الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
30 - باب لبس الحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ
5840 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كَسَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُلَّةٌ سِيَرَاءَ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. [انظر: 2614 - مسلم: 2071 - فتح 10/ 296]
5841 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ ابْتَعْتَهَا، تَلْبَسُهَا لِلْوَفْدِ إِذَا أَتَوْكَ وَالْجُمُعَةِ. قَالَ:«إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» . وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ حُلَّةَ سِيَرَاءَ حَرِيرٍ، كَسَاهَا إِيَّاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَقُولُ فِيهَا مَا قُلْتَ! فَقَالَ: «إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا» . [انظر: 886 - مسلم: 2068 - فتح 10/ 296]
5842 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ عليها السلام بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بُرْدَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ. [فتح 10/ 296]
ذكر فيه من حديث شعبة عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: كَسَانِي رسول الله صلى الله عليه وسلم حُلَّةً حرير سِيَرَاءَ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَرَأَيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي.
وحديث ابن عمر أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه رَأى حُلَّةَ سِيَرَاءَ تُبَاعُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْتَعْتَهَا. . الحديث.
وسلف في العيد
(1)
.
(1)
سلف برقم (948) باب: في العيدين والتجمل فيهما.
وحديث أنس بن مَالِكٍ أَنَّهُ رَأى عَلَى أُمِّ كلثوم بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بُرْدَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ.
الشرح:
قال الجياني: كذا إسناد الحديث الأول عند رواة الفربري وغيرهم من رواة البخاري إلا ابن السكن، فإن في روايته: شعبة، عن عبد الملك، عن النزال، عن عليّ، والأول
(1)
هو المحفوظ.
وقد ذكره البخاري أيضًا في غير موضع كما قلناه، وكذلك مسلم وغيرهما
(2)
. وكذلك (هو)
(3)
عند ابن السكن في غير هذا الموضع.
وروينا في "مسند يعقوب بن شيبة" أنه قال: هو حديث ثابت حسن الإسناد، رواه نافع وسالم وابن سيرين وعبد الله بن دينار عن ابن عمر، وهذِه الحلة قد سلف أنها كانت لعطارد.
وفي "مشكل الطحاوي": كانت مع لبيد بن ربيعة
(4)
.
فصل:
والعلماء متفقون أن الحرير مباح للنساء إلا ما روي عن الحسن كما
(1)
يعني ما ذكره البخاري هنا.
(2)
"تقييد المهمل" 2/ 729.
ومواضعه المتعددة في "الصحيح" منها ما سلف برقم (2614) كتاب: الهبة، باب: هدية ما يكره لبسه، وبرقم (5366) كتاب: النفقات، باب: كسوة المرأة بالمعروف، ورواه مسلم برقم (2071) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء. ورواه غيرهما أبو داود (4043)، والنسائي 8/ 197، وأحمد 1/ 90، والطبراني 24/ 437.
(3)
من (ص 1).
(4)
"مشكل الآثار" 12/ 318 (4832).
سلف، قال يونس بن عبيد: كان الحسن يكره قليل الحرير وكثيره
(1)
للرجال والنساء حتى الأعلام في الثياب وأحاديث الباب خلاف قوله، ولو كان الحرير لا يجوز للنساء ماجهل ذلك عليٌ ولا شق الحلة بين نسائه ولا جاز لأم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لباسه.
وروى معمر، عن الزهري، عن أنس قال: رأيت على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة سيراء من حرير
(2)
.
وسيراء بكسر السين وفتح الراء برد فيه خطوط صفر.
وقال الأصمعي: السيراء ثياب فيها خطوط من حرير ويقال من قز، وإنما يقال سيراء لتسير الخطوط فيها.
وقال الزهري: السير المضلع بالقزى
(3)
، وعن الخليل مثله
(4)
.
وهذا مذهب من لم يجز للرجال لباس الثوب إذا خالطه حرير أو كان منه فيه سدى أو لحمة، والآثار تدل على أن الحلة من حرير محض، وروى حماد بن زيد (عن أيوب)
(5)
عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال عمر: يا رسول الله إني مررت بعطارد وهو يعرض حلة حرير للبيع فلو اشتريتها للجمعة والوفد، وذكر الحديث
(6)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 153.
(2)
رواه النسائي 8/ 197، وابن ماجه (3598)، والحاكم 4/ 45 - 46، والطبراني 22/ 437، قال الألباني: شاذ، والمحفوظ: أم كلثوم مكان زينب. "ضعيف سنن ابن ماجه"(789)
(3)
"سنن أبي داود"(4058).
(4)
"العين" 7/ 291.
(5)
من (ص 2).
(6)
"شرح معاني الآثار" 4/ 244 وفيه: (بعطارد، أو بلبيد).
وقال الزهري، عن سالم، عن أبيه: حلة من إستبرق
(1)
، وهو غليظ الحرير، وعلى هذا تدل الآثار أنها كانت من حرير محض.
وفي هذا الحديث، وحديث معاوية: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثياب الحرير
(2)
. النهي عن لبسه مطلقًا للرجال والنساء، وروي عن ابن الزبير
(3)
، ويؤيده حديث عقبة بن عامر أنه صلى الله عليه وسلم كان منع أهله الحلية والحرير، أخرجه ابن حبان
(4)
ويقول: "إن كنتن تحببن حلية الجنة وحريرها فلا تلبسنها في الدنيا"
(5)
ومن حمل النهي على عمومه هو في القياس صحيح، كما في الأواني، لكن النص (ورد)
(6)
بالتفرقة -كما أسلفناه- وعند ذلك تقف الآراء.
وحديث أنس في الباب، قال الطحاوي: إن كان ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه ما يعارض حديث عقبة، وإن كان بعده كان دليلًا على نسخه، وهذا عجيب منه، فأم كلثوم توفيت سنة (تسع)
(7)
قطعًا،
(1)
رواه أبو داود (1077)، والنسائي في "الكبرى" 5/ 463.
وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط البخاري. "صحيح أبي داود"(988).
(2)
رواه النسائي 8/ 161، أحمد 4/ 92، والطبراني 19/ 349. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 119: رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(6886).
(3)
سلف برقم (5833، 5834) باب: لبس الحرير وافتراشه للرجال، ورواه مسلم (2069) عن ابن الزبير عن عمر، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال ..
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: حديث عقبة في النسائي الكبير، عن أبي غسان، عنه، وسنده جيد قلت: هو في النسائي 5/ 434 (9436).
(5)
"صحيح ابن حبان" 12/ 297 - 298.
(6)
من (ص 2).
(7)
في (ص 2): سبع، وهو تحريف، إذ وفاتها رضي الله عنها قولا واحداً سنة تسع، كما في "الاستيعاب" 4/ 507، "الإصابة" 4/ 489.
وغسلتها أم عطية، فلا وجه لقوله: وإن كان بعده، لعله كان قبل بلوغ أنس مبلغ الرجال وقبل الحجاب، وفي (رواية)
(1)
ابن أبي شيبة عن أنس أيضًا أنه رأى على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قميص حرير سيراء
(2)
.
وروى ابن أبي حاتم في "علله" من حديث بقية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه السلام لم يكن يرى بالقز والحرير للنساء بأسًا، قال أبو زرعة: هذا حديث منكر، قلت: تعرف له علة، قال: لا
(3)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 154.
(3)
"علل الحديث" 1/ 488.
31 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَّخِذُ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْبُسْطِ
5843 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَبِثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلْتُ أَهَابُهُ، فَنَزَلَ يَوْمًا مَنْزِلاً فَدَخَلَ الأَرَاكَ، فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُهُ، فَقَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، ثُمَّ قَالَ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ وَذَكَرَهُنَّ اللهُ، رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا، مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِنَا، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي كَلَامٌ، فَأَغْلَظَتْ لِي، فَقُلْتُ لَهَا: وَإِنَّكِ لَهُنَاكِ؟. قَالَتْ: تَقُولُ هَذَا لِي وَابْنَتُكَ تُؤْذِى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم! فَأَتَيْتُ حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي أُحَذِّرُكِ أَنْ تَعْصِي اللهَ وَرَسُولَهُ. وَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهَا فِي أَذَاهُ، فَأَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ لَهَا. فَقَالَتْ أَعْجَبُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، قَدْ دَخَلْتَ فِي أُمُورِنَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ، فَرَدَّدَتْ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدَ أَتَانِي بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ اسْتَقَامَ لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَلِكُ غَسَّانَ بِالشَّأْمِ، كُنَّا نَخَافُ أَنْ يَأْتِيَنَا، فَمَا شَعَرْتُ إِلاَّ بِالأَنْصَارِيِّ وَهْوَ يَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ. قُلْتُ لَهُ: وَمَا هُوَ؟ أَجَاءَ الْغَسَّانِيُّ؟ قَالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَاكَ، طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ. فَجِئْتُ فَإِذَا الْبُكَاءُ مِنْ حُجَرِهَا كُلِّهَا، وَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَعِدَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، وَعَلَى بَابِ الْمَشْرُبَةِ وَصِيفٌ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِي. فَدَخَلْتُ فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِذَا أُهُبٌ مُعَلَّقَةٌ وَقَرَظٌ، فَذَكَرْتُ الذِي قُلْتُ لِحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَالَّذِي رَدَّتْ عَلَيَّ أُمُّ سَلَمَةَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَلَبِثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ. [انظر: 89 - مسلم: 1479 - فتح 10/ 301]
5844 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ
يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتْنَةِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ، كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَتْ هِنْدٌ لَهَا أَزْرَارٌ فِي كُمَّيْهَا بَيْنَ أَصَابِعِهَا. [انظر: 115 - فتح 10/ 302]
ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَبِثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَن أَسْأَلَ عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ المَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقد سلف في النكاح واضحًا في باب موعظة الرجل ابنته
(1)
، وفي آخره: فدخلت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم على حصير قد أثر في جنبه وتحت رأسه مرفقة من أدم حشوها ليف وإذا أهب معلقة وقرظ.
وحديث هِنْدِ بِنْتِ الحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ يَقُولُ: "لَا إله إِلَّا اللهُ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ (الْفِتْنَةِ)
(2)
، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ، كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَوْمَ القِيَامَةِ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَتْ هِنْدٌ لَهَا أَزْرَارٌ فِي كميها بَيْنَ أَصَابِعِهَا. وسلف أيضًا
(3)
، والمرفقة كالوسادة وأصله من المرفق كأنه استعمل في مرفقته واتكأ عليها.
وكان عليه السلام ينام على الحصير حتى تؤثر في جنبه، ويتخذ من الثياب ما يشبه تواضعه وزهده في الدنيا؛ توفيرًا لحظه في الآخرة، وقد خيره الله بين أن يكون نبيًّا ملكًا، وبين أن يكون عبدًا (ملكًا)
(4)
فاختار الثاني إيثارًا للآخرة على الدنيا وتزهيدًا لأمته فيها، ليقتدوا به في أخذ البلغة من الدنيا إذ هي أسلم من الفتنة التي تخشى على من فتحت عليه زهرة الدنيا،
(1)
سلف برقم (5191).
(2)
في (ص 2): الغنيمة.
(3)
سلف برقم (115) كتاب: العلم، باب: العلم والعظة بالليل.
(4)
هكذا بالأصول، والسياق يقتدي نبيًّا.
ألا ترى قوله: "ماذا أنزل الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من الخزائن"، وقرن عليه الفتنة بنزول الخزائن، فدل أن الكفاف في الأمور، عن الدنيا خير من الإكثار وأسلم من الغناء.
فإن قلت: حديث أم سلمة لا يوافق معنى الترجمة، قيل: بلى، وذلك أنه عليه السلام حذر أهله وجميع المؤمنات من لباس دقيق الثياب والواصفة لأجسامهن؛ لقوله:"كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة".
وفهم منه عقوبة لابسه أن يعرى يوم القيامة على رءوس الأشهاد وقام الدليل، من ذلك أنه عليه السلام حض أزواجه على استعمال خشن الثياب الساترة لهن حذرًا أن يعرين في الآخرة، ألا ترى قول الزهري:(وكانت هند)، إلى آخره، وإنما فعلت ذلك؛ لئلا يبدو من سعة كمها شيء من جسدها فيكون، وإن كانت ثيابها غير واصلة لجسدها داخلة في معنى كاسية عارية، ولم يتخذ الشارع ولا أزواجه من اللباس إلا الساتر لهن غير الواصف يوصف كان يعلم السلف، وهو موافق للترجمة.
فصل:
والأهب: جمع إهاب، عن سيبويه
(1)
.
قال الجوهري: الإهاب الجلد ما لم يدبغ، والجمع: أَهَب على غير قياس مثل: أَدَم وأَفَق وعَمَد، قال: وقد قالوا: أهُب بالضم، وهو قياس
(2)
.
(1)
"الكتاب" 3/ 626.
(2)
"الصحاح" 1/ 89. مادة: (أهب).
وقال القزاز في "جامعه": الإهاب الجلد مدبوغًا وغير مدبوغ.
قال: وفي الحديث وفي السير: أيضًا عطنة، فسماها أهبا، وهي قد غطيت، وفيه إذا دُبغ الإهاب فقد طهر، فسماه إهابًا قبل الدباغ، والقَرَظ بفتح القاف والراء، ورق السلَم يدبغ به الأدم.
والأراك المذكور في أوله شجر الحمص، الواحدة: أراكة.
والوصيف: الخادم غلامًا كان أو جارية، كما قاله الجوهري، يقال: وصف الغلام إذا بلغ الخدمة، فهو وصيف بيِّن الوصافة.
قال ثعلب: وربما قالوا للجارية: وصيفة
(1)
.
وقوله: (وتقدمت إليها في أذاه) قال ابن التين: هو بالياء عند أبي الحسن على أنه ممدود. وصوابه: قصره، وكذلك عند أبي ذر.
والمشربة: الغرفة.
والأدم -بفتح الدال- جمع أديم، مثل: أفيق وأفق.
فصل:
وقوله: ("ماذا أنزل الليلة من الفتنة")(يريد)
(2)
ماذا قُدر أن يكون بها.
وقوله: ("من يوقظ صواحب الحجرات") قال سحنون: أي أيقظوا النساء كي يسمعن الموعظة، وقيل: كي يصلين عند نزول الآفات وخوف الفتن، كقوله في الكسوف:"فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة"
(3)
.
(1)
"الصحاح" 4/ 1439. مادة: (وصف).
(2)
من (ص 2).
(3)
سلف برقم (1046) كتاب: الكسوف، باب: خطبة الإمام في الكسوف.
وقوله: ("كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة")، قيل: كاسيات من نعم الله لا يشكرن الله تعالى فهن عاريات من جزاء الشكر يوم القيامة، وقيل: يلبسن ثيابًا رقاقًا تصف ما تحتها فهن كاسيات في الظاهر عاريات في الحقيقة، ومعنى عارية: أي من الأجر.
وقال الداودي: كاسيات يلبسن ما لا يحل (لهن)
(1)
، وعاريات: تحشر عريانة فإن رحمت كسيت وإلا بقيت عريانة في النار.
(1)
من (ص 2).
32 - باب مَا يُدْعَى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا
5845 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ قَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الْخَمِيصَةَ؟» . فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ. قَالَ: «ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ» . فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَلْبَسَهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: «أَبْلِي وَأَخْلِقِي» . مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ، وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ:«يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَا» . وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشِيَّةِ: الحَسَنُ. قَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِي أَنَّهَا رَأَتْهُ عَلَى أُمِّ خَالِدٍ. [انظر: 3071 - فتح 10/ 303]
ذكر فيه حديث أم خالد بنت خالد فذكر حديث "سنا" و"أخلقي"، وقد سلف
(1)
.
قال ابن بطال: من روى "أخلقي" بالقاف فهو تصحيف، و (المعروف)
(2)
في كلام العرب بالفاء، يقال: خلفت الثوب إذا أخرجت باليه ولفقته، يقال: أبل وأخلف أي: عش فخرق ثيابك وارقعها، هذا كلام العرب
(3)
.
قال ابن التين: وقرأنا "أخلفي" بفتح الهمزة رباعيًّا.
وقد روى أبو داود عن عمر بن عوف، عن ابن المبارك، عن الجريري، عن أبي نضرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبًا جديدًا، قيل له: تبلي ويخلف الله
(4)
.
(1)
سلف برقم (3071) كتاب: الجهاد والسير، باب: من تكلم بالفارسية والرطانة.
(2)
في الأصل: الخلوف.
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 117.
(4)
"سنن أبي داود"(4020).
وقوله: (فأُسكت القوم)، هو بضم الهمزة، وقال الأصمعي: سكت القوم: صمتوا، وأسكتوا بمعنى أطرقوا، وقيل: سكت وأسكت بمعنى: صمت.
وعبارة صاحب "الأفعال": يقال: سكت سكوتًا وأسكت: صمت، ويقال: بل معنى (أسكت)
(1)
: أطرق
(2)
.
(1)
في الأصل: سكت.
(2)
"الأفعال" ص 69.
33 - باب التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ
5846 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ. [مسلم: 2101 - فتح 10/ 304]
ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ.
هذا النهي خاص بالجسد كما ادعاه ابن بطال
(1)
، وكذا ابن التين.
وقد روى أبو داود من حديث عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن (عمار بن ياسر)
(2)
قال: قدمت على أهلي ليلاً وقد تشققت يداي فخلقوني بزعفران فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه فلم يرحب بي فقال:"اذهب فاغسل عنك هذا"، فذهبت فغسلته ثم جئت وقد بقي علي منه ردع فسلمت عليه فلم يرد عليّ ولم يرحب بي وقال:"اذهب فاغسل عنك هذا" فذهبت فغسلته ثم جئت (فسلمت)
(3)
فرد عليّ ورحب بي وقال: "إن الملائكة لا تحضر جنازة (لكافر بخير)
(4)
ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب"
(5)
.
وقد رواه عمر بن عطاء بن أبي الجوزاء، عن يحيى بن يعمر، عن رجل، عن عمار فهو حديث معلول
فإن قلت: فنهيه عليه السلام عن التزعفر للرجال محمله التحريم، قيل: لا، بدليل حديث أنس أن عبد الرحمن بن عوف قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة، وروي: وضر صفرة.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 118.
(2)
في (ص 2): (عمارة).
(3)
من (ص 2).
(4)
في (ص 2): (الكافر بخز).
(5)
"سنن أبي داود"(4176)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(1960).
وزاد حماد بن سلمة عن ثابت: وبه ردع من زعفران، فقال له:"مهيم .. " الحديث، ولم يقل له صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة لا تحضر جنازتك بخير، ولا إن هذِه الصفرة التي التصقت بجسمك حرام بقاؤها عليه، ولا أمره بغسلها، فدل أن نهيه عنه لمن [لم]
(1)
يكن عروسًا إنما هو محمول على الكراهة؛ لأن تزعفر الجسد من الرفاهية التي نهى الشارع عنها بقوله: "البذاذة من الإيمان"
(2)
(3)
.
قلت: وأعلى من هذا أن عبد الرحمن لم يقصد ذلك، وإنما وقع على وجه المخالطة، والنهي محمول على من قصده.
(1)
ليست في الأصول والسياق يقتضيها.
(2)
رواه أبو داود (4161)، والطبراني 1/ 271 - 272 (788 - 791)، والحاكم 1/ 51، والبيهقي في "الشعب" 5/ 227 (4670)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 4/ 58 (2002)، 6/ 167 (3396)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 125 (157). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود". قال ابن عبد البر في "الاستذكار" 1/ 330: أراد به طرح الشهوة في الملبس والإسراف فيه الداعي إلى التبختر والبطر لتصح معاني الإيثار ولا تتضاد.
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 118 - 119.
34 - باب الثَّوْبِ المُزَعْفَرِ
5847 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَ المُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ أَوْ بِزَعْفَرَانٍ. [انظر: 134 - مسلم: 1177 - فتح 10/ 305]
ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنه: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَ المُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ أَوْ بِزَعْفَرَانٍ.
اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فحمل قوم نهيه عنه في حال الإحرام خاصة. وقالوا: ألا ترى قول ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم إنما نهى المحرم عن ذلك، وراوي الحديث أعلم بمخرجه وسببه، وأجازوا لباس الثياب المصبوغة بالزعفران في غير حال الإحرام للرجال.
روي ذلك عن ابن عمر، وهو قول مالك وأهل المدينة.
قال مالك ورأيت عطاء بن يسار يلبس الرداء والإزار المصبوغ بالزعفران، ورأيت ابن هرمز ومحمد بن المنكدر يفعلانه، ورأيت في رأس ابن المنكدر الغالية، وحملت طائفة نهيه عنه في حال الإحرام وغيره، وهو قول الكوفيين والشافعي رحمهم الله تعالى
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 119 - 120.
35 - باب الثَّوْبِ الأَحْمَرِ
5848 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ. [انظر: 3551 - مسلم: 2337 - فتح 10/ 305]
ذكر فيه حديث البراء رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا، وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ.
هو مطابق لما ترجم له، وحديث عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن عمه، عن أبي هريرة أن عثمان رضي الله عنه، رأى محمد بن عبد الله بن جعفر وعليه ملحفة معصفرة، فقال (علي)
(1)
: تلبس المعصفر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه؟! فقال: إنه عليه السلام لم ينهه ولا إياك، وإنما نهاني أنا، فسكت عثمان
(2)
.
لا يعارض حديث البراء، هذا وإن جعله الطبري معارضًا، نعم رُوَيتْ فيه أخبار لو كانت مستقيمة الإسناد.
منها: أن أنسًا روى أنه عليه السلام كان يكره الحمرة، وقال: الجنة ليس فيها حمرة.
ومنها: حديث عباد بن كثير عن هشام، عن أبيه أنه عليه السلام كان يحب الخضرة ولا يحب الحمرة.
ومنها: حديث خارجة بن مصعب، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه مثله.
وحديث الحسن بن أبي الحسن أنه عليه السلام قال: "الحمرة زينة
(1)
من (ص 2).
(2)
رواه البيهقي 5/ 61، وقال: هذا إسناد غير قوي.
الشيطان، والشيطان يحب الحمرة"
(1)
.
قال الطبري: وقد اختلف السلف في ذلك، فمنهم من رخص في لبس ألوان الثياب المصبغة بالحمرة، مشبعة كانت أو غير مشبعة.
ومنهم من كره المشبعة، ورخص فيما لم يكن مشبعًا.
ومنهم من كره لبس جميع الثياب مشبعها وغير مشبعها.
ومنهم من رخص فيه للمهنة، وكرهه للبس.
حجة من رخص في جميع ألوان الثياب المصبغة: روى بريدة عن عليّ أنه نهض بالراية يوم خيبر وعليه حلة أرجوان حمراء.
وقال أبو ظبيان: رأيت على عليّ رضي الله عنه إزارًا أصفر.
وقال الأحنف بن قيس: رأيت على عثمان ملاءة صفراء.
وقال عروة بن الزبير: قال عبد الله بن الزبير: كان على الزبير يوم بدر ملاءة صفراء، ونزلت الملائكة يوم بدر معتمين بعمائم صُفر.
وقال ابن سيرين: كان أبو هريرة يلبس المُمَشَّق.
وقال عمران بن مسلم: رأيت على أنس بن مالك إزارًا مُعَصْفرًا.
وكان ابن المسيب يصلي وعليه برنس أرجوان.
ولبس المعصفر عروة والشعبي وأبو وائل وإبراهيم النخعي والتيمي وأبو قلابة وجماعة
(2)
.
وقال مالك في "الموطأ" في الملاحف المعصفرة (للرجال في
(1)
"مصنف عبد الرزاق" 11/ 79، "مسند ابن الجعد" ص 464، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4331). وروي الحديث موصولا عن الحسن، عن عمران بن حصين، بلفظ:"إياكم والحمرة، فإنها حب الزينة إلى الشيطان". رواه الطبراني 18/ 148، وضعفه الألباني أيضًا في "الضعيفة"(1717).
(2)
روى بعض هذِه الآثار ابن أبي شيبة 5/ 157 - 158.
البيوت)
(1)
والأقبية
(2)
: لا أعلم شيئًا من ذلك حرامًا، وغير ذلك من اللباس أحبّ إليّ
(3)
.
وقال غير الطبري: أجاز لبس المعصفر البراء وطلحة بن عبيد الله، وهو قول الكوفيين والشافعي
(4)
.
حجة من رخص فيه فيما امتهن وكره ما لبس: روى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا بأس بما امتهن من المعصفر ويكره ما لبس فيه.
حجة من كره ما اشتدت حمرته، وإباحة ما خف منها: روِي ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد
(5)
.
حجة من كره (لبس)
(6)
جميع ألوان الحمرة: قد سلف فيه أحاديث، وروى أيوب عن إبراهيم الخزاعي حدثتنا: عجوز لنا قالت: كنت أرى عمر إذا رأى على الرجل الثوب المعصفر ضربه وقال: دعوا هذِه البراقات للنساء
(7)
.
ورأى ابن محيريز على ابن أبي علية رداءً موردًا فقال: دع ذا عنا.
وروى يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليّ ثياب معصفرة فقال: "ألقها فإنها ثياب الكفار"
(8)
.
(1)
في (ص 2): (في الثوب).
(2)
في "الموطأ": الأفنية.
(3)
"الموطأ" ص 569.
(4)
"شرح ابن بطال" 9/ 121.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 159.
(6)
من (ص).
(7)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 159.
(8)
رواه مسلم (2077) كتاب: اللباس والزينة، باب: النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، بلفظ:"ثوبين معصفرين" ورواه أحمد 2/ 164، والطبراني في "الأوسط" 1/ 105.
وحجة من أجاز المعصفر والمصبغ بالحمرة للرجال: حديث الباب، والذين كرهوه للرجال اعتمدوا على حديث عبد الله بن عمرو أنه عليه السلام أغلظ القول له في الثياب المعصفرات، والذين لم يروا بامتهانه بأسًا وكرهوا لبسه قالوا: إنما ورد الخبر بالنهي عن لبسه دون امتهانه وافتراشه، وقالوا: لا يعدي بالنهي عن ذلك موضعه، وهو عجيب.
والذين رخصوا فيما خفت حمرته احتجوا بحديث قيلة أنها قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فرأيته قاعدًا القرفصاء وعليه أسمال (ملائتين)
(1)
كانتا بزعفران قد نفضتا
(2)
.
قال الطبري: والصواب عندنا أن لبس المعصفر وشبهه من الثياب المصبغة بالحمرة وغيرها من الأصباغ غير حرام، بل مباح، غير أني أجب للرجال توقي لبس ما كان مشبعًا صبغة، وأكره لهم لبسه ظاهرًا فوق الثياب لمعنيين:
ما روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكراهة.
ولأنه شهرة، وليس من لباس أهل المروءة في زمننا هذا.
وإن كان قد كان من لباس كثير من أهل الفضل الذين قبلنا، فإن الذي ينبغي للرجل أن يتزَّيا في كل زمان بزي أهله ما لم يكن إثمًا، لأن مخالفة الناس في زيهم ضرب من الشهرة، ويكون الجمع بين الحديثين أن لبسه عليه السلام للحمرة؛ ليعلم أمته أن النهي عنه لم يكن للتحريم، وإنما هو للكراهة، إذ كان الله قد ندب أمته إلى الاستنان به
(3)
.
(1)
كذا في الأصول، وفي المتون: مُلَيَّتَيْن.
(2)
رواه الترمذي (2814)، وضعفه الألباني في "مختصر الشمائل"(53).
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 121 - 123.
فصل:
سلف قريبًا أن الحلة ثوبان، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد، وهي برود اليمن.
وقوله: (مربوعًا) أي: لا طويلًا ولا قصيرًا.
36 - باب المِيثَرَةِ الحَمْرَاءِ
5849 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَمَيَاثِرِ الْحُمْرِ. [انظر: 1239 - مسلم: 2066 - فتح 10/ 307]
ذكر فيه حديث أشعث -وهو ابن أبي الشعثاء، سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، مات سنة خمس وعشرين ومائة- عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ البَرَاءِ قَالَ: أَمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَبْعٍ: عِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجنازة، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَمَيَاثِرِ الحُمْرِ.
وقد سلف الحديث
(1)
- وأسلفنا أيضًا الكلام على المياثر.
والإستبرق: غليظ الديباج والحرير، وهو بالفارسية: استبرَهْ.
وكان الأصمعي يقول: عربتها العرب، والسندس مَا رَقَّ منه، أي من الديباج.
والديباج ثياب تتخذ من الحرير.
والقسي سلف تفسيره في بابه
(2)
، وهي ثياب من كتان مخلوط بحرير يؤتى بها من مصر، منسوب إلى قرية على ساحل البحر قريبًا من تنيس يقال لها: القس كما سلف، والدرهم القَسِيِّ على وزن الفَتِيِّ هو الرديء، والجمع قسيان كصبي وصبيان.
(1)
سلف برقم (1239) كتاب: الجنائز، باب: الأمر باتباع الجنائز.
(2)
سلف قريبًا برقم (5838).
وقول البخاري: (الميثرة) هي بكسر الميم لبدة الفرس غير مهموزة.
قال ابن التين: وفيه كراهية الحمرة في لباس الرجال.
وقال الطبري: هي من الأرجوان الأحمر، قال: وهذا لا يوافق مذهب مالك، لأنه غير ممنوع، والله أعلم.
37 - باب النِّعَالِ السِّبْتِيَّةِ وَغَيْرِهَا
5850 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سَعِيدٍ أَبِي مَسْلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. [انظر: 386 - مسلم: 555 -
فتح 10/ 308]
5851 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا. قَالَ: مَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلاَّ اليَمَانِيَيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ، وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمَسُّ إِلاَّ الْيَمَانِيَيْنِ، وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا، وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا، وَأَمَّا الإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ. [انظر: 166 - مسلم: 1187، 1267 - فتح 10/ 308]
5852 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ، وَقَالَ:«مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» . [انظر: 134 - مسلم: 117 - فتح 10/ 308]
5853 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِزَارٌ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَعْلَانِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ» . [انظر: 1740 - مسلم: 1178 - فتح 10/ 308]
السبت -بكسر السين- جلود البقر المدبوغة بالقرظ تتخذ منها
النعال، سميت بذلك لأن شعرها سبت عنها. أي: حلق وأزيل؛ وقيل: لأنها أسبتت بالدباغ أي: لانت. قال أبو سليمان: قيل: إنما قيل لها ذلك، لأنها سبت ما عليها من الشعر
(1)
.
قال ابن التين: فيحتمل على قوله أن تكون السبت مفتوحة؛ لأن السبت بالفتح الحلق.
ذكر حديث حماد بن زيد، عَنْ سَعِيدٍ أَبِي مَسْلَمَةَ (قَالَ)
(2)
: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وقد سلف في الصلاة
(3)
، وأبو مسلمة سعيد بن زيد بن مسلمة الأزدي الطاحي البصري القصير أخرجا له.
وحديث عبيد بن جريج: أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا .. الحديث سلف
(4)
.
وفيه: (أَمَّا النّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النِّعَالَ التِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا).
وحديث ابن عمر: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَ المُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ، وَقَالَ:"مَنْ لَمْ يَجِدْ النَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ".
وقد سلف أيضًا
(5)
.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 2147.
(2)
في الأصل: قلت.
(3)
سلف برقم (386) باب: الصلاة في النعال.
(4)
سلف برقم (166) كتاب: الوضوء، باب: غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين.
(5)
سلف برقم (134) كتاب: العلم، باب: من أجاب السائل بأكثر مما سأله.
والورس نبات أصفر، يصبغ به.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِزَارٌ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَعْلَانِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ".
وقد سلف في الحج أيضًا
(1)
، ولا شك أن النعال من لباسه عليه السلام وخيار السلف، قال مالك: والانتعال من عمل العرب، وفي أبي داود من حديث جابر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال:"أكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكبًا ما انتعل"
(2)
.
وقال ابن وهب: النعال السبتية: التي لا شعر فيها، وقال الخليل
(3)
والأصمعي: السبت فذكرا ما قدمته أول الباب، قال أبو عبيد: إنما ذكرت السبتية، لأن أكثر الجاهلية كان يلبسها غير مدبوغة إلا أهل السعة منهم
(4)
، وذهب قوم أنه لا يجوز في المقابر خاصة، لحديث بشير بن الخصاصية، قال: بينا أنا أمشي في المقابر وعليّ نعلان إذا رجل ينادي من خلفي: "يا صاحب السبتيتين" فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا كنت في مثل هذا الموضع فاخلع نعليك" فخلعتهما
(5)
، فأخذ أحمد بظاهره، ووثق رجاله، وقال باقي الجماعة: لا بأس بذلك احتجاجًا بلبسه عليه السلام لها، وفيه الأسوة
(1)
سلف برقم (1740) باب: الخطبة أيام منى.
(2)
"سنن أبي داود"(4133)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1215).
(3)
"العين" 7/ 239.
(4)
"غريب الحديث" 1/ 288.
(5)
رواه أبو داود (3230)، والنسائي 4/ 96، وابن ماجه (1568)، وأحمد 5/ 83، وابن حبان في "صحيحه" 7/ 441، والطبراني 2/ 43، والحاكم 1/ 373، والبيهقي 4/ 80، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 510، وصححه الألباني في "إروائه"(760).
الحسنة، ولو كان لباسهما في المقابر لا يجوز لبين الشارع ذلك لأمته، وقد يجوز أن يأمره بخلعهما لأذى كان فيهما، ولغير ذلك، يوضحه قوله عليه السلام:"إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم" قاله الطحاوي
(1)
، قال: وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى في نعليه، فلما كان دخول المسجد بالنعال غير مكروه، وكانت الصلاة بهما غير مكروهة كان المشي بها بين القبور أحرى بعدمها
(2)
.
فصل:
وأما الصفرة، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصبغ بها لحيته. وروي عنه أنه كان يصبغ بها ثيابه. روى ابن إسحاق، عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر: رأيتك تصفر لحيتك، فقال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصفر بالورس، فأنا أحب أن أصفر به كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، وهو في الكتاب بلفظ: يصبغ بالصفرة، فأنا أحب أن أصبغ بها
(3)
.
قال ابن التين: قيل: معناه: يصفر لحيته، وقيل: ثيابه، وقال: من تأوله بصفرة الثياب قال: إن مالكًا قال: لم يصبغ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع أن ابن عمر كان يأمر بشيء من زعفران ومشق فيصبغ به ثوبه فيلبسه، قال عبد الرزاق: وربما رأيت معمرًا يلبسه
(4)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 510
(2)
"شرح معاني الآثار" 1/ 511 - 512.
(3)
رواه ابن ماجه (3626)، وابن أبي شيبة 5/ 185، وابن سعد 4/ 179، 4/ 181، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
(4)
"المصنف" 11/ 78 (19968).
وروى ابن وهب، أخبرني عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران، حتى العمامة
(1)
.
قال المهلب: والصفرة أبهج الألوان (إلى النفوس)
(2)
، كذلك قال ابن عباس: أحسن الألوان كلها الصفرة، وتلا قوله:{صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة: 69].
فصل:
قال الخطابي: وقد يمكن أن يستدل بلباسه عليه السلام النعال السبتية على أن الدباغ لا تأثير له في شعر الميتة، وأن الشعر ينجس بموت الحيوان، فكذلك اختار لباس ما لا شعر له إذ كانت النعال تكون من جلود الميتات المدبوغة والمذكيات المذبوحة
(3)
، ومذهب مالك خلاف هذا، وأن الشعر لا تحل فيه الروح ولا ينجس بالموت.
فصل:
وقوله: (رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانين). يريد: الركن الأسود واليماني، وهذا مذهب الفقهاء
(4)
، وكان ابن الزبير يمس سائر الأركان، والأول هو القوي للاتباع، واليمانين بتخفيف الياء.
(1)
لم أقف عليه بهذا الإسناد، ورأيت في "مسند أحمد" 2/ 97، عن إسحاق بن عيسى، حدثنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، وليس فيه ذكر العمامة.
(2)
من (ص 2).
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2147.
(4)
في هامش الأصل: وهذا منقول عن معاوية وابن الزبير ولكن في حفظي أن ابن الزبير إنما فعل ذلك لما ردها على القواعد، ولو ردت على القواعد لاستلم الكل، والله أعلم.
قال الهروي: يقال: رجل يمان، والأصل يماني، فخففوا ياء النسبة، كقولهم تهامون، والسعدون، والأشعرون.
فصل:
قيل: التصفير السالف ليس بصباغ، وإنما الصباغ الذي يغير الشيب، نحو ما أمر به عليه السلام أبا قحافة حين أتي به النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه ولحيته كالثغامة فأمر بتغيير شيبة وقال:"جنبوه السواد"
(1)
.
وفي "الموطأ": أن عبد الرحمن بن عبد يغوث كان أبيض الشعر يحمر لحيته ورأسه، (قال)
(2)
: إن عائشة رضي الله عنها أقسمت عليّ لأصبغن وأخبرتني أن أبا بكر كان يصبغ.
قال مالك: ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصبغ ولو صبغ لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن، وكل ذلك واسع إن شاء صبغ أو ترك.
وقال مالك: في صبغه بالسواد لم أسمع في ذلك شيئًا (معلوما)
(3)
وغيره من الصبغ أحب إليَّ، وبه قال الشافعي.
وقيل: يصبغ به، و (قيل)
(4)
: لا يغير شعره بسواد ولا غيره، وقيل: إن من كثر شيبة كأبي قحافة غيره، ومن قل لم يغيره، وهذا معنى الخبرين الواردين.
(1)
"الموطأ" ص 589.
(2)
في (ص 2): يقال.
(3)
في (ص 2): فعلتها.
(4)
من هامش الأصل وأعلاها: لعله سقط.
فصل:
وقوله: (حتى تنبعث به راحلته). هو قول ابن حبيب، وأصح قولي الشافعي.
ومذهب مالك: تهل عند الاستواء قائمة، وقيل: معنى: (حتى تنبعث). أي: تنبعث من الأرض إلى القيام.
38 - باب يَبْدَأُ بِالنَّعْلِ اليُمْنَ
5854 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ. [انظر: 168 - مسلم: 268 - فتح 10/ 309]
ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ.
هذا الحديث سلف في الوضوء
(1)
، وهو من باب: الأدب وتفضيل الميامن على المياسر في كل شيء.
(1)
سلف برقم (168) باب: التيمن في الوضوء والغسل.
39 - باب يَنْزِعُ نَعْلَ اليُسْرَى
5855 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، لِتَكُنِ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ» . [انظر: 5855 مسلم: 2097 - فتح 10/ 311]
ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكمْ فَلْيَبْدَأْ باليمنى، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، لِتَكُنِ اليُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ".
وهذا معناه أيضًا تفضيل اليمين على الشمال كالحديث الأول، فإن المنتعلة أفضل، وتوقي (النزع)
(1)
لتأخذ حظها، وقيل: لأن الميامن قوة في الأفعال وأشد في البطش، فلهذا بدئ بها في الوضوء والانتعال.
وأما الاستنجاء، ومس الذكر، فيكره لفضلها ودناءة ذلك.
وقال ابن وضاح: كلامه عليه السلام إلى قوله: "فليبدأ بالشمال" يعني و (الباقي)
(2)
من الراوي. ولا يظهر لي ذلك.
(1)
من (ص 2).
(2)
في (ص 2): الثاني.
40 - باب لَا يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدة
5856 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِيُحْفِهِمَا [جَمِيعًا] أَوْ لِيَنْعَلْهُمَا جَمِيعًا» . [5856 - مسلم: 2097 - فتح 10/ 309]
ذكر فيه حديث أبي هريرة أَنه عليه السلام -قَالَ: "لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَنْعَلْهُمَا جَمِيعًا".
النعل: الحذاء، مؤنثة، يقال: نعلت وانتعلت إذا لبست النعل، ونهيه عن المشي في نعل واحدة؛ لأنه معلوم أن المشي قد يشق على هذِه الحال؛ لأن رفع إحدى الرجلين من الماشي على حفاء إنما يكون مع التوقي لأذى نفسه، ويكون وضعه الأخرى على خلاف ذلك من الاعتماد والوضع لها من غير محاشاة وتقية، فيختلف من أجل ذلك مشيه، ويحتاج لذلك أن يتقلل من سجية المشي المعتاد، فلا يأمن مع ذلك من الغبار مع سماجته في الشكل وقبح المنظر، إذ يتقي في مشيه كالأعرج، قاله الخطابي
(1)
.
وقيل: لأنه مأمور بالعدل بين جوارحه وهو من باب المثلة.
وعبارة (الأبهري)
(2)
: نهى عنه لأنه (يخرج مشيه)
(3)
إلى اختلال الرأي وضعف المسير.
وقال الداودي: ويذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تخالف هذا، فإن ثبت عنها فلم ينقلها.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 2149.
(2)
في (ص 2): الهروي.
(3)
في (ص 2): يتسبب.
وروى وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار قال: انقطع شسع نعل ابن عمر فمشى أذرعًا في نعل واحدة
(1)
.
قلت: يرده ما يأتي، قال في "المعونة": ويجوز ذلك في الشيء الخفيف إذا كان هناك عذر، وهو أن يمشي في إحداهما متشاغلا لإصلاح الأخرى، وإن كان الاختيار أن يقف إلى الفراغ منها
(2)
.
قال الخطابي: ويدخل في النهي عن ذلك كل لباس شفع كالخفين، ولبس الرداء على المنكبين لا يدخل الرداء على أحد الشقين ويخلي (الأخرى)
(3)
، وهو فعل العوام، وأبدع العوام في آخر الزمان لبس الخواتيم في اليدين، وليس ذلك من جملة هذا الباب
(4)
.
قلت: في ابن أبي شيبة: "ولا في خف واحد"، وفي لفظ:"إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشِ في الأخرى حتى يصلحها"
(5)
.
وكذا قال الطحاوي في "مشكله": النهي فيه صحيح، (ومعناه)
(6)
بيّن؛ لأن من لبس نعلًا واحداً أو خفًّا واحدًا كان ذلك عند الناس سخرية، لأنه مما ليس يستحسن من لباس الناس، فمثل هذا لو لم يكن فيه نهي لوجب أن ينهى عنه
(7)
.
(1)
رواه عبد الرزاق 11/ 166.
(2)
"المعونة" 2/ 582.
(3)
في "أعلام الحديث": الآخر.
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 2150.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 176.
(6)
من (ص 2).
(7)
"شرح مشكل الآثار" 3/ 289.
فصل:
روينا في "الجعديات": أنا زهير عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في نعل واحد حتى يصلح شسعه، و (لا يمشي)
(1)
في الخف الواحد"
(2)
.
وأما ما رواه ابن شاهين في "ناسخه" من حديث جبارة بن المغلس ثنا مندل -يعني: ابن علي- عن ليث، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ربما انقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمشي في نعل واحدة حتى يصلحها أو تصلح له
(3)
، فواهٍ لا يعارضه.
وفي "علل الترمذي" من حديث ليث، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه (عن عائشة رضي عنها قالت: ربما مشى النبي صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة. وروى ابن عُلية والثوري عن عبد الرحمن عن أبيه)
(4)
عنها أنها مشت في خف واحد. قال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: الصحيح عن عائشة موقوف
(5)
.
(1)
كُتِب في صلب الأصل فوق هذِه الكلمة: كذا.
قلت: جادَّةُ الرَّسْم كتابتها بلا ياء، ويخرج ما في الأصل على وجهين:
الأول: أنها مشبعة، فالمضارع هنا مبنيٌّ على حذف حرف العلة، فكسرت الشين، فنشأ عنها الياء، وعليه فياء العلة زائدة، وشاهده قول أبي عمرو بن العلاء منشدًا: .. لم تهجو ولم تدع.
الآخر: أنها تعامل معاملة الفعل الصحيح، على لغة بعض العرب.
انظر: "أمالي ابن الشجري" 1/ 128 - 129، "الإنصاف" لابن الأنباري 1/ 23 - 30.
(2)
"مسند ابن الجعد" ص 384 (2630).
(3)
"ناسخ الحديث ومنسوخه" ص 402.
(4)
من الأصل.
(5)
"علل الترمذي" 2/ 746.
وروى ابن أبي شيبة، عن ابن إدريس، (عن ليث)
(1)
عن نافع أن ابن عمر كان لا يرى بأسًا أن يمشي في نعل واحدة، إذا انقطع شسعه ما بينه وبين أن يصلح.
قال: وثنا ابن عيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تمشي في خف واحد، وتقول: لأخالفن أبا هريرة.
ومن حديث رجل من مزينة: رأيت عليًّا رضي الله عنه يمشي في نعل واحدة بالمدائن، وعن زيد بن محمد أنه رأى سالما يمشي في نعل واحدة
(2)
.
فائدة:
الشِّسْع -بكسر الشين المعجمة، ثم مهملة ساكنة، ثم عين مهملة-: أحد سيور النعل الذي يدخل بين الأصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام، والزمام هو السير الذي يعقد فيه الشسع.
قال عياض: وجمعه شُسُوع
(3)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 176.
(3)
انظر: "مشارق الأنوار" 2/ 258، "شرح مسلم" للنووي 14/ 74.
41 - باب قِبَالَانِ فِي نَعْلٍ، وَمَنْ رَأَى قِبَالاً وَاحِدًا وَاسِعًا
5857 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ نَعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهَا قِبَالَانِ. [5858 - فتح 10/ 312]
5858 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ بِنَعْلَيْنِ لَهُمَا قِبَالَانِ، فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: هَذِهِ نَعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 5857 - فتح 10/ 312]
القبال -بكسر القاف-: زمام النعل، وهو: السير الذي يكون بين الأصبعين الوسطي والتي تليها، وقد أقبل نعله وقابلها:(إذا عمل لها قبالًا وفي الحديث: "قابلوا النعال" أي: اعملوا عليها القبال، قال أبو عبيد: وقد فسره بعضهم بأن يثني ذؤابة الشراك إلى العقدة، والأول هو الوجه)
(1)
(2)
.
ذكر فيه حديث همام، عَنْ قَتَادَةَ، عن أَنَس رضي الله عنه أَنَّ نَعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهَا قِبَالَانِ.
وحديث عيسى بن طهمان قَالَ: أخَرَجَ إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَعْلَيْنِ لَهُمَا قِبَالَانِ، فَقَالَ ثَابِتٌ: هذِه نَعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: (همام) كذا هو في الأصول، قال الجياني: وفي نسخة أبي محمد بن راشد، عن ابن السكن:(هشام) بدل (همام)، وليس بشيء، وقد رواه النسائي في ("سننه")
(3)
من طريق همام أيضًا
(4)
.
(1)
"غريب الحديث" 1/ 429.
(2)
من (ص 2).
(3)
من (ص 2).
(4)
"سنن النسائي" 8/ 217.
(وروى من طريق حماد بن سلمة، ثنا قتادة، عن أنس)
(1)
.
أما حكم الباب: فهذا كله مباح قبالان وقبال، وليس في ذلك شيء لا يجزئ غيره
(2)
ومعنى لها قبالان: مجعول لها ذلك، إذ لا معنى للإضافة إلا ذاك أو نحوه، ولعله يكون مشتقًا من قبال القد، وقبال كل شيء أوله، وقبله أيضًا، ومنه للناصية والعرف القبال، لأنهما يستقبلان الناظر.
وهاتان النقطتان موضع القبالين.
.................
وهذِه صفة نعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما رواه لنا الثقات بالأسانيد إلى الصديقة عائشة رضي الله عنها.
وروينا بالإسناد من مشايخنا من مبتدئه إلى منتهاه أن هذا التمثال المشرف كان عند الصديقة عائشة رضي الله عنها وتوارثوه إلى هلم جرا، وبإسنادنا إلى أبي الحسن علي بن إبراهيم البلنسي لنفسه:
(1)
من (ص 2).
(2)
من هنا إلى آخر الباب من (ص 2).
يا مبصرًا تمثال نعل نبيه
…
قبل مثال النعل لا متكبرا
واعلق به فلطالما علقت به
…
قدم النبي مروحًا ومبكرا
أو ما ترى أن المحب يقبل
…
طللا وإن لم يلف فيه مخبرا
زاد الأستاذ أبو أمية إسماعيل بن سعد السعود الإشبيلي:
ولربما ذكر المحب حبيبه
…
لشبهه فغدا له متصورا
أو ما رأيت الصحف تنقل حكمها
…
فيوافق المتقدم المتأخرا
والمرء يهوى بالسماع ولم يكن
…
يخلى الذي قد هام فيه مبصرا
ويظن حين يرى اسمه في رقعة
…
أن قد رأى فيها الحبيب مصورًا
لا سيما في حق نعل لم يزل
…
صونًا لأخمص خير من وطِئ الثرى
فعساك تلثم في غد من لثمها
…
كأس النبي إذا وردت الكوثرا
صلى عليه وسلم تسليمًا كثيراً.
آمين. آمين. آمين)
(1)
(1)
من (ص 2).
42 - باب القُبَّةِ الحَمْرَاءِ مِنْ أَدَمٍ
5859 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالاً أَخَذَ وَضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ. [انظر: 187 - مسلم: 503 - فتح 10/ 313]
5860 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ح. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الأَنْصَارِ، وَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ. [انظر: 3146 - مسلم: 1059 - فتح 10/ 313]
ذكر فيه حديث أبي جحيفة: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ وَضُوءًا. الحديث، وقد سلف
(1)
، والوَضوء بفتح الواو: ما يتوضأ به على الأصح.
ثم قال: حَدَّثنَا أَبُو اليَمَانِ، أنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ قَالَ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الأَنْصَارِ، وَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ.
هذا التعليق وصله الإسماعيلي، عن ابن هانئ، ثنا الرمادي، ثنا أبو صالح، ثنا الليث به.
وفيه: أن الأدم يجوز استعماله في القباب والبسط، وما أشبه ذلك للأئمة الصالحين.
(1)
سلف برقم (187) كتاب: الوضوء، باب: استعمال فضل وضوء الناس.
43 - باب الجُلُوسِ عَلَى الحَصِيرِ وَنَحْوِهِ
5861 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ حَتَّى كَثُرُوا، فَأَقْبَلَ فَقَالَ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ» . [انظر: 729، 1970 - مسلم: 782، 761 - فتح 10/ 314]
ذكر فيه حديث عائشة: رضي الله عنها أَنه عليه السلام كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي، وَيَبْسُطُهُ بِالنَهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، الحديث، وقد سلف
(1)
.
وفيه: تواضعه ورضاه باليسير، وجلوسه على الحصير، وصلاته عليها ليسن ذلك لأمته. ومعنى:(يحتجر) يتخذ.
وقوله فيه: (فجعل الناس يثوبون إليه) أي: يرجعون ويجيئون.
(1)
سلف برقم (729) كتاب: الأذان، باب: إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة.
44 - باب الْمُزَرَّرِ بِالذَّهَبِ
5862 -
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّ أَبَاهُ مَخْرَمَةَ قَالَ لَهُ: يَا بُنَيِّ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَتْ عَلَيْهِ أَقْبِيَةٌ فَهْوَ يَقْسِمُهَا، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ، فَذَهَبْنَا فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْزِلِهِ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيِّ، ادْعُ لِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: فَأَعْظَمْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَدْعُو لَكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ. فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ، فَقَالَ:«يَا مَخْرَمَةُ، هَذَا خَبَأْنَاهُ لَكَ» . فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. [انظر: 2599 - مسلم: 1058 - فتح 10/ 314]
وقال اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّ أَبَاهُ مَخْرَمَةَ قَالَ لَهُ: يَا بُنَيِّ، (انطلق بنا، بَلَغَنِي)
(1)
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَتْ عَلَيْهِ أَقْبِيَة .. الحديث.
وفي آخره: فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ، فَقَالَ:"يَا مَخْرَمَةُ، هذا خَبَأْنَاهُ لَكَ". فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
هذا التعليق وصله الإسماعيلي عن يوسف القاضي، ثنا كامل بن طلحة، ثنا الليث فذكره.
وأخرجه الحازمي من حديث أبي الشيخ ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا، ثنا ابن خالد (الرملي)
(2)
، حدثنا الليث به
(3)
. وفي بعض النسخ: ثنا قتيبة، حدثنا الليث. كذا ذكره خلف وغيره
(4)
.
(1)
في (ص 2): إنه بلغني.
(2)
في الأصل: البرمكي، وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 32/ 114.
(3)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" ص 179.
(4)
في هامش الأصل: وكذا هو في أطراف المزي قال في عزوه: في الهبة، وفي اللباس عن قتيبة عن الليث. [انظر:"الأطراف"(11268)].
وأخرجه في الشهادات متصلًا من حديث أيوب عن ابن أبي مليكة به
(1)
.
فإن قلت: قوله: (وعليه قباء) ظاهر في لبسه، أجاب عنه ابن بطال بأن هذا كان في أول الإسلام
(2)
-والله أعلم- قبل تحريم الذهب والحرير
(3)
.
وأما ابن التين فأوله حيث قال: قوله: (وعليه قباء) يريد: في يده؛ لأنه عليه السلام لا يخبئ لمخرمة شيئًا ثم يلبسه. وأيضاً فإنه حرير إلا إن كان ذلك قبل تحريمه. قال: وكان مخرمة في خلقه شيء فأعطاه إياه ليكسوه النساء أو يبيعه، قال: وسكت عن أن ينهاه عن لبسه؛ لعلم المعطى بالنهي.
قلت: هذا عجيب.
وأما الحازمي فقال: إنه منسوخ بحديث جابر: لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا قباء ديباج أهدي إليه، ثم أوشك أن ينزعه. وبحديث عقبة بن عامر أنه عليه السلام صلى في فروج حرير ثم نزعه وقال:"إن هذا ليس من لباس المتقين"
(4)
.
وفيه: أن الخليفة والعالم إذا زال عن موضع قعوده للناس ونظره بينهم وتعليمه لهم أنه يجوز دعاؤه وإخراجه لما يعن إليه من حاجات الناس، وأن خروجه لمن دعاه من التواضع والفضل.
(1)
سلف برقم (2657) باب: شهادة الأعمى.
(2)
في هامش الأصل: مخرمة أسلم في الفتح.
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 129.
(4)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" ص 179 - 180.
45 - باب خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ
5863 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: نَهَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَبْعٍ: نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ -أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ- وَعَنِ الْحَرِيرِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَالْقَسِّيِّ، وَآنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَأَمَرَنَا بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِى، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ. [انظر: 1239 - مسلم: 2066 - فتح 10/ 315]
5864 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ. وَقَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ النَّضْرَ، سَمِعَ بَشِيرًا مِثْلَهُ. [مسلم: 2089 - فتح 10/ 315]
5865 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِى كَفَّهُ، فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ، فَرَمَى بِهِ، وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ أَوْ فِضَّةٍ. [5866، 5867، 5873، 5876، 6651،
7298 -
مسلم: 2091 - فتح 10/ 315]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث البراء: نَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: عن خَاتَمِ الذَّهَبِ أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الفضة .. الحديث. وقد سلف
(1)
.
ثانيها: حديث غندر عن شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ ابْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ. وَقَالَ عَمْرٌو: أنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ النَّضْرَ، سَمِعَ بَشِيرًا مِثْلَهُ.
(1)
سلف برقم (1239) كتاب: الجنائز، باب: الأمر باتباع الجنائز.
ثالثها: حديث ابن عمر: أنه عليه السلام اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ، فَرَمَى بِهِ، وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ أَوْ فِضَّةٍ.
ثم قال:
46 - باب خَاتَمِ الفِضَّةِ
5866 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ -أَوْ فِضَّةٍ- وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. فَاتَّخَذَ النَّاسُ مِثْلَهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَدِ اتَّخَذُوهَا رَمَى بِهِ، وَقَالَ:«لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا» . ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ، حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ. [انظر: 5865 - مسلم: 2091 - فتح 10/ 318]
ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور أبسط منه. زاد: وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. وزاد "والله لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا". ثُمَّ اتَّخَذَ مِنْ فِضَّةٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الفِضَّةِ. قَالَ ابن عُمَرَ: فَلَبِسَ الخَاتَمَ بَعْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ رضي الله عنه حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ.
ثم قال:
47 - باب
5867 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ، دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَنَبَذَهُ فَقَالَ: «لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا» . فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. [انظر: 5865 - مسلم: 2091 - فتح 10/ 318]
5868 -
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الْخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَزِيَادٌ وَشُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ مُسَافِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَرَى خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ. [مسلم: 2093 - فتح 10/ 318]
وساق فيه حديث ابن عمر مختصرًا ولفظه: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَنَبَذَهُ فَقَالَ: "لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا". فَنبذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.
ثم ذكر حديث يونس، عن الزهري، عن أنس رَأى فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ فَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ النبي صلى الله عليه وسلم خَاتَمَهُ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَزِيَادٌ وَشُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ ابن مُسَافِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَرى خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ.
ثم قال:
48 - باب فَصِّ الخَاتَمِ
5869 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ: هَلِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا؟ قَالَ: أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ. قَالَ:«إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا» . [انظر: 572 - مسلم: 640 - فتح 10/ 321]
5870 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 65 - مسلم: 2092 - فتح 10/ 322]
وذكر عن حميد قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ رضي الله عنه: هَلِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا؟ قَالَ: أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ العِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلى وَبِيصِ خَاتَمِهِ. قَالَ:"إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا".
وعن حميد عنه أَنه عليه السلام كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
ابن مسافر هو: عبد الرحمن بن خالد بن مسافر أبو خالد الفهمي المصري (واليها مولى)
(1)
الليث، من أفراد البخاري
(2)
. وزياد هو ابن سعد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الخرساني البلخي، سكن مكة وكان شريك ابن جريج، ثم انتقل إلى اليمن ومات به
(3)
.
(1)
في الأصل: وإليها ينسب. والمثبت من (ص 2) وهو الصواب كما في "تهذيب الكمال".
(2)
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 17/ 76.
(3)
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 9/ 474 - 475.
وقد روي حديث أنس من طريق ثالث، (عن شعبة أخرجه ابن منجويه في كتاب "الخاتم" من حديث حجاج بن نصير عنه به بلفظ: نهاني)
(1)
عن خاتم الذهب. وفي رواية: رأى على رجل خاتمًا من ذهب فأخذه فحذف به. ولابن شاهين في حديث ابن عمر: "هلاك أمتي في الذهب والحرير"
(2)
.
ولابن منجويه: الذي وقع منه الخاتم رجل من الأنصار اتخذه عثمان على خاتمه
(3)
.
وفي "علل أبي جعفر": ذهب يوم الدار، فلا ندري أين ذهب.
ولابن منجويه: هلك من يد معيقيب الدوسي.
وقوله: (تابعه إبراهيم) إلى آخره أخرجه أبو داود
(4)
من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عنه أنه رأى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ورق يومًا واحداً، فصنع الناس فلبسوا، وطرح النبي وطرح الناس.
ثم قال: رواه عن الزهري زياد بن سعيد، وشعيب بن أبي حمزة وابن مسافر كلهم قال: من ورق
(5)
. وقال الإسماعيلي: حدثنا أبو يعلى، ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة وبشر بن الوليد.
قال عبد العزيز: حدثني إبراهيم بن سعد فذكر: من ورق.
(1)
من (ص 2).
(2)
"ناسخ الحديث ومنسوخه" ص 444.
(3)
في هامش الأصل: في البخاري ومسلم سقوطه من عثمان من حديث ابن عمر. وفي مسلم من حديث ابن عمر أيضًا سقط من معيقيب. وفي النسائي من حديثه أيضًا سقوطه من أنصاري.
(4)
في هامش الأصل: حاشية: أخرجه مسلم أيضًا.
(5)
"سنن أبي داود"(4221).
وحديث شعيب رواه عن الفضل بن عبد الله، ثنا عمر بن عثمان، ثنا بشر بن بشر بن شعيب بن أبي (حمزة)
(1)
وحديث زياد رواه الإسماعيلي أيضًا عن الحسن، حدثنا ابن عبد الله بن نمير وإسحاق بن منصور، ثنا روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن زياد.
وحديث ابن مسافر رواه الإسماعيلي (عن إبراهيم)
(2)
عن إبراهيم بن موسى، أنا أبو الأحوص، ثنا ابن عفير، ثنا الليث عنه، وكلهم قال: من ورق.
قال الإسماعيلي: وحديث ابن أبي عتيق وموسى بن عقبة. فإن ابن ناجية وموسى بن العباس أخبراني، عن أبي إسماعيل الترمذي، ثنا أيوب بن سليمان حدثني أبو بكر عن سليمان بن أبي عتيق وموسى عن الزهري.
قال الإسماعيلي: هذا الخبر إن كان محفوظًا، فإن الأخبار عن يونس تدل على أنه عليه السلام لبس الخاتم، وكذلك روى ابن عمر. فينبغي أن يكون تأويله أنه اتخذ خاتمًا من ورق على لون من الألوان، وكره أن يتخذ الناس مثله، فلما اتخذوه رمى به حتى رموا به، ثم اتخذ بعد ما اتخذه ونقش عليه لما احتاج إلى الختم، وقوله للمتزوج:"التمس ولو كان خاتمًا من حديد" فيه دليل على استعمالهم خواتيم الفضة إلى أدناها.
قال: وقول البخاري: باب: فص الخاتم. وذكر فيه حديث أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه في أصبعه. ليس في الباب الذي ترجمه.
(1)
في هامش الأصل: كان ينبغي أن يقول عن أبيه به. ويحتمل أنه قال: حدثنا بشر، عن شعيب بن أبي حمزة. فغلط الناسخ.
(2)
كذا في الأصول، وفي الأصل أعلاها: كذا.
قلت: بلى؛ لأنه لا يسمى خاتمًا إلا إذا كان فيه فص، وإلا فهو فتخة.
وروي حديث الباب من طرق أخرى:
أحدها: من حديث ابن مسعود أنه عليه السلام نهانا عن خاتم الذهب
(1)
.
ثانيها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب
(2)
.
وثالثها: من حديث عائشة رضي الله عنها: أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلية فيها خاتم من ذهب، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لمعرض عنه، ثم دعا ابنة ابنته أمامة فقال:"تحلي بهذا يابنية" رواها ابن أبي شيبة
(3)
.
رابعها: من حديث أنس رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يد رجل خاتمًا من ذهب، فضرب يده بقضيب كان معه حتى رمى به
(4)
. أخرجه ابن منجويه، وفي كتاب "الورع" لأحمد: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا قال: "شغلني هذا عنكم منذ اليوم، أنظر إليه نظرة وإليكم نظرة" ثم رمى به
(5)
.
ومن حديث جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم بخاتم من ذهب، فطفق الناس ينظرون إليه، فوضع يده اليمنى
(1)
رواه أحمد 1/ 439، وابن أبي شيبة 5/ 194، وابن حبان 12/ 496، والطبراني 10/ 210، وصححه الشيخ أحمد شاكر في "تخريجه للمسند".
(2)
رواه ابن ماجه (3643)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 194.
(4)
رواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 83 (8034).
(5)
"الورع" ص 80.
على خنصره، ثم رجع إلى البيت فرمى به. ولابن منجويه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن. جده، قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وخاتم الحديد. ولابن شاهين من حديث ميمون بن (سنباذ)
(1)
عن عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعًا: "من لبس الذهب من أمتي فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة ومن لبس الحرير منهم فكذلك"
(2)
.
ولابن منجويه من حديث عمرو، عن طاوس قال: كان في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم من ذهب، فنظر إليه نظرة (وإليهم نظرة)
(3)
، ثم ألقاه فلم يلبسه.
ومن حديث حفص الليثي، عن عمران بن حصين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التختم بالذهب
(4)
.
ولابن شاهين من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من أحب أن يطوق حبيبه طوقًا من نار فليطوقه طوقًا من ذهب، ومن أحب أن يسور حبيبه (حلقة)
(5)
من نار فليسوره سوارًا من ذهب، ومن أحب أن يحلق حبيبه
(1)
كذا بالأصل، وصوابه أستاذ، فإنه يروي عن عبد الله بن عمرو كما في "التاريخ الكبير" 7/ 339 (1456)، و"الجرح والتعديل" 8/ 233، و"الثقات" 5/ 418، ولعله التبس بميمون بن سنباذ، يقال أن له صحبة.
وله ترجمة في "التاريخ الكبير" 7/ 337، "الثقات" 3/ 382.
(2)
"ناسخ الحديث ومنسوخه" ص 444 (585).
(3)
من (ص 2).
(4)
رواه الترمذي (1738)، والنسائي 8/ 170، وأحمد 4/ 443، وابن حبان 12/ 227 (5406)، والطبراني 18/ 201، والنسائي في "الكبرى" 5/ 447. وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (6869).
(5)
في (ص 2): بسوار.
حلقة من نار فليحلق حلقة من ذهب، ولكن عليكم بالفضة العبوا بها لعبًا"
(1)
، ثم قال: كان في أول الإسلام يلبس الرجال خواتيم الذهب وغير ذلك، وكان الحظر قد وقع على الناس كلهم، ثم أباحه للنساء فقط، وصار ما كان على النساء من الحظر مباحًا لهم، فنسخت الإباحة الحظر
(2)
.
وترجم الحازمي: باب: لبس الخواتيم، وذكر عن محمد بن مالك قال: رأيت على البراء بن عازب خاتمًا من ذهب، فقال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمًا فألبسنيه وقال: "البس ما كساك الله ورسوله"(وقد أخرجه أحمد عن أبي عبد الرحمن، عن أبي رجاء، عن محمد بن مالك)
(3)
(4)
.
ومن حديث إسماعيل بن محمد بن سعد، عن عمه أنه رأى على سعد بن أبي وقاص خاتمًا من ذهب وعلى صهيب وعلى طلحة بن عبيد الله.
ثم ذكر أن هذا منسوخ بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه السلام لبس خاتمًا من ذهب، ثلاثة أيام ثم رمى به، فلا ندري ما فعل.
ثم قال: وحديث البراء ليس إسناده بذلك، وإن صح فهو منسوخ؛ للأحاديث الثابتة.
فأما استعمال البراء للخاتم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه لم يبلغه النهي، وكذلك (العذر)
(5)
عن طلحة وسعد وصهيب
(6)
.
(1)
"ناسخ الحديث ومنسوخه" ص 443
(2)
"ناسخ الحديث ومنسوخه" ص 444.
(3)
من (ص 2).
(4)
"مسند أحمد" 4/ 294.
(5)
من (ص 2).
(6)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" ص 180 - 181.
قلت: ذلك عن البراء وهو راوي الحديث: نهينا عن سبع، وذكر منها خواتيم الذهب.
وقوله: إن حديث البراء ليس إسناده بذاك. ليس بجيد، فقد رواه عليّ بن الجعد، عن شعبة، عن أبي إسحاق بعلة من غير رفع، ورواه ابن منجويه في الخاتم، من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق: رأيت في يد البراء خاتم ذهب، فصه ياقوتة، (
…
)
وروى ابن أبي شيبة عن ابن نمير، عن مالك بن مغول، عن أبي السفر قال: رأيت على البراء خاتم ذهب. وعن حذيفة أنه كان في يده خاتم ذهب فيه ياقوتة. وعن سماك بن حرب قال: رأيت على جابر بن سمرة خاتمًا من ذهب، ورأيت على عكرمة خاتم ذهب.
وعن ثابت بن عبيد قال: رأيت على عبد الله بن يزيد خاتم ذهب.
وعن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن أبي أسيد، قالا: نزعنا من يد أبي أسيد خاتم ذهب حين مات، وكان بدريًّا.
وحدثثا مروان بن معاوية، عن أبي القاسم الأسدي، قال: سألت أنس بن مالك: أتختم بخاتم ذهب؟ قال: نعم
(1)
.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عبد الرحمن قال: رأيت في يد أنس خاتمًا من ذهب، فقال: عبد الرحمن شيخ كوفي ليس بالمشهور، روى عنه أبو معاوية الضرير وعبد الرحمن بن مغراء
(2)
.
وروى ابن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة، عن ابن أبي نجيح، عن محمد بن إسماعيل قال: حدثني من رأى على طلحة بن عبيد الله وسعد،
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 195.
(2)
"علل الحديث" 1/ 489.
وذكر ستة أو سبعة عليهم خواتيم الذهب
(1)
.
فصل:
أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه السلام رأى خاتمًا من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده" فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك لتنتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبدًا، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
، فلأن الخاتم محرم اللبس، والحرام يئول بصاحبه إلى النار، فهو كقوله تعالى:{إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] وقوله: "إنما يجرجر في بطنه نار جهنم"
(3)
، وربما نسب بعض الجهال هذا الرجل إلى التفريط وليس كذلك -كما نبه عليه ابن الجوزي- لأنه لا يخفى أن المحرم لبسه لا يحرم الانتفاع به، غير أنه يتعلق الإبعاد (بعين)
(4)
الشيء، فخاف الرجل أن يكون هذا من ذاك الجنس مثل قوله في الناقة:"دعوها فإنها ملعونة"
(5)
. وكما ورد في العجين من بئر ثمود.
فصل:
في حديث الخاتم تنبيه على منع إخراج القيم في الزكاة؛ لأنه ربما كان مراده بغير ما نص عليه، وكذلك إزالة النجاسة بالماء.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 195.
(2)
مسلم (2090) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام.
(3)
سلف برقم (5634) كتاب: الأشربة، باب: آنية الفضة. ورواه مسلم (2065) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره على الرجال والنساء.
(4)
في الأصل: بنفس.
(5)
مسلم (2595) كتاب: البر والصلة، باب: النهي عن لعن الدواب وغيرها.
فصل:
لم يزد ابن بطال في "شرحه" على أن قال: التختم بالذهب منسوخ لا يحل استعماله؛ لنهي الشارع عنه، والذهب محرم على الرجال حلال للنساء ومن ترخص في التختم بالذهب من السلف لم يبلغه النهي والنسخ
(1)
، وهو كلام جامع.
فصل:
قال الطحاوي: اختلف الناس في تحلي الذهب للنساء، فروي عن عائشة أنه عليه السلام رأى عليها مسكتين من ذهب، فقال:"ألا أخبرك بأحسن من هذا لو نزعت هذين وجعلت مسكتين من ورق ثم صفرتيهما بزعفران كانتا حسنتين"
(2)
.
وروى السرقسطي في "دلائله" عن موسى، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا مُعَمَّر بن سليمان الرقي، عن خصيف، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام نهى عن لبس الحرير والذهب، قالت عائشة: فقلت يا رسول الله، شيء (خفيف)
(3)
-من الذهب يربط به المسك فقال: "لا اجعليه فضة وصفريه بشيء من الزعفران"
(4)
.
وروي عن ربعي بن خراش، عن (امرأته)
(5)
، عن أختٍ لحذيفة بن
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 129.
(2)
"شرح مشكل الآثار" 12/ 295.
(3)
في (ص 2): شيء دقيق، يعني: خفيفًا.
(4)
رواه أحمد 6/ 228، وأبو يعلى 8/ 223 (4789)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 71. قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 259: رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه: خصيف، وفيه ضعف ووثقه جماعة.
(5)
في الأصل: روى، والمثبت كما في مصادر التخريج.
اليمان قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويلكن يا معشر النساء، أما لكن في الفضة ما تتحلين به حتى تتحلين بالذهب، إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبًا إلا عذبت يوم القيامة"
(1)
.
وروى ثوبان أن ابنة هبيرة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ من ذهب أي: خواتيم كبار، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب يدها فأتت فاطمة فشكت إليها ما صنع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثوبان: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه، وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب، فقالت: هذِه أهداها إليَّ أبو حسن، فقال:"يا فاطمة، أيسرك أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم في يدها سلسلة من نار" ثم خرج ولم يقعد، فعمدت فاطمة إلى السلسلة فاشترت بها غلامًا (فأعتقته)
(2)
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار"
(3)
.
وعن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله طوق من ذهب. قال: "طوق من نار"، قالت: يا رسول الله، سوار من ذهب. قال:"سوار من نار" قالت: قرطين من ذهب. قال: "قرطين من نار" قال: وعليها سواران من ذهب فرمت بهما،
(1)
رواه أبو داود (4237)، والنسائي 8/ 156، وأحمد 5/ 398، وابن سعد في "الطبقات" 8/ 326، وابن راهويه في "مسنده" 5/ 238 (2385)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 6/ 74 (3286)، والطبراني في 24/ 242 - 243، والبيهقي 4/ 141. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6407)؛ بجهالة المرأة الراوية عن أخت حذيفة، قاله المنذري في "مختصر سنن أبي داود" 6/ 124.
(2)
من (ص 2).
(3)
رواه النسائي 8/ 158، وفي "الكبرى" 5/ 434، وأحمد 5/ 278، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" 5/ 10، والبيهقي 4/ 141، وصححه الألباني في "آداب الزفاف" ص 153.
وقالت: يا رسول الله، إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده، قال:"فما يمنع إحداكن أن تصنع قرطين من ورق ثم تصفرهما بالزعفران؟! "
(1)
.
وعن أسماء بنت يزيد أنه عليه السلام قال: "أيما امرأة تحلت قلادة من ذهب جعل في عنقها مثلها من النار يوم القيامة وأيما امرأة تحلت خرصًا من ذهب جعل في أذنها مثله يوم القيامة".
قال أبو جعفر: أما حديث عائشة فقد جاء عنها ما يدل على نَسْخه وأنها كانت تحلي بنات (أخيها)
(2)
الذهب، وكانت أم سلمة تكره ذلك وتنكره إذ لا يصح أن تكون عائشة فعلت ذلك بعد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسكتين إلا بعد وقوفها على تحليل ذلك لهن ولأمثالهن بعد تحريمه عليهن
(3)
.
قلت: في البخاري: وكان على عائشة رضي الله عنها خواتيم ذهب؛ وأما حديث فاطمة فهو من أحسن ما روي في تحريم لبس الذهب على النساء غير أنه يحتمل أن يكون نسخه ما ذكرنا كما نسخ حديث عائشة.
وأما حديث ربعي فلا يصح؛ لأنه لم يسمعه من أخت حذيفة وإنما حدث به عن امرأته وهي لا تعرف، ولا يحتج بمثلها في هذا الباب.
وحديث أبي هريرة لا يحتج بمثله فيه أبو زيد وهو مجهول.
(1)
رواه النسائي 8/ 159، والطحاوي 12/ 303، وضعفه الألباني في "ضعيف النسائي"(392).
(2)
في (ص 2): أختها.
(3)
"شرح مشكل الآثار" 12/ 298 - 304 بتصرف.
وحديث أسماء لا يحتج به أيضًا؛ لأنه إنما رواه عنها محمود بن عمرو، وهو غير معروف
(1)
؛ قلت: وثقه ابن حبان
(2)
.
وحديث ثوبان منقطع إذ يرويه عنه أبو سلام ممطور عند النسائي، ولم يسمع منه كما قاله ابن معين وغيره، وابنة هبيرة هذِه اسمها هند، كما ذكره أبو موسى المديني.
وروى ثابت السرقسطي، عن أحمد بن شعيب، ثنا حاجب بن سليمان، ثنا (ابن أبي داود)
(3)
، ثنا ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن أم سلمة رضي الله عنها أنه عليه السلام دخل عليها، وقد علقت في عنقها شعائر من ذهب فأعرض عنها، قالت: فقلت: يا رسول الله ألا تنظر إلى زينتنا؟ فقال: "عنها أعرضت" ثم قال: "وما على إحداكن لو اتخذت قرطين من فضة ثم صبغتهما بزعفران فيكون كأنه ذهب؟ ".
ولابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث النعمان بن راشد، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن (أبي)
(4)
ثعلبة الخشنى قال: جلس رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب، فقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بقضيب، فقال: قال أبي: هذا خطأ، إنما هو كما رواه يونس، عن الزهري، عن أبي إدريس عن رجل له صحبة قال: جلس رجل .. الحديث
(5)
.
(1)
"شرح مشكل الآثار" 12/ 300 - 304 بتصرف.
(2)
"ثقات ابن حبان " 5/ 434.
(3)
في الأصل: أبي رواد.
(4)
في (ص 2): أن.
(5)
"علل الحديث" 1/ 483 - 484.
قال الطحاوي: وقد احتج بعض من ذهب إلى إجازة تحلي النساء بالذهب بما روي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا في يمينه وذهبًا في شماله ثم قال: "هذان حرامان على ذكور أمتي وحلال لإناثها".
قال: وهو حديث فاسد الإسناد؛ لأن أهل الثقة يروونه عن رجل من همدان -يقال له: أفلح- عن عبد الله بن زرير عن علي.
وأفلح هذا رجل مجهول ليس هو أبو علي الهمداني وهو أبو علي لا يعرف؛ لأن أبا علي اسمه حسين
(1)
بن شفي
(2)
.
قلت: أفلح هذا معروف، وروى عنه جماعة منهم بكر بن سوادة. وقال العجلي: مصري، تابعي، ثقة
(3)
.
وقوله: أهل الثقة إلى آخره: ليس بجيد؛ لأن أبا داود والنسائي روياه عن قتيبة بن سعيد، عن ليث -يعني: ابن سعد- عن يزيد بن أبي حبيب؛ فقال: عن أبي أفلح الهمداني، عن ابن زرير
(4)
.
وعند النسائي أيضًا من حديث عبد العزيز بن أبي الصعبة، عن أبي أفلح به
(5)
، وعنده عن رجل من همدان -يقال له: أبو أفلح- عن ابن زرير به، وعنده عن ابن أبي الصعبة واسمه (
…
)
(6)
عن رجل من
(1)
في المطبوع من "شرح مشكل الآثار": ثمامة بن شفي. ويأتي تنبيه المصنف على ذلك.
(2)
"شرح مشكل الآثار" 12/ 304 - 306.
(3)
في المطبوع: بصري ثقة، وفي هامشه: ث (ص:19، 21) مصري تابعي ثقة. انظر: "معرفة الثقات" للعجلي 2/ 384 (2082). والحرف ث رمز يعني قطعة متبقية من "ثقات العجلي".
(4)
أبو داود (4057)، والنسائي 8/ 160.
(5)
"السنن الكبرى" 5/ 436 (9446).
(6)
كلمة غير واضحة بالأصل.
همدان -يقال له: أفلح- عن ابن زرير به
(1)
.
قال النسائي: وحديث ابن المبارك أولى بالصواب إلا قوله: عن أفلح، فإن أبا أفلح أولى بالصواب
(2)
.
ورواه ابن ماجه من حديث عبد العزيز عن أبي الأفلح الهمداني عن ابن زرير
(3)
، فالصواب في اسمه غير ما ذكره
وقوله: (حسين بن شفي) صوابه: ثمامة بدل حسين.
وروى السرقسطي في "دلائله" من حديث حازم بن محمد الغفاري، عن أمه حمادة بنت محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قالت: سمعت عمي يقول: أدركت أم ليلى وكانت من المبايعات وفي يدها مسكتان من ذهب.
ثم قال الطحاوي: وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -من طرق غير هذا الطريق: أن الحرير والذهب حرام على ذكور أمته حلال لإناثهم- جماعةٌ من الصحابة رضي الله عنه، منهم: عبد الله بن عمرو بن العاصي وزيد بن أرقم وعقبة بن عامر وأبو موسى. وقد روي في إباحة الحرير للنساء عن علي وعمر، فلا يعارض ما تواتر من هذِه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يخالفها ولم تتواتر تلك الروايات.
فرع:
قد أسلفنا أن في حل الافتراش لهن خلافًا بخلاف الأواني.
وفي "قنية" الحنفية: النساء فيما سوى الحلي من الأكل والشرب والادهان والتعوذ، وفي الذهب والفضة بمنزلة الرجل في الكراهة؛
(1)
المصدر السابق.
(2)
السابق (9447).
(3)
ابن ماجه (3595).
لعموم الأثر، بخلاف الحرير فإنه يحل لهن افتراشه والجلوس عليه ونحوه، ولا خلاف في هذا بين الأئمة.
فصل:
قال الطحاوي: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لبوس الخاتم إلا لذي سلطان. والمعنى في هذا أن الخواتم لم تكن من لباس العرب ولا يستعملونه، يوضحه أنه عليه السلام لما أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر قيل له: إنهم لا يقبلون كتابًا إلا مختومًا، فاتخذه لحاجته إليه، وكذلك في حديث أبي ريحانة:"إلا لذي سلطان" لحاجة السلطان إليه، ومن احتاج إلى المكاتبة أو إلى ختم قاله جاز له أيضًا، ولما اتخذه عليه السلام اتخذه الناس
(1)
.
قلت: دعواه أن الخاتم لم يكن من لباسهم عجيب، فهو اسم عربي، وكانت العرب تستعمله، ووقع في ذلك ابن التين أيضًا، وقال: إنه من زي العجم.
قال ابن بطال: والنهي (ورد)
(2)
من حديث أبي ريحانة ولا حجة فيه لضعفه
(3)
.
فصل:
في حديث ابن عمر رضي الله عنهما لما اتخذ الخاتم من فضة لبسه إلى أن مات، وحديث أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام نبذ خاتم الورق، هو معدود عند العلماء من أوهام الزهري؛ لأن المنبوذ دائمًا هو خاتم الذهب.
(1)
"شرح مشكل الآثار" 8/ 366 - 368 بتصرف.
(2)
في (ص 2): روي.
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 135.
رواه عبد العزير بن صهيب وثابت البناني وقتادة عن أنس، وهو خلاف ما رواه الزهري عنه فوجب القضاء للجماعة على الواحد إذا خالفها مع ما يشهد للجماعة من حديث ابن عمر. قال المهلب وقد يتأول للزهري ما ينفي الوهم عنه، وإن كان الوهَم أظهر، وذلك يحتمل أن يكون عليه السلام لما عزم على إطراح خاتم الذهب اصطنع خاتم الفضة؛ لأنه لا يستغني عن الختم على الكتب للعمال إلى البلدان وأجوبتهم وقواد السرايا، فلما لبسه أراد الناس ذلك اليوم أن يصطنعوا مثله، فطرح عند ذلك خاتم الذهب، فطرح الناس خواتيم الذهب
(1)
. وما ذكره ليس بظاهر.
فصل:
قال أبو داود: لم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده
(2)
.
فصل:
في فصه: روى ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق، وكان فصه حبشيًّا ولا تضاد فكان له واحد من فضة وآخر فصه حبشي. وكذا قال الخطابي: كان له خاتمان أحدهما فصه منه كراهية التزين ببعض الجواهر التي تميل إليها النفوس، وكان فص الآخر حبشيًّا، وذلك مما لا بهجة له ولا زينة.
(قلت: وفي "الطبراني الكبير" عن معيقيب قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة
(3)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 130.
(2)
"سنن أبي داود"(4218).
(3)
"المعجم الكبير" 20/ 352.
ثم روى أنه كان لخالد بن سعيد وأخذه منه)
(1)
(2)
.
وروى أنه تختم بفص عقيق.
فصل:
التختم في اليسار واليمين، ورجح أصحابنا اليمين، وهو الأشهر والمستفيض.
وقد روى حماد بن سلمة الحديث الأول وزاد بعد قوله: (وكأني انظر إلى وبيص خاتمه): (ورفع يده اليسرى).
قال أحمد بن خالد: هذا جيد في التختم في اليسار، وهو كان آخر فعله، وأصل التختم في اليسار.
وروى أبو داود من حديث عبد العزيز بن أبي رواء، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه السلام كان يتختم في يساره. وقال أبو داود: وقال ابن إسحاق وأسامة عن نافع بإسناده: في يمينه
(3)
.
وكان ابن عمر والحسن يتختمان في يسارهما
(4)
.
وقال مالك: أكره التختم في اليمين وقال: إنما يأكل ويشرب ويعمل بيمينه، فكيف تريد أن يأخذ باليسار ثم يعمل، قيل له: أفنجعل الخاتم في اليمين للحاجة نذكرها؟ قال: لا بأس بذلك. وكان ابن عباس وعبد الله بن جعفر يتختمان في اليمين
(5)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
"المعجم الكبير" 4/ 194.
(3)
"سنن أبي داود"(4227).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 196.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 197.
وقال عبد الله بن جعفر: كان عليه السلام يتختم في يمينه. رواه حماد بن سلمة، عن أبي رافع، عن عبد الله بن جعفر
(1)
.
وقال البخاري: هذا أصح شيء روي في هذا الباب ذكره الترمذي
(2)
.
وفي "علل ابن أبي حاتم" عن أبيه: أما اتخاذه خاتمًا من فضة، وليس فيه محمد رسول الله فهو صحيح، وأما قول من قال: كان يلبسه في شماله فلا أعلم أحدا رواه، إنما رواه عباد بن العوام، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى بعضهم عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عنه عليه السلام والحفاظ يروونه عن سعيد، عن أنس (عن)
(3)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون أنه لبس في يساره
(4)
.
وقال في موضع آخر: سألت أبي عن تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمينه أصح أم يساره؟ قال: في يمينه الحديث أكثر ولم يصح هذا ولا هذا
(5)
.
قلت: روينا عن ابن سعد بأسانيد جيدة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ذهب، فكان يجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه في يمينه
(6)
.
(1)
"سنن الترمذي"(1744)، "مسند أحمد" 1/ 204، "مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 197، "مسند البزار" 6/ 219.
(2)
"سنن الترمذي"(1744).
(3)
في الأصل: أن، والمثبت من (ص 2).
(4)
"علل الحديث" 1/ 484 - 485.
(5)
"علل الحديث" 1/ 481.
(6)
"الطبقات الكبرى" 1/ 470.
ومن حديث عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان يتختم في يمينه، وقبض والخاتم في يمينه.
(قلت: وروي أنه كان يتختم في يساره، فإذا تطهر حوله إلى يمينه)
(1)
.
وروى ابن منجويه (في "الخاتم" من حديث أنس قال: لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم فضة في يمينه فصه حبشي فجعل فصه مما يلي باطن كفه)
(2)
.
وعن عبد الله بن جعفر أنه عليه السلام كان يتختم في يمينه
(3)
.
وعن أنس أيضًا أنه عليه السلام كان يتختم في يمينه
(4)
.
ورواه ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن جعفر، وزاد (أن)
(5)
ابن جعفر كان يتختم في يمينه
(6)
. ولأبي داود من حديث عليٍّ رضي الله عنه أنه عليه السلام كان يتختم في يمينه. ومن حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك
(7)
.
قال علي بن العبد: كان أبو داود لا يقرأ هذا الحديث ثم قرأه بعد عليَّ.
(1)
من (ص 2).
(2)
في (ص 2): (من حديث عائشة أنه عليه السلام كان يتختم في يمينه) ولعلها انتقال نظر من الناسخ.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
"سنن النسائي" 8/ 193، "مسند أبي يعلى" 5/ 427.
(5)
من (ص 2).
(6)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 197.
(7)
"سنن أبي داود"(4226).
ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه السلام كان يتختم في (يمينه)
(1)
(2)
.
وفي شرف النبي صلى الله عليه وسلم التصنيف الكثير.
روي عن علي وابن عباس وأبي جعفر
(3)
وابن عمر وأنس وجابر وغيرهم رضي الله عنه أنه عليه السلام كان يقول: "اليمين أحق بالزينة من اليسار".
ولابن أبي شيبة من حديث (أبي)
(4)
الصلت بن عبد الله بن نوفل قال: رأيت ابن عباس وخاتمه في يمينه.
ولا أحسب إلا أنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يلبسه.
ومن حديث المختار بن سعد قال: رأيت محمد بن علي يتختم في يمينه
(5)
.
فصل:
لأبي داود بإسناد جيد عن ابن عمر رضي الله عنهما: لما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاتم من الفضة ونقش فيه: محمد رسول الله قال: "لا ينقش أحد على نقش خاتمي"
(6)
، وقد أخرجه البخاري من حديث
(1)
في الأصل: في يساره، والمثبت من (ص 2).
(2)
"المعجم "الأوسط" 5/ 14، من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الله بن دينار، عنه، وفي "حلية الأولياء" 7/ 103، من طريق سفيان الثوري، عن العرزمي، عن نافع، عنه، قال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري، عن العرزمي، واسمه محمد بن عبيد الله.
(3)
في هامش الأصل: أبو جعفر هو عبد الله بن جعفر -والله أعلم- كنيته أبو جعفر.
(4)
في (ص 2): ابن، وكلاهما زائد، فهو: الصلت، انظر:"تهذيب الكمال" 13/ 226 (2898).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 197.
(6)
"سنن أبي داود"(4219).
أنس كما سيأتي
(1)
.
ولأبي داود: وأمر إنسانًا أن لا يتم خاتمه مثقالًا ونهاه عن التختم بالحديد
(2)
.
وبه صرح الخطابي
(3)
.
وفي رواية: كان له عليه السلام خاتم حديد ملوي عليه فضة
(4)
.
قال التيفاشي في "نزهة الألباب": خاتم الفولاذ مطردة للشيطان، لا سيما إذا لوي عليه فضة بيضاء، فكأنه أراد تعليم أمته بهذا.
فصل:
لابن منجويه عن إبراهيم أنه عليه السلام قال: "من تختم بالياقوت الأصفر لن يفتقر، والزمرد يتقي الفقر" وقال: "من لبس العقيق لم يقض له إلا بالذي هو أسعد فإنه مبارك، وصلاة في خاتم عقيق بثمان صلاة" ولا أصل لذلك.
ومن حديث أبي هشام الرفاعي، عن حفص، عن جعفر عن أبيه قال: كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم: العزة لله.
وعن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه أخرج خاتما إليهم، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسه فيه تمثال أسد
(5)
.
قال معمر: فرأيت بعض أصحابنا غسله بالماء ثم شرب ذلك الماء.
(1)
سيأتي قريبا برقم (5874) باب: الخاتم في الخنصر.
(2)
"سنن أبي داود"(4223).
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2151
(4)
"سنن أبي داود"(4224).
(5)
"مصنف عبد الرزاق" 10/ 394، وفي هامشه: زاد في نسخة الرمادي: قال: فرأيت بعض أصحابنا غسله بالماء ثم شربه.
وسيأتي للمصنف في باب نقش الخاتم، أن هذِه الآثار ليست بصحيحة.
ولابن سعد: قال ابن سيرين: كان في خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله، محمد رسول الله
(1)
.
وقال أبو العالية: كان نقشه: أصدق الله. ثم ألحق الخلفاء بعدُ: محمد رسول الله
(2)
.
ومن حديث محمد بن عمرو بن عثمان أن معاذًا لما قدم من اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها قدم وفي يده خاتم ورق نقشه: محمد رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما هذا؟ " فقال: يا رسول الله، إني كنت أكتب إلى الناس فأفرق أن يزاد فيها أو ينقص منها، فاتخذت خاتمًا أختم به. قال:"وما نقشه؟ " قال: محمد رسول الله. فقال عليه السلام: "آمن كل شيء من معاذ" ثم اتخذه رسول الله فختم به
(3)
.
وفي (ابن)
(4)
إسحاق عن سعيد أن خالد بن سعيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما هذا؟ " قال: اتخذته. فقال: "اطرحه إلىَّ". فطرحه فإذا هو حديد ملوي على فضة فقال: "ما نقشه؟ " قال: محمد رسول الله. فأخذه عليه السلام فلبسه، فهو الذي كان في يده
(5)
.
وفي حديث عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي، عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاصي حين قدم من الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
(1)
"طبقات ابن سعد" 1/ 474.
(2)
"طبقات ابن سعد" 1/ 476.
(3)
السابق.
(4)
في (ص 2): رواية.
(5)
"المعجم الكبير" 4/ 194 (4118)، قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 152: فيه يحيى الحماني، وهو ضعيف.
له: "ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟ " فقال: حلقة يا رسول الله قال: "فما نقشها؟ " قال: محمد رسول الله. فأخذه فتختم به، فكان في يده حتى قبض صلى الله عليه وسلم ثم في يد الصديق رضي الله عنه .. الحديث
(1)
.
وروى (ابن سعد)
(2)
من حديث عطاف بن خالد، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، عن ابن المسيب قال: ما تختم رسول الله حتى لقي الله، ولا أبو بكر حتى لقي الله، ولا عمر حتى لقي الله، ولا عثمان (حتى لقي الله، رضي الله عنهم)
(3)
، ثم ذكر ثلاثة أخر من الصحابة
(4)
.
فصل:
قال الخطابي: وقد كره للنساء أن يتختمن بالفضة؛ لأن ذلك من زي الرجال، فإن لم يجدن ذهبًا فليصفرنه بالزغفران أو نحوه
(5)
، ولا يسلم له ما ذكره من الكراهة.
فصل:
الفص -بفتح الفاء وحكي كسرها-: واحد الفصوص، ونسب الجوهري إلى العوام الكسر
(6)
، وإنما جعل الفص مما يلي الكف؛ لأنه أبعد من الزينة، ونص عليه القاضي حسين من أصحابنا، والرافعي في: الوديعة.
(1)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 264
(2)
من (ص 2).
(3)
من (ص 2).
(4)
"الطبقات الكبرى" 1/ 477.
(5)
"معالم السنن" 4/ 176.
(6)
"الصحاح" 3/ 1048.
فصل:
قوله: (ونقش فيه محمد رسول الله) هذا هو المعروف، ونقل ابن التين عن الشيخ أبى محمد قيل: فيه زيادة: لا إله إلا الله في أوله، وكان نقش خاتم مالك: حسبي الله ونعم الوكيل
(1)
.
فصل:
الخاتم -بفتح التاء وكسرها- وختام وخاتام وخيتام وختم، فهذِه ست لغات. والجمع خواتيم
(2)
.
فصل:
ذكر المرزباني في "الكتاب المفصل": رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار خاتم فضة فصه منه فاستحسنه، فقال: هو لك يا رسول الله فتختمه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستبطن فصه، فاتخذ الناس خواتيم وأظهروا فصوصها، فقال عليه السلام:"وقد فعلوا! ما أنا بلابس خاتمًا بعدها" فوضعه في بيته فضاع، فبينا يعلى عنده إذ طلب الخاتم ليختم به كتابًا فلم (يقدر)
(3)
عليه، وفي أصبع يعلى بن أمية خاتم مفضض عليه محمد رسول الله، فقال يا رسول الله خذه، فدعا حنظلة، فقال:"عليك هذا الخاتم، فاحتفظ به والزمني ولا تفارقني" فبذلك وضع على حنظلة اسم الكاتب.
(1)
انظر: "المنتقى" 7/ 254، وذكره ابن رجب في "أحكام الخواتم"136.
(2)
"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي 3/ 88، قال النووي: فهذِه أربع لغات مشهورة.
(3)
كذا بالأصول، ولعلها: يعثر.
49 - باب خَاتَمِ الحَدِيدِ
5871 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلاً يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِي. فَقَامَتْ طَوِيلاً، فَنَظَرَ وَصَوَّبَ، فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ. قَالَ: «عِنْدَكَ شَيْءٌ تُصْدِقُهَا؟» . قَالَ: لَا. قَالَ: «انْظُرْ» . فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: وَاللهِ إِنْ وَجَدْتُ شَيْئًا. قَالَ: «اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» . فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ قَالَ: لَا وَاللهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَقَالَ: أُصْدِقُهَا إِزَارِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِزَارُكَ إِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسْتَهُ لَمَ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ» . فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَقَالَ:«مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟» . قَالَ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا. قَالَ: «قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» . [انظر: 2310 - مسلم: 1425 - فتح 10/ 322]
ذكر فيه حديث سهل بن سعد، الحديث السالف
(1)
إلى قوله: "فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" وفي آخره: "مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ ". قَالَ سُورَةُ كَذَا وَكَذَا. لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا. فقَالَ: "قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ".
وخاتم الحديد كان يلبس في أول الإسلام، ثم أمر الشارع بطرحه.
وروى الترمذي من حديث بريدة أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من حديد، فقال:"مالي أجد عليك حلية أهل النار"، ثم جاء وعليه خاتم من صفر فقال:"مالي أجد منك ريح الأصنام"، ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فقال:"ارم عنك حلية أهل الجنة"، قال:
(1)
سلف برقم (5149) كتاب: النكاح، باب: التزويج على القرآن وبغير صداق.
من أي شيء أتخذه؟ قال: "من فضة، ولا تتخذ مثقالًا" ثم قال: حديث غريب
(1)
.
واختلف أصحابنا في كراهة لبس الخاتم الحديد والرصاص والنحاس، والأصح: المنع.
(1)
"سنن الترمذي"(1785)، وفيه: من وَرِق.
50 - باب نَقْشِ الخَاتَمِ
5872 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ -أَوْ أُنَاسٍ- مِنَ الأَعَاجِمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلاَّ عَلَيْهِ خَاتَمٌ، فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَكَأَنِّي بِوَبِيصِ -أَوْ بِبَصِيصِ- الْخَاتَمِ فِي إِصْبَعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -أَوْ: فِي كَفِّهِ. [انظر: 65 - مسلم: 2092 - فتح 10/ 323]
5873 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. [انظر: 5865 - مسلم: 2091 - فتح 10/ 323]
ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ -أَوْ أُنَاسٍ- مِنَ الأَعَاجِمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا عَلَيْهِ خَاتَمٌ، فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَكَأَنِّي انظر إلى بريق -أَوْ بِصِيصِ- الخَاتَمِ فِي إِصْبَعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -أَوْ: فِي كَفِّهِ.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، كَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ.
قد سلف قريبًا الكلام على النقش.
وفي "الأوسط" للطبراني من حديث ابن عمر: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يد عثمان ست سنين، فلما كثر عليه الكتب دفعه إلى رجل من
الأنصار (فأبى، فلبسه)
(1)
عثمان، فسقط منه فلم يوجد، فاتخذ عثمان خاتمًا من ورق ونقشه محمد رسول الله
(2)
.
وبان بما ذكرناه أن الخاتم إنما اتخذ ليطبع به على الكتب حفظًا للأسرار أن تنشر وسياسة للتدبير أن تنخرم.
وفيه: أنه لا بأس على الخاتم ذكر الله، وقد كره ذلك ابن سيرين وغيره
(3)
.
وهذا الباب حجة عليه، وقد أجاز ابن المسيب أن يلبسه ويستنجي به
(4)
. وقيل لمالك: إن كان في الخاتم ذكر الله أو يلبسه في الشمال أيستنجي به؟ قال: أرجو أن يكون خفيفًا
(5)
.
هذِه رواية ابن القاسم، وحكى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون أنه لا يجوز ذلك وليخلعه ويجعله في يمينه.
وهو قول ابن نافع وأكثر أصحاب مالك من غير "الواضحة".
فرع:
قال مالك: لا خير أن يكون نقش فصه تمثالًا.
وقد ذكر عبد الرزاق آثارًا بجواز اتخاذ الثماثيل في الخواتيم ليست بصحيحة، منها ما رواه معمر عن محمد بن عبد الله بن عقيل أنه أخرج خاتمًا فيه تمثال أسد، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم به
(6)
.
وما رواه معمر عن الجعفي
(7)
أن نقش خاتم ابن مسعود إما شجرة
(1)
في (ص 2): فأتى قليبًا.
(2)
"الأوسط" 3/ 78.
(3)
"المنتقى" 7/ 254.
(4)
"مصنف عبد الرزاق" 1/ 346.
(5)
"المنتقى" 7/ 254.
(6)
"مصنف عبد الرزاق" 10/ 394 (19469).
(7)
"تهذيب الكمال" 4/ 564.
وإما شيء بين ذبابين
(1)
، وابن عقيل تركه مالك
(2)
، والجعفي متروك.
وروى معمر، عن قتادة، عن أنس وأبي موسى الأشعري أنه كان نَقْشَ خاتمه كُرْكِيٌّ
(3)
له رأسان
(4)
.
وهذا إن كان صحيحًا فلا حجة فيه لترك الناس العمل به ولنهيه عليه السلام عن الصور، ولا يجوز مخالفة النهي.
فصل:
ومن تراجمه على حديث أنس رضي الله عنه: باب: اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء أو ليكتب به إلى أهل الكتاب وغيرهم
(5)
.
فائدة:
روي عن علي رضي الله عنه أنه كان له أربعة خواتيم يتختم بها ياقوت لقلبه، نقشه: لا إله إلا الله الملك الحق المبين؛ وفيروزج لبصره، ونقشه: الله الملك؛ من حديد صيني لقوته نقشه: العزة لله (جميعًا)
(6)
؛ وعقيق لحرزه نقشه: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
حديث مختلق، رواته مأمونون سوى أبي جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي
(7)
، فلا أعرف عدالته فكأنه هو واضعه.
(1)
"مصنف عبد الرزاق" 1/ 347 (1359)، 10/ 395 (19471).
(2)
"ضعفاء العقيلي" 2/ 299، "تهذيب الكمال" 16/ 80.
(3)
هو طائر، والجمع كراكي. "لسان العرب" مادة:[كرك].
(4)
"مصنف عبد الرزاق" 10/ 394 (19470)، 1/ 348 (1361).
(5)
سيأتي قريبا برقم (5875).
(6)
من (ص 2).
(7)
ورد بهامش الأصل: ذكره الذهبي في "الميزان"[(7146)] وقال: لا أعرفه، ولكن أتى بخبر باطل هو آفته، فذكر هذا الأثر بإسناده إلى عبد خير، قال: كان لعلي، فذكره.
51 - باب الخَاتَمِ فِي الخِنْصَرِ
5874 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا قَالَ: «إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا، وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا، فَلَا يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ» . قَالَ: فَإِنِّي لأَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ. [انظر: 65 - مسلم: 2092 - فتح 10/ 324]
ذكر فيه حديث عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: اصطَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا قَالَ: "إنِّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا، وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا، فَلَا يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ". قَالَ: فَإِنِّي لأَرى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ.
الشرح:
السنة في الخاتم أن يلبس في الخنصر، وقد روى الترمذي من حديث ابن أبي موسى عن علي: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ألبس خاتمًا في هذِه وهذِه وأشار إلى السبابة والوسطى، ثم قال حديث صحيح
(1)
.
وابن أبي موسى هو: أبو بردة بن أبي موسى واسمه عامر بن عبد الله بن قيس.
وحكى صاحب "الكافي" من أصحابنا وجهين في جواز لبسه في غير خنصره.
وفي الرافعي في كتاب: الوديعة أن المرأة قد تتختم في غير الخنصر
(2)
.
وأخرجه مسلم بلفظ: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجعل خاتمي في هذِه
(1)
"سنن الترمذي"(1786).
(2)
"العزيز شرح الوجيز" 7/ 312.
أو التي تليها وأشار إلى الوسطي والتي تليها
(1)
.
وفي رواية أبي داود بإسناد صحيح: في هذِه أو هَذِه السبابة والوسطى، شك فيه الراوي
(2)
.
فصل:
ونهيه عليه السلام أن لا ينقش أحد على نقش خاتمه هو من أجل أن ذلك اسمه وصفته برسالة الله له إلى خلقه، وخاتم الرجل إنما ينقش فيه ما يكون تعريفًا له وسمة تمييزه عن غيره ولا يحل لأحد أن يسم نفسه بسمة رسول الله ولا بصفته.
قال مالك: من شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم في خواتيمهم
(3)
.
وهذا الحديث يرد حديث أبي ريحانة الذي أسلفناه فيما مضى، ويدلس على جواز اتخاذه لجميع الناس إذا لم ينقش على نقش خاتمه؛ لأنه لم يبح ذلك لبعض الناس دون بعض بل عم جميعهم فلا ينقش أحد على نقشه، وقد تختم السلف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الأسوة الحسنة. وروى مالك عن صدقة بن يسار قال: سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم؛ فقال: البسه وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك
(4)
، وإنما قاله على وجه الإنكار لقول أهل الشام.
(1)
مسلم (2078) كتاب: اللباس والزينة، باب: النهي عن التختم في الوسطي والتي تليها.
(2)
"سنن أبي داود"(4225).
(3)
"المنتقى" 7/ 254، وقال الباجي: هو حديث ضعيف.
(4)
"الموطأ" ص 582.
52 - باب اتِّخَاذُ الْخَاتَمِ لِيُخْتَمَ بِهِ الشَّيْءُ، أَوْ لِيُكْتَبَ بِهِ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ
5875 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَنْ يَقْرَءُوا كِتَابَكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا. فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ.
سلف بحديثه
(1)
.
(1)
سلف قريبا برقم (5872) باب: نقش الخاتم.
53 - باب مَنْ جَعَلَ فَصَّ الخَاتَمِ فِي بَطْنِ كَفِّهِ
5876 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، جَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ:«إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ، وَإِنِّي لَا أَلْبَسُهُ» . فَنَبَذَهُ، فَنَبَذَ النَّاسُ. قَالَ جُوَيْرِيَةُ: وَلَا أَحْسِبُهُ إِلاَّ قَالَ: فِي يَدِهِ الْيُمْنَى. [انظر: 5865 - مسلم: 2091 - فتح 10/ 325]
ذكر فيه حديث نافع، أَنَّ عَبْدَ اللهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ. الحديث. وفيه: قَال جُوَيْرِيَةُ: وَلَا أَحْسِبُهُ إِلَّا قَالَ: فِي يَدِهِ اليُمْنَى.
وقد أسلفنا فقهه وأنه السنة، وقال ابن بطال: ليس في كون الخاتم في هذِه الصورة في بطن الكف ولا في ظاهرها نهي ولا أمر، وكل ذلك مباح.
وقد روى أبو داود عن ابن إسحاق قال: رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتمًا في خنصره اليمنى، فقلت: ما هذا؟ قال: رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا، وجعل فصه على ظهرها، قال: ولا أخال إلا قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس خاتمه كذلك
(1)
.
قال الترمذي. قال البخاري: حديث ابن إسحاق عن الصلت حسن
(2)
.
(1)
"سنن أبي داود"(4229).
(2)
"سنن الترمذي"(1742).
وقيل لمالك: أتجعل الفص إلى الكف؟ قال: لا. وأظن أن مالكًا إنما قال ذلك؛ لأنه وجد الناس يتختمون على ظهر الكف كما كان يفعل ابن عباس، ولم يقل أن الفص في باطنه لا يجوز
(1)
.
فصل:
وقول جويرية: (ولا أحسبه إلا قال: في يده اليمنى) قد أسلفنا الروايات فيه، وأيهما صحيحًا، وأن الأشهر المستفيض اليمنى.
وادعى بعضهم أنه لم يخرج أحد من (أهل)
(2)
الصحيح وأن يجعل الخاتم غير هذا اللفظ.
قال الداودي: وجويرية لم تحقق القول والروايات كلها ليس فيها هذا، قال: وتواطؤ الناس على اليسار يدل أن اليمين ليس بمحفوظ، وليس كما زعم.
قال مالك: وأكره التختم في اليمين.
وقال: إنما يأكل ويشرب ويعمل بيمينه، فكيف تريد أن يأخذ باليسار ثم يعمل فيجعل فصه إلى الكف؟ قال: لا فيجعل الخاتم في اليمنى للحاجة يذكرها، أو يربط خيطًا في إصبعه؟ قال: لا بأس بذلك، وهذا قد أسلفناه أيضًا
(3)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 136.
(2)
من (ص 2).
(3)
انظر: "مواهب الجليل" 1/ 127، "القوانين الفقهية" لابن جزي ص 289.
54 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْقُشُ أحد عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ»
5877 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. وَقَالَ: «إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَنَقَشْتُ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. فَلَا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ» . [انظر: 65 - مسلم: 2092 - فتح 10/ 327]
ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه أيضًا.
55 - باب هَلْ يُجْعَلُ نَقْشُ الخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ
؟
5878 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاريُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه لَمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ، وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللهِ سَطْرٌ. [انظر: 1448 - فتح 10/ 328]
5879 -
وَزَادَنِي أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الأَنْصَاريُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ، وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَفِي يَدِ عُمَرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسَ، قَالَ: فَأَخْرَجَ الْخَاتَمَ، فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ. قَالَ: فَاخْتَلَفْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ فَنَنْزَحُ الْبِئْرَ فَلَمْ نَجِدْهُ. [انظر: 65 - مسلم: 2092 - فتح 10/ 328]
ذكر فيه حديث ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ، وَكَانَ نَقْشُ الخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، والله سَطْرٌ.
قال أبو عبد الله: وَزَادَنِي أَحْمَدُ، ثَنَا الأَنْصَارِيُّ، ثنا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ، وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَفِي يَدِ عُمَرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسَ، قَالَ: فَأَخْرَجَ الخَاتَمَ، فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ. قَالَ: فَاخْتَلَفْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ نَنْزَحُ البِئْرَ، فَلَمْ نَجِدْهُ.
الشرح:
هذا كله مباح، وليس كون نقش الخاتم ثلاثة أسطر أو سطرين أفضل من كونه سطرًا واحداً، وكنا قديمًا نبحث: هل الجلالة فوق والرسول في الوسط والباقي أسفل أو بالعكس؟ ليحرر.
وفيه: استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك بها والتيمن
(1)
.
وفيه: أن من فعل الصالحين العبث بخواتمهم وبما يكون بأيديهم، وليس ذلك بعائب لهم.
وفيه: أن يسير المال إذا ضاع أنه يجب البحث في طلبه والاجتهاد في تفتيشه كما فعل الشارع حين ضاع عقد عائشة، وحبس الجيش على طلبه حتى وجده.
وفيه: أن من طلب شيئًا ولم ينجح فيه بعد ثلاثة أيام أن له ترك ذلك، ولا يكون مضيعًا، وأن الثلاث حد يقع بها العذر في تعذر المطلوبات.
(1)
هذا خاص بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وملابسه وأدواته دون غيره، ولم يرد عن السلف فعل ذلك في بعضهم لبعض. وقد بسطنا الكلام على ذلك مرارًا.
وانظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" 2/ 166 - 168.
56 - باب الخَاتَمِ لِلنِّسَاءِ
وَكَانَ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها خَوَاتِيمُ ذَهَبٍ.
5880 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ. وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: فَأَتَى النِّسَاءَ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح 10/ 330]
ثم ساق من حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ. وَزَادَ ابن وَهْبٍ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ: فَأَتَى النِّسَاءَ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بَلَالٍ.
هذِه الزيادة أخرجها الإسماعيلى عن المطير، ثنا ابن (إشكاب)
(1)
، ثنا محمد بن ربيعة، عن ابن جريح، وأنا المنيعي، ثنا ابن زنجويه، ثنا (ابن)
(2)
عبد الرزاق، أنا ابن جريح، الحديث بطوله.
وفيه: هذا يعني: أن قول البخاري يفهم منه تفرد ابن وهب عن ابن جريج، وليس كذلك والخواتيم للنساء من جملة الحلي المباح لهن والذهب حلال للنساء، والفتخ خواتيم النساء التي تلبسها في أصابع اليد، واحدتها فتخة، وكذلك إن كانت في (يد)
(3)
الرجال عن ابن السكيت.
وقال غيره: الفتوخ: خواتيم بلا فصوص كأنها حلق، وكل خلخل لا يجرس فهو فتح، كذا قال الجوهري: الفتخة بالتحريك حلقة من فضة
(1)
في (ص 2): أشكان.
(2)
من (ص 2).
(3)
من (ص 2).
لا فص لها، فإذا كان فيه فص فهو الخاتم، والجمع فتخ وفتخات، قال: وربما جعلتها المرأة في أصابع رجليها
(1)
.
وقال الداودي الفتخ: الخاتم الكبير.
وقال ابن السكيت: هو خواتيم للنساء تلبسها في أصابع اليد.
(1)
"الصحاح" 1/ 428.
57 - باب الْقَلَائِدِ وَالسِّخَابِ لِلنِّسَاءِ
يَعْنِي: قلائد مِنْ طِيبٍ وَسُكٍّ.
5881 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تَصَدَّقُ بِخُرْصِهَا وَسِخَابِهَا. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح 10/ 330]
ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تَصَدَّقُ بِخُرْصِهَا وَسِخَابِهَا.
هذا الحديث سلف
(1)
.
والخرص -بضم الخاء- حلقة من الذهب أو الفضة تكون في الأذن. وفي "الصحاح" أنه بالضم والكسر أيضًا
(2)
، يقال: ما في أذنها خرص، وتسمى هذِه الحلقة أيضًا الخوق
(3)
.
وفي "البارع" هي القرط يكون فيه حبة واحدة في حلية واحدة. الخرص- (بكسر الخاء)
(4)
- اسم الشيء المقدر، وبالفتح اسم الفعل. قيل: هما لغتان في الشيء المخروص، وأما المصدر فبالفتح
(1)
سلف برقم (98) كتاب العلم، باب عظة الإمام النساء وتعليمهن.
(2)
"الصحاح" 3/ 1036 مادة: (خرص).
(3)
الخوق: الحلْقة من الذهب والفضة، وقيل: هي حَلْقَة القُرْطِ والشَّنْف خاصة؛ قال سيار الأباني:
كَأنَ خَوقَ قُرطِها المعقُوبِ على دَباةٍ أو على يَعسُوبِ
وقال ثعلب: حلقة في الأذن
(4)
من (ص 2).
والمستقبل بالضم والكسر في الراء.
وأما من الكذب فالخرص بالفتح، يقال: خرص ويخرص واخترص: {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} و {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}
(1)
.
السِّخَاب قلادة من طيب وسك. قال الجوهري: قلادة تتخذ من السك وغيره ليس فيها من الجوهر شيء
(2)
. قال: والسُّك من طيب، عربي
(3)
؛ فيكون قوله على هذا: (من طيب وسك) واحد. وقيل: هو المصنوع من قرنفل.
وقال ابن دريد: هو قلادة من قرنفل أو غيره والجمع سُخْب وسُخُب
(4)
.
والقلائد من حلي النساء أيضًا.
(1)
"لسان العرب" 2/ 1133.
(2)
"الصحاح" 1/ 146.
(3)
"الصحاح" 4/ 1591.
(4)
"جمهرة اللغة" 1/ 289. مادة: (بخس).
58 - باب اسْتِعَارَةِ القَلَائِدِ
5882 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ هَلَكَتْ قِلَادَةٌ لأَسْمَاءَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهَا رِجَالاً، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً، فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ. [انظر: 334 - مسلم: 367 - فتح 10/ 330]
ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها السالف في التيمم
(1)
: هَلَكَتْ قِلَادَةٌ لأَسْمَاءَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَلَبِهَا رِجَالاً، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسُواَ عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً، فَصَلَّوْا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. زَادَ ابن نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ.
فيه: ما ترجم له وهو استعارة الحلي وكل ما هو من زينة (النساء)
(2)
، وأن ذلك من الأمر القديم المعمول به.
وقال الإسماعيلي: ذكر الباب للاستعارة، ثم ذكر حديث ابن نمير المعلق عن الحسن، ثنا سفيان، ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا أبي، ثنا هشام به الاستعارة.
(1)
سلف برقم (334).
(2)
في الأصل: الدنيا، والمثبت من (ص 2).
59 - باب القُرْطِ لِلنِّسَاء
قَالَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَمَرَهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ.
5883 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي قُرْطَهَا. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح 10/ 331]
ثم ساق حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه عليه السلام صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يوم العيد، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي قُرْطَهَا.
القرْط: بضم القاف هو أيضًا من حلي النساء وهو كل ما علق في شحمة الأذن كان من ذهب أو غيره قاله ابن دريد
(1)
.
وقال الداودي إنه الخرص، ويسمى السف والرك وكذا في "الصحاح" أنه ما علق في شحمة الأذن
(2)
.
(ويُهْوِين، بضم الياء، أي: يُومِئْنَ إلى آذانهن وحلوقهن)
(3)
.
(1)
"جمهرة اللغة" 2/ 757. مادة: (رطق).
(2)
"الصحاح" 3/ 1151. مادة: (قرط).
(3)
من (ص 2).
60 - باب السِّخَابِ لِلصِّبْيَانِ
5884 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ فَانْصَرَفْتُ؛ فَقَالَ:«أَيْنَ لُكَعُ؟ -ثَلَاثًا- ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ» . فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَمْشِي وَفِي عُنُقِهِ السِّخَابُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ هَكَذَا، فَقَالَ الحَسَنُ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ. [انظر: 2122 - مسلم: 2421 - فتح 10/ 332]
ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ المَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ وَانْصَرَفْتُ. فَقَالَ:"أَيْنَ لُكَعُ؟ -ثَلَاثًا- ادْعُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ". فَقَامَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَمْشِي وَفِي عُنُقِهِ السِّخَابُ، فَقَالَ عليه السلام بِيَدِهِ هَكَذَا، فَقَالَ الحَسَنُ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ:"اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ مَا قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ.
فيه: جواز جعل السخاب في أعناق الصبيان واتخاذه لهم وهي سخاب القرنفل والسك والطيب وشبهه مما يحل للرجال، وأما الذهب فكرهه مالك للصبيان (الصغار)
(1)
، وكره لهم لبس الحرير أيضًا، وقال ابن شعبان: يزكى حليهم فلا يجوز اتخاذه، وفي "المدونة": لا بأس أن يحرموا وعليهم الأسورة
(2)
، وظاهره:
(1)
من (ص 2).
(2)
"المدونة الكبرى" 1/ 299.
الجواز، والمخاطب بذلك وليه والأصح عندنا أن للولي اكتسابه ..
وقوله: ("لُكَعُ")، قال أبو عبيد: هو عند العرب العبد أو اللئيم
(1)
.
وسئل بلال بن حرب عن لكع فقال: هي في لغتنا: الصغير، وإلى هذا ذهب الحسن إذ قال لإنسان ذلك يريد: يا صغيرًا في العلم، قال الأصمعي: الأصل في اللكع: الملاكيع، وهي التي تخرج مع السلا على الولد، واللكع في الرجال يوصف به الأحمق، وقد سلف زيادة في شرحه في البيوع في باب: ما ذكر في الأسواق
(2)
.
وفيه: أنه عليه السلام عانق الحسن وقبله، ويعني بالالتزام: المعانقة، والتقبيل المذكورين هناك، وسيأتي ما للعلماء في المعانقة، فإنه موضعه.
(1)
"غريب الحديث" 1/ 329.
(2)
سلف برقم (2122).
61 - باب المُتَشَبِّهُونَ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ
5885 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. تَابَعَهُ عَمْرٌو، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. [5886، 6834 - فتح 10/ 332]
ذكر فيه حديث غُنْدَر، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَعَنَ النبي صلى الله عليه وسلم المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. تَابَعَهُ عَمْرٌو، أنا شُعْبَةُ.
الشرح:
عمرو هذا هو ابن مرزوق أبو عثمان الباهلي البصري من أفراد البخاري. وفيه من الفقه ما ترجم له، وهو أنه لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي هي للنساء خاصة، ولا يجوز للنساء التشبه بالرجال مما كان من ذلك للرجال خاصة.
مما يحرم على الرجال لبسه مما هو من لباس النساء المقانع والقلائد والمخانق
(1)
والأسورة والخلاخل، وما لا يحل له التشبه بهن من الأفعال التي هن بها مخصوصات كالانخناث في الأجسام والتأنيث في الكلام.
ومما يحرم على المرأة لبسه مما هو من لباس الرجال: انتعال الرقاق التي هي نعال الحدو [و]
(2)
المشي بها في محافل الرجال: والأردية والطيالسة على نحو لبس الرجال لها في محافل الرجال
(1)
المخنقة: القلادة الواقعة على المخنق. "لسان العرب" 3/ 1280 - 1281.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
وشبه ذلك من لباسهم، ولا يحل لها التشبه بهم في الأفعال في إعطالها نفسها مما أمرت بلبسه من القلائد والقرطة والخلاخل والأسورة، ونحو ذلك مما ليس للرجل لبسه، وترك تغيير الأيدي والأرجل من الخضاب التي أمرت بتغييرها.
روى ابن مزين، عن القعنبي، عن حسين بن عبد الله قال: رأيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقها قلادة وفي يدها مسكة في كل يد، وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره تعطيل النساء وتشبههن بالرجال.
قلت: ومن هذا ما ذكره أصحابنا أنه ليس للمرأة تحلية آلة الحرب بذهب وفضة جميعًا؛ لأجل التشبه وإن كان يجوز لهن الحرب في الجملة، وقول الشافعي في "الأم" ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للأدب؛ ولأنه من زي النساء لا للتحريم
(1)
. ليس مخالفًا لما قررناه من حرمة التشبه؛ لأن مراده أنه من جنس زي النساء.
(1)
"الأم" 1/ 196.
62 - باب الأمر بإخراجهم
5886 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ:«أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ» . قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فُلَانًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا. [فتح 10/ 333]
5887 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللهِ، إِنْ فُتِحَ لَكُمْ غَدًا الطَّائِفُ فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ يَعْنِي: أَرْبَعَ عُكَنِ بَطْنِهَا، فَهْيَ تُقْبِلُ بِهِنَّ، وَقَوْلُهُ: وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. يَعْنِي: أَطْرَافَ هَذِهِ الْعُكَنِ الأَرْبَعِ؛ لأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحِقَتْ، وَإِنَّمَا قَالَ: بِثَمَانٍ. وَلَمْ يَقُلْ: بِثَمَانِيَةٍ. وَوَاحِدُ الأَطْرَافِ وَهْوَ ذَكَرٌ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ. [انظر: 4324 - مسلم: 2180 - فتح 10/ 333]
ذكر فيه: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: "أخرجوهم من بيوتكم")
(1)
إلى أن قَالَ: وأَخْرَج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فُلَانًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا.
وحديث أُمِّ سَلَمَةَ أنه عليه السلام كَانَ عِنْدَهَا وَفِي البَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللهِ، إِنْ فُتِحَ علَيكُمْ غَدًا الطَّائِفُ فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. فَقَالَ عليه السلام:"لَا يَدْخُلَنَّ هؤلاء عَلَيْكُنَّ" وقد سلف
(2)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
سلف برقم (4324) كتاب المغازي، باب غزوة الطائف.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ يَعْنِي: أَرْبَعَ عُكَنِ بَطْنِهَا، فَهْيَ تُقْبِلُ بِهِنَّ.
وَقَوْلُهُ: وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. يَعْنِي: أَطْرَافَ هذِه العُكَنِ الأَرْبَعِ؛ لأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بالْجنينِ حَتَّى لَحِقَتْ، وَإِنَّمَا قَالَ: بِثَمَانٍ. وَلَمْ يَقُلْ: بِثَمَانِيَةٍ. (وَاحِدُ)
(1)
الأَطْرَافِ وَهْوَ ذَكَرٌ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ.
والتخنث: التكسر وهو التعطف، من قوله: خنثت الشيء فتخنث، أي: عطفته فانعطف
(2)
فكأنه يمشي مجابه مشبهًا بمشي النساء، ولم يرد من ثوبي، يوضحه: والمترجلات من النساء (تتشبه)
(3)
بالرجال إذا حملت سيفًا أو رمحًا، وما كان فوق ذلك فمن السحق فهو كثير. قاله الداودي، وإنما أمر بإخراجها؛ لأنها قد يؤدي فعلها إلى ما يفعله شرار النساء من السحق، وهو أيضًا عظيم، وإنما لعن المخنث وإن كان خلقا له؛ لتشبهه بهن، والله خلقه بخلاف ذلك، فهو يحاول تغيير الهيئة التي خلق عليها، وله سبيل إلى اكتساب خلق الرجال، وقدره على اختلاف منه له إلى نفسه، ولفعله ما يكرهه الله ونهى عنه رسوله من التشبيه بهن في اللباس والزينة، ووصفه أمرهن.
وقال ابن عباس: المؤنثون أولاد الجن. قيل له: وكيف؟ قال: إن الله نهى أن يأتي الرجل امرأته وهي حائض، فإذا أتاها حائضًا سبقه الشيطان إليها وحملت منه فأتت بالمؤنث رواه ابن وهب عن ابن جريج، عن عطاء، عنه
(4)
.
(1)
في (ص 2): لأنه أراد.
(2)
"لسان العرب" 3/ 1272.
(3)
من (ص 2).
(4)
رواه ابن عدي في "الكامل" 9/ 58 ترجمة يحيى بن أيوب الغافقي.
فصل:
وحديث إخراج المخنثين سلف في المغازي
(1)
. وقوله: (فأخرج فلانًا، وأخرج عمر فلانًا) قال ابن التين: هذا هو الصحيح في الروايات، قال: وقد جاء في رواية البخاري: فأخرج عليه السلام فلانة. قلت: وعليها مشى ابن بطال
(2)
.
فصل:
قال مالك: يريد تعمل بأربع عكنات في سائر الجوف، وإذا أدبرت نظر في كل جانب إلى أربع. وقيل: تقبل بأربع: كشفري فرجها ورجليها. وقيل غير ذلك مما سلف.
فصل:
قوله: ("لا يدخلن هؤلاء عليكم") اختلف فيه، هل هو على الإيجاب أو الندب؛ لأنه لم ير منه الشهوة، لنفسه وإنما وصف.
فصل:
وفيه نفي كل من يتأذى به عن موضع معصيته وأذاته، وقد سلف في باب: إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت
(3)
، في الخصومات، فإنه يخرج كل من تأذى به جيرانه ويكرى عليه داره ويمنع من السكنى فيها حتى يتوب.
فصل:
إن قلت: كيف ساغ دخوله على أمهات المؤمنين بعد نزول
(1)
سلف برقم (4324) باب غزوة الطائف.
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 141.
(3)
سلف برقم (2420).
الحجاب؟ قلت: هو من جملة من استثني منهم غير أولي الإربة.
وقد تأوله عكرمة على المخنث الذي لا حاجة له في النساء، وبذلك ورد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان مخنث يدخل على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو ينعت امرأة، وذكر الحديث، فأمر عليه السلام ألا يدخل عليهن
(1)
.
(1)
مسلم (2181) كتاب: السلام، باب: منع المخنث من الدخول على الأجانب.
63 - باب قَصِّ الشَّارِبِ
وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ، يَعْنِي: بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ.
5888 -
حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ أَصْحَابُنَا، عَنِ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ» . [5890 - فتح 10/ 334].
5889 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً:«الْفِطْرَةُ خَمْسٌ -أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ- الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ» . [5891، 6297 - مسلم: 257 - فتح 10/ 334]
حدثنا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعِ، قَالَ أَصْحَابُنَا، عَنِ المَكِّيِّ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مِنَ الفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ".
حَدَّثنَا عَلِيٌّ، ثنا سُفْيَانُ قَالَ: الزُّهْرِيُّ ثَنَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً:"الْفِطْرَةُ خَمْسٌ -أَوْ- خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ- الخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ".
الشرح:
(معنى قوله: (قال أصحابنا عن المكي) بعد تحديثه عن المكي، عن حنظلة، عن نافع أنه رواه عنه عن ابن عمر موقوفًا على نافع وأصحابه وصلوه عنه، عن ابن عمر مرفوعًا كذا ظهر لي. و (يحفي) بضم أوله رباعي، أي: يستقصي في أخذه.
قال الداودي: أي يقصه كما في الحديث، وهو أن يظهر حرف الشفة العليا وما قاربه من أعلاه ويأخذ فاسدها فوق ذلك
(1)
وينزع ما قارب الشفة وجانبي الفم ولا يفعل من القص إلا هذا وقيل: الإحفاء الحلق، وهو قول الكوفيين، ودليل الأول قوله:"قص الشارب".
قال: وقد يحتمل الإحفاء الوجهين، وإذا كان أحد الحديثين مفسرًا فغني عن المبهم، وفي الحديث أنه قال في الخوارج:"سيماهم التسبيت"
(2)
، وهو حلق الشارب من أصله، واحتج مالك لهذا بأن (عمر)
(3)
كان إذا كربه أمر فتل شاربه ونفخ
(4)
.
فلو كان الاستئصال لم يجد ما يفتل، وقيل: أطلق الشارع لأمته الوجهين الحلق بقوله: "أحفوا" والقص بقوله: "قص الشارب".
قال مالك: حلق الشارب مُثْلَةٌ، ويؤدَّب فاعله
(5)
.
فصل:
قوله: ("خمس من الفطرة .. ") إلى آخره، وقد سلف الكلام عليه، وروينا عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} قال ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس، وخمس في الجسد: السواك والمضمضة والاستنثار
(6)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
سيأتي برقم (7562) كتاب التوحيد، باب قراءة الفاجر.
(3)
في (ص 2): (ابن عمر).
(4)
"التمهيد" 21/ 66.
(5)
"الاستذكار" 26/ 241، "التمهيد" 21/ 63 - 64.
(6)
رواه البيهقي 8/ 325.
(وأَوَّلَهَا)
(1)
الداودي بالاستنشاق وحلق الشارب، وأبدله الداودي بالقص وفرق الرأس، وجعل الداودي موضعه مسح الأذنين، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء عند الغائط والبول، وروي موضع الفرق غسل البراجم، وموضع الاستنجاء الاستحداد، وجاء فيه في مسلم في النتف والتقليم والقص عن أنس وقت أن لا نترك أكثر من أربعين يومًا
(2)
، وذكر أن السرعة به تثير الشهوة، وتركه يقصر منها.
فصل:
الفطرة: هنا المراد بها السنة.
وعند الشافعي: أن الختان فرض؛ لأنه شعار الدين كالكلمة، وبه يتميز المسلم من الكافر، وقاسه مالك بأنه عنده سنة على قطع الغرة، و (يُنَازع فيه بأن قطعها واجب حفظًا لحرمة الطعام)
(3)
؛ ولأن المقصود النظافة كقص الظفر.
(1)
في الأصل، (رواها).
(2)
مسلم (258) كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة.
(3)
من (ص 2).
64 - باب تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ
5890 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مِنَ الْفِطْرَةِ حَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ» . [انظر: 5888 - فتح 10/ 349]
5891 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الآبَاطِ» . [انظر: 5889 - مسلم: 257 - فتح 10/ 349]
5892 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ على لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ. [5893 - مسلم: 259 - فتح 10/ 349]
ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مِنَ
الفِطْرَةِ حَلْقُ العَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ". (في بعض النسخ وقفه)
(1)
.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ". الحديث السالف
(2)
.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "خَالِفُوا المُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ".
وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ.
(1)
من (ص 2).
(2)
سلف برقم (5889) باب قص الشارب.
الشرح:
(الحديث الأخير وإن كان مما لم يترجم عليه، ولأنه من الفطرة كالتقليم، فلذا ذكره في آخره)
(1)
، وتقليم الأظفار تقصيصها، وفيه كيفيتان ذكرتهما في "شرحي للعمدة"، ومنها كيفية مجربة (لدفع)
(2)
الرمد فسارع إليها، وقد سلف معنى إحفاء الشارب؛ وعند مالك: يقص إطاره وهو طرف الشعر الذي على حرف الشفة العليا
(3)
.
وقول الأخفش: الإحفاء الاستئصال يؤول بما سلف، وما ذكره عن ابن عمر إنما كان يمسك على ما لم يشذ ويأخذ ما شذ، وليس على أنه يمسك من فوق الذقن إنما يمسك من أسلفها (ويميل)
(4)
بأصابعه الأربعة ملتصقة ويأخذ ما سفل عن ذلك، فيكون ذلك طول لحيته.
وبمثل مقالة ابن عمر قال والده وأبو هريرة
(5)
.
وقال آخرون: يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش ما أخذه ولم يحدوا حدًّا، غير أن المراد ما لم يخرج عن عرف الناس في ذلك.
روي ذلك عن الحسن وعطاء
(6)
ومذهب مالك نحوه.
وكره آخرون أن يأخذ منها إلا في حج أو عمرة. رواه ابن جريح عن ابن عمر وعطاء، وعن قتادة نحوه إلا أنه يأخذ من عارضه.
(1)
من (ص 2).
(2)
في (ص 2): (لرمد).
(3)
"الموطأ" ص 574.
(4)
من (ص 2).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 226.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 226.
وقيل: لا يأخذ منها شيئًا إلا في حج أو عمرة
(1)
.
فصل:
قوله: (فما فضل)، هو بفتح الضاد وكسرها، اختلف في مستقبل من كسر، فقيل: بالفتح على الأصل، وقيل: هو بالضم شاذ مثل حضر يحضُر ليس في اللغة غيرهما، وقيل: هو فيهما فعل يفعل بفتح عين ماضيه.
فصل:
بسط الطبري الكلام على الإحفاء فقال: اختلف السلف في صفة إحفاء الشارب؛ فقال بعضهم: هو الأخذ من الإطار، وروى مالك عن زيد بن أسلم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا غضب فتل شاربه
(2)
، وهذا أسلفنا عنه.
وقال أبو عاصم: سمعت عبد الله بن أبي عثمان يقول: رأيت ابن عمر يأخذ من شاربه من أعلاه وأسفله.
وكان عروة وعمر بن عبد العزيز وأبو سلمة وسالم والقاسم لا يحلق أحد منهم شاربه.
وهذا قول مالك والليث.
وقال مالك: حلق الشارب مثلة ويؤدب فاعله
(3)
، كما أسلفناه عنه.
وكان يكره أن يأخذ من أعلاه.
وقال آخرون: الإحفاء حلقُه كله.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 226، وانظر:"الموطأ" ص 257، "التمهيد" 24/ 146.
(2)
رواه الطبري 1/ 66 (54)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 1/ 100 (78).
(3)
تقدم نهايةَ الباب السابق.
روى يحيى بن سعيد عن ابن عجلان قال: رآني عثمان بن عبيد الله بن رافع أخذت من شاربي أكثر ما أخذت منه، إلى أن أشبه الحلق فنظر إلى، فقلت: ما (تنكر)
(1)
تنكر؟ قال: ما أنكر شيئًا، رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون شواربهم شبه الحلق.
قلت: من هم؟ قال: جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وابن عمر وسلمة بن الأكوع وأنس رضي الله عنه.
وهو قول الكوفيين
(2)
، و (قالوا)
(3)
: الإحفاء هو الحلق، والحلق أفضل من التقصير في الرأس والشارب، واللغة تساعده.
قال الخليل: أحفى شاربه: استأصله واستقصاه، وكذا قال ابن دريد: حفوت شاربي أحفوه حفوًا استأصلته: أخذت شعره
(4)
.
حجة الأولين أن القص لا يقتضي الاستئصال.
قال صاحب "الأفعال": يقال: قص الشعر والأظفار: قطع منها بالمقص
(5)
، ولما جاء عنه "أحفوا"، وجاء عنه القص، واحتمل احفوا الاستئصال و (القص)
(6)
؛ لأن من أحفى بعض شاربه دخل في عموم الحديث إذ لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد الجميع ولم يحتمل القص الاستئصال علم أن المراد أخذ البعض، ورجح على الاستئصال، وأجابوا عنه بأنا نجوزهما.
(1)
في (ص 2): (تكره).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 227 - 228 (25489) باختلاف يسير في ألفاظه، والقائل هناك عبيد الله بن أبي رافع وليس عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع.
(3)
في (ص 2): (قال).
(4)
"جمهرة اللغة" 1/ 557 مادة: (حفو).
(5)
"الأفعال" ص 54.
(6)
في الأصل: (النقص).
فائدة:
قال ابن المسيب: أول من قص الشارب إبراهيم الخليل، قال سعيد: وهو أول من اختتن وجز شاربه
(1)
، وأضاف: وقص أظفاره، واستحد.
(1)
"الموطأ" ص 574.
65 - باب إِعْفَاءِ اللِّحَى
{عَفَوا} : كثروا وكثرت أموالهم.
5893 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «انْهَكُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى» . [انظر: 5892 - مسلم: 259 - فتح 10/ 351]
ثم ذكر حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "انْهَكُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى".
الشرح:
معنى ("انهكوا"): بالغوا في الأخذ منها من غير استئصال، وهو ثلاثي من نهك ينهك. ومعناه مثل "أحفوا"، وفي الحديث:"أَشِمِّي ولا تُنْهِكِي"
(1)
. أي لا تبالغي.
(1)
رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 368 (2253)، وفي "الصغير" 1/ 91 (122)، عن محمد بن سلام الجمحي، عن زائدة بن أبي الرماد، عن ثابت البناني، عن أنس. وقال: لم يروه عن أنس إلا ثابت، ولا عن ثابت إلا زائدة، تفرد به محمد ابن سلام.
وعلة هذا الطريق زائدة، قال البخاري: منكر الحديث. وضعفه النسائي، "الضعفاء والمتروكين"(219)، وقال أبو داود: لا أعرف خبره، وقال النسائي أيضًا: لا أدرى من هو "تهذيب الكمال" 19/ 271 (1949).
وللحديث شواهد تقويه من حديث علي بن أبي طالب؛ رواه الخطيب 12/ 291 ترجمة عوف بن محمد بن أبي حسان، وشاهد آخر عن الضحاك بن قيس رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 8/ 206.
وحسَّن الهيثمي إسناده في "الجمع والزوائد" 5/ 312.
وقال الألباني: مجيء الحديث من طرق متعددة لا يبعد أن يعطي ذلك الحديث قوة يرتقي بها إلى درجة الحسن. "السلسلة الصحيحة"(722).
قال صاحب "الأفعال" يقال: نهكته الحمى بالكسر نهكًا: أثرت فيه، وكذلك العبادة
(1)
. والتأثير غير الاستئصال.
وقوله: ("وأعفوا") قال الجوهري: عفا الشعر و (النبت)
(2)
وغيرهما: كثر.
وذكر الآية: {حَتَّى عَفَوْا} أي: كثروا. قال: وعفوته أنا وأعفيته أيضًا لغتان إذا فعلت ذلك به
(3)
. فعلى هذا يقرأ: "واعفوا" موصولاً ومقطوعًا، وبالقطع قرأناه.
و ("اللحى") جمع لحية بكسر اللام مقصور. وقال الجوهري: وبضم اللام يريد من لُحى مثل ذروة وذرى
(4)
.
فصل:
وعلة توفير اللحية أن فيه جمالًا للوجه وزينة للرجال، وجاء في بعض الخبر: إن الله تعالى زين بني آدم باللحى. ولأن الغرض بذلك مخالفة الأعاجم، وهذا ما لم يخرج بطولها عن الحد المعتاد فيقضي لصاحبها إلى أن يسخر به.
وسلف أن معنى: "أحفوا الشارب" قصها، وأن حلقها منهي عنه، هذا مذهب أهل المدينة وأكثر العلماء، وهو مروي عن جمهور الصحابة رضي الله عنهم.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: هو مستحب.
(1)
"الأفعال" ص 264.
(2)
في (ص 2): (النبت).
(3)
"الصحاح" 6/ 2433. مادة: (عفا).
(4)
"الصحاح" 6/ 2480. مادة: (لحي).
ونقله ابن التين عن الشافعي أيضًا فأغرب؛ قال: ودليلنا قوله عليه السلام: "ليس منا من حلق" ولأن فيه جمالًا للوجوه وزينة، وفي حلقه مثلة.
قال الطبري: فإن قلتَ: ما وجه قوله: "أعفوا اللحى" وقد علمت أن الإعفاء الإكثار، وأن من الناس من إن ترك شعر لحيته اتباعًا منه لظاهر هذا الخبر تفاحش طولًا وعرضًا، وسمج حتى صار للناس حديثا ومثلًا.
قيل: قد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على خصوص هذا الخبر، وأن من اللحية ما هو محظور إعفاؤه، وواجبٌ قصُّهُ على اختلاف في السلف من قدر ذلك وحدِّه؛ فقال بعضهم: حد ذلك أن يزداد على قدر القبضة طولاً، وأن ينتشر عرضًا فيقبح ذلك، فإذا زادت على قدر القبضة كان الأولى جز ما زاد على ذلك من غير تحريم منهم ترك الزيادة على ذلك.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلاً قد ترك تحت لحيته حتى كثرت فاتخذ يجذبها ثم قال: ائتوني بحلمتين، ثم أمر رجلاً فجز ما تحت يده ثم قال: اذهب فأصلح شعرك أو أفسده، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من أسباع، وكان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل، وعن ابن عمر مثله.
وقال آخرون: يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش أخذه، ولم يحدوا في ذلك حدًّا، غير أن معنى ذلك عندي: ما لم يخرج من عرف الناس، وهذا قدمناه، وروي عن الحسن أنه كان لا يرى بأسًا أن يأخذ من (طول)
(1)
لحيته وعرضها ما لم يفحش الأخذ منها، وكان إذا ذبح أضحيته يوم النحر أخذ منها شيئًا.
(1)
في الأصل: (طرف).
وقال عطاء: لا بأس أن يأخذ من لحيته الشيء القليل من طولها ومن عرضها إذا كثرت، وغلب كراهة الشهرة كالملبس
(1)
.
والصواب أن قوله: ("أعفوا اللحى") على عمومه إلا ما خص من ذلك؛ وقد روي عنه حديث في إسناده نظر أن ذلك على الخصوص، وأن من اللحى ما الحق فيه ترك إعفائه، وذلك ما تجاوز طوله أو عرضه عن المعروف من خلق الناس، وخرج عن الغالب فيهم.
ألا ترى ما روى مروان بن معاوية، عن سعيد بن أبي راشد المكي، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: كان عليه السلام يأخذ اللحية فما طلع على الكف (جزه)
(2)
، وهذا الحديث وإن كان في إسناده نظر فهو جميل من الأمر، وحسن من الفعل.
(1)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 5/ 226 - 227.
(2)
من (ص 2).
66 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الشَّيْبِ
5894 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَخَضَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَمْ يَبْلُغِ الشَّيْبَ إِلاَّ قَلِيلاً. [انظر: 3550 - مسلم: 2341 - فتح 10/ 351]
5895 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَا يَخْضِبُ، لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِي لِحْيَتِهِ. [انظر: 3550 - مسلم: 2341 - فتح 10/ 351]
5896 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ -وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلَاثَ أَصَابِعَ- مِنْ قُصَّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِي الحُجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا. [5897، 5898 - فتح 10/ 352]
5897 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَلاَّمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَرًا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَخْضُوبًا. [انظر: 5896 - فتح 10/ 352]
5898 -
وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا نُصَيْرُ بْنُ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنِ ابْنِ مَوْهَبٍ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعَرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحْمَرَ. [انظر: 5896 - فتح 10/ 352]
ذكر فيه حديثين:
(أحدهما)
(1)
:
حديث مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: سَأَلْتُ أَنَسًا رضي الله عنه: أَخَضَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ فقَالَ: لَمْ يَبْلُغِ الشَّيْبَ إِلَّا قَلِيلًا.
(1)
من (ص 2).
وحديث ثابت: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَا يَخْضِبُ، لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِي لِحْيَتِهِ.
ثانيهما:
حديث عَبْدِ اللهِ بن عثمان بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ -وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلَاثَ أَصَابعَ- فِيهِ شَعرٌ مِنْ شَعرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَان إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِي الحُجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا.
وعن سَلام، عنه أيضًا قَالَ: دَخَلْتُ على أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَرات مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَخْضُوبًا.
وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: ثَنَا نُصَيْرُ بْنُ أَبِي الأَشْعَثِ -وهو من أفراد البخاري- عَنِ (ابْنِ)
(1)
مَوْهَبٍ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَحْمَرَ.
الشرح:
سلام هذا قال الجيّاني: كذا جاء هنا غير منسوب في نسخة أبي محمد، ونسبه أبو علي ابن السكن: ابن أبي مطيع، وذهب الكلاباذي إلى أنه ابن مسكين، وقول ابن السكن أولى، والحديث محفوظ لابن أبي مطيع
(2)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
"تقييد المهمل" 2/ 731. قال ابن حجر: وقع التصريح به في هذا الحديث عند ابن ماجه من رواية يونس بن محمد، عن سلام بن أبي مطيع، وقد أخرجه بن أبي خيثمة، عن موسى شيخ البخاري؛ فقال: حدثنا سلام بن أبي مطيع. "فتح الباري" 10/ 353.
ووجه كونه لم يبلغ الشيب إلا قليلاً، لأنه توفي وهو ابن ثلاث وستين والشيب (غالبًا)
(1)
يكون بعد ذلك قال أنس: توفي على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء
(2)
. قال أبو جحيفة: كان أكثرها في عنفقته. زاد غيره: وصُدغيه، والعنفقة: الشعر الذي بين الشفة والذقن وشمطاته شيبة.
والمخضب (بكسر الميم)
(3)
المركن، وهي الإجانة التي تغسل فيها الثياب.
والجلجل: قال الداودي: هو الحق، روى النضر بن شميل، عن إسرائيل، عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: كان عند أم سلمة جلجل من فضة فيه شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا أصاب أحدًا عين أو اشتكى بعث بإناء فحصحص الشعر في الإناء، ثم يشربه ويتوضأ منه، فبعثني أهلي فاطلعت فيه، فإذا شعرات حمر
(4)
. وإنما حصحصته لتبقى بركة الشعر في ذلك الماء، فيشربه المعين، إذا وصب فيدفع (الله)
(5)
عنه ببركة ذلك الشعر ما به من شكوى.
وقوله: (مخضوبًا). قال الداودي: إنما رأى حمرة الشعر من الطيب وظن أنه مصبوغ، لكن روى ابن أبي عاصم من هذا الوجه بلفظ: مخضوب بالحناء والكتم.
قلت: واختلفت الآثار، هل خضب أم لا؟ فقال أنس -كما مرَّ-: لا، وهو قول مالك وأكثر العلماء، وقال عثمان بن موهب: إن أم سلمة
(1)
من (ص 2).
(2)
"مسند أبي يعلى" 6/ 318.
(3)
من (ص 2).
(4)
رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" 4/ 172 - 173 (1959).
(5)
من (ص 2).
أخرجته مخضوبًا. كما مر
(1)
، وأخرجه الطبري بزيادة: مخضوبًا بالحناء والكتم، وقالت: هذا شعره، (وسلف أيضًا عن غيره)
(2)
.
وزعمت طائفة من أهل الحديث أنه خضب، لهذا الحديث وبما رواه ابن إسحاق، عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر: إنك تصفِّرُ لحيتَكَ؛ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصفر بالورس، فأنا أحب أن أصفر به كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ
(3)
، وقد سلف.
ورواه القطان وحماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري به، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته
(4)
، وروى الطبري من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل قال: قدم أنس المدينة وعمر بن العزيز والٍ عليها فأرسلني عمر إليه وقال: سله، هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنا نجد ها هنا شعرًا من شعره فيه بياض كأنه قد لون، فقال أنس: إنه عليه السلام كان قد متع بسواد الشعر، لو عددت خمس عشرة ما أقبل من رأسه ولحيته ما كنت أدري هل أعد خمس عشرة شيبة، فما أدري ما هذا الذي يجدون إلا من الطيب الذي يطيب به
شعره وهو غيَّر لونه
(5)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 182 - 183.
(2)
من (ص 2).
(3)
رواه ابن ماجه (3626)، وابن أبي شيبة 5/ 186، وابن عبد البر في "التمهيد" 21/ 80، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(2922).
(4)
رواه أحمد 2/ 17، والبيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 213، وابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 80، وصححه شعيب الأرنؤوط.
(5)
رواه أيضًا الطبراني في "الأوسط" 6/ 304 (6477).
67 - باب الخِضَابِ
5899 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» . [انظر: 3462 - مسلم: 2103 - فتح 10/ 354]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ".
اختلف السلف في تغيير الشيب، وروى شعبة عن الركين بن الربيع قال: سمعت (القاسم بن حسان)
(1)
يحدث، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن ابن مسعود أنه عليه السلام كان يكره تغيير الشيب
(2)
.
وروى ابن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنه عليه السلام قال:"من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة، إلا أن ينتفها أو يخضبها"
(3)
فرأى بعضهم أن أمره عليه السلام بصبغه أمر ندب، وأن تغييره أولى من تركه أبيض.
(1)
في الأصل: محمد، وهو خطأ والصواب ما أثبتناه من مصادر التخريج.
(2)
رواه أبو داود (4222)، والنسائي 8/ 141، وأحمد 1/ 380، والبيهقي 7/ 232، وابن حبان 12/ 495 - 496 (5682 - 5683)، وقال المنذري في "مختصر أبي داود" 6/ 114 - 115: في إسناده القاسم بن حسان، عن عبد الرحمن، عن ابن مسعود. قال البخاري: القاسم سمع زيد بن ثابت، عن عمه عبد الرحمن، ولا نعلم سمع من عبد الرحمن أم لا. وقال البخاري في ترجمة عبد الرحمن: روى عنه قاسم بن حسان، ولم يصح حديثه في الكوفيين، وقال علي بن المديني: حديث ابن مسعود هذا حديث كوفي، وإسناده من لا يعرف. وقال عن عبد الرحمن لا نعرفه في أصحاب عبد الله. والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".
(3)
"مسند أحمد" 2/ 210، بلفظ:"كتب الله له بها حسنة، وكفر عنه بها خطيئة، ورفعه بها" من طريق أبي بكر الحنفي، عن عبد الحميد بن جعفر، عن عمرو بن شعيب، به. =
وروى عن قيس بن أبي حازم قال: كان أبو بكر الصديق يخرج إلينا وكأن لحيته ضرام العرفج من الحناء والكتم
(1)
، وكان الشعبي وابن أبي مليكة يخضبان كذلك أيضًا.
وعن عمر بن الخطاب أنه كان يأمر بالخضاب بالسواد ويقول: هو تسكين للزوجة وأهيب للعدو.
وعن ابن أبي مليكة أن عثمان (كان)
(2)
يخضب به.
وعن عقبة بن عامر والحسن والحسين أنهم كانوا يخضبون به
(3)
.
ومن التابعين: علي بن عبد الله بن عباس، وعروة بن الزبير وابن سيرين، وأبو بردة.
وروى ابن وهب عن مالك قال: لم أسمع في صبغ الشعر بالسواد نهيًا معلومًا، وغيره أحب إليَّ
(4)
.
وممن كان يصبغ بالصفرة: عليٌّ وابن عمر والمغيرة وجرير البجلي وأبو هريرة وأنس رضي الله عنهم.
ومن التابعين: عطاء وأبو وائل والحسن وطاوس وسعيد بن المسيب رحمهم الله
(5)
.
= وروي بلفظه الموجود في الشرح عن عمرو بن عنبسة عند الترمذي (1634)، والنسائي 6/ 28، والطيالسي 2/ 469 (1248)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 210. وعن عمر بن الخطاب في "صحيح ابن حبان" 7/ 251، وعن أبي نجيح السلمي في "صحيح ابن حبان" 7/ 252، و"المستدرك" 3/ 50.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 183.
(2)
من هامش الأصل وعليها: لعله سقط.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 183 - 184.
(4)
"التمهيد" 21/ 82.
(5)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 5/ 185 - 186.
واعتل مغيرو الشيب من حديث أبي هريرة (وغيره)
(1)
بما رواه مطر الوراق عن أبي رجاء، عن جابر قال: جئ بأبى قحافة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه ولحيته كأنهما ثغامة بيضاء، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغيروه فحمروه
(2)
، والثغامة مثلثة مفتوحة ثم غين معجمة، قال أبو عبيد: هو نبت أبيض الزهر والثمر يشبه بياض الشيب به
(3)
. وقال ابن الأعرابي: هي شجرة بيضاء كأنها الملح.
ورأى آخرون تركه أبيض أولى من تغييره وأن الصحيح عنده نهيه عن تغييره وقالوا: توفي وقد بدا في عنفقته (ورأسه)
(4)
الشيب ولم يغيره بشيء ولو كان تغييره الاختيار كان قد آثر الأفضل.
قال: أبو إسحاق الهمداني: رأيت عليًّا رضي الله عنه أبيض الرأس واللحية، قاله الشعبي
(5)
.
وكان أبي بن كعب أبيض اللحية.
وعن أنس ومالك بن أوس وسلمة بن الأكوع أنهم كانوا لا يغيرون الشيب.
(1)
في (ص 2): وعروة.
(2)
رواه بهذا السند الطبراني 9/ 41 (8328)، ومن طرق أخرى عن أبي الزبير، عن جابر رواه مسلم (2102)، وأبو داود (4204)، والنسائي 8/ 138، وأحمد 3/ 316، وأبو يعلى (1819)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3683)، وأبو عوانة 1/ 410 (1513، 1514)، وابن حبان 21/ 285 (5471)، والطبراني 9/ 41 (8323 - 8327)، والحاكم 3/ 244 - 245، والبيهقي 7/ 310، والخطيب في "تاريخ بغداد" 9/ 136.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 360.
(4)
في الأصل: (ورأى). والمثبت من (ص 2).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 186 - 187.
وعن أبي الطفيل وأبي بردة الأسلمي مثله.
وكان أبو مجلز وعكرمة (وسعيد بن جبير)
(1)
وعطاء بن السائب لا يخضبون، واعتلوا بما روى أبو إسحاق عن أبي جحيفة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عنفقته بيضاء
(2)
.
قال المحب الطبري: والصواب عندنا أن الآثار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغييره والنهي عنه صحاح، ولكن بعضها عام وبعضها خاص بقوله:"خالفوا اليهود وغيروا الشيب" المراد منه الخصوص أي: غيروا الشيب الذي هو نظير شيب أبي قحافة، وأما من كان أشمط فهو الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغيره، وقال:"من شاب شيبة .. " الحديث
(3)
؛ لأنه لا يجوز أن يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم قول متضاد، ولا نسخ فتعين الجمع، فمن غيره من الصحابة محمول على الأول ومن لم يغيره فالثاني مع أن تغييره ندب لا فرض، ولا أرى بغير ذلك -وإن كان قليلاً- حرجًا بتغيره إذ كان النهي عن ذلك نهي كراهة لا تحريمًا؛ لإجماع سلف الأمة وخلفها على ذلك، وكذلك الأمر فيما أمر به على وجه الندب ولو لم يكن كذلك كان تاركو التغيير قد أنكروا على المغيرين، أو أنكر المغيرون على تاركي التغيير، وبنحو معناه قال (النووي)
(4)
.
فائدة:
يصبغ بضم الباء وفتحها حكاها في "المشارق"
(5)
.
(1)
في (ص 2): (وعطاء وسعيد بن المسيب).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 187.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
في (ص 2): الثوري. وهو خطأ، انظر:"شرح صحيح مسلم" 14/ 80.
(5)
"مشارق الأنوار" 2/ 38.
فصل:
روينا في كتاب: "الخضاب" تأليف ابن أبي عاصم من حديث هشام، عن أبيه، عن الزبير بن العوام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود"
(1)
قال: وفيه: عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه الأوزاعي قال: "اخضبوا فإن اليهود والنصارى لا يخضبون" ثم أسند عن عتبة بن عبد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتغيير الشعر مخالفة الأعاجم
(2)
.
فصل:
قد أسلفنا الاختلاف في سببه، وأن أنسًا أنكره وأن أم سلمة أخرجته: أحمر. وروى ابن سعد قال ربيعة: رأيت شعرًا من شعره أحمر فسألت عنه فقالوا: أحمر من الطيب
(3)
.
وهذا يؤيد ما تأولناه فيما مضى من الحديثين السالفين وعن عبد الرحمن اليماني: كان عليه السلام يغير لحيته بماء السدر، وعن عبد الرحمن ابن حرملة عن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره (تغيير لحيته)
(4)
(5)
.
(1)
رواه النسائي 8/ 137 - 138، وأحمد 1/ 165، وأبو يعلى 2/ 42 (681)، والشاشي (45)، وأبو نعيم في "الحلية" 2/ 180، من طريق محمد بن كناسة، عن هشام، عن عثمان بن عروة، عن أبيه، عن الزبير، به.
(2)
رواه الطبراني 17/ 129، قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 162: فيه الأحوص بن حكيم، وهو ضعيف، وقد وثق.
(3)
رواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 437.
(4)
في الأصل: (تغييره). والمثبت من (ص 2).
(5)
سبق تخريجه.
قال الطحاوي: وحديث ابن مسعود في العشرة الأشياء التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهها ومنها تغيير الشيب، ما حَضَرَنا فيه أنَّا قد رُوِّينَا أنه عليه السلام قال:"إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" فعقلنا بذلك أنه كان في البداء على مثل ما كانوا عليه؛ لما روي أنه كان فيما لم يؤمر فيه بشيء يحب موافقة أهل الكتاب، فكان على ذلك حتى أحدث الله له شريعته ما يخالف ذلك من الخضاب فأمر به، وبخلاف ما عليه أهل الكتاب من تركه، وعقلنا بذلك أن جميع ما روي عنه في الأمر باستعمال الخضاب متأخر عن ذلك
(1)
.
فصل:
قال الاسماعيلي في "صحيحه": حديث الشعر الذي أخرجته أم سلمة لم يبين فيه أنه عليه السلام هو الذي خضب، ولعله لون بعده أو وضع في طيب فيه صفرة تعلقته، فإن حديث أنس أصح، فإن بعضهم حكى عن أنس أن شعره أحمر ولم يخبر عن أم سلمة أنه عليه السلام خضب.
فصل:
ذكر غير واحد أن عقبة بن عامر كان يخضب بالسواد، فإذا اتصل قال:(تسودُ)
(2)
أعلاها وتأبى أصولها
(3)
.
وبه قال مالك وجماعة من أهل المدينة استدلالًا بحديث: "غيروا الشيب " وهو حديث حسن الإسناد -كما قاله أبو عمر- وتغييره عام بالسواد أو بغيره، وأفرده ابن الجوزي بالتأليف، وسنذكر قطعة منه بعد.
(1)
"شرح مشكل الآثار" 9/ 297 - 298.
(2)
في (ص 2): فسود.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 184، والطبراني 17/ 268.
فصل:
روى ابن أبي عاصم من حديث الأجلح، عن عبد الله بن بريدة، عن أبي الأسود الديلي، عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم"، وفي رواية:"أفضل"
(1)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما
(2)
، وأنس وعبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهم مثله.
ومن حديث الضحاك بن حُمْرَةَ، عن غَيْلان بن جامِع وإِيَاد بن لقيط، عن أبي رمثة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وله شعر مخضوب بالحناء والكتم
(3)
.
ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه السلام رأى رجلاً خضب بالحناء، فقال:"ما أحسن هذا" وآخر خضب بالحناء والكتم فقال: "هذا أحسن من هذا كله"
(4)
.
(1)
رواه الترمذي (1753)، والنسائي 8/ 139، وفي "الكبرى" 5/ 416 (9352)، وأحمد 5/ 150، وابن أبي شيبة 5/ 182، وابن حبان 12/ 287 (5474)، والطبراني في "الأوسط" 3/ 231 - 232 (3010)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 212 (6397)، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(2426).
(2)
رواه أبو يعلى 5/ 103، والطبراني 11/ 258 (11668).
(3)
رواه أحمد 4/ 163، والطبراني 22/ 284.
(4)
رواه أبو داود (4211)، وابن ماجه (3627)، وابن أبي شيبة 5/ 182، والطبراني 11/ 24، والبيهقي 7/ 310، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(794)، بلفظ: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل خضب بالحناء فقال: "ما أحسن هذا" فمر بآخر خضب بالحناء والكتم فقال: "هذا أحسن من هذا"، فمر بآخر خضب بالصفرة، فقال:"هذا أحسن من هذا كله".
ومن حديث رجاء، عن عائذ
(1)
بن شريح قال: سمعت أنس بن مالك، وشعيب بن عمرو، وناجية بن عمرو يقولون: رأينا رسول الله يخضب بالحناء والكتم.
ومن حديث عبد الله بن العلاء بن زبر، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم، فقال:"صفروا أو حمروا"
(2)
.
ومن حديث (حذيفة)
(3)
عن أبي يوسف: سمعت حسان بن أبي جابر السلمي قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطواف، فرأى رجالًا من أصحابه قد صفروا؛ فقال:"مرحبًا بالمصفرين"
(4)
.
وفي حديث مطر، عن أبي رجاء، عن (جابر)
(5)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أبي قحافة: "اذهبوا به إلى بعض نسائه يغير شيبة" قال: فذهبوا به فحمروه
(6)
، وكان عليه السلام أمرهم بتجنب السواد.
(1)
في حاشية الأصل: متروك.
(2)
رواه أحمد 5/ 264، والطبراني 8/ 237، والبيهقي 5/ 214؛ قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 131: رجال أحمد رجال الصحيح خلا القاسم وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر. قال الألباني في "الصحيحة" (1245): حسن.
(3)
في (ص 2): بقية.
(4)
رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 106، والطبراني 4/ 44؛ كلاهما بزيادة: قد صفروا وحمروا؛ فقال: "مرحبا بالمصفرين والمحمرين". قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 161: وتابعيُّه أبو يوسف غير مسمى وبقية مدلس، وبقية رجاله رجال الصحيح.
قال المتقي الهندي في "كنز العمال" 6/ 669 (17322): قال ابن السكن: في إسناده نظر.
(5)
في الأصل: حاتم، والمثبت من (ص 2).
(6)
سبق تخريجه.
وفي حديث عبد الكريم، عن ابن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا: "يكون في آخر الزمان (قوم)
(1)
يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة"
(2)
ومن حديث أنس بن مالك مرفوعًا: "غيروا ولا تغيروا بالسواد" فيه ابن لهيعة
(3)
.
ومن حديث المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من خضب بالسواد لم ينظر الله إليه"
(4)
.
وللطبراني من حديث الوضين، عن جنادة، عن أبي الدرداء مرفوعًا:"من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة"
(5)
.
وذكر ابن أبي عاصم بأسانيده أن حسنًا وحسينًا كانا يخضبان به، وكذلك ابن شهاب، وقال: أحبه إلينا أحلكه
(6)
، وكذلك شرحبيل بن السمط، وقال عنبسة بن سعيد: إنما شعرك بمنزلة ثوبك فاصبغه بأي لون شئت، وأحبه إلينا أحلكه.
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من (ص 2).
(2)
رواه أبو داود (4212)، والنسائي 8/ 138، وأبو يعلى 4/ 741 (2603)، والطبراني 11/ 442، والبيهقي في "الشعب" 5/ 215، بزيادة:(كحواصل الحمام) وفي الطبراني (كحواصل الطير).
قال العراقي في "تخريج الإحياء" 1/ 143 رواه أبو داود والنسائي عن ابن عباس- بإسناد جيد. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(8153).
(3)
رواه أحمد 3/ 247، والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار"(2980).
(4)
رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 306 (1393).
(5)
رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 1/ 376 (652). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 163: فيه الوضين بن عطاء، وثقه أحمد وابن معين وابن حبان وضعفه من هو دونه في المنزلة، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(5573).
(6)
رواه أحمد 2/ 309، وعبد الرزاق 11/ 154.
وكان إسماعيل بن أبي عبد الله يخضب بالسواد، وقال ابن الأجلح: رأيت ابن أبي ليلى والحجاج بن أرطاة كانا يخضبان بالوسمة
(1)
، ثم قال: إن قال قائل: صبغ الرأس واللحية بالسواد غير جائز بل مكروه، واحتج بالأخبار السالفة، قيل له: ليست حجة في النهي ولا زجرًا عنه، وذلك أنه عليه السلام إنما أخبر عن قوم علامتهم الخضاب بالسواد، وليس -وإن كان الخضاب به علامة لهم- منهي منه عن الخضاب به، وقد أخبر أن عليه السلام أن علامة الخوارج حلق الرءوس، ولم
يقل قائل بالنهي عن حلقها
(2)
كذلك.
وفي قوله لأبي قحافة: "جنبوه السواد" فإنما أمر بذلك لما رأى من هيئته؛ لأن الخضاب بالسواد إنما يكون لمن يليق به من نضارة الوجه، فأما في صفة أي قحافة فهو شين؛ لأنه غير ملائم (لمثله)
(3)
ولا مشاكل، وقال الزهري: كنا نخضب بالسواد
(4)
إذ كان الوجه جديدًا، فلما نغص الوجه والأسنان تركناه.
قلت: لو (ضعفت)
(5)
أحاديث النهي كان أولى. قال: وفي قوله: "وجنبوه السواد" دليل على أن العرب كانت تخضب به وأنه من فعلهم، قلت: وأول من صبغ به فيما ذكره الكلبي عبد المطلب بن (هاشم)
(6)
.
(1)
رواه ابن الجعد في "مسنده"(681)، وابن أبي شيبة 5/ 183 - 184.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: بل هي رواية عن أحمد بن حنبل.
(3)
في (ص 2): لمته.
(4)
رواه أحمد 2/ 309، وعبد الرزاق 11/ 155.
(5)
في الأصل: حقق.
(6)
في (ص 2): هشام.
قال ابن أبي عاصم: وفيما ثبت عنه أنه عليه السلام قال: "اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم" إباحة.
وفيه: أن يغير الشيب بكل ما شاء المغير له إذ لم يتضمن قوله: "خالفوهم " أن اصبغوا بكذا وكذا دون كذا وكذا، وقد ثبت عن الحسن والحسين -وهما هما وفيهما القدوة- الخبر ما قدمناه
(1)
، وكذلك محمد بن الحنفية
(2)
.
وفي قوله: " (إن أحسن)
(3)
ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم"
(4)
؛ دليل على أن تغيير الشيب بكل ما غير به حسن.
فصل:
قال: فإن قلت: اختلاف الأخبار في خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما اختضب به، وفي إخبار من أخبر من أصحابه أنه لم يختضب.
وفي رواية من روى تيسير شيبة ومواضع الشيب منه ما يوجب التوقف عن القطع بها، وقد أثبتوا الشيب، فإن الشيب ثابت والخضاب غير ثابت حتى يتفقوا منه على مثل ما اتفقوا على الشيب، فحُكي عن بعضهم أنه كان (سبع)
(5)
عشرة شعرة بيضاء، وقال آخرون: عشرون.
قلت: وذكر العلامة أبو القاسم
(6)
في كتاب "الشيب" عن أنس
(1)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 183.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 184.
(3)
ساقطة من الأصل، والمثبت من مصادر التخريج.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
في (ص 2): تسع.
(6)
ورد بهامش الأصل: هو موسى بن عيسى بن مهدي، وسيأتي لدينا مسمى منسوبًا.
خمس عشرة، وعند ابن سعد: سبع عشرة أو ثماني عشرة، وفي حديث الهيثم بن دهم: ثلاثون شعرة عددا، وفي حديث جابر بن سمرة: ما كان في رأسه ولحيته من الشيب إلا شعرات في مفرق رأسه إذا ادهن واراهن الدهن
(1)
، وكان قد اتفق على أنه كان شيبة، وقال أبو بكر وأبو جحيفة رضي الله عنهما: نراك يا رسول الله قد شبت قال: "وما لي لا أشيب". وذكر القصة
(2)
.
قلت: هذا التجلي إنما كان في النوم -كما بينه الدارقطني وغيره.
وقال ابن أبي عاصم: فهذا ما اعتل به من وصفنا قولَهُ الموهِنَ في الأخبار المروجة في ذلك بزعمه أنها متناقضة؛ متنافية إذ الحناء والكتم ضد الحمرة، والحمرة ضد الصفرة. فأما خبر أنس أنه لم يخضب فقد عارضه ما روى عائذ بن شريح عن أنس أنه عليه السلام خضب؛ ومع ذلك فليس قول أنس أنه عليه السلام لم يخضب بحجة على من قال: إنه خضب، لأن هذا مثبت ومشاهد لما رأى، وذلك نافٍ، والنافي لا يكون حجة على المثبت. وأما خبر ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه السلام خضب بالصفرة فالمحفوظ عن ابن عمر أنه كان يخضب، ولا حجة في ذلك الخبر. إنما رواه شريك عن عبيد الله عن نافع، عنه. وهذا خبر قد اتفق أهل العلم منه على معنى ليس هذا موضع ذكره، وليس فيما اختلف من خضابه بالحناء والكتم، وبالحناء دون الكتم، وبالصفرة تضاد، وذلك أنه جائز أن يخضب بالصفرة في وقت، فيحكي الرائي له ما رأى، وفي وقت آخر خضب بالحناء والكتم فحكى الرائي
(1)
رواه أحمد 5/ 90، والطبراني 2/ 232، والحاكم في "المستدرك" 2/ 607.
(2)
رواه بنحوه الترمذي (3297) من حديث أبي بكر، وأبو يعلى 2/ 184 (880)، والطبراني 22/ 123 من حديث أبي جحيفة.
ذلك. وغير مستنكر لخضاب الحناء إذا أتت عليه مدة أن تزول عنه شدة الصبغ حتى تصير إلى الحمرة. فمن رآه في هذِه الحالة حكى حمرة، وغير مستنكر إذا خضب بحناء رقيقًا أن يقول (قائل)
(1)
: هذِه صفرة، ويقول آخر: هذِه حمرة فلا تضاد إذا.
فصل:
روى أبو القاسم موسى بن عيسى بن مهدي في كتاب "الشيب" الراوي عن الكريمي وشبهه أن إبراهيم الخليل - صلوات الله وسلامه عليه - أول من شاب، وذلك أنه كان يشبه ابنه إسحاق، فكان الناس يقولون له: يا أبا يعقوب فعلنا كذا وكذا، فدعا الله أن يفرق بين شبههما ففرقه بالشيب. وقيل: إنه لما شاب قال: يا رب ما هذا؟ قال: وقار. فقال: رب (زدني)
(2)
فأصبح وقد امتلأ شيبًا.
وعن أبي أمامة: بينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إذ خرجت كف من السماء بين أصبعين من أصابعه شعرة بيضاء فجعلت تدنو حتى ألقيت في رأسه، وقالت: اشتعل وقارًا، قال: فاشتعل رأسه منها شيبا، فكان أول من شاب. وعن عبد الله بن عبيدة قال: لما رأى إبراهيم عليه السلام الشيب قال: مرحبًا بالعلم والحلم، الحمد لله الذي أخرجني من الشباب سالمًا. وفي حديث ابن جريج عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا:"من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة"
(3)
.
(1)
في (ص 2): ناقل.
(2)
في الأصل: أزددني.
(3)
رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 304 (1024). قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 159: فيه طريف بن زيد، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه.
وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رواية: الشيب نور الإسلام
(1)
.
وعن عمرو بن عنبسة يرفعه: "من شاب شيبة في الإسلام فهي له نور يوم القيامة"
(2)
.
ولفظ عبد الرحمن بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله، ومن حديث نوح
(3)
بن ذكوان، عن أخيه أيوب، عن الحسن، عن أنس يرفعه:"إن الله تعالى يقول: إني لأستحيي من عبدي أو أمتي يشيبان في الإسلام ثم أعذبهما بعد ذلك"
(4)
.
ومن حديث أبي الهيثم بن التيهان مرفوعًا: "من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورًا يوم القيامة".
وعن عامر السلمي مرفوعًا مثله، وكذا عن أبي أمامة، وفيه فرج بن فضالة
(5)
.
(1)
رواه أحمد 2/ 212، والبيهقي في "الشعب" 5/ 209، وفي "الكبرى" 7/ 311.
(2)
رواه الترمذي (1635)، والنسائي 6/ 26، وأحمد 4/ 113، وابن حبان 7/ 252، والحاكم 3/ 50، قال العجلوني في "كشف الخفاء" 2/ 255: وهو حسن. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(6308).
(3)
ورد بهامش الأصل: نوح هذا، قال أبو حاتم: ليس بشيء وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًا، انتهى. وأخوه أيوب، عن الحسن منكر الحديث.
قاله البخاري، وقال الأزدي: متروك الحديث. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
(4)
رواه أبو يعلى 5/ 153، وذكره الهيثمي في "المجمع" 5/ 159، وقال: فيه نوح بن ذكوان وغيره من الضعفاء.
(5)
سبق تخريجه.
فرع:
ينعطف على ما (مضى)
(1)
الخضاب بالسواد يحرم على الأصح لا كراهة تنزيه. وقال عياض: ترك الخضاب أفضل. وقال بعضهم: الخضاب أفضل
(2)
.
قال الطحاوي: ولا تناقض بل الأمر به لمن كان شيبة كأبي قحافة، والنهي لمن له شمط فقط. والأمر في ذلك ليس للوجوب إجماعًا، وليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
قال عياض: وقال غيره هو على حالين، فمن كان في موضع عادة أهله الصبغ أو تركه فخروجه عن العادة مكروه، والثاني يختلف باختلاف نطاق الشيب، فمن كانت شيبته نقية أحسن منها مصبوغة فالترك أولى وبالعكس
(3)
.
(1)
في (ص 2): معنى.
(2)
"إكمال المعلم" 6/ 624.
(3)
"إكمال المعلم" 6/ 625 - 626.
68 - باب الجَعْدِ
5900 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ، وَلَا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. [انظر: 3547 - مسلم: 2347 - فتح 10/ 356]
5901 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِي، عَنْ مَالِكٍ: إِنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، مَا حَدَّثَ بِهِ قَطُّ إِلاَّ ضَحِكَ. تَابَعَهُ شُعْبَةُ: شَعَرُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ. [انظر: 3551 - مسلم: 2337 - فتح 10/ 356]
5902 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ، قَدْ رَجَّلَهَا، فَهْيَ تَقْطُرُ مَاءً، مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ -أَوْ على عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ- يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. وَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ العَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ» . [انظر: 3440 - مسلم: 169 - فتح 10/ 356]
5903 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ. [5904 - فتح 10/ 356]
5904 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْكِبَيْهِ. [انظر: 5903 - فتح 10/ 356]
5905 -
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ شَعَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجِلاً، لَيْسَ بِالسَّبِطِ وَلَا الْجَعْدِ، بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ. [5906 - مسلم: 2338 - فتح 10/ 356]
5906 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ شَعَرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجِلاً لَا جَعْدَ، وَلَا سَبِطَ. [انظر: 5905 - مسلم: 2338 - فتح 10/ 357]
5907 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ضَخْمَ اليَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ بَسِطَ الْكَفَّيْنِ. [5908، 5910، 5911 - فتح 10/ 357]
5908، 5909 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -أَوْ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. [انظر: 5907 - فتح 10/ 357]
5910 -
وَقَالَ هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَثْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ. [انظر: 5907 - فتح 10/ 357]
5911، 5912 - وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ -أَوْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ- كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ شَبَهًا لَهُ. [انظر: 5907 - فتح 10/ 357]
5913 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ، فَقَالَ: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَسْمَعْهُ قَالَ ذَاكَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ:«أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي» . [انظر: 1555 - فتح 10/ 357]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث أنس رضي الله عنه (ليس بالطويل)
(1)
. وفيه: وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ القَطَطِ وقد سلف في صفة النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
ثانيها:
حديث البراء رضي الله عنه: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ أبو عبد الله قال بَعْضُ أَصْحَابِي، عَنْ مَالِكٍ: إِنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُهُ يحدث غَيْرَ مَرَّةٍ، مَا حَدَّثَ بِهِ قَطُّ إِلَّا ضَحِكَ. قال شُعْبَةُ: شَعَرُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ.
وقد سلف أيضًا
(3)
.
ثالثها:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه السلام قال: "أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْم الرِّجَالِ" إلى أن قال: "ثم إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ" الحديث، وسلف أيضًا
(4)
.
رابعها:
حديث أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام كَانَ يَضرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ.
ذكره من طريقين عنه.
وثالث: كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجِلًا.
ورابع: كَانَ شَعَره رَجِلًا لَا جَعْدَ، وَلَا سَبِطَ.
(1)
في (ص 2): الطويل.
(2)
سلف برقم (3547) كتاب المناقب.
(3)
سلف برقم (3551) كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
سلف برقم (3440) كتاب أحاديث، باب قول {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ} .
وخامس: ليس فيه ذكر الجعد فلا وجه لإيراده هنا. وفيه: لا جعد ولا سبط وَكَانَ بَسِطَ الكَفَّيْنِ.
كذا لأكثرهم. ولبعضهم: (سبط الكفين) بدل بسط، وشك المروزي فقال: لا أدري (بسط) أو (سبط).
قال عياض: والكل صحيح المعنى؛ لأنه روي بعد: (شثن الكفين) أي: غليظهما
(1)
.
وهذا يدل على سعتهما وكبرهما، وروي:(سابل الأطراف) وهذا موافق لمعنى (سبط).
ثم رواه من حديث فيه معاذ بن هانئ -بصري، انفرد به البخاري-[عن همام، عن]
(2)
قتادة عن أنس، أو عن رجل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم القدمين حسن الوجه لم أر بعده مثله، قال هشام: عن معمر، عن قتادة، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم شثن القدمين والكفين، وقال أبو هلال: ثنا قتادة عن أنس، أو جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم الكفين والقدمين لم أر بعده شبهًا له. ولا وجه لذكرهما هنا.
وروى تعليق هشام الإسماعيلي من حديث علي بن بحر عنه، ثم ساق من حديث ابن عباس رضي الله عنهما السالف:"وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ .. " الحديث.
وفي أحاديث الباب أنه عليه السلام كانت له جمة تبلغ قريبًا من منكبيه، وقيل: تبلغ شحمة أذنيه. وقيل: يضرب شعره منكبيه. وليس ذلك
(1)
"إكمال المعلم" 7/ 304.
(2)
ليست في الأصول، والمثبت من "الصحيح"(5908).
بإخبار عنه في وقت واحد، وإنما ذلك إخبار عن أوقات مختلفة يمكن فيها زيادة الشعر بغفلته عن قصه، فكان إذا غفل عنه بلغ منكبيه، فإذا تعاهده وقصه بلغ شحمة أذنيه أو قريبًا من منكبيه، فأخبر كل واحد عما شاهده وعاين، وذكر عليه السلام أن عيسى بن مريم عليه السلام كانت له لمة حسنة قد رجلها، وأن موسى كان آدم جعدًا، فدل أنه كانت له لمة، وأن الجعودة لا تتبين إلا في طول الشعر، وهذِه الآثار كلها تدل أن اتخاذ اللمم وترجيلها من سنن النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فصل:
قوله في صفته عليه الصلاة والسلام: ليس بالأبيض الأمهق. يعني أن لونه ليس بالشديد البياض الفاحش الخارج عن حدِّ الحسن، وذلك أن المهق من البياض هو الذي لا يخالطه شيء من الحمرة كلون الفضة.
والقطط -بفتح الطاء وكسرها- الشعر الشديد الجعد، وقيل: الذي كان شعرات رأسه زبيبة، حكاه الداودي.
والسبط: الجعد بفتح الباء وإسكانها.
والآدم: الأسمر.
(فصل)
(1)
:
قوله في حديث ابن عباس في حق الدجال: (كأنها عنبة طافية). يريد: بارزة قد برزت وطفت كما يطفو الشيء فوق الماء.
وترجيل الشعر: مشطه وتقويمه، يقال: شعر رجل -بفتح الجيم وكسرها- مسرح. عن صاحب "العين"
(2)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
"العين" 6/ 103 مادة: (رجل).
واختلف في معنى المسيح ابن مريم على أقوال سلفت ونذكر منها هنا (بعضها)
(1)
:
أحدها: لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برئ، قاله ابن عباس.
ثانيها: المسيح: الصديق، قاله النخعي.
ثالثها: لأنه كان يمسح الأرض أي: يقطعها، قاله ثعلب.
رابعها: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن، ذكره كله ابن الأنباري. وقيل: لأنه مسح بالبركة حين ولد. وقيل: خرج من بطن أمه وقد مسح بالدهن. وقيل: لحسنه. وقيل: لأن زكريا مسحه. وقيل: للسيد المسوح. وقيل: لأنه كان ذا خمص برجليه، والأخمص جفا عن الأرض من باطن الرجل. وقيل: اسم خصه الله به.
وروي عن عطاء، عن ابن عباس أنه قال: سمي مسيحًا؛ لأنه كان أمسح الرجل، فلم يكن لرجله أخمص، وهو ما يتجافى عن الأرض من وسطها فلا يقع عليها، (وهذا سلف)
(2)
. قال: وإنما سمي الدجال مسيحا، لأن إحدى عينيه ممسوحة، والأصل فيه مفعول فصرف إلى فعيل.
قال ثعلب: والدجال مأخوذ من قولهم: دجل في الأرض، ومعناه: ضرب فيها وطافها. وقال مرة أخرى: قد دجل إذا لبَّس وموَّه.
وقال ابن دريد: اشتقاقه من قولهم: دجلت الشيء إذا سترته، كأنه يستر الحق ويغطيه ويلبس بتمويهه، ومنه سميت دجلة؛ كأنها حين فاضت على الأرض سترت مكانها
(3)
.
(1)
في الأصل: أقوالًا.
(2)
من (ص 2).
(3)
"جمهرة اللغة" 1/ 450 مادة: (جدل).
وقال في "الغريبين": لأنه يقطع الأرض.
وقوله: (شثن الكفين والقدمين) قال الخليل: الذي في أنامله غلظ، وقد شثن شثنًا
(1)
.
وقال أبو عبيد: هما إلى الغلظ
(2)
، فكان كفه عليه السلام ممتلئًا لحمًا، وبين ذلك قول أنس: وكان ضخم اليدين والقدمين، غير أن كفه مع ضخامتها كانت لينة، كما روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ما مسست حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وعبارة الخطابي: يريد الغليظ الكفين الواسعان
(4)
.
فإن قلت: قد قال أبو حاتم عن الأصمعي: الشثن غلظ الكف وخشونتها، وأنشد قول امرئ القيس:
وتعطوا برخص غير شثن كأنه
…
أساريع ظبي أو مساويك أسحل
فعلى تأويل الأصمعي: البيت يعارض قول أنس في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان خشن اليدين مع قوله: (ما مسست حريرة ألين من كفه).
قلت: قول الأصمعي من أفراده، ولا فسر أحد بيت امرئ القيس عليه، وقد فسر الطوسي البيت بما يوافق قول الأولين، فقال: قوله: بكف غير شثن. أي: غير غليظ جاف. وهو الصواب؛ لأن الشاعر إنما وصف كف جارية والمستحب فيها الرقة واللطافة، ألا تراه أنه شبهها في الرقة بالدود البيض الرقاق اللينة التي تكون في الرمل أو بمساويك رقاق ولم يصفها بالغلظ والامتلاء، وذلك لا يستحب
(1)
"العين" 6/ 250 مادة: شثن.
(2)
"غريب الحديث" لابن سلام 1/ 388.
(3)
سلف برقم (1973) كتاب الصوم، باب ما يذكر من صوم النبي صلى الله عليه وسلم وإفطاره.
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 2156.
في النساء وهو مستحب في الرجال، ولا يمنع أحد أن تكون كفه ممتلئة لحمًا شديد الرطوبة غير خشنة، فلا تعارض بينهما، ولو صح تأويل من جعل الشثن الخشن لأمكن الجمع؛ لأنها خشنة باعتبار المهنة.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان عليه السلام في مهنة أهله يرقع الثوب ويخصف النعل
(1)
. وفي حديث آخر: ويحلب الشاء.
وإذا كان عليه السلام يعمل بيديه حدثت له الخشونة، وإذا ترك ذلك عاد إلى أصل جبلته سريعًا وهي لين الكف، فأخبر أنس عن كلتا الحالتين، فلا تعارض في ذلك لو كان التأويل كما قال الأصمعي، وتأويل الجماعة مغن عن هذا التخريج.
وقال في "الصحاح" الشثن بالتحريك مصدر، شثنت كفه بالكسر. أي: خشنت وغلظت
(2)
وهو بالثاء المثلثة، قال: يقول: رجل شثن الأصابع بالتسكين ونحوه.
قال ابن التين: ولم يساعد الجوهري عليه.
وقال ابن جرير: إنه غلظها في خشونة.
فصل:
(قوله)
(3)
في حديث ابن عباس: (مخطوم بخلبة) قال صاحب "العين": هي حبل من ليف
(4)
.
(1)
رواه ابن حبان 21/ 490، من حديث عروة عن عائشة، وعزاه العراقي في "تخريج الإحياء" 1/ 609 لأحمد من حديث عائشة، وقال: رجاله رجال الصحيح.
(2)
"الصحاح" 5/ 2142 مادة: (شثن).
(3)
من (ص 2).
(4)
"العين" 4/ 270.
قال الجوهري: وهي بضم اللام وسكونها
(1)
. قال ابن فارس والقزاز: إن الخلبة الليف
(2)
.
وقال الخطابي: الخلبة: كل حبل أجيد فتله من لِيفٍ أو قنَّب أو غير ذلك ما كان. ويقال: بل هو ليف المقل
(3)
.
وفيه: بيان أن موسى عليه السلام حج، خلافًا لما يقوله اليهود أنه لم يحج ولم يتخذ البيت منسكًا قط.
فصل:
قول أنس رضي الله عنه أنه مات ابن ستين هو قول عروة بن الزبير.
وروي عن ابن عباس خلاف هذا، قال: أقام عليه السلام بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، وبالمدينة عشرًا، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة. وقد سلف الاختلاف واضحًا في سنه.
فصل:
قوله: (ليس بالطويل البائن) أي: ليس بخارج عن الحد في طوله ولا بالقصير. يعني: أنه كان معتدلًا.
فصل:
حديث البراء لعله كان في الحرب، قاله الداودي.
وقوله: (إن جمته لتضرب قريبًا من منكبيه) وقال بعده شعبة: شعره يبلغ شحمة أذنيه؛ لأن شحمة الأذن هي معلق القرط.
وقول أنس: (إلى منكبيه) وقال أيضًا: (بين أذنيه وعاتقه) لعلها صفات مرات، لعله نقص منها عندما حلق في حج أو عمرة أو غيرهما.
(1)
" الصحاح" 1/ 122، مادة:(خلب).
(2)
"مجمل اللغة" 1/ 299 مادة: (خلب).
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2158.
والجمة بالضم: مجمع شعر الرأس، وهي أكثر من الوفرة. قال الجوهري وقال ابن فارس: اللمة بالكسر: الشعر يجاوز شحمة الأذن، (فإذا بلغت المنكبين فهي جمة، كذا في "الصحاح" هنا
(1)
.
وقال في (وفر): الوفرة: الشعرة إلى شحمة الأذن، ثم الجمة، ثم اللمة وهي التي ألمت بالمنكبين
(2)
، وكذا قال الهروي: سميت لمة؛ لأنها ألمت بالمنكبين، قال)
(3)
فإذا زادت فهي جمة ورجل مجم، قال: فإذا بلغت شحمة الأذنين فهي وفرة
(4)
.
وقوله: (قد رجلها فهي تقطر ماء) قال أبو عبد الملك: يريد مشطها بالماء، قال: والترجيل أن يبل الرأس ثم يمشط.
وقال ابن السكيت: شعر رجل ورحل: إذا لم يكن شديد الجعودة ولا سبطًا
(5)
. تقول فيه: رجَّل شعره ترجيلًا.
وقال القزاز: ترجيل الشعر: دهنه ومشطه وتسكين شعثه. وقال الداودي: هو أن يمسه بماء أو دهن ثم يمشط ويرسل.
وقوله: (كان شعره رجلًا) هو بكسر الجيم وفتحها (كما سلف)
(6)
.
فصل:
قد فسرنا قوله: (عنبة طافية) وقال الأخفش: يريد عنبة طفت وامتلأت وبرزت. وقال غيره: ذهب ضوؤها ونقصت.
(1)
"الصحاح" 5/ 2032.
(2)
"الصحاح" 2/ 847 مادة: (وفر).
(3)
من (ص 2).
(4)
كما في "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير 4/ 556.
(5)
"إصلاح المنطق" ص 52.
(6)
من (ص 2).
وقيل: شبهها بحبة عنب وقد فضخت وذهب ماؤها.
وقيل: أراد أن عينه قد خرج الناظر الأسود الذي فيها؛ لأن كل شيء طفر فقد طفا، وطافية غير مهموز؛ لأنه من طفا يطفو من ذوات الواو على هذا، وعلى من قال: فضخت وذهب ماؤها مهموز من طفئت تطفأ، وعنبة بناءً نادرًا إلا أن الأغلب على هذا البناء الجمع نحو قرد وقردة إلا أنه جاء للواحد عنبة وحبرة.
فصل:
اختلف في الدجال هل يقال فيه المسيح بتخفيف السين أو بتشديدها؟ فقيل بالتخفيف فيه وفي عيسى صلى الله عليه وسلم، قاله ابن قتيبة.
وقال الجوهري: يسمى الدجال مسيحًا بالتخفيف من سياحته وبالتثقيل، لأنه ممسوح العين اليمنى
(1)
.
فصل:
من الغريب ما حكاه ابن التين أنه قيل: إن هذا الحديث دل على أن الدجال يدخل مكة دون المدينة. وفيه نظر، ولا حاجة إلى ذكر ذلك، فالأدلة (ثابتة)
(2)
على أنه لا يدخلها.
فصل:
قوله: (لم أر بعده شبهًا له) قال الجوهري: شِبْه وَشَبه لغتان (بمعنى)
(3)
، يقال: هذا شبه، أي: شبيهه، وبينهما شَبَهٌ بالتحريك
(4)
.
(1)
"الصحاح" 1/ 405. مادة (مسح).
(2)
في (ص 2): قائمة.
(3)
من (ص 2).
(4)
6/ 2236.
69 - باب التَّلْبِيدِ
5914 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ: مَنْ ضَفَّرَ فَلْيَحْلِقْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُلَبِّدًا. [انظر: 1540 - فتح 360]
5915 -
حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ مُوسَى وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» . لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ. [انظر: 1540 - مسلم: 1184 - فتح 10/ 360]
5916 -
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ:«إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» . [انظر: 1566 - مسلم: 1229 - فتح 10/ 360]
ذكر فيه عن عمر قَالَ: مَنْ ضَفَّرَ فَلْيَحْلِقْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ.
وَكَانَ ابن عُمَرَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُلَبِّدًا.
ثم ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ .. " الحديث.
ثم ساق أيضًا حديث حفصة: أنه عليه السلام قال لها: "إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي .. " الحديث.
وقد سلف في الحج
(1)
.
(1)
سلف برقم (1566) باب التمتع والإقران والإفراد بالحج.
والتلبيد أن يجعل (الصمغ)
(1)
في الغسول، ثم يلطخ بها رأسه عند الإحرام؛ ليمعنه ذلك من الشعث والتقمل في الإحرام.
وروي: (تشبهوا) بالضم، والصحيح الفتح كما قاله ابن بطال، والمعنى (لا تتشبهوها)
(2)
، ومن رواه بالضم أراد لا تشبهوا علينا.
والضفر أن يضفر شعره ذو الشعر الطويل؛ ليمعنه ذلك من الشعث، والتضفير مثله، ومن فعل هذا لم يجز له أن يقصر على من يراه وهو مالك؛ لأنه فعل ما يشبه التلبيد الذي أوجب الشارع فيه الحلاق؛ ولذلك رأى عمر الحِلاق على من فعل ذلك.
ومعنى: (لا تشبهوا بالتلبيد) أي: تفعلوا أفعالًا تشبه التلبيد في الانتفاع بها وهي العقص والضفر، ثم تقصرون ولا تحلقون تقولون: لم نلبد، فمن فعل فهو ملبد وعليه الحلاق
(3)
، فإن لبدت المرأة قال مالك: تقصر. ومعناه أنها ممنوعة من الحلق فتقصر بعد أن تنسك وتدهن حتى يذهب التلبيد، وقول حفصة رضي الله عنها:(ما شأن الناس حلوا؟) يقال: حل من إحرامه وأحل بمعنى.
(1)
في (ص 2): الصبغ.
(2)
في "شرح ابن بطال" 9/ 159: تشبهوا.
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 159.
70 - باب الْفَرْقِ
5917 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ. [انظر: 3558 -
مسلم: 2336 - فتح 10/ 361]
5918 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُحْرِمٌ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 271 - مسلم: 1190 - فتح 10/ 361]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بشيء، وَكَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ المُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْد ذلك.
وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُحْرِمٌ.
قال عبد الله -يعني: ابن رجاء أحد رواته- فِي مَفْرِقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
فرق شعر الرأس سنة، (ولا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله، وقد قيل: إنها من ملة إبراهيم وسنته)
(1)
.
وروى ابن وهب عن أسامة بن زيد أن عمر بن عبد العزيز كان إذا
(1)
من (ص 2).
انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسًا يجرون كل من لم يفرق شعره.
قال مالك: ورأيت عامر بن عبد الله بن الزبير، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهشام بن عروة يفرقون شعورهم، وكانت لهشام جمة إلى كتفه.
فإن قلت: قوله: (كان يحب موافقة أهل الكتاب) يعارض الحديث السالف: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم".
قلت: حديث ابن عباس يحتمل أن يكون في أول الإسلام في وقت قوي فيه طمع الشارع رجوع أهل الكتاب وإنابتهم إلى الإسلام، وأحب موافقتهم على وجه التآلف لهم والتأنيس مع أن أهل الكتاب كانوا أهل شريعة، وكان المشركون لا شريعة لهم، فسدل النبي عليه السلام ناصيته؛ إذ كان ذلك مباحًا؛ لأنه لم يأته نهي عن ذلك، ثم أراد الله نسخ السدل بالفرق، فأمر نبيه بفرق شعره وترك موافقة أهل الكتاب.
والحديث يدل على صحة هذا، وهو قول ابن عباس: كان عليه السلام يحب موافقة أهل الكتاب، و (كان): إخبار عن فعل متقدم. وقوله: (ثم فرق). إخبار عن فعل متأخر وقع منه مخالفة أهل الكتاب، وهذا هو النسخ بعينه، وهو كقوله:"إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" فأمر بمخالفتهم أمرًا عامًّا، وقد يستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ.
فائدة:
السدل: الإرخاء، (فيترك سابلًا على هيئته، والتفريق: أن يقيم شعر ناصيته، يمينًا وشمالًا ويظهر جبهته وجبينه من الجانبين) قال الجوهري:
سدل ثوبه يَسْدُله -بالضم- سدلاً، أي أرخاه
(1)
، قال ابن التين:(وقراءته)
(2)
بكسر الدال، (قلت: الضم ما ضبطه الدمياطي أيضًا، وذكر ما أسلفناه عن الجوهري، وشعر مسدل.
وعبارة "المطالع" تبعًا "للمشارق" السدل: إرسال الشعر على الوجه من غير تفريق
(3)
.
قال: وقوله: (فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم)، (وكانوا يفرقون) بالتخفيف أشهر وشده بعضهم، والمصدر: الفرق بالسكون وقد انفرق شعره انقسم في مفرقه، وهو وسط رأسه وأصله الفرق بين الشيئين، والمفرق مكان فرق الشعر من الجبين إلى دائرة وسط الرأس، يقال: بفتح الراء والميم وكسرهما، وكذا مفرق الطريق: الموضع الذي يتشعب منه طريق آخر، ووبيص الطيب: لمعانه، والناصية: شعر مقدم الرأس كله)
(4)
.
(1)
"الصحاح" 5/ 1728. مادة: (سدل).
(2)
في (ص 2): وقرأناه.
(3)
"مشارق الأنوار" 2/ 211.
(4)
من (ص 2).
71 - باب الذَّوَائِبِ
5919 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ ح
(1)
. وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ خَالَتِي، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ بِهَذَا، وَقَالَ: بِذُؤَابَتِي أَوْ بِرَأْسِي.
[انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح 10/ 363]
ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مبيته عند ميمونة وفي آخره: فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ.
وفي لفظ: بذؤابتي أو برأسي. وشيخ شيخه الفضل بن عنبسة أبو الحسن الخزاز الواسطي من أفراده، مات سنة ثلاث ومائتين
(2)
، (وفسر "المطالع" الذؤابة بالناصية، فقال: بذؤابتي: بناصيتي، وعبارة بعضهم: هي شعر الناصية وميلها.
وعبارة الجوهري: الذؤابة من الشعر والجمع الذوائب)
(3)
(4)
،
(1)
في الأصل: في هكذا منقوطة.
(2)
ورد بهامش الأصل: ما قاله شيخنا هو في "الكمال" وفي "التذهيب": سبع وتسعين ومائة وهذا أيضًا في "الكمال" وكذا في "الكاشف" وفي "التذهيب" روى له البخاري حديثًا واحداً معروفًا انتهى وهو هذا الحديث، وهو مقرون هنا. [قلت: وانظر: "طبقات ابن سعد" 7/ 315، "تهذيب الكمال" 23/ 240 (4742)، "تذهيب التهذيب" 8/ 281 - 282].
(3)
من (ص 2).
(4)
"الصحاح" 1/ 126.
والذوائب إنما يجوز اتخاذها للغلام إذا كان في رأسه شعر غرة، وأما إذا حلق شعره كله وترك له ذؤابة فهو (الفرع)
(1)
المنهي عنه، كما ستعلمه.
وفي أبي داود من حديث ابن عمر أنه عليه السلام نهى عن القزع
(2)
، وهو أن يحلق الصبي ويترك له ذؤابة، والذؤابة، مهموزة. قال ابن التين: أن يترك الشعر في بعض الرأس ويحلق أكثره.
قال: وقيل: أن يترك الشعر في وسط الرأس ويحلق سائره، وكذلك الطرة والصدع، وأصل جمع ذؤابة: ذأائب؛ لأن الألف التي في ذؤابة كألف رسالة، حقها أن تبدل من همزة في الجمع، لكن استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين همزتين، فأبدلوا من الأولى واوا (قاله الجوهري)
(3)
(4)
.
(1)
كذا بالأصل ولعل الصواب: (القزع).
(2)
"سنن أبي داود"(4193).
(3)
من (ص 2).
(4)
"الصحاح" 1/ 126 مادة: (ذأب).
72 - باب الْقَزَعِ
5920 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَخْلَدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ حَفْصٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ نَافِعٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ نَافِعٍ -مَوْلَى عَبْدِ اللهِ- أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنِ الْقَزَعِ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: قُلْتُ: وَمَا الْقَزَعُ؟ فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: إِذَا حَلَقَ الصَّبِيَّ وَتَرَكَ هَا هُنَا شَعَرَةً، وَهَا هُنَا وَهَا هُنَا. فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ. قِيلَ لِعُبَيْدِ اللهِ: فَالْجَارِيَةُ وَالْغُلَامُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، هَكَذَا قَالَ: الصَّبِيِّ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: وَعَاوَدْتُهُ فَقَالَ: أَمَّا الْقُصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِمَا، وَلَكِنَّ الْقَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعَرٌ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ شَقُّ رَأْسِهِ هَذَا وَهَذَا. [5921 - مسلم: 2120 - فتح 10/ 363]
5921 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْقَزَعِ. [انظر: 5920 - مسلم: 2120 - فتح 10/ 364]
ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه السلام نهى عن القزع، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: قُلْتُ: وَمَا القَزَعُ؟ فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: إِذَا حَلَقَ الصَّبِيَّ وَتَرَكَ ههنا شَعَرَ، وَههنا وَههنا. وَأَشَارَ لنَا عُبَيْدُ اللهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ. قِيلَ لِعُبَيْدِ اللهِ: فَالْجَارِيَةُ وَالْغُلَامُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، هَكَذَا قَالَ: الصَّبِيِّ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: وَعَاوَدْتُهُ فَقَالَ: أَمَّا القُصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِمَا، ولكن القَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعَرٌ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ شَقُّ رَأْسِهِ هذا وهذا.
وحديث ابن عمر أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع.
أصل القزع -بفتح القاف والزاي-: قطع السحاب، فسمي ما يترك في الرأس من الشعر قزعًا، كذلك.
وقال ابن السكيت: هو أن يفوت من الرأس مواضع فلا يكون فيها شعر.
قال ثابت: لم يبق من شعره إلا قزع، الواحدة: قزعة، ومثله: ما في السماء قزعة.
وقال ابن فارس: هو أن يحلق رأس الصبي، ويترك الشعر في مواضع منه متفرقا، وهو الذي جاء النهي عنه
(1)
.
قال العلماء: والحكمة في النهي عنه أنه تشويه للخلق، وقد روى أبو داود في حديث المعنى الذي من أجله نهى عنه
(2)
.
فقال: حدثنا الحلواني: ثنا يزيد بن هارون، ثنا الحجاج بن حسان، قال: دخلنا على أنس بن مالك، فقال: حدثتني (أختي)
(3)
المغيرة قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت يومئذ غلام ولك قرنان، فمسح رأسك وبرك عليك وقال:"احلقوا هذين أو قصوهما، فإن هذا زي اليهود".
وقيل: إنه زي أهل الشر والدعارة، وحقيقته حلق بعض الرأس مطلقًا، وقيل: إنه حلق بعض مواضع متفرقة منه، وهو قول الغزالي في "الإحياء"
(4)
.
فائدة:
القُصَّة -بضم القاف وفتح الصاد المشددة- وقال ابن التين: هي بفتح القاف، في بعض النسخ: وصوابها الضم. وهي شعر الناصية.
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 752 مادة: (قزع).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
كذا بالأصل وفي الهامش: بيان: أمي. وفي "سنن أبي داود"(4197): (أختي).
(4)
"الإحياء" 1/ 140.
والقفا: مقصور
(1)
ويكتب بالألف، (وربما مدَّ)
(2)
.
خاتمة:
قال النووي في "شرح مسلم": أجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة، إلا أن يكون لمداواة ونحوها، وهي كراهة تنزيه، وقال بعض أصحاب مالك: لا بأس به في القصة للغلام أو القفا للغلام
(3)
.
فرع:
قال الغزالي في "الإحياء": لا بأس بحلق جميع الرأس لمن أراد التنظيف، ولا بأس بتركه لمن أراد أن يدهن ويترجل
(4)
.
وادعى ابن عبد البر الإجماع على إباحة حلق الجميع
(5)
.
وهو رواية عن أحمد، وروي عنه أنه مكروه؛ لما روي أنه من وصف الخوارج.
ولا خلاف أنه لا تكره إزالته بالمقراض إلا عند التحلل من النسك، ويكره الحلق للمرأة من غير ضرورة، فإن عجزت عن معالجته ودهنه وأذاها هوام؛ احتمل أنه لا يكره ولها إزالته، ونص عليه بعضهم.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: حكى المؤلف في "شرح التنبيه" عن أبي الحسن بن ( .... )"شرح الجمل" أنه حكى عن الفراء مده وقصره، انتهى.
(2)
من (ص 2).
(3)
" شرح النووي" 14/ 101.
(4)
"الإحياء" 1/ 141.
(5)
"الإجماع" ص 355.
73 - باب تَطْيِيبِ المَرْأَةِ زَوْجَهَا بِيَدَهَا
5922 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي لِحُرْمِهِ، وَطَيَّبْتُهُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ. [انظر: 1539 - مسلم: 1189 - فتح 10/ 366]
ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها: طَيَّبْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِي لِحُرْمِهِ، وَطَيَّبْتُهُ بِمِنى قَبْلَ أَنْ (يُفِيضَ)
(1)
. وقد سلف في الحج
(2)
.
والحرم -بضم الحاء (وسكون الراء)
(3)
: الإحرام، قاله ابن فارس والجوهري والهروي
(4)
، ولا مانع منه.
وقال ابن التين: الذي قرأناه لحرمه -بالكسر- واللغة على الضم - كما ذكرنا وهما روايتان، (والحديث ظاهر فيما ترجم له)
(5)
.
(1)
في (ص 2): يقبض.
(2)
سلف برقم (1539) باب الطيب عند الإحرام.
(3)
من (ص 2).
(4)
"مجمل اللغة" 1/ 228، "الصحاح" 5/ 1895 مادة:(حرم)، انظر:"النهاية في غريب الحديث" 1/ 373.
(5)
من (ص 2).
74 - باب الطِّيبِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ
5923 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. [انظر: 271 - مسلم: 1190 - فتح 10/ 366]
ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.
وهو يدل على أن مواضع الطيب من الرجال مخالف لمواضعه من النساء، وذلك أن عائشة ذكرت أنها كانت تجد وبيص الطيب في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته، فدل ذلك أنها إنما كانت تجعل الطيب في شعره لا في وجهه كما يفعله النساء، فيخططن وجوههن بالطيب يتزين بذلك، وهذا لا يجوز للرجال
(1)
، بدليل هذا الحديث وهو مباح للنساء؛ لأن جميع أنواع الزينة بالحلي والطيب ونحوه جائز لهن ما لم يغيرن شيئًا من خلقهن.
(1)
ورد بهامش الأصل: في عدم الجواز نظر، والاستدلال بهذا أيضًا على هذا الحكم فيه نظر.
75 - باب الامْتِشَاطِ
5924 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي دَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحُكُّ رَأْسَهُ بِالْمِدْرَى، فَقَالَ:«لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ قِبَلِ الأَبْصَارِ» . [6241، 6901 - مسلم: 2156 - فتح 10/ 366]
ذكر فيه حديث سهل رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي دَارِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يَحُكُّ رَأْسَهُ بِالْمِدْرى، فَقَالَ:"لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الإذْنُ مِنْ قِبَلِ الأَبْصَارِ".
المدرى: بكسر الميم عند العرب كما قال ابن بطال: اسم للمشط- قال امرؤ القيس:
تَظلُّ المدَارى في مُثَنًّى ومُرْسَلِ
(1)
يريد ما انثنى من شعرها وانعطف وما استرسل، يصف امرأة بكثرة الشعر - وذكره أبو حاتم، عن الأصمعي وأبي عبيد، وقال المدارى: الأمشاط.
وفي "شرح ابن كيسان": المدراء: العود الذي تدخله المرأة في شعرها لتضم بعضه إلى بعض
(2)
، ومن عادة العرب أن يكون بيده مدرى يخلل بها شعر رأسه أو لحيته أو يحك بها جسده، وقيل: إنها عود كالخلال لها رأس محدد، وقيل: بل هي حديدة، وقيل: شبه المشط وقيل: أعواد تحدد شبه المشط.
(1)
ويروى: تضل العقاص؛ وتروى: يضل، بالياء، وأكثر الرواة على إنشادها بالتاء، قاله ابن الأنباري في "شرح القصائد السبع الطوال" ص 63.
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 163.
قال سحيم عبد بني الحسحاس
(1)
:
أشارت بمدراها وقالت لتربها
…
أعبد بني الحسحاس يزجي القوافيا
وعبارة ابن التين، وهي عبارة الجوهري المدرى: القرن، وكذلك المدراة، وربما تصلح بها الماشطة قرون النساء وهي كالمسلة تكون معها يقال: تدرت المرأة: سرحت شعرها
(2)
.
وعبارة الداودي: المدرى المشط له الأسنان اليسيرة، وعبارة غيره: أنه شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل (سن من)
(3)
أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر الملبد ويستعمله من لا مشط له، وترجم البخاري الباب للامتشاط وهو سنة.
وفي أبي داود: كان عليه السلام ينهى عن كثير من الإرفاه
(4)
(5)
ويأمر بالامتشاط غبًّا
(6)
، وفيه أيضًا:"من كان له شعر فليكرمه"
(7)
.
(1)
هو عبد حبشي اشتراه بنو الحسحاس، وهم بطن من بني أسد، وهو شاعر مخضرم، أسلم، وهو مجيد عرف بغزله الصريح وتشبيبه ببنات أسياده، وقد تمثل النبي صلى الله عليه وسلم ببعض من شعره:
كفى بالشيب والإسلام للمرء ناهيا
وقد مات قتيلًا في زمن عمر بن الخطاب، وقيل: زمن عثمان.
انظر: "خزانة الأدب" 2/ 102 - 105.
(2)
"الصحاح" 6/ 2335.
(3)
من (ص 2).
(4)
ورد بهامش الأصل: (الإرفاه): كثرة التدهن والتنعم، وقيل: التوسع في المطعم والمشرب؛ لأنه من زي العجم وأرباب الدنيا.
(5)
"سنن أبي داود"(4160).
(6)
"سنن أبي داود"(4159).
(7)
المصدر السابق (4163).
وصححه الألباني في "الصحيحة"(500).
كره عليه السلام الإفراط في التنعم والتدلل والترجيل من ذلك، فأمر بالقصد في ذلك وليس معناه ترك الطهارة والتنظيف، فإن الطهارة والنظافة من الدين.
76 - باب تَرْجِيلِ الحَائِضِ زَوْجَهَا
5925 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا حَائِضٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ. [انظر: 295 - مسلم: 297 - فتح 10/ 368]
ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها: كُنْتُ أُرَجِّلُ (رَأْسَ)
(1)
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا حَائِضٌ.
الترجيل: التسريح، كما سلف، وفيه أن ترجيل الشعر من زي أهل الإيمان والصلاح، وذلك من النظافة- وقد روى مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي جمة أرجلها؟ فقال عليه السلام: "نعم وأكرمها" وكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين؛ لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكرمها"
(2)
.
وهذا الحديث قد أسنده البزار عن يحي بن سعيد، عن محمد بن المنكدر، عن أبي قتادة فذكره.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف تأويل أبي قتادة، فروى علي بن المديني عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجيل إلا غبًّا
(3)
.
(1)
في (ص 2): شعر.
(2)
"الموطأ" ص 589.
(3)
رواه أبو داود (4159) من طريق مسدد، وأحمد 4/ 86 من طريق عبد الله كلاهما عن يحيى بهذا السند، ورواه الترمذي (1756) من طريق علي بن خشرم، والنسائي 8/ 132 من طريق علي بن حجر كلاهما عن عيسى بن يونس، عن هشام، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل به.
وروى ابن المبارك عن كهمس بن الحسن، عن ابن بريدة، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإرفاه، قلت لابن بريدة: ما الإرفاه، قال: الترجيل كل يوم
(1)
.
وروى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي أمامة، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبي أمامة قال: ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا عنده الدنيا، فقال: "إن البذاذة
(2)
من الإيمان"
(3)
والمراد بهذا الحديث -والله أعلم- بعض الأوقات، ولم يأمر بلزوم البذاذة في جميع الأحوال لتتفق الأحاديث.
وقد أمر الله تعالى بأخذ الزينة عند كل مسجد، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم باتخاذ الطيب وحسن الهيئة واللباس في (الجمع)
(4)
والأعياد وما شاكل ذلك من المحافل.
(1)
رواه النسائي 8/ 185، وفي "الكبرى" 5/ 411 (9319) عن ابن علية، عن الجريري عن ابن بريدة أن رجلاً .. فذكره.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: البذاذة جاء تفسيرها في الحديث بالتقحل وقال ابن الأثير. رثاثة الهيئة إلى أن قال أراد التواضع في اللباس وترك التبجح به.
(3)
رواه أبو داود (4161)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 227.
(4)
من (ص 2).
77 - باب التَّرْجِيلِ
5926 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ فِي تَرَجُّلِهِ وَوُضُوئِهِ. [انظر: 168 - مسلم: 268 - فتح 10/ 368]
ذكر فيه عن عائشة رضي الله عنها: أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ فِي تَرَجُّلِهِ وَوُضُوئِهِ. سلف
(1)
.
والترجل من باب النظافة والزينة المباحة للرجال، وقد سلف في الباب قبله أنه في بعض الأوقات ومعناه الخصوص.
وروى مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اخرج كأنه يعني: لصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل ثم رجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أليس هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان"
(2)
.
(1)
سلف برقم (168) كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل.
(2)
"الموطأ" ص 589.
78 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الْمِسْكِ
5927 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» . [انظر: 1894 - مسلم: 1151 - فتح 10/ 369]
ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كُلُّ عَمَلِ ابن آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ". وقد سلف
(1)
.
ولا شك أن المسك أطيب الطيب، وقد روي من حديث أبي سعيد مرفوعًا
(2)
- وهذا الحديث شاهد له؛ لأنه لو كان الطيب فوق المسك لضرب به المثل في الطيب عنده تعالى.
وقد سلف ما للعلماء في المسك في الذبائح. والخلوف بالضم: التغير.
وقوله: "كل عمل ابن آدم .. " إلى آخره. يريد أنه أمر مخفي عن المخلوقين ولا يطلع عليه إلا الرب جلا جلاله فيعلمه حقيقة ويجازي عليه؛ لأن الحفظة ترى مسكًا عن الطعام، فالنية فيه إلى الله تعالى وبها يصير صائمًا.
(1)
سلف برقم (1894) كتاب الصوم، باب فضل الصوم.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: في "صحيح مسلم": "والمسك أطيب الطيب" من كلامه عليه السلام[قلت: هو في مسلم برقم (2252)، كتاب: الألفاظ من الأدب، باب: كراهة قول الإنسان: خبث نفسي].
وقد قال بعض العلماء: إن الصوم ربع الإيمان؛ لأنه جاء حديث أن الصبر نصف الإيمان
(1)
، وفي حديث آخر "الصوم نصف الصبر"
(2)
.
(1)
رواه الطبراني 9/ 104 من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن علقمة، موقوفاً على عبد الله بن مسعود، ورواه البيهقي في "الشعب" 1/ 74 من طريق وكيع، عن الأعمش، به. وذكره البخاري تعليقا في كتاب الإيمان، ورواه أبو نعيم في "الحلية" 5/ 34، والبيهقي في "الشعب" 7/ 123 مرفوعا من حديث زبيد عن أبي وائل عن عبد الله به، وقال البيهقي: المحفوظ عن ابن مسعود الموقوف عليه؛ وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 57: رواه الطبراني موقوفا، ورجاله رجال الصحيح؛ وقال الألباني في "الضعيفة" (499): منكر والموقوف أصح.
(2)
جزء من حديث: "التسبيح نصف الإيمان .. " رواه الترمذي (3519) من حديث أبي الأحوص، عن أبي إسحاق عن جري النهدي، عن رجل من بني سليم به، ورواه أحمد 4/ 260، ومعمر في "جامعه" 11/ 296، والدارمي (680)، والبيهقي في "الشعب" 3/ 291؛ كلهم من حديث شعبة، عن أبي إسحاق به، والبيهقي في "الشعب" 1/ 436 من حديث الثوري به، وقال الترمذي: حسن. وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(944)، وقال: قول الترمذي: حسن. يعني أنه حسن لغيره كما نص عليه في "العلل".
79 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ
5928 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ. [انظر: 1539 - مسلم: 1189 - فتح 10/ 370]
ذكر فيه من حديث هِشَام، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطيَبِ مَا أَجِدُ.
هذا الحديث أخرجه مسلم من حديث هشام أيضًا عن أخيه عثمان به- ومن حديث ابن عيينة عن عثمان
(1)
.
وليس لعثمان في الصحيحين غير هذا الحديث الواحد، مات عثمان في خلافة أبي جعفر
(2)
، قاله الواقدي، وقد سلف فقهه.
(1)
مسلم (1189) كتاب الحج.
(2)
ورد بهامش الأصل: في "التهذيب" قبل الأربعين يعني: وفاته.
80 - باب مَنْ لَمْ يَرُدَّ الطِّيبَ
5929 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَاريُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ. [انظر: 2582 - فتح 10/ 370]
ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ.
هذا الحديث سلف في الهبة، وترجم له باب: ما لا يرد من الهدية
(1)
.
ووجهه ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه: "من عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه طيب الريح خفيف المحمل"
(2)
.
(ومن حديث كثير بن عبد الله)
(3)
عن أنس مرفوعًا "حبب إلى من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة"
(4)
؛ لأنه كان يرى فيها الجنة وما وعد الله فيها، لأوليائه المؤمنين.
قال الداودي: وفيه دليل على أنه ربما رد غيره إذا أهدى إليه، وذلك أنه يتأهب به للوقوف بين يدي الله ولملاقاة الملك فلا يرد شيئًا يتسرر به.
(1)
سلف برقم (2582).
(2)
أبو داود (4172)، ورواه مسلم (2253)، والنسائي 8/ 189.
(3)
في (ص 2): وما أخرجه النسائي من حديث أبي.
(4)
لم أقف عليه من طريق كثير بن عبد الله، ورواه النسائي 7/ 61، وأحمد 3/ 128، 199، 285 وابن أبي عاصم في "الزهد"(235)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 316 (768) ترجمة سلام بن أبي الصهباء، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(322، 323)، وأبو يعلى 6/ 199 - 200 (3482)، والطبراني في "الأوسط" 5/ 241 (5203)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" ص 98، 229، والحاكم 2/ 160، والبيهقي 7/ 87 كلهم من طرق عن ثابت عن أنس مرفوعًا به، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
81 - باب الذَّرِيرَةِ
5930 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ -أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ يُخْبِرَانِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَىَّ بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ 7/ 212 لِلْحِلِّ وَالإِحْرَامِ. [انظر: 1539 - مسلم: 1189 - فتح 10/ 371]
ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ للحل والإحرام.
الذريرة من أنواع الطيب مجموع منه يسحق ويذر في الشعر والطوق، وربما دهن الشعر ثم ذرَّ عليه، وكل ما وقع عليه اسم طيب جاز استعماله؛ لعموم قول أنس: كان لا يرد الطيب، فعم أنواعه كلها.
82 - باب المُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ
5931 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ تَعَالَى، مَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي كِتَابِ اللهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]. [انظر: 4886 - مسلم: 2125 - فتح 10/ 372]
ذكر فيه حديث عبد الله: لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ تَعَالَى، مَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} .
ترجم له بعد باب: المتنمصات، وقد سلف تفسير ذلك في النكاح. فالواشمة هي التي تَشِمُ يديها وذلك أن تغرز ظهر كفيها أو غيره من جسدها بإبرة حتى يؤثر فيها، ثم تحشوه كحلًا فيخضر وتجعله كالنقش في جسدها تتزين بذلك، يقال منه: وشمت تشم فهي واشمة، والمستوشمة هي التي تسأل أن يفعل ذلك بها، وغلط الداودي فقال: الواشمة هي المفعولة والمستوشمة الفاعلة. والنامصة: الناتفة، والنمص: النتف.
قال أبو حنيفة: ولذلك قيل للمنقاش الذي ينتف به منماص، ويقال: قد أنمص البقل فهو ينمص إذا ارتفع قليلاً -يعني: يمكن أن ينتف بالأظفار. والمتفلجة هي المفرقة بين أسنانها المتلاصقة بالثنايا والرباعيات بالنحت ليتباعد بعضها من بعض، والفلج تباعد ما بين الشيئين، يقال منه: رجل أفلج، وامرأة فلجاء
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 167.
وقال ابن دريد: يقال: رجل أفلج الأسنان وامرأة فلجاء الأسنان، لا بد من ذكر الأسنان
(1)
.
وقال الداودي: هو أن يبرد ما بين (الثنيتين)
(2)
بمبرد حتى ينفتح ما بينهما فيصير كالفلج.
وقال أبو عبيد: هي التي تفلج أسنانها وتحددها حتى يكون لها أُشُر، والأُشُر: تَحَدُّدٌ ورِقَّةٌ في أطراف أسنان (الأحداث
(3)
)
(4)
لشبه الكبيرة بهم.
وفيه: البيان عن الشارع أنه لا يجوز لامرأة تغير شيئًا من خلقها الذي خلقها الله عليه بزيادة فيه أو نقص منه، التماس التحسن به للزوج أو غيره؛ لأن ذلك نقض من خلقها إلى غير هيئته، وسواء فلجت أسنانها المستوية الثنية ووَشْرتها أو كان لها أسنان طوال (فقطعت)
(5)
أطرافها طلبَ التحسين أو أسنان زائدة على المعروف من أسنان بني آدم فقلعت الزوائد من ذلك لغير علة سوى طلب التحسين والتجمل، فإنها في كل ذلك مقدمة على ما نهى الله عنه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إذا كانت عالمة بالنهي عنه.
وكذلك غير جائز لامرأة خلقت لها لحية أو شارب أو عنفقة أن تحلق ذلك منها أو تقصه؛ طلبًا للتجمل كما نص على ذلك الطبري معللًا بأن ذلك كله من باب التغيير لخلق الله تعالى، ومعنى النمص
(1)
"جمهرة اللغة" 1/ 487، مادة:(ج ف ل).
(2)
في (ص 2): السِّنَّتَيْن.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 104.
(4)
في الأصل: الأجدار.
(5)
في الأصل: (فبلغت) والمثبت من (ص 2).
الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلته
(1)
.
فإن قلت: فإنك تجيز للرجل أن يأخذ من أطراف لحيته وعوارضه إذا كثرت، ومن الشارب وإطاره إذا أوفى، فالمرأة أحق أن يجوز لها إماطة ذلك من الرجل؛ إذ الأغلب من النساء أن ذلك فيهن قليل، وإنما ذلك من خلق الرجال فجعلت أخذ ذلك من النساء تغييرًا لخلق الله وجعلته من الرجال غير تغيير.
قلت: إنا لم نحظر على المرأة إذا كانت ذات شارب فوفى شاربها أن تأخذ من إطاره وأطرافه أو كانت ذا لحية طويلة أن تأخذ منها، وإنما نهيناها عن نمص ذلك وحلقه للعنة الشارع النامصة والمتنمصة، ولا شك أن نمصها لحية أو شاربًا إن كان لها نظير نمصها شعرًا بوجهها أو جبينها، وفي فرق الله على لسان رسوله عليه السلام بين حكمها في مالها من أخذ شعر رأسها، وما ليس لها منه، وبين حكم الرجل في ذلك أبين الدليل على افتراق حكمهما في ذلك، وذلك أنه عليه السلام أذن للرجال في قص شعر رءوسهم كلما شاءوا، وندبهم إلى حلقه إذا حلوا من إحرامهم، وحظر ذلك على المرأة في الحالين، إلا أن تأخذ من أطرافه، فكذا افتراقهما في الإحفاء وقص النواصي وحلقها.
وإنما أبحنا لها أن تأخذ من أطراف لحيتها وإطار شاربها كما أبحنا لها أن تأخذ من أطراف شعر رأسها إذا طال؛ لما روى شعبة عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة قال: كان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذن
(1)
قال النووي في "شرح مسلم" 14/ 106: وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شارب فلا يحرم إزالتها بل يستحب عندنا، وقال الحافظ في "الفتح" 10/ 378 معقبًا على كلام النووي: وإطلاقه مقيد بإذن الزوج. اهـ.
من شعورهن حتى يدعنه كهيئة الوفرة
(1)
.
وروى ابن جريج عن صفية بنت شيبة، عن أم عثمان بنت سفيان، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها، وقال:"الحلق مُثْلة"
(2)
.
وقال مجاهد: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحالقة.
(ونص أصحابنا على أن المرأة إذا خلقت لها لحية يستحب إزالتها)
(3)
.
فإن قلت: فما وجه قول من أطلق النمص والوشم وأحله؟ وقد علمت ما روى شعبة عن أبي إسحاق، عن امرأته أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها -وكانت امرأة شابة يعجبها الجمال- فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها؟ فقالت: أميطي عنك الأذى ما استطعت
(4)
.
كذا قال ابن المثنى: تحف، وهو غلط، كما قاله الطبري؛ لأن الحف بالشيء هو الإطافة به، وإنما هو تحفي بمعنى تستأصله حلقًا أو نتفًا. وما حدثك تميم بن (المنتصر)
(5)
ثنا يزيد، عن إسماعيل عن قيس قال: دخلت أنا وأبي على أبي بكر فرأيت يد أسماء موشومة
(6)
.
(1)
رواه مسلم (320) كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.
(2)
رواه البزار في "مسنده" 2/ 92 (447) من طريق وهب بن عمير عن عثمان، دون ذكر قوله:"الحلق مثلة".
(3)
من (ص 2).
(4)
رواه ابن الجعد في "مسنده"(451)، وضعفه الألباني في "غاية المرام"(96).
(5)
في (ص 2): المتيم.
(6)
رواه ابن سعد في "الطبقات" 8/ 283، وصححه الحافظ في "الفتح" 10/ 376.
قلت: أما عائشة، فإن في الرواية عنها اختلافًا، وذلك أن عمران بن موسى قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، حدثتني أم الحسن، عن معاذة أنها سألت عائشة عن المرأة تقشر وجهها؟ فقالت: إن كنت تشتهين أن تتزيني فلا يحل، وإن كانت امرأة بوجهها كلف شديد فما، كأنها كرهته، ولم تصرح بهذِه الرواية بالنهي عن قشر المرأة وجهها للزينة، وذلك (نظير)
(1)
إحفائها جبينها للزينة، وإذا اختلفت الرواية عنها كان الأولى أن يضاف إليها أشبهها بالحق.
وأما أسماء فإنها كانت امرأة أدركت الجاهلية، وكانت نساء الجاهلية يفعَلْنَ ذلك ويتزينَّ به، ولعل ذلك منها كان في الجاهلية ولم يخبر قيس عنها أنها وشمت يدها في الإسلام، وقد يجوز أن تكون وشمتها في الجاهلية، أو في الإسلام قبل أن ينهى عنه، فمن زعم أن ذلك كان في الإسلام بعد النهي فعليه البيان ولا سبيل إليه
(2)
.
قال ابن بطال: أما ما ذكرته من أن المرأة منهية عن حلق رأسها في الإحرام وغيره لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله عليه السلام:"إن الحلق مُثْلة"، فإن حديث ابن عباس ليس معناه التحريم، بدليل أن المرأة لو حلقت رأسها في الحج مكان التقصير اللازم لها لم تأت في ذلك حرامًا.
ودل قوله: "إن الحلق مثلة" أن معنى النهي عن ذلك هو خيفة أن تمثل المرأة بنفسها فينتقص جمالها فيكره ذلك بعلها، والمثلة ليست بحرام، وإنما هي مكروهة، وقد قال مالك: حلق الشارب مثلة، وثبت حلقه عن بَشَرٍ كَثِير من السلف، واحتجوا بأمره بإحفاء الشوارب.
(1)
من (ص 2).
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 167 - 170.
وأما قول مجاهد: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحالقة. ليس من هذا الباب في شيء، وإنما لعن الحالقة لشعرها عند المصيبة اتباعًا لسنن الجاهلية، وبهذا جاء الحديث كما سلف في الجنائز من حديث أنه عليه السلام برئ من الحالقة. الحديث، وترجم له باب ما ينهى عنه من الحلق عند المصيبة
(1)
، فبان بهذا معنى النهي عن الحلق أنه عند المصيبة كفعل الجاهلية وأما إن احتاجت المرأة إلى حلق رأسها فذلك غير حرام عليها كالرجل سواء
(2)
.
(1)
سلف برقم (1296).
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 170 - 171.
83 - باب الْوَصْلِ فِي الشَّعَرِ
5932 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهْوَ يَقُولُ- وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ بِيَدِ حَرَسِيٍّ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ: «إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ» . [انظر: 3468 - مسلم: 2127 - فتح 10/ 373]
5933 -
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ» . [فتح 10/ 374]
5934 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ يُحَدِّثُ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ، وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» . تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ. [انظر: 5025 - مسلم: 2123 - فتح 10/ 374]
5935 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي أَنْكَحْتُ ابْنَتِي، ثُمَّ أَصَابَهَا شَكْوَى فَتَمَرَّقَ رَأْسُهَا، وَزَوْجُهَا يَسْتَحِثُّنِي بِهَا أَفَأَصِلُ رَأْسَهَا فَسَبَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ. [5936، 5941 - مسلم: 2122 - فتح 10/ 374]
5936 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ. [انظر: 5935 - مسلم: 2122 - فتح 10/ 374]
5937 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ» . قَالَ نَافِعٌ: الوَشْمُ فِي اللِّثَةِ. [5940، 5942، 5947 - مسلم: 21240 - فتح 10/ 374]
5938 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا، فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ، إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ الزُّورَ. يَعْنِي: الْوَاصِلَةَ فِي الشَّعَرِ. [انظر: 3468 - مسلم: 2127 - فتح 10/ 374]
ذكر فيه حديث معاوية وأبي هريرة رضي الله عنهما وعائشة وأسماء وابن عمر في ذلك، وقد سلف، وذكر في حديث عائشة متابعًا فقال: تابعه ابن إسحاق عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن صفية، عن عائشة. وذكر حديث أبي هريرة بلفظ: وقال ابن أبي شيبة ثم ساقه.
ثم ترجم:
84 - باب الْمُتَنَمِّصَاتِ
5939 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لَعَنَ عَبْدُ اللهِ الْوَاشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. فَقَالَتْ أُمُّ يَعْقُوبَ مَا هَذَا؟ قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِيَ لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ، وَفِي كِتَابِ اللهِ. قَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُهُ. قَالَ: وَاللهِ لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} . [انظر: 4886 - مسلم: 2125 - فتح 10/ 377]
وذكر حديث عبد الله السالف، ثم ترجم:
85 - باب المَوْصُولَةِ
5940 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ. [انظر:
5937 -
مسلم: 2124 - فتح 10/ 378]
5941 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّهُ سَمِعَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ: سَمِعْتُ أَسْمَاءَ قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَتِي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ، فَامَّرَقَ شَعَرُهَا، وَإِنِّي زَوَّجْتُهَا، أَفَأَصِلُ فِيهِ؟ فَقَالَ:«لَعَنَ اللهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ» . [انظر: 5935 - مسلم: 2122 - فتح 10/ 378]
5942 -
حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -أَوْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْوَاشِمَةُ وَالْمُوتَشِمَةُ، وَالْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ» . يَعْنِي: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 5937 - مسلم: 2124 - فتح 10/ 378]
5943 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي كِتَابِ اللهِ. [انظر: 4886 - مسلم: 2125 - فتح 10/ 378]
وذكر حديث ابن عمر وأسماء وابن مسعود، ثم ترجم:
86 - باب الْوَاشِمَةِ
5944 -
حَدَّثَنِي يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «الْعَيْنُ حَقٌّ» . وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ. [انظر: 5740 - مسلم: 2187 - فتح 10/ 379]
حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: ذَكَرْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ حَدِيثَ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ أُمِّ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللهِ مِثْلَ حَدِيثِ مَنْصُورٍ. [انظر: 4886 - مسلم: 2125 - فتح 10/ 379]
5945 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ. [انظر: 2086 - فتح 10/ 379]
وذكر حديث أبي هريرة: "الْعَيْنُ حَقٌّ". وَنَهَى عَنِ الوَشْمِ.
وحديث أبي جحيفة: وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ .. ثم ترجم:
87 - باب (الموشومة)
(1)
5946 -
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ تَشِمُ، فَقَامَ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ مَنْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْوَشْمِ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا سَمِعْتُ. قَالَ: مَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَشِمْنَ وَلَا تَسْتَوْشِمْنَ» . [فتح 10/ 380]
5947 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ. [انظر: 5937 - مسلم: 2124 - فتح 10/ 380]
5948 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي كِتَابِ اللهِ. [انظر: 4886 - مسلم: 2125 - فتح 10/ 380]
ثم ذكر حديث أبي هريرة: "لَا تَشِمْنَ وَلَا تَسْتَوْشِمْنَ".
ثم ذكر حديث ابن عمر وابن مسعود.
وفي حديث عائشة أبان بن صالح بن (عمير بن عبيد)
(2)
، أبو بكر المكي وقيل: المدني -جد مشكدانة أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر ابن محمد بن أبان- أصله من العرب، وأصابه سباء
(3)
القرشي مولى عثمان بن عفان، ويقال: الجعفي، وليس منهم، وإنما جده محمد بن أبان تزوج في الجعفيين فنسب إليهم. قال: لقبَّني أبو نعيم وكنت إذا
(1)
كذا بالأصل وفي "اليونينية" 7/ 166: (المستوشمة).
(2)
في الأصل: (عبيد بن عمير) والمثبت من مصادر التخريج.
(3)
انظر: "الطبقات الكبرى" 6/ 336، "تهذيب الكمال" 2/ 9 (137).
أتيته (بلبسه بطيب)
(1)
، فإذا رآني قال: قد جاء مشكدانة.
ومشكدانة: وعاء الطيب، روى عنه مسلم وأبو داود وابن ماجه، مات في المحرم سنة تسع وثلاثين، وقيل: سنة ثمان وثلاثين ومائتين
(2)
.
ويناق جد الحسن بن مسلم بمثناة تحت ثم نون ثم قاف.
وحديث أسماء فيه منصور بن عبد الرحمن بن طلحة (بن الحارث)
(3)
بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان ابن عبد الدار.
وأما صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة.
وحديث ابن عمر في باب الوضوء فيه الفضل بن دكين. كذا هو في الأصول، قال الجياني: وقع هنا الفضل بن زهير وفي بعضها دكين وكلاهما صواب، فإنه الفضل بن دكين بن زهير
(4)
، وأبو جحيفة اسمه وهب بن عبد الله السوائي، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو مراهق، وولي بيت المال لعلي، ولده عون.
قال الطبري: وقد اختلف العلماء في معنى نهيه عليه السلام عن الوصل في الشعر فقال بعضهم: لا بأس عليها في وصلها شعرها، ما وصلت به من صوف أو خرق وشبه ذلك، روي ذلك عن ابن عباس وأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنهم، وعلة هذِه المقالة قول معاوية حين أخرج القصة من
(1)
كذا بالأصل وفي مصادر التخريج: (تلبست وتطيبتُ).
(2)
انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 110 (505)، و"الثقات" لابن حبان 8/ 358، و"تهذيب الكمال" 15/ 345 (3444).
(3)
ساقطة من الأصل والمثبت من "الطبقات الكبرى" 5/ 487، و"تهذيب الكمال" 28/ 538 (6197).
(4)
"تقييد المهمل" 2/ 733.
الشعر، وقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل هذِه.
قالوا: وأما الخرق والصوف فليس ذلك مما دخل في نهيه.
وقال آخرون: كل ذلك داخل في نهيه؛ لعموم الخبر عنه أنه لعن الواصلة والمستوصلة، فبأي شيء وصلته فهي واصلة، روي ذلك عن أم عطية.
وقال آخرون: لا بأس عليها في وصله بما وصلت به من شيء شعرًا كان الذي وصلت به أو غيره، روي ذلك عن عائشة، وسألها ابن أشوع: أَلَعَن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة؟ قالت: أيا سبحان الله، وما بأس بالمرأة الزعراء أن تأخذ شيئًا من صوف فتصله شعرها تتزين به عند زوجها، إنما لعن الله المرأة الشابة تبغي في شبيبتها حتى إذا أسنت هي وصلتها بالقيادة
(1)
.
وسئل عطاء عن شعور النساء أينتفع بها؟ قال: لا بأس بذلك
(2)
.
وقال آخرون: لا يجوز الوصل بشيء شعرًا ولا غيره، ولا بأس أن تضع الشعر وغيره على رأسها وضعًا ما لم تصله، روي ذلك عن إبراهيم. وعلة هذا القول أن الخبر إنما ورد بالنهي عنه، فأما ما لم يكن وصلًا فلا بأس به.
والصواب كما قال الطبري: أن يقال: غير جائز أن تصل بشعرها شيئًا من الأشياء، لتتجمل به شعرًا كان أو غيره؛ لعموم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل بشعرها شيئًا، وأما خبر ابن أشوع عن عائشة فهو باطل؛ لأن رواته لا يُعرفون، وابن أشوع لم يدرك عائشة.
(1)
رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 7/ 405.
(2)
رواه الفاكهي في "أخبار مكة" 4/ 255.
قال غيره: وإنما قال معاوية: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ وإن كانت المدينة دار العلم ومعدن الشريعة وإليها يفزع الناس في أمر دينهم، ألا ترى أن معاوية قد بعث إلى عائشة يسألها عن مسائل نزلت به فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم الذين يلزمهم تغيير المنكر والتشدد على من استباح ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يقال: إن المنكر كان بالمدينة ولم يغيره أهلها؛ لأنه لا يخلو زمان من ارتكاب المعاصي، وقد كان في وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر وسرق وزنى، إلا أنه كان شاذًا نادرًا، ولا يحل لمسلم أن يقول: إنه عليه السلام لم يغير المنكر، فكذلك أمرُ القصة كان (شاذا)
(1)
بالمدينة.
ولا يجوز أن يقال: إن أهلها جهلوا النهي عنها؛ لأن حديثه في لعن الواصلة والمستوصلة حديث مدني رواه نافع عن ابن عمر، ورواه هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو معروف عندهم مستفيض
(2)
.
فصل:
ولعن الشارع الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة؛ لأنهما تعاونا على تغيير خلق الله. وفيه دليل أن من أعان على معصية، فهو شريك في الإثم.
فصل:
القصة بضم القاف: ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس. قاله الأصمعي.
(1)
في الأصل: (شاهدًا) والمثبت من (ص 2).
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 172 - 174.
فصل:
قول معاوية: أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن مثل هذِه، وتناول قصة من يد حرسي.
قيل: رأى ذلك؛ لأنه رأى نساء المدينة استسهلن فعل ذلك، وكان الأمراء حينئذ يتبعون قول العلماء.
وقيل: أراد أن يعلمهم ويحذرهم، ذكرهما ابن التين، وقد سلف أيضًا.
فصل:
والحرسي: الواحد من الحرس للسلطان وحراسته، وقلت: حرسي؛ لأنه صار اسم جنس فنسب إليه، ولا تقل: حارس، إلا أن يذهب به إلى معنى الحراسة دون الجنس.
فصل:
قولها: (مرضت فتمعط شعرها) أي تناثر، وكذلك أمرق، وأمرط. أي:(انتثر)
(1)
وتناثر. وقولها: فتمرق. وفي رواية: فانمرق، روي بالزاي والراء، والزاي قاله ابن التين.
قال: وبالزاي قرأناه، وهو أظهر. وقال مرة: أبين. قال: وأصل (امَّرق): (انمرق)
(2)
، أبدلت النون ميمًا وأدغمت في الميم الأخرى.
قال: روي: فأمزق
(3)
: رباعي على ما لم يسم فاعله، ولا أعرف وجهه.
(1)
في (ص 2): انتتف.
(2)
ساقطة من الأصل.
(3)
هي رواية الحموي والكشميهني، انظر:"اليونينية" 7/ 166.
وعليه اقتصر ابن بطال على الزاي
(1)
، فقال هنا: قال صاحب "الأفعال": مَرَق الشعر والصوف: نَتَفَه، وأمرق الشعر: حان أن ينتتف
(2)
.
وكذا قال الخطابي: تمزق من المزوق، وهو خروج الشعر من أصله، والياء مفتوحة، ونهي عنه؛ لما فيه من الغش والخداع، ولو رخص في ذلك لكان وسيلة إلى أنواع من الغش والخداع، وإنما توعد على ذلك باللعن من جهة أن هذِه الأمور تغير الخلقة، ويتعاطى فاعلها صنعة الأذى قال: ولعله يدخل في هذا صنعة الكيمياء، فإنه من تعاطاها إنما يَرومُ أن يُلْحِق الصنعة بالخلقة، وكذلك هو في كل مصنوع يتشبه بمطبوع، وهو من باب الفساد عظيم
(3)
، قال: ورخص أكثر أهل العلم في التواصل في ذلك؛ لأن أمرها لا يشتبه في إحاطة علم الناس بأنها مستعارة، فلا يظن بها تغيير الخلقة
(4)
.
فصل:
وقول نافع إثر حديث ابن عمر رضي الله عنهما: الوشم في اللثة هو بكسر اللام، ثم مثلثة مخففة، وهو ما حول الأسنان، وأصلها: لثي، والهاء عوضًا من الياء، وجمعها: لثات ولثى، واعترض ابن التين على هذا التفسير فقال: الذي ذكره أبو عبيد وغيره: أن الوشم في اليد، وقال الداودي: هو أن يعمل على لحم الأسنان صفرة وغيرها.
قال ابن التين: وقول أهل اللغة ما تقدم.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 174.
(2)
"الأفعال" ص 152.
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2162 - 2163.
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 2164.
فصل:
وقولها: أصابتها الحصبة، قال الجوهري: وهي بثر يخرج في الجسد، وقد يحرك -يريد الصاد- تقول منه: حصِب جسده -بالكسر- وهو بفتح الحاء
(1)
.
وقال الداودي: الحصبة: حب كالجدري، أو أصغر منها شيئًا.
فصل:
قوله: ("والموتشمة") كذا صوابه بالتاء قبل الشين، ووقع في أصل الشيخ أبي الحسن عكسه على وزن مفعلة، قال ابن التين: ولا أعرف له وجهًا.
فصل:
قوله في حديث أبي جحيفة: (نهى عن ثمن الدم)، أي: بيعه لا أجرته كما ادعاه بعضهم وهو غلط؛ لأنه لم يملك الدم وباعه، إنما هو أجرة حمله، وقوله: وأكل الربا، هو الذي يعمل به ويأكل منه كما قال القزاز.
وقال الدوادي: هو الأخذ وإن لم يأكل.
وقوله: (ومؤكله). هو الذي يزيده في المال ليصبر عليه؛ لأنه مطعمه، وذلك أنه كان في الجاهلية إذا حل الدين، فإن قضى وإلا أربا وزاد في الأجل.
وقوله قبله: (وثمن الكلب). هو عام في كل كلب، وبه قال مالك.
وقيل: ما عدا كلب الصيد والماشية قاله ابن وهب.
قال سحنون: أحج بثمنه، وهذا منه غاية في التحليل
(2)
.
(1)
"الصحاح" 1/ 112، مادة:(حصب).
(2)
انظر: "المنتقى" 5/ 28.
88 - باب التَّصَاوِيرِ
5949 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ» .
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3225 - مسلم: 2106 - فتح 10/ 380]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ".
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ، أنه سَمِعَ ابن عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
الحديث الأول رواه عن آدم، ثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن (عبيد الله بن عبد الله)
(1)
بن عتبة، عن ابن عباس، عن أبي طلحة، ثم ذكر تعليق الليث، وكذا قال خلف في "أطرافه" قال البخاري في اللباس: ثنا آدم، ثنا ابن أبي ذئب، وقال الليث: حدثني يونس. وفي المغازي: ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام، عن معمر كلاهما عن الزهري به.
وادعى ابن وضاح ثم الدوادي وجماعة من الفقهاء: أن الملائكة في هذا الحديث ملائكة الوحي مثل جبريل وإسرافيل، فأما الحفظة فيدخلون كل بيت ولا يفارقان الإنسان على كل حال، إلا عند الخلاء والجماع،
(1)
في (ص 2): عبد الله بن عبيد الله.
كما ورد في الحديث
(1)
، وعبارة بعضهم: المراد ملائكة يطوفون بالرحمة والاستغفار دون الحفظة.
وقيل: أراد: لا تدخله الملائكة كدخولهم لو لم يكن في البيت صورة، نحو قوله عليه السلام:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"
(2)
.
وقيل: أراد: لا يدخله أحد غير الحفظة.
قال الخطابي: وإنما لم تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب صيد أو زرع أو ماشية فليس داخلًا في هذا.
والصورة: كل ما يصور من الحيوان سواء في ذلك المنصوبة القائمة التي لها أشخاص، وما لا شخص له من المنقوشة في الجدر، والمصورة فيها، وفي الفرش والأنماط، وقد رخص بعض العلماء فيما كان فيها في الأنماط التي توطأ وتداس (بالأرجل
(3)
)
(4)
.
وقال النووي: الأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع، لإطلاق الأحاديث، وسبب امتناعهم من دخول بيت فيه كلب: كثرة أكله النجاسة، وبعضهم يسمى شيطانًا، والملائكة ضد الشياطين والقبح رائحته، والملائكة يكرهون الرائحة
(1)
رواه الترمذي (2800) عن ابن عمر، وقال: غريب، والبيهقي في "الشعب" 6/ 146، وضعفه الألباني في "إرواء الغليل"(64)، ولفظه:"إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم".
(2)
سلف برقم (5578) كتاب الأشربة، باب {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ} من حديث أبي هريرة.
(3)
"معالم السنن" 4/ 191.
(4)
في (ص 2): الأنعل.
الخبيثة؛ ولأن الإنسان منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له
(1)
.
وروى ابن السني من حديث مجاهد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: استأذن جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ادخل" فقال: وكيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رءوسها، أو تُجعل بساطًا يوطأ، فإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتًا فيه تصاوير
(2)
. وأخرجه أبو داود.
وقال جبريل: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت، إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام (ستر)
(3)
فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمُرْ برأس التمثال الذي في باب البيت فيصير كهيئة الشجرة، فمر بالستر فيقطع فتجعل منه وسادتان منبوذتان يوطآن، ومر بالكلب فليخرج، وكان لحسن أو لحسين فأمر به فأخرج
(4)
.
فصل:
قال أصحابنا وغيرهم: يحرم تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر، وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فحرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء كان في ثوب أم بساط أم دينار ودرهم وفلس وإناء وحائط، وأما ما ليس فيه صورة حيوان كالشجر والرحال وشبههما فليس بحرام، هذا كله حكم المصور.
(1)
"شرح مسلم" 14/ 84.
(2)
رواه النسائي 8/ 216، وأحمد 2/ 308، وصححه ابن حبان 13/ 164.
(3)
من (ص 2).
(4)
أبو داود (4158) الترمذي (2806)، وابن حبان 13/ 164، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(68).
فأما اتخاذ المصور فيه حيوان، فإن كان معلقًا على حائط، أو ثوبًا ملبوسًا، أو عمامة، أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهنًا فهو حرام، وإن كان في بساط يداس، أو مخدة، أو وسادة مما يمتهن فليس بحرام، ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له. هذا تلخيص مذهبنا.
وبمعناه قال (جماهير)
(1)
العلماء: (ومذهب مالك والثوري وأبو حنيفة غيرهم)
(2)
.
وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بما ليس له ظل، وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر عليه السلام الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل مع ما في الأحاديث المطلقة في كل صورة.
وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم، وكذلك استعمال ما هي فيه، ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رقمًا في ثوب أو غير رقم، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن، عملًا بظاهر الأحاديث.
وقال آخرون: يجوز منها ما كان رقمًا في ثوب، سواء امْتُهن أم لا، وسواء علق في حائط، وكرهوا ما كان له ظل أو كان مصورًا في الحيطان وشبهها، وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره.
قال القاضي: إلا ما ورد في لعب البنات، وكان مالك يكره شراء ذلك لبنته، وادعى بعضهم إباحة اللعب منسوخة بهذِه الأحاديث
(3)
.
(1)
في (ص 2): (جماعة).
(2)
في (ص 2): (مالك والثوري وأبو حنيفة وغيرهم).
(3)
"إكمال المعلم" 6/ 635 - 636.
قال الطبري: فإن قيل: أحرام دخول البيت الذي فيه التماثيل والصور؟
قيل: هو مكروه أعني: ما له (روح)
(1)
وينصب ولا يمتهن، وأما ما كان من ذلك علما في ثوب أو رقمًا له، وكان مما يوطأ ويجلس عليه فلا بأس به وما كان مما ينصبه، فإن كان من صورة لا روح فيها، فلا بأس به، وإلا فلا أستحسنه.
ثم ساق من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طير مستقبل البيت، فقال عليه السلام:"حوليه، فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا" قالت: وكان لنا قطيفة فيها علم حرير وكنا نلبسها
(2)
. فلم يقطعه ولم يأمر عائشة بفساد تمثال الطير الذي كان في الستر، ولكنه أمر بتنحيته عن موضعه الذي كان معلقًا فيه من أجل كراهيته لرؤيته لما يذكر من الدنيا وزينتها.
وفي قوله: "فإني كلما رأيته ذكرت الدنيا" دليل بين أنه كان يدخل البيت الذي ذلك فيه فيراه ولا ينهى عائشة عن تعليقه، وذلك يبين صحة ما قلناه من أن ذلك إذا كان رقما في ثوب أو علمًا فيه، فإنه يخالف معنى ما كان منه مثالاً ممثلًا قائمًا بنفسه.
وروى ابن أبي شيبة أن الحسن قال: أولم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون الحانات وفيها التصاوير؟ و (عن أبي الضحى)
(3)
قال: دخلت مع مسروق بيتا فيه تماثيل فنظر إلى تمثال منها فقال: ما هذا؟ قالوا: تمثال مريم.
(1)
في ص 2: جرم.
(2)
رواه مسلم (2107/ 88) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم صورة الحيوان.
(3)
في (ص 2): عن أبي إسحاق.
وقال مغيرة: كان في بيت إبراهيم تابوت فيه تماثيل.
وفي رواية حماد عنه: لا بأس بالتمثال في حلية السيف، ولا بأس بها في سماء البيت، إنما يكره منها ما نصب نُصُبًا يعني: الصورة
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 200 (25195 - 25198).
89 - باب عَذَابِ الْمُصَوِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
5950 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ فِي دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ، فَرَأَى فِي صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ» . [مسلم: 2109 - فتح 10/ 382]
5951 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» . [7558 - مسلم: 2108 - فتح 10/ 382]
ذكر فيه حديث الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ فِي دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ، فَرَأى فِي صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ".
وحديث ابن عمر: رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الذِينَ يَصْنَعُونَ هذِه الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَاخَلَقْتُمْ".
وقد سلفا.
والصُفة -بضم الصاد: الدار والسرح، واحده: صفف، وهي التي تكون بين يدي البيوت. فإن قلت: هل يدخل في الحديث من صورها وهو لله تعالى موحد ولرسوله مصدق. قلت: لا، وإنما قصد به المضاهي لخلق الله تعالى كما وصفه في حديث عائشة بقوله:"الذين يضاهون خلق الله" والمتكلف من ذلك مضاهاة ما صوره ربه في خلقه وأعظم
جرمًا من فرعون و (آله)
(1)
؛ قال تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] لأن فرعون كان كفره بقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 240] من غير ادعاء منه أنه يخلق، ولا محالة منه أنه ينشئ خلقًا يكون كخلقه عز وجل شبيهًا ونظيرًا، والمصور بتصويره ذلك منطو على تمثيله نفسه بخالقه، فلا خلق أعظم كفرًا منه، فهو بذلك أشدهم عذابًا وأعظمهم عقابًا.
فأما من صور صورة غير مضاهاة ما خلق ربه وإن كان يفعله مخطئًا، فغير داخل في معنى من ضاهى ربه بتصويره.
فإن قلت: ما الوجه الذي جعلته به مخطئًا إذا لم يكن بتصويره لربه مضاهيًا، قيل: لاتهامه نفسه عند من عاين تصويره أنه ممن قصد بذلك المضاهاة لربه إذ كان الفعل الذي هو دليل على المضاهاة منه ظاهرًا، والاعتقاد الذي هو خلاف اعتقاد المضاهي باطن لا يصل إلى علمه راءوه.
وقد روى الأعمش، عن عمارة بن عمير قال: كنت جالسًا عند رجل من أصحاب عبد الله بن مسعود فمثلت في الأرض مثال عصفور فضرب يدي.
ومعنى الحديث عند ابن عباس فيما له روح
(2)
. وقيل: عام.
واحتج قائله بقوله في الحديث: "فليخلقوا حبة فليخلقوا ذرة"
(3)
وهذا أشد ما روي في هذا الباب.
(1)
في الأصل: الدجال، والمثبت من (ص 2).
(2)
يشير إلى الحديث السالف برقم (2225) كتاب: البيوع، باب: بيع التصاوير التي ليس فيها روح قال ابن عباس: إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، وكل شيء ليس فيه روح.
(3)
سيأتي برقم (5953) باب: نقض الصور.
90 - باب نَقْضِ الصُّوَرِ
5952 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلاَّ نَقَضَهُ. [فتح 10/ 385]
5953 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، فَرَأَى أَعْلَاهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً» . ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مُنْتَهَى الحِلْيَةِ. [7559 - مسلم: 2111 - فتح 10/ 385]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: حَدَّثَتْهُ أنه عليه السلام لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً". ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَيه، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مُنْتَهَى الحِلْيَةِ.
الشرح:
في حديث عائشة رضي الله عنها حجة لمن كره الصور في كل شيء مما يمتهن ويوطأ وغيره؛ لعموم قول عائشة رضي الله عنها، فدخل في ذلك جميع وجوه استعمال الصور في البسط واللباس وغيره.
وقوله: (إلا نقضه) ادعى الخطابي أن في سائر الروايات: إلا (قضبة)
(1)
أي: قطعه.
(1)
في الأصل: قصة، والمثبت من "أعلام الحديث".
والتصاليب: أشكال الصليب، نهى عن الصلاة في الثوب (المصلب)
(1)
. أي: الذي فيه نقش (أمثال الصلبان)
(2)
، وإنما فعل ذلك؛ لأن النصارى يعبدون الصليب، فكره أن يكون منه شيء في بيته
(3)
.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه دليل على أن نهيه عليه السلام عن الصور؛ يُحمل معناه عندهم على العموم أيضًا في الحيطان والثياب وغيرهما.
وقوله: ("ومن أظلم .. ") إلى آخره هو في معنى حديث لعنه، وصفه بأشد الظلم، وقد قال الله تعالى:{أَلَا لَعْنَةُ اللهِ على الظَّالِمِينَ} [هود: 18] فعمت اللعنة كل من وقع عليه اسم ظالم من مصور وغيره.
فصل:
والتور: بفتح المثناة فوق: إناء يشرب منه.
وقوله: (فغسل يديه) قال الداودي: فغسلهما تبرمًا من إثم ما رأى، والظاهر أنه حكى صفة حال أنه أُتي بماء فتوضأ.
قال: وقوله: (منتهى الحلية) كأنه أضافه إلى نفسه، والظاهر أنه أراد أنه عليه السلام قال: يحلون في الجنة إلى منتهى الوضوء وكنى بالحلية عن الغرة والتحجيل.
ووقع في كتاب ابن بطال: أن وضوء أبي هريرة إلى إبطه ليس عليه العمل، وأجمعت الأمة أنه لا يتجاوز بالوضوء ما حده الله من المرفقين
(4)
، وقد رددنا ذلك عليه في كتاب الطهارة.
(1)
في (ص 2): المصور.
(2)
في (ص 2): أشكال الصليب.
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2159.
(4)
"شرح ابن بطال" 9/ 177.
91 - باب مَا وُطِئَ مِنَ التَّصَاوِيرِ
5954 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ -وَمَا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَتَكَهُ وَقَالَ:«أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ» . قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ. [انظر: 2479 - مسلم: 2107/ 92 - فتح 10/ 386]
5955 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ، وَعَلَّقْتُ دُرْنُوكًا فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْزِعَهُ، فَنَزَعْتُهُ. [انظر: 2479 - مسلم: 2107 - فتح 10/ 387]
5956 -
وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. [انظر: 250 - مسلم: 319 - فتح 10/ 387]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ النبي صلى الله عليه وسلم هَتَكَهُ وَقَالَ:"أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ". قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ.
وحديثها أيضًا: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ، وَعَلَّقْتُ (دُرْنُوكًا)
(1)
فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْزِعَهُ، فَنَزَعْتُهُ، وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا ورسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ.
الشرح:
في هذا الحديث حجة لمن أجاز من استعمال الصور ما يمتهن ويبسط.
(1)
في (ص 2): درنكا.
وهو قول الثوري ومالك والشافعي وأبي حنيفة رحمهم الله، ألا ترى أن عائشة رضي الله عنها فهمت من إنكاره للصور في الستر إنما كان لما كان منصوبًا ومعلقًا دون ما كان منها مبسوطًا يمتهن بالجلوس عليه والارتفاق به، ولذلك جعلته وسادة، وسيأتي مذاهب العلماء فيه بعد.
وقوله: ("إن أشد الناس") إلى آخره تفسير حديث ابن مسعود السالف، ويدل أن الوعيد الشديد إنما جاء لمن صور صورة مضاهاة لخلق الله كما سلف.
فصل:
روى البخاري الحديث الأول عن علي بن (عبد)
(1)
الله، ثنا سفيان سمعت عبد الرحمن بن القاسم -وما بالمدينة يومئذ أفضل منه- قال: سمعت أبي قال: سمعت عائشة رضي الله عنها، فذكره كما سلف.
فيه: ذكر فضل عبد الرحمن، قال معمر: ما رأيت (فقيهًا)
(2)
أفضل من عبد الله بن طاوس. قيل له: ولا هشام بن عروة. قال: ما كان يفضله ولم يكن مثله. قال إسماعيل بن إسحاق: لم ير معمرُ عبدَ الرحمن بن القاسم. يعني: لو رآه لفضّله على ابن طاوس.
فصل:
قولها: (سترت) هو بتشديد المثناة فوق.
فصل:
القِرَام -بكسر القاف: الستر الرقيق، قاله ابن فارس والهروي
(3)
.
(1)
في (ص 2): عبيد.
(2)
في (ص 2): فقيه بن فقيه.
(3)
"مجمل اللغة" 2/ 749.
وقال الجوهري: هو ستر فيه رقم ونقوش، وكذلك المقرم والمقرمة
(1)
. والسهوة بفتح المهملة، قال الأصمعي فيما نقله عنه الجوهري: هي كالصفة تكون بين يدي البيوت.
وقال أبو عبيد: سمعت غير واحد من أهل اليمن يقولون: إنها بيت صغير منحدر في الأرض، وسمكه مرتفع منها يشبه الخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع
(2)
.
وقال بعضهم: إنها شبيهة بالرف أو الطاق يوضع فيه الشيء.
قال أبو عبيد: وقول أهل اليمن عندي أشبه ما قيل فيه
(3)
.
وقال الخليل: هي أربعة أعواد يعرض بعضها على بعض ثم يوضع عليها المتاع
(4)
.
وقال ابن الأعرابي: هو الكوة بين الدارين. وقيل: بيت صغير يشبه المخدع. وقيل: هو كالصفة بين يدي البيت. وقيل: يشبه دجلة يكون في البيت.
وفي "المحكم": أنها حائط صغير يبنى بين حائطي البيت ويجعل السقف على الجميع، فما كان وسط البيت فهو سهوة، وما كان داخله فهو المخدع، وقيل: هو صفة بين بيتين، أو مخدع بين بيتين يستتر بها سقاة الإبل من الحر
(5)
.
(1)
"الصحاح" 5/ 2009 مادة: (قرم).
(2)
"الصحاح" 6/ 2386 مادة: (سها).
(3)
"غريب الحديث" للهروي 1/ 39.
(4)
"العين" 4/ 72 مادة: (سهو).
(5)
"المحكم" 4/ 293 مادة (هوس) مقلوب.
وقيل: هو ثلاثة أعواد يعرض بعضها على بعض، وقيل: إنها الصخرة طائية، لا يسمون بذلك غير الصخرة، وجميع ذلك كله تنبيها.
وفي "الغريبين": السهوة: الكندوح.
والهتك: خرق الستر عما وراءه، ويضاهون: يشاكلون ويشابهون، يهمز ولا يهمز، وقرئ بهما.
وقوله: ("أشد الناس عذابا") أي: من أشدهم؛ لأن إبليس وابن آدم الذي سن القتل أشد الناس عذابا.
والوسادة: المخدة، ويحتمل أن نزول الصورة في تقطيع الستر وسادة، أو يكون ذلك قبل حديث النمرقة إذ يفرق بين ما كان في ستر أو وسادة؛ لأنه ممتهن في الوسادة ويوطأ عليه، بخلاف الستر وهذا حجة.
والدُّرنوك: بضم الدال وفتحها، ذكرهما عياض
(1)
.
قال النووي: والمشهور الأول، والنون مضمومة لا غير، ويقال: بالميم، وهو ضرب من البسط ذو خمل، ويشبه فروة البعير والأسد، وجمعه: درانك
(2)
.
وقال ابن فارس: الدرنوك من الثياب ذو خمل
(3)
.
وقال الخطابي: أصله ثياب غلاظ لها خمل، وقد تبسط مرة فتسمى بساطًا، وتعلق أخرى فتسمى سترا
(4)
.
(1)
"إكمال المعلم" 6/ 631.
(2)
"شرح مسلم" 14/ 87، دون قوله: ويشبه فروة البعير والأسد.
(3)
"مجمل اللغة" 1/ 350.
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 2165.
وفي "المحكم": الدرنوك والدرنيك: ضرب من الثياب له خمل قصير كخمل المناديل. والدرنوك والدرنك: الطنفسة، وأما قول الراجز يصف بعيرًا:
كأنه مجلل درانكًا
فقد يكون جمع: درنوك، وإنما يريد أن عليه وبر عامين أو أعوام، وأراد درانيكًا، فحذف الياء للضرورة، وقد يجوز أن يكون جمع الدرنك التي هي الطنفسة
(1)
.
وفي "المغيث": الدرنوك: البساط، وقيل: هو كل ثوب له خمل
(2)
.
(1)
"المحكم" 7/ 122.
(2)
"المجموع المغيث" 1/ 653. مادة: (درنك).
92 - باب مَنْ كَرِهَ الْقُعُودَ عَلَى الصُّورَةِ
5957 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ. فَقُلْتُ: أَتُوبُ إِلَى اللهِ مِمَّا أَذْنَبْتُ؟. قَالَ: «مَا هَذِهِ النُّمْرُقَةُ؟» . قُلْتُ: لِتَجْلِسَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا. قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ. وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ» . [انظر: 2105 - مسلم: 2107 (96) - فتح 10/ 389]
5958 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ -صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ» . قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ -رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟. فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ إِلاَّ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ؟
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو -هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ- حَدَّثَهُ بُكَيْرٌ، حَدَّثَهُ بُسْرٌ، حَدَّثَهُ زَيْدٌ، حَدَّثَهُ أَبُو طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3225 - مسلم: 2106 - فتح 10/ 389]
ذكر حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، قلْتُ
(1)
: أَتُوبُ إِلَى اللهِ مِمَّا أَذْنَبْتُ؟ قَالَ: "مَا جِالُ هذِه النُّمْرُقَةُ؟ ". قُلْتُ: لِتَجْلِسَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، قَالَ:"إِنَّ أَصْحَابَ هذِه الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ. إِنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَ".
نمارق: وسائد مصفوفة بعضها إلى بعض.
(1)
بعدها في الأصل: (يا رسول الله) وعليها: (لا
…
إلى).
وحديث الليث، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد، عن أبي طلحة، واسمه: زيدُ بنُ سهل بن الأسود بن حرامٍ، ابن عمِّ حسان بن ثابت بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، والد عدي (أمه مغالة)
(1)
بنت فهيرة بن بياضة، وأم أخيه معاوية بن عمرو جديلة بنت مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن عصب بن جُشم بن الخزرج جد أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ المَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُّورَةٌ".
قال بسر بن سعيد: ثم اشتكى زيد فعُدناه، فإذا على بابه ستر فيه صورة، فقلت لعبيد الله ربيب ميمونة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه (حين)
(2)
قال: إلا رقمًا في ثوب؟
قال ابن وهب: أنا عمرو هو ابن الحرث، حدثه بكير، حدثه بسر حدثه زيد حدثه أبو طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا رواه الإسماعيلي عن إبراهيم بن موسى، ثنا جعفر الصائغ، ثنا هارون بن معروف، ثنا عبد الله بن وهب به.
اختلف العلماء في الصور وقد أسلفنا طرفًا منه فكره ابن شهاب ما رسم فيها وما بسط كان رقما أو لم يكن على حديث نافع عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها وقد أسلفناه عنه.
(1)
في الأصل: (أمه ثعلبة) والمثبت من (ص 2) وهو الصواب، انظر:"جمهرة أنساب العرب" لابن حزم ص 347.
(2)
من (ص 2).
وقالت طائفة: إنما يكره منها ما كان في الحيطان وأما ما كان رقمًا في ثوب فلا، على حديث أبي طلحة وسواء كان الثوب منصوبًا أو مبسوطًا.
وبه قال ابن القاسم وخالف حديث عن عائشة رضي الله عنها.
وقد روى ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عائشة أم المؤمنين، (أدخلت)
(1)
أسماء بنت عميس على القاسم بحجلة فيها تصاوير، فقال القاسم: فتلك الحجلة عندنا بعد.
وقال آخرون: لا يجوز لباس ثوب فيه صورة ولا نصبه، وإنما يجوز من ذلك ما لو (يوطأ)
(2)
.
واحتجوا بحديث سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: سترت سهوة لي بستر فيه تصاوير، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه، فجعله وسادة أو وسادتين. رواه وكيع عن أسامة بن زيد، عن عبد الرحمن بن القاسم وزاد فيه: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على إحديهما
(3)
، قالوا: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان سترًا، ولم يكره ما يتوكأ عليه ويوطأ، وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وسالم وعروة وابن سيرين وعطاء وعكرمة قال عكرمة فيما يوطأ من الصور: هو أذل لها
(4)
.
وهذا أوسط المذاهب في هذا الباب، وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة والشافعي رحمهم الله
(5)
.
(1)
في الأصل: (إذ دخلت) والمثبت من "شرح ابن بطال" 9/ 179.
(2)
في (ص 2): تواطأت به.
(3)
رواه ابن ماجه (3653).
(4)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 208 (25281)، وابن عبد البر في "التمهيد" 21/ 199.
(5)
انظر في هذِه المسألة: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 379.
وقال الطحاوي: يحتمل قوله: "إلا رقمًا في ثوب". أنه أراد رقمًا يوطأ أو يمتهن كالبسط والوسائد
(1)
.
وقال الداودي: حديث سفيان وأسامة بن زيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة ناسخ لحديث نافع، عن القاسم، عن عائشة وإنما نهى الشارع أولاً عن الصور كلها وإن كانت رقمًا؛ لأنهم كانوا حديثي عهد بعبادة الصور، فنهى عن ذلك جملة ثم لما تقرر نهيه عن ذلك أباح ما كان رقمًا في ثوب للضرورة إلى اتخاذ الثياب، وأباح ما يمتهن؛ لأنه يؤمن على الجاهل تعظيم ما يمتهن وبقي النهي
فيما يرفه ولا يمتهن، وفيما لا حاجة بالناس إلى اتخاذه وما يبقى مخلدًا في مثل الحجر وشبهه من الصور التي لها (أجرام)
(2)
وظل؛ لأن في صنعها التشبيه بخلق الله تعالى، وكره بعضهم ماله روح وإن لم يكن له ظل على ظاهر حديث عائشة:"إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم" وكره مجاهد صورة الشجر المثمر، ولا أعلم أحدًا كرهها غيره.
فصل:
النمرقة: وسادة صغيرة، وقيل: مرفقة، قال الجوهري: وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة، عن أبي عبيد
(3)
.
قال الشيخ أبو الحسن: الرواية: فتح النون وضم الراء، والذي ذكره أهل اللغة أن فيها لغتين كسر النون والراء وضمهما حاشا أبا عبد الله القزاز، فإنه ذكر فيها ثلاث لغات وقد حكاها ابن عُديس، والثالثة:
(1)
"مختصر اختلاف العلماء" 4/ 381.
(2)
في الأصل: جرائم، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(3)
"الصحاح" 4/ 1561 مادة: (نمرق).
ضم النون وفتح الراء، قال: ويقال: (نمرق) بلا هاء.
وفي "المحكم": قيل: هي الطنفسة
(1)
.
وفي "الكامل": النمرق ما يجعل تحت الرحل
(2)
.
فصل:
لخص ابن التين الخلاف السالف فقال: اختلف العلماء في تأويل خبر عائشة هذا، وحديث عبيد الله:"إلا رقمًا في ثوب" فقيل: خبر عائشة منسوخ؛ لأن الرخصة نسخت الشدة، فإن النهي كان لحدثانهم بكفر وبعبادة الصور، ثم أبيح ما كان رقمًا في ثوب للضرورة في اتخاذ الثياب؛ ولأن الجاهل يؤمن عليه تعظيم ما يطؤه ويمتهنه وبقي النهي فيما يرفه ولا يمتهن وفيما لا حاجة للناس في اتخاذه وفيما كان في حجر يبقى، وله ظلُّ؛ لأن فيه التشبيه بخلق الله، وقيل: حديثها في النمرقة (مفسر)
(3)
لكل حديث جاء في الصور وناسخ له؛ لأنه خبر، والخبر لا ينسخ، قاله الداودي.
وقال أبو عبد الملك: خبر عائشة منسوخ.
فإن قلت: كيف ينسخ وقد أخبر بما يكون في الآخرة، والخبر لا ينسخ؛ لأنه يدخل في ذلك الكذب.
قيل له: هذا أمر اختلف فيه الناس، وإذا قارن الخبر الأمر جاز فيه النسخ، وهذا قارنه الأمر ووقع النسخ في الأمر، وهي العبادة التي أمرهم بأن لا يتخذوها، ثم نسخ ذلك بالإباحة.
(1)
"المحكم" 6/ 393.
(2)
"الكامل في اللغة والأدب" للمبرد 4/ 10.
(3)
في (ص 2): مفسد.
وقيل: حديث عائشة خبر لا ينسخ، ومعناه: أنه كره النمرقة في خاصة نفسه، وأباحها للناس للحاجة إلى ذلك، وكان عليه السلام يكره لخاصة نفسه وزوجاته وبناته الدنيا، وفيه بعد؛ لقوله:"إن أصحاب هذِه الصور يعذبون يوم القيامة".
وقيل: خبر عائشة مخصوص بالأجر. ومذهب مالك أنه لا يجوز اتخاذ التماثيل في ثياب أو لباس أو فراش، إلا أن يكون رقمًا في ثوب أو بساط، وأن ذلك لا يجوز في الخشب والحجارة والجص في البيوت. ذكره الشيخ أبو القاسم في "تفريعه".
وحديث القرام والرقم حجة لمالك؛ لأنه إنما علل في القرام بأن تصاويره لا تزال تعرض عليه في صلاته، وقيل: يحتمل أن يكون مما لا روح له؛ فلذلك لم ينه إلا من أجل نظره إليه في الصلاة. وقيل: يجوز ما بسط وامتهن دون ما نصب أو لبس.
وهو قول جماعة كما سلف، ودليلهم حديث السهوة المتقدم وكان سترا فرده وسادة (يتكأ)
(1)
عليه، وكره بعضهم ما له روح وإن لم يكن له ظل؛ لقوله:"أحيوا ما خلقتم".
وقال الحازمي: حديث الوسادة والسهوة ربما يتعذر على غير المتبحر الجمع بينهما.
وفيه دلالة النسخ، ألا ترى قول عائشة رضي الله عنها: فجعلته على سهوة في البيت. وكان عليه السلام يصلي إليه. والضمير عائد إلى الثوب كان فيه تصاوير لا إلى السهوة كما توهمه بعضهم.
وقال: السهوة هي المكان. فيكون الضمير عائدًا على المعنى، إذ
(1)
في الأصل: يتوكأ. وفي حاشيتها: لعله يتكئ.
الحمل على المعنى يفتقر إلى تقدير، والتقدير خلاف الأصل، وأيضاً لم يكن البيت كبيرًا. بحيث يخفى مكان الثوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي قوله:"أخريه عني" ما يؤكد ما قلنا؛ لأنها ذكرته بلفظ (ثم) وهذِه الكلمة موضوعة للتراخي والمهلة، ويدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه
(1)
. يعني السالف (عند)
(2)
النسائي
(3)
.
فصل:
قال الطحاوي في "مشكله": روى أبو وائل عن عبد الله أنه عليه السلام قال: "إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة: رجل قتل نبيًّا، أو قتله نبي، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين"
(4)
.
قال: فوقفنا بهذا الحديث على أنه لا مثل لأهل هذِه الأصناف الثلاثة في شدة العذاب من أحد من الناس سواهم، غير أنه قد روي في حديث عائشة ما يعارضه قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صور فهتكه، ثم قال:"إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله"
(5)
إلا أن الصحيح في الحديث رواية من روى فيه أنه عليه السلام قال: "من أشد الناس عذابا .. "
(6)
الحديث؛ لأن التعارض ينفى على هذِه الرواية، إذ كان المشبه بخلق الله هو الممثل بخلق الله واحد الأصناف الثلاثة الأُوَل، وروي أيضًا من حديث
(1)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" ص 181.
(2)
في الأصول: عن. والمثبت هو الأليق للسياق.
(3)
"سنن النسائي" 8/ 216.
(4)
رواه أحمد 1/ 407، وصححه الألباني في "الصحيحة"(281).
(5)
رواه النسائي 8/ 214، وأحمد 6/ 86.
(6)
رواه مسلم (2107/ 91).
عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل هجا رجلا فهجا القبيلة بأسرها"
(1)
، (وقد)
(2)
يعارض الحديث الأول، إلا أنه غير صحيح، والصحيح فيه رواية من روى "أعظم الناس فرية يوم القيامة الرجل يهجو القبيلة بأسرها"
(3)
، وهو على هذا لا خلاف فيه للأول، فيحتمل أن يكون من رواه على غير هذا من رواته قد قصر في الحفظ
(4)
.
وأفسد هذا ابن رشد بأَنْ قال: بناهُ على أن اللفظ الخاص معارض للفظ العام، وذلك غير صحيح. ويقال له: إذا أبطلت رواية من روى الحديث الثاني: "أشد الناس" لمعارضته عندك الحديث الأول وأبطلت الثالث لمعارضته عندك أيضًا الحديث الأول، فما حيلتك في قوله تعالى:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} ؟ [غافر: 46] وجعل الحديث (الأول)
(5)
أيضًا دالًا على أن الأصناف الثلاثة المذكورة فيه متساوون في شدة العذاب، وذلك مما لا يدل عليه الكلام ولا يصح في الاعتبار؛ لأن من قتل نبيًّا لا يكون إلا كافرًا، وكذلك المراد "أو قتله نبي" إذا لو قتله وهو مسلم على حدٍّ لكان القتل كفارة له، ولا يستوي الكافر مع المؤمن في شدة العذاب.
والصواب: أن الأحاديث الثلاثة على ما رويت عليه لا تعارض بينها؛ لأنها والآية المذكورة مخصصة بعضها لبعضها ومفسرة له
(1)
رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 1/ 12 (9).
(2)
في (ص 2): وهذا.
(3)
رواه ابن ماجه (3751)، وصححه الألباني في "الصحيحة"(1487).
(4)
"مشكل الآثار" 1/ 10 - 13.
(5)
من (ص 2).
لا تعارض في شيء من ذلك؛ لأن التعارض إنما يكون إذ لا جمع، ألا ترى أن هذِه الأحاديث لو جاءت في نسق واحد لا تناقض؛ إذ يضمر في الأول وفي الآية: من الكفار؛ وفي الثاني: من المسلمين. والأظهر أن الأول مستوون في شدة العذاب ويحتمل التفاضل، وكذا يقول في الثاني، ألا ترى أنك تقول: أعلم أهل البلد فلان وفلان وفلان، وإن كان بعضهم أعلم من بعض.
93 - باب كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي التَّصَاوِيرِ
5959 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ قِرَاَمٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمِيطِى عَنِّي، فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي» . [انظر: 374 - فتح 10/ 391]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ قِرَاَمٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ لَهَا صلى الله عليه وسلم: "أَمِيطِي عَنِّي
(1)
، فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي".
معنى "أميطي": أزيلي.
وفيه من الفقه: أنه ينبغي التزام الخشوع في الصلاة وتفريغ البال لله تعالى، وترك التعرض لكل ما يشغل المصلي عن الخشوع، إلا أنه عليه السلام نبه على هذا المعنى بقوله:"فإنه لا تزال .. " إلى آخره، وهذا مثل ما عرض له في الخميصة كما سلف.
وفيه من الفقه أيضًا: أن ما يعرض للمرء في صلاته من الفكرة في أمور الدنيا، وما يخطر بباله من ذلك، وما ينظر إليه بعينه أنه لا يقطع صلاته كما لم يقطع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتراض التصاوير له فيها، إذ لم يسلم أحد من ذلك.
(1)
في هامش الأصل: قرامك. وعلَّم عليها أنها نسخة الدمياطي.
94 - باب لَا تَدْخُلُ المَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ
5960 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ -هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ- عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَعَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ فَرَاثَ عَلَيْهِ، حَتَّى اشْتَدَّ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَقِيَهُ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ. [انظر: 3227 - فتح 10/ 391]
ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: وَعَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ فَرَاثَ عَلَيْهِ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلَقِيَهُ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ، فَقَالَ: إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ.
قد سلف الكلام عليه قريبا من غير هذا الوجه.
ومعنى (راث)
(1)
: أبطأ، ومنه قولهم: ربَّ عجلة تمت ريثًا، يقال: راث على خبرك يريث ريثًا: أبطأ، وما أراثك عنا، أي: ما أبطأك، ثم ترجم.
(1)
سقطت من الأصل.
95 - باب مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ
5961 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ قَالَ:«مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟» . فَقَالَتِ: اشْتَرَيْتُهَا لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ" وَقَالَ: "إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ» . [انظر: 2105 - مسلم: 2107 (96) - فتح 10/ 392]
ثم ساق حديث عائشة السالف في باب: من كره القعود على الصور
96 - باب (مَنْ)
(1)
لَعَنَ الْمُصَوِّرَ
5962 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ اشْتَرَى غُلَامًا حَجَّامًا فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْمُصَوِّرَ. [انظر: 2086 - فتح 10/ 393]
ذكر فيه حديث أبي جحيفة السالف قريبًا بزيادة
(2)
، وفي آخره: ولعن المصور، وفيه زيادة: وكسب البغي.
(1)
من (ص 2).
(2)
سلف برقم (5945).
97 - باب مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ
5963 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ وَلَا يَذْكُرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى سُئِلَ فَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ» . [انظر: 2225 - مسلم: 2110 - فتح 10/ 393]
ذكر فيه حديث سَعِيدٌ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابن عَبَّاسٍ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ وَلَا يَذْكُرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى سُئِلَ فَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ". رواه خالد بن الحارث، عن سعيد فقال: عن قتادة، عن النضر، سمعت ابن عباس. هذا أخرجه الإسماعيلي، عن الحسن، عن حميد بن مسعدة، عن خالد.
هذا الحديث (أدخله)
(1)
ابن بطال في الباب قبله، ثم نقل عن المهلب: أنه سأل عن وجه دخوله فيه، ثم قال: قيل: وجه ذلك -والله أعلم- أن اللعن في لغة العرب: الإبعاد عن رحمة الله بالعذاب، ومن كلفه الله أن ينفخ الروح فيما هو صوره، وهو لا يقدر على ذلك أبدًا، فقد أبعده الله من رحمته، فأين أكبر من هذا اللعن؟
فصل:
وفي قوله: (كلف أن ينفخ فيه الروح) دليل بيِّن أن الوعيد، إنما جاء
(1)
في (ص 2): أغفله.
في تصوير ما له روح من الحيوان دون من صور الشجر والجمادات، فإنه ليس داخلًا في معناه.
وقد سلف حديث ابن عباس فيه، وأن رجلاً قال له: إن معيشتي من هذِه التصاوير. فذكر له هذا الحديث، فاصفر الرجل، فلما رأى صفرته قال: فإن كنت لا بد صانعًا، فعليك بهذِه الشجر، وكل شيء ليس فيه روح
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 183.
98 - باب الاِرْتِدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ
5964 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ. [انظر: 2987 - مسلم: 1798 - فتح 10/ 395]
ذكر فيه حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ)
(1)
.
هذا الحديث سلف في الحج، وشيخ قتيبة فيه أبو صفوان، واسمه: عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان
(2)
، أخرج له مسلم أيضًا.
(1)
من (ص 2).
(2)
سلف برقم (2987) باب الردف على الحمار.
99 - باب الثَّلَاثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ
5965 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالآخَرَ خَلْفَهُ. [انظر: 1798 - فتح 10/ 395]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ آخر خَلْفَهُ.
الشرح:
(هذا الحديث سلف في الحج أيضًا)
(1)
.
وأغيلمة
(2)
: تصغير غُلمة على غير نكرة، كأنهم صغروا أغلمة على القياس وإن كانوا لم يقولوه، كما قالوا: أصيبية.
وفيه ما ترجم له، وهو جواز ركوب الثلاثة على الدابة بشرط الإطاقة. وقيل: إنه قيل لابن عباس: لا يصلح أن يركب ثلاثة على دابة، ويدعيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان ما قيل له محفوظا فهو ناسخ لهذا؛ لأن الفعل لا يدخله النسخ بخلاف الخبر، قاله الداودي.
وأورد ابن جرير حديث إسحاق بن زيد الخطابي، ثنا محمد بن سليمان، عن أبيه، ثنا عطاء، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا:"لا يركب الدابة فوق اثنين"
(3)
.
(1)
من: (ص 2).
(2)
ورد بهامش الأصل: عبارة "النهاية": أغيلمة: تصغير أغلمة، جمع غلام في القياس، ولم يرد في جمعه أغلمة، فإنما قالوا: غلمة، ومثله أصيبية، تصغير صبية، ويريد بالأغيلمة: الصبيان وكذلك صغارهم. انتهى.
(3)
رواه الطبراني في "الأوسط" 5/ 121 - 122 (4852) من طريق محمد بن عثمان القرشي قال: ثنا سليمان بن أبي داود عن عطاء عن أبي سعيد الخدري به، وقال: =
ثم قال: اختلف السلف في ذلك، فقال بعضهم بحديث الباب بشرط الإطاقة، روي ذلك عن ابن عمر أنه قال: ما أبالي أن أكون عاشر عشرة على دابة إذا أطاقت حمل ذلك، رواه شعبة، عن عاصم، عن الشعبي، عنه. وكره آخرون ركوب دابة أكثر من اثنين عملًا بحديث أبي سعيد، روي ذلك عن علي قال: إذا رأيتم ثلاثة نفر على دابة فارجموهم حتى ينزل أحدهم.
قال الطبري: وكلا الخبرين صحيحين لحديث الباب، فحديث الباب محمول على الإطاقة، وقد قال ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن مركب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حمل الاثنين معه كان ناقة، ولا يضر ذلك بها، وكذا الفرس والبغل بالنسبة لرجل مع صبيين يسير مسافة من الأرض لا يتعذر على الصبيان قطعها مشيًا.
وروى ابن مهدي عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، (عن ابن مسعود)
(1)
قال: كان يوم بدر ثلاثة على بعير
(2)
. والنهي على من لم يطق. وعليه يحمل ما روي عن علي.
وقد روى مطر بن محمد، ثنا أبو داود، ثنا ابن خالد، ثنا المسيب بن دارم قال: رأيت عمر بن الخطاب ضرب جمالًا وقال: تحمل على بعيرك ما لا يطيق
(3)
.
= لا يروى هذا الحديث عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد تفرد بهما محمد بن جامع.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 8/ 196: فيه محمد بن جامع وهو ضعيف.
(1)
ورد بهامش الأصل: حديث ابن مسعود في النسائي.
[قلت: وهو الصواب كما في مصادر التخريج].
(2)
رواه أحمد 1/ 411، والنسائي في "الكبرى" 5/ 350 (8807).
(3)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 7/ 127، وابن عساكر في "تاريخه" 57/ 191.
100 - باب حَمْلِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ.
5966 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ: ذُكِرَ الأَشَرُّ الثَّلَاثَةُ عِنْدَ عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْفَضْلَ خَلْفَهُ -أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ، وَالْفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ- فَأَيُّهُمْ شَرٌّ أَوْ أَيُّهُمْ خَيْرٌ؟. [انظر: 1798 - فتح 10/ 396]
ثم ساق عن أَيُّوب: ذكر شر الثَّلَاثَة عِنْدَ عِكْرِمَةَ، فَقَالَ: قَالَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْفَضْلَ خَلْفَهُ -أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ، وَالْفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ- فَأَيُّهُمْ شَرٌّ أَوْ أَيُّهُمْ خَيْرٌ؟.
الشرح:
قال الجوهري: يقال: فلان شر الناس ولا يقال: أشر الناس إلا في لغة رديئة
(1)
.
وقثم: وزن عمر، معدول عن قائم وهو المعطي، فهو غير منصرف للعدل والتعريف.
(وقثم: هو ابن العباس وكان يشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أخيه الفضل، قال الحاكم: كان أخا الحسين بن علي من الرضاعة، وكان شبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر الناس به عهدًا. واختلف في موضع قبره، فالصحيح: بسمرقند. وقيل: بمرو.
(1)
"الصحاح" 2/ 695 مادة: (شرر).
ووقع في "الكمال" للمقدسي ذكره له في غير الصحابة، وأن البخاري روى له، وليس كما ذكر وإنما وقع ذكره فيه)
(1)
(2)
.
وقوله: (فأيهم شر أو أيهم خير) قال الجوهري: يقال: فلان خير الناس، ولا تقل: أخير. وفلانة خير الناس، ولا تقل: خيرة. لا تثني ولا تجمع؛ لأنه في معنى أفعل، وأما قول الشاعر:
ألا بَكَرَ النَّاعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أَسَدْ
…
بِعَمْرِو بنِ مَسْعودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
فإنما ثناه؛ لأنه أراد (خَيْرَيْ) مخففة مثل: ميِّت وميْت، وهيِّن وهيْن
(3)
.
وقوله: (وقال بعضهم .. ) إلى آخره، قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره الترمذي من حديث علي بن الحسين بن واقد، حدثني أبي، عن عبد الله بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إذ جاءه رجل ومعه حمار فقال: يا رسول الله، اركب، وتأخر الرجل، فقال عليه السلام:"لأنت أحق بصدر دابتك إلا أن تجعله لي " فقال: قد جعلته لك، فركب. ثم قال: حسن غريب
(4)
(5)
.
(1)
انظر ترجمته في "معجم الصحابة" للبغوي 5/ 77، "الاستيعاب" 3/ 363،
"تهذيب الكمال" 23/ 538 (4853).
(2)
من: (ص 2).
(3)
"الصحاح" 2/ 652 مادة (خير). والشاعر هو: سبرة بن عمرو الأسدي يرثي عمر بن مسعود وخالد بن نضلة.
(4)
الترمذي (2773) كتاب الأدب، ورواه أبو داود (2572)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(2358).
(5)
ورد بهامش الأصل: الحديث: أعني حديث بريدة في أبي داود والترمذي؛ أبو داود في الجهاد، والترمذي في الاستئذان. [وهو الصواب كما في مصادر التخريج فرواه أبو داود برقم (2572) والترمذي].
وحديث ابن عباس يدل على معنى الحديث؛ (لأ)
(1)
عليه السلام كان أحق بصدر الدابة، فلما حمل (قثم)
(2)
فضل بين يديه كان مقام (الإذن)
(3)
في ذلك.
وأظن البخاري لم يرض بإسناد حديث ابن بريدة، فأدخل حديث ابن عباس؛ ليدل على معناه.
(1)
في الأصل (أنه) والمثبت من (ص 2).
(2)
في الأصل (قثمًا) وبهامشه: الجادة: قثم.
(3)
في ص 2: الأدب.
101 - باب إِرْدَافِ الرَّجُلِ خَلْفَ الرَّجُلِ
5967 -
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلاَّ أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ:«يَا مُعَاذُ» . قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ» . قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ» . قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ؟» . قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» . ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ» . قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. فَقَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟» . قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ» . [انظر: 2856 - مسلم: 30 - فتح 10/ 397]
ذكر فيه حديث معاذ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْني وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ:"يَا مُعَاذُ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ ". قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا". ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ". قُلْتُ له: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قال: " (هَلْ تَدْرِي)
(1)
مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ ". قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ".
هذا الحديث كذا هو مترجم له في أصل الدمياطي بخطه، ولم يترجم له ابن بطال بل قال: باب. ثم ذكره.
(1)
من الأصل.
وفيه: إرداف الإمام والشريف لمن هو دونه وركوبه معه، وذلك من التواضع أيضًا وترك التكبر، وهذا الحديث محله الإرداف، فلو ذكره فيه مع حديث أسامة كان أولى
(1)
، وستكون لنا عودة إليه في السلام والاستئذان في باب من أجاب بلبيك وسعديك.
وقوله: ("ما حق العباد على الله") يحتمل أن يكون أراد حقًّا شرعيًّا لا واجبًا عقلاً كما ادعته المعتزلة، وكأنه لما وعد به تعالى ووعده الصدق صار حقًّا من هذِه الجهة، وأن يكون خرج مخرج المقابلة للفظ الأول؛ لأنه قال في أوله:(ما حق الله على العباد).
قال (المازري)
(2)
: ولا شك أن لله على عباده حقًّا فأتبع اللفظ الثاني للأول كقوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ} [آل عمران: 54]، وجاء في رواية: فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا.
قال الهروي: تأثم الرجل إذا فعل فعلًا يخرج به الإثم، وكذلك تحنث: ألقى الحنث عن نفسه، وتحرج: ألقى الحرج عن نفسه.
وسلف في أوائل هذا الشرح عدة ألفاظ أخر.
قال (المازري)
(3)
: والأظهر عندي أنه لم يرد في هذا (الحديث)
(4)
هذا المعنى؛ لأن في سياقه ما يدل على خلافه
(5)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 186.
(2)
في: الأصل: الداودي.
(3)
في الأصل: (الماوردي)، وورد بهامشه: لعله الداودي، والمثبت من (ص 2).
(4)
في (ص 2): الباب.
(5)
"المعلم بفوائد مسلم" 1/ 58 - 59.
فصل:
هذا الحديث ذكره البخاري في باب: من جاهد نفسه، وذلك أن جهاد المرء نفسه هو الجهاد، روي أنه عليه السلام قال- وقد انصرف من غزوة-:"انصرفنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" قالوا: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال:"مجاهدة النفس"
(1)
.
وقد يكون جهاد النفس منعها الشهوات المباحة توفيرًا لها في الآخرة؛ لئلا يدخل في قوله: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20]. وروينا في "الحلية" عن (مسلم)
(2)
الخواص قال: أوحى الله إلى داود: لا تقرب الشهوات، فإني خلقتها لضعفاء خلقي، والقلب المحجوب بالشهوات حجبت صوته عني
(3)
.
فصل:
قوله: (رديف). كذا في الأصول، وجاء (رِدْف) بكسر الراء، وإسكان الدال، والردف والرديف: هو الراكب خلف الراكب، وأصله من ركوبه على الردف وهو العجز.
(1)
رواه الخطيب في "تاريخه" 13/ 523 من حديث جابر، بنحوه، وعزاه العراقي في "تخريج الإحياء" 2/ 709 للبيهقي في "الزهد" من حديث جابر أيضًا ولفظه: رجعنا من الجهاد .. وقال: إسناده فيه ضعف؛ ونقل السيوطي في "الدرر المنتثرة" ص 78 - 79 جزم ابن حجر في كتابه "تسديد القوس" أنه من كلام إبراهيم بن أبي بعلة، وتعقب رواية الخطيب من حديث جابر، وذكره الألباني في "الضعيفة" 2460، وقال: منكر، ونقل قول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 11/ 197 عن الحديث: أنه لا أصل له، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
في (ص 2): سالم.
(3)
"حلية الأولياء" 9/ 260، 10/ 20.
قال ابن سيده: وخص به بعضهم عجيزة المرأة. وردف كل شيء: مؤخره، والردف: ما تبع الشيء، والجمع مع كل ذلك أرداف
(1)
.
وقال القزاز في "جامعه": الردف: الذي يُركب، وهو ردفك ورديفك، وأنكر بعضهم الرديف، وكل شيء جاء بعدك فقد ردفك، ويقول في القوم: نزل بهم أمر قد ردف لهم أعظم منه، والردف موضع مركب الرديف، وهذا برذون لا يُرْدِف، ولا يُرَادِف
(2)
، وأنكر بعضهم: يردف، وقال: إنما يقال: لا يرادف. وقال: إنما المرادف الذي يردف غيره خلفه، وحكي: ردفت الرجل وأردفته إذا ركبت وراءه، وإذا جئت بعده، ومنه قوله تعالى:{مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9]، والعرب تقول: جئت مردفْا لفلان، أي: جئت بعده، وجاء القوم مرادفين.
والروادف: جمع الرديف، وجاء القوم ردافًا، أي: بعضهم في إثر بعض، وإرداف الملوك في الجاهلية: هم الذين كانوا يخلفون الملوك.
وقال الجوهري: أردفته أنا: إذا أركبته معك، وذلك الوضع الذي يركبه رداف
(3)
، وعند الهروي: ردفت الرجل أردفه: إذا ركبت خلفه، وأردفته: إذا أركبته خلفي، وفي "لحن العامة" لثابت، عن أبي عبيدة: دابة لا تردف وترادف، قال: والأجود: ترادف، وكذا هو في "فصيح ثعلب" وغيره.
قال أبو القاسم الجريري: وجه الكلام: لا ترادف؛ لأن مبنى المفاعلة على الاشتراك في الفعل فهو بهذا الكلام أليق وبالمعنى
(1)
"المحكم" 10/ 26 مادة: (دفر). مقلوبة.
(2)
أي: لا يدع رديفا يركبه. "العين" 8/ 23.
(3)
"الصحاح" 4/ 1363. مادة: (ردف).
المراد به أعلق، والعرب تقول: ترادفت الأشياء إذا تتابعت، يقال: ردفت الشيء، أي: ركبت خلفه، ورادفته: إذا أردفته. ويقال: جمل مرادف، أي: عليه رديف.
فصل:
جمع ابن منده الأرداف في جزء انتهى به إلى نحو الثلاثين منهم أولاد العباس، وعبد الله بن جعفر، وأبو هريرة وقيس بن سعد بن عبادة، وصفية، وأم صفية الجهنية.
فصل:
قوله: (ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل): المراد المبالغة في شدة قربه إليه، وقوله:(وسعديك)، أي: ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، أما تكرير قوله:"يا معاذ"، فلتأكيد الاهتمام بما يخبر به.
102 - باب إِرْدَافِ المَرْأَةِ خَلْفَ الرَّجُلِ
5968 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ، وَإِنِّي لَرَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، وَهْوَ يَسِيرُ وَبَعْضُ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَدِيفُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَثَرَتِ النَّاقَةُ فَقُلْتُ: الْمَرْأَةَ. فَنَزَلْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا أُمُّكُمْ» . فَشَدَدْتُ الرَّحْلَ وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا دَنَا -أَوْ رَأَى الْمَدِينَةَ- قَالَ:«آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» . [انظر: 371 - مسلم: 1345 - فتح 10/ 398]
ذكر فيه حديث أَنَسَ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ، وَإِنِّي لَرَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، وَهْوَ يَسِيرُ وَبَعْضُ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَدِيفُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ عَثَرَتِ النَّاقَةُ فَقُلْتُ: المَرْأَةَ! فَنَزَلْتُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا أُمُّكُمْ". فَشَدَدْتُ الرَّحْلَ وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا دَنَا -أَوْ رَأى المَدِينَةَ-قَالَ:"آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ".
(هذا الحديث سلف في أواخر الجهاد، وسلف في آخر الحج في باب: ما يقول إذا رجع من الحج والعمرة والغزوة من حديث ابن عمر، وفي آخره: "آيبون" إلى آخره، وزاد: "ساجدون" وغير ذلك)
(1)
(2)
.
وفيه: جواز إرداف المرأة خلف الرجل، كما ترجم له.
وفيه أنه لا بأس أن يتدارك الرجل امرأة غيره إذا سقطت أوهمت بالسقوط ويعينها على التخلص مما يخشى حدوثه عليها، وإن كانت مما لا يجوز له رؤيتها؛ لأن المؤمنين إخوة، وقد أمرهم الله تعالى بالتعاون.
(1)
من: (ص 2).
(2)
سلف برقم (2991) باب التكبير عند الحرب، وبرقم (1797).
103 - باب الاِسْتِلْقَاءِ، وَوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى الأُخْرى
5969 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَضْطَجِعُ فِي الْمَسْجِدِ، رَافِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. [انظر: 475 - مسلم: 2100 - فتح 10/ 399]
ذكر فيه حديث عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَضْطَجِعُ فِي المَسْجِدِ، رَافِعًا إِحْدى رِجْلَيهِ عَلَى الأُخْرى.
وهذا الحديث سلف في الصلاة، ويأتي في السلام والاستئذان
(1)
، وفعله عليه السلام هذا على وجه الراحة، وكذا فعله الصديق والفاروق وعثمان رضي الله عنه وهو مذهب مالك، وكره ذلك بعض فقهاء الأمصار ذكروا أنه عليه السلام نهى عنه، وذكر مالك الحديث في "موطئه" ردًّا على من كره ذلك، وأردفه بأن الصديق والفاروق كانا يفعلان ذلك
(2)
، فكأنه ذهب إلى أن نهيه عنه منسوخ بفعله، واستدل على نسخه بفعل الخليفتين بعده، وهذا لا يجوز أن يخفى عليهما النسخ في ذلك من المنسوخ.
آخر اللباس بحمد الله ومنِّه
(1)
سلف برقم (475) باب الاستلقاء في المسجد ومد الرجل، ويأتي برقم (6287) في الاستئذان، باب الاستلقاء.
(2)
"الموطأ" ص 124.
78
كتاب الأدب
بسم الله الرحمن الرحيم
78 - كِتابُ الأَدَبِ
قال القزاز: يقال: أدب الرجل يأدُب إذا كان أديبًا، ككرم يكرم إذا كان كريمًا، والأدب مأخوذ من المأدبة، وهو طعام يتخذ ثم يدعى الناس إليه، فكان الأدب مما يدعى كل أحد إليه، يقال: أدبه المؤدب تأديبًا فهو مؤدَّب، والمعلم مؤدِّب؛ وذلك لأنه يردد عليه الدعوة إلى الآداب، فكبر الفعل بالتشديد، والأدب: الدعاء، والآدب: الداعي، وقال صاحب "الواعي": سمي الأدب أدبًا لأنه يدعو إلى المحامد، وقال ابن طريف في "الأفعال": أدِب الرجل وأدُب -بضم الدال وكسرها- أدبا: صار أديبًا في خلق أو علم.
وقال الجوهري: الأَدَب أدب النفس والدرس، يقال منه: أَدُبَ الرجل -بالضم- فهو أديب
(1)
، وقال أبو المعالي في "المنتهى": استأدب الرجل بمعنى تأدب، والجمع أدباء، وغالب أحاديث هذا الكتاب سلفت لكنا نعيد الكلام عليها لبعدها.
(1)
"الصحاح" 1/ 86، مادة:(أدب).
1 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسنًا} [العنكبوت: 8]
5970 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ عَيْزَارٍ أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ -وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» . قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» . قَالَ ثُمَّ أَي؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» . قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. [انظر: 527 - مسلم: 85 - فتح: 10/ 400]
ذكر فيه حديث أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ على وَقْتِهَا". قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "بِرُّ الوَالِدَيْنِ .. ". الحديث. سلف في الصلاة (وفي الجهاد، ويأتي في التوحيد)
(1)
(2)
، وذكر
(3)
في التفسير أن هذِه الآية التي في سورة لقمان نزلت في سعد بن أبي وقاص، قالت أمه حين هاجر: لا يظلني بيت حتى ترجع فنزلت، فأمره تعالى أن يحسن إليهما ولا يطيعهما في الشرك. وقيل: نزلت في عياش بن أبي ربيعة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن برَّ الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام، ورتب ذلك بـ (ثم) التي تعطي الترتيب، وتدل على أن الثاني بعد الأول بمهلة، وقد دل التنزيل على ذلك، قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} [الإسراء: 23] يعني: ما يقولان أو يحدثان
(1)
سبق برقم (2782)، وسيأتي برقم (7534).
(2)
من (ص 2).
(3)
جاء في هامش الأصل: في مسلم في مناقب سعد بن أبي وقاص نحوه وليس هو في البخاري. [مسلم (1748) بعد حديث (2412)].
{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} قال مجاهد: والمعنى: لا تستقذرهما كما لم يكونا يستقذرانك
(1)
، وقال عطاء: لا تنفض يديك عليهما
(2)
. {وَلَا تَنْهَرْهُمَا} أي: لا تغلظ لهما في القول. {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} أي: سهلًا لينًا عن قتادة
(3)
وغيره.
وقال ابن المسيِّب: قول العبد الذليل للسيد الفظ الغليظ
(4)
. {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي: كن بمنزلة الذليل المقهور إكرامًا لهما، وجعل تعالى شكر الأبوين بعد شكره، فقال:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] وقال أبو هريرة: لا تمش أمام أبيك، ولا تقعد قبله ولا تدعه باسمه، وقيل: تمشي في الظلمة بين يديه، وقال مالك: من لم يدرك أبويه أو أحدهما فلا بأس أن يقول: رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.
فصل:
قوله: (" الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا") وفي رواية أخرى: "لوقتها" وفي أخرى: "لأول وقتها" كما سلف في بابه، وفي حديث آخر:"إيمان بالله ثم الصلاة على مواقيتها"
(5)
ولم تذكر هنا؛ لأن الصحة موقوفة عليها.
وفيه: فضل ظاهر في بر الوالدين، وقدمه على الجهاد؛ لتعديه إلى (الفقير)
(6)
، ولأن الفاعل له لا يرى أنه إنما يفعله مكافأة لفعلهما له، فكأنه لا يرى فيه كبير عمل، والجهاد يرى لنفسه فيه كبير عمل.
(1)
رواه الطبري 8/ 59 (22191).
(2)
السابق 8/ 60 (22193).
(3)
السابق 8/ 61 (22196).
(4)
السابق 8/ 61 (22198).
(5)
سلف برقم (26) من حديث أبي هريرة بذكر الإيمان، ثم الجهاد، ثم الحج.
(6)
في (ص 2): الغير.
فصل:
أبو عمرو الشيباني راويه عن ابن مسعود، اسمه سعد بن إياس بن عمرو بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عُكابة، أدرك الجاهلية، وعاش مائة وعشرين قال: تكامل شبابي يوم اليمامة سنة (ستة عشرة)
(1)
فكنت ابن أربعين سنة.
وعمرَّ أيضًا أبو رجاء العطاردي عمران بن ملحان، وأبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل، وأبو أمية سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر الجعفي، كل منهم عاش نحوًا من ثلاثين ومائة سنةٍ وغيرهم
(2)
.
(1)
ورد في هامش الأصل: اليمامة ثنتى عشرة من الهجرة.
(2)
انظر: "أعمار الأعيان" لابن الجوزي ص 98.
2 - باب مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ
؟
5971 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ:«أُمُّكَ» . قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» . قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» . قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» .
وَقَالَ: ابْنُ شُبْرُمَةَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ مِثْلَهُ. [مسلم: 2548 - فتح: 10/ 401]
ذكر حديث جرير، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ الناس بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ:"أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أَبُوكَ".
وَقَالَ: ابن شُبْرُمَةَ وَيحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: ثَنَا أَبُو زُرْعَةَ مِثْلَهُ.
إنما أتى بهذا يزيل ما في الأول من العنعنة، وابن شبرمة اسمه عبد الله، وتعليقه أخرجه مسلم عن ابن أبي شيبة، ثنا شريك، عن عمارة وابن شبرمة، عن أبي زرعة. وحدثنا حبان، ثنا وهيب، كلاهما
(1)
عن ابن شبرمة، عن أبي زرعة. فذكره. والتعليق عن يحيى بن أيوب أخرجه الطبراني في "الأوسط" من حديثه، عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن حفص، ثنا سهل بن حماد، ثنا يحيى بن أيوب بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، ثنا جدي أبو زرعة به
(2)
.
(1)
يعني: وهيب، ومحمد بن طلحة كما في "صحيح مسلم"(2548/ 4).
(2)
لم أجده عند الطبراني وإنما وصله أحمد 2/ 402، والبخاري في "الأدب المفرد"(6) من طريق ابن المبارك، عن يحيى بن أيوب به.
وفي هذا الحديث دلالة أن محبة الأم والشفقة بها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب؛ لأنه عليه السلام كررها ثلاثا وذكر الأب في الرابعة فقط، وإذا تأمل هذا المعنى شهد له العيان، وذلك أن صعوبة الحمل والوضع والرضاع والتربية تنفرد بها الأم وتشقى بها دون الأب، فهذِه ثلاث منازل يخلو منها الأب، وقد جرى لأبي الأسود الدؤلي مع زوجته قصة أبان فيها هذا المعنى، ذكر أبو حاتم عن أبي عبيدة أن أبا الأسود جرى بينه وبين امرأته كلام وأراد أخذ ولده منها، فسار إلى زياد وهو والي البصرة، فقالت المرأة له: أصلح الله الأمير، كان بطني (وعاءه)
(1)
، وحجري فناءه، وثديي سقاءه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم أزل بذلك سبعة أعوام، حتى إذا استوفى فصاله، وكملت خصاله، وأملت نفعه، ورجوت دفعه، أراد أن يأخذه منى كرها! قال أبو الأسود: أصلحك الله، هذا ابني حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه في أدبه، وانظر في أوده. فقالت المرأة: صدق أصلحك الله، حمله خِفًّا وحملته ثقلا، ووضعه شهوة ووضعته كرها. فقال له زياد: اردد على المرأة ولدها، فهي أحق به منك، ودعني من سجعك.
وروى أبو داود في "سننه" والحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح الإسناد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو أن المرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه منى. فقال لها عليه السلام:"أنت أحق به ما لم تنكحي"
(2)
.
(1)
في الأصل: له وعاء.
(2)
أبو داود (2276)، "المستدرك" 2/ 207.
وروي عن مالك أن رجلا قال له: إن أبي في بلاد السودان، وقد كتب إليّ أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك. فقال: أطع أباك، ولا تعص أمك، فدل قول مالك هذا أن برهما عنده متساويًا ولا فضل لواحد منهما (فيه)
(1)
على صاحبه، لكنه قد أمره بالتخلص منهما جميعاً، وإن كان لا سبيل له إلى ذلك في هذِه المسألة، ولو كان لأحدهما عنده فضل في البر على صاحبه لأمره بالمصير إلى أمره. وقد سئل الليث عن هذِه المسألة فأمره بطاعة الأم، وزعم أن لها ثلثي البر، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه يدل أن لها ثلاثة أرباع البر، وأن طاعة الأم مقدمة، وهو الحجة على من خالفه.
وزعم (المحاسبي)
(2)
أن تفضيل الأم على الأب في البر والطاعة هي إجماع العلماء
(3)
، وقيل للحسن: ما بر الوالدين؟ قال: تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما فيما أمراك ما لم تكن معصية.
(1)
من (ص 2).
(2)
في الأصل: النحاس، والمثبت من (ص 2).
(3)
انظر: "شرح ابن بطال": 9/ 189 - 191.
3 - باب لَا يُجَاهِدُ إِلاَّ بِإِذْنِ الوالدين
5972 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ ح.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لَكَ أَبَوَانِ؟» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» . [انظر: 3004 - مسلم: 2549 - فتح: 10/ 403]
ذكر فيه حديث حبيب عَنْ أَبِي العَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أأُجَاهِدُ؟ قَالَ: "لَكَ أَبَوَانِ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".
هذا الحديث سلف في الجهاد
(1)
، وأبو العباس هو الشاعر كما صرح به هناك، واسمه السائب بن فروخ المكي (الأعمى)
(2)
، روى له الجماعة، وحبيب هو ابن أبي ثابت كما صرح به هناك، وهذا موافق
(3)
لحديث ابن مسعود: أن بر الوالدين أفضل من الجهاد
(4)
؛ لأنه رتب ذلك بـ (ثُمَّ) الدالة على الرتبة، وهذا إنما يكون في وقت قوة الإسلام، وعليه أهل العلم إذا كان الجهاد من فروض الكفاية، فأما إذا قوي أهل الشرك وضعف المسلمون -معاذ الله- فالجهاد متعين على كل نفس ولا يجوز التخلف عنه، وإن منع منه الأبوان.
وقال ابن المنذر فيه: إن النهي عن الخروج بغير إذن الأبوين ما لم يقع النفير، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع، وذلك بيّن في حديث أبي قتادة أنه عليه السلام بعث جيش الأمراء، فذكر قصة زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب وابن رواحة وأن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى بعد
(1)
سلف برقم (3004).
(2)
في (ص 2): الأعور.
(3)
في (ص 2): لا يوافق.
(4)
سلف قريبًا برقم (5970).
ذلك أن الصلاة جامعة فاجتمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:"أيها الناس، اخرجوا فأمدوا إخوانكم، ولا يتخلفن أحد" فخرج الناس مشاة وركبانا في حر شديد
(1)
. فدل قوله: "اخرجوا فأمدوا إخوانكم" أن العذر في التخلف عن الجهاد إنما هو ما لم يقع النفير مع قوله عليه السلام: "وإذا استنفرتم فانفروا"
(2)
.
فرع:
اختلف في الوالدين المشركين، فكان الثوري يقول: لا تغز إلا بإذنهما. وقال الشافعي: له أن يغزو بغير إذنهما. وقال ابن المنذر: والأجداد (آباء)
(3)
، والجدات أمهات، فلا يغزو المرء إلا بإذنهم، ولا أعلم دلالة توجب ذلك لغيرهم من الإخوة وسائر القرابات. وكان طاوس يرى السعي على الأخوات أفضل من الجهاد في سبيل الله.
ومعنى ("فجاهد"): أي في طاعتهما وإبرارهما، فأما إذا أذنا له في ذلك جاهد، وذلك لأن فرض الجهاد على الكفاية، وطاعتهما فرض عين، وذكر أنه عليه السلام قال:"أهل الأعراف قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم من النار قتلهم في سبيل الله"
(4)
.
(1)
رواه أحمد 5/ 299.
(2)
سلف برقم (1834).
(3)
من (ص 2).
(4)
رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 501 (14713) من طريق محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه. وذكره البيهقي في "الشعب" 1/ 345 وقال: مرسل ضعيف. وعزاه الهيثمي في "المجمع" 7/ 23 - 24 للطبراني، عن عمر بن عبد الرحمن المدني، عن أبيه. وقال: وفيه أبو معشر نجيح وهو ضعيف اهـ. والحديث رواه الطبراني في "الأوسط" 3/ 249 (3053) من حديث أبي سعيد بنحوه، وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 23: فيه محمد بن مخلد الرعيني، وهو ضعيف.
4 - باب لَا يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ
5973 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ:«يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أَمَّهُ» . [مسلم: 90 - فتح: 10/ 403].
ذكر فيه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ: قَال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أَكبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ:"يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فيسب أُمَّهُ".
هذا الحديث أصل في قطع الذرائع، وأن من آل فعله إلى محرم وإن لم يقصد فهو كمن قصده وتعمده في الإثم، ألا ترى أنه عليه السلام نهى أن يلعن الرجل والديه، فكان ظاهره تولي اللعن، فلما أخبر أنه إذا سب أبا الرجل فسب الرجل أباه وأمه كان كمن تولى ذلك بنفسه، وكان ما آل إليه فعله أنه كلعنه في المعنى؛ لأنه كان سببه، ومثله قوله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] وهذِه من أحد آيات سد الذرائع، والثانية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104]، والثالثة:{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} الآية [النور: 31]، وكذا قال (المازري)
(1)
: يؤخذ منه المنع من بيع ثياب الحرير ممن يلبسها وهي لا تحل له، وبيع العنب ممن يعصره خمرا ويشربه؛ لأنه ذكر فيه أن من فعل السبب فكأنه الفاعل لذلك الشيء مباشرة
(2)
.
(1)
في (ص 2): الماوردي. خطأ.
(2)
"المعلم" 1/ 71 - 72.
5 - باب إِجَابَةِ دُعَاءِ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ
5974 -
ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصخرة، وقد سلف، وحاصله أن كل من دعا الله بنية صادقة من قلبه وتوسل إليه بما صنعه لوجهه خالصا (جاءته)
(1)
الإجابة، ألا ترى أن أصحاب الغار توسلوا إلى الله بأعمال عملوها خالصة لوجهه ورجوا الفرج بها، فذكر أحدهم بر أبويه، والثاني المرأة وأنه ترك الزنا بها لوجه الله، والثالث أنه تجر في أجرة الأجير حتى صار منها غنم وراعها، وأنه دفعه إليه حين طلب منه الأجرة، فتفضل الله عليهم بإجابة دعائهم ونجاهم من الغار، فكما أجيبت دعوة هؤلاء النفر فكذلك يرجى إجابة دعاء كل من أخلص فعله لله تعالى، وأراد به وجهه.
فصل في ضبط ألفاظه:
قوله: ("فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ") هو رباعي من أطبقت الشيء عليه وجعلته مطبقا فتطبق هو، ومنه قولهم: لو تطبقت السماء على الأرض ما فعلت كذا.
وقوله: ("لَعَلَّهُ يُفْرِجُهَا")(ضبط بالضم، وبكسر الراء)
(2)
، قال ابن التين: وكذا قرأناه. قال الجوهري: فرج الله عنك غمك تفريجًا، وكذلك: فرج الله عنك غمك يفرِج بالكسر
(3)
.
وقوله: ("إِنَّهُ ناء بي الشَّجَرُ") أي: تباعد عن مكاننا الشجر التي ترعاها مواشينا.
وقوله: ("كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ") هو بضم اللام.
(1)
في الأصل: من حاله، والمثبت من (ص 2).
(2)
وقع في الأصل (ضبط بالضم). وكتب فوقها: (لعله سقط). ووقع في (ص 2): (ضبط بكسر الراء). فقط.
(3)
"الصحاح" 1/ 333.
وقوله: ("فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ") هو بكسر الحاء أي: الإناء الذي يحلب فيه.
وقوله: ("وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ") أي: يصيحون، وكذلك كل صوت ذليل مقهور، ضغا يضغو: صاح وبكى وضج، وعبارة الداودي: يبكون ويتوجعون.
وقوله: ("فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً") هو بضم الفاء، وأما إذا فتحتها فهي للتفصِّي من الهم. والفُرْجة بالضم فرجة الحائط، وهو المراد هنا. والفرق: مكتل معروف بالمدينة ستة عشر رطلًا وقد تحرك راؤه وأنكر القتبي إسكانها.
6 - باب عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ مِنَ الكَبَائِرِ
قَالَهُ عَبْدُ اللهِ بْن عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
5975 -
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ وَرَّادٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنْعَ وَهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» . [انظر: 844 - مسلم:- فتح: 10/ 405]
5976 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الوَاسِطِيُّ، عَنِ الجُرَيْرِىِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» . قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» . وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ» . فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ: لَا يَسْكُتُ. [انظر: 2654 - مسلم: 87 - فتح: 10/ 405]
5977 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ -أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ- فَقَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» . فَقَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ - قَالَ: "قَوْلُ الزُّورِ" أَوْ قَالَ: "شَهَادَةُ الزُّورِ".
قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: «شَهَادَةُ الزُّورِ» . [انظر: 2653 - مسلم: 88 - فتح: 10/ 405]
وذكر فيه ثلاثة أحاديث:
(أحدها)
(1)
حديث المغيرة: عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنْعَ وَهَاتِ .. " الحديث.
(1)
من (ص 2).
وشيخه فيه سعد بن حفص أبو محمد الطلحي مولاهم الكوفي يعرف بالضخم انفرد به البخاري عن الخمسة، وليس في شيوخهم من اسمه سعد سواه مات سنة خمس عشرة ومائتين.
ثانيها: حديث أبي بكرة رضي الله عنه: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ". قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "الإِشْرَاكُ باللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ". الحديث.
ثالثها: حديث أنس رضي الله عنه: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الكَبَائِرَ فعد منها: "عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ".
وذكر البخاري في الأيمان والنذور حديث عبد الله بن عمر في الكبائر. وفيه: زيادة "اليمين الغموس"
(1)
. وفي الديات والاعتصام حديث ابن مسعود "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"
(2)
. وفيه: الزنا بحليلة الجار من الكبائر.
وروى الزنا من الكبائر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين وعبد الله بن أنيس
(3)
وأبو هريرة.
وفي حديث أبي هريرة: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"
(4)
.
وفي الحدود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "اجتنبوا السبع الموبقات". وفيه: "السحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (6675) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
(2)
سيأتي في الديات برقم (6861)، وفي التوحيد برقم (7520).
(3)
حديث عمران رواه البخاري في "الأدب المفرد"(30)، وحديث عبد الله بن أنيس رواه الترمذي (3020)، وأحمد 3/ 495 وليس فيه ذكر الزنا.
(4)
سلف برقم (2475)، ورواه مسلم (57).
(5)
سيأتي برقم (6857).
وفي هذا الباب زيادة: "منع وهات، ووأد البنات" وفي حديث ابن عباس أن النميمة وترك التحرز من البول من الكبائر
(1)
. وروى السرقة من الكبائر وشرب الخمر، عمران بن حصين
(2)
في غير "صحيح البخاري".
وفي البخاري: "ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينهب نهبة وهو مؤمن"
(3)
. وفي غير البخاري من حديث ابن عباس: الإضرار في الوصية من الكبائر
(4)
.
(1)
سلف برقم (216) كتاب: الوضوء، باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله.
(2)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(30).
(3)
سبق تخريجه من حديث أبي هريرة.
(4)
روي عنه موقوفًا ومرفوعًا، فرواه الطبري في "تفسيره" 3/ 631 (8789)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 888 (4939)، والطبراني في "الأوسط" 9/ 5 (8947)، والدارقطني 4/ 151 والبيهقي 6/ 271. كلهم من طريق عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عنه مرفوعًا ورواه غير واحد عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قوله ولم يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم منهم سفيان الثوري: كما في "تفسيره" ومن طريقه -أي سفيان- عبد الرزاق في "مصنفه" 9/ 88 (16456) وسعيد بن منصور في "سننه" 1/ 109 (344) كلاهما عنه، عن داود به.
وابن إدريس: رواه عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 6/ 229 (30924) عن داود به. وابن علية ويزيد بن زريع وبشر بن المفضل وعبد الوهاب وعبيدة بن حميد وابن أبي عدي وعبد الأعلى، رواه من طرق عنهم الطبري في "تفسيره" 3/ 630 - 631 (8784 - 8789) عن داود به.
وعلي بن مسهر: رواه من طريقه النسائي في "الكبرى" 6/ 320 (11092) عن علي بن حجر عنه، عن داود به.
وعائذ بن حبيب: رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 888 (4940) عن الأشج، عنه، عن داود به.
وهشيم: رواه البيهقي 6/ 271 من طريقه عن داود به، وقال: هذا هو الصحيح =
والقنوط من رحمة الله
(1)
. وفي حديث أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: منع ابن السبيل (من الماء)
(2)
من الكبائر. وروى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عد ابن السبيل منها
(3)
. وفي حديث ابن عمر: عد الإلحاد في البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتًا
(4)
. وحديث عبد الله بن عمرو: "أكبر الكبائر أن يشتم الرجل والديه" قالوا: وكيف؟ قال: "يساب الرجل فيسب أباه"
(5)
.
فهذِه آثار رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تذكر الكبائر، فجميع هذِه الكبائر في هذِه الآثار ست وعشرون كبيرة وهي:
الشرك، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، واليمين الغموس، وأن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، والزنا، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات، والسرقة، وشرب الخمر، والإضرار في الوصية، والقنوط من رحمة الله، ومنع ابن السبيل الماء، والإلحاد في البيت الحرام، والذي يستسب
(6)
لوالديه، ومنع وهات، ووأد البنات، والنميمة، وترك التحرز من البول، والغلول.
= موقوف. قال: وكذلك رواه ابن عيينة وغيره عن داود موقوفًا، وروي من وجه آخر مرفوعًا، ورفعه ضعيف. اهـ.
(1)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(106) وعزاه الهيثمي أيضًا للطبراني في "الأوسط"، "مجمع الزوائد" 1/ 104 وقال: ورجاله موثقون. اهـ.
(2)
من هامش الأصل وكتب فوقها: لعله سقط.
(3)
رواه البزار في "المسند" 10/ 314 (4437) بلفظ "منع فضل الماء".
(4)
رواه البيهقي 3/ 409. وانظر: "الإرواء" (690).
(5)
سلف بنحوه قريبًا (5973).
(6)
في الأصل: يسب، والمثبت من (ص 2).
فهذِه ست وعشرون، وتستنبط كبائر أخر من الأحاديث منها حديث ابن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه"
(1)
وقد ثبت أن الربا من الكبائر كما سلف. ومنها حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أنه عليه السلام قال: "أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته"
(2)
وقد ثبت أن السرقة من الكبائر.
وفي التنزيل: الجور في الحكم. قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، و {الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] و {الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] فقال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} [الجن: 15] فهذِه تسع وعشرون
(3)
.
قال الطبري: واختلف أهل التأويل في الكبائر التي وعد الله عباده بالنهي (عنه)
(4)
، من أول سورة النساء إلى رأس الثلاثين آية منها، هذا قول ابن مسعود والنخعي. وقال آخرون: الكبائر سبع، روي عن علي رضي الله عنه. وهو قول عبيد بن عمير، وعبيدة، وعطاء، وقال عبيد: ليس من هذِه كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله، قال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا
(1)
رواه عبد الرزاق في "جامع معمر" 11/ 176 (20253)، ورواه أبو داود (4876) من حديث سعيد بن زيد.
(2)
حديث أبي هريرة رواه ابن حبان 5/ 209 (1888)، والحاكم 1/ 229. وحديث أبي سعيد رواه أحمد 3/ 56، وأبو يعلى 2/ 481 - 482 (1311).
(3)
وقع في هامش الأصل: قد أفرد الذهبي الكبائر في جزء جعلها ستا وسبعين كبيرة، وقد قرأه بعض مشايخي عليه، وأجازني به وبغيره ذاك الشيخ، وفي بعض نسخ كتاب "الكبائر" للذهبي ذكر فصلاً لما يحتمل أنه كبيرة نحو أربعين غير المذكورة في المؤلف المذكور، وقد ذكر ابن قيم الجوزية في أواخر "أعلام الموقعين" جملة من الكبائر، فانظرها إن أردتها.
(4)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" 9/ 196: عنها.
خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} [الحج: 31]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10]. وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} الآية [البقرة: 275]. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ} الآية [النور: 23]. وقال: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] والسابعة: التعرب بعد الهجرة: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا على أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} الآية [محمد: 25]. وقال آخرون: هي تسع، روي ذلك عن عبد الله بن عمر، وزاد فيه: السحر والإلحاد في المسجد الحرام. وقال آخرون: هي أربع. رواه الأعمش عن وبرة بن عبد الرحمن، عن أبي الطفيل، عن ابن مسعود قال: الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، والإياس من (رحمة)
(1)
الله، والأمن من مكر الله. ففي حديث أبي الطفيل مما لم يمض في الآثار: الأمن من مكر الله. وفي حديث عبيد بن عمير: التعرب بعد الهجرة. فتمت إحدى وثلاثين.
وقال آخرون: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه قال: وقد ذكرت الطرفة وهي النظرة.
قال ابن الحداد: وهذا قول الخوارج، قالوا: كل ما عُصي الله به فهو كبيرة يخلد صاحبه في النار. واحتجوا بقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن: 23] قالوا: فالكلام على العموم في جميع المعاصي.
وعن ابن عباس قول آخر حكاه الطبري قال: كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب فهو كبيرة. قال طاوس: قيل لابن عباس: الكبائر
(1)
في (ص 2): روح.
سبع؟ قال: هي إلى السبعين أقرب وقال سعيد بن جبير: قال رجل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار
(1)
.
وذهب جماعة أهل التأويل إلى أن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر، وهو قول عامة الفقهاء، وخالفهم الأشعرية أبو بكر بن الطيب وأصحابه فقالوا: معاصي الله كلها عندنا كبائر. كذا في كتاب ابن بطال
(2)
. وهو محكي عن الأستاذ، قالوا: وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها كما يقال: الزنا صغيرة بإضافته إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلى الزنا، وكلها كبائر، ولا ذنب عندنا يغفر واجبًا باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبيرة ومرتكبه في المشيئة غير الكفر لقوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] واحتجوا بقراءة من قرأ: (إن تجتنبوا كبير ما تنهون عنه)
(3)
على التوحيد، يعنون الشرك.
وقال الفراء: من قرأ {كَبَائِرَ} ، فالمراد بها كبير، وكبير الإثم الشرك، وقد يأتي لفظ الجمع ويراد به الواحد. قال تعالى:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)} [الشعراء: 105] ولم يأتهم إلا نوح وحده، ولا أرسل إليهم رسولاً قبله بدليل قوله في حديث الشفاعة:"ولكن ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض"
(4)
، قالوا: فجواز العقاب عندنا على الصغيرة كجوازه على الكبيرة.
(1)
"تفسير الطبري" 4/ 39 - 44.
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 198.
(3)
ذكر هذِه القراءة ابن عطية في "تفسيره" 4/ 30 وعزاها لابن مسعود وابن جبير.
(4)
سلف برقم (4476) كتاب: التفسير.
وقوله عليه السلام: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أنها تبلغ حيث بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه"
(1)
، وحجة أهل التأويل والفقهاء ظاهر قوله:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]. قال الطبري: يعني: نكفر عنكم أيها المؤمنون باجتناب الكبائر صغائر سيئاتكم؛ لأن الله قد وعد مجتنبها بتكفير ما عداها من سيئاته، ولا يخلف الميعاد
(2)
، واحتجوا بما رواه موسى بن عقبة عن عبيد الله بن سلمان الأغر عن أبيه، عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يعبد الله لا يشرك به شيئًا ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر إلا دخل الجنة"
(3)
وقال أنس رضي الله عنه: إن الله تجوز عما دون الكبائر فما لنا ولها، وتلا الآية.
وأما قول الفراء: من قرأ (الكبائر)
(4)
فالمراد بها كبير الإثم، وهو الشرك وهو خلاف ما ثبت في الآثار، وذلك أن في حديث أبي بكرة "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" الحديث. فجعل فيه قول الزور والعقوق من أكبرها، وجعل في حديث ابن مسعود: قتل الولد خشية أن يأكل معه، والزنا بحليلة الجار من أعظم الذنوب، فهذا يرد تأويل الفراء أن كبائر يراد بها كبير وهو الشرك خاصة، ولو عكسه من قوله
(5)
، فقيل له: من
(1)
رواه الترمذي (2319)، وابن ماجه (3969) من حديث بلال بن الحارث المزني، وسيأتي برقم (6478) كتاب: الرقاق، باب: حفظ اللسان، من حديث أبي هريرة، بنحوه.
(2)
"تفسير الطبري" 4/ 46.
(3)
رواه ابن حبان 8/ 39 (3247)، والحاكم 1/ 23 كلاهما من طريق فضيل بن سليمان، عن موسى بن عقبه، به.
(4)
هكذا في الأصل وبالهامش: الكبير.
(5)
هكذا في الأصل، وعبارة ابن بطال: ولو عكس قول الفراء.
قرأ كبير الإثم المراد به كبائر، كان أولى في التأويل بدليل هذِه الآثار الصحاح وبالمتعارف المشهور في كلام العرب وذلك أنه يأتي لفظ الواحد يراد به الجمع، كقوله تعالى:{يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [غافر: 67] وقوله: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285]. والتفريق لا يكون إلا بين اثنين فصاعدًا. والعرب تقول: فلان كثير الدينار والدرهم يريدون الدنانير والدراهم.
وقولهم: إن الصغائر كلها كبائر دعوى، وقد ميز الله بينها وبين ما سماه سيئات من غيرها بقوله:{إِنْ تَجْتَنِبُوا} الآية، وأخبر أن الكبائر إذا جونبت كفر ما سواها، وما سوى الشيء هو غيره، ولا يكون هو، ولا ضد الكبائر إلا الصغائر، والصغائر معلومة عند الأمة، وهي ما أجمع المسلمون على رفع الحرج في شهادة من أتاها، ولا يخفى هذا على ذي لُبٍّ.
وأما احتجاجهم بحديث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة .. " إلى آخره، فلا دلالة فيه أن تلك الكلمة ليست من الكبائر.
ومعنى الحديث: إن الرجل ليتكلم بالكلمة عند السلطان يغريه بعدو له يطلب أذاه، فربما قتله السلطان أو أخذ ماله أو عاقبه أشد عقوبة، والمتكلم بها لا يعتقد أن السلطان يبلغ به كل ذلك فيسخط الله عليه إلى يوم القيامة، وهذا كقوله:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]
(1)
.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 194 - 201.
فصل:
معنى "مَنْعَ وَهَاتِ": منع الواجب وأخذ ما ليس له، ("ووأد البنات") هو قتلها قال تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى} [النحل: 58] وقوله: ("وقيل وقال") كذا روينا بغير صرف، ويروى بالتنوين. قال أبو (عبيد)
(1)
: فيه نحوت غريبة، وذلك أنه جعل القال مصدرًا كأنه قال: هو قيل، يقال: قلت قولًا وقيلة وقالا. ومعناه كثير القول فيما لا يغني، وكثرة السؤال: يحتمل سؤال الناس ما في أيدي الناس، أو السؤال عما لا يغني من العلم.
(1)
في (ص 2): عبيدة.
7 - باب صِلَةِ الوَالِدِ المُشْرِكِ
5978 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، أَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: أَتَتْنِى أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: آصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8]. [انظر: 2620 - مسلم: 1003 - فتح: 10/ 413]
ذكر فيه حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأصِلُهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ ابن عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهَا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} .
(هذا الحديث سلف في الهبة، و)
(1)
صلة الأبوين المشركين مطلوبة بنص القرآن، قال تعالى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]. وعبر ابن بطال عنه بالوجوب، فأمر الله تعالى في هذِه الآية ببرهما ومصاحبتهما بالمعروف وإن كانا مشركين، وقد سلف في الهبة أيضًا، وأسماء هذِه بنت الصديق، زوج الزبير بن العوام وأمها قتيلة
(2)
، وقد ترجم له أيضًا عقب هذا الباب.
(1)
من (ص 2).
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 201.
8 - باب صِلَةِ الْمَرْأَةِ أُمَّهَا وَلَهَا زَوْجٌ
5979 -
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي هِشَامٌ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهْيَ مُشْرِكَةٌ -فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ، إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهْيَ رَاغِبَةٌ [أَفَأَصِلُهَا؟] قَالَ: «نَعَمْ، صِلِى أُمَّكِ» . [انظر: 2620 - مسلم: 1003 - فتح: 10/ 413]
5980 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ -يَعْنِي: النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ. [انظر: 7 - مسلم: 1773 - فتح: 10/ 413]
وذكر معلقًا فقال: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي هِشَام بن عروة، عن أبيه، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَدِمَتْ [أُمِّي]
(1)
وَهْيَ مُشْرِكَةٌ -فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهْيَ رَاغِبَةٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ".
ثم أسند من حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ، [فَقَالَ]
(2)
-يَعْنِي: أي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: يَأمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ.
وفقه هذِه الترجمة أن الشارع أباح لأسماء أن تصل أمها ولها زوج، ولم يشترط في ذلك مشاورة زوجها، ففيه حجة لمن أجاز من الفقهاء أن تتصرف المرأة في مالها وتتصدق بغير إذن زوجها، وقد سلف ما فيه في الهبة وغيرها، وتنفصل عنه بأن النفقة عليها واجبة للأم.
(1)
سقطت من الأصل، والمثبت من اليونينية.
(2)
سقطت من الأصل، والمثبت من اليونينية.
فصل:
قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ} [الممتحنة: 8] الآية. قال مجاهد: هم من آمن وأقام بمكة ولم يهاجر، والذين قاتلوهم في الدين كفار مكة. وقال أبو صالح: خزاعة. وقال قتادة: الآية منسوخة بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وقول سفيان قاله عبد الله بن الزبير
(1)
.
(1)
هذِه الآثار رواها الطبري في "تفسيره" 12/ 62 - 63.
9 - باب صِلَةِ الأَخِ الْمُشْرِكِ
5981 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ حُلَّةَ سِيَرَاءَ تُبَاعُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْتَعْ هَذِهِ، وَالْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا جَاءَكَ الْوُفُودُ. قَالَ:«إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» . فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا» . فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ. [انظر: 886 - مسلم: 2068 - فتح: 10/ 414]
ذكر فيه حديث عمر في الحلة السيراء وقوله: "لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا، ولكن تَبِيعُهَا أَو تَكْسُوهَا". فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ.
وقد سلف (في الهبة)
(1)
، وهو ظاهر لما ترجم له من جواز الهدية والصلة للقريب الكافر.
وقيل: إنه عثمان بن حكيم بن أميه بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فاتح بن ذكوان بن ثعلبة بن بُهية بن سليم حليف بني أمية، وبنته أم سعيد بن المسيب، وأخته خولة بنت حكيم زوج عثمان بن مظعون، ولدت له السائب وعبد الرحمن، ولم يكن أخًا لعمر إنما كان أخًا لأخي عمر- زيد بن الخطاب- لأمه أسماء بنت وهب بن حبيب بن الحارث بن عبس من بني أسد بن خزيمة، وأم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة.
وذكر النسائي وابن الحذاء أنه كان أخا لعمر لأمه
(2)
، والصواب
(1)
من (ص 2) وسلف برقم (2619).
(2)
النسائي 8/ 196 - 197.
ما تقدم من أنه أخ لزيد (بن الخطاب)
(1)
لا لعمر.
وذكر ابن هشام عن ابن إسحاق أن أباه حكيم بن أمية أسلم قديمًا بمكة
(2)
.
(1)
عليها في الأصل: (لا
…
إلى).
(2)
"سيرة ابن هشام" 1/ 309.
10 - باب فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ
5982 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. [انظر: 1396 - مسلم: 13 - فتح: 10/ 414]
5983 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ الْقَوْمُ: مَالَهُ؟ مَالَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرَبٌ مَالَهُ» . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، ذَرْهَا» . قَالَ: كَأَنَّهُ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. [انظر: 1396 - مسلم: 13 - فتح: 10/ 414]
ذكر فيه حديث أبي أيوب: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ.
وفي رواية: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ. فَقَالَ القَوْمُ: مَالَهُ؟ مَالَهُ؟ فَقَالَ عليه السلام: "أَرَبٌ مَالَهُ". فَقَالَ: "تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، ذَرْهَا". قَالَ: كَأَنَّهُ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ.
وقد سلف في أول الزكاة.
والآثار كثيرة في فضل صلة الرحم منها ما ذكره الطبري بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليعمر بالقوم الديار ويكثر لهم في الأموال، وما نظر إليهم حين خلقهم بغضا لهم". قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "بصلتهم أرحامهم"
(1)
. وقال عليه السلام: "إن أعجل الطاعة ثوابًا صلة الرحم حتى إن أهل البيت يكونون فجارًا تنمى أموالهم ويكثر عددهم
(1)
رواه الطبراني 12/ 85 - 86 (12556)، والحاكم 4/ 161 من حديث ابن عباس.
إذا وصلوا أرحامهم"
(1)
، وسأعقد فصلاً لما جاء في (صلة الرحم)
(2)
.
فصل:
قوله: ("أَرَبٌ مَالَهُ") قال في "المجمل" و"الصحاح": أرِب إذا تساقطت أعضاؤه
(3)
، فلعله مثل "تربت يداك" وليس قصده الدعاء عليه بذلك، وهو على هذا بكسر الراء، قاله ابن التين، قال: وأبين من ذلك أنه مشتق من الحاجة تقول منه: أرب بالكسر أيضًا، فكأنه قال: أرب ما حاجته، وضبط الدمياطي بخطه بالفتح.
فصل:
قال عياض: لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها (معصية)
(4)
كبيرة، والصلة درجات، فأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعًا ولو قصر عما يقدر عليه، وينبغي له أن يسمى به واصِلًا. قال: واختلفوا في حد الرحم التي يجب صلتها، فقيل: كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت مناكحتها، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام والأخوال، واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح ونحوه، وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال. وقيل: هو عام في كل رحم من
(1)
رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 19 (1092) من حديث أبي هريرة. وانظر "شرح ابن بطال" 9/ 202.
(2)
في (ص 2): فضله.
(3)
"الصحاح" 1/ 87، "مجمل اللغة" 1/ 93 - 94.
(4)
في الأصل: مصيبة. وبهامشها قال: لعله معصية.
ذوي الأرحام في الميراث، يدل عليه قوله عليه السلام:"ثم أدناك أدناك"
(1)
.
قال: وهذا هو الصواب، يدل عليه قوله في أهل مصر:"فإن لهم ذمة ورحمًا"
(2)
. وقوله: "من البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه"
(3)
مع أنه لا محرمية بينهم.
(1)
"إكمال المعلم" 8/ 20 - 21 والحديث رواه مسلم (2548) كتاب: البر والصلة، باب: بر الوالدين. من حديث أبي هريرة.
(2)
رواه مسلم (2543) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر. من حديث أبي ذر.
(3)
رواه مسلم (2552) كتاب: البر والصلة، باب: فضل صلة أصدقاء الأب والأم. من حديث عبد الله بن عمر.
11 - باب (إِثْمِ الْقَاطِعِ)
(1)
5984 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: إِنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» . [مسلم: 2556 - فتح: 10/ 415]
ذكر فيه حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ".
كذا رواه (من حديث)
(2)
عقيل، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير، عن أبيه به، ورواه سعيد بن عبد الرحمن، عن الزهري زيادة "قاطع رحم"
(3)
.
ومعناه عند أهل السنة: لا يدخلها إن أنفذ الله عليه الوعيد؛ لإجماعهم أن الله في وعيده لعصاة المؤمنين بالخيار، إن شاء عذبهم وإن شاء عما عنهم، ولا شك أن المتعاهدَ رَحِمَهُ بأدنى البر كالسلام ونحوه غيرُ داخل في هذا الوعيد، والوعيد في الذي يقطعهم بالهجرة لهم والمعاداة مع منعه إياهم معروفه ومعونته، روى ابن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، عن عبد الله بن الوليد، عن أبي حجيرة الأكبر أن رجلاً أتاه فقال: إني نذرت ألا أكلم أخي فقال: إن الشيطان وُلد له ولد فسماه نذرًا، وإنه من قطع ما أمر الله به أن يوصل حلت عليه اللعنة
(4)
، وهذا في كتاب الله في قوله:{وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25].
(1)
كذا في (ص 2) واليونينية، ووقع في الأصل: باب: لا يدخل الجنة قاطع.
(2)
من (ص 2).
(3)
رواه الترمذي (1909) عن سعيد بن عبد الرحمن، عن سفيان، عن الزهري به.
(4)
ذكره السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 621 وعزاه لابن أبي حاتم.
12 - باب مَنْ بُسِطَ لَهُ فِي الرِّزْقِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ
5985 -
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» . [فتح: 10/ 415]
5986 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» . [انظر: 2067 - مسلم: 2557 - فتح: 10/ 415]
ذكر فيه حديث أبي هريرة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ (لَهُ فِي رِزْقِهِ)
(1)
وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". وحديث أنس أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ أَحَبَّ .. " الحديث به سواء.
الشرح:
(حديث أنس تقدم في البيوع)
(2)
.
("يُنْسأ") مهموز أي: يؤخر، والأثر هنا الأجل، وسمي الأجل أثرًا؛ لأنه تابع للحياة وسابقها، ولعل معناه: إن مدة عمره، وإن قصرت يكون مثل من عاش زمانا لا يصل رحمه، لما أعطى الله نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام لما تقاصرت أعمار أمته، وإن حملته على ظاهره احتجت إلى تأويل قوله تعالى:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 34] وقوله عليه السلام أن ابن آدم يكتب في بطن أمه أثره (أي)
(3)
أجله ورزقه
(4)
.
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من اليونينية.
(2)
من (ص 2).
(3)
في الأصل (و).
(4)
رواه مسلم (2644) كتاب: القدر، باب: كيفية الخلق الآدمي
…
، من حديث حذيفة بن أُسيد.
وروي عن كعب الأحبار أنه قال لما طعن عمر: لو دعا الله لزاد في عمره، فأنكر ذلك عليه المسلمون واحتجوا بالآية السالفة، وأن الله يقول:{وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] وقيل: إنه يحكم أن عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع، وتسعين إن عصى، فأيهما بلغ فهو في كتابه
(1)
، فعلى هذا يكون الحديث على ظاهره؛ لأن صلة الرحم من الطاعة.
وعبارة الطبري أنه إن فعل ذلك به جزاء له على ما كان له من العمل الذي يرضاه فإنه غير زائد في علم الله شيئًا لم يكن به عالمًا قبل تكوينه، ولا ناقص منه شيئًا، بل لم يزل عالمًا بما في العبد فاعل وبالزيادة التي هو زائد في عمره بصلة رحمه، والنقص الذي هو بقطع رحمه من عمره ناقص قبل خلقه، لا يعزب عنه
(2)
شيء من ذلك
(3)
، وقد سلف ذلك في كتاب البيوع في باب: من أحب البسط في الرزق.
فصل: فيما جاء في فضلها.
روى أبو موسى المديني في "ترغيبه" من حديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"بر الوالدين يزيد في العمر، والكذب ينقص الرزق"
(4)
ثم قال: اختلف على عثمان
(1)
انظر "معاني القرآن" للنحاس 6/ 445 - 446.
(2)
وقع في الأصل بعدها: (مثقال ذرة). وعلم عليها (لا .. إلى).
(3)
انظر "شرح ابن بطال" 9/ 204.
(4)
رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "طبقات المحدثين بأصبهان" 4/ 295 (1055)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 479 بهذا الإسناد. ورواه أيضًا الخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(117) مختصرًا. وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب" بصيغة التمريض مشيرًا لضعفه. "ضعيف الترغيب والترهيب" 2/ 257. وذكره الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (2952) مختصرًا، وقال: إسناده ضعيف. =
فيه، فرواه السري بن مسكين، عنه، عن أبي سهيل بن مالك، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
ورواه داود بن المحبر، عن عباد عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأبي سعيد ببعض معناه
(1)
، ورواه حماد، عن رجل غير مسمى، عن أبي صالح، عن جابر، وعن ابن عباس (يرويان)
(2)
مسندًا عن التوراة: "ابن آدم (اتق ربك)
(3)
بر أبويك وبر والدتك وصل رحمك أمد لك في عمرك" الحديث
(4)
.
وعن ابن عباس بسند عباسي مرفوعًا: "إن صلة الرحم تزيد في العمر"
(5)
.
= وقال الألباني في "الضعيفة"(1429)، وفي "ضعيف الترغيب"(1757)، وفي "ضعيف الجامع" (2327): حديث موضوع.
(1)
رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث"(850)، وفي "إتحاف الخيرة المهرة" 6/ 24 (5240)، وفي "المطالب العالية" 13/ 720 (3308) عن داود بن المحبر، به. قال الحافظ في "المطالب" 13/ 725: هذا الحديث من كتاب "العقل" لداود بن المحبر، وهو حديث موضوع. اهـ بتصرف.
(2)
في الأصل: (يؤثران)، والمثبت من (ص 2)، وفي "عمدة القاري" 18/ 128:(وثوبان) ولعله الصواب ..
(3)
من (ص 2).
(4)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 218 (25381)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 389 عن كعب قال: والذي فلق الحبة والنوى لبني إسرائيل إن في التوراة مكتوب: .. وذكره. وكذا رواه أيضًا هناد في "الزهد" 2/ 426 - 427 (835) بإسناد آخر عن كعب، به. ورواه أبو نعيم في "الحلية" 3/ 150 عن محمد بن المنكدر به.
(5)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 17/ 172 من طريق أحمد بن محمد بن عيسى ابن داود بن عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، نا أبي محمد بن عيسى، حدثني جدي داود بن عيسى، عن أبيه عيسى بن علي، عن علي بن عبد الله عن ابن عباس، مرفوعًا به. =
وروى أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث
(1)
في "سننه" من حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عن علي بن حسين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا:"الصدقة بعشر، والصلة بثمانية عشر، وصلة الاخوان بعشرين، وصلة الرحم بأربعة وعشرين".
قال أبو موسى: وفي الباب عن ابن عمر ومعاوية بن حيدة وأبي أمامة وأم سلمة. وفي حديث زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه رفعه:"من بر والديه طوبى له زاد الله في عمره"
(2)
.
ومن حديث ثوبان مرفوعًا: "لا يزيد في العمر إلا بر الوالدين، ولا يزيد في الرزق إلا صلة الرحم" حديث غريب، والمشهور ما رواه أبو نعيم بإسناده إلى ثوبان مرفوعًا:"لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بذنب يصيبه".
رواه غير واحد عن سفيان
(3)
كذا رواه بعضهم عن أبي نعيم عن سفيان إلى ثوبان
(4)
، ويروى عن سالم بن أبي الجعد وراشد بن سعد، عن
= قلت: لهذا قال المصنف رحمه الله بسند عباسي. والحديث هذا ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(1873).
(1)
هو أبو الحسن الكوفي، نزيل مصر، قال ابن عدي: حمله شدة تشيعه أن أخرج إلينا نسخةً قريبًا من ألف حديث عن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده إلى أن ينتهي إلى علي والنبي صلى الله عليه وسلم، عامتها مناكير. "الكامل" 7/ 565 (1791)، "ميزان الاعتدال" 5/ 152 (8131).
(2)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(22)، والحاكم 4/ 154 وقال: صحيح الإسناد. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4567).
(3)
رواه ابن ماجه (4022)، وأحمد 5/ 280.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 15: وسألت شيخنا أبا الفضل العراقي رحمه الله عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن.
(4)
رواه الطبراني 2/ 100 (1442) عن أبي زرعة الدمشقي، ثنا أبو نعيم به.
ثوبان
(1)
، ذكر الزيادة في العمر من حديث محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال، وسأله عن قوله:{يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] قال: "هي الصدقة على وجهها وبر الوالدين واصطناع المعروف وصلة الرحم تحول الشقاء سعادة، وتزيد في العمر، وتقي مصارع السوء، يا علي ومن كانت فيه خصلة واحدة من هذِه الأشياء أعطاه الله هذِه الثلاث خصال"
(2)
.
وروي عن عمر وابن عباس نحوه من قولهما
(3)
. ورواه الكلبي، عن أبي صالح، عن جابر بن رئاب وابن عباس مرفوعًا
(4)
، ومن حديث عكرمة بن إبراهيم عن زائدة بن أبي الزناد، ثنا موسى بن الصباح، عن عبد الله بن عمرو يرفعه: "إن الإنسان ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فيزيد
(1)
حديث سالم بن أبي الجعد، ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" 2/ 207 - 208 (2113) ونقل عن أبيه وأبي زرعة أنه خطأ، وأن الصحيح: عبد الله بن أبي الجعد. وحديث راشد بن سعد رواه ابن عدي في "الكامل" 2/ 173.
(2)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 145: حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا الحسن بن جرير الصوري، ثنا إسماعيل بن أبي الزناد -من أهل وادي القرى- حدثني إبراهيم -شيخ من أهل الشام- عن الأوزاعي قال: قدمت المدينة فسألت محمد بن علي .. فساقه.
قال أبو نعيم: غريب؛ تفرد به إسماعيل بن أبي الزناد وإبراهيم بن أبي سفيان، قال أبوزرعة: سألت أبا مسهر عنه فقال: من ثقات مشايخنا وقدمائهم. اهـ.
(3)
انظر: "تفسير الطبري" 7/ 399 - 402.
(4)
رواه عن جابر بن رئاب: ابن سعد في "الطبقات" 3/ 574، والطبري في تفسيره 7/ 402 (20487).
ورواه عن ابن عباس الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث"(716)، وكما في "المطالب العالية" 14/ 754 (3643).
وقال البوصيري في "المختصر" 8/ 385 (6460): رواه الحارث، والكلبي ضعيف.
الله في عمره ثلاثين سنة، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فينقص الله عمره حتى لا يبقى فيه إلا ثلاثة أيام" قال أبو موسى: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا بهذا الإسناد.
وعن علي مرفوعًا: "من ضمن لي واحدة أضمن له أربعًا: يصل رحمه يحبه أهله، ويوسع له في رزقه، ويزاد في عمره، ويدخله الله الجنة" حديث حسن من رواية أهل البيت،
(1)
وروي عنه بلفظ: "من سره أن يبسط له في رزقه ويمد له في عمره فليصل رحمه" رواه غير واحد عن عبد المجيد بن أبي رواد، عن ابن جريج، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه
(2)
، ورواه أبو إسحاق
(1)
رواه أبو بكر الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" 5/ 309 (2180) عن علي موقوفًا.
وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" ص 258 وقال: قال في "الذيل": هو من نسخة موضوعة.
(2)
رواه البزار في "البحر الزخار" 2/ 273 - 274 (693) عن علي بن مسلم الطوسي. والصيداوي في "معجم الشيوخ" ص 262 - 264 من طريق أحمد بن حرب، كلاهما عن عبد المجيد، به. قال البزار: وهذا الحديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه، وأعلى ما يروى في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما رواه عنه علي، وقد روي عن علي من طريق آخر، ولا أحسب ابن جريج سمع هذا الحديث من حبيب، ولا نعلم رواه غيره.
وأعله الألباني في "الضعيفة"(5372) بثلاث علل:
الأولى: ما أعله به البزاز أولاً وهو الانقطاع بين ابن جريج وحبيب، وأفاد قائلاً: وليس ذلك لأنه لم يعاصره؛ فإن بين وفاتيهما نحو ثلاثين سنة فقط، ويوم مات ابن جريج كان قد جاوز السبعين، وإنما لأنه كان يدلس وهو معروف بذلك.
الثانية: الانقطاع بين حبيب بن أبي ثابت وعاصم بن ضمرة؛ فإنه موصوف بالتدليس، وقد عنعن.
الثالث: ضعف عبد المجيد بن عبد العزيز.
السبيعي [عن حبيب]
(1)
عن عاصم
(2)
، وقيل: عن أبي إسحاق عن عاصم نفسه
(3)
.
وفي حديث الفرج بن فضالة، ثنا هلال بن جبلة عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في صفة بالمدينة فقال: "إنى رأيت البارحة عجبًا رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه رد ملك الموت عنه"، وذكر حديثًا طويلًا
(4)
، حديث حسن جدًا (ورواه عن
(1)
ساقطة من الأصول، والصواب إثباتها.
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 219 (7948).
(3)
رواه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" 1/ 143، وابن عدي في "الكامل" 5/ 395 من طريق محمد بن عباد المكي عن عبد الله بن معاذ الصنعاني.
ورواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق"(270)، والطبراني في "الأوسط" 3/ 233 - 234 (3014)، وابن عدي 8/ 415، والحاكم في "المستدرك" 4/ 160، وابن بشران في "الأمالي" 2/ 337 (1637)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 219 (7949) من طريق هشام بن يوسف. كلاهما (محمد، وهشام) عن معمر، عن أبي إسحاق، به. قال ابن عدي 8/ 415: لا أعلم يرويه عن معمر بهذا الإسناد غير هشام بن يوسف، وعبد الله بن معاذ الصنعاني، وهشام بن يوسف هذا له أحاديث حسان وغرائب، وقد روى عنه الأئمة من الناس وهو ثقة. اهـ.
وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 152: رواه عبد الله بن أحمد والبزار والطبراني في "الأوسط"، ورجال البزار رجال الصحيح، غير عاصم بن ضمرة وهو ثقة.
وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند"(1212): إسناده صحيح. وانظر: "الضعيفة"(5372)، و"ضعيف الترغيب والترهيب" (1488) وقد قال المنذري: رواه عبد الله بن أحمد في "زوائده" والبزار بإسناد جيد والحاكم. اهـ. والله أعلم.
(4)
رواه من هذا الطريق ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 208 - 210 (1165) ووقع عنده: هلال أبو جبلة، ووقع هنا: هلال بن جبلة، وترجمة ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 9/ 77 (307) فقال أيضًا: هلال أبو جبلة. والله أعلم. =
سعيد أيضًا عمر بن ذر)
(1)
وعلي بن زيد بن جدعان
(2)
.
قلت: ورواه أبو زكريا
(3)
في "تاريخ الموصل" من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب مختصرًا.
ورواه الترمذي في "نوادره" من حديث عبد الرحمن بن عبد الله، عن ابن المسيب
(4)
.
= قال ابن الجوزي: حديث لا يصح؛ فيه: هلال أبو جبلة وهو مجهول، وفيه الفرج ابن فضالة قال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويلزم المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة لا يحل الاحتجاج به.
(1)
وقع في الأصل: (ورواه سعيد أيضًا عن عمر بن ذر).
(2)
رواه ابن حبان في "المجروحين" 3/ 43 - 44، والدقاق في "مجلس إملاء في رؤية الله تبارك وتعالى"(250)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1166) من طريق مخلد بن عبد الواحد الأزدي. ورواه الطبراني في "الأحاديث الطوال"(39) من طريق الوزير بن عبد الرحمن. كلاهما عن علي بن زيد بن جدعان، به مطولاً أيضًا. قال ابن الجوزى: لا يصح؛ علي بن زيد، قال أحمد ويحيى: ليس بشيء، وقال أبوزرعة: يهم ويخطئ، فاستحق الترك، وفيه مخلد بن عبد الواحد، قال ابن حبان: منكر الحديث جدًا ينفرد بمناكير لا تشبه أحاديث الثقات. قلت: والوزير بن عبد الرحمن ترجمه العقيلي في "الضعفاء" 4/ 331 (1939) وقال: حديث غير محفوظ. وانظر: "ميزان الاعتدال" 6/ 7 (9346)، و"لسان الميزان" 6/ 219.
(3)
هو الإمام الحافظ الفقيه القاضي، أبو زكريا، يزيد بن محمد بن إياس الأزدي الموصلي مؤلف "تاريخ الموصل" وقاضيها، وكان يعرف بابن زكوة، توفي قريبًا من سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة.
انظر ترجمته في: "معجم الشيوخ" للصيداوي (373)، "وتاريخ الإسلام". 25/ 210 (368)، و"سير أعلام النبلاء" 153/ 386 (209) وفي الأخير قال المحقق عن كتاب "تاريخ الموصل" هذا: طبعت لجنة إحياء التراث الإسلامي الجزء الثاني منه في القاهرة عام 1967 م. وهو الجزء الموجود، أما الأول والثالث فمفقودان.
(4)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" كما في "تفسير ابن كثير" 8/ 211 - 212 من هذا الطريق. وانظر: "ضعيف الجامع"(2086).
ورواه أبو نعيم في تاريخ بلده من حديث يحيى بن سعيد عنه بنحوه
(1)
.
قال أبو القاسم الجُوزي: ويعارضه حديث ابن مسعود وحذيفة بن أَسِيد "ثم يؤمر بأربع" منها "أجله""فلا يزاد عليها ولا ينقص"
(2)
.
والجمع بينهما أن الله إذا أراد أن يخلق (النسمة)
(3)
(قال)
(4)
: فإن كان منها الدعاء رد عنها كذا وكذا وإلا نزل بها كذا وكذا، وكذلك أجلها إن برت والديها فكذا وإلا فكذا، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص، ومثل ذلك ما في الحديث:"لا يرد القضاء إلا الدعاء"
(5)
.
وقال أبو الليث السمرقندي في "تنبيهه": اختلفوا في زيادة العمر، فقالوا: هو أن يكتب ثوابه بعد موته فكأنه زيد في عمره، وقال غيره: هو أن يرزق السهر من غير أرق فيعمل بطاعة الله فيها، وقيل: إنه في علم الله كذا إن فعل كذا، وفي اللوح المحفوظ كذا وكذا فإن فعل ما في علم الله زيادة على ما في اللوح وإلا فلا.
وقيل: هو أن يترك ولدًا صالحًا أو علمًا ينتفع به، وهذا رويناه في "معجم الطبراني" من حديث مسلمة بن عبد الله الجهني، عن عمه أبي
(1)
"أخبار أصبهان" 2/ 332.
(2)
حديث ابن مسعود سلف برقم (3208)، ورواه مسلم (2643)، وحديث حذيفة رواه مسلم (2644) كتاب: القدر، باب: كيفية الخلق الآدمي.
(3)
في (ص 2): البشر.
(4)
من (ص 2).
(5)
رواه الترمذي (2139) من حديث سلمان الفارسي. وحسنه الألباني في "الصحيحة"(154).
مشجعة بن ربعي الجهني، عن أبي الدرداء مرفوعًا: "إن الله لا يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها (وإنما)
(1)
زيادة العمر ذرية صالحة يرزقها العبد يدعون له بعد موته فيلحقه دعاؤهم في قبره"
(2)
.
ورواه ابن منده في "الأحوال والأمن من الأهوال" بإسناده من حديث جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا قال عليه السلام:"فذلك زيادة العمر".
وقال ابن الجوزي: المراد: الزيادة في العمر من سعة الرزق وصحة البدن، فإن الغنى يسمى حياة والفقر موتًا.
وقيل: هو أن يكتب أجله مائة سنة، ويجعل تزكيته بعمر ثمانين فإذا وصل رحمه زاده الله في تزكيته فعاش عشرين سنة أخرى. وقيل: هو أن يبارك في أجله بتوفيق صاحبه لفعل الخير وبلوغ الأغراض فينال في قصر عمره ما لا يناله غيره في طويله.
وقال ابن فورك: معناه نفي الآفات والزيادة في الفهم والعقل
(3)
.
(1)
في الأصل (وأما) والمثبت من (ص 2) و"المعجم "الأوسط" (3349).
(2)
"المعجم "الأوسط" 3/ 343 (3349).
ورواه أيضًا العقيلي في "الضعفاء" 2/ 134، وابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" 8/ 321، و 11/ 313، وابن عدي في "الكامل" 4/ 285 - 286 وضعفه العقيلي، وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 195 - 196: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه سليمان بن عطاء وهو ضعيف.
وضعف الحافظ إسناده في "الفتح" 10/ 416.
وقال الألباني في "الضعيفة"(1543، 5323): حديث منكر.
(3)
"مشكل الحديث" ص 326.
13 - باب مَنْ وَصَلَ وَصَلَهُ اللهُ
5987 -
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَهْوَ لَكِ» . قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} . [محمد: 22].
5988 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ» . [مسلم: 2554 - فتح: 10/ 417]
5989 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الرَّحِمُ شِجْنَةٌ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ» . [مسلم: 2555 - فتح: 10/ 417]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هذا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ، (أَمَا)
(1)
تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى
(1)
في الأصل: ألا، والمثبت من اليونينية.
يَا رَبِّ. قَالَ: فَهْو لَكِ". قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} " الآية.
ثانيها:
حديث أبي هريرة أيضًا رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللهُ عز وجل: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ".
ثالثها:
حديث عائشة رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ الله: الرَّحِمُ شِجْنَةٌ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ".
قال الطبري: معنى وصل الله عبده إذا وصل رحمه بعطفه عليه بفضله، إما في عاجل دنياه أو آجل آخرته، والعرب تقول إذا تفضل رجل على آخر بمال أو وهبه: وصل فلان فلانًا بكذا. وتسمي العطية صلة، فتقول: وصلت إلى فلان صلة فلان. وكذلك قوله تعالى في الرحم: "من وصلها". يعني: وصلته بفضلي ونعمي.
وصلة العبد (رحمه)
(1)
فبعطفه على ذوي أرحامه من قبل أبيه وأمه بتواصل فضله.
فإن قلت: أفما يكون المرء واصلًا رحمه إلا بتعطفه عليهم بفضل ماله، قيل: البر (بالأرحام)
(2)
مراتب ومنازل، وليس (ممن)
(3)
يبلغ أعلى تلك المراتب يستحق اسم قاطع كما من لم يبلغ أعلى منازل الفضل يستحق اسم الذم، فواصل رحمه بماله يستحق اسم واصل،
(1)
في الأصل: ربه.
(2)
في الأصل: والأرحام. والمثبت من "شرح ابن بطال" وهو أفصح.
(3)
كذا بالأصل، ولعل الصواب: من لم.
وواصلها بمعونته ونصرته يستحق اسم واصل، وقد بين ذلك قوله عليه السلام:"بلو أرحامكم ولو بالسلام"
(1)
. فأعلم أمته أن المتعاهد لرحمه ولو بالسلام خارج من معنى القاطع وداخل في معنى الواصل، (فواصلها)
(2)
بما هو أعلى وأكثر أحق أن يكون خارجًا من معنى القاطع.
فصل:
والشجنة: أصلها بالكسر والضم، شعبة من غصون الشجر. ومعناه: قرابته مشبكة بعضها ببعض، قاله أبو عبيد
(3)
. وقال غيره: يقال هذا شجر متشجن إذا التف بعضه ببعض، ومنه الحديث المتقدم ذو شجون، أي: يدخل بعضه في بعض.
وقال الطبري: [الشجنة]
(4)
الفعلة من قولهم: شجن فلان على فلان إذا حزن عليه فشجن عليه شجنًا، والمعنى: أن الرحم حزينة مستعيذة بالله تعالى من القطيعة
(5)
.
وقال ابن التين: "شجنة من الرحمن"(مشتقة)
(6)
منه بمعنى أنها قرابة (من الله)
(7)
، مشتبكة كاشتباك العروق، بالضم وبه قرأناه،
(1)
رواه البيهقي في "الشعب" 6/ 226 - 227 (7972)، (7973) من حديث سويد بن عامر، وأنس بن مالك.
(2)
مكررة بالأصل.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 129.
(4)
ساقطة من الأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(5)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 205 - 206.
(6)
في الأصل: مشعبة.
(7)
من (ص 2).
وبالكسر وأصله: الغصن من أغصان الشجر يقال فيه.
قال ابن العربي في "سراجه": وأما قول أبي عبيد: الشجن قرابة مشتبكة، فغير صحيح؛ لأنه لا قرابة بين الله والعبد، إنما الشجون في المحسوس هي الأغصان في الشجر والعروق في البدن، وفي العقول معاني الحديث الذي يتعلق بعضها ببعض، ففي المحسوس اتصال بعضها ببعض في حيز وتمامها في مكان، وفي العقول ارتباط بعضها ببعض، فارتباطها بالرحمن إنما هو بالدلالة والأمر بحفظها منه.
وقال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يخلو معناه من أحد شيئين: إما أن يراد أن الله يرعى الرحم أو يراد أن الرحم بعض حروف الرحمن، فكأنه عظم قدرها بهذا الاسم.
14 - باب يَبُلُّ الرَّحِمَ بِبَلَالِهَا
5990 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: «إِنَّ آلَ أَبِي -قَالَ عَمْرٌو: فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بَيَاضٌ -لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ". زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا» . يَعْنِي: أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا. [مسلم: 215 - فتح: 10/ 419]
ذكر فيه حديث قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عمرو بن العَاصِ قَالَ: سمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: "إِنَّ آلَ أَبِي (فلان)
(1)
-قَالَ عَمْرٌو: فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بَيَاضٌ يعني: الراوي عن شعبة- لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ". زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عمرو: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "ولكن لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا".
الشرح:
في مسلم "ألا إن [آل]
(2)
أبي فلان" قيل: إن المكني عنه الحكم بن أبي العاص، والبلال: جمع بلل أطلقوا النداوة على الصلة كما أطلقوا اليبس على القطيعة؛ لأن بعض الأشياء تتصل وتختلط بالنداوة، ويقع بينهما التجافي والتفرق باليبس، فاستعاروا البلل لذلك، وقال القاضي: ببلالها بكسر الباء
(3)
. يقال: بللت رحمي بلًّا وبلالًا
(1)
مثبتة من هامش الأصل وعليها علامة: (خـ) أي: نسخة.
(2)
ليست في الأصل، والمثبت من "صحيح مسلم".
(3)
"مشارق الأنوار" 1/ 89.
وبللاً، قال الأصمعي: أي وصلتها وبدأتها بالصلة، وإنما شبهت قطيعة الرحم بالحرارة تطفئ بالبرد وقال الخطابي: بلالها بالفتح كالملال. وقال الهروي: البلال جمع بلل
(1)
، كجمل وجمال.
وقال ابن بطال: أبلها بمعروفها، والبل هو الترطيب والتندية بالمعروف، وشبه صلة الرحم بالمعروف بالشيء اليابس يندى فيرطب، وذلك أن العرب تصف الرجل إذا وصفته باللؤم بجمود الكف، فتقول: ما يندى كفه بخير وإنه لحجر صلد يعني: أنه لا يرجي نائله ولا يطمع في معروفه كما لا يُرجى من الحجر الصلد ما يشرب، فإذا وصل الرجل رحمه بمعروفه، قالوا: بل رحمه بلا وبلالا. قال الأعشى:
وَوِصالِ رِحمٍ قَد نَضَحتَ بِلالَها
وإنما ذلك تشبيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم صلة الرجل رحمه بالنار يصب عليها الماء فَتُطْفَأ. قال المهلب: فقوله "لكن لهم رحم أبلها ببلالها"، هو الذي أمره الله في كتابه فقال:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] فلما عصوه وعاندوه دعا عليهم فقال: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف"
(2)
فلما مسهم الجوع أرسلوا إليه قالوا: يا محمد، إنك بعثت بصلة الرحم، وإن أهلك قد جاعوا، فادع الله لهم، فدعا لهم بعد أن كان دعا عليهم فوصل رحمه فيهم بالدعاء لهم، وذلك مما لا يقدح في دين الله، ألا ترى صنعه عليه السلام فيهم إذ غلب عليهم يوم الفتح، كما أطلقهم من الرق الذي كان توجه إليهم فسموا بذلك الطلقاء، ولم ينتهك حريمهم ولا استباح أموالهم ومنَّ عليهم، وهذا كله من
(1)
ذكره ابن الأثير في "النهاية" 1/ 153 وعزاه لأبي موسى المديني.
(2)
سلف برقم (4774)، كتاب التفسير، باب: سورة الروم.
البلال
(1)
.
وذكره ابن التين بلفظ: "أبلها ببلائها" قال: وكذا وقع و (بلالها) أجود وأصح، و (بلائها) لا أعرف له وجهًا.
قال الداودي: وجهه يحتمل ما نال منهم من الأذى، قال: وهذا لا يكون إلا في الكفار، قال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128].
وقال ابن التين: هذا الذي ذكره الداودي غير ظاهر؛ لأن البلاء ممدود ولا يقال في ذلك أنه عليه السلام قال: لهم رحم أبلها بالأذى وإنما هو بلالها، وقد تفتح الباء -كما قرأناه- وكذا هو في أكثر النسخ، وفي بعضها بالكسر، وكذا ضبطه الجوهري قال: انضحوا الرحم ببلالها، أي: صلوها بصلتها ونَدُّوها، ويقال: لا تبُلُّل عندي بَلَالِ، مثل قَطَامِ
(2)
. يريد أنه مبني على الكسر.
قال الخطابي: وقد يتأول ذلك على الشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيامة
(3)
[، وقال الداودي: أتى إليهم من الخير ما ينبغي أن يفعل في الرحم.
فصل:
قال المهلب: قوله: "إِنَّ آلَ أَبِي لَيْسُوا بِأَوْليَاء -يعني بأوليائي-، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ"، فأوجب الولاية بالدين ونفاها عن أهل رحمه، إذ لم يكونوا من أهل دينه، فدل بذلك أن النسب محتاج إلى الولاية التي بها تقع الموارثة بين المتناسبين والأقارب، فإن لم
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 207 - 208.
(2)
"الصحاح" 4/ 1639، مادة (بلل).
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2168.
يكن (دين)
(1)
يجمعهم لم تكن ولاية ولا موارثة، ودل هذا أن الرحم التي تضمن الله تعالى أن يصل من وصلها ويقطع من قطعها، إنما ذلك إذا كان في الله وفيما شرع، وأما من قطعها في الله وفيما شرع فقد وصل الله والشريعة، فاستحق صلة الله بقطعه من قطع الله، قال تعالى:{لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ على الْإِيمَانِ} [التوبة: 23]، وقال:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] فكيف بمن لم يؤمن؟!
(2)
فصل:
وقوله: (وقال عمرو: في كتاب محمد بن جعفر بياض)، إنما نبه عليه؛ ليعرف أنه ترك الاسم، وقد عرفه وسكت عنه؛ لئلا يؤذي به المسلم من أبنائهم كما روي أن عمر كان إذا لقي عكرمة بن أبي جهل سب أباه، فقال له عليه السلام:"لا تسب الميت تؤذِ به الحيَّ" قاله الداودي.
(وقال عبد الحق في "جمعه": الصحيح في ضبط هذا الحرف بياض برفع الضاد وأراد أن في كتاب محمد بن جعفر موضعًا أبيض لم يكتب ولا يعرف أيضًا في قريش في ذلك الوقت ولا غيرهم بنو بياض إلابني بياضة في الأنصار.
وقوله عليه السلام: ("لكن لَهُمْ رَحِمٌ") دليل على أنهم كانوا من بني عبد مناف أو من غيرهم من قريش)
(3)
.
وقوله: ("آلَ أَبِي") لعله يريد أكثرهم، قال الخطابي: والولاية التي
(1)
من (ص 2).
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 206 - 207.
(3)
من (ص 2).
نفاها ولاية القرب والاختصاص لا الدين
(1)
. وقوله هذا يخالف ما ذكره الداودي؛ لأن الأذى لأبناء المسلمين (لا يكون)
(2)
لانتفاء القرابة، وقول الداودي أقوى وأولى، كما نبه عليه ابن التين.
("وصالح المؤمنين") قال قتادة: أبو بكر. وقال الثوري: الأنبياء. وقال عكرمة وسعيد بن جبير: أبو بكر وعمر. وقال مجاهد: هو علي رضي الله عنه.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 2168.
(2)
من (ص 2).
15 - باب لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِيِ
5991 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ وَالْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو وَفِطْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -قَالَ سُفْيَانُ: لَمْ يَرْفَعْهُ الأَعْمَشُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعَهُ حَسَنٌ وَفِطْرٌ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» . [فتح: 10/ 423]
ذكر فيه من حديث سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ وَالْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو وَفِطْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -وقَالَ سُفْيَانُ: لَمْ يَرْفَعْهُ الأَعْمَشُ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَرَفَعَهُ الحسنُ وفِطْرُ- عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم "لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، ولكن الوَاصِلُ الذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا".
يريد: ليس الواصل رحمه من وصلهم مكافأة لهم على صلة تقدمت منهم إليه فكافأهم عليها بصلة مثلها، وقد روي هذا المعنى عن عمر رضي الله عنه، روى عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع عكرمة يحدث، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس الوصل أن تصل من وصلك، ذلك القصاص، ولكن الوصل أن تصل من قطعك
(1)
، وهذا حقيقة الوصل الذي وعد الله عباده عليه جزيل الأجر، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد: 21] الآيات.
(1)
"جامع معمر" 10/ 438 (19629).
16 - باب مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ
5992 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ قَالَ حَكِيمٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ» . وَيُقَالُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْيَمَانِ: أَتَحَنَّتُ. وَقَالَ مَعْمَرٌ وَصَالِحٌ وَابْنُ الْمُسَافِرِ: أَتَحَنَّثُ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: التَّحَنُّثُ: التَّبَرُّرُ، وَتَابَعَهُمْ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ. [انظر: 1436 - مسلم: 123 - فتح: 10/ 424]
ذكر فيه حديث حكيم بن حزام: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولُ اللهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فقَالَ:"أَسْلَمْتَ على مَا سَلَفَ لك مِنْ خَيْرٍ". وَيُقَالُ أَيْضًا عَنْ أَبِي اليَمَانِ: أتحنت. وَقَالَ مَعْمَرٌ وَصَالِحٌ وَابْنُ المُسَافِرِ: أَتَحَنَّثُ. وَقَالَ ابن إِسْحَاقَ: التَّحَنُّثُ: التَّبَرُّرُ. تَابَعَهُمْ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ.
هذا الحديث سلف في الزكاة، وفيه: تفضل الله على من أسلم من أهل الكتاب، وأنه يعطي (الكافر)
(1)
ثواب ما عمله في الجاهلية من أعمال البر، وهو مثل قوله:"إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة كان زلفها"
(2)
فهذا -والله أعلم- ببركة الإسلام وفضله.
وقوله: (كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا)، هو بالمثلثة، أي: أتعبد وأتبرر، كقول ابن إسحاق في الأصل، وأما (أتحنت) بالمثناة فوق، فلا أعلم له وجهًا.
(1)
من (ص 2).
(2)
سلف معلقًا برقم (41) كتاب: الإيمان، باب: حسن إسلام المرء، من حديث أبي سعيد الخدري، ووصله النسائي 8/ 105 - 106.
قال بعض العلماء: لا يمتنع أن يجازي من أسلم على ما فعل من الخير في حال كفره، وقد روي عنه عليه السلام، فذكر الحديث السالف.
وقوله: (مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ) قال الداودي: فيه أن من أعتق كافرًا ثم أسلم يكون له ولاؤه، وهذا لا يؤخذ من هذا الحديث.
قال: وفيه جواز عتق الكافر، وهذا نحو الأول، إلا أن الغالب أن المعتِق كافر.
17 - باب مَنْ تَرَكَ صَبِيَّةَ غَيْرِهِ حَتَّى تَلْعَبَ بِهِ، أَو قَبَّلَهَا أَو مَازَحَهَا
5993 -
حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«سَنَهْ سَنَهْ» . قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَهْيَ بِالْحَبَشِيَّةِ: حَسَنَةٌ. قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أَبِي. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«دَعْهَا» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي» . قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ. يَعْنِي مِنْ بَقَائِهَا. [انظر: 3071 - فتح: 10/ 425]
ذكر فيه حديث أم خالد: "سَنَهْ سَنَهْ". وقد سلف، وفي آخره "أبلي وأخلقي" ثلاثًا، قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر.
وسلف أن "أخلقي" بالقاف والفاء، لأبي ذر والمروزي بالفاء، ولغيرهما بالقاف، من إخلاق الثوب، ومعناه: أن تلبسيه خلقة بعد بلاه، يقال: خلف الله لك خلفًا بخير، وأخلف عليك خيرًا، أي: أبدلك بما ذهب منك، وعوضه عنه.
وقيل: إذا ذهب للرجل ما يخلفه كالمال والولد أخلف الله لك وعليك، وإذا ذهب ما لا يخلفه كالأب والأم، قيل:(خلف)
(1)
الله عليك.
وقوله: (حتى ذكر) وفي نسخة: (دكن) وهو لأبي الهيثم -أعني: بالنون- وهو الذي رجح أبو ذر، ولأكثر الرواة:(حتى ذكر) بالراء، زاد في رواية ابن السكن:(ذكر دهرًا)، ومعنى دكن: اسود لونه، والدكنة غبرة كدرة، والأشبه بالصحة رواية ابن السكن، قصد ذكر
(1)
في (ص 2): (أخلف).
طول المدة، ونسي تحريرها، فعبر أنه ذكر دهرًا، ودكن يدكن دكنًا فهو أدكن بيّن الدكنة. وقال ابن التين: قوله: (فبقيت حتى ذكر) يقول إلى زمن طويل، فيحتمل أي: إلى ذكره؛ لأن (حتى) بمعنى (إلى أن)(فتعارض)
(1)
أن، وذكر مصدرًا، ثم ذكر رواية (دكن).
وفيه من الفقه: جواز مباشرة الرجل الصغيرة التي لا يشتهى مثلها وممازحتها، وإن لم تكن منه بذات محرم؛ لأن لعب (أم)
(2)
خالد وهي صبية -بمكان خاتم النبوة من جسده الكريم صلى الله عليه وسلم مباشرة منها له، ومباشرتها له كمباشرته لها، وتقبيله إياها.
ولو كان ذلك حرامًا لنهاها كما نهى الحسن بن علي وهو صغير عن أكل التمرة الساقطة خشية الصدقة
(3)
، وقد اختلف أصحاب مالك في هذا الأصل في الصبية الصغيرة تموت هل يغسلها الرجل غير ذي المحرم منها؟ فقال أشهب: لا بأس أن يغسلها إذا لم تكن ممن تشتهى لصغرها، وهو قول عيسى بن دينار، وقال ابن القاسم: لا يغسلها بحال، وقول أشهب وعيسى يشهد له هذا الحديث
(4)
.
فصل:
قولها: (فزبرني أبي) أي: انتهرني، وقوله:("ثم أبلي وأخلقي").
قال الداودي: فيه أن ثم تأتي للمقاربة والتراخي، وأباه بعض النحويين وقالوا: لا تأتي إلا للتراخي، وليس في الحديث أنها للمقاربة؛ لأنه قال:"أبلي" هذا القميص الأصفر، "وأخلقي ثم أبلي". الإبلاء بعد
(1)
في (ص 2): (فتقدير).
(2)
مكررة بالأصل.
(3)
سلف برقم (1491) كتاب: الزكاة، باب: ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 554، "شرح ابن بطال" 9/ 210.
مدة من الخلق. قال ابن التين: وما علمت أن أحدًا من النحويين قال (ثم) للمقاربة، إنما قالوا: هي للترتيب بالمهلة.
قال: وأخلقي ثلاثيٌّ، تقول: خلق الثوب إذا بلي ورقعته، فمعناه يرقع ثلاث مرات هكذا اللغة، وقرئ أَخلفي بفتح الهمزة من أخلف الله عليك أي: رد مثله إذا بلي، وقد سلف.
فصل:
بوب عليه البخاري (القبلة)، وليس فيه ذلك إلا أن يكون أخذه من القياس، فإنه لما لم ينهها عن مس جسده صار كالتقبيل.
18 - باب رَحْمَةِ الْوَلَدِ وَتَقْبِيلِهِ وشمه وَمُعَانَقَتِهِ
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ.
5994 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لاِبْنِ عُمَرَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا، يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم! وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا» . [انظر: 3753 - فتح: 10/ 426]
5995 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ:«مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» . [انظر: 1418 - مسلم: 2629 - فتح: 10/ 426]
5996 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ، فَصَلَّى فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا. [انظر: 516 - مسلم: 543 - فتح: 10/ 426]
5997 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيٌّ جَالِسًا. فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا. فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ» . [مسلم: 2318 - فتح: 10/ 426]
5998 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ؟!» . [مسلم: 2317 - فتح: 10/ 426]
5999 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» . قُلْنَا: لَا وَهْيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ: «اللهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» . [مسلم: 2754 - فتح: 10/ 426].
وقال ثابت عن أنس: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمَّهُ. وهذا سلف عنده مسندًا
(1)
.
ثم ذكر في الباب أحاديث:
أحدها:
حديث مهدي -وهو ابن ميمون- ثَنَا ابن أَبِي يَعْقُوبَ- وهو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي البصري، من أفراد البخاري، عَنِ ابن أَبِي نُعْمٍ -وهو عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي الكوفي أبو الحكم، (قال: أبو نعيم)
(2)
كان ابن أبي نعم يمكث خمسة عشر يومًا لا يأكل، روى له الجماعة- قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لاِبْنِ عُمَرَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ البَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ. قَالَ: انْظُرُوا إِلَى هذا، يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ البَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم! وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا".
(1)
سلف برقم (1303).
(2)
من (ص 2).
كذا هو "ريحانتاي" وهو الصواب، وذكره ابن التين بلفظ: ريحاني، (قال ابن بطال)
(1)
: ريحانتاي
(2)
.
والمعنى: أنه من رزق الله تعالى، وفي الحديث: الولد من ريحان الله
(3)
، والريحان الرزق معروف.
الثاني:
حديث عائشة رضي الله عنها: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ ومَعَهَا ابنتَانِ تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابنتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ:"مَنْ بُلِيَ مِنْ هذِه البَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ".
يريد أن أجر القيام عليهن أعظم من أجر القيام على البنين، إذ لم يذكر مثل ذلك في حقهم، وذلك -والله أعلم- لأجل أن مؤنة البنات والاهتمام بأمورهن أعظم من أمور البنين؛ لأنهن عورات لا يباشرن أمورهن، ولا يتصرفن تصرف البنين.
وقوله: ("من بُلي")
(4)
هو بالباء المضمومة، كذا نحفظه، وذكره ابن بطال بالمثناة تحت، وكتبه في الحاشية بالموحدة
(5)
.
(1)
في (ص 2): (وصوابه).
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 210. وفيه (ريحانتي).
(3)
رواه الترمذي (1910)، وأحمد 6/ 409 من حديث خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو محتضن أحد ابني ابنته، وهو يقول: "
…
وإنكم لمن ريحان الله،
…
".
(4)
في هامش الأصل: قال ابن قرقول: (من بلي) كذا هو، وذكر البخاري في باب رحمة الولد:"من يلي" وصوابه: (بلي) وكذلك وقع في الزكاة "من بلي" ورواه مسلم: "من ابتلي" وكذا في الترمذي، وهذا يرفع الاختلاف.
(5)
في "شرح ابن بطال" 9/ 213 (بُلي) بالموحدة.
الحديث الثالث:
حديث أبي قتادة في قصة أمامة وقد سلفت، وفيه: حملها على العاتق حتى في الصلاة، وقد سلف أنها كانت فرضًا.
الحديث الرابع:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جالس، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا. فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ".
الخامس:
حديث عائشة رضي الله عنها: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أتُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟! فَمَا نُقَبِّلُهُمْ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَوَ أَمْلِكُ أَنْ (كان الله)
(1)
نَزَعَ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ؟! ".
السادس:
حديث عمر رضي الله عنه: قُدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلَّبَ ثَدْيهَا تَسْقِي، إِذَ وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَتَرَوْنَ هذِه طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ ". قُلْنَا: [لا]
(2)
وَهْيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ: "لله أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هذِه بِوَلَدِهَا".
وقوله: (تَحْلَّبَ)، هو بفتح أوله، واللام مشددة أي تَيسَّرَ للحلاب، ولا شك أن رحمة الصغير ومعانقته وتقبيله والرفق به من الأعمال التي
(1)
في (ص 2): (نزع الله).
(2)
سقطت من الأصول وأثباتها أولى فهي الجواب.
يرضاها الله ويجازي عليها، ألا ترى قوله للأقرع بن حابس حين ذكر ما ذكر:"من لا يرحم لا يرحم"، فدل على أن تقبيل الولد الصغير وحمله والتحفي به مما يستحق به رحمة الله، ألا ترى حمله عليه السلام أُمامة على عاتقه في الصلاة، وهي أفضل الأعمال عند الله، وقد أمر عليه السلام بلزوم الخشوع فيها والإقبال عليها، ولم يكن حمله لها في الصلاة مما يضاد الخشوع المأمور به فيها، وكره أن يشق عليها لو تركها ولم يحملها في الصلاة، وفي فعله ذلك أعظم الأسوة لنا، فينبغي الاقتداء به في رحمة صغار الولد وكبارهم، والرفق بهم، ويجوز تقبيل الولد الصغير في سائر جسده.
وروى جرير عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالحسن بن علي ففرج بين فخذيه وقبل زُبَيْبَتَهُ
(1)
. وأما تقبيل كبار الولد وسائر الأهل فقد رخص في ذلك العلماء.
قال أشهب: سُئل مالك عن الذي يقدم من سفره فتلقاه ابنته تقبله أو أخته أو أهل بيته، قال: لا بأس بذلك وهذا على وجه الرقة، وليس على وجه اللذة وقد كان عليه السلام يقبل ولده وبخاصة فاطمة، وكان الصديق يقبل عائشة، وقد فعل ذلك أكثر الصحابة، وذلك على وجه الرحمة
(2)
.
(1)
رواه ابن عدي في "الكامل" 7/ 175 من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل، عن جرير به. وقابوس هذا هو ابن أبي ظبيان، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وضعفه النسائي وابن معين، وقال أبو حاتم: لين يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له. انظر "الجرح والتعديل" 7/ 145 (808)، "المجروحين" 2/ 215، "الكامل" 7/ 172 (1589)، "ميزان الاعتدال" 4/ 287 (6788).
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 212.
وفي حديث ابن عمر من الفقه أنه يجب على المرء أن يقدم (تعليم)
(1)
ما هو أوكد عليه من أمر دينه، وأن (يبدأ)
(2)
بالاستغفار والتوبة من أعظم ذنوبه، وإن كانت التوبة من جميعها فرضًا عليه، فهي من الأعظم أوكد، ألا ترى ابن عمر أنكر على السائل سؤاله عن حكم دم البعوض، وتركه الاستغفار والتوبة من دم الحسين، وقرعه به دون سائر ذنوبه لمكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(1)
في الأصل: بعد.
(2)
في الأصل: يبدله، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(3)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 212 - 213.
19 - باب جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ
6000 -
حَدَّثَنَا الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ» . [6469 - مسلم: 2752 - فتح: 10/ 431]
ذكر فيه حديث (الزهري عن سعيد، عن)
(1)
أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ في مِائَةِ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ".
هذا الحديث ذكره أيضًا في باب الرجاء والخوف من كتاب الزهد، بلفظ:"إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة".
قال المهلب: وهذِه الرحمة التي خلقها لعباده وجعلها في نفوسهم، والتي أمسك عند نفسه هي ما يتراحمون به يوم القيامة، (ويتغافرون)
(2)
من التباعات التي كانت بينهم في الدنيا، وقد يجوز أن يستعمل تلك الرحمة المخلوقة فيهم فيرحمهم بها سوى رحمته التي وسعت كل شيء، التي لا يجوز أن تكون مخلوقة وهي صفة من صفات ذاته لم يزل موصوفًا بها، فهي التي يرحمهم بها زائدًا على الرحمة التي خلقها لهم، وقد يجوز أن تكون الرحمة التي أمسكها عند نفسه هي
(1)
من (ص 2).
(2)
في الأصل: (يتغافلون).
التي عند ملائكته المستغفرين لمن في الأرض؛ لأن استغفارهم لهم دليل على أن في نفوس الملائكة رحمة على أهل الأرض
(1)
.
فصل:
الفرس يذكر ويؤنث، وهي هنا مؤنثة.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 213 - 214.
20 - باب قَتْلِ الْوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ
6001 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ:«أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ» . قال: ثم أيّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ» . قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» . وَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68]. [انظر: 4477 - مسلم: 86 - فتح: 10/ 433].
ذكر فيه حديث عبد الله: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ:"أَنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وَهْو خَلَقَكَ". قال: ثم أيّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ .. ". الحديث.
إنما جعل قتل الولد خشية الأكل معه أعظم الذنوب بعد الشرك؛ لأن ذلك يجمع القتل وقطع الرحم ونهاية البخل، وذكره هنا عقب باب رحمة الولد وتقبيله؛ ليعلم أن قتله خشية الأكل معه من أعظم الذنوب بعد الشرك به، فإذا كان كذلك فرحمته وصلته والإحسان إليه من أعظم أعمال البر بعد الإيمان بالله.
وقوله: ("أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ") أي: زوجته، سميت حليلة والزوج حليلاً؛ لأن كل واحد منهما يحل عند صاحبه. وقيل: لأن كل واحد يحل (بإزاء)
(1)
صاحبه.
(1)
في "مجمل اللغة" 1/ 216: إزار.
21 - باب وَضْعِ الصَّبِيِّ فِي الحِجْرِ
6002 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ صَبِيًّا فِي حِجْرِهِ يُحَنِّكُهُ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ. [انظر: 222 - مسلم: 286 - فتح: 10/ 433]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم وضَعَ صَبِيًّا فِي حِجْرِهِ يُحَنِّكُهُ
(1)
، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ.
وقد سلف، والحجر بفتح الحاء وكسرها لغتان.
وقولها: (يُحَنِّكُهُ) يقال: حَنَكْتُ الصبي وحنَّكْتُه إذا مضغت تمرًا أو غيره ثم دلكته بحنكه، والصبي مَحْنُوك ومُحَنَّك، وكان المسلمون إذا ولد لهم ولد يأتون به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحنكه
(2)
بريقه ويدعو له يُتبرك بريقه وبدعائه، وكان يأخذ الصبي ويضعه في حجره ولا يتقزز منه خشية ما يكون منه من الحدث، ألا ترى أنه بال في ثوبه فأتبعه بالماء ولم يضجر من ذلك، فينبغي الاقتداء به في ذلك وأن يتوخى المؤمنون بأولادهم أهل الفضل والصلاح فيحملوهم إليهم ليدعوا لهم تأسيًا بالشارع في ذلك.
وحكى ابن التين في بول الصغير ثلاثة أقوال، قال: ومشهور مذهب مالك أنه نجس. وقيل: طاهر. وقيل: بول الصبي طاهر وبول الصبية نجس، وهذا إذا لم يأكلا الطعام، قال: ولم يختلف في أرواثهما أنها نجسة
(3)
.
(1)
بعدها في الأصل: (يقال حنكت) وعليها (لا .. إلى).
(2)
في الأصل: (فيحكنه) غير منقوطة.
(3)
انظر "المدونة" 1/ 27، "المنتقى" للباجي 1/ 128.
22 - باب وَضْعِ الصَّبِيِّ عَلَى الفَخِذِ
6003 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ يُحَدِّثُهُ أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا ثُمَّ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا» .
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ. قَالَ التَّيْمِيُّ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ، قُلْتُ: حَدَّثْتُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عُثْمَانَ، فَنَظَرْتُ فَوَجَدْتُهُ عِنْدِي مَكْتُوبًا فِيمَا سَمِعْتُ.
[انظر: 3735 - فتح: 10/ 434]
حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا عَارِمٌ، ثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، يُحَدِّثُهُ أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ اليسرى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا ثُمَّ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا".
وَعَنْ عَلِيٍّ، ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ التَّيْمِيُّ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ، قُلْتُ: حَدَّثْتُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عُثْمَانَ، فَنَظَرْتُ فَوَجَدْتُهُ عِنْدِي مَكْتُوبًا فِيمَا سَمِعْتُ.
الشرح:
(عَارِمٌ) هو أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي البصري، وعارم لقب وكان بعيدًا من العرامة وهي الشدة والشراسة، مات في صفر سنة أربع أو ثلاث وعشرين ومائتين، روى عنه البخاري وروى هو ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن رجلٍ عنه، قيل: إنه تغير بآخره.
و (أبو تميمة) من أفراد البخاري واسمه طريف بن مجالد الهجيمي هجيم بن عمرو بن تميم مولاهم، وهو من بني سَلِّي بن رفاعة بن عذرة بن عدي بن بيهس بن طرود بن قدامة بن جرم بن ربان بن حلون بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
قال ابن طاهر: باعه عمه لبني
(1)
الهجيم، فأغلظت له مولاته فقال لها: ويحك، إني رجل من العرب. فلما جاء زوجها قالت: ألا ترى ما يقول طريف فسأله، فأخبره، فقال له: خذ هذِه الناقة فاركبها، وخذ هذِه النفقة فالحق بقومك، فقال: لا والله لا ألحق بقوم باعوني أبدًا. فكان ولاؤه لبني الهجيم حتى مات سنة خمس وتسعين قاله عمرو بن علي، وقال الواقدي: مات طريف سنة ست وتسعين
(2)
.
وفي الرواة أبو تميمة آخر واسمه كيسان، سمع ابن عمر، وعنه ابنه أيوب السختياني، قاله مسلم في "كناه" وأبو قلابة عبد الله بن زيد بن عمرو بن ناتل بن مالك بن سلي. روى لطريف الجماعة إلا مسلم.
فصل:
(الْفَخِذِ) بفتح الفاء وكسر الخاء وسكونها وكسرهما
(3)
.
وقوله: (وَيُقْعِدُ الحَسَنَ بن علي عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرى) ظاهره أن ذلك في وقتٍ واحدٍ. وقال الداودي: لا أراه في وقتٍ واحدٍ كان أسامة أكبر من الحسن بمدة طويلة؛ لأنه عليه السلام أخرج أسامة إلى الحرقات، وأخرجه إلى منى، وأخرجه في الجيش الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه،
(1)
وقع بعدها في الأصل: يعني.
(2)
"الجمع بين الصحيحين" لابن طاهر 1/ 236، "طبقات ابن سعد" 7/ 152، وفيهما عن الواقدي أنه مات سنة سبع وتسعين.
(3)
في الأصل: كسرها. وكتب فوقها: كذا.
والحسن كان عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين. وقال غيره: إنه ولد سنة ثلاث في رمضان، فيكون عمره عند وفاته ثماني سنين، فإن وفاته عليه السلام سنة إحدى عشرة، وفي سنة ثلاث علقت فاطمة بالحسين رضي الله عنهما ولم يكن بينهما إلا طهر واحد يقال: خمسين ليلة.
فصل:
ووضع الصبي على الفخذ من باب رحمة الولد، وقد سلف أنه عليه السلام كان يحمل أمامة حفيدته على عاتقه في الصلاة، وهو أكبر من إجلاسه للحسن وأسامة على فخذه في غير الصلاة.
وفيه: مساواة الرجل لابنه ولمن تبناه في الرفق والرحمة والبركة.
23 - باب حُسْنُ العَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ
6004 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ -وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلَاثِ سِنِينَ- لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا. [انظر: 3816 - مسلم: 2434، 2435 - فتح: 10/ 435].
ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها: قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ رضي الله عنها -وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلَاثِ سِنِينَ- لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا.
قولها: (ما غرت) إلى آخره. فيه إثبات الغيرة، وهو أمر لا تملكه.
وقولها: (وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلَاثِ سِنِينَ) الذي ذكره غيره أنها توفيت قبل الهجرة بهذا المقدار ثم تزوج عائشة بمكة بنت ست أو سبع وأدخلت عليه بعد مقدمه المدينة بثمانية أشهر بنت تسع
(1)
.
وقال الداودي: توفيت خديجة على ما في الحديث قبل الهجرة بأربع سنين وأشهر؛ لأنه عليه السلام تزوج عائشة وبنى بها في السنة الثانية من الهجرة، ولا يخالف في ذلك؛ لأن معنى قولها:(تزوجني): دخل عليَّ، وإلا فتكون خديجة ماتت قبل الهجرة بخمس سنين
(2)
.
(1)
وقع في الأصل: سنة سبع، ولعله سبق قلم.
(2)
كذا نقل عن الداودي، وقال الحافظ في "الفتح" 7/ 134: وماتت على الصحيح بعد المبعث بعشر سنين في شهر رمضان.
فصل:
(حُسْنُ العَهْدِ) في هذا الحديث هو إهداء النبي صلى الله عليه وسلم اللحم لإخوان خديجة ومعارفها رعيًا منه لذمامها، وحفظًا لعهدها، كذلك قال أبو عبيد: العهد في الحديث الحفاظ ورعاية الحرمة و (الحق)
(1)
(2)
، فجعل ذلك البخاري من الإيمان؛ لأنه فعل بر وجميع أفعال البر من الإيمان.
فصل:
(القَصَب): قصب اللؤلؤ، وهو ما استطال منه في تجويف وكل مجوف قصب، قاله ابن بطال
(3)
.
وقال الهروي: قال أهل العلم واللغة القصب هنا: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف
(4)
.
وعبارة الجوهري: القصب: بيت من جوهر، وذكر الحديث
(5)
. وقيل: من لؤلؤة مجوفة، وبيت الرجل قصره وداره. وقيل: هو قصب اللؤلؤ. وقيل: ما استطال منه في تجويف. وقيل: إن خديجة لما بشرها بذلك قالت: ما بيت من قصب؟ قال: "بيت من لؤلؤة مجبأة" وفسره ابن وهب قال: يريد مجوفة.
وقال الخطابي: ولا يستقيم إلا أن يكون من المقلوب فتكون مجوبة من الجوب وهو القطع، قدم الباء علي الواو كقوله:{جُرُفٍ هَارٍ}
(1)
من (ص 2).
(2)
"غريب الحديث" 1/ 439.
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 216.
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 4/ 67.
(5)
"الصحاح" 1/ 202، مادة (قصب).
[التوبة: 109] والأصل هائر، (وكقول الشاعر:
لاثٍ به الأشاء والعُبري)
(1)
.
وإنما هو لائث
(2)
.
وجاء في رواية: "لا نصب فيه ولا وصب"
(3)
أي: لا أذى فيه ولا عناء.
فصل:
وقولها: (ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا)، قال الجوهري: الخُلَّةُ (والخولة)
(4)
: الخليل، يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ لأنه في الأصل مصدر وقولك: خليل بين الخلة والخلولة
(5)
، وذكر الخطابي نحوه وزاد: ما كان من المصادر اسمًا يستوي فيه الرجال والنساء والآحاد والجماعة، يقال: رجل خلة وامرأة خلة وقوم خلة، كقولهم: ماء (غور)، ومياه (غور)
(6)
. فأراد بخلتها أخلالها.
(1)
في الأصل: وكقول الشارع: لاث به الأنبياء والعبرى. (غير منقوطة).
(2)
"غريب الحديث" للخطابي 1/ 496.
(3)
وقع في الأصل: (لا وصبة ولا نصب).
(4)
زيادة من (ص 2). وليست في الأصل، ولا هي في "الصحاح".
(5)
"الصحاح" 4/ 1686، مادة (خلل).
(6)
"أعلام الحديث" 3/ 2169 - 2170، وفي الأصل:(عون) في الموضعين.
24 - باب فَضْلِ مَنْ يَعُولُ يَتِيمًا
6005 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا» . وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. [انظر: 5304 - فتح: 10/ 436]
ذكر فيه حديث سهل رضي الله عنه: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "أَنَا وَكافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا". وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَةِ وَالْوُسْطَى.
الشرح:
(السباحة) هي الإصبع التي تلي الإبهام، وسميت بذلك لأنها يسبح بها في الصلاة، وتسمى أيضًا السبابة لأنها يسب بها الشيطان في التشهد.
قال ابن بطال: حق على كل مؤمن يسمع هذا الحديث أن يرغب في العمل به، ليكون في الجنة رفيقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولجماعة النبيين والمرسلين ولا منزلة عند الله في الآخرة أفضل من مرافقة الأنبياء، وقد روى أبان القطان وحماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني أن رجلاً شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال:"امسح يدك على رأس اليتيم وأطعمه من طعامك يلين قلبك وتقدر على حاجتك"
(1)
.
(وأما أبو حاتم ابن حبان فقال في "صحيحه" عقب حديث سهل المذكور: قوله: ("هَكَذَا") أراد به: في دخول الجنة، لا أن كافل اليتيم تكون مرتبته مع مرتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة واحدة)
(2)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 217. والحديث رواه أحمد 2/ 263 والبيهقي في "الشعب" 7/ 472 (11034) كلاهما من طريق حماد بن سلمة به.
(2)
من (ص 2)، وانظر "صحيح ابن حبان" 2/ 208.
25 - باب السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ والمسكين
6006 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ» .
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ -مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. [انظر: 5353 - مسلم: 2982 - فتح:10/ 437]
ذكر فيه حديث مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَو كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ".
وعن مَالِكٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ -واسمه سالم مَوْلَى ابن مُطِيعٍ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
26 - باب السَّاعِى عَلَى المِسْكِينِ
6007 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَأَحْسِبُهُ قَالَ، يَشُكُّ القَعْنَبِيُّ:- كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» . [انظر: 5353 - مسلم: 2982 - فتح: 10/ 437]
ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثاني بلفظ: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَأَحْسِبُهُ قَالَ، يَشُكُّ القَعْنَبِيُّ:- كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ".
الشرح:
"الأَرْمَلَةِ" بفتح الميم، قال ابن التين: وقرأناه بضمها، وهي المرأة لا زوج لها، وقال ابن السكيت: الأرامل: المساكين من الرجال والنساء.
قال: ويقال لهم أرامل إن لم يكن فيهم نساء
(1)
، والأرمل: الرجل الذي لا امرأة له
(2)
.
وقوله: ("كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ") يريد: المصلي، يقال: فلان يقوم الليل كله إذا كان يصلي فيه.
قال ابن بطال: من عجز عن الجهاد في سبيل الله وعن قيام الليل وصيام النهار، فليعمل بهذا الحديث، وليسع على الأرامل والمساكين، و (ليحشر)
(3)
يوم القيامة في زمرة المجاهدين في سبيل الله دون أن
(1)
"إصلاح المنطق" ص (327).
(2)
"الصحاح" 4/ 1713.
(3)
وقع في الأصل: (فيحسن) وكتب فوقها: (كذا). ووقع بهامشها: (لعله: فيحسب، أو ليحشر) وكتب فوق (ليحشر): وهو أظهر.
يخطو في ذلك خطوة أو ينفق درهمًا أو يلقى عدوًّا يرتاع بلقائه، وليحشر في زمرة الصائمين القائمين وينال درجتهم وهو طاعم نهاره نائم ليله أيام حياته، فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذِه التجارة التي لا تبور، ويسعى على أرملة أو مسكين لوجه الله؛ ليربح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نصب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 218.
27 - باب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ
6008 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ -وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا- فَقَالَ:«ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» . [انظر: 628 - مسلم: 674 - فتح: 10/ 437]
6009 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُمَى -مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي. فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ:«فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» . [انظر: 173 - مسلم: 2244 - فتح: 10/ 437]
6010 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهْوَ فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ:«لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا» . يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ. [فتح: 10/ 438]
6011 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» . [مسلم: 2586 - فتح: 10/ 438]
6012 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً» . [انظر: 2320 - مسلم: 1553 - فتح: 10/ 438]
6013 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ» . [7376 - مسلم: 2319 - فتح: 10/ 438]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث أبي قلابة -واسمه عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي- عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ.
الحديث سلف، وموضع الحاجة منه:(وكان رحيمًا رفيقًا).
وقوله: (ونحن شببة) أي: (أخيار)
(1)
، شببة وشبان وشباب كل ذلك جمع شاب.
وقوله: (وَسَأَلنَا عَنْ من تَرَكْنَا في أهلنا) فيه هجرة بعض الحي لقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ} الآية [التوبة: 122].
وقوله: ("ارجعوا إلى أهليكم") فيه أن من هاجر قبل الفتح من غير أهل مكة يرجع إلى أهله.
وقوله: ("صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي") أمر حتم.
وقال الداودي: يحتمل أن يكون (جاءوا)
(2)
لصغرهم أو تكون الصلاة في القول على من يعقل. قال: وفيه إمامة الصبيان.
(1)
كذا رسمت غير منقوطة، وفوقها: كذا.
(2)
في (ص 2): جاء بها.
قال ابن التين: وهذا كله غير بين، بل هم رجال شباب كما ذكر، وليس قوله: شببة دليلًا أنهم لم يبلغوا الحلم.
وقوله: ("ليؤمكم أكبركم") يريد لاستوائهم في الفقه والقراءة، وفيه: الأذان في السفر.
الحديث الثاني:
حديث أبي هريرة في قصة شرب الكلب وفي آخره: "فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ".
قوله: ("بكلب يلهث")، يقال: لهث الكلب يلهث لهثًا ولهثانًا بالضم إذا أخرج لسانه من التعب والعطش. وكذلك الرجل إذا أعيا أو عطش.
و ("الثرى"): التراب الندي، وقوله:"في كل ذات .. ") إلى آخره، أي: روح.
و (الكَبِد): بفتح أوله وكسر ثانيه وسكونه.
الحديث الثالث:
حديثه أيضًا في قصة الأعرابي: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، الحديث. ومعنى "تحجرت"، وفي نسخة "حجرت": ضيقت، وقال ابن التين: والذي قرأناه بالراء.
الحديث الرابع:
حديث النعمان بن بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَرى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بالْحُمَّى والسَّهَرِ".
الحديث الخامس:
حديث أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَو دَابَّةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ به صَدَقَةً".
السادس:
حديث جَرِير بْن عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ".
وفي هذِه الأحاديث: الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم، كافرهم ومؤمنهم ولجميع البهائم، والرفق بها، وإن ذلك مما يغفر الله به الذنوب، ويكفر به الخطايا، فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب في الأخذ بحظه من الرحمة ويستعملها في أبناء جنسه، وفي كل حيوان، فلم يخلقه الله عبثًا، وكل أحدٍ مسئول عما استرعاه وملكه من إنسان أو بهيمة لا يقدر على النطق وتبيين ما بها من الضر، وكذلك ينبغي أن يرحم كل بهيمة، وإن كانت في غير ملكه، ألا ترى أن الذي سقى الكلب الذي وجده بالفلاة لم يكن له مِلْكًا فغفر الله له بتكلفه النزول في البئر وإخراجه الماء وسقيه، ومثله الإطعام، ألا ترى قوله:("ما من مسلم غرس .. ") إلى آخره، وفي معنى ذلك: التخفيف عنها في أحمالها وتكليفها ما تطيق حمله فذلك من رحمتها، والإحسان إليها، ومن ذلك ترك التعدي في ضربها وأذاها وتسخيرها في الليل وفي غير أوقات السخرة، فقد نهينا في العبيد أن نكلفهم الخدمة ليلاً، فإن لهم الليل ولمواليهم النهار، وجميع البهائم داخلون في هذا المعنى.
وفي قوله: ("مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ") إلى آخره، دليل على أن ما ذهب من مال المسلم بغير علمه أنه يؤجر عليه.
وأما إنكاره عليه الصلاة والسلام على الأعرابي ما قاله بقوله: ("لقد حجرت واسعًا") ولم يعجبه دعاؤه لنفسه وحده فلأنه بخل برحمة الله على خلقه، وقد أثنى الله على من فعل خلاف ذلك بقوله:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] الآية، وأخبر تعالى أن الملائكة يستغفرون لمن في الأرض.
فينبغي للمؤمن الاقتداء بالملائكة والصالحين من المؤمنين ليكون من جملة من أثنى الله عليه ورضي بفعله، فلم يخص نفسه بالدعاء دون إخوانه المؤمنين حرصًا على شمول الخير لجميعهم.
(آخر كتاب الأدب، والحمد لله وحده)
(1)
.
(1)
من (ص 2).
كتاب البر والصلة
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ البِرِّ وَالصِّلَةِ
(1)
28 - باب: (الْوَصَاةِ بِالْجَارِ)
(2)
وقوله عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} إلى آخر الآية: [النساء: 36].
6014 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» . [مسلم: 2624 - فتح: 10/ 441]
(1)
ورد بهامش الأصل: قوله كتاب البر والصلة، هذا الكتاب ليس في أصلنا الدمشقي، ولم أراجع أصلنا المصري من رواية أبي ذر، والدمشقي من رواية الحموي، وإنما هو داخل في كتاب الأدب، وإنما ذكرت هذا؛ لأنه اعترض المزي في عزوه حديث أُبي بن كعب مرفوعًا:"إن من الشعر حكمة" في عزوه إلى الأدب فقال: إنه في البر والصلة، وقد علمت أن الكل داخل في الأدب في أصلنا الدمشقي. والله أعلم.
(2)
وقع في الأصل: الوصية بالجار.
6015 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» . [مسلم: 2625 - فتح: 10/ 441]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا زَالَ جبريل يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ".
وحديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء.
(هذان الحديثان أخرجهما مسلم أيضًا)
(1)
، والوَصاة -بفتح الواو- وقال الجوهري: أوصيته ووصيته بمعنى، والاسم الوصاة
(2)
.
والآية والحديث دالان على حفظ الجار والإحسان إليه برعي ذمته والقيام بحقوقه، ألا ترى تأكيد الله لذكره بعد الوالدين والأقربين فقال:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36].
قال أَهل التفسير: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} الذي بينك وبينه قرابة فله حق القرابة وحق الجوار، وعن ابن عباس وغيره:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} : الجار المجاور
(3)
، وقيل: هو الجار المسلم، {وَالْجَارِ الْجُنُبِ}: القريب
(4)
عن ابن عباس. وقيل: هو الذي لا قرابة بينك وبينه، الجنابة: البعد {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} : الرفيق في السفر عن ابن عباس، وعن علي وابن مسعود: الزوجة. {وَابْنِ السَّبِيلِ} : المسافر الذي يجتاز بك مارًّا، عن مجاهد وغيره.
(1)
من (ص 2).
(2)
"الصحاح" 6/ 2525 مادة (وصى).
(3)
في الأصل: المجرور.
(4)
وقعت في "شرح ابن بطال": الغريب.
29 - باب إِثْمِ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَهُ
{يُوبِقْهُنَّ} [الشورى: 34]: يُهْلِكْهُنَّ. {مَوْبِقًا} [الكهف: 52]: مَهْلِكًا.
6016 -
حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ» . قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» . تَابَعَهُ شَبَابَةُ وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى.
وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. [فتح: 10/ 443]
حدثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ - خويلد بن عمرو في بعض الأقوال الخزاعي العدوي عدي بن عمرو بن (لحي)
(1)
أخو كعب بن عمرو مات سنة: ثمانٍ وستين. أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "والله لَا يُؤْمِنُ، والله لَا يُؤْمِنُ، والله لَا يُؤْمِنُ". قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "من لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَهُ". تَابَعَهُ شَبَابَةُ وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى. وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
الشرح:
(حديث أبي شريح من أفراده، وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم بلفظ:"لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"
(2)
)
(3)
قال قتادة: بوائقه: ظلمه وغشمه. قال الكسائي: غوائله وشره. قال: البائقة:
(1)
كذا بالأصل.
(2)
مسلم (46) كتاب: الإيمان، باب: بيان تحريم إيذاء الجار.
(3)
من (ص 2).
الداهية، وانباقت عليه بائقة شر مثل انباجت و (انفتقت)
(1)
، وانباق عليهم الدهر: هجم عليهم بالداهية كما يحب الصوت من البوق.
وهذا الحديث شديد الحض على ترك أذى الجار، ألا ترى أنه عليه السلام أكد ذلك بقسمه ثلاث مرات أنه لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه، ومعناه: أنه لا يؤمن الإيمان الكامل، ولا يبلغ أعلى درجاته من كان بهذِه الصفة، فينبغي لكل مؤمن أن يحذر أذى جاره ويرغب أن يكون في أعلى درجات الإيمان وينتهي عما نهاه الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه وحضَّا العباد عليه.
وقال أبو حازم المزني: كان أهل الجاهلية أبر بالجار منكم، هذا قائلهم يقول:
ناري ونار الجار واحدة
…
وإليه قبلي تُنزل القِدْرُ.
ما ضَرَّ جارًا أن أُجاوره
…
أَن لا يَكون لبابه سترُ.
أَعمى إِذا ما جارتي برزت
…
حتى يواري جارتي الخدرُ
(2)
.
(1)
في (ص 2): انبثقت.
(2)
"أدب الصحبة" ص 88، ونسبت هذِه الأبيات لربيعة بن عامر بن أنيف، الملقب بمسكين الدارمي، من شعراء العصر الأُموي مات سنة تسعٍ وثمانين.
انظر: "معجم الأدباء" 3/ 328 - 332 (416).
30 - باب لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا
6017 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ -هُوَ الْمَقْبُرِيُّ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» . [انظر: 2566 - مسلم: 1030 - فتح: 10/ 445].
ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ".
هذا الحديث سلف في الهبة، والفرسن: خفط البعير بمنزلة الحافر للدابة، وقد يستعار للشاة، والأصل في الشاة الظلف. وقال الداودي: هو الظفر وما يليه.
قال ابن بطال: وإنما أشار عليه السلام بفرسن الشاة إلى القليل للهدية لا إلى الفرسن؛ لأنه لا فائدة فيه، وقد قال عليه السلام لأبي تميمة الهجيمي:"لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تضع من دلوك في إناء المستقي"
(1)
.
وقوله: ("لَا تَحْقِرَنَّ")
(2)
هو براء مفتوحة، ثم نون مشددة، والحديث دال على مهاداة الجار وصلته، و"يا نساء المسلمات" على الإضافة من إضافة الشيء إلى نفسه كمسجد الجامع، أو إضافة الأعم
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 222، والحديث رواه أبو داود (4084)، وأحمد 5/ 64 من طريق أبي تميمة الهجيمي عن جابر بن سليم. وقوله (عن جابر بن سليم) سقط من بعض نسخ "المسند" وانظر "الإطراف" لابن حجر 1/ 674.
وأبو تميمة ترجم له ابن عبد البر في "الاستيعاب"(2910) وقال: ولا يعرف في الصحابة أبو تميمة، وقد ذكر بعض من ألف في الصحابة أبا تميمة الهجيمي، فغلط. اهـ.
(2)
في هامش الأصل: يقال: حقّره وحقره واحتقره واستحقره: استصغره فالحديث إذن يقرأ بالتشديد والتخفيف.
إلى الأخص كبهيمة الأنعام، أو على معنى التعظيم، أي: فاضلات المسلمات، كقولك: هؤلاء رجال القوم، أي: ساداتهم، وقيل: معناه: يا نساء الجماعات المسلمات، أو يا نساء النفوس المسلمات، وكله متقارب المعنى.
قال عياض: وروّيناه برفعهما على معنى النداء، والنعت أي: يا أيها النساء المسلمات ويجوز رفع النساء وكسر المسلمات في معنى المنصوبات على النعت على الموضع، كما تقول: يا زيدُ العاقلَ
(1)
.
(1)
"إكمال المعلم" 3/ 561.
31 - باب مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ
6018 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» . [انظر: 5185 - مسلم: 47 - فتح: 10/ 445]
6019 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ» . قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» . [6135، 6476 - مسلم: 48 - فتح: 10/ 445]
ذكر فيه حديث أبي الأحوص -واسمه سلام بن سليم الحنفي مولاهم- عن أبي حصين -واسمه عثمان بن عاصم الأسدي- عَنْ أَبِي صَالِحٍ -ذكوانُ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعًا به وزيادة.
وحديث أَبِي شُرَيْحٍ الخزاعي: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ .. " الحديث.
(وأخرجهما أيضًا مسلم)
(1)
، وهو مطابق لما ترجم له.
(1)
من (ص 2).
وقوله في الحديث الثاني: "جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلا"له أيام" قال بعضهم: قسم عليه السلام أمر الضيفان إلى ثلاثة: يتكلف في أولها، ثم في الثاني: يقدم ما حضر فإذا جاوز الثلاث كان مخيرًا بين أن يستمر أو يقطع.
ومعنى: ("مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ"): إيمانًا كاملًا، ولا شك أن الضيافة من سنن المرسلين، وقال الداودي: يريد في إكرامه على ما كان يفعل في عياله.
قال وقوله: ("الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ") يحتمل أن يريد بعد اليوم والثلاثة، ويحتمل أن يدخل فيه اليوم والليلة، وهو أشبه.
وقال الهروي: في الحديث بعد "الضيافة ثلاثة أيام فما زاد فهو صدقة، وجائزته يوم وليلة" أي: يُقرى ثلاثة أيام، ثم يعطى ما يجوز به مسافة يوم وليلة، قال: وأكثره قدر ما يجوز به المسافر من منهلٍ إلى منهلٍ
(1)
.
وقال الخطابي: معناه: أنه يتكلف إذا نزل به الضيف يومًا وليلة فيتحفه، ويزيد في البر على ما يحضره في سائر الأيام، وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما حضر، فإذا مضى الثلاث قضى حقَّه وإن زاد استوجب الصدقة
(2)
.
وقال مالك: يحسن ضيافته ويتحفه ويكرمه يومًا وليلة، وثلاثة أيام ضيافة، وما بعدها صدقة.
قال الداودي: يعني الصدقة الجائزة في اللغة: المنحة.
(1)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 1/ 314.
(2)
"أعلام الحديث" 3/ 2172.
قال سحنون: وإنما الضيافة على أهل القرى دون الحضر.
وقال الشافعي: مطلقًا وهي من مكارم الأخلاق، وقد حض على الضيافة خيار الناس.
وقيل في تفسير قوله: {لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] أنها نزلت في الضيفان، يقول نزل على صديقه فلم يحسن ضيافتهِ: إن فلانًا قصر في أمري، قاله مجاهد
(1)
، قال: والضيافة ليلة واحدة فرض، واحتج بالآية المذكورة.
(1)
"تفسير مجاهد" 1/ 179.
32 - باب حَقِّ الْجِوَارِ فِي قُرْبِ الأَبْوَابِ
6020 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ:«إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» . [انظر: 2259 - فتح: 10/ 447]
ذكر فيه (حديث أبي عمران الجوني
(1)
)
(2)
: ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، ثَنَا شُعْبَةُ:(أَخْبَرَنِي أَبُو عِمْرَانَ)
(3)
: سَمِعْتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارينِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ:"إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا".
هذا الحديث سلف في آخر الشفعة والهبة
(4)
.
واسم أبي عمران: عبد الملك، وقال عمرو بن علي: عبد الرحمن بن حبيب الجوني الأزدي البصري وقيل: الكندي، أخرج له مسلم أيضًا، مات سنة تسعٍ أو ثمانٍ وعشرين ومائة.
وطلحة: هو ابن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله بن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. انفرد به البخاري، واعترض الإسماعيلي فقال: إخراج البخاري هذا الحديث هنا فيه نظر؛ فإن طلحة لا يدرى من هو.
قلت: عجيب، فهو ابن (عبد)
(5)
الله (كما سلف)
(6)
وبه صرح الدمياطي
(1)
على لفظة (الجوني) في الأصل: (لا .. إلى).
(2)
ساقطة من (ص 2).
(3)
من (ص 2).
(4)
سلف برقم (2595) باب: بمن يبدأ بالهدية.
(5)
في الأصل: (عبيد) والمثبت من (ص 2).
(6)
من (ص 2).
بخطه ثم قال الإسماعيلي: وقد اضطرب فيه (كثيراً فإن ابن)
(1)
المبارك قال في حديثه: سمعت رجلاً من قريشٍ يقال له أبو طلحة، وقال معاذ عن شعبة: سمع طلحة بن عبد الله بحديث عائشة، وقال عيسى بن يونس: قال شعبة: وأظن طلحة سمع عائشة ولم يقل: سمعه منها، وقال يزيد بن هارون: طلحة عن رجل من قريش.
وقال غندر: طلحة بن عبد الله رجل من تيم (اللات. وقال وكيع: من تيم)
(2)
الرباب. قال ابن طهمان، عن شعبة: عبد الله بن طلحة، فلا ندري سماع طلحة من عائشة إذا عُرِف من طلحة.
قلت: قد عرف كما سلف.
والبخاري ساقه في آخر الشفعة من حديث شبابة هو بن سوار ثنا شعبة ثنا أبو عمران، قال: سمعت طلحة بن عبد الله، عن عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله .. الحديث
(3)
.
وأخرجه في الهبة، عن محمد بن جعفر ثنا شعبة، عن أبي عمران الجوني عن طلحة بن عبد الله رجل من بني تيم بن مرة، عن عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله .. الحديث
(4)
.
(1)
وقع في الأصل: (كثير فإن).
(2)
ساقطة من الأصل.
(3)
سلف برقم (2259).
(4)
سلف برقم (2595).
33 - باب: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ
6021 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» .
6022 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ» . قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» . قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ» . قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ» . أَوْ قَالَ: «بِالْمَعْرُوفِ» . قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ» . [انظر: 1445 - مسلم: 1008 - فتح: 10/ 447]
ذكر فيه حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ مرفوعًا: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ".
وحديث أَبِي مُوسَى: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ". الحديث .. إلى أن قال: قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: "فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ". أَو قَالَ: "بِالْمَعْرُوفِ". قَالَوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: "فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ".
الشرح:
المعروف مندوب إليه، ودل هذا الحديث أن فعله صدقة عند الله يثيب المؤمن عليه ويجازيه به وإن قل؛ لعموم قوله:"كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ".
وقوله في حديث أبي موسى: "على كل مسلم صدقة" معناه أن ذلك عليه في كرم الأخلاق وآداب الإسلام وليس ذلك بفرض عليه؛ للإجماع على أن كل فرض في الشريعة مقدر محدود.
وفي هذا الحديث تنبيه للمؤمن المعسر على أن يعمل بيده وينفق
على نفسه ويتصدق من ذلك ولا يكون عيالًا على غيره.
وقال مالك بن دينار: قرأت في التوراة: طوبى للذي يعمل بيده ويأكل، طوبى لمحياه وطوبى لمماته. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يا معشر القراء خذوا طريق من كان قبلكم وارفعوا رءوسكم ولا تكونوا عيالًا على المسلمين.
وفيه: أن المؤمن إذا لم يقدر على باب من أبواب الخير ولا فتح له فعليه أن ينتقل إلى باب آخر يقدر عليه، فإن أبواب الخير كثيرة، والطريق إلى مرضاة الله غير معدومة، ألا ترى تفضل الله على (عبده)
(1)
حين جعل له في حال عجزه عن الفعل عوضًا من القول، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جُعل عوضًا من ذلك لمن لم يقدر على الإمساك عن الشر صدقة.
قال المهلب: وهذا يشبه الحديث الآخر: "من هم بسيئةٍ فلم يعملها كتبت له حسنة"
(2)
، وفيه حجة لمن جعل الترك عملًا وكسبًا للعبد بخلاف من قال من المتكلمين أن الترك ليس بعمل، وقد فسر الشارع ذلك بقوله:"فليمسك عن الشر، فإنه له صدقة"
(3)
.
وقال الكعبي: ليس في الشرع مباح وليس إلا ما هو مأجور عليه أو عاص، ومتى اشتغل بشيء عن معصيته فهو مأجور.
والجماعة على خلافه، وألزم بأنه يلزمه أن يجعل الزاني مأجورًا؛ لأنه يشتغل به عن معصية أخرى.
(1)
في الأصل: عباده.
(2)
سيأتي برقم (6491) كتاب: الرقاق، باب: من هم بحسنةٍ أو سيئةٍ، من حديث ابن عباس.
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 224.
فصل:
قوله: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟). قال الداودي: شك أيُّ الكلمتين قال. والأشبه أن يقول: فإن لم يستطع.
وقوله: (فإن لم يفعل) يعنون فإن لم يمكنه.
34 - باب طِيبِ الكَلَامِ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ".
6023 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ -قَالَ شُعْبَةُ: أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلَا أَشُكُّ- ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» . [انظر: 1413 - مسلم: 1016 - فتح: 1/ 448]
ثم ذكر حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ -قَالَ شُعْبَةُ: أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلَا أَشُكُّ- ثُمَّ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ".
الشرح:
الكلام الطيب مندوب إليه، وهو من جليل أفعال البر؛ لأنه عليه السلام جعله كالصدقة بالمال، فوجه تشبيهه الكلمة الطيبة بالصدقة بالمال هو أن الصدقة بالمال تحيا بها نفس المتصدق عليه ويفرح بها. والْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ يفرح بها المؤمن ويحسن موقعها من قلبه فأشبهتها من هذِه الجهة. ألا ترى أنها تذهب الشحناء و (تجلي)
(1)
السخيمة، كما قال تعالى:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآية [فصلت: 34]، وقد يكون هذا الدفع بالقول كما يكون بالفعل
(2)
.
(1)
في الأصل: وتجل، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 225.
فصل:
معنى (أشاح بوجهه): صرف بوجهه عن الشيء، فِعْل الحذِر منه الكارِه له، كأنه عليه السلام كان يراها ويحذر ريح سعيرها، فنحى وجهه عنها.
قال صاحب "العين": أشاح بوجهه عن الشيء إذا نحاه ورجل مُشِيْح وشاح، أي: حازم حذر
(1)
.
(1)
"العين" 3/ 263 - 264، وفيه: رجل مشيح وشائح.
35 - باب الرِّفْقِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ
6024 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ» . [انظر: 2935 - مسلم: 2165 - فتح: 10/ 449]
6025 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لا تُزْرِمُوهُ» . ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ. [انظر: 221 - مسلم: 284 - فتح: 10/ 449]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: السَّامُ عَلَيْكُمُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ: فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كلِّهِ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولُ اللهِ، أوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ قُلْتُ عَلَيْكُمْ".
وحديث أَنَسِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لا تُزْرِمُوهُ". ثُمَّ دَعَا بِدَلْو مِنْ مَاءٍ فَصبَّ عَلَيْهِ.
وهذا سلف، ومعنى:"لا تُزْرِمُوهُ"، لا تقطعوا عليه بوله، يقال: زرم الدمع والبول بالكسر، إذا انقطع، وأزرمه عليه، قطعه عليه، وأزرمته أنا، وعبارة الأصمعي فيما نقله أبو عبيد الإزرام: القطع، يقال للرجل أزرم إذا قطع بوله: قد أزرمت بولك، وأزرمه: قطعه، وزرم البول نفسه: انقطع.
قال الشاعر:
أو كماء المثمود بعد جمام
…
زرم الدمع لا (يزور)
(1)
نزورا
المثمود: الذي قد ثمده الناس أي: ذهبوا به فلم يبق منه إلا قليل، والجمام: الكبير
(2)
. وعبارة صاحب "العين": زرم البول والدمع: انقطع، وزرم سؤر الكلب زرمًا إذا بقي جَعْرُه في دبره فهو أزرم
(3)
.
وإنما منعهم منه لأنه يضرُ حبسُه، وقيل: لئلا ينجس موضعًا آخر.
وفيه: أن الوارد له قوة وبه يرد على من رد علينا حيث قلنا: إن الماء اليسير إذا اتصلت به نجاسة ينجس وإن لم يتغير، ونص في "المدونة": أنه يتيمم والحالة هذِه وهو قول الشافعي، وقال بعض أصحابهم: يعني أنه يتوضأ به ويتيمم لا أنه يتركه جملة.
فصل:
قال الخطابي: فسروا السام في لسانهم: بالموت، كأنهم دعوا عليه بالموت. قال: وكان قتادة يرويه: السآم بالمد من السآمة والملل أي: تسأمون دينكم
(4)
.
وقيل: كانوا يعنون أماتكم الله الساعة، وما ذكره أن السام الموت فسره الزهري حديث الحبة السوداء أنها شفاء من كل داء إلا السام- كما سلف في البخاري في الطب
(5)
، وهو كذلك في اللغة، كما نص عليه
(1)
كذا بالأصل، والذي في كتب اللغة والغريب:(يئوب). انظر: "غريب الحديث" 1/ 104، "لسان العرب" 7/ 4394 مادة (نزر)، 3/ 1828 مادة (زرم).
(2)
"غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 70.
(3)
"العين" 7/ 364 - 365.
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 2176 - 2177.
(5)
سلف برقم (5688) باب: الحبة السوداء.
الجوهري وغيره
(1)
.
واختلف هل يأتي بالواو في الرد أم لا؟
فقال ابن حبيب: لا يأتي بها؛ لأن فيها اشتراكًا، وخالفه ابن الحلاب والقاضي أبو محمد، وقيل: يقول: عليكم السِّلام -بالكسر- وقال طاوس: يرد: وعلاك السلام، أي: ارتفع، وقال النخعي: إذا كان لك عنده حاجة تبدأ بالسلام ولا ترد عليه كاملا فضيلة وتكرمة، فلا يجب أن يكرم كالمسلم، وسمح بعضهم في رد السلام عليكم. واحتج بقوله:{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} [الزخرف: 89] ولو كان كما قال لكان سلامًا بالنصب، وإنما يعني بذلك على اللفظ والحكاية وأيضًا فإن الآية قيل: إنها منسوخة بآية القتال
(2)
.
فرع:
اختلف هل يكنى اليهودي؟ فكرهه مالك، ورخص فيه ابن عبد الحكم، واحتج بقوله عليه السلام:"أنزل أبا وهب"
(3)
.
فصل:
في هذين الحديثين أدب عظيم من آداب الإسلام وحض على الرفق بالجاهل والصفح والإعفاء عنه؛ لأنه عليه السلام ترك مقابلة اليهود بمثل قولهم، ونهى عائشة عن الإغلاظ في ردها وقال: "مهلًا يا عائشة، إن الله يحب
(1)
"الصحاح" 5/ 1955. وانظر أيضًا "غريب الحديث" لابن قتيبة 1/ 357، "النهاية" لابن الأثير 2/ 142.
(2)
انظر: "الاستذكار" 27/ 140 - 142.
(3)
رواه مالك في "الموطأ" ص 336 (44) عن الزهري مرسلاً، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" 12/ 19: لا أعلمه يتصل من وجه صحيح، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء الله.
الرفق في الأمر كله" أي في جميعها، وإن كان الانتصار بمثل ما قوبل به المرء جائز لقوله:{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} [الشورى: 41] فالصبر أعظم أجرًا وأعلى درجة لقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} [الشورى: 43] والصبر أخلاق النبيين والصالحين، فيجب امتثال طريقتهم والتأسي بهم وقرع النفس عن المغالبة رجاء ثواب الله على ذلك، وكذلك رفقه عليه السلام بالأعرابي الجاهل البائل في المسجد المعظم المضاعف فيه الثواب على ما سواه إلا المسجد الحرام، وأمر أن لا يهاج حتى يفرغ من بوله تأنيسًا ورفقًا به، فدل ذلك على استعمال الرفق بالجاهل، وأنه بخلاف العالم في ترك اللوم له والتثريب عليه.
36 - باب تَعَاوُنِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا
6026 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» . ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. [انظر: 481 - مسلم: 2585 - فتح: 10/ 449]
6027 -
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ:«اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ» . [انظر: 1432 - مسلم: 2627 - فتح: 10/ 450]
ذكر فيه حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، السالف:"الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا". ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَو طَالِبُ حَاجَةٍ، أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ:"اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ".
(هذا الحديث سلف في الزكاة، وأخرجه مسلم أيضًا بلفظ: كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال .. إلى آخره وفي لفظ: ما أحب.
وفي أبي داود: "اشفعوا لتؤجروا أو ليقض الله على لسان نبيه ما شاء"
(1)
. قال النووي في "أذكاره": وهذِه الرواية توضح معنى رواية "الصحيحين"
(2)
)
(3)
، ولا شك في ندبه تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا في أمور الدنيا والآخرة، وهذا الحديث يعضده، وذلك من
(1)
أبو داود (5131).
(2)
"أذكار النووي"(954).
(3)
من (ص 2).
مكارم الأخلاق، وقد صح أن "الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"
(1)
، فينبغي للمؤمنين استعمال أدب نبيهم والاقتداء بما وصف به أهل الإيمان بعضهم لبعض من الشفقة والنصيحة.
وتشبيكه بين أصابعه تأكيد لقوله، وتمثيل لهم كيف يكونون فيما خولهم من ذلك.
وفيه: أن العالم إذا أراد المبالغة في البيان أنه يمثل لمن يخاطب معنى أقواله بحركاته وسيكون لنا عودة إليه في باب الحب في الله قريبًا إن شاء الله تعالى.
(1)
مسلم (2699) كتاب: الذكر والدعاء، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن.
37 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} إلى آخر الآية [النساء: 85]
{كِفْلٌ} [النساء: 85]: نَصِيبٌ. قَالَ أبو موسى: {كِفْلَيْنِ} [الحديد: 28]: أَجْرَيْنِ بِالْحَبَشِيَّةِ.
6028 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ:«اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ» . [انظر: 1432 - مسلم: 2627 - فتح: 10/ 451]
ذكر فيه حديث أبي موسى السالف في الباب قبله.
معنى قوله (بالحبشية) يعني: أن لغتهم في ذلك وافقت لغة العرب.
وقوله: ({كِفْلٌ}: نَصِيبٌ)، هو ما حكاه أهل اللغة، واشتقاقه من (الكساء)
(1)
الذي يحويه راكب البعير على سنامه إذا ارتدفه لئلا يسقط. فتأويله: يؤتكم نصيبين تحفظا بكم من هلكة المعاصي كما يحفظ الكفل الراكب. وقال ابن فارس: الكفل: الضعف
(2)
، وقاله في "الصحاح" وزاد: ويقال: إنه النصيب
(3)
.
وفيه: الحض على الشفاعة للمؤمنين في حوائجهم، وأن الشافع مأجور وإن لم يشفع في حاجته.
(1)
في (ص 2): الكفاء.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 787، مادة (كفل).
(3)
"الصحاح" 5/ 1810، مادة (كفل).
وقال أهل التأويل في قوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} يعني: في الدنيا يكن له نصيب منها في الآخرة. وقال مجاهد وغيره: نزلت هذِه الآية في شفاعة الناس بعضهم لبعض
(1)
، وقد قيل في الآية: إن الشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين، والسيئة الدعاء عليهم، وكانت اليهود تدعو عليهم. وقيل: هو في قول اليهود: السام عليكم. وقيل: المعنى: من يكن شفيعًا لصاحبه في الجهاد يكن له نصيب من الأجر، ومن يكن شفيعًا لآخر في باطل يكن له نصيب من الوزر. والكفل: الوزر والإثم، عن الحسن وقتادة. والقول الأول أشبه بالحديث وأولاها بتأويل الآية كما نبه عليه ابن بطال
(2)
.
(فائدة غريبة:
روى الحافظ المنذري في جزء "غفران الذنوب ما تقدم منها وما تأخر" حديث ابن عباس رفعه: "من سعى لأخيه المسلم في حاجة قضيت له أو لم تقض غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق" ثم قال: غريب، ورجال إسناده معروفون سوى أحمد بن بكار)
(3)
.
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 188 (10021).
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 228.
(3)
من (ص 2).
38 - باب لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا
6029 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا» . [انظر: 3559 - مسلم: 2321 - فتح: 10/ 452]
6030 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللهُ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْكُمْ. قَالَ:«مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ» . قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ» . [انظر: 2935 - مسلم: 2165 - فتح: 10/ 452]
6031 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى -هُوَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ- عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ». [6046 - فتح: 10/ 452]
6032 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ:«بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» . فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ
تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ». [6054، 6131 - مسلم: 2591 - فتح 10/ 452]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث: عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا. وَقَالَ: "إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا".
ثانيها:
حديث عائشة رضي الله عنها في السام.
وقد سلف قريبًا بزيادة بعد: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ .. " إلى آخره: "فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ".
ثالثها:
حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتَبَةِ "مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ".
رابعها:
حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: "بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ". فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ له .. الحديث.
وفي آخره: "يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ".
وهذا الرجل هو مخرمة بن نوفل بن أهيب أخي وهب والد أمية (بنت)
(1)
وهب ابني عبد مناف أخي الحارث ابني زهرة بن كلاب والد المسور بن مخرمة، كان من المؤلفة.
(1)
من (ص 2).
وشيخ البخاري فيه عمرو بن عيسى، وهو أبو عثمان الضبيعي البصري، من أفراده.
الشرح:
الفاحش ذو الفحش في كلامه وأفعاله، والمتفحش: الذي يتكلف ذلك ويتعمده. وقال الداودي: الفاحش: الذي من أخلاقه القول الفحش، وهو ما لا ينبغي من الكلام، والمتفحش هو الذي يستعمل الفحش فيضحك الناس، وهو نحوه، وقال جماعة من أهل اللغة: كل شيء جاوز حده، وأفحش في المنطق، أي: قال الفحش فهو فحاش ويفحش في كلامه، والعنف: ضد الرفق.
وقوله: ("وَالْفُحْشَ") لم يكن منها إلا الدعاء عليهم بما هم أهل لعنة وغضب الله وهم بدءوا بالسيئ فجازتهم.
وَالْفُحْش: مجاوزة القصد. ومنه قول الفقهاء: إذا فحش الدم على الثوب لم يعف عنه.
وعبارة الطبري: الفاحش: البذيء اللسان. وأصل الفحش عند العرب في كل شيء: خروج الشيء عن مقداره وحده حتى يستقبح، ولذلك يقال للرجل المفرط الطول الخارج عن حدِّ البائن المستحسن: فاحش الطول، يراد به قبيح الطول، غير أن أكثر ما استعمل ذلك في الإنسان -إذا وصف به غير موصول بشيء- في المنطق، فإذا قيل: فلان فاحش، ولم يوصل بشيء فالأغلب أن معناه أنه فاحش منطقه بذيء لسانه، ولذلك قيل للزنا: فاحشة؛ لقبحه وخروجه عما أباحه الله لخلقه. وقد قيل في قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [الأعراف: 28] معناه: والذين إذا زنوا.
قال ابن بطال: والفحش والبذاء مذموم كله، وليس من أخلاق المؤمنين، وقد روى مالك، عن يحيى بن سعيد: أن عيسى عليه السلام لقي خنزيرًا في طريق، فقال له: انفذ بسلام، فقيل له: تقول هذا للخنزير؟ فقال عيسى ابن مريم: إني أخاف أن أعوّد لساني المنطق السوء
(1)
.
فينبغي لمن ألهمه الله رشده أن يجتنبه ويعوّد لسانه طيب القول، ويقتدي في ذلك بالأنبياء، فهم الأسوة الحسنة.
فصل:
في حديث عائشة رضي الله عنها: أنه لا غيبة لفاسق معلن بفسقه وإن ذكر بقبيح أفعاله.
وفيه: جواز مصانعة الفاسق وإلانة القول له لمنفعة ترجى معه.
فصل:
قد أسلفنا أن هذا الرجل هو مخرمة بن نوفل، قد وجد ذلك بخط الدمياطي. وقال الداودي: يحتمل أن يريد بذلك عيينة بن حصن؛ لأنه الذي استأذن. وصرح به ابن بطال أنه عيينة الفزاري قال: وكان سيد قومه، وكان يقال له الأحمق المطاع، فرجا عليه السلام بإقباله عليه أن يسلم قومه، كما رجا حين أقبل على المشرك وترك حديثه مع ابن أم مكتوم الأعمى فأنزل الله:{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)} [عبس: 1 - 2] وإنما أقبل عليه السلام عليه بحديثه رجاء أن تسلم قبيلته بإسلامه
(2)
.
وستكون لنا عودة إليه في باب: المداراة والفرق بين المداراة والمداهنة إن شاء الله تعالى.
(1)
"الموطأ" ص 609.
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 230.
فصل:
في الحديث: أن من دعى على رجل بالهلاك لم يلحق بما فيه حد وتعزير؛ لأن دعاءه غير مقبول؛ لأنه دعاء ظالم، فلم يجد الدعاء منه محلًّا، كما يجد الشتم عرض المشتوم إذا أضاف الأمر القبيح إليه. وقد استعدى بنو عجلان عمر على النجاشي الشاعر حين هجاهم، فقال لهم: أنشدوني ما قال فيكم؟ فأنشدوه قوله:
إِذَا اللهُ عَادى أهْلَ لُؤْمٍ ورقة
…
فَعَادى بَنِي العَجْلَانِ رَهْطَ ابن مقبل
فقال عمر: إن كان ظالمًا فلا يستجاب له، وإن كان [مظلومًا]
(1)
فسوف يستجاب
(2)
له، وهذا على معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"يستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في"
(3)
.
فصل:
والمعتبة -كما قال الخطابي- مصدر عَتَبْت عليه أعتِب عَتْبًا
(4)
.
وقال الجوهري: وعتب عليه: وجد، يَعتُبُ ويَعتِبُ عتبًا ومعتبًا، قال: والتَّعَتُّب مثله، والاسم المعتبة والمعتَبة. قال الخليل: العتاب: مخاطبة الإدلال ومذاكرة الوجدة، تقول: عاتبته معاتبة.
قال الشاعر:
وَيَبقى الوُدُّ ما بَقِيَ العتاب
(5)
(1)
زيادة يقتضيها السياق.
(2)
في (ص 2): فسوق فيستجاب.
(3)
انظر: "أعلام الحديث" 3/ 2177 - 2178، وما بين المعقوفين منه. وأثر عمر ذكره أيضًا ثعلب في "مجالسه" 2/ 363 بنحوه.
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 2185.
(5)
"الصحاح" 1/ 175 - 176، وانظر "العين" 2/ 76.
فصل:
وقوله: (ترب جبينه). قال الخطابي: الدعاء بهذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يخرَّ لوجهه فيصيب التراب جبينه.
والثاني: أن يكون دعاءً له بالطاعة ليُصلى فيترب جبينه، والأول أشبه؛ لأن الجبين نفسه لا يُصلى عليه.
قال أبو العباس: الجبينان: يكتنفان الجبهة من جنبيها، ومنه {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103]
(1)
. ويحتمل ما أبداه الداودي، وهو أن هذِه كلمة تقولها العرب جرت على ألسنتهم، وهي من التراب، أي: سقط جبينه للأرض، وربما قالوا: رغم أنفه. وهو متقارب وهو الاحتمال الأول.
فصل:
قوله: ("بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ" أو "بِئْسَ ابن العَشِيرَةِ"). كذا هنا وفي رواية مالك الجزم بالثاني
(2)
.
وفيه: أن من أظهر الجفاء وما لا يجب يجوز أن يقال ذلك في غيبته، ولا تكون غيبة إذا جاهر بذلك.
قال الخطابي: وهذا ما يجب عليه بيانه وتعريفه للناس بذلك نصيحة وشفقة عليهم، ولكن لما أعطيه من حسن الخلق أظهر له البشاشة ولم يواجهه بمكروه لتقتدي به أمته في المداراة ليسلموا من الشر والغائلة
(3)
.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 2184.
(2)
"الموطأ" ص 563.
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2180.
ومعنى تطلق في وجهه: انشرح. قال الجوهري: ما تَطلقُ نفسي لهذا الأمر: ما تنشرح
(1)
، وهو معنى وجده طلق الوجه، أي: طليقه مسترسل منبسط غير عبوس.
(1)
"الصحاح" 4/ 1519.
39 - باب حُسْنِ الخُلُقِ وَالسَّخَاءِ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الْبُخْلِ
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لأخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هذا الوَادِي، فَاسمَعْ مِنْ قَوْلِهِ. فَرَجَعَ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ. [انظر: 3522]
6033 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -هُوَ ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهْوَ يَقُولُ:«لَنْ تُرَاعُوا، لَنْ تُرَاعُوا» . وَهْوَ على فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْىٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَقَالَ:«لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا» . أَوْ: «إِنَّهُ لَبَحْرٌ» . [انظر: 2627 - مسلم: 2307 - فتح 10/ 455]
6034 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا رضي الله عنه يَقُولُ: مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لَا. [مسلم: 2311 - فتح 10/ 455]
6035 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو يُحَدِّثُنَا، إِذْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ:«إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا» . [انظر: 3559 - مسلم: 2321 - فتح 10/ 456]
6036 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَةٍ -فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ شَمْلَةٌ. فَقَالَ سَهْلٌ: هِيَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا-
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكْسُوكَ هَذِهِ. فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَحْسَنَ هَذِهِ! فَاكْسُنِيهَا. فَقَالَ:«نَعَمْ» . فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَامَهُ أَصْحَابُهُ قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ. فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا. [انظر: 1277 - فتح 10/ 456]
6037 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ» . قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ الْقَتْلُ» . [انظر: 85 - مسلم: 157 - فتح 10/ 456]
6038 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، سَمِعَ سَلاَّمَ بْنَ مِسْكِينٍ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ. وَلَا: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلَا: أَلاَّ صَنَعْتَ؟. [انظر: 2768 - مسلم: 2309 - فتح 10/ 456]
(السَّخَاءِ) ممدود: الجود، واختلف السلف فيه هل هو مكتسب أم لا؟
فقال ابن مسعود وغيره: هو غير مكتسب ولا يحمد عليها. وقال آخرون: هو مكتسب ولولا ذلك ما أمر الشرع به.
ثم قال: وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ. وهذا سلف متصلاً، ثم قال: وقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هذا الوَادِي فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَجَعَ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وهذا سلف أيضًا.
ثم ساق ستة أحاديث مسندة:
أحدها:
حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، الحديث وقد سلف.
ومعنى: "لم تُرَاعُوا" لم تخافوا، من الروع، وأصله: لم تروعوا، تحركت الواو وقبلها حرف صحيح ساكن، فنقلت إليه الحركة وقلبت الواو ألفًا.
وقوله: (على فرس عُري) هو بضم العين وإسكان الراء وتخفيف الياء على زنة فُعْل كذا في "الصحاح" وابن فارس
(1)
. قال ابن التين: وقرأناه بكسر الراء وتخفيف الياء.
وقوله: (ما عليه سرج) أتى به على طريق البيان؛ لأن قوله: (عُرْيٍ) معناه: لا سرج عليه.
وفيه: دلالة على طهارة عرق الفرس.
وقوله: ("وجدناه بَحْرًا"). هو على الاتساع في الكلام، أي: واسع الجري.
الحديث الثاني:
حديث جابر: مَا سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لَا.
الحديث الثالث:
حديث عبد الله بن عمرو قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ:"إِنَّ خِيَارَكُمْ أحسنكم أَخْلَاقًا".
الحديث الرابع:
حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وفيه: وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ.
الحديث الخامس:
حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ العِلم، وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الهَرْجُ". وهو القتل.
(1)
"الصحاح" 6/ 2424، "مقاييس اللغة" ص 738.
الحديث السادس:
حديث أنس رضي الله عنه: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ. وَلَا: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلَا: أَلَّا صَنَعْتَ؟.
(وأخرجه مسلم في الفضائل)
(1)
، لا شك أن حسن الخلق من صفات النبيين والمرسلين وخيار المؤمنين، وكذلك السخاء من أشرف الصفات؛ لأن الله تعالى سمى نفسه الكريم الوهاب، وأما البخل فليس من صفات الأنبياء ولا الجلة الفضلاء، ألا ترى قوله عليه السلام يوم حنين:"لو كان عندي عدد سَمُر تهامة نعمًا لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا"
(2)
وقال ابن مسعود: أي داء أدوأ من البخل. وكان أبو حنيفة لا يجيز شهادة البخيل، فقيل له في ذلك، فقال: إنه نقص، ويحمله النقص على أن يأخذ فوق حقه.
فصل:
(الْبُرْدَةُ) قد فسرت في الأصل بأنها (الشملة منسوجة فيها حاشيتها).
وقال الداودي: تكون من صوف وكتان وقطن وتكون صغيرة كالمئزر وكبيرة كالرداء، وقيل لها: الشملة؛ لأنها يشتمل بها.
وقوله (منسوج فيها حاشيتها). يعني: أنها لم تقطع من بردة، ولكن فيها حاشيتها، وقال الجوهري: الشملة: (كل ما)
(3)
يشتمل به
(4)
،
(1)
من (ص 2).
(2)
سلف برقم (2821) كتاب: الجهاد، باب: الشجاعة في الحرب، من حديث جبير بن مطعم بنحوه، ورواه بلفظه الطبراني في "الأوسط" 2/ 242 (1864) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
(3)
في (ص 2): كساء.
(4)
"الصحاح" 5/ 1739.
والحاشية واحدة حواشي الثوب، وهي جوانبه
(1)
. وفي "جامع القزاز": حاشية الثوب: ناحيتاه، اللتان في طرفهما الهدب.
فصل:
قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "يتقارب الزمان" قيل: أراد قرب الساعة، يقول: إذا كان آخر الزمان كان من علامة الساعة الهرج والشُّح، ونقص الآجال، وقيل: أراد قصر مدة الأزمنة ونقصها عما جرت به العادة وهو معنى الحديث الآخر: "تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة"
(2)
. وقيل: أراد قِصرُ الأعمار. وقيل: أراد تقارب أحوال الناس في الشر والفساد. وقيل: معناه: يستوي ليله ونهاره. وقال الداودي: يقال: عند قيام الساعة تقصر ساعات النهار ويقرب النهار من الليل.
فصل:
("وينقص العلم"). أي: يقل، ويقل أهله، يريد عمل الطاعات. وقيل: ظهور الخيانة في الأمانات، والصناعات.
وقوله: ("وَيَكْثُرُ الهَرْجُ")، وهو القَتْلُ. قال الخطابي: هو بلسان الحبشة. وقال ابن فارس: إنه الفتنة والاختلاط، وقد هرج الناس يهرجون بالكسر هرجًا، وهكذا ذكره الهروي، وتأول الحديث عليه.
وذكر الجوهري الحديث، وأنه عليه السلام قال:"هو القتل" ولا يبعد أن
(1)
"الصحاح" 6/ 2313.
(2)
رواه أحمد 2/ 537 - 538 من حديث أبي هريرة، ورواه بنحوه الترمذي (2332) من حديث أنس.
يسمى الشيء باسم ما يئول إليه؛ لأن الفتنة والاختلاط يكون عنها الموت، وكلهم ضبطه بسكون الراء
(1)
.
وقوله: ("وَيُلْقَى الشُّحُّ") أي: البخل.
فصل:
(أفٍّ): كلمة تقال عند تكرُّه الشيء، وفيها لغات عديدة ذكر الجوهري منها تثليث الفاء مع التنوين وعدمه
(2)
.
فصل:
إن قلت: ما وجه قوله عليه السلام: "خِيَاركُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا" وهل الأخلاق مكتسبة فيتخير العبد منها أحسنها ويترك أقبحها؟ فإن كان كذلك فما وجه قوله عليه السلام: "اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي"
(3)
ومثله ما سأل ربه من ذلك بتحسين خلقه وأنت عالم أنه لا يحسنه غير ربه، فإذا كان الخلق فعلًا له لم يكن أيضًا محسن غيره، وفي ذلك بطلان حمد العبد عليه إن كان حسنًا، وترك ذمه إن كان سيئًا، فإن قلت ذلك كذلك قيل له: فما وجه قوله عليه السلام: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا"
(4)
و"إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم"
(5)
وقد علمنا أن العبد إنما يثاب على ما اكتسبه لا على ما خلق له من أعضاء جسده. قيل: قد اختلف السلف في ذلك،
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 2183، "مجمل اللغة" 2/ 904، "الصحاح" 1/ 350.
(2)
"الصحاح" 4/ 1331.
(3)
رواه أحمد 1/ 403، وابن حبان 3/ 239 (959) من حديث ابن مسعود.
(4)
رواه أبو داود (4682)، والترمذي (1162) من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(5)
رواه أحمد 6/ 187، وابن حبان 2/ 228 - 229 (480) من حديث عائشة.
فقال بعضهم: الخلق حسنه وقبيحه جبلة في العبد كلونه وبعض أجزاء جسمه، وقد أسلفنا ذلك مختصرًا.
ذكر من قال ذلك: روي عن ابن مسعود أنه ذكر عنده رجل فذكروا من خلقه، فقال: أرأيتم لو قطعتم رأسه أكنتم تستطيعون أن تخلقوا
(1)
رأسه؟ قالوا: لا. قال فلو قطعتم يده أكنتم تخلقون
(2)
له يدًا؟ قالوا: لا. قال: فإنكم لن تستطيعوا أن تغيروا خلقه
(3)
. وقال ابن مسعود: فرغ من أربعة: الخَلق والخُلق والرزق والأجل
(4)
.
وقال الحسن: من أعطي حسن الصورة وخُلقًا حسنًا وزوجة صالحة فقد أعطي خير الدنيا والآخرة. واعتلوا بما رواه الهمداني عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم"
(5)
قالوا: فهذا الحديث يبين أن الأخلاق من إعطاء الله عباده، ألا ترى تفاوتهم فيه كتفاوتهم في الجبن والشجاعة، والبخل والجود، ولو كان الخلق اكتسابًا للعبد لم تختلف أحوال الناس فيه، ولكن ذلك غريزة.
فإن قلت: فإن كان كذلك فما وجه ثواب الله على حسن الخلق إن كان غريزة؟ قيل: إنه لم يُثِبْ على خلقه ما خلق وإنما أثابه على استعماله
(1)
في الأصل: تجعلوا.
(2)
في الأصل: تجعلون.
(3)
رواه الطبراني 9/ 178 (8884)، وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 196: رجاله ثقات.
(4)
رواه الطبراني 9/ 193 (8953)، والدارقطني 4/ 200.
(5)
رواه أحمد 1/ 387، والحاكم 2/ 447 من طريق مرة الهمداني، عن ابن مسعود مرفوعًا، ورواه البخاري في "الأدب المفرد"(275) من طريق مرة أيضًا موقوفًا.
وانظر "السلسلة الصحيحة"(2714).
ما خلق فيه من ذلك فيما أمر باستعماله فيه نظير الشجاعة المخلوقة فيه، وأمره باستعمالها عند لقاء عدوه، وأثابه على ذلك، وإن استعملها في غير لقاء عدوه عاقبه على ذلك، فالثواب والعقاب على الطاعة والمعصية لا على ما خلق الله في العبد. وقال آخرون: أخلاقه -حسنها وسيئها- مكتسبة فيحمد على الجميل منها، ويثاب على ما كان منها طاعة، ويعاقب على ما كان منها معصية. ولولا أنها للعبد كسب لبطل الأمر به والنهي عنه.
قوله عليه السلام لمعاذ: "اتق الله حيثما كنت وخالق الناس بخلق حسن"
(1)
البيان عن صحة ما قلناه؛ لأن ذلك لو كان طبعًا في العبد هيأه الله عليه لاستحال الأمر به والنهي عن خلافه كاستحالة أمر (من)
(2)
لا بصر له بأن يكون له بصر، ولذلك كان الحكماء يوصون بالحسن منه، وروى ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: قال لي عمر بن الخطاب: يا قبيصة، أراك شابًا فصيح اللسان فسيح الصدر، وقد يكون في الرجل عشرة أخلاق، تسعة صالحة وخلق سيئ، فيفسد التسعة الصالحة الخلق السيئ، فاتق عثرات الشباب
(3)
.
وقال الشعبي: قال صعصعة بن صوحان لابن أخيه زيد بن صوحان:
خالص المؤمن وخالق الفاجر، فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن
(4)
.
(1)
رواه الترمذي (1987)، وأحمد 5/ 153 عن أبي ذر، ومعاذ.
(2)
من (ص 2).
(3)
رواه البيهقي 5/ 181.
(4)
رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" 3/ 1017.
40 - باب كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ
؟
6039 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ. [انظر: 676 - فتح 10/ 461]
ذكر فيه حديث الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ.
(هذا الحديث سلف في الصلاة)
(1)
.
المهنة -بكسر الميم وفتحها- قال شمر عن مشايخه: هي بنصب الميم، وكسرها خطأ، وكذا في "الصحاح" أنها بالفتح، وزاد: حكى أبو زيد والكسائي الكسر، وأنكره الأصمعي
(2)
.
قال ابن التين: وبالكسر قرأناه، ولا شك أن أخلاق الأنبياء والمرسلين التواضع والتذلل في أفعالهم، والبعد عن الترفه والتنعم، فكانوا يمتهنون أنفسهم فيما تعين لهم؛ ليسنوا بذلك فيُسلك سبيلهم وتُقْتَفَى (آثارهم)
(3)
.
وقول عائشة رضي الله عنها: (كان في مهنة أهله)، يدل على دوام ذلك من فعله متى عرض له ما يحتاج إلى إصلاحه؛ لئلا يخلد إلى الدعة والرفاهية التي ذمها الله وأخبر أنها من صفات غير المؤمنين، فقال:{وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل: 11].
(1)
من (ص 2).
(2)
"الصحاح" 6/ 2209، مادة (مهن).
(3)
من (ص 2).
روى سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنه سألها: ما كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: يخصف النعل ويرقع الثوب
(1)
.
وفي حديث آخر: "أما أنا فأتزر بالكساء وأجلس بالأرض وأحلب شاة أهلي" وقال ابن مسعود: إن الأنبياء من قبلكم كانوا يلبسون الصوف، ويركبون الحمر، ويحلبون الغنم. وهذِه كانت سيرة سلف هذِه الأمة، ويأتي في باب التواضع من الرقاق جملة من سيرتهم في ذلك.
(1)
رواه أحمد 6/ 167، والبخاري في "الأدب المفرد"(540).
41 - باب المِقَةِ مِنَ اللهِ تَعَالَى
6040 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبَّهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ» . [انظر: 3209 - مسلم: 2637 - فتح 10/ 461]
ذكر فيه حديث مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أَحَبَّ اللهُ العبدَ نَادى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبَّهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ".
الشرح:
(المقة) بكسر الميم وفتح القاف (المحبة)
(1)
، والهاء عوض من الواو مثل سَنة وسِنة، يقال: ومق يمق -بالكسر فيهما- أي: أحب، المراد: بوضع القبول المحبة في الناس، قيل: هو معنى قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]، قال ابن عباس: يحبهمِ ويحببهم إلى الناس
(2)
، وقال بعض أهل التفسير في قوله تعالى:{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39] أي: حببتك إلى عبادي، وروى مالك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن سهيل، عن أبيه، عنه، وقال فيه مالك: لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك
(3)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 7/ 151 (34776).
(3)
"الموطأ" ص 591 (15).
(وهذا أخرجه مسلم عن زهير بن حرب، عن جرير، عن سهيل به، وذكر المحبة، ثم قال:"وإذا أبغض عبدًا؛ دعا جبريل عليه السلام فيقول: إني أبغض فلانًا، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه قال: فيبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض".
ثم قال: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا يعقوب -يعني: ابن عبد الرحمن القاري- وقال قتيبة: ثنا عبد العزيز -يعني الدراوردي، وحدثناه سعيد بن عمرو الأشعثي، أنا عبثر، عن العلاء بن المسيب، وحدثني هارون بن سعيد الأيلي، ثنا ابن وهب، حدثني مالك، كلهم عن سهيل بهذا الإسناد، غير أن حديث العلاء ليس فيه ذكر البغض
(1)
.
فائدة)
(2)
:
فدلت زيادة مالك في هذا الحديث على خلاف ما تقوله القدرية: إن الشر من فعل العبد وليس بخلق الله، وبأن كل خير وشرٍّ، نفع وضر من خلق الله، لا خالق غيره، تعالى الله عما يشركون.
(1)
مسلم (2637/ 157) كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدًا حببه إلى عباده.
(2)
من (ص 2).
42 - باب الحُبِّ فِي اللهِ
6041 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ الْمَرْءَ، لَا يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ، وَحَتَّى يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا» . [انظر: 16 - مسلم: 43 - فتح 10/ 463]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَجِدُ أَحَدٌ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ المَرْءَ، لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ، وَحَتَّى يَكُونَ اللهُ (عز وجل)
(1)
وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا".
هذا الحديث سلف في الإيمان، ومعنى:("أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا") أي: أنه يحبهما أشد من نفسه ومن جميع الخلق، وصفة التحاب في الله أن يكون كل واحد منهما لصاحبه في تواصلهما وتحابهما بمنزلة نفسه في كل ما نابه، كما روى الشعبي عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثل المؤمنين كمثل الجسد، إذا اشتكى منه شيئًا تداعى له سائر الجسد"
(2)
، وكقوله عليه السلام:"المؤمن للمؤمن كالبينان يشد بعضه بعضًا" سلف قريبًا
(3)
، وروى شريك بن أبي نمر، عن أنس مرفوعًا:"المؤمن مرآة المؤمن"
(4)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
سلف برقم (6011) كتاب: الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم.
(3)
سلف برقم (6026) باب: تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا، من حديث أبي موسى.
(4)
رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 325 (2114)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 105 - 106 (124).
ورواه عبد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة مرفوعًا بزيادة:"إذا رأى فيه عيبًا، أصلحه"
(1)
.
قال الطبري: فالأخ المؤاخي في الله كالذي وصف به الشارع المؤمن للمؤمن في أن كل واحد منهما لصاحبه بمنزلة الجسد الواحد؛ لأن ما سرَّ أحدهما سرَّ الآخر، وما ساء أحدهما ساء الآخر، وأن كل واحد منهما عون لصاحبه في أمر الدنيا والآخرة كالبنيان، وكالمرآة له في توقيفه إياه على عيوبه ونصيحته له في المشهد والمغيب، وتعريفه إياه من خطئه وما فيه صلاحه ما يخفى عليه. وهذا النوع في زماننا هذا أعز من الكبريت الأحمر، وقد قيل: هذا قبل هذا الزمان، كان يونس بن عبيد يقول: ما أنت بواجدٍ شيئًا أجل من أخ في الله أو درهم طيب
(2)
.
فإن قلت: الحب في الله والبغض فيه واجب هو أم فضل؟ قيل: بل واجب، وهو قول مالك، يدل له رواية الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا:"والذي نفسي بيدي لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم"
(3)
وما أمرهم به فعليهم العمل به، ألا ترى أنه عليه السلام أقسم حق القسم بما ذكر، فحقيق على كل ذي لب أن يخلص (المودة)
(4)
والحب لأهل الإيمان، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الحب في الله والبغض فيه من أوثق عرى الإيمان" من حديث
(1)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(238).
(2)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 3/ 17.
(3)
رواه مسلم (54) كتاب: الإيمان، باب: لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.
(4)
في (ص 2): الموجدة.
ابن مسعود والبراء
(1)
.
وروي عن ابن مسعود قال: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أن قل لفلان الزاهد: أما زهدك في الدنيا فتعجلت به راحة نفسك وأما انقطاعك إليَّ فقد تعززت بي فماذا عملت فيما لي عليك؟ قال: يا رب، ومالك عليَّ؟ قال: هل واليت لي وليًّا، وعاديت (في)
(2)
عدوًّا
(3)
.
(1)
حديث ابن مسعود رواه الطيالسي 1/ 295 (376)، والطبراني 10/ 220 (10531)، والحاكم 2/ 480. وحديث البراء رواه أحمد 4/ 286، والطيالسي 2/ 110 (783)، وابن أبي شيبة 6/ 169 (30411).
(2)
في الأصل: لي.
(3)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 10/ 316 - 317.
43 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى} إلى {الظَّالِمُونَ} . [الحجرات: 11]
6042 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَنْفُسِ، وَقَالَ:«بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا» . وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَوُهَيْبٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ:«جَلْدَ الْعَبْدِ» . [انظر: 3377 - مسلم: 2855 - فتح 10/ 463]
6043 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى: «أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» . قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» . قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «بَلَدٌ حَرَامٌ، أَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» . قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «شَهْرٌ حَرَامٌ» . قَالَ: «فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» . [انظر: 1742 - فتح 1/ 463]
ذكر فيه حديث سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَنْفُسِ، وَقَالَ:"بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الفَحْلِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا". وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَوُهَيْبٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ:"جَلْدَ العَبْدِ".
وحديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِنًى: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هذا؟ ". قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. إلى أن قال: "فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا فِي بَلَدِكُمْ هذا فِي شَهْرِكُمْ هذا".
(وهذا الحديث سلف في الحج)
(1)
، قال المفسرون في الآية المذكورة معنى {لَا يَسْخَرْ}: لا يطعن بعضهم على بعض، أي: لا يستهزئ قوم بقوم. {عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} عند الله، ومن هذا المعنى نهيه عليه السلام أن تضحك مما يخرج من الأنفس أي: من الإحداث؛ لأن الله سوى بين خلقه الأنبياء وغيرهم في ذلك، فقال في مريم وعيسى عليهما السلام:{كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75] كناية عن الغائط، ومن المحال أن يضحك أحد من غيره أو بغيره بما يأتي هو بمثله ولا ينفك منه، وقد حرم الله عرض المؤمن، كما حرم دمه وماله، فلا يحل الهزء ولا السخرية بأحدٍ، وأصل هذا إعجاب المرء بنفسه وازدراء غيره، وكان يقال: من العجب أن ترى لنفسك الفضل على الناس وتمقتهم ولا تمقت نفسك.
وقد روى ثابت، عن أنس رضي الله عنه، أنه عليه السلام قال:"لو لم تكونوا تذنبون لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك: العجب، العجب"
(2)
.
وقال مطرف: لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحب إلى من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا
(3)
.
وقال خالد الربعي: في الإنجيل مكتوب: المستكبر على أخيه بالدين بمنزلة القاتل.
(1)
من (ص 2).
(2)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(3633)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 453 (7255). وقال الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 2/ 966 (3533): فيه سلام بن أبي الصهباء، قال البخاري: منكر الحديث، وقال أحمد: حسن الحديث، ورواه الديلمي في "مسند الفردوس" من حديث أبي سعيد بسند ضعيف جدًّا.
(3)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 2/ 200.
44 - باب مَا يُنْهَى مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ
6044 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» . تَابَعَهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. [انظر: 48 - مسلم: 64 - فتح 10/ 464]
6045 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَرْمِى رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ، وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ، إِلاَّ ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ» . [انظر: 3508 - مسلم: 61 - فتح 10/ 464]
6046 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ:«مَا لَهُ، تَرِبَ جَبِينُهُ» . [انظر: 6031 - فتح 10/ 464]
6047 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ- حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهْوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ» . [انظر: 1363 - مسلم: 110 - فتح 10/ 464]
6048 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ -رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ» . فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: تَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ. فَقَالَ: أَتُرَى بِي بَأْسٌ؟ أَمَجْنُونٌ أَنَا؟ اذْهَبْ. [انظر: 3282 - مسلم: 2610 - فتح 10/ 465]
6049 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَإِنَّهَا رُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» . [انظر: 49 - فتح 10/ 465]
6050 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ المَعْرُورِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدًا فَقُلْتُ: لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً، وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ. فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ مِنْهَا، فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِي:«أَسَابَبْتَ فُلَانًا؟» . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ؟» . قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» . قُلْتُ: عَلَى حِينِ سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ! قَالَ: «نَعَمْ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ» . [انظر: 30 - مسلم: 1661 - فتح 10/ 465]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث أبي وَائِلٍ أخرجه عن سليمان بن حرب، ثنا شعبة، عن منصور، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ". تَابَعَهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ.
والفسوق: الإثم، وأصله: الخروج عن طريق الحق والعدل.
ومعنى "قِتَالُهُ كُفْرٌ": إن استحله، وقال الداودي: إن قتاله على غير تأويل مستنكر كتأويل الخوارج فهو أعظم من ذلك، وهو مبتدع، فإن قاتله بتأويل قريب كتأويل إسلامه في وصيته فهو معذور فيه.
الحديث الثاني:
حديث يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ، وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ".
و (أَبَو الأَسْوَدِ): ظالم بن عمرو بن سفيان بن عمرو بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، شهد صفين مع علي، وولّي قضاء البصرة لابن عباس، ومات بها في الطاعون الجارف، وأول من تكلم بالنحو، هكذا سماه ابن الكلبي، وقال غيره: ظالم بن سارق، وقيل: عكسه.
و (أبو ذَرٍّ): اسمه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار.
الحديث الثالث:
حديث أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا لَعَّانًا. الحديث سلف قريبًا.
الرابع:
حديث ثابت بن الضحاك مرفوعًا "مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ فَهْو كَمَا قَالَ، -قال-: وَلَيْسَ عَلَى ابن آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ (فِي الدُّنْيَا)
(1)
عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهْو كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْو كَقَتْلِهِ". وفي بعض الروايات:"من حلف متعمدًا"
(2)
أي: حلف على وجه التعظيم.
(1)
عليها في الأصل: (لا .. إلى).
(2)
سلف برقم (1363) كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في قاتل النفس، بلفظ "من حلف بملة غير الإسلام، كاذبًا متعمدًا".
ووجه الحديث الآخر: "من قال في يمينه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله"
(1)
إنما هو على وجه الخطأ منه، قال أبو عبد الملك: عن الداودي: من قال في شيء كان فهو على غير الإسلام إن كان ذلك ويتعمد الكذب، ويطمئن قلبه بالكفر، فهو كذلك، ومن لم يرد الكفر وحلف كاذبًا فقد عظم ذنبه، وقارب الكفر. ومن حلف بذلك أن لا يفعل شيئًا، أو ليفعل، فليستغفر الله.
وقوله: ("وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهْوَ كَقَتْلِهِ") المراد أنه حرام كقتله لا أنهما سواء. قاله أبو عبد الملك. وقال الداودي: يحتمل أن يستوي إثمهما فيكون فيه القصاص والعقوبة بما جعل الله في ذلك، ولعله أن يكون بعض ذلك أشد من بعض كتفاضل القتلين.
وقوله: ("وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ") قال أبو عبد الملك: فيه مثل الأول أن كل واحد منهما حرام وليسا متساويين في الإثم، وقال الطبري: يريد في بعض معناه، لا في الإثم والعقوبة، ألا ترى أن من قتل مؤمنًا عليه القود دون من لعنه فإنه الإبعاد من الرحمة والقتل إبعاد من الحياة وإعدام منها، التي بها يصير المؤمن كالبنيان، وعون بعضهم لبعض، وكذلك من رمى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ؛ لما أجمع المسلمون أن لا يقتل في رميه له بالكفر، علم أن التشبيه وقع بينهما في معنى يجمعهما، وهو ما قلناه.
وقوله: ("ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة") يريد: إن أنفذ الله عليه وعيده، قال الداودي: فقد يكون من عذاب
(1)
سيأتي برقم (6107) كتاب: الأدب، باب: من لم يرَ إكفار من قال هذا متأولًا أو جاهلاً.
يوم القيامة ما يناله من الكرب والفزع والوقوف والشمس في دنوها من الخلق وما يناله من المشقة في جواز الصراط من خدش الكلاليب، وهذا التأويل لا يصح على رواية من روى "عذب به" وهي رواية أبي ذر، والظاهر كما قال ابن التين خلاف قول الداودي؛ لأنه ذكر قبل هذا في البخاري:"ومن تردى من جبل، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه"
(1)
.
الحديث الخامس:
حديث سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ -رجل مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا، فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الذِي يجده". فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: تَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ. فَقَالَ: أَتُرى بِي بَأْسًا؟ أَمَجْنُونٌ أَنَا؟ اذْهَبْ.
السادس:
حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ. الحديث.
معنى "تَلَاحَى": أي تنازعا، قاله الجوهري وابن فارس
(2)
، وفي المثل: من لاحاك فقد عاداك. وقال في "الغريبين" للهروي: اللحاء والملاحاة كالسباب، وقال الداودي: تماريا، ومعنى "رُفعت": رُفع تعيينها بسبب التلاحي عقوبة.
(1)
سلف برقم (5778) كتاب: الطب، باب: شرب السم. من حديث أبي هريرة.
(2)
"الصحاح" 6/ 2481، "المجمل" 2/ 804.
وقوله: "عسى أن يكون خيرًا لكم" أي: في تغييب عينها عنكم لتجتهدوا فيها في سائر الليالي.
وقوله: ("فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ") قيل: التَّاسِعَةِ: ليلة إحدى وعشرين، وَالسَّابِعَةِ: ليلة ثلاث وعشرين، وهو قول مالك
(1)
.
وقيل التاسعة: ليلة تسع وعشرين، والسابعة: ليلة سبع وعشرين.
الحديث السابع:
حديث أبي ذر رضي الله عنه مع غلامه، (فَقَالَ)
(2)
: "أَسَابَبْتَ فُلَانًا؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "أَفنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ". وفي أوله: عليه برد وعلى غلامه برد.
قال الداودي: البردان: رداءان أو كساءان.
وقوله: ("إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ") أي: أنت في تعييره بأمه على خلق من أخلاقهم؛ لأنهم كانوا يتفاخرون بالإنساب، وفيه نزلت:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)} ولم يرد في كفرهم.
وقوله: ("فليطعمه مما يأكل") قال الداودي: (من) توجب التبعيض، وفي حديث آخر في "الصحيح":"فليجلسه معه أو ليطعمه لقمة أو لقمتين، فإنه ولي حَرَّهُ وعلاجَه"
(3)
وقيل لمالك: أيأكل الرجل من طعام لا يأكل منه عياله ورقيقه، ويلبس ثيابا لا يكسوهم؟ قال:
(1)
"المدونة" 1/ 207.
(2)
من (ص 2).
(3)
سلف برقم (5460) كتاب: الأطعمة، باب: الأكل مع الخادم. من حديث أبي هريرة.
أراه من ذلك في سعة، ولكن يكسوهم ويطعمهم. قيل له: فحديث أبي ذر؟ قال: كانوا يومئذ ليس لهم هذا القوت. وقوله: ("ولا يكلفه من العمل ما (يغلبه)
(1)
، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه") قال مالك: كان عمر يخرج إلى الحوائط يخفف عمن أثقل عليه من الرقيق في عمله، ويزيد في رزق من قلل رزقه، قال: وأصاب من الولاة من أمر أن يخفف عن البعير والبغل المثقلين، قال: وأكره ما أحدث من إجهاد العبيد، قال: والعمل الذي لا يتعب بالمعروف لا بأس به، إذا كان عمل يتعب بالنهار فلا يطحن بالليل.
فصل:
سباب المؤمن فسوق؛ لأن عرضه حرام كدمه وماله، فالمؤمن لا ينبغي أن يكون سبابًا ولا لعانًا، ويقتدي في ذلك بالشارع؛ لأن السب سبب للفرقة والبغضة، وقد مَنَّ الله على المؤمنين بما جمعهم عليه من ألفة الإسلام. قال تعالى:{فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل عمران: 103] الآية، وقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وكما لا ينبغي سب أخيه في النسب كذا في الإسلام، ولا ملاحاته، ألا ترى أن الله دفع تعيين ليلة القدر وحرمهم علمها عقوبة بتلاحي الرجال بحضرة الشارع
كما سلف.
وقوله: ("إنك امرؤ فيك جاهلية") غاية في ذمه وتقبيحه؛ لأن أمور الجاهلية حرام زائلة بالإسلام، وواجب على كل مسلم هجرانها واجتنابها، وكذلك الغضب هو من نزغات الشيطان فينبغي للمؤمن مغالبة نفسه عليه، والاستعاذة بالله من الشيطان فإنه دواء الغضب؛
(1)
في (ص 2): لا يطيقه.
لقوله عليه السلام: ("إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجده") يعني: التعوذ بالله من الشيطان.
فصل:
وقوله ("وَقِتَالُهُ كُفْرٌ") معناه: التحذير له من مقاتلته والتغليظ فيه، يريد أنه كالكفر فلا يقاتله، وهذا كما يقال: الفقر الموت، أي: كالموت، ونظير هذا قوله عليه السلام:"كفر بالله من انتفى من نسب وإن دق أو ادعى نسبا لا يعرف"
(1)
ولم يرد أن من انتفى من نسبه أو ادعى نسبا غير نسبه كان خارجا من الإسلام، ومثله في الكلام كثير، وسلف في الإيمان في باب: خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر زيادة في ذلك، وسيأتي شيء وسيكون لنا عودة في الكلام على حديث: "لَعْنَ
المؤمن كقَتْلِهِ" قريبا في باب من كفَّر أخاه بغير تأويل في كتاب الأيمان والنذر
(2)
.
فصل:
وسلف معنى (ترب جبينه) أي: أصابه التراب، ولم يرد الدعاء على ما فسره أبو عمرو الشيباني من قوله: تربت يمينك، وسيأتي قريبا في باب قوله: تربت يمينك.
(1)
رواه ابن ماجه (2744)، وأحمد 2/ 215 من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
(2)
سيأتي برقم (6652) باب: من حلف بملة سوى الإسلام. من حديث ثابت بن الضحاك.
45 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ نَحْوَ قَوْلِهِمُ: الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ؟ ". وَمَا لَا يُرَادُ بِهِ (من)
(1)
شَيْنِ الرَّجُلِ.
6051 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِي الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلَاةُ. وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُ ذَا الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟. فَقَالَ:«لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ» . قَالُوا: بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «صَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ» . فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. [انظر: 482 - مسلم: 573 - فتح 10/ 468]
ثم ساق حديث ذي اليدين من طريق أبي هريرة رضي الله عنه، وقد سلف. وهذا فيما لا يراد به عيبة، وهو مذهب جماعة، والأحاديث شاهدة له. ورأى قوم من السلف أن وصف الرجل بما فيه من الصفة (عيب)
(2)
له. قال شعبة: سمعت معاوية بن قرة يقول: لو مر بك أقطع فقلت: ذاك الأقطع، كانت منك غَيبة
(3)
. وعن الحسن: لا تخافون أن يكون قولنا حميد الطويل غيبة
(4)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
في (ص 2): غيبة.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 232 (25534).
(4)
رواه هناد في "الزهد" 2/ 567 (1188).
وكره قتادة أن يقال: كعب الأحبار، وسلمان الفارسي، ولكن كعب المسلم وسلمان المسلم.
روى سليمان الشيباني، عن حسان بن المخارق: أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها، فلما قامت لتخرج أشارت عائشة بيدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قصيرة، فقال عليه السلام:"اغتبتيها"
(1)
.
وروى موسى بن وردان، عن أبي هريرة، أن رجلاً قام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا في قيامه عجزًا فقالوا: يا رسول الله، ما أعجز فلان؟ فقال عليه السلام:"أكلتم أخاكم واغتبتموه"
(2)
.
قال الطبري: وإنما يكون ذلك غيبة من قائله إذا قاله على وجه الذم والعيب للمقول فيه وهو له كاره، وعن مثل هذا ورد النهى، فأما إذا قاله على وجه التعريف والتمييز له من سائر الناس، كقولهم: يزيد الرشك، وحميد (الأرقط)
(3)
، والأحنف بن قيس. والنسبة إلى الأمهات، كإسماعيل بن علية، وابن عائشة، فإن ذلك بعيد من معنى الغيبة
(4)
. وهو ظاهر إيراد البخاري، حيث استدل بحديث ذي اليدين.
فصل:
اختلف المفسرون في قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] فروى الأعمش عن أبي جبيرة بن الضحاك، قال: كان أهل
(1)
رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" 3/ 921 (1613)، وابن أبي الدنيا في "الصمت"(206).
(2)
رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 145 (458)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 304 (6733) من طريق ابن أبي حميد، عن موسى بن وردان، به.
(3)
وقع في الأصل: الأوقص.
(4)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 243 - 244.
الجاهلية لهم الألقاب، للرجل منهم الاسمان والثلاثة، فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً منهم بلقبه، فقالوا: يا رسول الله، إنه يكره ذَلِكَ، فنزلت
(1)
.
وعن ابن مسعود والحسن وقتادة وعكرمة أن اليهودي والنصراني كان يسلم، فيلقب به فيقال: يا يهودي يا نصراني، فنهوا عن ذَلِكَ، ونزلت. وعن ابن عيينة: لا تقل: كان يهوديًّا ولا مشركًا.
وحديث الباب كما قدمناه شاهد به على ما إذا قاله على وجه التعريف، ويبين أن الآية فيمن أراد عيب الرجل وتنقصه، ولهذا استجاز العلماء ذكر العاهات، لرواة الحديث.
روى أبو حاتم الرازي، ثنا عبدة قال: سئل ابن المبارك، عن الرجل يقول: حميد الطويل، سليمان الأعمش، حميد الأعرج، ومروان الأصفر. فقال عبد الله: إذا أراد صفته ولم يرد عيبه فلا بأس به.
وسئل عبد الرحمن بن مهدي عن ذَلِكَ، فقال: لا أراه غيبة، ربما سمعت شعبة يقول ليحيى بن سعيد: يا أحول ما تقول؟ يا أحول، ما ترى؟ ذكره ابن القرطبي
(2)
في كتاب "الألقاب".
(1)
رواه أبو داود (4962)، والترمذي (3268) كلاهما من طريق عامر الشعبي، عن أبي جبيرة، به.
(2)
هكذا في الأصل غير منقوطة، ولعل صوابه:(ابن الفوطي) وهو كمال الدين، عبد الرزاق بن أحمد بن محمد المعروف بابن الفوطي البغدادي، واسم كتابه:"مجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب". انظر "كشف الظنون" 2/ 1597.
46 - باب الغِيبَةِ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ} الآية [الحجرات: 12]
6052 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» . ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ، فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ:«لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» . [انظر: 216 - مسلم: 292 - فتح 10/ 469]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على قَبْرَيْنِ، الحديث.
وموضع الحاجة قوله: "أما أحدهما فكان لا يستتر من (بوله)
(1)
، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة".
الشرح:
الغيبة قد فسرها الشارع في مرسل مالك، عن الوليد بن عبد الله بن صياد، أن المطلب بن عبد الله بن حنطب أخبره أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الغيبة؟ قال: "أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع وإن كان حقًّا، فإن قلت باطلاً فذلك البهتان"
(2)
، (وحديث متصل أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أرأيت
(1)
في (ص 2): البول.
(2)
"الموطأ" ص 610.
إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته".
وأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح
(1)
)
(2)
. ولم يذكر البخاري حديثًا في الغيبة، وإنما ذكر النميمة، (وإن كان حديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنه السالفين في الحج:"وأعراضكم"
(3)
كاف فيه؛ لأنه أراد أنها)
(4)
في معناها؛ لكراهة المرء أن يذكر عنه بظهر الغيب، فأشبهتها من هذِه الجهة.
والغيبة المحرمة عند أهل العلم في اغتياب أهل الستر من المؤمنين، ومن لا يعلن بالمعاصي، فأما من جاهر بالكبائر فلا غيبة فيه.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم قال: إنما الغيبة فيمن لم يعلن بالمعاصي
(5)
.
وسيأتي غيبة أهل المعاصي قريبًا في باب ما يجوز منها.
والغيبة من الذنوب العظام التي تحبط الأعمال.
وفي الحديث: أنها "تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب"
(6)
.
(1)
مسلم (2589) كتاب: البر والصلة، باب: استحباب العفو، أبو داود (4874)، الترمذي (1934)، النسائي في "الكبرى" 6/ 467 (11518).
(2)
من (ص 2).
(3)
حديث ابن عباس سلف برقم (1739)، وحديث ابن عمر سلف برقم (1742).
(4)
من (ص 2).
(5)
"جامع معمر" 11/ 178 (20259).
(6)
لم أجده، وإنما رواه أبو داود (4903) من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ:"إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات .. " وضعفه الألباني في "الضعيفة"(1902).
وقد قيل: إنها تفطر الصائم بإحباط أجره.
وقد تأوَّل بعض أهل العلم في حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم"
(1)
أنهما كانا يغتابان، كما سلف. وكذلك قال النخعي: ما أبالي اغتبت رجلاً أو شربت ماء باردًا في رمضان. وعنه عليه السلام: "ما صام من ظل يأكل لحوم الناس"
(2)
ولعظم وزر الغيبة وكثرة ما تحبط من الأجر كف جماعة من العلماء عن اغتياب جميع الناس، حتَّى لقد روي عن ابن المبارك أنه قال: لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديّ، فإنهما أحق الناس بحسناتي.
وقال رجل لبعض السلف: إنك قلت فيَّ. قال: أنت إذًا أكرم عليَّ من نفسي.
وقيل للحسن البصري: إن فلانًا اغتابك. فبعث إليه طبقًا من (الطبرزد)
(3)
، فقال: بلغني أنك أهديت إليَّ حسناتك، فأردت أن أكافئك بها.
والآثار في التشديد فيها كثيرة، وقد جاء حديث شريف في أجر من نصر من اغتيب عنده.
روى عبد الرازق، عن معمر، عن أبان، عن أنس، رفعه:"من اغتيب عنده أخوه المسلم فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة، وإن لم ينصره أدركه الله به في الدنيا والآخرة"
(4)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 273 (8890) من حديث أنس، ورواه بنحوه الطيالسي 3/ 557 (2221).
(3)
في (ص 2): الطرف.
(4)
"جامع معمر" 11/ 178 (20258).
(وروينا في "سنن أبي داود" من حديث جابر وأبي طلحة مرفوعًا: "ما من امرئ يخذل امرأً مسلمًا. في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يجب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته"
(1)
وروينا في "جامع الترمذي" من حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "من ردَّ عن عرض أخيه ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة" ثم قال: حديث حسن)
(2)
(3)
.
(1)
أبو داود (4884).
(2)
الترمذي (1931).
(3)
ما بين القوسين من (ص 2).
47 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ»
6053 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ» . [انظر: 3789 - مسلم: 2511 - فتح 10/ 471].
وذكر فيه حديث أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ".
هذا الحديث سلف، وأبو الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان، وأبو سلمة اسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو أُسيد -بالضم- اسمه مالك بن ربيعة.
كذا ترجم، وأدخل فيه:"خير دور الأنصار بنو النجار" وهو لائح. وأما المهلب فذكره، وابن بطال بحذف لفظ "دور" ثم قال: وإنما أراد أهل الدور، كقوله:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وقوله: {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: 82] يريد أهلها. قال: وقد جاء كذلك مصرحًا في غير هذا الموضع
(1)
. قلت: بل هو هنا كذلك كما أسلفناه.
وقال ابن قتيبة: الدور هنا: القبائل، يدل عليه الحديث الآخر: ما بقي دار إلا بني فيها مسجد، أي: قبيلة. وإنما استوجب بنو النجار الخير لمسارعتهم إلى الإسلام، وقد (بينه)
(2)
الشارع في حديث الأقرع بن حابس، حين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما بايعك سراق
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 248.
(2)
في الأصل: (رتب).
الحجيج من طيء وأسلم وغفار -يريد تهجين هذِه القبائل الضعيفة القليلة العدد المسارعة (إليك)
(1)
؛ لقلتها وضعفها؛ لتكثر بك وبأصحابك، لتعز من ذلتها- فقال عليه السلام:"أرأيت إن كانت أسلم وغفار ومزينة خيرًا من بني تميم"
(2)
لمسارعتها إلى الإسلام، فاستوجبت بذلك ما أثنى الله عليها في القرآن بقوله:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} الآية [التوبة: 100] ولذلك استوجب بنو النجار بالمسارعة إلى الإسلام من الخيرية ما لم يستوجبه بنو عبد الأشهل المتباطئون بالإسلام.
فإن قلت: ما وجه دخول هذِه الترجمة في أبواب الغيبة؟
قيل: معناه ظاهر، وهو أنه دال على أنه يجوز للعالم المفاضلة بين الناس وينبه على فضل الفاضل، ونقص من لا يلحق بدرجته في الفضل، ولا يكون ذلك من باب الغيبة، كما لم يكن ذكره عليه السلام لغير بني النجار أنهم دون بني النجار في الفضل من باب الغيبة. ومثل هذا اتفق المسلمون من أهل السنة أن الصديق أفضل من عمر، وليس ذَلِكَ غيبة (لعمر)
(3)
ولا نقصًا له، وكذلك جاز لابن معين وغيره من أئمة الحديث تجريح الضعفاء، وتبيين أحوالهم؛ خشية التباس أمرهم على العامة، واتخاذهم أئمة وهم غير مستحقين للإمامة. (والله الموفق)
(4)
.
(1)
في الأصل: (إليها).
(2)
سلف برقم (3516) كتاب: المناقب، باب: ذكر أسلم، وغفار، ومزينة
…
من حديث أبي بكرة.
(3)
من (ص 2).
(4)
من (ص 2).
48 - باب مَا يَجُوزُ مِنِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالرِّيَبِ
6054 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«ائْذَنُوا لَهُ، بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ أَوِ ابْنُ العَشِيرَةِ» . فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ الَّذِي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الكَلَامَ! قَالَ:«أَيْ عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ -أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ- اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» . [انظر: 6032 - مسلم: 2591 - فتح 10/ 471]
ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها السالف في باب لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا.
وقد سلف من هو الرجل المذكور. وكتب الدمياطي أيضًا بخطه أنه مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، والد المسور، (وهو أحد القولين فيه، وحكاهما معًا ابن بشكوال)
(1)
، وهذا الحديث أصل في جواز غيبة أهل الفساد، ألا ترى قوله عليه السلام للرجل:"بئس أخو العشيرة" وإنما قاله لما قد صح عنده من شره؛ لقوله في آخر الحديث: "إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه". وسلف حكمه وإلانته له الكلام قريبًا.
وروى ابن وضاح محمد بن المصفى، ثَنَا بقية بن الوليد، عن الربيع بن يزيد، عن أبان، عن أنس مرفوعًا:"من خلع جلباب الحياء فلا غيبة فيه"
(2)
، وفسره ابن سعدان، قال: معناه من عمل عملًا قبيحًا
(1)
من (ص 2).
(2)
رواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 295 - 296 (1301) من طريق هشام ابن عمار، وعلي بن الجعد، كلاهما عن الربيع بن بدر، عن أبان، به. وقال: فيه متروكان: الربيع وأبان. =
كشفه للناظرين، ولم يرع وقوفهم عليه، فلا بأس بذكره عنه من حيث لا يسمع؛ لأنه كمن أذن في ذَلِكَ لكشفه عن نفسه، فأما من استتر بفعله فلا يحل ذكره لمن رآه؛ لأنه غير آذن في ذكره، وإن كان كافرًا. وقد سئل ابن وهب عن غيبة النصراني فقال: لا؛ لقول الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] وهو من الناس، {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] فجعل هذا لهم مثلاً، وفي الحديث:"اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس"
(1)
.
قال ابن أبي زيد: يقال لا غيبة في أمير جائر، ولا في صاحب بدعة يدعو إليها، ولا لمن يشاور في إنكاح أو شهادة أو نحو ذَلِكَ. وقد قال عليه السلام لفاطمة بنت قيس، حين شاورته فيمن خطبها:"إن معاوية صعلوك لا مال له"
(2)
، وكذلك رأت الأئمة أن من يقبل قوله من أهل الفضل يجوز له أن يبين أمر من يخاف أن يتخذ إمامًا، فيذكر ما فيه من كذب أو غيبة، مما يوجب ترك الرواية عنه. وكان شعبة يقول: اجلس بنا نغتاب في الله.
فصل:
قوله: ("إن شر الناس من تركه الناس (اتقاء شره)
(3)
، أو ودعه اتقاء فحشه") معنى (ترك) و (ودع) واحد.
= وروي أيضًا من طريق أبي سعد، عن أنس. رواه البيهقي في "الشعب" 7/ 108 - 109 (9664)، وغيره انظر:"المقاصد الحسنة"(921)، "السلسلة الضعيفة"(585).
(1)
رواه بنحوه الطبراني في "الأوسط" 4/ 338 - 339 (4372) من طريق بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده.
(2)
رواه مسلم (1480) كتاب: الطلاق: باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، من حديث فاطمة بنت قيس.
(3)
من (ص 2).
قيل: ولا تستعمل ودع (إلا)
(1)
بالتشديد. قال سيبويه: استغنوا عن تخفيفه بـ (ترك)، وفي الحديث الآخر:"عن ودعهم الجمعة"
(2)
.
وقال شمر: زعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدر ودع وماضيه، والشارع أفصح
(3)
.
وفي الشاذ: (ما وَدَعَك)
(4)
. وقال ابن فارس: الودع مصدر ودعته، تقول: دع ذا
(5)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
رواه مسلم (865) كتاب: الجمعة، باب: التغليظ في ترك الجمعة. من حديث ابن عمر وأبي هريرة.
(3)
انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري 4/ 3860.
(4)
وقع بعدها في (ص 2): (بالتشديد)، وليس بصواب، فقد اتفق القراء السبعة على قراءتها بالتشديد، وإنما قرأها بالتخفيف: عروة بن الزبير، كما في "المحتسب" لابن جني 2/ 364.
(5)
"المجمل" 2/ 920 مادة (ودع).
49 - باب: النَّمِيمَةُ مِنَ الكَبَائِرِ
6055 -
حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ:«يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرَةٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» . ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا بِكِسْرَتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ، فَجَعَلَ كِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا، وَكِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا، فَقَالَ:«لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» . [انظر: 216 - مسلم: 292 - فتح 10/ 472]
ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صاحبي القبرين أيضًا، وقد سلف، وفي إسناده عبيدة بن حميد أبو عبد الرحمن.
وقد أسلفت أول هذا الشرح في فصل معقود في جملة من الأسماء المتكررة فيه:
أن عُبَيدة كلهم بالضم، إلا السلماني وابن سفيان وابن حميد وعامر بن عبيدة فبالفتح وزدت عامر بن عبيدة قاضي البصرة، ذكره البخاري في كتاب الأحكام، كما نبه عليه الجياني
(1)
، وأهمله ابن الصلاح ومن بعده.
وبخط الدمياطي عَبيدة بفتح العين ثلاثة في الصحيح:
واحد متفق عليه، وهو عبيدة بن عمرو السلماني، أسلم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وصلى ولم يهاجر إليه، ولم يره، وعبيدة بن حميد الضبي هذا انفرد به البخاري، مات بعد سنة تسعين -أو فيها- ومائة، وولد سنة تسع ومائة، وعبيد بن سفيان الحضرمي، روى عن
(1)
"تقييد المهمل" 2/ 343.
أبي هريرة، انفرد به مسلم، وأهمل رابعًا وخامسًا
(1)
(فاستنقذهم)
(2)
.
فصل: في نبذة من فوائده السالفة:
فيه: إثبات عذاب القبر. وقال الداودي: وليس من الأحاديث الصحيحة أشد من هذا.
وفيه: المرور في القبور.
وفيه: أنه كان يسمع ما لم يسمعه غيره ويخبر عن ذَلِكَ. وقال: فيه أن النميمة غيبة؛ لأنه ينم على الرجل في غيبته، ففيها الوجهان، قال: وقيل: هما أختان لا تفارق إحداهما الأخرى.
والعسيب: من جريد النخل.
وفيه: بركة مسه، وبركة دعائه، وبركة النخلة. قال الجوهري: العسيب: ما لم ينبت عليه خوص، فإذا نبت فهو سعف
(3)
.
وقوله: " (مَا لَمْ يَيْبَسَا") هو بفتح الباء وكسرها (والكسر)
(4)
لغتان؛ لأن فعل بالكسر يأتي على يفعَل بفتح العين، إلا أفعالًا تزاد، هذا منها [و] ومق يمق كما سلف، وورث يرث، ووثق يثق.
وقصد بالعسيب الرطب؛ لأنه يسبح ما دام أخضر بدليل قوله: "مَا لَمْ يَيْبَسَا".
وقوله: " (كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ") وروي: يستنزه، ويستبرئ، ويستتر.
(1)
في هامش الأصل: حاشية: أما الرابع فعامر بن عبيدة له ذكر في الأحكام في البخاري، ولا يرد على الدمياطي والخامس لا أعرفه أنا.
(2)
من (ص 2).
(3)
"الصحاح" 1/ 181، مادة:(عسب).
(4)
كذا في الأصل، و (ص 2) وعليها في الأصل: كذا.
ومعنى أكثرها متقارب، الأول: من التباعد، والثاني: من الحدث، والثالث: من البول أو أعين الناس، وأنكر بعضهم الأولى والثانية.
وقوله: (فَكَسَرَهَا بِكِسْرَتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ، فجعل كسرة في قبر هذا). هي بالكسر.
50 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ
وَقول الله تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)} [القلم: 11] و {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)} [الهمزة: 1]. يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ: يَعِيبُ، واحد.
6056 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلاً يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» . [مسلم: 105 - فتح 10/ 472]
ذكر فيه حديث مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ -ابن الحارث النخعي الكوفي، مات في ولاية الحجاج- قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ. فَقَالَ له حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ".
الشرح:
(هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا باللفظ المذكور، وفي آخره: "نمام" فتركه وهو كما يأتي)
(1)
.
واللمزة: من يغتابك في وجهك. والهمزة: الذي يغتابك بالغيب، قاله الليث. وحكى النحاس عن مجاهد عكسه. وفي "الكتاب" أنهما شيء واحد، وقاله محمد بن كعب والجوهري
(2)
والهروي.
ويلمز مثلث الميم، والكسر لغة القرآن. وقال أهل التأويل: الهمَّاز: الذي يأكل لحوم الناس. ويقال: هم المشاءون بالنميمة، المفرقون بين
(1)
من (ص 2).
(2)
"الصحاح" 3/ 902، مادة (همز).
الأحبة، المناعون للبر بالغيب.
والقَتَّات: النمام، عند أهل اللغة (بفتح القاف وتشديد المثناة فوق. قال الجوهري وغيره: يقال: نم الحديث ينمه، ونمه بكسر النون وضمها نمًّا، والرجل نمام ونم. وفيه: يقته -بضم القاف- قتًّا)
(1)
(2)
.
ومعنى: "لا يدخل الجنة قتات": إن أنفذ الله عليه الوعيد؛ لأن أهل السنة مجمعون أن الله تعالى في وعيده بالخيار، إن شاء عذبهم بعدله، وإن شاء عفا عنهم. (أو تؤول على أنه لا يدخلها دخول الفائزين، أو يحمل على المستحل بغير تأويل مع العلم بالتحريم.
قال ابن بطال)
(3)
: وقد فرق أهل اللغة بين النمام والقتات، فذكر الخطابي أن الأول الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم حديثهم، والثاني الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون، ثمَّ ينم حديثهم. والقساس: الذي يقس الأخبار. أي يسأل عنها، ثم (ينشرها)
(4)
على أصحابه
(5)
.
فصل:
وقوله: (فَقِيلَ لَهُ: إن رجلاً) هو إبراهيم بن يزيد بن الأسود النخعي الكوفي الفقيه
(6)
.
(1)
"الصحاح" 5/ 2045، مادة:(نمم).
(2)
من (ص 2).
(3)
من (ص 2).
(4)
في الأصل: (يسترها).
(5)
"أعلام الحديث" 3/ 2186، "شرح ابن بطال" 9/ 250.
(6)
في هامش الأصل: في هذا الكلام نظر، وإنما حق الكلام أن يقول: وفيه -أي: في السند- إبراهيم، هو إبراهيم بن يزيد بن الأسود النخعي الكوفي الفقيه، لا أنه هو الرجل الذي يرفع، حاشاه من ذلك؛ لأن إبراهيم لم يدرك =
وقوله: (يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ). لعله أراد تحذيره مما وقع فيه، قاله الداودي. ولا (يوافق)
(1)
قول حذيفة؛ لأنه لا يقال فيه الحديث الذي ذكره حذيفة، إذا كان يرفعه على هذا الوجه، لكن يتأول في ذَلِكَ جوازه، وتأول عليه حذيفة (أنه)
(2)
فعله غيبة.
= عثمان فإنه توفي سنة ست وتسعين وعمره أربع وأربعين سنة، وعثمان توفي سنة خمس وثلاثين، وكأن هذا من الناسخ وهو كثير الغلط والإسقاط والتصحيف -عفا الله عنه.
(1)
في (ص 2): (يوافي).
(2)
من (ص 2).
51 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30]
6057
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ [عَنْ أَبِيهِ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» . قَالَ أَحْمَدُ: أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ. [انظر: 1903 - فتح 10/ 473]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". قَالَ أَحْمَدُ، يعني: ابن يونس شيخ البخاري: أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ. والحديث سلف.
و {قَوْلَ الزُّورِ} : هو الكذب، وهو محرم على المؤمنين، وهذا الحديث في شاهد الزور تغليظ شديد، ووعيد كبير.
ودل قوله: ("فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ") إلى آخره: أن الزور يحبط أجر الصائم، وأن من نطق به في صيامه كالآكل الشارب عند الله في الإثم، فينبغي تجنبه والحذر منه؛ لإحباطه للصيام الذي أخبر الشارع عن ربه أنه قال فيه:"كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"
(1)
. فما ظنك بسيئةٍ غطت على هذا الفضل الجسيم والثواب العظيم؟! وقد قال بعض أهل العلم: إن الغيبة مفطرة للصائم. والكافة على خلافه، وهي من الكبائر، فإنها لا تفي له بأجر صومه، فكأنه في حكم المفطر
(2)
.
(1)
سلف برقم (5927) كتاب: اللباس، باب: ما يذكر في المسك.
(2)
في هامش الأصل: حكى الرافعي عن صاحب "العدة" أن الغيبة من الصغائر، وأقره الرافعي والنووي على ذلك.
52 - باب مَا قِيلَ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ
6058 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» . [انظر: 3494 - مسلم: 2526 - فتح 10/ 474]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الذِي يَأْتِي هؤلاء بِوَجْهٍ وهؤلاء بِوَجْهٍ".
يريد أنه يأتي إلى كل قوم بما يرضيهم، خيرًا كان أو شرًا، وهذِه هي المداهنة المحرمة.
وإنما سمي ذو الوجهين مداهنًا؛ لأنه يظهر لأهل المنكر أنه عنهم راضٍ فيلقاهم بوجه سمحٍ بالترحيب والبشر، وكذلك يظهر لأهل الحق أنه عنهم راضٍ، وفي باطنه أن هذا دأبه في أن يرضي كل فريق منهم، ويريهم أنه منهم، وإن كان في مصاحبته لأهل الحق مريدًا لفعلهم، وفي صحبته لأهل الباطل منكرًا لفعلهم. فبخلطته لكلا الطائفتين وإظهاره الرضا بفعلهم استحق اسم المداهنة للأسباب الظاهرة عليه المشبهة بالدهان الذي يظهر على ظواهر الأشياء ويستر بواطنها، ولو كان مع إحدى الطائفتين لم يكن مداهنًا، وإنما كان يسمى باسم الطائفة المتفرد بصحبتها.
وقد جاء في ذي الوجهين وعيد شديد، روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهًا"
(1)
.
(1)
رواه البزار في "مسنده" 14/ 386 (8110).
وروى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة"
(1)
فينبغي للمؤمن العاقل أن يرغب بنفسه عما يوبقه ويخزيه عند الله تعالى.
(1)
رواه البزار في "مسنده" 13/ 219 - 220 (6699)، وأبو يعلى 5/ 159 (2771، 2772). كلاهما من طريق إسماعيل بن مسلم المكي، عن الحسن، عن أنس، وعند أبي يعلى: عن الحسن وقتادة.
ورواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 365 (8885) من طريق أيوب بن خُوط، عن قتادة، عن أنس. وانظر:"مجمع الزوائد" 8/ 95. ورواه أبو داود (4873) بنحوه من حديث عمار بن ياسر.
53 - باب مَنْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ بِمَا يُقَالُ فِيهِ
6059 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِسْمَةً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللهِ مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِهَذَا وَجْهَ اللهِ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ:«رَحِمَ اللهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» . [انظر: 3150 - مسلم: 1062 - فتح 10/ 475]
ذكر فيه حديث ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِسْمَةً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: والله مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بهذا وَجْهَ اللهِ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ:"رَحِمَ اللهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكثَرَ مِنْ هذا فَصَبَرَ".
الشرح:
(هذا الحديث سلف في فضائل موسى عليه السلام)
(1)
.
فيه من الفقه: أنه يجوز للرجل أن يخبر أهل الفضل والستر من إخوانه بما يقال فيهم مما لا يليق؛ ليعرفهم بذلك من يؤذيه من الناس وينقصه، ولا حرج عليه في مقالته بذلك وتبليغه له، وليس ذَلِكَ من باب النميمة؛ لأن ابن مسعود حين أخبر الشارع بقول الأنصاري فيه وتجويره له في القسمة لم يقل له: أتيت بما لا يجوز، ونممت الأنصاري، والنميمة حرام، بل رضي ذَلِكَ، وجاوبه عليه بقوله:"يرحم الله موسى" إلى آخره وإنما جاز لابن مسعود نقل ذَلِكَ إليه؛ لأن الأنصاري في تجويره له استباح إثمًا عظيمًا، وركب (حرامًا جسيمًا)
(2)
، فلم يكن لحديثه
(1)
من (ص 2)، والحديث سلف برقم (3405) كتاب: الأنبياء.
(2)
في الأصل: (جرمًا عظيمًا).
حرمة، ولم يكن نقله من باب النميمة. وقد قال مالك في الرجل يمر بالرجل يقذف غائبًا: فليشهد عليه إن كان معه غيره. وقال في قوم سمعوا رجلاً يقذف رجلاً فرفعوه إلى الإمام: فلا ينبغي له أن يحده حتَّى يجيء الطالب ولو كان هذا نميمة لم تجز الشهادة؛ لأنها كبيرة وهي مسقطة للشهادة
(1)
.
فصل:
قوله: (فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ). بتشديد العين المهملة، ولأبي ذر:(فتمغر)
(2)
. أي: (تغير)
(3)
من الغضب.
وفيه من الفقه: أن أهل الفضل والخير قد يعز عليهم ما يقال فيهم من الباطل، ويكبر عليهم، فإن ذَلِكَ جبلة في البشر فطرهم الله عليها، إلا أن أهل الفضل يتلقون ذَلِكَ بالصبر الجميل، اقتداءً بمن تقدمهم من المؤمنين، ألا ترى أنه عليه السلام قد اقتدى في ذَلِكَ بصبر موسى عليه السلام.
وقد روي عن الحسن البصري أنه قيل له: فلان اغتابك، فكافأه، كما سلف.
وقوله: ("لَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هذا فَصَبَرَ"). قيل: قالوا: هو آدر، فمر يغتسل عريانًا ووضع ثوبه على حجر ففر الحجر فتبعه فجاز على بني إسرائيل، فبرأه الله مما قالوا
(4)
.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 252.
(2)
كذا في (ص 2) وفي اليونينية 8/ 18 من رواية أبي ذر والكشميهني. وفي الأصل: (فتغير).
(3)
في الأصل: بغين.
(4)
سلف برقم (278) كتاب: الغسل، باب: من اغتسل عريانًا، من حديث أبي هريرة.
وقيل: قال قارون لامرأة ذات جمال وحسب: هل لك أن أشركك في أهلي ومالي! أن تأتيني إذا كنت في ملأ تقولين: اكفني موسى، فإنه أرادني على نفسي؟. فلما وقفت عليه بدل الله قلبها، فقالت: قال لي قارون كذا. فنكس رأسه، وأيقن بالهلاك. فأخبر موسى، فكان شديد الغضب يخرج شعره من ثوبه فتوضأ وصلى، وجعل يدعو ويبكي ويقول: يا رب أراد فضيحتي، فأوحى الله إليه: أن قد أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت. فأقبل إلى قارون، (فلما رآه)
(1)
قال: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيه، فساخت به الأرض وبداره إلى الكعبين، فقال: يا موسى ارحمني. فقال: خذيه، فساخت به وبداره، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة
(2)
.
وقال علىٌّ: صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته، كان ألين لنا منك وأشد حبًّا. وأوذي في ذَلِكَ، فأمر الله الملائكة فحملته، فمروا على مجالس بني إسرائيل، فتكلمت الملائكة بموته، حتَّى علمت بنو إسرائيل أنه مات، فدفنوه فلم يعلم موضع قبره إلا الرخم، فجعله الله أصم أبكم
(3)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 111 (27639) عن عبد الله بن الحارث.
(3)
رواه الطبري 10/ 338 (28676).
54 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَادُحِ
6060 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يُثْنِى عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ، فَقَالَ:«أَهْلَكْتُمْ -أَوْ قَطَعْتُمْ- ظَهْرَ الرَّجُلِ» . [انظر: 2663 - مسلم: 3001 - فتح 10/ 476]
6061 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَيْحَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ -يَقُولُهُ مِرَارًا- إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا. إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَحَسِيبُهُ اللهُ، وَلَا يُزَكِّى عَلَى اللهِ أَحَدًا» . [انظر: 2662 - مسلم: 3000 - فتح 10/ 476] قَالَ وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ:«وَيْلَكَ» .
ذكر فيه حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ (فِي المِدْحَةِ)
(1)
، فَقَالَ:"أَهْلَكْتُمْ -أَو قَطَعْتُمْ- ظَهْرَ الرَّجُلِ".
وحديث أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَيْحَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ -يَقُولُهُ مِرَارًا- إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا. إِنْ كَانَ يُرى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَحَسِيبُهُ اللهُ، وَلَا يُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا". قال وُهيب عن خالد: "ويلك".
الشرح:
(حديث أبي موسى سلف في الشهادات، وكذا حديث أبي بكرة، وأخرجه مسلم آخر "صحيحه"، وأخرج الأول عن شيخ البخاري)
(2)
.
(1)
في الأصل: (ويمدحه).
(2)
من (ص 2).
والإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه، وهو رباعي غير مهموز، وقيل: المدح بما ليس فيه.
ومعنى الحديث -والله أعلم- النهي أن يفرط في مدح الرجل بما ليس فيه، فيدخله من ذَلِكَ الإعجاب، ويظن أنه في الحقيقة بتلك المنزلة، ولذلك قال عليه السلام:"قطعتم ظهر الرجل"، حين وصفتموه بما ليس فيه، فربما حمله ذَلِكَ على العجب والكبر، وعلى تضييع العمل وترك الازدياد من الفضل، واقتصر على حاله من حصل موصوفًا، بما وصف به. وكذلك تأول العلماء في قوله عليه السلام:"احثوا التراب في وجوه المداحين"
(1)
أن المراد به: المداحون الناس في وجوههم
بالباطل وما ليس فيهم.
ولذلك قال عمر رضي الله عنه: المدح هو الذبح
(2)
. ولم يرد به من مدح رجلاً بما فيه، فقد مُدِح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب والمخاطبة، ولم يحث في وجوه المداحين التراب، ولا أمر بذلك، كقول أبي طالب فيه:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل.
وكمدح العباس وحسان له في كثير من شعره وكعب بن زهير، وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فقال:"إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع"
(3)
ومثله قوله عليه السلام: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، قولوا: عبد الله، فإنما أنا عبد الله ورسوله"
(4)
أي: لا تصفوني بما ليس بي من الصفات، تلتمسون بذلك مدحي، كما
(1)
رواه مسلم (3002) كتاب الزهد والرقائق، باب: النهي عن المدح
…
(2)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 298 (26254).
(3)
عزاه المتقي الهندي في "كنز العمال" 14/ 66 (37951) للعسكري في "الأمثال".
(4)
سيأتي برقم (6830) كتاب: الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت.
وصفت النصارى عيسى بما لم يكن فيه فنسبوه إلى (البنوة)
(1)
، فكفروا بذلك وضلوا. فأما وصفه بما فضله الله به وشرفه فحق واجب على كل من بعثه الله إليه من خلقه، وذلك كوصفه عليه السلام نفسه بما وصفها فقال:"أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض"
(2)
.
وفي هذا من الفقه: أن من رفع أمرأ فوق حقه، وتجاوز به مقداره بما ليس فيه فمتعدٍّ آثم؛ لأن ذَلِكَ لو جاز في أحد لكان أولى الخلق به نبينا عليه الصلاة والسلام، ولكن الواجب أن يقصر كل أحد على ما أعطاه الله من منزلةٍ، ولا يعدى به إلى غيرها من غير قطع عليها، ألا ترى قوله عليه السلام في حديث الباب:"إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أخاه" الحديث.
(1)
في (ص 2): (الربوبية).
(2)
رواه مسلم (2278) كتاب: الفضائل، باب: تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، وأبو داود (4673) من حديث أبي هريرة.
55 - باب مَنْ أَثْنَى عَلَى أَخِيهِ بِمَا يَعْلَمُ
وَقَالَ سَعْدٌ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ إِلَّا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ. [انظر: 3812]
6062 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ ذَكَرَ فِي الإِزَارِ مَا ذَكَرَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ إِزَارِي يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِ شِقَّيْهِ. قَالَ:«إِنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ» . [انظر: 3665 - مسلم: 2085 - فتح 10/ 478].
وقال سعد: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ إِلَّا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ. هذا قد سلف في فضائله مسندًا.
ثم ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أَنَّه صلى الله عليه وسلم حِينَ ذَكَرَ فِي الإِزَارِ مَا ذَكَرَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ إِزَارِي يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِ شِقَّيْهِ. قَالَ:"إِنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ".
فيه من الفقه: أنه يجوز الثناء على الناس بما فيهم، على وجه الإعلام بصفاتهم؛ لتعرف لهم سابقتهم، وتقدمهم في الفضل، فينزلوا منازلهم ويقدموا على من لا يساويهم، ويقتدى بهم في الخير، ولو لم يجز وصفهم بالخير والثناء عليهم بأحوالهم لم يعلم أهل الفضل من غيرهم. ألا ترى أنه عليه السلام خص أصحابه بخواص من الفضائل بانوا بها على سائر الناس، وعرفوا بها إلى يوم القيامة، فشهد للعشرة بالجنة
(1)
، كما شهد لعبد الله بن سلام.
(1)
رواه الترمذي (3747)، وأحمد 1/ 193 من حديث عبد الرحمن بن عوف.
وليس عدم سماع سعد بمعارض (لمن سمعه يشهد)
(1)
بذلك لغيره، بل يأخذ كل واحد بما سمع.
وكذلك قال عليه السلام للصديق رضي الله عنه: "كل الناس قال لي: كذبت وقال لي أبو بكر: صدقت"
(2)
.
وروى معمر، عن قتادة، عن أبي قلابة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقواهم في الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقضاهم علي، وأمين أمتي أبو عبيدة بن الجراح، وأعلم أمتي بالحلال (والحرام)
(3)
معاذ بن جبل، وأقرؤهم أُبيٌّ، وأفرضهم زيد"
(4)
.
وقال عليه السلام في حديث آخر: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر"
(5)
رضي الله عنه.
(1)
مكررة في الأصل.
(2)
سلف برقم (4640) كتاب: التفسير، باب:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ} .
(3)
عليها في الأصل: (لا .. إلى).
(4)
"جامع معمر" 11/ 225 (20387) ورواه عن قتادة. وعن عاصم بن سليمان، عن أبي قلابة. كلاهما مرسلًا.
(5)
رواه الترمذي (3801) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وبرقم (3802) من حديث أبي ذر.
56 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} الآية [النحل:90]
وقال تعالى {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23]{ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ} [الحج: 60] وَتَرْكِ إِثَارَةِ الشَّرِّ عَلَى مُسْلِمٍ أَو كَافِرٍ.
6063 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَكَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَذَا وَكَذَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَهُ وَلَا يَأْتِي، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِي أَمْرٍ اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِي رَجُلَانِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيَّ وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِي، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِى عِنْدَ رَأْسِي: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ -يَعْنِي: مَسْحُورًا- قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ. قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ» . فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ» . فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأُخْرِجَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَهَلاَّ -تَعْنِي- تَنَشَّرْتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا اللهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَمَّا أَنَا فَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا» . قَالَتْ: وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ. [انظر: 3175 - مسلم: 2189 - فتح 10/ 479]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنه عليه السلام سحره لبيد بن الأعصم في مشط ومشاقة تحت راعوفة في بئر ذروان. فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأُخْرِجَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هلّا تَنَشَّرْتَ، فَقَالَ:"أَمَّا اللهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَمَّا أَنَا فَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا". قَالَتْ: وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ.
الشرح:
تأول البخاري من هذِه الآيات التي ذكرها: ترك إثارة الشر على مسلم أو كافر، كما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها، ووجه ذَلِكَ -والله أعلم- أنه تأول في قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] الندب إلى الإحسان إلى المسيء، أو ترك معاقبته على إساءته. فإن قلت: فكيف يصح هذا التأويل في آيات البغي التي ذكرها؟ قيل: وجه ذَلِكَ -والله أعلم- أنه لما أعلم الله عباده أن البغي ينصرف على الباغي بقوله: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23] وضمن تعالى نصرة من بغي عليه بالنصرة، كان الأولى لمن بغي عليه شكر الله على ما ضمن من نصره، ومقابلة ذَلِكَ بالعفو عمن بغى عليه. وكذلك فعل الشارع باليهودي الذي سحره حين عفا عنه، وقد كان له الانتقام منه بقوله:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] لكن آثر الصفح عنه، عملًا بقوله:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] وكذلك أخبرت عائشة عنه: أنه كان لا ينتقم لنفسه ويعفو عمن ظلمه
(1)
.
وفي تفسير الآية أقوال أُخر:
أحدها: أن العدل شهادة أن لا إله إلا الله، والإحسان أداء الفرائض، قاله ابن عباس.
ثانيها: العدل: الفرض، والإحسان: النافلة.
ثالثها: العدل: استواء السريرة والعلانية، والإحسان: أن تكون السريرة أفضل من العلانية، قاله ابن عيينة. قال ابن مسعود: وهذِه
(1)
سلف برقم (3560) كتاب: المناقب، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
الآية أجمع آية في القرآن لخير أو شر. (ويمكن)
(1)
أن يتخرج تأويل البخاري على هذا القول.
وقوله: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النحل: 90] يعني: عن كل فعل أو قول قبيح. وقال ابن عباس: هو الزنا والبغي. قيل: هو الكبر والظلم. وقيل: التعدي ومجاوزة الحد
(2)
.
وقال ابن عيينة: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 23] المراد بها: أن البغي تُعجَّل عقوبته لصاحبه في الدنيا، يقال: للبغي مصرعة.
(فصل:
احتج بهذِه الآية من نفى دليل القرآن؛ لأنه تعالى فرق بين العدل والإحسان، والعدل واجب والإحسان مندوب نظيره {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ} [النور: 33] وذكر المالكية فيه حديث: نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن
(3)
. قالوا ومهر البغي ليس كثمن الكلب)
(4)
.
فصل:
قوله: ("مَطْبُوبٌ") كنوا بالطب عن السحر تفاؤلًا بالبرء، كما كنوا بالسليم عن اللديغ. والجف بالجيم وعاء الطلع.
(1)
في الأصل: ويكره.
(2)
انظر: "تفسير الطبري" 7/ 634 - 635.
(3)
سلف برقم (2237) كتاب: البيوع، باب: ثمن الكلب، من حديث أبي مسعود الأنصاري.
(4)
ما بين القوسين ساقط من (ص 2).
وحكى ابن التين خلافًا في لبيد، فقيل: كان يهوديًّا، وقيل: منافقًا. ورواية البخاري صريحة في الأول، وقد سلف أيضًا ما فيه.
وقوله: "تحت رعوفة" قال عياض: كذا جاء في بعض روايات البخاري بغير ألف، والمعروف في اللغة الأخرى: أرعوفة أي: بالضم، وراعوفة. ويقال: راعوثة، بالثاء أيضًا، وهي صخرة تترك في أصل البئر عند حفرة ناتئة ليجلس عليها منقيه والمائح متى احتاج، ومثله لأبي عبيد
(1)
. وقيل: هو حجر على رأس البئر يستقي عليه المستقي. وقيل: حجر بارز من طيها يقف عليه المستقي والناظر فيها. وقيل: حجر ناتئ في بعض البئر، لم يمكن قطعه لصلابته، (فترك)
(2)
.
وقوله: (فهلا تنشرت) قال الجوهري: التنشير من النشرة، وهي كالرقية، فإذا نشر المسموم فكأنما نشط من عقالٍ، أي: يذهب عنه سريعًا
(3)
.
وفي الحديث: لعل طبًّا أصابه. يعني: سحرًا. ثم نشره بـ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1] أي: رقاه، وكذا عند القزاز. وقال الداودي:(معناه)
(4)
هلا اغتسلت ورقيت.
وظاهر الحديث أن تنشرت: أظهرت السحر، توضحه الرواية الأخرى: هلا استخرجته
(5)
.
(1)
"غريب الحديث" 1/ 354.
(2)
من (ص 2)، وانظر "مشارق الأنوار" 1/ 294.
(3)
"الصحاح" 2/ 828 مادة: (نشر).
(4)
من (ص 2).
(5)
سلفت برقم (5763) كتاب: الطب، باب: السحر.
وروي أنه سئل عن النشرة، فقال:"هي من عمل الشيطان"
(1)
.
وقال الحسن: النشرة من السحر، وهو ضرب من الرقى والعلاج، يعالج به من كان يظن أن به شيئًا من الجن.
وقال عياض: النشرة نوع من التطبب بالاغتسال على هيئات مخصوصة بالتجربة لا يحتملها القياس الصبي، وقد اختلف العلماء في جوازها
(2)
، وقد أسلفناه.
(1)
رواه أبو داود (3868) من حديث جابر.
(2)
"مشارق الأنوار" 2/ 29.
57 - باب مَا يُنْهَى عَنِ التَّدَابُرِ وَالتَّحَاسُدِ، وَقَوْلِهِ عز وجل:{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} [الفلق: 5]
6064 -
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» . [انظر: 5143 - مسلم: 2563 - فتح 10/ 481]
6065 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» . [6076 - مسلم: 2559 - فتح 10/ 481].
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ" إلى قوله: "ولا تحاسدوا ولا تدابروا، ولا تحسسوا ولا تجسسوا"
وحديث أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا".
فيه: الأمر بالألفة والمحبة، والنهي عن التباغض والتدابر، وما أمرهم الشارع فعليهم العمل به، وما نهاهم عنه فعليهم الانتهاء عنه، وغير موسع عليهم مخالفته، إلا أن يخيرهم أن مخرج أمره لهم ونهيه على وجه الندب والإرشاد، وقد سلف في باب الحب في الله قوله عليه السلام:"والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابوا"
(1)
.
(1)
رواه مسلم (54) كتاب: الإيمان، باب: لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، من حديث أبي هريرة.
فدل ذَلِكَ أن أمره ونهيه في هذا الحديث على الوجوب، وقال أبو الدرداء: ألا أخبركم بخير لكم من الصدقة والصيام صلاح ذات البين، وإن البغضة هي الحالقة
(1)
؛ لأن في تباغضهم افتراق كلمتهم وتشتت أمرهم، وفي ذَلِكَ ظهور عدوهم عليهم ودروس دينهم.
وفيه: النهي عن الحسد على النعم، وقد نهى الله عباده المؤمنين عن أن يتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض، وأمرهم أن يسألوه من فضله. وسنزيد فيه في باب النهي -إن شاء الله- وقد أجاز الشارع الحسد في الخير كما مضى، ويأتي.
وفيه: النهي عن التجسس وهو البحث عن بواطن الأمور للناس، وأكثر ما يقال ذَلِكَ في الشر. وقال ابن الأعرابي وأبو عمرو الشيباني: الجاسوس: صاحب الشر، والناموس: صاحب الخير.
قال الخطابي: وأما (بالحاء)
(2)
فقيل كالجيم، وبه قرأ الحسن الآية، ومنهم من فرق بينهما فقيل: بالجيم البحث عن عورات المسلمين، (وبالحاء: الاستماع لحديث القوم. ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير)
(3)
، وقيل: بالحاء أن تطلب لنفسك، وبالجيم: أن تكون رسولاً لغيرك، قاله أبو عمرو
(4)
.
وقال ابن وهب: بالجيم إذا تخبرها من غيره، وبالحاء إذا تولاها بنفسه، وقيل: اشتقاقه من الحواس؛ ليدرك ذَلِكَ بها، وقيل: بالجيم: في الشر خاصة، وبالحاء فيه وفي الخير.
(1)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(412)، والبيهقي في "الشعب" 7/ 489 (11089)، (11090).
(2)
من (ص 2).
(3)
من (ص 2).
(4)
"غريب الحديث" للخطابي 1/ 84.
وقد فسر البخاري في بعض الروايات الجيم بأنه البحث، وهو في معنى ما سلف، وفي البخاري ذكر الجاسوس، وفسره من رواية الحموي بأنه: البحث عن الخير، وقيل: عن العدو، وقال ابن الأنباري: إنما سبق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظ؛ كقولهم بعدًا أو سحقًا. قيل: وقد يكون الخير بالعين.
فصل:
معنى: "لَا تَدَابَرُوا": لا تهاجروا، وهو أن يولي كل واحد منهما صاحبه دبره، وقيل: لا يتكلم أحد في غيبة أحد بما يسوءه، وقال الهروي: التدابر: التقاطع يقال: تدابر القوم، أي: أدبر كل واحد عن صاحبه
(1)
.
وقال صاحب "العين": دابرت الرجل: عاديته، ومنه قولهم: جعلته دبر أذني أي: خلفها
(2)
.
(1)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 2/ 97.
(2)
"العين" 8/ 31، 33.
58 - باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12]
6066 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» . [انظر: 5143 - مسلم: 2563 - فتح 10/ 484]
ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله بزيادة: "ولا تناجشوا" وقد سلف بيانه
ذكر فيه ابن بطال حديث أنس أيضًا. قال الخطابي: قوله "إِيَّاكمْ وَالظَّنَّ" كأنه أراد النهي عن تحقيق ظن السوء وتصديقه دون ما يهجس في القلب من خواطر الظنون فإنها لا تملك. قال تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] فلم يجعل الظن كله إثمًا. قال غيره: فنهى عليه السلام أن تحقق على أخيك ظن السوء، إذا كان الخير غالبًا عليه
(1)
.
وقال الإسماعيلي في "صحيحه": إذا كان الظن لدلالة تدل عليه، وشهادة تشهد بصحته فذلك ما لا امتناع فيه، وعلى هذا ما روي في الملاعنة إن وضعت كذا، فلا أراه إلا من الذي رميت به، وهذا من المباح، ولكنه لا يجوز تحقيقه والحكم، والممنوع منه إعمال الظن وتحقيقه أيضًا.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 260، وانظر "أعلام الحديث" 3/ 2189.
قلت: وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا يحل لمسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرًا، وقال علي: من علم من أخيه مروءة جميلة فلا يسمعن فيه مقالات الرجال، ومن حسنت علانيته فنحن لسريرته أرجا.
وروى معمر عن إسماعيل بن أمية قال: ثلاث لا يعجزن ابن آدم: الطيرة، وسوء الظن، والحسد. قال: فينجيك من سوء الظن أن لا تتكلم به، وينجيك من الحسد أن لا تبغي أخاك سوءًا، وينجيك من الطيرة أن لا تعمل بها
(1)
.
فصل:
قد أسلفت لك أن حديث أنس رضي الله عنه ذكره ابن بطال هنا ولم نره في الأصول، ثم أورد سؤالًا فقال: إن قلت: ليس في حديث أنس ذكر الظن، فما وجه ذكره؟ ثم أجاب بأن التباغض والتحاسد أصلهما سوء الظن، وذلك أن المباغِض والمحاسِد يتأول أفعال من يبغضه ويحسده على أسوأ التأويل، وقد أوجب الله أن يكون ظن المؤمن بالمؤمن حسنًا أبدًا، إذ يقول {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور: 12]، فإذا جعل الله سوء الظن بالمؤمنين إفكًا مبينًا فقد لزم أن يكون حسن الظن بهم صدقًا بينًا
(2)
. وتبعه في ذَلِكَ ابن التين.
(1)
"جامع معمر" 10/ 403 (19504).
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 261.
59 - باب مَا يَكُونُ مِنَ الظَّنِّ
6067 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا» . قَالَ اللَّيْثُ: كَانَا رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. [6068 - فتح 10/ 485]
6068 -
حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بِهَذَا. وَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ دِينَنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ» . [انظر: 6067 - فتح 10/ 485]
ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَظُنُّ أن فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا".
قَالَ اللَّيْثُ -يعني أحد رواته-: كَانَا رَجُلَيْنِ مِنَ المُنَافِقِينَ.
حَدَّثنَا يحيى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ بهذا. وَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ دِينَنَا الذِي نَحْنُ عَلَيْهِ".
الشرح:
سوء الظن جائز عند أهل العلم إن كان مظهرًا للقبيح، ومجانبًا لأهل الصلاح، وغير مشاهد للصلوات في الجماعة.
وقد قال ابن عمر رضي الله عنه: كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء والصبح أسأنا به الظن
(1)
.
والظن هنا بمعنى اليقين؛ لأنه كان يعرف المنافقين حقيقةً بإعلام الله له بهم في سورة براءة.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 292 (3353)، وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 370 - 371 (1485)، وابن حبان 5/ 455 - 456 (2099)، والحاكم 1/ 211 وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وقال ابن عباس: كنا نسمي سورة براءة الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم ومنهم حتَّى خشينا
(1)
؛ لأن الله قد (حكى)
(2)
فيها أقوال المنافقين، وأذاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمزهم في الصدقات وغيرها، إلا أن الله لم يأمره بقتلهم، ونحن لا نعلم بالظن مثل ما علمه؛ لأجل نزول الوحي عليه، فلم يجب لنا القطع على الظن، غير أنه من ظهر منه فعل منكر وقد عرض نفسه لسوء الظن والتهمة في دينه، فلا حرج على من أساء الظن به. ونقل ابن التين هذا عن بعضهم، قال: واستبعده الداودي، فقال: تأويل الليث بعيد، وإنما يظن بهذا (إلا ببين)
(3)
النفاق، ولم يحققه، ولم يكن يعلم المنافقين كلهم. قال تعالى:{لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60].
(1)
سلف برقم (4882) كتاب: التفسير، سورة الحشر.
(2)
في الأصل: حكم، والمثبت من "شرح ابن بطال" وهو الأنسب.
(3)
في (ص 2): السيء.
60 - باب سَتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ
6069 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» . [مسلم: 2990 - فتح 10/ 486]
6070 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: «يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: نَعَمْ. وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ» . [انظر: 2441 - مسلم:
2768 -
فتح 10/ 486]
ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المجاهرة أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ".
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأله: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي النَّجْوى؟ قَالَ: "يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: نَعَمْ. وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وأنا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ".
الشرح:
(حديث أبي هريرة أخرجه مسلم آخر كتابه، وحديث ابن عمر سلف في المظالم والتفسير، ويأتي في التوحيد
(1)
، وأخرجه مسلم في التوبة)
(2)
.
والحديث الأول دال على الستر وقبح الهتك. والثاني: من عظم ما لهذِه الأمة من الرجاء. وروي عن ابن مسعود أنه قال: ما ستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة
(3)
، وهو مأخوذ من حديث النجوى. وقال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20] قال: أما الظاهرة: فالإسلام، وما حسن من خلقك، وأفضل عليك من الرزق. وأما الباطنة: فما ستر عليك من الذنوب والعيوب
(4)
.
وفي ستر المؤمن على نفسه منافع، منها: أنه إذا اختفى بالذنب عن العباد لم يستخفوا به ولا يستذلوه؛ لأن المعاصي تذل أهلها، ومنها: أنه إن كان ذنبًا يوجب الحد سقطت عنه المطالبة في الدنيا، أي: بالنسبة إلى الباطن، أما إذا ثبت عليه فإنه يحد وإن قال: تبت. وفي المجاهرة بالمعاصي الاستخفاف بحق الله وحق رسوله، وضرب من العناد لهما؛ فلذلك قال عليه السلام:"كل أمتي معافى إلا المجاهرين".
(1)
سلف في التفسير برقم (4685) باب: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} وسيأتي في التوحيد برقم (7514) باب: كلام الرب عز وجل يوم القيامة.
(2)
من (ص 2).
(3)
رواه عبد الرزاق في "جامع معمر" 11/ 199 (20318) ومن طريقه الطبراني 9/ 159 - 160 (8799)، والبيهقي في "الشعب" 6/ 489 - 490 (9012).
(4)
رواه البيهقي في "الشعب" 4/ 120 (4504، 4505) من حديث ابن عباس مرفوعًا بنحوه.
فصل:
قوله: ("إِلَّا المُجَاهِرِينَ") ذكره ابن التين بلفظ: "المجاهرون" ثم قال: كذا وقع، وصوابه عند البصريين:"الْمُجَاهِرِينَ" وأجاز الكوفيون الرفع في الاستثناء المنقطع في قوله: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ} [الكهف: 50] ولم يجزه البصريون.
فصل:
الكنف -بالنون- الستر. ومعنى الدنو من الرب: القرب منه. قال ابن فورك: معناه: يقرب من رحمته وكرمه ولطفه؛ لاستحالة حمله على قرب المسافة والنهاية، إذ لا يجوز ذَلِكَ على الله؛ لأنه لا يحويه مكان، ولا يحيط به موضع، ولا تقع عليه الحدود. والعرب تقول: فلان قريب من فلان. يريدون به قرب المنزلة، وعلو الدرجة عنده
(1)
.
وقوله: ("فيضع كنفه عليه") يبين ما أشرنا إليه في معنى الدنو، وذلك أن لفظ الكنف إنما يستعمل في مثل هذا المعنى، ألا ترى أنه يقال: أنا في كنف فلان. إذا أراد أن يعرف إسباغ فضله عليه وتوقيره عنده، فعبر عليه السلام بالكنف عن ترك إظهار جرمه للملائكة وغيرهم بإدامة الستر الذي مَنَّ به على العبد في الدنيا، وجعله سببًا لمغفرته له في الآخرة، ودليلًا للمذنب على عفوه، ودليلًا له على نعمة الخلاص من فضيحة الدنيا
(1)
"مشكل الحديث وبيانه" ص 164. والصواب في ذلك إثبات صفات الله عز وجل كما جاءت في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بلا تأويل ولا تشبيه، يقول أبو القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني: ومن مذهب أهل السنة والجماعة: أن كل ما سمعه المرء من الآثار مما لم يبلغه عقله
…
فعليه التسليم والتصديق والرضا، لا يتصرف في شيءٍ منها برأيه وهواه، من فسَّر من ذلك شيئًا برأيه وهواه فقد أخطأ وضلَّ. "الحجة في بيان المحجة" 2/ 435.
وعقوبة الآخرة، التي هي أشد من الدنيا؛ لقوله تعالى:{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 27] فيشكر ربه ويذَّكر، وهذا الحديث كقوله:"إن رحمتي سبقت غضبي"
(1)
؛ لأن تأخير غضبه عنه عند مجاهرته ربه (بالمعصية)
(2)
، وهو يعلم أنه لا تخفى عليه خافية، مما يعلم بصحيح النظر أنه لم يؤخر عقوبته عنه لعجز عن إنفاذها عليه، إلا لرحمته التي حكم لها بالسبق لغضبه، إذ ليس من صفة رحمته التي وسعت كل شيء أن تسبق في الدنيا بالستر من الفضيحة، ويسبقها الغضب من ذَلِكَ الذنب في الآخرة، فإذا لم يكن بد من تغليب الرحمة على الغضب، (فليسر)
(3)
المذنبون المستترون بسعة رحمته، وليحذر المجاهرون بالمعاصي وعيد الله النافذ على من شاء من عباده.
وفي قوله: "سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم" نص منه على صحة قول أهل السنة في ترك إنفاذ الوعيد على العصاة من المؤمنين. والحجة فيه من طريق النظر أنه ليس مذمومًا من وجب له حق على غيره فوهبه له، والمرء قد يقول لعبده: إن صنعت كذا عاقبتك بكذا، على معنى: إنك إن أتيت هذا الفعل كنت مستحقًّا عليه هذِه المعاقبة، فإذا جناها فالسيد غير بين الإمضاء والترك، وإذا قال: إن فعلت كذا وكذا فلك عليَّ كذا وكذا. ففعل ما كلفه، لم يجز أن يخلفه بما وعده؛ لأن في تمام الوعد حقًّا للعبد، وليس لأحد أن يدع حق غيره، كما له أن يدع حق نفسه، والعرب تفتخر بخلف الوعيد، ولو كان مذمومًا لما جاز أن يفتخر بخلفه ويمتدح به.
(1)
سيأتي برقم (7422) كتاب: التوحيد، باب:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .
(2)
من (ص 2).
(3)
في الأصل: فليستر. ولعل الصواب ما أثبتناه.
أنشد أبو عمرو الشيباني:
وإني إن أوعدته أو وعدته
…
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فإن أخذ الله المنفذين للوعيد بحكمهم أنفذه عليهم دون غيرهم؛ لقطعهم على الله الواسع الرحمة بإنفاذه الوعيد؛ لظنهم بالله ظن السوء فعليهم دائرة السوء، وكان لهم عند ظنهم كما وعد، فقال: "أنا عند ظن عبد بي، فليظن بي (ما شاء)
(1)
"
(2)
.
فصل:
قوله: ("وإن من المجاهرة"). كذا في الأصول، وذكره ابن التين بلفظ:"إن من المجانة"
(3)
. ثم قال: والمجانة: أن لا يبالي المرء بما صنع، وهي مصدر مجن يمجن مجونا ومجانة، بفتح الميم. (وفي مسلم:"إن من الاجهار")
(4)
.
وقوله: ("الْبَارِحَة") هي أقرب ليلة مضت، تقول: لقيته البارحة، والبارحة الأولى، وهو من برح، أي: زال.
(1)
في الأصل: (خيرًا)، والمثبت من (ص 2) ومصادر التخريج.
(2)
رواه أحمد 3/ 491، والدارمي 3/ 1796 (2773)، وابن حبان 2/ 401 (633) من حديث واثلة بن الأسقع.
(3)
في "اليونينية""المجانة"، وبهامشها:"المجاهرة" وعزيت إلى رواية أبي ذر عن الكشميهني. وقال الحافظ في "الفتح" 10/ 487: "المجاهرة" كذا لابن السكن والكشميهني، وعليه "شرح ابن بطال"، وللباقين:"المجانة" بدل "المجاهرة". ووقع في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد: "وإن من الاجهار". كذا عند مسلم، وفي رواية له:"الجهار" وفي رواية الإسماعيلي: "الاهجار" وفي رواية لأبي نعيم في "المستخرج""وأن من الهجار" فتحصلنا على أربعة.
(4)
من (ص 2).
61 - باب الكِبْرِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} [الحج: 9] مُسْتَكْبِرٌ فِي نَفْسِهِ، عِطْفُهُ: رَقَبَتُهُ.
6071 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» . [انظر: 4918 - مسلم: 2853 - فتح 10/ 489]
6072 -
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ. [فتح 10/ 489]
ذكر فيه حديث حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الخُزَاعِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ألا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَو أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ جَوَّاظٍ عُتُلٍّ مُسْتَكْبِرٍ".
(وهذا سلف في التفسير، ويأتي في الأيمان والنذور
(1)
، وأخرجه مسلم أيضًا. ثم قال:)
(2)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، ثَنَا أَنَسٌ قَالَ: كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ.
وهذا يشبه أن يكون أخذه عن شيخه محمد بن عيسى مذاكرة، وهو ابن الطباع أبو جعفر أخو إسحاق ويوسف، نزل أذنة، روى عن مالك وغيره وعنه أبو داود والدارمي، خرج له النسائي وابن ماجه أيضًا،
(1)
سيأتي برقم (6657) باب: قول الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} .
(2)
من (ص 2).
وعلق له البخاري كما ترى، وكان حافظًا مكثرًا فقيهًا. قال أبو داود: كان يحفظ نحوًا من أربعين ألف حديث. وقال أبو حاتم: ثقةٌ مأمونٌ ما رأيت أحفظ منه للأبواب، مات سنة أربع وعشرين ومائتين
(1)
.
وذكر الحافظ أبو سعيد النيسابوري في "شرف المصطفى" التأليف الكبير أن عليَّ بن زيد بن جدعان روى عن أنس رضي الله عنه قال: إن كانت الوليدة من ولائد المدينة لتجيء فتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذهب به، فما ينزع يده من يدها حتَّى تذهب به حيث شاءت. وعزاه ابن بطال إلى رواية شعبة، عن عليِّ بن زيد به، بزيادة: حتَّى تكون هي تنزعها.
قال: وروى شعبة، عن أبان بن تغلب، عن فضيل الفقيمي، عن النخعي، عن علقمة، عن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل ليحب أن يكون ثوبه (حسن)
(2)
ونعله (حسن)(2). قال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر من بطر الحق وغمص الناس"
(3)
. وروى عبد الله بن عمرو بن العاصي: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المستكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر على صورة الناس (يطؤهم)
(4)
كل شيء من الصَّغار، يساقون حتَّى يدخلوا سجنًا في النار يسقون من طينة الخبال
عصارة أهل النار"
(5)
.
(1)
انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 38 (175)، "تهذيب الكمال" 26/ 258 (5534).
(2)
ورد فوقها في الأصل: كذا.
(3)
رواه مسلم (91) كتاب: الإيمان، باب: تحريم الكبر، بلفظ:"غمط الناس".
(4)
في (ص 2): يعلوهم.
(5)
رواه الترمذي (2492)، وأحمد 2/ 179، وابن أبي شيبة 5/ 329 (26573)، والبخاري في "الأدب المفرد"(557).
فإن قلت: فقد وصف عليه السلام العتل الجواظ المستكبر أنه من أهل النار، فبين لنا تكبره، على من هو؟ قيل: هو الذي باطنه منطوٍ على التكبر على الله، فهذا كافر لا شك في كفره، وذلك هو الكبر الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله، في حديث ابن مسعود: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه (مثقال حبة)
(1)
من كبر".
والعتل: الجافي الغليظ، ومنه قوله تعالى:{عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)} [القلم: 13] قال الفراء: إنه الشديد الخصومة بالباطل
(2)
. وعلى الأول أهل اللغة.
فإن قلتَ: فقد وصفت الكبر بغير ما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنك رويت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الكبر من سفه الحق، وغمص الناس وازدرى الحق"
(3)
ووصفت أنت الكبر: أنه التكبر على الله.
قيل: الكبر الذي وصفناه هو خلاف خشوع القلب لله، ولا ينكر أن يكون من الكبر ما هو استكبار على غير الله، والذي قلنا من معنى الكبر على الله، فإنه غير خارج من معنى ما روينا عنه، أنه من غمص الناس وازدراء الحق، وذلك أن معتقِد الكبر على ربه لا شك أنه للحق مزدرٍ وللناس أشد استحقارًا.
ومما يدل على أن المراد بمعنى الآثار في ذَلِكَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه الطبري، عن يونس، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث أن
(1)
في (ص 2): ذرة.
(2)
"معاني القرآن" 3/ 173.
(3)
رواه أحمد 2/ 169 - 170، والبخاري في "الأدب المفرد"(548)، والبزار في "مسنده" 6/ 407 - 408 (2433) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وليس فيهم قوله:"وازدرى الحق" وصححه الألباني في "الصحيحة"(134).
دراجًا أبا السمح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من تواضع لله درجة رفعه الله درجة، ومن تكبر على الله درجة يضعه الله درجة، حتَّى يجعله في أسفل سافلين"
(1)
فدل هذا الحديث أن غمص الناس وحقر الناس (استكبار)
(2)
على الله.
وقد روى حماد بن سلمة، عن قتادة وعلي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يحكيه عن ربه عز وجل:"الكبرياء ردائي، فمن نازعني ردائي قصمته"
(3)
فالمستكبر على الله لا شك أنه منازعه رداءه، ومفارق دينه، وحرام عليه جنته، كما قال عليه السلام أنه "لا يدخلها إلا نفس مسلمة"
(4)
ومن لم يخشع لله قلبه فهو عليه مستكبر إذ معنى الخشوع التواضع وخلافه التكبر والتعظم. فالحق على كل مكلف إشعار قلبه الخشوع بالذلة، والاستكانة له بالعبودية؛ خوف أليم عقابه. وقد روي عن محمد بن عليٍّ أنه قال: ما دخل قلب امرئٍ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثله، قلَّ ذَلِكَ أو كَثُرَ
(5)
.
فصل:
سلف تفسير العتلّ، ويأتي تفسيره مع الجواظ في الأيمان والنذور، وفي باب قوله تعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109].
(1)
رواه ابن ماجه (4176)، وأحمد 3/ 76 من طريق دراج، عن أبي الهيثم، به.
(2)
في الأصل (استكبارًا)، والصواب ما أثبتناه.
(3)
رواه الحاكم 1/ 61، ورواه بنحوه مسلم (2620) كتاب: البر والصلة، باب: تحريم الكبر من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد.
(4)
سيأتي برقم (6528) كتاب: الرقاق، باب: كيف الحشر.
(5)
"شرح ابن بطال" 9/ 266 - 268، وأثر محمد بن علي -هو أبو جعفر الباقر- رواه أبو نعيم في "الحلية" 3/ 180.
والجواظ: الرجل الجافي الغليظ. وقيل: القصير البطين. وقال الداودي: الجواظ: الجعظري، الكثير اللحم (العظيم)
(1)
البطن، الغليظ العنق. وقال الجوهري: هو الضخم المختال في مشيته، وكذا عند ابن فارس
(2)
والهروي، وقال أحمد بن عبيد: هو الجموع المنوع.
فصل:
قوله: ({عِطْفِهِ}: رقبته) عبارة الجوهري: عِطْفَا الرجل: جانباه من لدن رأسه إلى وركيه، وثنى عَنِّي عِطْفَه أي: أعرض
(3)
.
وقوله: ("كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ") قال الداودي: الضعيف في جسمه وماله و (لسانه)
(4)
، والمتضاعف: المتواضع. وفي "الصحاح": الضعيف في بدنه، (والمُضعف)
(5)
في ذاته
(6)
. وقال القزاز: ضعيف في جسمه؛ لاجتهاده في عبادته، قوي في طاعته وتصرفه.
وقوله: ("لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ") أي: لو أقسم عليه: لتفعلن ما أحب لأَبرَّ قسمه. أي: فعل له ما يكون بفعله قد أبر قسمه.
(1)
في الأصل: العطين.
(2)
"الصحاح" 3/ 1171، "مجمل اللغة" 1/ 203.
(3)
"الصحاح" 4/ 1405.
(4)
في (ص 2): شأنه.
(5)
في الأصل: والمصدق.
(6)
"الصحاح" 4/ 1391. ولفظه: (والمضعف في دابته).
62 - باب الهِجْرَةِ
وَقَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ".
6073، 6074، 6075 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ -هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ وَهْوَ ابْنُ أَخِي عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّهَا- أَنَّ عَائِشَةَ حُدِّثَتْ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ: وَاللهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَتْ: هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا. فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طَالَتِ الْهِجْرَةُ، فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ لَا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا، وَلَا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي. فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ -وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ- وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذُرَ قَطِيعَتِي. فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا! قَالُوا: كُلُّنَا؟ قَالَتْ: نَعَمِ، ادْخُلُوا كُلُّكُمْ. وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الحِجَابَ، فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ، وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِى، وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إِلاَّ مَا كَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ، وَيَقُولَانِ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا [نَذْرَهَا] وَتَبْكِي وَتَقُولُ: إِنِّي نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ. فَلَمْ يَزَالَا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً. وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِي، حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا. [انظر: 3503 - فتح: 10/ 491]
6076 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا
عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ». [انظر: 6065 - مسلم: 2559 - فتح: 10/ 492]
6077 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» . [انظر: 6237 - مسلم: 2560 - فتح: 10/ 492]
هذا الحديث أسنده قريبًا في باب ما ينهى عن التدابر، من طريق أنس رضي الله عنه:"لا تباغضوا" وفي آخره: "ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" وذكر في الباب حديث أنس وأبي أيوب. وفي أثناء حديث عائشة الطويل (أيضًا)
(1)
، وهو صريح في تحريم الهجران فوق ثلاث، وكذا العداوة والإعراض عن المسلم حرامان، وهذا فيمن لم يجن على الدين جناية، فأما من جنى عليه، وعصى ربه، فجاءت الرخصة (في عقوبته)
(2)
بالهجران، كالثلاثة المتخلفين عن غزوة تبوك، أمر
الشارع بهجرانهم، فبقوا كذلك خمسين ليلة، حتَّى نزلت توبتهم
(3)
. وآلى عليه السلام من نسائه شهرًا
(4)
. وهذا تخصيص لعموم الخبر.
فإن قلت: أيأثم من كلم الفجار والعصاة على علم منهم بها بغير تأويل؟ قلت: إن كلمهم بالتقريع والوعظ لم يأثم، وإن كلمهم على غير ذَلِكَ خشيت عليه الإثم، قاله ابن جرير، إلا أن يكلم من لا يجد من كلامه بدًّا، فيكلمه وهو كاره لطريقته وعليه واجد، كالذي كان من
(1)
من (ص 2).
(2)
من (ص 2).
(3)
سلف برقم (4418) كتاب: المغازي، باب: حديث كعب بن مالك.
(4)
سلف برقم (2468) كتاب: المظالم، باب: الغرفة المشرفة في السطوح.
أبي قتادة في كعب، إذ ناشده الله: أهل تعلمني أحب الله ورسوله؟ كل ذَلِكَ لا يجيبه، ثم أجابه بأن قال: الله ورسوله أعلم، ولم يزده على ذلك. وقيل: كلامهم مكروه.
فرع:
اختلف هل يخرج (بالسلام)
(1)
وحده من الهجران؟ فقالت البغاددة: (نعم)
(2)
؛ لقوله عليه السلام: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" وقاله مالك مرة، وقال: إنه حري إن كان يؤذيه برئ من الشحناء، قال ابن القاسم: وإن كان غير مؤذٍ له لم يخرجه منه إذا اجتنب كلامه. وقال أحمد: ينظر إلى حالهم قبل، فإن علم منه مكالمته والإقبال عليه، فلا يخرجه ذَلِكَ، لا يخرجه السلام ليس معه إعراض. قيل: وروي نحوه عن مالك
(3)
.
ثم ذكر البخاري في الباب أحاديث:
أحدها:
حديث عَوْفِ بْنِ الطُّفَيْلِ -هُو ابن الحَارِثِ وَهْو ابن أَخِي عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمِّهَا- أَنَّ عَائِشَةَ حُدِّثَتْ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَو عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ: والله لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، أَو لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا. فَقَالَتْ: أَهُو قَالَ هذا؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَتْ: هُو لله عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أُكَلِّمَ ابن الزُّبَيْرِ أَبَدًا .. الحديث بطوله.
عوف هذا هو ابن الحارث بن الطفيل بن عبد الله بن الحارث بن
(1)
في الأصل: بالكلام.
(2)
من (ص 2).
(3)
انظر: "المنتقى" للباجي 7/ 215، و"الاستذكار" 26/ 150، "شرح ابن بطال" 9/ 270.
سخبرة بن جرثومة بن عادية بن مرة بن جشم بن أوس بن عامر بن حنين بن النمر بن عثمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. هكذا ساقه ابن الكلبي. وقال: الطفيل أخو عائشة لأمها أم رومان بنت عمير الكناني.
وكانت عائشة رضي الله عنها من أجود الناس، أعطت القاسم بن محمد وابن أبي عتيق ابني أخويها ما أعطت فيه مائة ألف
(1)
، وأعانت المنكدر في كتابته بعشرة آلاف. وإنما كره لها ابن الزبير بيع رباعها، وتأولت هي في هجرانه أنها كانت أمه؛ لأنها أم المؤمنين، فهي أم له لا (خالة)
(2)
.
وذكر أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تكنيني؟ فقال: "تكني بابنك عبد الله"
(3)
فكانت تكنى بأم عبد الله، فرأت (عائشة رضي الله عنها)
(4)
أنه عقها، وأنه أتاها بما يوجب هجرته، فتنكر له الناس إذ هجرته عائشة، وكان هذا قبل أن يلي؛ لأن عائشة ماتت سنة سبع وخمسين، في خلافة معاوية، وكان ابن الزبير حينئذ لم يلِ.
(1)
ورد في هامش الأصل: الذي ساقه البخاري في الهبة أن التي أعطت القاسم وابن أبي عتيق مالاً بالغابة أعطت فيه مائة ألف هي أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة، وقد نقل شيخنا المؤلف عن الداودي أن ظاهر إيراده أنه قال ذلك في عائشة، واعترضه، فإن صح هذا المكان فلعل كل واحدة -منها ومن أختها- أعطت القاسم وابن أبي عتيق مائة ألف. والله أعلم.
(2)
في (ص 2): محالة.
(3)
رواه البخاري في "الأدب المفرد"(851)، والحاكم 4/ 278. ورواه بنحوه أبو داود (4970)، وأحمد 6/ 107.
وانظر: "السلسلة الصحيحة"(132).
(4)
من (ص 2).
فصل:
ومعنى (الْهِجْرَة) كما قال الطبري: ترك الرجل كلام أخيه إذا اجتمعا، وأعرض كل واحد منهما عن صاحبه مصارمةً له، وتركًا للكلام له والسلام عليه إذا تلاقيا. وعائشة لم تكن ممن تلقى ابن الزبير، وإنما كانت من وراء حجاب، لا يدخل عليها إلا بإذن، وكان لها منعه من دخوله منزلها (وليس ذلك هجرةً منهيًّا عنها كما لو كانت في بلد آخر، وقيل: إنها تأولت أنه عصى بتنقيصه لها)
(1)
فهجرته لأنها أم له ولسائر المؤمنين يجب توقيرها رضي الله عنها
(2)
.
فصل:
قولها: (لله عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أُكَلِّمَ ابن الزُّبَيْرِ أَبَدًا) هذا نذر في غير طاعة، فلا يجب عليها شيء عند مالك وغيره
(3)
، أو يكون تقدير الكلام: عليَّ نذر إن كلمت ابن الزبير، وظاهر الكلام لا شيء عليه؛ لأن المنذور ترك كلام ابن الزبير؛ لأن (أن) مع الفعل في تأويل المصدر، وإنما يوفى هذا فيما كان طاعة، كالعتق والصلاة والصوم، أما نذر المعصية كالزنا، والمكروه كترك النوافل، والمباح، فلا يلزم الوفاء به
(4)
.
واختلف إذا قال: عليَّ نذر لأفعلن كذا. فكفارته كفارة يمين، كما جاء في مسلم
(5)
، وهو قول مالك وغير واحد من التابعين
(6)
.
(1)
ساقط من (ص 2).
(2)
انظر: "ابن بطال" 9/ 270.
(3)
"المدونة" 2/ 35.
(4)
انظر: "المدونة" 2/ 34 - 35.
(5)
مسلم (1645) كتاب: النذر، باب: في كفارة النذر، من حديث عقبة بن عامر مرفوعًا:"كفارة النذر كفارة اليمين".
(6)
انظر: "النوادر والزيادات" 4/ 25 - 26.
وعن ابن عباس: عليه أغلظ الكفارات كالظهار؛ لأنه لم يسم اليمين بالله، ولا نواها. وقيل: إن شاء صام يومًا، أو أطعم مسكينًا، أو صلى ركعتين؛ لأنه لا يقم ذمته إلا بالأقل، وكل ما يصح أن ينذر.
فصل:
قوله: (أَنْشُدُكُمَا باللهِ) أي: أسألكما. وهو ثلاثي من نشده بالله، إذا سأله.
وقولها: (ولا أتحنث إلى نذري) أي: لا أخالف ما نذرت؛ لأن الحنث: الخلف في اليمين، تقول: أحنث الرجل في يمينه، فحنث.
و (التحريج): الإثم والتضييق، يقال: تحرج. أي: تأثم. وأحرجه إليه أي: ألجأه إليه.
وقوله: (لما أدخلتماني على عائشة) حكى سيبويه
(1)
: لما فعلت -مشددة -أي: إلا فعلت
(2)
. وقد قرئ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)} [الطارق: 4] بالتشديد
(3)
، تقديره: ما كل نفس إلا عليها حافظ. فتكون (إن) بمعنى: ما. وفي "الصحاح": وقول من قال: لمّا بمعنى إلا، غير معروف في اللغة
(4)
.
الحديث الثاني:
حديث أنس السالف في باب: ما ينهى عن التدابر، إلا أنه قال:"فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ" بدل "أيام".
(1)
وقع هنا في (ص 2): نشدتكما الله.
(2)
"الكتاب" 3/ 105 - 106.
(3)
قرأها كذلك عاصم وابن عامر وحمزة، وقرأ باقي السبعة بالتخفيف، انظر "الحجة" للفارسي 6/ 397، "الكشف" لمكي 2/ 369.
(4)
" الصحاح" 5/ 2033، مادة:(لمم).
الحديث الثالث:
حديث أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هذا وَيُعْرِضُ هذا، وَخَيْرُهُمَا الذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ".
قال الطبري: في حديث أنس وأبي أيوب البيان الواضح أنه غير جائز لمسلم أن يهجر مسلمًا أكثر من ثلاثة أيام، (وأنه إن هجره أكثر من ثلاثة أيام)
(1)
أثم، وكان أمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه؛ لأنه عليه السلام أخبره أنه لا يحل ذَلِكَ، ومن فعل ما هو محظور عليه فقد اقتحم حمى الله، وانتهك حرمته.
وفيه: دليل أن هجرته دون ثلاثة أيام مباح (لهما)
(2)
ولا تبعة عليهما فيها. وقال غيره: وتجاوز الله لهما عما يعرض لهما من ذَلِكَ في ثلاثة أيام؛ لما فطر الله العباد عليه من ضعف الجبلة وضيق الصدر، وحرَّم عليهما ما زاد على الثلاث؛ لأنه من الغل الذي لا يحل. وروى عيسى، عن ابن القاسم، في الرجل يهجر أخاه إلا أنه يسلم عليه من غير أن يكلمه بغير السلام، هل يبرأ من الشحناء؟ فقال: سمعت مالكًا يقول: إن كان مؤذيًا، إلى آخر ما (أسلفنا. وقال به أحمد أيضًا. كذا نقله عنه ابن بطال
(3)
)
(4)
. وما أسلفناه عنه نقله ابن التين. وقيل لابن القاسم: هل ترى (شهادته عليه)
(5)
جائزة باجتنابه كلامه وهو غير مؤذ له؟ قال: لا تقبل شهادته.
(1)
ساقطة من الأصل.
(2)
من (ص 2).
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 269 - 270.
(4)
ساقط من (ص 2).
(5)
في الأصل: (عليه شهادته)، والمثبت هو الملائم للسياق، وانظر "شرح ابن بطال" 9/ 270.
فإن قلت: فحديث عائشة في الباب لما هجرت عبد الله بن الزبير، وحلفت أن لا تكلمه أبدًا، فتحيل عليها بالشفعاء حتَّى كلمته.
قيل: معنى الهجرة: هو ترك كلام الرجل أخيه مع تلاقيهما واجتماعهما، وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه مصارمة له، وتركًا للسلام، وذلك أن من حق المسلم على المسلم إذ تلاقيا أن يسلم كل واحد منهما على صاحبه، فإذا تركا ذَلِكَ بالمصارمة فقد دخلا فيما حظر الله، واستحقا العقوبة إن لم يعف الله عنهما، فعائشة لم تكن ممن تلقى ابن الزبير فتعرض عن السلام عليه صرمًا له، وإنما كانت من وراء حجاب، ولا يدخل عليها أحد إلا بإذن، وكان لها منع ابن الزبير الدخول كما سلف.
وأخبر عليه السلام بسبب حظر الله تعالى هجرة المسلم أخاه أن ذَلِكَ إنما هو من أجل تضييعهما ما أوجب الله عليهما عند تلاقيهما، فأما إذا لم يلتقيا فيفرط كل واحد منهما في واجب حق أخيه عليه فذلك بعيد من معنى الهجرة.
وقد تأول غير الطبري في هجرة عائشة رضي الله عنها لابن الزبير وجهًا آخر، فقال: إنما ساغ لعائشة ذَلِكَ؛ لأنها أم المؤمنين ولازم توقيرها وبرها لجميع المؤمنين، وتنقصها كالعقوق لها، فهجرت ابن الزبير أدبًا له، ألا ترى أنه لما فرغ نزع عن قوله، وندم عليه، وتشفع إليها، رجعت إلى مكالمته، وكفرت يمينها. وهذا من باب إباحة هجران من عصى والإعراض عنه حتَّى يفيء إلى الواجب عليه.
63 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْهِجْرَانِ لِمَنْ عَصَى
وَقَالَ كَعْبٌ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا. وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيْلَةً.
6078 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ» . قَالَتْ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ. وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ» . قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلاَّ اسْمَكَ. [انظر: 5228 - مسلم: 2439 - فتح 10/ 497]
وسلف مسندًا
(1)
.
وذكر بإسناده حديث عائشة قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَعْرِفُ غَضَبَكِ (من)
(2)
رِضَاكِ". قَالَتْ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذلك يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ. وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ". قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلَّا اسْمَكَ.
الشرح:
(أَجَلْ): جواب مثل نعم. قال الأخفش: إلا أنها أحسن من نعم فإذا قال: سوف نذهب، قلت: أجل، كان أحسن من نعم، وإذا قال: أنذهب؟ قلت: (نعم)، كان أحسن من أجل. والحديث على هذا؛ لأنه أخبرها بصفة حالها معه ولم يستفهمها، فقالت: أجل.
قال المهلب: غرض البخاري في هذا الباب أن يبين صفة
(3)
(1)
برقم (4418).
(2)
في (ص 2): (و)، والمثبت من الأصل.
(3)
في الأصل بعدها: (حالها معه) وعليها: (لا .. إلى).
الهجران الجائز، وأن ذَلِكَ متنوع على قدر الإجرام، فمن كان جرمه كبيرًا فينبغي هجرانه واجتنابه وترك مكالمته كما في أمر كعب بن مالك وصاحبيه. وما كان [من]
(1)
المغاضبة بين الأهل والإخوان فالهجران الجائز فيها هجران التحية والتسمية وبسط الوجه، كما فعلت عائشة في مغاضبتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الطبري: في حديث كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي والفسوق والبدع؛ ألا ترى أنه عليه السلام نهى عن كلامهم بتخلفهم عنه، ولم يكن ذَلِكَ كفرًا ولا ارتدادًا، وإنما كان معصية ركبوها فأمر بهجرهم، حتَّى تاب الله عليهم، ثم أذن في مراجعتهم. فكذلك الحق في كل من أحدث ذنبًا خالف به أمر الله ورسوله فيما لا شبهة فيه ولا تأويل، أو ركب معصية على علم أنها معصية لله، أن يهجر غضبًا لله ولرسوله ولا يكلم حتَّى يتوب وتعلم توبته علمًا ظاهرًا، كما قال في قصة الثلاثة الذين خلفوا.
فإن قلتَ: أفيحرج مكلم أهل المعاصي والبدع على كل وجه؟
قلتُ: أجبنا عنه فيما سلف بتفصيل.
فإن قلتَ: فإنك تبيح كلام أهل الشرك بالله ولا توجب على المسلمين هجرتهم، فكيف ألزمتنا هجرة أهل البدع والفسوق وهم بالله ورسوله مُقِرُّون؟
قيل: إن حظرنا ما حظرنا وإطلاقنا ما أطلقنا لم يكن إلا عن أمر من لا يسعنا خلاف أمره، وذلك نهيه عليه السلام عن كلام النفر المتخلفين عن تبوك وهم بوحدانية الله مقرون، وبنبوة نبيه معترفون. وأما المشركون فإنما
(1)
من ابن بطال 9/ 272.
أطلقت لأهل الإيمان كلامهم؛ لإجماع الجميع على إجازتهم البيع والشراء منهم والأخذ والإعطاء. ولقد يلزم في هجرة كثير من المسلمين في بعض الأحوال ما لا يلزم في هجرة كثير من أهل الكفر، وذلك أنهم أجمعوا على أن رجلاً من المسلمين لو لزمه حد من حدود الله في غير الحرم ثم استعاذ به أنه لا يبايع ولا يكلم ولا يجالس حتَّى يخرج من الحرم فيقام عليه حد الله -كذا ادعاه الطبري ولا يسلم له؛ فالخلاف ثابت- (ولله أحكام في خلقه جعلها)
(1)
بينهم في الدنيا مصلحة لهم، هو أعلم بأسبابها وعليهم التسليم لأمره فيها؛ لأن له الخلق والأمر
(2)
.
(1)
في الأصل: (وفيه أحكام في خلقه جلهم)، والمثبت من (ص 2).
(2)
ابن بطال 9/ 272 - 273.
64 - باب هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ بُكْرَةً وَعَشِيًّا
؟
6079 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ. قَالَ: «إِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي بِالْخُرُوجِ» . [انظر: 476 - فتح: 10/ 498]
ذكر فيه حديث عائشة قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيًا، فَبَينا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قًالَ قَائِلٌ: هذا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
فيه: ما ترجم له، وهو زيارة الصديق الملاطف مرتين كل يوم، وليس بمعارض لحديث أبي هريرة:"زر غِبًّا تزدد حبًّا"
(1)
(ذكره أبو عبيد
(1)
رواه الطبراني في "الأوسط" 2/ 210 (1754)، و 6/ 9 (5641)، من طريق عن أبي هريرة، وكذا رواه غير واحد عنه، وفي الباب أيضًا عن أنس وجابر وحبيب بن سلمة وابن عباس وابن عمرو، وعلي وعائشة وآخرين.
والحديث أورده ابن حجر في "الفتح" 10/ 498 - في نفس الباب الذي يشرحه المصنف- وقال: وكأن البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور .. فذكره ثم قال: وقد ورد من طرق أكثرها غرائب لا يخلو واحد منها من مقال، وقد جمع طرقه أبو نعيم وغيره .. وقد جمعتها في جزء مفرد، وأقوى طرقه ما أخرجه الحاكم في "تاريخ نيسابور" .. فذكره من حديث عائشة ثم قال: ولا منافاة بين هذا =
في "الأمثال". وأما في قوله هذا إعلام منه أن إغباب الزيارة أزيد في المحبة)
(1)
، وأثبت في المودة؛ لأن مواترة الزيارة والإكثار منها ربما أدت إلى الضجر وأبدت أخلاقًا كامنة لا تظهر عند الإغباب، فآلت إلى البغضة وكانت سببًا للقطيعة (أو)
(2)
للزهد في الصديق.
وفي حديث عائشة في هذا الباب جواز زيارة الصديق الملاطف لصديقه كل يوم على قدر حاجته إليه والانتفاع به في مشاركته له، فهما حديثان مختلفان ولا تعارض؛ إذ لكل واحد معنى، وما أحسن قوله:
إذا حققت من شخصٍ ودادًا
…
فزره ولا تخف منه ملالًا
وكن كالشمس تطلع كل يوم
…
ولا تك في زيارته هلالًا
ردًّا على قول الآخر:
لا تزر من تحب في كل شهر
…
غير يوم ولا تزده عليه
فاجتلاء الهلال في الشهر يومًا
…
ثم لا تنظر العيون إليه
فصل:
قولها: (فبينا نَحْنُ). قال الجوهري: بينا فعلى أُسقطت الفتحة فصارت ألفًا. وبينا زيدت عليه ما، والمعنى واحد
(3)
، وكان الأصمعي يخفض بعد بينا (إذا صلح في موضعه بين)
(4)
وغيرهُ يرفع
= الحديث وحديث الباب؛ لأن عمومه يقبل التخصيص. اهـ. وقال السخاوي في "المقاصد"(537): بمجموعها يتقوى الحديث، وإن قال البزار: إنه ليس فيه حديث صحيح، فهو لا ينافي ما قلناه. اهـ. أي أنه قوي بمجموع الطرق، وانظر "صحيح الجامع"(3568).
(1)
ليست في الأصل.
(2)
في الأصل: (و).
(3)
"الصحاح" 5/ 2084 مادة (بين).
(4)
ساقطة من الأصل.
ما بعد بينا، وبينما على الابتداء.
والظهيرة: الهاجرة، ونحرها: أولها، قال الجوهري: نحر النهار: أوله
(1)
.
ومعنى: (يدينان الدين): يطيعان الله، ولم تولد عائشة إلا بعد مبعثه عليه السلام بسنتين على قول مالك بن أنس، وعلى قولها وقول ابن عباس بعد المبعث بخمس، وقيل: بسبع. وهذا قول ابن عباس الآخر أنه عليه السلام توفي ابن خمس وستين.
والبكرة: من طلوع الشمس إلى نصف النهار.
والعشي: ما بعد نصف النهار، قاله الداودي. وقال الجوهري: العشاء والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة، قال: والعشاء بالكسر والمد
(2)
. وزعم قوم أن العشاء من الزوال إلى طلوع الفجر، وقال ابن فارس: ويقال العشاء من الزوال إلى الصباح والعشاء (من)
(3)
صلاة المغرب (إلى)
(4)
العتمة
(5)
.
فائدة: فيه: زيارة الفاضل المفضول.
فإن قلت كان الصديق أولى بالزيارة، ولدفع مشقة التكرار عنه.
قلت: لم يكن إتيان الشارع له للزيارة، وإنما كان لما يتزايد عنده من المعالم.
(1)
"الصحاح" 2/ 731 مادة (ظهر)، 2/ 824 مادة (نحر).
(2)
المصدر السابق 6/ 2426 مادة (عشا).
(3)
في الأصل: (في)، والمثبت من (ص 2)، وهو الصواب.
(4)
من (ص 2).
(5)
"مجمل اللغة" 2/ 668، 669.
65 - باب الزِّيَارَةِ، وَمَنْ زَارَ قَوْمًا فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ
وَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَ عِنْدَهُ.
6080 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الأَنْصَارِ فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَنُضِحَ لَهُ على بِسَاطٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ. [انظر: 670 - فتح 10/ 499]
وقد سلف مسندًا.
ثم ساق حديث أنس: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الأَنْصَارِ فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ البَيْتِ، فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ودَعَا لهم.
لا شك أن من تمام الزيارة إطعام الزائر ما حضر، وإتحافه بما تيسر، وذلك من كريم الأخلاق: وهما مما يثبت المودة ويؤكد المحبة.
وفيه: أن الزائر إذا أكرمه المرء أنه ينبغي له أن يدعو له ولأهل بيته ويبارك في طعامهم وفي رزقهم. وهذا البيت هو بيت جدته (مليكة)
(1)
.
ومعنى (طَعِمَ): أكل، وهو بكسر العين؛ قال تعالى:{فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} [الأحزاب: 53] وقد يكون بمعنى: ذاق؛ قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] والبساط: هنا هو الحصير كما جاء في حديث آخر.
(1)
ورد بهامش الأصل: هي أم أنس، لا جدته على الصحيح، والله أعلم.
واختلف: لِمَ نضحه؟ فقيل: لما شك فيه. وقيل: لتليينه. وقيل: صب عليه صبًّا فيكون كالغسل، كما قيل في نضح بول الصبي، ويحتمل أن يريد الرش.
وفيه أيضًا: جواز الصلاة على الحصير، وإن حمل على ظاهره ففيه جواز الصلاة على ما لا تنبته الأرض.
وفيه: مكافأة من أطعم.
66 - باب مَنْ تَجَمَّلَ لِلْوُفُودِ
6081 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: مَا الإِسْتَبْرَقُ؟ قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اشْتَرِ هَذِهِ فَالْبَسْهَا لِوَفْدِ النَّاسِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ:«إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» . فَمَضَى فِي ذَلِكَ مَا مَضَى، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَيْهِ بِحُلَّةٍ، فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ وَقَدْ قُلْتَ فِي مِثْلِهَا مَا قُلْتَ! قَالَ: «إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالاً» . فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ لِهَذَا الْحَدِيثِ. [انظر: 886 - مسلم: 2068 - فتح: 10/ 500]
ذكر فيه حديث عمر رضي الله عنه في الحلة للتجمل، وقد سلف، وفي آخره: فكان ابن عمر رضي الله عنهما يكره العلم في الثوب، لهذا الحديث.
وفيه: ما ترجم له، وهو تجمل الخليفة والإمام للقادمين عليه بحسن الزي وجميل الهيئة، ألا ترى قول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اشتر هذِه فالبسها لوفد الناس إذا قدموا عليك. وهذا يدل أن عادته عليه السلام كانت جارية بالتجمل لهم، فينبغي الاقتداء بهم في ذَلِكَ؛ ففيه تفخيم الإسلام ومباهاة العدو وغيظ له.
وقد سلف في اللباس خلاف العلماء في لبس الحرير، ومما ذكرناه يظهر لك الرد على الداودي حيث ادعى أن ما ذكره ليس مطابقًا لما ترجم له، معللًا بأنه ليس في الحديث أنه تجمل إنما قيل تفعل. قال: ولو قال التجمل للوفد لاحتمل؛ لأنه عليه السلام لم ينكر عليه، غير أنه لا يقال فعل إلا ممن ثبت منه فعل، فاعلم ذَلِكَ.
وقوله: (فكان ابن عمر يكره العلم في الثوب؛ لهذا الحديث). وهو كما قال الخطابي: مذهب ابن عمر في هذا الورع، وكذلك كان يتوخى في أكثر مذاهبه الاحتياط في أمر الدين. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول في روايته إلا علمًا في ثوب، وكذلك هو؛ لأن العلم لا يقع عليه اسم اللبس. قال: ولو حلف لا يلبس غزل فلانة فلبس ما فيه غزلها، ولغيرها فإن كان غزلها لو انفرد وكان يبلغ إذا نسج أدنى شيء مما يقع عليه اسم اللبس حنث، فإن لم يبلغ قدر ذَلِكَ لم يحنث. والعلم لا يبلغ هذا القدر، فكان قول ابن عباس أشبه
(1)
.
فصل:
قوله في (الحُلَّة): (إنما بعثت إليك؛ لتصيب بها مالاً). أي: لتتخذها مالاً وقيل: لتلبسها.
وقوله في أوله: (عن يحيى بن إسحاق قال: قال لي سالم بن عبد الله: ما الإستبرق؟ قلت: ما غلظ من الديباج وخشن منه). وهذا هو المشهور، وقيل: مخمله. وقال الداودي: هو رقيقه.
قال القزاز: وقيل: فيه ذهب، وأصله فارسي: استبره، فرد: استبرق. وقال الزجاج: هو مأخوذ من البريق: هو الذي يجعل على الكعبة.
(و (غلظ): بضم اللام، مثل: كرم وشرف)
(2)
.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 2190.
(2)
ساقطة من (ص 2).
67 - باب الإِخَاءِ وَالْحِلْفِ
وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ رضي الله عنه: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ
آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ.
6082 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَآخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . [انظر: 2049 - مسلم: 1427 - فتح: 10/ 501]
6083 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا حِلْفَ فِي الإِسْلَامِ» ؟. فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي. [انظر: 2294 - مسلم: 2529 - فتح: 10/ 1051]
سلفا مسندين
(1)
، وقد أسند الثاني هنا من حديث أنس رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَآخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ.
وحديث عاصم: قُلْتُ لأَنَسِ: أَبَلَغَكَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا حِلْفَ فِي الإِسْلَامِ؟ ". فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النبي صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي.
الشرح:
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار أول قدومه المدينة، وحالف بينهم، وقد عقد البخاري بابًا قبل الغزوات وأوضحناه هناك، وكانوا يتوارثون بذلك الإخاء والحلف دون ذوي الرحم، قال سعيد بن جبير: وقد عاقد أبو بكر رجلاً فورثه. قال الحسن: كان هذا قبل آية
(1)
الأول برقم (1968) والثاني (2048).
المواريث، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذَلِكَ. قال ابن عباس: فلما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النساء: 33] يعني: ورثة، نسخت. ثم قال:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] يعني: من النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث
(1)
قال الطبري: ولا يجوز الحلف اليوم في الإسلام؛ لحديث جبير بن مطعم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا شدة"
(2)
.
وقال ابن عباس: نسخ الله حلف الجاهلية وحلف الإسلام بقوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75]، وردّ المواريث إلى القرابات.
ومعنى: "وما كان من حلف .. " إلى آخره قيل: الذي أمر (به النبي)
(3)
عليه السلام (بالوفاء به)
(4)
، من ذَلِكَ هو ما لم ينسخه الإسلام، ولم يبطله حكم القرآن، وهو التعاون على الحق والنصرة على الأخذ على يد الظالم الباغي.
وصفة الحلف في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل والقبيل للقبيل: دمي دمك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، ويشترط النصر والرفادة. ويقال: إن الحليف كان يرث السدس ممن يحالفه حتَّى نزلت: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} الآية
(5)
.
(1)
رواها الطبري في "تفسيره" 4/ 52 - 56.
(2)
الحديث رواه مسلم (2530)، وقول الطبري نقله عنه ابن بطال 9/ 276 - 277.
(3)
من (ص 2).
(4)
في الأصل: بالمؤاخاة، والمثبت من (ص 2).
(5)
وقع في (ص 2): وقيل: الحميم.
وكان الإخاء بغير أيمان، وكانوا يتوارثون به إذا لم يكن للمهاجر من ورثة من أهل الهجرة بالنسب، وارث ممن آخاه، قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] الآية، ثم نسخ بأولي الأرحام
(1)
.
وسمي الحليف؛ لأنهم كانوا يتحالفون على ذَلِكَ، هذا قول الداودي. وقال الجوهري في الحديث: أنه عليه السلام حالف بين قريش والأنصار وآخى بينهم؛ لأنه لا حلف في الإسلام. قال: والحلف بالكسر: العهد يكون بين القوم
(2)
. وتأول أنس أن حالف: من اليمين، ومصدر حلف بمعنى: أقسم بفتح الحاء وكسرها. وذكر الخطابي عن سفيان بن عيينة قال: فسر العلماء حالف أي: آخى، وهذا هو الصحيح
(3)
؛ لثبوت الخبر: "لا حلف في الإسلام" وإنما كانوا يتحالفون في الجاهلية، لاختلافهم،
وأما اليوم فقد ألف الله كلمة الإسلام فلا يفتقرون إلى تحالف، وكذا قال (الجوهري)
(4)
.
(1)
روى الطبري في "تفسيره" 4/ 55.
(2)
"الصحاح" 4/ 1346 مادة (حلف).
(3)
"أعلام الحديث" 2/ 1136.
(4)
في (ص 2): (الهروي).
68 - باب التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ
وَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكْتُ.
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّ اللهَ عز وجل هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. [انظر: 1288]
6084 -
حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلَاقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ، وَإِنَّهُ وَاللهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللهِ إِلاَّ مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ -لِهُدْبَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ جِلْبَابِهَا- قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ لِيُؤْذَنَ لَهُ، فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَا تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى التَّبَسُّمِ، ثُمَّ قَالَ:«لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ، لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» . [انظر: 2639 - مسلم: 1433 - فتح: 10/ 502]
6085 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ، فَقَالَ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. فَقَالَ:«عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللاَّتِي كُنَّ عِنْدِي، لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ» . فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِيهٍ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِى
نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ». [انظر: 3294 - مسلم: 2396 - فتح: 10/ 503]
6086 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالطَّائِفِ قَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ» . فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ» . قَالَ: فَغَدَوْا فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالاً شَدِيدًا، وَكَثُرَ فِيهِمُ الْجِرَاحَاتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ» . قَالَ: فَسَكَتُوا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ كُلَّهُ بِالْخَبَرِ
(1)
. [انظر: 4325 - مسلم: 1778 - فتح:
10/ 503]
6087 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ، وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ:«أَعْتِقْ رَقَبَةً» . قَالَ: لَيْسَ لِي. قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» . قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» . قَالَ: لَا أَجِدُ. فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ -قَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ- فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟ تَصَدَّقْ بِهَا» . قَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي؟! وَاللهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ:«فَأَنْتُمْ إِذًا» . [انظر: 1936 - مسلم: 1111 - فتح: 10/ 503]
6088 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ، أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً -قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ- ثُمَّ
(1)
قال الحافظ في "الفتح" 10/ 505: والمعنى أنه ذكر بصريح الإخبار في جميع السند لا بالعنعنة. اهـ.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. [انظر: 3149 - مسلم: 1057 - فتح: 10/ 503]
6089 -
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. [انظر: 3035 - مسلم: 2475 - فتح: 10/ 504]
6090 -
وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ:«اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» . [انظر: 3020 - مسلم: 2475، 2476 - فتح: 10/ 504]
6091 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ:«نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» . فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟! فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَبِمَ شَبَهُ الْوَلَدِ؟» . [انظر: 130 - مسلم: 313 - فتح: 10/ 504]
6092 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. [انظر: 4828 - فتح: 10/ 504]
6093 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ.
وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْوَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: قَحَطَ المَطَرُ فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَمَا نَرَى مِنْ سَحَابٍ، فَاسْتَسْقَى، فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ الْمَدِينَةِ، فَمَا زَالَتْ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا تُقْلِعُ، ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَالَ: غَرِقْنَا، فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا. فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ:«اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا» . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا،
فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ الْمَدِينَةِ يَمِينًا وَشِمَالاً، يُمْطَرُ مَا حَوَالَيْنَا، وَلَا يُمْطِرُ مِنْهَا شَيْءٌ، يُرِيهِمُ اللهُ كَرَامَةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 10/ 504]
وَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فضَحِكْتُ. سلف مسندًا.
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّ اللهَ عز وجل هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى.
ثم ذكر في الباب أحاديث كثيرة فيها:
أنه عليه السلام ضحك، وفي بعضها أنه تبسم، منها: حديث عائشة رضي الله عنها في قصة رفاعة، وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم. وفيه: وابن سعيد بن العاصي جالس بباب الحجرة ليؤذن له، هو خالد بن سعيد، وفي نسخة أبي محمد، عن أبي أحمد: وسعيد بن العاصي، والصواب الأول.
ومنها: حديث (أبي العباس)
(1)
عن عمر في استئذانه وأنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.
ومنها: حديث عبد الله بن عمر لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف، وفي آخره فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِالْخَبَرِ كُلِّهُ، وأبو العباس اسمه: السائب بن فروخ، الشاعر المكي الأعمى. وعبد الله بن عمر هو ابن الخطاب.
(1)
كذا في الأصل، وهو خطأ، والصواب أنه من حديث محمد بن سعد عن أبيه عن عمر، أما أبي العباس فحديثه التالي عن ابن عمر -أو ابن عمرو- على الخلاف كما سيأتي.
وفي مسلم والنسائي عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو، يعني: ابن العاص
(1)
، كذا قاله خلف الواسطي.
هو في البخاري: عبد الله بن عمر، وفي (مسلم)
(2)
: ابن عمرو. قال الدمياطي: ابن العاصي أشبه؛ لأن السائب قد روى عنه عدة أحاديث، وليس عن ابن عمر سوى هذا الحديث على الخلاف المذكور
(3)
.
ومنها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الذي وقع على أهله في رمضان، أنه عليه السلام ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.
و (النواجذ) آخر الأسنان وهي أسنان الحلم عند العرب.
ومنها: حديث أنس في قصة البرد، وفيه: فضحك.
ومنها: حديث جرير: ولا رآني إلا تبسم في وجهي.
ومنها: حديث أم سلمة، عن أم سليم
(4)
: "نَعَمْ إِذَا رَأَتِ المَاءَ" فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟! فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَبِمَ شَبَهُ الوَلَدِ؟ ".
ومنها: حديث عائشة: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ.
ومنها: ثَنَا محمد بن محبوب: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه.
(1)
مسلم (1778) كتاب: الجهاد، باب: غزوة الطائف، والنسائي في "الكبرى" 5/ 275.
(2)
في (ص 2): (آخره).
(3)
يراجع الخلاف في ذلك في "الفتح" 8/ 44 - 45.
(4)
في هامش الأصل: أي: عن قصة أم سليم.
وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ في قصة الاستسقاء "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا" وفيه: فَضَحِكَ.
ومحمد بن محبوب هذا هو محمد بن الحسن، ولقب الحسن: محبوب بن هلال بن أبي زينب أبو جعفر، وقيل: أبو عبد الله القرشي البُناني البصري، روى عنه (البخاري وأبو داود)
(1)
، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين (ويقال: سنة اثنين وعشرين)
(2)
، وروى [النسائي]
(3)
عن رجل عنه
(4)
.
فإن قلت: إن حديث النواجذ خلاف ما حكته عائشة أنها لم تره مستجمعًا ضاحكًا حتَّى تبدو لهواته، ولا تبدو النواجذ -على ما قال أبو هريرة- إلا عند الاستغراق في الضحك وظهور اللهوات. قيل: ليس هذا بخلاف؛ لأن أبا هريرة شهد ما لم تشهد عائشة وأثبت ما ليس في خبرها والمثبت أولى، وذلك زيادة يجب الأخذ بها. وليس في قول عائشة قطع منها أنه لم يضحك قط حتَّى تبدو (لهواته)
(5)
في وقت من الأوقات. وإنما أخبرت بما رأت، كما أخبر أبو هريرة بما رأى، وذلك إخبار عن وقتين مختلفين.
ووجه تأويل هذِه الآثار -والله أعلم- أنه كان عليه السلام في أكثر أحواله يتبسم، وكان أيضًا يضحك في أحوال أخر ضحكًا أعلى من التبسم، وأقل من الاستغراق الذي تبدو فيه اللهوات هذا كان شأنه عليه السلام،
(1)
وقع في (ص 2): (أبو داود والترمذي).
(2)
في (ص 2).
(3)
مثبتة من هامش الأصل حيث كتب: سقط النسائي، فليحرر.
(4)
انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 370 (5582).
(5)
في (ص 2): (نواجذه).
وكان في النادر عند إفراط تعجبه ربما ضحك حتَّى تبدو نواجده، ويجري على عادة البشر في ذَلِكَ؛ لأنه عليه السلام قد قال:"إنما أنا بشر"
(1)
فبين لأمته بضحكه الذي بدت فيه نواجذه أنه غير محرم على أمته.
وبان بحديث عائشة أن التبسم والاقتصار في الضحك هو الذي ينبغي لأمته فعله والاقتداء به فيه للزومه عليه السلام له في أكثر أحواله.
وفيه وجه آخر: من الناس من يسمي الأنياب والضواحك نواجذ، واستشهد بقول الشاعر لبيد:
وإذا الأسنة أسرعت لنحورها
…
أبرزن حد نواجذ الأنياب
فتكون النواجذ: الأنياب على معنى إضافة الشيء إلى نفسه، وذلك جائز إذا اختلف اللفظان، ومن إضافة الشيء إلى نفسه قوله تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] و {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} ، وقولهم: مسجد الجامع. وقول رؤبة:
إذا استعيرت من جفون الأغماد
والجفون: هي الأغماد، وإضافة الشيء إلى نفسه مذهب الكوفيين، وقد وجدنا النواجذ يعبر بها عنها بالأنياب. وفي حديث المجامع في رمضان كما سلف، ووقع في الصيام:(حتَّى بدت أنيابه)
(2)
فارتفع اللبس بذلك، وزال الاختلاف بين الأحاديث.
قال ابن بطال: وهذا الوجه أولى، وهذا الباب يرد ما روي عن الحسن البصري: أنه كان لا يضحك. وروى جعفر عن أسماء قالت: ما رأيت الحسن في جماعة ولا في أهله ولا وحده ضاحكًا قط
(1)
سلف برقم (401).
(2)
سلف برقم (1936).
إلا متبسمًا. ولا أحد زهد كزهد سيد الخلق، وقد ثبت عنه أنه ضحك. وكان ابن سيرين يضحك، ويحتج على الحسن بقول الله {هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} . وكان الصحابة يضحكون، وروى عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة قال: سئل ابن عمر رضي الله عنه هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبال
(1)
. وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المهديين الأسوة الحسنة. وأما المكروه من هذا الباب فهو الإكثار من الضحك، كما قال لقمان لابنه: يابني إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب. فالإكثار منه وملازمته حتَّى يغلب على صاحبه مذموم منهي عنه، وهو من فعل أهل السفه والبطالة
(2)
.
فصل: في الإشارة إلى بعض ألفاظ وقعت في هذِه الأحاديث:
الذي أسنده إلى فاطمة إنها سيدة نساء أهل الجنة وأول أهله لحوقًا به
(3)
.
و (الْهُدْبَةُ) والهدب: ما على أطراف الثوب، والمراد بالذوق -فيه-: الإيلاج لا الإنزال، وبه قال العلماء كافة. وانفرد سعيد فاكتفى بالعقد كما سلف.
وقوله: (إيهِ يا ابن الخطاب). هو بكسر الهمزة (والهاء)
(4)
إذا استزدت في الحديث، فإن وصلت نونت أي: هات حديثًا ما، فإذا سكنته وخففته قلت إيها عنا، إن أردت التبعيد قلت: أيها بفتح الهمزة بمعنى: هيهات. قال ابن التين: وقرأناه بالكسر والتنوين.
(1)
"مصنف عبد الرزاق" 11/ 451 (20976).
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 279.
(3)
سلف برقم (3623).
(4)
من (ص 2).
ولعل معنى الحديث عليه: ردها أنت يا ابن الخطاب.
وقوله: ("إلا سلك فجًا غير فجك") الفج: الطريق الواسع بين الجبلين، ولم يقيده ابن فارس بذلك، بل قال: إنه الطريق الواسع. فقط
(1)
.
فصل:
"قَافِلُونَ": راجعون، والقفول: الرجوع من السفر.
وقوله: (فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا). ضبط (نفتحها) بالرفع وصوابه النصب، كما ضبطه الدمياطي خطًّا، ونبه عليه ابن التين؛ لأن أو إذا كانت بمعنى حتَّى أو إلا أن تنصب، وقرأ {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] وكذا إذا كانت بمعنى كي، ولا يصح ذَلِكَ في هذا الموضع أن تكون بمعنى كي، وإنما هي بمعنى حتَّى أو إلا. وقد قال امرؤ القيس:
فقلت له: لا تبك (عينك)
(2)
إنما
…
نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا
فصل:
(الْعَرَقُ) -بفتح الراء-: المكتل الممسوح قبل أن يجعل منه الزنبيل، و (الفرق) -بالفاء: مكتل يسع ثلاثة (آصع)
(3)
بفتح رائه وإسكانها. و (اللابة): الحرة، وهي أرض تركبها حجارة سود، وهما حرتان تكتنفان المدينة.
ومعنى: (بَدَتْ نَوَاجِذُهُ): ظهرت، واختلف في عدد النواجذ
(1)
"مجمل اللغة" 2/ 701.
(2)
في الأصل: عينية.
(3)
في الأصل: أصبع.
وتعيينها: فقال الأصمعي: هي الأضراس، فهي على هذا عشرون. وقيل: هي أربع. ثم اختلفوا فقيل: الأنياب. وقد سلف رواية: "حتَّى بدت أنيابه"
(1)
وقيل: المضاحك، وهي السن التي تلاصق الأنياب من داخل الفم، وهي نيبان من اليمين: واحدة من فوق، وأخرى من أسفل. ونيبان من الشمال كذلك.
وهذا أشهر الأقوال -كما قاله ابن التين- وهو ظاهر الحديث.
وقال أبو عبد الملك والجوهري: أحد النواجذ: ناجذ، وهو أحد الأضراس، ويسمى ضرس الحلم؛ لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل.
قال الجوهري: يقال ضحك حتَّى بدت نواجده إذا استغرق فيه
(2)
. ويبعد حمل الحديث على هذا القول.
فصل:
اللهوات: جمع لهى: وهي المنطبقة في أقصى سقف الفم، وتجمع أيضًا على لهى ولهيات، قاله الجوهري
(3)
. وقال ابن فارس: هي اللحمة (المشرفة)
(4)
على الحلق، قال: ويقال: بل هو أقصى الحلق
(5)
. وقال الداودي: هي ما دون الحنك إلى ما يلي الحلق وما فوق الأضراس من اللحم.
(1)
سلف برقم (1936).
(2)
"الصحاح" 2/ 571 مادة (نجذ).
(3)
"الصحاح" 6/ 2487 مادة (لهى).
(4)
في الأصل: (المنبوته)، والمثبت كما في "المجمل".
(5)
"مجمل اللغة" 2/ 796 مادة (لهو).
فصل:
(قَحَطَ المَطَرُ): هو بفتح الحاء، وحكى الفراء: كسرها. وأقحط رباعي. ذكره الجوهري
(1)
.
وقوله: (نَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ). قال ابن فارس والجوهري: نشأ السحاب إذا ارتفع. وقال الهروي: ابتدأ وارتفع
(2)
.
وقوله: (حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ المَدِينَةِ). أي: تفجرت، والمثعب: بالفتح واحد مثاعب: الحياض، وانثعب الماء جرى في المثعب.
وقوله: (مَا يُقْلِعُ) أي: ما يرتفع.
وقوله: (ثم قام ذَلِكَ الرجل أو غيره). سلف أنه ذَلِكَ الرجل.
وقوله: "حَوَالَيْنَا" هو بفتح اللام، قال الجوهري: لا نقله بالكسر.
وفيه من الفقه الواضح: جواز الاستسقاء في المسجد وعلى المنبر، وجواز الاستصحاء أيضًا.
(1)
"الصحاح" 3/ 1151 مادة (قحط).
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 868 مادة (نشو)، "الصحاح" 1/ 78 مادة (نشأ).
69 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة: 119] وَمَا يُنْهَى عَنِ الْكَذِبِ
6094 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا» . [مسلم: 2607 - فتح: 10/ 507]
6095 -
حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» . [انظر: 33 - مسلم: 59 - فتح: 10/ 507]
6096 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قَالَا: الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ، يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . [انظر: 845 - مسلم: 2275 - فتح: 10/ 507]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ عند الله صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا".
(وأخرجه مسلم أيضًا)
(1)
.
ثانيها:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ". سلف في الإيمان.
ثالثها:
حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ الليلة رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قَالَا: الذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ، يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".
وقد سلف مطولًا
(2)
. ومعنى قوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] أي: (قيلهم)
(3)
أو منهم.
ومعنى: {الصَّادِقِينَ} : الذين يصدقون في قولهم وعملهم، وقيل: في أيمانهم (يوفون)
(4)
بما عاهدوا.
وحديث عبد الله قيل: إن ظاهره معارض لحديث صفوان بن سليم الذي رواه مالك عنه أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن كذابًا قال: "لا"
(5)
، وبحديث:"يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب"
(6)
(1)
من (ص 2).
(2)
وقع في هامش الأصل تعليق نصه: في الجنائز [برقم (386)].
(3)
وقع في (ص 2): مثلهم.
(4)
من (ص 2).
(5)
"الموطأ" ص 612.
(6)
رواه أحمد 5/ 252 من حديث أبي أمامة، وفي الباب عن ابن عمرو سعد بن أبي وقاص -مرفوعًا وموقوفًا- وعبد الله بن أبي أوفى، وقد استوفي الألباني رحمه الله ذلك في "الضعيفة" (3315) ثم قال: وجملة القول: إن الحديث ضعيف من جميع طرقه، وليس فيها ما يمكن أن يعضد به؛ إلا الموقوف، فإن كان له حكم الرفع فهو شاهد قوي، ولكن لم يتبين لي ذلك. اهـ.
ويجمع بينهما بأن المراد بحديث صفوان: المؤمن الكامل أي: لا يكون المؤمن المستكمل لأعلى درجات الإيمان كذابًا حتَّى يغلب عليه الكذب؛ لأن كذابًا وزنه فعال وهو من أبنية المبالغة لمن يكثر الكذب منه ويتكرر حتَّى يعرف به، ومثله الكذوب، يوضحه قوله عليه السلام:"إن الرجل ليصدق حتَّى يكتب عند الله صدوقًا" يعني: لا يزال يتكرر الصدق منه كثيراً حتَّى يستحق اسم المبالغة في الصدق. وكذلك قوله في الكذب يعني: لا يزال يتكرر -منه الكذب حتَّى يغلب عليه. وهذِه الصفة ليست صفة علية المؤمنين بل هي من صفات المنافقين وعلامتهم، كما ذكره في حديث أبي هريرة. وقد سلف معناه في الإيمان واضحًا. وأخبر عليه السلام في حديث سمرة بعقوبة الكاذب الذي يبلغ كذبه الآفاق أنه يشق شدقه في النار إلى يوم القيامة، فعوقب في موضع المعصية، وهو فمه الذي كذب به.
ومصداق حديث عبد الله في القرآن: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} [الانفطار: 13 - 14] والصدق (أرفع)
(1)
خلال المؤمنين؛ ألا ترى الآية التي صدر بها البخاري الباب فجعل الصدق معيارًا للتقوى، وقيل للقمان الحكيم: ما بلغ بك ما نرى؟ قال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني
(2)
.
(1)
في الأصل: (مع)، وبهامشها:(من).
(2)
"الموطأ" ص 612.
70 - باب الْهَدْيِ الصَّالِحِ
6097 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمُ الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ شَقِيقًا قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلاًّ وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ، مِنْ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ إِذَا خَلَا؟ [انظر: 3762 - فتح: 10/ 509]
6098 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُخَارِقٍ، سَمِعْتُ طَارِقًا قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْي هَدْىُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. [7277 - فتح: 10/ 509]
ذكر فيه حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلًّا وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ، مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ (إِلَيْهِ)
(1)
، لَا نَدْرِي مَا يَصنَعُ فِي أَهْلِهِ إِذَا خَلَا؟
وقد سلف في مناقبه إلى قوله: (أم عبد). وذكر فيه أيضًا حديث عبد الله بن مسعود قال: إِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وفي سند هذا: مخارق، وهو ابن عبد الله، وقيل: ابن عبد الرحمن، وقيل: ابن خليفة بن جابر أبو سعد الأحْمَسي، انفرد به البخاري.
قال أبو عبيد: الهدي والدَّل أحدهما قريب من الآخر، وهما من السكينة والوقار في الهيئة والمنظر والشمائل وغير ذَلِكَ. وذكر أبو عبيد في حديث عمر بن الخطاب أن أصحاب عبد الله كانوا يدخلون إليه فينظرون إلى سمته وهديه ودله فيتشبهون به. والسمت: حسن الهيئة والمنظر في مذهب الدين وليس من الخيال والزينة، ولكن يكون له
(1)
من (ص 2).
هيئة أهل الخير ومنظرهم. والسمت أيضًا: الطريق، يقال: الزم هذا السمت. وكلاهما له معنى جيد، يكون أن يلزم طريقة أهل الإسلام فتكون له هيئة أهل الإسلام
(1)
.
وقال ابن التين: (والسمت)
(2)
: هيئة أهل الخير. قال الداودي: قال مالك: أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه عمر، وأشبه الناس بعمر (ابنه)
(3)
عبد الله، وأشبه الناس بعبد الله سالم.
وفيه من الفقه: أنه ينبغي للناس الاقتداء بأهل الفضل والصلاح في جميع أحوالهم، في هيئتهم وتواضعهم للخلق ورحمتهم، وإنصافهم من أنفسهم، ورفقهم في أخذ الحق إذا وجب لهم إن أحبوا الاقتصاص، أو العفو عن ذَلِكَ إن آثروا العفو، وفي مأكلهم ومشربهم واقتصادهم في أمورهم؛ تبركًا بذلك.
(1)
"غريب الحديث" 2/ 101 - 102.
(2)
من (ص 2).
(3)
من (ص 2).
71 - باب الصَّبْرِ عَلَى الأَذَى
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]
6099 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيْسَ أَحَدٌ -أَوْ: لَيْسَ شَيْءٌ- أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» . [7378 - مسلم: 2804 - فتح: 10/ 511]
6100 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. قُلْتُ: أَمَّا أَنَا لأَقُولَنَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ، حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ قَالَ:«قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ» . [انظر: 3150 - مسلم: 1062 - فتح: 10/ 511]
ذكر فيه حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ أَحَدٌ -أَوْ: لَيْسَ شَيْءٌ- أَصْبَرَ عَلَى الأَذى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ عز وجل، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ (الولد)
(1)
، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ".
وحديث شقيق عن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: والله إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. قال: أَما لأَقُولَنَّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ
(1)
في (ص 2): ولدًا.
على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ، حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ، ثُمَّ قَالَ:"قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ".
الشرح:
قوله: ("ليس أحد أصبر") أوله ابن فورك على الحلم.
وقوله: (أما لأقولن) صوابه -كما قال ابن التين- أن تكون مخففة، ووقع في بعض الروايات بتشديد الميم، وليس ببين، والرب جل جلاله ذكر جزاء الأعمال وجعل لها نهاية وحدًّا فقال تعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وجعل جزاء الصدقة في سبيله (فوق)
(1)
هذا فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ} الآية [البقرة: 261]. وجعل أجر الصابرين بغير حساب، ومدح أهله فقال:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} [الشورى: 43].
(وفي "صحيح مسلم"
(2)
: "والصبر ضياء")
(3)
والصبر على الأذى من باب جهاد النفس وقمعها عن شهواتها ومنعها عن تطاولها، وهو من أخلاق الأنبياء والصالحين، وإن كان قد جبل الله النفوس على تألمها من الأذى ومشقته، ألا ترى أنه عليه السلام شق عليه تجوير الأنصاري له في القسمة حتَّى تغير وجهه وغضب، ثم سكن ذَلِكَ منه علمُه بما وعد الله تعالى على ذَلِكَ من جزيل الأجر، واقتدى عليه السلام بصبر موسى عليه السلام على أكثر من أذى الأنصاري له؛ رجاء ما عند الله.
وللصبر أبواب غير الصبر على الأذى.
(1)
في (ص 2): غير.
(2)
مسلم (223).
(3)
من (ص 2).
روي عن علي مرفوعًا: "الصبرُ ثلاثة: فصبرٌ على المصيبةِ، وصبر على الطاعة، وصبر على المعصية، فمن صَبَر على المصيبة حتَّى يردها بحسن عزائها كتَبَ اللهُ له ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجةِ إلى الدرجةِ ما بينَ السماء إلى الأرض، ومَنْ صبر على الطاعةِ كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجةِ إلى الدرجةِ ما بين تُخُوم الأرض السابعة إلى منتهى العرش، ومن صَبَر على المعصية كَتَبَ الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجةِ ما بين تخوم الأرض السابعة إلى منتهى العرش مرتين"
(1)
.
وقد روى يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام قال: "الإيمان نصفان: نصف في الصبر، ونصف في الشكر"
(2)
.
وروى ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنه عليه السلام سئل عن الإيمان فقال: "السماحة والصبر"
(3)
.
وقال الشعبي: قال (علي)
(4)
: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. قال الطبري: صدق؛ وذلك أن الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، فمن لم يصبر على العمل بشرائعه لم يستحق
(1)
رواه الديلمي في "الفردوس"(3846)، وابن الجوزي في "ذم الهوى"(188)، وأورده الألباني في "الضعيفة"(3791).
(2)
رواه البيهقي في "الشعب" 7/ 123 (9715)، والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/ 127 (159) وقال الألباني في "الضعيفة" (625): ضعيف جدًّا، يزيد هو ابن أبان، وهو متروك، كما قال النسائي وغيره. اهـ
(3)
رواه أبو يعلى في "المسند" 3/ 380 (1854)، والبيهقي في "الشعب" 7/ 122 (9710) وقال الهيثمي في "المجمع": فيه: يوسف بن محمد بن المنكدر، وهو متروك. "مجمع الزوائد" 1/ 59.
(4)
من (ص 2).
اسم الإيمان بالإطلاق. والصبر على العمل بالشرائع نظير الرأس من جسد الإنسان الذي لا تمام له إلا به، وهذا في معنى حديث أنس وجابر أن الصبر نصف الإيمان، وعامة المواضع التي ذكر الله فيها الصبر وحث عليه عباده إنما هي مواضع الشدائد ومواطن المكاره التي يعظم على النفوس فعلها، ويشتد عندها جزعها، كل ذَلِكَ محن وبلاء؛ ألا ترى قوله عليه السلام للأنصار:"لن تعطوا عطاء خيرًا وأوسع من الصبر"
(1)
.
والصبر في لسان العرب: حبس النفس عن المطلوب حتَّى تدركه، ومنه نهيه عليه السلام عن صبر البهائم، يعني: عن حبسها للتمثيل بها، ورميها كما ترمى الأغراض. ومنه قولهم: صبر الحاكم بيمين فلان. يعني: حبسه عن حلفه.
فإن قلتَ: هذِه صفات توجب التغير وحدوث الحوادث لمن وصف بها، فما معنى (وصفه)
(2)
بالصبر؟
قلتُ: معناه: هو يعني الحلم كما أسلفناه، ومعنى وصفه بالحلم هو تأخير العقوبة عن المستحقين لها. ووصفه تعالى بالصبر لم يرد في التنزيل، وإنما ورد في حديث الباب، وتأوله أهل السنة على تأويل الحلم، هذا قول ابن فورك
(3)
.
(1)
سلف برقم (1469).
(2)
في (س): (وُصف).
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 284 - 285.
72 - باب مَنْ لَمْ يُوَاجِهِ النَّاسَ بِالْعِتَابِ
6101 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ قَالَ:«مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ؟! فَوَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً» . [7301 - مسلم: 2356 - فتح: 10/ 513]
6102 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ -هُوَ ابْنُ أَبِي عُتْبَةَ مَوْلَى أَنَسٍ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ. [انظر: 3562 - مسلم: 2320 - فتح: 10/ 513]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ، فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسَولُ الله صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه ثُمَّ قَالَ:"مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ؟! فَوَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ باللهِ عز وجل وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً".
وحديث أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ.
وجه إيراده حديث عائشة رضي الله عنها وأنه خطب به أن هذا العتاب ولم يعين فيه فاعله، وكل ما جرى من عتاب يعم الجميع ولا يعين قائله، وهو من باب الرفق والستر كما أراد عمر حين أمر الناس كلهم بالوضوء يوم الجمعة وهو يخطب من أجل الرجل الذي أحدث بين يديه، الستر له والرفق به، وليس ذَلِكَ بمنزلة أمره له بالوضوء من بينهم وحده في الستر له بعد ذَلِكَ.
والعذراء: البكر، وتجمع على عذارى وعذاري وعذراوات.
والخدر: الستر.
قال ابن بطال: وإنما كان لا يواجه الناس بالعتاب، يعني على ما يكون في خاصة نفسه كالصبر على جهل الجاهل وجفاء الأعراب، ألا ترى أنه ترك الذي جبذ البردة من عنقه حتَّى أثرت جبذته فيه؛ لأنه كان لا ينتقم لنفسه. وهذا معنى حديث أبي سعيد، فأما إن انتهكت من الدين حرمة فإنه لا يترك العتاب عليها والتقريع فيها، ويصدع بالحق فيما يجب على منتهكها، ويقتص منه، وسواء كان حقًا لله أو للعباد.
فإن قلت: فإن كان معنى حديث أبي سعيد ما ذكرت من أنه كان لا يعاتب فيما يكون في خاصة نفسه، فقد واجه بالعتاب في حديث عائشة وخطب به.
قلت: قد أسلفنا الجواب عنه وإنما فعل ذَلِكَ -والله أعلم- لأن كل رخصة في دين الله فالعباد مخيرون بين الأخذ بها والترك لها.
وكان عليه السلام رفيقًا بأمته حريصًا على التخفيف عنهم، فلذلك خفف عنهم العتاب؛ لأنهم فعلوا ما يجوز لهم من الأخذ بالشدة، وقد ترك عتابهم مرة أخرى على ترك الرخصة وأخذهم بالشدة حين صاموا في السفر وهو مفطر، (وإن كان قد جاء في الحديث:"إنَّ دينَ الله يُسْر"
(1)
كما سلف)
(2)
.
(1)
سلف برقم (39).
(2)
من (ص 2).
قال الشعبي: إن الله يحب أن يعمل برخصه كما يحب أن يعمل بعزائمه
(1)
-قلت: وهو حديث مرفوع صحيح- فليس ذَلِكَ دليلًا على تحريم الأخذ بالعزائم؛ لأن ذَلِكَ لو كان حرامًا لأمر الذين خالفوا رخصته بالرجوع عن فعلهم إلى فعله. وفي حديث أبي سعيد الحكم بالدليل؛ لأنهم كانوا يعرفون كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيء بتغير وجهه، كما كانوا يعرفون قراءته فيما أسر به في الصلاة باضطراب لحيته
(2)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 11/ 291 (20569).
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 286 - 287.
73 - باب مَنْ أَكْفَرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهْوَ (كَمَا قَالَ)
(1)
6103 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا» .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [فتح: 10/ 514]
6104 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» . [مسلم: 60 - فتح: 10/ 514]
6105 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ» . [انظر: 1363 - مسلم: 110 - فتح: 10/ 514]
ذكر فيه حديث عَلِيِّ بْنِ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"من قَالَ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا".
وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
في (ص 2): (كافر).
وحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ .. الحديث.
وحديث ثابت بن الضحاك السالف قريبًا
(1)
، وفيه:"ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمنًا بكفر كقتله".
(1)
سلف برقم (6047).
74 - باب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَوْ جَاهِلاً
وَقَالَ عُمَرُ لِحَاطِبٍ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ". [انظر: 3007]
6106 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا سَلِيمٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ، فَقَرَأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ، قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، وَنَسْقِى بِنَوَاضِحِنَا، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ، فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ -ثَلَاثًا- اقْرَأْ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1)} وَنَحْوَهَا» . [انظر: 700 - مسلم: 465 - فتح: 10/ 515]
6107 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى. فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ» . [انظر: 4860 - مسلم: 465 - فتح: 10/ 515]
6108 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ وَهْوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَلَا إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ، وَإِلاَّ فَلْيَصْمُتْ» . [انظر: 2679 - مسلم: 1646 - فتح: 10/ 516]
ثم ساق حديث جابر من حديث يزيد، وهو ابن هارون الواسطي: أنا سَلِيم -بفتح السين- وهو ابن حيان الهذلي البصري، ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، ثَنَا جَابِرٌ، عن مُعَاذٍ في صلاته بالْبَقَرَةِ، وتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ .. الحديث.
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ وَالْعُزى. فَلْيَقُلْ: لَا إله إِلَّا اللهُ. وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ".
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ رضي الله عنه فِي رَكْبٍ وَهْوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"ألا إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللهِ، وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ".
والحاصل أنه يفرق بين أن يقوله له بتأويل أو بدونه، وكذا قال الخطابي
(1)
.
هذا إذا قاله من غير تأويل، وإن كان المقول له من أهل الكفر، وإلا باء بها القائل في هذا نحو تأويل البخاري.
وسأل أشهب مالكًا عن هذا الحديث فقال: أراهم الحرورية. قيل له: أفتراهم بذلك كفارًا؟ قال: لا ندري ما هذا
(2)
.
وحجته قوله عليه السلام: "سباب (المسلم)
(3)
فسوق وقتاله كفر"
(4)
والفسوق غير الكفر.
ومعنى ("باء"): بإثم رميه لأخيه بالكفر ورجع وزر ذَلِكَ عليه إن كان كاذبًا.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 2192.
(2)
"التمهيد" 17/ 15.
(3)
في (ص 2): (المؤمن).
(4)
سلف برقم (48).
وقد روي هذا المعنى من حديث أبي ذر مرفوعاً: "لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا (ارتدت)
(1)
عليه إن لم يكن صاحبه كذلك". ذكره البخاري في باب: ما ينهى عنه من السباب واللعن، في أول الأدب
(2)
.
قال المهلب
(3)
: وهذا معنى (تبويبه)
(4)
: من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، أن المكفر له هو الذي يرجع عليه إثم التكفير؛ لأن الذي رمي بها عند الرامي صحيح الإيمان، إذ لم يتأول عليه شيئًا يخرجه من الإيمان، فكما هو صحيح كصحة إيمان الرامي، فقد صح أنه أراد برميه له بالكفر كل من هو على دينه، فقد كفر نفسه؛ لأنه على دينه. ومتأوله في إيمانه فإن استحق ذَلِكَ الكفر المرمي به استحق مثله الرامي (به غيره)
(5)
.
وقد يجيب الفقهاء عن هذا بأن يقولوا: فقد كفر بحق أخيه المسلم، وليس ذَلِكَ مما يسمى به الجاحد حق أخيه كافرًا؛ لأنه لا يستحق اسم الكفر من جحد حق أخيه في بر أو مال.
قال: وقوله: "فقد باء بها أحدهما" هو على مذهب العرب في استعمالها الكناية في كلامها، وترك التصريح بالسوء، وهذا كقول الرجل لمن أراد أن يلزمه: والله إن أحدنا لكاذب، وعلى هذا قوله تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24].
(1)
في (ص 2): (ردت).
(2)
سلف برقم (6045).
(3)
نقله عنه والذي يأتي، ابن بطال 9/ 288 - 289.
(4)
في الأصل: (يبوء به) والمثبت من (ص 2).
(5)
من الأصل.
فصل:
قوله: ("ومنْ حَلف بملةٍ غير الإسلام كاذبًا فهو كما قال") سلف في الجنائز في باب قاتل النفس
(1)
.
وسيأتي في الأيمان والنذور، في باب: من حلف بملة سوى ملة الإسلام بما فيه كفاية
(2)
.
قال المهلب: وقوله: "فهو كما قال" يعني: فهو كاذب لا كافر، إلا أنه لما تعمد بالكذب الذي حلف عليه التزام الملة التي حلف بها؛ قال عليه السلام:"فهو كما قال" من التزام اليهودية والنصرانية. وعيدًا منه لمن صح قصده بكذبه إلى التزام تلك الملة في حين كذبه لا في وقت ثان إذ كان ذَلِكَ على سبيل المكر والخديعة للمحلوف له، يبينه قوله:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"
(3)
فلم ينف عنه الإيمان إلا وقت الزنا خاصة، وكذلك هذا الحالف بملة غير الإسلام لقيام الدليل على أنه لم يرد (نبذ)
(4)
الإسلام؛ لتعلق يمينه بشرط المحلوف له، ولو أراد الارتداد لم يعلق قوله: أنا يهودي لمحلوف عليه من معاني الدنيا؛ ولذلك قال عليه السلام: "من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله" خشية منه استدامة حاله على ما قال وقتئذٍ فينفذ عليه الوعيد، فيحبط عمله ويطبع على قلبه لما قال من كلمة الكفر بعد الإيمان، فتكون كلمة وافقت قدرًا فيزين له سوء عمله؛ فيراه حسنًا، فيستديم على ما قال، ويصر عليه.
(1)
سلف برقم (1363).
(2)
سيأتي برقم (6652).
(3)
سلف برقم (2475).
(4)
في الأصل: "بهذا"، والمثبت من ابن بطال 9/ 289، وهو الصواب.
وأما من حلف بملة غير الإسلام، وهو فيما حلف عليه صادق، فهو تصحيح براءته من تلك المسألة مثل أن يقول: أنا يهودي إن طعمت اليوم أو شربت. وهو صادق لم يشرب ولم يأكل، فلما عقد يمينه بشرط هو في الحقيقة معدوم بعدم ما ربطه به، وهو الأكل والشرب اللذان لم يقعا منه، لم يتعين عليه وعيد يخشى إنفاذه عليه، فلم يتوجه إليه إثم الملة التي حلف عليها (لعقده نيته)
(1)
على نفيها كنفي شرطها لكن لا يبرأ من الملامة، لمخالفته لقوله:"من كان حالفًا فليحلف بالله".
فصل:
سلف معنى ("لعن المؤمن كقتله").
قال الطبري
(2)
: يريد في بعض معناه، لا في الإثم والعقوبة، ألا ترى أن القتل فيه القود بخلاف لعنه، وهو في اللغة: الإبعاد من الرحمة، وكذلك القتل إبعاد للمقتول من الحياة التي يجب بها نصرة المؤمنين، وعون بعضهم لبعض وقد قال عليه السلام:"المؤمن للمؤمن كالبنيان"
(3)
، وكذلك قوله:"من رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتله" لما أجمع المسلمون أنه لا قتل عليه في رميه له بالكفر، على أن التشبيه إنما وقع بينهما في معنى يجمعهما، وهو ما قلناه، وقد قال بعض العلماء: إن معناه الحرمة كما ستعلمه في الأيمان والنذور أيضًا.
فصل:
قال المهلب: معنى الباب الثاني أن المتأول معذور غير مأثوم، ألا ترى أن عمر قال لحاطب لما كاتب المشركين بخبره عليه السلام: (إنه
(1)
في (ص 1): (بعقد ملته)، والمثبت الصواب.
(2)
نقله عنه ابن بطال 9/ 290.
(3)
سلف برقم (481).
نافق) فعزره الشارع لما نسبه إلى النفاق، وهو أسوأ الكفر، ولم يكفر عمر بذلك من أجل ما جناه حاطب. وكذلك عذر عليه السلام معاذًا حين قال للذي خفف الصلاة وقطعها خلفه:(إنه منافق)؛ لأنه كان متأولاً، فلم يكفر معاذًا بذلك. ومثله قوله حين سمع عمر يحلف بأبيه:"إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" فلم ير إكفار عمر حين حلف بأبيه، وترك الحلف بخالقه وقصد اليمين بغير الله؛ تشريكًا لله في حقه، لا سيما على طراوة عبادة غير الله، فلما لم يعرفه الشارع بأن يمينه (بغير الله)
(1)
ليس بكفر من أجل تأويله: إن له أن يحلف بأبيه؛ (للحق)
(2)
الذي له بالأبوة، عذر عمر في ذَلِكَ لجهالته أن الله لا يريد أن يشرك معه غيره في الأيمان، إذ لا يحلف الحالف إلا بأعظم ما عنده من الحقوق، ولا أعظم من حق الله تعالى على عباده. وهذا وجه حديث عمر في هذا الباب.
قال ابن بطال: وكذلك عذر عليه السلام من حلف من أصحابه باللات والعزى لقرب عهدهم بجري ذَلِكَ على ألسنتهم في الجاهلية. وروى سعد بن أبي وقاص أنه حلف بذلك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن العهد كان قريبًا فحلفت باللات والعزى فقال عليه السلام: "قل لا إله إلا الله". وسيأتي هذا في باب: لا يحلف باللات والعزى، في الأيمان
(3)
، وليس في قوله:"من حلف باللات .. "، إلى آخره؛ إطلاق منه لهم على الحلف بذلك وكفارته بذلك، فإنه (علمهم عليه السلام أنه)
(4)
من نسي أو جهل فحلف بذلك أن كفارته أن يشهد بشهادة
(1)
في (ص 2): (بأبيه).
(2)
سقط من الأصل، والمثبت من (ص 2).
(3)
سيأتي برقم (6650).
(4)
في الأصل: (عليه السلام أمر).
التوحيد؛ لأنه قد تقدم إليهم بالنهي عن أن يحلف أحد بغير الله فعذر الناسي والجاهل. ولذلك سوى البخاري في ترجمته الجاهل مع المتأول في سقوط الحرج عنه؛ لأن حديث أبي هريرة في الجاهل والناسي
(1)
.
فصل:
قوله: (وقال عكرمة .. ) إلى آخره ذكر الإسماعيلي الحافظ في "جمعه" أحاديث (يحيى)
(2)
فقال: حَدَّثَنَا القاسم بن زكريا، ثَنَا محمود بن محمد بن ثابت، ثَنَا أيوب بن النجار، عن عكرمة .. فذكره.
فصل:
صلاة معاذ بقومه فيه دلالة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، وانتصر ابن التين لمذهبه فقال: يحتمل أن يكون جعل صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نافلة، ويحتمل أن يكون لم يعلم الشارع بذلك، وما أبعدهما. وكيف يظن بمعاذ أن يؤخر الفرض ليصليها بقومه ويؤثر النفل خلفه؟ وكيف يدعي أن الشارع لم يعلم بذلك مع أنه شُكِي إليه؟ وقال:"أفتان أنت يا معاذ؟ ".
فصل:
وقوله: (فتجوز): هو بالجيم. وقال ابن التين: يحتمل ذَلِكَ أي: خفف، ويحتمل أن يكون بالحاء أي: انحاز وصلى وحده.
قلت: يؤيد هذا رواية مسلم: (فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده ثم انصرف)
(3)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 292.
(2)
من (ص 2).
(3)
مسلم (465).
لكن قال البيهقي: قوله: فسلم، لا أدري هل حفظت أم لا؟ لكثرة من رواه عن سفيان (بدونها
(1)
. وانفرد بها محمد بن عباد عن سفيان)
(2)
.
فصل:
هذِه الصلاة كانت العشاء، ولأبي داود والنسائي
(3)
أنها كانت المغرب، لكن قال البيهقي: روايات العشاء أصح
(4)
.
فصل:
احتج أبو حنيفة بقوله: "من حلف بملة غير الإسلام" قال: إن من قال هو يهودي إن فعل كذا، ففعل، أن عليه كفارة يمين؛ ولا حجة فيه لأنه لم يذكرها، وعنه رواية: أن ذَلِكَ ردة.
فصل:
قوله: ("ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق") يحتمل أن يريد أنه لما أراد إخراج المال الباطل وأخذه بذلك أمر أن يخرج المال في وجه البر؛ ليكون ذَلِكَ كفارة لما أراد.
(1)
"معرفة السنن والآثار" 4/ 198.
(2)
من (ص 2).
(3)
أبو داود (791)، "سنن النسائي" 2/ 168.
(4)
"سنن البيهقي الكبرى" 3/ 117.
75 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لأَمْرِ اللهِ
وَقَالَ اللهُ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73].
6109 -
حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ» . [انظر: 2479 - مسلم: 2107 (91) - فتح: 10/ 517]
6110 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ -قَالَ:- فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» . [انظر: 90 - مسلم: 466 - فتح: 10/ 517]
6111 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، فَتَغَيَّظَ ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللهَ حِيَالَ وَجْهِهِ، فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ حِيَالَ وَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ» . [انظر: 406 - مسلم: 547 - فتح 10/ 517].
6112 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ -مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ- عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ:«عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ:«خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ -أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ- ثُمَّ قَالَ: «مَالَكَ وَلَهَا؟
مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا». [انظر: 91 - مسلم: 1722 - فتح 10/ 517].
6113 -
وَقَالَ المَكِّيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُجَيْرَةً مُخَصَّفَةً -أَوْ حَصِيرًا- فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيهَا، فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا البَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ» . [انظر:- مسلم: 781 - فتح 10/ 517].
ذكر فيه أحاديث:
أحدها: (حديث عائشة)
(1)
: دَخَلَ عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَفِي البَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ .. الحديث. وقوله: قرام أي: ستر فيه رقم، وهتكه: أزاله.
ثانيها: حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري في شكوى معاذ. وفيه: فَمَا رَأَيْته قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ.
ثالثها: حديث نافع عن عبد الله رضي الله عنه: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَأى فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، فَتَغَيَّظَ .. الحديث.
رابعها: حديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ في اللقطة، وفيه: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه.
(1)
ليست في الأصل، وفي هامشها: لعله سقط: عن عائشة أو حديث عائشة.
والمثبت من (ص 2).
خامسها: حديث زيد بن ثابت، وفيه: فخرج إليهم مغضبًا، وفي آخره:"فعليكم بالصلاة في بيوتكم" وذكره أولاً بلفظ: وقال المكي: ثَنَا عبد الله بن سعيد، وحَدَّثَني محمد بن زياد فذكره.
والمكي: هو ابن إبراهيم شيخه، فلعله أخذه عنه مذاكرة، ومحمد هذا: هو أبو عبد الله محمد بن زياد بن عبيد الله بن الربيع بن زياد الزيادي البصري. قال ابن عساكر: روى عنه البخاري كالمقرون بغيره، وروى عنه ابن ماجه، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين. (كذا بخط الدمياطي، والذي في "التهذيب"
(1)
في حدود سنة خمسين ومائتين)
(2)
.
والنخامة -بالضم-: النخاعة.
وقوله: ("فإن الله حيال وجهه") أي: (إزاء)
(3)
، وأصله الواو فقلبت ياءً لانكسار ما قبلها. وفي رواية:"قبل وجهه"، وأخرى:"قبله"، وأخرى:"قبلته".
والوكاء -في حديث زيد بن خالد-: الخيط.
والعفاص: الخرقة. وعُكس.
والوجنة: ما ارتفع من الخد، وفيها أربع لغات تثليث الواو وبالألف، ذكره في "الصحاح"
(4)
.
والحذاء: ما وطئ عليه البعير من خفه، والفرس من حافر.
و (احتجر) في حديث زيد بن ثابت: اتخذ شبه الحجرة.
(1)
"تهذيب الكمال" 25/ 215 - 217 (5221).
(2)
من (ص 2).
(3)
في (ص 2): (يراه).
(4)
"الصحاح" 6/ 2212.
وقوله: (مخصفة أو حصير) يعني: ثوبًا أو حصيرًا، قطع به مكانًا من المسجد (واستتر مكانه)
(1)
، ومنه: الخصفة -بالتحريك- ما يعمل خلال الشيء ويكون ذَلِكَ من سعف (المقل)
(2)
وغيره. والعرب تقول: خصفت النعل خصفًا: طبقتها في الخرز بالمخصف، وهو الإشغاء، وخصفت على نفسي ثوبًا: جمعت بين طرفيه (بعود)
(3)
وفي التنزيل: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 22] عن صاحب "الأفعال"
(4)
.
وغضبه عليهم إشفاقًا على أمته أن يكتب عليهم ما لا يقومون به، وقد حكى الله عن أقوام ألزموا أنفسهم طاعة فلم يوفوا بها فذمهم الله بقوله:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد: 27] الآية.
(وحصبوا الباب) أي: رموه بالحصباء.
ومعنى: ("ظننت أنه سيكتب عليكم"): خفت.
وفيه: أن الفرض فعله في المسجد أفضل بخلاف النفل؛ خوف الرياء. وقيل: يجعل من فرضه في بيته لقوله عليه السلام: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا"
(5)
وهو محمول على النافلة، واحتج به أيضًا من قال: علي المشي إلى مكة أو مسجد المدينة أو إيلياء، أنه لا يلزمه أن يصلي فيهن، وهو مذهب مالك.
(1)
من (ص 2).
(2)
كذا بالأصل. وهو ثمر شجر الدَّوْم. انظر "القاموس المحيط" ص 1367 مادة: (مقل).
(3)
في الأصل: (بغير واو) فلعله تحريف من الناسخ، وفي "الأفعال":(بعود أو بخيط).
(4)
"الأفعال" ص 34.
(5)
سلف برقم (432).
ولا شك أن الغضب والشدة في أمر الله واجبان، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقام الإجماع على أن ذَلِكَ فرض على الأئمة والأمراء أن يقوموا به، ويأخذوا على أيدي الظالمين، وينصفوا المظلومين، ويحفظوا أمور الشريعة، حتَّى لا تغير ولا تبدل، ألا ترى أنه عليه السلام غضب وتلون وجهه لما رأى التصاوير في القرام، وهتكه بيده، ونهى عنها، وتوعد عليها بقوله:"إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور". وكذلك غضب من أصل تطويل القراءة، ونهى عنها، وتغيظ حين رأى النخامة في القبلة، فحكها بيده، ونهى عنها، وكذلك غضب حتَّى احمر وجهه حين سئل عن ضالة الإبل فقال:"مالك ولها! " وغضب على الذين صلوا في مسجده بصلاته بغير إذنه ولم يخرج إليهم.
ففيه: جواز الغضب للإمام والعالم في التعليم والموعظة إذا رأى منكرًا يجب تغييره. قال مالك: الأمر بالمعروف واجب على جماعة المؤمنين من الأئمة والسلاطين، وعامة المؤمنين لا يسعهم التخلف عنه، غير أن بعض الناس يحمله عن بعض بمنزلة الجهاد. واحتج في ذَلِكَ بعض العلماء فقال: كل شيء يجب على الإنسان فعله من الفرائض والسنن اللازمة، وكل شيء يجب عليه تركه من المحارم التي نهى الله عنها ورسوله، فإنه واجب عليه في القياس أن يأمر بذلك من صنع شيئًا منه، وينهى كل من أتى شيئًا من المحرمات التي وجب عليه تركها.
وقال بعض العلماء: الأمر بالمعروف منه فرض ومنه نافلة، فكل شيء وجب عليك العمل به وجب عليك الأمر به، كالمحافظة على الوضوء، وتمام الركوع والسجود، وإخراج الزكاة، وما أشبه ذَلِكَ،
وما كان نافلة لك فإن أمرك به نافلة وأنت غير آثم في ترك الأمر به، إلا عند السؤال عنه؛ لواجب النصيحة التي هي فرض على جميع المؤمنين، وهذا كله عند الجمهور ما لم تخف على نفسك الأذى، فإن خفته وجب عليك تغييره وإنكاره بقلبك، وهو أضعف الإيمان؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها
(1)
.
(1)
حكاه ابن بطال 9/ 293 - 294.
76 - باب الحَذَرِ مِنَ الْغَضَبِ
لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)} [الشورى: 37]، {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} ، إلى قوله:{الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].
6114 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» . [مسلم: 2609 - فتح: 10/ 518].
6115 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» . فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. [انظر: 3282 - مسلم: 261 - فتح: 10/ 518].
6116 -
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ -هُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ- عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي. قَالَ: «لَا تَغْضَبْ» . فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ:«لَا تَغْضَبْ» . [فتح: 10/ 519].
ثم ذكر ثلاث أحاديث:
أحدها:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ الشَّدِيدُ
بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ".
ثانيها:
حديث سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ رضي الله عنه: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ.
ثالثها:
حديث أبي حَصِينٍ عُثْمانِ بنِ عَاصِمٍ الأسديِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي. قَالَ: "لَا تَغْضَبْ". فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ:"لَا تَغْضَبْ".
الشرح:
سليمان بن صرد: هذا هو ابن الجون بن أبي الجون بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن حرام بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن لحي، واسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقيا الخزاعي الكوفي أبو مطرف، أمير التوابين، قُتل بالجزيرة بعين الوردة في شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين، وكان أميرًا على أربعة آلاف يطلبون بدم الحسين ابن علي، أخرجوا له، وذكروه في الصحابة، وكان اسمه في الجاهلية: يسار، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان، وكان خَيِّرًا عابدًا، نزل الكوفة، وهو من الأفراد ليس في الصحابة سليمان بن صرد سواه.
واختلف في كبير الإثم: فقال ابن عباس: إنه الشرك. وقال الحسن: كل ما وعد الله عليه النار. وقيل: في اللغة (ما أوعد) بدل (ما وعد). وقام الإجماع على أنه من الكبائر كالخمر.
والكظم في اللغة: حبس الغيظ، يقال: كظم البعير على جرته إذا رددها في حلقه
(1)
.
والصرعة -بضم الصاد وفتح الراء-: الذي يصرع الرجال
(2)
، والهاء للمبالغة مثل ضحكة ولعبة.
قال ابن التين: وكذا قرأناه، وضبط في الكتب بإسكان الراء وليس بشيء؛ لأنه بالسكون: الضعيف المصروع، وليس مراده هنا، وإنما يريد من يغلب الناس ويصرعهم. وضبط في بعضها بفتح الصاد وليس بشيء أيضًا.
وقوله: (إني لست بمجنون). إما أن يكون منافقًا أو نفر من كلام أصحابه دون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ("لا تغضب") معناه: أن يحذر أسباب الغضب، ولا يتعرض للأمور الجالبة للضرر فيغضبه.
فأما نفس الغضب فطبع لا يمكن إزالته من الجبلة. وقيل معناه: لا تفعل ما يأمرك به الغضب وقيل: أعظم أسباب الغضب الكبر عندما يخالف أمرًا يريده، فيحمله الكبر على الغضب لذلك، فإذا تواضع ذهبت عنه غيرة النفس. فسلم بإذن الله تعالى من شره.
ولأبي داود من حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع"
(3)
.
(1)
"الصحاح" 5/ 2023، "مجمل اللغة" 2/ 786 مادة (كظم).
(2)
انظر: "مجمل اللغة" 1/ 554، "لسان العرب" 4/ 2433.
(3)
"سنن أبي داود"(4782).
وجمع له عليه السلام في قوله: ("لا تغضب") جوامع خير الدنيا والآخرة؛ لأن الغضب يئول إلى التقاطع، ومنع ذي الرفق، وربما آل إلى أن يؤدي فينقص لذلك دينه.
وفي "الموطأ": قال رجل: يا رسول الله، كلمنى كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى قال:"لا تغضب"
(1)
.
وذكر الهروي
(2)
أن في الحديث: "الحدة تعتري خيار أمتي"
(3)
. وفي آخر: "خيار أمتي أحداؤها"
(4)
. جمع حديد. قال: وفيه حدة. قلت: ومدح الله الذين يغفرون عند الغضب وأثنى عليهم، وأخبر أن ما عنده خير وأبقى لهم من متاع الحياة الدنيا وزينتها، وأثنى على الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وأخبر أنه يحبهم بإحسانهم في ذَلِكَ.
(1)
"الموطأ" برواية يحيى ص 565.
(2)
نقله عنه ابن الأثير في "النهاية" 1/ 352 مادة: حدد.
(3)
رواه الطبراني 11/ 151 (11332) من حديث ابن عباس مرفوعًا، وفي إسناده سلام الطويل، وهو متروك، "المجمع" 8/ 26، لكن تابعه محمد بن الفضل، إلا أنه كذاب أيضًا، فلا يفرح بمتابعته، كذبه ابن معين، والفلاس وغيرهما، وبالجملة فالحديث من هذا الوجه ضعيف جدًا، لكن له شاهد بإسناد خير من هذا عن دريد بن نافع، عن أبي منصور الفارسي مرفوعًا به، وهذا سند ضعيف، فإن أبا منصور هذا مختلف في صحبته، وقد قال البخاري: حديثه مرسل. قاله الألباني في "الضعيفة"(26)، وانظر:"المقاصد الحسنة"(397).
(4)
رواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 60 (5793) من حديث على مرفوعًا، وفي إسناده عبد الله بن قنبر، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه من جهة تثبت. وساق له الذهبي في ترجمته هذا الحديث وقال: خبر باطل. وأقره العسقلاني. انظر "لسان الميزان"(4756) وقال الألباني في "الضعيفة"(29): باطل، وخلاصة القول: إن هذِه الأحاديث في الحدة كلها موضوعة إلا حديث دويد عن أبي منصور الفارسي الذي تقدم فضعيف؛ لإرساله. اهـ.
وقد روى (معاذ بن جبل)
(1)
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتَّى يخيره في أي الحور يشاء". (أخرجه أحمد من رواية معاذ بن أنس بإسناد ضعيف
(2)
. وأخرجه من وجه آخر بهذِه الطريق أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حسن غريب)
(3)
(4)
.
وأراد عليه السلام بقوله: ("ليس الشديد بالصرعة") أن الذي يقوى على ملك نفسه عند الغضب، ويردها عنه هو القوي الشديد، والنهاية في الشدة؛ لغلبته هواه المردي الذي زينه له الشيطان المغوي، فدل هذا على أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبي عليه السلام جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة، والشدة ما ليس للذي يغلب الناس؛ من هذا الحديث قال الحسن البصري حين سئل أي الجهاد أفضل؟ فقال: جهادك نفسك وهواك.
وفي حديث سليمان بن صرد أن الاستعاذة بالله من الشيطان تذهب الغضب؛ وذلك أن الشيطان هو الذي يزين للإنسان الغضب، وكل ما لا تحمد عاقبته؛ ليرديه ويغويه ويبعده من رضا الله تعالى، فالاستعاذة بالله منه من أقوى السلاح على دفع كيده.
وفي أبي داود من حديث عطية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار
(1)
كذا بالأصل، وهو خطأ، والصواب معاذ بن أنس كما في مصادر التخريج.
(2)
"المسند" 3/ 440.
(3)
من (ص 2).
(4)
أبو داود (4777)، والترمذي (2021)، وابن ماجه (4186)، وقال الألباني في "صحيح الترغيب" (2753): حسن لغيره.
بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" وفيه أيضًا من حديث أبي ذر مرفوعًا:"إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغيظ وإلا اضطجع"
(1)
. وفيه انقطاع، وصححه ابن حبان
(2)
. وقال أبو الدرداء: أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب. وفي الكتب قال الله تعالى: يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت. وقال بكر بن عبد الله: أطفئوا (نار)
(3)
الغضب بذكر نار جهنم
(4)
.
(1)
أبو داود (4784، 4782).
(2)
"صحيح ابن حبان" 12/ 501، وكذا صححه الألباني في "المشكاة"(5114).
(3)
من (ص 2).
(4)
حكاها ابن بطال 9/ 297.
77 - باب الحَيَاءِ
6117 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ» . فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ فِي الحِكْمَةِ: إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَارًا، وَإِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ سَكِينَةً. فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ. [مسلم: 37 - فتح: 10/ 521].
6118 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ وَهْوَ يُعَاتَبُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي. حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ» . [انظر: 24 - مسلم: 36 - فتح: 10/ 521].
6119 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مَوْلَى أَنَسٍ -قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ- سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. [انظر: 3562 - مسلم: 232 - فتح: 10/ 521].
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث أَبِي السَّوَّارِ العَدَوِيِّ واسمه حسان بن حريث قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ". فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ فِي الحِكْمَةِ: إِنَّ مِنَ الحَيَاءِ وَقَارًا، وَإِنَّ مِنَ الحَيَاءِ سَكِينَةً. فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ.
ثانيها:
حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ وَهْوَ يُعَاتَبُ فِي الحَيَاءِ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي. حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "دَعْهُ، فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ".
ثالثها:
حديث قَتَادَةَ، عَنْ مَوْلَى أَنَسٍ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا.
الشرح:
(حديث ابن عمر سلف في الإيمان، وحديث أبى سعيد سلف قريبًا)
(1)
.
وأبو سعيد: اسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري.
ومولى أنس هذا هو عبد الله بن أبي عتبة. وقال الفربري عن البخاري: اسمه عبد الرحمن بن أبي عتبة. وفي نسخة النسفي عن الفربري: عبد الله كما قدمناه
(2)
، وهو الصواب، كما قاله الجياني
(3)
. وكذا ذكره البخاري في كتاب الأدب، وكذا الكلاباذي
(4)
، واقتصر عليه الدمياطي فيما كتبه بخطه. ونقل بشير هو معنى الحديث، وإنما أراد عمران أن إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -أولى؛ لأن بشيرًا حدثه عن صحيفته، وعمران عن الشارع.
(1)
من (ص 2).
(2)
في هامش الأصل: وكذا في بعض أصولي الدمشقية: (قال أبو عبد الله: اسمه عبد الله بن أبي عتبة) انتهى.
(3)
"تقييد المهمل" 2/ 736.
(4)
"الجمع بين رجال الصحيحين" 1/ 263.
وهذا أصل أن الحجة إنما هي في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا فيما يروى عن كتب الحكمة؛ لأنه لا يدري ما حقيقتها، وهو بمعنى الحديث.
وفي رواية عن بشير أنه قال: إن من الحياء ضعفًا، وعلى هذا يكون غضب عمران أوكد؛ لمخالفته لقوله:"الحياء لا يأتي إلا بخير"؛ ولقوله للذي كان يقول لصاحبه: إنك لتستحي حتَّى أضر بك الحياء: "دعه؛ فإن الحياء من الإيمان". فدلت هذِه الآثار أن الحياء ليس بضار في حالة من الأحوال، ولا بمذموم.
والحياء ممدود.
وقوله: ("إن الحياء من الإيمان") أي: من كماله، قاله أبو عبد الملك، وقال الهروي: جعل الحياء -وهو غريزة- من الإيمان وهو الاكتساب؛ لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي، وإن لم يكن له نية، فصار كالإيمان القاطع بينه وبينها.
وقوله: (إنك لتستحي). قال ابن التين: هذا من استحيا بياء واحدة. قال الجوهري: أصله استحييت (فأعلوا)
(1)
الياء الأولى، وألقوا حركتها على الحاء فقالوا: استحيت (استثقالًا لما دخلت)
(2)
عليها الزوائد. وقال سيبويه: حذفت لالتقاء الساكنين؛ لأن الياء في الأولى تقلب ألفًا؛ لتحركها قال: وإنما فعلوا ذَلِكَ؛ حيث كثر في كلامهم
(3)
. وقال المازني: لم تحذف للاتقاء الساكنين؛ لأنها لو حذفت لذلك لردوها إذا قالوا: هو يستحي لقالوا: هو يستحيي.
(1)
في الأصل: (فأعروا).
(2)
في الأصل: (استبقاء لما أدخل).
(3)
"الصحاح" 6/ 2324 مادة (حيا).
وقال الأخفش: استحى بياء واحدة لغة تميم، وبياءين لغة أهل الحجاز. وهو الأصل؛ لأن ما كان موضع لامه معتلًّا لم يعلوا عينه، وإنما حذفوا الياء؛ لكثرة استعمالهم لها.
فصل:
ومعنى: ("الحياء لا يأتي إلا بخير") أن من استحى من الناس أن يروه يأتي الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعية له إلى أن يكون أشد حياء من ربه وخالقه عز وجل، ومن استحى ربه فإن حياءه زاجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأن كل ذي فطرة يعلم أن الله النافع له والضار والرزاق والمحيي والمميت، وإذا علم ذَلِكَ فينبغي له أن يستحي منه تعالى وهو قوله عليه السلام:"دعه؛ فإن الحياء من الإيمان" أي: من أسبابه وأخلاق أهله، وذلك أنه لما كان الحياء يمنع من الفواحش، ويحمل على البر والخير، كما يمنع الإيمان صاحبه من الفجور، ويبعده عن المعاصي، ويحمله على الطاعات، صار كالإيمان؛ لمساواته له في ذَلِكَ، وإن كان الحياء غريزة، والإيمان فعل المؤمن كما سلف فأشبهها من هذِه الجهة، وقد سلف هذا المعنى في كتاب الإيمان.
78 - باب "إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ
"
6120 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» . [انظر: 3483 - فتح: 10/ 523].
ذكر فيه حديث مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، ثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ عقبة بن عمرو البدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ".
(هذا الحديث انفرد بإخراجه البخاري، وقد سلف قبيل المناقب)
(1)
. يريد أن الحياء ممدوح على ألسنة الأنبياء الأولين - صلى الله عليهم وسلم -، ولم ينسخ في جملة ما نسخ من شرائعهم، قاله الخطابي
(2)
.
وقوله: ("اصنع") أمر، ومعناه: الخبر، أي: إذا لم يكن لك حياء يمنعك من القبيح صنعت ما شئت، يريد ما تأمرك به النفس من الهوى.
وفيه وجه آخر: افعل ما شئت، ما لا تستحي منه. أي: لا تفعل ما تستحي منه.
وفيه وجه ثالث: أن معناه الوعيد كـ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] ولم يطلقهم تعالى على الكفر وفعل المعاصي، بل توعدهم بهذا اللفظ؛ لأنه تعالى قد بين لهم ما يأتون وما (يذرون)
(3)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
"أعلام الحديث" 3/ 2198.
(3)
في الأصل: (يذنبون).
كقوله عليه السلام: "من باع الخمر فليشقص الخنازير"
(1)
.
(فلو)
(2)
لم يكن في هذا إباحة تشقيص الخنازير إذ الخمر يحرم شربها، محظور بيعها.
قال ابن بطال: وهذا التأويل أولى، وهو الشائع في لسان العرب، ولم يقل أحد في تأويل الآية المذكورة غيره
(3)
.
(1)
رواه أبو داود (3489) وأحمد 4/ 253 من حديث المغيرة بن شعبة، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4566).
(2)
من (ص 2).
(3)
"شرح ابن بطال" 9/ 299.
79 - باب مَا لَا يُسْتَحْيَا منه مِنَ الحَقِّ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ
6121 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ، لَا يَسْتَحِى مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ على الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ:«نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» . [انظر: 130 - مسلم: 313 - فتح: 10/ 523].
6122 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلَا يَتَحَاتُّ» . فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ شَجَرَةُ كَذَا، هِيَ شَجَرَةُ كَذَا. فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ- وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ. فَقَالَ:«هِيَ النَّخْلَةُ» .
وَعَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. [انظر: 61 - مسلم: 2811 - فتح: 10/ 523].
6123 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ، سَمِعْتُ ثَابِتًا، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رضي الله عنه يَقُولُ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ فِيَّ؟ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا! فَقَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهَا. [انظر: 5120 - فتح: 10/ 524].
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث زينبَ بِنْتِ أبي سلمة، عن أمِّ سَلَمة قالت: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ:"نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ".
هذا الحديث سلف في الغسل، رواه هناك: عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن هشام، عن أبيه، عن زينب به
(1)
، ورواه هنا: عن إسماعيل، عن مالك، وهو ابن أبي أويس عبد الله بن عبيد الله بن أبي أويس بن مالك. روى عنه مسلم أيضًا، وروي أيضًا عن جماعة عنه، وقال في البيوع: حَدَّثَني غير واحد من أصحابنا قالوا: ثَنَا إسماعيل
(2)
. مات سنة ست وعشرين ومائتين.
ثانيها:
حديث شعبة، ثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عن ابن عُمَرَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ- وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ، فَاسْتَحْيَيْتُ. فَقَالَ:"هِيَ النَّخْلَةُ".
وعن شعبة: ثَنَا خُبَيبُ بنُ عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن ابن عمر مثله، وزاد: فحدث به عمر فقال: لو كنت قلتها لكان أحب إلى من كذا وكذا.
ثالثها:
حديث مَرْحُومٌ، -وهو ابن عبد العزيز أبو عبد الله العطار، مولى معاوية بن أبي سفيان- قال: سمِعْتُ ثَابِتًا، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ فِيَّ؟ فَقَالَتِ ابنتُهُ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا! فَقَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهَا.
وقد سلف أيضًا معنى قوله في حديث ابن عمر: "لا يتحات ورقها": لا يسقط من احتكاكه بعضه ببعض، تقول العرب: حتَّ الورق والطين
(1)
برقم (282).
(2)
ساق مسلم هذا الإسناد في حديث (1557) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أين المتألِّي على الله لا يفعل المعروف؟ ".
اليابس من الثوب حتًا: فركه ونقضه، قال أبو القاسم الجوهري في "مسنده": وإنما تفسيره أن إيمان المسلم ثابت لا يتغير أبدًا.
وفيه: طرح الإمام المسائل على أصحابه؛ ليختبر فهمهم، كما ترجم عليه هناك.
وفيه: توقير الصغير الكبير، وإن كان في العلم غير مستحسن؛ ولذلك قال عمر لولده ما قال، ولو كان سكوته عنده حسن لقال: أصبت.
وقوله: (فقالت ابنته): يريد ابنة أنس راوي الحديث، كما سلف في النكاح.
وقوله: (هي خير منك)؛ لأن طلبها ذلك إنما يكون من فرط حبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبتها في القرب منه، وذلك من أعظم الفضائل، ففيه حجة في ألا يستحي مما يحتاج إليه.
وقولها: (إن الله لا يستحي من الحق): يدل أنه لا يجوز الحياء عن السؤال في أمر الدين، وجميع الحقائق التي يعبد الله سبحانه عبادة بها، وأن الحياء في ذَلِكَ مذموم، وفي حديث ابن عمر: أن الحياء مكروه لمن علم علمًا فلم يخبر به بحضرة من هو فوقه إذا سئل عنه، ألا ترى حرص عمر على أن يقول ابنه: إنها النخلة. وقد سلف هذا في العلم.
80 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا»
وَكَانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ وَالْيُسْرَ عَلَى النَّاسِ.
6124 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَهُمَا: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا» . قَالَ أَبُو مُوسَى: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضٍ يُصْنَعُ فِيهَا شَرَابٌ مِنَ الْعَسَلِ يُقَالُ لَهُ: الْبِتْعُ، وَشَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . [انظر: 2261 - مسلم: 1733 - فتح: 10/ 524].
6125 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» . [انظر: 69 - مسلم: 1743 - فتح: 10/ 524].
6126 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ. [انظر: 3560 - مسلم: 2327 - فتح: 10/ 524].
6127 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ بِالأَهْوَازِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ، فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ عَلَى فَرَسٍ، فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ، فَانْطَلَقَتِ الْفَرَسُ، فَتَرَكَ صَلَاتَهُ وَتَبِعَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا فَأَخَذَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَضَى صَلَاتَهُ، وَفِينَا رَجُلٌ لَهُ رَأْيٌ، فَأَقْبَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ تَرَكَ صَلَاتَهُ مِنْ أَجْلِ فَرَسٍ. فَأَقْبَلَ فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِي أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ: إِنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ، فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُ لَمْ آتِ أَهْلِي إِلَى اللَّيْلِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى مِنْ تَيْسِيرِهِ. [انظر: 1211 - فتح: 10/ 525].
6128 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ -أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ- فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» . [انظر: 220 - فتح: 10/ 525].
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث أبي موسى: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَهُمَا: "يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا .. " الحديث.
ثانيها:
حديث أَبِي التَّيَّاحِ -وهو لقب- وكنيته: أبو حماد، واسمه: يزيد بن حميد الضبعي، من أنفسهم، البصري، مات سنة ثمان وعشرين، وقيل: سنة ثلاثين ومائة- قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا".
وأما ثالثها:
حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا (أَخَذَ)
(1)
أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا .. الحديث.
رابعها:
حديث الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ بالأَهْوَازِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ المَاءُ، فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ عَلَى فَرَسٍ، فَصَلًّى وَخَلَّى فَرَسَهُ، فَانْطَلَقَتِ الفَرَسُ، فَتَرَكَ صَلَاتَهُ وَتَبِعَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا فَأَخَذَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَضَى صَلَاتَهُ، وَفِينَا رَجُلٌ لَهُ رَأْيٌ، فَأَقْبَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هذا
(1)
في الأصل: (اختار).
الشَّيْخِ تَرَكَ صَلَاتَهُ مِنْ أَجْلِ فَرَسٍ. فَأَقْبَلَ فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِي أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قال: وَقَالَ: إِنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ، فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُ فرسي لَمْ آتِ أَهْلِي إِلَى اللَّيْلِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ صَحِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مِنْ تَيْسِيرِهِ.
والأزرق هذا: هو تابعي ثقة، من أفراد البخاري وأبي داود والنسائي، والده قيس الحارثي من بلحارث بن كعب بن عمرو بن خالد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان، أخو النخع، واسمه: جسر بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك، وهو مذحج.
وأبو برزة نضلة بن عبيد الأسلمي. قيل: إنه مات بمرو في إمارة يزيد بن معاوية، بعد سنة أربع وستين (في المفازة)
(1)
بين سجستان وهراة. وقيل: مات بالبصرة.
والبخاري أخرجه عن أبي النعمان، واسمه: محمد بن الفضل السدوسي عارم، مات سنة أربع وعشرين ومائتين. وروى البخاري مرة، عن المسندي، عنه. وقيل: إنه تغير بأخَرة. وروى مسلم عن عبد بن حميد وجماعة، عنه.
الحديث الخامس:
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، ثنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزهري، ح. وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَقَعُوا فيه، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ -أَوْ: سَجْلًا مِنْ مَاءٍ- فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ".
(1)
في الأصل: (بمفازة).
وهذِه الأحاديث ستأتي أيضًا، بأمره عليه السلام بالتيسير في الحدود والأحكام.
قال الطبري: ومعنى قوله: ("يسروا ولا تعسروا") فيما كان من نوافل الخير دون ما كان فرضًا من الله، وفيما (خيَّر)
(1)
الله سبحانه في عمله من فرائضه في حال العذر كالصلاة قاعدًا في حال العجز عن القيام، وكالإفطار في رمضان في السفر والمرض، وشبه ذَلِكَ مما رخص الله فيه لعباده وأمر بالتيسير في النوافل والإتيان بما لم يكن شاقًّا ولا فادحًا؛ خشية الملل لها ورفضها، وذلك أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، وقال عليه السلام لبعض أصحابه:"لا تكن كفلان كان يقوم الليل فتركه"
(2)
.
وقال غير الطبري: من تيسيره عليه السلام أنه لم يعنف البائل في المسجد ورفق به، ومن ذَلِكَ قطع أبي برزة لصلاته واتباعه فرسه، وأنه رأى من تيسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حمله على ذَلِكَ. وجماعة الفقهاء يرون أن من كان في صلاة وانفلتت دابته أنه يقطع صلاته ويتبعها؛ لأن الصلاة تدرك إعادتها، ومسير دابته عنه قاطع له. وقد استوعبنا ذَلِكَ في الصلاة؛ لكن عندنا تصلى صلاة شدة الخوف (. . .)
(3)
.
وقال ابن التين: معنى: (قضى صلاته) ابتدأها، وهو صحيح إن كانت الدابة قريبة أمسكها وإلا قطع وأمسك وابتدأ.
قال الطبري: وفي أمره عليه السلام بالتيسير في ذَلِكَ معان: الأمان من الملال، ومن مخالطة العجب قلب صاحبه حتَّى يرى كأن له فضلاً على من قصر عن مثل فعله فيهلك؛ ولهذا قال عليه السلام:"هلك المتنطعون"
(4)
(1)
في (ص 2): (خفف).
(2)
سلف برقم (1152).
(3)
كلمة غير واضحة.
(4)
رواه مسلم (2670).
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قومًا أرادوا أن يختصوا، وحرموا الطيبات واللحم على أنفسهم، فقام خطيبًا وأوعد في ذَلِكَ أشد الوعيد. وقال:"لم أبعث بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة، وإن أهل الكتاب هلكوا بالتشديد، شددوا فشدد الله عليهم"
(1)
.
وفي هذا من الفقه: أن أمر الدنيا نظير ذَلِكَ في أن الغلو وتجاوز القصد فيها مذموم. وبذلك نزل القرآن قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان: 67] الآية، فحمد الله تعالى في نفقاتهم ترك الإسراج والإقتار، وقال:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: 26] فأمر بترك التبذير فيما يعطى في سبيله التي يرجى بها الزلفة لديه.
فالواجب واجب على كل ذي لب أن تكون أموره كلها قصدًا في (عبادته)
(2)
كان، أو في أمر دنياه، وفي عداوة كان أو محبة، في أكل أو شرب، أو لباس أو عري، وكل هذا ورد الخبر عن السلف أنهم كانوا يفعلونه.
وأما اجتهاده عليه السلام في عبادة ربه، فإن الله كان خصه من القوة ما لم يخص به غيره، (فكان)
(3)
ما فعل من ذَلِكَ سهلًا عليه؛ على أنه عليه السلام لم يكن يحيي ليله كله قيامًا، ولا شهرًا كله صيامًا غير رمضان. وقد قيل: إنه كان يصوم شعبان كله فيصله برمضان.
(1)
رواه الطبراني 8/ 170 (7715) من حديث أبي أمامة مطولاً، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 4/ 302: فيه عفير بن معدان، وهو ضعيف. اهـ. رواه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 395 عن أبي قلابة مرسلًا مختصرًا.
(2)
في (ص 2): عبادة ربه.
(3)
في الأصل: فكل، والمثبت من (ص 2).
قلت: كذا عبر به ابن بطال، وهو في الصحيح فلا ينبغي أن نغير ذلك فأما سائر شهور السنة فإنه كان يصوم بعضه ويفطر بعضه، ويقوم بعض الليل وينام بعضه، وكان إذا عمل عملًا داوم عليه فهو أحق من اقتدي به الذي اصطفاه الله لرسالته وانتخبه لوحيه
(1)
.
فصل:
قوله في حديث أبي موسى رضي الله عنه: (وشراب من الشعير يقال له: المزر)، كذا عند ابن فارس أنه نبيذ الشعير
(2)
، قال الجوهري: هو من الذرة
(3)
. ولعله منهمًا.
وقوله فيه: ("كل مسكر خمر"). فيه بيان أن العلة الإسكار، وأن التحريم يتعلق بذلك من غير التفات إلى ما يعمل منه.
فصل:
قولها: (وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه). أي: في الغالب كما قيل؛ لأنه أمر بقتل جماعة، منهم ابن خطل، لكنه عند التأمل يرجع إلى (انتهاك)
(4)
الحرمات. وقيل: أرادت إذا أوذي بغير السبب المؤدي إلى الكفر: من أخذ المال، وجبذ الأعرابي بثوبه، وتظاهر عائشة وحفصة (رضي الله عنهما)
(5)
عليه. وأما من أذاه بالسب فهو كفر وانتهاك لحرمة الله فينتقم، لما يكون ذَلِكَ ليس بحق نفسه.
(1)
انتهى من قول الطبري، حكاه عنه -وكذا قول غيره الذي تقدم- ابن بطال 9/ 302 - 303.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 830.
(3)
"الصحاح" 2/ 816.
(4)
في الأصل: انتقام.
(5)
من (ص 2).
وقولها: (وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما). تريد: في أمر دنياه، لقولها:(ما لم يكن إثمًا)، والإثم لا يكون إلا في أمر الآخرة، وقد سلف إيضاحه.
فصل:
ومعنى (نضب عنه الماء): غار وبعد في الأرض وسفل وهو بفتح الضاد،
وقوله: (وفينا رجل له رأى). قال الداودي: يظن أنه يحسن. وليس كذلك، وهذا هو المتعاطي ما لا يعلم.
(والتعنيف: التعيير واللوم)
(1)
.
وقوله: (ومنزلي متراخ) أي: بعيد.
فصل:
قوله: (فثار إليه). أي: وثب.
والذَّنوب: الدلو فيه الماء، قال ابن السكيت: قريب من المليء، يؤنث ويذكر، ولا يقال لها وهي فارغة: ذنوب. وعبارة ابن فارس: الذنوب: الدلو العظيمة.
والسَّجْل -مذكر-: وهو الدلو إذا كان فيه ما قل أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة: سَجْل
(2)
.
(1)
غير واضحة بالأصل، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2)
"مجمل اللغة" 1/ 361 مادة (ذنب)، "إصلاح المنطق" ص 361.
81 - باب الاِنْبِسَاطِ إِلَى النَّاسِ
وَقَالَ ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: خَالِطِ النَّاسَ، وَدِينَكَ لَا تَكْلِمَنَّهُ، وَالدُّعَابَةِ مَعَ الأَهْلِ.
6129 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» . [انظر: 6203 - مسلم: 2510 - فتح: 10/ 526].
6130 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي. [مسلم: 2440 - فتح: 10/ 526].
ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه: إِنْ كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ ".
وحديث عائشة رضي الله عنها: كُنْتُ أَلْعَبُ (بِالْبَنَاتِ)
(1)
عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي.
الشرح:
كان عليه السلام أحسن الأمة أخلاقًا، وأبسطهم وجهًا، وقد وصفه الله تعالى ذَلِكَ بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4] فكان ينبسط إلى النساء والصبيان ويمازحهم ويداعبهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إني لأمزح ولا أقول إلا حقًّا"
(2)
.
(1)
في (ص 2): (بالنار) وهو خطأ.
(2)
رواه الطبراني 12/ 391، وفي "الأوسط" 1/ 298 من حديث ابن عمر، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(2494).
وكان يُسرح إلى عائشة صواحبها؛ ليلعبن معها. فينبغي للمؤمن الاقتداء بحسن أخلاقه وطلاقة وجهه.
وقال أبو عبيد: قوله: (يتقمعن). يعني: دخلن البيت وتغيبن، يقال للإنسان: قد انقمع وقمع، إذا دخل في الشيء أو دخل بعضه في بعض، قال الأصمعي: ومنه سمي القمع الذي يصب فيه الدهن وغيره؛ لأنه يدخل (في)
(1)
الإناء.
والذي يراد من الحديث: الرخصة في اللعب التي يلعب بها الجواري وهي البنات، فجاءت فيها الرخصة وهي تماثيل، وليس وجه ذَلِكَ عندنا إلا من أجل أنها لهو الصبيان، ولو كان للكبار لكان مكروهًا، كما جاء النهي في التماثيل كلها وفي الملاهي
(2)
، وقال غيره: اللعب بالبنات منسوخ بنهي الشارع عن الصور؛ لأن كل من رخص في الصور فيما كان رقمًا أو في تصوير الشجر وما لا روح له. كلهم قد أجمعوا أنه لا يجوز تصوير ما له روح، وذكر ابن أبي زيد عن مالك: أنه كره أن يشتري الرجل لابنته الصور. ونقل هذِه المقالة -وهي النسخ- ابن التين عن الداودي ثم قال: وهذا أشبه بمذهب مالك.
فصل:
معنى قوله في أثر ابن مسعود: لا تكلمنه أي: لا تجرحنه، والكَلْم: الجراحة، تقول: كلمته، وقرئ:(دابة من الأرض تكلمهم) أي: تجرحهم وتسمهم، فكأنه أدخل في دينه وصمًا إذ جرحه، وهو ثلاثي تقول: كلمته كلمًا.
(1)
من (ص 2).
(2)
"غريب الحديث" 2/ 352.
وقوله في بعض النسخ: والدعابة مع الأهل: أي: المزاح، وهو حسن المعاشرة معهم. وقوله:(ودينك): نصبه أحسن من رفعه؛ لأن الفعل إذا استعمل عن المفعول بضميره كان المختار الرفع، إلا أن يكون مع الأمر أو النهي أو العرض أو التمييز أو الاستفهام أو الجزاء أو الجحد، وهو هنا مع النهي.
والنُغير: تصغير نغر -بضم النون وفتح الغين
(1)
- وهو جمع نغرة، وهو طير كالعصفور محمر المنقار، وبتصغيره جاء الحديث، والجمع: نغران، كصرد وصردان.
وفيه: تكنية الصغير، وأن حرم المدينة لا يمنع الصيد فيه، قاله الخطابي
(2)
.
قال ابن التين: والذي ذكره بعض أصحابنا أن هذا كان قبل نزول التحريم فيه، وهذا لا يلزم على قول مالك في "المدونة"؛ لأنه أجاز للحلال أن يدخل بالصيد في الحرم ويذبحه
(3)
، وفي "العتبية" لابن القاسم: عليه إرساله إذا دخل الحرم. وذكره ابن المنذر عن أحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، قال أبو عبد الملك: ويجوز أن يكون منسوخا بنهيه عن تعذيب الحيوان.
واختلف في الجزاء في حرم المدينة، والأظهر عندنا أنه لا شيء فيه وهو قول مالك، وأوجبه ابن نافع من أن مالكًا والشافعي والجمهور قالوا بالحرمة من غير جزاء، وأما أبو حنيفة فأباحه.
(1)
ورد في هامش الأصل: أي المعجمة. وكتب تحت تعليق نصه: حاشية: والجمع: نغران كجرذ وجرذان.
(2)
"أعلام الحديث" 3/ 2200.
(3)
"المدونة" 1/ 335.
فصل:
(والبنات)
(1)
في حديث عائشة: التماثيل الصغار التي يلعب بها الجواري. وقال الداودي: ويحتمل أن تكون الباء بمعنى: مع.
والبنات: الجواري. وهو غير ظاهر؛ لقولها: (وكان لي صواحب يلعبن معي). فمن قال: هي التصاوير. اختلفوا في علة نهيها. وقال الخطابي فيه: إن اللعب بالبنات ليس (كالنهي لسائر)
(2)
الصور التي جاء فيها الوعيد، ورخص لعائشة؛ لأنها غير بالغ
(3)
.
وقولها: (فيسربهن إلي) أي: يرسلهن. وقال الداودي: أي: يأذن لهن أن يخرجن. وفي "الصحاح": سرب عليه الخيل: وهو أن يبعث عليه الخيل سربة بعد سربة
(4)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
كذا بالأصل، وفي "أعلام الحديث": كالتَّلَهِّي بسائر.
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2201.
(4)
"الصحاح" 1/ 147.
82 - باب المُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ، وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ.
6131 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، حَدَّثَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَقَالَ:«ائْذَنُوا لَهُ، فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» . فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ مَا قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي الْقَوْلِ! فَقَالَ:«أَيْ عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ تَرَكَهُ -أَوْ وَدَعَهُ- النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» . [انظر: 6032 - مسلم: 2591 - فتح: 10/ 528].
6132 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ:«خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» .
قَالَ أَيُّوبُ بِثَوْبِهِ أَنَّهُ يُرِيهِ إِيَّاهُ، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شَيْءٌ.
رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ.
وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَقْبِيَةٌ. [انظر: 2599 - مسلم: 1058 - فتح: 10/ 528].
ثم ساق حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: اسْتَأْذَنَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَقَالَ:"بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ". الحديث
وقد سلف، وكتب الدمياطي هنا: أنه مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، والد المسور.
وحديث ابن عُلَيَّةَ، ثنا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاج مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ:"خَبَأْتُ هذا لَكَ". قَالَ أَيُّوبُ
بِثَوْبِهِ يُرِيهِ إِيَّاهُ، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شَيْءٌ. رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ. وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ: ثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ المِسْوَرِ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَقْبِيَةٌ.
الشرح:
الكشر: ظهور الأسنان للضحك، وكاشره: إذا ضحك في وجهه وانبسط إليه. وعبارة ابن السكيت: الكشر: التبسم، يقال: كشر الرجل وانكلَّ وافترَّ وابتسم، كل ذَلِكَ تبدو منه الأسنان
(1)
.
وقال: (لتلعنهم). كذا بخط الدمياطي مجودًا من اللعن، وذكره ابن التين بلفظ: نقليهم. ثم قال: أي: نبغضهم. يقال: (قلاه)
(2)
يقليه قلى وقلاء. قال ابن فارس: وقد قالوا: قليته أقلاه
(3)
. وفي "الصحاح": يقلاه لغة طيء
(4)
. وهي من النوادر، فعل يفعل بغير حرف حلق، ومثله: ركن يركن، أبى يأبى، وحيى يحيى.
ولا شك أن المدارة من أخلاق المؤمنين، وهي: خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة وسل السخيمة.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مداراة الناس صدقة"
(5)
.
(1)
"إصلاح المنطق" لابن السكيت ص 419.
(2)
في الأصل: (قلأته) والمثبت من (ص 2).
(3)
"مجمل اللغة" 2/ 730، مادة:(قلو).
(4)
"الصحاح" 6/ 2467، مادة (قلا).
(5)
رواه ابن حبان في "صحيحه" 2/ 216 (471) وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 246 من حديث جابر، والحديث ضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4508) كما أن الحديث روي عن أنس بن مالك والمقدام بن معدي كرب وأبي هريرة. انظر:"السلسلة الضعيفة"(4508) ..
قال بعض العلماء: وقد ظن من لم يُنعم النظر أن المداراة هي المداهنة، وذلك غلط؛ لأنها مندوب إليها، والمداهنة محرمة. والفرق بينهما لائح؛ لأن المداهنة اشتق اسمها من الدهان الذي يظهر على ظواهر الأشياء ويستر بواطنها، قال العلماء: وهي أن يلقى الفاسق المظهر لفسقه فيؤالفه ويؤاكله ويشاربه، ويرى أفعاله المنكرة ويريه الرضا بها ولا ينكرها عليه ولو بقلبه. فهذِه المداهنة التي برأ الله منها نبيه عليه السلام بقوله:{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)} [القلم: 9].
والمداراة: هي الرفق بالجاهل الذي يتستر بالمعاصي ولا يجاهر بالكبائر، والمعاطفة في رد أهل الباطل إلى مراد الله بلين ولطف، حتَّى يرجعوا عَمّا هم عليه.
فإن قلت: فما الجواب عن حديث: "بئس ابن العشيرة" ثم حدثه وأثنى عليه شرًّا عند خروجه؟ قلت: كان عليه السلام مأمورًا بألا يحكم على أحد إلا بما ظهر منه للناس، لا بما يعلمه هو منهم دون غيره. وكان المنافقون لا يظهرون له إلا التصديق والطاعة، فكان الواجب عليه ألا يعاملهم إلا بمثل ما أظهروا له؛ إذ لو حكم في علمه بشيء من الأشياء لكانت سنة أن يحكم كل حاكم بما اطلع عليه، فيكون شاهدًا وحاكمًا. والأمة مجمعة أنه لا يجوز ذَلِكَ. وقد قال عليه السلام في المنافقين:"أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم"
(1)
. والداخل عليه إنما كان يظهر في ظاهر لفظه الإيمان، فقال فيه عليه السلام قبل وصوله إليه وبعد خروجه ما علمه دون أن يظهر له في وجهه، بما لو أظهره صار حكمًا.
(1)
رواه أحمد 5/ 432 - 433 من طريق عبيد الله بن عدي بن الخيار، عن رجلٍ من الأنصار مرفوعًا، ورواه مالك في "الموطأ" ص 124 عن عبيد الله بن عدي مرسلاً.
وأفاد بكلامه بما علمه منه إعلام عائشة رضي الله عنها (بحاله)
(1)
، ولو أنه كان من أهل الشرك ورجا رسول الله صلى الله عليه وسلم إيمانه واستئلافه وقومه وإنابتهم إلى الإسلام، لم يكن هذا مداهنة؛ لأنه ليس عليه حكم إلا من جهة الدعاء إلى الإسلام لا من جهة الإنكار والمقاطعة، كما فعل عليه السلام مع المشرك الذي دخل عليه، وابن أم مكتوم ليلة سأله أن يدنيه ويعلمه، وأقبل على المشرك، رجاء منه أن يدخل في الإسلام، وتولى عن ابن أم مكتوم فعاتبه الله في ذَلِكَ
(2)
. فبان أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنصاف أن يظهر للإنسان ما يظهر له مما يظهره للناس أجمعين من أحواله مما لا يعلمون منه (غيره)
(3)
، كما فعل بابن العشيرة.
(1)
من (ص 2).
(2)
رواه الترمذي (3331) من حديث عائشة وقال: هذا حديث حسن غريب.
(3)
من (ص 2).
83 - باب لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لا حلم إلا بتجربة.
6133 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» . [مسلم: 2998 - فتح: 10/ 529].
ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ".
أثر معاوية أخرجه ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس، عن هشام، عن أبيه قال:(قال)
(1)
معاوية. فذكره
(2)
. والمراد أن من جرب الأمور وعرف عواقبها، وما يئول إليه أمر مَن ترك الحلم، وركب السفه والسباب ممن سفه والانتصار منه، آثر الحلم، وصبر على قليل من الأذى؛ ليدفع به ما هو أكبر منه.
وقال الخطابي: معناه أن المرء لا يوصف بالحلم ولا يترقى إلى درجته حتَّى يركب الأمور ويجربها فيعثر مرة بعد أخرى، فيعتبر بها ويتبين مواضع الخطأ؛ فيجتنبها. وقال ضمرة: الحلم أرفع من العقل؛ لأن الله تعالى تسمى به
(3)
.
وأما الحديث: فلفظه خبر، ومعناه الأمر، يقول: ليكونن المؤمن حازمًا حذرًا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى. وقد
(1)
من (ص 2).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 188 (30549).
(3)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 2/ 300 (1855). ورواه أحمد في "الزهد" ص 279، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 798 (4392) كلاهما من طريق ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة.
يكون ذَلِكَ في أمر الدين كما يكون في أمر الدنيا، وهو أولاها بالحذر. وروي بلفظ النهي بكسر الغين قال: فيتحقق معنى النهي فيه على هذِه الرواية
(1)
.
قال ابن التين: وكذا قرأناه. قال: وهذا مثل قديم يمثل به من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عليه السلام كثيراً ما يتمثل بالأمثال القديمة. وأصل ذَلِكَ أن رجلاً أدخل يده في جحر فلدغ منه مرة ثانية.
قال أبو عبيد: تأويل هذا الحديث عندنا: أنه ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه لا يعود لمثله. وترجم له في كتاب "الأمثال" باب: المحاذرة للرجل من كل شيء قد ابتلي بمثله مرة.
وفيه أدب شريف أدب به الشارع أمته، ونبههم كيف يحذرون ما يخافون سوء عاقبته؟!
ووقع في ابن بطال أن هذا الكلام مما لم يسبق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مخالف لما أسلفناه، وقاله في أبي عزة الشاعر، وكان أسر يوم بدر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه، وذكر فقرًا فمنّ عليه، وأخذ عليه عهدًا ألا يحرض عليه ولا يهجوه. ففعل، ثم رجع إلى مكة فاستهواه صفوان بن أمية، وضمن له القيام بعياله، فخرج مع قريش، وحرض عليه فأسر، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المن، فقال:"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين لا تمسح عارضيك بمكة تقول: سخرت من محمد مرتين" ثم أمر به فقتل
(2)
.
(1)
"أعلام الحديث" 3/ 2202.
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 307 - 308، والحديث رواه البيهقي 9/ 65 عن ابن المسيب مرسلًا، وانظر:"الإرواء"(1215).
(فائدة:
استنبط بعضهم من هذا الحديث أن المرء إذا أذنب وعوقب عليه أنه لا يعاقب عليه ثانيًا في الآخرة، وهو حسن)
(1)
.
(1)
من (ص 2).
84 - باب حَقِّ الضَّيْفِ
6134 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟» . قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: «فَلَا تَفْعَلْ، قُمْ وَنَمْ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّكَ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ عُمُرٌ، وَإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ» . قَالَ: فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ: «فَصُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» . قَالَ: فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قُلْتُ: أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ: «فَصُمْ صَوْمَ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ» . قُلْتُ: وَمَا صَوْمُ نَبِيِّ اللهِ دَاوُدَ؟ قَالَ: «نِصْفُ الدَّهْرِ» . [انظر: 1131 - مسلم: 1159 - فتح: 10/ 531].
ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أنه عليه السلام -قَالَ له: "إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا" .. الحديث بطوله
وقد سلف في الصيام
(1)
.
والزور ينصرف على وجوه القوم الزوار والواحد، يقال: قوم زور ورجل زور؛ لأنها مثل: رضا، مثل: رجل عدل. قال الجوهري: الزور: الزائرون، ورجل زائر وقوم زور وزوار، مثل: سافر وسفر وسفار، وتجعل زور جمعًا
(2)
.
وقوله: "وإن لزوجك عليك حقًا" هذا هو الأفصح في المرأة زوج؛ قال تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35].
(1)
سلف برقم (1975) باب: حق الجسم في الصوم.
(2)
"الصحاح" 2/ 673، مادة (زور).
وقوله: "وإن من حسبك" هو بإسكان السين أي: يكفيك
(1)
أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ومنه: حسبنا الله أي: كافينا.
(1)
ورد في هامش الأصل: لو قال: كافيك كان أحسن؛ لأنه في الحديث اسم وقد أمره بفعل.
85 - باب إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَخِدْمَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفْسِهِ
وَقَوْلِهِ: {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يُقَالَ: هُوَ زَوْرٌ، وهؤلاء زوْرٌ وَضَيْفٌ، وَمَعْنَاهُ أَضْيَافُهُ وَزُوَّارُهُ؛ لأَنَّهَا مَصْدَرٌ مِثْلُ: قَوِمٍ، رِضًا، وَعَدْلٍ. يُقَالَ: مَاءٌ غَوْرٌ، وَبِئْرٌ غَوْرٌ، وَمَا آنِ غَوْرٌ وَمَيَاهٌ غَوْرٌ. وَيَقَالُ: الغَوْرُ: الغائِرُ لَا تَنَالُهُ الدِّلَاءُ، كُلُّ شَيْءٍ غُرْتَ فِيهِ فَهُوَ مَغَارَةٌ. تَزَّاوَرُ: تَمِيلُ مِنَ الزَّوَرِ، وَالْأَزْوَرُ: الأَمْيَلُ.
6135 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ» .
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ مِثْلَهُ، وَزَادَ:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» . [انظر: 6019 - مسلم: 48 - فتح: 10/ 531].
6136 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» . [انظر: 5185 - مسلم: 47 - فتح: 10/ 532].
6137 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» . [انظر: 2461 - مسلم: 1727 - فتح: 10/ 532].
6138 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» . [انظر: 5185 - مسلم: 47 - فتح: 10/ 532].
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث أَبِي شُرَيْحٍ الكَعْبِيِّ، السالف في باب:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره".
وأبو شريح: اسمه: خويلد بن عمر، وقيل غير ذَلِكَ، مات سنة ثمان وستين بالمدينة، وهو من بني عدي بن عمرو بن لحي، أخي كعب بن عمر.
ثانيها:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وسلف فيه أيضًا، وكرره في الباب، وفي أحدهما أبو حَصِين: وهو عثمان بن عاصم الأسدي الكاهلي الكوفي، مات سنة ثمان وعشرين ومائة.
ثالثها:
حديث أَبِي الخَيْرِ -واسمه مرثد بن عبد الله اليزني، مات سنة (سبعين)
(1)
- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يَقْرُونَنَا، فَمَا تَرى؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ نَزَلْتُمْ
(1)
كذا بالأصل ولعل الصحيح: (تسعين)، انظر:"الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/ 511، و"تهذيب الكمال" 27/ 357 (5850)، و"الكاشف" للذهبي 2/ 250 (5349).
بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الذِي يَنْبَغِي لَهُمْ".
وقد سلف الكلام على الضيف وجائزته. وما اختلف فيه من معنى الحديث هل اليوم والليلة جائزة داخلة في الثلاث؟ وإذا قلنا بدخولها، فهل هي قبل الثلاثة أو بعدها؟ وهل الجائزة حسن ضيافته يوم أو يعطى ما بعد الثلاث ما يجوز به مسافة يوم وليلة؟
وروى ابن سنجر أنه عليه السلام قال: "ليلة الضيف حق على كل مسلم واجبة، فمن أصبح بفنائه فهو له عليه دين إن شاء تركه أو اقتضاه"
(1)
.
وقد سئل مالك عن: "جائزته يوم وليلة" فقال: يكرمه ويتحفه يومًا وليلة وثلاثة أيام ضيافة، قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره إلى ثلاثة أقسام: إذا نزل به الضيف أتحفه في اليوم الأول وتكلف له على قدر وجده، فإذا كان اليوم الثاني قدم إليه ما بحضرته، فإذا جاوز مدة الثلاثة كان مخيرًا بين أن يستمر على (وثيرته)
(2)
أو يمسك، وجعله كالصدقة النافلة.
فصل:
قوله: ("ولا يحل له أن يثوي عنده") وهو بفتح أوله وكسر الواو، والفتح في الماضي، ثوى إذا أقام، ثوى وأثويت (عنده بفتح أوله)
(3)
لغة في ثويت أي: لا يقيم عنده بعد الثلاث.
وقوله: ("حتَّى يحرجه"). أي: يضيق صدره. (وأصل الحرج الضيق. وإنما كره له المقام عنده بعد الثلاث؛ لئلا يضيق صدره)
(4)
(1)
رواه أبو داود (3750)، وابن ماجه (3677)، وأحمد 4/ 130. من حديث المقدام بن معدي كرب، أبي كريمة.
(2)
ورد في هامش الأصل: الوتيرة: الطريقة بالمثناة فوق لا المثلثة.
(3)
من (ص 2).
(4)
من (ص 2).
بمقامه فتكون الصدقة منه على وجه المن والأذى، فيبطل أجره، قال تعالى:{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264].
فصل:
قوله: ("من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه") معناه: من كان إيمانه إيمانًا كاملاً، فينبغي أن يكون هذا حاله وصفته؛ فالضيافة من سنن المرسلين.
وقد سلف اختلاف العلماء في وجوبها، وأوجبها الليث بن سعد فرضًا ليلة واحدة، وأجاز للعبد المأذون له أن يضيف مما في يده، واحتج بحديث عقبة في الباب. وقال جماعة من أهل العلم: الضيافة من مكارم الأخلاق في باديته وحاضرته. وهو قول الشافعي. وقال مالك: ليس على أهل الحضر ضيافة. وقال سحنون: إنما الضيافة على أهل القرى، وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر
(1)
. واحتج الليث أيضًا بقوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] أنها نزلت فيمن منع الضيافة، فأبيح للضيف لوم من لم يحسن ضيافته، وذكر قبيح فعله، وروي ذَلِكَ عن مجاهد
(2)
وغيره. فيقال لهم: إن الحقوق لا يتضيف فيها بالقول وإنما يتضيف فيها بالأداء والإبراء، فلو كانت الضيافة واجبة لوجب عليهم الخروج إلى القوم مما لزمهم من ضيافتهم، وقوله:"جائزته يوم وليلة" دليل أن الضيافة ليست بفريضة، والجائزة في لسان العرب: المنحة والعطية. وذلك تفضل وليس بواجب.
(1)
انظر: "الذخيرة" 13/ 335.
(2)
"تفسير مجاهد" 1/ 179.
وأما حديث عقبة فتأويله عند جمهور العلماء أنه كان في أول الإسلام حين كانت المواساة واجبة، فأما إذا أتى الله بالخير والسعة فالضيافة مندوب إليها.
86 - باب صُنْعِ الطَّعَامِ وَالتَّكَلُّفِ لِلضَّيْفِ
6139 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ: لَهَا مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: كُلْ، فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ. فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ. فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ. فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ. قَالَ: فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«صَدَقَ سَلْمَانُ» .
أَبُو جُحَيْفَةَ وَهْبٌ السُّوَائِيُّ، يُقَالُ وَهْبُ الْخَيْرِ. [انظر: 1968 - فتح: 10/ 534].
ذكر فيه حديث أَبِي جُحَيْفَةَ: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، إلى أن قال: فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا.
الحديث بطوله سلف في الصوم.
وقوله في التبويب: (صُنع
(1)
هو بضم الصاد)
(2)
(مصدر، وضبطه الدمياطي بخطه بالفتح)
(3)
.
(1)
في هامش الأصل: الجوهري نص على أن المصدر بالضم، وكذا في نسختي بأفعال ابن القطاع، وهي غاية في الصحة. وقوله عن الدمياطي ما ضبطه يحتمل أن يكون بالضم شيء يغاير ما تقدم، ويحتمل أن يستشهد بضبطه على ما قاله، والله أعلم.
(2)
في الأصل: صَنع هو بفتح الصاد، والمثبت من (ص 2).
(3)
ساقط من (ص 2).
قوله: (فرأى أم الدرداء مبتذلة
(1)
) أي: تمتهن نفسها للخدمة وتلبس ثياب بذلتها.
وظاهر الحديث أنه أفطر بعد أن كان صائمًا، وهو مذهب الشافعي
(2)
، وخالف فيه مالك
(3)
، وهو مذهب ابن عمر.
فصل:
والتكلف للضيف لمن قدر على ذَلِكَ من سنن المرسلين وآداب النبيين (صلوات الله وسلامه [عليهم] أجمعين)
(4)
، ألا ترى أن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ذبح لضيفه عجلًا سمينًا؟! قال أهل التأويل: كانوا ثلاثة أنفس: جبريل وميكائيل وإسرافيل، فتكلف لهم ذبح عجل وقربه إليهم.
وقوله عليه السلام فيما مضى: "جائزته يوم وليلة" يقتضي (منع)
(5)
التكلف له يومًا وليلة لمن وجد، ولمن لم يكن من أهل الوجود واليسار فليقدم لضيفه ما تيسر عنده ولا يتكلف له ما لا يقدر عليه.
وقد ورد (بذلك)
(6)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى الطبري من حديث خراش ثَنَا مسلم بن قتيبة، عن قيس بن الربيع، عن عثمان بن سابور، عن شقيق بن سلمة قال: دخلت على سلمان فقرب إلى خبز شعير وملحًا وقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتكلف أحدنا ما ليس عنده لتكلفت لك
(7)
.
(1)
هكذا في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي، انظر:"اليونينية" 8/ 32.
(2)
"الأم" 2/ 88.
(3)
"المدونة" 1/ 183، "المنتقى" 2/ 67.
(4)
ساقطة من الأصل والمثبت من (ص 2).
(5)
كذا بالأصل والمعنى يستقيم بدونها.
(6)
في هامش الأصل: لعله: ذلك.
(7)
رواه الطبراني 6/ 235 (6085) من طريق الأعمش، عن شقيق بن سلمة.
فدل أن المراد إذا أضافه ضيف أن الحق عليه أن يأتيه من الطعام ما حضره وألا يتكلف له ما ليس عنده وإن كان ما حضره من ذَلِكَ دون ما يراه (المضيف)
(1)
أهلاً؛ لأن في تكليفه ما ليس عنده (معانٍ)
(2)
مكروهة:
منها: حبس الضيف عن القرى ولعله أن يكون جائعًا فيضر به.
ومنها: أن يكون مستعجلًا في سفره فيقطعه عنه بحبسه إياه عن إحضاره ما حضره من الطعام إلى إصلاح ما لم يحضر.
ومنها: احتقاره ما عظم الله قدره من الطعام.
ومنها: خلافه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإتيان ما قد نهى عنه من التكلف. وروى عبد الله
(3)
بن الوليد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: دخل على جابر بن عبد الله نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرب إليهم (خبزًا)
(4)
وخلًّا ثم قال: كلوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم الإدام الخل، هلاك بالرجل أن يدخل عليه الرجل من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليه، وهلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم"
(5)
.
وقال سفيان الثوري عن ابن سيرين: لا تلزم أخاك بما يشق عليه
(6)
.
(1)
في (ص 2): للضيف.
(2)
كذا في الأصل وأعلاها كلمة: كذا.
(3)
هكذا في الأصل، وفي "المسند" لأحمد عبيد الله.
(4)
في الأصل: خلا. وأعلاها: كذا. وفي الحاشية: لعله بقلاً، والمثبت من "المسند" لأحمد.
(5)
رواه أحمد 3/ 371 عن أسباط بن محمد، عن عبيد الله بن الوليد به.
(6)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 2/ 264 من طريق أيوب، والبيهقي في "الشعب" 6/ 403 (8672) من طريق ابن عون كلاهما عن ابن سيرين.
وفسره الثوري فقال: إنه يحاضر ما عندك ولا تحبسه، فعسى أن يشق ذَلِكَ عليه.
وفي حديث أبي جحيفة: زيارة الرجل الصالح صديقه الملاطف ودخوله داره في غيبته وجلوسه مع أهله.
وفيه: شكوى المرأة لزوجها إلى صديقه الملاطف أن يأخذ على يده ويرده عما يضر بأهله.
وفيه: أنه لا بأس ألا يأكل الضيف حتَّى يأكل معه رب الدار.
وفيه: أنه لا بأس أن يفطر رب الدار لضيفه في صيام التطوع.
وفيه: كراهية التشدد في العبادة والغلو فيها خشية ما يخاف من عاقبة ذَلِكَ، وأن الأفضل في العبادة القصد والتوسط، فهو أحرى للدوام، ألا ترى قوله عليه السلام:"صدق سلمان".
وفيه: أن الصلاة آخر الليل أفضل؛ لأنه وقت (ينزل الله)
(1)
إلى سماء الدنيا فينادي فيستجيب الدعاء.
(1)
في (ص 2): ينزل الله ملائكته.
87 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْغَضَبِ وَالْجَزَعِ عِنْدَ الضَّيْفِ
6140 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَضَيَّفَ رَهْطًا فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: دُونَكَ أَضْيَافَكَ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَافْرُغْ مِنْ قِرَاهُمْ قَبْلَ أَنْ أَجِيءَ. فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَاهُمْ بِمَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: اطْعَمُوا. فَقَالُوا: أَيْنَ رَبُّ مَنْزِلِنَا؟ قَالَ: اطْعَمُوا. قَالُوا: مَا نَحْنُ بِآكِلِينَ حَتَّى يَجِيءَ رَبُّ مَنْزِلِنَا. قَالَ: اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ وَلَمْ تَطْعَمُوا لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ. فَأَبَوْا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَجِدُ عَلَيَّ، فَلَمَّا جَاءَ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا صَنَعْتُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ. فَسَكَتُّ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ. فَسَكَتُّ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ، أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِي لَمَّا جِئْتَ. فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: سَلْ أَضْيَافَكَ. فَقَالُوا: صَدَقَ، أَتَانَا بِهِ. قَالَ: فَإِنَّمَا انْتَظَرْتُمُونِي، وَاللهِ لَا أَطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ. فَقَالَ الآخَرُونَ: وَاللهِ لَا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ. قَالَ: لَمْ أَرَ فِي الشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ، وَيْلَكُمْ، مَا أَنْتُمْ؟ لِمَ لَا تَقْبَلُونَ عَنَّا قِرَاكُمْ؟ هَاتِ طَعَامَكَ. فَجَاءَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللهِ، الأُولَى لِلشَّيْطَانِ. فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. [انظر: 602 - مسلم: 2057 - فتح: 10/ 534].
ذكر فيه حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه تَضَيَّفَ رَهْطًا .. الحديث بطوله، وقد سلف فقهه أنه ينبغي استعمال حسن الأخلاق للضيف وترك الضجر، لكن يبسط نفسه ولا ينقبض ويسقط المؤنة والرقبة؛ خشية أن يظن أن الضجر والغضب من أجله، فذلك من أدب الإسلام وما يثبت المودة، ألا ترى الصديق لما رأى إباءة أضيافه من الأكل حتَّى يأكل معهم آثر الأكل معهم وحنث نفسه.
وإنما حمله على الحلف -والله أعلم- أنه استقصر ابنه وأهله في
القيام ببر أضيافه، واشتد عليه تأخر عشائهم إلى ذَلِكَ الوقت من الليل، فلحقه ما يلحق البشر من الغضب، ثم لم يسعه مخالفة أضيافه لما أبوا من الأكل دونه، فرأى أن من تمام برهم إسعاف رغبتهم وترك التمادي في الغضب؛ وأخذ في ذَلِكَ بقوله عليه السلام:"من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير"
(1)
. وكان (مذهبه)
(2)
: اختيار الكفارة بعد الحنث.
وقوله: "بسم الله، الأولى من الشيطان". يعني: اللقمة الأولى إخزاء للشيطان؛ لأنه الذي حمله على الحلف وسول له ألا يأكل مع أضيافه، وباللقمة الأولى وقع الحنث ووجبت الكفارة.
وقد تقدم تفسير قوله: (يا غنثر). في الصلاة في باب السمر مع الضيف والأهل، ومر هناك شيء من معانيه، وسيأتي في الباب بعد هذا شيء من ذَلِكَ.
فصل: في بيان ألفاظ واقعة فيه:
قوله: (دونك أضيافك). هو إغراء يقال: دونك زيدًا أي: الزمه.
ومعنى: أطعموا: كلوا. قال تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} [الأحزاب: 53].
وقوله: (اقبلوا عنا قراكم) أي: منا قراكم، ومصدر قريت: قِرى وقَراءً إذا كسرت القاف قصرت، وإذا فتحت مددت، والاسم قِرى بالكسر والقصر.
(1)
رواه مسلم (1650) كتاب: الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها ..
(2)
في (ص 2): مذهب مالك.
قوله: (يا غنثر). هو مشتق من الغثر والنون زائدة مثل: غندر، والغثار، والغثر: سفلة الناس، الواحد أغثر كأحمر، وهو سب له ونقص، هذا الذي يظهر فيه. وقال أبو عبد الملك: لم أسمع أحدًا يذكر اشتقاقه، ومعناه: كأنه اتهمه أن يكون فرط.
وقوله: (أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت). هو مشدد بمعنى (إلا) كأنه اتهمه عند سيبويه كما سلف. ويصح أن يكون مخففًا وما زائدة.
وقوله: (لم أر في الشر كالليلة). يعني: في أكثر الأحوال، ذكره الداودي. ويحتمل أن يكون قال ذَلِكَ من كثرة اللغط.
وقوله: (الأولى من الشيطان)
(1)
. يعني: يمينه. أي: كانت من الشيطان. وقيل: يعني: اللقمة الأولى؛ لأنه الذي حمله أن يحلف، وباللقمة الأولى وقع الحنث ووجبت الكفارة.
(1)
ورد بهامش الأصل: قدم الكلام على قوله: (الأولى للشيطان) أعلاه، ولكن زاد هنا قولًا، وهما قولان ذكرهما القاضي عياض رحمه الله، والله أعلم. ["الإكمال" 6/ 551]
88 - باب قَوْلِ الضَّيْفِ لِصَاحِبِهِ لَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ
فِيهِ حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
6141 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِضَيْفٍ لَهُ أَوْ بِأَضْيَافٍ لَهُ، فَأَمْسَى عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ أُمِّي: احْتَبَسْتَ عَنْ ضَيْفِكَ -أَوْ أَضْيَافِكَ- اللَّيْلَةَ. قَالَ: مَا عَشَّيْتِهِمْ؟ فَقَالَتْ عَرَضْنَا عَلَيْهِ -أَوْ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا أَوْ- فَأَبَى، فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَسَبَّ وَجَدَّعَ وَحَلَفَ لَا يَطْعَمُهُ، فَاخْتَبَأْتُ أَنَا، فَقَالَ يَا غُنْثَرُ. فَحَلَفَتِ الْمَرْأَةُ لَا تَطْعَمُهُ حَتَّى يَطْعَمَهُ، فَحَلَفَ الضَّيْفُ -أَوِ الأَضْيَافُ- أَنْ لَا يَطْعَمَهُ أَوْ -يَطْعَمُوهُ- حَتَّى يَطْعَمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَأَنَّ هَذِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَدَعَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا، فَجَعَلُوا لَا يَرْفَعُونَ لُقْمَةً إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، فَقَالَ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ، مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: وَقُرَّةِ عَيْنِي إِنَّهَا الآنَ لأَكْثَرُ قَبْلَ أَنْ نَأْكُلَ. فَأَكَلُوا، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا. [انظر: 602 - مسلم: 2057 - فتح: 10/ 535].
قد سلف مسندًا قريبًا في باب صنع الطعام.
ثم ذكر حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، المذكور في الباب قبله بزيادة: فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها. إلى آخره.
ولا شك أن صاحب المنزل في منزله كالأمير لا ينبغي لأحد أن يتقدم عليه في أمر، يدل على ذَلِكَ الحديث الصحيح:"لا يَؤُمَّنَّ الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه"، وهو من أفراد مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري
(1)
.
(1)
مسلم (673) كتاب: المساجد، باب: من أحق بالإمامة.
فكان هذا الحديث أصلاً لهذا المعنى.
ودل هذا أنه ينبغي للضيف المصير إلى ما (يحثه)
(1)
عليه ضيفه، ويشهد لهذا المعنى حديث أنس رضي الله عنه أن غلامًا خياطًا دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للطعام فقدمه بين يديه فأكل، وأقبل الخياط على عمله، وقد ترجم البخاري فيما سلف باب: من أضاف رجلاً إلى طعام وأقبل هو على عمله، ثم ذكر حديث أنس السالف فيه
(2)
، فدل هذا الحديث أن أكل صاحب الطعام مع الضيف ليس من الواجبات، إلا أنه جاء في حديث ضيف أبي بكر معنى يختص بخلاف هذا الأصل المتقدم، وذلك أن أضيافه أقسموا ألا يفطروا حتَّى ينصرف من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحبس عنده إلى هوى من الليل فبقوا دون أكل، وقد كان ينبغي على ظاهر الأصل السالف من أن صاحب المنزل لا ينبغي لأحد التسور عليه في منزله في أمرهم أن يفطروا حين عرض عليهم الأكل ولا يأتونه، فلما امتنعوا من ذَلِكَ وبقوا غير مفطرين إلى إقباله، ثم حنث نفسه في يمينه التي بدرت منه؛ إيثارًا لموافقتهم؛ لأن ذَلِكَ أنه يجوز للضيف أن يخالف صاحب المنزل في تأخير الطعام وشبهه؛ إذا رأى لذلك وجهًا من وجوه المصلحة، وأنه لا حرج عليه في ذَلِكَ، ألا ترى أن الصديق وإن كان غضب لتأخر قراهم إلى وقت قدومه لم ينكر عليهم يمينهم ولا قال لهم: أتيتم ما لا يجوز لكم فعله. ولا شك أن الصديق أعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حمل إليه بقية الطعام ولم يعنف القوم ولا خطأهم في يمينهم، وهذا الذي يغلب على الوهم؛ لأن أصحابه كانوا لا يخفون عنه كل ما يعرض لهم ليسن لهم فيه.
(1)
في (ص 2): يحمله.
(2)
سلف برقم (5435) كتاب: الأطعمة.
فصل:
قوله: (فسبَّ وجدَّع). (معنى: جدع)
(1)
مثل سب؛ لأن الجدع: الخصام [قال]
(2)
ابن فارس: جادعته مجادعة: خاصمته
(3)
. وقال الداودي: معناه سب ابنه ودعاه (بلعنه)
(4)
.
وفي "الصحاح": جدعه إذا قال: جدعًا لك. والجدع: قطع الأنف
(5)
. وللشيخ أبي الحسن: وجذع والجذع نقيض الصبر أي: لم يصبر من الغيظ.
وقوله: (وجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها) كذا وقع غير مهموز، وربا إذا كان غير مهموز معناه: زاد.
وفي "الصحاح": ربا يربو إذا أخذه الربو، قال: وربوت الرابية: علوتها
(6)
. قال: ومعنى المهموز أي: لأربأ بك عن هذا الأمر، أي: أرفعك عنه
(7)
. والمعنى على هذا: ارتفع ما كان تحت اللقمة، وعلى الأول ربا وزاد، فالمعنيان متقاربان.
وقولها: (وقرة عيني) لعل هذا كان قبل النهي عن الحلف بغير الله، أو لم تعلمه.
وقوله: (فحلفت المرأة لا تطعمه حتَّى يطعمه) قال الداودي: يعني: حلفت للأضياف. قال: وقد يكون هذا قبل مجيء أبي بكر، والظاهر أنها حلفت على بعلها أبي بكر رضي الله عنه.
(1)
من (ص 2).
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
"مجمل اللغة" 1/ 179.
(4)
في (ص 2): ناحية.
(5)
"الصحاح" 3/ 1193.
(6)
"الصحاح" 6/ 2349 - 2350.
(7)
"الصحاح" 1/ 52.
89 - باب إِكْرَامِ الْكَبِيرِ، وَيَبْدَأُ الأَكْبَرُ بِالْكَلَامِ وَالسُّؤَالِ
6142، 6143 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -هُوَ ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ -مَوْلَى الأَنْصَارِ- عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«كَبِّرِ الْكُبْرَ» . -قَالَ يَحْيَى: لِيَلِىَ الكَلَامَ الأَكْبَرُ. فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَتَسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ -أَوْ قَالَ: صَاحِبَكُمْ- بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْرٌ لَمْ نَرَهُ. قَالَ:«فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ. فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِهِ. قَالَ سَهْلٌ: فَأَدْرَكْتُ نَاقَةً مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ، فَدَخَلَتْ مِرْبَدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِى بِرِجْلِهَا.
قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلٍ، قَالَ يَحْيَى: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مَعَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرٍ، عَنْ سَهْلٍ وَحْدَهُ. [انظر: 2702 - مسلم: 1669 - فتح: 10/ 535].
6144 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلَا تَحُتُّ وَرَقَهَا» . فَوَقَعَ فِي نَفْسِي [أَنَّهَا] النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هِيَ النَّخْلَةُ» . فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ يَا أَبَتَاهْ وَقَعَ فِي نَفْسِي [أَنَّهَا] النَّخْلَةُ. قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا؟ لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: مَا مَنَعَنِي إِلاَّ أَنِّي لَمْ أَرَكَ وَلَا أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا، فَكَرِهْتُ. [انظر: 61 - مسلم: 2811 - فتح: 10/ 2536].
ذكر فيه حديث رَافِع بْنِ خدِيجٍ، وَسَهْلِ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ في القسامة، وقد سلف في بابها
(1)
. وموضع الحاجة منه: فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ القَوْمِ فَقَالَ له عليه السلام:"كَبِّرِ الكُبْرَ". قَالَ يَحْيَى: لِيَلِيَ الكَلَامَ الأَكْبَرُ.
وحديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما
(2)
في النخلة؛ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما.
الشرح:
إكرام الكبير وتقديمه في الكلام وجميع الأمور من آداب الإسلام ومعاني الأخلاق.
(روى الحاكم من حديث أبي الزبير، عن جابر قال: قدم وفد جهينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام غلام منهم، فقال عليه السلام:"فأين الكبراء".
ونقل ابن طاهر في "صفوة التصوف" بإسناده إلى مسلم بن الحجاج أنه صححه.
وروى الحاكم أيضًا من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "مَنْ لم يرحم صغيرنا ويعرف حقَّ كبيرنا فليس منَّا". ثم قال: صحيح الإسناد
(3)
.
وأخرجه أبو داود
(4)
من حديث عبد الله بن عمرو)
(5)
، وذكر عبد الرزاق أن في الحديث:"من تعظيم جلال الله أن يوقر ذو الشيب في الإسلام"
(6)
.
(1)
سيأتي في القسامة برقم (6898).
(2)
ورد في (ص 2) بعد هذِه الكلمة: (السالف قريبًا، وفي العلم قريبًا).
(3)
"المستدرك" 4/ 178.
(4)
أبو داود (4943).
(5)
ما بين القوسين من (ص 2).
(6)
"جامع معمر" 11/ 138 (20136).
ولهذا المعنى قال عليه السلام: "كبر الكبر" فأمر أن يبدأ الأكبر بالكلام، فكان ذَلِكَ سنة. إلا أنه دل معنى حديث ابن عمر أن معنى ذَلِكَ ليس على العموم وأنه إنما ينبغي أن يبدأ بالأكبر فيما يستوي في علم الصغير والكبير، فأما إذا علم الصغير ما يجهل الكبير فإنه ينبغي لمن كان عنده علم أن يذكره وينزع به وإن كان صغيرًا، ولا يعد ذَلِكَ منه سوء أدب ولا تنقصًا لحق الكبير في المتقدم عليه؛ لأنه عليه السلام حين سأل أصحابه عن الشجرة التي شبهها بالمؤمن- وفيهم ابن عمر وغيره ممن كان دونه في السن- لم يوقف الجواب على الكبار فيهم خاصة، وإنما سأل جماعتهم ليجيب كلٌ بما علم، وعلى ذَلِكَ دل قول عمر لابنه: لو كنت قلتها كان أحب إليَّ من كذا وكذا؛ لأن عمر لا يحب ما يخالف أدب الإسلام وسننه. وقد كان يسأل ابن عباس وهو صبي
(1)
مع المشيخة، وقد كان ذَلِكَ معدودًا في فضائله. وقد تقدم هذا المعنى في باب: الحياء في العلم من كتاب: العلم
(2)
.
فصل:
قوله: ("الكُبر") بضم الكاف، قال الجوهري: قولهم هو كبر قومه أي: هو أقعدهم في النسب، قال: وفي الحديث: الولاء للكبر
(3)
. وهو أن يموت ويترك ابنا وابن ابن، فالولاء للابن دون ابن الابن.
(1)
ورد بهامش الأصل: لما كان عمر خليفة كان ابن عباس كبيرًا، وقد كان عمره لما توفي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ودخل في أربع عشرة على الصحيح من أقوال العلماء. وبعدها خلافة الصديق سنتين وكسر، ثم عمر فكان شابًا، ولكن يتأتى كلام شيخنا على قول مرجوح.
(2)
في حديث رقم (131).
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 9/ 30، وابن أبي شيبة 6/ 297 - 198، والدارمي 4/ 1966 - 1969 عن عمر، وعلي، وزيد، وابن مسعود موقوفًا.
قال: والكبر في السنن، يقال: كبر يكبر كبرًا إذا أسن
(1)
.
قال ابن التين: وقرأناه بضم. الكاف وسكون الباء. قال: وإنما يكون أولى إذا لم يكن الصغير أدرى ولا أفهم، وإن كان الصغير أعلم وأفضل فهو أولى؛ بدليل حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو كما قال، وقد سلف.
فصل:
في الحديث الأول إثبات القسامة، وأن القول قول المدعي مع يمينه، وقد سلف ذَلِكَ مع إنكار أبي حنيفة لها.
وقوله: (فدخلتْ مربدًا لهم) يريد (لإحدى)
(2)
الإبل أو القوم، أو يكون صوابه لهن، وهو الموضع تحبس فيه الإبل.
(1)
"الصحاح" 2/ 801 - 802 مادة [كبر].
(2)
ورد بهامش الأصل: لعله لأصحاب.
90 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالْحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ
وَقَوْلِهِ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)} [الشعراء: 224 - 227]. قَالَ ابن عَبَّاسٍ فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ.
6145 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً» . [10/ 537].
6146 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ:
«هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ
…
وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ».
6147 -
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ: كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ. وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ" [انظر: 3841 - مسلم: 2256 - فتح: 10/ 537].
6148 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ، فَسِرْنَا لَيْلاً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ: أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟ قَالَ: وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:
وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
…
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا
…
فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا
إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا
…
وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟» . قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ. فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللهُ» . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللهِ، لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ. قَالَ: فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ الْيَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً. فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ على أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟» . قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: «على أَيِّ لَحْمٍ؟» . قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَهْرِقُوهَا وَاكْسِرُوهَا» . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: «أَوْ ذَاكَ» . فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ، فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاحِبًا. فَقَالَ لِي «مَا لَكَ؟» . فَقُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ. قَالَ:«مَنْ قَالَهُ؟» . قُلْتُ: قَالَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ الأَنْصَاريُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ» . [انظر: 2477 - مسلم: 1802 - فتح: 10/ 537].
6149 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على بَعْضِ نِسَائِهِ وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ:«وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ» . قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ: قَوْلُهُ: «سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ» . [انظر: 6161، 6202، 6209، 6210، 6211 - مسلم: 2323 - فتح: 10/ 538].
(الرجز) -بفتح الراء والجيم-: اختلف في كونه شعرًا، ولهذا حسن من البخاري عطفه على الشعر. قال ابن التين: هو من الشعر. وقيل:
لا، وإنما هو الكلام السجع؛ وذلك أنه يقال لصانعه: راجز، ولا يقال: شاعر.
و (الحُداء) بضم الحاء والمد: مصدر، يقال: حدوت الإبل حدوًا وحداء، وهو سوق الإبل والغناء لها، مثل: دعوت دعاء، ويقال للشمال: حدوًا؛ لأنها تدعو السحاب. (وحكى الأزهري وغيره: كسر الحاء أيضًا وأول من اتخذه قريش)
(1)
.
ثم ذكر البخاري قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)} إلى آخر الآية: {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 224 - 225].
(قال ابن عباس: في كل لغو يخوضون).
قال ابن عباس: {الْغَاوُونَ} : الرواة، وقال الضحاك: هما اثنان تهاجيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحدهما أنصاري، وكان مع كل واحد منهما جماعة، وهم الغواة أي: السفهاء. وقال عكرمة: هم الذين يتبعون الشاعر. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: {الْغَاوُونَ} : الشياطين. وروي عنه: هم الذين يتبعون ويروون شعرهم
(2)
.
ونقل ابن بطال عن أهل التأويل -منهم ابن عباس وغيره- أنهم شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس، ومردة الشياطين وعصاة الجن، ويروون شعرهم؛ لأن الغاوي لا يتبع إلا غاويًا مثله. وقول ابن عباس:(في كل لغو يخوضون). وقيل: في كل واحد من القول يهيمون. قال أبو عبيدة: الهائم: المخالف للقصد في كل شيء
(3)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
انظر "تفسير الطبري" 9/ 488 - 489، "تفسير ابن أبي حاتم" 9/ 2831 - 2832.
(3)
"مجاز القرآن" ص 91.
(يمرحون)
(1)
ويمرقون ويسرعون بما ليس في الممدوح والمذموم.
وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [الشعراء: 227] قال ابن عباس: يعني: ابن رواحة وحسانًا. وقوله: {وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا} أي: في شعرهم، وقيل: في خلال كلامهم للناس، وقيل: لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله. {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} أي: ردوا على الكفار الذين كانوا يهجونه.
قال الطبري: ولا خلاف في أن حكم المستثنى مخالف لحكم المستثنى منه، فوضح أن المذموم من الشعراء غير الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم محمودون غير مذمومين
(2)
.
ثم ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن أبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً".
يعني: كلامًا نافعًا يمنع من الجهل والسفه، وينهى عنهما، وهو من أفراده، وعزاه إليه المزي في "أطرافه"
(3)
إلى الأدب
(4)
، وقد علمت أنه في كتاب البر والصلة، وأخرجه أيضًا أبو داود وابن ماجه من حديث يونس بن زيد، عن الزهري به
(5)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 321 - 322.
(3)
"تحفة الأشراف" 1/ 31 (59).
(4)
في هامش الأصل: تقدم الجواب عنه في أول كتاب البر والصلة فاعلمه.
(5)
أبو داود (5010)، وابن ماجه (3755).
ورواه إبراهيم بن سعد أيضًا عن الزهري به، وقال: عبد الله بن الأسود بن عبد يغوث
(1)
، قال غير واحد عن إبراهيم بن سعد كذلك. وهو معدود من أوهامه.
ورواه أبو عمر الحوضي، وأبو معمر الهذلي
(2)
، وعبد العزيز بن أبي سلمة العمري، عن إبراهيم بن سعد، فقالوا: عن عبد الرحمن بن الأسود على الصواب. وتابعهم يزيد بن هارون، إلا أنه أسقط مروان بن الحكم من إسناده
(3)
.
وكذلك رواه الوليد بن محمد الموقري عن الزهري
(4)
، وروي عن عبد الرحمن بن مهدي، عن إبراهيم بن سعد بالوجهين جميعًا، وذكر فيه مروان بن الحكم. ورواه معمر عن الزهري. واختلف عليه فيه فقال رباح بن زيد الصنعاني عن معمر كرواية الجماعة
(5)
. وقال علي بن بحر بن بري: عن هشام بن يوسف، عن معمر بإسناده عن عبد الله بن الأسود، كما هو المشهور عن إبراهيم بن سعد، وقال عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق
(6)
: عن معمر، عن الزهري عن عروة، عن مروان، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبي بن كعب
(7)
.
(1)
رواه أحمد 5/ 125.
(2)
رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على "المسند" 5/ 126.
(3)
رواه أحمد 1/ 125 عن يزيد بن هارون، به. وذكر فيه: مروان بن الحكم.
(4)
رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على "المسند" 5/ 126، ولم يذكر فيه مرواه بن الحكم.
(5)
رواه أحمد 5/ 125.
(6)
"جامع معمر" 11/ 263 (20499)، ومن طريقه رواه أحمد 5/ 125.
(7)
من قوله: قال غير واحد إلى قوله: أبي بن كعب قاله المزي في "تحفة الأشراف" 1/ 31 - 32.
الحديث الثاني:
حديث جندب رضي الله عنه: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ:
"هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ
…
وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ"
قد سلف أنه قول ابن رواحة تمثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. والأصبع يذكر ويؤنث، وفيها عشر لغات: تثليث الهمزة والباء والعاشرة أصبوع. واقتصر ابن التين على خمس منها.
الحديث الثالث:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ. وَكادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ".
يريد: أصدق قسم، "وما خلا": كلمة يستثنى بها وينصب ما بعدها و (يجر)
(1)
، وأما ما خلا أي: وما كان (فيه)
(2)
من ملائكة وكتب ورسل ونبيين واليوم الآخر والجنة والنار ليسوا بباطل، وهذا من اختصار العرب.
والقسم الثاني وهو: وكل نعيم لا محالة زائل، فعابه بعض الصحابة وقال: نعيم الآخرة لا ينفد.
(1)
ورد في هامش الأصل تعليق نصه: لعله خطأ، فإنه ينصب ما بعدها فقط.
قلت: يلزم النصب إذا تقدمت عليها -أي: على خلا- (ما) المصدرية، باعتباره مفعولًا به لفعل الاستثناء. أما إذا لم تتقدم (ما) المصدرية على (خلا - عدا - حاشا) فيجوز اعتبارها أفعالًا جامدة تنصب المستثنى، مفعولًا لها، ويجوز اعتبارها حروف جر والمستثنى مجرور بها. وانظر "النحو الوافي" 2/ 330.
(2)
في (ص 2): لله.
قال الداودي: والذي يدخل في هذا يدخل في القسم الأول كما تقدم. ومعناه: نعيم الدنيا. ولبيد: هو ابن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
قال أبو عمر: وهو شعر حسن، فيه ما يدل على أنه قاله في الإسلام، وهو قوله:
وكل امرئ يومًا سيعلم سعيه
…
إذا كشفت عند الإله المحاصل
وقد قال أكثر أهل الأخبار: إن لبيدًا لم يقل شعرًا منذ أسلم. وقال بعضهم: لم يقل في الإسلام إلا قوله:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي
…
حَتَّى اكتسيت من الإسلام سربالا
وهذا البيت لقردة بن نفاثة في أبيات. وقيل البيت الذي قاله:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه
…
والمرء يصلحه القرين الصالح
(1)
وقد ذكر ابن عساكر له مرثية في رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها ابن عساكر، ومديحًا فيه بيت في ديوانه من غير رواية ابن السكري.
وقال المبرد: كان شريفًا في الجاهلية والإسلام، وكان نذر ألا تهب الصبا إلا نحر وأطعم
(2)
، وهو من فحول الشعراء ومن المؤلفة أيضًا، عمَّر، مات بعد المائة، إما وأربعين أو سبع (وخمسين)
(3)
.
وقوله: "وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم" أي: لأن ألفاظه حكمة. ويقال إنه الذي نزل فيه {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف: 175] قاله عبد الله بن عمرو.
(1)
"الاستيعاب" 3/ 392 - 393.
(2)
"الكامل في اللغة والأدب" 2/ 71.
(3)
من (ص 2).
وقال ابن عباس: هو بلعام من بني إسرائيل.
وقال عكرمة: هو من كبار اليهود والنصارى لم يصح إسلامه
(1)
.
وروي أن أمية هذا رأته ابنتاه في المنام نسرين، كشطا سقف بيته فشق أحدهما عن قلبه، فقال له الآخر: أوعى؟ قال: وعى. (قال: أزكى؟ قال: أبى)
(2)
: فقال: ذَلِكَ خير أريد بأبيكما فلم يقبله
(3)
.
الحديث الرابع:
حديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ السالف في غزوة خيبر وفيه: اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا إلى آخره.
وقوله: (فرجع ذباب سيفه) أي: طرفه الذي يضرب به.
وقوله: (قال سلمة: فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحبًا)، الشاحب: المتغير اللون والجسم؛ لعارض من مرض أو سفر ونحوهما، وقد شحب يشحب شحوبًا فهو شاحب، ولا يصح أن يكون بالجيم كما قاله ابن التين.
قال الجوهري: شَجَبَ يشْجَب: إذا (حزن)
(4)
أو هلك، فهو شَجِب. وشَجَب يشْجُب بالضم هو شاجب. أي: هالك
(5)
، والمروي بالحاء المهملة.
(1)
انظر "تفسير عبد الرزاق" 1/ 227، "تفسير الطبري" 6/ 118 - 120، "معاني القرآن" للنحاس 3/ 105.
(2)
في الأصل: (قال: إن كان يا حموتاه) والمثبت من "تفسير عبد الرزاق".
(3)
رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 227 (959).
(4)
من (ص 2) وفي الأصل: حرى.
(5)
"الصحاح" 1/ 151.
الحديث الخامس:
حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ -وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ- فَقَالَ: "وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ". قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ: قَوْلُهُ: "سَوْقَا بِالْقَوَارِيرِ".
الشرح:
الشعر والرجز والحداء كسائر الكلام، فما كان فيه ذكر تعظيم الرب ووحدانيته وقدرته وإيثار طاعته وتصغير الدنيا والاستسلام له تعالى، كنحو ما أورده البخاري في الباب فهو حسن مرغب فيه، وهو الذي قال فيه عليه السلام:"إن من الشعر حكمة". وما كان منه كذبًا أو فحشًا فهو الذي ذمه الله ورسوله. وقال الشافعي: الشعر كلامه حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه
(1)
. قُلْتُ: وهو حديث مرفوع
(2)
، وسماع الحُداء ونشيد الأعراب لا بأس به؛ فإن الشارع قد سمعه وأقره ولم ينكره.
وهذا الباب رد على من نهى عن قليل الشعر وكثيره، واعتلوا بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا افتتح الصلاة يستعيذ من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه
(3)
، فسره عمرو بن مرة في رواية. فقال: نفثه: الشعر ونفخه: الكبر وهمزه الموت
(4)
. أي: الجنون، وبحديث أبي أمامة الباهلي أنه عليه السلام قال: لما أنزل إبليس إلى الأرض
(1)
"الأم" 6/ 212.
(2)
رواه البخاري في "الأدب المفرد" ص 301 (865) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً.
(3)
رواه أبو داود (764).
(4)
رواه ابن ماجه (807).
قال: يا رب اجعل لي قرآنًا، قال: الشعر .. وذكر الحديث
(1)
. وبحديث ابن لهيعة عن أبي قبيل قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: من قال ثلاثة أبيات من الشعر من تلقاء نفسه لم يدخل الفردوس.
قال الأعمش: تمثل مسروق بأول بيت شعر ثم سكت فقيل له: لم سكت؟ قال: أخاف أن أجد في صحيفتي شعرًا
(2)
. وقال ابن مسعود: الشعر مزامير الشيطان
(3)
. وكان الحسن لا ينشده
(4)
.
قال الطبري: وهذِه أخبار واهية، والصحيح في ذَلِكَ أنه عليه السلام كان يتمثل أحيانًا بالبيت فقال:"هل أنت إلا أصبع" إلى آخره. وقال: "أصدق كلمة قالها الشاعر". تمثل بأول البيت وترك آخره. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل من الشعر: ويأتيك بالأخبار من لم تزود
(5)
. وكان عامر بن الأكوع يحدو بالشعر بحضرته المشرفة. وقال: "من هذا السائق؟ " قالوا: عامر. فقال: "يرحمه الله".
وأمر حسان بن ثابت وغيرُه بهجاء المشركين، وأعلمهم أن (لهم على ذَلِكَ)
(6)
جزيل الأجر وقال: "هو أشد عليهم من نضح النبل"
(7)
.
(1)
رواه الطبراني 8/ 207 (7837)، وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 119: فيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 283 (26081)، وهناد في "الزهد" 2/ 542 (1120).
(3)
رواه هناد في "الزهد" 1/ 286 (497).
(4)
رواه عبد الرزاق في "جامع معمر" 11/ 264 - 265 (20503).
(5)
رواه الترمذي (2848)، وأحمد 6/ 156. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(6)
في الأصل: له على كلٍ. والمثبت من (ص 2).
(7)
ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 403، وروى الترمذي (2847)، والنسائي 5/ 202 - 203 من حديث أنس، أنه صلى الله عليه وسلم قاله لعبد الله بن رواحة، بلفظ:"فلهو أسرع فيهم من نضح النبل".
وذكر الطبري عن عمر وعلي وجلة الصحابة رضي الله عنهم أنهم أنشدوا الأشعار. وتمثل معاوية بالشعر
(1)
. وكان ابن أبي مليكة وعكرمة ينشدانه. وكان ابن أبي ملكية ينشد به والمؤذن يقيم. وعن ابن سيرين أنه كان ينشد الشعر الرقيق.
وقال معمر: سمعت الزهري وقتادة ينشدان الشعر. قال قتادة: وكان ابن مسعود ربما تمثل بالبيت من وقائع العرب
(2)
. قال شعبة: وكان قتادة ينشد الشعر فأقول له: أنشدك بيتًا وتحدثني بحديث
(3)
.
فصل:
وقول عامر: (فاغفر فداءً لك ما اقتفينا.). أي: اتبعنا من الصالحين. زعم بعض الغفلة أن قوله: فداء لك. تصحيف لا يجوز أن يقال ذَلِكَ لله، وليس كما ظن، والشعر صحيح. والمعنى: فاغفر ما اقتفينا أي: ما ارتكبنا من الذنوب. تقول العرب: قفوت الشيء قفوًا: اتبعت أثره. ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وقوله: (فداءً لك) دعاء منه ربه أن يفديه من عقابه على ما اقترف من ذنوب، فكأنه قال: اللهم اغفر لي وافدني منه فداءً لك أي: من عندك فلا تعاقبني. وقوله: (لك) يبين الفاعل للفداء المعني بالدعاء كما تقول في الدعاء: سقيا لك. فـ (لك) ههنا مذكور لتبين المعنى بالدعاء له، والمعنى سقاك الله، فكذلك قوله:(فداءً لك) معناه: افدنا من عقابك.
(1)
رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "المحتضرين"(73).
(2)
"جامع معمر" 11/ 256 (20503، 20504).
(3)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 7/ 154.
وقد ذكر البخاري في غزوة خيبر بلفظ (ما أبقينا)
(1)
أي: من الذنوب، أي: ما تركناه مكتوبًا علينا، ونحو ذَلِكَ. (فداءٌ لك) بالرفع والخفض أيضًا. فوجه الرفع: أن يكون خبر ابتداء مضمر أي: نحن فداءٌ لك كأنك قُلْتَ: نحن لتفدنا أو افدنا، كما تقول: نحن ارحمنا، وزيدًا ارحمه. ومن خفض فداءً شبهه بأمس، فبناه على الكسر كبناء الأصوات عليه نحو قولهم: قال: الغراب غاق والخيل طاق، وأنشد سيبويه:
مهلًا فداء لك الأقوام كلهم
(2)
.............................
وتقديره: اغفر افدنا.
فصل:
وقول الرجل
(3)
: (وجبت يا رسول الله). يعني: الجنة فهو من دعائه لعامر بالرحمة أنه يستشهد في تلك الغزاة، ويكون من أهل الجنة، كما فهم ابن عباس من قوله:{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا (2)} [النصر: 2] الآية حضور أجله عليه السلام، فلذلك قال الرجل: وجبت يا رسول الله، ثم قال: هلا أمتعتنا به. وقوله: (لولا أمتعتنا به). أي: هلا، ومعناه: التحضيض.
(1)
سلف برقم (4196) كتاب: المغازي.
(2)
وهو للنابغة الذبياني، وشطره الثاني: وما أثمر من مالإ ومن ولد. انظر: "ديوان النابغة".
(3)
ورد بهامش الأصل: الرجل هو عمر بن الخطاب كما صرح به مسلم في "صحيحه"[قلت: برقم (1807)].
فصل:
قوله ("إن له لأجرين، إنه لجاهد مجاهد") أي: جاد في الأجر مجتهد فيه مبالغ ومجاهد في سبيل الله، ويحتمل أن يكون لما أمات نفسه وقتلها في سبيله تفضل الله عليه بأن ضاعف أجره مرتين أو أخذ الأجرين لموته في سبيل الله. والآخر لما كان يحدو به القوم من شعره ويدعو الله في ثباتهم عند لقاء عدوهم وذلك تحضيض للمسلمين وتقوية لنفوسهم. وقد روي هذا المعنى مرفوعًا. روى معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أنزل في الشعر ما أنزل. قال: "إنَّ المؤمنَ يجاهدُ بنفسه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما تَرْمون به نضح النبل"
(1)
.
وتأويل سلمة ومن معه أن عامرًا حبط عمله؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] فحملوا الخطأ على العمد، قيل: ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92].
فصل:
قوله: (ألا تسمعنا من هنيهاتك). العرب تقول لكل شيء صغير: هنة، والهنوات من الكلام: ما صغر منها ولم يكن له كبير معنى، كما قال الشاعر:
......... على هنوات كلها تتابع
يريد: على صغار من الكلم المستحق بها القطيعة. والهنة: كل شيء صغير برز من عظم شيء أو بان منه. كزمعة ظلف الشاة، وحلمة الثدي
(1)
"جامع معمر" 11/ 263 (20500).
والضرع، ويجوز أن يقال: هنية وهنيهة.
قال الجوهري: في فلان هنات أي: خصلات شر
(1)
. وهنيهات: تصغير، كأنه قال له: أسمعنا من أشعارك وغنائك. وفي كتاب الدعاء: ألا أسمعتنا من هنياتك
(2)
. ويقال ذَلِكَ؛ للبرهة من الدهر أيضًا.
فصل:
وقوله عليه السلام: "يا أنجشة رويدك سوقًا بالقوارير" القوارير هنا: كناية عن النساء الذين على الإبل، أمره بالرفق في الحداء والإنشاد؛ لأن الحداء يحث الإبل حَتَّى تسرع السير، فإذا مشت الإبل رويدًا أمن على النساء السقوطُ.
وتشبيهه عليه السلام النساء بالقوارير من الاستعارة البديعة؛ لأن القوارير أسرع الأشياء تكسرًا، فأفادت الاستعارة ههنا من الحض على الرفق بالنساء في السير ما لم تفده الحقيقة؛ لأنه لو قال: ارفق في مشيك بهن أو ترسَّل، لم يفهم من ذَلِكَ أن التحفظ بالنساء كالتحفظ بالقوارير، كما فهم ذَلِكَ من الاستعارة؛ لتضمنها من المبالغة في الرفق ما لم تتضمنه الحقيقة.
فصل:
أنشجة: غلام أسود لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكروه في الصحابة، وهو من الأفراد، كان في سوقه عنف، فأمره أن يرفق بالمطايا يسوقها كما يسوق الدابة إذا حملت القوارير، قاله ابن التين. وليس كتأويل البخاري أنه كان
(1)
"الصحاح" 6/ 2537 مادة [هنو].
(2)
سيأتي برقم (6331) باب: قول الله تعالى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} بلفظ: (لو أسمعتنا).
يحدو. وسيأتي في باب: ويلك، أنه كان يحدو
(1)
. وقال في حديث بعد: وكان حسن الصوت
(2)
.
فصل:
القوارير: جمع قارورة من الزجاج. قال الهروي: شبههن بذلك؛ لضعف عزائمهن، والقوارير يسرع الكسر إليها. وكان أنجشة ينشد من القريض. والرجز ما فيه تشبب فلم يأمن أن يصيبهن أو يقع بقلوبهن حداؤه، فأمره بالكف؛ خوف ذَلِكَ
(3)
.
فصل:
قوله: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا). هذا ليس بشعر ولا رجز ولا موزون
(4)
، وقوله:(فاغفر فدى لك ما اقتفينا). صوابه فداء بالمد وكسر الفاء، وبه ينون على ما قبله، ومن قصر فدى فتح الفاء، ومنهم من يكسر
(5)
فداءٍ بالتنوين إذا جاور لام الجر خاصة تقول: فداء لك؛ لأنه نكرة يريدون به معنى الدعاء.
فصل:
قوله: ("قَلَّ عربي نشأ بها مثله") يعني عليها.
(1)
سيأتي برقم (6161).
(2)
سيأتي برقم (6211) باب: المعاريض.
(3)
"النهاية في غريب الحديث" 4/ 39.
(4)
هذا الكلام قاله ابن التين وتعقبه ابن حجر في "الفتح" 10/ 543 قائلاً: وليس كما قال، بل هو رجز موزون وإنما زيد في أوله سبب خفيف ويسمى الخزم بالمعجمتين اهـ، وقال العيثني في "عمدة القاري" 341: قوله: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا) إلى آخره. رجز.
(5)
ورد بهامش الأصل: وقد قدَّم شيئًا من ذلك.
وذكره ابن التين بلفظ: "نشأ بها". أي: كبر عليها؛ لأن النشأة البداءة، ثم ذكر (ما)
(1)
بدأنا رواية عن الداودي، وذكره في غزوة خيبر:"مشى"
(2)
من المشي.
فصل:
وقوله: "رويدك" أي: أمهل، وحركت الدال؛ لالتقاء الساكنين وتنصب نصب المصادر، وهو تصغير ترخيم من أرود يرود روادًا، وتقول: رويدك عمرًا، فالكاف للخطاب لا موضع لها من الإعراب؛ لأنها ليست باسم، و (رويد) غير مضافة إليها ومتعدٍّ إلى عمرو؛ لأنه اسم سمي به الفعل، فعمل عمل الأفعال، وتفسير رويدًا: مهلاً، وتفسير رويدك: أمهل؛ لأن الكاف إنما تدخله إذا كان بمعنى أفعل، قاله الجوهري
(3)
.
فصل:
وقوله: (لو تكلم بعضكم لعبتموها عليه). قال الداودي: إنما قاله لأهل العراق، لما فيهم من التكلف والزهو ومعارضة الحق بالباطل.
فصل:
قوله: (فتناول به يهوديًّا ليضربه). إلى آخره.
(فيه)
(4)
-كما قال أبو عبد الملك-: دليل على أن من لم يعرف قاتله لا يودى، كقول أهل العراق. واحتجوا بقوله: لا يفرجنا في الإسلام
(1)
مكررة بالأصل.
(2)
سيأتي برقم (4196) كتاب: المغازي.
(3)
"الصحاح" 2/ 479.
(4)
من (ص 2).
مفرجًا. أي: لا (يترك)
(1)
قتيل بلا دية، وإن لم يعرف قاتله وداه المسلمون، فهذا لم يده. والأصمعي يرويه: مفرحا. بالحاء، وينكر الجيم. وقيل: هما روايتان بالجيم معناه كما تقدم. وقال أبو عبيدة: وهو الذي إذا جنى أدى عنه بيت المال.
(1)
في هامش الأصل: كذا أضبطه يُترك. وكذا رأيته في "نهاية ابن الأثير".
91 - باب هِجَاءِ المُشْرِكِينَ
6150 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها -قَالَتِ اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«فَكَيْفَ بِنَسَبِي؟» . فَقَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ.
وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لَا تَسُبُّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3531 - مسلم: 2487، 2489 - فتح 10/ 546]
6151 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ الْهَيْثَمَ بْنَ أَبِي سِنَانٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي قَصَصِهِ يَذْكُرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ أَخًا لَكُمْ لَا يَقُولُ الرَّفَثَ» . يَعْنِي بِذَاكَ: ابْنَ رَوَاحَةَ. قَالَ:
فِينَا رَسُولُ اللهِ يَتْلُو كِتَابَهُ
…
إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا
…
بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ
…
إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْكَافِرِينَ الْمَضَاجِعُ
تَابَعَهُ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَالأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. [انظر: 1155 - فتح 10/ 546]
6152 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَيَقُولُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، نَشَدْتُكَ بِاللهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«يَا حَسَّانُ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ نَعَمْ. [انظر: 453 - مسلم: 2485 - فتح 10/ 546]
6153 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ البَرَاءِ
- رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ -أَوْ قَالَ: هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» . [انظر: 3213 - مسلم: 2483 - فتح 10/ 546]
ذكر فيه حديث هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هِجَاءِ المُشْرِكِينَ، فَقَالَ:"فَكَيْفَ بِنَسَبِي؟ ". فَقَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ.
وَعَنْ هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لَا تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وحديث الهَيْثَمِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي قَصَصِهِ يَذْكُرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ أَخًا لَكُمْ لَا يَقُولُ الرَّفَثَ". يَعْنِي بِذَاكَ: ابن رَوَاحَةَ. قَالَ: وفِينَا رَسُولُ اللهِ ..
إلى آخر الأبيات.
سلف في الصلاة في باب فضل من تعار بالليل، بذكر المتابعة.
وحديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ يقول: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، نَشَدْتُكَ باللهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"يَا حَسَّانُ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ؟ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ.
وحديث البراء أنه عليه السلام قال لحسان: "اهجهم -أو قال- هاجهم وجبريل معك".
الشرح:
الهجاء خلاف للمدح، يقال: هجوته هجوًا وهجاء، ولا تقول: هجيته. ولعله إنما أذن له بعد هجوهم إياه، فيكون ذَلِكَ جزاء لهجوهم، كما في الحديث الآخر: "اللهم إن فلانًا هجاني
فاهجه"
(1)
. أي: جاوبه، وهذا كقوله {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]؛ لأنه عليه السلام منزه عن البدء بالذم. والمهاجاة أن يجيب من هجاه. ومعنى: لأسلنك منهم: أخرجك نقيًّا من العيوب. وكان عليه السلام كذلك لم تمسه ولادة حرام من آدم إليه، وكان أعز قريش مجدًا وأشرفهم أبًا.
ومعنى (ينافح): يخاصم ويدافع، تقول العرب: نافحت عن فلان، ونفحت عنه: إذا خاصمت عنه، والمخاصمة، والمنافحة لا تكون إلا من اثنين؛ لأنها مفاعلة، وكل مفاعلة كذلك.
و"الرفث": الفحش من القول، تقول منه: رفث الرجل وأرفث.
وكان شعراء النبي صلى الله عليه وسلم: ابن رواحة، وحسان، وكعب بن مالك. وكان الذين يهجونه من قريش: عمرو بن العاصي، وعبد الله بن الزبعري، وأبو سفيان بن الحارث أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وابن عمه. قال الداودي: وفي حسان وصاحبيه نزلت: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء: 227] وسلف عن ابن عباس أنها نزلت في حسان وابن رواحة، وذكر أن المشركين لما هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما حق قوم نصروا رجلاً بأسيافهم إلا ينصروه بألسنتهم". فأتاه حسان وقد أخرج لسانه يضرب به أنفه وعلا لسانه فقال: والله لأفرينهم فري الأديم. فلما هجاهم، قال عليه السلام:"والذي نفسي بيده إنه لأشد عليهم من رشق النبل"
(2)
. وهجاه واحد، فقال عليه السلام:"إني لا أحسن الشعر، فالعنه بكل بيت لعنة"
(3)
.
(1)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 46/ 118.
(2)
رواه الطبراني 4/ 38 (3582)، والبيهقي في "السنن" 10/ 238.
(3)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 25/ 178.
فصل:
هجاء المشركين أهل الحرب وسبهم جائز بهذِه الأحاديث، وأنه لا حرمة لهم إذا سبوا المسلمين، والانتصار منهم بذمهم وذكر كفرهم، وقبيح أفعالهم من أفضل الأعمال عند الله؛ ألا ترى قوله لحسان:"اهجهم -أو هاجهم- وجبريل معك" وقوله: "اللهم أيده بروح القدس"؟ وكفى بذلك فضلاً وشرفًا للعمل والعامل به. فأما إذا لم يسب أهل الحرب المسلمين فلا وجه لسبهم؛ لأن الله تعالى قد أنزل على نبيه في قنوته على أهل الكفر: إن الله لم يبعثك لعَّانًا ولا سبابًا، وإنما بعثت رحمة، ولم يبعثك عذابًا، فترك سبهم، فإن قُلْت: فما دليلك أنه عليه السلام أمر حسانًا بهجاء المشركين لينتصر منهم لهجوهم المسلمين؟ قيل: قول عائشة رضي الله عنها: إنه كان ينافح عنه بقبضته كما سلف، ويبين ذَلِكَ قوله لأبي هريرة: نشدتك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يا حسان، أحب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"؟ قال: نعم.
فبان أن هجاء المشركين إنما كان مجازاة لهم على قبيح قولهم.
روى ابن وهب عن جرير بن حازم قال: سمعت ابن سيرين يقول: هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ثلاثة رهط من المشركين وقد سلف ذكرهم، فقال المهاجرون: يا رسول الله، ألا تأمر عليًّا أن يهجو عنا هؤلاء القوم؟ فقال:"ليس علي هنالك". ثم قال: "إذا القوم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم وأسلحتهم، فبألسنتهم أحق أن ينصروه" فقالت الأنصار: أرادنا. فأتوا حسان بن ثابت، فذكروا له ذَلِكَ، فأقبل حَتَّى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، ما أحب أن لي بقولي ما بين صنعاء وبصرى. فقال عليه السلام: "أنت لها
يا حسان" قال: يا رسول الله، لا علم لي بقريش. فقال عليه السلام لأبي بكر: "أخبره عنهم، ونقب له في مثالبهم" فهجاهم حسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك رضي الله عنه، وقد أسلفناه مختصرًا. ورواه معمر عن أيوب عن ابن سيرين وقال: العاصي بن وائل مكان عمرو بن العاصي
(1)
.
فصل:
قوله: ("فكيف بنسبي؟ ") قال المهلب: أراد كيف تهجوهم ونسبي المهذب الشريف فيهم؟ فربما مسني من الهجو نصيب. فقال: (لأسلنك منهم). أي: لأخلصنك من بينهم بالسلامة من الهجاء، أي: أَهْجُوهُم بما لا يقدح في نسبِهِمُ المَاسُ له عليه السلام، ولكن أهجوهم بسيئ (أعمالهم)
(2)
وما يخصهم عادة في أنفسهم ويبقي فيهم وَصْمَةً من الأخلاقِ والأفعالِ المذمومةِ التي طَهَّر الله نبيه عليه السلام منها ونَزَّهَهُ من عَيْبِهَا.
فصل:
وقوله في عبد الله بن رواحة: أنه لا يقول الرفث في شعره. حجة على أن ما كان من الشعر فيه ذكر الله والأعمال الصالحة، فهو حسن، وهو الذي قال فيه:"إن من الشعر حكمة" وليس من المذموم الذي قال فيه ما يأتي في الباب إثره
(3)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "جامع معمر" 11/ 264 (20502).
(2)
في (ص 2): أفعالهم.
(3)
انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 327.
92 - باب مَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِب عَلَى الإِنْسَانِ الشِّعْرُ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ
6154 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» . [فتح 10/ 548]
6155 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» . [مسلم: 2257 - فتح 10/ 548]
ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لأَنْ
يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا".
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا حتى يَرِيهَ خَيْرٌ له مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا".
الشرح:
القيح بفتح القاف: المدة لا يخالطها دم، وفسر الشعبي هذا الحديث بالشعر الذي هُجي به النبي صلى الله عليه وسلم ووهاه أبو عبيد والداودي؛ لأن شطر بيت من ذَلِكَ كفر والراوي أحد الشاتمين. قال أبو عبيد: والذي عندي أنه إذا غلب عليه وصده عن الذكر والقرآن. كما بوب عليه البخاري.
وقوله: (حَتَّى يريه) أي: يأكله. قال الأصمعي: هو من الوري على مثال الرمي، يقال فيه: رجل موري -غير مهموز مشدد- وهو أن يوري جوفه. وكذا قاله الأزهري. وقال أبو عبيد: الوري: هو أن يأكل القيح جوفه. وأنشد الأصمعي:
قالت له وَرْيًا إذا تنحنحا. أي: تدعو عليه بالوري
(1)
، وقال الجوهري: وَرى بالقيح جوفه وريًا. أي: أكله، والاسم: الوري بالتحريك.
قال الفراء: يقال سلط الله (عليه)
(2)
الوري وحمى خيبر
(3)
.
وقال ابن الأثير: هو من الورى: الداء، يقال: ورى يوري فهو موري: إذا أصاب جوفه الداء
(4)
. وقال الفراء: هو الورى بفتح الراء. وقال ثعلب: هو بالسكون المصدر، وبالفتح الاسم. وقال قوم: معناه حَتَّى يصيب رئته، وأنكره غيرهم؛ لأن الرئة مهموزة وإذا بنيت منه فعلًا قلت: رآه يرأه فهو مرئ، وقال الأزهري: إن الرِّئَة أصْلُها من ورى، وهي محذوفة منه تقول: وريت الرجل، فهو مَوْرِيُّ إذا أصَبْتَ رئتَهُ، والمشهور في الرئة الهمز
(5)
.
(1)
"معجم تهذيب اللغة" 4/ 3878، "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 31.
(2)
في (ص 2): عليك.
(3)
"الصحاح" 6/ 2522.
(4)
"النهاية في غريب الحديث" 5/ 178.
(5)
"النهاية" لابن الأثير 5/ 178.
93 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «تَرِبَتْ يَمِينُكَ» ، وَ «عَقْرى حَلْقَى»
6156 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ. فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ. قَالَ:«ائْذَنِي لَهُ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ» . قَالَ عُرْوَةُ: فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. [انظر: 2644 - مسلم: 1445 - فتح 10/ 550]
6157 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ 8/ 46 عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْفِرَ، فَرَأَى صَفِيَّةَ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً؛ لأَنَّهَا حَاضَتْ، فَقَالَ:«عَقْرَى حَلْقَى -لُغَةُ قُرَيْشٍ- إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا» ثُمَّ قَالَ: «أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟» . يَعْنِي: الطَّوَافَ- قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «فَانْفِرِي إِذًا» . [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح 10/ 550]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: في قصة أفلح. وفيه: "إنه عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ". وقد سلف.
وحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها في صفية لما حاضت: "عقرى حلقى" لغة قريش. وسلف في الحج. قال ابن السِّكِّيت: يقال تربت يداه؛ إذا افتقر
(1)
. ولم يدع عليه بذهاب ماله، وإنما أراد المثل ليرى المأمور بذلك الحد، وأنه وإن خالفه فقد أساء.
(1)
"إصلاح المنطق" ص 230.
وقال الأصمعي في قوله: "تربت يمينك" وتربت يداك: معناه (الاستحباب)
(1)
كما تقول: انج، ثكلتك أمك. وأنت لا تريد أن تثكل.
وقال أبو عمرو: أصابها التراب ولم يدع بالفقر عليها.
وقال أبو زيد: ترب إذا افتقر، وإنما أراد بهذا أي: في يده التراب.
قال النحاس: أي: ليس يحصل في يده غيره. ويقال: ترب الرجل: إذا افتقر، وأترب إذا استغنى. وقال ابن كيسان: المثل جرى على أنه إن فاتك ما أغريتك به افتقرت إليه يداك. فكأنه قال: تربت يداك إن فاتك. وهذا من الاختصار الذي عرف معناه.
وقال غيره: هي كلمة لا يراد بها الدعاء، وإنما تستعمل في المدح كما قالوا للشاعر إذا أجاد: قاتله الله، لقد أجاد. وكما قالوا:"ويل أُمّه مسعر حرب"
(2)
. وهو يتعجب منه ويمدحه، ولكنه دعا على أمه بالويل، وهو لا يريد الدعاء عليها من غضب، وهذا كلامهم، وهو مثل: تربت يمينك، والأظهر أنها كلمة جرت على ألسنتهم لا يريدون بها الدعاء كما سلف، وأبعد من قال: تربت: استغنت.
قال الداودي: هو خطأ، قال: ومعناه هنا: افتقرت من العلم.
واختلف أهل اللغة أيضًا في تأويل قوله: "عقرى حلقى"، فقال صاحب "العين": يقال للمرأة ذَلِكَ، أي: مشئومة، ويُقَالَ: هو دعاءٌ عليها، يريد: حلقها اللهُ وعقرها
(3)
.
(1)
في الأصل: الاستخبار. والمثبت هو المناسب للسياق.
(2)
قطعة من حديث سلف برقم (2731)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد.
(3)
"العين" 1/ 151 - 152.
وقال أبو عليِّ القالي: عقرى من العقر دعاء على الإنسان، وعقرًا أيضًا، وحلقى: من حلق الرأس وحلقًا أيضًا.
وقال ابن قتيبة: "عقرى حلقى" أي: عقرها الله وأصابها بوجع في حلقها
(1)
.
وقال أبو عبيد في "أمثاله": ومن الدعاء قولهم: (عقرى حلقى)
(2)
. وأهل الحديث يقولون: عقرى حلقى، وعقرًا حلقًا، وقال في "غريب الحديث": عقرى حلقى وعقرًا حلقًا
(3)
. وكذا ذكره القزاز بالتنوين مصدرين وعدمه، وعبارة ابن التين:"عقرى حلقى". أي: مشئومة مؤذية، معناه: عقرها الله وأصابها وجع في حلقها. وقال الأصمعي: يقال لما يتعجب منه ذَلِكَ. وقيل معناه: عقرك الله عقرًا، وحلقك كما يحلق الشعر. وقال
(4)
الداودي: (جرى ذَلِكَ على ألسنتهم)
(5)
.
فصل:
في الحديث الأول تحريم لبن الفحل وهو قول أكثر العلماء، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها لم تأخذ به.
وقوله: "فانفري" ظاهر أن طواف الوداع ليس بواجب عليها، ونقل ابن التين عن فقهاء الأمصار أن طواف الوداع مستحب.
(1)
"غريب الحديث" لابن قتيبة 1/ 457.
(2)
في (ص 2): عقرًا حلقًا.
(3)
"غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 258.
(4)
في هامش الأصل: لعله: قاله.
(5)
من (ص 2).
94 - باب مَا جَاءَ فِي زَعَمُوا
6158 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- أَنَّ أَبَا مُرَّةَ -مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ- أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:«مَنْ هَذِهِ؟» . فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ» . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غَسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» . قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى. [انظر: 280 - مسلم: 336 - فتح 10/ 551]
ذكر فيه حديث أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها. وفيه: زَعَمَ ابن أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ.
وقد سلف.
وزعم زُعمًا، وزَعْمًا، ذكر خبرًا لا يدري أحق هو أم باطل، وزعمت غير مزعم أي: قُلْتُ غير مقول، وادعيت ما لا يمكن.
ذكره صاحب "الأفعال"
(1)
(وكثر الزعم أيضًا بمعنى القول.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زعم جبريل"
(2)
.
وفي حديث ضمام بن ثعلبة: زعم رسولك
(3)
.
(1)
"الأفعال" ص 140.
(2)
رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 436 (1872).
(3)
رواه مسلم (12) كتاب: الإيمان، باب: السؤال عن أركان الإسلام، من حديث أنس، ولم يصرح فيه باسم ضمام بن ثعلبة، وقد سلف برقم (63) مصرحًا باسمه، دون موضع الشاهد.
وقد أكثر سيبويه في كتابه من قوله: زعم الخليل كذا في أشياء يرتضيها)
(1)
. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "زعموا بئس مطية الرجل" رواية وكيع، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي مسعود أو عن أبي عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
. ومعناه: أن من أكثر من الحديث مما لا يصح عنده ولا يعلم صدقه، لم يؤمن عليه الكذب. وفائدة حديث أم هانئ: أنه عليه السلام لم ينكر عليها هذِه اللفظة، ولا جعلها كاذبة بذكرها.
فصل:
وقوله: ("مرحبًا"): أي: أتيت سعة، وقد يزيدون فيه: وأهلاً، أي: أتيت سعة وأهلًا استأنس، ولا تستوحش، ورحب به إذا قال له: مرحبًا.
وقولها: (فصلى ثمان ركعات). صوابه: (ثماني) مثل: {ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] نبه عليه ابن التين، ولا يسلم له.
وقولها: (أجرته) أي: أمنته، ومنه قوله تعالى:{وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون: 88] أي: يؤمن من أخافه غيره، ومن أخافه هو لم يؤمنه أحد. ومعنى:"أجرنا من أجرت": أمنَّا من أَمَّنْتِ.
وفيه: أمان المرأة، خلافًا لعبد الملك، وعند أبي الفرج أن الإمام يكون مخيرًا فيمن أمنته المرأة. وقال ابن القاسم: معنى الحديث أن إجارتها (إجارة)
(3)
وأن تأمينها يلزم. وقال غيره: قد يكون ما كان من ذَلِكَ على وجه النظر ولا يلزم ذَلِكَ الإمام
(4)
.
(1)
ما بين القوسين من (ص 2).
(2)
رواه أبو داود (4972) عن ابن أبي شيبة، عن وكيع، به.
(3)
ساقطة من الأصل.
(4)
"المدونة الكبرى" 1/ 401.
وقيل: إنه تأويل ابن القاسم ونص ابن حبيب أن الإمام غير بين أن يوفي أمانه أو يرده إلى مأمنه
(1)
.
زاد غير ابن القاسم في "المدونة": إنما كان فعل أم هانئ بعدما برد القتال ونزل الأمان
(2)
.
قال في "النوادر" عن سحنون: إذا أمن رجل بعد توجبه الأسر والقتل لا يحل قتل المؤمن
(3)
. وعنه في كتاب ابنه: لا تقتل من أمنته، والإمام يرى رأيه فيه
(4)
. وقال محمد: يسقط عنه القتل. قيل: يريد ولا يسقط الرق. وذكر عن سحنون أيضًا أن للإمام رد مأمنته والمن عليه.
ووجهه أن حق المسلمين تعلق بهم فليس لأحد إبطاله، وقيل: كانت أم هانئ أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة
(5)
. والله أعلم.
(1)
"النوادر والزيادات" 3/ 78.
(2)
"المدونة الكبرى" 1/ 401.
(3)
"النوادر والزيادات" 3/ 76.
(4)
"النوادر والزيادات" 3/ 76 بنحوه.
(5)
ورد في هامش الأصل: القصة في "صحيح مسلم" في الفضائل أنه عليه السلام خطبها فذكرت عذرًا، فكيف يصح هذا الكلام الذي في الأصل، وقد أقره المؤلف عليه؟
95 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: وَيْلَكَ
6159 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ:«ارْكَبْهَا» . قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: «ارْكَبْهَا» .
قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: «ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ» . [انظر: 1690 - مسلم: 1323 - فتح 10/ 551]
6160 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ لَهُ:«ارْكَبْهَا» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ:«ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ» . فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ. [انظر: 1689 - مسلم: 1322 - فتح 10/ 551]
6161 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَأَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، وَكَانَ مَعَهُ غُلَامٌ لَهُ أَسْوَدُ، يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، يَحْدُو، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ» . [انظر: 6149 - مسلم: 2323 - فتح 10/ 552]
6162 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَثْنَى رَجُلٌ على رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ -ثَلَاثًا- مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلَانًا -وَاللهُ حَسِيبُهُ- وَلَا أُزَكِّى على اللهِ أَحَدًا. إِنْ كَانَ يَعْلَمُ» . [انظر: 2662 - مسلم: 3000 - فتح 10/ 552]
6163 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قِسْمًا، فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ -رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ- يَا رَسُولَ اللهِ، اعْدِلْ. قَالَ:«وَيْلَكَ، مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟» . فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: «لَا، إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ
شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْىِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَشْهَدُ أَنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ حِينَ قَاتَلَهُمْ، فَالْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى، فَأُتِيَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3344 - مسلم: 1064 - فتح 10/ 552]
6164 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكْتُ. قَالَ: «وَيْحَكَ» . قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً» . قَالَ: مَا أَجِدُهَا. قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» . قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» . قَالَ: مَا أَجِدُ. فَأُتِيَ بِعَرَقٍ، فَقَالَ:«خُذْهُ فَتَصَدَّقْ بِهِ» . فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعَلَى غَيْرِ أَهْلِي؟! فَوَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَيِ الْمَدِينَةِ أَحْوَجُ مِنِّي. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ:«خُذْهُ» .
تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:"وَيْلَكَ". [انظر: 1936 - مسلم: 1111 - فتح 10/ 552]
6165 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الهِجْرَةِ. فَقَالَ:«وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَهَلْ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا؟» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا» . [انظر: 1452 - مسلم: 1865 - فتح 10/ 553]
6166 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
قَالَ: «وَيْلَكُمْ -أَوْ وَيْحَكُمْ، قَالَ شُعْبَةُ: شَكَّ هُوَ- لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» . وَقَالَ النَّضْرُ، عَنْ شُعْبَةَ "وَيْحَكُمْ". وَقَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ:"وَيْلَكُمْ" أَوْ "وَيْحَكُمْ". [انظر: 1742 - مسلم: 66 - فتح 10/ 553]
6167 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ:«وَيْلَكَ، وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» . قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ: «إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ؟. قَالَ: «نَعَمْ» . فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحًا شَدِيدًا، فَمَرَّ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ -وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي- فَقَالَ:«إِنْ أُخِّرَ هَذَا فَلَنْ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» . وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3688 - مسلم: 2639، 2953 - فتح 10/ 553]
ذكرها في عدة أحاديث:
حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: "ارْكبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: "ارْكبْهَا، وَيْلَكَ".
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مثله.
وحديث أَنَسٍ أيضًا رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم كان فِي سَفَرٍ، وَكَانَ مَعَهُ غُلَامٌ أَسْوَدُ، يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَقَالَ:"وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ".
وحديث أَبِي بَكْرَةَ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ: "وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ -ثَلَاثًا-" الحديث.
وحديث (أَبِي)
(1)
سَلَمَةَ وَالضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: بَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قِسْمًا، وفيه:"وَيْلَكَ، مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟! ".
(1)
ليست في الأصل والسياق يقتضيها.
والضحاك: هو ابن شراحيل -ويقال: ابن شرحبيل- الهمداني المِشرَقي أبو سعيد، ومشرق -بكسر الميم وفتح الراء وبالقاف- بطن من همدان، وهو مشرق بن زيد بن جشم بن حاشد بن خيوان بن نوف بن همدان.
والرصاف المذكور فيه: بكسر الراء وحُكي ضمها، عقب يلوى على مدخل النصل فيه. وعبارة ابن التين أنه (القدر)
(1)
الذي يركب عليه الريش. وقال الداودي: هو ما دون الحديد من العود.
والنضي: ما بين الريش والنصل، سمي بذلك؛ لكثرة البري والنحت. وعن (ابن عمر)
(2)
أنه نصل السهم. قال (ابن التين)
(3)
: والذي قرأناه بفتح النون. وقال الشيخ أبو الحسن: الذي أعرفه بضمها. وقال القزاز: هو عود السهم. قيل يراش وينصل. قال: ويسمى بذلك بعد عمله.
والقذذ: ريش السهم واحدتها قذة، والفُوق: موضع الوتر، والقِدح: الخشب وحده، والسهم اسم لجميع ذَلِكَ.
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، في حديث المجامع في رمضان، فقال:"ويحك ما صنعت" تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:"وَيْلَكَ".
وحديث أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الهِجْرَةِ. فَقَالَ:"وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَ الهِجْرَةِ شَدِيدٌ .. " الحديث.
(1)
في (ص 2): (العقب).
(2)
في هامش الأصل: لعل صوابه: أبي عمرو.
(3)
من (ص 2).
وشيخ البخاري فيه سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى بن ميمون أبو أيوب القرشي الدمشقي، يعرف بابن بنت شرحبيل.
روى عنه أبو داود أيضًا.
وروى البخاري أيضًا والترمذي والنسائي وابن ماجه عن رجل عنه، مات سنة ثلاثين ومائتين أو اثنتين أو ثلاث أو أربع وثلاثين.
وقوله: (وقال: عبد الرحمن بن خالد). ذكره الدارقطني في "الأفراد" من حديث محمد بن شرحبيل الصنعاني عنه.
وحديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَيْلَكُمْ -أَوْ وَيْحَكُمْ قَالَ شُعْبَةُ: شَكَّ هُوَ- لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".
وَقَالَ النَّضْرُ، عَنْ شُعْبَةَ:"وَيْحَكُمْ".
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ:"وَيْلَكُمْ" أَوْ "وَيْحَكُمْ".
وحديث هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ أَتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ: "وَيْلَكَ، وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ " .. الحديث.
اخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قُلْتُ: ورواه الدارقطني في "أفراده" من حديث عبد الله بن هشام بن حسان، عن أبيه، عن قتادة، عنه، وقال: غريب من حديث عبد الله، عن أبيه، تفرد به عمر بن شبة عنه.
وقوله في حديث همام: (فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني)، فقال: إن أُخِّر هذا فلن يدركه الهرم حَتَّى تقوم الساعة.
قال الإسماعيلي: يعني الإبلاغ في القرب لا تحديد قيامها، كما
قال: "بعثت في نفس الساعة"
(1)
. وقال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللهِ} [النحل: 1] فأحله محل ما قد أتى في اللفظ، وكُلُّ ما هو آتٍ قريب.
وما ذكره من الأحاديث دال لما ترجم له، قال سيبويه: ويلك: كلمة تقال لمن وقع في هلكة. (وويحك)
(2)
: ترحم بمعنى ويل، وكذا قال الأصمعي وزاد: وويس تصغيرها. أي: أنها دونها، وقيل: هما بمعنى. وقال بعض أهل اللغة: ولا يراد بها الدعاء بإيقاع الهلكة لمن خوطب بها، وإنما يراد بها المدح والتعجب، كما تقول العرب:"ويل أمه مِسْعَرُ حَرْبٍ"
(3)
. على عادتها في نقلها الألفاظ الموضوعة في بابها. إلى غيره كما سلف في: انج ثكلتك أمك، وتربت يداك.
وروى يحيى بن معين: ثَنَا معتمر بن سليمان قال: قال لي (أبي)
(4)
: أنت حدثتني عنيّ، عن عبد الله بن عمر، أن عمر قال: ويح كلمة رحمة.
قال الخليل: لم يسمع على بابه إلا ويح، وويس، وويل، وويه
(5)
وويب (. . .)
(6)
.
قال الداودي: ويح وويل وويس كلمات متقاربة تقولها العرب عند الذم. قال: والويح مأخوذ من الحزن. كذا قال، وهو الحزن فكأنه أخذه من باب أن الدعاء بالويل لا يكون إلا عنده، وقال: والويس من (الأسى)
(7)
، وهو الحزن. كذا قال، لكن الأصل مختلف.
(1)
رواه الترمذي (2213)، والطبراني 20/ 308 (732).
(2)
في (ص 2): (ويلك).
(3)
قطعة من حديث سبق تخريجه.
(4)
من (ص 2).
(5)
"العين" 3/ 319، وليس فيه لفظة (ويب).
(6)
كلمة غير واضحة بالأصول.
(7)
في (ص 2): (الأيس).
فصل:
والبدنة: ناقة أو بقرة سميت بذلك؛ لسمنها، تقول منه: بدن الرجل بفتح الدال وضمها إذا ضخم.
وقال الداودي: البدنة ذكر أو أنثى من الإبل وإنما قال له: "اركبها"؛ لأنه أعيا واختلف إذا استراح هل ينزل؟ بين مالك وغيره.
فصل:
وقوله: "ويلك قطعت عنق أخيك" يعني: بإطرائك إياه ومدحك، وقد تفسد عليه دينه.
وقوله: "لا محالة". هو بفتح الميم أي: لا بد منه.
وقوله: "والله حسيبه" أي: أعلم بحقيقة أمره.
فصل:
وقوله: (فقال عمر: ائذن لي فلأضرب عنقه). كان منافقًا، وكان عليه السلام لا يقتلهم؛ لئلا يتحدث أنه يقتل أصحابه.
وقوله: "إن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته" إلى آخره: هم الذين قاتلوا عليًّا رضي الله عنه، ووصفهم عليه السلام بالآيات التي وجدت، وهذِه الطائفة حكّمت أهواءها، وخالفت الإجماع، وتعلقت بظاهر الكتاب على زعمها، ونبذت القرآن في الذي أمرهم الله به، وأجمعت الصحابة على صحته فقالت: لا حكم إلا لله والرسول. فقال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل
(1)
. وناظرهم في ذَلِكَ ابن عباس فقال: إن الله قد حكم بين الزوجين، وفي جزاء الصيد؛ فبأن يحكم بين طائفتين من المسلمين لحقن دمائهم أولى.
(1)
رواه مسلم (1066/ 157) كتاب: الزكاة، باب: التحريض على قتل الخوارج.
ووافق الخوارج في هذِه المقالة أهل الظاهر، واقتفوا آثارهم فضللوا السلف في القول والرأي والقياس، ومن أقوالهم -أعني الخوارج- الخارجة عن الدين: تيممهم مع وجود الماء، ويخادع الله ويسأل عنه، ويأخذ الغني الزكاة، ويتأول {وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38] ويقصرون في الحضر، ويسمون المسلمين فساقًا، ويقولون بخلق القرآن، ونفي النظر إلى الله، ويشتمون السلف الصالح.
وقد اختلف في أحكامهم: فروي عن مالك فيمن قال بخلق القرآن: فهو كافر، وقيل: لا. وهو ظاهر مذهب الفقهاء؛ لأنهم ورثوا بينهم وبين المسلمين.
وفي "المدونة": لا يصلى عليهم
(1)
. وقال سحنون: أدبا لهم فإذا ضاعوا صلي عليهم
(2)
. وفيها أيضًا: فيستتابوا، فإن تابوا وإلا قتلوا. وقيل: يضربون و (يسجنون)
(3)
ولا يقتلون إلا أن يسبوا بدارهم ويدعوا إلى بدعتهم وإذا تابوا وقد قتلوا وأخذوا الأموال ووطئوا النساء لم يقتلوا وأخذ ما وجد من الأموال، ولم يغرموا ما (انتهكوا)
(4)
من المال ولا يحدون في وطء النساء؛ لأنهم متأولون، وانفرد أصبغ فقال: يقتل من قتل إن طلب ذَلِكَ وليه، كاللص يتوب قبل أن يقدر عليه.
فصل:
قوله: ("يمرقون من الدِّين كمروق السَّهمِ") قيل: بهذا سموا مارقة. واحتج به من قال بتكفيرهم.
(1)
"المدونة" 1/ 408.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 613.
(3)
في الأصل: يستحيون.
(4)
في (ص 2): استهلكوا.
و"الرمية": بمعنى مرمية، وهو ما ينصب ليرمى عليه النبل، والنصل: حديد السهم، والنضي: سلف أنه بكسر
(1)
النون وضمها وحكاهما في "غريب المدونة" أيضًا وأنه العود الذي عند أصل الأنبوب.
وقال الداودي: هو ما قارب الريش من العود، والقذذ دونه من الريش.
قال ابن التين: والذي ذكره أهل اللغة أن القذذ: الريش، واحدها قذة.
وقوله: ("فلا يوجد فيه شيء"). أي: ينظر ما يعلى بالريش من الدم فلا يوجد له فيه أثر.
وقوله فيه: ("سبق الفرث والدم"). والفرث: ما تجمع في الكرش، وقيل: إنما يقال له: فرث ما دام في الكرش، قاله الجوهري
(2)
والقزاز.
وقوله: ("يخرجون على حين فرقة") أي: وقت افتراق. قال ابن التين: هكذا رويناه، وروي:"على خير فرقة من الناس"
(3)
. ومعنى الأول: ما كان يوم صفين بين الصحابة.
وقوله: ("يخرجون"). سموا خوارج.
و"البضعة": القطعة من اللحم، قال الجوهري بالفتح وأخواتها بالكسر مثل:(القطعة والقلذة)
(4)
، وغيرها مما لا يحصى
(5)
.
(1)
في هامش الأصل: لعله بفتح النون، ولا أعرف فيه الكسر.
(2)
"الصحاح" 1/ 289، مادة [فرث].
(3)
هي رواية الكشميهني كما في "الفتح" 10/ 554، وعزاها في "اليونينية" 8/ 38 لأبي ذر، والكشميهني.
(4)
في (ص 2): (القلعة والقلدة).
(5)
"الصحاح" 3/ 1186، مادة:[بضع].
وقوله: ("تدردر") أصله: تتدردر، فحذف إحدى التائين؛ استخفافًا، ومعناه: ينفتح ويدر كما يدر ضرع الشاة، وقيل: يتحرك ويضطرب، والمعنى متقارب.
فصل:
وكفارة المجامع في رمضان عندنا مرتبة
(1)
وفاقًا لابن حبيب
(2)
، وقال مالك مخيرة
(3)
: استحب البداءة بالإطعام.
وقال ابن التين: ومذهبه أن الكفارة بالطعام، ولا يعرف العتق ولا الصيام.
ولم يذكر في "الموطأ": ("ما أجد")
(4)
. دليل أنه من قول (أبي هريرة)
(5)
. وقال أبو مصعب: إن أكل أو شرب كفر بالإطعام، وإنما العتق والصيام عن الجماع، وقال أشهب بالتخيير
(6)
.
وقوله: (ما بين طُنُبي المدينة أحوج منى). ضبط بفتح الطاء والنون في بعض رواية الشيخ أبي الحسن، وبضمهما في رواية أبي ذر.
قال ابن التين: والذي قرأناه بضم الطاء وإسكان النون، والأصل ضم النون، وكذلك في اللغة، وهو جبل الخباء، وأراد بذلك جانبيها وناحيتيها.
(1)
انظر: "المجموع" 6/ 366.
(2)
انظر: "المنتقى" 2/ 54.
(3)
"المنتقى" 2/ 52، "بداية المجتهد" 2/ 593.
(4)
في الأصول: (فإن تجد)، والمثبت هو الموافق لما جاء في الحديث، وانظر "الموطأ" ص 198.
(5)
في الأصل: الزهري.
(6)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 52.
فصل:
وقوله: ("ويحك إن شأن الهجرة شديد") قيل: كان هذا قبل الفتح فيمن أسلم من غير أهل مكة، كان عليه السلام يحذره شدة الهجرة ومفارقة الأهل والوطن، وكانت هجرته وصوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} الآية [التوبة: 122].
وقوله: ("فاعمل من وراء البحار") فيه دلالة على أنها (غير)
(1)
واجبة عليها، وأنها كانت على أهل مكة.
وقوله: ("لن يترك من عملك شيئًا") أي: لن ينقصك، وأصله يوترك، فحذفت الواو؛ لوقوعها بين ياء وكسرة قال تعالى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]
وقوله: (قال: "فهل تؤدي صدقتها؟ ") لم يسأله عن غيرها من الأعمال الواجبة عليه؛ لأن النفوس -والله أعلم- حرصها على المال أشد من حرصها على الأعمال البدنية، فإذا كان يبذل المال ويخرجه لمستحقه ويؤديه طيبة بها نفسه، فهو على الأعمال البدنية أحرص على عملها.
فصل:
قوله: ("لا ترجعوا بعدي كفارًا") قد سلف أنه الستر أو تكفير الناس، كفعل الخوارج إذا استعرضوا الناس، وقيل: هم أهل الردة قتلهم الصديق رضي الله عنه. وقالت الخوارج ومن نحى نحوهم: هو الكفر بفعلهم كما يكفرون بالزنا والقتل ونحوهما من الكبائر. وقيل: أراد إذا فعله كل واحد مستحلًّا لقتل صاحبه فهو كافر.
(1)
من (ص 2).
فصل:
قوله: (فمر غلام وكان من أقراني) أي: من أمثالي في السن، قال أهل اللغة: -بفتح القاف- مثلك في السن، فتقول: هو على قرني أي: على سنين. والقِرن -بالكسر-: مثلك في الشجاعة فانظر كيف يصح هنا قوله: (من أقراني)؟ وفَعْل كضَرْب إذا كان صحيحًا ساكن العين مفتوح الأول لا يجمع على أفعال إلا شيئًا قليلاً لم يعد هذا فيها.
وقوله: ("إن أُخِّرَ هذا لم يدركه الهرم") هو كبر السن ("حَتَّى تقوم الساعة") قال الداودي: ليس هذا بمحفوظ إذ المحفوظ أنه قال للذين خاطبهم: "تأتيكم ساعتكم"
(1)
: يعني: موتكم. وكانوا أعرابًا خشي أن يقول لهم: ما أدري متى الساعة، فيرتابوا، فكلمهم بالمعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب.
فصل:
وقوله: (متى الساعة؟) كان سؤال الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقتها على وجهين: أحدهما: على معنى التكذيب لها، والآخر: على معنى التصديق لها والشفقة منها، فلما قال البدوي:(متى الساعة؟) امتحنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مستبرمًا حاله؛ ليعلم من أي الحالين هو، فلما أظهر له إيمانه بالله وتصديقه برسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"أنت مع من أحببت" فألحقه بحسن النية - (من غير زيادة عمل- بأصحاب)
(2)
الأعمال الصالحة، قاله الخطابي
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (6511) كتاب: الرقائق، باب: سكرات الموت، من حديث عائشة، ورواه مسلم (2952) كتاب: الفتن، باب: قرب الساعة.
(2)
في الأصل: (غير زيادة لأصحاب) والمثبت من "أعلام الحديث".
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2206 - 2207.
وقال الداودي: يحتمل أن يريد أنه معهم في الجنة، وبعضهم فوق بعض؛ لأن من أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحق درجته ولا يقاربها.
96 - باب (علامات الحب في الله)
(1)
عز وجل
-
لِقَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران: 31].
6168 -
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» . [6169 - مسلم: 2640 - فتح 10/ 557]
6169 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» .
تَابَعَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ وَأَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 6168 - مسلم: 2640 - فتح 10/ 557]
6170 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» . تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ. [مسلم: 2641 - فتح 10/ 551]
6171 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: مَتَّى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» . قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ:«أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . [انظر: 3688 - مسلم: 2639 - فتح 10/ 557]
وذكر فيه حديث أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ".
(1)
كذا بالأصل وفي "اليونينية" 8/ 40: (علامة حب الله) وبهامشها: (علامة الحب في الله.
وحَدَّثنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ:"الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". تَابَعَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ وَأَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ساق من حديث أَبُي نُعَيْمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ ولا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ.
ثم ساق حديث أَنَسِ رضي الله عنه: أَن رَجُلًا سَأَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث سلف في الباب قبله، (ويأتي في الأحكام
(1)
، وأخرجه مسلم أيضًا)
(2)
.
وقوله: (تابعه جرير)
(3)
. إلى آخره يدل أن جريرًا الأول هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي. ومتابعة سليمان أخرجها مسلم من حديث أبي الجواب الأحوص بن جواب، عنه، وليس له في "صحيحه" سواه. ومتابعة أبي معاوية
(4)
أخرجها ابن ماجه، عن ابن نمير، عنه بمعناه
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (7153) باب: القضاء والفتيا في الطريق.
(2)
من (ص 2).
(3)
في هامش الأصل تعليق نصه: صرح المزي في "أطرافه" بأنه ابن عبد الحميد، وظاهر كلامه أنه كذلك وقع في الرواية، والله أعلم.
(4)
في هامش الأصل تعليق نصه: متابعته إنما أخرجها مسلم عن أبي بكر وأبي كريب، عن أبي معاوية، وعن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبي معاوية.
(5)
لم أجدها عند ابن ماجه، وإنما رواها مسلم (2641) كما سبق في هامش الأصل، وانظر:"تحفة الأشراف" 6/ 418 - 419 (9002).
ومعنى: (ولما يلحق بهم): يريد في العمل والمنزلة، ولا شك أن علامة حب الله: حب رسوله واتباع سبيله والاقتداء بسنته؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران: 31] وقوله عليه السلام: "المرء مع من أحب". فدل هذا أن من أحب عبدًا في الله فإن الله عز وجل جامع بينه وبينه في جنته ومُدْخِلُه مُدخَله، وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله:(ولما يلحق بهم) كما سلف وبيان هذا المعنى -والله أعلم- أنه لما كان المحب للصالحين إنما أحبهم من أجل طاعتهم لله تعالى، وكانت المحبة عملًا من أعمال القلوب، واعتقادًا لها أثاب الله سبحانه معتقد ذَلِكَ ثواب الصالحين؛ إذ النية هي الأصل، والعمل تابع لها، والله يؤتي فضله من يشاء.
97 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: اخْسَأْ
6172 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاِبْنِ صَائِدٍ: «قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا، فَمَا هُوَ؟» . قَالَ: الدُّخُّ. قَالَ: «اخْسَأْ» . [فتح 10/ 560]
6173 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فِي أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ -وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ- فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ:«أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟» . فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَرَضَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: «آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ» . ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ: «مَاذَا تَرَى؟» . قَالَ يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ» . قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا» . قَالَ: هُوَ الدُّخُّ.
قَالَ «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» . قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ؟. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ يَكُنْ هُوَ لَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ» . [انظر: 1354 - مسلم: 2930 - فتح 10/ 560]
6174 -
قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَاريُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، طَفِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهْوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّاد: أَيْ صَافِ -وَهْوَ اسْمُهُ- هَذَا مُحَمَّدٌ. فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ» . [انظر: 1355 - مسلم: 2931 - فتح 10/ 561]
6175 -
قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ
بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ:«إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» . [انظر: 3057 - مسلم: 169 (سيأتي بعد حديث 2931) - فتح 10/ 561]
ذكر فيه حديث ابن صياد من طريق ابن عباس وابن عمر رضي الله عنه فقال: حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، ثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، قال: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاِبْنِ صَائِدٍ: "قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا، فَمَا هُوَ؟ ". قَالَ: الدُّخُّ. قَالَ: "اخْسَأْ".
ثم ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه السلام قال لابن صياد: "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ .. " الحديث بطوله.
و ("اخسأ"): زجر للكلب وإبعاد له وطرد، يقال: خسأت الكلب: طردته. وخسئ الكلب بنفسه، يتعدى ولا يتعدى. هذا أصل هذِه الكلمة عند العرب، ثم استعملت في كل من قال أو فعل ما لا ينبغي له، مما يسخط الله تعالى.
قال صاحب "الأفعال": يقال: خسأت الكلب فخسأ أي: زجرته فبعد
(1)
.
وفي القرآن: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] أي: مبعدين وقال تعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)} [المؤمنون: 108] أي: ابعدوا بعد الكلاب ولا تكلمون في رفع العذاب عنكم؛ فكل من عصى الله تعالى سقطت حرمته، ووجب خطابه بالغلظة والشدة والذم له؛ لينزع عن مذهبه؛ ويرجع عن قبيح فعله.
(1)
"الأفعال" ص 205.
فصل:
قوله: (ثم قال ابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ (فرضه)
(1)
رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال ابن بطال: من رواه بالضاد فمعناه: دفعه حَتَّى وقع، فتكسر، يقال: رض الشيء فهو رضيض ومرضوض إذا انكسر، ومن رواه بالصاد فمعناه: رصه حتى دخل بعضه في بعض، يقال: رص البنيان، والقوم في الحرب رصًّا إذا قرب بعضها إلى بعض وقربها، ومنه قوله تعالى:{كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]
(2)
.
وعبارة ابن التين: فرضه: رفضه.
وقال الخطابي: وقع هنا بضاد معجمة، وهو غلط، والصواب بالصاد أي قبض عليه بيده، يضم بعضه إلى بعض
(3)
.
وقيل معنى المعجمة: دفعه.
فصل:
فيه أن الله لم يطلع نبيه على الدجال متى يخرج في أمته، وأخفى عنه ذَلِكَ لما هو أعلم به، فلا علم لنبي مرسل ولا ملك مقرب إلا بما أعلمه الله به، ولذلك قالت الملائكة:{لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32].
فصل:
قوله: ("خبأت لك خبيئًا"). على وزن فعيل، وهو ماضٍ، وكذلك الخبأ.
(1)
في الأصل: فرفضه والمثبت هو الذي يقتضيه السياق.
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 334.
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2208.
فصل:
والرهط: دون العشرة، وليس معهم امرأة، والأطم يثقل ويخفف، والجمع: آطام، وهي قصور لأهل المدينة، وقال الداودي: هو القصر والمكان المرتفع.
وقوله: (ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده). قال الداودي: يحتمل أن يريد ليخرج الله ما يسر على لسانه.
فصل:
وقوله: (هو الدخ) قال الداودي: كان عليه السلام خبأ له سورة الدخان في يده مكتوبة، فأصاب بعض الكلمة، وهذا كأنه من استراق الجن السمع، فيلقون ذَلِكَ إلى الكاهن، فيكذب ويخلط معها. قال: وهو معنى قوله: "خلط عليك". قال القزاز: الدخ: الدخان وكذا قاله ابن فارس
(1)
، وقال الجوهري: الدخ بالضم لغة في الدخان
(2)
.
فصل:
قوله: ("إن يكن هو لا سبيل لك عليه") يعني: الدجال الذي يزعم أنه رب فلم يسلط عليه؛ لأن له أعمالًا وقد يبلغها.
وقوله: ("وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله") فلأنه يومئذ صغير ليس من أهل التكليف ويرجى إسلامه، وقيل: إنه أسلم
(3)
، قاله الداودي، (وأورده ابن شاهين في الصحابة وقال: هو عبد الله بن
(1)
"مجمل اللغة" 1/ 321. مادة [دخخ].
(2)
"الصحاح" 1/ 420، مادة [دخخ].
(3)
في هامش الأصل ما نصه: أسلم لا شك، وقد عده بعضهم في الصحابة كابن شاهين، فقال: أبوه يهوديًّا، فولد هذا أعور مختونًا، وهو الذي قيل: إنه الدجال، ثم أسلم فهو تابعي له رؤية.
صائد، كان أبوه يهوديًّا فولد عبد الله أعور مختونًا. وقيل: إنه الدجال ثم أسلم، فهو تابعي، له رؤية. وقال أبو سعيد الخدري: صحبني ابن صياد إلى مكة، فقال: لقد هممت أن آخذ حبلًا فأوثقه إلى شجرة، ثم أختنق مما يقول الناس فيَّ. وذكر الحديث وهو في مسلم)
(1)
(2)
.
فصل:
وقوله: (يؤمان النخل). أي: يقصدانها، يقال: أمه وأممه وتأممه أي: قصده.
وقوله: (وهو يختل) أي: يختال، قاله الداودي، وقال أهل اللغة: الختل: الخدع.
وقوله: (في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة). قال الداودي: شك المحدث أيهما قال، وهو الصوت الذي لا يفهم كالهينمة، وفي "الصحاح": رمرم إذا حرك فاه بالكلام
(3)
. وقال في باب الزاي: الزمزمة: صوت الرعد، عن أبي زيد. والزمزمة: كلام المجوس عند أكلهم
(4)
. قال الداودي: ويروى: زمزة ورمرة. وكان يستلقي على ظهره ويسجي تشبهًا بفعله عليه السلام.
وفي الحديث: أن الله تعالى لم يعلم نبيه: متى يخرج الدجال في أمته؟ وأخفى عنه ذاك؛ لما هو أعلم به.
(1)
مسلم (2927/ 91)، كتاب: الفتن، باب: ذكر ابن صياد، من حديث أبي سعيد.
(2)
من (ص 2).
(3)
"الصحاح" 5/ 1937، مادة:[رمم].
(4)
"الصحاح" 5/ 1945، مادة:[زمم].
98 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ مَرْحَبًا
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (لِفَاطِمَةَ عليها السلام
(1)
: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي". وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ" وقد سلفا.
6176 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى» . فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مُضَرُ، وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا. فَقَالَ:«أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ: أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَعْطُوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ» . [انظر: 53 - مسلم: 17 - فتح 10/ 562].
ثم ساق حديث أَبي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ الذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى" الحديث.
وأبو التياح: اسمه يزيد بن حميد الضبعي أبو حماد -من أنفسهم- البصري، مات سنة ثمان وعشرين ومائة، وقيل: سنة ثلاثين بسرخس. وأبو جمرة: اسمه نصر بن عمران الضبعي -بالجيم والراء- مات بسرخس أيضًا في ولاية يوسف بن عمر بن يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم الثقفي على العراق، وكانت سنة عشرين ومائة إلى أن هرب إلى الشام في ولاية يزيد بن الوليد الناقص سنة ست وعشرين. وفي ربيعة بن نزار: ربيعة اثنان: أحدهما: ربيعة بن نزار
(1)
ليست في الأصل والمثبت من اليونينية 8/ 41.
أخي أسد بن ربيعة، والثاني: ابن قيس بن ثعلبة. قال الأصمعي: معنى قوله: مرحبًا لقيت رحبًا وسعة. وقال الفراء: هو منصوب على المصدر وفيه معنى الدعاء. والرحب: السعة، وتقول العرب: مرحبًا وأهلًا وسهلًا. أي: لقيت أهلًا كأهلك، ولقيت سهلًا أي: سهلت عليك أمورك.
فصل:
قوله: ("غير خزايا") أي: غير مخزيين ولا أذلاء بل مكرمين مرتضين. "ولا ندامى" غير نادمين بل مغتبطين فرحين بما أنعم الله عليهم من الإسلام وتصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته ودعاء قومهم إلى دينه.
وخزايا: جمع خزيان، كحيارى: جمع حيران، وندامى، ومراده جمع الواحد الذي هو نادم، ولكنه جاء هنا على غير قياس اتباعا لخزايا؛ لأن فاعلًا لا تجمع على فعالى كقولهم: إني لآتيه بالغدايا والعشايا. قالوا: غدايا لما ضُمِّت إلى العشايا.
وفي الحديث: "ارجعن مأزورات غير مأجورات"
(1)
والأصل: موزورات وإنما يجمع على ندامى الندمان الذي هو النديم، وقال القزاز في "جامعه": يقال في النادم: ندمان، فعلى هذا يكون جاريًا على الأصل لا على الاتباع. وقال ابن السكيت: خزى يخزى خزيًا: إذا وقع في بلية. وقيل: معنى مستحيين، يقال: خزي خزاية إذا استحيا
(2)
، وقال الداودي: هو جمع مَخْزى.
(1)
رواه ابن ماجه (1578) وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(344).
(2)
"إصلاح المنطق" ص 373.
وقال ابن التين: وليس ببين؛ لأن مفعلًا لا يجمع على فعالى.
وقيل: جمع مُخْزى، وهو أيضًا غير بين؛ لأن خزا ثلاثي غير متعد، ولا يُبنى منه لما لم يسم فاعله، ولا يكون أيضًا فعالى جمع مفعول.
وقوله: (فقال: "أربع وأربع")، أي: الذي آمركم به أربع والذي أنهاكم عنه أربع.
و"الدباء": بالمد، وحكي القصر: القرعة، جمع: دباءة ممدود.
و"الحنتم" قال أبو عبيد: هي جرار خضر
(1)
.
وقال ابن حبيب: هي الجر، وهو كل ما كان من فخار أبيض وأخضر.
وأنكره بعض العلماء وقال: إنما الحنتم ما طلي بالحنتم المعمول من الزجاج وغيره، ويعجل الشدة في الشراب بخلاف ما لم يطل. وعلى هذا أهل اللغة.
و"النقير": أصل النخلة وهو منسوخ، خلافًا لمالك، وقد سلف كله.
(1)
"غريب الحديث" 1/ 305.
99 - باب يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ
6177 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْغَادِرُ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» . [انظر: 3188 - مسلم: 1735 - فتح 10/ 563]
6178 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» . [انظر: 3188 - مسلم: 1735 - فتح 10/ 563]
ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْغَادِرُ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هذِه غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ".
وعنه: "إِنَّ الغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ: .. " هذا الحديث.
اللواء: ممدود، وقوله:("هذِه غدرة فلان ابن فلان"). فيه رد لقول من زعم أنه لا يدعى الناس يوم القيامة إلا بأمهاتهم؛ لأن فيه سترًا على آبائهم، ومصداق هذا الحديث في قوله تعالى:{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] قال أهل التفسير: الشعوب: النسب الأبعد، والقبائل: النسب الأقرب. يقال: فلان من بني فلان. غير أن النسب إلى الآباء وإن كان هو الأصل، فقد جاء في الحديث أن يدعى المرء بأحب أسمائه إليه، وأحبها إليه أن يدعى بكنيته؛ لما في ذَلِكَ من توقيره، والدعاء بالآباء أشد في التعريف وأبلغ في التمييز، وبذلك نطق الكتاب والسنة. وقد كان الأعراب الجفاة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فيقولون: أيكم محمد بن عبد المطلب؟ ولا يذكرون ما شرفه الله به من النبوة المعصومة والرسالة المؤيدة،
فلا ينكر ذَلِكَ عليهم؛ لما خصه الله تعالى به من الخلق العظيم، وجبله عليه من الطبع الشريف.
فصل:
وفيه: جواز الحكم بظواهر الأمور إذا لم يكن علم بواطنها؛ لأنه قد يجوز أن يكون كثير من الناس فيمن يدعى إلى أبيه في الظاهر وليس كذلك في الباطن.
ودل عموم هذا الحديث على أنه إنما يدعى الناس بالآباء، ولا يلزم داعيهم البحث عن حقيقة أمورهم والتنقير عنهم.
100 - باب لَا يَقُلْ: خَبُثَتْ نَفْسِي
6179 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي» . [مسلم: 2250 - فتح 10/ 563]
6180 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي» . تَابَعَهُ عُقَيْلٌ. [مسلم: 2251 - فتح 10/ 563]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، ولكن لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي".
وحديث يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ -أي: وهو ابن سعد، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، ولكن لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي". تَابَعَهُ عُقَيْلٌ.
الشرح:
(يقال: خبثت خبثًا فهو خبيث أي: رديء)
(1)
، ومعنى: لقست -بكسر القاف-: عثت. (وكره)
(2)
خبث وهو بائن من لفظ الخبث، قال أبو عبيد: لقست وخبثت واحد، ولكنه استقبح لفظ خبثت
(3)
. أي: فإنه كان يعجبه اللفظ الحسن ويتفاءَل به ويكره الاسم القبيح ويغيره، وكره لفظ الخبيث إذ الخبيث حرام على المؤمنين، وليس هذا على معنى
(1)
من (ص 2).
(2)
في الأصل: (ذكره) والمثبت موافق للسياق.
(3)
"غريب الحديث" 2/ 73.
الإيجاب والحتم، وإنما هو من باب الأدب، فقد قال عليه السلام في الذي يعقد الشيطان على قافية رأسه:"أصبح خبيث النفس كسلان"
(1)
وقد نطق القرآن بهذِه اللفظة فقال تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} [إبراهيم: 26].
(1)
سلف برقم (1142)، كتاب: التهجد، باب: عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل.
ورواه مسلم برقم (776)، كتاب: الصلاة، باب: ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح.
101 - باب لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ
6181 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ: يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ» . [انظر: 4826 - مسلم: 2246 - فتح 10/ 564]
6182 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، وَلَا تَقُولُوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ» . [انظر: 4826، 6183 - مسلم: 2246، 2247 - فتح 10/ 564]
حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ تعالى: يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ".
حَدَّثنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، ثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، وَلَا تَقُولُوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ".
قال الجياني: كذا روي هذا الإسناد من حديث الليث عن يونس، وفي روايتنا عن أبي علي بن السكن: ثنا الليث، عن عُقيل، عن ابن شهاب. قال: والحديث محفوظ ليونس عن ابن شهاب بهذا السند.
وكذا ذكره مسلم من حديث ابن وهب عن يونس وقال محمد بن يحيى الذهلي في كتاب "علل حديث الزهري": حدثنا أبو صالح، ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يسب ابن آدم الدهر" الحديث.
وهذِه الرواية تقوي ما في رواية ابن السكن إن كان حفظه.
ورواه ابن عيينة عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة عند البخاري أيضًا.
قال النسائي: كلاهما محفوظ. وحديث أبي سلمة أشهرهما
(1)
.
قال الخطابي: كانت الجاهلية تضيف النصائب والنوائب إلى الدهر الذي هو مر الليل والنهار. وهم في ذَلِكَ فرقتان: فرقة لا تؤمن بالله ولا تعرف إلا الدهر الليل والنهار، اللذين هما محل للحوادث وطرق لمساقط الأقدار، تنسب المكاره إليه على أنها من فعله، ولا ترى أن لها مدبرًا غيره، وهذِه الفرقة هم الدهرية الذين حكى الله عنهم في قوله:{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]. وفرقة ثانية تعرف الخالق وتنزهه أن تنسب إليه المكاره فتضيفها إلى الدهر والزمان، وعلى هذين الوجهين كانوا يسبون الدهر ويذمونه، فيقول القائل منهم: يا خيبة الدهر ويا بؤس الدهر فقال عليه السلام لهم مبطلًا ذَلِكَ: "لا يسبن أحدكم الدهر".
فالله هو الدهر يريد -والله أعلم-: لا تسبوا الدهر على أنه الفاعل لهذا الصنع بكم، فإن الله هو الفاعل له، فإذا سببتم الذي أنزل بكم المكاره رجع السب إلى الله وانصرف إليه.
ومعنى قوله: "أنا الدهر". أي: أنا ملك الدهر ومصرفه، فحذف اختصارًا للفظ واتساعًا في المعنى. وبيان هذا في حديث أبي هريرة من حديث هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عنه رفعه: "يقول الله عز وجل: أنا الدهر بيدي الليل والنهار (أجده)
(2)
(1)
"تقييد المهمل وتمييز المشكل" 2/ 736 - 737.
(2)
كذا بالأصل وفي "المسند": (أجددها).
و (أقلبه)
(1)
، وأذهب بالملوك وآتي بهم"
(2)
.
وروى عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه:"يقول الله: يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر؛ فإني أنا الدهر أقلبه ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتهما"
(3)
.
وقال النحاس: يجوز فيه نصب الراء من قوله: "فإن الله هو الدهر". والمعنى: فإن الله مقيم الدهر أي: مقيم أبدًا لا يزول، ولما قال ابن الجوزي: كان أهل الجاهلية يرون أن الدهر هو مهلكهم ولا يرونها من الله، كان أبو بكر بن داود يرويه:"أنا الدهر" بفتح الراء منصوبة على الظرف أي أنا طول الدهر بيدي الأمر. قال: وهو باطل من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه خلاف ضبط المحدثين المحققين.
ثانيها: أنه ورد بألفاظ صحاح تبطل تأويله، منها ما عند البخاري:"لا تقولوا: يا خيبة الدهر".
ثالثها: لو كان بالضم كان اسمًا من أسمائه تعالى، يقتضي أن يكون علة النهي لم تذكر؛ لأنه إذا قال:"لا تسبوا الدهر فأنا الدهر أقلب الليل والنهار" كأنه قال: لا تسبوا الدهر فأنا أقلبه. وتقليبه الأشياء لا يمنع ذمها، وإنما يتوجه الأذى في قوله:("يؤذيني ابن آدم") على ما أشرنا إليه ولم يكن ابن داود من الحفاظ ولا من علماء النقل.
(1)
في (ص 2): أبليه.
(2)
رواه أحمد 2/ 496 عن ابن نمير، عن هشام بن سعد، به.
(3)
رواه عبد الرزاق في "جامع معمر" 11/ 436 - 437 (20938).
وقال ابن حبيب وغيره: هذا الحديث مما لا ينبغي لأحد جهل وجهه؛ وذلك أن أهل الكفر بالله والزنادقة يحتجون به على المسلمين، وتأويله عند أهل السنة ما سلف من قصدهم النسبة إلى الفاعل، والفاعل لها هو الله سبحانه. فقال الله سبحانه:"يسب بنو آدم الدهر" أي: يسبونني، ومعنى الحديث: يظن ابن آدم أن الدهر فعل ذَلِكَ. وأنا فاعله بيدي الليل والنهار. إلى آخره.
وقوله: "ولا تقولوا: خيبة الدهر": يريد ألا يصحح في الجاهلية، وهو من معنى الحديث السالف. قال الداودي: هو دعاء على الدهر بالخيبة، وهي كلمة هذا أصلها، فصارت تقال لكل مذموم ومن يسبه لما يكون من تغير أصله، فلا بأس؛ لأن الذم يقع على أصله.
102 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ»
وَقَدْ قَالَ: "إِنَّمَا المُفْلِسُ الذِي يُفْلِسُ يَوْمَ القِيَامَةِ". كَقَوْلِهِ "إِنما الصُّرَعَةُ الذِي (يَمْلِكُ)
(1)
نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ". [انظر: 6114] كَقَوْلِهِ: "لَا مَلِكَ إلا الله". فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ المُلْكِ، ثُمَّ ذَكَرَ المُلُوكَ أَيْضًا فَقَالَ: "{إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} " [النمل: 34].
6183 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَيَقُولُونَ الْكَرْمُ، إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» . [انظر: 6182 - مسلم: 2247 - فتح 10/ 566]
ثم ذكر حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَيَقُولُونَ: الكَرْمُ، إِنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المُؤْمِنِ".
الشرح:
قوله: ("إنما الكرم قلب المؤمن" و"إنما المفلس" و"إنما الصرعة"). وإنما هو على المبالغة أي: ليس المفلس كل الإفلاس إلا من لم يكن له حسنات يوم القيامة؛ من أجل أنه قد يكون في الدنيا مفلسًا من المال، وهو غني يوم القيامة بحسناته، والغني في الدنيا قد يكون مفلسًا يوم القيامة، وهذا على المبالغة وكذلك الصرعة ليس الذي يغلب الناس ويصرعهم بقوته، إنما الصرعة الذي يملك نفسه.
قال المهلب: وغرضه في هذا الباب -والله أعلم-: أن يعرف بمواقع الألفاظ المشتركة، وأن يقتصر في الوصف على ترك المبالغة
(1)
ساقطة من الأصل.
والإغراق في الصفات إذا لم يستحق الموصوف ذَلِكَ، ولا يبلغ النهايات في ذَلِكَ إلا في مواضعها وحيث يليق الوصف بالنهاية
(1)
.
واعترض ابن التين فقال: الظاهر أن البخاري إنما أراد ما قد يكون في مواضع ليست تخص الحكم بالمذكور وتضعه عما عداه؛ لأن (إنما) عند أهل النحو واللغة للحصر والقطع كقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية. فأورد البخاري هذا؛ لأنها قد تقع لغير الحصر، ويدل على ذَلِكَ تشبيهه بقوله:"لا مَلِكَ إلا الله". ثم قال: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} .
فصل:
وقوله: ("إنما المفلس") قال ابن فارس: يقال: أفلس إذا صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم
(2)
.
وقال الجوهري: كأنما صارت دراهمه فلوسًا وزيوفًا. كما يقال: (أخبث)
(3)
إذا صار أصحابه خبثاء، وأقطف صارت دابته قَطوفًا. ويجوز أن يراد صار إلى حال يقال فيها: ليس معه فلس، كما يقال: أقهر الرجل صار إلى حال (يقهر)
(4)
عليها، وأذل صار إلى حال يذل فيها، وقد فَلَّسه القاضي تفليسًا: نادى عليه أنه أفلس
(5)
.
فصل:
وقوله: ("إنما الكرم قلب المؤمن") أي: لما فيه من نور الإيمان
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 339.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 705، مادة:(فلس).
(3)
في الأصل: أجبن. والمثبت من "الصحاح".
(4)
في الأصل: القهر. والمثبت من "الصحاح".
(5)
"الصحاح" 3/ 959، مادة (فلس).
والتقوى. قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وقال في الباب قبله: "لا تسموا العنب الكرم". وهذا هو المشهور في اللغة أن الكرم بسكون الراء: العنب. قال الأزهري: سمي العنب كرمًا؛ لكرمه؛ وذلك أنه ذلل لقاطفه، وليس عليه سلاء فيعقر جانيه ويحمل الأصل منه مثل ما تحمل النخلة وأكثر، وكل شيء كبر فقد كرم. وقال ابن الأنباري: سمي كرمًا؛ لأن الخمر منه وهي تحث على السخاء وتأمر بمكارم الأخلاق، كما سموها راحًا. قال الشاعر:
......... والخمر مشتقة المعنى من الكرم.
ولذلك قال: "لا تسموا العنب الكرم". كره أن يسمى أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم، وجعل المؤمن الذي يتقي شربها، ويرى الكرم في تركها أحق بهذا الاسم الحسن؛ تأكيدًا لحرمته، وأسقط الخمر عن هذِه الرتبة؛ تحقيرًا لها
(1)
.
وقيل: تأكيدًا لتحريمها؛ وسلبًا للفضيلة بتغيير اسمها المأخوذ عندهم من اسم الكرم، إذ في تسليم هذا الاسم لها (تقول لدعواه)
(2)
فيها بأمر كأن لا تدعى كرمًا، وأن لا تسمى مواضعها وأشجارها حدائق الأعناب.
وقال أبو حاتم: قال رجل من أهل الطائف:
شققت من الصبا واشتق منى
…
كما اشتقت من الكرم الكروم
(1)
انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3132 - 3133، مادة:(كرم).
(2)
كذا بالأصل.
103 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي
(فِيهِ الزُّبَيْرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)
(1)
. [انظر: 3720]
6184 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُفَدِّي أَحَدًا غَيْرَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ:«ارْمِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» . أَظُنُّهُ يَوْمَ أُحُدٍ. [انظر: 2905 - مسلم: 2411 -
فتح 10/ 568]
ذكر فيه حديث عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: مَا سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُفَدِّي أَحَدًا غَيْرَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ:"ارْمِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". أَظُنُّهُ يَوْمَ أُحُدٍ.
حديث الزبير في يوم الخندق. وقال له عليه السلام: " (احمل)
(2)
فداك أبي وأمي"
(3)
قد سلف معنى تقدمة الرجل لأخيه في الجهاد.
ولا تعارض بين الحديثين كأن عليًّا رضي الله عنه لم يسمعه يفدي غير سعد ولم يسمعه يفدي الزبير، وسمعه الزبير فأخبر كل بما سمع. وقال قوم: لا يجوز تفدية الرجل الرجل بنفسه ولا بأبويه. وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما فدى بأبويه لأمر. وروي عن عمر رضي الله عنه أن رجلاً قال لآخر: جعلني الله فداك. قال: إذًا يهينك الله. ويرده فداء الصديق بآبائه وأمهاته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي طلحة بنفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر عليهما، كما يأتي بعد. وفداؤك بالمد وكسر الفاء والقصر وفتحها: وأصلها: التفادي، وهو أن تفدي الناس بعضهم ببعض كأنه يجعل نفسه فداءً لصاحبه.
(1)
ليس في الأصل والمثبت من "اليونينية" 8/ 42.
(2)
من (ص 2).
(3)
سلف برقم (3720)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب الزبير، ورواه مسلم (2416)، كتاب:"فضائل الصحابة" باب: من فضائل طلحة والزبير.
104 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. [انظر: 3904]
6185 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةُ مُرْدِفَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَصُرِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمَرْأَةُ، وَأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ -قَالَ: أَحْسِبُ- اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَيْءٍ؟. قَالَ:«لَا، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ» . فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَصَدَ قَصْدَهَا، فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا، فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ، فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا فَرَكِبَا، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ -أَوْ قَالَ: أَشْرَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ- قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» . فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ. [انظر: 371 - مسلم: 1345 - فتح 10/ 569]
ثم ذكر فيه حديث أَنَسِ أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث. وفيه: يَا نَبِيَّ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ.
وفيه: رد على من منع الفداء كما سلف.
وقوله: (فألوى أبو طلحة ثوبه على وجهه) وفي نسخة: (فألقى). ألوى بالشيء: ذهب به كاليد ونحوها، ولعله بحذف الياء أي: ألوى ثوبه على وجهه. ولأبي ذر: (فألقى) وهو بين.
وقوله: (حَتَّى إذا كانوا بظهر المدينة. أو قال: وأشرفوا على المدينة). هو الفضاء الذي عندها.
وقوله: ("تائبون") أي: تبنا إليك. وقيل: لا يقول ذَلِكَ إلا من علم أن الله تاب عليه، وليقل: اللهم تب علينا وقوله: إلا من علم. وهذا لا يُعلم إلا بوحي.
105 - باب أَحَبِّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ تعالى
6186 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقُلْنَا: لَا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلَا كَرَامَةَ. فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ» . [انظر: 3114 - مسلم: 2133 - فتح 10/ 570]
ذكر فيه حديث محمد بن المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ القَاسِمَ، فَقُلْنَا: لَا نَكْنِيكَ أَبَا القَاسِمِ وَلَا كَرَامَةَ. فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "سَمِّ ابنكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ".
يريد أنه عليه السلام لا يأمر إلا بأحب الأسماء إلى الله. وروى أبو داود من حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أحب الأسماء إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن"
(1)
.
(وهذا طبق الترجمة)
(2)
، وفي لفظ بدله:"وهمام"
(3)
؛ لأنه ما ليس أحد إلا وهو عبد الله. وهو يهتم بأمر رشد أو غي. وعن عوف، عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من خير أسمائكم عبد الله وعبد الرحمن". وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يصفِّي الرجل للمرء ود أخيه المسلم أن يدعوه بأحب الأسماء إليه، ويوسع له في المجلس ويسلم عليه إذا لقيه، وإذا قال له: يا فلان وكناه فقد أكرمه وألطف له في القول، وذلك مما يثبت المودة
(4)
. وروى ابن لهيعة عن أبي قتيل، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:"تكنوا، فإنه أكرم للمكنى والمكني".
(1)
"سنن أبي داود"(4949).
(2)
من (ص 2).
(3)
رواه أبو داود (4950)، وأحمد 4/ 345 بلفظ:"أحب الأسماء إليِّ الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها الحارث وهمام".
(4)
رواه عبد الرزاق في "جامع معمر" 11/ 44 (19865).
106 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «تسَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي»
قَالَهُ أَنَسٌ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2120]
6187 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالُوا: لَا نَكْنِيهِ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» . [انظر: 3114 - مسلم: 2133 - فتح 10/ 571]
6188 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» . [انظر: 110 - مسلم: 2134 - فتح 10/ 571]
6189 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالُوا: لَا نَكْنِيكَ بِأَبِي الْقَاسِمِ، وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا. فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:«أَسْمِ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ» . [انظر: 3114 - مسلم: 2133 - فتح 10/ 571]
ذكر فيه حديث سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ القَاسِمَ، فَقَالُوا: لَا نَكْنِيهِ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". وحديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: " سَمُّوا .. " الحديث.
وحديث ابن المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قال: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ القَاسِمَ، فَقَالُوا: لَا نَكْنِيكَ بِأَبِي القَاسِمِ، وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا. فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:"سمِ ابنكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ".
الشرح:
الكنية -بضم الكاف-: سميت بذلك؛ لأنها تورية عن اسمه، وفي كتاب الخليل: الصواب: يكنى بأبي عبد الله، ولا تقل يكنى بعبد الله
(1)
. وكذا في البخاري: لا نكنيك بأبي القاسم. كما أوردناه.
واختلف في هذا الحديث: فقيل: نهي عن الجمع بين الاسم والكنية. وقيل: المنع في حياته للإيذاء كما وقع في زمنه. كما أخرجه الترمذي
(2)
، وأبعد بعضهم فمنع التسمية بمحمد، روى سالم بن أبي الجعد: كتب عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة: لا تسموا باسم نبي. واعتل بحديث أبي داود: ثَنَا الحكم بن عطية، عن ثابت، عن أنس (رفعه)
(3)
: "تسمون أولادكم محمدًا ثم تلعنوهم"
(4)
. ومنهم من رخص في الجمع. قال علي: يجمع بينهما. وكنى ولده محمد بن الحنفية بذلك، فرخص له عليه السلام فيه، وسمى مالك ابنه محمدًا وكناه أبا القاسم، وكذا طلحة في ولده محمد.
وقال الطبري: يحمل النهي على الكراهة دون التحريم. وصحح الأخبار كلها ولا تعارض ولا نسخ، وكان إطلاقه لعلي في ذَلِكَ إعلامًا منه (أمته)
(5)
جوازه مع الكراهة، وترك الإنكار دليل عليه، وذكر الطبري عن طائفة المنع، وروى ابن سيرين قال: كان مروان بن
(1)
"العين" 5/ 411.
(2)
الترمذي (2841).
(3)
من (ص 2).
(4)
رواه الحاكم 4/ 293 من طريق أبي داود الطيالسي، وقال: تفرد به الحكم بن عطية، عن ثابت.
(5)
من (ص 2).
الحكم سمى ابنه القاسم، وكان رجل من الأنصار سمى ابنه القاسم، فلما بلغهما هذا الحديث بالنهي، سمى مروان ابنه عبد الملك، وغيَّر الأنصاري اسم ابنه. وقال ابن (عون)
(1)
: سألت ابن سيرين عن الرجل يكنى بكنية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتسم باسمه أيكره؟ قال: نعم.
وقال زبيد الإِيامي: كان الرجل منا إذا تكنى بأبي القاسم كنيناه بأبي القاسم. (والذي نص عليه الشافعي: الحرمة)
(2)
، وعن طائفة: المنع من الجمع بينهما، وروى أبو الزبير عن جابر أنه عليه السلام قال:"من تسمى باسمي فلا يتكنى بكنيتي ومن تكنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي"
(3)
وعن أخرى: الجمع بينهما. وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين ألا يجعلوا دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضًا، وألا يرفعوا أصواتهم فوق صوته ولا يجهروا له بالقول. وهذا كله حض على توقيره وإجلاله، وتخصيصه بكنية لا يدعى بها غيره من إجلاله وتوقيره.
(فائدة: عن كتاب "الإعداد" لابن سراقة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع كنى: أبي عيسى، وأبي الحكم، وأبي مالك، وأبي القاسم لمن اسمه محمد)
(4)
.
(1)
في (ص 2): عوف.
(2)
من (ص 2). وانظر "معرفة السنن والآثار" 14/ 76.
(3)
رواه أبو داود (4966).
(4)
من (ص 2).
107 - باب اسْمِ الحَزْنِ
6190 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا اسْمُكَ؟» . قَالَ: حَزْنٌ. قَالَ: «أَنْتَ سَهْلٌ» . قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمَحْمُودٌ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ بِهَذَا. [6193 - فتح 10/ 574]
ذكر فيه حديث ابن المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"مَا اسْمُكَ؟ ". قَالَ: حَزْنٌ. قَالَ: "أَنْتَ سَهْلٌ". قَالَ: (لَا)
(1)
أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابن المُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتِ الحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ.
حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَمَحْمُودٌ قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابن المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ بهذا.
هذا هو الصواب، ووقع في نسخة الشيخ أبي محمد عن أحمد: إسقاط محمود، وهو ثابت لغيره من الرواة.
وحزن -بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي-: ما غلظ من الأرض، وقوله: فما زالت الحزونة فينا بعد. يريد: صعوبة الأمور وامتناع التسهيل فيما يريد، وبه قال الداودي: يريد الصعوبة في أخلاقهم. إلا أن سعيدًا أفضى به ذَلِكَ إلى الغضب في ذات الله.
وفيه: أن التحويل إلى الحسن من الآداب، وإلا كان غيره وما جاز له الثبات عليه. وفي الحديث: "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم
(1)
ساقطة من الأصل والسياق يقتضيها.
وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم"
(1)
. وإنما استحب تحويل الاسم للتفاؤل للخير وقد غيَّر برة بزينب، وحول اسم عبد الله بن عمرو بن العاصي إلى عبد الله، كراهية لاسم العصيان الذي هو مناف لصفة المؤمن، فإنما شعاره الطاعة وسمته العبودية.
قال الطبري: ولا ينبغي لأحد أن يسمي باسم قبيح المعنى، ولا باسم معناه التزكية والمدح ونحوه، ولا باسم معناه الذم والسب، بل الذي ينبغي (أن يسمي)
(2)
به ما كان حقًا وصدقًا.
وفي أبي داود من حديث أبي وهب الخير -وكانت له صحبة- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة"
(3)
(وقد سلف من طريق ابن عمر)
(4)
. وروى عطاء، عن أبي سعيد الخدري أنه عليه السلام قال:"لا تسموا أبناءكم حكمًا ولا أبا الحكم؛ فإن الله هو الحكيم العليم"
(5)
قال الطبري: وليس تغيير ما غير النبي صلى الله عليه وسلم على المنع أن يسمى بها، بل ذَلِكَ على وجه الاختيار؛ لأن الأسماء لم يسم بها؛ لوجود معانيها في المسمى بها، وإنما هي للتمييز خشية أن يسمع سامع باسم العاصي فيظن أن ذَلِكَ له صفة فحوّل، ولذلك أباح المسلمون أن يتسمى الرجل القبيح بحسن والفاسق بصالح، وأما تحويل برة إلى زينب؛ فلأن برة تزكية ومدح. فحوله إلى ما لا تزكية فيه ولا ذم، وعلى هذا سائر ما غير النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
رواه أبو داود (4948) من حديث أبي الدرداء.
(2)
من (ص 2).
(3)
أبو داود (4950).
(4)
من (ص 2).
(5)
رواه الطبراني في "الأوسط" 5/ 121 - 122 (4852) من طريق سليمان بن أبي داود، عن عطاء، به. بلفظ:"فإن الله هو الحكم".
108 - باب تَحْوِيلِ الاسْمِ إِلَى اسْمٍ أَحْسَنَ مِنْهُ
6191 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ -وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ- فَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفَاقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«أَيْنَ الصَّبِيُّ؟» . فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «مَا اسْمُهُ» . قَالَ: فُلَانٌ. قَالَ: «وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ» . فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ. [مسلم: 2149 - فتح 10/ 575]
6192 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزَكِّى نَفْسَهَا. فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ. [مسلم: 2141 - فتح 10/ 575]
6193 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَحَدَّثَنِي، أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا اسْمُكَ؟» . قَالَ اسْمِي حَزْنٌ. قَالَ: «بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ» . قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا الْحُزُونَةُ بَعْدُ. [انظر: 6190 - فتح 10/ 575]
ذكر فيه حديث أَبُي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ -وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ- فَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَيءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفَاقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ ". فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "مَا اسْمُهُ؟ ". قَالَ: فُلَانٌ. قَالَ: "لكن أَسْمِهِ المُنْذِرَ". فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ المُنْذِرَ.
وحديث أبي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزَكِّي نَفْسَهَا. فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ.
وحديث عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ فَحَدَّثَنِي أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"مَا اسْمُكَ؟ " .. الحديث كما سلف.
وقد سلف أنه عليه السلام كان يعجبه تغيير الاسم القبيح بالحسن على وجه التفاؤل والتيمن؛ لأنه كان يعجبه الفأل الحسن وقد غير عليه السلام عدة أسامي: غَيَّرَ برة بزينب، وغيره مما سلف، وقد أمر الذي سمى ابنه القاسم أن يسميه عبد الرحمن إن كان صادقًا حقًا. ومعنى:(لها بشيء بين يديه) أي: اشتغل به، وكل ما شغلك عن شيء فقد ألهاك. والاستفاقة: استفعال من أفاق، إذا رجع إلى ما كان قد شغل عنه وعاد إلى نفسه.
وقوله: (قلبناه). أورده ابن التين بلفظ: (أقلبناه. وقال: كذا وقع، وصوابه: أقلبناه. يقال: قلبت القوم. كما يقال)
(1)
: صرفت الصبيان، عن ثعلب. كذا في "الصحاح"
(2)
. قال الداودي: وسماه المنذر؛ تفاؤلًا أن يكون له علم ينذر به. قال: وحديث ابن المسيب مرسل وتقدم مسندًا، وروي: لهِي. على وزن عَلِم.
(1)
من (ص 2).
(2)
"الصحاح" 1/ 205.
109 - باب مَنْ سَمَّى بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ
وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: قَبَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ. يَعْنِي: ابنهُ. [انظر:
1303]
6194 -
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ: قُلْتُ لاِبْنِ أَبِي أَوْفَى: رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مَاتَ صَغِيرًا، وَلَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيٌّ عَاشَ ابْنُهُ، وَلَكِنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ. [فتح 10/ 577]
6195 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام -قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ» . [انظر: 1382 - فتح 10/ 577]
6196 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ» . وَرَوَاهُ أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3114 - مسلم: 2133 - فتح 10/ 577]
6197 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . [انظر 110 - مسلم: 3، 2134 - 2266 - فتح 10/ 577]
6198 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى. [انظر: 5467 - مسلم: 2145 - فتح 10/ 578]
6199 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ، سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ
شُعْبَةَ قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ. [انظر: 1043 - مسلم: 915 - فتح 10/ 578] رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حدثَنَا ابن نُمَيْرٍ -هو محمد بن عبد الله بن نمير الخارفي- ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ -هو ابن أبي خالد الأحمسي مولاهم- قال: قُلْتُ لاِبْنِ أَبِي أَوْفَى -وهو عبد الله بن أبي أوفى علقمة ابن الحارث-: رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ ابن النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مَاتَ صَغِيرًا، وَلَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ (النبي)
(1)
صلى الله عليه وسلم نَبِيٌّ عَاشَ ابنهُ، ولكن لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.
ثانيها:
حديث عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ -وهو عدي بن أبان بن ثابت بن قيس بن الحطيمَ عن البراء قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الجَنَّةِ".
ثالثها:
حديث جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تسَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ". وَرَوَاهُ أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
رابعها:
حديث أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تسَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
(1)
في (ص 2): محمد.
خامسها:
حديث أَبِي مُوسَى قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ .. الحديث.
سادسها:
حديث المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ. رواه أبو بكرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذِه الأحاديث دالة على ما ترجم له، وهو التسمية بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد قال سعيد بن المسيب: أحب الأسماء إلى الله أسماء الأنبياء
(1)
. وهذا يرد قول من كره التسمية بأسماء الأنبياء، وهي رواية جاءت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طريق قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عنه كما سلف.
وذكر الطبري أن حجة هذا القول حديث الحكم بن عطية، عن ثابت، عن أنس السالف أيضًا، والحكم هذا ضعيف، ذكره البخاري في الضعفاء وقال: كان أبو الوليد يضعفه
(2)
. وليس معناه -لو صح- بمانع أن يتسمى أحد باسم محمد، فقد أطلق ذَلِكَ وأباحه بقوله:"تسموا باسمي" وسمى ابنه باسم إبراهيم الخليل، وإنما فيه النهي عن أن يسمي أحد ابنه محمدًا ثم يلعنه.
فصل:
ضبط مرضعًا بالضم على أنه اسم فاعل من أرضع، وبالفتح على أن له رضاعًا، قال في "الصحاح": امرأة موضع أي: لها ولد ترضعه، فإن
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 264 (25901).
(2)
"الضعفاء الصغير" ص 31 (69).
وصفتها بإرضاعه قُلْت: مرضعة
(1)
. قال ابن التين: فعلى هذا يكون مرضعة. ولم يروه أحد كذلك، أو يكون مصدرًا كما سلف.
فائدة:
قال طلحة
(2)
: أسماء بنيَّ أسماء الأنبياء وأسماء بنيك أسماء الشهداء. فقال له الزبير: أنا أرجو أن يكونوا بنى شهداء، وأنت لا ترجو أن يكونوا أنبياء.
فصل:
قوله: ("ولا تكنوا بكنيتي") أورده ابن التين بلفظ: (بكنوتى)، ثم قال، كذا وقع، وعند أبي ذر كالأول، قال: وهو الصواب.
فصل:
معنى: "فليتبوأ": ينزل منزلة منها، ولا يشترط في الكذب العمد خلافًا للمعتزلة.
فصل:
قوله في حديث أبي موسى: (فسماه إبراهيم).
فيه: تسمية الطفل عند الولادة، وعندنا يسمى يوم سابعه، وكذا عند مالك ويعق عنه، وغيره يقول: إن عق عنه سماه يوم سابعه، وإلا فحين يولد
(3)
.
(1)
"الصحاح" 3/ 1220.
(2)
ورد بهامش الأصل: لعله سقط (للزبير).
(3)
"المنتقى" 3/ 102، "المغني" 9/ 365، "المحلى" 6/ 235.
110 - باب تَسْمِيَةِ الوَلِيدِ
6200 -
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ» . [انظر: 804 - مسلم: 675 - فتح 10/ 580]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: لَمَّا رَفَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، .. " الحديث.
وهو يرد على ما روى معمر عن الزهري قال: أراد رجل أن يسمي ابنا له الوليد، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم -وقال:"إنه سيكون رجل يقال له: الوليد يعمل في أمتي كما عمل فرعون في قومه"
(1)
. وهذا بلاغ، وحديث الباب هو الحجة، (وإن رواه أحمد بمثله من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر
(2)
، وغيره يرسله، وبعضهم أسقط سعيدًا. وعن البيهقي أنه مرسل حسن
(3)
، وأسنده ابن إسحاق من حديث أم سلمة)
(4)
، واعترض ابن التين فقال: لا يظهر لي فيه رد؛ لأن الوليد لم يسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ذَلِكَ اسمه. (قُلْتُ: كأَنَّ وجهه بلفظه عليه السلام به)
(5)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "جامع معمر" 11/ 43 (19861).
(2)
أحمد 1/ 18.
(3)
"دلائل النبوة" 6/ 505.
(4)
من (ص 2).
(5)
من (ص 2).
وفيه: الرد على أبي حنيفة في منعه الدعاء في الصلاة بما ليس في القرآن، وقوله فيه:"اشدد وطأتك على مضر". أي: خذهم أخذًا شديدًا. وفي "الصحاح": الوطأة: موضع القدم وهي أيضًا كالضغطة
(1)
. وذكر الحديث، وقال الداودي: الوطأة: الأرض.
(1)
"الصحاح" 1/ 80 - 81.
111 - باب مَنْ دَعَا صَاحِبَهُ فَنَقَصَ مِنِ اسْمِهِ حَرْفًا
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا هِرٍ".
6201 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ» . قُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ. قَالَتْ: وَهْوَ يَرَى مَا لَا نَرَى. [انظر: 3217 - مسلم: 2447 - فتح 10/ 581]
6202 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فِي الثَّقَلِ، وَأَنْجَشَةُ غُلَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسُوقُ بِهِنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَا أَنْجَشَ، رُوَيْدَكَ، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ» . [انظر: 6149 - مسلم: 2323 - فتح 10/ 581]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: "يَا عَائِشَ، هذا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ". قالت: وَعليه السلام وَرَحْمَةُ اللهِ، وَهْوَ يَرى مَا لَا نَرى.
وحديث أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ عليه السلام لأنجشة:"يَا أَنْجَشَ، رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ".
الشرح:
وأما قوله: ("يا أبا هر") فليس من باب الترخيم -كما ذكره ابن بطال
(1)
وغيره- وإنما هو نقل اللفظ من التصغير والتأنيث إلى التكبير والتذكير؛ لأن أبا هريرة كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصغير هرة كانت له، فخاطبه باسمها مذكرًا مكبرًا، فهو وإن كان نقصانًا من اللفظ، ففيه زيادة في المعنى، (ويجوز أن يكون لما حذفت الهاء في آخره
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 350.
صار مرخمًا؛ لأن الأصل: يا أبا هرة، وهريرة تصغيرها. وذكر ابن عساكر: أنه كان يكره تصغيره ويقول: كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هر. والذي ذكره ابن إسحاق وأبو عمر وغيرهما أنه عليه السلام كناه بأبي هريرة، وقيل: كناه والده بذلك)
(1)
.
والهر: السنور، وجمعه: هررة، مثل: قرد وقردة.
وأما قوله: "يا عائش" و"يا أنجش" من باب النداء المرخم.
والترخيم: نقصان أواخر الأسماء، تفعل ذَلِكَ العرب على وجه التخفيف، ولا يرخم ما ليس منادى إلا في ضرورة الشعر. ولا يرخم من الأسماء ما كان على ثلاثة أحرف، ساكن الوسط مثل: عمرو وفلس، لأن الثلاثة أقل (الأصول)
(2)
، إلا ما كان في آخره هاء التأنيث؛ فإنه يرخم، قلت حروفه أو كثرت. واختلف فيما إذا كان وسطه متحركًا مثل: عمر وجمل، فمنع البصريون تصريفه، وأجازه الكوفيون، ويجوز في عائش وأنجش ضم الشين وفتحها، وكذا يا مال أقبل، ويا حار (للحارث)
(3)
، وفي ترخيم جعفر يا جعف أقبل، فتحذف الراء ويدع ما قبلها على حركته، وقرأ الأعمش:(ونادوا يا مال) ووجه ترخيمهم أنهم ذهبت قواهم، ولم تبلغ شكواهم، فضعفوا عن تتميم نداء مالك خازن النار.
وترخيم ما فيه تاء التأنيث مثل عائشة وفاطمة: أكثر من غيره؛ لأن تاء التأنيث يلحقها الحذف، بدليل سقوطها من التكسير والنسب.
(1)
من (ص 2).
(2)
من (ص 2).
(3)
من (ص 2).
فصل:
وقوله: (كانت أم سليم في الثقل). وهو بتحريك الثاء والقاف، وهو متاع المسافر، وروي بكسر الثاء، قال ابن التين: والأول هو الذي قرأناه.
112 - باب الْكُنْيَةِ لِلصَّبِيِّ وَقَبْلَ أَنْ يُولَدَ لِلرَّجُلِ
6203 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ -قَالَ: أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ- وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» . نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا. [انظر: 6129 - مسلم: 659، 2150، 2310 - فتح 10/ 582]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه في: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ ".
ولا شك أن الكنية إنما هي على معنى الكرامة والتفاؤل أن يكون أبًا ويكون له ابن، وإذا جاز أن يكنى الصغير في صغره، فالرجل قبل أن يولد له أولى بذلك. وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: عجلوا بكنى أولادكم؛ لا تسرع إليهم ألقاب السوء. وهذا كله من حسن الأدب ومما يثبت الود.
وفيه: جواز المزاح مع الصبي الصغير.
وفيه: جواز لعب الصبيان الصغار بالطير واتخاذها لهم وتسليتهم بها.
وفيه: جواز استعمال النضح فيما يشك في طهارته ولم تتيقن نجاسته، وقيل: نضحه ليلين. وسلف ذكر النغير، وأن فيه: إباحة صيد حرم المدينة، وأنه قيل: إن ذَلِكَ كان قبل التحريم، (وقيل: نسخ تعذيب البهائم)
(1)
، وأن مشهور مذهب مالك: أن الصيد لا يُمنع الحلال أن يدخل به الحرم ويذبحه هناك
(2)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
"الاستذكار" 11/ 293 - 294.
ووقع في "العتبية" لابن القاسم: أنه يرسله إذا دخل الحرم كما يرسله
إذا أحرم
(1)
. وذكره ابن المنذر عن أحمد وإسحاق وأصحاب الرأي.
(1)
"النوادر والزيادات" 2/ 470.
113 - باب التَّكَنِّي بِأَبِي تُرَابٍ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ أُخْرى
6204 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ رضي الله عنه إِلَيْهِ لأَبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بِهَا، وَمَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلاَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ، فَخَرَجَ فَاضْطَجَعَ إِلَى الْجِدَارِ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتْبَعُهُ، فَقَالَ: هُوَ ذَا مُضْطَجِعٌ فِي الْجِدَارِ فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَامْتَلأَ ظَهْرُهُ تُرَابًا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ يَقُولُ:«اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ» . [انظر: 441 - مسلم: 2409 - فتح 10/ 587]
ذكر فيه حديث سَهْلِ قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ رضي الله عنه إِلَيْهِ لأَبُو تُرَابٍ .. الحديث فذكر سببه.
وقوله: "اجلس يا أبا تراب". وقد أسلفنا أن الكنية موضوعة؛ لإكرام المدعو بها وإتيان مسرته؛ لأنه لا يتكنى المرء إلا بأحب الكنى إليه، وهو مباح له أن يتكنى بكنيتين إن اختار ذَلِكَ، ولا سيما إن كناه بأحدهما رجل صالح أو عالم فله أن يتبرك بكنيته؛ لأن عليًا كان أحب الكنى إليه أبو تراب.
وفيه: أن أهل الفضل قد يقع بينهم وبين أزواجهم ما جبل الله عليهم البشر من الغضب والحرج حَتَّى يدعوهم ذَلِكَ إلى الخروج عن بيوتهم، وليس ذَلِكَ بعائب لهم وفيه ما جبل الله عليه رسوله من كرم الأخلاق وحسن المعاشرة وشدة التواضع، وذلك أنه طلب عليًا واتبعه حَتَّى عرف مكانه ولقبه بالدعابة، وقال له:"اجلس أبا تراب". ومسح التراب عن ظهره؛ ليبسطه ويذهب غيظه ويسكن نفسه بذلك، ولم يعاتبه على مغضبته لابنته.
وفيه من الفقه: الرفق بالأصهار وترك معاتبتهم، وسيأتي هذا المعنى في الاستئذان في باب: القائلة في المسجد
(1)
، وسلف في الصلاة في باب: نوم الرجل في المسجد.
وفيه: ما ترجم له وهو جواز كنيتين سيما إن شرفه في الثانية كما مر. وقوله: (إن كانت أحب أسماء علي إليه لأبو تراب). أنث كانت على تأنيث الأسماء مثل: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ} [ق: 21] ومثل: كما شرقت صدر القناة من الدم. وقوله: (ما سماه أبو تراب إلا النبي صلى الله عليه وسلم) كذا هو في الأصول، وأورده ابن التين بلفظ:(أبو). قال: وصوابه: أبا.
(فائدة: قوله: "اجلس" هو المستعمل. قال الخليل: يقال لمن كان قائمًا: اقعد. ولمن كان نائمًا يا ساجد اجلس. ورد عليه ابن دحية بحديث "الموطأ" في الحلبة حيث قال للقائم: اجلس
(2)
)
(3)
.
(1)
برقم (6280).
(2)
"الموطأ" ص 602 عن يحيى بن سعيد مرفوعًا.
(3)
من (ص 2).
114 - باب أَبْغَضِ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عز وجل
-
6205 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلَاكِ» . [6206 - مسلم: 2143 - فتح 10/ 588]
6206 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ:«أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ -وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ: أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ عِنْدَ اللهِ- رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلَاكِ» . [انظر: 6205 - مسلم: 2143 - فتح 10/ 588]
قَالَ سُفْيَانُ يَقُولُ غَيْرُهُ: تَفْسِيرُهُ: شَاهَانْ شَاهْ. [انظر: 6205 - مسلم: 2143 - فتح
10/ 588]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَخْنَى الأَسْمَاءِ عند الله يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلَاكِ".
وعنه رِوَايَة: "أخنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ -وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ: أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ عِنْدَ اللهِ- رَجُلٌ تَسَمَّىَ بِمَلِكِ الأَمْلَاكِ".
قَالَ سُفْيَانُ: يَقُولُ غَيْرُهُ: تَفْسِيرُهُ: شان شاه.
الشرح:
قوله: "أخنى الأسماء (عند الله)
(1)
"كذا في الأصول، وأورده ابن بطال
(2)
وابن التين: "أخنى الأسماء". وهو ما في بعض النسخ، وفي أخرى:"أفحش"، وأخرى:"أوضع"، وأخرى:"أخنع".
وروي في حديثه الثاني: "أخضع"، قال الخطابي: إن كان أخنى محفوظًا، فمعناه: أفحش الأسماء وأقبحها من الخناء، وهو الفحش،
(1)
عليها في الأصل علامة: (لا. إلى).
(2)
"شرح ابن بطال" 9/ 353.
وأما "أخنع" فمعناه: أذل وأوضع، يقال: خنع خنوعًا إذا تواضع وذل، وقيل:(خضع)
(1)
.
وعبارة صاحب "الأفعال": إذا ذل وأعطى الحق من نفسه
(2)
، فعاقب الله من طلب الرفعة في الدنيا بما لا يحل له من صفات ربه بالذل يوم القيامة، كما جاء في الحديث أن المتكبرين يحشرون يوم القيامة في صور الذر يطؤهم الناس بأقدامهم
(3)
.
فصل:
وشاهنشاه بالفارسية: هو ملك الملوك، وقد روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن (مجاهد)
(4)
قال: "أكره الأسماء إلى الله ملك الأملاك". (وإنما كان ملك الأملاك)
(5)
أبغض إلى الله تعالى وأكره إليه أن يسمى به مخلوق؛ لأنه صفة الله، ولا تليق بمخلوق صفات الله ولا أسماؤه، ولا ينبغي أن يتسمى أحد بشيء من ذَلِكَ؛ لأن العباد لا يوصفون إلا بالذل والخضوع والعبودية، وقد سلف حديث عطاء عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا:"لا تسموا أبناءكم حكمًا ولا أبا الحكم؛ فإن الله هو الحكيم العليم"
(6)
.
(1)
في الأصل: (خنع) وانظر "أعلام الحديث" 3/ 2216.
(2)
"الأفعال" ص 202.
(3)
رواه بنحوه الترمذي (2492)، وأحمد 2/ 179 من طريق عمر بن شعيب عن أبيه، عن جده، عن النبي.
(4)
في (ص 2): (جابر).
(5)
من (ص 2).
(6)
سبق تخريجه.
فصل:
قال الداودي في الحديث: أبغض الأسماء إلى الله: خالد ومالك؛ وذلك أن أحدًا ليس يخلد، والمالك الله تعالى. قال: وما أراه محفوظًا؛ لأن بعض الصحابة كان اسمه خالد ومالك. قُلْتُ: هذا عجيب؛ ففي الصحابة من اسمه خالد فوق السبعين، ومالك في الصحابة فوق المائة وعشرة، والعباد وإن كانوا يموتون فالأرواح لا تفنى، ثم تعود الأجسام التي كانت في الدنيا وتعود فيها تلك الأرواح ويخلد كل فريق في أحد الدارين، وفي التنزيل:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77] لخازن النار.
115 - باب كُنْيَةِ الْمُشْرِكِ
وَقَالَ المِسْوَرٌ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابن أَبِي طَالِبٍ". [انظر: 5230]
6207 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأُسَامَةُ وَرَاءَهُ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي حَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَسَارَا حَتَّى مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ ابْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ وَقَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ، لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا، فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَاغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ. فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْفِضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَى سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ -يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَي- قَالَ: كَذَا وَكَذَا» . فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ، فَوَالَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ البَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل
عمران: 186] الآيَةَ، وَقَالَ:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البقرة: 109] فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَأَوَّلُ فِي الْعَفْوِ عَنْهُمْ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرًا، فَقَتَلَ اللهُ بِهَا مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ، وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، فَقَفَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مَنْصُورِينَ غَانِمِينَ مَعَهُمْ أُسَارَى مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايِعُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا. [انظر: 2987 - مسلم: 1798 - فتح 10/ 591]
6208 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ؟ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ. قَالَ:«نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» . [انظر: 3883 - مسلم: 209 - فتح 10/ 592].
ثم ساق حديث أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ .. الحديث بطوله، وموضع الحاجة منه قوله عليه السلام:"أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ ". يريد: عبد الله بن أبي
وحديث عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ؟ .. الحديث.
وهما دالان على ما ترجم له، وهو جواز كنية المشركين على وجه التألف لهم بذلك؛ رجاء رجوعهم وإسلامهم أو لمنفعة عندهم، فأما إذا لم يرج ذَلِكَ منهم فلا ينبغي تكنيتهم، بل يلقون بالأغلاظ والشدة في ذات الله، ألا ترى قوله في الحديث: أنه عليه السلام (كان يتأول في العفو عنهم ما أمره الله تعالى به، حَتَّى أذن له فيهم). يعني: أذن له في قتالهم والشدة عليهم، وآيات الشدة والقتال ناسخة لآيات الصفح والعفو، حَتَّى قال مالك: لا أحب أن يرفعوا وينبغي أن يذلوا.
وأرخص غيره في ذَلِكَ؛ لقوله: انزل أبا وهب. فإن قُلْت: فما معنى تكنية أبي لهب في القرآن؟ قيل له: ليست على طريق التعظيم له.
وقد تأول أهل العلم في ذَلِكَ وجوهًا منها: ما قاله ثعلب أن اسمه عبد العزى، والله لا يجعله عبدًا لغيره ومنها: أن اسمه عبد العزى وكنيته: أبو عتبة، وأبو لهب لقب، وإنما لقب به -فيما ذكر ابن عباس؛ لأن وجهه كان يتلهب جمالاً، فليس بكنية قاله ابن أبي زمنين
(1)
. ومنها: أن تكون تكنيته من طريق التجنيس في البلاغة ومقابلة اللفظ بما شابهه، فكناه في أول السورة بأبي لهب؛ لقوله في آخرها:{سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)} [المسد: 3] فجعل الله ما كان يفتخر به في الدنيا ويزينه من جماله سببًا إلى المبالغة في خزيه وعذابه، فليس ذَلِكَ من طريق الترفيع والتعظيم.
فصل:
قوله في الحديث الأول: (فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة). أي: غبار. (وخمَّر ابن أبي وجهه). غطاه كبرًا وحسدًا. وقوله: (يتثاورون) أي: يتثاوبون. يقال: انتظر حَتَّى تسكن هذِه الثورة وهي الهيج. والبُحيرة: البلدة. يقال: هذِه بحرتنا أي: أرضنا. ومعنى: شرق في ذَلِكَ: غص. والصنديد: السيد الشجاع.
فصل:
قوله: (هل نفعت أبا طالب بشيء؟) فيه دلالة أن الله قد يعطي الكافر عوضًا من أعماله التي مثلها يكون قربة لأهل الإيمان بالله تعالى؛ لأنه عليه السلام أخبر أن عمه نفعه نصرته إياه وحياطته له التخفيف الذي لو لم
(1)
"تفسير القرآن العزيز" لابن أبي زمنين 5/ 171.
ينصره في الدنيا لم يخفف عنه. فعلم بذلك أنه عوض نصرته لا لأجل قرابته منه، فقد كان لأبي لهب من القرابة مثلما كان لأبي طالب فلم ينفعه ذَلِكَ، إذ كان له مؤذيًا بل قال الله تعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1].
فصل:
والضحضاح من النار: الرقيق الخفيف، وكذلك الضحضاح من الماء، ومن كل شيء: هو القليل الرقيق منه. والدرك الأسفل: الطبقة السفلى من أطباق جهنم، وقد تأول بعض السلف: أن الدرك الأسفل توابيت من نار تطبق عليهم، وقال ابن مسعود: توابيت من حديد تطبق عليهم، والإدراك في اللغة: المنازل. وذكر عن ابن مسعود أنها أيضًا: توابيت من حديد مبهمة لا أبواب لها
(1)
.
(1)
انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1098، "تفسير الطبري" 4/ 336 - 337.
116 - باب المَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الكَذِبِ
وَقَالَ إِسْحَاقُ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه يقول: مَاتَ ابن لأَبِي طَلْحَةَ، فَقَالَ: كَيْفَ الغُلَامُ؟ فقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هَدَأَ نَفَسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ. وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ. [انظر: 1301]
6209 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَحَدَا الْحَادِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ -وَيْحَكَ- بِالْقَوَارِيرِ» . [انظر: 6149 - مسلم: 2323 - فتح 10/ 593]
6210 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ وَأَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ غُلَامٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ» . قَالَ أَبُو قِلَابَةَ يَعْنِي: النِّسَاءَ. [انظر: 6149 - مسلم: 2323 - فتح 10/ 593]
6211 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَادٍ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ» . قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: ضَعَفَةَ النِّسَاءِ. [انظر: 6149 - مسلم: 2323 - فتح 10/ 594]
6212 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ:«مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا» . [انظر: 2627 - مسلم: 2307 - فتح 10/ 594]
ثم ساق حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: "وَيْحَكَ ارْفُقْ بِالْقَوَارِيرِ".
وفي رواية "رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير". قَالَ أَبُو قِلَابَةَ يَعْنِي: ضعفة النِّسَاءَ.
وفي رواية: "لا تكسر القوارير".
وحديثه أيضًا: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ:"مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا".
الشرح:
(المعاريض): كذا هو في الأصول، وكذا أورده ابن بطال
(1)
، وأما ابن التين فأورده بلفظ: المعارض، ثم قال: كذا التبويب، والصواب: المعاريض، كما في رواية أبي ذر. وهي من التعريض الذي هو خلاف التصريح، وهو التورية بالشيء عن الشيء.
ومعنى: مندوحة: متسع، يقال: منه: انتدح فلان بكذا ينتدح به انتداحًا؛ إذا اتسع به.
وقال ابن الأنباري: يقال: ندحت الشيء: وسعته.
قال الطبري: ويقال: انتدحت الغنم في مرابضها إذا (تبغددت)
(2)
واتسعت من البطنة. وانتدح بطن فلان واندحى: يعني: استرخى (واتسع)
(3)
.
قُلْتُ: فالحاصل أن هذِه اللفظة ترجع إلى الفسحة والسعة أي: فيما يستغني به الرجل عند الاضطرار إلى الكذب. وهذِه الترجمة ذكرها الطبري بإسناد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب
(4)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 356.
(2)
كذا بالأصل، وفي "تهذيب الآثار" مسند علي ص 154:(تبددت).
(3)
ساقطة من الأصل. وانظر: "تهذيب الآثار"، مسند علي بن أبي طالب ص 154.
(4)
"تهذيب الآثار" مسند علي بن أبي طالب ص 144 - 145.
وقال الهروي: إنه في حديث عمران بن الحصين
(1)
.
وقوله: (وظن أنها صادقة). أي: بما ورت به من استراحة الحياة وهدوء النفس من تعب العلة وهي صادقة في الذي قصدته. ولم تكن صادقة فيما ظنه أبو طلحة، وفهمه من ظاهر كلامها، ومثل هذا لا يسمى كذبًا على الحقيقة.
وقوله في النساء "القوارير" شبههن بها؛ لأنهن عند حركة الإبل بالحداء وزيادة مشيها به، يخاف عليهن السقوط فيحدث لهن ما يحدث بالقوارير من التكسر. وكذلك قوله:"إنه لبحر". شبه جريه بالبحر الذي لا ينقطع، أي: واسع الجري واسمه مندوب.
فهذا كله أصل في جواز المعاريض واستعمالها فيما يحل ويحرم، ونحو هذا ما روي عن ابن سيرين أنه قال: كان رجل من باهل عيونًا فرأى بغلة شريح فأعجبته، فقال له شريح: إنها إذا ربضت لم تقم حَتَّى تقام. يعني أن الله تعالى هو الذي يقيمها بقدرته. فقال الرجل: أف أف. يعني: استصغرها. والأف تقال للنتن.
(1)
حديث عمران بن حصين رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 4/ 287، وابن أبي شيبة 5/ 283 (26087)، والبخاري في "الأدب المفرد"(857)، والطبراني 18 (201)، والبيهقي في "السنن" 10/ 199، وفي "الشعب" 4/ 203 - 204 (4794) من طريق قتادة عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين موقوفًا. وهو الصحيح؛ صححه البيهقي، والألباني في تعليقه على "الأدب المفرد"(857). ورواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 567، والقضاعي في "مسند الشهاب" 2/ 119 - 120 (1011)، والبيهقي في "السنن" 10/ 199 من طريق قتادة عن زرارة بن أوفي عن عمران بن حصين مرفوعًا.
وهو ضعيف؛ ضعفه البيهقي في "الشعب" 4/ 204، والألباني في "الضعيفة"(1094).
وذكر الطبري عن الثوري في الرجل يزوره إخوانه وهو صائم، فيكره أن يعلموا بصومه، وهو يحب أن يطعموا عنده، فأي ذَلِكَ أفضل ترك ذَلِكَ أو إطعامهم؟ قال: إطعامهم أحب إلى وإن شاء قام عليهم. وقال: قد أصبت من الطعام، ويقول: قد تغديت. يعني: أمس أو قبل ذَلِكَ
(1)
.
وروي عن النخعي: أنه كان إذا كره أن يخرج إلى الرجل جلس في مسجد بيته ويقول للخادم: قولي له: هو في المسجد. وقال ابن حبيب: ما كان منها على وجه العذر أو لحياء من سخط أخيك لما بلغه عنك، ونحوه فلا بأس. وحكى عن مالك أنه لا يحب فعل ذَلِكَ.
وقال بعض العلماء: المعاريض شيء يتخلص الرجل بها من الحرام إلى الحلال، فيتحيل بها، وإنما يكره أن يحتال في حق فيبطله أو في باطل حَتَّى يموهه ويشتبه أمره، وقد قال إبراهيم النخعي ومالك: اليمين على نية الحالف إذا كان مظلومًا، وإن كان ظالمًا فعلى نية المحلوف له.
وفي كتاب ابن حبيب فيمن ألغز في يمينه فما كان في خديعة لنفر من حق عليه فهو آثم ولا يكفر ولا يأثم في غير ذَلِكَ ولا كفارة، ولا أحب له أن يفعل فجعل الأمر إلى نية الحالف، وإن كان في حق، وقد رخص عليه السلام في الكذب في ثلاث: إصلاح بين الناس، والرجل يكذب لامرأته، والكذب في الحرب
(2)
.
فمما يجوز فيه المعاريض: ما روي عن عقبة بن العيزار أنه قال: كنا
(1)
"تهذيب الآثار" مسند علي ص 145 - 146 (249).
(2)
رواه مسلم (2605) من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.
نأتي إبراهيم النخعي وكان مختفيًا من الحجاج، فكنا إذا خرجنا من عنده يقول لنا: إن سئلتم عني وحلفتم فاحلفوا بالله ما تدرون أين أنا ولا لنا به علم ولا في أي موضع هو واعنوا أنكم لا تدرون في أي موضع أنا فيه: قاعد أو قائم، فتكونون قد صدقتم.
قال عقبة: وأتاه رجل فقال: إني آت الديوان، وإني اعترضت على دابة وقد نفقت، وهم يريدون أن يحلفوني بالله أنها هذِه التي اعترضت عليها، فكيف أحلف؟ قال إبراهيم: اركب دابة واعترض عليها. يعني: يظنك راكبًا ثم احلف بالله أنها الدابة التي اعترضت تعني بظنك.
وعاتبت إبراهيمَ النخعي امرأتُه في جاريةٍ له وبيده مروحة فقال: أُشْهِدُتكُم أنها لها. وأشار بالمروحة، فلما خرجنا من عنده فقال: على أي شيء أشَهدتُكم؟ قالوا: على الجارية. قال: ألم تروني أشير بالمِروحة
(1)
.
وسئل النخعي عن رجل مر بعشار فادعى حقًا فقال: احلف بالمشي إلى بيت الله ماله عندك شيء واعن مسجد حيِّك
(2)
. وقال رجل لإبراهيم: إن السلطان أمرني أن آتي مكان كذا وكذا، وأنا لا أقدر على ذَلِكَ المكان فكيف الحيلة؟ قال: قل: والله ما أبصر إلا ما سددني غيري. يعني: إلا ما بصرني ربي
(3)
.
وفي الباب تأليف مفرد لابن دريد (سماه "الملاحن"، فمنه: والله ما سأل فلانًا وما رأيت فلانًا ولا كلمته. أي: ما ضربت رئته وما جرحته.
(1)
رواه الطبري في "تهذيب الآثار" مسند علي ص 140 - 141 (230).
(2)
رواه الطبري في "تهذيب الآثار"(231).
(3)
رواه الطبري (233).
وبطنت فلانًا: ضربت بطنه. وما أعلمته ولا أعلمني. أي: ما جعلته أعلم أي: ما شققت شفته العليا. وذكر فيه ألفاظًا أخر كثيرة)
(1)
.
(1)
من (ص 2).
117 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلشَّيْء: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَهْوَ يَنْوِي لَيْسَ بِحَقٍّ
[وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم للقبرين: "يُعذبان وما يعذبان في كبير وإنه لكبير"]
(1)
. [انظر: 216].
6213 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَيْسُوا بِشَيْءٍ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ» . [انظر: 3210 - مسلم: 2228 - فتح 10/ 595].
ثم ساق حديث عَائِشَةَ: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَيْسُوا بِشَيءٍ". . الحديث.
معنى قوله: "في كبير". يعني: شيء حقير ليسارة التحرز منه.
وقوله: "وإنه لكبير". لورود الشرع بالوعيد فيه إن لم يعف الله. وهذا الباب أصل لما تقوله العرب من نفيهم العمل كله إذا انتفت عنه الجودة والإتقان. تقول لمن لم يحكم صنعته: ما صنعت شيئًا، وما قال شيئًا لمن تكلم بحلف من الكلام على سبيل المبالغة في النفي، ولا يكون ذَلِكَ كذبًا كما قاله عليه السلام في الكهان:"ليسوا بشيء". على ما يأتون به من الكذب، يعني: الذي ليس بشيء وهو خلق موجود. وهذا الحديث نص للترجمة.
(1)
من الأصل وليس في المطبوع من البخاري.
فصل:
وقوله: ("فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ"). قال ابن الأعرابي: القر ترديد الكلام في أذن الأبكم حَتَّى يفهمه. ومعنى: قر الدجاجة: أراد صوتها إذا قطعته، يقال: قررت الدجاجة تقر تقريرا وقريرًا، فإذا رددته قُلْتُ: قرقرت قررة وقريرًا. وفي "الصحاح": قر الحديث في أذنه يقره، كأنه صبه فيها
(1)
. ضبط بضم القاف. قال الخطابي: ورواه هنا: قر الدجاجة وفيما تقدم "كما تقر القارورة"
(2)
. قال: لست أبعد أن يكون الصواب في الرواية: قر الزجاجة ليلائم القارورة، ومعنى وإن صحت القارورة فمعناه: صوت الدجاجة من قرت الدجاجة تقر قرًا وقرورًا، و (قرقرت)
(3)
: إذا قطعت صوتها. والذي تقدم عن ابن الأعرابي أنها الترديد، وروى الفربري عن أبي عبد الله: قر الدجاجة. بكسر القاف، كأنه حكاية صوتها
(4)
. والمعروف في اللغة: أن الدجاجة بفتح الدال، وذكر ابن السكيت الكسر
(5)
، وقد أسلفنا الفتح أيضًا، وبين عليه السلام أن إصابة الكاهن إنما هي من طريق استراق السمع، قال الداودي: وفيه: دليل أنه إذا اختلط شاة حية وميتة، أن أكلهما لا يحل.
(1)
"الصحاح" 2/ 790.
(2)
سلف برقم (3288).
(3)
في الأصل: (قررقرت).
(4)
"أعلام الحديث" 3/ 2217 - 2218.
(5)
"إصلاح المنطق" ص 162.
118 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ
وَقَوْلِهِ: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18)} [الغاشية: 17 - 18] وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنِ ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. [انظر: 4451]
6214 -
حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الْوَحْيُ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» . [انظر: 4 - مسلم: 161 - فتح 10/ 595]
6215 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي شَرِيكٌ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أَوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِى الأَلْبَابِ (190)} [آل عمران:190]. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح 10/ 596]
ثم ساق حديث جَابِرِ بْنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الوَحْيُ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا المَلَكُ الذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ". (وقد سلف أول الكتاب)
(1)
.
وحديث ابن عَبَّاسٍ: بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ ورسول الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أَوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ:
(1)
من (ص 2).
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، إلى قوله {لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]. (وقد سلف في الصلاة)
(1)
.
الشرح:
الإبل: لا واحد لها من لفظها وتسكن الباء؛ تخفيفًا، قال ابن عباس وغيره: هي التي يحمل عليها، وليس شيء يحمل عليه وهو بارك إلا الإبل، وفي ذَلِكَ آية، وقيل: هي القطع العظيمة من السحاب.
فصل:
وأتى البخاري بما ذكر حجة على من قال: لا ينبغي النظر إلى السماء تخشعًا وتذللًا، وهو بعض الزهاد، روي عن عطاء السلمي: أنه مكث أربعين سنة لا ينظر إلى السماء، فحانت منه نظرة فخر مغشيًّا عليه، فأصابه فتق في بطنه، وذكر الطبري عن إبراهيم التيمي: أنه كره أن يرفع البصر إلى السماء في الدعاء، قال الطبري: ولا أؤثم فاعله إذا لم يأت فيه نهي، وإنما نهي عن ذَلِكَ المصلي في دعاء كان أو غيره. والحجة في الكتاب والسنة الثابتة بخلاف هذا فلا معنى له.
ولأبي داود من حديث (ابن)
(2)
إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن عمر بن عبد العزيز، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه: كان عليه السلام إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء
(3)
.
(وقد سلف حديث أنس في النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة في باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة
(4)
.
(1)
من (ص 2).
(2)
في (ص 2): (أبي).
(3)
أبو داود (4837).
(4)
سلف برقم (750).
وفي مسلم مثله من حديث جابر بن سمرة، ومن حديث أبي هريرة في الدعاء
(1)
، وفيه من حديث أبى موسى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يرفع بصره إلى السماء، فقال:"النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتت السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون"
(2)
)
(3)
.
(1)
مسلم (428)، (429) كتاب: الصلاة، باب: النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة.
(2)
مسلم (2531) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه.
(3)
من (ص 2).
119 - باب مَن نَكتِ الْعُودِ فِي المَاءِ وَالطِّينِ
6216 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عُودٌ يَضْرِبُ بِهِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِحُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«افْتَحْ [لَهُ] وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَذَهَبْتُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ:«افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَإِذَا عُمَرُ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ -وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ- فَقَالَ:«افْتَحْ {لَهُ} وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ أَوْ تَكُونُ» . فَذَهَبْتُ فَإِذَا عُثْمَانُ، فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِى قَالَ. قَالَ اللهُ الْمُسْتَعَانُ. [انظر: 3674 - مسلم: 2403 - فتح 10/ 597]
ذكر فيه حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، وَفِي يَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عُودٌ يَضْرِبُ بِهِ بَيْنَ المَاءِ وَالطِّينِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِحُ، فَقَالَ:"افْتَحْ له وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ" .. الحديث. فذكر عمر وعثمان أيضًا.
والحائط: البستان سمي بذلك؛ لأجل الحائط المبني حوله، حوطه عليه، وحيطان: أصله حوطان، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.
وقوله: (يضرب به). وفي الباب الآتي: فجعل ينكت في الأرض بعود، وهو بمعنى الأول، إذ هو الضرب بالقضيب فيؤثر فيها، وهو ثلاثي مضموم الكاف، قاله ابن التين: وهذِه عادة العرب أخذ المخصرة والعصى والاعتماد عليها عند الكلام والمحافل والخطبة، وهو مأخوذ من أصل كريم ومعدن شريف، ولا ينكرها إلا جاهل، وقد جمع الله تعالى لموسى عليه السلام في عصاه من البراهين العظام ما آمن به السحرة المعاندون، واتخذها سليمان بن داود لخطبته موعظة وطول
صلاته، وكان ابن مسعود صاحب عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنزته، وكان عليه السلام يخطب بالقضيب، وكفى بذلك دليلًا على شرف حال العصا، وعلى ذَلِكَ الخلفاء والخطباء، وذكر أن الشعوبية تنكر على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها على المعاني وهم طائفة تبغض العرب وتذكر أمثالها وتفضل عليها العجم، وفي استعمال الشارع المخصرة الحجة البالغة على من أنكرها. وسلف عنه عليه السلام أنه طاف يستلم الركن بمحجن، وهي عصا محنية الرأس.
وقال مالك: كان عطاء بن يسار يمسك المخصرة يستعين بها، وكانت العصا لا تفارق سليمان بن داود في مصافاته، وقال مالك: كان عطاء بن يسار يمسك المخصرة يستعين بها
(1)
. والرجل إذا كبر لم يكن مثل الشباب يتقوى بها عند قيامه، وقد كان الناس إذا جاءهم المطر خرجوا بالعصي يتوكئون عليها، حَتَّى لقد كان الشباب يحبسون عصيهم، وربما أخذ ربيعة العصا من بعض من يجلس إليه حَتَّى يقوم.
(1)
في هامش الأصل: تقدم قريبًا ما نقل مالك عن عطاء.
120 - باب الرَّجُلِ يَنْكُتُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ فِي الأَرْضِ
6217 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَةٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ الأَرْضَ بِعُودٍ، فَقَالَ:«لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ فُرِغَ مِنْ مَقْعَدِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ» . فَقَالُوا: أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ. {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)} ". الآيَةَ [الليل: 5]. [انظر: 1362 - مسلم: 2647 - فتح 10/ 597]
ذكر فيه حديث عَلِيُّ رضي الله عنه: كُنَّا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَةٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ الأَرْضَ بِعُودٍ، فَقَالَ:"لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ فُرِغَ مِنْ مَقْعَدِهِ مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ". فَقَالُوا: أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ". {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)} . الآيَةَ [الليل: 5]
وقد سلف في الباب قبله الكلام على نكت. وقوله: ("اعملوا"). إلى آخره فيه: أن الله هو الموفق للأعمال، واحتجاجه بالآية:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)} [الليل: 5] قيل: هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ وذلك أنه اشترى جماعة كانوا عند المشركين. وقوله: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} [الليل: 6] قيل: الخلف. وقيل: الجنة. وقيل: لا إله إلا الله
(1)
.
(1)
انظر: "تفسير الطبري" 11/ 612، 614.
121 - باب التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ
6218 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ -يُرِيدُ بِهِ أَزْوَاجَهُ- حَتَّى يُصَلِّينَ؟ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ» . [انظر: 115 - فتح 10/ 598]
وَقَالَ ابن أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: "لَا". قُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ.
6219 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ -وَهْوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ مِنْ رَمَضَانَ- فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً مِنَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ مَعَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ الَّذِي عِنْدَ مَسْكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِمَا رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَفَذَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» . قَالَا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ!. وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا. قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا» . [انظر: 2035 - مسلم: 2175 - فتح 10/ 598]
ذكر فيه حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها -قَالَتِ اسْتَيْقَظَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِة؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجَرِ -يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ- حتى يُصَلِّينَ؟ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ".
وَقَالَ ابن أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لرسول
الله صلى الله عليه وسلم: أطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: "لَا". قُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ.
وحديث صَفِيَّةَ رضي الله عنها أَنَّهَا جَاءَتْ تَزُورُهُ في اعتكافه .. الحديث، وفيه: فقالا: سبحان الله يا رسول الله.
والمراد بالخزائن: الغنائم والمال؛ وذلك منه تعالى اختبار أو ابتلاء، والمراد بإنزال الفتن: ما قدر أن يكون منها. وقوله: "من يوقظ صواحب الحجر؟ " يريد: حَتَّى يصلين كما سلف. وقيل: ليسمعن الموعظة. وسلف الكلام في: "رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة". هل المراد الثوب الذي لا يواري ما تحته، أو الرقيق الصفيق الذي يصف المحاسن، أو كاسية من النعم عارية من الشكر، أو يكشفن بعض أجسادهن ويشددن الخمر من ورائهن فتكشف صدورهن؟ وقال الداودي أي: يعجل لها طيباتها وحسناتها.
وهذا الحديث مطابق لما بوب له؛ فإن فيه: فقال: "سبحان الله". وأما ابن (السكن)
(1)
فلم يبوب له وأدخله فيما مضى قبله، وقيل: سئل
(2)
بعض العلماء عن مناسبته، فأجاب بأنه هو كمعنى الحديث الذي قبله الموافق للترجمة بالقدر السابق على كل نفس، وكتاب (مقعدها)
(3)
من الجنة والنار في أم الكتاب وبقوله: "ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ " يحذر أسباب القدر بالتعرض للفتن الذي بالغ في التحذير منها بقوله: "القاتل والمقتول في النار"
(4)
. فلما ذكر أن لكل نفس مقعدها من ذَلِكَ أكد التحذير منها؛ فإن ذكر النار بأقوى أسبابها وهي
(1)
في (ص 2): (التين).
(2)
في هامش الأصل: يعني المهلب، قال ابن بطال: سألته عنه.
(3)
في الأصل: مقعد والمثبت موافق للسياق.
(4)
سلف برقم (31) كتاب: الإيمان، من حديث أبي بكرة.
الفتن والتعصب فيها والمقاتلة على الولاية وما يفتح على أمته من الخزائن التي تُطغي وتبطر. وليس عليه تقصير في أن أدخل ما يوافق الترجمة ثم أتبعه بما قوى معناه ولا حاجة إلى ذَلِكَ كما أسلفناه.
فصل:
والتكبير والتسبيح معناهما: تعظيم الله وتنزيهه من السوء، واستعمال ذَلِكَ عند التعجب واستعظام الأمور حسن.
وفيه: إراضة اللسان على الذكر، وذلك من أفضل الأعمال.
فصل:
والمراد بالغوابر من حديث صفية: البواقي. وقوله: (فقام معها يقلبها). أي: يصرفها، وهو ثلاثي. و"رسلكما": -بكسر الراء (وفتحها)
(1)
- أي: على هينتكما، أي: اتئدا. وقوله: (ثم نفذا) أي: مضيا مسرعين من قولهم: نفذ السهم من الرمية. وقوله: (وكَبُرَ عليهما). أي: عظم، مثل قوله:{كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5].
(1)
من (ص 2).
122 - باب (النَّهْىِ عَنِ)
(1)
الخَذْفِ
6220 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ صُهْبَانَ الأَزْدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَذْفِ وَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ» . [انظر: 4841 - مسلم: 1954 - فتح 10/ 599]
ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - بالغين المعجمة ثم فاء- المُزَنِيِّ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الخَذْفِ وَقَالَ: "إِنَّهُ لَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَا يَنكي العَدُوَّ وَإِنَّهُ يَفْقَأُ العَيْنَ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ".
(هذا الحديث سلف في الصيد، والذبائح)
(2)
(3)
.
والخذف -بالخاء والذال المعجمتين-: الرمي بالحصى. (وعبارة ابن بطَّال)
(4)
: بالسبابة والإبهام، قال: وأكثر ذَلِكَ في الرمي بالحجر، ومثه حصى الخذف في الحج. وإنما نهى عنه؛ للأذى كما ذكر، وهو مثل قوله للذي مر في المسجد بالنبل:"أمسك بنصالها"
(5)
وهذا من الآداب
(6)
. "ولا ينكي"
(7)
غير مهموز ويفقأ مهموز.
(1)
ليست في الأصل والمثبت من "اليونينية" 8/ 49.
(2)
سلف برقم (5479).
(3)
من (ص 2).
(4)
من (ص 2).
(5)
سلف برقم (451) من حديث جابر.
(6)
"شرح ابن بطال" 9/ 364 - 365.
(7)
ورد بهامش الأصل: حاشية: الأشهر أنه غير مهموز بل معتل.
123 - باب الحَمْدِ لِلْعَاطِسِ
6221 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ:«هَذَا حَمِدَ اللهَ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللهَ» . [6225 - مسلم: 2991 - فتح 10/ 599]
ذكر فيه حديث أَنَسِ رضي الله عنه عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ:"هذا حَمِدَ اللهَ، وهذا لَمْ يَحْمَدِ اللهَ".
(هذا الحديث أخرجه مسلم آخر "الصحيح" وغيره، والنسائي في "اليوم والليلة"
(1)
، قال الترمذي: حسن صحيح)
(2)
(3)
.
وعطس: بفتح الطاء في الماضي، وبالضم والكسر في مستقبله، وهذا الذي عليه العلماء أنه يشمت من حمد دون من لم يحمد، وقال مالك: فإن بعَد منك وسمعت من يليه يشمته فشمته
(4)
.
والتشميت: بالمعجمة والمهملة، قاله الخليل
(5)
وثعلب
(6)
وأبو عبيد
(7)
وغيرهم، قال ثعلب: والاختيار بالمهملة؛ لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد و (المحجة)
(8)
.
(1)
"سنن النسائي الكبرى" 6/ 64 (10050).
(2)
"سنن الترمذي"(2742).
(3)
من (ص 2).
(4)
انظر: "المنتقى" 7/ 285.
(5)
كتاب "العين" 7/ 240، مادة [سمت].
(6)
"مجالس ثعلب" 1/ 156، 420.
(7)
"غريب الحديث" 1/ 306.
(8)
في الأصل: (الجحود).
وقال أبو عبيد: الشين في كلامهم أعلى وأكثر
(1)
.
قال أبو عبد الملك: يجوز بالمهملة، وهو أفصح، يقال: سمت الإبل في المراعي إذا اجتمعت. فالمعنى: جمع الله شملك، وهذا ذكره بعض أهل اللغة في المعجمة، وقال قوم: معناهما واحد، وهو من القصد، والعرب تبدل السين من الشين. قالوا: جاحشته وجاحسته أي: زاحمته، فالمعنى: دعوت بالهدى والاستقامة على سمت الطريق، وقيل: هو من الشماتة؛ وذلك لأنك إذا قُلْت له: رحمك الله، فقد أدخلت على الشيطان ما يسخطه فيسر العاطس بذلك، وقيل: معناه: أبعد الله عنك الشماتة، وجنبك ما سمت به عليك، قاله ثعلب.
(1)
"غريب الحديث" 1/ 306.
124 - باب تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ الله
فِيهِ أبُو هُرَيرَةَ. [انظر: 3289، 6224].
6222 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ -أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ- وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالسُّنْدُسِ، وَالْمَيَاثِرِ. [انظر: 1239 - مسلم: 2066 - فتح 10/ 603]
هو بالمهملة والمعجمة كما مر، وهو الدعاء كل داع لأحد بخير، فهو مشمت. ثم ساق حديث البَرَاءِ السالف: أَمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وعدها سبعًا وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ -أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ- وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالسُّنْدُسِ، وَالْمَيَاثِرِ.
وفيه: التشميت، ولا ذكر للحمد فيه، وكأن البخاري لما ذكر حديث أنس في الباب قبله، وأشار بحديث أبي هريرة إليه، فكأنه نبه أن حديث البراء مخصوص بمن حمد. ولا حاجة بنا إلى أن يقال: إن هذا من الأبواب التي عاجلته المنية قبل تهذيبها. كما ادعاه ابن بطال
(1)
.
وقوله: (واتباع الجنازة). هو بتشديد التاء، افتعل من تبع، ومعناه: مَشَيْتُ خَلْفَها، أو مَرَّتْ بِهِ، فَمَضَيْتُ مَعَهَا، وكذلك تبع وأتبع رباعي إذا سبقك فلحقته، والجنازة: بفتح الجيم وكسرها لغتان، قيل: الفتح للميت، والكسر للسرير، وقيل: عكسه.
(1)
"شرح ابن بطال" 9/ 366.
125 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْعُطَاسِ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التَّثَاؤُبِ
6223 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ: هَا. ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» . [انظر: 3289 - مسلم: 2994 - فتح 10/ 607]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ يُحِبُّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ: هَا. ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ".
126 - باب إِذَا عَطَسَ كَيْفَ يُشَمَّتُ
؟
6224 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ -أَوْ صَاحِبُهُ-: يَرْحَمُكَ اللهُ. فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ. فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» . [فتح 10/ 608]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الحَمْدُ لله. وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ -أَوْ صَاحِبُهُ-: يَرْحَمُكَ اللهُ. فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ. فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ".
127 - باب لَا يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ إِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللهَ
6225 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه يَقُولُ: عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ، شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي. قَالَ:«إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللهَ، وَلَمْ تَحْمَدِ اللهَ» . [انظر: 6221 - مسلم: 2991 - فتح 10/ 610]
ذكر فيه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: عَطَسَ رَجُلَانِ .. الحديث، وقد سلف.
128 - باب إِذَا (تثاءب)
(1)
فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ
6226 -
حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ. وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» . [انظر: 3289 - مسلم: 2994 - فتح 10/ 611]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث السالف، والمحبة والكراهة ينصرفان على سببهما، وذلك أن العطاس يكون مع خفة البدن وانفتاح السدد والتثاؤب يغلب عند الامتلاء، وسببه: الإكثار من المأكل والتخليط فيه، فيكسل المرء عن فعل الخير. والتثاؤب: مهموز، مصدر تثاءب، ولا تقل: تثاوب.
فصل:
قوله: "فحق". أي: متأكد، كما قال عليه السلام:"من حق الإبل أن تحلب على الماء"
(2)
. أي: أنه حق في كرم المواساة، لا فرض؛ لاتفاق أئمة الفتوى على أنه لا حق في المال سوى الزكاة، وقيل: إنه فرض كفاية، إذا شمت واحد سقط عن الباقين. قاله أبو سليمان
(3)
، وحكي عن مالك
(1)
كذا في الأصول، وفي اليونينية 8/ 50:(تثاوب)، وفي هامشها: تثاءب، وعليها أبي ذر عن المستملي والحموي.
(2)
سلف برقم (2378) كتاب: المساقاة، باب: حلب الإبل على الماء ورواه مسلم برقم (987) كتاب: الزكاة، باب: إثم مانع الزكاة.
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 2226.
كالسلام
(1)
.
وقال أهل الظاهر: هو واجب متعين على كل من سمع حمد العاطس. واحتجوا بهذا الحديث، وذكر الداودي عن مالك: أن كل من سمعه يشمته، والذي في "المعونة"
(2)
: ينبغي ذَلِكَ، وهو دال على أنه أَمر إِرْشَادٍ وَنَدْبٍ.
فصل:
"فإذا قال: يرحمك الله. فليقل: يهديكم الله، ويصلح بالكم" واختلف في اختيار قول العاطس عند عطاسه، وفيما يقوله له المشمت، وفيما يرد به العاطس: فمذهب ابن عباس وابن مسعود والنخعي ومالك: الحمد لله؛ على ما في هذا الحديث. وروي عن ابن عمر
(3)
وأبي هريرة
(4)
: الحمد لله على كل حال. وقال ابن عمر: هكذا علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي عن أم سلمة: عطس رجل في جانب بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الحمد لله. ثم عطس آخر، فقال: الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيراً طيبًا مباركًا فيه. فقال عليه السلام: "ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة" وقيل: هو بالخيار في ذَلِكَ كله.
قال الداودي: قيل: إن العاطس إذا قال: الحمد لله فقط، قالت الملائكة: رب العالمين، وإن زاد: رب العالمين شمتته. وصوب الطبري التخيير في ذَلِكَ كله، وفعله السلف الصالحون فلم ينكر بعضهم من ذَلِكَ شيئًا على بعض.
(1)
انظر: "المنتقى" 7/ 286.
(2)
"المعونة" 2/ 575.
(3)
رواه الترمذي (2738).
(4)
رواه أبو داود (5033).
وأما ما يقول المشمت، فقيل: يرحمك الله؛ على ما في الحديث، روي ذَلِكَ عن أنس، ورواية عن ابن مسعود، وهو مذهب مالك وغيره، وروى عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال:"لما فرغ الله من خلق آدم عطس آدم، فألقى عليه الحمد، فقال له تعالى: يرحمك ربك". وروي عن إبراهيم قال: كانوا يعمُّون بالتشميت والسلام، وكان الحسن يقول: الحمد لله يرحمكم الله، وعن ابن مسعود وابن عمر وسالم وإبراهيم: يرحمنا الله وإياكم.
وأما ما يرد به العاطس، فعند مالك والشافعي لفظان: يهديكم الله ويصلح بالكم، وروي عن أبي هريرة والثاني: يغفر الله لكم. قال في "المعونة": والأول أفضل؛ لهذا الحديث؛ ولأن الهداية أفضل من المغفرة؛ لأنها قد تكون بلا ذنب بخلاف المغفرة
(1)
. وقال في "تلقينه": الثاني أحسن. وقيل عن الشعبي: يهديكم الله.
وروي عن ابن مسعود وابن عمر وأبي وائل والنخعي والكوفيين أنهم أنكروا الأول، واحتجوا بحديث أبي موسى أن اليهود كانوا يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول: يرحمكم الله، فيقول ذَلِكَ
(2)
. قيل: وإنما هذا يدعى به لغير مسلم. وهذا الحديث حجة عليهم. قال الطبري: ولا وجه لقولهم. واحتج عليهم الطحاوي بقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] الآية، فإذا قال جواب (يرحمك الله): يغفر الله لكم، فقد رد مثل ما حياه، وإذا رد: بـ (يهديكم الله) إلى آخره، فقد رد أحسن؛ لأن المغفرة ستر الذنوب، والرحمة ترك
(1)
"المعونة" 2/ 576.
(2)
رواه أبو داود (5038)، والترمذي (2739).
العقاب عليها؛ ومن هدي بَعُد من الذنوب، ومن أصلح باله فحاله فوق حال (المغفور)
(1)
له، فكان ذَلِكَ أولى
(2)
، والبال: الحال تقول: ما بالك أي: ما حالك؟
فصل:
إنما لم يشمت الآخر؛ تأديبًا، ولم يأمره بالحمد؛ ليشمته؛ لعله رآه أبلغ في الموعظة، وقد قيل: إن من سبق العاطس بالتحميد أمن من وجع الضرس، وقيل: الخاصرة
(3)
. وذكر عن بعض العلماء أنه قال لمن لم يحمد: كيف يقول العاطس؟ فقال: الحمد لله. قال: يرحمك الله.
فصل:
قد جاء في آخر الحديث معنى كراهية التثاؤب؛ وهو من أجل ضحك الشيطان منه، فواجب إخزاؤه وزجره برد التثاؤب، كما أمر به الشارع، بأن يضع يده على فيه.
فصل:
قال ابن القاسم: رأيت مالكًا إذا تثاءب يضع يده على فيه، وينفث في غير الصلاة، وما أدري ما نعمله في الصلاة. قال في "المستخرجة": كان لا ينفث فيها. قال: قُلْتُ: ليس ذَلِكَ في الحديث. قُلْتُ: بل، في الترمذي من حديث أبي هريرة:"فليضع يده على فيه"
(4)
.
(1)
في الأصل: (المقول) والمثبت من "مختصر اختلاف العلماء".
(2)
"مختصر اختلاف العلماء" 4/ 390.
(3)
جاء في هامش الأصل: جاء ذلك في حديث -أعني الخاصرة- وقد أخرجه شيخنا العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" فقال:
…
(4)
الترمذي (2746).
وفي مسلم في آخر "صحيحه" من حديث أبي سعيد الخدري: "فليمسك بيده على فيه"
(1)
. وبوب له البخاري ولم يأت فيه بحديث: "فيه"، ولعله فهمه من قوله:"فليرده ما استطاع". فهو من رده، وقد قال:"ضحك منه الشيطان". وفي آخر: "فإن الشيطان يدخل". فإذا كان وضع اليد مانعًا من دخوله ومن ضحكه من جوفه، كان فيه رد لموجب التثاؤب، وكأنه رد التثاؤب نفسه.
فصل:
ومعنى إضافة التثاؤب إلى الشيطان: إضافة رضي وإرادة أنه يحب أن يرى تثاؤب الإنسان؛ لأنها حال المثلبة وتغيير لصورته، فيضحك من جوفه، لا أن الشيطان يفعل التثاؤب في الإنسان؛ لأنه لا خالق للخير والشر غير الله. وفي أبي داود:"إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه؛ فإن الشيطان يدخل"
(2)
. فكل ما جاء من الإضافة إلى الشيطان فعلى معنى إضافة رضى وإضافة وسوسة.
فائدة: من علامات النبوة عدم التثاؤب، روي عن سلمة بن عبد الملك بن مروان: ما تثاءب نبي قط، ألا وإنها لمن علامات النبوة. (وفي "تاريخ البخاري" مرسلاً: أنه عليه السلام كان لا يثأب)
(3)
.
آخر كتاب البر والصلة
(4)
بحمد الله ومنه
(1)
مسلم (2995)، كتاب: الزهد والرقائق، باب: تشميت العاطس.
(2)
أبو داود (5026).
(3)
من (ص 2).
(4)
آخر كتاب: الأدب، الذي فيه: باب البر والصلة. وقد تقدم تعليق سبط على قول المصنف (كتاب البر والصلة) صفحة 321 عند حديث (6014).