحب") إلى آخره؛ بسبب ما بشرته من المغفرة والفتح وفاضل بين المنزلة التي أعطيها وبين ما طلعت عليه الشمس وليس بينهما في الحقيقة مفاضلة، نعم هو مثل قوله:{أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا} [مريم: 73] و {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24].

وفي الحديث في وصف الحور: "ولنصيفها خير من الدنيا"

(1)

، وقد يجاب أيضًا أنه إنما جاء على ما استقر في النفوس من قصد الدنيا، لكن الآخرة هي المقصودة حقيقة، وقال ابن بطال: معناه أن تكون هي أحبُّ إلي من كل شيء؛ لأن لا شيء إلا الدنيا والأخرى، فأخرج الخبر عن ذكر الشيء بذكر الدنيا، إذ لا شيء سواها إلا الآخرة

(2)

.

ثم ساق البخاري حديث أَنسٍ رضي الله عنه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} [الفتح: 1]: قَالَ: الحُدَيْبِيَةُ. قد طوله هناك، وسلف الخلاف فيه، وعلى قول أنس أهل التفسير. وادعى الداودي أن الأكثر على أنه فتح مكة.

ثم ساق أيضًا حديث عبد الله بن مغفل -بالغين المعجمة- قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سُورَةَ الفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا. قَالَ مُعَاوِيَةُ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَحْكِيَ لَكُمْ قِرَاءَةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَفَعَلْتُ.

(1)

سلف برقم (2796) كتاب: الجهاد والسير، باب: الحور العين وصفتها من حديث أنس.

(2)

"شرح ابن بطال" 10/ 250.

ص: 250

معنى رجَّع: ردد القراءة، وقيل: تقارب ضروب الحركات في الصوت، وقد بينه في موضع آخر، وقيل: كان ترجيعه قال: آا آا آا

(1)

. زاد في "الإكليل": لولا أن يجتمع الناس لقرأتُ بذلك اللحن الذي قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

وزعم بعضهم أن هذا إنما كان منه لأنه كان راكبًا فجعلت الناقة تحركه فحصل له الترجيع، وهو محمول على إشباع المد، وكان عليه السلام حسن الصوت إذا قرأ مدَّ ووقف على الحروف، ويقال: ما بعث نبي إلا حسن الصوت، وقام الإجماع على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها كما نقله القاضي

(3)

. قال أبو عبيد: والأحاديث الواردة في ذلك محمولة علي التحزين والتشويق

(4)

.

واختلف في القراءة بالألحان، فكرهها مالك والجمهور

(5)

؛ لخروجها عما جاء به القرآن من الخشوع والتفهم، وأباحها أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث؛ ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية، وإقبال النفوس على استماعه

(6)

. وقال الشافعي

(7)

: أكره القراءة بالألحان، وقال في موضع آخر: لا أكرهها، فجمع أصحابه بينهما، فالأول: إذا شطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص، أو مد

(1)

سيأتي برقم (7540) كتاب: التوحيد، باب: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه.

(2)

رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" صلى الله عليه وسلم 159.

(3)

"إكمال المعلم بفوائد مسلم" 3/ 161، وانظر:"النهاية في غريب الحديث" 2/ 202.

(4)

"فضائل القرآن" ص 164.

(5)

"المدونة" 3/ 379.

(6)

انظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" 1/ 91.

(7)

انظر: "روضة الطالبين" 11/ 227.

ص: 251

غير ممدود، أو أدغم ما لا يجوز إدغامه ونحو ذلك، والثاني: إذا لم يكن فيها تغيير لموضع الكلام. قال مالك: ينبغي أن تنزه أذكار الله وقراءة القرآن العظيم عن التشبيه. بأحوال المجون والباطل، فإنها حق وجد وصدق، والغناء هزو ولهو ولعب.

وصححه القرطبي؛ لأن كيفية القراءة قد بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ إلى الشارع وليس فيها تطريب ولا تلحين مع كثرة المتعمقين والمتنطعين في مخارج الحروف، وفي المد والإدغام والإظهار وغير ذلك، وهذا قاطع، ولأن التطريب والترجيع يؤدي إلى الزيادة في القرآن أو النقص منه، وهما ممنوعان، والمؤدي إليهما ممنوع، وبيانه أن التطريب والتلحين من ضرورته المد في موضعه والنقص مراعاة للوزن، كما هو معلوم عند أهله، ولأنه أيضًا يؤدي إلى تشبيه القرآن بالشعر، وقد نزهه الله عنه كما قال {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} [الحاقة: 41]

(1)

.

(1)

"المفهم" 2/ 421 - 422.

ص: 252

‌2 - [باب] قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} الآية [الفتح: 2]

4836 -

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ أَنَّهُ سَمِعَ الْمُغِيرَةَ يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ!! قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» ؟ [انظر: 1130 - مسلم: 2819 - فتح: 8/ 584]

4837 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ سَمِعَ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟» . فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ، فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ. [انظر: 1118 - مسلم: 731، 2820 - فتح: 8/ 584]

ذكر فيه حديث زياد -هو ابن علاقة- أَنَّهُ سَمِعَ المُغِيرَةَ بن شعبة يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ: قد غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ!! قَالَ: "أَفلَا أَكونُ عَبْدًا شَكُورًا"؟

وحديث أبي الأسود -وهو محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة- سَمِعَ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنه عليه السلام كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هذا يَا رَسُولَ اللهِ .. الحديث، وقال:"أَفلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ ". فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ، فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ.

سلفا في قيام الليل، وتورمت نحو تتفطر في الباب، يقال: ورم يرم

ص: 253

إذا ربا، وهو فعل يفعل، نادر، شاذ، وأنكر الداودي قوله:(فلما كثر لحمه صلى جالسًا)، وقال إنما في الحديث: فلما بدن

(1)

، يعني: كبر، وهذا في رسم الخط يقع على أخذ اللحم وعلى الكبر، فرواه بعضهم على ما يحتمل من التأويل، ونقل غيره: لما كبر وسمن مثل ما هنا ومن صفاته أنه لما كبر سمن. وقال ابن الجوزي: لم يصفه أحد بالسمن أصلًا، ولقد مات وما شبع من خبز الخمير في يوم مرتين، وأحسب أن بعض الرواة روى قولها:(بدن) ظنه كثر لحمه، وأن قومًا ظنوا ذلك، وليس كذلك. فإن أبا عبيد قال: بدن الرجل يبدن: إذا أسن، فيحتمل أن يكون المعنى: لما ثقل عليه حمل لحمه وإن كان قليلًا طعن في السن

(2)

.

فائدة:

صلاته صلى الله عليه وسلم جالسًا كصلاته قائمًا -كما ثبت في "صحيح مسلم" من حديث عبد الله بن عمرو

(3)

.

وفي الحديث: الأخذ بالشدة في العبادة وإن أضر ذلك بدنه، وذلك له حلال مع جواز أخذه بالرخصة، ألا ترى إلى قوله:"أفلا أكون عبدًا شكورًا" نبه على ذلك المهلب

(4)

.

وفيه أيضًا أن لمطيق القيام أن يجلس، فإنه يجلس في بعض الركعة

(1)

رواه مسلم برقم (732/ 117) كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز النافلة قائمًا وقاعدًا، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(2)

"غريب الحديث" 1/ 96.

(3)

رواه مسلم برقم (735) كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز النافلة فائمًا وقاعدًا ..

(4)

انظر: "شرح ابن بطال" 3/ 121.

ص: 254

ويقوم في بعضها، ومذهب ابن القاسم أن من ابتدأ قائمًا له الجلوس

(1)

، وخالفه أشهب

(2)

.

وفي الآية المذكورة أقوال للمفسرين:

منها: أن المراد بذلك أمته، أو لو وقع ذلك لغفر.

ومنها: قول مجاهد: ما قبل الرسالة وما بعدها

(3)

.

ومنها: قول الطبري: المتقدم: قوله يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذِه العصابة لا تعبد في الأرض أبدًا"

(4)

. فأوحي إليه: من أين تعلم ذلك، والمتأخر: رميه بالحصى يوم حنين وقال: "لو لم أرمهم لم ينهزموا". فنزلت: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [الأنفال: 17]

(5)

.

(1)

"المدونة" 1/ 77.

(2)

"النوادر والزيادات" 1/ 259.

(3)

ذكره الماوردي بنحوه في "تفسيره" ولم يسنده لأحد 5/ 310.

(4)

رواه مسلم برقم (1763) كتاب: الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم.

(5)

انظر "تفسير القرطبي" 16/ 263.

ص: 255

‌3 - [باب] قوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الفتح: 8]

4838

- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)} [الفتح: 8] قَالَ: فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا. [انظر: 2125 - فتح: 8/ 585]

ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصي رضي الله عنهما أَنَّ هذِه الآيَةَ التِي فِي القُرْآنِ {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)} [الفتح: 8] قَالَ: فِي التَّوْرَاةِ: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشَرًا ونذيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المُتَوَكَلَ لَيْسَ بِفَظ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّاب بِالأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ ولكن يَعْفُو ويصفَحُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إله إِلَّا اللهُ. فَيَفْتَحَ به أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا.

الشرح:

الشاهد هو المبين؛ لأنه يبين الحكم، فسمي شاهدًا لمشاهدته المآل والحقيقة، فكأنه الناصر بما شاهد، ويشهد عليهم أيضًا بالتبليغ وبأعمالهم من طاعة ومعصية، وبين ما أرسل إليهم، وأصلها الإخبار

ص: 256

بما شوهد. وعن قتادة: شاهدًا على أمته وعلى الأنبياء، ومبشرًا بالجنة لمن أطاعه

(1)

.

ونذيرًا أي: من النار، أصله الإنذار، وهو التحذير. والمتوكل: هو الذي يكل أمره إلى الله.

فصل:

هذا الحديث أخرجه هنا عن عبد الله، وهو ابن مسلم كما صرح به ابن السكن. وأخرجه في البيوع عن محمد بن سنان، وقال أبو مسعود: عبد الله الذي لم ينسبه، يقال: إنه ابن رجاء، وقال بعضهم: هو ابن صالح. والحديث عندهما عن الماجشون، ونقل ما أسلفنا عن ابن السكن الجيانيُّ وقال: إنه ضعيف. والذي عندي أنه عبد الله بن صالح كاتب الليث، على أن الحاكم قطع أن البخاري لم يخرج في "صحيحه" عنه شيئًا

(2)

.

(1)

رواه الطبري 11/ 337 (31467).

(2)

"تقييد المهمل" 3/ 993 - 994، هذا وقد ورد بهامش الأصل: ذكر المزي في "التهذيب" هذا المكان، وذكر الاختلاف في عبد الله هذا ثم قال: وأولى هذِه الأقوال بالصواب قول من قال: إنه كاتب الليث، ثم علله، والله أعلم.

ص: 257

‌4 - [باب] قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} [الفتح: 4]

4839

- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ، وَفَرَسٌ لَهُ مَرْبُوطٌ فِي الدَّارِ، فَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، وَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ» . [انظر: 3614 - مسلم: 795 - فتح: 8/ 586]

ذكر فيه حديث البَرَاءِ رضي الله عنه: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ وله فَرَسٌ مَرْبُوطٌ فِي الدَّارِ، فَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شيْئًا، وَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ".

ويأتي في فضائل القرآن، في فضل سورة الكهف

(1)

، وأخرجه أيضًا مسلم والترمذي والنسائي

(2)

، وهذا الرجل هو أسيد بن حضير -كما جاء في رواية أخرى- وأنها سورة الكهف

(3)

.

وفيه: أنها جسم، وعلقه البخاري من حديث أبي سعيد أيضًا، وأنه قرأ البقرة وفي آخره: فقال عليه السلام: "وتدري ما ذاك؟ تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها" وأسنده النسائي

(4)

، وزعم بعضهم تعدد الواقعة، ويحتمل أنه قرأهما كلتيهما، أو أن الراوي ذكر المهم وهو نزول الملائكة، وهي السكينة.

(1)

سيأتي برقم (5011).

(2)

"سنن الترمذي"(2885)، "السنن الكبرى" للنسائي 6/ 462 - 463 (11503).

(3)

سياتي برقم (5011).

(4)

سيأتي برقم (5018) باب: نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن، ووصله النسائي في "الكبرى" 5/ 13 (8016).

ص: 258

‌5 - [باب] قوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 8]

4840

- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. [انظر: 3576 - مسلم: 1856 - فتح: 8/ 587]

4841 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ صُهْبَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ: إِنِّي مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ، نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَذْفِ. [5479. 6220 - مسلم: 1954 - فتح: 8/ 587]

4842 -

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيِّ فِي الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ. فتح: 8/ 587]

4843 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ. [انظر: 1363 - مسلم:110 - فتح: 8/ 587]

4844 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْأَلُهُ فَقَالَ: كُنَّا بِصِفِّينَ فَقَالَ رَجُلٌ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ. فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ -يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُشْرِكِينَ- وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟! قَالَ: «بَلَى» . قَالَ: فَفِيمَ أُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا. فَقَالَ:«يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ أَبَدًا» . فَرَجَعَ مُتَغَيِّظًا، فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى جَاءَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَنْ

ص: 259

يضَيِّعَهُ اللهُ أَبَدًا. فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ. [انظر: 3181 - مسلم: 1785 - فتح: 8/ 587].

ذكر فيه حديث جابر رضي الله عنه كُنَّا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. وقد سلف، وقيل: وخمسمائة، وقيل: وثلاثمائة كما سلف هناك أيضًا.

ثم ذكر عن عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، أي: بالغين المعجمة، المُزَنِيِّ: فيمن شَهِدَ الشَّجَرَةَ، نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الخَذْفِ.

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ: فِي البَوْلِ فِي المُغْتَسَلِ يأخذ منه الوسواس.

أما حديث نهيه عن الخذف فسيأتي في الأدب أيضًا. قال الليث: الخذف: رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك أو بين إبهامك والسبابة، وعبارة ابن فارس: خذفت الحصاة إذا رميتها بين إصبيعك

(1)

.

وأما حديث نهيه عن البول في مستحمه، ثم يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس منه، قال الترمذي: حديث غريب

(2)

، واستدركه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وذكر له شاهدًا

(3)

، وأعله عبد الحق كما بين ابن القطان وهمه فيه

(4)

.

قلت: وفي سنده أشعث بن عبد الله الحداني، وثقه النسائي وغيره

(5)

، وأورده العقيلي في "الضعفاء"، وقال: وفي حديثه وهَم، ثم ذكر له هذا الحديث

(6)

.

(1)

"مجمل اللغة" 1/ 281.

(2)

الترمذي برقم (21).

(3)

"المستدرك" 1/ 167.

(4)

"بيان الوهم والإيهام" 2/ 571 (582).

(5)

انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 273.

(6)

"الضعفاء" 1/ 29.

ص: 260

وقد روي موقوفًا، وادعى بعض الحفاظ أنه أصح وكره جماعات من الصحابة فمن بعدهم البول في المغتسل، منهم ابن مسعود، حتى قآل عمران

(1)

: من بال في مغتسله لم يطهر، وعن ليث بن أبي سليم، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما طهر الله رجلًا يبول في مغتسله

(2)

، ورخص فيه ابن سيرين وغيره.

وروى ابن ماجه، عن علي بن محمد الطنافسي قال: إنما هذا في الحفيرة، وأما اليوم فمغتسلاتهم بجص وصاروج -يعني: النورة، وأخلاطها- والمقير، فإذا بال وأرسل عليها الماء فلا بأس

(3)

. وكذا قال الخطابي عن مغتسل يكون جددًا صلبًا، ولم يكن له مسلك ينفذ فيه البول

(4)

، ويروى عن عطاء: إذا كان يسيل فلا بأس

(5)

. وعن ابن المبارك: وقد وسع في البول فيه إذا جرى فيه الماء. وقال به أحمد في رواية واختيرت

(6)

.

وروى الثورى، عمن سمع أنس بن مالك يقول: إنما كره مخافة اللمم

(7)

، وعن أفلح بن حميد قال: رأيت القاسم بن محمد يبول في مغتسله، وأغرب ابن التين فقال: قوله في البول يريد نهيه عليه السلام عن البول في الماء الدائم الذي يغتسل فيه.

(1)

في الأصل تُشبه أن تكون (عمر إن) والمثبت من مصادر التخريج.

(2)

انطر هذِه الآثار في "مصنف عبد الرزاق" 1/ 255 - 256، "مصنف ابن أبي شيبة"

(3)

ابن ماجه برقم (304).

(4)

"معالم السنن" 1/ 20.

(5)

"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 105 (1194).

(6)

"المغني" 1/ 56.

(7)

"مصنف عبد الرزاق" 1/ 255 (979).

ص: 261

وذكر عن ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ. وهذا سلف هناك أيضًا.

ثم ذكر حديث ابن أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْأَلُهُ فَقَالَ: كُنَّا بِصفِّينَ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ يَدعونَ إِلَى كِتَابِ اللهِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ. فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: اْتَّهِمُوا رأيكم.

فذكره في المغازي والجزية والاعتصام

(1)

، وأخرجه مسلم والنسائي

(2)

.

و (يَدْعون) -بفتح أوله- كذا الرواية. وكأن هذا الرجل لم يرد التلاوة.

وقول سهل: (اتهموا رأيكم). يريد: أن الإنسان قد يرى رأيا، والصواب غيره، والمعنى: لا تعلموا بآرائكم يعني: مضي الناس إلى الصلح بين علي ومعاوية، وذلك لأن سهلًا ظهر له من أصحاب علي كراهة التحكيم.

قوله: (فلم يصبر حتى جاء أبا بكر). قال الداودي: وليس بمحفوظ، إنما كلَّم أبا بكر ثم كلَّم النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

سلف برقم (4189) في المغازي، وسيأتي برقم (7308) في الاعتصام.

(2)

"السنن الكبرى" 6/ 463 (11504).

ص: 262

(49) ومن سُورَة الحُجُرَاتِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا تُقَدِّمُوا} : لَا تَفْتَاتُوا على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَقْضيَ اللهُ عَلَى لِسَانِهِ. {امْتَحَنَ} : أَخْلَصَ. {تَنَابَزُوا} : يُدْعَى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلَامِ. {يَلِتْكُمْ} : يَنْقُصْكُمْ، أَلَتْنَا نَقَصْنَا

(ص)(وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله على لسانه) هذِه السورة مدنية، ونزلت بعد المجادلة، وقبل التحريم كما قاله السخاوي

(1)

والحجرات بضم الجيم وفتحها، ويجوز إسكانها ولم يقرأ به كما قاله الزجاج.

وهذا الأثر رواه ابن المنذر من حديث ابن جريح

(2)

. وقال ابن عباس: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة

(3)

. وقال الضحاك: لا تقضوا الله ورسوله من شرائع دينكم

(4)

. وقراءة العامة بضم التاء وكسر الدال، وقرأ يعقوب بفتحها من التقدم، والأول من التقديم، ولا يؤخذ من هذا امتناع تعجيل الزكاة على الوجوب؛ لثبوته بالنص، ولا يحسن تأويله على الخصوصية بالقياس على سد الحاجة. وقال الحسن: ذبح قوم قبل صلاة يوم النحر فأمرهم أن يعيدوا، ونزلت

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 9.

(2)

رواه ابن المنذر كما في "الدر المنثور" 6/ 86، ورواه أيضًا البيهقي في "الشعب" 2/ 195 (1516) من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد.

(3)

رواه الطبري في "التفسير" 11/ 377 (31657)، وأبو نعيم في "الحلية" 10/ 398.

(4)

رواه الطبري بنحوه في "التفسير" 11/ 378 (31662)، والبغوي في "تفسيره" 7/ 334 بلفظ: يعني في القتال وشرائع الدين لا تقضوا أمرًا دون الله ورسوله.

ص: 263

هذِه الآية

(1)

وذكر قول البخاري بعدُ: أنها نزلت في أبي بكر وعمر لما تماريا حتى ارتفعت أصواتهما.

(ص)({امْتَحَنَ}: أَخْلَصَ) أي: امتحن قلوبكم فوجدها خالصة، يقال: امتحنت الذهب والفضة: خلصتهما. وقيل: اختبر.

(ص)({تَنَابَزُوا}): يُدْعَى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلَامِ) قلت: وكذلك إذا تداعوا بالألقاب.

(ص)({يَلِتْكُمْ}: يَنْقُصْكُمْ) أي: من أعمالكم شيئًا. (ألتناهم): نقصناهم، وقرأه أبو عمرو بالألف والباقون بحذفها من لات يليت ليتًا

(2)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 378.

(2)

انظر: "الحجة" للفارسي 6/ 210، "الكشف" 2/ 284.

ص: 264

[باب] قوله: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآيَةَ

{تَشْعُرُونَ} : تَعْلَمُونَ، وَمِنْهُ الشَّاعِرُ.

4845 -

حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا -أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ- رضي الله عنهما رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ -قَالَ نَافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلَافِي. قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآيَةَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ، يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ.

4846 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَس، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ. كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ مُوسَى: فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .

ثم ساق فيه حديثين:

أحدهما:

حديث نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا: أبو بكر وعمرُ، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ

ص: 265

عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِع، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُل آخَرَ -قَالَ نَافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي. قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآيَةَ. قَالَ ابن الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هذِه الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ، يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ.

الكلام عليه من وجوه، وقد أخرجه في المغازي والاعتصام

(1)

، وأخرجه الترمذي والنسائي

(2)

:

أحدها:

قوله آخرًا: (قال ابن الزبير) يعلمك أن ابن أبي مليكة يرويه عنه، وبه ظهر اتصاله، فإنه لم يسمعهما -أعني: الخيرين- لصغر سنه عنه. وفي رواية أخرى -ذكرها بعد- من طريق ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبرهم، فذكره

(3)

.

ثانيها:

(الخيران): بالخاء المعجمة، وتجوز بالمهملة

(4)

أيضًا. و (يهلكا) قد أسلفناه بإثبات أن.

(1)

سلف في المغازي برقم (4367)، باب: وفد بني تميم، وسيأتي في الاعتصام برقم (7302)، باب: ما يكره من التعمق والتنازع في العلم.

(2)

الترمذي (3266)، والنسائي 8/ 226.

(3)

سيأتي قريبًا برقم (4847).

(4)

قلت: نقل العيني ذلك عن المصنف ثم قال معقبًا: أراد (الحبر) بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وهو العالم. "عمدة القاري" 16/ 27.

ص: 266

وقال ابن التين: وقع بغير نون، ونصبه بتقدير أن، قال: وهي ثابتة عند أبي ذر.

وقوله: (ولم يذكر ذلك عن أبيه -يعني: أبا بكر) فيه أن الجد للأم يسمى أبًا؛ قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:22] والجد للأم داخل في ذلك. وأغرب بعض الشراح فقال: يحتمل أنه أراد أبا بكر عبد الله بن الزبير بن العوام، أو أبا بكر عبد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، فإن أبا مليكة له ذكر في الصحابة

(1)

عند أبي عمر وأبي نعيم، وقال أبو عمر: فيه نظر

(2)

.

ثالثها:

الرجل الآخر هو القعقاع، وهو الذي أشار به الصديق -كما صرح به بعد في الرواية الأخرى، فقال أبو بكر: أمر القعقاع، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس. وهو: ابن معبد بن زرارة بن عديس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم. وقال الكلبي في "جامعه""أنساب العرب": كان يقال له لسخائه: تيار الفرات. قال ابن التين: وكان أرق من الأقرع؛ فلهذا أشار به الصديق.

رابعها:

جاء في رواية أنه لما نزلت الآية قال أبو بكر: والله لا أكلمك

(1)

قلت: عقب على ذلك الحافظ قائلًا: وهذا بعيد عن الصواب، بل قرينة ذكر عمر ترشد إلى أن مراده أبو بكر الصديق. ثم ساق روايات دالة على ذلك، انظر:"الفتح" 8/ 591 - 592.

(2)

"الاستيعاب" 4/ 324 - 325 (3216) وأبو مليكة هو زهير بن عبد الله بن جدعان القرشي، ولم يذكره أبو نعيم في "معرفة الصحابة" إنما ذكر اثنين: أبو مليكة الذماري، وأبو مليكة الكندي. انظر:"معرفة الصحابة" 6/ 3021.

ص: 267

يا رسول الله إلا كأخي السرار

(1)

، فكان بعد لا يبين كلامه له حتى يستفهمه.

ولا شك أن رفع الصوت عليه فوق صوته حرام لهذِه الآية، وما ثبت في "الصحيح" أن عمر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه عالية أصواتهن

(2)

، فيحتمل أن يكون قبل النهي، أو أن يكون علو الصوت بالهيئة الاجتماعية لا بانفراد كل منهن. ومعنى قوله:{وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} لا تخاطبوه: يا محمد، يا أحمد، ولكن يا نبي الله، يا رسول الله؛ تكريمًا له وتوقيرًا، وقيل:{له} ، أي: عليه. {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} الكاف كاف التشبيه في محل النصب، أي: لا تجهروا له جهرًا مثل جهر بعضكم لبعض.

وفيه دلالة أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقًا حتى لا يشرع لهم أن يكلموه إلا بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، وكره بعضهم رفع الصوت عند قبره، وبعضهم رفع الصوت في مجالس العلماء؛ تشريفًا لهم، إذ هم ورثة الأنبياء.

الحديث الثاني:

حديث ابن عَوْنٍ أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ أنه عليه السلام افْتَقَدَ ثَابِتَ ابْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا شَانُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ. كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.

(1)

رواها البيهقي في "الشعب" 2/ 197 (1521)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 462، وستأتي في البخاري (7302)، بلفظ مقارب.

(2)

سلف برقم (3294) كتاب: بدء الوحي، باب: صفة إبليس وجنوده، ورواه مسلم (2396) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه.

ص: 268

فَأَتَى الرَّجُلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ مُوسَى: فَرَجَعَ إِلَيْهِ المَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وإنك مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

كذا هو عند البخاري عن علي بن عبد الله، ثنا أزهر بن سعد، أنا ابن عون. وكذا أخرجه في المغازي

(1)

، وأخرجه مسلم والنسائي من حديث حماد بن سلمة وجعفر بن سليمان وسليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه

(2)

. ورواه أبو نعيم، عن سليمان بن أحمد، عن عبد الله بن أحمد، عن يحيي بن معين، عن أزهر بن سعد، أنا ابن عون، عن ثمامة بن أنس، ثم قال: لا أدري من الواهم؟ وعند مسلم: فكنا نراه -يعني: ثابتًا- يمشي بين أظهرنا رجلًا من أهل الجنة

(3)

.

ثانيها:

جاء في غير هذا الموضع: نهانا الله أن نرفع أصواتنا وأنا جهير الصوت، ونهينا عن الخيلاء وأنا أحب الجمال، ونهينا عن الحسد، وما أحب أن يفوتني

(4)

أحد بشسع نعلي، فقال له عليه السلام: "أما ترضى

(1)

سلف برقم (3613) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة.

(2)

مسلم (119) كتاب: الإيمان، باب: مخافة المؤمن أن يحبط عمله، والنسائي في "الكبرى" 5/ 63 - 64 (8227)، 6/ 465 (11513) من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس.

(3)

مسلم (119/ 188).

(4)

كذا في الأصل، وعلم فوقها: كذا، وكتب بهامشها: لعله: يفوقني.

ص: 269

أن تعيش حميدًا وتموت شهيدًا وتدخل الجنة؟ " فقتل فيمن خرجوا إلى مسيلمة

(1)

، فكان هو على الأنصار، وخالد بن الوليد على الجيش كله

(2)

.

ثالثها:

البشارة -بكسر الباء- إذا أطلقت تكون للخير بخلاف النذارة. وفقهه سلف في الحديث قبله.

رابعها:

جاء في مسلم: أنه لما نزلت هذِه الآية جلس ثابت بن قيس في بيته فقال: أنا من أهل النار، واحتبس عن رسول صلى الله عليه وسلم، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وساق الحديث، وينبغي أن تعلم أن هذِه الآية نزلت في بني تميم في المحرم سنة تسع، وقتل سعد في الخندق سنة خمس. قلنا كل ذلك.

(1)

رواه الطبراني 2/ 67 (1313)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 234، وابن حبان 11/ 251 - 126 (7167) كلهم من طريق محمد بن ثابت الأنصاري.

(2)

رواه البيقهي في "السنن" 8/ 334 من حديث عروة بن الزبير.

ص: 270

[باب] قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} الآية

4847 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ. وَقَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَى -أَوْ: إِلاَّ- خِلَافِي. فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللهِ وَرَسُولِهِ} حَتَّى اْنْقَضَتِ الآيَةُ. [انظر: 4367 - فتح: 8/ 592].

ذكر فيه حديث ابن أبى مليكة السالف.

ص: 271

(50) ومن سورة ق

{رَجْعٌ بَعِيدٌ} : رَدٌّ. {فُرُوجٍ} : فُتُوقٍ، وَاحِدُهَا: فَرْجٌ، وَرِيدٌ فِي حَلْقِهِ، الحَبْلُ: حَبْلُ العَاتِقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ} : مِنْ عِظَامِهِمْ. {تَبْصِرَةً} : بَصِيَرةً {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} : الحِنْطَةُ. {بَاسِقَاتٍ} : الطِّوَالُ {أَفَعَيِينَا} : أَفَأَعْيَا عَلَيْنَا. {وَقَالَ قَرِينُهُ} : الشَّيْطَانُ الذِي قُيّضَ لَهُ. {فَنَقَّبُوا} : ضَرَبُوا. {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} : لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ. {رَقِيبٌ عَتِيدٌ} : رَصدٌ. {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} : المَلَكَانِ كَاتِبٌ وَشَهِيدٌ. {شَهِيدٌ} : شَاهِدٌ بِالْقَلْبِ. {لُغُوبٌ} : النَّصَبُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {نَضِيدٌ} : الكُفُرى مَا دَامَ فِي أَكْمَامِهِ، وَمَعْنَاهُ: مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ. فِي أَدْبَارِ النُّجُومِ وَأَدْبَارِ السُّجُودِ، كَانَ عَاصِمٌ يَفْتَحُ التِي فِي ق وَيَكْسِرُ التِي فِي الطُّورِ، وَيُكْسَرَانِ جَمِيعًا وَيُنْصَبَانِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: يَوْمَ الخُرُوجِ يَخْرُجُونَ مِنَ القُبُورِ.

هي مكية، قال الكلبي: إلا قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} الآية. وقال ابن النقيب: إلا قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ} إلى قوله: {لُغُوبٌ}

(1)

.

وهو قسم، وقيل: جبل من زبرجدة خضراء محيط بالعالم، وخضرة

(1)

ذكر عن ابن عباس وقتادة انظر "النكت والعيون" 5/ 339، "زاد المسير" 8/ 3.

ص: 272

السماء منه، ليس من الخلق على خلقه شيء، والجبال تنبت منه، فإذا أراد زلزلة أوحى إلى الملك الذي عنده أن يحرك عرقًا من الجبل فتتحرك الأرض الذي يريد، وهو أول جبل خلق، وبعده أبو قبيس، ومن دون ق مسيرة سنة، جبل يقال له: الحجاب، وما بينهما ظلمة، وفيه تغرب الشمس قال تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} يعني: الجبل، وهو من وراء الحجاب، وله وجه كوجه الإنسان، وقلب كقلوب الملائكة في الخشية

(1)

.

قال السخاوي: ونزلت بعد المرسلات وقبل البلد

(2)

.

(ص)({رَجْعٌ بَعِيدٌ}: رَدٌّ) أي: إلى الحياة بعد الموت.

(ص)({فُرُوجٍ}: فُتُوقٍ، وَاحِدُهَا: فَرْجٌ) قلت: قال الكسائي: ليس فيها تفاوت ولا اختلاف.

(ص)(وريداه فِي حبله، الحَبْلُ حَبْلُ العَاتِقِ) قلت: حبل الوريد، المراد به: عرق الوريد، وهو عرق الحلق.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ}: مِنْ عِظَامِهِمْ) إلى قوله: {لُغُوبٌ} أسنده ابن المنذر من طريق ابن جريج، عنه

(3)

.

(1)

قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 13/ 180: وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا: {ق} : جبل محيط بجميع الأرض، يقال له: جبل قاف. وكأن هذا -والله أعلم-: من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم فيما لا يصدق ولا يكذب.

وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يُلبسون به على الناس أمر دينهم .. اهـ.

(2)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 7.

(3)

انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 609 - 613 من طريق ابن أبي نجيح.

ص: 273

وادعى ابن التين أنه وقع: (من أعظامهم) وأن صوابه: (من عظامهم). وكذا هو عند أبي ذر؛ لأن فعلا -بفتح الفاء وسكون العين- لا يجمع على أفعال إلا خمسة أحرف نوادر، وقيل: من أجسامهم.

(ص)({تَبْصِرَةً}: بَصِيرَةً) أي: جعلنا ذلك تبصرة.

(ص)({وَحَبَّ الْحَصِيدِ}: الحِنْطَةُ) أي: والشعير وسائر الحبوب التي تحصد، وهذِه الإضافة من باب: مسجد الجامع، وحبل الوريد، وربيع الأول، وحق اليقين ونحوها.

(ص)({بَاسِقَاتٍ}: الطِّوَالُ) قلت: وقيل: في استقامة. (ص)({أَفَعَيِينَا}: أفعيا عَلَيْنَا) أي: يعجزنا عنه وتعذر علينا. (ص)({رَقِيبٌ عَتِيدٌ}: رَصَدٌ) أي: حافظ حاضر وهو بمعنى المعد، من قوله: أعتدنا، والعرب تعاقب بين الياء والدال؛ لقرب مخرجيهما.

(ص)({سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}: المَلَكَانِ كَاتِبٌ وَشَهِيدٌ) أي: يشهد عليها بما عملت ويكتب، وقيل: سائق يسوقها إلى المحشر، وقيل: السائق من الملائكة، وقيل: شيطانها الذي يكون معها؛ والشاهد من أنفسهم: الأيدي، والأرجل وقيل: العمل. والصواب أنهما جميعًا من الملائكة والأنبياء.

(ص)({وَقَالَ قَرِينُهُ}: الشَّيْطَانُ الذِي قُيِّضَ لَهُ) قلت: وقال قتادة: الملك الموكل به

(1)

، وبه جزم الثعلبي.

{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)} : محضر.

(1)

رواه الطبري في "التفسير" 11/ 421 (31892).

ص: 274

(ص)({فَنَقَّبُوا}: ضَرَبُوا) هو قول مجاهد

(1)

، وهو ظاهر إيراد البخاري، وقال ابن عباس: أثروا

(2)

. وقرئ: (نقبوا) مخففًا، وكسرها مشددًا.

(ص)({أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}: لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ) قلت: وقيل: استمع القرآن، تقول العرب: ألق سمعك. أي: استمع.

(ص)({لُغُوبٌ}: النَّصَبُ) أي: والإعياء والتعب، نزلت في اليهود

(3)

.

(ص)({شَهِيدٌ}: شَاهِدٌ بِالْقَلْبِ) أي: خاصة، وقال قتادة: وهو شاهد على ما يقرأ ويسمع في كتاب الله من نعت نبيه وذكره

(4)

.

(ص)(وقال غيره): أي، غير مجاهد:({نَّضِيدٌ}: الكفرى -أي: بفتح الفاء وضمها- مادام في أكمامه، ومعناه: منضود بعضه على بعض، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد). قلت: قال مسروق: ونخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها منضد أمثال القلال والدلاء، كلما قطعت منه نبتت مكانها أخرى، وأنهارها تجري في غير أخدود

(5)

.

(ص)({وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} و {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} كَانَ عَاصِمٌ يَفْتَحُ التِي فِي ق وَيَكْسِرُ التِي فِي الطُّورِ، وَيُكْسَرَانِ جَمِيعًا ويفتحان) قلت: وافق عاصمًا أبو عمرو بن العلاء وابن عامر والكسائي، وخالفه نافع وابن كثير وحمزة فكسروها

(6)

.

(1)

انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 612.

(2)

رواه عنه الطبري في "التفسير" 11/ 432 (31943).

(3)

"أسباب نزول القرآن" الواحدي ص 414.

(4)

رواه عنه الطبري في "التفسير" 11/ 433 - 434 (31955، 31956).

(5)

رواه الطبري في "التفسير" 1/ 205 - 206 (509).

(6)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 213.

ص: 275

وقال الداودي: من قرأ {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} بالكسر يقول: عند قفل النجوم ومن قرأ بالفتح يقول: ذهابها.

فائدة:

{سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} فقيل: النوافل أدبار المكتوبات. وقيل: الفرائض، {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} يعني: الصبح، {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} يعني: العصر. وقيل: والظهر، وقيل: وركعتين قبل المغرب.

{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} يعني: صلاة العشائين، وقيل: صلاة الليل، {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} الركعتان بعد صلاة المغرب، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} الركعتان بعد الفجر، وفيه حديث مرفوع عن ابن عباس

(1)

.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: يَوْمَ الخُرُوج يَخْرُجُونَ مِنَ القُبُورِ) هذا أخرجه ابن المنذر من حديث عطاء عنه

(2)

.

(1)

رواه الترمذي (3275)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 320. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه.

(2)

رواه ابن المنذر كما في "الدر المنثور" 6/ 132.

ص: 276

‌1 - [باب] قوله: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]

4848 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يُلْقَى فِي النَّارِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فَتَقُولُ: قَطِ قَطِ» . [6661، 7384 - مسلم: 2848 - فتح: 8/ 594]

4849 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ -وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يُوقِفُهُ أَبُو سُفْيَانَ- «يُقَالُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلأْتِ؟ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيد؟ فَيَضَعُ الرَّبُّ تبارك وتعالى قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ: قَطِ قَطِ». [4850، 7449 - مسلم: 2846 - فتح: 8/ 595].

4850 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟! قَالَ اللهُ تبارك وتعالى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابٌ أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطٍ قَطٍ قَطٍ. فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ اللهُ عز وجل مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللهَ عز وجل يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا» . [انظر: 4849 - مسلم: 2846 - فتح: 8/ 595]

ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يُلْقَى فِي النَّارِ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ. حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فيها، فَتَقُولُ: قَطِ قَطِ".

ص: 277

ويأتي في التوحيد، وأخرجه الترمذي والنسائي

(1)

.

ثانيها:

حديث عوف -هو الأعرابي- عن محمد -هو ابن سيرين- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يُوقِفُهُ أَبُو سُفْيَانَ

(2)

يعني: شيخ شيخه سعيد بن يحيى الحذاء "يُقَالُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلأْتِ؟ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ فَيَضَعُ الرَّبُّ عليها قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَطِ قَطِ".

ثالثها:

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟! قَالَ اللهُ عز وجل لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابٌ أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَلكُلِّ وَاحِدَةٍ منهما مِلْؤُهَا؛ فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطٍ. فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوى بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ اللهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الجَنَّةُ فَإِنَّ اللهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا".

الشرح:

الكلام على ذلك من وجوه:

أحدها:

(قط) فيها ثلاث روايات: فتح القاف وسكون الطاء، وفتح القاف مع كسر الطاء من غير تنوين وبه، هذِه ثلاث مع فتح القاف، ورابعة

(1)

الترمذي (3272)، والنسائي في "الكبرى" 4/ 409 (7719).

(2)

وقع في هامش الأصل: أبو سفيان الحميدي هو سعيد بن يحيى فاعلمه.

ص: 278

بكسرها وسكون الطاء، ومدلول (قط): حسب، وقيل: إن قط صوت جهنم، وقيل: مثل قوله: امتلأ الحوض [وقال:]

(1)

قطني. أي: مثل ليس يتكلم حقيقة، وهذا السؤال من الله فيه معنى التوبيخ لمن دخلها وإلا فهو عالم بذلك وجعل الله لها عقوبة، وقولها:{وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} تغيظًا على العصاة.

ثانيها:

هذا من الأحاديث المشكل ظاهرها وللعلماء فيها مسالك:

أحدها: أبعدها: إنكارها جملة وتكذيبها، وهذا إفراط وطعن في الثقات. وأقربها: قبولها وإمرارها على ما جاءت من غير خوض فيها هو مذهب السلف، ومنهم من روى بعضها وأنكر أن يتحدث ببعضها وهو مالك روى حديث النزول وأوله، وأنكر أن يتحدث باهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ كما سلف

(2)

، ومنهم من تأولها تأويلًا يكاد أن يفضي فيه إلى القول بالتشبيه كقول ابن قتيبة في حديث الصور

(3)

(4)

: لله صورة لا كالصور

(5)

، تعالى الله عن ذلك ومذهب الخلف التأويل،

(1)

زيادة يقتضيها السياق.

(2)

انظر: "المنتقى" 1/ 357.

(3)

انظر: "تأويل مختلف الحديث" ص 317 - 322.

(4)

قال أبو محمد ابن قتيبة بعد شرحه للحديث: والذي عندي -والله تعالى أعلم- أن الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع، والعين، وإنما وقع الألف لتلك، لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذِه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد. اهـ. "تأويل مختلف الحديث" ص 322.

(5)

هذِه الجملة من كتاب "مشكل الحديث وبيانه" لابن فورك ص 67 في رده على ابن قتيبة.

ص: 279

واعلم قبل ذلك أنه لا يجوز أن تظن بالقدم هنا الجارحة، تعالى الله عن ذلك قال تعالى:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} فإذا ملأها بغيرهم، ففيه مخالفة خبره، ولا يقع فيتعين ما ذكرناه وقد أول أن المراد به الموضع، وعليه مشى ابن حبان في "صحيحه" حيث قال: هذا من الأخبار التي أطلقت بتمثيل المجاورة. وذلك أن يوم القيامة يلقى في النار من الأمم والأمكنة التي عصي الله عليها، فلا تزال تستزيد حتى يضع الرب تعالى موضعًا من الكفار والأمكنة في النار فتهدأ، لأن العرب تطلق في لغتها اسم القَدَم على الموضع، قال تعالى:{لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} يريد موضع صدق

(1)

، وكذا قال الحسن البصري أن القدم قوم يعذبهم الله من شرار خلقه إلى النار.

وقال الإسماعيلي: الروايتان جميعًا ليس فيها من الذي يضع قدمه فيها، ونقول: إن شك من شك في الرواية فهو على توهمه أن القدم لا تكون إلا رجلًا والرجل قدم، وقال مجاهد: قول النار: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} أي: قد امتلأت وانتهيت بلا موضع فيَّ لمزيد

(2)

، وقيل: إنما تقول تغيظًا.

قال الإسماعيلي: هذا وجه من وجوه التأويل محتمل في اللغة فيكون خروج الحديث على ذلك أنها قد تزاد، وهي عند نفسها لا موضع فيها للمزيد، وقال: وأما القدم فقد تكون لما قدم من شيء كما سمي ما خبط من الورق خبطًا، ثم ذكر الآية السالفة {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} والمعنى ما قدموا من حسن، قال: فعلى هذا من لم يقدم

(1)

"صحيح ابن حبان" 1/ 502.

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 612، ولفظه فيه: هل من مسلك.

ص: 280

إلا كفرًا ومعاصي على العناد والجحود، فذلك قدمه [و]

(1)

قدمه ذلك هو ما قدمه للعذاب والعقاب الحالَّين به، والمعاندون من الكفار هم قدم العذاب في النار، وكذا قال ابن التين: لم يبين من المواضع قدمه في هذا الحديث، ومن ذلك في حديث أبي سفيان: الرب سبحانه، إلا أنه لم يرفع الحديث مرة ورفعه أخرى، قال: وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان، كذا وقع يوقفه رباعيًا من أوقف يوقف، والمشهور في اللغة وقفت الدابة وغيرها، قال ابن فارس يقال: للذي يأتي الشيء ثم ينزع عنه قد أوقف

(2)

. فيحتمل أن يكون أوقفه ثم لم يرفعه فيصح على هذا، وأكثر ما كان يوقفه.

والحاصل أن الثابت إما صريح الإضافة من غير رفع، وإما رفع من غير تصريح بها.

قلت: وأما رواية (رجله) على ما ورد في بعض النسخ كما سلف فإما أن يدعى أنها من تحريف بعض الرواة، أو تأول بالجماعة كقولهم: رجل من جراد، أي: جماعة، كما نبه عليه ابن الجوزي، ويكون مثل قول من قال: القدم جماعة. وضعفها ابن فورك حيث قال: روي من وجه غير ثابت "حتى يضع رجله فيها فيزوي"

(3)

وليس بجيد منه وكذا قال بعده: أنه غير ثابت عند أهل النقل، وزعم بعضهم أنه أراد بالقدم هنا قدم بعض خلقه، فأضيف إليه كما يقال: ضرب

(1)

زيادة على الأصل كي يستقيم المعنى.

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 934.

(3)

قال العيني في "عمدة القاري" 16/ 33:- قوله "حتى يضع رجله" لم يبين فيه الواضع من هو؟ وقد بينه في رواية مسلم حيث قال: "حتى يضع الله رجله" والأحاديث يفسر بعضها بعضًا.

ص: 281

الأمير اللص، وقيل: يحلف الله ذلك اليوم، وقال بعضهم: أراده الجبار المتجبر من الخلق؛ لأن ذلك من الأوصاف المشتركة دون الخاصة لله، قال تعالى:{كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} فإذا كان كذلك احتمل أن يكون أراد بالجبار جنس الجناية وأن جهنم لم تمتلئ إلا بهم، وقال بعضهم: الجبار هنا إبليس؛ لأنه أول من تكبر على الله، والتكبر على الله والتجبر بمعنى، وجهنم تمتلئ به وبشيعته ولا ينكر وصفهم بالجوارح، والأعضاء

(1)

.

وحكى الداودي أنهم من يخرج بشفاعته عليه السلام من النار، وقيل:(إنه مثل يراد به إثبات معنى لاحظ الظاهر الاسم فيه من طريق الحقيقة)

(2)

وإنما أريد بوضع الرجل عليها نوع من الزجر لها كما يقول القائل: لشيء يريد محوه وإبطاله دخلته تحت رجلي، وضعته تحت قدمي ولما خطب عليه السلام عام الفتح قال:"ألا إن كل دم ومأثرة في الجاهلية تحت قدمي هاتين إلا سقاية الحاج وسدانة البيت"

(3)

يريد محو تلك المآثر وأكثر ما تضرب العرب من أمثالها بأسماء الأعضاء لا تريد أعيانها كقولهم لمن ندم في شيء: سقط في يده، وكقولهم: رغم أنفه

(4)

(5)

.

(1)

"مشكل الحديث وبيانه" ص 134 - 138، بتصرف.

(2)

كذا بالأصل.

(3)

رواه مسلم (1218) كتاب: الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله، وأبو داود (4588) من حديث عبد الله بن عمرو، وابن ماجه (2628) من حديث عبد الله بن عمر.

(4)

ورد بهامش الأصل حاشية: وزلت به قدمه إذا أخطأ.

(5)

قال الشيخ العثيمين في "شرح العقيدة الواسطية" ص 415. بعدما ذكر أقوال الأشاعرة وأهل التحريف: فهؤلاء المحرفون فروا من شيء ووقعوا في شر منه؛ فروا من تنزيه الله عن القدم والرجل، ولكنهم وقعوا في السفه ومجانبة الحكمة في أفعال الله عز وجل. =

ص: 282

ثالثها:

محاجَّة الجنة والنار تحتمل أن تكون بلسان الحال أو المقال ولا مانع من أن الله يجعل لهما لسانا تميزان وتدركان به -كما سلف- يتحاجان، ولا يلزم من هذا التمييز دوامه فيهما.

(وسقطهم) بفتح القاف: ضعفاؤهم المحقرون منهم، يريد شواذ الناس وعامتهم من أهل الإيمان الذين لا يقبلون السنة فتدخل عليهم الفتثة فهم ثابتو الإيمان صحيحو العقائد وهم أكثر أهل الجنة، وأما العارفون والعلماء العاملون والصلحاء المتعبدون فهم قليلون، وهم أصحاب الدرجات العُلى.

وقوله: ("وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقًا") هو دال -كما قال النووي- لمذهب أهل السنة من أن الثواب ليس متوقفًا على الأعمال، فإن هؤلاء يخلقون حينئذ، ويعطون في الجنة ما يعطون بغير عمل، ومثله الأطفال والمجانين الذين لم يعملوا طاعة وكلهم في الجنة بفضله، وفيه دلالة على سعة الجنة فقد جاء في الصحيح أن للواحد فيها مثل الدنيا وعشرة أمثالها

(1)

، ثم يبقى فيها شيء يخلق، فينشئهم الله لها

(2)

، ويروى أن الله لما خلقها قال لها: امتدي، فهي تتسع دائمًا أسرع من النبل إذا خرج من القوس.

= والحاصل أنه يجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى قدمًا، وإن شئنا؛ قلنا: رجلا؛ على سبيل الحقيقة؛ مع عدم المماثلة ولا نكيف الرجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم. أخبرنا بأن لله تعالى رجلًا أو قدمًا، ولم يخبرنا كيف هذِه الرجل أو القدم وقد قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف: 33] اهـ.

(1)

سيأتي برقم (6571)، كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار.

(2)

"مسلم بشرح النووي" 17/ 183 - 184.

ص: 283

‌2 - [باب] قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]

4851 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» . ثُمَّ قَرَأَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]. [انظر: 554 - مسلم: 633 - فتح: 8/ 597]

4852 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُ أَنْ يُسَبِّحَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، يَعْنِي قَوْلَهُ:{وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} . [ق: 40]. [فتح: 8/ 597]

ذكر فيه حديث جرير في الرؤية وقد سلف في الصلاة، وأثر مجاهد قال: ابن عباس: أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها يعني: قوله: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} وقد سلف قريبًا.

ص: 284

(51) ومن سورة وَالذَّارِيَاتِ

قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: الرِّيَاحُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَذْرُوهُ: تُفَرِّقُهُ. {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} : تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ فِي مَدْخَلٍ وَاحِدٍ وَيَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ. {فَرَاغَ} : فَرَجَعَ {فَصَكَّتْ} : فَجَمَعَتْ أَصَابِعَهَا فَضَرَبَتْ جَبْهَتَهَا. وَالرَّمِيمُ: نَبَاتُ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَ وَدِيسَ. {لَمُوسِعُونَ} أَيْ: لَذُو سَعَةٍ، وَكَذَلِكَ {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} يَعْنِي: القَوِيَّ {زَوْجَيْنِ} : الذَّكَرَ وَالأُنْثَى، وَاخْتِلَافُ الأَلْوَانِ حُلْوٌ وَحَامِضٌ فَهُمَا زَوْجَانِ. {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ}: مِنَ اللهِ إِلَيْهِ. {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} : مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الفَرِيقَيْنِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا، فَفَعَلَ بَعْضٌ وَتَرَكَ بَعْضٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ القَدَرِ، وَالذَّنُوبُ الدَّلْوُ العَظِيمُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{صَرّةٍ} : صَيْحَةٍ {ذَنُوبًا} : سَبِيلًا. العَقِيمُ التِي لَا تَلِدُ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: وَالْحُبُكُ اْسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا. {فِي غَمْرَةٍ} : فِي ضَلَالَتِهِمْ يَتَمَادَوْنَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: تَوَاصَوْا: تَوَاطَئُوا. وَقَالَ {مُّسَوَّمَةً} : مُعَلَّمَةً مِنَ السِّيمَا.

هي مكية، ونزلت بعد الأحقاف وقبل الغاشية، كما قاله السخاوي

(1)

.

(1)

"جمال القراء وكمال القراء" ص 8.

ص: 285

(ص)(قَالَ عَلِيٌّ هي: الرِّيَاحُ) رواه ابن أبي حاتم

(1)

، والحاكم وقال: صحيح الإسناد

(2)

، ورواه جويبر عن الضحاك عنه مطولًا.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: تَذْرُوهُ: تُفَرِّقُهُ) قلت: يقال: ذرت الريح التراب، وأذرت.

(ص)({وَفِي أَنْفُسِكُمْ}: تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ فِي مَدْخَلٍ وَاحِدٍ وَيَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ) هو قول المسيب بن شريك

(3)

، وقيل به التطوير.

(ص)({فَرَاغَ}: فَرَجَعَ) أي: وعدل ومال.

(ص)({فَصَكَّتْ}: جَمَعَتْ أَصَابِعَهَا فَضَرَبَتْ جَبْهَتَهَا) أي: كعادة النساء: إذا أنكرت شيئًا أو تعجبن منه.

(ص)(وَالرَّمِيمُ: نَبَاتُ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَ وَدِيسَ) أي: وطئ بالأقدام القوائم حتى يتفتت، كقولك: طريق مدوس، ومنه دياس الزرع، وقيل: الرميم: الشيء البالي، ومنه {وَهِيَ رَمِيمٌ} .

(ص) ({لَمُوسِعُونَ} أَيْ: لَذُو سَعَةٍ، وَكَذَلِكَ {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} قلت: فهو راجع إلى القدرة كما قال ابن عباس: قادرون، وعنه: لموسعون الرزق على خلقنا

(4)

.

(ص)({زَوْجَيْنِ}: الذَكَرَ وَالأُنْثَى، وَاخْتِلَافُ الأَلْوَانِ حُلْوٌ وَحَامِضٌ فَهُمَا زَوْجَانِ) قلت: وكذا السعادة والشقاوة والجن والإنس، والليل والنهار، والسماء والأرض، والشمس والقمر، والبر والبحر، والسهل

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 133.

(2)

"المستدرك" 2/ 466 - 467.

(3)

رواه الطبري بنحوه عن عبد الله بن الزبير 11/ 460.

(4)

ذكره عنه البغوي في "التفسير" 7/ 379.

ص: 286

والجبل، والشتاء والصيف، فقوله:{خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} أي: صنفين ونوعين مختلفين.

(ص)({إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الفَرِيقَيْنِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ) أي: فجعله خصوصًا للمؤمنين، وبه صرح ابن قتيبة

(1)

-أي خلقنا، فالخلق يوم المعاذير في الذر ويوم الميثاق، وذاك للعبودية فعاتب وأعد فمن عبده جازاه ومن عاند عذبه. وقيل: إلا ليقروا بالعبادة طوعًا وكرهًا، قال تعالى:{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} وقيل: إلا ليعرفون.

ثم قال البخاري: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا، فَفَعَلَ بَعْضٌ وَتَرَكَ بَعْضٌ، يعني بقدر، قال: وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ القَدَرِ).

(ص)(وَالذَّنُوبُ: الدَّلْوُ العظيمة) قال مجاهد: ذنوبا: سجلًّا

(2)

هذا أخرجه عبد بن حميد، عن روحٍ، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عنه

(3)

. وقال سعيد بن جبير: سجلّا، وقال قتادة: عذابًا، وقال الحسن: دولة

(4)

، وقال الكسائي: حقًّا.

ووصف الذنوب بالعظيم هو ما عبر به الشافعي في "مختصره"

(5)

ولا يكون ذنوبًا حتى يكون ملآنًا، وقيل: فيها ماء قريب من الثلث.

(1)

"مشكل القرآن وغريبه" 2/ 141.

(2)

فوق هذِه الكلمة في الأصل علامة: (حـ)، وفي هامشها:(سبيلا) وعليها نفس العلامة.

(3)

رواه الطبري في "التفسير" 11/ 477 (32275) من طريق ورقاء وعيسى عن ابن أبي نجيح عنه.

(4)

روى أثر سعيد بن جبير وقتادة والحسن الطبري في "التفسير" 11/ 477 - 478.

(5)

"مختصر المزني" ص 33.

ص: 287

(ص)({فِي غَمْرَةٍ}: فِي ضلالة وفي نسخة: ضلالتهم يَتَمَادَوْنَ) قلت: وقيل: في شبهة وفي غفلة، وقيل: في غلبة الجهل غافلون.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: وَالْحُبُكُ اسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا) هذا أخرجه ابن أبي حاتم من حديث سعيد عنه

(1)

، وقال مقاتل: الحبك: الطرائق التي في الرمل من الريح

(2)

، وقيل: الماء يصيب الريح فيركب بعضه بعضا، وقال أبو صالح: الخلق الحسن، وقال الجوُزي: هو قَسَمٌ.

(ص){قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}

(3)

: لعن، أي لعن الخراصون أي: الكذابون، وقال ابن عباس: المرتابون

(4)

، وقال: مجاهد: الكهنة

(5)

.

(ص)(وَقَالَ غيره: {مُّسَوَّمَةً}: مُعَلَّمَةً مِنَ السِّيمَا) أي: العلامة.

(ص)({صَرَّةٍ}: صَيْحَةٍ) هو قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره كما أخرجه ابن أبي حاتم

(6)

.

(ص) وقال مجاهد: العقيم: لا تلقح شيئًا أي: لا تنتج شجرًا ولا تنشئ سحابًا، ولا رحم فيها ولا بركة

(7)

.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: تَوَاصَوْا: تَوَاطَئُوا) أي: أوصى بعضهم بعضًا بالتكذيب وتواطئوا عليه، والألف فيه ألف التوبيخ.

(1)

رواه عنه الطبراي في "التفسير" 11/ 445 (32041).

(2)

ذكره عنه البغوي في "التفسير" 7/ 371 - 372.

(3)

في الأصل: (قتل الإنسان) وما أثبتناه الصواب.

(4)

رواه الطبري في "التفسير" 11/ 447 (32066).

(5)

"تفسير مجاهد" 2/ 612 بلفظ: لعن الكذابون الذين يخرصون الكذب، يقولون لا نبعث ولا يوقنون بالبعث، وذكره البغوي في "تفسيره" 7/ 372 بلفظ: هم الكهنة.

(6)

أخرجه ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 6/ 138، ورواه الطبري في "التفسير" 11/ 463 - 464 (32196).

(7)

"تفسير مجاهد" 2/ 620.

ص: 288

(52) ومن سورة الطُّورِ

وَقَالَ قَتَادَةُ: {مَسْطُورٍ} : مَكْتُوبٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الطُّورُ الجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {رَقٍّ مَنْشُورٍ} : صَحِيفَةٍ. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)} : سَمَاءٌ. {الْمَسْجُورِ} : المُوقَدِ. وَقَالَ الحَسَنُ: تُسْجَرُ حَتَّى يَذْهَبَ مَاؤُهَا فَلَا يَبْقَى فِيهَا قَطْرَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَلَتْنَاهُمْ} : نَقَصْنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَمُورُ} : تَدُورُ. {أَحْلَامُهُمْ} : العُقُولُ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {الْبِرَّ} : اللَّطِيفُ. {كِسَفًا} : قِطْعًا. المَنُونُ: المَوْتُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {يَتَنَازَعُونَ} : يَتَعَاطَوْنَ.

ص: 289

‌1 - باب

4853 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَت: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» . فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. [انظر: 464 - مسلم: 1276 - فتح: 8/ 603]

4854 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثُونِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)} [الطور: 35 - 37] كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. قَالَ سُفْيَانُ: فَأَمَّا أَنَا فَإِنَّمَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ. لَمْ أَسْمَعْهُ زَادَ الَّذِي قَالُوا لِي. [انظر: 765 - مسلم: 463 - فتح: 8/ 603]

هي مكية، قال الكلبي: إلا قوله: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} نزلت فيمن قتل ببدر من المشركين. وقال مقاتل: لما كذبت كفار قريش أقسم الله بالطور، وهو الجبل -بلغة النبط- الذي كلم الله موسى عليه

(1)

بالأرض المقدسة. وقال الجوزي: بمدين طور سيناء

(2)

. وفي "تفسير ابن عباس" أنه عليه السلام خوف أهل مكة العذاب فلم يؤمنوا ولم يصدقوا وقالوا: لن نؤمن بما جئت به. فأنزل الله يقسم (بستة)

(3)

أشياء لنبيه عليه السلام أن العذاب نازل بهم.

(1)

من هامش الأصل، وعليها: لعله سقط.

(2)

"زاد المسير" 8/ 45.

(3)

ورد بهامش الأصل: لعله بخمسة.

ص: 290

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: الطُّورُ الجَبَلُ (بِالسُّرْيَانِيَّةِ)

(1)

وهذا أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه، ورواه مرة عنه، عن ابن عباس

(2)

. وقوله: (بالسريانية) لعله وافق لغتهم، وحكي عنه وعن عكرمة وقتادة وغيرهما أنه جبل فقط، وكذا قال ابن فارس

(3)

، وكذا ما سيأتي عن أهل اللغة أنه جبل.

قال مقاتل بن حيان: هما طوران: طور زيتا، وطور تينا؛ لأنهما ينبتان الزيتون والتين. وقال أبو عبد الله الحموي

(4)

في "مشتركه": طور زيتا مقصور أيضا جبل بالبيت المقدس. وفي الأثر: مات بطور زيتا تسعون ألف نبي؛ قتلهم الجوع، وهو شرقي وادي سلوان، والطور أيضًا جبل مطل على مدينة طبرية بالأردن وبأرض مصر أيضًا. واختلف في طور سيناء، فقيل: هو جبل بقرب أيلة. وقيل: هو بالشام. وسيناء حجازية، وقيل: شجر فيه، وطور عبدين اسم لبليدة نصيبين في بطن الجبل المشرف عليها المتصل بجبل الجودي، وطور هارون جبل مشرف قبلي بيت المقدس، فيه -فيما قيل- قبر هارون عليه السلام. وقال صاحب "المحكم": الجبل: الطور، وقد غلب على طور سيناء جبل بالشام، وهو بالسريانية طورى، والنسبة إليه طواري وطوراني

(5)

، وكذا قال القزاز وأبو عبيدة في "مجازه": كلُّ جبل طورٌ

(6)

.

(1)

في الأصل بالفارسية، والصواب هو المثبت.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 10/ 3314 (18671).

(3)

"مجمل اللغة" 1/ 589.

(4)

ورد في هامش الأصل: يعنى: ياقوتا.

(5)

"المحكم" 9/ 190.

(6)

"مجاز القرآن" 2/ 230.

ص: 291

وقال نوف: أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل متمكن فارتفعت وانتفخت وشمخت إلا الطور فإنه تواضع، وقال: أرضى بما قسم لي الله، فكان الأمن عليه.

(ص)(وَقَالَ قَتَادَةُ: {مَسْطُور}: مَكْتُوبٍ) هو كما قال.

(ص)({فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ}: صحِيفَةٍ) قلت: حكاه الجوزي عن مجاهد، وذكره ابن عباس في "تفسيره" بزيادة: وذلك الرق ما بين المشرق والمغرب. وقال مقاتل: {فِي رَقٍّ} يعني: في أديم الصحف. قال الجوزي: يريد القرآن. وقيل: التوارة. وقيل: اللوح المحفوظ. وقيل: ما يكتبه الحفظة

(1)

.

(ص)({وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ}: السَمَاء) قلت: سماها سقفًا؛ لأنها للأرض كالسقف للبيت، دليله ونظيره {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} .

(ص)({الْمَسْجُورِ}: المُوقَدِ) هو قول مجاهد فيما حكاه الجوزي

(2)

، يريد: المملوء نارًا. عن علي: هو بحر تحت العرش، أي:(مملوء)

(3)

ماءً يسمى نهر الحيوان، يحيي الله به الموتى فيما بين النفختين. ويروى أن البحر -وفي رواية: البحار- تسجر يوم القيامة نارًا.

(ص) (وَقَالَ الحَسَنُ: تُسْجَرُ حَتَّى يَذْهَبَ مَاؤُهَا فَلَا يَبْقَى فِيهَا قَطْرَةٌ وهذا رواه الطبري من حديث قتادة عنه، وعنه: المسجور: المملوء، مثل قوله: ({ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} وعن ابن عباس: المسجور:

(1)

انظر: "زاد المسير" 8/ 45 - 46.

(2)

المرجع السابق 8/ 48.

(3)

كذا في الأصل، وعلق عليها في الهامش: لعله: مملوءًا.

ص: 292

المحبوس

(1)

. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سقف محفوظ وموج مكفوف عن العباد"

(2)

.

(ص)(وقال مجاهد: {أَلَتْنَاهُمْ}: نقصناهم) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح، عنه

(3)

.

(ص)({أَحْلَامُهُمْ}: عقولهم) أي: لأنهم كانوا يعبدون في الجاهلية أهل الأحلام ويوصفون بالعقل، كنى عن العقل بالحلم؛ لأن الحلم لا يكون إلا بالعقل.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {الْبِرَّ}: اللَّطِيفُ. {كِسَفًا}: قِطْعًا. المَنُونُ: المَوْتُ) هذا أخرجه ابن أبي حاتم أيضًا من حديث علي بن أبي طلحة عنه

(4)

.

ثم قال: (ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: {يَتَنَازَعُونَ}: يَتَعَاطَوْنَ) ما ذكره في البر هو أحد الأقوال. وقيل: المحسن. وقيل: الصادق فيما وعد أولياءه. وقيل: خالق البشر. وقيل: العطوف على خلقه. وقيل غير ذلك.

وقوله: ({كِسَفًا}: قطعًا) ويقال: قطعة. هو جمع كسفة كقربة وقرب، ومن قرأ بالسكون على التوحيد، فجمعه أكساف وكسوف، وهو واحد، ويجوز أن يكون جمع كسف كسدرة وسدر.

(1)

"تفسير الطبري" 11/ 483.

(2)

"سنن الترمذي"(3298) في حديث طويل عن الحسن عن أبي هريرة. وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. قال: ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة.

ورواه أحمد 2/ 370 عن الحسن عن أبي هريرة أيضًا.

(3)

"تفسير الطبري" 11/ 490.

(4)

تفسير ابن أبي حاتم 10/ 3317.

ص: 293

وقوله: ({الْمَنُونِ}: الموت) قال مجاهد: إنه حوادث الدهر

(1)

. وهو المعروف عند أهل اللغة. وقال أبو عبيدة: إنه الدهر. قال ابن فارس: وإنما قيل للمنية: المنون، لأنه ينقص العدد ويقطع المدد - قال الداودي: هو جمع منية. وليس كما ذكر، فقد قال الأصمعي: إنه واحد لا جمع له. وقال الأخفش: هو جمع لا واحد له. وقال الفراء: يقع للجميع وللواحد.

وقوله: ({يَتَنَازَعُونَ}: يتعاطون). أي: ويتبادلون ويتداولون.

ثم ساق البخاري حديث أم سلمة في طوافها راكبة. وقد سلف في الصلاة

(2)

.

وفيه: طواف النساء: ليلًا وفي حال صلاة الناس، والركوب فيه للضرورة، وقد يستدل على طهارة روث ما يؤكل لحمه، وقد سلف ما فيه.

ثم ساق أيضًا حديث جبير بن مطعم في قراءته عليه السلام في المغرب بالطور، وقد سلف أيضًا هناك مختصرًا. وقوله هنا:(فلما بلغ هذِه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} إلى آخرها، كاد قلبي أن يطير): إنما كان ذلك منه لحسن تلقيه (هذِه معنى)

(3)

الآية ومعرفته بما تضمنته من تبليغ الحجة، وهي آية صعبة جدًّا، وفيها قولان:

أحدهما: ليس هو بأشد خلقًا من خلق السماوات والأرض، يخلقهما من غير شيء وهم خلقوا من آدم، وآدم من تراب.

(1)

"تفسير مجاهد" 2/ 626.

(2)

برقم (464) باب: إدخال البعير في المسجد للعلة.

(3)

كذا في الأصل ولعلها: معنى هذِه.

ص: 294

ثانيهما: خلقوا باطلًا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون. واختار الخطابي أن المعنى: أم خُلقوا من غير شيء خَلَقَهم فوجدوا بلا خالق؟ هذا محال؛ لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم فإن أنكروه فهم الخالقون لأنفسهم، ثم قال:{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} . أي: فليدعوا ذلك، ولا يمكنهم بوجه. ثم ذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان وهي عدم اليقين، ولهذا انزعج جبير بن مطعم

(1)

.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1912 - 1913.

ص: 295

(53) ومن سورة وَالنَّجْمِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ذُو مِرَّةٍ} : ذُو قُوَّةٍ. {قَابَ قَوْسَيْنِ} حَيْثُ الوَتَرُ مِنَ القَوْسِ. {ضِيزَى} : عَوْجَاءُ. {وَأَكْدَى} : قَطَعَ عَطَاءَهُ {رَبُّ الشِّعْرى} : هُوَ مِرْزَمُ الجَوْزَاءِ {الَّذِي وَفَّى} : وَفَّى مَا فُرِضَ عَلَيْهِ {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)} : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ {سَامِدُونَ} البَرْطَمَةُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَتَغَنَّوْنَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {أَفَتُمَارُونَهُ} أَفَتُجَادِلُونَهُ، وَمَنْ قَرَأَ:(أَفَتَمْرُونَهُ) يَعْنِي أَفَتَجْحَدُونَهُ {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} بَصَرُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم {وَمَا طَغَى} : وَلَا جَاوَزَ مَا رَأى. {فَتَمَارَوْا} : كَذَّبُوا. وَقَالَ الحَسَنُ: (إِذَا هَوى): غَابَ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {أَغْنَى وَأَقْنَى} : أَعْطَى فَأَرْضَى.

هي مكية، قال مقاتل: غير آية نزلت في نبهان التمار وهي: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} وقال الكفار: إن محمدًا يقول هذا من تلقاء نفسه

(1)

، فنزلت.

وهي أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله، فلما بلغ آخرها سجد، وسجد من بحضرته من الإنس والجن

(2)

، نزلت بعد الإخلاص وقبل عبس، كما قاله السخاوي

(3)

.

(1)

انظر: "معاني القرآن" للزجاج 5/ 70، "الوسيط" للواحدي 4/ 193.

(2)

سلف برقم (1071) كتاب سجود القرآن، باب سجود المسلمين مع المشركين والمشرك نجس ليس له وضوء.

(3)

"جمال القراء وكمال الإقراء" للسخاوي ص 7.

ص: 296

{وَالنَّجْمِ} هو الثريا، وقيل: كل نجم

(1)

. (إِذَا هَوى): إذا غرب، وقيل: هو آيات القرآن

(2)

. وقيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل من المعراج. وقال جعفر بن محمد: (هَوى): انشرح من الأنوار، وانقطع عن غير الله. قال ابن أبي لهب -واسمه لهب، وبه كني أبوه كما ذكره الحاكم وغيره-: إني كفرت برب النجم، فنزلت، فقال عليه السلام:"أما تخاف أن يسلط الله كلبًا من كلابه عليك"، فسلط عليه الأسد في بعض أسفاره فابتلع هامته

(3)

.

(ص)(وقال مجاهد: {ذُو مِرَّةٍ}: ذو قوة) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن أبي نجيح عنه. وقال قتادة: ذو خلق طويل حسن

(4)

.

(ص)({قَابَ قَوْسَيْنِ}: حيث الوتر من القوس) هو قول مجاهد أيضًا

(5)

، والقاب: القدر، وهو ما بين مقبض القوس وسيته، ولكل قوس قابان، وهو القاب والقيب

(6)

. وقال مجاهد: القوس: الذراع بلغة أزد شنوءة

(7)

.

(ص)({ضِيزَى}: عَوْجَاءُ) أسنده عبد بن حميد، عن شبابة، عن

(1)

انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 627، "تفسير الطبري" 11/ 504.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 503 من طريق الأعمش عن مجاهد في قوله {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} قال: القرآن إذا نزل.

(3)

رواه الحاكم 2/ 539، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" ص 457 - 458. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وحسنه الحافظ ابن حجر في "الفتح" 4/ 39.

(4)

رواه الطبري 11/ 505. وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 156 وعزاه إلى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(5)

"تفسير مجاهد" 2/ 628.

(6)

انظر: "لسان العرب" 6/ 3768 مادة: قوب.

(7)

المصدر السابق.

ص: 297

ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه

(1)

، وعن ابن عباس والضحاك وقتادة: جائرة

(2)

؛ حيث جعلتم لربكم من الولد ما تكرهون لأنفسكم. وعن ابن كثير همزها والباقون بعدمه

(3)

، وأصلها ضيزى بضم الضاد، لأن النحويين مجمعون -إلا من شذ منهم- أنه ليس في كلام العرب فِعلى بكسر الفاء نعت، وإنما في كلامهم فَعلى بالفتح، وفُعلى بالضم، وإنما كسرت الضاد لتصح الياء كقولهم بيض

(4)

.

(ص)({وَأَكْدَى}: قَطَعَ عَطَاءَهُ) أي: ومنع الخير. قال مجاهد: هو الوليد بن المغيرة أعطى قليلًا ثم قطع

(5)

. وقال السدي: نزلت في العاصي بن وائل السهمي، وذلك أنه كان ربما يوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور. وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت في أبي جهل، وذلك أنه قال: والله ما يأمرنا محمد إلا بمكارم الأخلاق فذلك قوله: {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)} أي: لم يؤمن به

(6)

.

(ص)({رَبُّ الشِّعْرَى}: هُوَ مِرْزَمُ الجَوْزَاءِ) هو قول مجاهد أيضًا، أخرجه بالإسناد السالف

(7)

، والمرزمان: مرزما الشعريين يريد الهنعة؛ لأن الشعرى كوكب يقابلها من جهة القبلة لا يفارقها، وهما نجمان أحدهما في الشعرى والآخر في الذراع، قاله في "الصحاح"

(8)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 522. وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 164 وعزاه إلى عبد بن حميد.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 522.

(3)

"الحجة للقراء السبعة" 6/ 232.

(4)

انظر: "ليس في كلام العرب" لابن خالويه 256 - 257.

(5)

"تفسير مجاهد" 2/ 631 - 632.

(6)

انظر: "زاد المسير" 8/ 78.

(7)

"تفسير مجاهد" 2/ 632.

(8)

"الصحاح" 5/ 1931. مادة (رزم).

ص: 298

وعبارة الثعلبي: الشعرى: كوكب خلف الجوزاء يتبعه يقال له: مرزم الجوزاء، وهما شعريان: العَبور والغميصاء يقال: إنهما وسهيلًا كانت مجتمعة فانحدرت سهيل قصده يمانيًّا فتبعته الشعرى العبور، فعبر به المجرة، فسميت العبور، وأقامت الغميصاء، فبكت لفقد سهيل حتى غمصت عينها -أي: سال دمعها- فسميت بالغميصاء؛ لأنها أخفى من الأخرى، وأراد هنا الشعرى العبور، وكانت خزاعة تعبدها، وأول من سن ذلك رجل من أشرافهم يقال له: أبو كبشة عبد الشعرى العبور، وقال: لأن النجوم تقطع السماء عرضًا والشعرى طولًا، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلاف العرب في الدين شبهوه بأبي كبشة؛ فسموه ابن أبي كبشة لخلافه إياهم كخلاف أبي كبشة في عبادة الشعرى

(1)

. وعن قتادة: هو النجم الذي رأسه لا إله إلا الله. وقال مقاتل: كان ناس من خزاعة وغسان وغطفان يعبدونها، ويقال لها: المرزم. ووصفها أبو حنيفة في "أنوائه" فأوضح.

(ص)({الَّذِي وَفَّى}: مَا فُرِضَ عَلَيْهِ) هو قول مجاهد

(2)

كما أخرجه عبد بالإسناد السالف. وقال قتادة: وفَّى بالطاعة والرسالة

(3)

. وفي لفظ: {وَفَّى} ما فرض عليه

(4)

. وقيل: بالعشر التي ابتلي بها.

وقيل: بذبح ابنه واختتانه، وقد جعل على نفسه أن لا يقعد على طعام إلا ومعه يتيم أو مسكين

(5)

. ووفَّى أبلغ من وَفَى؛ لأن الذي امتحن به عليه السلام من أعظم المحن

(6)

.

(1)

ذكره الزمخشري في "الكشاف".

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 632.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 532.

(4)

المصدر السابق 11/ 533.

(5)

الطبري 11/ 532 - 533.

(6)

انظر: "زاد المسير" 8/ 79.

ص: 299

(ص)({أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)}: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) هو كما قال.

(ص)({سَامِدُونَ}: البَرْطَمَةُ) قلت: وهو بفتح الباء وسكون الراء: الانتفاخ من الغضب، ورجل مبرطم: متكبر. وقيل: متغضب. وقيل: هو الغناء الذي لا يفهم.

(وَقَاْلَ عِكْرِمَة: يَتَغَنَّوْنَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ) هذا والذي قبله أسندهما عبد بن حميد، الأول عن مجاهد، والثاني عن عكرمة

(1)

. ولما روى الأول، عن ليث، عن مجاهد أنها البرطمة قال: قلت: وما البرطمة؟ قال: الإعراض. وساق عن ابن عباس أنه الغناء، وكانوا إذا سمعوا القرآن لعبوا وتغنوا

(2)

. وقال عكرمة: وهي بلغة أهل اليمن إذا أراد اليماني أن يقول: تغن قال: اسمد

(3)

. وقال قتادة {سَامِدُونَ} غافلون

(4)

.

وقال صالح أبو الخليل: لما نزلت هذِه الآية ما رُئي رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكًا ولا متبسمًا حتى ذهب

(5)

، وقيل: الهائم. وقيل: الساكت: وقيل: الحزين الخاشع. وقيل: القائم: وقيل: مجيء الإمام إلى الصلاة.

(1)

"تفسير مجاهد" 2/ 633، ورواه الطبري 11/ 542 من طريق أبي كريب عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح به.

(2)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 206، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" ص 342، والبزار كما في "كشف الأستار"(2264)، والطبري في "تفسيره" 11/ 541، والبيهقي 10/ 223 وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 116: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. وأورده السيوطي في "الدر" 6/ 173 وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد والبزار وابن جرير وغيرهم.

(3)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 206، وذكره القرطبي في "التفسير" 17/ 123.

(4)

الطبري 11/ 542.

(5)

انظر: "تفسير القرطبي" 17/ 123.

ص: 300

(ص)(وقال إبراهيم: {أَفَتُمَارُونَهُ}: أَفَتُجَادِلُونَهُ، وَمَنْ قَرَأَ أَفَتَمْرُونَهُ يَعْنِي أَفَتَجْحَدُونَهُ)، هذا أخرجه عبد بن حميد، عن عمرو بن عون، عن هشيم، عن مغيرة، عنه

(1)

. وقال الشعبي: كان شريح يقرؤه بالألف، وكان مسروق وابن عباس يقرآنها بحذفها، وهي قراءة حمزة والكسائي، وقرأ الباقون بالألف {فَتَمَارَوْا}: كذبوا

(2)

.

(ص)({مَا زَاغَ الْبَصَرُ}: بَصَرُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، {وَمَا طَغَى}: وَلَا جَاوَزَ مَا رَأى) أي: ما جاوز ما أمره به ولا مال عما قصد.

(ص)(وَقَالَ الحَسَنُ: (إِذَا هَوى): غَابَ) أخرجه عبد عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عنه. وقال مجاهد: هو الثريا إذا غارب، وقد سلف

(3)

.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {أَغْنَى وَأَقْنَى}: أَعْطَى فَأَرْضَى) أخرجه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي، عنه

(4)

. وقيل: {أقنى} من القنية. وقيل: أخدم. وقيل: {ولَّى} . وقيل: يضع. وقيل في {أغنى} : قنع

(5)

.

(1)

رواه الطبري 11/ 512 من طريق هشيم عن مغيرة، عن إبراهيم النخعي، وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 158 وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(2)

"الحجة للقراء السبعة" 6/ 2230.

(3)

"الدر المنثور" 6/ 154.

(4)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تغليق التعليق" 4/ 324.

(5)

انظر: "زاد المسير" 8/ 83 - 84.

ص: 301

‌1 - [باب]

4855 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِر، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: يَا أُمَّتَاهْ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِى مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ؟! مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ. ثُمَّ قَرَأَتْ {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [الأنعام: 103]. {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34] وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآيَةَ [المائدة: 67]، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عليه السلام فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. [انظر: 3234 - مسلم: 177 - فتح: 8/ 606]

ثم ساق البخاري حديث عائشة رضي الله عنها في الرؤية، وقد سلف، وشيخه فيه حدثنا يحيى -هو ابن موسى الحداني- كما نسبه ابن السكن، فيما حكاه الجياني

(1)

.

وقولها: (قفَّ شعري) أي: اقشعر حين قام ما عليه من الشعر.

وقول مسروق لعائشة: (يا أمتاه) هو نداء كقوله: يا أباه عند الريف، وإذا وصلوا قيل: يا أبة كـ {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} وإذا فتحوا للندبة قالوا: يا أبتاه والهاء للوقف، ولا يقولون: يا أبتي، ولا يا أُمَّتي، زعمًا أن الهاء بمنزلة قولهم: رجل يفعة، وغلام يفعة، واحتجاج عائشة رضي الله عنها بالآيتين تريد نفي الرؤية في الدنيا وهو مذهبها، والجمهور على أنه رآه بعيني رأسه

(2)

. والمراد بالإدراك الإحاطة.

(1)

"تقييد المهمل" 3/ 1058 - 1059.

(2)

انظر تفصيل القول في ذلك في "تفسير الطبري" 11/ 510 - 511، "تفسير ابن أبي حاتم" 10/ 3319، وانظر:"زاد المسير" 8/ 68، "تفسير ابن كثير" 13/ 256 - 260.

ص: 302

وقولها: (ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين) الجمهور على أن المراد: ولقد رآه -يعني: ربه وجبريل- والأول قول الحسن، والثاني قول الجماعة كما نقله عنهم ابن التين. قال: ويدل على صحته حديث ابن مسعود رضي الله عنه الآتي أنه رأى جبريل له ستمائة جناح

(1)

. زاد غير البخاري: يتناثر من ريشه الدر والياقوت

(2)

.

(1)

يأتي في الباب التالي برقم (4856).

(2)

رواه النسائي في "الكبرى" 6/ 473 (11542) وأحمد 1/ 412، وابن حبان 14/ 337 من طرق عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر، عن ابن مسعود .. الحديث.

ص: 303

‌2 - [باب] قوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 9]

من حَيْثُ الوَتَرُ في القَوْسِ.

4856 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ زِرًّا، عَنْ عَبْدِ اللهِ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} [النجم: 9،10] قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. [انظر: 3232 - مسلم: 174 - فتح: 8/ 610]

ذكر فيه حديث زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} [النجم: 9، 10] قَالَ ابن مَسْعُودٍ: إنَّهُ رَأى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. سلف في باب: الملائكة من كتاب: بدءالخلق

(1)

.

(1)

برقم (3232) باب: إذا قال أحدكم: آمين والملائكة في السماء ..

ص: 304

‌3 - [باب]؛ قَوْلِهِ: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} [النجم:10]

4857 -

حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} [النجم: 10،9] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ: أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. [انظر: 3232 - مسلم: 174 - فتح: 8/ 610]

ذكر فيه حديث عبد الله المذكور أيضًا.

ص: 305

‌4 - [باب] قوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 18]

4858

- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيم، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 18] قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ. [انظر: 3233 - فتح: 8/ 611]

ذكر فيه عن عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} [النجم: 18] قَالَ: رَأى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ. وقد سلف هناك أيضًا، قد سلف الكلام قريبًا على القاب. قيل: الرفرف: فراش. وقيل: ثوب كان لباسًا له. وقيل: بساط. وفي حديث آخر: رأى جبريل في حلي رفرف

(1)

.

(1)

رواه الترمذي (3283)، وأحمد 1/ 394، والحاكم 2/ 468 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال الألباني في: "صحيح الترمذي"(2617): صحيح.

ص: 306

‌5 - [باب] قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)} [النجم: 19]

4859

- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ:{اللاَّتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19] كَانَ الَّلَاتُ رَجُلاً يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ. [فتح: 8/ 611]

4860 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى. فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ. فَلْيَتَصَدَّقْ» . [6107، 6301، 6650 - مسلم: 1647 - فتح: 8/ 611]

ساق فيه حديث أبي الأشهب -واسمه جعفر بن حبان- ثنا أبو الجوزاء -بالجيم واسمه أوس بن عبد الله الربعي الأزدي البصري، قتل عام الجماجم سنة ثلاث وثلاثين- عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19] كَانَ اللَّاَتُ رَجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الحَاجِّ.

هذا على قراءة من قرأ بتشديد التاء، وهو خلاف ما عليه الأكثر، والوقف عليها بالتاء خلافًا للكسائي حيث وقف بالهاء

(1)

. قال ابن الزبير: كان رجلًا يلت لهم السويق، قيل: ويبيعه، فإذا شربوه سمنوا، وكان رجلًا معظَّمًا، كذلك يقال: إنه عمرو بن لحي أو ربيعة بن حارثة، ذكره السهيلى

(2)

، وهو والد خزاعة، وعمَّر طويلًا.

(1)

انظر: "زاد المسير" 8/ 71 - 72.

(2)

"الروض الأنف" 1/ 102.

ص: 307

قال مجاهد: فلما مات عبدوه، وأحاطوا بقبره، وجعلوا موضع الذي كان يلت فيه منسكًا ثم عبد

(1)

. وقال أبو صالح: كان يقوم على الأصنام ويلت لهم ذلك

(2)

.

وقال قتادة: اللات والعزى ومناة أصنام، اللات لأهل الطائف، والعزى لقريش، ومناة للأنصار

(3)

. زاد غيره: وكانت في وجوه الكعبة من حجارة

(4)

. وهذا مخالف لما سيأتي عن عائشة أن مناة صنم بين مكة والمدنية

(5)

. وقيل: بمكة. وقال قتادة: بنخلة

(6)

، وعن ابن عباس أن مناة كان علي ساحل البحر يعبد، سميت مناة: لأنه يمنى عليها دم الذبائح، أي: يراق. وكانت صنمًا لخزاعة وهذيل

(7)

. وقال مقاتل: إنما سميت اللات؛ لأنهم أرادوا أن يسموا الله جميعهم فقالوا: اللات.

قلت: وقيل: من لوى؛ لأنهم كانوا يلوون عليها أي: يطوفون، وأرادوا أن يسموا العزيز جميعهم فسموا العزى، وأرادوا أن يسموا

(1)

ذكره البغوي في "التفسير" 7/ 407، والسيوطي في "الدر" 6/ 163 وعزاه لسعيد ابن منصور والفاكهي.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 520 من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل عن أبي صالح.

(3)

رواه عبد الرزاق 2/ 204، وابن جرير في "تفسيره" 11/ 521 وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 63 وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة.

(4)

"تفسير الطبري" 11/ 520 - 521.

(5)

سيأتي برقم (4861).

(6)

قال ابن حجر في "الفتح" 8/ 612: وكانت اللات بالطائف، وقيل بنخلة وقيل بعكاظ والأول أصح.

(7)

ذكره الزمخشري في "الكشاف" 4/ 300.

ص: 308

منانًا جميعهم فسموا مناة. قلت: وقيل: العزى شجرة بعث الشارع خالدًا إليها فقطعها

(1)

. وقيل: وضعها لغطفان سعد بن ظالم

(2)

. وفي "الموعب" لأبي غالب عن أبي عمرو: العزى: النجم التي مع السماك وفي "روض الأنف" كان عمرو بن لحي ربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة، وكسا عشرة آلاف حلة. وقيل: إن اللات من سوق الحجيج كان من ثقيف، فلما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت، ولكنه دخل في الصخرة، فأمرهم بعبادتها، وأن يبنوا عليها بيتا يسمى اللات، ويقال: دام أمره وأمر ولده على هذا بمكة ثلاثمائة سنة

(3)

. قال في "المحكم": وأرى العزى تأنيث الأعز

(4)

، كالكبرى من الأكبر، فاللام فيه ليست بزائدة، والوجه زيادتها.

ثم ساق البخاري حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالْعُزى. فَلْيَقُلْ: لَا إله إِلَّا اللهُ. وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أقامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ".

الشرح:

هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة في النذور

(5)

والأدب والاستئذان.

(1)

ذكر سرية خالد بن الوليد إلى العزى ابن سعد في "الطبقات" 2/ 145 - 146، ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" 5/ 77.

(2)

انظر: "تفسير البغوي" 7/ 408.

(3)

"الروض الأنف" 1/ 103.

(4)

"المحكم" 1/ 34.

(5)

ورد بهامش الأصل: يعني أخرجه البخاري في هذِه الكتب: في التفسير هنا، والنذور [6650] والأدب [6107] والاستئذان [6301] أما مسلم ففي الأيمان والنذور [(1647) باب: من حلف باللات والعزى]، وفيه أخرجه أبو داود [(3247) باب: الحلف]. وكذا الترمذي [(1545)]، وقال: حسن صحيح. وكذا =

ص: 309

والحلف بفتح الحاء وكسر اللام وإسكانها أيضًا. أما الحلف بكسر الحاء وإسكان اللام فإنه العهد. والحكمة في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به ولا عظيم في الحقيقة سواه. قال ابن عباس: لأن أحلف مائة مرة فآثم خير من أن أحلف مرة واحدة بغير الله

(1)

. وإنما أمره بكلمة التوحيد بعد ذلك؛ لأنه تعاطى تعظيم الأصنام صورة، فإن أراد حقيقة كفر، وممن صرح به ابن العربي

(2)

، فإذا حلف باللات أو غيرها من الأصنام، أو قال: إن فعلت هذا فأنا بعد يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام، أو من الشارع، أو من القرآن أو نحو ذلك، فيمينه غير منعقدة، وعليه الاستغفار ويقول: لا إله إلا الله، ولا كفارة عليه، وإن فعله -وفاقًا للأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد والجمهور- رُدَّ لسانه إلى الحق، وقلبه إلى الحق تطهيرًا لما وقع منه. وقال أبو حنيفة. تجب الكفارة في كل ذلك، إلا في قوله: أنا مبتدع أو بريء من رسول الله أو اليهودية، وأمره بالصدقة. وفي مسلم:"فليتصدق بشيء" من باب التكفير لهذِه المعصية، ولا يتقدر بشيء كما هو صريح ما أوردناه. قال الأوزاعي: ويتصدق بمقدار ما كان يريد أن يقامر به، وعن بعض الحنفية أن المراد بها كفارة اليمين.

والقمار: مصدر قامره مقامرة، إذا أراد كل واحد أن يغلب صاحبه في عمل أو قول ليأخذ مالا من غلب، ولا شك في حرمته، واستثني منه سباق الخيل بشروطه.

= النسائي فيه [7/ 7] وابن ماجه في الكفارات [(2066) باب: النهي أن يحلف بغير الله]. فالحاصل أن الأئمة الستة أخرجوه، والله أعلم.

(1)

انظر: "إكمال المعلم" 5/ 400، "صحيح مسلم بشرح النووي" 11/ 105.

(2)

"عارضة الأحوذي" 7/ 17.

ص: 310

وفيه دلالة لمذهب الجمهور -كما حكاه القاضي

(1)

- أن العزم على المعصية إذا استقر في القلب كان ذنبًا يكتب عليه، بخلاف الخاطر الذي لا استقرار له، وظاهر الحديث -كما قال القرطبي- وجوب الصدقة، وقول: لا إله إلا الله في حق الأول

(2)

.

(1)

"إكمال المعلم" 5/ 404.

(2)

"المفهم" 4/ 626.

ص: 311

‌6 - [باب] قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} [النجم: 20]

4861 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ عُرْوَةَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها فَقَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ بِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} [البقرة: 158] فَطَافَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ. قَالَ سُفْيَانُ: مَنَاةُ بِالْمُشَلَّلِ مِنْ قُدَيْدٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: نَزَلَتْ فِي الأَنْصَارِ كَانُوا هُمْ وَغَسَّانُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ. مِثْلَهُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ -وَمَنَاةُ صَنَمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ- قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ كُنَّا لَا نَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِمَنَاةَ. نَحْوَهُ. [انظر: 1643 - مسلم: 1277 - فتح: 8/ 613]

ذكر فيه حديث عُرْوَةَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: إِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ بِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ التِي بِالْمُشَلَّلِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} [البقرة: 158] فَطَافَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ. قَالَ سُفْيَانُ: مَنَاةُ بِالْمُشَلَّلِ مِنْ قُدَيْدٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ: عَنِ ابن شِهَاب، عن عُرْوَةَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: نَزَلَتْ فِي الأَنْصَارِ كَانُوا هُمْ وَغَسَّانُ قَبْلً أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ. نحوه. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ -وَمَنَاةُ صَنَمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ- قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، كُنَّا لَا نَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِمَنَاةَ. نَحْوَهُ.

هذا الحديث سلف في الحج من حديث شعيب، عن الزهري، عن

ص: 312

عروة، عن عائشة مطولًا

(1)

. وأخرجه هنا من حديث الحميدي عن سفيان، عن الزهري. وأخرجه مسلم والترمذي

(2)

، وسلف في سورة البقرة أيضًا

(3)

، وقد أسلفت لك آنفًا الكلام على مناة.

فائدة:

عبد الرحمن بن خالد هذا هو أمير مصر لهشام، ثبت، مات سنة سبع وعشرين ومائة، وأخرج له مسلم متابعة

(4)

.

(1)

برقم (1643) باب: وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله.

(2)

مسلم (1277) باب: بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به والترمذي (2965).

(3)

برقم (4495) باب: قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} .

(4)

انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 5/ 277، "الجرح والتعديل" 5/ 229، "تهذيب الكمال" 17/ 76.

ص: 313

‌7 - [باب] قوله: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم: 62]

4862

- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ. تَابَعَهُ ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عُلَيَّةَ ابْنَ عَبَّاسٍ. [انظر: 1071 - فتح: 8/ 614].

4863 -

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1]. قَالَ فَسَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ، إِلاَّ رَجُلاً رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا، وَهْوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. [انظر: 1067 - مسلم: 576 - فتح: 8/ 614]

ذكر فيه حديث أبي معمر -وهو عبد الله بن عمرو المقعد- ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَجَدَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ. تَابَعَهُ إبراهيم بن طَهْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابن عُلَيَّةَ ابن عَبَّاسٍ. قال: وحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ -وهو محمد بن عبد الله بن الزبير الكوفي، مات بالأهواز سنة ثلاث ومائتين- ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1]. قَالَ: فَسَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وسجَدَ مَنْ خَلْفَهُ، إِلا رَجُلًا رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا، وَهْوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ.

ص: 314

وقد سلف هذا، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصلاة، وكذا متابعة ابن طهمان، وأخرج حديث عبد الله في المبعث والمغازي

(1)

، وأخرجه أيضا مسلم وأبو داود

(2)

والنسائي

(3)

.

وقوله: (ولم يذكر ابن علية) أي: عن أيوب ابن عباس). أي: إنما قاله مرسلًا عن عكرمة كما أوضحه خلف.

(1)

سلف برقم (3972) باب: قتل أبي جهل.

(2)

أبو داود (1406).

(3)

النسائي 2/ 160.

ص: 315

(54) سورة {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} [القمر: 1]

قَالَ مُجَاهِدٌ: {مُسْتَمِرٌّ} : ذَاهِبٌ {مُزْدَجَرٌ} : مُتَنَاهٍ. {وَازْدُجِرَ} : فَاسْتُطِيرَ جُنُونًا {وَدُسُرٍ} : أَضْلَاعُ السَّفِينَةِ، {لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} يَقُولُ: كُفِرَ لَهُ جَزَاءً مِنَ اللهِ. {مُحْتَضَرٌ} : يَحْضُرُونَ المَاءَ. وَقَالَ ابن جُبَيْرٍ: {مُهْطِعِينَ} النَّسَلَانُ، الخَبَبُ السِّرَاعُ. وَقَالَ غَيْرُهُ (فَتَعَاطَى) فَعَاطَهَا بِيَدِهِ فَعَقَرَهَا. {الْمُحْتَظِرِ} كَحِظَارٍ مِنَ الشَّجَرِ مُحْتَرِقٍ. {وَازْدُجِرَ} اْفْتُعِلَ مِنْ زَجَرْتُ. {كَفَرَ} فَعَلْنَا بِهِ وَبِهِمْ مَا فَعَلْنَا جَزَاءً لِمَا صُنِعَ بِنُوحٍ وَأَصْحَابِهِ. {مُسْتَقَرٌّ} عَذَابٌ حَقّ، يُقَالُ: الأَشَرُ: المَرَحُ وَالتَّجَبُّرُ.

هي مكية، قال مقاتل: إلا {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)} إلى قوله: {وَأْمُرْ} وفي "تفسيره": إلا آية {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} فإنها نزلت في أبي جهل يوم بدر، ونقل أيضًا عن الكلبي غيره، روى أبو جعفر عن الربيع بن أنس قال: هذا يوم بدر

(1)

-يعني أن الجمع هزموا فيه- فأما الآية عليه، وجاء تأويلها يوم بدر كما رواه حماد، عن أيوب، عن عكرمة

(2)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 567.

(2)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" 13/ 303 من طريق أبي الربيع الزهراني، عن حماد به.

ورواه الطبري في "تفسيره" 11/ 567 من طريق معمر عن أيوب، عن عكرمة أن عمر قال: فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} .

ص: 316

وسيأتي عن عائشة رضي الله عنها أنها مكية أيضًا

(1)

.

(ص)(وقَالَ مُجَاهِدٌ: {مُسْتَمِرٌّ}: ذَاهِبٌ) هذا أخرجه عبد بن حميد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه

(2)

. وعن قتادة: إذا رأى أهل الضلالة آية من آيات الله قالوا: إنما هذا عمل السحر يوشك أن يستمر ويذهب

(3)

. وروى عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، عن أنس:{مُسْتَمِرٌّ} : ذاهب

(4)

. وكذا ذكره ابن أبي زياد عن ابن عباس ومقاتل في "تفسيره"

(5)

.

(ص)({مُزْدَجَرٌ}: متناهي {وَازْدُجِرَ}: فَاسْتُطِيرَ جُنُونًا {وَدُسُرٍ}: أَضْلَاعُ السَّفِينَةِ، {لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} يَقُولُ: كُفِرَ لَهُ جَزَاءً مِنَ اللهِ. {مُحْتَضَرٌ}: يَحْضُرُونَ المَاء) هذا أخرجه ابن أبي حاتم، عن حجاج بن حمزة، عن شبابة به

(6)

.

ومعنى ذاهب فيما سلف، أي: سيذهب ويبطل، وقاله الفراء أيضًا واحتقر

(7)

.

وقال الزجاج: دائم

(8)

وقيل: قوي في نحوس، وقيل: مر. وقيل: نافذ ماض فيما أمر به. وقيل: يشبه بعضه بعضًا.

(1)

سيأتي برقم (4876).

(2)

رواه الطبري 11/ 547. وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 177 وعزاه للفريابي وعبد بن حميد وابن جرير.

(3)

الطبري 11/ 547 - 548.

(4)

"تفسير عبد الرزاق" 2/ 207.

(5)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 548.

(6)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 175.

(7)

"معاني القرآن" 3/ 104.

(8)

"معاني القرآن" 5/ 82.

ص: 317

وقيل: هو يوم الأربعاء الذي لا يدور في الشهر، لعله آخر يوم أربعاء من الشهر

(1)

. وقيل: مستحكم بحكم.

وقوله: ({مُزْدَجَرٌ}: متناهي) يريد: متناهيًا وهو مفتعل من زجرت الشيء، وأبدلت من التاء دالًا، (كمركب)

(2)

، وقول البخاري فيما سيأتي: متْذكر، هو بإسكان التاء، وضبط ابن التين بفتحها وتشديد الكاف. وقوله في {وَازْدُجِرَ} هو معنى قول الحسن، قال: مجنون وتوعدوه بالقتل

(3)

.

وقال البخاري بعد ({وَازْدُجِرَ}: اْفْتُعِلَ مِنْ زَجَرْتُ) وفسر قتادة الدسر بالمسامير

(4)

. قال: وواحد الدسر: دسار

(5)

، ككتاب وكتب.

وقوله في {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِر} قيل فيه أيضًا: قيل: المعنى: جزاء لمن جحد -يعني: نوحًا- فنجيناه ومن معه وأهلكنا الباقين جزاء له، كما ذكره بعد؛ حيث قال: كفر، يقول: فعلنا به وبهم ما فعلنا جزاء لما صنع بنوح وأصحابه

(6)

.

وقوله في {مُحْتَضَرٌ} أي: كل من له نصيب يحضر ليأخذه.

(ص)(وَقَالَ ابن جُبَيْرٍ: {مُهْطِعِينَ} النَّسَلَانُ، الخَبَبُ السِّرَاعُ) هذا أخرجه ابن المنذر عن موسى، ثنا يحيى، ثنا شريك، عن سالم،

(1)

انظر "تفسير البغوي" 7/ 430.

(2)

كذا في الأصل، ولعل الصحيح: كمرتكب.

(3)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 179.

(4)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 207، والطبري 11/ 552، وأورده السيوطي في "الدر" 6/ 179 وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير.

(5)

انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 240، "تفسير الطبري" 11/ 552.

(6)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 554.

ص: 318

عنه

(1)

. وفي رواية قتادة: عامدين إلى الداعي. أخرجه عبد بن حميد

(2)

. وقيل: مسرعين في خوف

(3)

. وقيل: ناظرين إلى الداعي. وقال أحمد بن يحيى: المهطع: الذي ينظر في ذل وخشوع ولا يتبع بصره

(4)

. والنسَّلان بفتح النون والسين: مشية الذئب إذا أعنق.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ {فَتَعَاطَى} فَعَاطَهَا بِيَدِهِ فَعَقَرَهَا) كذا هو (فعاطها) وفي بعض النسخ: (فعطاها) قال ابن التين بعد أن ذكره باللفظ الأول: لا أعلم له وجهًا إلا أن يكون من المقلوب الذي قلبت عينه على لامه؛ لأن العطو: التناول، فيكون المعنى: فتناولها بيده. وأما عوط فلا أعلمه في كلام العرب، وأما عيط فليس معناه موافقًا لهذا. والذي قال بعض المفسرين: فتعاطى عقر الناقة فعقرها. وقال ابن فارس: التعاطي: الجرأة، والمعنى: تجرأ فعقر

(5)

.

(ص)({الْمُحْتَظِرِ} كَحِظَارٍ مِنَ الشَّجَرِ مُحْتَرِقٍ) أي: وهو بفتح الحاء من حظار وكسرها، وهذا أخرجه عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة

(6)

. وعن مجاهد: هو الرجل يهشم الخيمة

(7)

.

(1)

رواه الطبري 7/ 468 من طريق هاشم بن القاسم عن أبي سعيد المؤدب، عن سالم، عن سعيد بن جبير، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 10/ 3320 من طريق شريك عن سالم به.

(2)

"الدر المنثور" 6/ 178. وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة.

(3)

رواه عبد الرزاق في "التفسير" 2/ 343، والطبري في "تفسيره" 7/ 468 عن قتادة.

(4)

انظر: "تفسير الفخر الرازي" 19/ 141.

(5)

"مجمل اللغة" 2/ 674 (مادة: عطو).

(6)

رواه عبد الرزاق في "التفسير" 2/ 209، وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 182 وعزاه الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة بلفظ: كرماد محترق.

(7)

"تفسير الطبري" 11/ 562.

ص: 319

وقال ابن جبير: يسقط من الحائط

(1)

. وقال ابن عباس: كالحشيش تأكله الغنم

(2)

.

(ص)({مُسْتَقِرٌّ} عَذَابٌ حَقٌّ): دائم عام استقر فيهم حتى يفضي إلى عذاب الآخرة.

(ص)(ويُقَالُ: الأَشَرُ: المَرَحُ) أي: في غير طاعة والتجبر. وقرئ: (الأشرّ) بتشديد الراء، وبضم الشين وتخفيف الراء

(3)

، وربما كان الفرح من النشاط

(4)

.

(1)

"تفسير الطبري" 11/ 562، قال ابن كثير في "تفسيره" 13/ 301: وهذا قول غريب.

(2)

"تفسير ابن أبي حاتم" 10/ 3321، "النكت والعيون" للماوردي 5/ 417، "تفسير البغوي" 7/ 431، السيوطي في "الدر" 6/ 183 وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

"شواذ القراءات" لابن خالويه ص 148، "المحتسب" لابن جني 2/ 299، وممن قرأ بتشديد الراء أبو قلابة، وممن قرأ بتخفيف الراء مجاهد، والأزدي.

(4)

قاله أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 2/ 241.

ص: 320

‌1 - قوله: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}

4864 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ وَفِرْقَةً دُونَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اشْهَدُوا» . [انظر: 3636 -

مسلم: 2800 - فتح: 8/ 617]

4865 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَصَارَ فِرْقَتَيْنِ، فَقَالَ لَنَا «اشْهَدُوا، اشْهَدُوا» . [انظر: 3636 - مسلم: 2800 - فتح: 8/ 617]

4866 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3638 - مسلم: 2803 - فتح: 8/ 617]

4867 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ. [انظر: 3637 - مسلم: 2802 - فتح: 8/ 617].

4868 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ فِرْقَتَيْنِ.

ذكر فيه حديث أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: انْشقَّ القَمَرُ عَلَى

عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً فَوْقَ الجَبَلِ وَفِرْقَةً دُونَهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"اشْهَدُوا".

وحديث ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر عنه به.

وحديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: انْشَقَّ القَمَرُ فِي زَمَانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 321

وحديث شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ القَمَرِ.

وعن شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: انْشَقَّ القَمَرُ فِرْقَتَيْنِ.

وقد سلف في باب انشقاق القمر بعد إسلام عمر رضي الله عنه آخر المناقب

(1)

، وفي باب: سؤال المشركين أن يريهم آية

(2)

.

وللبيهقي من حديث قتادة، عن أنس رضي الله عنه بلفظ:(فأراه)

(3)

انشقاق القمر مرتين

(4)

، ئم عزاه للبخاري. وفي حديث ابن أبي عروبة عن قتادة: فأراهم مرتين انشقاقه. وقد حفظه عن قتادة ثلاثة: سفيان ومعمر وابن أبي عروبة. واسم ابن أبي نجيح عبد الله بن يسار مولى الأخنس، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. قال يحيى القطان: كان قدريًّا

(5)

. واسم أبي معمر عبد الله بن سخبرة، ولأمه سخبرة صحبة ورواية، روى له الترمذي. قال ابن سعد: توفي ابن سخبرة بالكوفة، في ولاية عبيد الله بن زياد

(6)

.

قلت: كان يزيد بن معاوية أضاف لعبيد الله ولاية الكوفة مع البصرة حين أراد الحسين رضي الله عنه أن يتوجه إليها، وقتل عبيد الله بالزاب من أرض الموصل سنة سبع وستين، قتله إبراهيم بن الأشتر من قبل المختار، وفيها

(1)

سلف برقم (3868) كتاب: المناقب، باب: انشقاف القمر.

(2)

سلف برقم (3636).

(3)

ورد في هامش الأصل: (لعله فأراهم).

(4)

"دلائل النبوة" للبيهقي 2/ 262.

(5)

انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 5/ 233، "الجرح والتعديل" 5/ 203 "تهذيب الكمال" 16/ 215 - 218.

(6)

"الطبقات" 6/ 103.

ص: 322

قتل المختار، قتله مصعب بن الزبير بن العوام. وقد أسلفنا هناك أنه رواه غير هؤلاء الثلاثة، وممن رواه جبير بن مطعم أيضًا كما سلف هناك، وهو وابن مسعود شاهداه، وابن عباس وأنس أُخبرا به.

وأبعد من قال: إن المراد به يوم القيامة، وأن المعنى: وينشق

(1)

، وقد وهناه هناك، وصحت الرواية به، وجاء في تفسير أبي عبد الله أن ذلك كان ليلة البدر، وأن نصفه على الصفا والآخر على قعيقعان، وقال عبد بن حميد: أخبرنا قبيصة، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: جمعت مع حذيفة بالمدائن فسمعته يقول: ألا إن القمر انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: الحديث

(2)

سنده لا بأس به.

قلت: وقد رواه عن الصحابة المذكورين هنا وهناك أمثالهم كذلك من التابعين ثم كذلك نقل الجم الغفير والعدد الكثير إلى أن انتهى إلينا. وأيضًا قاله الكتاب العزيز كما سلف، فلا ينكره إلا معاند، وأما ما يروى في أنه دخل في كمه عليه السلام وخرج في الأخرى فباطل لا أصل له. قال الحليمي في "منهاجه": ومن الناس من قال قوله: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} معناه: ينشق كقوله: {أَتَى أَمْرُ اللهِ} أي: يأتي. قال: فإن كان هكذا فقد أتى، وقد رأيت الهلال وهو ابن ليلتين عرض كل واحد منهما كعرض القمر ليلة أربع أو خمس، وما زلت انظر إليهما حتى اتصلا ثم غابا. وكان معي جماعة من الثقات شاهدوا كذلك. قال وأخبرني من وثقت به، وكان خبره عندي كعياني أنه رأى الهلال وهو ابن ثلاث منشقًّا نصفين.

(1)

انظر: "تفسير الماوردي" 5/ 409، "زاد المسير" 8/ 88.

(2)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 177.

ص: 323

قال الحليمي: وإذا كان كذلك ظهر أن الانشقاق في الآية إنما هو الذي من أشراط الساعة دون الانشقاق الذي جعله الله لرسوله وحجة على أهل مكة.

ص: 324

‌2 - [باب] قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)} [القمر: 14 - 15]

.

قَالَ قَتَادَةُ: أَبْقَى اللهُ سَفِينَةَ نُوحٍ حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَائِلُ هذِه الأُمَةِ.

4869 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17]. [انظر: 3341 - مسلم: 823 - فتح: 8/ 617]

هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث سعيد عنه: أبقى الله السفينة (يباقرين)

(1)

من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذِه الأمة نظرًا، وكم من سفينة كانت بعدها فصارت رمادًا

(2)

! وعند عبد بن حميد: أدركها أوائل هذِه الأمة على الجودي

(3)

.

ثم ذكر البخاري حديث الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ {فَهَل مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17]. وقد سلف.

(1)

كذا في الأصل وعليها كلمة كذا، وفي "تفسير الطبري" 11/ 554:(بباقردى).

(2)

رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 10/ 3320 وانظر "تغليق التعليق" 4/ 328.

(3)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 208 ن جرير 11/ 555، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 185، وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة.

ص: 325

‌3 - [باب] قوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ} الآية [القمر: 17]

قَالَ مُجَاهِدٌ: (يَسَّرْنَا): هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ.

4870 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ:{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} . [القمر: 17].

هذا أخرجه (عبيد)

(1)

عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه

(2)

.

ثم ساق حديث عبد الله أيضًا.

(1)

كذا في الأصل ولعلها: (عبد) يعني: عبد بن حميد.

(2)

ورواه الطبري 11/ 555، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 2/ 8 من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 180 وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي.

ص: 326

‌4 - باب {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} إلى قوله: {مِنْ مُدَّكِرٍ}

4871 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً سَأَلَ الأَسْوَدَ:{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أَوْ (مُذَّكِرٍ) فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقْرَؤُهَا: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 22] قَالَ: وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهَا: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 22] دَالاً. [انظر: 3341 - مسلم: 823 - فتح: 8/ 618]

ساق فيه حديث أَبِي إِسحَاقَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا سَأَلَ الأَسْوَدَ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أَوْ (مُذَّكِرٍ) فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقْرَؤُهَا: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قَالَ: وَسمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقْرَؤُهَا: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 22] دَالًا.

ص: 327

‌5 - باب {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)} [القمر: 31، 33]

متدكر

(1)

4872 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 33] الآيَةَ. [انظر:3341 - مسلم: 833 - فتح: 8/ 618]

ثم ساق فيه أيضًا حديث أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} .

(1)

كذا في الأصل وعليها كذا.

ص: 328

‌6 - باب {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً} إلى قوله: {مِنْ مُدَّكِرٍ}

4873 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ:{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 40]. [انظر: 3341 - مسلم: 823 - فتح: 8/ 618]

ساقه فيه أيضًا قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَهَلْ مِن مذكر) فقال عليه السلام: " {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ".

ص: 329

‌7 - باب {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)} [القمر: 51]

4874 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)[القمر: 51][انظر: 3341 - مسلم: 823 - فتح: 8/ 618]

ساقه فيه أيضا أنه عليه السلام قرأ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} .

ص: 330

‌8 - باب {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} [القمر: 45]

4875

- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ وُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهْوَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ بَدْرٍ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ» . فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ. وَهْوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} [القمر: 45]. [انظر: 3915 - فتح: 8/ 619]

ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ وَهْوَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ بَدْرٍ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ .. "الحديث، سلف في غزاة بدر. زاد هنا: وَهْوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ. وفي آخره: {وَأْمُرْ} يَعْنِي مِنَ المَرَارَةِ.

وساقه هنا عن شيخه محمد بن حوشب، وهو محمد بن عبد الله بن حوشب -كما ذكره هناك- وهو تابعي. ووهيب المذكور هنا -الراوي عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس- هو ابن خالد بن عجلان باهلي بصري، مات سنة خمس وستين ومائة، ابن ثمان وخمسين سنة.

وقوله في هذِه: (حدثنا محمد، ثنا عفان) كذا هو في بعض النسخ قال الجياني: كذا في روايتنا عن الأصيلي غير منسوب، وكذا هو عند أبي ذر وأبي نصر قال: وسقط في نسخة ابن السكن ذكر محمد هذا قال البخاري: (حدثنا عفان). ولعله الذهلي

(1)

.

(1)

"تقييد المهمل وتمييز المشكل" 3/ 1043 - 1044.

ص: 331

وذكر البخاري بعد في الباب الآتي فقال: حدثنا إسحاق، ثنا خالد، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره. وهو إسحاق بن شاهين الواسطي كما ذكر جماعة أبو بشر. وخالد الأول هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الواسطي مولى مزينة الطحان، مات مع مالك وحماد بن زيد وسلام

(1)

. وخالد الثاني هو ابن مهران أبو المنازل الحذاء البصري مولى قريش، وقيل مولى بني مجاشع، مات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة

(2)

.

ثم هذا الحديث من مراسيل ابن عباس، وقد بينه مسلم، حيث رواه من طريق سماك عنه قال: حدثني عمر بن الخطاب، فذكره

(3)

.

ومعنى: {أَدْهَى وَأَمَرُّ} أي: هي أشد مما لحقهم من الهزيمة، و {أدهى} مشتق من الداهية وهي الأمر العظيم الذي لا دواء له، و {أمر} من المرارة.

(1)

انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 3/ 160، "الجرح والتعديل" 3/ 340، "تهذيب الكمال" 8/ 99 - 104.

(2)

انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 3/ 173، "الجرح والتعديل" 3/ 352، "تهذيب الكمال" 8/ 177 - 182.

(3)

مسلم برقم (1763) كتاب: الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم.

ص: 332

‌9 - باب {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)} [القمر: 46]

يَعْنِي: مِنَ المَرَارَةِ.

4876 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُف، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}. [القمر: 46]. [4993 - فتح: 8/ 619]

4877 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهْوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ:«أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا» . فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ. وَهْوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: " {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)} [القمر: 45، 46][انظر: 2915 - فتح: 8/ 619]

قد أسلفنا الكلام على ذلك آنفًا.

ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها: لَقَدْ نزل عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)} ، ويأتي وحديث ابن عباس السالف.

ص: 333

(55) سورة الرَّحْمَنِ

{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ} يُرِيدُ لِسَانَ المِيزَانِ، وَالْعَصْفُ: بَقْلُ الزَّرْعِ إِذَا قُطِعَ مِنْهُ شيء قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ فَذَلِكَ العَصْفُ. {وَالرَّيْحَانُ} رِزْقُهُ. {وَالْحَبُّ} الذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَالرَّيْحَانُ فِي كَلَامِ العَرَبِ: الرِّزْقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْعَصْفُ يُرِيدُ المَأكُولَ مِنَ الحَبِّ، وَالرَّيْحَانُ النَّضِيجُ الذِي لَمْ يُؤْكَلْ. وَقَالَ غَيْرُهُ العَصْفُ وَرَقُ الحِنْطَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: العَصْفُ التِّبْنُ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: العَصْفُ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ تُسَمِّيهِ النَّبَطُ هَبُورًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: العَصْفُ وَرَقُ الحِنْطَةِ. وَالرَّيْحَانُ الرِّزْقُ، وَالْمَارجُ: اللَّهَبُ الأَصْفَرُ وَالأَخْضَرُ الذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ مُجَاهِدٍ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} لِلشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ مَشْرِقٌ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ. {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} مَغْرِبُهَا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ {لَا يَبْغِيَانِ} لَا يَخْتَلِطَانِ {الْمُنْشَآتُ} مَا رُفِعَ قِلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْعُهُ فَلَيْسَ بِمُنْشَأَةٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{وَنُحَاسٌ} الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ، يُعَذَّبُونَ بِهِ. {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ اللهَ عز وجل فَيَتْرُكُهَا، الشُّوَاظُ لَهَبٌ مِنْ نَارٍ. {مُدْهَامَّتَانِ (64)} سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ. {صَلْصَالٍ} طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ، فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الفَخَّارُ. وَيُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ: صَلَّ، يُقَالُ: صَلْصَالٌ، كَمَا يُقَالُ: صَرَّ البَابُ عِنْدَ الإِغْلَاقِ، وَصَرْصَرَ مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي كَبَبْتُهُ. {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ

ص: 334

وَرُمَّانٌ} وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالْفَاكِهَةِ، وَأَمَّا العَرَبُ فَإِنَّهَا تَعُدُّهَا فَاكِهَةً كَقَوْلِهِ عز وجل:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ على كُلِّ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَعَادَ العَصْرَ تَشْدِيدًا لَهَا، كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ، وَمِثْلُهَا {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ثُمَّ قَالَ {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18] وَقَدْ ذَكَرَهُمْ فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} وَقَالَ غَيْرُهُ: {أَفْنَانٍ} : أَغْصَانٍ. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} : مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ. وَقَالَ الحَسَنُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ} : نِعَمِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: {رَبِّكُما} يَعْنِي الجِنَّ وَالإِنْسَ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، ويرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{بَرْزَخٌ} حَاجِزٌ، الأَنَامُ: الخَلْقُ {نَضَّاخَتَانِ} : فَيَّاضَتَانِ {ذُو الْجَلَالِ} : ذُو العَظَمَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَارجٌ خَالِصٌ مِنَ النَّارِ، يُقَالُ: مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ إِذَا خَلَّاهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ. مَرَجَ أَمْرُ النَّاسِ {مَرِيجٍ} [ق: 5]: مُلْتَبِسٌ {مَرَجَ} اخْتَلَطَ البَحْرَانِ، مِنْ مَرَجْتَ دَابَّتَكَ تَرَكْتَهَا. {سَنَفْرُغُ لَكُمْ}: سَنُحَاسِبُكُمْ، لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ وَهْوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ العَرَبِ يُقَالُ: لأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ وَمَا بِهِ شُغْلٌ، يَقُولُ: لآخُذَنَّكَ عَلَى غِرَّتِكَ.

هي مكية.

ص: 335

وعن همام، عن قتادة: مدنية. وروى سعيد عنه: مكية

(1)

. وكيف تكون مدنية، هانما قرأها الشارع بسوق عكاظ فسمعته الجن، وأول شيء سمعت قريش من القرآن جهرًا سورة الرحمن، قرأها ابن مسعود عند الحجر فضربوه حتى أثروا في وجهه، كما ذكره ابن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه

(2)

.

وعن ابن عباس: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} مدنية. وروى عطية عن ابن عباس: مدنية، وهو قول ابن مسعود

(3)

. وقال مقاتل: نزلت لما سمع كفار مكة قوله: {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} فأخبر الله عن نفسه وعن صنعه ليعرف ويوحد.

قال السخاوي: ونزلت قبل: {هَلْ أَتَى} وبعد الرعد

(4)

.

(ص)(وقال مجاهد: {بِحُسْبَانٍ} كَحُسْبَانِ الرَّحَى) هذا أسنده عبد بن حميد عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه. ولفظ ابن أبي نجيح عنه قال: يدوران في مثل قطب الرحى

(5)

.

(ص)(وقال أبو مالك: بحساب ومنازل. وفي رواية: وأجلٍ) قلت: والحسبان أيضًا. سهام قصار الواحد حسبانة.

(1)

قال السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 189: أخرجه النحاس عن ابن عباس: نزلت سورة الرحمن بمكة، وأخرج ابن مردويه والبيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت سورة الرحمن بالمدينة.

وذكرهما ابن عطية في "المحرر الوجيز" 14/ 177 وقال: القول الأول أصح.

(2)

"سيرة ابن إسحاق" ص 166.

(3)

انظر: "زاد المسير" 8/ 105، و"الدر المنثور" 6/ 189.

(4)

"جمال القراء" ص 8.

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 574، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 191، وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

ص: 336

(ص)(وقال غيره: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ}: لِسَانَ المِيزَانِ) هو قول أبي الدرداء.

(ص)(وَالْعَصْفُ بَقْلُ الزَّرْعِ، إِذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيء قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ، فَذَلِكَ العَصْفُ. {وَالرَّيْحَانُ}: ورقه. {وَالْحَبُّ} الذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَالرَّيْحَانُ فِي كَلَامِ العَرَبِ: الرِّزْقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُرِيدُ المَأْكُولَ مِنَ الحَبِّ، وَالرَّيْحَانُ: النَّضِيجُ الذِي لَمْ يُؤْكَلْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: العَصْفُ وَرَقُ الحِنْطَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: العَصْفُ: التِّبْنُ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: العَصْفُ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ تُسَمِّيهِ النَّبَطُ هَبُورًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: العَصْفُ: وَرَقُ الحِنْطَةِ، والريحان: الرزق) هذا -أعني: قول مجاهد- رواه عبد بن حميد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه

(1)

، قال: وقراءة عاصم: (الريحانُ) بالرفع. وروى مقالة أبي مالك عن يحيى بن عبد الحميد، عن ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد عنه

(2)

.

والنَّبَط بفتح النون والباء. وهبور بفتح الهاء.

ومقالة الضحاك رواها جويبر عنه

(3)

، وحكيت عن ابن عباس أيضًا. وعنه أيضًا أنه ورق الزرع الأخضر إذا قطع رءوسه ويبس

(4)

، نظيره:{كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} وعن مجاهد في العصف أنه ورق الزرع

(1)

ذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 192 وعزاه لابن جرير وابن المنذر. ورواه عبد الرحمن الهمذاني في "تفسير مجاهد" 2/ 640 واللفظ له.

ورواه الطبري في "التفسير" 11/ 579 من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: الوصف: الورق من كل شيء.

(2)

"تفسير الطبري" 11/ 579 وقال ابن حجر في "الفتح" 8/ 621: وليس له -أي لأبي مالك- في البخاري إلا هذا الموضع.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 579 من طريق مهران عن سفيان عن الضحاك.

(4)

رواه الطبري 11/ 579.

ص: 337

وأطلق

(1)

. ويسمى ورق الزرع أيضًا الجلة بكسر الجيم، كما نقله ابن السكيت

(2)

. وقال ابن كيسان: العصف: ورق كل شيء خرج منه الحب، يبدو أولا ورقًا، ثم يكون سوقًا، ثم أكماما ثم حبًّا

(3)

.

وقوله: (الريحان في كلام العرب: الرزق) هو كما قال، وجزم به في صفة الجنة

(4)

، وهو قول مجاهد

(5)

. قال ابن عباس: كل ريحان في القرآن فهو رزق

(6)

، قال مقاتل: بلغة حمير

(7)

. وعن ابن عباس أيضًا أنه الريح

(8)

.

وقال الضحاك: الطعام

(9)

. وقال الحسن: هو المعروف

(10)

.

وقوله أولًا: (والريحان رزقه) هو قول مجاهد أيضًا.

(ص)(وَالْمَارجُ: اللَّهَبُ الأَصْفَرُ وَالأَخْضَرُ الذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ) هذا أخرجه ابن أبي حاتم بالسند السالف عن مجاهد

(11)

.

وفي بعض النسخ قال مجاهد: {كَالْفَخَّارِ} كما يصنع الفخار، والمارج: طرف النار. وعن مجاهد أنه اللهب الأحمر والأسود، من

(1)

المصدر السابق.

(2)

"إصلاح المنطق" ص 34.

(3)

انظر: "الوسيط" 4/ 218، "تفسير البغوي" 7/ 443.

(4)

سلف قبل الحديث (3240) كتاب بدء الخلق.

(5)

"تفسير مجاهد" 2/ 640.

(6)

"تفسير الطبري" 11/ 580.

(7)

انظر: "تفسير القرطبي" 17/ 157 ونسبه للضحاك.

(8)

المرجع السابق.

(9)

المرجع السابق.

(10)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 580 - 581، "زاد المسير" 8/ 108 - 109.

(11)

رواه الفريابىِ وعبد بن حميد وابن جرير كما في "الدر المنثور" 6/ 193 ولم يعزه لابن أبي حاتم.

ص: 338

قولهم: مرج أمر القوم: إذا اختلط. وذكر بعد ذلك عن بعضهم: (مارج خالص من النار، يقال: مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو بعضهم على بعض، مرج بأمر الناس {مَرِيجٍ} [ق: 5]: ملتبس. {مَرَجَ}: خلط البحرين، من مرجت دابتك تركتها).

(ص)(وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ مُجَاهِدٍ {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} لِلشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ مَشْرِقٌ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ. {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} مَغْرِبُهَا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) هذا أخرجه ابن المنذر عن علي بن المبارك، ثنا زيد، ثنا ابن ثور، عن ابن جريج، عن مجاهد

(1)

.

(ص)({لَا يَبْغِيَانِ}: لَا يَخْتَلِطَانِ) أخرجه ابن المنذر بهذا الإسناد عنه أيضًا، وأخرجه عنه، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه أي: لا العذب على الملح ولا عكسه

(2)

.

(ص)({الْمُنْشَآتُ} مَا رُفِعَ قِلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْعُهُ فَلَيْسَ بِمُنْشَأَةٍ) أخرجه أيضًا به

(3)

. وقيل: يعنى السفن التي أنشئت. أي: ابتدئ بهن في البحر لتجري فيه. والقلع بكسر القاف وسكون اللام وفتحها أيضًا حكاه ابن التين. قال غندر: كان الأعمش يقرؤها: (المنشئات) يعني: الباديات. وقرأ بها عاصم. وقال الضحاك: (المنشئات) الفاعلات، قال الزجاج: والفتح أجود

(4)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 585 من طريق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 193 وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.

(2)

رواه الطبري 11/ 587 من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأورده السيوطي في "الدر" 6/ 194 وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(3)

رواه الطبري 11/ 591 وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه للفريابي وعبد بن حميد وابن جرير.

(4)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 247 - 248، و"حجة القراءات" ص 691 - 692.

ص: 339

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَنُحَاسٌ} الصُّفْرُ يُصَبُّ على رُءُوسِهِمْ، يُعَذَّبُونَ بِهِ) أسنده ابن المنذر، عن موسى بن هارون، عن يحيى، ثنا قيس، عن منصور عنه

(1)

.

(ص)(والشُّوَاظُ لَهَبٌ مِنْ نَارٍ) وهو من تتمة قول مجاهد

(2)

، وقد أسنده ابن المنذر بالسند السالف عن ابن المبارك إلى آخره. وقيل: هو اللهب الذي لا دخان فيه

(3)

. وقيل: هو النار المحضة بغير دخان.

(ص)(وقال مجاهد: {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} يَهُمُّ بِالْمَعْصيَةِ فَيَذْكُرُ اللهَ عز وجل فَيَتْرُكُهَا)، أسنده ابن المنذر عن بكار بن قتيبة، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان، عن منصور عنه.

وقال قتادة: يعمل بالليل والنهار

(4)

.

وقوله: {جَنَّتَانِ} فيه رد لقول الفراء: إنها قد تكون جنة فثنى

(5)

.

(1)

رواه الطبري 11/ 597، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 199 وعزاه لهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 642.

(3)

انظر: "تفسيره البغوي" 7/ 448، "تفسير القرطبي" 17/ 172.

(4)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 202.

(5)

قال الفراء: وقد يكون في العربية: جنة تثنيها العرب في أشعارها؛ أنشدني بعضهم:

ومَهْمَين قَذَفَين مرتين

قطعته بالأَمِّ لا بالسَّمتين

يريد: مهمها وسمتاً واحدًا، وأنشدنى آخر:

يسعى بكيداء ولهذمين

قد جعل الأرطأة جنتين

وذلك أن الشعر له قواف يقيمها الزيادة والنقصان، فيحتمل ما لا يحتمله الكلام. "معاني القرآن" 3/ 118.

قال القرطبي في "تفسيره"(17/ 186): وفيل: أفردا بالذكر لأن النخل ثمره فاكهة وطعام، والرمان فاكهة ودواء، فلم يخلصا للتفكه، ومنه قال أبو حنيفة رحمه الله.

ص: 340

(ص)({مُدْهَامَّتَانِ (64)} سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ) أسنده ابن أبي حاتم، عن حجاج، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه. أعني: عن مجاهد

(1)

.

وجزم به أيضًا في باب: صفة الجنة

(2)

.

(ص)({صَلْصَالٍ} طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ) إلى قوله: (كَبَبْتُهُ) سلف في باب: خلق آدم

(3)

.

(ص) ({فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالْفَاكِهَةِ -يعني أن أبا حنيفة-

(4)

، وَأَمَّا العَرَبُ فَإِنَّهَا تَعُدُّهَا فَاكِهَةً فتجيب بهما كَقَوْلِهِ تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ على كُلِّ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَعَادَ العَصْرَ تَشْدِيدًا لَهَا، كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ) أي: فهو من باب عطف الخاص على العام قال: (ومثله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ثُمَّ قَالَ: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} وَقَدْ ذَكَرَهُمْ فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} .

(وقال غيره: {أَفْنَانٍ}: أغصان) جزم به في باب: صفة الجنة، وحكاه الثعلبي عن مجاهد، فينظر في قوله. وقال غيره: وقال

(1)

رواه عبد الرحمن الهمذاني في "تفسير مجاهد" 2/ 643 من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح، به وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 209، وعزاه لعبد بن حميد ولم يعزه لابن أبي حاتم.

(2)

سلف قبل الحديث (3240) كتاب: بدء الخلق.

(3)

سلف قبل الحديث (3326) كتاب: أحاديث الأنبياء.

(4)

قال ابن حجر في "الفتح" 8/ 623: قال شيخنا ابن الملقن: البعض المذكور هو أبو حنيفة. قلت بل نقل البخاري هذا الكلام من كلام الفراء. انظر "معاني القرآن" 3/ 119.

ص: 341

ابن عباس: واحدهما: فنن. وعبارة الضحاك: ألوان الفواكه

(1)

.

(ص)({وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} مَا يُجْتَنى قَرِيبٌ) أي مثاله القائم والقاعد والنائم، وقد جزم به أيضًا هناك.

(ص)(وقال الحسن: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا} قال قتادة: يعني الجن والإنس) كذا في الأصول، وفي بعض النسخ:{فَبِأَيِّ آلَاءِ} : نعمه. وقال قتادة: {رَبِّكُمَا} يعني: الجن والإنس

(2)

.

والآلاء: النعم بلا شك. واحدها (ألا)

(3)

وقيل: خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب.

(ص)(وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، ويرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ) هذا مرفوع أخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار، ثنا الوزير بن صبيح أبو روح الدمشقي، سمعت يونس بن ميسرة بن حلبس يحدث عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء مرفوعًا:"من شأنه أن يغفر ذنبًا ويفرج كربًا" إلى آخره

(4)

.

وقال قتادة: يحيي حيًّا ويميت، ويربي صغيرًا، ويفك أسيرًا، ويغني فقيرًا، وهو يسير حاجات الصالحين ويرى شكواهم وصريخ الأخيار. وقال عبيد بن عمير بن شبابة: أن يفك عانيًا، ويشفي مريضًا، ويجيب داعيًا، ويعطي سائلًا

(5)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 604.

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 582.

(3)

ورد في هامش الأصل: في الواحد ألا كرحى، وقيل: كمعًى، وقيل: بالكسر وسكون اللام والتنوين كنحي، وإلوٍ كأمر.

(4)

"سنن ابن ماجه"(202).

(5)

"تفسير الطبري" 11/ 591 - 592.

ص: 342

وقيل: يعتق رقابًا، ويقحم عقابًا، ويعطي رغابًا. وقيل غير ذلك مما هو بنحوه.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {بَرْزَخٌ}: حَاجِزٌ) أسنده ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن عليٍّ عنه. وقال الحسن: أبهم البرزخ، فلا يبغيان عنكم فيغرقاكم. وقال قتادة: هو بحر فارس والروم، وبحر المشرق وبحر المغرب، وفي بحر الجزيرة واليبس ما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي

(1)

. وقال ابن أبزى: البرزخ: البعد

(2)

.

(ص)(الأنام: الخَلْقُ) قال الحسن: الجن والإنس

(3)

، وقال ابن عباس: لكل ذي روح

(4)

.

(ص)({نَضَّاخَتَانِ}: فَيَّاضَتَانِ) أي: لا ينقطع من الماء، أو من المسك والكافور.

(ص)({ذُو الْجَلَالِ}: العَظَمَةِ) هو كما قال.

(ص)({سَنَفْرُغُ لَكُمْ}: سنُحَاسِبُكُمْ، لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَهْوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ العَرَبِ، يُقَالُ: لأَتَفرَّغَنَّ لَكَ وَمَا بِهِ شُغْلٌ، يَقُولُ: لآخُذَنَّكَ على غِرَّتِكَ) هذا قول ابن عباس والضحاك أنه تهديد. وقيل: سنقصدكم بعد الإهمال ونأخذ في أمركم

(5)

. وقيل غير ذلك.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 587.

(2)

المصدر السابق، وانظر "الدر المنثور" 6/ 194 - 195.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 577.

(4)

المصدر السابق 11/ 577.

(5)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 593.

ص: 343

‌1 - [باب] قَوْلِهِ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)} [الرحمن: 62]

4878 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» . [4880، 7444 - مسلم: 180 - فتح: 8/ 623]

ذكر فيه حديث أبي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ -واسمه عبد الملك بن حبيب البصري- عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَينَ أَن يَنْظُرُوا إلى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدًاءُ الكِبْرِ على وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ". وأخرجه في صفة الجنة

(1)

والتوحيد، ومسلم أيضًا.

وذكر ابن المنذر عن أبي موسى في قوله: "جنتان من ذهب" قال: للسابقين، "وجنتان من فضة" قال: للتائبين. وفي رواية: الذهب للمقربين، والفضة لأصحاب اليمين

(2)

. والرداء هنا استعارة كنى بها عن العظمة، واستعير في الحديث الآخر الإزار والرداء للعظمة والكبرياء لملازمتهما للشخص واختصاصهما به، وإذا أزال عناءهم تفضل عليهم برؤيته.

(1)

لم يخرجه في صفة الجنة؛ بل خرجه في التفسير والرقاق وحسب.

(2)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 203.

ص: 344

والوجه: صفة شريفة تعالى الله عن الجارحة

(1)

. وقوله: "في جنة عدن" هو متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم، وكأنه قال كما بين في صفة عدن، ولا يكون من الرب جل جلاله؛ لاستحالة المكان والزمان عليه.

(1)

الوجه صفة من صفات ذاته سبحانه وتعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن هذِه الصفات إنما هي صفات الله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله نسبتها إلى ذاته المقدسة كنسْبة كل شيء إلى ذاته فيعلم أن العلم صفة ذاتية للموصوف ولها خصائص وكذلك الوجه.

انظر: "فتاوى ابن تيمية" 6/ 357.

ص: 345

‌2 - [باب] قوله: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} [الرحمن: 72]

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {حُورٌ} : [الرحمن: 72] سُودُ الحَدَقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَقْصُورَاتٌ} [الرحمن: 72]: مَحْبُوسَاتٌ، قُصِرَ طَرْفُهُنَّ وَأَنْفُسُهُنَّ على أَزْوَاجِهِنَّ، قَاصِرَاتٌ لَا يَبْغِينَ غَيْرَ أَزْوَاجِهِنَّ.

4879 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ، مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ» . [انظر: 3243 - مسلم: 2838 - فتح: 6/ 624]

4880 -

«وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا آنِيَتُهُمَا، وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» . [انظر: 4878 - مسلم: 180 - فتح: 8/ 624]

(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: الحور: السُودُ الحَدَقِ) هذا أسنده ابن أبي حاتم من حديث عطاء الخرساني عنه، وكذا ابن المنذر

(1)

. وفي رواية مجاهد عنه: الحور: البيض، فيحتمل أن يريد في شدة بياضها، وهو قول الأكثر الحور: سواد العين في شدة بياضها.

(1)

رواه الطبري في "التفسير" 11/ 633 وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 212 وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 346

وقال أبو عمرو: الحور أن تسود العين كلها مثل الظباء والبقر، قال: وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء: حور العين، لأنهن يشبهن بالظباء والبقر، ويحتمل أن يريد ابن عباس هذا، وهو أشبه بكلامه. وقال الأصمعي: ما أدري ما الحور في العين

(1)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَقْصُورَاتٌ}: مَحْبُوسَاتٌ، قُصِرَ طَرْفُهُنَّ وَأَنْفُسُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، قَاصرَاتٌ لَا يَبْغِينَ غَيْرَ أَزْوَاجِهِنَّ) أسنده ابن المنذر من حديث منصور عنه

(2)

.

ثم ساق البخاري حديث أبي موسى رضي الله عنه المذكور قبله مطولًا بزيادة: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا، فِي كلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ، مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ" ذكره في صفة الجنة. وأخرجه مسلم والترمذي

(3)

والنسائي

(4)

وفيه: "ويطوف عليهم المؤمنون" وهو صواب. وبخط الدمياطي: الفرجة للمؤمن. وعن ابن عباس: الخيمة ميل في ميل، فيها أربعة آلاف مصراع

(5)

. والحديث يرده.

(1)

انظر: "المزهر في علوم اللغة" 2/ 271.

(2)

"الدر المنثور" 6/ 212.

(3)

الترمذي (2528).

(4)

النسائي 6/ 479 (11562).

(5)

"تفسير الطبري" 11/ 615.

ص: 347

(56) سورة الوَاقِعَةِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رُجَّتِ} : زُلْزِلَتْ {وَبُسَّتِ} : فُتَّتْ لُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ، المَخْضُودُ: المُوقَرُ حَمْلًا، وَيُقَالُ أَيْضًا: لَا شَوْكَ لَهُ. {مَنْضُودٍ} : المَوْزُ، وَالْعُرُبُ: المُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ {ثُلَّةٌ} : أُمَّةٌ {يَحْمُومٍ} : دُخَانٌ أَسْوَدُ {يُصِرُّونَ} : يُدِيمُونَ. الهِيمُ: الإِبِلُ اِلظِّمَاءُ {لَمُغْرَمُونَ} : لَمُلْزَمُونَ {رَّوْحِ} : جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ {وَرَيْحَانٌ} : الرِّزْقُ {وَنُنْشِئَكُمْ} : فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَفَكَّهُونَ} : تَعْجَبُونَ {عُرُبًا} : مُثَقَّلَةً وَاحِدُهَا عَرُوبٌ مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ، يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ العَرِبَةَ، وَأَهْلُ المَدِينَةِ الغَنِجَةَ، وَأَهْلُ الَعِرَاق الشَّكِلَةَ. وَقَالَ فِي {خَافِضَةٌ}: لِقَوْمٍ إِلَى النَّارِ، وَ {رَّافِعَةٌ}: إِلَى الجَنَّةِ {مَوْضُونَةٍ} : مَنْسُوجَةٍ، وَمِنْهُ: وَضِينُ النَّاقَةِ، وَالْكُوبُ: لَا آذَانَ لَهُ وَلَا عُرْوَةَ، وَالأَبَارِيقُ: ذَوَاتُ الآذَانِ وَالْعُرى. {مَسْكُوبٍ} : جَارٍ {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ {مُتْرَفِينَ} : مُتَمَتِّعِينَ {مَا تُمْنُونَ} : هِيَ النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ. (لِلْمُقْوِينَ): لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ: القَفْرُ. {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} : بِمُحْكَمِ القُرْآنِ، وَيُقَالُ: بِمَسْقِطِ النُّجُومِ إِذَا سَقَطْنَ، وَمَوَاقِعُ وَمَوْقِعٌ وَاحِدٌ. {مُدْهِنُونَ}: مُكَذِّبُونَ مِثْلُ {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9]. {فَسَلَامٌ لَكَ} أَيْ: مُسَلَّمٌ لَكَ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ، وَأُلْغِيَتْ إِنَّ وَهْوَ مَعْنَاهَا كَمَا تَقُولُ: أَنْتَ مُصَدَّقٌ مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ، إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ: إِنِّي

ص: 348

مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ. وَقَدْ يَكُونُ كَالدُّعَاءِ لَهُ كَقَوْلِكَ: فَسَقْيًا مِنَ الرِّجَالِ. إِنْ رَفَعْتَ السَّلَامَ فَهْوَ مِنَ الدُّعَاءِ {تُورُونَ} : تَسْتَخْرِجُونَ. أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ. {لَغْوًا} : بَاطِلًا. {تَأْثِيمًا} : كَذِبًا.

هي مكية، واختلف في:{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ} : وفي: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)} والأولى نزلت في أهل الطائف، وإسلامهم بعد الفتح وحنين

(1)

، والثانية نزلت في دعائه بالسقيا، فقيل: مطرنا بنوء كذا، فنزلت:{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)}

(2)

وكان علي يقرؤها: (وتجعلون شكركم)

(3)

وفي حديث ابن مسعود مرفوعًا: "من قرأها أبدًا لم تصبه فاقة أبدًا" وفي رواية: "من قرأها كل ليلة لم تصبه فاقة أبدًا"

(4)

.

(1)

انظر: "تفسير البغوي" 8/ 11، "تفسير القرطبي" 17/ 207.

(2)

سلف برقم (1038) كتاب: الاستسقاء، باب: قول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} ورواه مسلم برقم (71) كتاب: الإيمان، باب: بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء. من حديث زيد بن خالد الجهني.

(3)

رواه الطبري في "التفسير" 11/ 663 عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: كان علي رضي الله عنه يقرأ (وتجعلون شكركم أنكم تكذبون). قال ابن حجر في "الفتح" 2/ 523: سياق حديث على يدل على التفسير لا على القراءة.

(4)

رواه الحارث بن أبي أسامة كما في "المطالب العالية"(3742) وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(680) والبيهقي في "الشعب" 2/ 491 (2498، 2499)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 105 من طرق عن السري بن يحيى عن أبي شجاع عن أبي طيبة عن ابن مسعود مرفوعًا. قال ابن الجوزي: قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر. قال المناوي في "فيض القدير" 6/ 261: قال الزيلعي تبعًا لجمع: هو معلول

وقد أجمع على ضعفه أحمد، وأبو حاتم وابنه وغيرهم اهـ بتصرف. وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة"(289).

ص: 349

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رُجَّتِ}: زُلْزِلَتْ {وَبُسَّتِ}: فُتَّتْ ولُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ) هذا أسنده ابن المنذر عن علي، ثنا زيد، ثنا ابن ثور، عن ابن جريج عنه

(1)

.

وقوله: (زلزلت) يريد: اضطربت وتحركت، ويروى أنها تزلزل حتى ينهدم ما فوقها. وقوله:(يلت) روي أيضًا عن مجاهد: يبس: وقال قتادة: كما يبس البحر تذروه الرياح يمينًا وشمالًا

(2)

. ومعنى بست ولتت واحد بأن يجعل فيه ماءً قليلًا.

(ص)(وَالْعُرُبُ: المُحَبّبَاتُ إلى أَزْوَاجِهِنَّ) قد سلف في صفة الجنة، وأسنده عن مجاهد أيضًا عبد بن حميد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه. وكذا ذكره عن عكرمة. وفي رواية عنه: المنكوحات، وقال الحسن: المتعشقات لبعولتهن.

وكذا قاله الربيع بن أنس. وفي رواية عن الحسن: العرائس

(3)

. وقال تميم بن حذلم صاحب ابن مسعود: العَرِبة: الحسنة التبعل

(4)

. وقال ابن جبير: يشتهين أزواجهن

(5)

. وعن ابن عباس: العرب تقول للناقة إذا أرادت الفحل: العَرِبة. أي: الغنجة. وقيل: الضحاكة الطيبة النفس، وهي متقاربة

(6)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 623، "الدر المنثور" 6/ 216.

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 623 - 624، و"الدر المنثور" 6/ 216.

(3)

انظر: "تفسير البغوي" 8/ 11، "تفسير القرطبي" 17/ 207.

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 642، وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 225 وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد.

(5)

المصدر السابق. وذكره السيوطي في "الدر" 6/ 225 وزاد نسبته لهناد بن السري وعبد بن حميد.

(6)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 225.

ص: 350

(ص)(المخضود: الموقر حملًا، ويقال أيضًا: لا شوك له. المنضود: الموز) سلف في صفة الجنة

(1)

.

(ص)({ثُلَّةٌ}: أُمَّةٌ) قلت: وقيل: فرقة

(2)

. وقال الحسن: {ثُلَّةٌ} ممن قد مضى قبيل هذا {وَقَلِيلٌ} من أصحاب محمد. وقال مجاهد: الكل من هذِه الأمة

(3)

.

(ص)({يَحْمُومٍ}: دُخَانٌ أَسوَدُ) أي شديد السواد. وقيل: نار، واليحموم لغة: الأسود

(4)

.

(ص)({يُصِرُّونَ}: يُدِيمُونَ) قلت: وقيل: كانوا يقسمون أن لا بعث وأن الأصنام أنداد لله، تعالى عن ذلك.

(ص)({الْهِيمِ}: الإِبِلُ العطاش الظِّمَاءُ) أي: التي لا تروى. والهيماء: الناقة التي بها الهيام. وقيل: الهيم: الرمل

(5)

.

(ص)({لَمُغرَمُونَ} لَمُلْزَمُونَ) قلت: وقيل: معذبون. وقيل: مهلكون. وقيل: لملقون شرًّا

(6)

. وهذِه متقاربة.

(ص)({فَرَوْحٌ}: جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ) أسلفه في صفة الجنة عن مجاهد أيضًا. قلت: وقرئ (رُوح) بالضم على معنى أن رُوحه تخرج في الريحان، قاله الحسن. وقال قتادة: الروح: الرحمة. وقيل: معناه: فحياة وبقاء لهم

(7)

.

(1)

سلف قبل الحديث (3240) كتاب: بدء الخلق.

(2)

"تفسير الطبري" 11/ 644.

(3)

"تفسير مجاهد" 2/ 649.

(4)

انظر: "تفسير البغوي" 8/ 18.

(5)

انظر: "تفسير البغوي" 8/ 19، "الدر المنثور" 6/ 229.

(6)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 654، "تفسير البغوي" 8/ 20 - 21.

(7)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 666، "تفسير البغوي" 8/ 26، "زاد المسير" 8/ 156 - 157.

ص: 351

ثم قال البخاري: ({وَالرَّيْحَانُ}: الرِّزْقُ) وقد سلف في الباب قبله. وقيل: إنه المشموم.

(ص)({ونُنْشِئكُم} فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ) هذا أخرجه عبد بن حميد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه

(1)

.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَفَكَّهُونَ} تَعْجَبُونَ) أي مما نزل بزرعهم، وهو قول قتادة

(2)

. وقيل: تحرثون. وهو من الأضداد، تفكهت: تنعمت، وتفكهت: حزنت

(3)

. وقال الفراء: تفكهون وتفكنون واحد، والنون لغة عكل

(4)

. وقيل: التفكه: التكلم فيما لا يعنيك، ومنه قيل للمزاح: فكاهة.

(ص)({عُرُبًا} مُثَقَّلَةً وَاحِدُهَا .. ) إلى آخره أسلفه برمته في باب صفة الجنة.

(ص)(وَقَالَ فِي {خَافِضَةٌ} لِقَوْمٍ إلى النار، ورافعة إلى الجنة) قلت: وقال محمد بن كعب: خفضت أقوامًا كانوا في الدنيا مرتفعين، ورفعت أقوامًا كانوا في الدنيا منخفضين

(5)

.

(ص)({مَّوْضُونَةٍ}: منسوجة إلى قوله: {مُتْرَفِينَ}) سلف في الباب المذكور.

(ص)({مُتْرَفِينَ}: منعمين) يريد بالحرام.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 230.

(2)

"تفسير الطبري" 11/ 653.

(3)

"تفسير البغوي" 8/ 20.

(4)

انظر: "لسان العرب"(مادة: فكه).

(5)

رواه أبو الشيخ في "العظمة" ص 99 (183)، وعزاه السيوطي في "الدر" 6/ 216 إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر وأورده ابن كثير في "تفسيره": 13/ 347.

ص: 352

(ص)({تُمْنُونَ} هِيَ النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ) قلت: وقرأ أبو السماك بفتح التاء، وهما لغتان

(1)

.

(ص)({لِلْمُقْوِينَ} لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ القَفْرُ) أي: النازلين في الأرض الخالية البعيدة من العمران والأهلين، يقال: أقوت الدار: إذا خلت من سكانها. هذا قول الأكثر. وقال مجاهد: للمستمتعين بها من الناس أجمعين، المسافرين والحاضرين. وقال الحسن: بُلْغة للمسافرين

(2)

.

(ص)({بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} بِمُحْكَمِ القُرْآنِ، وَيُقَالُ: بِمَسْقِطِ النُّجُومِ إِذَا سَقَطْنَ، وَمَوَاقِعُ وَمَوْقِعٌ وَاحِدٌ) روى الأول عبد بن حميد عن ابن عباس، يريد أن القرآن أنزل إلى سماء الدنيا نجومًا. والثاني عن مجاهد، وعن الحسن: مواقعها: انكدارها وانتشارها يوم القيامة. وفي لفظ: بمغايبها. وقيل: بمطالعها ومغاربها، وهو المراد بقوله، ويقال: بمسقط النجوم

(3)

.

وقوله: (مواقع وموقع واحد) هما قراءتان، قرأ حمزة والكسائي وخلف (بموقع) على الواحد والباقون (بمواقع) على الجمع، وهو الاختيار

(4)

.

(ص)({مُّدْهِنُونَ}: مُكَذِّبُونَ). هو قول ابن عباس (مثل: {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)} [القلم: 9]).

(1)

قال ابن الجوزي: قال الزجاج: يقال: أمنى الرجل يُمْنى، ومَنَى يَمْني، فيجوز على هذا (تمنون) بفتح التاء، إن ثبتت به رواية "زاد المسير" 8/ 146.

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 656 - 657، "تفسير البغوي" 8/ 21 - 22.

(3)

انظر: "تفسير البغوي" 8/ 22، "الدر المنثور" 6/ 231 - 232.

(4)

انظر: "حجة القراءات" 697، "تفسير البغوي" 8/ 22.

ص: 353

قلت: وقيل: غاشون. وقيل: من اللين والضعف

(1)

.

(ص)({سَلَامٌ لَكَ} أَيْ: مُسَلَّمٌ لَكَ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ) أي: فلست ترى فيهم إلا السلامة، وقد علم ما وعدوه أول السورة.

(ص)(وَأُلْقيَتْ -ويروى بالغين بدل القاف- إنَّ وَهُوَ مَعْنَاهَا كَمَا تَقُول: أَنْتَ مُصَدَّقٌ مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ، إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ: إِنِّي مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ. وَقَدْ يَكُونُ كَالدُّعَاءِ كقوله: فَسَقْيًا لك) بفتح السين كما ضبطه ابن التين. وبخط الدمياطي ضمها (مِنَ الرِّجَالِ) أي: سقاه الله (إِنْ رَفَعْتَ السَّلَامَ فَهْوَ مِنَ الدُّعَاءِ) قلت: سلام لك رفع على معنى سلام، أي: سلامة لك يا محمد منهم فلا تهتم لهم فإنهم سلموا من العذاب. وقال الفراء: يسلم لك أنهم من أصحاب اليمين. وقيل: سلام عليك من أصحاب اليمين

(2)

.

(ص)({تُورُونَ}: تَسْتَخْرِجُونَ.) أي: من زندكم (أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ) أي: قدحت فأوقدت.

(ص)({لَغْوًا}: بَاطِلًا. {تَأْثِيمًا}: كَذِبًا) وهو الظاهر.

(1)

انظر: "زاد المسير" 8/ 153 - 154.

(2)

"معاني القرآن" 3/ 131.

ص: 354

‌باب {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 30]

4881 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} [الواقعة: 30]» . [انظر: 3253 - مًسلم: 2826 - فتح: 8/ 627]

ذكر فيه حديث الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} ". هذا الحديث من هذا الوجه في البخاري خاصة، وقد أخرجاه من حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، وهو في البخاري في الجهاد

(1)

، ومسلم في صفة الجنة. وجاء في رواية أخرى:"يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها"

(2)

.

(1)

قوله: "إن في الجنة شجرة .. " ليس في الجهاد كما ذكره المصنف وإنما سلف برقم (3252) كتاب بدء الخلق باب: ما جاء في صفة الجنة.

والحديث ذكره المزي في "التحفة" 10/ 149 وعزاه إلى الجهاد، وصفة الجنة قال ابن حجر في "النكت الظراف" ليس في الجهاد بالإسناد المذكور شيء من هذا، وإنما هو في صفة الجنة. وفيه متصلًا به ذكر الغدوة والروحة. اهـ.

قلت: تقدم الحديث في باب ما جاء في صفة الجنة وفيه زيادة: "لقاب قوس أحدكم في الجنة .. " وهذِه الزيادة تقدم ذكرها في كتاب الجهاد والسير باب الغدوة والروحة في سبيل الله، حديث رقم (2793) فالحاصل أن حديث الشجرة وحديث "لقاب قوس أحدكم" إسنادهما واحد. والله أعلم.

(2)

تأتي برقم (6553) كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

ص: 355

والمراد بظلها: كنفها وذراها، وهو ما يستر من أغصانها. وقال عمرو بن ميمون -فيما ذكره عبد بن حميد-:{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} قال: مسيرة سبعين ألف سنة

(1)

، ولما بلغ كعب الحبر حديث أبي هريرة قال: صدق، والله لو أن رجلًا ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرمًا، إن الله عز وجل غرسها بيده ونفخ فيها من روحه، وإن أغصانها من وراء سور الجنة، ما في الجنة نهر إلا ويخرج من أصل تلك الشجرة

(2)

.

(1)

ذكره السيوطي في "الدر" 6/ 223 وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر. ورواه الطبري 11/ 637 بلفظ: خمسمائة ألف سنة.

(2)

"تفسير الطبري" 11/ 637.

ص: 356

(57) سورة الحَدِيدُ

قَالَ مُجَاهِدٌ: {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ} : مُعَمَّرِينَ فِيهِ. {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} : مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الهُدى. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} جُنَّةٌ وَسِلَاحٌ. {مَوْلَاكُمْ} : أَوْلَى بِكُمْ. {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} : لِيَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ. يُقَالُ: الظَّاهِرُ على كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَالْبَاطِنُ على كُلِّ شَيءٍ عِلْمًا. {انْظُرُونَا} : أْنْتَظِرُونَا.

وهي مدنية خلافًا للسدي. وقال الكلبي: فيها مكي ومدني. قلت: لأن فيها ذكر المنافقين، ولم يكن النفاق إلا بالمدينة، وفيها أيضًا:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ} الآية: ولم تنزل إلا بعد الفتح ولا مال إلا بعد الهجرة، وأولها مكي، فإن عمر قرأها في بيت أخته قبل إسلامه كما رواه زيد بن أسلم عن أبيه

(1)

. وصحح أبو العباس أن أولها مكي إلى قوله: {ءَامِنُواْ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ} ومن قوله: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} إلى آخر السورة مدني. قال السخاوي: نزلت بعد الزلزلة وبعد سورة محمد

(2)

.

(ص) (قَالَ مُجَاهِدٌ: {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ} : معمرين

(3)

فِيهِ. {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} : مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الهُدى. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} : جُنَّةٌ وَسِلَاحٌ) أخرجه عبد بن حميد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي

(1)

رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 216 - 217.

(2)

"جمال القراء" ص 8.

(3)

في الأصل: متعمرين والمثبت من اليونينية.

ص: 357

نجيح عنه بزيادة: بالرزق

(1)

.

(ص)({مَوْلَاكُمْ}: أَوْلَى بِكُمْ) قلت: التلاوة {هِيَ} أي: هي صاحبتكم وأولى بكم وأحق أن تكون مسكنًا لكم.

(ص)({لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}: لِيَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ) قلت: وقرأ سعيد بن جبير: (لكي لا يعلم أهل الكتاب)

(2)

.

(ص)(يُقَالُ: الظَّاهِرُ على كُلِّ شيْءٍ عِلْمًا، وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) كذا وقع: كل شيء، ولعله: بكل شيء، وفيه أقوال أخر بنحوه.

(ص)({انظُرُونَا}: انْتَظِرُونَا) قلت: وقرئ بفتح الهمزة. أي: أخرونا

(3)

. وأكثر النحويين لا يجيزونه؛ لأن التأخير لا معنى له في الآية. وقيل: معناه: اصبروا علينا.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 248.

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 11/ 697.

(3)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 273.

ص: 358

(58) سورة المُجَادِلَةُ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُحَادُّونَ} : يُشَاقُّونَ اللهَ. {كُبِتُوا} : أُخْزِيُوا، مِنَ الخِزى. {اسْتَحْوَذَ}: غَلَبَ.

هي مدنية، ونزلت قبل الحجرات وبعد المنافقين كما قاله السخاوي

(1)

. قال عبد بن حميد في "تفسيره": واسم المجادلة: خويلة

(2)

. قال محمد بن سيرين: وكان زوجها ظاهَرَ منها، وهو أول ظهار كان في الإسلام، واسمه أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت. وفيها قول ثان: خولة بنت دليج، قاله أبو العالية، أو بنت الصامت كما قاله ابن منده. وثالث: بنت ثعلبة، قاله عكرمة. ورابع: جميلة، قاله مجاهد

(3)

.

وقول البخاري في التوحيد: (وقال الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)

(4)

. وصله النسائي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن جرير

(5)

. وابن ماجه عن على بن محمد، عن أبي معاوية كلاهما، عن الأعمش

(6)

.

(1)

"جمال القراء" ص 9.

(2)

ذكره الطبري في "تفسيره" 12/ 5.

(3)

انظر: "زاد المسير" 8/ 181.

(4)

سيأتي قبل الحديث (7386) باب: قول الله تعالى: {وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} .

(5)

"السنن"(3460).

(6)

"السنن"(2063).

ص: 359

قال الحسن: كان الظهار في الجاهلية أشد الطلاق وأحرم الحرام، إذا ظاهر من امرأته لم ترجع إليه أبدًا.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُحَادُّونَ}: يُشَاقُّونَ) أخرجه عبد بن حميد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه

(1)

.

(ص)(ويقال: {كُبِتُوا}: أُخْزِيُوا) قلت: وقيل: أذلوا، أو أهلكوا، أو غيظوا، أو صدوا، وأصله كبده إذا أصابه بوجع في كبده، ثم أبدلت تاء لقربها، كقولهم: سبت رأسه وسبده أي: حلقه.

(ص)({اسْتَحْوَذَ} غَلَبَ) أي: واستولى عليهم.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 269.

ص: 360

(59) سورة الحَشْرِ

{الْجَلَاءَ} : الإِخْرَاجُ مِنْ أَرْضٍ إلى أَرْضٍ.

‌1 - باب

4882 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: التَّوْبَةُ هِيَ الْفَاضِحَةُ، مَا زَالَتْ تَنْزِلُ وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَمْ تُبْقِ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ ذُكِرَ فِيهَا. قَالَ: قُلْتُ: سُورَةُ الأَنْفَالِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ. قَالَ: قُلْتُ: سُورَةُ الْحَشْرِ. قَالَ نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ. [انظر: 4029 - مسلم: 3031 - فتح: 8/ 628]

4883 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ: قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ. [انظر: 4029 - مسلم: 3031 - فتح: 8/ 629]

هي مدنية.

(ص)({الْجَلَاءَ}: الإِخْرَاجُ مِنْ أَرْضٍ إلى أَرْضٍ) أي: كما فعل ببني قريظة.

ثم ساق عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:

قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: التَّوْبَةُ هِيَ الفَاضِحَةُ، مَا زَالَتْ تَنْزِلُ وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ، حتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَمْ تُبْقِ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا.

قُلْتُ: سُورَةُ الأَنْفَالِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ.

قُلْتُ: سُورَةُ الحَشْرِ؟ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ.

ص: 361

وأخرجه مسلم وسلف في الأنفال

(1)

، ثم ساق عن سعيد قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: قل: سورة النضير، وقد سلف في الغزوات.

(1)

سلف برقم (4645) كتاب التفسير، باب: سورة الأنفال. وأخرجه مسلم (3031).

ص: 362

‌2 - باب {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: 5]

.

نَخْلَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً.

4884 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهْيَ الْبُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ (5)} . [انظر: 2326 - مسلم: 1746 - فتح: 8/ 629].

ساق فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهْيَ البُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الآية، وقد سلف في الجهاد مختصرًا خماسيًّا

(1)

، وهنا ساقه رباعيًّا، وأخرجه معه مسلم في المغازي والأربعة

(2)

.

وما ذكره في تفسير اللينة هو قول أبي عبيدة وجماعة غيره.

وقال ابن عباس وغيره: النخلة.

وقال سعيد بن جبير وقتادة: هي ما كان من التمر سوى العجوة

(3)

.

وذكرت في المزارعة فيها ثمانية أقوال.

(1)

سلف برقم (3021) كتاب الجهاد والسير باب حرق الدور والنخيل. وهو عن محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

أبو داود (2615)، الترمذي (1552)، ابن ماجه (2844)، "سنن النسائي الكبرى" 5/ 181 (8608).

(3)

"مجاز القرآن" 2/ 256، وانظر:"زاد المسير" 8/ 207 - 208.

ص: 363

قيل: وإنما أفردت العجوة؛ لأنها قوتهم.

وأصل لينة: لونة، قلبت الواو ياء، لانكسار ما قبلها.

قال النحاس: لينة ولون بمعنى.

وقال الهروي: اللون: الرمل وسبب الحديث ما رواه المغيرة أنه عليه السلام لما حاصرهم تحصنوا وأبوا أن يخرجوا، ففعل ذلك، فقالوا: يا محمد، أنت تنهى عن الفساد. فأنزل تعالى الآية

(1)

.

(1)

انظر: "أسباب نزول القرآن" للواحدي ص 436 - 437.

ص: 364

‌3 - باب: {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 6]

4885 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -غَيْرَ مَرَّةٍ- عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ. [انظر: 2904 - مسلم: 1757 - فتح: 8/ 629]

ذكر فيه حديث عَمْرٍو -وهو ابن دينار- عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ على رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، يُنْفِقُ على أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سنةٍ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللهِ.

هدا الحديث أخرجه أيضًا في الجهاد والمغازي والنفقات والاعتصام والخمس مطولًا ومختصرًا

(1)

.

وأخرجه مسلم وأبو داود

(2)

والترمذي

(3)

والنسائي

(4)

.

(1)

سلف برقم (3094) كتاب فرض الخمس، باب: فرض الخمس، سلف برقم (4033) كتاب المغازي، باب: حديث بني النضير، وسيأتي برقم (5357) كتاب النفقات، باب: حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله. وسيأتي (7305) كتاب الاعتصام، باب: ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع.

(2)

"السنن"(2965).

(3)

"السنن"(1719).

(4)

"المجتبي" 7/ 133.

ص: 365

ووقع في بعض نسخ مسلم بإسقاط الزهري، وهو من الرواة عنه، وإلا فقد قال هو: بعده (عن الزهري) بهذا الإسناد. وصرح الدارقطني بقول عمرو، إنما سمعه الزهري.

وقال الجياني: سقط من نسخة ابن ماهان، والحديث محفوظ لعمرو عن الزهري

(1)

.

والحديث قد يحتج به مالك على أن الفيء لا يقسم وإنما هو ملك موكول إلى اجتهاد الإمام، وكذلك الخمس عنده، وأبو حنيفة يقسمه أثلاثًا. والشافعي يخمسه، وادعى ابن المنذر انفراده به

(2)

، وكان له عليه السلام أربعة أخماس وخمس الخمس الباقي، فكان له أحد وعشرون سهمًا والباقي الأربعة المذكورة في الآية:{مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} الآية. ويتأول قوله هنا: كانت أموال بني النضير. أي: معظمها.

وفيه من الأحكام أيضًا:

جواز ادخار قوت سنة لعياله إذا كان من غلته، أما إذا اشتراه فأجازه قوم ومنعه آخرون إذا أضر بالناس كما حكاه القرطبي

(3)

، وهو مذهب مالك في الاحتكار مطلقًا

(4)

. وفيه أن ذلك لا يقدح في التوكل، فإن سيد المتوكلين فعله، لكنه عليه السلام لم يدخر لنفسه شيئًا، وإنما كان يفعل ذلك لأهله؛ لحقوقهم ورفع مطالبتهم، ومع ذلك كان أهله يتصدقن كفعله هو بما يفضل له.

(1)

"تقييد المهمل وتمييز المشكل" 3/ 876.

(2)

انظر: "المغني" 9/ 284 - 285، "بدائع الصنائع" 7/ 116.

(3)

"المفهم" 3/ 558.

(4)

انظر: "المنتقى" 5/ 16.

ص: 366

و (الكراع): بضم الكاف هو من ذوات الظلف خاصة، ثم كثر ذلك حتى سميت به الخيل، كما نبه عليه ابن دريد في "المجرد" أنه اسم لجميع الخيل إذا قلت: السلاح والكراع

(1)

، وأطلقه ابن التين.

و (السلاح): يذكر ويجوز تأنيثه كما قال في "الصحاح"، وهو ما أعد للحرب من آلة الحرب مما يقاتل به

(2)

.

وقوله: (مما لم يوجف) أي: يسرع، يقال: أوجف الفرس إذا أسرع، وأوجفته: حركته وأتعبته.

(1)

ذكره بنحوه في "الجمهرة" 2/ 771 (كرع).

(2)

"الصحاح" باب الحاء، فصل السين، مادة [سلح](1/ 375).

ص: 367

‌4 - باب {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]

4886 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَات، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ. فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللهِ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ. قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}؟. قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ. قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي. فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَا. [4887، 5931، 5939، 5943، 5944، 5948 - مسلم: 2125 - فتح: 8/ 630].

4887 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ ذَكَرْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ حَدِيثَ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْوَاصِلَةَ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنِ امْرَأَةٍ يُقَالُ: لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ .. عَنْ عَبْدِ اللهِ مِثْلَ حَدِيثِ مَنْصُورٍ. [انظر 4886 - مسلم: 2125 - فتح: 8/ 630]

ذكر فيه حديث مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ:"لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمتَوَشِّمات، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ .. " الحديث.

وفي رواية: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة، قال: سمعته امرأة يقال لها: أم يعقوب .. عن عبد الله مثله.

ص: 368

الشرح:

الكلام عليه من وجوه، ويأتي في اللباس، وأخرجه مسلم والأربعة

(1)

:

أحدها:

زعم الدارقطني أن الأعمش رواه كرواية منصور، وروى عنه عن إبراهيم، عن عبد الله لم يذكر علقمة. ورواه إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم، عن أم يعقوب، عن عبد الله. قال: والصحيح قول منصور. يعني ما في الكتاب

(2)

.

ثانيها:

الوشم: غرز إبرة ونحوها في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة وغير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم منه، ثم يحشى ذلك الموضع بكحل أو نورة أو نيل ففاعله واشم، والمفعول بها موشومة، فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة

(3)

، وهو حرام على الفاعل والمفعول بها باختيارها والطالبة له، فإن فعل بطفلة فالإثم على الفاعل؛ لانتفاء التكليف في حقها وكان ذلك في الجاهلية قال أصحابنا: وموضعه يصير نجسًا، فإن أمكن إزالته بعلاج وجب، وإن لم يمكن إلا بجرح، فإن خاف منه ما أباح التيمم في عضو ظاهر لم تجب إزالته، وإذا تاب انتفى الإثم، وإن لم يخف محذورًا لزمه إزالته، ويعصي بتأخيره، وسواء فيه الرجل والمرأة

(4)

.

(1)

أبو داود (4169)، الترمذي (2782)، النسائي (5252)، ابن ماجه (1989).

(2)

"العلل" 5/ 134.

(3)

انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3898، "الصحاح" 5/ 2052 ما دة:(وشم).

(4)

انظر: "المجموع" 3/ 146.

ص: 369

ثالثها:

التنمص -بمثناة فوق، ثم نون، وصاد مهملة- إزالة الشعر من الوجه مأخوذ من المنماص بكسر الميم الأولى وهو المنقاش، والمتنمِّصة: طالبة ذلك، والنامصة: المزيلة له.

وبعضهم يقول: المنتمصة بتقديم النون حكاه ابن الجوزي، قال: والذي ضبطناه عن أشياخنا في كتاب أبي عبيد المتنمِّصَة بتقديم التاء مع التشديد

(1)

.

وهو حرام إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا يحرم بل يستحب عندنا، والنهي إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه.

وانفرد ابن جرير فقال: لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها، ولا تغيير شيء من خلقها بزيادة ولا نقص.

وأبعد من قال: النامصة: التي تصبغ الحواجب، والمتنمصة: التي يفعل ذلك بها، حكاه ابن التين.

رابعا:

المتفلجات بالفاء والجيم، وهو برد الأسنان الثنايا والرباعيات، وعبارة ابن فارس: الفلج في الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات. قال (أبو عبيد)

(2)

يقال: رجل أفلج وامرأة فلجاء الأسنان، لابد من ذكر الأسنان

(3)

.

(1)

"غريب الحديث" 2/ 438.

(2)

في المطبوع من "المجمل": (أبو بكر)، وهو خطأ، وانظر قول أبي عبيد في "غريب الحديث" 2/ 21.

(3)

"مجمل اللغة" 2/ 704 - 705.

ص: 370

وقوله: (للِحُسْن) إشارة إلى أن الحرام منه هو المفعول لطلب الحسن، أما إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب في السن وتحدبه فلا بأس به. وجاء: لعن الواشرة والمتوشرة، كما حكاه أبو عبيد، وهي التي تشر أسنانها، أي: تفلجها وتجردها حتى تكون لها أشر وهي رقة وتحدد في أطراف أسنان الأحداث فهو شبيه بأولئك، يقال فيه: ثغر موشر، وتفعل ذلك العجوز إظهارًا للصغر وحسن الأسنان، وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها، واختلف في المعنى الذي نهى عن الوشم وشبهه، فقيل: لأنه من باب التدليس. وقيل: من باب تغيير خلق الله الذي يأمر به الشيطان، قال تعالى مخبرًا عنه:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} [النساء: 119] وهذا إنما فيما يكون باقيا، فأما ما لا يكون باقيًا كالكحل والتزين؛ فقد أجازه مالك وغيره، حكاه القرطبي

(1)

، وكرهه للرجال، وأجاز مالك أيضًا نشر المرأة يديها بالحناء. وروي عن عمر إنكار ذلك، فإما أن تخضب بدنها كله أو تدعه، وأنكر مالك هذا عن عمر

(2)

، وجاء حديث بالنهي صن تسويد الحناء

(3)

. كما قال عياض

(4)

، وتحمير الوجه، والخضاب بالسواد إن فعل بإذن الزوج أو السيد جاز، وإلا فحرام.

خامسها:

قول ابن مسعود: (ومالي لا ألعن من لعن رسول الله).

فيه: دلالة على جواز الاقتداء به في إطلاق اللعن معينًا كان أو غير

(1)

"المفهم" 5/ 444 - 445.

(2)

انظر: "المنتقى" 7/ 267.

(3)

"المفهم" 5/ 445.

(4)

نقله عن بعض علمائهم صاحبُ "النصائح" كما في "إكمال المعلم" 6/ 655.

ص: 371

معين، لأن الأصل أن الشارع ما كان يلعن إلا من يستحقه عنده، ولا يعارضه قوله:"أيما مسلم سببته أو لعنته وليس لذلك بأهل فاجعل ذلك له كفارة وطهورًا"

(1)

لأنه عنده مستحق لذلك، وأما عند الله فالأمر موكول إليه عملا بقوله:"وليس لذلك بأهل" في علمك لا في علمي بأن يتوب مما صدر عنه، وإن علم الله منه خلاف ذلك كان دعاؤه عليه زيادة في شقوته. وكأن المرأة -وهي أم يعقوب المذكورة وهي أسدية. قال إسماعيل القاضي: قارئة للقرآن- رأت على زوج ابن مسعود عن قرب شيئًا مما سمعته ينهى عنه وكأنه التنمص، فقال لها: اذهبي فانظري، كأنه لما رأى امرأته فعلته نهاها فانتهت وسعت في إزالته حتى زال، فلما دخلت المرأة على امرأته لم تر شيئًا، وهكذا ينبغي للرجل أن ينكر على امرأته إذا رآها على محرم، ويمتنع من وطئها كما قال عبد الله:(لو كان كذلك ما جامعتنا)، وفي لفظ: لم نجامعها، وإن كان يحتمل: لم نجتمع معها في دار إما بهجران أو بطلاق، يدل على رواية: لم نجامعها. والرواية السالفة: جامعتنا.

سادسها:

الواصلة: هي التي تصل شعرها بشعرآخر تكثر به، وهي الفاعلة والمستوصلة الطالبة له. ويقال لها: موصولة، وهو نص في تحريم ذلك، وهو قول جماعة العلماء، ومنعوا الوصل بكل شيء من الصوف والخرق وغيرهما؛ لأن ذلك كله في معنى وصله بالشعر؛ ولعموم النهي وسد الذريعة. وشذ الليث بن سعد فأجاز وصله بالصوف

(1)

سيأتي برقم (6361) كتاب: الدعوات، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة".

ص: 372

وما ليس بشعر، وأباح آخرون وضع الشعر على الرأس وقالوا: إنما نهي عن الوصل خاصة، وهي ظاهرية محضة، وإعراض عن المعنى، وشذ قوم فأجازوا الوصل مطلقًا، وتأولوا الحديث على غير وصل الشعر، ولا يعرج عليه، وقد روي عن عائشة ولم يصح عنها

(1)

.

ولا يدخل في هذا النهي ما ربط الشعر بخيوط الشعر الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر؛ لأنه ليس منهيًّا عنه، إذ ليس هو بوصل إنما هو للتجمل

(2)

. وفصَّل أصحابنا فقالوا: إن وصلته بشعر آدمي فهو حرام قطعًا سواء كان من رجل محرم، أو غيره، أو امرأة لعموم الأحاديث، ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته؛ بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه، وإن وصلته بشعر غير آدمي فإن كان نجسًا من ميتة وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضًا؛ ولأنه حامل نجاسة في صلاته وغيرها عمدًا، وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء والرجال. وأما الشعر الطاهر فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضًا، وإن كان فأوجه التحريم لظاهر الأحاديث والجواز، وأصحها: إن فعلته بإذن السيد أو الزوج جاز وإلا فهو حرام

(3)

.

سابعها:

فيه: أن المعين على المعاصي يشارك فاعلها في الإثم كما في الطاعة بالنسبة إلى الثواب.

(1)

انظر: "المجموع" 3/ 149.

(2)

"شرح ابن بطال" 9/ 172 - 173. بتصرف.

(3)

انظر: "المجموع" 3/ 147.

ص: 373

‌5 - باب {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9]

4888 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أُوصِي الْخَلِيفَةَ بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأُوصِي الْخَلِيفَةَ بِالأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِهِمْ. [انظر: 1392 - فتح: 8/ 631]

أي: استوطنوا أو نزلوا واختاروا. والدار هنا: المدينة.

ذكر فيه حديث أبي بَكْرٍ -وهو ابن عياش مولى واصل بن حبان الأحدب الأسدي الكوفي- عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أُوصِي الخَلِيفَةَ بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأُوصِي الخَلِيفَةَ بِالأَنْصَارِ الذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ ويتجاوز عَنْ مُسِيئِهِمْ. وقد سلف آخر الجنائز مطولًا، وأخرجه في وصيته أيضًا

(1)

.

واختلف في المهاجرين الأولين فقيل: هم الذين صلَّوا القبلتين، قاله أبو موسى الأشعري وابن المسيب. وقيل: إنهم الذين أدركوا بيعة الرضوان، قاله الشعبي وابن سيرين

(2)

، فعلى القول الأول الذين هاجروا قبل تحويل القبلة سنة اثنتين من الهجرة. وعلى الثاني: هم الذين هاجروا قبل الحديبية.

(1)

سلف برقم (3700) كتاب فضائل الصحابة، باب: قصة البيعة. وقد وردت في الباب وصية أمير المؤمنين.

(2)

انظر: "تفسير الطبري 6/ 453 - 454، "معالم التنزيل" 4/ 87 - 88.

ص: 374

‌6 - باب {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]

فاقة. {الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]: الفَائِزُونَ بِالْخُلُودِ، والْفَلَاحُ: البَقَاءُ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ: عَجِّلْ. وَقَالَ الحَسَنُ: {حَاجَةً} [الحشر: 9]: حَسَدًا.

4889 -

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَابَنِي الْجَهْدُ. فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمُهُ اللهُ؟» . فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا. قَالَتْ: وَاللهِ مَا عِنْدِي إِلاَّ قُوتُ الصِّبْيَةِ. قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وَتَعَالَىْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ. فَفَعَلَتْ ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لَقَدْ عَجِبَ اللهُ عز وجل-أَوْ ضَحِكَ- مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ» . فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]. [انظر: 3798 - مسلم: 2554 - فتح 8/ 631].

(المفحلون): الفائزون بالخلود. والفلاح: البقاء، حي على الفلاح: عجِّل) إلى سبب البقاء في الجنة وهو الصلاة في جماعة، كذا ذكره ابن التين

(1)

، وليس معناها كذلك في اللغة وإنما معناها: هلموا وأقبلوا.

(1)

في هامش الأصل: لعله سقط قال.

ص: 375

(ص)(وَقَالَ الحَسَنُ: {حَاجَةً}: حَسَدًا) هذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر، عن سعيد، عن قتادة، عنه

(1)

.

ثم ذكر حديث أبي حازم -واسمه سلمان- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَابَنِي الجَهْدُ .. الحديث. إلى أن قال: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. وأخرجه في فضائل الأنصار أيضًا

(2)

، ومسلم والترمذي والنسائي

(3)

.

وذكر الواحدي من هذا الوجه أن هذا الرجل الأول من أهل الصفة

(4)

. وفي "الأوسط" للطبراني أنه أبو هريرة

(5)

.

وفي "أحكام القاضي إسماعيل" أن رجلًا من المسلمين مكث ثلاثة أيام لا يجد ما يفطر عليه حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له: ثابت بن قيس. الحديث. وبه جزم ابن التين.

المضيف هو أبو طلحة كما ذكره الخطيب

(6)

وجاء مبينًا في رواية الحميدي، واسمه زيد بن سهل، كما قاله ابن بشكوال، وأنكره النَّووي. وقيل: عبد الله بن رواحة. وعند المهدوي النحاس: نزلت في أبي المتوكل، فإن الضيف ثابت بن قيس عكس ما سلف. ووهم

(1)

لم أقف عليه في المطبوع من "تفسير عبد الرزاق" لكن رواه بنحوه الطبري في "التفسير" 12/ 41.

(2)

سلف (3798) كتاب: مناقب الأنصار، باب: قول الله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .

(3)

مسلم (2054)، والترمذي (3304)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 486 (11582).

(4)

"أسباب النزول" ص 439 (809).

(5)

"الأوسط" 3/ 316 - 317 (3271، 3272).

(6)

"المبهمات" ص 399، ونقول: بل جزم أنه ثابت بن قيس بن شماس، ومرَّض الخطيب ما أورده المصنف، فقال: وقيل: إنه أبو طلحة.

ص: 376

ابن عسكر فقال: أبو المتوكل هذا هو الناجي؛ لأنه تابعي إجماعًا

(1)

.

وفي "أسباب النزول" عن ابن عمر: أهدي رجل من الصحابة رأس شاة فقال: إن أخي فلانًا وعياله أحوج منا إلى هذا، فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها سبعة من أهل أبيات حتى رجحت الأول، فنزلت

(2)

.

وقوله: (لا تدخريه شيئًا) أي: لا تمسكي عنه شيئًا.

وقول المرأة: (والله ما عندنا إلا قوت الصبية) يحتمل أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل، وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان من غير جوع يضر، فإنهم لو كانوا على حاجة بحيث يضرهم ترك الأكل لكان إطعامهم واجبًا يقدم على الضيافة، وقد أثنى الله عليهما، فدل أنهما لم يتركا واجبًا. أو يقال: أنها علمت صبرهم عن العشاء تلك الليلة؛ لأن الإنسان قد يصبر ساعة عن الأكل ولا يتضرر به ولا يجهده.

وقوله: (ونطوي بطوننا الليلة) أي نجمعها، فإذا جاع الرجل، انطوى جلد بطنه.

وقوله: "لقد عجب الله - أو ضحك الله" معنى العجب هنا الرضا، وحقيقته عندكم في الشيء التافه إذا دفع فيه فوق قدره وأعطى الأضعاف من قيمته. وقول أبي عبد الله: معنى الضحك الرحمة. غريب، كما نبه عليه ابن التين، وتأويله بالرضا أشبه على ما سلف في العجب؛ لأن من أعجبه الشيء فقد رضيه من قبله

(3)

. وقيل: معنى "ضحك": أبان عن

(1)

"التكملة والإتمام" ص 198.

(2)

"أسباب النزول" ص 440.

(3)

مثل هذا تأويل كما هو منهج المؤولة، لأنه لا يجوز صرف النص عن ظاهره بلا علم ولا يجوز إثبات معنى خلاف الظاهر بلا علم، فهو عجب وضحك حقيقي لا يماثل فعل المخلوقين "شرح الواسطية" لابن العثيمين رحمه الله ص 46.

ص: 377

آلائه وفضله بإظهارها واتخاذها؛ لأن الضاحك يكشف ما استتر ويبين ما اكتتم

(1)

.

وفيه من الحكم: جواز نفوذ فعل الأب على الابن وإن كان منطويًا على ضرر إذا كان ذلك من طريق النظر، وأن القول فيه قول الأب والفعل فعله، وكان ذلك الإيثار لقضاء حق الرسول في إجابة دعوته والقيام بحق ضيفه.

قالت: أما ترحل تبغي الغنى

قلت: فمن للطارق المعتم

قالت: فهل عندك شيء له

قلت: نعم جهد الفتى المعدم

فكم وحق الله من ليلة

قد طعم الضيف ولم أطعم

إن الغنى بالنفس يا هذِه

ليس الغنى بالثوب والدرهم

(1)

مذهب السلف في الصفات إمرارها كما جاءت من غير تأويل أو تشبيه .. وسيأتي الكلام عليه في كتاب التوحيد باستفاضة إن شاء الله.

ص: 378

(60) سورة المُمْتَحِنَةِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} : لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ فَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ هؤلاء عَلَى الحَقِّ مَا أَصَابَهُمْ هذا {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} أُمِرَ أَصْحَابُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِفِرَاقِ نِسَائِهِمْ، كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَةَ.

[1 - باب {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]]

4890 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَان، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ كَاتِبَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا» . فَذَهَبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ. فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟» . قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكَّةَ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ» . فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ.

ص: 379

فَقَالَ: «إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ عز وجل اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» . قَالَ عَمْرٌو وَنَزَلَتْ فِيهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ} [الممتحنة:1] قَالَ: لَا أَدْرِي الآيَةَ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَوْلُ عَمْرٍو. [انظر: 3007 - مسلم: 2494 - فتح: 8/ 633]

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: قِيلَ لِسُفْيَانَ: فِي هَذَا فَنَزَلَتْ {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} ؟ قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا فِي حَدِيثِ النَّاسِ حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو وَمَا تَرَكْتُ مِنْهُ حَرْفًا وَمَا أُرَى أَحَدًا حَفِظَهُ غَيْرِي.

هي مدنية، نزلت بعد الأحزابِ وقبل النساء: كما قاله السخاوي

(1)

. بكسر الحاء، كما قال السهيلي. أي: المختبرة، أضيف الفعل إليها مجازًا، كما سميت سورة براءة:(المعتبرة)

(2)

والفاضحة (لما)

(3)

كشفت من عيوب المنافقين، ومن قاله بالفتح أضافها للمرأة التي نزلت فيها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف وأم ولده إبراهيم

(4)

. وقال مقاتل: الممتحنة اسمها سبيعة، ويقال: سعيدة- بنت الحارث الأسلمية، وكانت تحت صيفي بن الراهب وكذا ذكره ابن عباس في "تفسيره"

(5)

. قال ابن عسكر: كانت أم كلثوم تحت عمرو بن العاصي. قال: وروي أن الآية نزلت في أميمة بنت بشير من بني عمرو بن عوف أم عبد الله بن

(1)

"جمال القراء" ص 8.

(2)

هكذا في الأصل، وفي "مبهمات القرآن":(المبعثرة)، وكذلك في "جمال القراء" ص 36 وقال: لأنها بعثرت عن أسرار المنافقين. وانظر "الإتقان" للسيوطي 1/ 193.

(3)

في الأصل: (ما).

(4)

انظر: "تفسير مبهمات القرآن" للبلنسي 2/ 593.

(5)

انظر "زاد المسير" 8/ 239.

ص: 380

سهل بن حنيف، وكانت تحت حسان بن الدحداحة، ففرت منه، وهو حينئذكافر فتزوجها سهل بن حنيف

(1)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ فَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ هؤلاء عَلَى الحَق مَا أَصَابَهُمْ هذا) هذا رواه عبد عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه

(2)

. ورواه الحاكم من طريق آدم بن أبي إياس، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: ثم قال: على شرط مسلم

(3)

.

(ص)({بِعِصَمِ الْكَوَافِر} أُمِرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِفِرَاقِ نِسَائِهِمْ، اللاتي كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ). أخرجه ابن أبي حاتم عن حجاج، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد

(4)

.

والمراد بالكوافر: الوثنيات. وقال ابن عسكر: نزلت في امرأة لعمر بن الخطاب كانت كافرة فطلقها، فتزوجها معاوية بن صخر، واسمها قريبة ابنة أبي أمية بن المغيرة

(5)

. وعند مقاتل: تزوجها أبو سفيان، ويقال: نزلت هذِه الآية في أبي السنابل بن بعكك بن السباق وِفي أصحابه: هشام بن العاصي وامرأته هند ابنة أبي جهل، وعياض العميري وامرأته أم حكيم بنت أبي سفيان، وشماس بن عثمان المخزومي وامرأته عاتكة بنت يربوع وذي اليدين بن عبد عمرو

(1)

"التكملة والإتمام" ص 198.

(2)

عزاه له السيوطي في "الدر" 6/ 304.

(3)

"المستدرك" 2/ 485 وقال: صحيح على شرط الشيخين.

(4)

عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 307 للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر.

(5)

"التكملة والإتمام" ص 199.

ص: 381

وامرأته هند بنت عبد العزى. وعند عبد بن حميد عن الشعبي أن امرأتين لعمر بن الخطاب خرجتا إلى المشركين فنكح إحداهما معاوية

(1)

.

ثم ساق البخاري بعد حديث علي: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ .. " الحديث.

وقد سلف في الجهاد في باب: الجاسوس. وزاد هنا: قال عمرو: ونزلت فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} الآية. قَالَ: لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو. حدثنا علي قال: قيل لسفيان: في هذا نزلت: {لَا تَتَّخِذُوا} قال سُفْيَانُ: هذا في حديث الناس حفظته وما تَرَكَتُ مِنْهُ حَرْفًا وَمَا أُرى أَحَدًا حَفِظَهُ غَيْرِي.

قال البرقاني: روى نحو حديث علي سماكٌ عن ابن عباس، قال عمر: كتب حاطب إلى أهل مكة، فأطلع الله نبيه على ذلك فبعث عليًّا والزبير، فأدركا امرأة على بعير .. الحديث. قال الحميدي: حكى البرقاني أنه أخرج -يعني في مسلم- قال الحميدي: وليس له عند أبي مسعود وخلف في الأطراف ذكر، فينظر

(2)

.

وقوله: النلقين (صوابه: (لنلقن) بحذف الياء كما سلف هناك، وقول عمر:(دعني فأضرب عنق هذا المنافق) فيه أن الجاسوس يقتل من غير استتابة، لأن الشارع أخبر أنه من أهل بدر، وأن الله غفر لهم، وأنه صادق في قوله. وقول عمرو:(نزلت فيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ}) وقيل: نزلت فيه وفي قوم معه كاتبوا أهل مكة.

(1)

رواه بنحوه الطبري 12/ 68 (33981) عن عبد بن حميد، من قول الزهري.

(2)

"الجمع بين الصحيحين" 1/ 145.

ص: 382

‌2 - باب {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10]

4891 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ، بِقَوْلِ اللهِ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} . قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ بَايَعْتُكِ» . كَلَامًا وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلاَّ بِقَوْلِهِ:«قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكَ» . تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ. [انظر: 2713 - مسلم: 1866 - فتح: 8/ 636]

ساق حديث إِسْحَاقَ عن يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن ابن أَخِي ابن شِهَاب، عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولً اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ المُؤْمِنَاتِ بهذِه الآيَةِ، بِقَوْلِ اللهِ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ}

(1)

[الممتحنة: 12] إلى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} . قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بهذا الشَّرْطِ مِنَ المُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ بَايَعْتُكِ". كَلَامًا، وَلَا والله مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ اْمْرَأَةٍ قَطُّ فِي المُبَايَعَةِ، مَا بايعهن إِلَّا بِقَوْلِهِ:"بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكَ". تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ.

(1)

في الأصل: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات يبايعنك.

ص: 383

هذِه كانت مبايعته عليه أفضل الصلاة والسلام النساء. وقد سلف هذا الحديث، وأخرجه البخاري في المغازي والنكاح والأحكام والطلاق

(1)

. وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه

(2)

.

ومتابعة يونس عليها في الطلاق، ومعمر أخرجها في الأحكام. وإسحاق ذكرها الدارقطني

(3)

، وإسحاق الأول قيل: إنه ابن راهويه. وقيل: ابن منصور، وكل منهما ثقة، وكلاهما يرويان عن يعقوب.

وعند الزجاج: جلس عليه السلام على الصفا، وجلس عمر دونه، فكن النساء يبايعن ويمسحن أيديهن بيد عمر. وقيل: من وراء ثوب

(4)

.

(1)

في المغازي برقم (4182) باب: غزوة الحديبية، وفي الطلاق برقم (5288) باب: إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي. وفي الأحكام برقم (7214) باب: بيعة النساء.

وليس هو في النكاح، إنما في الشروط برقم (2713) باب: ما يجوز من الشروط في الإسلام وأيضًا (2733) باب: الشروط في الجهاد، من غير ذكر المبايعة.

(2)

مسلم (1866)، الترمذي (3306)، ابن ماجه (2875)، "السنن الكبرى" للنسائي 5/ 218 - 219 (8714).

(3)

"علل الدارقطني" 14/ 128.

(4)

انظر: "تفسير الوسيط" 4/ 286، "زاد المسير" 8/ 244 - 245، القرطبي 18/ 71.

ص: 384

‌3 - باب {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12]

4892

- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ عَلَيْنَا {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ اْمْرَأَةٌ يَدَهَا فَقَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةُ أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا. فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ فَبَايَعَهَا. [انظر: 1306 - مسلم: 936 - فتح: 637]

4893 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ شَرَطَهُ اللهُ لِلنِّسَاءِ. [فتح: 8/ 637]

4894 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزّهْرِيُّ: حَدَّثَنَاهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: كنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أتبايِعُونِي على أَنْ لَا تُشْرِكُوا باللهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا". وَقَرَأَ آيَةَ النِّسَاءِ -وَأَكْثَرُ لَفْظِ سُفْيَانَ قَرَأَ الآيَةَ- "فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ فَهْوَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ". تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ فِي الآيَةِ. [انظر: 18 - مسلم: 1709 - فتح: 8/ 637].

4895 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: شَهِدْتُ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدُ، فَنَزَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم -

ص: 385

فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ مجلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ مَعَ بِلالٍ

فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: 12] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّهَا، ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ:"أَنْتُنَّ على ذَلِكَ". وَقَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، لَا يَدْرِي الَحسَنُ مَنْ هِيَ. قَالَ:"فَتَصَدَّقْنَ" وَبَسَطَ بِلَالٌ ثَوْبَهُ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح: 8/ 638]

ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث أُمِّ عَطِيَّةَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ عَلَيْنَا: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا} وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ يَدَهَا فَقَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةُ أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا. فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ فَبَايَعَهَا.

ويأتي في الأحكام

(1)

. وأخرجه مسلم والنسائي

(2)

.

وقبضها يدها قد يكون مخالفًا لحديث عائشة السالف: ما مست يده يد امرأة قط فيها، فقيل: إنهن كن يمددن أيديهن دونه. والأظهر كما نبه عليه ابن التين أن ذلك عبارة عن امتناعها من البيعة إذا كانت البيعة عندهم بأخذ الأيدي. ومعنى الإسعاد: القيام معها في مناحة تراسلها فيها، والإسعاد خاص في هذا المعنى، ولا يستعمل إلا في البكاء، والمساعدة عامة في الأمور، يقال: أصلها من وضع الرجل يده على ساعد صاحبه إذا تعاونا على أمر.

(1)

سيأتي برقم (7215)، باب بيعة النساء.

(2)

مسلم (936) كتاب: الجنائز، باب: التشديد في النياحة، النسائي 7/ 148 - 149.

ص: 386

الحديث الثاني:

حديث الزبير وهو ابن الحارث البصري- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: 12] قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ شَرَطَهُ اللهُ لِلنِّسَاءِ. وهو من أفراده.

والمعروف هو النوح. وقيل: الخلوة بغير ذي محرم. وقيل: لا تخمش وجهًا، ولا تشق جيبًا، ولا تدعُ ويلًا، ولا تنشر شعرًا. وقيل: الطاعة لله ولرسوله. وقيل: في كل أمر فيه رشدهن. وقيل: هو عام في كل معروف أمر الله به

(1)

.

الثالث:

حديث عبادة في المبايعة، سلف في الإيمان

(2)

.

ثم قال: تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ فِي الآيَةِ. وهذِه المتابعة أخرجها مسلم عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق

(3)

، وأخرجها النسائي من حديث غندر عن معمر

(4)

.

الحديث الرابع:

حديث ابن عباس فيها أيضًا. وسلف في الصلاة

(5)

. والفتخ بفتح الفاء والتاء جمع فتخة، وهي كالحلقة تلبس لبس الخاتم.

(1)

انظر: "الوسيط" 4/ 288، "زاد المسير" 8/ 247.

(2)

برقم (18).

(3)

برقم (1709/ 42).

(4)

النسائي 7/ 148.

(5)

سلف برقم (863) كتاب الأذان، باب: وضوء الصبيان.

ص: 387

والبهتان في الآية: الولد من غير الزوج ينسب إليه. وقيل: معنى {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ} ما كان قُبْلةً أو أكل حرام، {وَأَرْجُلِهِنَّ} ما كان من جماع أو دونه. وقيل: بين ألسنتهن وفروجهن. وقيل: إنه باليد مثل بما اكتسبت أيديكن.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن محمد بن عبد الرحيم، عن هارون بن معروف. وهارون هذا روى له مسلم، وروى البخاري عن رجل عنه - كذا داود بن رشيد، وسريج بن يونس، وسعيد بن منصور، وعباد بن موسى، وأحمد بن منيع روى مسلم عنهم، وروى البخاري عن رجل عنهم.

ص: 388

(61) سورة الصَّفِّ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ} مَنْ يَتَّبِعُنِي إلى اللهِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {مَرْصُوصٌ} مُلْصَقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ بِالرَّصَاصِ.

هي مدنية. وقيل: مكية - حكاه ابن النقيب

(1)

، ونزلت بعد التغابن وقبل الفتح، كما قاله السخاوي

(2)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ} مَنْ يَتَّبِعُنِي إِلَى اللهِ) هذا أخرجه ابن أبي حاتم عن حجاج، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه

(3)

. وقيل: (إلى) بمعنى (مع) فالمعنى: من يضيف نصرته إلى الله. قال الداودي: يحتمل أن يكون لله وفي الله.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {مَرْصُوصٌ} مُلْصقٌ بَعْضهُ بِبَعْضٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بِالرَّصَاصِ) ما (يحكيه)

(4)

عن ابن عباس أخرجه أيضًا عن علي بن المبارك، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثور، عن ابن جريج، عن عطاء عنه.

وقوله: (وقال غيره) في بعض النسخ: (وقال يحيى) هو ابن زياد بن عبد الله بن منصور الديلمي أبو زكرياء الفراء، صاحب كتاب "معاني

(1)

انظر: "زاد المسير" 8/ 249، "تفسير القرطبي" 18/ 77.

(2)

"جمال القراء" ص 9.

(3)

عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 319 لعبد بن حميد، وابن المنذر. ورواه الطبري 12/ 86 (34063) من طريق عيسى وورقاء، عن ابن أبي نجيح، به.

(4)

ورد فوقها: في الأصل لفظه.

ص: 389

القرآن"

(1)

. وجزم به الثعلبي وقال: إن أصله من الرصاص، فليس فيه فرجة ولا خلل

(2)

.

(1)

وقد أورد الفراء ذلك فى "معانيه" 3/ 153.

(2)

انظر: "زاد المسير" 8/ 251.

ص: 390

[باب] قَوْلُهُ: {بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]

4896

- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ» . [انظر: 3532 - مسلم: 2354 - فتح: 8/ 640]

ذكر فيه حديث جبير بن مطعم: "إِنَّ لِي أَسْمَاءً" سلف في المناقب، وأخرجه مسلم والترمذي

(1)

والنسائي

(2)

.

(1)

الترمذي (2840).

(2)

النسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"(3191).

ص: 391

(62) سورة الجمعة

هي مدنية ونزلت بعد التحريم وقبل التغابن، كما قاله السخاوي

(1)

.

‌1 - باب

{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}

[الجمعة: 3]

وَقَرَأَ عُمَرُ: فَامْضُوا إلى ذِكْرِ اللهِ.

4897 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعه: 3] قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا، وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ:«لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ -أَوْ رَجُلٌ- مِنْ هَؤُلَاءِ» . [4898 - مسلم: 2546 - فتح: 8/ 641]

4898 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنِي ثَوْرٌ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ» . [4897 - مسلم: 2546 - فتح: 8/ 641]

(ص)(وَقَرَأَ عُمَرُ: (فَامْضوا إلى ذِكْرِ اللهِ) هذا رواه ابن أبي حاتم من حديث سالم عن أبيه عنه

(2)

.

ذكر فيه حديث ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الجُمُعَةِ {وَآخَرِينَ

(1)

"جمال القراء" ص 9.

(2)

"الدر المنثور" 6/ 328.

ص: 392

مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا، وَفِينَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ:"لَوْ كَانَ الايمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ -أَوْ رَجُلٌ- مِنْ هؤلاء" وفي لفظ: "لناله رجال من هؤلاء".

الشرح:

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا والترمذي

(1)

والنسائي

(2)

.

والثريا مؤنثة مقصورة تكتب بالألف لمكان الياء التي قبل آخرها.

وفي الآخرين أقوال: التابعون، أو العجم، أو أبناؤهم، أو كل من كان بعد الصحابة، أو كل من أسلم إلى يوم القيامة، وأحسن ما قيل فيهم -كما قال القرطبي- أنهم أبناء فارس

(3)

، بدليل هذا الحديث، وقد ظهر ذلك عيانًا، فإنه ظهر فيهم الدين وكثر العلماء، وكان وجودهم كذلك دليلًا من أدلة صدقه. وله طرق في "تاريخ أصبهان" لأَبي نعيم الحافظ غير طريق أبي هريرة، أخرجه من طريق ابن مسعود وسلمان الخير الفارسي وعائشة وعلي وقيس بن سعد بن عبادة

(4)

.

وذكر ابن عبد البر أن الفرس من ولد لاود بن سام بن نوح. وذكر علي بن كيسان النسابة وغيره أنهم من ولد فارس بن (جابر)

(5)

بن يافث بن نوح، وهو أصح ما قيل فيهم، وهم يدفعون ذلك وينكرونه ويزعمون أنهم لا يعرفون نوحًا ولا ولده، ولا الطوفان ويستقون ملكهم من حين آدم،

(1)

"السنن"(3310)، (3933).

(2)

"السنن الكبرى"(11592).

(3)

"تفسير القرطبي" 18/ 93.

(4)

"تاريخ أصبهان" 1/ 2 - 9.

(5)

كذا في الأصل. وفي "تاريخ الطبري" 1/ 19، 92، 124، 125، 126: جامر.

ص: 393

وأن أول ملك ملك في العالم بعد الطوفان أوشهيج بن أبزخ بن عامور بن يافث بن نوح، فإنه ملكهم ألف سنة، وبعده طهمورث وبعده خمس، وكان دينهم دين الصابئة، ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران.

قلت: وقد سلف نسبهم إلي يافث. وعند الرشاطي: فارس الكبرى ابن كيومرت، ويقال: جيومرت بن أميم بن لاود، وقيل: جيومرت بن يافث. وقيل: هو فارس بن ناسور بن سام بن نوح. ومنهم من زعم أنهم من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. قال: ومنهم من ذكر أنهم من ولد هدرام بن أرفخشذ بن سام، وأنه ولد بضعة عشر رجلًا كلهم كان فارساً شجاعًا، فسموا الفرس بالفروسية. وقيل: إنهم من ولد يونان بن إيران بن الأسود بن سام. ويقال لهم بالجزيرة: الحضارمة، وبالشام: الجرامقة. وبالكوفة الأحامرة: وبالبصرة: الأساورة. وباليمن: الأبناء والأحرار.

وفي "طبقات صاعد" كانت الفرس في أول أمرها موحدة على دين نوح إلى أن [أتى]

(1)

برداسف المشرقي إلى طهمورث ثالث ملوك الفرس بمذهب الحنفاء وهم الصابئون فقبلت منه، وقصر الفرس على التشرع به، فاعتقدوه نحو ألفي سنة ومائتي سنة، إلى أن تمجسوا جميعًا وسببه أن زرادُشت الفارسي ظهر في زمن بشتاسب (حين)

(2)

الفرس حين مضى من ملكه ثلاثون سنة، ودعا إلى دين المجوسية من تعظيم النار وسائر الأنوار، والقول بتركيب العالم من النور والظلام، واعتقاد القدماء الخمسة: إبليس والهيولي والزمان والمكان، وذكر

(1)

ليست في الأصل، والسياق يقتضيها.

(2)

هكذا في الأصل، ولعل الصحيح: ملك.

ص: 394

آخر فقبل ذلك منه بشتاسب، وقاتل الفرس عليه حتى انقادوا جميعًا إليه ورفضوا دين الصابئة واعتقدوا زرادشت نبيًّا مرسلًا إليهم، ولم يزالوا على دينه قريبًا من ألف وثلاثمائة سنة إلى أن أباد الله ملكهم على يد عثمان رضي الله عنه.

فائدة:

ثور الذي في إسناده هو ابن زيد الديلي مولاهم المدني، أخرج له مسلم أيضًا، ومات سنة خمس وثلاثين ومائة. وانفرد البخاري بثور بن يزيد الكلاعي الحمصي، سمع خالد بن معدان، وعنه الثوري وغيره، مات سنة خمس، وقيل: ثلاث وخمسين ومائة.

وأبو الغيث -بالغين المعجمة- اسمه سالم مولى ابن مطيع، وعبد العزيز المذكور في أحد سنديه ذهب الكلاباذي إلى أنه ابن أبي حازم. قال الجياني: والذي عندي أنه الدراوردي

(1)

.

(1)

"تقييد المهمل" 2/ 698.

ص: 395

‌2 - باب {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} الآية [الجمعة: 11]

4899 -

حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّتنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الَجعْدِ وَعَنْ أَي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَنَحْنُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَثَارَ النَّاسُ إِلَّا (اثْنَا)

(1)

عَشَرَ رَجُلاً فَأَنْزَلَ الله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11][انظر: 936 - مسلم: 863 - فتح: 8/ 643]

ذكر فيه حديث جابر السالف في الجمعة، ساقه هناك من حديث سالم بن أبي الجعد عنه، ثم زاد هنا: وعن أبي سفيان، عن جابر. وأبو سفيان اسمه طلحة بن نافع. انفرد به مسلم، وأوضحنا الكلام عليه هناك. وفي رواية:"لو تبع أولهم آخرهم لاضطرم الوادي عليهم نارًا"

(2)

.

(1)

كذا في النسخة السلطانية 6/ 152 وفي هامشها: اثْنَي عَشَرَ كذا في "اليونينية" من غير رقم.

(2)

أخرجها ابن مردويه عن ابن عباس كما في "الدر المنثور" 6/ 331.

ص: 396

(63) سُورةُ المُنافِقين

هي مدنية، وفيها ثلاث آيات أنزلت في المسير لما قيل:{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} فنزلت. قال السدي: و {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} في ابن أُبَيٍّ وفي زيد بن أرقم في غزوة بني المصطلق وكان ابن أُبي معه في ذلك الجيش فحصل بين جعال -ويقال: جهجاه الغفاري أجير عمر بن الخطاب- وبين وبرة بن سلمان الحمصي حليف ابن أُبَيٍّ شرٌّ، فبلغ ذلك ابن أبي فتكلم، فسمعه زيد بن أرقم. الحديث

(1)

.

‌1 - باب: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} الآية [المنافقون: 1]

4900 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ فِي غَزَاةٍ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ يَقُولُ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ وَلَوْ رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِهِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي أَوْ لِعُمَرَ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، فَكَذَّبَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصَدَّقَهُ، فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، فَجَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَقَتَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] فَبَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ» . [4901، 4902، 4903،

4904 -

مسلم: 2772 - فتح: 8/ 644]

(1)

انظر: "النكت والعيون" 6/ 14.

ص: 397

ذكر فيه حديث زيدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ فِي غَزَاةٍ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ يَقُولُ: لَا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ

الحديث. وفي آخره: "إِنَّ اللهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ".

ص: 398

‌2 - باب {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2]

يَجْتَنُّونَ بِهَا

4901 -

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وَقَالَ أَيْضًا: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي فَذَكَرَ عَمِّي لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَّبَنِي، فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ، فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 7] إِلَى قَوْلِهِ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ} [المنافقون: 7] إِلَى قَوْلِهِ: {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 8] فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهَا عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ صَدَّقَكَ» . [4901، 4902، 4903، 4904 - مسلم: 2772 - فتح: 8/ 644]

(يجتنون بها)، أي: يستترون، وفي بعض النسخ ذلك من قول مجاهد

(1)

.

ثم ساق حديث زيد بن أرقم.

ثم ترجم عليه أيضًا:

(1)

الطبري 11/ 100.

ص: 399

‌3 - باب قَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} [المنافقون: 3]

4902 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ لَمَّا قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَي: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ. وَقَالَ أَيْضًا لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ. أَخْبَرْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَامَنِي الأَنْصَارُ، وَحَلَفَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ مَا قَالَ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ فَنِمْتُ فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ:«إِنَّ اللهَ قَدْ صَدَّقَكَ» . وَنَزَلَ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا} الآيَةَ [المنافقون: 7]. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 4900 - مسلم: 2772 - فتح: 8/ 646]

ثم ساقه، وقال في آخره: وَقَالَ ابن أَبِي زَائِدَةَ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابن أَبِي لَيْلَى، عَنْ زيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وعمرو هذا هو ابن مرة أبو عبد الله المرادي الأعمى، مات سنة عشر ومائة.

وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن. وهذا أسنده النسائى عن إسحاق بن إبراهيم، عن يحيى بن آدم، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن الأعمش

(1)

.

ثم ترجم عليه أيضا:

(1)

"السنن الكبرى" 6/ 491 (11594).

ص: 400

-‌

‌ باب {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} الآية [المنافقون: 4]

4903

- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ لأَصْحَابِهِ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ. وَقَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ، فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ، قَالُوا: كَذَبَ زَيْدٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالُوا شِدَّةٌ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عز وجل تَصْدِيقِي فِي {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ. وَقَوْلُهُ: {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 3] قَالَ: كَانُوا رِجَالاً أَجْمَلَ شَيْءٍ. [انظر: 4900 - مسلم: 2772 - فتح: 8/ 647]

ثم ساقه أيضا. وقال في آخره: وَقَوْلُهُ: {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 3] قَالَ: كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ شَيْءٍ.

ثم ترجم عليه أيضا:

ص: 401

‌4 - باب {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} الآية [المنافقون: 5]

حَرَّكُوا اسْتَهْزَءُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ويُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ لَوَيْتُ.

4904 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، وَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكَرَ عَمِّي لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، وَكَذَّبَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَصَدَّقَهُمْ، فَأَصَابَنِي غَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي وَقَالَ عَمِّي مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَقَتَكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} [المنافقون: 1] وَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهَا وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ صَدَّقَكَ» . [انظر: 4900 - مسلم: 2772 - فتح: 8/ 648]

حركوا رءوسهم (استهزاءً) برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقرأ بالتخفيف من لويت

(1)

.

ثم ساقه أيضًا من حديث زيد بن أرقم.

ثم ترجم عليه أيضًا:

(1)

"الحجة للقراء السبعة" 6/ 293.

ص: 402

‌5 - باب {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} الآية [المنافقون: 6]

4905 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ -قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً فِي: جَيْشٍ- فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَاريُّ: يَالَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» . فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ فَعَلُوهَا، أَمَا وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَكْثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، ثُمَّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَثُرُوا بَعْدُ. قَالَ سُفْيَانُ: فَحَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو: قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرًا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [مسلم: 2506 - فتح: 8/ 650]

ثم ساق من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ -قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً فِي (جَيْشٍ)

(1)

- فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ ثم ذكر قول عبد الله بن أبي: والله لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. الحديث.

{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)} [هود: 52]

ومعنى كسع: ضرب دبره بيده. والكسع: ضرب الدبر

(2)

.

ثم ترجم عليه:

(1)

في الأصل: (شيء)، والمثبت في "اليونينية" 6/ 154 من غير تعليق.

(2)

"لسان العرب" 7/ 3875.

ص: 403

‌7 - باب {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}

(1)

[المنافقون: 7]

4906 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ» -وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ- فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللهُ لَهُ بِأُذُنِهِ» . [مسلم: 2506 - فتح: 8/ 650]

ثم ساق من حديث أنس: حَزِنْتُ على مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي فذكر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأنصَارِ وَلأَبْنَاءِ الأنصَارِ" -وَشَكَّ عبد الله بن الفَضْلِ فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ- فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ هُوَ الذِي يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هذا الذِي أَوْفَى اللهُ لَهُ بِأُذُنِهِ".

(1)

ما بين المعكوفتين زيادة ليست في الأصول، والمثبت من "اليونينية" 6/ 154 وفوقها وفوقها إشارة إلى سقوطها عند أبي ذر.

ص: 405

‌8 - باب: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} الآية [المنافقون: 8]

4907 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ الأَنْصَاريُّ: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَسَمَّعَهَا اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا هَذَا؟» . فَقَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ الأَنْصَاريُّ: يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَالَلْمُهَاجِرِينَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» . قَالَ جَابِر: وَكَانَتِ الأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ، ثُمَّ كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَوَقَدْ فَعَلُوا، وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» . [انظر: 3518 - مسلم: 2584 - فتح: 8/ 652].

ثم ساق حديث جابر المذكور. قال أبو عبيدة: سمى الله الكفر كذبًا، مراده النفاق.

وقوله: (فذكرت ذلك لعمر أو لعمي) وقال بعده: (فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم -وقال بعده: أخبرت به النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعده: (فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية للطبراني: فذكرت ذلك لسعد بن عبادة

(1)

.

ولا تنافي بين ذلك، فقد يخبر عمه أو غيره، ثم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره، ويجوز أن يقول: أخبرته: إذا أومأت إليه. وعمه هو ثابت بن زيد بن قيس بن زيد، أخو أرقم بن زيد، كما نبه عليه الدمياطي.

(1)

"المعجم الكبير" 5/ 196.

ص: 406

ويحتمل أن يريد به سعد بن عبادة كما سلف؛ لأنه شيخ من شيوخ قبيلته الخزرج. ويحتمل أنه أراد عمه زوج أمه ابن رواحة

(1)

.

وفعل عبد الله ما فعل غيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال محمد بن يوسف: بلغني أن ابنه وقف له فقال: والله، لا تمر حتى تقول: إنك (الأذل)

(2)

ورسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز، فلم يمر حتى قالها. وقد سلف تفسير الجُنَّة وأنه الاستتار بالحلف، وكلما علم بشيء يوجب العقوبة حلفوا أنهم ما أتوه.

وقوله: (كنت في غزاة) قال ابن الجوزي: هي المريسيع سنة خمس أو ست.

وقال موسى: سنة أربع. وذكر ابن العربي أنها كانت تبوك

(3)

(4)

، وهو غير جيد كما نبه عليه ابن عسكر؛ لأن المسلمين كانوا في تبوك أعزة والمنافقين أذلة، وأيضًا أن منهم من قال: إن ابن أبي إنما كان مع الخوالف.

وقوله: (فاجتهد يمينه ما فعل) أي: أقسم طاقته لقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} والكسع سلف. وقوله: (حزِنت) وهو بكسر الزاي.

وفيه: حزن المؤمن إذا أصيب المؤمنون.

(1)

ورد بهامش الأصل: إنما يأتي القول أنه ابن رواحة أن القصة وقعت في المريسيع، وأما على القول بأنها في تبوك فلا يأتي؛ لأن ابن رواحة استشهد بمؤتة.

(2)

ورد في هامش الأصل: ما في الأصل: الأدنى.

(3)

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" 12/ 200: وروي في الصحيح أنها كانت غزوة بني المصطلق وهو الصحيح.

(4)

ورد في هامش الأصل: في الترمذي أن القصة كانت في تبوك. وقال: حسن صحيح، وفيه أيضًا عن حكاية سفيان أنها كانت في بني المصطلق -والله أعلم.

ص: 407

وقوله: (فكتب إليَّ زيد بن أرقم) لم يذكر ما كتب به، ولعله كما قاله ابن التين- أنه كتب يعرفه بقوله:"اغفر للأنصار وأبنائهم" وكان في هذا عزاء مما أصيب.

وفيه: مشروعية الكتابة. قال الخطيب: وذهب غير واحد من علماء الحديث إلى أن قول القائل حدثنا في المكاتبة جائز.

وقوله: (فسأل أنسًا) كذا هو في الأصول، وذكره ابن التين بلفظ:(فسأل أنس). ثم ذكر عن أبي الحسن أن صوابه: (أنسًا).

ومعنى (أوفى الله بأذُنه) يعني: بسمعه على مجرى قوله: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، كذا وصف نفسه، وهو ثابت كما جاء لا على معنى الجارحة -تعالى عن ذلك

(1)

- وهو بسكون الذال.

وقول عمر: (دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال عليه السلام:"دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" هو من أعظم السياسات؛ ولأن ظاهر عبد الله بن أبي الإسلام، والناس كلفوا بالظاهر، فلو حصل عقوبة نفروا.

وفي هذِه الأحاديث: جواز تبليغ ما لا يجوز المقول فيه، وليس من النميمة لما فيه من المنفعة وكشف الخفاء عن السرائر الخبيثة، والنميمة المحرمة التي فيها المضرة على قائله ما يتعلق بالدين. وذكر أبو نعيم أن سنان بن وبرة هو الذي سمع عبد الله بن أبي يقول:{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} الآية. فيحمل على أنه سمعه مع زيد بن أرقم أيضًا توفيقًا بينهما.

(1)

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الأذن عند أهل السنة لا تُثْبَتُ لله ولا تُنْفَى عنه، والسمع يعني إدراك المسموع، وهو من الصفات الذاتية. "شرح الواسطية" 1/ 163.

ص: 408

(64) سورة التَّغَابُنِ

وَقَالَ. عَلْقَمَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} هُوَ الذِي إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ رَضِيَ، وَعَرَفَ أَنَّهَا مِنَ اللهِ.

هي مدنية. وقال مقاتل: فيها مكيٌّ. وقال الكلبي: هي مكية. وقال ابن عباس: مكية إلا آيات من آخرها نزلت بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي؛ لأنه شكا ولده نزلت: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} إلى آخر السورة

(1)

، ونزلت بعد الجمعة وقبل الصف كما قال السخاوي

(2)

.

(ص) وقال مجاهد: {يَوْمُ التَّغَابُنِ} غبن أهل الجنة أهل النار) أخرجه عبد بن حميد عن عمر بن سعيد، عن سفيان، عن ابن جريج عنه

(3)

: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار. قال: وحدثنا إبراهيم، عن أبيه، عن عكرمة، عن عبد الله قال: هو غبن أهل الجنة أهل النار

(4)

.

قيل: والتغابن اسم من (أسمائه تعالى)

(5)

، وسمي بذلك، لأنه يغبن فيه المظلوم الظالم. وقيل: يغبن فيه الكفار في تجارتهم التي أخبر الله أنهم اشتروا الضلالة بالهدى. وقيل: مأخوذ من الغبن وهو الإخفاء.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 342 وعزاه للنحاس.

(2)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 9.

(3)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 344 وعزاه لعبد بن حميد.

(4)

المرجع السابق.

(5)

كذا في الأصل، ولعل الصواب:(أسماء يوم القيامة)، كما جاء في "زاد المسير" 8/ 283.

ص: 409

أي: خفي عن الحق علمه فيغبن يومئذ من أرفع في الجنة من كان دون منزلته فيها.

(ص)(وَقَالَ عَلْقَمَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} هُوَ الذِي إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ رَضِيَ، وَعَرَفَ أَنَّهَا مِنَ اللهِ) أخرجه عبد أيضًا عن عمرو بن سعيد، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن علقمة عنه: هو الرجل يصاب بمصيبة فيعلم أنها من عند الله فيسلم ويرضى

(1)

. والمعنى: يهد قلبه إلى التسليم لأمره. وقال ابن عباس: لليقين

(2)

.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 344 وعزاه لعبد بن حميد.

(2)

أخرجه الطبري في "تفسيره" 12/ 115 - 116.

ص: 410

(65) سورةُ الطَّلاقِ

وقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} : إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا يَحِضْنَ أَوْ لَا يَحِضْنَ، وَاللَّائِي قَعَدْنَ عَنِ الحَيْضِ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ بعدُ، فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ.

{وَبَالَ أَمْرِهَا} جَزَاءَ أَمْرِهَا.

‌1 - [باب]

4908 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:«لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ» . [5251، 5252، 5253، 5258، 5264، 5332،5333، 7160 - مسلم: 1471 - فتح: 8/ 653]

هي مدنية ونزلت بعد {هَلْ أَتَى} وقبل: {لَمْ يَكُنْ} كما قاله السخاوي

(1)

، وهي سورة النساء: الصغرى كما قاله مقاتل والقصرى كما سيأتي

(2)

.

(ص)(وقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}: إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا أيَحِضْنَ أَوْ لَا يَحِضْنَ وَاللَّائِي قَعَدْنَ عَنِ الحَيْضِ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ بعدُ، فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) هذا ثابت في بعض النسخ، فالمعنى: إن شككتم أن الدم

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(2)

سيأتي برقم (4910) من قول ابن مسعود قال: سورة النساء: الصغرى.

ص: 411

الذي يظهر منها لكبرها من الحيض أو الاستحاضة. وهو قول الزهري

(1)

وغيره أيضًا. وقال آخرون: إن ارتبتم في حكمهن فلم تدروا ما الحكم في عدتهن.

(ص)(وقال مجاهد: {وَبَالَ أَمْرِهَا} جَزَاءَ أَمْرِهَا) أخرجه ابن أبي حاتم، عن حجاج، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه. وقيل: بما فيه أمرها

(2)

.

ثم ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ العِدَّةُ كمَا أَمَرَ الله".

وهو حديث متفق على صحته، أخرجه- مسلم والأربعة أيضًا

(3)

. وفي رواية: "مره فليراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك"

(4)

.

وفي أخرى: "مره فليطلقها طاهرًا أو حائلًا"

(5)

.

وأشار مسلم إلى حديث أبي الزبير قال عبد الله: فردها ولم يره شيئًا. قال: وكل الأحاديث تخالف ما رواه أبو الزبير، وقال غيره: لم يرو أبو الزبير أنكرَ منه.

(1)

رواه الطبري 12/ 133 بنحوه.

(2)

ذكره السيوطي في "الدر" 6/ 363، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

أبو داود (2179) والترمذي (1175، 1176) والنسائي 6/ 137 - 138 وابن ماجه (2019).

(4)

أبو داود (2185).

(5)

مسلم (1471)، والترمذي (1176)، بلفظ: ظاهرًا أو حاملًا.

ص: 412

وقال الشافعي: نافع في ابن عمر أثبت من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به

(1)

. وأشار الخطابي إلى ضعفه

(2)

. وقال أبو عمر: لم يقل هذا عن ابن عمر غير أبي الزبير

(3)

.

قلت: وإن توبع أبو الزبير عليه حيث رواه محمد بن عبد السلام الخشني عن محمد بن بشار، ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما في الرجل يطلق امرأته وهي حائض قال ابن عمر: لا يعتد بذلك

(4)

. فلا يقاوم ما صح.

ولما رواه الدارقطني من حديث أبي الزبير عنه: طلقت امرأتي ثلاثًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة. قال: ورواته كلهم شيعة

(5)

.

ومن طريق معلى بن منصور قال عبد الله: قلت: يا رسول الله، أرأيت امرأتي طلقتها ثلاثًا، أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال:"لا، كانت تبين منك وتكون معصية"

(6)

ويجوز أن يكون قوله: (ولم يره شيئًا): أي: جائزًا في السنة، أو تحرم معه الرجعة.

وفي رواية لقاسم بن أصبغ: "فإذا طهرت مسها في الطهر -أي: الأول- حتى إذا طهرت مرة أخرى إن شاء طلق وإن شاء أمسك".

(1)

"اختلاف الحديث" ص 191.

(2)

"المدونة" 2/ 69.

(3)

"التمهيد" 15/ 65 - 66.

(4)

رواه ابن حزم في "المحلى" 10/ 163.

(5)

"سنن الدارقطني" 4/ 7.

(6)

"سنن الدارقطني" 4/ 31.

ص: 413

وفيها معلى بن عبد الرحمن الواسطي وهو ضعيف كما قاله أبو حاتم

(1)

، وجاء:"أرأيت إن عجز واستحمق؟ "

(2)

يعني: أسقط عنه الطلاق عجزه أو حمقه أو (ابتناؤه)

(3)

إذ لا إشكال فيه.

إذا علمت ذلك فقام الإجماع على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها، فإن أوقعه أثِم ووقع، وأمر بالرجعة

(4)

، وشذ بعض أهل الظاهر حيث قال: بعدم الوقوع، ولا عبرة به. وانفرد مالك بوجوب الرجعة. وروي عن أحمد أيضًا، وخالفه الثلاثة والأوزاعي وفقهاء المحدثين وسائر أهل الكوفة

(5)

.

وقام الإجماع على أن الطلاق للسنة في المدخول بها هو الذي يطلق امرأته في طهر لم يمسها فيه واحدة، فإن طلقها في طهر مسها فيه أو في الحيض فليس للسنة. زاد مالك وألا يتبعها في العدة طلاقًا آخر

(6)

. وقال أبو حنيفة: إذا طلقها في كل طهر طلقة كان سُنيًّا، والأحسن عنده أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، فكلاهما عنده طلاق سنة، وهو قول ابن مسعود

(7)

، واختلف ما يقع الطلاق في الحيض هل هو تعبد أو لتطويل العدة لا أنه لا تعتد به، وتستأنف ثلاث حيض غيره.

وقيل: لأنها لا تدري: هل تعتد بالحمل أو بالحيض؛ لأن الحامل تحيض؛ فإن قلت: ما السر في أمره بالمراجعة، ثم بتأخر الطلاق إلى

(1)

"الجرح والتعديل" 8/ 334 ت: (1541).

(2)

سيأتي برقم (5252) كتاب الطلاق باب إذا طلقت الحائض تعتد بالطلاق.

(3)

رسمت في الأصل: (ابتنايه) غير منقوطة، ولعل المثبت صحيح.

(4)

"المدونة" 2/ 69.

(5)

انظر: "المغني" 10/ 330 - 331.

(6)

"المدونة" 2/ 66.

(7)

رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 6/ 303.

ص: 414

طهر بعد الطهر الذي يلي هذا الحيض؟

قلت: فائدة التأخير من أوجه:

أحدها: وهو جواب أصحابنا؛ لئلا تصير الرجعة بغرض الطلاق فأمسكها زمنًا يحل له فيه الطلاق وتظهر فائدة الرجعة.

ثانيها: عقوبة له توبة من معصيته باستدراك جنايته.

ثالثها: لأن الطهر الأول مع الحيض الذي يليه كالقرء الواحد، فلو طلقها في أول طهر كان كمن طلقها في الحيض، وكان كمن طلق في طهر مرتين.

رابعها: أنه نهى عن طلاقها في الطهر ليطول مقامه معها، فلعله يجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها.

تنبيهات:

أحدها: تغيظ عليه السلام لإيقاع الطلاق حالة الحيض، وهو ظاهر في الزجر عنه.

ثانيها: فَرَّع مالك على الأمر بالمراجعة أنه إن أبى أجبره الحاكم بالأدب، فإن أبى ارتجع الحاكم عليه وله وطؤها بذلك على الأصح. قالوا: فما يتوارثان بعد مدة العدة، ولو راجعها في الحيض، ثم طلق في الطهر الذي يليه، فقال ابن القاسم: لا يجبر على الرجعة. والمشهور عندهم أنه لا يؤمر بها من طلق في طهر مسَّ فيه. وقال القاضي في "معونته" يؤمر به ولا يجبر عليه

(1)

.

ثالثها: يراجعها ما بقي من العدة شيء. قال أشهب: ما لم تطهر من

(1)

"المعونة" 1/ 560.

ص: 415

الثانية. وادعى ابن وضاح أن قوله: "ثم يمسكها" إلى آخره من قول الراوي ونازعه غيره فيه.

فرع:

القول قولها: أنا حائض. ولا تكشف وفاقًا لسحنون

(1)

، لأنها مؤتمنة عليه بخلاف البيع، وخالف ابن القاسم؛ لأنه مدعي السنة.

فائدة:

قوله: "فتلك العدة كما أمر الله" حجة على أبي حنيفة في أنها إذا طلقت حال الطهر تعتد به خلافًا له، وذلك إشارة إلى الحال التي أمر فيها بالطلاق، وهي حالة الطهر، لا يقال: إن تلك للحيض؛ لأنها حال عند معتد بها.

فائدة:

اسم زوجة ابن عمر رضي الله عنه آمنة بنت غفار

(2)

. نبه عليه ابن باطيش.

(1)

"النوادر والزيادات" 5/ 91.

(2)

انظر ترجمتها في "تكملة الإكمال" 4/ 181 ت: (4188).

ص: 416

‌2 - باب {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]

{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} وَاحِدُهَا: ذَاتُ حَمْلٍ.

4909 -

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الأَجَلَيْنِ. قُلْتُ أَنَا: {وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي -يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ- فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ وَهْيَ حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَخُطِبَتْ فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا. [5318 - مسلم: 1485 - فتح: 8/ 653]

4910 -

وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَكَانَ أَصْحَابُهُ يُعَظِّمُونَهُ، فَذَكَرَ آخِرَ الأَجَلَيْنِ فَحَدَّثْتُ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: فَضَمَّزَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَفَطِنْتُ لَهُ فَقُلْتُ: إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ إِنْ كَذَبْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ وَهْوَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ. فَاسْتَحْيَا وَقَالَ: لَكِنَّ عَمَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَاكَ. فَلَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ فَسَأَلْتُهُ فَذَهَبَ يُحَدِّثُنِي حَدِيثَ سُبَيْعَةَ فَقُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ عَنْ عَبْدِ اللهِ فِيهَا شَيْئًا فَقَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلَا تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ؟ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى {وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. [انظر: 4532 - فتح: 8/ 654].

{وَأُولَاتُ} واحدها: ذات حمل، أي: من غير لفظها.

ثم ساق حديث أبي سلمة: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ

ص: 417

جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ وفاة زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. فَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: آخِرُ الأَجَلَيْنِ. قُلْتُ أَنَا: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].

إلى أن ذكر حديث سبيعة الأسلمية: أنه قتل زوجها وهي حبلى، فوضعت بعد وفاته بأربعين ليلة، فخطبت، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو السنابل فيمن خطبها.

ثم قال: وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ: ثنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَكَانَ أَصحَابُهُ يُعَظِّمُونَهُ، فَذَكَرَ آخِرَ الأَجَلَيْنِ فَحَدَّثْتُ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: فَضَمَّزَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ. إلى أن قال: لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ القُصْرى بَعْدَ الطُّولَى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} الآية [الطلاق: 4].

وقال في موضع آخر: روي نحوه من حديث هشام عن أبيه، عن المسور بن مخرمة أنه عليه السلام أمر سبيعة لما قتل زوجها

(1)

.

والكلام عليه من وجوه:

أحدها:

وقع هنا أن زوج سبيعة قتل، وهو المراد بباقي الروايات، مات واسمه سعد بن خولة. وقال عروة: خولي من بني عامر بن لؤي من مهاجري الحبشة بدري. ووهم ابن مزين في "شرح الموطأ" في قوله: إنما رق له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يهاجر. وقيل: كان حليفا لبني لؤي، وهو من أهل اليمن.

ص: 418

وقال قوم: كان من الفرس، وأنه مولى أبي رهم بن عبد العزى، مات بمكة في حجة الوداع إجماعًا إلا ما شذ به ابن جرير قال: مات سنة سبع.

وسبيعة -بضم السين المهملة- بنت الحارث الأسلمية، لها صحبة ورواية، وفي الصحابيات ثلاثة غيرها اسم كل واحدة منهن سبيعة: بنت حبيب بصرية، أخرى قرشية بنت أبي لهب. قال أبو نعيم صوابه: درة

(1)

، لها ذكر في مسند أبي هريرة.

وأبو السنابل -جمع سنبلة- بن بعكك -بفتح الكاف معروف- ابن الحجاج

(2)

بن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، من مسلمة الفتح. وقال ابن إسحاق: إنه من المؤلفة

(3)

، في اسمه ثمانية أقوال: عمرو، لبيد بن عبد ربه، حبة بالباء، وقيل: بالنون -وضعفه الأمير

(4)

- عامر، عبد الله بن أصرم، أو اسمه كنيته

(5)

. وادعى العسكري أنه غير أبي السنابل عبد الله بن عامر بن كريز القرشي.

الوجه الثاني:

التعليق الثاني أخرجه الطبراني فقال: حدثنا يوسف القاضي، عن سليمان بن حرب، وحدثنا علي بن عبد العزيز، عن أبي النعمان قالا: ثنا حماد بن زيد، فذكره

(6)

.

(1)

"معرفة الصحابة" لأبي نعيم 6/ 3350 ت: 3899.

(2)

ورد في هامش الأصل: أسقط الكلبي.

(3)

"سيرة ابن هشام" 4/ 142.

(4)

"الإكمال" لابن ماكولا 2/ 320.

(5)

انظر: "تقريب التهذيب" لابن حجر ص 646.

(6)

"المعجم الكبير" للطبراني 9/ 331 (9648).

ص: 419

وقد أسنده البخاري في تفسير سورة البقرة من وجه آخر عن محمد بن سيرين، فراجعه

(1)

.

الثالث:

(ضمّز) بتشديد الميم ثم زاي، أي: أشار بشفته أي: اسكت، يقال: ضمز الرجل إذا عض على شفته. وقال عياض: ضمز بالتخفيف: سكت، وبالتشديد: أسكت غيره. وفي رواية الأصيلي بالتشديد بعدها نون، قال: وضبطها الباقون بالتخفيف والكسر، قال: وهو غير مفهوم المعنى، وأشبهها رواية أبي الهيثم بالزاي، ولكن مع التشديد وزيادة نون وما بعدها، أي: أسكتني. وعند أبي الهيثم: ضمزني بزاي. وفي رواية: فغمض لي

(2)

. فإن صحت فمعناه من تغميض عينه له على السكوت. وقال ابن الأثير: هو بالضاد والزاي من ضمز: إذا سكت. وضمز غيره: إذا أسكته، وهو الأشبه

(3)

.

وقوله: (ففطنت له) أي: فهمت مراده. فطن الشيء بفتح الطاء، ورجل فطنة أي: فهيم.

وقوله: (ولكن عمه لم يقل ذلك) يعني: ابن مسعود، وهذا اختلاف من قوله، لكنه رجع إلى قول مالك بن عامر.

الرابع: في فقهه، وقد أسلفناه في سورة البقرة.

وقول ابن عباس: (إن أجل المتوفى عنها آخر الأجلين) يريد: تماديها إلى أربعة أشهر وعشر كما في سورة البقرة، وروي أيضًا عن

(1)

سلف برقم (4532) كتاب التفسير باب: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} .

(2)

هي رواية ابن السكن. كما قال الحافظ في "الفتح" 8/ 655.

(3)

"النهاية في غريب الحديث" 3/ 100.

ص: 420

علي وابن أبي ليلى

(1)

، واختاره سحنون، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما رجوعه وانقضاؤها بالوضع، عليه فقهاء الأمصار، منهم: أبو هريرة وأبو سلمة وعمر وابنه وابن مسعود.

وسبب الخلاف تعارض عموم: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} مع آية الحمل، فإن كلاًّ منهما عام من وجه، خاصٌّ من وجه، والأولى عامة في المتوفى عنهن أزواجهن، سواء كن حوامل أم لا. الثانية عامة في أولات الأحمال، سواء كن متوفى عنهن أم لا. ولعل هذا التعارض هو السبب لاختيار من اختار أقصى الأجلين، لعدم ترجيح أحدهما على الآخر، وذلك يوجب ألا يرفع تحريم العدة الثاني إلا بيقين الحل، وذلك بأقصى الأجلين، غير أن فقهاء الأمصار اعتمدوا على هذا الحديث، فإنه مخصص لعموم آيه الوفاة مع ظهور المعنى في حصول البراءة بالوضع، نعم الجمع أولى من الترجيح، فإنها إن اعتدت بأقصاهما فقد عمل بها، وإن اعتدت بالوضع فقد ترك العمل بآية الوفاة، لكن حديث الباب نص في الحل بالوضع ويبين أن آية الوضع عامة في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن، وأن عدة الوفاة مختصة بالحامل من الصنفين، ويعتضد بقول ابن مسعود: إن آيه النساء: القصرى -يريد سورة الطلاق- نزلت بعد عدة الوفاة، وظاهر كلامه أنها ناسخة، وليس مراده، وإنما أراد بها أنها مخصصة، فإنها أخرجت منها بعض متناولاتها، وكذا حديث سبيعة متأخر عن آية الوفاة؛ لأنه كان بعد حجة الوادع. وقام الإجماع على أنها إذا انقضت أربعة أشهر وعشر وهي حامل أنها لا تحل، فتبين أن حكم

(1)

"مصنف عبد الرزاق" 6/ 471 (11714)، "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 549 (17092، 17099)، "تفسير الطبري" 11/ 135 (34316).

ص: 421

الحامل خارج من ذلك الحكم. وروي عن الشعبي وإبراهيم والحسن وحماد أنه لا يصح زواجها حتى تطهر من نفاسها احتجاجًا بما في حديث سبيعة؛ فلما تعلت من نفاسها

(1)

. أي: طهرت منه. وجوابه أن هذا إخبار عن وقت سؤالها، ولا حجة فيه، وإنما الحجة في قوله: إنها حلت حين وضعت. ولم يعلل بالطهر من النفاس.

وسواء كان حملها ولدًا أو أكثر، كامل الخلقة أو ناقصها، علقة أو مضغة، فتنقضي العدة بوضعه إذا كان فيه صورة خلق آدمي، سواء كان صورة خفية. تختص النساء بمعرفتها أم جلية يعرفها كل أحد، بدليل إطلاق حديث سبيعة من غير سؤال عن حقيقة حملها. وادعى النحاس نفي الخلاف في المطلقة إذا ولدت أن عدتها منقضية

(2)

.

وفي "تفسير عبد بن حميد" عن الحسن: إذا ألقت المرأة شيئًا تعلم أنه حمل فقد انقضت به العدة، وأعتقت أم الولد. وكذا قاله ابن سيرين. وعن إبراهيم: إذا ألقت علقة أو مضغة فقد انقضت العدة. وقال قتادة: إذا أسقطت فقد استبان حملها وانقضت عدتها. وقال الشعبي: إذا نكث في الخلق الرابع وكان مخلفا انقضت به العدة، وأعتقت الأمة

(3)

.

الخامس:

اختلف في المدة التي وضعت لها سبيعة، ففي رواية: بعد أربعين ليلة من وفاته. وأخرى: بخمس وثلاثين يومًا. وبشهر، وبخمس وعشرين ليلة وثلاث وعشرين ليلة وبنصف شهر، وخمس عشرة ليلة

(4)

، وعشرين ليلة.

(1)

"الاستذكار" 18/ 178.

(2)

"الناسخ والمنسوخ" 3/ 124.

(3)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 361، "مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 203 - 204.

(4)

ورد في هامش الأصل: هو الذي قبله، والله أعلم.

ص: 422

وأخرجها أجمع عبد بن حميد، وابن مردويه. وابن جرير في تفاسيرهم

(1)

.

فائدة:

قوله: (كنت في حلقة) هو بفتح اللام على لغة، والمشهور إسكانها، واقتصر ابن التين على الأول. وقوله:(القصرى) قال الداودي: لا أراه محفوظًا عنه، ولا يقال: في سور القرآن: قصرى ولا صغرى، وإنما يقال: قصيرة.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 135، و"الدر المنثور" 6/ 360.

ص: 423

(66) سُورةُ التَّحريم

هي مدنية. قال السخاوي: نزلت بعد الحجرات

(1)

وقبل الجمعة. قيل: نزلت في تحريم مارية. أخرجه النسائي، وصححه الحاكم على شرط مسلم

(2)

. وقال الداودي: في إسناده نظر.

ونقل الخطابي عن أكثر المفسرين

(3)

، والصحيح أنها في العسل كما ستعلمه، والآية لا طلاق فيها فتطلق بالتحريم، ويجوز أن يكون فيها، ويؤيد الأول قوله:{تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} وقوله: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ} [التحريم: 3] الآية، والعسل لا يؤكل سرًّا بخلاف الغشيان، ولأنه لا مرضاة في الأول بخلاف الثاني.

قال النسائي: حديث عائشة في العسل جيد غاية

(4)

، وحديث مارية وتحريمها لم يأت من طريق جيدة.

(ص){يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)} [التحريم: 1]

4911 -

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ فِي الْحَرَامِ: يُكَفِّرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ} . [الأحزاب: 21]. [5266 - مسلم:1473 - فتح: 8/ 656]

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 9.

(2)

النسائي 7/ 71 والحاكم في "المستدرك" 2/ 493.

(3)

"أعلام الحديث" 3/ 1926 - 1927.

(4)

النسائي في "الكبرى" 3/ 356 (5614).

ص: 424

4912 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَنْ أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. قَالَ:«لَا وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكِ أَحَدًا» . [5216، 5267، 5268، 5431، 5599، 5614، 5682، 6691، 6972 - مسلم: 1474 - فتح: 8/ 656]

ثم ساق حديث مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ، ثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى، عَنِ يعلى بن حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الحَرَامِ: يُكَفِّرُ.

وقًالَ ابن عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. كذا ذكره البخاري هنا.

وأخرجه مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام قال: كتب إليَّ يحيى بن أبي كثير أنه يحدث عن يعلى بن حكيم، عن سعيد، فذكره.

وأخرجه ابن ماجه من حديث وهب بن جرير عن هشام أيضًا

(1)

كذلك، فلعله عبر بـ (عن) عن الكتابة المذكورة.

وقد سلف الكلام على ذلك في تفسير سورة المنافقين، وقد أظهرها هناك وأخفاها هنا، ويجوز أن يكون لقي يحيى بعد ذلك فحدثه. وسيأتي في الطلاق من حديث معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعلى ابن حكيم، عن سعيد بن جبير سمع ابن عباس يقول: إذا حرم امرأته فليس بشيء {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]

(2)

(1)

"سنن ابن ماجه"(2073).

(2)

يأتي برقم (5266) باب: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} .

ص: 425

يحتمل قوله: (فليس بشيء) يثبت التحريم كما نبه عليه ابن الجوزي، يؤيده رواية النسائي: وسئل فقال: ليست عليك بحرام، أغلظ الكفارة عتق رقبة

(1)

. ووقع في نسخة أبي ذر: (عن يحيى بن حكيم، عن سعيد. وهو خطأ، وصوابه ما سلف كما نبه عليه الجياني

(2)

.

وعن ابن عباس: يلزمه كفارة الظهار وهو قول أبي قلابة وابن جبير وأحمد وإسحاق

(3)

. وهذا الحكم من ابن عباس هو مرفوع لتلاوة الآية الكريمة عقبه، ولفعل الشارع له.

وقد اختلف العلماء فيما إذا قال لزوجته: أنت عليَّ حرام:

فمذهبنا أنه إن نوى الطلاق فهو طلاق، أو الظهار فظهار، أو تحريم عينها لم تحرم، وعليه كفارة يمين، ولا يكون ذلك يمينًا، وإن لم ينو شيئًا فالأظهر أن عليه كفارة يمين. وقيل: لغو لا شيء فيه أصلًا

وذكر القاضي عياض في هذِه المسألة أربعة عشر مذهبًا:

أحدها، وهو مشهور مذهب مالك: أنه يقع به الثلاث، سواء كانت مدخولًا بها أم لا، لكن لو نوى أقل من ثلاث قيل: في المدخول بها خاصة. وهو قول علي وزيد والحسن والحكم.

ثانيها: أنه يقع الثلاث، ولا تقبل نيته في المدخول بها ولا غيرها، قاله ابن أبي ليلى وعبد الملك بن الماجشون.

ثالثها: يقع في المدخول بها ثلاث وغيرها واحدة، قاله أبو مصعب ومحمد بن عبد الحكم.

رابعها: يقع واحدة بائنة، المدخول بها وغيرها، وهي رواية عن مالك.

(1)

"سنن النسائي" 6/ 151.

(2)

"تقييد المهمل" 2/ 700.

(3)

انظر: "الشرح الكبير" 22/ 272.

ص: 426

خامسها: يقع واحدة رجعية، قاله عبد العزيز بن أبي سلمة.

سادسها: يقع ما نوى، ولا يكون أقل من واحدة، قاله الزهري.

سابعها: وإن نوى واحدة أو عددًا أو يمينًا فله ما نوى وإلا فلغو، قاله النووي

(1)

.

ثامنها: مثله، إلا أنه إذا لم ينو شيئًا لزمه كفارة يمين، قاله الأوزاعي وأبو ثور.

تاسعها: مذهب الشافعي السالف، وهو قول أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة والتابعين.

عاشرها: إن نوى الطلاق وقعت واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثًا وقعت ثلاث، وإن نوى اثنتين وقعت واحدة، وإن لم ينو شيئًا فيمين، وإن نوى الكذب فلغو، قاله أبو حنيفة وأصحابه.

الحادي عشر مثل العاشر: إلا أنه إذا نوى الاثنتين وقعتا، قاله زفر.

الثاني عشر: أنه تجب فيه كفارة ظهار وقد سلف.

الثالث عشر: أنها يمين يلزم فيها كفارة يمين، قاله ابن عباس وبعض التابعين

(2)

. وعنه ليس بشيء.

الرابع عشر: أنه كتحريم الماء والطعام فلا يجب فيه شيء أصلًا، ولا يقع به شيء؛ بل هو لغو، قاله مسروق وأبو سلمة والشعبي

(3)

وأصبغ

(4)

.

(1)

"شرح مسلم" للنووي 10/ 73.

(2)

انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 99، و"معرفة السنن والآثار" 11/ 60.

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 99 - 100.

(4)

"إكمال المعلم" 5/ 23 - 27، وانظر:"الإشراف" 1/ 151 - 153، "شرح مسلم" للنووي 10/ 73 - 74، "الشرح الكبير" 23/ 240 - 242.

ص: 427

ونقل ابن بطال في الحرام أنها يمين تكفر عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وعائشة وابن عباس وابن المسيب وعطاء وطاوس في آخرين؛ لأن الحرام ليس من ألفاظ الطلاق

(1)

.

قال ابن المنذر: إنما لزمته الكفارة بيمينه لا لتحريمه ما أحل الله له، فلا حجة لمن أوجب فيه كفارة يمين.

وقال ابن التين: أخذ الشافعي وأبو حنيفة بما ذكره ابن عباس أنه يكفر كفارة يمين فيما عدا الزوجة واستدلا بقوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} [المائدة: 87] ثم جعله يمينًا بقوله: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} واحتج القاضي أبو محمد بقوله تعالى: {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] وبقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} [يونس: 59] الآية. فتوعده على فعل ذلك ومنعه منه يدل على أنه لا يتعلق به حكم، وهذا كله إذا قاله لزوجته.

أما إذا قاله لأمته؛ فمذهبنا أنه إن نوى عتقها عتقت، أو تحريم عينها فكفارة يمين ولا يكون يمينًا، وإن لم ينو شيئًا وجبت كفارة يمين على الأصح. وقال مالك: إنه لغو في الأمة لا يترتب عليه شيء. وعامة العلماء -كما قال القاضي عياض-: عليه كفارة يمين بنفس التحريم. وقال أبو حنيفة: يحرم عليه ما حرمه في أمته وطعام وغيره، ولا شيء عليه حتى يتناوله، فيلزمه حينئذ كفارة يمين

(2)

.

(1)

"شرح ابن بطال" 8/ 402.

(2)

"إكمال المعلم" 5/ 27، وانظر:"الهداية" 2/ 298، "المبسوط" 7/ 63، "أحكام القرآن" لابن العربي 4/ 159.

ص: 428

قال المهلب: وهذِه نعمة أنعم الله بها على هذِه الأمة بخلاف سائر الأمم، ألا ترى أن إسرائيل لما حرم على نفسه ما حرم لزمه ذلك التحريم، ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام لم يجعل له أن يحرم إلا ما حرم الله عليه.

فائدة:

قال الزمخشري في هذِه السورة: إن قلت: هل كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ قلت: عن الحسن أنه لم يكفر؛ لأنه كان مغفورًا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين. وعن مقاتل أنه عليه السلام أعتق رقبة في تحريم مارية

(1)

.

ثم ساق البخاري حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زينَبَ بنت جَحْشٍ وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فَتَوَاطَأْتُ أَنَا وَصفية على أَيَّتُنَا يدخل عَلَيْهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلْتَقُلْ لَهُ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، إني أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. قَالَ:"لَا، لَكِنِّي كنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ، وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكِ أَحَدًا". يبتغي بذلك مرضاة أزواجه.

وأخرجه في الطلاق والنذور والأيمان، وأخرجه أيضًا مسلم وأبو داود والنسائي

(2)

.

واختلف في التي شرب في بيتها العسل، فعند البخاري زينب كما ترى، وأن القائلة له:(أكلت مغافير). عائشة وحفصة. وقال النسائي: إسناده صحيح غاية

(3)

.

(1)

"الكشاف" 4/ 422.

(2)

أبو داود (3714)، النسائي 6/ 151.

(3)

النسائي في "الكبرى" 3/ 356 (5614).

ص: 429

وقال الأصيلى: إنه الصحيح. وهو أولى لظاهر الكتاب في قوله: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} فهما ثنتان لا ثلاث. وفي رواية: أنها حفصة، وأن القائلة:(أكلت مغافير) عائشة وسودة وصفية. وأيضًا ذكرها في النكاح

(1)

.

وفي "تفسير عبد بن حميد" أنها سودة، كان لها أقارب أهدوا لها من اليمن عسلًا، والقائل له عائشة وحفصة. ويؤيد الأول أن أزواجه كن حزبين، قالت عائشة: أنا وسودة وحفصة وصفية فى حزب، وزينب وأم سلمة والباقيات في حزب

(2)

.

ومعنى (تواطأت). اتفقت، وهو بالهمز.

والمغافير -بفتح الميم ثم غين معجمة ثم بعد الألف فاء- جمع مغفور، وحكى فيه أبو حنيفة مغثورًا بثاء مثلثة. قال الداودي: ويروى به أيضًا، وميم مغفور أصلية. وقال الفراء: زائدة، وواحده: مَغفر، وحكى غيره: مُغفر وقيل: مغفار. وقال الكسائي: مِغفر. وقال ابن قتيبة: ليس في الكلام مفعول إلا مغفور ومغرود، وهو ضرب من الكمأة، ومنخور وهو المنخر، ومعلوق واحد المعاليق

(3)

.

والمغفور: صمغ أو شبيهه حلو كالناطف، وله رائحة كريهة ينضحه شجر يسمى العرفط -بعين مهملة مضمومة وراء مضمومة أيضًا- نبات مميز، له ورقة عريضة تنفرش على الأرض وله شوكة وثمرة بيضاء كالقطن، مثل زر قميص، خبيث الرائحة. ووقع للمهلب أن رائحة

(1)

يأتي برقم (5216) باب: دخول الرجل على نسائه في اليوم.

(2)

سلف برقم (2581) كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب: من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض.

(3)

"غريب الحديث" لابن قتيبة 1/ 315.

ص: 430

العرفط والمغافير حسنة.

وذكره ابن بطال في النكاح أيضًا، وهو خلاف ما يتضمنه الحديث واللغة، فإنهم قالوا: إنه من شجر العضاه، وهو كل شجر له شوك

(1)

. وقد أسلفنا أن رائحته كريهة.

قال أبو حنيفة: وهو خبيث الرائحة، وتخبث رائحة راعيته ورائحة ألبانها حتى يتأذى بروائحها وأنفاسها الناس فيتجنبونها، وهو معنى قول أبي زياد: والعرفط زخمة ريح. وجاء في كتاب النكاح: جرست نحلُه العرفط، وهو بجيم وراء والسين المهملة - أي: أكلتْ. وأصل الجرس: الصوت الخفى، يقال: سمعت جرس الطير. أي صوت مناقيرها على ما تأوله. قال الأصمعي: كنت في مجلس شعبة بن الحجاج فروى حديثًا أنه يسمعون جرش طير الجنة. قالها بالشين المعجمة، فقلت: جرس -بالسين المهملة- فنظر إليَّ وقال: خذوها عنه، هو أعلم بها

(2)

. وفي كتاب الخليل: الجرش -بالشين المعجمة- الأكل

(3)

.

وقيل: المغافير: هي البُظر. وذكره ابن غلبون في "تذكرته" وكان عليه السلام يكره أن توجد منه رائحة، ويتوقى كل طعام ذي رائحة.

(1)

"شرح ابن بطال" 7/ 406.

(2)

انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد 1/ 456 [ج. ر. س]، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 260 [جرس].

(3)

كتاب "العين" 6/ 35.

ص: 431

‌2 - باب {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]

4913 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُحَدِّثُ أَنَّهُ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ؛ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعْتُ وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ -قَالَ- فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ، سِرْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. قَالَ: فَقُلْت: وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ، هَيْبَةً لَكَ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ بِهِ قَالَ: ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللهِ إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: مَالَكِ وَلِمَا هَا هُنَا فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ؟ فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ. فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ؟ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ. فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَا بُنَيَّةُ لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا -يُرِيدُ عَائِشَةَ- قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا فَكَلَّمْتُهَا. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى تَبْتَغِي أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ. فَأَخَذَتْنِي وَاللهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا، وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ

ص: 432

إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ، وَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا، فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ، فَإِذَا صَاحِبِي الأَنْصَاريُّ يَدُقُّ الْبَابَ فَقَالَ: افْتَحِ افْتَحْ. فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ؟ فَقَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ. اعْتَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجَهُ. فَقُلْتُ: رَغَمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ. فَأَخَذْتُ ثَوْبِيَ فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ، وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَأَذِنَ لِي -قَالَ عُمَرُ:-، فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ:«مَا يُبْكِيكَ؟» . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ:«أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟» . [انظر: 89 - مسلم: 1479 - فتح: 8/ 657]

ذكر فيه حديث ابن عباس بطوله، وقد سلف في باب الغرفة والعلية أطول منه فراجعه

(1)

.

وسلف في العلم أيضًا.

وأخرجه في النكاح

(2)

واللباس

(3)

وخبر الواحد

(4)

، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه

(5)

.

(1)

سلف برقم (2468) كتاب المظالم.

(2)

سيأتي برقم (5191) كتاب النكاح، باب: موعظة الرجل ابنته لحال زوجها.

(3)

سيأتي برقم (5843) كتاب اللباس، باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط.

(4)

سيأتي برقم (7256) كتاب: أخبار الآحاد، باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام.

(5)

الترمذي (3318) النسائي 4/ 37، وابن ماجه (4153).

ص: 433

وقوله: (لا تغرنك هذِه التي أعجبها حسنها حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها- يريد عائشة) كذا هو بالرفع فيهما أعني: (حُسْنُها) و (حُبُّ) بخط الدمياطي، وقال في (حب): كذا. وقال ابن التين: يقرأ: حسنها بالضم؛ لأنه فاعل و (حب) بالنصب؛ لأنه مفعول من أجله. أي: أعجبها حسنها لأجل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها.

والمشربة: شبه الغرفة بفتح الراء وضمها.

وقوله: (يرقى إليها بعجلة) يريد: الخشب. وقال ابن فارس: العجلة: خشبة معترضة على نعامة البئر

(1)

.

والقرظ -بالظاء- ورق السلم يدبغ به الأديم

(2)

. يقال: أدم مقروظ.

والمصبور -بالصاد المهملة- المجموع، ووقع بالمعجمة أيضًا. قال النووي: وكلاهما صحيح

(3)

.

والأهب بفتح الهمزة والهاء وضمهما لغتان مشهورتان، وهو جمع إهاب: وهو الجلد، وقيل: قبل أن يدبغ.

(1)

"مجمل اللغة" 2/ 649.

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 748.

(3)

"شرح مسلم" 10/ 87.

ص: 434

‌3 - باب {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)} [التحريم:3]

فِيهِ: عَائِشَةُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 4912]

4914 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَمَا أَتْمَمْتُ كَلَامِي حَتَّى قَالَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. [انظر: 89 - مسلم: 1479 - فتح: 8/ 659]

ثم ساق حديث ابن عباس: أردت أن أسأل عمر فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فما أتممت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة. وهو من الحديث السالف.

ص: 435

‌4 - باب {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]

صَغَوْتُ وَأَصْغَيْتُ: مِلْتُ، {وَلِتَصْغَى} [الأنعام: 113]: لِتَمِيل. {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]: عَوْنٌ. {تَظَاهَرُونَ} : تَعَاوَنُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} [التحريم: 6]: أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوى اللهِ وَأَدَبُوهُمْ.

4915 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَكُثْتُ سَنَةً فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا، حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُ حَاجًّا، فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرَانَ ذَهَبَ عُمَرُ لِحَاجَتِهِ فَقَالَ: أَدْرِكْنِي بِالْوَضُوءِ فَأَدْرَكْتُهُ بِالإِدَاوَةِ، فَجَعَلْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ وَرَأَيْتُ مَوْضِعًا فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا أَتْمَمْتُ كَلَامِي حَتَّى قَالَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. [انظر: 89 - مسلم: 1479 - فتح: 8/ 659]

صغوت وأصغيت: ملت، لتصغى: لتميل. قلت: فالمعنى: زاغت ومالت فاستوجبتما التوبة {ظَهِيرٌ} : عون. {تَظَاهَرُونَ} : تعاونون. وفي بعض النسخ: تظاهرا: تعاونا.

(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]: أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوى اللهِ وَأَدِّبُوهُمْ)

(1)

وفي بعض النسخ: (أوقفوا) بدل (أوصوا بأهليكم) قيل: صوابه: (وقوا أهليكم) قال أبو الحسن:

(1)

رواه عبد الرحمن الهمداني في "تفسير مجاهد" 2/ 683.

ص: 436

ولا أعرف الألف من (أو) ولا الفاء من (قفوا)، ويجوز أن يكون المراد: أوقفوا أهليكم. أي: عن المعصية، والنار عن عمل يؤدي إليها. وقيل: المعنى: لا تعصوا فيعصي (أهليكم)

(1)

، مثل: لا تَزَنِ فيزنى بأهلك. وصواب (أوقفوا) على ما تقدم: (قفوا)، إلا أن وقف ثلاثي، يقال: وقفتُ الدابة أقفها وقفًا.

ثم ساق قطعة من حديث ابن عباس السالف مطولًا.

(1)

كذا في الأصل والجادة (أهلوكم) والله أعلم.

ص: 437

‌5 - باب {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} [التحريم: 5]

4916 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. [انظر: 402 - مسلم: 2399 - فتح: 8/ 660]

ساق فيه حديث أنس رضي الله عنه -قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ. فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ. وهذا أحد ما وافق فيه ربه تعالى كما سلف في موضعه، وقد سلف في الصلاة في باب: ما جاء في القبلة وسورة البقرة والأعراف

(1)

.

(1)

سلف برقم (4483) كتاب التفسير، سورة البقرة، باب: قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} . ورقم (4790) سورة الأحزاب باب قوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} إلى قوله: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا} . وليس في سورة الأعراف.

ص: 438

(67) سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}

التَّفَاوُتُ: الاخْتِلَافُ، وَالتَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ وَاحِدٌ. {تَمَيَّزُ}: تَقَطَّعُ، {مَنَاكِبِهَا}: جَوَانِبِهَا. {تَدْعُونَ} : وَتَدْعُونَ مِثْلُ تَذَّكَّرُونَ وَتَذْكُرُونَ. {وَيَقْبِضْنَ} : يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {صَافَّاتٍ} بَسْطُ أَجْنِحَتِهِنَّ، {وَنُفُورٍ} الكُفُورُ.

هي مكية، وهي المانعة المنجية من عذاب القبر، كما أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس. وقال: غريب

(1)

، وحسن من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي سورة تبارك"

(2)

.

ونزلت قبل الحاقة وبعد الطور كما قاله السخاوي

(3)

.

(ص)(التَّفَاوُتُ: الاخْتِلَافُ، وَالتَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ وَاحِدٌ) قلت: هما لغتان كالتعهد والتعاهد، والتحمل والتحامل، والتظهر والتظاهر. قراءة الكسائي وحمزة:(من تَفَوُّتٍ) بغير ألف. وقراءة الباقين بإثباتها

(4)

. وقيل: تفاوت، أي: ليس هو متباينًا وتفوت أن بعضه لم يفت بعضًا. و {خَلْقِ الرَّحْمَنِ} . قيل: إنه جميعه. وقيل: إنه السماء.

(ص)({تَمَيَّزُ}: تَقَطَّعُ) أي: من الغيظ على أهلها انتقامًا.

(1)

الترمذي (2890)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

(2)

الترمذي (2891) وقال: هذا حديث حسن.

(3)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(4)

انظر "الحجة للقراء السبعة" 6/ 305.

ص: 439

(ص)({مَنَاكِبِهَا}: جَوَانِبِهَا) هو قول الفراء

(1)

. وقال ابن عباس وقتادة: جبالها

(2)

.

(ص)({تَدْعُونَ} وتَدعُونَ مِثْلُ تَذْكُرُونَ وَتَذَّكَّرُونَ) قلت: إلا أن في افتعل معنى شيء بعد شيء، يقع للقليل والكثير.

(ص)({وَيَقْبِضْنَ}: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ) أي: بعد انبساطها.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {صَافَّاتٍ}: بَسْطُ أَجْنِحَتِهِنَّ، {وَنُفُورٍ} الكُفُورُ) أخرجه ابن أبي حاتم عن حجاج، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه

(3)

. وعبارة الثعلبي في تباعد عن الحق، وهو بمعناه وفي بعض النسخ: وتفورُ تفوُّرَ القِدر. أي: تغلي كغليان القدر. وهذا تفسير قوله: {وَهِيَ تَفُورُ} [تبارك: 7].

(1)

"معاني القرآن" 3/ 171.

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 168 - 169.

(3)

أخرجه أيضا الطبري 12/ 170، 171.

ص: 440

(68) سورة نون

وَقَالَ قَتَادَةُ: ({حَرْدٍ} جِدٍّ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {لَضَالُّونَ} أَضْلَلْنَا مَكَانَ جَنَّتِنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ {كَالصَّرِيمِ} كَالصُّبْحِ انْصَرَمَ مِنَ اللَّيْلِ، وَاللَّيْلِ انْصَرَمَ مِنَ النَّهَارِ، وَهْوَ أَيْضًا كُلُّ رَمْلَةٍ انْصَرَمَتْ مِنْ مُعْظَمِ الرَّمْلِ، وَالصَّرِيمُ أَيْضًا المَصْرُومُ، مِثْلُ قَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ.

هي مكية، وعن ابن عباس: من قوله إلى: {سَنَسِمُهُ} مكي، ومن بعد ذلك إلى قوله:{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} مدني، وهي بعد المزمل، وقبل المدثر

(1)

. وفي "أدب الإملاء" لابن سعد السمعاني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون" وهي الدواة، ودْلك قوله:{ن} الآية

(2)

.

(ص)(وَقَالَ قَتَادَةُ: {عَلَى حَرْدٍ}: جِدٍّ فِي أَنْفُسِهِمْ) أخرجه عبد الرزاق، عن معمر، عنه

(3)

. والجد بالكسر: الاجتهاد في الأمر كنقيض الهزل، وربما ضبط بالفتح.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {لَضَالُّونَ} أَضْلَلْنَا مَكَانَ جَنَّتِنَا) أخرجه ابن أبي حاتم، عن علي بن المبارك، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثور، عن ابن جريج، عنه

(4)

.

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 7.

(2)

"أدب الإملاء" ص 158.

(3)

"تفسير عبد الرزاق" 2/ 247 بلفظ: جهد من أمرهم.

(4)

ذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 396 وعزاه لابن أبى حاتم.

ص: 441

وقوله: (أَضْلَلْنَا) قال الدمياطي بخطه: صوابه: ضللنا، يقال: ضللت الشيء: إذا جعلته في مكان ولم تدر أين هو، وأضللته: إذا ضيعته وإذا وجدته ضالًا أيضا، وإذا حملته على الضلال وأدخلته فيه أيضا.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ {كَالصَّرِيمِ} كَالصُّبْحِ انْصَرَمَ مِنَ اللَّيْلِ، وَاللَّيْلِ انْصَرَمَ مِنَ النَّهَارِ، وَهْوَ أَيْضًا كُلُّ رَمْلَةٍ انْصَرَمَتْ مِنْ مُعْظَمِ الرَّمْلِ)

قلت: فكل شيء قطع من شيء فهو صريم.

(وَالصَّرِيمُ أَيْضًا المَصْرُومُ، مِئْلُ قَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ) قلت: وقال ابن عباس: كالرماد الأسود بلغة خزيمة

(1)

.

وقيل: كالزرع الذي حصد.

(1)

ذكره البغوي في "تفسيره" 8/ 195 وابن الجوزي في "زاد المسير" 8/ 336.

ص: 442

‌1 - باب {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)} [القلم: 13]

4917 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)} [القلم: 13] قَالَ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ. [فتح: 8/ 662]

4918 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِد، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُول: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» . [6071، 6657 - مسلم: 2853 - فتح: 8/ 662]

ساق فيه حديث ابن عباس: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)} [القلم: 13] قَالَ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ زَنَمَةٌ كزَنَمَةِ الشَّاةِ.

وعن حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ألا أُخْبِرُكمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ، ألا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ".

الشرح:

هذا الحديث ذكره في الأدب والأيمان والنذور، وأخرجه الترمذي وابن ماجه، وأبو داود بعضه

(1)

.

العتل: الغليظ والعنيف. وقال الفراء: الجافي عن الوعظ

(2)

.

(1)

الترمذي (2605) وقال: حسن صحيح وابن ماجه (4116) وأبو داود (4801) بلفظ: "لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري" قال: والجواظ: الغليظ الفظ.

(2)

قال الفراء في "معاني القرآن" 33/ 173: وقوله: {عُتُلٍّ} في هذا الموضع هو الشديد الخصومة بالباطل.

ص: 443

وقيل: الشديد من كل شيء. وقيل: الكافر. وقال الداودي: هو السمين العظيم العنق والبطن. وقال الهروي: هو الجموع المنوع، قال: ويقال: القصير البطين. وقيل: الأكول الشروب الظلوم.

والزنيم: الدعي في النسب الملحق بالقوم وليس منهم، تشبيهًا له بالزنمة، وهو شيء يقطع من أذن الشاة ويترك معلقا بها، وهو أيضا هنة مدلاة في حلق الشاة كالملحقة بها. وعن ابن عباس روايات فيه، فروى عطاء عنه أنه الملصق في قوم ليس منهم

(1)

.

وروى سعيد عنه أنه يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها

(2)

، وروى ابن أبي زياد عنه: أنه الذي زنمته كزنمة الشاة أسفل من أذنه. وعبارة مقاتل: في أصل أذنه مثل زنمة الشاة زيادة في خلقه

(3)

.

وروى الوالبي عنه: أنه الظلوم

(4)

، وروى ابن أبي زياد عنه: أن الموصوف بهذِه الصفات الوليد بن المغيرة المخزومي. قال مجاهد: كانت له ست أصابع، في كل يد أصبع زائدة

(5)

.

وفيه قول ثان: أنه الأخنس بن شريق، قاله السدي

(6)

. يعني: أنه كان ثقفيًّا، ويعد في بني زهرة. قال ابن قتيبة: إنما قيل له: زنيم للتعريف به لا على جهة الذم له

(7)

.

(1)

ذكره الواحدي في "الوسيط" 4/ 335.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 187 وانظر "تفسير مجاهد" 2/ 688 والمستدرك 2/ 499.

(3)

انظر: "تفسير الرازي" 30/ 85.

(4)

أخرج الطبري 12/ 187 عن علي عن ابن عباس في قوله {زَنِيمٍ} قال: ظلوم.

(5)

ذكره القرطبي في "تفسيره" 18/ 234.

(6)

عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 393 لابن أبي حاتم.

(7)

انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص 159.

ص: 444

وقول ثالث: أنه الأسود بن عبد يغوث، أو عبد الرحمن بن الأسود، قاله مجاهد

(1)

.

وروى ابن عباس مرفوعًا: "ثلاثة لايدخلون الجنة: الجواظ والعتل والجعظري" قيل: يا رسول الله، وما الجواظ؟ قال:"الجموع المنوع، البخيل بما في يده"

(2)

والجعظري: الفظ بما ملكت يمينه، والغليظ لقرإبته وجيرانه وأهل بيته، والعتل: الوثيق الخلق إلى حيث الخوف، الأكول الشروب الغشوم الظلوم.

وفي الزنيم أقوال أخر: الهجين الكافر، قاله علي

(3)

. أو الفاجر أو اللئيم أو النمام.

فصل:

وحارثة بن وهب هذا هو أخو عبيد الله بن عمر لأمه، أمهما أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب الخزاعية. وأم عبد الله وحفصة زينب بنت مظعون (ابن)

(4)

أخت عثمان.

فصل:

وقوله: "كل ضعيف مُتَضَعَّف" هو بفتح العين المشددة، وكذا ضبطه الدمياطي. قال ابن الجوزي: وغلط من كسرها، وإنما هو بالفتح. يريد أن الناس يستضعفونه ويقهرونه. وقال النووي: روي بالفتح عند الأكثرين وبكسرها، ومعناه: التواضع والتذلل والخمول

(5)

.

(1)

عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 393 لابن أبي حاتم.

(2)

رواه أحمد 2/ 169 وهو عن عبد الله بن عمرو بن العاصي.

(3)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 247.

(4)

كذا في الأصل، ولعلها زائدة.

(5)

"شرح مسلم" للنووي 17/ 187.

ص: 445

فصل:

والجواظ -بجيم ثم واو مشددة ثم ظاء معجمة- الشديد الصوت في الشر، أو القصير البطين، أو المتكبر المختال في مشيته الفاجر، أو الكثير اللحم، أو الجموع المنوع أقوال

(1)

.

وقوله: ("ألا أخبركم بأهل الجنة؟ ") أي: معظمهم، كما أن معظم أهل النار القسم الآخر، وليس المراد الاستيعاب في الطرفين.

(1)

انظر: "المحكم" 7/ 372، "تهذيب اللغة" 1/ 682 [جوظ].

ص: 446

‌2 - باب {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42]

4919 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِئَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا» . [انظر: 22 - مسلم: 183 - فتح: 8/ 663]

ساق فيه حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِئَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا". وهو مختصر من حديث الرؤية، ومتفق على إخراجه، وقد اختلف العلماء في هذا الحديث

(1)

، فمنهم من توقف عن كشف معناه. ومنهم من أقدم عليه فأولها بالشدة والكرب؛ لأنه يستعمل في اللغة على معنى شدة الأمر، كقوله: وقامت الحرب على ساق.

وعبر بعضهم عنه بالقيامة وهولها، وبعضهم بأول ساعاتها، وهي أفظعها وأشدها، ومنهم من قال: المراد ما يبرز من أمور القيامة

(1)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تنازعوا في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} فروي عن ابن عباس وطائفة أن المراد به الشدة، أن الله يكشف عن الشدة في الآخرة، وعن أبي سعيد وطائفة أنهم عدوها في الصفات للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين، ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذِه من الصفات فإنه قال:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله ولم يقل عن ساقه، فمع عدم التعريف لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأْويل.

ص: 447

وشدتها، فترتفع معه شدائد الامتحان، ويؤذن لأهل اليقين والإخلاص في السجود، ويكشف الغطاء عن أهل النفاق، فتعود ظهورهم طبقًا لا يستطيعون السجود، ويؤيده حديث أبي موسى "فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله"

(1)

وعن ابن مسعود "إذا كان يوم القيامة قام الناس لرب العالمين أربعين عامًا" فيه: "فعند ذلك يكشف عن ساق ويتجلى لهم .. "

(2)

الحديث.

وقريب منه أن المراد بالساق: النفس. ومنه قول علي حين راجعه أصحابه في قتال الخوارج فقال: والله لأقاتلنهم ولو تلفت ساقي. يريد: نفسه

(3)

.

والمراد: التجلي وكشف الحجب حتى إذا رأوه سجدوا له، ومنهم من قال: المراد: يكشف لهم عن ساق بعض المخلوقين من الملائكة، فيجعل لهم شيئًا لبيان ما يشاء من حكمته في أهل الإيمان والنفاق.

وقرأها ابن عباس بضم الياء، ورد الحكيم الترمذي على ابن قتيبة حيث قال في "مشكله": المراد بقوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أي: عن شدة الأمر

(4)

بحديث ابن مسعود السالف. وأن هذا يوم سرور المؤمنين وقرة عيونهم إذا كشف لهم الغطاء عن معبودهم، وأما في غير هذِه الآية فالأمر كما قاله، وأما قوله تعالى:{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)}

(1)

رواه الآجرى في الشريعة (557) ص 221 - 222 وأصله عند أحمد في "المسند" 4/ 407 - 408 بنحوه.

(2)

رواه الدارقطني في "رؤية الله عز وجل "(176) ص 138.

(3)

أورده البيهقي في "الأسماء والصفات" 2/ 187.

(4)

"تأويل مشكل القرآن" ص 137 بنحوه.

ص: 448

فالمراد: ساق الدنيا أو أمرها أو أعمالها بالآخرة عند الموت. وقيل: يلفان في الأكفان

(1)

.

فصل:

وقوله: ("فيعود ظهره طبقا واحدًا" أي: فلا ينثني للسجود رجاء كأن في ظهورهم السفافيد واحتج به بعض من يرى تكليف ما لا يطاق. قال: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} إلى قوله: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} ورد الداودي بأن الله أمر عباده بالطاعة وجعل فيهم من الاستطاعة ما يطيقون به فعل ما أمروا به وترك ما نهوا عنه، فمن قبله هداه، ومن أباه ختم عليه ومنعه السجود يوم القيامة عقوبة له، لكن مذهب أهل السنة خلاف قوله، قال تعالى:{رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] لكن من قال به اختلف في وقوعه، والمختار المنع. وإذا قلنا بالتكليف به، فهل ورد به شرع أم لا؟ قيل: نعم، كما في قصة أبي لهب.

فصل:

والطبق: فقار الظهر، واحدها طبقة. يريد أنه صار فقارهم كأنه كالفقارة الواحدة فلا يقدرون على السجود

(2)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 347 - 349.

(2)

انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2162 [طبق]، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 114.

ص: 449

(69) سورة الحَاقَّةِ

{عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} يُرِيدُ فِيهَا الرِّضَا {الْقَاضِيَةَ} المَوْتَةَ الأُولَى التِي مُتُّهَا ثُمَّ أُحْيَا بَعْدَهَا {مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} أَحَدٌ يَكُونُ لِلْجَمْعِ وَللْوَاحِدِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {الْوَتِينَ} نِيَاطُ القَلْبِ. قَالَ ابن عَبَّاسٍ {طَغَى} كَثُرَ، وَيُقَالُ:{بِالطَّاغِيَةِ} بِطُغْيَانِهِمْ، وَيُقَالُ: طَغَتْ عَلَى الخَزَّانِ. كَمَا طَغَى المَاءُ على قَوْمِ نُوحٍ. {أَعْجَازُ نَخْلٍ} : أُصُولُهَا {بَاقِيَةٍ} بَقِيَّةٍ.

مكية، سميت بذلك؛ لأن فيها حواق الأعمال من الثواب والعقاب، ونزلت [قبل]

(1)

المعارج وبعد الملك، كما قاله السخاوي

(2)

.

(ص)(وقال ابن جبير: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} يُرِيدُ فِيهَا الرِّضَا) أخرجه سفيان في "تفسيره" عن عطاء، عنه، فراضِية معناه: ذات رضي. وقيل: مرضية كدافق

(3)

(ص)({الْقَاضِيَةَ} المَوْتَةَ الأُولَى التِي مُتُّهَا ثُمَّ أُحْيَا بَعْدَهَا) أخرجه سفيان أيضًا عن عطاء، عنه. قال قتادة فيما رواه عبد: تمنوا الموت ولم يكن شيء في الدنيا أكره عندهم منه

(4)

.

(ص)({مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} أَحَدٌ يَكُونُ لِلْجَمْيعِ وَللْوَاحِدِ)

(5)

قلت:

(1)

في الأصل: بعد، والمثبت هو الصواب.

(2)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(3)

هو قول أبي عبيدة في "المجاز" 2/ 268.

(4)

عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 411 لعبد بن حميد.

(5)

هذا من قول الفراء في "المعاني" 3/ 183.

ص: 450

والمعنى ما يغني عن عقوبته وما يفعله به.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {الْوَتِينَ} نِيَاطُ القَلْبِ) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث سفيان عن عطاء بن السائب، عن سعيد، عنه

(1)

.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ {طَغَى}: كَثُرَ) أخرجه أيضا من حديث علي عنه

(2)

.

(ص){بِطُغْيَانِهِمْ} أي: وعصيانهم (وَيُقَالُ طَغَتْ عَلَى الخَزَّانِ. كَمَا طَغَى المَاءُ على قَوْمِ نُوحٍ) قال قتادة: طغى الماء فوق كل شيء خمسة عشر ذراعًا.

(1)

رواه الطبري 12/ 223 والحاكم 2/ 501، وانظر " الدر المنثور" 6/ 413، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

(2)

رواه الطبري 12/ 212 وانظر "الدر المنثور" 6/ 413.

ص: 451

(70){سَأَلَ سَائِلٌ}

الْفَصِيلَةُ أَصغَرُ آبَائِهِ، القُرْبَى إِلَيْهِ يَنْتَمِي مَنِ انْتَمَى. {لِلشَّوى} اليَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالأَطْرَافُ وَجِلْدَةُ الرَّاًّسِ يُقَالُ لَهَا: شَوَاةٌ، وَمَا كَانَ غَيْرَ مَقْتَلٍ فَهُوَ شَوى، وَالْعِزُونَ: الجَمَاعَاتُ، وَوَاحِدُهَا عِزَةٌ.

هي مكية، وتسمى سورة المعارج.

(ص)(يقال: الفَصِيلَةُ أَصْغَرُ آبَائِهِ، القُرْبَى إِلَيْهِ)

(1)

قلت: عبر عنه أبو عبيدة بالفخذ

(2)

ومجاهد بالقبيلة

(3)

، وثعلب بآبائه الأدنين غير أقاربه الأقربين. قال الداودي: وقيل: إن الفصيلة ولظى من أبواب جهنم. وهذا غريب.

(ص)({لِلشَّوى} اليَدَانِ وَالرجْلَانِ وَالأَطْرَافُ وَجِلْدَةُ الرَّأْسِ يُقَالُ لَهَا شَوَاةٌ، وَمَا كَانَ غَيْرَ مَقْتَلٍ فَهُوَ شَوى) قلت: ما ذكره هو قول مجاهد.

وقال أبو صالح: الشوى: لحم الساقين

(4)

. والمعروف -كما قال ابن التين- أن الشوى جمع شواة، وهي جلدة الرأس، ولا يبعد ذلك من قول مجاهد

(5)

.

(1)

هو قول الفراء في "المعاني" 3/ 184.

(2)

"مجاز القرآن" 2/ 269.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 231.

(4)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 232.

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 232.

ص: 452

(ص)(الْعِزُونَ الجَمَاعَاتُ، وَوَاحِدُهَا عِزَةٌ) يريد به جماعات في تفرقه. ومعنى الآية: فمال للذين كفروا يسرعون منك، فإذا سمعوا تفرقوا ولم يقبلوه.

ص: 453

(71)

سورة: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا}

{أَطْوَارًا} طَوْرًا كَذَا وَطَوْرًا كَذَا، يُقَالُ: عَدَا طَوْرَهُ. أَيْ قَدْرَهُ، وَالْكُبَّارُ أَشَدُّ مِنَ الكُبَارِ، وَكَذَلِكَ جُمَّالٌ وَجَمِيلٌ، لأَنَّهَا أَشَدُّ مُبَالَغَةً، وَكُبَّارٌ الكَبِيرُ، وَكُبَارًا أَيْضًا بِالتَّخْفِيفِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: رَجُلٌ حُسَّانٌ وَجُمَّالٌ وَحُسَانٌ مُخَفَّفٌ وَجُمَالٌ مُخَفَّفٌ. {دَيَّارًا} مِنْ دَوْرٍ وَلَكِنَّهُ فَيْعَالٌ مِنَ الدَّوَرَانِ كَمَا قَرَأَ عُمَرُ: (الْحَيُّ القَيَّامُ). وَهْيَ مِنْ قُمْتُ. وَقَالَ غَيْرُهُ دَيَّارًا أَحَدًا. {تَبَارًا} هَلَاكًا. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {مِّدْرَارًا} يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. {وَقَارًا} عَظَمَةً.

‌1 - باب {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ} [نوح: 23]

4920 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ: عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَا، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِي الْكَلَاعِ. أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ. [فتح: 8/ 667]

هي مكية، وتسمى سورة نوح عليه السلام، ونزلت بعد النحل وقبل سورة إبراهيم، كما قاله السخاوي

(1)

.

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

ص: 454

(ص)({أَطْوَارًا} طَوْرًا كَذَا وَطَوْرًا كَذَا) أي نطفة ثم علقة، ثم مضغة إلى تمام الخلق، كما حكاه عبد بن حميد، عن خالد بن عبد الله. وقال مجاهد: طورًا من تراب ثم من نطفة إلى آخر الخلق

(1)

.

(ص) ثم قال: (عَدَا طَوْرَهُ) أي: قدره.

(ص)(وَالْكُبَّارُ أَشَدُّ مِنَ الكَبِير، وَكُبَار أَيْضًا بِالتَّخْفِيفِ) قلت: يقال: كبير وكبار مثل طويل وطوال وطوَّال. ومعنى كُبَّارًا: عظيمًا.

قال البخاري: (وَكَذَلِكَ جُمَّالٌ -يعني: بالتشديد- وَجَمِيلٌ؛ لأَنَّهَا أَشَدُّ مُبَالَغَةً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: رَجُلٌ حُسَانٌ وَجُمَالٌ مُخَفَّفٌ) قلت: وتقول أيضا العرب: عجيب وعجاب وكمال، وقرأ القارئ، ووصى الموصي. وقرأ ابن محيصن وعيسى (كبارًا) بالتخفيف

(2)

.

(ص) ({دَيَّارًا} مِنْ دَوْرٍ، وَلَكِنَّهُ فَيْعَالٌ مِنَ الدَّوْرَانِ

(3)

، كَمَا قَرَأَ عُمَرُ:(الْحَيُّ القَيَّامُ). وَهْيَ مِنْ قُمْتُ)

(4)

قلت: وأصله: قيوام وديران.

ثم قال البخاري: (وَقَالَ غَيْرُهُ: {دَيَّارًا} أَحَدًا) يدور في الأرض فيذهب ويجيء، ولم يتقدم عزو ما قبله حتى يقول:(وقال غيره) فابحث عنه

(5)

. وقال القتبي: أصله من الدار. أي: نازل دار

(6)

.

(1)

ذكر السيوطي في "الدر" 6/ 425 قول مجاهد وعزاه لعبد بن حميد.

(2)

قرأها عيسى بضم الكاف وابن محيصن بكسرها، وانظر "الشواذ" لابن خالويه ص 162.

(3)

ورد في هامش الأصل: كذا في هامش أصله، ضبطه الدمياطي بالفتح.

(4)

أبو عبيد في "الفضائل" ص 296 ورواها ابن أبي داود في المصاحف ص 51. 52.

(5)

قال ابن حجر في "الفتح" 8/ 666: يحتمل أن يكون في الأصل منسوبًا لقائل فحذف اختصارًا من بعض النقلة، وقد عرفت أنه الفراء. اص وانظر "معاني القرآن" للفراء 3/ 190.

(6)

انظر: "القرطين" 2/ 182.

ص: 455

(ص)({تَبَارًا} هَلَاكًا) أي: ودمارًا.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {مِدْرَارًا}: يَتْبَعُ بعضه بَعْضًا) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث معاوية عنه.

(ص): ({وَقَارًا}: عَظَمَةً) أخرجه سفيان في "تفسيره" عن أبي روق، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس بلفظ: لا تخافون لله عظمة؟! وأخرجه عبد بن حميد من رواية أبي الربيع عنه: ما لكم لا تعلمون منه عظمة، وقال مجاهد: لا تبالون لله عظمة. وفي رواية: لا ترون. وعن الحسن: لا تعرفون لله حقًّا، ولا تشكرون له نعمة. وعن قتادة: لا ترجون لله عاقبة. وعن ابن جبير: لا ترجون لله ثوابًا ولا تخافون عقابًا

(1)

.

ثم ساق البخاري عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، أنا هِشَامٌ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ وَقَالَ: عَطَاءٌ عَنِ ابن عَبَّاسٍ: صَارَتِ الأَوْثَانُ التِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وُدٌّ فكَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَا، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِي الكَلَاعِ. ونسر أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إلى مَجَالِسِهِمُ التِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ ونسخ العِلْمُ عُبِدَتْ.

(1)

انظر هذِه الآثار في "تفسير عبد الرزاق" 2/ 55، "تفسير الطبري" 12/ 249 - 250، "الدر المنثور" 6/ 424 - 425.

ص: 456

الكلام عليه من وجوه:

أحدها:

عطاء هذا اختلف فيه هل هو ابن أبي رباح أو الخراساني؟ فذكره أبو مسعود من رواية عطاء بن أبي رباح عنه ثم قال: إن حجاج بن محمد وعبد الرزاق روياه عن ابن جريح فقالا: عن عطاء الخراساني. وقال خلف: هو الخراساني. ثم قال: قال أبو مسعود: ظن البخاري أنه ابن أبي رباح، وابن جريج لم يسمع التفسير من الخراساني، إنما أخذ الكتاب من أبيه ونظر فيه.

وقال الإسماعيلي: يشبه أن يكون هذا عن عطاء الخراساني على ما أخبرني به ابن فرج، عن علي بن المديني فيما ذكر في "تفسير ابن جريج" كلامًا معناه: كان يقول عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، فطال على الوراق أن يكتب الجواب -أي في كل حديث- فتركه، فرواه من روى على أنه عطاء بن أبي رباح.

قال الجياني: قال أبو مسعود: ثبت هذا الحديث في "تفسير ابن جريج" عن عطاء الخراساني، وإنما أخذ ابن جريج الكتاب من أبيه ونظر فيه. قال: وهذا تنبيه بديع من أبي مسعود، ورويناه عن صالح بن أحمد، عن علي بن عبد الله، سمعت هشام بن يوسف قال: قال لي ابن جريج: سألت عطاء عن التفسير من البقرة وآل عمران ثم قال: أعفني من هذا. قال هشام: وكان بعد إذا قال: عطاء عن ابن عباس قال: الخراساني. قال هشام: فكتبنا ما كتبنا ثم مللنا يعني: كتبنا ما كتبنا أنه الخراساني - قال ابن المديني: إنما كتبت أنا هذِه القصة؛ لأن محمد بن ثوركان يجعلها عن عطاء، عن

ص: 457

ابن عباس، فظن الذي حملوا هنا عنه أنه عطاء بن أبي رباح. وعن صالح بن أحمد، عن ابن المديني قال: سألت يحيى بن سعيد عن أحاديث ابن جريج عن عطاء الخراساني فقال: ضعيفة. فقيل ليحيى: إنه يقول: أنا. فقال: لا شيء، كله ضعيف، إنما هو كتاب دفعه إليه

(1)

.

الثاني:

روينا عن عروة بن الزبير وغيره أن آدم اشتكى وعنده بنوه ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكان ود أكبرهم. وأبرهم به. وقال محمد بن كعب: كانوا عبادًا فمات منهم رجل فحزنوا عليه، فقال الشيطان: أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه. قالوا: افعل. فصوره في المسجد من صفر ورصاص. ثم مات أخوه فصوره، حتى ماتوا كلهم وتنقضت الأشياء إلى أن تركوا عبادة الله بعد حين، فقال الشيطان للناس: ما لكم لا تعبدون إلهكم وإله آبائكم، ألا ترونها في مصلاكم؟ فعبدوها من دون الله حتى بعث الله نوحًا.

وقال محمد بن قيس، ومحمد بن كعب أيضًا: إنما كانوا قومًا صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع، فلما ماتوا زين لهم الشيطان أن يصوروا صورهم ليذكرونهم بها، فلما ماتوا وجاء آخرون قالوا: ليت شعرنا هذِه الصور ما هي؟ فقال إبليس لهم: هي آلهتكم وكانوا يعبدونها، فعبدوها

(2)

.

وعند السهيلي: يغوث هو ابن شيث

(3)

وابتداء عبادتهم من زمن

(1)

"تقييد المهمل" 2/ 701 - 702 وانظر "تحفة الأشراف" 5/ 90.

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 253 - 254، و"الدر المنثور" 6/ 427.

(3)

جاء في "الروض الأنف" 1/ 103 سواعًا كان ابن شيث وأن يغوث كان ابن سواع.

ص: 458

مهلاييل بن قينن

(1)

.

الثالث:

ود بفتح الواو، وقد سلف أنه لكلب بدومة الجندل. وقال صاحب "العين" هو بالفتح صنم كان لقوم نوح، وبضم الواو صنم لقريش، وبه سمي عمرو بن وُد

(2)

وقراءة نافع بالضم والباقون بالفتح

(3)

. وزعم الواقدي أنه على صورة رجل.

قال الماوردي: وهو أول صنم معبود، وسمي ود لودهم له، وكان بعد قوم نوح لكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن (أنماكي)

(4)

ابن قضاعة، وكان بدومة الجندل

(5)

.

وأما سواع فكان على صورة امرأة، وكان لهزيل بن مدركة بن إلياس بن مضر برهاط موضع بقرب مكة بساحل البحر.

ويغوث قد ذكره في الأصل، وأنه بالجوف عند سبأ من أرض اليمن، كذا هو كانت بالألف واللام.

وذكر أبو عبيد البكري أنه معرفة ولا تدخله الألف واللام

(6)

.

ورواه الحميدي بالراء كما حكاه ياقوت، قال: ورواه النسفي باللام في آخر الحول

(7)

. قال أبو عثمان النهدي: رأيته وكان من رصاص على

(1)

"الروض الأنف" 1/ 103.

(2)

"العين" 8/ 100.

(3)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 327.

(4)

كذا في الأصل، وفي "جمهرة الأنساب" لابن حزم ص 452، و"اللباب" لابن الأثير 3/ 105:(الحاف).

(5)

"تفسير الماوردي" 6/ 104.

(6)

"معجم ما استعجم" 2/ 404.

(7)

"معجم البلدان" 2/ 188.

ص: 459

صورة أسد وكانوا يحملونه على جمل أجرد ويسيرون معه، لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك، فإذا برك نزلوا وقالوا: قد رضي لكم ربكم هذا الموضع، فيضربون عليه بناء وينزلون حوله

(1)

.

ويعوق كانت لهمْدان كما ذكره في الأصل ببلخع وهوبإسكان الميم وبالدال المهملة، وهي قبيلة. وقيل: لكهلان أولًا ثم توارثه بنوه حتى صار في همدان. قال الواقدي: وكان على صورة فرس.

ونسر كان لآل بني ذي الكلاع من حمير، وكان على صورة نسر ويخدشه ما سلف أنهم كانوا على صورة آدميين. وفي "المختار" قال أبو عبيدة عن أبي الخطاب الأخفش: كانوا مجوسًا فغرقهم الله بالطوفان فبثها إبليس في الناس. وفي "المصاحف" لابن أبي داود من قراءة ابن مسعود (يَغُوثًا ويعُوقًا) بجرّبهما

(2)

.

وقوله: (وأما نسر فكانت لحمير لآل بنى ذي الكلاع، ونسر أسماء رجال صالحين) كذا هو في البخاري، وكأن قوله:(ونسر) تحريف، وصوابه: وهي أسماء رجال صالحين. وعلى تقدير صحتها فهو نوع تكرير ينقض، فإنه كان يلزم إعادة باقي الأسماء قبلها وهي: ود وسواع، ويغوث، ويعوق.

(1)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 35/ 471 - 472.

(2)

"المصاحف" ص 82 وهي هكذا في "المصاحف"، وقد علم فوقها في الأصل: كذا، وربما كان الصواب بصرفهما؛ لأن ظاهر النص يؤيده.

ص: 460

(72) سورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ}

قَالَ ابن عَبَّاسٍ {لِبَدًا} [الجن: 19]: أَعْوَانًا.

‌1 - باب

4921 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالَ: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ مَا حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ. فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. قَالَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِنَخْلَةَ، وَهْوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَسَمَّعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا [الجن:1 - 2]. وَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن:1] وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ. [انظر: 773 - مسلم: 449 - فتح: 8/ 669]

وتسمى سورة الجن.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ {لِبَدًا}: أَعْوَانًا) أخرجه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي عنه

(1)

. وقيل: مجتمعون. وقيل: هو جمع لبدة، وعاصم يقرؤها بكسر اللام، والتي في سورة البلد

(1)

ذكره السيوطي في "الدر" 6/ 437 وعزاه لابن أبي حاتم.

ص: 461

بضمها، وفسرهما أبو بكر فقال: لُبدًا: كثيرًا، ولِبدًا: بعضها على بعض

(1)

، وقرئ بضم اللام والباء، وهو جمع لبود، وقرئ:(لُبَّدًا) بضم اللام وتشديد الباء، جمع لابد، كراكع وركع. (فهذا)

(2)

أربع قراءات

(3)

.

ثم ساق حديث أبي عَوَانَةَ -واسمه أبو صالح- عَنْ أَبِي بِشْرٍ -واسمه جعفر- عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. .) الحديث وقد سلف في الصلاة، في باب: الجهر بقراءة الفجر. وعكاظ موضع بقرب مكة كانوا في الجاهلية يقيمون به أيامًا.

(1)

ذكره السيوطي في "الدر" 6/ 437 - 438 وعزاه لعبد بن حميد.

(2)

فوقها في الأصل: كذا.

(3)

انظر: "الحجة" للفارسي 6/ 333 - 334، "زاد المسير" لابن الجوزي 8/ 383.

ص: 462

(73) سورة المُزَّمِّلِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَتَبَتَّلْ} أَخْلِصْ. وَقَالَ الحَسَنُ {أَنْكَالًا} قُيُودًا. {مُنْفَطِرٌ بِهِ} مُثْقَلَةٌ بِهِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {كَثِيبًا مَهِيلًا} ، الرَّمْلُ السَّائِلُ. {وَبِيلًا} شَدِيدًا.

وهي مكية، قال مقاتل: وفيها من المدني: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ}

(1)

والمزمل والمدثر والمتلفف والمشتمل بمعنى.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَتَبَتَّلْ}: أَخْلِصْ) أخرجه عبد بن حميد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه بلفظ: أخلص له المسألة والدعاء، وفي رواية: أخلص له إخلاصًا، وقال قتادة: أخلص له الدعوة والعبادة. ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وجماعات

(2)

.

(ص)(وَقَالَ الحَسَنُ {أَنْكَالًا} قُيُودًا) أخرجه عبد بن حميد، عن يحيى بن عبد الحميد، عن حفص، عن عمرو، عنه، وذكره عن مجاهد وجماعات أيضًا

(3)

. واحدها نكل بكسر النون وسكون الكاف وفتحهما.

(ص)({مُنْفَطِرٌ بِهِ}: مُثْقَلَةٌ بِهِ) أخرجه عبد بن حميد بالسند السالف

(4)

.

(1)

انظر: "زاد المسير" 8/ 387.

(2)

انظر هذِه الآثار في "تفسير عبد الرزاق" 2/ 261، "تفسير الطبري" 12/ 286 - 287، "الدر المنثور" 6/ 445.

(3)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 228 - 229، "الدر المنثور" 6/ 446.

(4)

عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 447 لعبد بن حميد.

ص: 463

(ص)({كَثِيبًا مَهِيلًا}: الرَّمْلُ السَّائِلُ. {وَبِيلًا}: شَدِيدًا) أخرجه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي صالح، حدثني معاوية، عن عليٍّ، عنه

(1)

.

(1)

عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 446 لابن أبي حاتم.

ص: 464

(74) سورة المُدَّثِّرِ

‌1 - باب

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {عَسِيرٌ} شَدِيد. {قَسْوَرَةٍ} : رِكْزُ النَّاسِ وَأَصْوَاتُهُمْ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الأَسَدُ وَكُلُّ شَدِيدٍ قَسْوَرَةٌ، {مُسْتَنْفِرَةٌ} نَافِرَةٌ مَذْعُورَةٌ.

4922 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} [المدثر: 1] قُلْتُ: يَقُولُونَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1] فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما عَنْ ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي قُلْتَ، فَقَالَ جَابِر: لَا أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -قَالَ: «جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شَيْئًا، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا -قَالَ:- فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا قَالَ فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} [المدثر: 1 - 3]. [انظر: 4 - مسلم: 161 - فتح: 8/ 676]

هي مكية، والجمهور على أنه المدثر بثيابه، وقال عكرمة: بالنبوة وأعبائها حكاه الماوردي

(1)

. وقال عطاء بن أبي مسلم نزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قبل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)}

(2)

.

(1)

"النكت والعيون" 6/ 135.

(2)

ذكره عنه السخاوي في "جمال القراء وكمال الإقراء" ص 7.

ص: 465

(ص)(وقال ابن عباس {عَسِيرٌ}: شديد) أخرجه ابن أبي حاتم عن أبيه كما سلف أيضًا.

(ص)({قَسْوَرَةٍ}: رِكْزُ النَّاسِ وَأَصْوَاتُهُمْ. وَكُلُّ شَدِيدٍ قَسْوَرَةٌ وقسور) أخرجه أيضًا من حديث عطاء، عن ابن عباس

(1)

، يريد: فرت من (ضبى)

(2)

الناس وأصواتهم، وروى عبد بن حميد عن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: أرأيت قوله: {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)} أهو الأسد؟ قال: ما هي بلغة أحد من العرب -أو قال الناس- إنما هي عصب الرجال. وفي رواية: الرماة.

(ص)(وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قسورة: الأَسَدُ) - أخرجه عبد بن حميد من حديث زيد بن أسلم، عن ابن سيلان، عنه

(3)

وقال سعيد بن جبير: هم القناص

(4)

. ووزن قسورة: فعولة من القسر وهو القهر والغلبة.

ثم قال البخاري: حَدَّثنَا يَحْيَى، ثنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، قَالَ:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} [المدثر: 1] " .. الحديث.

يحيى هذا وقع في بعض النسخ أنه ابن موسى الحداني، وقد أسلفنا في أول الإيمان من هذا الشرح أن الجمهور على أن أول ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ، ثم المدثر من جملة ما أنزل أولًا أيضًا.

(1)

رواه الطبري في "التفسير" 12/ 322 (35510).

(2)

كذا في الأصل، وفوقها (كذا). ومقابلها في الهامش: لعله (حس).

(3)

"الدر المنثور" 6/ 461.

(4)

رواه الطبري في "التفسير" 12/ 321 (35505).

ص: 466

‌2 - (باب)

(1)

قَوْلُهُ: {قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} [المدثر: 2]

4923

- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ قَالَا: حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -قَالَ:«جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ» . مِثْلَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ. [انظر: 4 - مسلم: 161 - فتح: 8/ 677]

حَدَّثَنِا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ قَالَا: ثنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم -قَالَ:"جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ". مِثْلَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ المُبَارَكِ.

لعل المراد بقوله: (وغيره) ما صرح به أبو نعيم الأصبهاني؛ حيث قال: حدثنا أبو إسحاق بن حمزة، ثنا أبو عوانة، ثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الرحمن بن مهدي وأبو داود قالا: ثنا حرب فذكره. وقوله: (مثل حديث عثمان إلى آخره) يريد ما أخرجه مسلم عن ابن مثنى، عن عثمان، عن علي بن المبارك

(2)

.

(1)

في الأصل: (ص).

(2)

مسلم (161/ 258) كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 467

‌3 - [باب] قَوْلِهِ: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} [المدثر: 3]

4924 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَة: أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} [المدثر: 1] فَقُلْتُ: أُنْبِئْتُ أَنَّهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1] فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} [المدثر: 1] فَقُلْتُ أُنْبِئْتُ أَنَّهُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [العلق: 1] فَقَالَ: لَا أُخْبِرُكَ إِلاَّ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي، هَبَطْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} [المدثر: 1 - 3]» . [انظر: 4 - مسلم: 161 - فتح: 8/ 677]

ساق فيه أيضًا حديث أبي سلمة عن جابر، وفي آخره: وأنزل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} .

ص: 468

‌4 - [باب] قَوْلِهِ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4]

4925

- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْي فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} إِلَى {وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} [المدثر: 1 - 5]-قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ- وَهْيَ الأَوْثَانُ» . [انظر: 4 - مسلم: 161 - فتح: 8/ 678]

ساقه أيضا وفيه: ("فَجَئِثْتُ مِنْهُ")

(1)

أي: فزعت، يقال: جُئث الرجل، وجَئث: فزع، ووقع عند أبي الحسن:"فجثيت" من جثا يجثو، قال ابن التين: ولا يستقيم؛ وذلك لأنه غير متعد، واللغتان

(1)

في هامش الأصل: أعلم أن هذِه اللفظة وقعت في "صحيح مسلم" من رواية ثلاثة أشخاص: يونس ومعمر وعقيل، وهنا وقعث أولًا من رواية معمر وثانيًا من رواية عقيل الثلاثة عن الزهري فقال النووي في رواية يونس عنه ["شرح مسلم" 2/ 206 - 207]: بجيم مضمومة، ثم همزة مكسورة، ثم ثاء مثلثة ثم تاء الضمير.

وقال في رواية عقيل: ومعمر التي وقعت هنا أولًا وثانيًا: بعد الجيم ثاءان مثلثتان، هذا هو الصواب في رواية الثلاثة، ثم ذكر كلامًا للقاضي وتعقبه، ثم ذكر كلام "المطالع" فقال: وذكر أيضًا صاحب "المطالع" روايات أخرى باطلة مصحفة تركت حكايتها لظهور بطلانها. انتهى فعلى ما قاله يجوز أن يكون لفظه هنا، في الرواية الأولى بثائين مثلثتين كما وقعت هنا من رواية معمر وعقيل فاعلمه، وما عداه فليس بصواب.

ص: 469

الصحيحتان جثثت بثاءين أو جئثت بهمزة قبل الثاء، وكذا ذكره المتكلمون في هذا الحديث: أبو عبيدة وغيره، وقالوا: يقال: جَثَثتُ الرجل فهو مجثوث، أي: مرعوب. والطهارة على بابها. وقيل: قَصِّر، وقيل: الثياب: النفس والمراد الأمة.

ص: 470

‌5 - باب قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} [المدثر: 5]

يُقَالُ: الرِّجْزُ والرِّجْسُ: العَذَابُ.

4926 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْىِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي. زَمِّلُونِي. فَزَمَّلُونِي فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} [المدثر: 5:1] إِلَى قَوْلِهِ: {فَاهْجُرْ}» -قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَالرِّجْزَ: الأَوْثَانَ- «ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ» . [انظر: 4 - مسلم: 161 - فتح: 8/ 679]

يقال: الرجز والرجس: العذاب. ساقه أيضًا وفي آخره: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَالرِّجْزَ: الأَوْثَانَ، وكذا ذكره في باب: بدء الخلق، وقال في الذي قبله:(قبل أن تفترض الصلاة وهي الأوثان) أي: لأنها سبب العذاب، فإن الرجز: العذاب، وقيل: الذنب. وقيل: الظلم، والراء تضم أيضا لغتان بمعنى، قاله الفراء

(1)

، وقال بعض البصريين: بالكسر: العذاب، ولا يضم، وهذا لا يبعد من قول أبي سلمة؛ لأن عبادة الأوثان مؤدية إلى العذاب.

(1)

"معاني القرآن" 3/ 200 - 201.

ص: 471

(75) سُورَةُ القِيَامةِ

هي مكية.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {سُدى}: هَمَلًا) أخرجه ابن جرير عن علي، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية عن علي، عنه، وقال مجاهد: لا يؤمر ولا ينهى

(1)

.

(ص)({لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} سوْفَ أَتُوبُ، سوْفَ أَعْمَلُ) أي حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله، قاله سعيد بن جبير. وعن ابن عباس: يكذِّب ما أمامه من البعث والحساب

(2)

.

(ص)({لَا وَزَرَ}: لَا حِصْنَ) أي: ولا حرز ولا ملجأ.

(1)

أخرجهما الطبري في "تفسيره" 12/ 351، 352.

(2)

أخرجهما الطبري في "تفسيره" 12/ 330.

ص: 472

‌1 - [باب] قَوْلُهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} [القيامة: 16]

وَقَالَ ابن عَبَّاس: {سُدى} [القيامة: 36] هَمَلًا {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)} [القيامة: 5]، سَوْفَ أَتُوبُ، سَوْفَ أَعْمَلُ {لَا وَزَرَ} [القيامة: 11]: لَا حِصْنَ.

4927 -

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ -وَكَانَ ثِقَةً -، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما -قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ حَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ -وَوَصَفَ سُفْيَانُ- يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} [القيامة: 16]. [انظر: 5 - مسلم: 448 - فتح: 8/ 680]

ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما السالف في أول الإيمان

(1)

، ويأتي في فضل القرآن

(2)

والتوحيد

(3)

.

(1)

ليس في الإيمان وإنما هو في كتاب بدء الوحي برقم (5).

(2)

سيأتي برقم (5044) كتاب فضائل القرآن، باب: الترتيل في القراءة.

(3)

سيأتي برقم (7524) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} وفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث ينزل عليه الوحي.

ص: 473

‌2 - [باب] قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} [القيامة: 17]

4928 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16] قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16]-يَخْشَى أَنْ يَنْفَلِتَ مِنْهُ- {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} [القيامة: 17] أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، {وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17]: أَنْ تَقْرَأَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} [القيامة: 18] يَقُولُ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ [القيامة: 18 - 19]: أَنْ نُبَيِّنَهُ عَلَى لِسَانِكَ. [انظر: 5 - مسلم: 448 - فتح: 8/ 681]

ساقه أيضًا.

ص: 474

‌3 - [باب] قَوْلِهِ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} [القيامة: 18]

حلاله وحرامه، {جَمْعَهُ}: تأليفه

قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {قَرَآنَهُ} [القيامة: 18]: بَيَّنَّاهُ {فَاتَّبعْ} [القيامة: 18]: اعْمَلْ بِهِ.

4929 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} [القيامة: 16] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ الآيَةَ الَّتِي فِي {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} [القيامة: 1] {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} [القيامة: 16 - 17] قَالَ: عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، {وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17] {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} [القيامة: 18] فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ -قَالَ:- فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللهُ. {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)] [القيامة: 34] تَوَعُّدٌ. [انظر: 5 -

مسلم: 448 - فتح: 8/ 682]

ثم ساق حديث ابن عباس المذكور أيضًا.

(ص)({أَوْلَى لَكَ}: تَوَعُّدٌ) أي: من الله على وعيد لأبي جهل، وهي كلمة موضوعة للتهديد والوعيد، أي: ويل لك يوم تموت، ثم في القبر، ثم في البعث، ثم في النار.

ص: 475

(76) سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}

يُقَالُ مَعْنَاهُ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ، وَ {هَلْ} تَكُونُ جَحْدًا وَتَكُونُ خَبَرًا، وهذا مِنَ الخَبَرِ، يَقُولُ كَانَ شَيْئًا فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إلى أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ، {أَمْشَاجٍ} الأَخْلَاطُ مَاءُ المَرْأَةِ، وَمَاءُ الرَّجُلِ الدَّمُ وَالْعَلَقَةُ. وَيُقَالُ إِذَا خُلِطَ مَشِيجٌ كَقَوْلِكَ: خَلِيطٌ. وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ، وَيُقَالُ {سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا} وَلَمْ يُجْرِ بَعْضُهُمْ {مُسْتَطِيَرَا} مُمْتَدًّا، البَلَاءُ وَالْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ، يُقَالَ: يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَيوْمٌ قُمَاطِرٌ، وَالْعَبُوسُ وَالقَمْطَرِيرُ وَالْقُمَاطِرُ وَالْعَصيبُ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الأَيَّامِ فِي البَلَاءِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ {أَسْرَهُمْ} شدَّةُ الخَلْقِ، وَكُلُّ شَيْءٍ شدَدْتَهُ مِنْ قَتَبٍ فَهْوَ مَأسُورٌ.

هو آدم أو الكل، وهي مكية كما جزم به الثعلبي، ونقل ابن النقيب عن الجمهور أنها مدنية، قلت: وقال قتادة وآخرون: مكية، وعن الكلبي: إلا آيات {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ} إلى {قَمْطَرِيرًا} وعن الحسن إلا: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} وجاءت آثار أنها نزلت بالمدينة في شأن علي وفاطمة وابنيهما وهى مضطربة لا تثبت. وأنكر أن يكون لفاطمة (شعرًا)

(1)

، وقال مقاتل: نزل: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ} في أبي الدحداح الأنصاري، وهو نقض لقوله: إنها كلها مكية. قال السخاوي: ونزلت

(1)

كذا في الأصل، والجادة:(شعر) بالرفع.

ص: 476

بعد سورة الرحمن وقبل الطلاق

(1)

.

(ص)(قال يحيى: مَعْنَاهُ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ، وَ {هَلْ} تَكُونُ جَحْدًا وَيمُونُ خَبَرًا، وهذا مِنَ الخَبَرِ، يَقُول: كَانَ شَيْئًا فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إلى أَنْ نفخ فِيهِ الرُّوح)

(2)

.

يحيى هذا هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منصور الفراء، صاحب "معاني القرآن" وقوله أنها (تكون جحدًا) فيه تجوز، وإنما الاستفهام في الحقيقة استعلام للفائدة واستطلابها ضمن فعلها، وقال سيبويه والكسائي والفراء

(3)

: (هل) بمعنى قد، وقال ابن كيسان: يجوز أن تكون على بابها أي: كما يقال: كفيت في أمرك.

وقوله: (يقول: كان شيئًا ولم يكن مذكورًا) إلى آخره. هو رد على المعتزلة حيث قالوا: كان شيئًا ولم يكن مذكورًا. فعندهم يطلق الشيء على المعدوم.

(ص)({أَمْشَاجٍ} أخلاط، مَاءُ المَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ الدَّمُ وَالْعَلَقَةُ. وَيُقَالُ إِذَا خُلِطَ مَشِيجٌ كَقَوْلِكَ خَلِيطٌ. وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ) قلت: وقال ابن مسعود: أمشاج نطفة دم علقة مضغة قيل: وهو اختلاط بالدم، وواحد الأمشاج، مشيج، أي: بفتح الميم وكسرها، ومشيج ذكره ابن منده فقال: والمشيج كل لونين اختلطا، وقيل: هو ما اختلط من حمرة وبياض، وقيل: كل شيئين مختلطين.

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(2)

"معاني القرآن" 3/ 213.

(3)

"معاني القرآن" 3/ 213، "تفسير الماوردي" 6/ 151.

ص: 477

(ص) (وَيُقْرَاُ: {سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا} وَلَمْ يُجْرِ

(1)

بَعْضُهُمْ) أي: فقرأ سلاسل

(2)

.

(ص)({مُسْتَطِيرًا}: مُمْتَد البَلَاء) أي: فاشيًا، يقال: استطار الصدع في الزجاجة، واستطال إذا امتد.

(ص)(وَالْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ، يُقَالَ يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ ويوْمٌ قُمَاطِرٌ، وَالْعَبُوسُ وَالْقَمْطَرِيرُ وَالْقُمَاطِرُ وَالْعَصِيبُ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الأَيَّامِ فِيِ البَلَاءِ) زاد غيره: عصبصب وقماطر بضم القاف.

(ص)(وَقَالَ مَعْمَرٌ {أَسْرَهُمْ} شِدَّةُ الخَلْقِ) أخرجه عبد بن حميد عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة وذكره عن مجاهد وغيره بنحوه

(3)

.

ثم قال البخاري: (وكل شيء شددته من قتب أو غبيط فهو مأسور) والغبيط أي: بالغين المعجمة: شيء تركبه النساء: شبه المحفة قلت: ومنه قول امرئ القيس:

تقول وقد مال الغبيط بنا معًا

عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزلِ

وهو الموضع الذي يوطأ للمرأة على البعير كالهودج

(4)

.

(1)

أي لم يصرفها، قال الحافظ: وهذا اصطلاح قديم يقولون للاسم المصروف مجرى. "الفتح" 8/ 684.

(2)

قرأها هكذا بغير تنوين: ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة. انظر:"الحجة" 6/ 348، "الكشف" 2/ 352.

(3)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 490.

(4)

انظر: "النهاية في غريب الأثر" 3/ 340، و"اللسان" مادة:(غبط).

ص: 478

(77) سورة وَالْمُرْسَلَاتِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (جِمَالَاتٌ: حِبَالٌ. {ارْكَعُواْ} : صَلُّوا {يَرْكَعُونَ} : لَا يُصلُّونَ. وَسُئِلَ ابن عَبَّاس {لَا يَنْطِقُونَ} {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . {الْيَوْمَ نَخْتِمُ} فًقَالَ: إِنَّهُ ذُو أَلْوَانٍ مَرَّةً يَنْطِقُونَ، وَمَرَّةً يُخْتَمُ عَلَيْهِمْ.

‌1 - باب

4930 -

حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه -قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ {وَالْمُرْسَلَاتِ} [المرسلات: 1]، وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ، فَابْتَدَرْنَاهَا، فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا» . [انظر: 1830 - مسلم: 2234 - فتح: 8/ 685]

4931 -

حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ بهذا. وَعَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ إِسْرَاِئِيلَ. وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ.

قَالَ يَحْيَى بْن حَمَّادٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ ابن إِسْحَاقَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأسوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ.

حَدَّثَنَا فتَيْبَة، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: بَيْنَا نَحْن مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فى غَارٍ إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ {وَالْمُرْسَلَاتِ} [المرسلات: 1] فَتَلَقَّيْنَاهَا مِنْ فِيهِ، وَإنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"عَلَيْكُمُ اْقْتُلُوهَا". قَالَ فَابْتَدَرْنَاهَا فَسَبَقَتْنَا، قَالَ: فَقَالَ: "وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ

ص: 479

شَرَّ هَا" [انظر: 1830 - مسلم: 2234 - فتح: 8/ 685]

هي مكية، قال مقاتل: وفيها من المدني: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)} ونزلت بعد الهمزة، وقبل {ق} ، قاله السخاوي

(1)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {جِمَالَاتٌ} حِبَالُ السفن) أخرجه عبد بن حميد عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه

(2)

، وقاله أيضًا عكرمة، وقال قبلهما ابن عباس بزيادة: تجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال في الأصل، و (جمالات) بكسر الجيم، وقيل: بالضم: إبل سود واحدها جمالة، وجمالة جمع جمل. وقرئ (جمالة) على التوحيد، وقرئ بضمهما أيضًا

(3)

.

قال الهروي: ومن قرأ (جمالات) ذهب به إلى الحبال الغلاظ.

وقال مجاهد في قوله: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] هو حبل السفينة

(4)

، وذكر الفراء -فيما حكاه ابن فارس- أن الجُمالات ما جمع من الحبال

(5)

، فعلى هذا يقرأ بالضم فيما ذكره مجاهد.

(ص)({ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ}: لَا يُصلُّونَ) قلت: هو الركوع نفسه، يقال: عليك بحسن الركوع.

(ص) (وَسُئِلَ ابن عَبَّاسٍ {لَا يَنْطِقُونَ} {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} . {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} فَقَالَ: إِنَّهُ ذُو أَلْوَانٍ مَرَّةً يَنْطِقُونَ، وَمَرَّةً

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 716 من طريق عبد الرحمن عن إبراهيم، عن آدم، عن ورقاء به، بلفظ: الجمالات الصفر: حبال الجسور.

(3)

انظر: "الحجة" 6/ 365، و"الكشف" 2/ 358.

(4)

"تفسير مجاهد" 1/ 236.

(5)

"مجمل اللغة" 1/ 198.

ص: 480

يُخْتَمُ عَلَيْهِمْ) أخرجه عبد بن حميد عن سليمان بن حرب، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي الضحى: أن نافع بن الأزرق وعطية أتيا ابن عباس فسألاه فذكره

(1)

.

ثم ساق حديث عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه -قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأنْزَلَ الله عَلَيْهِ {وَالْمُرْسَلَاتِ} [المرسلات: 1]، وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ، فَابْتَدَرْنَاهَا، فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا". هذا الحديث سلف في بدء الخلق

(2)

.

وفيه: الإقدام على قتلها في الحرم؛ لأن ذلك في غار بمنى كما سيأتي في آخر السورة. وذكر بعد فقال: (في غار) من حديث جرير عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله. وساقه أولًا من حديث (عبيد الله بن موسى عن إسرائيل)

(3)

، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عنه.

ثم ساق من حديث يحيى بن آدم عن إسرائيل به -وكذا ساقه في بدء الخلق- وعن إسرائيل عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بمثله. وتابعه أسود بن عامر، عن إسرائيل.

وقال: حفص وأبو معاوية وسليمان بن قرم عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود وهكذا ذكره بعد حيث قال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبي، ثنا الأعمش به. وأخرجه مسلم من حديث

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 496.

(2)

سلف برقم (3317)، باب: خمس من الدواب فواسق، يقتلن في الحرم.

(3)

في الأصل بزيادة يحيى بن آدم بعد عبيد الله بن موسى وعليها كلمة: كذا والصحيح ما أثبتناه؛ لأنهما حديثان: حديث عبيد الله عن إسرائيل وحديث يحيى بن آدم عن إسرائيل.

ص: 481

يحيى وغيره عن أبي معاوية به

(1)

.

ثم قال البخاري: وقَالَ يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. وسلف هناك وكذا متابعة الثلاثة. ثم قال: وقال ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله. وهذا وصله أبو نعيم في "مستخرجه".

وبين أنه محمد بن إسحاق، وما وقع في بعض نسخ البخاري:(وقال: أبو إسحاق) وهَم، وابن إسحاق سمع من عبد الرحمن المذكور كما صرح به ابن معين. ثم ساقه من حديث قتيبة عن جرير، عن الأعمش به.

(1)

هو من تفسير مجاهد كما في "تفسيره" 2/ 718 من رواية ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه.

ص: 482

‌2 - باب {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)} [المرسلات: 32]

4932

- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ {إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)} [المرسلات: 32] قَالَ: كُنَّا نَرْفَعُ الْخَشَبَ بِقَصَرٍ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ أَوْ أَقَلَّ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ فَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ. [4933 - فتح: 8/ 687]

ساق فيه عن ابن عباس فيما قَالَ: كُنَّا نَرْفَعُ الخَشَبَ بِقَصَرٍ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ أَوْ أَقَلَّ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ فَنُسَمِّيهِ القَصَرَ.

ص: 483

‌3 - باب {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)} [المرسلات: 33]

4933

- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {تَرْمِى بِشَرَرٍ} [المرسلات: 32] كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ فَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ. {كَأَنَّهُ جِمَالَاتٌ صُفْرٌ (33)} [المرسلات: 33] حِبَالُ السُّفْنِ تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ. [انظر: 4932 - فتح: 8/ 688]

ثم ساق فيه أيضًا عنه: كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الخَشَبَةِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ أوَ فَوْقَ ذَلِكَ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ فَنُسَمِّيهِ القَصَرَ. {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)} [المرسلات: 33]: حِبَالُ السُّفْنِ تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ.

قوله: (فنسمِّيه القصر) ضبط كما قال ابن التين: بفتح الصاد وإسكانها، والقصر هو المبنى في معنى {بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} ، وقيل: هو القصر من قصور حفاة الأعراب.

قال الخطابي: وقوله: (فنسميه القصر) هو جمع قصرة أي: كأعناق الإبل

(1)

؛ ولذلك قرأ ابن عباس (كالقَصَر) بفتح القاف والصاد، الواحدة قصرة، قيل: وهو أصول الشجر، وقيل: أعناق النخل.

قلت: قراءة الجمهور بإسكان الصاد، واحده قصرة وقصر. وقرئ بفتح القاف وكسر الصاد. وقرئ بضمهما وبكسر القاف مع فتح الصاد

(2)

وكلها لغات بمعنى.

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1937.

(2)

انظر: "زاد المسير" 8/ 450 - 451.

ص: 484

وقوله: (ثلاثة أذرع أو أقل) وقال ثانيًا: (أو فوق) روى عبد الرزاق: ذراعين أو ثلاثة وفوق ذلك ودون ذلك

(1)

. وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم: أما إني لا أقول كالشجر ولكن كالحصون والمدائن.

وقوله: (كأوساط الرحال) هو بالحاء المهملة

(2)

.

(1)

"تفسير عبد الرزاق" 2/ 274.

(2)

ورد بهامش الأصل: هو في أصلنا الذي سمعنا به على العراقي: الرجال، بالجيم، وفي نسخة الدمياطي تحتها علامة إهمال كما ضبطه شيخنا.

ص: 485

‌4 - باب {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)} [المرسلات: 35]

4934 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ {وَالْمُرْسَلَاتِ} [المرسلات: 1]، فَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا وَإِنِّي لأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اقْتُلُوهَا» . فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا» .

قَالَ عُمَرُ حَفِظْتُهُ مِنْ أَبِي: فِي غَارٍ بِمِنًى. [انظر: 1830 - مسلم: 2234 - فتح: 8/ 688]

ذكر فيه حديث عبد الله في الحية أيضًا.

ص: 486

(78) سورة عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ

قَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا يَرْجُونَ حِسَابًا} لَا يَخَافُونَهُ. {لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} لَا يُكَلِّمُونَهُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {وَهَّاجًا} مُضِيئًا. {عَطَاءً حِسَابًا} جَزَاءً كَافِيًا، أَعْطَانِي مَا أَحْسَبَنِي أَيْ كَفَانِي.

هي مكية، وتسمى سورة النبأ.

(ص)(قال مجاهد: {لَا يَرْجُونَ حِسَابًا}: لا يخافونه) أخرجه عبد بن حميد عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه بلفظ: لا يبالون فيصدقون بالبعث

(1)

.

(ص)({لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا}: لَا يُكَلِّمُونَهُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ) قلت: وقيل: [لا]

(2)

شفاعة إلا بإذنه.

(ص)({وَقَالَ صَوَابًا}: حقًّا في الدنيا وعمل به)

(3)

. قلت: وقال أبو صالح: لا إله إلا الله في الدنيا.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {وَهَّاجًا} مُضِيئًا) أخرجه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي، عنه

(4)

.

(ص)(وقال غيره: {وَغَسَّاقًا} [النبأ: 25]: غَسَقَتْ عَيْنُهُ).

(1)

"تفسير مجاهد" 2/ 721 من طريق إبراهيم عن آدم، عن ورقاء به، وفي الطبري 12/ 409 (36091) ثنا سعيد، ثنا قتادة.

(2)

زيادة يستقيم بها السياق.

(3)

انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 723.

(4)

رواه الطبري 12/ 398 (36009). ثنا علي ثنا أبو صالح به.

ص: 487

({عَطَاءً حِسَابًا} جَزَاءً كَافِيًا، أَعْطَانِي مَا أَحْسَبَني أَيْ: كَفَانِي). وغسق الجُرْحُ: سال، وَكَأَنَّ الغَسَاقَ والغسيق وَاحِدٌ. قلت: وهو بالتخفيف والتشديد: ما يسيل من صديد أهل النار وغسالتهم. وقيل: هو ما يسيل من دموعهم. وقرئ: (حَسابًا) بفتح الحاء والتشديد، أي كربًا. وقرأ ابن عباس:(عطاء حسنًا) بالنون.

ص: 488

‌1 - باب {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)} [النبأ: 18]

: زُمَرًا. أي: زمرًا زمرًا.

4935 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» . قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: «ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً. فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى إِلاَّ عَظْمًا وَاحِدًا وَهْوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . [انظر: 4814 - مسلم: 2955 - فتح: 8/ 689]

ذكر فيه حديث أبي هريرة السالف في سورة الزمر.

ص: 489

(79) سورة وَالنَّازِعَاتِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْآيَةَ الْكُبْرَى} عَصَاهُ وَيَدُهُ، يُقَالُ: النَّاخِرَةُ وَالنَّخِرَةُ، سَوَاءٌ مِثْلُ الطَّامِعِ وَالطَّمِعِ وَالْبَاخِلِ وَالْبَخِيلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّخِرَةُ البَالِيَةُ، وَالنَّاخِرَةُ العَظْمُ المُجَوَّفُ الذِي تَمُرُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيَنْخَرُ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{الْحَافِرَةِ} التِي أَمْرُنَا الأَوَّلُ إِلَى الحَيَاةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَتَى مُنْتَهَاهَا، وَمُرْسَى السَّفِينَةِ حَيْثُ تَنْتَهِي.

‌1 - باب

4936 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رضي الله عنه -قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا بِالْوُسْطَى، وَالَّتِى تَلِى الإِبْهَامَ: «بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ" {الطَّامَّةُ} : تَطمُ كل شيء. [5301، 6503 - مسلم: 2950 - فتح: 8/ 691]

هي مكية ونزلت بعد سورة النبأ وقبل الانفطار، وفي {وَالنَّازِعَاتِ} وما بعده أقوال: الملائكة، الجبل، النجوم، الموت

(1)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الآيَةَ الكُبْرى}: عَصَاهُ وَيَدُهُ) أخرجه عبد عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه

(2)

.

(1)

رواها الطبري في "تفسيره" 12/ 420 - 421، والذي رجحه الطبري: أن الله تعالى أقسم بالنازعات غرقًا ولم يخصص نازعة دون نازعة فهي تعم جميع ما ذكر من ملائكة أو موتٍ أو نجوم. اهـ.

(2)

ورواه أيضًا الطبري 12/ 432 (36257).

ص: 490

(ص)(والنَّاخِرَةُ وَالنَّخِرَةُ، سَوَاءٌ مِثْلُ الطَّامِعِ وَالطَّمِعِ وَالْبَاخِلِ والبخيل) هذا قول الكوفيين، ونقله الثعلبي عن الأَكثرين، قال الفراء: وناخرة أجود، وخالفه ابن جرير لولا تناسب الآي. وقال بعضهم: النخرة البالية، الناخرة العظم المجوف التي تمر فيها الريح فتنخر

(1)

، أي: تصوت ونخر الشيء بالكسر: بلي وتفتت، ونخر الريح: شدة هبوبها، والنُّخرة كالهُمزة: مقدم الأنف.

(ص)({والطَّامَّةُ}: تَطمُّ كل شيء)

(2)

وهي القيامة، وهي عند العرب الداهية التي لا تستطاع.

(ص)(وقال ابن عباس: {الْحَافِرَةِ}: إلى أمره الأول إلى الحياة) أخرجه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي صالح، حدثني معاوية، عن علي، عنه

(3)

، وقال مجاهد: الأرض

(4)

.

{لَمَرْدُودُونَ} : خلقًا جديدًا.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَتَى مُنْتَهَاهَا، وَمُرْسَى السَّفِينَةِ حَيْثُ تَنْتَهِي)

(5)

قلت: وقيل: استقرارها؛ لأن لها شروطًا، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان يسأل عن الساعة فلما نزلت هذِه الآية انتهى

(6)

.

(1)

انظر: "تفسيره الطبري" 12/ 427.

(2)

هو من قول الفراء كما في "الفتح" 8/ 691.

(3)

رواه الطبري 12/ 427 وعن علي ثنا أبو صالح به، ولم يعزه السيوطي في "الدر" 6/ 511 لابن أبي حاتم.

(4)

"تفسير مجاهد" 2/ 726.

(5)

هو من قول أبي عبيدة في "المجاز" 2/ 285.

(6)

رواه الحاكم في "المستدرك" 1/ 5، أبو نعيم في "الحلية" 7/ 314.

ص: 491

ثم ساق حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه -قَالَ: رَأَيْتُ النبي صلى الله عليه وسلم -قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا بِالْوُسْطَى، وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ "بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كهَاتَيْنِ".

هذا الحديث سلف

(1)

.

وأخرجه في الطلاق والرقاق، ومسلم في الفتن.

وفي رواية: (وضم بين السبابة والوسطى)، وفي رواية:(قرن بينهما)

(2)

، وروي بنصب ("الساعة") وضمها، وهذا على العطف والأول على المفعول معه، والعامل بعثت، و"كهاتين" حال، فعلى الأول يقع التشبيه بالضم، وعلى الثاني يحتمل أن يقع التفاوت الذي بين السبابة والوسطى في الطول، يوضحه قول قتادة في رواية:(يفضل إحداهما على الأخرى)، والحاصل: التعريف بسرعة مجيء القيامة.

قال تعالى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} . وذكر السهيلي أن الطبري ذكر الحديث: "وإنما سبقتها بما سبقت هذِه هذِه"، أخرجه من طرق صححها، وأورد معها حديث أبي داود:"لن يعجز الله أن يؤخر هذِه الأمة نصف يوم"

(3)

يعني: خمسمائة عام، وهو في معنى ما قبله، يشهد له ويبينه فإن الوسطى تزيد على السبابة بنصف سبع أصبع، كما أن نصف يوم من سبعة نصف سبع؛ لأنه قد روي عن ابن عباس موقوفًا من طرق صحاح أنه قال: الدنيا سبعة أيام كل يوم ألف سنة، وبعث نبينا في آخر يوم منها، وقد مضت منه سنون، أو قال: مئون.

(1)

هذا أول موضع يذكر فيه في "الصحيح".

(2)

سيأتي برقم (5301) كتاب: الطلاق، باب: اللعان وقول الله {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} .

(3)

أبو داود (4339).

ص: 492

وصحح الطبري هذا الأصل وعضده بآثار

(1)

.

قال السهيلي: وجدنا في حديث زمل الخزاعي. قلت: صوابه ابن زمل واسمه عبد الله -فيما ذكره العسكري وغيره- وقيل: الضحاك -فيما ذكره الطبراني- وليس خزاعيًّا، وإنما هو جهني، كما قاله الكلبي وغيره - التي قال فيها: رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع درجات وإلى جنبك ناقة عجفاء كأنك تمنعها، ففسر له عليه السلام الناقة بقيام الساعة التي أنذر بها، وقال في المنبر ودرجاته:"الدنيا" وهي سبعة آلاف بعثت في آخرها ألفًا

(2)

.

والحديث وإن كان ضعيف الإسناد

(3)

ففي موقوف ابن عباس ما يعضده، وإذا قلنا: إنه عليه السلام بعث في الألف الأخير بعد ما مضى منه سنون ونظرنا إلى الحروف المقطعة في أوائل السور وجدناها أربعة عشر حرفًا يجمعها: (ألم يسطع نص حق كره) ثم نأخذ العدد بحساب أبي جاد، فنجد هنا تسعمائة وثلاثة ولم يسم آية في أوائل هذِه السور إلا في هذِه الحروف فليس يبعد بأن يكون من بعض مقتضياتها، وبعض فوائدها الإشارة إلى هذا العدد من السنين لما

(1)

هذا الأثر ذكره الألباني في "السلسلة الضعيفة" في كلامه على حديث أنس (3611) وقال: ذكره السخاوي في "الفتاوى الحديثية" موقوفًا، ثم قال (أعني: السخاوي): لا يصح، وبه جزم ابن كثير وقال:"وكذا كل حديث ورد فيه تحديد وقت القيامة على التعيين لا يثبت إسناده" ورد الألباني تصحيح السيوطي لأثر ابن عباس في "اللآلي" 2/ 443. اهـ.

قلت: وبمثله عن أنس مرفوعًا ذكره الفتني في "تذكرة الموضوعات" وضعفه الألباني في "الضعيفة"(3611).

(2)

رواه الطبراني 8/ 302 (8146).

(3)

ورد في هامش الأصل: قال الذهبي في "التجريد": لا يصح.

ص: 493

قدمناه من حديث الألف السابع، غير أن هذا الحساب يحتمل أن يكون من مبعثه أو من وفاته أو من هجرته

(1)

.

وقد روي أن المتوكل العباسي سأل جعفر بن عبد الواحد القاضي العباسي عما بقي من الدنيا فحدثه بحديث مرفوع: "إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة وذلك ألف سنة، وإن أساءت فنصف يوم"

(2)

ففيه تتميم للحديث المتقدم وبيان له

(3)

.

(1)

واستدل القائلون بذلك -أعني من قال بحساب الجُمَّل في الحروف المقطعة- بما رواه الطبري في "تفسيره" 1/ 125 عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله من طريق محمد بن السائب الكلبي، وهو ضعيف لا يحتج بما انفرد به.

(2)

أورده السخاوي في "المقاصد" بعد حديث (1243) وقال: لا أصل له.

(3)

إلى هنا ينتهي قول السهيلي في "الروض الأنف" 2/ 294 - 295، بتصرف.

ص: 494

(80) سورة عَبَسَ

{عَبَسَ} : كَلَحَ وَأَعْرَضَ، وَقَالَ غَيْرُهُ:{مُطَهَّرَةٌ} : لَا يَمَسُّهَا إِلَّا المُطَهَّرُونَ، وَهُمُ المَلَائِكَةُ، وهذا مِثْلُ قَوْلِهِ:{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} جَعَلَ المَلَائِكَةَ وَالصحُفَ مُطَهَّرَةً؛ لأَنَّ الصُّحُفَ يَقَعُ عَلَيْهَا التَّطْهِيرُ، فَجُعِلَ التَّطْهِيرُ لِمَنْ حَمَلَهَا أَيْضًا. {سَفَرَةٍ}: المَلَائِكَةُ وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ، سَفَرْتُ أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ، وَجُعِلَتِ المَلَائِكَةُ إِذَا نَزَلَتْ بِوَحْي اللهِ وَتَأدِيَتِهِ كَالسَّفِيرِ الذِي يُصْلِحُ بَيْنَ القَوْمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ {تَصَدى}: تَغَافَلَ عَنْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَمَّا يَقْضِ} : لَا يَقْضِي أَحَدٌ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {تَرْهَقُهَا} : تَغْشَاهَا شِدَّةٌ. {مُسْفِرَةٌ} : مُشْرِقَةٌ. {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: كَتَبَةٍ. {أَسْفَارًا} كُتُبًا. {تَلَهَّى} تَشَاغَلَ، يُقَالُ: وَاحِدُ الأَسْفَارِ سِفْرٌ.

‌1 - باب

4937 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَة، قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -قَالَ:«مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهْوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهْوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهْوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ» . [مسلم: 798 - فتح: 8/ 691]

مكية، ونزلت قبل سورة القدر، وبعد النجم، كما ذكره السخاوي

(1)

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 7.

ص: 495

ونزلت في ابن أم مكتوم كما أسنده الحاكم

(1)

.

(ص)({عَبَسَ}: كَلَحَ وَأَعْرَضَ) أي: بوجهه وهو الشارع، وكان يخاطب رجلًا من عظماء المشركين، قيل: هو عتبة بن ربيعة. وقيل: عتبة وشيبة

(2)

. وقيل: أمية بن خلف

(3)

. وقيل: أبي بن خلف وكان طامعًا في إسلامه

(4)

، فأقبل ابن أم مكتوم ومعه قائده فأشار عليه السلام إلى قائده أن كفَّ، فدفعه ابن أم مكتوم، فعند ذلك عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه. قال سفيان: وكان عليه السلام بعدُ إذا رآه بسط له رداءه ويقول: "مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي"

(5)

وأغرب الداودي فقال: الذي عبس للأعمى هو الكافر الذي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(ص)({مُطَهَّرَةٍ}: لَا يَمَسُّهَا إِلَّا المُطَهَّرُونَ وَهُمُ المَلَائِكَةُ، وهذا مِثْلُ قَوْلِهِ: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} جَعَلَ المَلَائِكَةَ وَالصُّحُفَ مُطَهَّرَةً؛ لأَنَّ الصُّحُفَ يَقَعُ عَلَيْهَا التَّطْهِيرُ، فَجُعِلَ التَّطْهِيرُ لِمَنْ حَمَلَهَا) وعليه جماعة من السلف.

(ص)({سَفَرَةٍ}: المَلَائِكَةُ وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ، سَفَرْتُ أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ، وَجُعِلَتِ المَلَائِكَةُ إِذَا نَزَلَتْ بِوَحْي اللهِ وتأديته كَالسَّفِيرِ الذِي يُصْلِحُ بَيْنَ القَوْمِ) قلت: وقال قتادة: سفرة: كتبة

(6)

كأنهم يكتبون في السِّفْر

(1)

"المستدرك" 3/ 634.

(2)

هذا القول رواه ابن مردويه كما عزاه الحافظ في "الفتح" 8/ 692.

(3)

رواه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك كما عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 518.

(4)

هو قول أنس رواه عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو يعلى كما في "الدر" 6/ 518.

(5)

ذكره الديلمي في "الفردوس" 4/ 164 (6510) من حديث أنس.

(6)

رواه الطبري في "التفسير" 12/ 446 (36331).

ص: 496

أعمال العباد، وقاله أبو عبيدة

(1)

، وسيأتي عن ابن عباس.

(ص)({تَصَدى}: تَغَافَلَ عَنْهُ) قلت: الأليق يقبل عليه ويتعرض له. ولم يتقدم من أول السورة عزو لأحد حتى يحَسُنَ قوله هنا: (وقال غيره). فليتأمل.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَمَّا يَقْضِ}: لَا يَقْضِي أَحَدٌ مَا أُمِرَ بِهِ) أخرجه عبد بن حميد عن شبابة بالسند السالف عنه

(2)

.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {تَرْهَقُهَا}: تَغْشَاهَا شِدَّةٌ) أخرجه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية، عن علي، عنه

(3)

.

(ص)({مُسْفِرَةٌ}: مُشْرِقَةٌ. {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)} قَالَ ابن عَبَّاسٍ: كَتَبَةٍ. {أَسْفَارًا} : كُتُبًا)

(4)

يقال: واحد الأسفار سفر، أسنده أيضًا.

قلت: السفر بكسر السين، أي: مسطور كالذبح والرعي للمذبوح والمرعي، وجمع سفير سفراء، وجمع سافر سفرة ككاتب وكتبة والسافر: الرسول؛ لأنه سفر إلى الناس برسالات الله، وقيل: السفرة: الكتبة

(5)

، وقيل: الصحابة

(6)

، وقيل: القراء

(7)

.

(1)

"مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 286، وزاد قول الشاعر:

وما أدع السفارة بين قومي

وما أمشي بغش إن مشيت

وقد تمسك به من قال إن جميع الملائكة رسل الله، وللعلماء في ذلك قولان.

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 731 من طريق إبراهيم عن آدم عن ورقاء.

(3)

"الدر المنثور" 6/ 523.

(4)

رواه الطبري في "التفسير" 12/ 446 (36330).

(5)

هو قول قتادة رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 282، وعبد بن حميد كما في "الدر" 6/ 519.

(6)

هو من قول وهب بن منبه رواه عنه عبد بن حميد وابن المنذركما في "الدر" 6/ 519.

(7)

هو قول ابن عباس رواه عنه ابن أبي حاتم وابن المنذر كما في "الدر" 6/ 519.

ص: 497

(ص)({تَلَهَّى} تَشَاغَلَ) بغيره وتعرض وتغافل عنه.

ثم ساق حديث عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَ:"مَثَلُ الذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهْوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البررة، وَمَثَلُ الذِي يقرؤه وَهْوَ معاهده وَهْوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ". وأخرجه مسلم والأربعة

(1)

، ومعنى "مَثَل": صفته؛ كقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} كأنه قال: صفة الذي يحفظ القرآن كأنه مع السفرة فيما يستحقه من الثواب وفي قراءة القرآن، و"السفرة" سلف أيضًا. و"البررة": المطيعون من البر، هو الظاهر، فيكون للماهر بها في الآخرة منازل يكون فيها رفيقًا للملائكة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله. ويجوز أن يكون المراد أنه عامل بعمل السفرة وسالك مسلكهم.

وقوله: "فله أجران" بتعاهده قراءته ومشقته، أي: من حيث التلاوة والمشقة. قال عياض وغيره: وليس معناه أنه يحصل له من الأجر أكثر من الماهر، بل الماهر أفضل وأكثر أجرًا لما سلف، من أنه مع السفرة ولم يذكر خبره، وكيف يلحق به من لم يُعن بالقرآن ولا بحفظه وإتقانه

(2)

، وقيل: هو ضعف أجر الذي يقرأ حافظًا؛ لأن الأجر على قدر المشقة.

(1)

أبو داود (1454)، الترمذي (2904)، ابن ماجه (3779)، النسائي في "الكبرى" 5/ 21 (8046).

(2)

"إكمال المعلم" 3/ 167.

ص: 498

(81) سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)}

{انْكَدَرَتْ} : انْتَثَرَتْ. وَقَالَ الحَسَنُ: {سُجِّرَتْ} : ذَهَبَ مَاؤُهَا فَلَا يَبْقَى قَطْرَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: المَسْجُورُ المَمْلُوءُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: سُجِرَتْ أَفْضَى بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا، وَالْخُنَّسُ تَخْنِسُ فِي مُجْرَاهَا تَرْجِعُ، وَتَكْنِسُ: تَسْتَتِرُ، كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ. {تَنَفَّسَ}: ارْتَفَعَ النَّهَارُ. وَالظَّنِينُ المُتَّهَمُ وَالضَّنِينُ يَضَنُّ بِهِ. وَقَالَ عُمَرُ {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} . {عَسْعَسَ} أَدْبَرَ.

هي مكية.

(ص)({انْكَدَرَتْ}: انْتَثَرَتْ) أي: من السماء فتساقطت على الأرض

(1)

.

(ص)(قَالَ الحَسَنُ: {سُجِّرَتْ}: ذَهَبَ مَاؤُهَا فَلَا يَبْقَى منه قَطْرَةٌ) أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، ثنا إسماعيل بن علية، عن أبي رجاء، عنه

(2)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْمَسْجُورِ}: المَمْلُوءُ) أخرجه أيضًا عن الحسين بن السكن البصري، ثنا سهل بن بكار، ثنا أبو عوانة، عن جابر، عنه.

(1)

هو قول الفراء في "المعاني" 3/ 239.

(2)

ورواه أيضًا عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة كما في "الدر" 6/ 526.

ص: 499

وعن الحسن بن مسلم قال: سجرت أوقدت. وقرأ الحسن وأهل مكة والبصرة بالتخفيف والباقون بالتشديد

(1)

.

ثم قال البخاري: (وَقَالَ غَيْرُهُ سُجِرَتْ أَفْضَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا)

قلت: هو قول مقاتل والضحاك، وحكاه الثعلبي عن مجاهد. وقال الحسن: ذهب ماؤها فلم يبق منها قطرة.

(ص)(الْخُنَّسُ: تَخْنِسُ فِي مُجْرَاهَا تَرْجِعُ وَتَكْنِسُ تَسْتَتِرُ -أي: نهارًا كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ) قلت: وهي الكواكب الخمسة السيارة زحل والمشترى والمريخ والزهرة وعطارد، وقيل: جميع الكواكب تخنس نهارًا وتكنس ليلًا

(2)

. وقيل: هي بقر الوحش إذا رأت الإنس تخنس وتدخل كناسها

(3)

.

(ص)({تَنَفَّسَ}: ارْتَفَعَ) أي: وامتد، وقيل: أقبل وأضاء وبدا أوله.

(ص)(وَالظَّنِينُ: المُتَّهَمُ، وَالضَّنِينُ: يَضَنُّ بِهِ)

(4)

أي: يبخل به، يقال: ضَنِنت بالشيء أَضَنُّ به ضنينًا وضنانة على وزن عملت. قال ابن فارس: ضنَنت أَضِنُّ لغة

(5)

.

(1)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 379.

(2)

هو من قول الفراء في "المعاني" 3/ 242، ورواه الطبري عن علي، والحسن، وقتادة 12/ 466 - 467 (36477 - 36487).

(3)

هو من قول ابن مسعود رواه عنه عبد الرزاق، وسعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والمنذري والطبراني 9/ 219، والحاكم 2/ 516 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه كما في "الدر" 6/ 529.

(4)

هو قول أبي عبيدة في "المجاز" 2/ 288.

(5)

"مجمل اللغة" 2/ 560.

ص: 500

قلت: وهما قراءتان -أعني: بالظاء والضاد- بمعنيين.

(ص) (وَقَالَ عُمَرُ: {النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} أخرجه عبد بن حميد عن أبي نعيم، ثنا سفيان، عن سماك، عن النعمان بن بشير، عنه

(1)

. وفي لفظ: الفاجر مع الفاجرة والصالح مع الصالحة

(2)

.

وقال الضحاك: زوجت الأرواح للأجساد. قال عكرمة: أي: ترد إليها

(3)

. وقال الكلبي: زوج المؤمن الحور العين، والكافر الشيطان

(4)

.

وقال الربيع بن خثيم: يجيء المرء مع صاحب عمله يزوج الرجل بنظيره من أهل الجنة، وبنظيره من أهل النار

(5)

.

وقال الحسن: ألحق كل امرئ بشيعته. وقال عكرمة: يحشر الزاني مع الزانية، والمحسن مع المحسنة.

(ص)({عَسْعَسَ}: أَدْبَرَ) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس. وعن قتادة والضحاك وعلي غيره، وقال مجاهد: إقباله وإدباره

(6)

. وقال ابن زيد: عسعس: ولَّى وسعسع من ههنا، وأشار إلى المشرق إطلاع الفجر. وقال الحسن: عسعس: أقبل بظلامه. وعنه: إذا غشي الناس

(7)

. وقيل: دنا من أوله وأظلم.

(1)

أخرجه عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" 6/ 527.

(2)

"تفسير الطبري" 12/ 462.

(3)

"تفسير الطبري" 12/ 463.

(4)

رواه عنه عبد بن حميد، وابن المنذر كما في "الدر المنثور" 6/ 528.

(5)

"تفسير الطبري" 12/ 463.

(6)

"تفسير الطبري" 12/ 469 - 470.

(7)

"تفسير الطبري" 12/ 470.

ص: 501

(82) سورة الانفطار

وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: {فُجِّرَتْ} فَاضَتْ. وَقَرَأَ الأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ {فَعَدَلَكَ} بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَهُ أَهْلُ الحِجَازِ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَرَادَ مُعْتَدِلَ الخَلْقِ وَمَنْ خَفَّفَ، يَعْنِي فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ، إِمَّا حَسَنٌ وَإِمَّا قَبِيحٌ وَطَوِيلٌ وَقَصِيرٌ.

هي مكية.

(ص)(وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: {فُجِّرَتْ}: فَاضَتْ)

(1)

أخرجه عبد بن حميد عن أبي نعيم، والمؤمل بن إسماعيل، عن سفيان، عن أبيه عن أبي يعلى عنه به

(2)

.

(ص)(وَقَرَأَ الأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ (فَعَدَلَكَ) بِالتَّخْفِيفِ) أي: صرفك وأحالك.

(وَقَرَأَهُ أَهْلُ الحِجَازِ بالتَّشْدِيدِ أَرَادَ مُعْتَدِلَ الخَلْقِ) أي: لقوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)}

(3)

.

(وَمَنْ خَفَّفَ أراد: فِي أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ، إِمَّا حَسَنٌ وإِمَّا قَبِيحٌ أوَ طَوِيلٌ أوَ قَصِيرٌ). قلت: قول ابن أبي حاتم، وقيل: معناه مثل المشدد من قولهم: عدل فلان على فلان في الحكم أي: سوى نصفيه، أي: لم

(1)

ورد بهامش الأصل: قرأ الربيع بن خثيم مبنيًّا للمفعول مخففًا، فاعلمه هذا الذي نسبوه للربيع، ولكن الزهري فسره بفاضت وهذا التفسير [منسوب] لمجاهد وأنه قرأه مبنيًا للفاعل مخففا.

(2)

كذا عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 533، وحكاه البغوي 8/ 355.

(3)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 382.

ص: 502

يعدل به إلى طريق الجور، وقيل: معنى التشديد جعل خلقك مستقيمًا ليس فيه شيء زائد على شيء، وفي الحديث أنه عليه السلام كان إذا نظر إلى الهلال قال:"آمنت بالذي خلقك فسواك فعدَّلك"

(1)

بتشديد الدال باتفاق الرواة كما قاله ابن النقيب.

(1)

رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 101 (311) من حديث أنس بن مالك، وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 203: فيه أحمد بن عيسى اللخمي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وضعف الألباني إسناده كما في "الضعيفة"(3508).

ص: 503

(83) سورة وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رَانَ} : ثَبْتُ الخَطَايَا. {ثُوِّبَ} جُوزِيَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: المُطَفِّفُ لَايُوَفِّي غَيْرَهُ.

‌1 - باب

4938 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -قَالَ:«{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} [المطففين: 6] حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ» . [6531 - مسلم: 2862 - فتح: 8/ 696]

هي مدنية كما جزم به الثعلبي، قال مقاتل: إلا {قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} وعن قتادة أنها مكية، وعن الكلبي أنها نزلت في طريق المدينة، وقال السدي: وهو داخلها وكانوا أهل تطفيف في الكيل والميزان فلما نزلت خرج عليه السلام إلى السوق بالمدينة وكان أهل السوق يومئذ السماسرة، فتلاها عليهم وسماهم التجار، وقيل: نزلت في أبي جهينة.

وقال أبو العباس في "مقاماته" أولها مدني وآخرها مكي والاستهزاء يعني: إنما كان بمكة ونزلت بعد العنكبوت كما قال السخاوي

(1)

.

قال مقاتل -فيما حكاه ابن النقيب-: وهي أول سورة نزلت بالمدينة، و {وَيْلٌ}: وادٍ في جهنم عظيم

(2)

، يؤيده حديث أبي هريرة

(1)

"جمال القراء وكمال الإقراء" ص 8.

(2)

رواه الطبري 1/ 422 (1390)، وابن أبي حاتم 1/ 153 (798)، والترمذي (3164) والحاكم في "المستدرك" 2/ 507 وصححه، كلهم من حديث أبي سعيد الخدري. وقال الترمذي: غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث ابن لهيعة.

ص: 504

في "صحيح ابن حبان": "يسلط على الكافر تسعة وتسعون تنينًا؛ أتدرون ما التنين؟ سبعون حية، لكل حية سبع رءوس، يلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة"

(1)

.

(ص)({رَانَ} ثَبْتُ أي: الخَطَايَا. {ثُوِّبَ}: جُوزِيَ). أخرجه ابن أبي حاتم عن حجاج، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه

(2)

. قال المفسرون: الرَّان والرين أيضًا، يقال: رين وران الذنب على الذنب حتى يسود القلب

(3)

، و {ثُوِّبَ} وأثابه بمعنى.

ثم قال: (ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ: المُطَفِّفُ: الذي لَا يُوَفِّي غَيْرَهُ). قلت: وأصله من التطفيف وهو النزر القليل.

ثم ساق حديث مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} [المطففين: 6]، حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إلى أَنْصَافِ أُذُنَيهِ".

وأخرجه مسلم أيضًا قال الترمذي عقب إخراجه: حديث صحيح مرفوع؛ وموقوف

(4)

.

والرشح: العرق، كما أخرجه عبد بن حميد بزيادة "من هول يوم

(1)

"صحيح ابن حبان" 7/ 393 من حديث أبي هريرة. وحسنه الألباني كما في "صحيح الترغيب والترهيب"(3552).

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 738، ورواه الطبري عنه -أعني عن مجاهد- 12/ 491 (36634).

(3)

وهو قول أكثر المفسرين ورواه الطبري عن الحسن وعن قتادة أيضًا 12/ 490 (36627، 36641) وذكره ابن كثير عن الحسن، ومجاهد، وقتادة وابن زيد وغيرهم 4/ 514.

(4)

"جامع الترمذي"(2422) من حديث ابن عمر، ورواه أيضًا هناد، وعبد بن حميد، وابن المنذر كما في "الدر" 6/ 537.

ص: 505

القيامة وعظمه"

(1)

، وقد ساق البخاري أيضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعًا وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم"

(2)

وروى الوايلي من حديث عبد الله بن عمر: تلا عليه السلام هذِه الآية وقال: "كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانه خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم .. " الحديث ثم قال: غريب جيد الإسناد

(3)

.

قال البيهقي: وهذا في الكفار، وأما المؤمن فيخفف عنه ذلك اليوم حتى يكون أهون عليه من الصلاة المكتوبة، رواه أبو سعيد، وأبو هريرة مرفوعًا.

وفي مسلم من حديث سُليم بن علية، عن المقداد مرفوعًا:"تُدْنَى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل" قال سُليم: فوالله، ما أدري ما يعني بالميل؛ مسافة الأرض، أو الميل الذي تُكْتَحَلُ به العين فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق؛ فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى عضديه، ومنهم من يلجمه العرو إلجامًا، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه

(4)

. زاد الترمذي بعد ذكر الميل: "فتصهرهم الشمس"

(5)

.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 537.

(2)

سيأتي برقم (6532) كتاب: الرقاق، باب: قول الله: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} .

(3)

رواه أيضًا الطبراني، وأبو الشيخ، والحاكم 4/ 572، وابن مروديه، والبيهقي في "البعث" كما في "الدر" 6/ 537. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 135: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

(4)

"صحيح مسلم"(2864) كتاب: الجنة، باب: في صفة يوم القيامة.

(5)

"جامع الترمذي"(2421) من حديث المقداد.

ص: 506

وعند ابن أبي شيبة، عن سلمان قال: تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تُدنَى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين قال: فيعرقون حتى يسيح العرق، فإنه لم يرتفع حتى يغرغر الرجل. قال سلمان: حتى يقول الرجل: غرغر

(1)

.

زاد ابن المبارك في "زهده" وليس على أحد يومئذ طحربة يعني خرقة ولا ترى فيه عورة مؤمن ولا مؤمنة، ولا يضر حرها يومئذ مؤمنًا ولا مؤمنة، وأما الآخرون -أو قال: الكفار- فتطبخهم، فإنما تقول أجوافهم: غِق غِق

(2)

، وللبيهقي في "بعثه" من حديث أبي الأحوص، عن عبد الله مرفوعًا:"إن الكافر ليلجم بعرقه يوم القيامة من طول ذلك اليوم حتى يقول: يا رب أرحني ولو إلى النار".

وقال كعب: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} مقدار ثلاثمائة عام

(3)

، وللحاكم بإسناد جيد، عن عقبة مرفوعًا "تدنو الشمس من الأرض، فيعرق الناس فمن الناس من يبلغ عرقه كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى نصف الساق، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ العجز، ومنهم من يبلغ الخاصرة، ومنهم من يبلغ منكبيه، ومنهم من يبلغ عنقه، ومنهم من يبلغ وسط فيه -وأشار بيده فألجمها فاه- ومنهم من يغطيه عرقه" وضرب بيده إشارة فأمرَّ بيده فوق رأسه من غير أن يصيب الرأس دور راحلته يمنيًا وشمالًا

(4)

.

(1)

"المصنف" 6/ 312.

(2)

"الزهد والرقاق" رواية نعيم بن حماد ص 100 (347) عن أبي عثمان النهدي عن سلمان.

(3)

رواه الطبري 12/ 486 (36593، 36594).

(4)

"المستدرك" 4/ 571، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ص: 507

وقال عبد الله بن مسعود: الأرض يوم القيامة نار تأكلها والجنة من ورائها يرى من (كواكبها)

(1)

وكواعبها فيغرق الناس حتى يرشح عرقه في الأرض قدر قامة، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه وما مسه الحساب، ولما سئل عبد الله بن عمرو حين ذكر العرق: فأين المؤمنون؟ قال: على كراسيَ من ذهب ويظلل عليهم الغمام

(2)

، وعن أبي موسى: الشمس فوق رءوس الناس يوم القيامة وأعمالهم تظلهم

(3)

.

وفي مسلم من حديث جابر مرفوعًا: "نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس"

(4)

وفي رواية "على تل ويكسوني ربي حلة خضراء، ثم يؤذن لي في الشفاعة، فذلك المقام المحمود" قال ابن العربي: كل أحد يقوم عرقه معه، وهو خلاف المعتاد في الدنيا، فإن الجماعة إذا وقفوا في الأرض المعتدلة أخذهم الماء أخذًا، ولا يتناوبون، وهذا من القدرة التي تخرق العادات؛ والإيمان بها من الواجبات.

قال ابن برجان

(5)

في "إرشاده": وليس ببعيد أن يكون الناس كلهم في صعيد واحد وموقف سواء يشرب بعضهم من الحوض دون غيره، وكذا حكم النور، والغرق يغرق في عرقه أويبلغ منه ما شاء الله جزاءً لسعيه في الدنيا، والآخرُ في ظل العرش، كما في الدنيا، يمشي المؤمن بنور إيمانه

(1)

في هامش الأصل: لعله (أكوابها).

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 737 من طريق خيثمة عن عبد الله بن عمرو.

(3)

رواه ابن أبي شيبة 7/ 154 (34804)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 261 من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عنه.

(4)

"صحيح مسلم"(316) كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

(5)

هو الامام أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن اللخمي الإشبيلي، له "الارشاد في تفسير القرآن"، توفي سنة 627 هـ. انظر:"سير الأعلام" 20/ 72، "كشف الظنون" 1/ 69.

ص: 508

في الناس، بخلاف الكافر، والمؤمن في الوقاية بخلافه، والمؤمن يروى ببرد اليقين والهداية، بخلاف المبتدع، وكذا الأعمى.

وقال القرطبي: يحتمل أن يخلق الله ارتفاعًا على الأرض التي تحت قدم كل إنسان بحسب عمله فيرتفع عنها بحسب ذلك، أو يكون الناس يحشرون جماعات وكل واحد عرقه في جهة بحسبه، والقدرة بعد صالحة لأن يمسك كل إنسان عليه بحسب عمله فلا يتصل بغيره وإن كان بإزائه؛ كما أمسك جري البحر لموسى حين لقاء الخضر ولبني إسرائيل لما اتبعهم فرعون.

وقال الغزالي: كل عرق لم يخرجه التعب في سبيل الله من حج وجهاد وصيام وقيام، وتردد في قضاء حاجة المسلم، وتحمل مشقة في أمر بمعروف ونهي عن منكر فيستخرجه الحياء والخوف في صعيد القيامة، ويطول فيه الكرب

(1)

.

وقال المحاسبي: في "أهواله" إذا وافى الموقف أهل السماوات والأرض كسيت الشمس حر سبع سنين ثم أدنيت من قاب قوسين، ولا ظل ذلك اليوم إلا ظل عرش الرحمن؛ فمن بين مستظل به، ومن يضج بحرها، قد صهرت رأسه، واشتد فيها كربه. وقد ازدحمت الأمم، وتضايقت ودفع بعضهم بعضًا، واختلفت الأقدام، وانقطعت الأعناق من العطش، قد اجتمع عليهم في مقامهم حر الشمس مع وهج أنفاسهم وتزاحم أجسامهم؛ ففاض العرق منهم على وجه الأرض، ثم على أقدامهم على قدر مراتبهم ومنازلهم عند ربهم من السعادة والشقاء.

(1)

"إحياء علوم الدين" 4/ 515.

ص: 509

(84) سُورةُ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}

قَالَ مُجَاهِدٌ: {كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة: 25]: يَأْخُذُ كِتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ {وَسَقَ} [الانشقاق: 17]: جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ. {ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق: 14]: لَا يَرْجِعَ إِلَيْنَا.

‌1 - باب {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} [الانشقاق: 8]

4939 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي يُونُسَ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلاَّ هَلَكَ» . قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ عز وجل {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)}؟ [الانشقاق: 7 - 8]. قَالَ: «ذَاكَ الْعَرْضُ يُعْرَضُونَ، وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ» . [انظرة 103 - مسلم: 2876 - فتح: 8/ 697].

ص: 510

‌2 - باب {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)} [الانشقاق: 19]

4940

- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْن النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)} [الانشقاق: 19] حَالًا بَعْدَ حَالٍ، قَالَ هذا نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم. [فتح: 8/ 698]

هي مكية

(1)

، وتسمى سورة الشفق.

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: {كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}: يَأْخُذُ كِتَابَهُ مِنْ وَرَاءَ ظَهْرِهَ). جزم به الثعلبي، ثم نقل عن مجاهد يخلع يده من وراء ظهره

(2)

.

(ص)({وَسَقَ}: جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ)

(3)

. يقال: وسقته أسقه وسقًا، ومنه قيل للطعام الكثير: وسق.

(ص)({ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}: أن لَا يَرْجِعَ إِلَيْنَا)

(4)

. ومنه قول الأعرابية [لابنتها]: حوري

(5)

: أي: ارجعي.

ثم ساق حديث عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ: سَمِحْتُ عَائِشَةَ تحدث قَالَتْ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

وهو قول ابن عباس، كما رواه عنه النحاس، وابن مردويه، والبيهقي، كما عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 546، ولا خلاف بين المفسرين في مكيتها.

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 742، ورواه الطبري 6/ 509 من رواية ابن أبي نجيح.

(3)

تفسير مجاهد 2/ 741.

(4)

المصدر السابق.

(5)

في الأصل: (لأبيها حوري) وعلَّم على (حوري): كذا، والصواب ما أثبتناه وانظر "تفسير القرطبي" 19 م 271، "الكشاف" 4/ 566.

ص: 511

وعَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي يُونُسَ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلَّا هَلَكَ". قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} ؟ قَالَ: "ذَاكَ العَرْضُ، وَمَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَكَ".

الشرح:

سقط من نسخة أبي زيد في السند الأول ذكر ابن أبي ملكية، ولا يتسند إلا به، كما نبه عليه الجياني

(1)

، وزيد في الثاني: القاسم ابن محمد عن عائشة، وهو وهم أيضًا، وإنما ذكر القاسم من رواية أبي يونس. قال الدارقطني: وتابع أيوب ابن جريج وعثمان بن الأسود ومحمد بن سليم المكي وصالح بن رستم ورباح بن أبي معروف والحريش بن الخريت وحماد بن يحيى الأبح وعبد الجبار بن الورد كلهم عن ابن أبي مليكة عن عائشة. قال: وكذلك مروان الفزاري عن ابن أبي صغيرة، عن ابن أبي مليكة، وخالفه القطان وابن المبارك فروياه عن حاتم عن ابن أبي ملكية عن القاسم عنها، وقولهما أصح، لأنهما زادا، وهما حافظان متقنان، وزيادة الحافظ مقبولة

(2)

.

قلت: ويجوز أن يكون سمعه مرة منها، كما سلف صريحًا، ومرة عن القاسم عنها. فرواه بهما، وسلف هذا الحديث في العلم، من حديث نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة عنها، ولما ذكره البخاري

(1)

"تقييد المهمل" 2/ 703.

(2)

"العلل" 14/ 359 - 360، وانظر:"الإلزامات والتتبع" ح (190).

ص: 512

في الرقاق من حديث عثمان بن الأسود قال: تابعه ابن جريج ومحمد بن سليم وأيوب وصالح بن رستم

(1)

، وادعى المزي أن المحفوظ رواية صالح.

قلت: وله شاهد من حديث همام، عن قتادة، عن أنس مرفوعًا:"من حوسب عذب" أخرجه الترمذي من حديث قتادة وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه

(2)

. وأما ما أخرجه اللالكائي في "سننه" من حديث أبي مروان، عن هشام، عن

(3)

عائشة رضي الله عنها قالت: لا يحاسب رجل يوم القيامة إلا دخل الجنة، ثم ذكرت الآية، يقرأ عليه عمله فإذا عرفه غفر له ذلك؛ لأن الله تعالى يقول:{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)} [الرحمن: 39]، وأما الكافر فقال:{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)} [الرحمن: 41]، فلا يقاوم حديثها هذا.

قوله: للكافر، هذا لا ينافي قوله:{وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ} [البقرة: 174] فإن المراد بكلام يحبونه وإلا فقد قال تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] كما نبه عليه ابن جرير

(4)

.

وقوله: "ذلك العرض" يعرضون: يريد الحساب المذكور في الآية، وهو عرض أعمال المؤمنين، وتوقفه عليها تفصيلًا حتى يعرف منَّة الله تعالى عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الآخرة"

(1)

سيأتي برقم (6536) باب: من نوقش الحساب عذب.

(2)

"جامع الترمذي"(3338).

(3)

ورد بهامش الأصل: ما أدرك هشام عائشة. قال هشام: إنها توفيت سنة سبع وخمسين، وقال جماعة: سنة ثمان، وولد هشام سنة إحدى وستين مقتل الحسين رضي الله عنه.

(4)

"تفسير الطبري" 2/ 75.

ص: 513

وحقيقة العرض إدراك الشيء ليعلم غايته وحاله. قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)} [الحاقة: 18]: وقال: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا} [الكهف: 48] ولا يزال الخلق قيامًا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ما شاء الله أن يقيموا حتى يلهموا أو يهمُّوا بالاستشفاع إلى الأنبياء.

وقد ورد في كيفية العرض أحاديث كثيرة، والمعول منها على تسعة أحاديث في تسعة أوقات -كما نبه عليه ابن العربي في "سراجه"-:

أولها: حديث في رؤية الرب تعالى في حديث أبي هريرة وأبي سعيد وفيه: "أتاهم رب العالمين"

(1)

.

ثانيها: حديث عائشة السالف.

ثالثها: حديث الحسن عن أبي هريرة مرفوعًا "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات"

(2)

.

رابعها: حديث أنس مرفوعًا "يجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه (بذح)

(3)

"

(4)

.

خامسها: حديث أبي هريرة وأبي سعيد "يؤتى بعبد يوم القيامة فيقال

(1)

سلف برقم (4581) كتاب: التفسير، باب: قوله: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} .

(2)

رواه الترمذي (2425) وقال: لا يصح هذا الحديث من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة.

ورواه ابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري (4277).

وقال البوصيري في "زوائده"(1456): رجاله ثقات إلا أنه منقطع، الحسن لم يسمع من أبي موسى. وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(932).

(3)

ورد بهامش الأصل: البذح ولد الضأن.

(4)

رواه الترمذي (2427) وانفرد به.

ص: 514

له: ألم أجعل لك سمعًا وبصرًا؟! "

(1)

الحديث.

سادسها: ثبت من طرق صحاح أنه عليه السلام قال: "يؤتى بالعبد يوم القيامة فيضع عليه كنفه"

(2)

.

سابعها: حديث أبي ذر مرفوعاً: "إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولًا، وآخر أهل النار خروجًا، رجلًا يؤتى به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه .. "

(3)

الحديث.

ثامنها: حديث أنس مرفوعًا: "يخرج من النار أربعة فيعرضون على الله .. "

(4)

.

تاسعها: العرض على الرب جل جلاله، قال: ولا أعلم في الحديث إلا قوله: "حتى لم يبق إلا من يعبدُ الله حتى أتاهم رب العالمين" وقد سلف.

قلت: صح العرض في مواضع أخر إن عددت ما نحن فيه من ذلك:

أحدها: حديث أبي برزة الأسلمي في مسلم مرفوعًا: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع .. "

(5)

الحديث.

(1)

رواه الترمذي (2428) وقال: حديث صحيح غريب. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(7997).

(2)

بنحوه سلف برقم (2441) كتاب: المظالم، باب: قول الله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ، من حديث ابن عمر.

(3)

"صحيح مسلم"(314) كتاب: الإيمان: باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

(4)

"صحيح مسلم"(321) كتاب: الإيمان: باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

(5)

رواه الدارمي في سننه (556)، والطبراني في "الكبير" 20/ 60 - 61 (111) من حديث معاذ بن جبل، ورواه الطبراني في "الكبير" 11/ 102 من حديث ابن عباس ولم أجده في مسلم.

ص: 515

ثانيها: "إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عباده فيسأله عن جاهه كما يسأله عن عمله".

ثالثها: حديث عدي بن حاتم مرفوعًا "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان .. " الحديث

(1)

.

رابعها: حديث البخاري: "يدعَى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك رب .. " الحديث

(2)

.

خامسها: حديث البطاقة، صححه الحاكم

(3)

.

سادسها: حديث الذي أوصى أن تحرق عظامه، ويذرَّ في يوم ريح مخافة الله

(4)

.

وذكر عائشة الآية وجهه أنها تمسكت بظاهر الحساب لتناوله القليل والكثير، بخلاف لفظ المناقشة. وفيه: تخصيص الكتاب بالسنة.

ثم ذكر البخاري أيضًا بإسناده (عن مجاهد قال: قال ابن عباس. {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)}: حالًا بعد حال قال: هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم)، وهو من أفراده، وقال الحاكم فيه أنه على شرط الشيخين

(5)

.

يقال: إنه فسر (لَتَرْكَبَنَّ) -بفتح الباء- على الخطاب له. وفي لفظ:

(1)

سيأتي برقم (6539) كتاب: الرقاق، باب: من نوقش الحساب عذب.

(2)

سلف برقم (4487) كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً} .

(3)

رواه الترمذي برقم (2639)، وأحمد في "المسند" 2/ 221، والحاكم في "المستدرك" 1/ 6، وقال التزمذي: حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح، لم يخرج في الصحيحين.

(4)

رواه الطبراني في الكبير 10/ 203.

(5)

"المستدرك" 2/ 519 وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وكلام المؤلف أنه قال: على شرط الشيخين قاله الحاكم في الحديث الذي قبله بلفظ: عن علقمة عن عبد الله في قوله عز وجل: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)} قال: السماء.

ص: 516

منزلا بعد منزل. ويقال: أمرًا بعد أمر

(1)

وقال ابن مسعود: لتركبن السماء حالا، مرة كالدهن ومرة كالدهان، فتفطر ثم تنشق. وقال الشعبي: لتركبن يا محمد سماء بعد سماء. وقيل: المعنى على مخاطبة الجنس من صحة ومرض وشباب وهرم، ومن قرأ:{لَتَرْكَبُنَّ} بضم الباء يعني: (الكسابين)

(2)

حالًا بعد حال، وقال ابن زيد: الآخرة بعد الأولى

(3)

.

وقيل: الشدائد والأهوال، ثم الموت، ثم البعث، ثم العرض نقل عن ابن عباس

(4)

وقيل: الرخاء بعد الشدة وعكسه، والغنى بعد الفقر، وعكسه، والصحة بعد السقم، وعكسه، قاله الحسن

(5)

.

وقيل: كون الآن جنينًا، ثم رضيعًا، ثم فطيمًا، ثم غلامًا، ثم شابًا ثم شيخًا

(6)

.

وقيل: ركوب سنن من كان قبلكم

(7)

. وقيل: تغير حال الإنسان في الآخرة. وفتح الباء قراءة حمزة وابن كثير والكسائي. والضم لنافع وأبي عمرو وعاصم. وقرأ ابن مسعود بالمثناة تحت ونصب الباء الموحدة، وقرأه أبو المتوكل كذلك لكن رفع الباءَ

(8)

.

(1)

روى هذِه الألفاظ الطبري في "تفسيره" 12/ 514 عن ابن عباس.

(2)

كذا في الأصل.

(3)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 515.

(4)

ذكره البغوي في "تفسيره" 8/ 376 وابن الجوزي في "زاد المسير" 9/ 68.

(5)

ذكره ابن الجوزي في"زاد المسير" 9/ 68.

(6)

ذكره البغوي في "تفسيره" 8/ 376 وابن الجوزي في "زا د المسير" 9/ 68 عن عكرمة.

(7)

ذكره أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 2/ 292.

(8)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 513، 516 و"زاد المسير" 9/ 67 و"الدر المنثور" 6/ 550 و"تحبير التيسير" لابن الجزري ص 198.

ص: 517

(85) سورة {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)}

‌باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}

{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} قَالَ أَبُو العَالِيَةِ: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ارْتَفَعَ، {فَسَوَّاهُنَّ} خَلَقَهُنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{اسْتَوَى} عَلَا عَلَى العَرْشِ.

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {الْوَدُودُ} الحَبِيبُ. {الْمَجِيدُ} الكَرِيمُ.

هي مكية.

(ص)(وقال مجاهد: الأخدود شق في الأرض) أخرجه عبد بن حميد عن شبابة بالإسناد السالف، وزاد بعد قوله:(شق في الأرض) نجران كانوا يعذبون الناس فيها

(1)

. وعند الطبري عنه: شقوق في الأرض

(2)

. زاد غيره: الشق المستطيل في الأرض

(3)

.

وقد اختلف في الأخدود المذكور في الآية، ومن خدده وفي "صحيح مسلم"

(4)

من حديث صهيب أن عبد الله بن الثامر كان يختلف إلى راهب اسمه فيمنون

(5)

وأن ابن الثامر كان يبرئ الأكمة

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 553.

(2)

"تفسير الطبري" 12/ 524.

(3)

ذكره البغوي في "تفسيره" 8/ 383 وكذا فسره ابن هشام في "السيرة" 1/ 35.

(4)

مسلم (3005) كتاب الزهد والرقائق باب قصة أصحاب الأخدود.

(5)

ورد بهامش الأصل: مسلم لم يسم الغلام ولا الراهب، وفي خط الدمياطي اسمه كما ذكرته في الأصل، هذا، وصححت عليه وفي الأصل الذي نقلت منه تصحف.

ص: 518

والأبرص وسائر الأدواء، وأن الكافر لما قتله أمر الناس فخدَّ لهم الأخدود، وساقه ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما ومحله كتب التفسير

(1)

.

(ص)(فتنوا: عذبوا وأخرجوا) نظيره: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)} [الذاريات: 13].

(1)

انظر هذِه القصة في "سيرة ابن هشام" 1/ 30 - 35 وتفسير الطبري 12/ 524 - 525. و"تفسير عبد الرزاق" 2/ 294 - 295 و"تفسير البغوي" 8/ 383 - 385 و"الدر المنثور" 6/ 555 - 556.

ص: 519

(86) سورة الطَّارِقِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ذَاتِ الرَّجْعِ} : سَحَابٌ يَرْجِعُ بِالْمَطَرِ. {ذَاتِ الصَّدْعِ} : تَتَصَدَّعُ بِالنَبَاتِ.

هي مكية.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ذَاتِ الرَّجْعِ}: سَحَابٌ يَرْجِعُ بِالْمَطَرِ. {ذَاتِ الصَّدْعِ}: تصدّع بِالنَّبَاتِ) وأخرجه عبد بن حميد ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه بلفظ: السحاب تمطر ثم ترجع بالمطر، {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)} المأزم غير الأودية

(1)

وكذا أخرجه الطبري عنه

(2)

، وابن المنذر أيضًا، وقال ابن زيد {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)} شمسها وقمرها ونجومها يأتين من ههنا

(3)

، وممن قال: تتصدع بالنبات عن ابن عباس والحسن وعكرمة وغيرهم

(4)

.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 562.

(2)

"تفسير الطبري" 12/ 539، 540.

(3)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 539.

(4)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 539، 540 و"الدر المنثور" 6/ 561 - 562.

ص: 520

(87) سورة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ({قَدَّرَ فَهَدى} : قَدَّرَ الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَهَدى الأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا.

‌1 - باب

4941 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه -قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلَا يُقْرِئَانِنَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلَالٌ وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللهِ قَدْ جَاءَ. فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأْتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى:1] فِي سُوَرٍ مِثْلِهَا. [فتح: 8/ 699].

هي مكية.

ذكر فيه حديث البراء وقد سلف في باب: مقدمه عليه السلام المدينة

(1)

ويأتي في فضائل القرآن

(2)

وقرئ بعد {الْأَعْلَى} (سبحان ربي الأعلى).

(1)

سلف برقم (3924)(3925) كتاب مناقب الأنصار.

(2)

يأتي برقم (4995) كتاب: فضائل القرآن، باب: تأليف القرآن.

ص: 521

(88) سورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)}

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)} : النَّصارى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَيْنٍ آنِيَةٍ} : بَلَغَ إِنَاهَا وَحَانَ شُرْبُهَا. {حَمِيمٍ آنٍ} : بَلَغَ إِنَاهُ. {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} : شَتْمًا. الضَّرِيعُ: نَبْتٌ يُقَالَ لَهُ: الشِّبْرِقُ، يُسَمِّيهِ أَهْلُ الحِجَازِ الضَّرِيعَ إِذَا يَبِسَ، وَهْوَ سَمٌّ. {بِمُصَيْطِرٍ}: بِمُسَلَّطٍ، وَيُقْرَأُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ:{إِيَابَهُمْ} مَرْجِعَهُمْ.

هي مكية، وقال ابن عباس: إن الغاشية من أسماء يوم القيامة، وعن سعيد بن جبير هي غاشية النار

(1)

و (هل) بمعنى (قد) في جميع القرآن، قاله مقاتل.

(ص)(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)}: النَّصَارى) حكاه الثعلبي عنه من رواية أبي الضحى: هم الرهبان وأصحاب الصوامع، قال: وهو قول سعيد بن جبير وزيد بن أسلم، نعم في "تفسيره" رواية ابن أبي زياد الشامي من قال: إنهم الرهبان فقد كذب، وفي رواية الضحاك عنه: عاملة لغير الله، ناصبة في النار، ولا يغير عنها العذاب طرفة عين.

وعند الطبري عنه: يعمل وينصب في النار

(2)

.

(ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: [{عَيْنٍ آنِيَةٍ}]، بَلَغَ إِنَاهَا وَحَانَ شُرْبُهَا

(3)

(1)

رواهما الطبري 12/ 550 (37003، 37006).

(2)

رواه الطبري 12/ 550 (37009).

(3)

"تفسير مجاهد" 2/ 753.

ص: 522

{حَمِيمٍ آنٍ} بَلَغَ إِنَاهُ

(1)

أخرجه عبد، عن شبابة، عن ورقاء، عن أبي نجيح عنه.

(ص)(الضَّرِيعُ نَبْتٌ يُقَالَ لَهُ: الشُّبْرِقُ، يُسَمِّيهِ أَهْلُ الحِجَازِ الضَّرِيعَ إِذَا يَبِسَ، وَهْوَ سَمٌّ)

(2)

قول الفراء

(3)

وفيه أقوال أخر، قال عكرمة: هي شجرة ذات شوك رطبة بالأرض، فإذا كان الربيع سمتها قريش الشبرق، فإذا هاج البرد سموها الضريع

(4)

، وقيل: الحجارة

(5)

، وقيل: السُلّى، وقال قتادة: هو العشرق، وقيل: الزقوم

(6)

.

وقال أبو عبيدة: هو عند العرب الشبرق من الشجر

(7)

وهو الخل والخلة إذا كان رطبًا، وزعموا أن بحر المغرب يقذف كل سنة ورقًا لا ينتفع به وهو الضريع، وقيل: واد في جهنم، وقيل: من الضارع وهو الدليل، فإن قلت: قد قال تعالى: {وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)} قلت: هو من الضريع أو المعنى: ولا طعام ينتفع به.

(1)

الطبري 11/ 601 (33067).

(2)

ذكره الطبري وروى نحوه عن ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة 12/ 552 - 553 (37021 - 37027)، ورواه الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد، ورواه أيضًا عبد بن حميد عن مجاهد، وابن عباس كما عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 573.

(3)

"معاني القرآن" 3/ 257.

(4)

رواه عبد بن حميد، والطبري 12/ 552 (37024)، وابن أبي حاتم كما عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 573.

(5)

رواه الطبري عن سعيد بن جبير 12/ 553.

(6)

رواه عبد بن حميد، وابن أبي حاتم كما في "الدر" 6/ 573.

(7)

"مجاز القرآن" 2/ 296.

ص: 523

(ص)({لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)}: (شتمًا)

(1)

"

(2)

أخرجه ابن جرير عن مجاهد، وقال ابن عباس: أذى ولا باطلا

(3)

، وقد سلف كما رأيت، و {تَسْمَعُ} بالتاء والياء، قراءتان، وفي الأول الفتح والضم

(4)

.

(ص) ({بِمُصَيْطِرٍ} : بِمُسَلَّطٍ

(5)

، وَيُقْرَأُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ) قلت: هما في السبعة

(6)

، ويقرأ بالإشمام أيضًا، ومسيطر مأخوذ من السطر، لأن معنى السطر ألا يتجاوز. وأسنده أبو عبيد عن أبي بكر بن عياش، ثنا يحيى بن آدم، قلت لأبي بكر: كيف قرأ عاصم؟ قال: بالصاد وفسرها أبو بكر بمسلط. وقال ابن عباس: مختار.

وقال ابن زيد -فيما ذكره ابن جرير-: فتكرههم على الإيمان

(7)

، ثم نسخت بآية السيف، والذكرى باقية.

(1)

جاء في هامش الأصل: (شتم).

(2)

"تفسير مجاهد" 2/ 754.

(3)

رواهما الطبري 12/ 554 (37033، 37034).

(4)

قرأ ابن كثير، وأبو عمرو {تَسْمَعُ} يُسمَع بياء مضمومة ورفع {لَاغِيَةً} وحجتهم تذكير الفعل حملًا على المعنى لأن "لاغية"، و"لغوًا" سواء، وقرأ نافع وحده بالتاء المضمومة، وحجته كحجة من قرأ بالياء إلا أنه أنَّث لتأنيث {لَاغِيَةً} فلم يحملها على المعنى، وقرأ الباقون بفتح التاء ونصب {لَاغِيَةً} وحجتهم أنه بنى الفعل لما سُمِّي فاعله. انظر "الحجة للقراء السبعة" لأبي على الفارسي 6/ 399 - 400، "الكشف عن وجوه القراءات" 2/ 371.

(5)

"مجاز القرآن" 2/ 296.

(6)

قرأ هشام بالسين، وقرأ حمزة بميل الصاد إلى الزاي، وقرأ الباقون بالصاد أيدلوها من السين لإتيان الطاء بعدها ليعمل اللسان في الإطباق عملًا واحدًا انظر "الحجة" 6/ 401، و"الكشف عن وجوه القراءات" 2/ 372.

(7)

تفسير الطبري 12/ 557 (37050).

ص: 524

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {إِيَابَهُمْ}: مَرْجِعَهُمْ)

(1)

ذكره في "تفسيره" من رواية إسماعيل بن أبي زياد الشامي، ورواه جويبر عن الضحاك أيضًا عنه وقرئ شاذًّا بتشديد الياء

(2)

وخطأه الفراء

(3)

.

(1)

رواه ابن المنذر عن ابن عباس كما عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 576.

(2)

هي قراءة أُبي بن كعب، وعائشة، وعبد الرحمن، وأبي جعفر انظر:"زاد المسير" 9/ 101.

(3)

"معاني القرآن" 3/ 259.

ص: 525

(89) سورة وَالْفَجْرِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الوَتْرُ اللهُ. {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)} القَدِيمَةِ وَالْعِمَادُ: أَهْلُ عَمُودٍ لَا يُقِيمُونَ. {سَوْطَ عَذَابٍ} والذِي عُذِّبُوا بِهِ. {أَكْلًا لَمًّا} : السَّفُّ. وَ {جَمًّا} : الكَثِيرُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَهْوَ شَفْعٌ، السَّمَاءُ شَفْعٌ وَالْوَتْرُ اللهُ تبارك وتعالى. وَقَالَ غَيْرُهُ {سَوْطَ عَذَابٍ} كَلِمَةٌ تَقُولُهَا العَرَبُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ العَذَابِ يَدْخُلُ فِيهِ السَّوْطُ. {لَبِالْمِرْصَادِ}: إِلَيْهِ المَصِيرُ. {تَحَاضُّونَ} : تُحَافِظُونَ، وَيَحُضُّونَ يَأْمُرُونَ بِإِطْعَامِهِ. {الْمُطْمَئِنَّةُ}: المُصَدِّقَةُ بِالثَّوَابِ. وَقَالَ الحَسَنُ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ} إِذَا أَرَادَ اللهُ عز وجل قَبْضَهَا اطْمَأَنَتْ إلى اللهِ، وَاطْمَأَنَّ اللهُ إِلَيْهَا، وَرَضِيَتْ عَنِ اللهِ، وَرضي الله عنها، فَأَمَرَ بِقَبْضِ رُوحِهَا، وَأَدْخَلَهَا اللهُ الجَنَّةَ، وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. وَقَالَ غَيْرُهُ:{جَابُوا} نَقَبُوا مِنْ جِيبَ القَمِيصُ: قُطِعَ لَهُ جَيْبٌ. يَجُوبُ الفَلَاةَ: يَقْطَعُهَا {لِّمَا} لَمَمْتُهُ أَجْمَعَ أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِ.

مكية وقيل: مدنية حكاه ابن النقيب عن علي بن أبي طلحة.

(ص)(وقال مجاهد: الوتر: الله) أخرجه ابن أبي حاتم عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عنه: الشفع: الزوج، والوتر: الله.

وذكر بعده -أعني البخاري- كل شيء خلقه فهو شفع، السماء شفع

ص: 526

والوتر الله

(1)

، وفيها أقوال أخر، قيل: يوم النحر ويوم عرفة

(2)

، وقيل: الصفا والمروة والبيت وقيل: القرآن والأفراد وقيل: الصلاة

(3)

، وفيه حديث في الترمذي غريب عن عمران

(4)

وقيل: العدد، وقيل: الله مع خلقه، وقيل: الشفع آدم وحواء. وقيل: الشفع التعجيل من منى، والوتر من تأخر، وزيّفه الطبري. وقيل: المغرب فيها شفع ووتر، والوتر بفتح الواو وكسرها قراءتان

(5)

.

(ص)({إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)} القَدِيمَةِ، وَالْعِمَادُ أَهْلُ عَمُودٍ لَا يُقِيمُونَ) أخرجه ابن جرير عن مجاهد

(6)

.

ومعنى لا يقيمون: ينتجعون لطلب الكلأ، وهي قبيلة، وهي عاد الأولى، وكانوا بادية أهل عمد، وقيل: هي مدينة، فقيل: بناها إرم في بعض صحارى عدن في ثلاثمائة سنة صفة الجنة وقيل: مدينة دمشق، يقال: وجد منها أربعمائة ألف عمود وبانيها جيرون بن سعيد وقيل: دمشقش غلام نمروذ الجبار، وفيه نظر، وقال مجاهد: إرم: أمة

(7)

.

(1)

الطبري 12/ 562 (37087) ورواه الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد كما عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 581.

(2)

الطبري 12/ 561 (37084). ورواه البيهقي في "الشعب" عن ابن عباس 3/ 353. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3178).

(3)

"تفسير الطبري" 12/ 563 (37094 - 37100) وهو عن قتادة، والربيع بن أنس، وعمران بن حصين.

(4)

"جامع الترمذي"(3342) من حديث عمران بن حصين، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث قتادة.

(5)

قرأ حمزة والكسائي بالكسر وهي لغة بني تميم، وقرأ الباقون بالفتح وهي لغة الحجاز، انظر:"الحجة" 6/ 402، و"الكشف" 2/ 372، و"أدب الكاتب" ص 424.

(6)

"تفسير الطبري" 12/ 566 (37127).

(7)

المصدر السابق.

ص: 527

وقال ابن إسحاق: عاد بن إرم بن غوص بن سام بن نوح، وقال ابن إسحاق: إرم هالك، وقال مرة: كانوا طوالا مثل العماد، طول أحدهم مائة ذراع، وأقصرهم اثنا عشر ذراعًا، وصوب الطبري أن إرم اسم قبيلة من عاد، وقيل: هو أبو عاد، وقيل: العماد البستان الطويل

(1)

وذكر الداودي أن العماد هي التي تدخل في البناء وهي السواري.

(ص)({سَوْطَ عَذَابٍ} الذِي عُذِّبُوا بِهِ)

(2)

قلت: وهو على الاستعارة لأن السوط عندهم شأنه العذاب فجرى ذلك لكل عذاب، قال قتادة: يعني لونًا من العذاب صبه عليهم، وقال ابن زيد -فيما حكاه ابن جرير-: العذاب الذي عذبهم به سماه سوط عذاب

(3)

، ولعل هذا هو المراد بقوله، وقال غيره: حيث ذكره بعد وكرره وزاد يدخل فيه السوط.

(ص)({أَكْلًا لَمًّا} السَّفُّ. وَ {جَمًّا} الكَثِيرُ) قلت وقال بعد: لما لممته أجمع أتيت على آخره، والأول قول مجاهد والثاني قول ابن عباس

(4)

، قال ابن عباس:{لمَّا} : شديد حكاه ابن جرير

(5)

، وعبارة أبي عبيدة: لممت ما على الخوان إذا أتيت ما عليه وأكلته كله أجمع من قولك: لممت الشيء إذا جمعته

(6)

.

(1)

"تفسير الطبري" 12/ 567.

(2)

المصدر السابق 12/ 572.

(3)

"تفسير الطبري" 12/ 572.

(4)

رواهما الطبري عن مجاهد 12/ 574 (37172)، (37180).

(5)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 574 - 575.

(6)

قال أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 2/ 298: {أَكْلًا لَمًّا} تقول: لممته أجمع أي: أتيت على آخره.

ص: 528

قال أبو زيد: وسففت الدواء أسفه سفًّا وسففت الماء إذا أكثرت من شربه من غير أن تروى. قال الحسن: يأكل نصيبه ونصيب غيره

(1)

. لا يسأل عن وجهه، والجم: الكثير كما ذكر يقال: جم الماء في الحوض إذا كثر واجتمع.

(ص)({لَبِالْمِرْصَادِ}: إِلَيْهِ المَصِيرُ) أي: فلا محيص عنه، وقال ابن عباس بحيث يرى ويسمع

(2)

.

(ص)({تَحَاضُّونَ}: تُحَافِظُونَ، ويحُضُّونَ يَأْمُرُونَ بِإِطْعَامِهِ) قلت: وهما قراءتان في السبعة، والثاني: بالتاء والياء، وعن الكسائي ضم التاء فى الأول

(3)

.

(ص)({الْمُطْمَئِنَّةُ}: المُصدِّقَةُ بِالثَّوَابِ) أي: الموعود، وقال الحسن: إذا أراد الله قبضها أطمأنت إلى الله واطمأن الله إليها، ورضيت عن الله ورضى الله عنها فأمر بقبض روحها، وأدخله الله الجنة وجعله من عباده الصالحين. أخرجه ابن أبي حاتم من حديث حفص عنه

(4)

.

(ص)(وَقَالَ غَيْرُهُ {جَابُوا} نَقَبُوا جبت القَمِيصَ: قَطَعْتُ لَهُ جيبًا. يَجُوبُ الفَلَاةَ: يَقْطَعُهَا) أراد بغيره -والله أعلم- قتادة، رواه عبد بن حميد عن يونس، عن شيبان، عنه أي: نحتوا الصخر، وقال مجاهد: خرقوا الجبال فجعلوا فيها بيوتًا

(5)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 574.

(2)

رواه الطبري فى "تفسيره" 12/ 572.

(3)

انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 410، "زاد المسير" 9/ 120.

(4)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 589 - 590.

(5)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 569.

ص: 529

(90) سورة {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1)}

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بِهَذَا الْبَلَدِ} مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ. {وَوَالِدٍ} آدَمَ {وَمَا وَلَدَ} . {لِبَدًا} كَثِيرًا. وَ {النَّجْدَيْنِ} : الخَيْرُ وَالشَّرُّ. {مَسْغَبَةٍ} : مَجَاعَةٍ {مَتْرَبَةٍ} : السَّاقِطُ فِي التُّرَاب. يُقَالُ: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)} فَلَمْ يَقْتَحِمِ العَقَبَةَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ فَسَّرَ العَقَبَةَ فَقَالَ:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)}

هي مكية، قيل: لا أقسم به إذا لم تكن فيه بعد خروجك، حكاه مكي

(1)

، وقيل:(لا) زائدة أي: أقسم به وأنت به يا محمد.

(وقال مجاهد: {بِهَذَا الْبَلَدِ} مكة ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم)، أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بإسنادهما إليه

(2)

.

وقال ابن عباس: أحل له يوم دخلها القتل والاستحياء. قال ابن زيد: لم يكن يومئذ بها حلاًّ غيره لم يحل القتل فيها ولا استحلال حرمه

(3)

.

وقال الواسطي: المراد المدينة، حكاه في "الشفا" والأول أصح لأن السورة مكية

(4)

.

(1)

ذكره القاضي في "الشفا" 1/ 33.

(2)

"تفسير الطبري" 12/ 585 وانظر "الدر المنثور" 6/ 592 بنحوه وعزاه لابن أبي حاتم.

(3)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 585 - 586.

(4)

"الشفا" للقاضي عياض 1/ 33.

ص: 530

(ص)({وَوَالِدٍ}: آدَمَ. {وَمَا وَلَدَ}) أخرجه الطبري عن مجاهد أيضًا

(1)

، قيل: وما ولد من الصالحين وقيل: إبراهيم وذريته المسلمين

(2)

.

(ص) وعن ابن عباس: الوالد الذي يولد له، وصوبه الطبري

(3)

وما ولد الكافر.

(ص)({لِبَدًا}: كَثِيرًا) أخرجه الطبري عن مجاهد

(4)

أيضًا بعضه على بعض وهو من التلبد، وقرئ بتشديد الباء وتخفيفها

(5)

.

(ص)(وَ {النَّجْدَيْنِ}: الخَيْرُ وَالشَّرّ) أخرجه الطبري عن ابن مسعود

(6)

وقيل: هما الثَديان

(7)

.

(ص)({مَسْغَبَةٍ}: مَجَاعَةٍ) وقيل: هما لغة: الطريق المرتفع، قلت: وقرأ الحسن: ذا مسغبة

(8)

.

(ص)({مَتْرَبَةٍ}: السَّاقِطُ فِي التُّرَابِ) أي: لصق به من الفقر فليس له مأوى غيره، وقال بعض أهل الطريق أنه من التربة، وهي شدة الحال.

(ص)({فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)}: فَلَمْ يَقْتَحِمِ العَقَبَةَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ فَسَّرَ العَقَبَةَ فَقَالَ:{وَمَا أَدْرَاكَ} ) إلى آخره قلت: وهو أدنى الأعمال الصالحة؛ لما فيها من المشقة، ومجاهدة النفس والشيطان.

(1)

"تفسير الطبري" 12/ 586.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 587 عن أبي عمران الجوني.

(3)

"تفسير الطبري" 12/ 586 - 587 وفيه أثر ابن عباس.

(4)

"تفسير الطبري" 12/ 589.

(5)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 590 وقال: وقرأه أبو جعفر بتشديدها.

(6)

تفسير الطبري" 12/ 590.

(7)

أخرجه الطبري 12/ 592 عن ابن عباس.

(8)

عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 597 لعبد بن حميد.

ص: 531

والاقتحام: الرمي، وقيل: هي عقبة الدار، وقيل: بين الجنة والنار نزلت في الحارث بن عمر بن نوفل بن عبد مناف كما قاله مقاتل، وقال ابن عباس في "تفسيره" هو النضر بن الحارث بن كلدة، وقال الزجاج: في رجل كان شديدًا جدًا، وكان يبسط له الأدم العكاظي فيقوم عليه فلا يجر من تحت رجليه إلا قطعًا من شدته، وكان يقال له: كلدة، وكان لا يؤمن بالبعث، ولا يقدر عليه أحد.

ص: 532

(91) سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ضُحَاهَا} : ضَوؤُها. {طَحَاهَا} : دَحَاهَا. {بِطَغْوَاهَا} : بِمَعَاصِيهَا. {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} : عُقْبَى أَحَدٍ.

‌1 - باب

4942 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَمْعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِى عَقَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)} [الشمس: 12] انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ» . وَذَكَرَ النِّسَاءَ فَقَالَ «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ يَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ» . ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ وَقَالَ: «لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ؟» . وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ» . [انظر: 3377 - مسلم: 2855 - فتح: 8/ 705]

هي مكية.

(ص)(وقال مجاهد: {بِطَغْوَاهَا}: بمعاصيها، {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} عقبى أحد) هذا أخرجه عبد بن حميد عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عنه: لا يخاف عقبى أحد، وقال الحسن: لا يخاف ربًّا يبعثهم بما صنع بهم، قال ابن أبي داود في "المصاحف": أهل المدينة يقرءونها بالفاء

(1)

.

(1)

"المصاحف" لابن أبي داود ص 50.

ص: 533

ثم ساق البخاري حديث وُهَيْبٍ، ثنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَمْعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي عَقَرَها، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)} انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ". وَذَكَرَ النِّسَاءَ فَقَالَ: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ولَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ". ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ وَقَالَ: "لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكمْ مِمَّا يَفْعَلُ؟! ". وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ: قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم: "مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ في قومه عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ".

الشرح:

هذا الحديث أخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء والأدب

(1)

والنكاح

(2)

وأخرجه مسلم، والترمذي والنسائي وابن ماجه

(3)

، والتعليق أخرجه أبو القاسم في "معجم الصحابة" عن سريج بن يونس ثنا أبو معاوية به

(4)

.

وأبو زمعة اسمه الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، جد راوي الحديث عبد الله بن زمعة بن الأسود، وأمه فهيرة بنت قيس -راكب البريد- بن عبد مناف بن زهرة، وقتل زمعة يوم بدر كافرًا، وكان يقال للأسود -وهو أحد المستهزئين-: مسلمة بن مسلم بن مسلم لإصلاحهم بين المتفاسدين والمتهاجرين من قريش.

(1)

سيأتي برقم (6042) كتاب الأدب، باب: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا} .

(2)

سياتي برقم (5204) كتاب: النكاح، باب: ما يكره من ضرب النساء.

(3)

الترمذي (3343) وقال: حسن صحيح، النسائي في "الكبرى" 5/ 371 (9166)، ابن ماجه (1983).

(4)

"معجم الصحابة" للبغوي 3/ 537 (1529).

ص: 534

قال الزبير: إن جبريل رمى في وجهه بورقة فعمي، وكان من كبراء قريش وأشرافها ولما حدث عروة بحديث ابن زمعة وأبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن أبي زمعة الأسود بن المطلب جالس فكأنه وجد معها فقال: يا ابن أخي والله ما حدثنيها إلا أبوك عبد الله -يفخر بها- وقوله: ("عم الزبير بن العوام") إنما هو ابن عم أبيه العوام بن خويلد بن أسد، وأبو زمعة الأسود بن المطلب بن أسد كما سلف وقوله -أعني: زمعة- أحد أزواد الراكب، فكان يقال لجدهم أسد: مسلم كما سلف، وقتل يزيد صبرًا يوم الحرة وأخوه كثير في القتال ابنا عبد الله بن زمعة وأخوهما أبو عبيدة بن عبد الله

(1)

كان شريفًا جوادًا مطعامًا ممدحًا كثير الضيفان، وبنته هند ولدت موسى بن عبد الله المحصر بن الحسن بن الحسن بن علي وهي بنت ستين سنة، وكانت شريفة ذات قدر، وعبد الله بن وهب بن زمعة قتل يوم الدار،

وأسلم أبوه يوم الفتح وله رواية، وابنه يزيد بن عبد الله بن وهب قتل بإفريقية وهبار بن الأسود الذي عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم يوم الفتح

(2)

وحسن إسلامه.

وادعى ابن العربي: في الصحابة أن أبا زمعة هذا اسمه عبيد البلوي

(3)

، ويحتمل أن يكون المذكور هنا، قال القرطبي: يحتمل أن يكون البلوي المبايع تحت الشجرة، وتوفي بإفريقية في غزوة ابن حديج، ودفن بالبلوية بالقيروان قال: فإن كان هو فإنه إنما شبهه بعاقر الناقة في أنه عزيز في قومه، ومنيع على من يريده من الكفار،

(1)

انظر: "الاستيعاب" 3/ 45.

(2)

ورد بهامش الأصل: في "سيرة أبي الفتح اليعمري": بعد الفتح.

(3)

"عارضة الأحوذي" 12/ 244 قال: واسمه عبيد بلوي.

ص: 535

قال: ويحتمل أن يريد غيره ممن يسمى بأبي زمعة من الكفار

(1)

. قلت: ومن كان عمه عم الزبير لا يتحرَّص فيه ببلوى ولا غيره.

وعاقر الناقة هو قدار بن سالف، وأمه قُديرة، وهو أحمر ثمود الذي يضرب به المثل في الشؤم

(2)

.

قال ابن قتيبة: وكان أحمر أشقر أزرق سناطا قصيرًا

(3)

، وذُكر أنه ولد زنا ولد على فراش سالف، وقيل: شركه في قتلها مصدع. والعارم بالعين المهملة والراء: الجبار الصعب الشر المفسد الخبيث، عرم مثلث الراء عرامة بفتح العين.

(1)

"المفهم" 7/ 429.

(2)

ورد بهامش الأصل: الذي أستحضره أن الذي ضرب به المثل في الشؤم طويس، ولعل مراد شيخنا في الأمم السالفة، وأما طويس فمن هذِه الأمة.

(3)

"المعارف" لابن قتيبة ص 29.

ص: 536

(92) سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {بِالْحُسْنَى} : بِالْخَلَفِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَرَدَّى} مَاتَ. وَ {تَلَظَّى} تَوَهَّجُ وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ تَتَلَظَّى.

‌1 - باب {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)} [الليل: 2]

4943 -

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ دَخَلْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ الشَّأْمَ فَسَمِعَ بِنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَأَتَانَا فَقَالَ: أَفِيكُمْ مَنْ يَقْرَأ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَأَيُّكُمْ أَقْرَأُ؟ فَأَشَارُوا إِلَيَّ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَرَأْتُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)} [الليل: 1 - 3]. قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا مِنْ فِي صَاحِبِك؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُهَا مِنْ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَؤُلَاءِ يَأْبَوْنَ عَلَيْنَا. [انظر: 3287 - مسلم: 824 - فتح: 8/ 706]

هي مكية، وقال ابن عباس: نزلت في الصديق حين أعتق بلالًا، وفي أبي سفيان أي: فإنه بخل

(1)

وحكاه ابن إسحاق أيضًا، وقال عكرمة وعبد الرحمن بن زيد: مدنية في رجل من الأنصار ابن الدحداح

(2)

ويقال: سمعه وأم سمرة في قصة طويلة.

(ص)(قال ابن عباس بالحسنى: بالخلف) هذا أخرجه ابن أبي حاتم من حديث عكرمة عنه

(3)

.

(1)

عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 605 لعبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح "تاريخ دمشق" 30/ 70.

(2)

أخرجه الواحدي في "أسباب النزول" عن عكرمة عن ابن عباس ص 477.

(3)

عزاه السيوطي في "الدر" 6/ 605 لابن أبي حاتم.

ص: 537

قال مجاهد: بالجنة

(1)

، وقال ابن عباس: بلا إله إلا الله

(2)

والأول أشبه؛ لأن الله وعد الخلف للمعطي

(3)

.

(ص)(وقال مجاهد: تردى: مات) أخرجه ابن جرير من حديث ليث عنه، وقال أبو صالح: في جهنم وصوبه الطبري

(4)

.

(ص)(وتلظى: توهج) أخرجه أيضًا من حديث ابن أبي نجيح عنه

(5)

.

(ص)(وقرأ عبيد بن عمير تتلظى) كذا وقع في تفسير سعيد فيما رواه عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عنه

(6)

والمعروف عنه فيما رواه غيره عن ابن عيينة تّلظَّى بتثقيل التاء وأصله تتلظى فأسكنت الأولى منهما وأدغمت في الثانية وصلا فقط، وبه قرأ ابن كثير في رواية التستري وابن فليح.

ثم ساق البخاري حديث علقمة عن عبد الله في قراءة. {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} وقد سلف في مناقب عبد الله

(7)

وعمار

(8)

وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي

(9)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 613 (37450).

(2)

السابق (37451).

(3)

يشير المصنف -والله أعلم- إلى حديث: "ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا

" الحديث وقد سلف برقم (1442). كتاب: الزكاة، باب: قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)} .

(4)

الطبري 12/ 617 - 618 (37480 - 37482).

(5)

الطبري 12/ 618 (37486).

(6)

"الدر المنثور" 6/ 606 عن سعيد بن منصور.

(7)

سلف برقم (3761) كتاب فضائل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، باب: مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(8)

سلف برقم (3742) كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما.

(9)

الترمذي برقم (2939) وقال: حسن صحيح، النسائي في الكبرى 5/ 81 (8299).

ص: 538

‌2 - [باب] قوله: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)} [الليل: 3]

4944 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَطَلَبَهُمْ فَوَجَدَهُمْ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: كُلُّنَا. قَالَ: فَأَيُّكُمْ يَحْفَظ؟ وَأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ. قَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} [الليل: 1]. قَالَ عَلْقَمَةُ: {وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} [الليل: 3]. قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ هَكَذَا، وَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونِي عَلَى أَنْ أَقْرَأَ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] وَاللهِ لَا أُتَابِعُهُمْ. [انظر: 3287 - فتح: 8/ 707]

ثم ساقه أيضا وزاد أن أصحاب عبد الله قدموا على أبي الدرادء فقال: أَيُّكُمْ يَقْرَأُ على قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ؟ قالوا: كُلُّنَا. قَالَ: فَأَيُّكُمْ يَحْفَظُ؟ فأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ. فذكره وهؤلاء يُرِيدُونِي أَنْ أَقْرَأَ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)} [الليل: 3] والله لَا أُتَابِعُهُمْ.

قلت: وهي قراءة علي وابن عباس أيضا.

(والذكرِ) بالخفض قال المازرى: يجب أن تعتقد في هذا وما في معناه النسخَ، ولعله وقع من بعضهم قبل أن يبلغ مصحف عثمان المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ، فأما بعد ظهوره فلا مخالف

(1)

.

قلت: ويؤيده أن ذلك لم يذكره ابن أبي داود في "المصاحف" ولا ابن أشته، ولعله لم يبلغ أبا الدرداء فغيره، وقد خالفه الجماعة.

(1)

"المعلم بفوائد مسلم" 1/ 230.

ص: 539

وقوله: (أيكم أحفظ؟) فأشاروا إلى علقمة. وهو أجل أصحابه، وأحفظهم على الأكثر، وكالن من أصحابه أيضًا الأسود وعبيدة والحارث وأبو ميسرة وشريح أدركوا الجاهلية، وأسلم بعضهم في حياته عليه السلام، ولم يروه، وصحبوا عليًّا أيضًا، نعم صحبتهم لعبد الله أكثر، وقالت عائشة: أجل أصحابه الأسود بن يزيد وقيل: أبو ميسرة.

ص: 540

‌3 - [باب قَوْلُهُ:]{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)} [الليل: 5]

4945

- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه -قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فِي جَنَازَةٍ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ» . فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» . ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} إِلَى قَوْلِهِ: {لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 - 10]. [انظر: 1362 - مسلم: 2647 - فتح: 8/ 708]

ذكر فيه حديث الأَعْمَش عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه -قَالَ: كُنَّا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ فِي جَنَازَةٍ، فَقَالَ:"مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ". الحديث سلف في الجنائز في باب موعظة: المحدث عند القبر، من حديث منصور، عن سعد بن عبيدة. وفيه: من الطُرف رواية ثلاثة تابعيين بعضهم عن بعض؛ الأعمش فمن بعده.

واسم أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن ربيعة وأخرجه أيضًا في القدر

(1)

والأدب

(2)

والتوحيد

(3)

، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي

(4)

.

والبقيع بالباء الموحدة مدفن المدنية.

(1)

سيأتي برقم (6605) كتاب القدر، بابٌ:{وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} .

(2)

سيأتي برقم (6217) كتاب الأدب، باب: الرجل ينكت الشيء بيده في الأرض.

(3)

سيأتي برقم (7552) كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} .

(4)

الترمذي (2136) والنسائي في "الكبرى" 6/ 517 (11679)، وقال الترمذي: حسن صحيح.

ص: 541

‌4 - [باب] قوله: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} [الليل: 6]

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَليٍّ رضي الله عنه -قَالَ: كُنَّا قعُودًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الَحدِيثَ. [فتح: 8/ 708]

ساقه أيضًا بنحوه.

ص: 542

‌5 - [باب]{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} [الليل: 7]

4946 -

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ فَقَالَ:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نَتَّكِل؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} الآيَةَ [الليل: 5 - 6]. قَالَ شُعْبَةُ: وَحَدَّثَنِي بِهِ مَنْصُورٌ فَلَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ.

ص: 543

‌6 - [باب] قَوْلِهِ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)} [الليل: 8]

4947 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام -قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ» . فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نَتَّكِل؟ قَالَ:«لَا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» . ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} إِلَى قَوْلِهِ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} [الليل: 5 - 10]. [انظر: 1362 - مسلم: 2647 - فتح: 8/ 708]

ثم ساقه أيضًا من حديث وكيع عن الأعمش.

ص: 544

‌7 - [باب قَوْلِهِ]: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)} [الليل: 9]

4948

- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه -قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً» . قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ، عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ. قَالَ:«أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ» . ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} الآيَةَ [الليل: 5 - 6]. [انظر: 1362 - مسلم: 2647 - فتح: 8/ 709].

ثم ساقه من حديث جرير عن منصور، عن سعد بن عبيدة، وهذا ساقه في الجنائز. والمخصرة بكسر الميم سلفت هناك، قال أبو عبيد: هي ما اختصره الإنسان بيده من عصا وعكازة وغيرهما

(1)

قال: القتبي: الخصر إمساك القضيب باليد، وكانت الملوك تتخصر بقضبان تشير بها، وتصل بها كلامها، قال الشاعر:

إذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر

وقوله: ("ما من نفس منفوسة") أي: مولودة، يقال: نفست المرأة بالفتح والكسر.

(1)

"غريب الحديث" لابن سلام 1/ 185.

ص: 545

وفيه: شهود الشارع الجنائز، وتعليم العلم عند ذلك، وثبوت القدر، وأن أعمال (الأعمال)

(1)

كتبت وفرغ منها، وأن تذكيره عليه السلام كان في أمر الآخرة.

وقوله: (وجعل ينكت بمخصرته) أي: ينكت الأرض فيؤثر فيها بالمخصرة. وقال الداودي: معنى ينكت يلقي رأسه في الأرض ويتابع ذلك.

(1)

كذا في الأصل، ولعله أراد العباد.

ص: 546

‌8 - [باب]{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} [الليل: 10]

4949 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ فَقَالَ:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ:«اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ» . ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} الآيَةَ [الليل: 5 - 6]. [انظر: 1362 - مسلم: 3647 - فتح: 8/ 709]

ساق فيه حديث شعبة عن الأعمش به أيضًا.

ص: 547

(93) سورة وَالضُّحَى

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِذَا سَجَى} اسْتَوى. وَقَالَ غَيْرُهُ أَظْلَمَ وَسَكَنَ. {عَائِلًا} ذُو عِيَالٍ.

‌1 - باب {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} [الضحى: 3]

4950 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ رضي الله عنه -قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} [الضحى: 1 - 3]. [انظر: 1124 - مسلم: 1797 - فتح: 8/ 710]

هي مكية، قال قتادة: الضحى: ساعة من نهار

(1)

وقال الفراء: النهار كله

(2)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِذَا سَجَى} اسْتَوى. وَقَال غَيْرُهُ أَظْلَمَ وَسَكَنَ) أخرجه ابن أبي حاتم عن حجاج، عن حمزة، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد

(3)

، وما ذكره عن غيره حكي، عن ابن عباس:{سجى} : أظلم، وقال عكرمة: سكن، وعند ابن جرير عن ابن عباس:{سجى} : ذهب، وقال الحسن: جاء، وعنه استقر وسكن، وصوب الطبري قول من قال: سكن

(4)

قال

(1)

عبد الرزاق 2/ 308 (3638)، الطبري 12/ 621 (37492).

(2)

"معاني القرآن" 3/ 273.

(3)

عزاه السيوطي في "الدر" لابن أبي حاتم 6/ 609.

(4)

الطبري 12/ 622.

ص: 548

الضحاك: وغطى كل شيء

(1)

.

(ص)({عَائِلًا}: ذا عِيَالٍ) هو قول الأخفش، دليله قوله:"وابدأ بمن تعول" وفيه أقوال أخر، منها فقيرًا، قال ابن عُزير

(2)

وأما من قال: لا تعولوا لئلا تكثر عيالكم، فغير معروف في اللغة.

ثم ساق حديث الأسود بن قيس قال: سمعت جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث فأنزل الله تعالى:{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} وذكره في أول فضائل القرآن

(3)

أيضًا، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي

(4)

.

(1)

البغوي في "تفسيره" 8/ 454.

(2)

هو الإمام أبو بكر محمد بن عُزير السجستاني المفسر، مصنف "غريب القرآن" توفي سنة 330 هـ وقد اختلف في ضبطه بزايين أو بزاي وراء فقال ابن النجار وغيره: هو بزاي وراء. وقال الدارقطني وابن حجر وغيرهما: أنه بزايين وقد أثبته الذهبي في ترجمته بزاي وراء انظر "سير أعلام النبلاء" 15/ 216 - 217. قلت: وقد أثبتنا ما ضبطه في الأصل أنه بزاي وراء.

(3)

سيأتي برقم (4983) باب كيف نزل الوحي.

(4)

مسلم (1797)، والترمذي (3345) والنسائي في "الكبرى" 6/ 517 (11681).

ص: 549

‌2 - [باب] قَوْلُهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} [الضحى:3]

تُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مَا تَرَكَكَ رَبُّكَ.

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَكَ وَمَا أَبْغَضَكَ.

4951 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا الْبَجَلِيَّ، قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أُرَى صَاحِبَكَ إِلاَّ أَبْطَأَكَ. فَنَزَلَتْ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)}. [انظر: 1124 - مسلم: 1797 - فتح: 8/ 711]

ثم ساقه أيضًا قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أرى صَاحِبَكَ إِلَّا أَبْطَأَ عنك. فَنَزَلَتْ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} . وهذا الحديث سلف في الصلاة في باب ترك القيام للمريض، وفي لفظ: أبطأ جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد ودع محمد

(1)

، وروي من حديث خولة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سبب نزولها موت جرو تحت السرير

(2)

، وجاء:"أما علمت أنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة"

(3)

. وقد سلف من طريق الحاكم من حديث زيد بن أرقم أن قائل ذلك امرأة أبي لهب

(4)

.

(1)

اللفظ لمسلم (1798) كتاب الجهاد، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.

(2)

الطبراني في "الكبير" 24/ 249.

(3)

سلف برقم (3227) كتاب بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم: أمين، والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه.

(4)

"المستدرك" 2/ 526 - 527 ثم قال: حديث صحيح كما حدثناه هذا الشيخ إلا أني وجدت له علة. قال الذهبي في "التلخيص" بهامش "المستدرك" 2/ 527: =

ص: 550

وعند مقاتل: لما أبطأ الوحي قال المسلمون: يا رسول الله مكث عليك الوحي، فقال:"كيف ينزل عليَّ وأنتم لا تنقون براجمكم ولا تقلمون أظفاركم".

واختلف في المدة التي احتبس لها جبريل، فذكر ابن جريج أنها كانت اثني عشر يومًا، وقال ابن عباس: خمسة عشر يومًا، وفي رواية: كانت خمسة وعشرين يومًا. وقال مقاتل: أربعين يومًا

(1)

. ويقال: ثلاثة أيام

(2)

.

وفي "تفسير ابن عباس": لما أبطأ الوحي قال كعب بن الأشرف: قد أطفأ الله نور محمد، ولم يتم نوره، وانقطع الوحي عنه. فقال أهل مكة: صدق، فنزل جبريل بعد أربعين يومًا فقال:"ما أبطأك عليّ يا جبريل؟ فقال: كيف ننزل عليكم وأنتم لا تغسلون براجمكم ولا تستاكون ولا تستنجون بالماء".

وفي "تفسير عبد بن حميد" عن علي بن عبد الله بن عباس

(3)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أريت ما هو مفتوح على أمتي من بعدي كَفْرًا كَفْرًا، فسرني، فنزلت الضحى إلى قوله: {فترضى} "

(4)

.

= قال الحاكم: إسناده صحيح كما أنبأناه هذا الشيخ: إلا أني وجدت له علة أخبرناه أبو عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهران ثنا عبيد الله فقال: فيه بدل زيد بن أرقم (يزيد بن يزيد) والباقي سواء.

(1)

"تفسير البغوي" 8/ 453.

(2)

ورد بهامش الأصل: روى البخاري هنا أنه ترك القيام ليلتين أو ثلاثة، وفي فضائل القرآن: ليلة أو ليلتين، وفيه إشعار أن ذلك مدة انقطاع الوحي. والله أعلم.

(3)

ورد بهامش الأصل: هذا معضل فاعلمه.

(4)

"الدر المنثور" 6/ 610. وفيه: عن ابن عباس مرفوعًا، ورواه الطبري 12/ 624 (37513) من طريق علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه.

ص: 551

وقوله: {مَا وَدَّعَكَ} يقرأ بالتشديد والتخفيف بمعنى، خالف فيه أبو عبيدة فقال: التشديد من التوديع، والتخفيف ودع يدع

(1)

أي: سكن، والأول عليه جماعة القراء، والثاني قراءة ابن أبي عبلة، وهو شاذ

(2)

.

وقوله: (لم أره قرِبك) قال ابن التين: هو بكسر الراء، يقال: قربه يقربه إذا كان متعديًا، مثل:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 43] وأما قَرُبَ من الشيء يقرب فهو لازم.

(1)

"مجاز القرآن" 2/ 302 بلفظ {مَا وَدَّعَكَ} من التوديع و (ما ودعك) مخففة من ودعت تدعه.

(2)

"مختصر شواذ القرآن" لابن خالويه 175، "المحتسب" لابن جني 2/ 418 وهي قراءة عمر بن الخطاب وأنس وعروة وأبي العالية وابن يعمر وابن أبي عبلة وأبي حاتم عن يعقوب. انظر "زاد المسير" 9/ 157.

ص: 552

(94) سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ}

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وِزْرَكَ} فِي الجَاهِلِيَّةِ. {أَنْقَضَ} : أَثْقَلَ. {مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} قَالَ ابن عُيَيْنَةَ: أَيْ مَعَ ذَلِكَ العُسْرِ يُسْرًا آخَرَ، كَقَوْلِهِ:{هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} ، وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{فَانْصَبْ} فِي حَاجَتِكَ إلى رَبِّكَ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابن عَبَّاسٍ: {أَلَمْ نَشْرَحْ} : شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ.

هي مكية.

(ص)(وقال مجاهد: {وِزْرَكَ} أي: في الجاهلية) أخرجه ابن جرير عن محمد بن عمرو ثنا أبو عاصم، ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح قال: وفي قراءة عبد الله فيما ذكر (وحللنا عنك وقرك)

(1)

.

(ص)({أَنْقَضَ}: أَثْقَلَ) أخرجه ابن جرير عن قتادة

(2)

قيل: أثقله حتى جعله نقضًا والنقض البعير الذي أتعبه السفر والعمل فنقض لحمه، يقال: جنبك نقض وانتقض ظهرك حتى تسمع نقيضه أي: صوته وهذا مثل.

(ص)({مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} قَالَ ابن عُيَيْنَةَ: أَيْ مَعَ ذَلِكَ العُسْرِ يُسْرًا، أو كَقَوْلِهِ {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}، وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ) هو في تفسير سفيان كذلك.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 626.

(2)

السابق بنحوه.

ص: 553

قال القاضي أبو الوليد: هذا يعني أن اليسرين عنده الظفر بالمراد والأجر، فالعسر لا يغلب هذين اليسرين، لأنه لابد أن يحصل للمؤمن أحدهما وهذا عندي وجه ظاهر

(1)

، وقيل: لما عرف العسر اقتضى استغراق الجنس، فكان الأول هو الثاني، ولما كان اليسر منكرًا كان الأول منه غير الثاني.

وقد روي مرفوعًا "لن يغلب عسر يسرين"

(2)

والمعنى على هذا كله أن مع العسر يسرين، وقد روي في "الموطأ": أن عمر كتب إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل يسوؤه فيجعل الله بعده فرجًا، ولن يغلب عسر يسرين

(3)

.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَانْصَبْ} فِي حَاجَتِكَ إلى رَبِّكَ) أخرجه ابن جرير عن محمد بن عمرو ثنا أبو عاصم ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح، عنه بلفظ: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك إلى ربك.

وقال ابن عباس: فانصب يقول: في الدعاء

(4)

، وفي رواية: إذا فرغت مما فرض الله عليك من الصلاة فاسأل الله وارغب إليه وانصب له.

وقال الضحاك: يقول: إذا فرغت من المكتوبة قبل أن تسلم فانصب، وقال قتادة: أمره إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في فى دعائه، وقال الحسن: إذا فرغت من جهاد عدوك اجتهد في الدعاء.

وقال زيد بن أسلم: إذا فرغت من جهاد العرب وانقطع جهادهم

(1)

"المنتقى" 3/ 165.

(2)

"المستدرك" 2/ 528 عن الحسن. قال الذهبي في "التلخيص": مرسل.

(3)

"الموطأ" برواية يحيى ص 276، 277.

(4)

"تفسير الطبري" 12/ 628 (37541).

ص: 554

فانصب لعبادة الله وارغب إليه، وقال مجاهد -في رواية منصور-: إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب قال: فَصله وفي رواية فصلِّ

(1)

وعند عبد: فاسأل

(2)

.

(ص)(وَيُذْكَرُ عَنِ ابن عَبَّاسٍ: {أَلَمْ نَشْرَحْ}: شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ هذا رواه جويبر عن الضحاك عنه {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)} يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألم نرحب صدرك للإسلام فنوسعه يا محمد فلما شرح صدره له أتاه جبريل فقال: يا محمد قلبك راع يسع ما وضع فيه، وعيناك بصيرتان وأذناك سميعتان، ولسانك صادق، وخلقك مستقيم، وأنت محمد بن عبد الله أنت الحاشر المقفى وأنت قثم، قال رسول الله، "وما قثم؟ " قال: الجامع. وقال الحسن: ملأناه حكمًا وعلمًا، وقال مقاتل: وَسّعْنَاه بعد ضيقه، وقال الجُوزي: هو استفهام على طريق التقرير

(3)

يدل عليه أنه عطف عليه بالماضي وهو قوله: {وَوَضَعْنَا} أي: ألم نفتح قلبك بالإيمان والنبوة، وصرح به الزجاج فقال:{أَلَمْ نَشْرَحْ} : شرحناه.

(1)

انظر الآثار السابقة في الطبري 12/ 628 - 629.

(2)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 617.

(3)

"زاد المسير" لابن الجوزي 9/ 162.

ص: 555

(95) سورة {وَالتِّينِ}

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التِّينُ وَالزَّيْتُونُ الذِي يَأْكُلُ النَّاسُ. يُقَالُ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ} : فَمَا الذِي يُكَذِّبُكَ بِأَنَّ النَّاسَ يُدَانُونَ بِأَعْمَالِهِمْ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِكَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ

‌1 - باب

4952 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. {تَقْوِيمٍ} [التين: 4] الْخَلْقِ. [انظر: 767 - مسلم: 464 - فتح: 8/ 713]

هي مكية وبه جزم الثعلبي، وادعى أبو العباس نفي الخلاف فيه، وقال قتادة: مدنية حكاه ابن النقيب، وقاله ابن عيينة أيضًا في "تفسيره".

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التِّينُ وَالزَّيْتُونُ الذِي يَأْكُلُ النَّاسُ) أخرجه عبد بن حميد عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه، قال: التين والزيتون: الفاكهة الذي يأكل الناس

(1)

. وفي رواية خصيف عنه: التين: هذا التين، والزيتون: هذا الزيتون

(2)

، وفي رواية سفيان عن عبد الله مثله.

وفيه قول ثان: أن الأول الجبل الذي عليه دمشق، والثاني الجبل الذي عليه بيت المقدس قاله قتادة

(3)

، وثالث -وهو قول أبي عبد الله

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 620.

(2)

أخرجه الطبري في "تفسيره" 12/ 632 (37563).

(3)

السابق (37568).

ص: 556

الفارسي-: التين مسجد دمشق، والزيتون مسجد بيت المقدس

(1)

، ورابع: وهو قول محمد بن كعب: التين مسجد أصحاب الخيف، والزيتون مسجد إيلياء

(2)

-أي: وهو مسجد بيت المقدس- وخامس: هما مسجدان بالشام قاله الضحاك

(3)

.

وفي "تفسير ابن عباس" عن معاذ بن جبل قول سادس: التين مسجد اصطخر الذي كان لسليمان، والزيتون مسجد بيت المقدس، وروي عن جرير عن ابن عباس: مسجد نوح الذي بني على الجودي، والزيتون مسجد بيت المقدس -وهو سابع- قال: ويقال: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2)} ثلاث مساجد بالشام

(4)

، وقيل: التين جبال ما بين طهران إلى همدان، والزيتون جبال الشام، وقيل: هما طور سينا وطور زيتا بالسريانية ينبتان التين والزيتون.

(ص)({تَقْوِيمٍ}: خلْقِ) أي: أحسن صورة وأعدل قامة، وذلك أن خلق كل شيء منكبًّا على وجهه إلا الإنسان وقال أبو بكر بن طاهر: مزينًا بالعقل مؤدبًا بالأمر، مهذبا بالتمييز، مديد القامة يتناول مأكوله بيده.

(ص)({فَمَا يُكَذِّبُكَ} فَمَا الذِي يُكَذِّبُكَ بِأَنَّ النَّاسَ يُدَانُونَ بِأَعْمالِهِمْ، كَأَنَهُ قَالَ: وَمَنْ يَقْدِرُ على تَكْذِيبِكَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ) كأنه جعل (ما) لمن يعقل، وهذا بعيد، وقال منصور: قلت لمجاهد: {فَمَا يُكَذِّبُكَ}

(5)

أيها

(1)

"الدر المنثور" 6/ 619 وعزاه لعبد بن حميد.

(2)

السابق عن عبد أيضًا.

(3)

السابق عن عبد أيضًا.

(4)

الطبري 12/ 632 (37572) وهو قول ابن عباس.

(5)

جاء في "تفسير الطبري" 12/ 642 و"الدر" 6/ 622 عن منصور قلت لمجاهد {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)} عنى به النبي قال: معاذ الله إنما يعني به الإنسان.

ص: 557

الشاك بعدما تبين من قدرة الله بالثواب والحساب من قولهم: كما تدين تدان.

ثم ذكر حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي العِشَاءِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وهذا الحديث سلف في الصلاة.

ص: 558

(96) سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}

وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: اكْتُبْ فِي المُصْحَفِ فِي أَوَّلِ الإِمَامِ: {بْسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ (1)} [الفاتحة: 1]، وَاجْعَلْ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ خَطًّا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{نَادِيَهُ} [العلق: 17]: عَشِيرَتَهُ. {الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18]: المَلَائِكَةَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: {الرُّجْعَى} [العلق: 8]: المَرْجِعُ. {لَنَسْفَعًا} [العلق: 15] قَالَ: لَنَأْخُذَنْ و {لَنَسْفَعًا} [العلق: 15] بِالنُّونِ وَهْيَ الخَفِيفَةُ، سَفَعْتُ بِيَدِهِ أَخَذْتُ. [فتح: 8/ 714]

‌1 - باب

4953 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ سَلْمَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -قَالَتْ كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -قَالَ وَالتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهْوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» . قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي. فَقَالَ اقْرَأْ. قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيِةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي. فَقَالَ:

ص: 559

اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي. فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)} [العلق: 1 - 4]". الآيَاتِ إلى قَوْلِهِ {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 5] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي". فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْة الرَّوْعُ، قَالَ لَخدِيجَةَ: "أَيْ خَدِيجَةُ، مَا لِي، لَقَدْ خَشِيتُ على نَفْسِي". فَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ. قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، فَوَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِل الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الَحدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ الَمعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الَحقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَهْوَ ابن عَمِّ خَدِيجَةُ أَخِي أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: يَا ابن عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابن أَخِيكَ. قَالَ وَرَقَةُ: يَا ابن أَخِي، مَاذَا تَرى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ خَبَرَ مَا رَأى. فَقَالَ وَرَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذِي أنْزِلَ عَلَى مُوسَى، لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُون حَيًّا -ذَكَرَ حَرْفًا- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ ". قَالَ وَرَقَة: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا أُوذِيَ، وِإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ حَيًّا أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثمَّ؛ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ ئوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ، فَتْرَة حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3 - مسلم: 160 - فتح: 8/ 715]

4954 -

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ رضي الله عنهما -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْي، قَالَ فِي حَدِيثِهِ:«بَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَفَرِقْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» . فَدَثَّرُوهُ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} . [المدثر: 1 - 5] قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَهْيَ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ. قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ. [انظر: 4 - مسلم: 161 - فتح: 8/ 715]

ص: 560

هي مكية.

وقًالَ لنا

(1)

قُتَيْبَةُ: ثنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: اكْتُبْ فِي المُصْحَفِ فِي أَوَّلِ الإِمَامِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)} [الفاتحة: 1]، وَاجْعَلْ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ خَطًّا.

هذا قد أسلفنا أن البخاري يأخذ هذا غالبًا في شيخه مذاكرة، وهذا المذكور عن مصحف الحسن شذوذ كما نبه عليه السهيلي

(2)

، ويريد بالأول قبل أم الكتاب، وقال الداودي: إن أراد خطًّا موضع باسم الله فحسن، وإن أراد خطًّا وحده فلم يكن الأمر على ذلك.

قال ابن الزبير: قلت لعثمان: لِمَ لَمْ يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم بين الأنفال وبراءة؟ فقال: مات رسول صلى الله عليه وسلم ولم يثبته فأشكل علينا أن يكون منها، ولم يكتبوا شيئًا إلا ما حفظوه عن الرسول، وكانوا إنما يعرفون آخر السورة وأول الأخرى إذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم البسملة، وهي علي هذا من القرآن إذ لا يكتب في المصحف ما ليس بقرآن.

قال السهيلي: ولا يلزم أنها آية من كل سورة ولا من الفاتحة، بل نقول: إنها آيهّ من كتاب الله مقترنة مع السورة، وهو قول أبي حنيفة وداود، ثم ادعى أنه بيِّن القوة لمن أنصف

(3)

، ولا يسلم له ذلك، بل من تأمل الأدلة ظهر له أنها آيه من الفاتحة، ومن كل سورة، وقد سلفت الإشارة إلى بعض ذلك، وأبعد ابن القصار حيث استدل على

(1)

كذا في الأصل، وفي أصل "اليونينية":(وقال قتيبة) وبهامشها أنها في بعض الروايات: (حدثنا قتيبة). وفي "الفتح" 8/ 714 قال: في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني: (حدثنا قتيبة).

(2)

"الروض الأنف" 1/ 271.

(3)

"الروض الأنف" 1/ 271.

ص: 561

أنها ليس بقرآن من أوائل السور من قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ولم يذكرها

(1)

.

فائدة:

الباء في {بسم ربك} زائدة كما قاله أبو عبيدة

(2)

. {الَّذِي خَلَقَ} ؛ لأن الكفار كانوا يعلمون أنه الخالق دون أصنامهم، والإنسان هنا آدم وذريته؛ لشوفه؛ ولأن التنزيل إليه.

(ص)(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نَادِيَهُ}: عَشِيرَتَهُ) أخرجه ابن جرير عن الحارث حدثني الحسن، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه

(3)

، وقيل: أهل مجلسه وقيل: حيَّه

(4)

، قال ابن عباس: وكان عليه السلام يمر به أبو جهل يتوعد فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره فقال: يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما وإني لأكثر هذا الوادي ناديًا، فأنزل الله تعالى:{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)} قال: "فلو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب من ساعته"

(5)

.

وفي حديث أبي هريرة قال أبو جهل: لئن مررت بمحمد يصلي لأطأنَّ برقبته، فلما رآه يصلي أراد أن يفعل ذلك قال: فما فجئ أصحابه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بثوبه، فقيل له، فقال: إن

(1)

انظر "شرح ابن بطال" 1/ 37 - 38.

(2)

"مجاز القرآن" 2/ 304.

(3)

ذكره السيوطي في "الدر" 6/ 627 وعزاه للفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. ولم أجده عند الطبري.

(4)

أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 313 (3661) عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)} قال: قومه، حيه.

(5)

أخرجه الطبري في "تفسيره" 12/ 648 (37685).

ص: 562

بيني وبينه خندقًا من نار وهولاً وأجنحة، فقال عليه السلام:"لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا"

(1)

الحديث، قال ابن أبي عروبة: قد فعل لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا فلم تختطفه الملائكة، وذلك والله أعلم؛ لأن فاعله لم يتعاطاه وأبو جهل تعاطى، وأيضًا من فعل به من خنق وشبهه لم يكن نهيًا عن العبادة فتضاعف جرم أبي جهل؛ لأنه كان يفعل ذلك في العبادة وهَدَّدَ فَهُدِّدَ.

(ص)({اَلزَّبَانِيَةَ}: المَلَائِكَةَ) قلت: وقيل الشُرَط

(2)

وهو مشتق من زَبنَهُ أي دفعه، كأنهم يدفعون الكفار إلى النار، واختلف في واحد الزبانية فقيل: زبينة وهو كل متمرد من إنس وجان، وقيل: زابن، وقيل: زباني، وقال الكسائي: زبني.

(ص)(وَقَالَ مَعْمَرٌ: {الرُّجْعَى}: المَرْجِعُ) أخرجه عبد الرزاق عنه.

(ص)({لَنَسْفَعًا} قَالَ: لَنَأْخُذَنْ و {لَنَسْفَعًا} بِالنُّونِ وَهْيَ الخَفِيفَةُ، سفَعْتُ بِيَدِهِ أَخَذْتُ): بمقدم رأسه فلنذلنه، وقيل: لنسودنَّ وجهه، واكتفى بذكر الناصية عنه إذ هي في مقدمه، وقيل: لنأخذن بها إلى النار كما قال: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَام} .

وقال مقاتل: دخل عليه السلام الكعبة فوجد أبا جهل قد قلد هبل طوقًا من ذهب وطيبه وهو يقول: يا هبل لكل شيء شكر، وعزتك لأشكرنك من قابل، وكان قد ولد له في ذلك العام ألف ناقة وكسب ألف مثقال، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: والله لئن وجدتك هنا تعبد غير آلهتنا

(1)

عند مسلم رقم (2797) كتاب صفة الجنة والنار باب: قوله {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} .

(2)

"تفسير عبد الرزاق" 2/ 313 (3662).

ص: 563

لأسفعنك على ناصيتك، يقول: لأجرنك على وجهك فنزلت: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15)} .

ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرُّويَا الصَّادِقَةُ

الحديث بطوله وقد سلف أول الكتاب

(1)

.

وقوله: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بن عبد الرحمن عن جَابِر وهذا سلف من حديث يحيى بن بكير عن الليث، عن عقيل به

(2)

(1)

أول كتاب "الصحيح" برقم (3) كتاب بدء الوحي.

(2)

سلف برقم (4925) كتاب التفسير، باب:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} .

ص: 564

‌2 - [باب قَوْلِهِ:]{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} [العلق: 2]

4955 -

حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)} [العلق: 1 - 3]. [انظر: 3 - مسلم: 160 - 8/ 722]

ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله: {الْأَكْرَمُ} . سلف أيضًا، والإنسان هنا هو آدم؛ لقوله:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} وقيل: نبينا؛ لقوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} وقيل: عام؛ لقوله: {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} وقال ابن التين: الإنسان هنا بمعنى الناس، وهو هنا مَن سوى آدم وحواء وعيسى، والعلق: جمع علقة، وهو الدم الجامد، وهو أول ما تتحول إليه النطفة في الرحم.

ص: 565

‌3 - [باب قَوْلِهِ]{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)} [العلق: 3]

4956 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ح وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ قَالَ مُحَمَّدُ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ جَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)} [العلق: 1 - 4]. [انظر: 3 - مسلم: 160 - فتح: 8/ 723].

ساقه أيضا من حديثها وقال: الصادقة بدل الصالحة.

ص: 566

[باب]{الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)} [العلق: 4]

4957

- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَرَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [انظر: 3 - مسلم: 160 - فتح: 8/ 723].

ساقه أيضًا من حديثها: رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى خَدِيجَةَ فَقَالَ: "زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي". فَذَكَرَ الحَدِيثَ.

وقوله: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} قيل: الكتابة. وقيل: جميع الصنائع والحرف.

ص: 567

‌4 - [باب]{كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)} [العلق: 15 - 16]

4958 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لَوْ فَعَلَهُ لأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» .

تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ. [فتح: 8/ 724]

ساق من حديث عبد الكَرِيمِ الجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَةِ لأَطَأَنَّ على عُنُقِهِ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "لَوْ فَعَلَ لأَخَذَتْهُ المَلَائِكَةُ".

تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ.

وصله البغوي في كتابه عن علي، عن عمرو به

(1)

، وعبد الكريم هو ابن مالك أبو سعيد الجزري السالف الأموي مولاهم، أصله من اصطخر وتحول إلى حران ومات سنة سبع وعشرين ومائة، وعبيد الله هو أبو وهب بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي مولاهم الرقي، ولد سنة مائة ومات سنة ثمانين ومائة.

(1)

"معالم التنزيل" 8/ 479 - 480 من حديث أبي هريرة.

ص: 568

(97)[سورة]{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}

يُقَالُ: المَطْلَعُ هُوَ الطُّلُوعُ، وَالْمَطْلِعُ المَوْضِعُ الذِي يُطْلَعُ مِنْهُ. {أَنْزَلْنَاهُ} الهَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ القُرْآنِ أَنْزَلْنَاهُ مَخْرَجَ الجَمِيعِ، وَالْمُنْزِلُ هُوَ اللهُ، وَالْعَرَبُ تُوَكِّدُ فِعْلَ الوَاحِدِ فَتَجْعَلُهُ بِلَفْظِ الجَمِيعِ، لِيَكُونَ أَثْبَتَ وَأَوْكَدَ.

هي مكية في قول الأكثرين، ونفى أبو العباس الخلاف فيها، وقيل: مدنية حكاه الماوردي

(1)

، وذكر الواقدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة.

(ص)(الْمَطْلَعُ هُوَ الطُّلُوعُ، وَالْمَطْلِعُ هو المَوْضِعُ الذِي يُطْلَعُ مِنْهُ) قلت: والكسر للكسائي وخلف

(2)

، والاختيار الفتح كذلك؛ ولأن معنى الاسم في هذا الموضع إنما هو بمعنى المصدر.

(ص)({أَنْزَلْنَاهُ} الهَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ القُرْآنِ) أي: لأنه أُنزل جملة واحدة في ليلة القدر وأنكر هذا قوم بعقولهم وقالوا: المعنى أنا ابتدأنا إنزاله.

(ص)(أَنْزَلْنَاهُ مَخْرَجَ الجَمِيعِ وَالْمُنْزِلُ هُوَ اللهُ وَالْعَرَبُ تُوَكِّدُ فِعْلَ الوَاحِدِ فَتَجْعَلُهُ بِلَفْظِ الجَمعِ، لِيَكُونَ أَثْبَتَ وَأَوْكَدَ) أي: ويقصد به التعظيم يعبر عن نفسه بنون الجمع.

(1)

"تفسير الماوردي" 6/ 311.

(2)

"تحبير التيسير" لابن الجزري ص 201.

ص: 569

(98)[سورة]{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}

{مُنْفَكِّينَ} زَائِلِينَ. {قَيِّمَةٌ} القَائِمَةُ دِينُ القَيِّمَةِ، أَضَافَ الدِّينَ إِلَى المُؤَنَّثِ.

[1 - باب]

4959 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه -قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأُبَيٍّ:«إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1]» . قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: «نَعَمْ» . فَبَكَى. [انظر: 3809 - مسلم:

799 -

فتح: 8/ 725]

ص: 570

[2 - باب]

4960 -

حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه -قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأُبَيٍّ: «إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ» . قَالَ أُبَيٌّ: آللَّهُ سَمَّانِى لَكَ؟ قَالَ: «اللهُ سَمَّاكَ لِي» . فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي. قَالَ قَتَادَةَ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البينة: 1]. [انظر: 3809 - مسلم: 799 - فتح: 8/ 725].

ص: 571

[3 - باب]

4961 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُنَادِي، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم -قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ:«إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرْآنَ» . قَالَ: آللهُ سَمَّانِي لَكَ! قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ. [انظر: 3809 - مسلم: 799 - فتح: 8/ 726]

هي مدنية، وقال ابن عباس وغيره: مكية

(1)

.

(ص)({مُنْفَكِّينَ}: زَائِلِينَ) أيِ: عن كفرهم وشركهم.

(ص)(القائمة) قال أبو عبيد: عادلة أي على دين الجماعة. القيمة: العادلة

(2)

.

(ص)(أضاف الدين إلى المؤنث) أي لأنه راجع إلى الملة والشريعة وقيل: الهاء فيه للمبالغة، وزعم الكوفيون أن القيمة هي الدين، ومجاز الآية وذلك دين القائمين لله بالتوحيد.

ساق حديث أنس رضي الله عنه فى قراءته عليه السلام على أُبيِّ من طرق عن قتادة عنه، وقد سلف في المناقب، في مناقبه الطريق الأول منها وساق بعضها هنا عن أحمد بن أبي داود أبي جعفر المنادي، وصوابه محمد بدل أحمد، كما ساقه أبو نعيم وابن عساكر

(3)

وغيرهما.

قال ابن طاهر: روى عند البخاري هنا حديثًا واحدًا، وأهل بغداد يعرفونه محمد

(4)

، وهذا الحديث مشهور من رواية محمد بن عبيد الله بن

(1)

انظر: "زاد المسير" 9/ 195.

(2)

الكلام بنصه في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 306.

(3)

"تاربخ دمشق" 7/ 318.

(4)

"الجمع بين رجال الصحيحين" 1/ 12.

ص: 572

أبي داود المنادي، ولما ذكر الحديث من رواية محمد هذا في "تاريخه" قال: رواه البخاري عن ابن المنادي إلا أنه سماه أحمد، وسمعت هبة الله الطبري يقول: قيل: إنه اشتبه على البخاري فجعل محمدًا أحمد وقيل: هما أخوان. وهو باطل ليس لأبي جعفر أخ فيما نعلم، أو لعل البخاري يرى أن محمدًا وأحمد شيء واحد.

ثم ساق عن الإسماعيلي أن عبد الله بن ناجية يملي علينا فيقول: حدثنا أحمد بن الوليد البري، فقيل له: إنما هو محمد، فقال: محمد وأحمد واحد. وقال الحاكم أبو عبد الله: يقال له: محمد بن عبيد الله. وكذا سماه أبو حاتم

(1)

، وساق الجياني حديثًا من رواية محمد عن روح في إسلام بلال

(2)

.

ووجه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على أُبيِّ ليلقاها من فيه تلقينًا.

وفي "مستدرك الحاكم" وقال: صحيح الإسناد من حديث زر بن حبيش عن أُبي أنه عليه السلام قرأ عليه {لَمْ يَكُنْ} وقرأ فيها "إنَّ ذات الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يعمل خيرًا فلن يُكفره"

(3)

.

ولأحمد من حديث علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار عن أبي حبة البدري لما نزلت:{لَمْ يَكُنْ} قال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يأمرك أن تقرئها أُبَيًّا" فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أمرني أن أقرئك هده السورة". قيل: قال: يا رسول الله وقد ذكرت ثمة؟ قال: "نعم"

(4)

،

(1)

"الجرح والتعديل" 8/ 3 ت (12).

(2)

"تقييد المهمل" 2/ 707.

(3)

"المستدرك" 2/ 531.

(4)

"المسند" 3/ 489.

ص: 573

ثم هذا الحديث ذكره البخاري بلفظين: أحدهما: "إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنْ} ثانيهما: "أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ" وفي ثالث: "أَنْ أُقْرِئَكَ القُرْآنَ" قيل: معناه أقرأ عليك كما في الثانية، وبكاء أُبَيِّ استحقارًا لنفسهُ تعجبًا وخشية، وهذا شأن الصالحين إذا فرحوا بشيء خلطوه بالخشية، وقد قيل: الفرح والسرور دمعته باردة ولذلك يقال: أقر الله عينك، وقوله:(فذَرَفَت عيناه) أي: الدمع بفتح الراء.

ص: 574

(99)[سورة]{إِذَا زُلْزِلَتِ}

يُقَالُ: {أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 5]: أَوْحَى إِلَيْهَا، وَوَحَى لَهَا وَوَحَى إِلَيْهَا وَاحِدٌ.

هي مكية، يقال: أوحى لها وأوحى إليها، ووحى لها ووحى إليها واحد، قلت: أي: أمرها بذلك وأذن لها فيه، وقال ابن عباس وغيره: أوحى إليها

(1)

، ومجاز الآية يوحي الله إليها.

(1)

أخرجه الطبري 12/ 661 (37743).

ص: 575

‌1 - [باب] قَوْلِهِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} [الزلزلة: 7]

4962 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم -قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الذِي لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ فِي الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، فَهْيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا، فَهْيَ لَهُ سِتْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِئَاءً وَنِوَاءً، فَهْيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ". فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحُمُرِ. قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7 - 8]. [انظر:2371 - مسلم: 987 - فتح: 8/ 726]

ساق فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ .. " وقد سلف في الشرب وغيره.

ص: 576

‌2 - [باب] قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 8]

4963 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: «لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7 - 8]» . [انظر: 2371 - مسلم: 987 - فتح: 8/ 727].

ثم ساق قطعة منه، والطِّيَل لغة في الطول، وهو الحبل تشد به الدابة، ويمسك (صاحبها)

(1)

بطرفه ويرسلها ترعى، والمرج -بإسكان الراء- أرض ذات نبات تمرج فيها الدواب، ومعني استنت: عَلَت، والذَّرَّةُ: صغار النمل، و {يره}: جزاء عمله لا عينه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس من مؤمن ولا كافر عَمِلَ في الدنيا خيرًا ولا شرًا إلا أراه الله إياه؛ فأما المؤمن فيريه حسناته فيثيبه، وسيئاته فيغفرها، وأما الكافر فيريه حسناته وسيئاته فيرد عليه حسناته ويعذبه بسيئاته

(2)

.

(1)

في الأصل: صاحبه، والأنسب ما أثبتناه.

(2)

انظر: الطبري 12/ 661 (37744).

ص: 577

(100)[سورة]{وَالْعَادِيَاتِ}

وقًالَ مُجَاهِدٌ: الكَنُودُ: الكَفُورُ، يُقَالُ {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)}: رَفَعْنَ بِهِ غُبَارًا. {لِحُبِّ الْخَيْرِ} : مِنْ أَجْلِ حُبِّ الخَيْرِ. {لَشَدِيدٌ} : لَبَخِيلٌ وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ: شَدِيدٌ {وَحُصِّلَ} : مُيِّزَ.

هي مكية، وعن علي: مدنية، ولا يصح، والعاديات: الإبل، وقيل: الخيل، وصوبه الطبري؛ لأن الإبل لا تضبح، قيل في القتال، وقيل: في الحج.

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: الكَنُودُ: الكَفُورُ) أخرجه الطبري عنه، وعن ابن عباس أيضًا، وروى جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعًا بزيادة:"وهو الذي يأكل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده"، وروي موقوفًا

(1)

، وكذا أخرجه عبد

(2)

، ويسمى من يفعل ذلك بلسان بني مالك بن كنانة: الكنود، وقال الكلبي: هي لغة كندة وحضرموت، الكفور للنعمة، وقال الحسن: هو الذي يعد المصائب وينسى نعم ربه، فهو كفار له، قال سماك بن حرب: سميت كندة لأنها قطعت أباها

(3)

، قال مقاتل: ونزلت في قرط بن عبد الله بن عمرو بن (نفل)

(4)

القرشي

(5)

.

(1)

انظر هذِه الآثار في الطبري 12/ 672 - 673.

(2)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 654.

(3)

انظر هذِه الآثار في الطبري 12/ 672، 673.

(4)

هكذا في الأصل وفي "زاد المسير": (نوفل).

(5)

انظر: "زاد المسير" 9/ 209.

ص: 578

(ص)({فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)}: رَفَعْنَ بِهِ غُبَارًا) أخرجه عبد بن حميد عن عبيد الله، عن فضل، عن عطية

(1)

.

(ص)({لِحُبِّ الْخَيْرِ} مِنْ أَجْلِ حُبِّ الخَيْرِ. {لَشَدِيدٌ} لَبَخِيلٌ) أخرجه محمد بن السائب كذلك في "تفسيره" يقال للبخيل: شديد أي لأجل حب المال لبخيل، وقيل: لشديد الحب للمال.

(ص)({وَحُصِّلَ} مُيِّزَ) أي: وأبرز ما فيها من خير أو شر. وقال سعيد بن جبير (حصل) بفتح الحاء والتخفيف: ظَهَر.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 653.

ص: 579

(101)[سورة]{الْقَارِعَةُ (1)}

{كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} كَغَوْغَاءِ الجَرَادِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَذَلِكَ النَّاسُ يَجُولُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ. {كَالْعِهْنِ} كَأَلْوَانِ العِهْنِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ (كَالصُّوفِ).

هي مكية.

(ص)({كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} كَغَوْغَاءِ الجَرَادِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَذَلِكَ النَّاسُ يَجُولُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ) هو قول الفراء

(1)

، وقال أبو عبيدة: الفراش طائر ليس بذباب ولا بعوض

(2)

، وقيل: إنه يرى من الشمس داخلًا في الكوة، وقيل: فراش شبه البعوض يتهافت في النار.

(ص)({كَالْعِهْنِ}: كَأَلْوَانِ العِهْنِ) قلت: وهو الصوف.

(ص)(وَقَرَأَ عَبْدُ اللهِ: (كَالصُّوفِ)) ذكره ابن أبي داود عنه في كتاب "المصاحف".

(1)

"معاني القرآن" 3/ 286.

(2)

"مجاز القرآن" 2/ 309 بنحوه.

ص: 580

(102)[سورة]{أَلْهَاكُمُ}

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {التَّكَاثُرُ} مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ.

هي مكية، وقيل: نزلت في الأنصار ذكره ابن النقيب.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {التَّكَاثُرُ} مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ) أخرجه جويبر عن الضحاك عنه، وعن أنس هما قبيلتان أصحرتا، وقال مقاتل بن حيان: بنو عبد مناف وبنو سهم. وقال الواحدي: نزلت في اليهود، قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، (ألهاكم)

(1)

ذلك حتى ماتوا ضلالًا

(2)

، وعند الحاكم من حديث ابن عمر مرفوعًا:"ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آيه في كل يوم" قالوا: ومن يستطيع ذلك؟ قال: "أما يستطيع أحدكم أن يقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)} " قال: رواته ثقات، وعقبة بن محمد بن عقبة الراوي عن نافع، عن ابن عمر غير مشهور

(3)

.

(1)

في "أسباب النزول": (ألهاهم)، وهو الأنسب للسياق، والمثبت من الأصل.

(2)

"أسباب النزول" ص 490.

(3)

"المستدرك" 1/ 566.

ص: 581

(103)[سورة]{وَالْعَصْرِ (1)}

وَقَالَ يَحْيَى: العَصر: الدَّهْرُ أَقْسَمَ بِهِ.

هي مكية.

(ص)(قَالَ يَحْيَى: يقال: الدَّهْرُ أَقْسَمَ بِهِ) قلت: أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما

(1)

، وقال قتادة: العصر ساعة من ساعات النهار

(2)

، وقال الحسن: هو العشي

(3)

، وصوب الطبري أنه الدهر والعشي والليل والنهار

(4)

.

وقال مقاتل: هو آخر ساعة من النهار حين تقترب الشمس للغروب، نزلت في أبي لهب عبد العزى، وقيل: رب العصر، والعصر بفتح العين وكسرها لغة حكاها في "الموعب" وضمهما وضم العين وإسكان الصاد والجمع أعصر وعُصور وأعصار وعُصُر، وقال ابن سيده: العصر: العشي إلى احمرار الشمس

(5)

.

(1)

الطبري 12/ 684 (37908).

(2)

"تفسير عبد الرزاق" 2/ 322 (3696).

(3)

الطبري 12/ 684 (37909).

(4)

الطبري 12/ 684.

(5)

"المحكم" 1/ 265.

ص: 582

(104)[سورة]{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ}

{الْحُطَمَةُ} : اسْمُ النَّارِ، مِثْلُ سَقَرَ وَلَظَى.

هي مكية، هو الوليد بن المغيرة

(1)

، وقيل: أمية بن خلف

(2)

وقيل: الأخنس بن شريق

(3)

وقيل: (حميد)

(4)

بن عامر

(5)

، والحكم عام، وقال ابن عباس: هم النمامون ومن يبغي العيب للبرآء

(6)

، والويل: يقال لكل من وقع في هلكة، وفي قراءة ابن عباس:(ويل للهمزة اللمزة)

(7)

.

(ص) " {اْلْحُطَمَةُ} اسْمُ النَّارِ، مِثْلُ سَقَرَ وَلَظَى) قلت: سميت بذلك؛ لأنها تحطم أي: تكسر.

(1)

ذكره البغوي في "تفسيره" 8/ 530 عن مقاتل.

(2)

ذكره ابن هشام في "السيرة النبوية" 1/ 379.

(3)

ذكره البغوي في "تفسيره" 8/ 530 عن الكلبي، وعزاه السيوطي في "الدر" 6/ 669 لابن أبي حاتم عن السدي.

(4)

هكذا في الأصل، وفي "الطبري" و"الدر":(جميل).

(5)

ذكره الطبري في "تفسيره" 12/ 688.

(6)

"تفسير الطبري" 12/ 686 (37920).

(7)

ذكرها ابن خالويه في "مختصر شواذ القرآن" عن ابن مسعود ص 180.

ص: 583

(105) سورة {أَلَمْ تَرَ}

قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَبَابِيلَ} : مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {مِنْ سِجِّيلٍ} هِيَ سَنْكِ وَكِلْ.

هي سورة الفيل، وهي مكية.

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَبَابِيلَ}: مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً) أخرجه عبد بن حميد عن أبي نعيم ثنا شريك عن جابر عنه

(1)

، وفيه أقوال أخر.

(ص)(وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {سِجِّيلٍ} هِيَ سَنْكِ وَكِلْ) -بالفارسية- أخرجه ابن جرير من حديث عكرمة عنه

(2)

، ومعنى سنك: حجر، وكل: طين وفيه أقوال أخر، أقربها من السجل وهو الكتاب مما كتب عليهم أن يعذبوا به، أو أنه اسم السماء الدنيا.

(1)

أخرجه الطبري 12/ 692 (37958) عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.

(2)

"تفسير الطبري" 12/ 693 (37974).

ص: 584

(106)[سورة]{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)}

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لِإِيلَافِ} أَلِفُوا ذَلِكَ، فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. {وَآمَنَهُمْ} مِنْ كُلِّ عَدُوِّهِمْ فِي حَرَمِهِمْ. قَالَ ابن عُيَيْنَةَ:{لِإِيلَافِ} لِنِعْمَتِي على قُرَيْشٍ.

مكية، وقيل: مدنية.

(ص)(قَالَ مُجَاهِدٌ: أَلِفُوا ذَلِكَ، فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. {وَآمَنَهُمْ} مِنْ كُلِّ عَدُوِّهِمْ فِي حَرَمِهِمْ) أخرجه ابن جرير من حديث ابن أبي نجيح

(1)

وإبراهيم بن المهاجر عنه

(2)

.

(ص)(وقَالَ ابن عُيَيْنَةَ: {لِإِيلَافِ} لِنِعْمَتِي على قُرَيْشٍ) هو فىِ "تفسيره".

(1)

"تفسير الطبري" 12/ 701 (38001) عن ابن أبي نجيح.

(2)

"تفسير الطبري" 12/ 704 (38021) عن إبراهيم بن المهاجر.

ص: 585

(107)

[سورة]{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)}

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (يَدُعُّ): يَدْفَعُ عَنْ حَقِّهِ، يُقَالُ: هُوَ مِنْ دَعَعْتُ. (يُدَعُّون): يُدْفَعُونَ. {سَاهُونَ} : لَاهُونَ. وَ {الْمَاعُونَ} : المَعْرُوفَ كُلُّهُ. وَقَالَ بَعْضُ العَرَبِ: المَاعُونُ: المَاءُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ أَعْلَاهَا الزَّكَاةُ المَفْرُوضَةُ، وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ المَتَاعِ.

هي مكية، وقيل: مدنية.

(ص)(وقال مجاهد: (يَدُعُّ): يدفع عن حقه، يقال: من دععت. (يُدَعُّون): يدفعون) أخرجه ابن جرير

(1)

وذكر أن في قراءة عبد الله (أرأيتك الذي يكذب بالدين)

(2)

وقرأ: (أريت).

(ص)({سَاهُونَ}: لاهون) قال سعد بن أبي وقاص: يؤخرونها عن وقتها

(3)

، وقال غير واحد: هو الترك

(4)

، وقال ابن زيد: يصلون، وليست من شأنهم

(5)

.

(ص)(و {الْمَاعُونَ}: المعروف كله) أي الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم، قاله محمد بن كعب القرظي والكلبي.

(1)

"تفسير الطبري" 62/ 706 (38532) بلفظ: يدفع اليتيم فلا يطعمه.

(2)

ذكرها ابن خالويه في "مختصر شواذ القرآن" ص 181، وحكاه الفراء في "معاني القرآن" 3/ 294.

(3)

أخرجه الطبري في "تفسيره" 12/ 706 (38037).

(4)

الطبري 12/ 707 وهو عن ابن عباس ومجاهد (38047)(38048).

(5)

أخرجه الطبري في "تفسيره" 12/ 708 (38052).

ص: 586

(ص)(وَقَالَ بَعْضُ العَرَبِ: المَاعُونُ: المَاءُ) حكاه الفراء عنهم

(1)

، قال سعيد بن جبير وغيره: وهو بلغة قريش.

(ص)(وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَعْلَاهَا الزَّكَاةُ المَفْرُوضَةُ، وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ المَتَاعِ) أخرجه ابن أبي حاتم من حديث إدريس عنه

(2)

، وفيه أقوال أخر، قال مقاتل: نزلت في العاصي بن وائل

(3)

وهبيرة بن أبي وهب المخزومي زوج أم هانئ بنت أبي طالب، ومن قال: إنها الزكاة يرسخ من قال: إنها مدنية.

(1)

"معاني القرآن" 3/ 295.

(2)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 685 بنحوه.

(3)

ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص 493.

ص: 587

(108)[سورة]{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)}

وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {شَانِئَكَ} : عَدُوَّكَ.

‌1 - باب

4964 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه -قَالَ: لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: «أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفًا فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ» . [انظر: 3570 - مسلم: 162 - فتح: 8/ 731]

4965 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَ: سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1] قَالَتْ: نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم، شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ. رَوَاهُ زَكَرِيَّاءُ وَأَبُو الأَحْوَصِ وَمُطَرِّفٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. [فتح: 8/ 731].

4966 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ: هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ. قَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهَرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ. [6578 - فتح: 8/ 731].

مكية وقيل: مدنية، نزلت في العاصي بن وائل أو أبي جهل أو عقبة ابن أبي معيط أو كعب بن الأسود وهؤلاء بتروا بإسلام أولادهم فانقطعت النسبة عنهم

(1)

.

(1)

انظر: "تفسير الطبري" 12/ 724 - 725.

ص: 588

(ص)(وَقَال ابن عَبَّاسٍ: {شَانِئَكَ}: مبغضك) أي: وعدوك هو الأذل الأقل المنقطع دابره.

ثم ساق البخاري ثلائة أحاديث في الكوثر:

أحدها:

حديث أَنَسٍ عليه السلام: لَمَّا عُرِجَ برسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: "أَتَيْتُ على نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدر مجوفة فَقُلْتُ: مَا هذا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هذا الكَوْثَرُ"

وأخرجه مسلم بنحوه وأبو داود والترمذي والنسائي 1).

ثانيها:

حديث إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ

(1)

} قَالَتْ: نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيّكُمْ صلى الله عليه وسلم شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مجوفة آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ. ورَوَاهُ زَكَرِيَّا وَأَبُو الأَحْوَصِ وَمُطَرِّفٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.

ثالثها:

حديث أبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَال فِي الكَوْثَرِ: الذِي أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ. قَال أَبُو بِشْرٍ -واسمه جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري-: قُلْتُ: لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فَإِنَّ ناسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الجَنَّةِ. فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهَرُ الذِي فِي الجَنَّةِ مِنَ الخَيْرِ الذِي أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ.

وروى ابن أبي شيبة في كتابه "ثواب القرآن" عن وكيع، عن أبي جعفر، عن ابن أبي نجيح، عن أنس: الكوثر نهر في الجنة، وقيل:

(1)

أبو داود (4748)، الترمذي (3359) النسائي في "الكبرى" 6/ 523 (11706).

ص: 589

الكوثر حوضه عليه السلام، حكاه الجوزي

(1)

وروى البيهقي في "بعثه" عن عائشة رضي الله عنها: ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير الكوثر

(2)

.

وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا في "ثواب القرآن" والطبري

(3)

، وأخرجه الدارقطني عنها مرفوعًا

(4)

. وقال عكرمة: الكوثر: النبوة والقرآن والإسلام

(5)

، وقال مجاهد: الخير كله

(6)

.

وفيه أقوال أخر: تيسير القرآن، وتخفيف الشرائع، أو كثرة الأتباع والأنصار، أو رفع الذكر، أو النور في القلب، أو الشفاعة، أو المقام المحمود، أو المعجزة أو الفقه وكثرة الفقهاء، أو كلمتا الإخلاص، أو الصلوات الخمس، أو ما عظم من الأمور، أو كثرة من يصلي، أو الذكر أو كثرة الذاكرين [من] أولاده، وفيه حديث أخرجه السِلَفي، أو الفضال الكثيرة، أو الخلق الحسن، أو هذِه السورة؛ لأنها مع حصرها مشتملة على وجوه الإعجاز، أو نهر في بطنان الجنة، له حوض ترد عليه أمته، والصواب كما قال الطبري: إنه النهر الذي أعطيه في الجنة وصفه الله بالكثرة لعظم قدره.

(1)

"زاد المسير" 9/ 349.

(2)

"البعث والنشور" ص 95 (43). قال الشيخ الألباني: موضوع. انظر "ضعيف الجامع"454.

(3)

"تفسير الطبري" 12/ 716 (38138).

(4)

قال ابن كثير بعد ذكر هذا الأثر: هذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة ثم قال: قال السهيلي: ورواه الدارقطني مرفوعا عن طريق مالك بن مغول، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، عن النبى صلى الله عليه وسلم. "تفسير ابن كثير" 14/ 478.

(5)

الطبري 12/ 719 (38165).

(6)

الطبري 12/ 718 (38161).

ص: 590

وقال مقاتل: لأنه أكثر أنهار الجنة خيرًا، يتفجر منه أربعة أنهار لأهل الجنان: الخمر والماء والعسل واللبن.

قال الزجاج: جميع ما جاء في تفسير هذا قد أعطيه عليه السلام.

وفي "تفسير ابن عباس" قال عليه السلام: "لما عرج بي انتهيت إلى سدرة المنتهي فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، النيل والفرات، ونهران باطنان؛ الكوثر والسلسييل".

فصل:

وأما من قال: الكوثر حوضه، فقد أخرجه البخاري وغيره، فيه روايات في مسافته وآنيته من عدة طرق، وكذا في مسلم ولا تعارض بينها فخاطب كل قوم بجهته وهو مما يجب الإيمان به، وهو على ظاهره من غير تأويل.

ص: 591

(109) سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}

يُقَالُ {لكُم دِينُكم} : الكُفْرُ. {وَلِىَ دِينِ} الإِسْلَامُ وَلَمْ يَقُلْ: دِينِي، لأَنَّ الآيَاتِ بِالنُّونِ فَحُذِفَتِ اليَاءُ كَمَا قَالَ:{يَهْدِينِ} وَ {يَشْفِينِ} . وَقَالَ غَيْرُهُ: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)} . الآنَ، وَلَا أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي. {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)}. وَهُمُ الذِينَ قَالَ:{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} .

هي مكية، وهم أهل مكة، منهم الوليد بن المغيرة والعاصي وأبوه، وروى الترمذي -وقال: غريب- عن ابن عباس وأنس يرفعانه: " {إِذَا زُلْزِلَتِ} تعدل نصف القرآن، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} تعدل ربع القرآن"

(1)

. وعن نوفل أنه عليه السلام قال: "إذا أويت إلى فراشك فاقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} فإنها براءة من الشرك"

(2)

.

(ص)(يُقَالُ: (لكُم دِينُكم): الكُفْرُ. {وَلِيَ دِينِ} : الإِسْلَامُ وَلَمْ يَقُلْ: دِينِي، لأَنَّ الآيَاتِ بِالنُّونِ فَحُذِفَتِ اليَاءُ كَمَا قَالَ {يَهْدِيَنِ} وَ {يَشْفِيِن}. وَقَالَ غَيْرُهُ:{لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)} : الآنَ، وَلَا أحكم فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِي. {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)}. وَهُمُ الذِينَ قَالَ:{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} ). تحرز من الأول حتى يظهر المراد بقوله: (وقال غيره). والذي جزم به الثعلبي الأول، ثم قال: وهذِه منسوخة بآية السيف.

(1)

الترمذي (2894).

(2)

الترمذي (3403).

ص: 592

(110)[سورة]{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)}

1

- باب

4967 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَتْ مَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} إِلاَّ يَقُولُ فِيهَا:«سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» .

ص: 593

[2 - باب]

4968 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» . يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. [انظر: 794 - مسلم: 484 - فتح: 8/ 733]

هي مدنية، وهي آخر سورة نزلت جميعًا -فيما حكاه ابن النقيب عن ابن عباس- منصرفه عليه السلام من حنين، قاله الواحدي. قال: وعاش بعد نزولها سنتين

(1)

. وهو غريب كأنه تصحيف، والذي رواه غيره: ستين يومًا

(2)

، ولما أوله ابن عباس بأن نفسه نعيت له مسح برأسه وقال:"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"

(3)

وقيل: نزلت بمنى في أيام التشريق في حجة الوداع، وروى جويبر عن الضحاك عنه أنه عليه السلام قال:"صدق الغلام أصبت يا عبد الله"، وسيأتي في البخاري أن عمر قال له: ما أعلم منها إلا ما تقول

(4)

.

ثم ساق البخاري حديث أبي الضحى مسلم بن صبيح، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} إِلَّا يَقُولُ فِيهَا: "سُبْحَانَكَ رَبَّنَا

(1)

"أسباب النزول" ص 497.

(2)

ذكره القرطبي عن مقاتل "تفسير القرطبي" 20/ 232.

(3)

دعاء النبي لابن عباس سلف دون ربطه بتأويل السورة في الوضوء، باب: وضع الماء عند الملأ برقم (1430) وعند مسلم برقم (2477) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل عبد الله بن عباس.

(4)

سيأتي قريبا برقم (4970) كتاب التفسير باب قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} تواب على العباد والتواب من الناس: التائب من الذنب.

ص: 594

وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي".

وفي لفظ: يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي". يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ.

وقد سلف في الصلاة، وفيه الدعاء في الركوع، ومالك لم يبلغه.

ص: 595

‌3 - [باب]{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا (2)} [النصر: 2]

4969 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه سَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] قَالُوا: فَتْحُ الْمَدَائِنِ وَالْقُصُورِ. قَالَ: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: أَجَلٌ، أَوْ مَثَلٌ ضُرِبَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، نُعِيَتْ لَهُ نَفْسُهُ. [انظر: 3627 - فتح: 8/ 734]

ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} قَالوا: فتْحُ المَدَائِنِ وَالقُصُورِ. قالَ: مَا تَقُولُ يَا ابن عَبَّاسٍ؟ قَالَ: أَجَلٌ، أَوْ مَثَلٌ ضُرِبَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، نُعِيَتْ لَهُ نَفْسُهُ.

وقد سلف التنبيه عليه، وسلف في علامات النبوة والمغازي

(1)

.

(1)

سلف برقم (4294) كتاب المغازي، بابٌ: لم يسم.

ص: 596

‌4 - [باب]{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر: 3]

تَوَّابٌ عَلَى العِبَادِ، وَالتَّوَّابُ مِنَ النَّاسِ التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ.

4970 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ عَلِمْتُمْ. فَدَعَا ذَاتَ يَوْمٍ -فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ- فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ. قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} ؟ [النصر: 1] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا نَحْمَدُ اللهَ وَنَسْتَغْفِرُهُ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا. وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ لَهُ، قَالَ:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] وَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر: 3]. فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَقُولُ. [انظر:3627 - فتح: 8/ 734]

ثم ساق حديث ابن عباس أيضًا مطولًا، وفيه: فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ. هو عبد الرحمن بن عوف كما صرح به في مواضع آخر.

ص: 597

(111)[سورة]{تَبَّتْ}

وَتَبَّ تبَابٌ خُسْرَانٌ. تَتْبِيبٌ تَدْمِيرٌ.

[1 - باب]

4971 -

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما -قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ:«يَا صَبَاحَاهْ» . فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ. فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ» . قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ» . قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلاَّ لِهَذَا؟! ثُمَّ قَامَ. فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1] وَقَدْ تَبَّ هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ. [انظر: 1394 -

مسلم: 208 - فتح: 8/ 737]

مكية.

(ص)(تبت خسرت. تبَابٌ خُسْرَانٌ. تَتْبِيبٌ تَدْمِيرٌ).

ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} .. الحديث سلف في سورة الشعراء

(1)

.

وقال هنا: وقد تَبَّ، هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ على الخبر. وقراءة الجماعة على أنه دعاء، معنى "يا صباحاه": صياح، والهتف: الصوت أي: صبحتم لا تدرون متى يأتيهم العذاب إن لم يؤمنوا وقوله: (حتى

(1)

سلف برقم (4770).

ص: 598

صعِد الصفا) هو المراد بقوله: "من .. الجبل" هو موضع عال، وهذا الخبر مرسل صحابي؛ لأن ابن عباس يومئذ لم يخلق كما نبه عليه الداودي وهو لائح.

ص: 599

‌2 - [باب قَوْلِهِ]: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)} [المسد: 1 - 2]

4972

- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْبَطْحَاءِ فَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ فَنَادَى:«يَا صَبَاحَاهْ» . فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ، أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟» . قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ» . فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا تَبًّا لَكَ؟!. فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1] إِلَى آخِرِهَا. [انظر: 1394 - مسلم: 208 - فتح: 8/ 737]

ساق فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا.

وقوله فيه: (خَرَجَ إِلَى البَطْحَاءِ فَصَعِدَ إِلَى الجَبَلِ)، البطحاء موضع منحدر بمكة قاله الداودي.

ص: 600

‌3 - [باب] قَوْلِهِ: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)} [المسد: 3]

4973

- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟! فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1]. [انظر: 1394 - مسلم: 208 - فتح: 8/ 738]

هو بفتح الهاء قطعًا مراعاة لرءوس الآي، وأنه كان في لهب، الفتح والإسكان قراءتان.

ذكر فيه قطعة من حديث ابن عباس: قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟! فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1].

ص: 601

‌4 - [باب]{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)} [المسد: 4]

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]: تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} [المسد: 5] يُقَالُ: مِنْ مَسَدٍ لِيفِ المُقْلِ، وَهْيَ السِّلْسِلَةُ التِي فِي النَّارِ. [فتح: 8/ 738]

(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}: تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ). أخرجه عبد، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه

(1)

، وسلف اسم أبي لهب وامرأته فإنها أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية، وقيل: كانت تحتطب للؤمها ولبخلها وقيل: كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} : لِيفِ المُقْلِ، وَهْيَ السِّلْسِلَةُ التِي فِي النَّارِ) أي: في الحاقة تدخل في فيه وتخرج من دبره ويلوى سائرها على جسده. وقال الضحاك هو الحبل الذي كانت تحتطب به

(2)

وقال قتادة: قلادة من ودع

(3)

، وقيل: حبال من صوف أوبار الإبل. وقيل: هو الحبل المحكم فتلًا من أي نوع كان، ولما كانت العادة أن يحملن في أجيادهن أبدلها الله في الآخرة بذلك.

(1)

أخرجه الطبري في "تفسيره" 12/ 736 (38275).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 737 (38284).

(3)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 331 (3739).

ص: 602

(112)[سُورةُ الإخلاص]{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)}

قَوْلُهُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} يُقَالُ: لَا يُنَوَّنُ أَحَدٌ، أَيْ: وَاحِدٌ.

‌1 - باب

4974 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -قَالَ:«قَالَ اللهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْأً أَحَدٌ» . [انظر: 3193 - فتح: 8/ 739]

هي مكية، وقيل: مدنية، نزلت لما قالت قريش

(1)

أو كعب بن الأشرف

(2)

أو مالك بن الصيف أو عامر بن الطفيل العامري

(3)

: انسب لنا ربك.

(ص)(لَا يُنَوَّنُ أَحَدٌ، أَيْ: وَاحِدٌ) هو قول أبي عبيدة في "المجاز"

(4)

قال الزجاج: والأجود إثباته ووقع للداودي أنَّ من نوَّن جمع بين الساكنين وهو لغة، وهو عجيب وإنما ذلك علة للكسر وأصل أحد

(1)

الطبري 12/ 740 (38298).

(2)

في "الدر المنثور" 6/ 705 وعزاه لابن أبي حاتم وابن عدي والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس.

(3)

البغوي 8/ 587. "زاد المسير" 9/ 266.

(4)

"مجاز القرآن" 2/ 316.

ص: 603

وحد، وأبدلت كامرأة أناة، أصله وناة، من الونا وهو الفتور، ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك؛ فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني .. " الحديث وقد سلف.

ص: 604

[باب قَوْلِهِ]{اللهُ الصَّمَدُ (2)} الإخلاص: 2]

وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا الصَّمَدَ. قَالَ أَبُو وَائِلٍ: هُوَ السَّيِّدُ الذِي انْتَهَى سُؤْدَدُهُ.

4975 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ: اْتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤًا أَحَدٌ» . {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: 3 - 4]: كُفُؤاً وَكَفِيئاً وَكِفَاءً وَاحِدٌ. [انظر: 3193 - فتح: 8/ 739]

(ص)({اللهُ الصَّمَدُ (2)} وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا الصَّمَدَ. قَالَ أَبُو وَائِلٍ: الصمد السَّيِّدُ الذِي انْتَهَى سُؤْدَدُهُ).

أخرج هذا ابن جرير من حديث الأعمش عنه

(1)

، وفيه قول آخر أنه من لا يطعم، أو من لا جوف له، أو من يقصد إذا صمده إذا قصده. قال ابن خالويه: وأحسن ما قيل فيه أنه الباقي الذي لا يفنى بعد خلقه

(2)

.

(1)

الطبري 12/ 743 (38327).

(2)

قال الشيخ العلامة ابن عثيمين: قيل: إن الصمد هو الكامل في علمه، في قدرته، في حكمته، في عزته، في سؤددة في كل صفاته وقيل: الصمد الذي لا جوف له يعني لا أمعاء ولا بطن وقيل الصمد بمعنى المفعول أي المصمود إليه أي: الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها بمعنى تميل إليه وتنتهي إليه وترفع إليه حوائجها فهو بمعنى الذي يحتاج إليه كل أحد، هذِه الأقاويل لا ينافي بعضها بعضًا.

ص: 605

ثم ساق البخاري حديث أبي هريرة المذكور ثم قال: كُفُؤًا وَكَفِيئًا وَكِفَاءً وَاحِدٌ. قلت: الأول بضم أوله وثانيه، وبسكون الثاني أيضًا، والثاني بالفتح وكسر ثانيه، والثالث بكسر أوله وبالمد، وروي بكسر الكاف وسكون الفاء، ولم يقرأ بالفتح وسكون الفاء، والكفؤ اسم يحل محل المصدر، وقال أبو حاتم: لا أثبت عن أبي عبيدة كفى مقصور، ولكن يقال: امرؤ لا كفاء له ممدود، وقال ابن التين: مأخوذ من كفأت الرجل أي: فعلت نظير ما فعل، ومنه كفأت الماء، وأكفأت في الشعر حرفًا مكان حرف.

ص: 606

(113)[سورة]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)}

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {غَاسِقٍ} : اللَّيْلُ. {إِذَا وَقَبَ} : غُرُوبُ الشَّمْسِ، ويُقَالُ: هو أَبْيَنُ مِنْ فَرَقِ وَفَلَقِ الصُّبْحِ. {وَقَبَ} إِذَا دَخَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَظْلَمَ.

‌1 - باب

4976 -

حَدَّتنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ وَعَبْدَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ سَألت أُبَي بْنَ كَعْبٍ عَنِ الُمعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"قِيلَ لِي فَقُلْتُ:" فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم. [4977 - فتح: 8/ 741]

ثم ساق عن زر قَالَ: سَأَلْتُ أُبَى بْنَ كَعْبٍ عَنِ المُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "قِيلَ لِي فَقُلْتُ" فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وهو من أفراده، وأخرجه النسائي أيضًا

(1)

.

(1)

عزاه المزي في "تحفة الأشراف"(19) 1/ 5 ثم استدرك قائلًا: للنسائي في "الكبرى"، وقال حديث النسائي ليس في الرواية، ولم يذكره أبو القاسم.

ص: 607

(114)[سورة]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)}

وَيُذْكَرُ عَنِ ابن عَبَّاسٍ {الْوَسْوَاسِ} إِذَا وُلدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا ذُكِرَ اللهُ ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ اللهُ ثَبَتَ على قَلْبِهِ.

‌1 - باب

4977 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَحَدَّثَنَا عَاصِم، عَنْ زِرٍّ قَالَ سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: "قِيلَ لِي فَقُلْتُ"، قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 4976 - فتح: 8/ 741]

ثم ساق حديث زِر: سَأَلْتُ أُبَيٌّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ: أَبَا المُنْذِرِ، إِنَّ أَخَاكَ ابن مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "قِيلَ لِي فَقُلْتُ": فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

الشرح:

أُبَيٌّ هو ابن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، وهاتان السورتان مدنيتان، وبه جزم الثعلبي، وعن قتادة وغيره، مكيتان والصواب الأول، نزلتا في اليهودي لبيد بن الأعصم سحر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل سحره في راعوفة بئر ذروان، يعني: الحجر الذي في أسفل البئر إذا نزل الإنسان بفم البئر قام عليه، ويقال: إنه العقد التي عقدها لبيد، وهي إحدى عشرة عقدة في وتر ومشط ومشاطة أعطاها غلام يهودي يخدمه لهم، وصورة من عجين فيها إبر مغروزة، فبعث عليًّا والزبير وعمارًا فاستخرجوه

ص: 608

وشفاه الله

(1)

، ويقال: إنه سحره امرأتان من البحرين بحضرته بحائل بينهما وجعلا ينفثان ويعقدان فنزلت الفلق، وفي رواية: لبيد بن عامر بن مالك وأم عبد الله اليهودية، وفي رواية في "الصحيح" قالت عائشة: هلا استخرجته قال: "قد عافاني الله وكرهت أن أثور منه على الناس شرًّا"

(2)

. وفيه مخالفة لما سبق.

وفي رواية: فهلا أحرقته

(3)

. وظاهره دال على الذي سحر به، كما قاله ابن الجوزي، إلا أنا قد روينا من طريق آخر: قالوا يا رسول الله، أفلا نأخذ الخبيث فنقتله

(4)

، وهو دال على أن الإشارة إلى اليهودي الساحر، والظاهر أن هذا للساحر وذاك للسحر، ويجوز أن يكون ذلك منها على وجه الاستفهام فيحتج به إذن على قتل الساحر، وجاء في رواية: أنه لما سحر احجتم على رأسه بقرن -وهو اسم موضع كما قال ابن السيرافي.

وقال المهلب: وقع فاستخرجه، ووقع في باب السحر قلت: يا رسول الله، أفلا استخرجته فأمر بها فدفنت. قال: وهو اختلاف من الرواة، ومداره على هشام بن عروة وأصحابه يختلفون في استخراجه، فأثبته سفيان في رواية من طريقين، ووافق سؤال عائشة على النشرة، ونفى الاستخراج عن عيسى بن يونس، ووافق سؤالها النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستخراج، ولم يذكر أنه جاوب على الاستخراج بشيء، وحقق أبو أسامة عليه السلام إذ سألته عائشة رضي الله عنها

(1)

"أسباب النزول" للواحدي ص 502 - 503.

(2)

سلف برقم (3268) كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده.

(3)

مسلم (2189/ 43) كتاب السلام، باب السحر.

(4)

"تفسير ابن كثير" 14/ 528.

ص: 609

عن استخراجه فكان الاعتبار يعطي أن سفيان [أولى]

(1)

بالقول لتقدمه في الضبط وأن الوهم على أبي أسامة في أنه لم يستخرجه، ويشهد لذلك أنه لم يذكر النشرة وكذلك عيسى بن يونس لم يذكر عليه السلام أنه جاوب على استخراجه بلا، وذكر النشرة، والزيادة من سفيان مقبولة؛ لأنه أثبتهم لاسيما فيما حقق من الاستخراج، وفي ذكره النشرة في جواب النبي صلى الله عليه وسلم مكان الاستخراج، ويحتمل أن يحكم بالاستخراج لسفيان، ويحكم لأبي أسامة بقوله لا، على أنه استخرج الجف بالمشاقة ولم يستخرج صورة ما في الجف لئلا يراه الناس فيتعلمونه

(2)

.

ثم اعلم أن السحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل غير قادح في نبوته، وطاح بذلك طعن الملحدة -قاتلهم الله- وما ورد أنه كان يخيل إليه أثه فعل الشيء وما فعله، فذاك فيما يجوز طروؤه عليه في أمر دنياه دون ما أمر بتبليغه، يؤيده الرواية الأخرى أنه يأتي أزواجه ولا يأتيهن، أو يحمل على خيل لا يعتقد صحته، وقد روي عن المسيب وعروة سحره حتى كاد ينكر بصره

(3)

، وعن عطاء الخرساني: حبس عن عائشة سنة، قال عبد الرزاق: وحبس عنها خاصة حتى أنكر بصره

(4)

، قلت: وما أسلفناه من رواية ثلاثة أيام أو أربعة هو أصوب، وسنة بعيد.

(1)

مثبتة من ابن بطال 9/ 444.

(2)

"شرح ابن بطال" 9/ 444 - 445.

(3)

رواه عبد الرزاق 11 - 14 بلفظ "يغض بصره" ونقله عنه القاضي عياض في "الشفا" 2/ 182 بلفظ "ينكر بصره".

(4)

"مصنف عبد الرزاق" 11/ 13 - 14 وفيه الآثار السالفة.

ص: 610

فصل:

{الْفَلَقِ} : الصبح، لأن الليل يفلق عنه، فهو معنى مفلوق، أو كل ما فلقه الله من خلق قال تعالى:{فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام: 95]، أو وادٍ، أو جب في جهنم، أو هو جهنم، إذا فتح صاح أهل النار من شدة حره، والغاسق: الليل كما ذكره عن مجاهد، وقاله ابن عباس أيضًا وقال الحسن: أول الليل إذا أظلم، وقال محمد بن كعب: هو النهار إذا دخل في الليل، وفي رواية: غروب الشمس إذا وجب، وقال أبو هريرة: الغاسق: كوكب، وعنه مرفوعًا:"النجم"، وقال ابن زيد: العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا

(1)

وفي الصحيح عن عائشة مرفوعًا: "القمر"

(2)

وقيل: إذا كسف واسود، {وقب} دخل كما فسره، وقال قتادة: ذهب، واستغربه الطبري

(3)

.

فصل:

وما ذكره في {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} عن ابن عباس هو كذلك لكن قوله: (خنسه الشيطان) الذي في اللغة خنس إذا رجع، و {الْخَنَّاسِ}: الرجاع، وقيل: هو الشيطان يوسوس في الصدر، قال قتادة: له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس

(4)

أي تأخر، وجاء أن له رأسًا كرأس الحية

(5)

، وإذا ترك يطبع في

(1)

انظر: "تفسير القرطبي" الآثار السابقة 12/ 748 - 749.

(2)

هو في الترمذي (3366) وقال: حسن صحيح.

(3)

"تفسير الطبري" 12/ 750 (38379).

(4)

رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 335 (3755).

(5)

ذكره السيوطي في "الدر" 6/ 722 وعزاه لسعيد بن منصور وابن أبي الدنيا وابن المنذر.

ص: 611

القلب يوسوس فيه وقوله: (إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا) يريد لم يدخل المعوذتين في مصحفه، وهو من أفراده لكثرة ما كان يرى الشارع يتعوذ بهما فظن أنهما من الوحي وليسا من القرآن. والصحابة أجمعت عليهما، وأثبتهما في المصحف، وكان أُبَيٌّ رضي الله عنه أدخل سورتي القنوت في مصحفه وهما "اللهم إنا نستعينك" إلى "بالكفار ملحق". وأول السورة الثانية:"اللهم إياك نعبد"

(1)

.

آخر كتاب التفسير ولله الحمد والمنة.

(1)

انظر: "الدر المنثور" 6/ 722 - 723 وعزاه لابن الضريس وابن نصر وابن أبي شيبة.

ص: 612