المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌89 - كِتَابُ الإِكْرَاهِ وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَي: {إِلَّا - التوضيح لشرح الجامع الصحيح - جـ ٣٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌89 - كِتَابُ الإِكْرَاهِ

وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَي: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106]. وَقَالَ: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] وَهْيَ: تَقِيَّةٌ. وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} إلى قَوْلِهِ: {عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 97 - 99]، وَقَالَ:{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، فَعَذَرَ اللهُ المُسْتَضْعَفِينَ الذِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، وَالْمُكْرَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُسْتَضْعَفًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ الحَسَنُ: التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصوصُ فَيُطَلِّقُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَبِهِ قَالَ ابن عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ". [انظر: 1]

ص: 9

6940 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ:«اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» . [انظر: 804 - مسلم: 675 - فتح 12/ 311].

(وقول الله عز وجل {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] إلى قوله: {عَظِيمٌ} وقال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} آل عمران: 28] إلى قوله: {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} [النساء: 98] الآية)

(1)

وقال {(وَالْمُسْتَضْعَفِينَ)

(2)

مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ} إلى قوله: {نَصِيرًا} [النساء: 75] فَعَذَرَ اللهُ المُسْتَضْعَفِينَ الذِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ من ترك ما أمر الله به؛ وَالْمُكْرَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُسْتَضْعَفًا غير ممتنع من فعل ما أُمِر به؛ وقال الحسن: التقية إلى يوم القيامة، وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَبِهِ قَالَ ابن عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْر- رضي الله عنه -وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ").

ثم ساق من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَالْوَلِيدَ بْنَ الوَليدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأتَكَ عَلَى مُضَرَ وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ".

(1)

كذا في الأصل، وفيه خلط بين هاتين الآيتين فظاهر الكلام أنهما في سورة واحدة وإنما الآية الأولى في سورة آل عمران والثانية في سورة النساء. كما هو مخرج؟!

(2)

في الأصل: (إلا المستضعفين)، وهو خطأ، فالآية التي صدرها:{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} آخرها: {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء: 98].

ص: 10

الشرح:

أثر الحسن أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع، عن قتادة عنه

(1)

، وحديث:"الأعمال بالنية" سلف في مواضعه مسندًا، وذكر أهل التفسير أن الآية الأولى نزلت في عمار وأصحابه من أهل مكة حين كانوا مكرهين وكانوا آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحابهم بالمدينة: لستم منا حتى تهاجروا إلينا وكان فيهم عمار، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش في الطريق ففتنوهم على الكفر، فكفروا مكرهين، فنزلت

(2)

.

وقال أبو جعفر: قال أهل التفسير: إن هذِه الآية نزلت في عمار بن ياسر؛ لأنه قارف بعض ما ندبوه إليه

(3)

. قيل: ولما أخذ عمار إلى المغيرة عذبه حتى نال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أتاه قال:"أفلح أبو اليقظان"، قال عمار: ما أفلح ولا نجح ما تركني آل المغيرة حتى نلت منك، (قال:"كيف قلبك؟ " قال: مطمئنًا بالإيمان، فنزلت)

(4)

.

قال الداودي: {مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي: مات على ذلك، وقال غيره: من فتح صدره لقبوله. ووقع في "شرح ابن التين" تخليط في الآيتين بعد، وما أوردناه هو الصواب.

وقام الإجماع على من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر. هذا قول مالك والكوفيين والشافعي

(5)

.

(1)

"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 477 - 478. (33032) لكن من غير طريق المصنف.

(2)

انظر: "أسباب النزول" للواحدي (567).

(3)

"معاني القرآن" 4/ 107.

(4)

من (ص 1) والحديث رواه ابن جرير في "تفسيره" 7/ 651 (21946).

(5)

نقله ابن المنذر في "الإشراف" 3/ 161. وانظر "شرح ابن بطال" 8/ 291.

ص: 11

وقال محمد بن الحسن: إذا أظهر الشرك كان مرتدًا في الظاهر، وهو فيما بينه وبين الله على الإسلام وتبين منه امرأته، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلمًا، وهذا قول تغني حكايته عن الرد عليه لمخالفته للآيات المذكورة في أول هذا الباب.

وقالت طائفة: إنما جاءت الرخصة في القول، وأما في الفعل فلا كالإكراه للسجود لغير الله والصلاة لغير القبلة أو قتل مسلم أو ضربه أو أكل ماله أو الزنا أو الشرب أو أكل الخنزير أو أن يصلي لغير القبلة

(1)

، روي هذا عن الحسن البصري، وهو قول الأوزاعي وسحنون.

قال الأوزاعي: إذا أُكره الأسير على الشرب لا يفعل وإن قتل.

قال إسماعيل: ثنا نصر بن علي، ثنا عبد الأعلى، عن عوف، عن الحسن: أنه كان لا يجعل في النفس التي حرم الله التقية.

وقال محمد بن الحسن: إذا قيل للأسير: اسجد لهذا الصنم وإلا قتلناك، فقال: إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد، وتكون نيته لله، وإن كان لغيرها فلا وإن قتلوه.

وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء إذا أسر الإيمان، روي ذلك عن (عمر بن الخطاب)

(2)

ومكحول، وهو قول مالك وطائفة من أهل العراق.

وروى ابن القاسم، عن مالك أنه: إن أُكره على شرب الخمر أو ترك الصلاة والإفطار في رمضان فالإثم عنه مرفوع

(3)

، إلا أنه لا يجوز عند

(1)

في هامش الأصل قال الناسخ: تقدمت قريبًا جدًّا.

(2)

كذا في الأصل، وعند ابن بطال 8/ 292: عمر بن عبد العزيز.

(3)

انظر: "النوادر والزيادات" 10/ 246، 247.

ص: 12

مالك وعامة العلماء أن يقتل غيره ولا ينتهك حرمته ولا يظلمه ولا يفعل الزنا وإن أُكره على ذلك.

قال إسماعيل: وقول من جعل التقية في القول ما يشبه ما نزل من القرآن في ذلك؛ لأن الذين أكرهوا عليه ولم يكونوا له معتقدين جعل كأنه لم يكن؛ لأن الكلام ليس يؤثر بأحد أثرًا في نفس أو مال، وأفعال الأبدان ليست كذلك؛ لأنها تؤثر في الأبدان والأموال، ولا يجوز لأحد أن ينجي نفسه من القتل بأن يقتل غيره ظلمًا، وإن أكرهه على ذلك.

وقد أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر فاختار القتل أنه أعظم لأجره عند الله، ممن أجازه أبو حنيفة، ويأتي أول الباب بعد.

وقال الأبهري: لا يجوز لأحد أن يكره على هتك حرمة آدمي؛ لأن حرمته ليست بأوكد من حرمة الآخر.

فصل:

واختلفوا في طلاق المكره، فذكر ابن وهب، عن عمر بن الخطاب وعلي وابن عباس رضي الله عنهم أنهم كانوا لا يرون طلاقه شيئًا، وذكره ابن المنذر، عن ابن الزبير وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والحسن وشريح والقاسم ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور

(1)

، وظاهر ما في البخاري، عن ابن الزبير وابن عباس وابن عمر بالنسبة إلى السلطان. واختارت طائفة طلاقه، روي ذلك عن الشعبي والنخعي وأبي قلابة والزهري وقتادة، وهو قول الكوفيين. وفيها قول ثالث قاله الشعبي: إن أكرهه اللصوص فليس بطلاق، وإن أكرهه السلطان فهو طلاق

(2)

.

(1)

"الإشراف" 3/ 162.

(2)

"الإشراف" 1/ 171 - 172.

ص: 13

وفسره ابن عيينة فقال: إن اللص يقدم على قتله بخلافه

(1)

، واحتج الكوفيون بقوله عليه السلام:"ثلاث جِدهن جِد وهزلهن جِد: الطلاق والعتاق والنكاح"

(2)

. والهازل لم يقصد إيقاعه ولزمه، فالمكره كذلك، واحتج عليهم الأولون فقالوا: الفرق أن الهازل قاصد اللفظ مؤثر له فلزمه بخلافه فإنه لم يؤثره ولا اختاره، ووجدنا الطلاق لا يلزم إلا بلفظ ونية، والمكره لا نية له إنما طلق بلسانه لا بقلبه، رفع الله عنه الكفر الذي تكلم به مكرهًا ولم يعتقده وجب رفع الطلاق لرفع النية فيه.

وقول مالك هو إجماع الصحابة ولا مخالف فيهم، وأجمع المسلمون على أن المشركين لو أكرهوا رجلاً على الكفر بالله بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، وله زوجة حرة مسلمة أنها لا تحرم عليه، ولا يكون مرتدًّا بذلك، والردة فرقة بائنة، فهذا يقضي على اختلافهم في الطلاق المكره.

فصل:

واختلفوا في حد الإكراه، فروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ليس الرجل بأمين على نفسه إذا أخفته أو أوثقته أو ضربته

(3)

.

وقال ابن مسعود: ما كلام يدرأ عني سوطين إلا كنت متكلمًا به

(4)

.

(1)

ذكره عبد الرزاق في "مصنفه" 6/ 410.

(2)

رواه أبو داود (2194)، والترمذي (1184)، وابن ماجه (2039) من حديث أبي هريرة وفيه (الرجعة) بدل (العتاق). وهو حديث صححه المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 8/ 83، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"، (1904)، وفي "الإرواء" (1826). وأما لفظة (العتاق) هذِه ضعفها غير واحد: المصنف في "البدر" 8/ 81 - 84 و 9/ 722، والحافظ في "التلخيص" 3/ 209، 213.

(3)

رواه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 411.

(4)

ابن أبي شيبة 6/ 478 (33036).

ص: 14

وقال شريح والنخعي: القيد كره والوعيد كره والسجن كره

(1)

.

قال ابن سحنون: وهذا كله عند مالك وأصحابه كره، والضرب عندهم كره، وليس عندهم في الضرب والسجن توقيت إنما هو ما كان يؤلم من الضرب وما كان من سجن يدخل منه الضيق على المكره قل أو كثر، فالضيق يدخل في قليل السجن، وإكراه السلطان وغيره إكراه عند مالك.

وتناقض أهل العراق فلم يجعلوا القيد والسجن إكراهًا على شرب الخمر وأكل الميتة؛ لأنه لا يخاف منه التلف، وجعلوه إكراهًا في إقراره: عندي لفلان ألف درهم.

قال ابن سحنون: وفي إجماعهم على أن الألم والوجع الشديد إكراه ما يدل على أن الإكراه يكون من غير تلف نفس

(2)

.

فصل:

قال ابن حزم: الإكراه قسمان: إكراه على كلام وعلى فعل.

فالأول: لا يجب به شيء كالكفر والقذف والإقرار بالنكاح والرجعة والطلاق والبيع والابتياع والنذر والأيمان والعتق والهبة وغير ذلك؛ لأنه في قوله ما أكره عليه حاكٍ اللفظ، ولا شيء على الحاكي قطعًا، ومن فرق بين الأمرين فقد تناقض قوله، والأعمال بالنيات فصح أن من أكره على قول ولم ينوه مختارًا له فإنه لا يلزمه.

الثاني: قسمان: كل ما تبيحه الضرورة كالأكل والشرب فهذا يبيحه الإكراه؛ لأن الإكراه ضرورة، فمن أكره على شيء من ذلك فلا شيء

(1)

السابق.

(2)

انظر: "النوادر والزيادات" 10/ 249 - 250.

ص: 15

عليه، فإنه أتى مباحًا له إتيانه، والثاني: ما لا تبيحه كالقتل والجراح والضرب وإفساد الأموال فهذا لا يبيحه الإكراه، فمن أكره على شيء منه لزمه القَوَد والضمان؛ لأنه أتى محرمًا عليه إتيانه.

والإكراه هو كل ما سمي في اللغة إكراهًا، وعرفنا بالحس أنه إكراه كالوعيد بالقتل فيمن لا يؤمن منه إنفاذه، وبالضرب وبالسجن وبإفساد المال والوعيد في مسلم غيره بالقتل أو ضرب أو سجن أو إفساد مال؛ لقوله عليه السلام:"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"

(1)

.

فمن أكره على شرب خمر أو أكل خنزير أو ميتة أو دم أو بعض المحرمات أو أكل مال مسلم أو ذمي فمباح له أكل أو شرب ولا شيء عليه، لا حد ولا ضمان؛ لقوله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] فإن كان المكره على أكل مال مسلم له مال حاضر معه فعليه قيمة ما أكل، فإن لم يكن له مال حاضر فلا شيء عليه فيما أكل، فإن قيل: فهلا ألحقتم القتل والزنا والجراح والضرب وإفساد المال بهذا الاستدلال؟

قلنا: النص لم يبح له قط أن يرفع عن نفسه ظلمًا بظلم غيره فيمن لم يعتد عليه، وأما الواجب عليه دفع الظالم وقتاله بقوله تعالى:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده إن استطاع وإلا فبقلبه"

(2)

فصح أنه لم يبح له قط العون على الظلم، لا لضرورة ولا لغيرها، وإنما فسح له إن عجز ألا يغير بيده ولا بلسانه، وبقي عليه التغيير بقلبه ولابد والصبر لقضاء الله فقط،

(1)

سلف برقم (2442). ويأتي قريبا برقم (6951)، ورواه مسلم (2580) من حديث ابن عمر. ورواه مسلم (2564) من حديث أبي هريرة.

(2)

رواه مسلم (49) من حديث أبي سعيد.

ص: 16

وأبيح له في المخمصة بنص القرآن الأكل والشرب عند الضرورة، فلو أمسكت امرأة حتى يزنى بها، أو أمسك رجل وأدخل ذكره في فرج امرأة فلا شيء عليهما، انتشر أم لا، حصل الإمناء أم لا؛ لأن الإمناء فعل الطبيعة، وكذا الانتشار، أحب أم كره، لا صنع له في ذلك، ومن كان في سفر معصية ولم يجد شيئًا يأكله إلا حرامًا، لم يحل له أكله (حتى يتوب فيأكل)

(1)

حلالاً، فإن لم يتب أكل حرامًا، وإن لم يأكل فهو عاص لله، وهذا قول الشافعي وأبي سليمان، وقال مالك: يأكل وتأول قوله {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: 173](أي: غير باغ)

(2)

في الأكل ولا عاد فيه، وقالوا: قد قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وهو إن لم يأكل قتل نفسه.

وقال الحنفيون؛ لا يلزم الإكراه على البيع والشراء والإقرار والهبة والصدقة ولا يجوز (عليه)

(3)

شيء من ذلك، فإن أكره على النكاح أو الطلاق أو الرجعة أو العتق أو النذر أو اليمين لزمه كل ذلك، وقضي به عليه، وصح كل ذلك ولزم.

روينا من طريق حماد بن سلمة، ثنا عبد الملك بن قدامة الجمحي، ثنا أبي أن رجلاً نزل بحبل يشتار عسلًا فحلفت له امرأته لتقطعن الحبل أو ليطلقنها (ثلاثًا)

(4)

فطلقها ثلاثًا فلما خرج أتى عمر فأخبره، فقال له: ارجع إلى امرأتك فإن هذا ليس طلاقًا

(5)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

(3)

من (ص 1).

(4)

ليست بالأصل.

(5)

رواه البيهقي 7/ 357.

ص: 17

ومن طريق حماد عن حميد، عن الحسن قال: أخذ رجلاً أهلُ امرأته فإن لم يبعث بنفقتها إلى شهر فهي طالق، فجاء الأجل ولم يبعث شيئًا، فخاصموه إلى علي، فقال: اضطهدتموه، حتى جعلها عليه، وردها عليه. ومن طريق الحجاج بن منهال، ثنا هشيم، ثنا عبد الله بن طلحة الخزاعي، ثنا أبو يزيد المديني، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ليس لمكره طلاق

(1)

. وصح أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما من طرق أنه لم يجز طلاق المكره، ومن طريق ثابت الأعرج فقال: سألت كل فقيه بالمدينة عن طلاق المكره فقالوا: ليس لمكره طلاق، ثم أتيت ابن الزبير وابن عمر رضي الله عنهما فردا عليَّ امرأتي وكان قد أكُره على طلاقها ثلاثًا

(2)

، وصح هذا أيضًا عن جابر بن زيد والحسن وعطاء وطاوس وشريح وعمر بن عبد العزيز

(3)

، وهو قول مالك ومعه داود وجميع أصحابه. وصح إجازة طلاق المكره عن ابن عمر، وروي عن عمر وعلي ولم يصح عنهما، وصح عن الزهري وقتادة وإبراهيم

(4)

وسعيد بن جبير.

واحتج المجيز (بعموم)

(5)

قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى} [البقرة: 230] وهو تمويه؛ لأن الذي قال هذا قال أيضًا: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]. والمكره لم يطلق قط، وكان

(1)

رواه ابن أبي شيبة 4/ 84 عن هشام، والبيهقي 7/ 358 من طريق عفان بن مسلم، ثنا هشيم، نا عبد الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد المدني عن ابن عباس.

(2)

رواه البيهقي أيضًا 7/ 358 عن ثابت الأحنف.

(3)

آثار الحسن وعطاء وعمر بن عبد العزيز رواها ابن أبي شيبة 4/ 84 - 85.

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 85.

(5)

ليست بالأصل.

ص: 18

ينبغي أن يحتجوا في إجازة بيع المكره بعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فإن قالوا: البيع لا يكون إلا عن تراضٍ. قلنا: والطلاق لا يكون إلا عن رضًى من المطلق.

واحتجوا أيضًا بأخبار فاسدة منها ما رويناه من طريق أبي عبيد، ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا المغازي بن جبلة الجبلاني، عن صفوان بن عمران الطائي: أن رجلاً جعلت امرأته سكينًا في حلقه، وقالت: طلقني ثلاثًا أو لأذبحنك فناشدها فأبت فطلقها ثلاثًا، ثم ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا قيلولة في الطلاق"

(1)

. ورويناه أيضًا من طريق نعيم بن حماد، عن بقية، عن الغازي، عن صفوان، عن رجل من الصحابة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

. وهذا كله لا شيء؛ لأن إسماعيل وبقية ضعيفان، والغازي مجهول، وصفوان ضعيف، ثم هو مرسل

(3)

.

(1)

رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" 3/ 441 - 442 عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، به. ورواه سعيد بن منصور في "سننه" 1/ 275 - 276 (1130)، ومن طريقه العقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 211، عن إسماعيل بن عياش، به.

(2)

رواه العقيلي في "الضعفاء" 2/ 211 عن يحيى بن عثمان عن نعيم، به.

ورواه سعيد بن منصور 1/ 276 (1131)، ومن طريقه العقيلي 2/ 211 - 212 من طريق الوليد بن مسلم عن الغازي، به.

وهذا الحديث ضعيف؛ قال البخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 114 (501): الغاز بن جبلة في طلاق المكره، حديثه منكر.

وقال أبو زرعة الرازي: حديث واهٍ جدًا. "علل ابن أبي حاتم" 1/ 436. وضعفه عبد الحق الإشبيلي 3/ 200، وابن القطان في "البيان" 2/ 55 - 56 (30)، وتاج الدين التبريزي في "المعيار" 2/ 456 (1472)، والمصنف رحمه الله في "البدر" 8/ 118.

(3)

"المحلى" 8/ 331 - 332.

ص: 19

قلت

(1)

: صفوان ذكره ابن حبان في "ثقاته"

(2)

، وكذا الغازي وعرفه بروايته عن جملة من الصحابة وابنه أبو هشام بن الغازي روى عن أبيه وأهل الشام

(3)

. وبقية عابوا عليه تدليسه، وروايته عن المجاهيل، وإسماعيل روى هنا عن الشاميين، وابن حزم وغيره يحتج به في مثل ذلك، وليس كما قال من إرساله فإنه قال: عن رجل من الصحابة ولا تضر الجهالة به ولا يسمى هذا مرسلًا

(4)

.

واحتجوا

(5)

أيضًا بحديث من طريق مُطَيَّن عن حسين بن يوسف السمتي -وهو مجهول- عن محمد بن مروان -وهو مجهول- عن عطاء بن عجلان -وهو مذكور بالكذب- عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله"

(6)

وينبغي أيضًا أن يكون على رأيهم غير صحيح؛ لأنهم

(1)

القائل هو ابن الملقن رحمه الله.

(2)

"الثقات" 4/ 380.

وقال ابن حبان: يروي عن أنس، روى عنه الغاز بن جبلة، وهو أبو هشام بن الغاز.

(3)

"الثقات" 5/ 294 والمذكور فيه إنما هو الغاز بن ربيعة الجرشي، قال: من أهل الشام، يروي عن جماعة من الصحابة، روى عنه ابنه هشام بن الغاز وأهل الشام.

(4)

قلت: ظاهر صنيع المصنف رحمه الله هنا محاولة إثبات الحديث، بالرغم من أنه قد أطلق القول بضعفه في "البدر المنير" 8/ 118.

(5)

من هذا الموضع استكمل المصنف رحمه الله النقل عن ابن حزم.

(6)

رواه الترمذي (1191) من طريق مروان بن معاوية عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد عن أبي هريرة -لا ابن عباس- به. وقال: حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن عجلان، وعطاء ضعيف ذاهب الحديث.

ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 156 (1069) وضعفه وكذا أعله شيخ الإسلام ابن القيم -قدس الله روحه- في "زاد المعاد" 5/ 209، وضعفه في "أعلام الموقعين" 2/ 327، وأعله الحافظ في "الفتح" 9/ 393، وفي "الدراية" 2/ 69. وضعفه الألباني في "الإرواء" (2042).

ص: 20

يقولون: إذا خالف الراوي روايته دل على سقوط روايته؛ لأن الاعتبار عندهم برأيه لا بروايته، وهنا رأينا عبد الرزاق قد روى عن ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما لم ير طلاق المكره

(1)

.

قال: واحتجوا بالآثار التي فيها: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد"

(2)

(وهي)

(3)

كلها واهية لا تصح، واعترضوا على ما روينا من طريق الربيع بن سليمان المؤذن، عن بشر بن بكر، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"

(4)

، فإن قالوا: سأل عبد الله بن أحمد أباه عن هذا الحديث فقال: إنما رواه شيخ عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي ومالك، قال مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الأوزاعي: عن عطاء، عن ابن عباس كلاهما قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أحمد: وهذا كذب باطل ليس يروى إلا عن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(5)

.

قال ابن حزم: فاعجبوا للعجب؛ إنما كذَّب أحمد من رواه من طريق مالك عن نافع، عن ابن عمر، ومن طريق الوليد عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس، وصدق أحمد في ذلك وهذا لم يأت قط من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر ولا من طريق الوليد المذكورة،

(1)

"مصنف عبد الرزاق" 6/ 407.

(2)

تقدم تخريجه وتحسينه.

(3)

من (ص 1).

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

"العلل ومعرفة الرجال" 1/ 561.

ص: 21

إنما جاء من طريق بشر كما سلف، ومن بدل الأسانيد فقد أخطأ أو كذب إن تعمد ذلك -وقد أسلفنا في الطلاق مناقشة ابن حزم في ذلك- ثم العجب كله منهم في هذا وأنه مرسل وهم يحتجون في هذِه المسألة نفسها بما نزل في هذا عن المرسل، ثم قالوا: كيف يرفع عن الناس ما استكرهوا عليه وقد وقع منهم، وهذا اعتراض على صاحب الشرع

(1)

.

فرع:

قال: ومن أكره على سجود لصنم أو صليب فليسجد لله مبادرًا إلى ذلك ولا يبالي في أي جهة كان ذلك الصنم أو الصليب، قال تعالى:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [البقرة: 115] ولا فرق بين إكراه السلطان أو اللصوص أو غيرهما، وقد سلف ما فيه

(2)

.

فرع:

قال أيضًا: وقال الحنفيون: الإكراه بضرب سوط أو سوطين أو حبس يوم أو يومين ليس إكراهًا، قال: وقد روينا عكس مقالتهم من طريق شعبة، ثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه قال: قال لي الحارث بن سويد: سمعت ابن مسعود يقول: ما من ذي سلطان يريد أن يكلفني كلامًا يدرأ عني سوطًا أو سوطين إلا كنت متكلمًا به

(3)

.

قال ابن حزم: ولا يعرف لعبد الله من الصحابة مخالف، قال: واحتجوا في إلزام النذر واليمين بالكره بحديث فاسد من طريق حذيفة أن المشركين أخذوه وهو يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر فأحلفوه ألا يأتي

(1)

"المحلى" 8/ 334.

(2)

"المحلى" 8/ 335.

(3)

"المحلى" 8/ 336.

ص: 22

محمدًا فحلف، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم" قال: وهذا حديث مكذوب وما كان المشركون المانعون عن رسول الله قط في طريق بدر، وحذيفة لم يكن من أهل مكة إنما هو من أهل المدينة حليف للأنصار، ونص القرآن يخبر بأنهم لم يجتمعوا ببدر عن موعد ولا علم بعضهم ببعض حتى قرب العسكر، ولم يكن بينهم إلا كثيب رمل فقط. ومثلهم احتج بمثله، حاش لله أن يأمر رسول الله بإنفاذ عهد بمعصيته

(1)

.

قلت: عجيب منه، فما أنكره ثابت في "صحيح مسلم" من حديث أبي الطفيل عنه بالإسناد الصحيح

(2)

، وقال البزار: إنه قد روي من غير وجه عن حذيفة ولا نعلمه روي عن أبي الطفيل عن حذيفة إلا بهذا الإسناد

(3)

. وأخرجه ابن سعد في "طبقاته" من حديث أبي إسحاق، أراه عن مصعب بن سعد قال: أخذ حذيفةَ وأباه المشركون قبل بدر فأرادوا أن يقتلوهما فأخذوا عليهما عهد الله أن: لا تعينا علينا، فحلفنا لهم .. الحديث. ومن حديث أبي إسحاق أيضًا عن رجل، عن حذيفة به.

وهذا الرجل هو صلة بن زفر كما بينه البزار

(4)

، ورواية ابن سعد. ولا مانع من الذي قد يسافر لحاجة تعرَّض لها، وفي رواية ابن سعد: فمرا بهم وهم بالقرب من بدر فأحلفاهما.

(1)

"المحلى" 8/ 336.

(2)

"صحيح مسلم"(1787/ 98).

(3)

"مسند البزار" 7/ 228 بعد روايته الحديث.

(4)

"مسند البزار" 7/ 332 رواية رقم (2930).

ص: 23

وبيَّن الشارع لوفاء عهدهما عدم الحاجة إلى ذلك، فإن الله ناصره، ثم إن حذيفة لا شك في كونه مهاجرًا، وقد روى البزار (بإسناده)

(1)

عنه قال: خيرني رسول الله بين الهجرة والنصرة فاخترت الهجرة، ثم قال: هذا الحديث لا نعلم رواه إلا حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نحفظه إلا من حديث مسلم بن إبراهيم، عن حماد بن سلمة، عن علي، عن سعيد بن المسيب عنه

(2)

.

وقال ابن عبد البر: هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخيره بين الهجرة والنصرة

(3)

، وبنحوه ذكره ابن حبان

(4)

وابن منده وأبو نعيم

(5)

(

)

(6)

، والهجرة لا تكون من المدينة.

فصل:

قوله في الحديث: (كان يدعو في الصلاة)، أي: في القنوت.

وعياش بن أبي ربيعة من بني مخزوم، وسلمة بن هشام أخو أبي جهل، والوليد بن الوليد ابن عم أبي جهل، وهذا كان سبب القنوت.

والوطأة: الأخذة، وقال الداودي: هي الأرض.

(1)

من (ص 1).

(2)

"مسند البزار" 7/ 337 (2936).

(3)

"الاستيعاب" 1/ 394.

(4)

"الثقات" 3/ 80.

(5)

"معرفة الصحابة" 2/ 686.

(6)

في الأصل: (في آخر). ولا يُدرى وجهها.

ص: 24

‌1 - باب مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَالْقَتْلَ وَالْهَوَانَ عَلَى الْكُفْرِ

6941 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ

فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِكَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ». [انظر: 16 - مسلم: 43 - فتح 12/ 315]

6942 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، سَمِعْتُ قَيْسًا، سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ مُوثِقِى عَلَى الإِسْلَامِ، وَلَوِ انْقَضَّ أُحُدٌ مِمَّا فَعَلْتُمْ بِعُثْمَانَ كَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ. [انظر: 3862 - فتح 12/ 315].

6943 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو لَنَا؟. فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» . [انظر: 3612 - فتح 12/ 315].

ذكر فيه حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: "ثَلَاث مَنْ كنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الايمَانِ .. ". الحديث سلف في الإيمان.

وحديث إِسْمَاعِيلَ: سَمِعْتُ قَيْسًا، قال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زيدٍ رضي الله عنه: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ مُوثِقِي عَلَى الإِسْلَامِ، وَلَوِ أنْقَضَّ أُحُد مِمَّا فَعَلْتُمْ بِعُثْمَانَ كَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ. وحديث خباب بن الأرت رضي الله عنه السالف بطوله في باب: علامات النبوة.

ص: 25

وقام الإجماع أن من أكره على الكفر فاختار القتل أنه أعظم أجرًا عند الله ممن اختار الرخصة. واختلفوا فيمن أكره على (غير)

(1)

الفعل من فعل ما لا يحل له، فقال أصحاب مالك: الأخذ بالشدة في ذلك واختيار القتل والضرب أفضل عند الله من الأخذ بالرخصة، ذكره ابن حبيب وسحنون، وذكره ابن سحنون عن أهل العراق: أنه إذا تُهدد بقتل أو بقطع أوبضرب يخاف منه التلف حتى يشرب الخمر أو يأكل الخنزير فذلك له، فإن لم يفعل حتى قتل خفنا أن يكون آثمًا، وهو كالمضطر إلى أكل الميتة أو شرب الخمر غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فإن خاف على نفسه الموت فلم يأكل ولم يشرب أثم

(2)

.

وقال مسروق: من اضطر إلى شيء مما حرمه الله عليه، فلم يأكل ولم يشرب حتى مات دخل النار

(3)

. قالوا: ولا يشبه هذا الكفر وقتل المسلم؛ لأن هذا فيه رخصة، وتركه أفضل، ولم يجعل في الضرورة حلالًا.

قال سحنون: إذا لم يشرب الخمر ولا أكل الخنزير حتى قتل كان أعظم لأجره كالكفر

(4)

؛ لأن الله أباح له الكفر بضرورة الإكراه، وأباح له الميتة والدم بضرورة الحاجة إليهما، وأجمعنا أن له ترك الرخصة في قول الكفر فكذلك يلزم مخالفنا أن يقول في ترك الرخصة في الميتة ولحم الخنزير، ولا يكون معينًا على نفسه، وقد تناقض

(1)

في هامش الأصل: لعله بحذف غير.

(2)

انظر: "النوادر والزيادات" 10/ 274.

(3)

روراه عبد الرزاق 10/ 413.

(4)

انظر: "النوادر والزيادات" 10/ 248.

ص: 26

الكوفيون في هذا فقالوا كقولنا في المكره بوعيد بقطع عضو، أو قتل، على أن يأخذ مال فلان فيدفعه إلى فلان: أنه في سعة من ذلك؛ لأنه كالمضطر، ويضمن الآمر ولا ضمان على المأمور، وإن أبى أن يأخذ حتى قتله كان عندنا في سعة، فيقال لهم: هذا مال مسلم قد أحللتموه بالإكراه حتى يقتل.

واختلف أصحابنا في وجوب التلفظ على وجهين أصحهما: لا يجب، والثبات أفضل.

قال ابن بطال: وحديث خباب حجة لأصحاب مالك؛ لوصفه عليه السلام عن الأمم السالفة من كان يمشي لحمه بأمشاط الحديد وينشر بالمناشير بالشدة في دينه والصبر على المكروه في ذات الله ولم يكفروا في الظاهر ويبطنوا الإيمان ليدفعوا العذاب عنهم، فمدحهم عليه السلام بذلك، وكذا حديث أنس رضي الله عنه سوى فيه الشارع بين كراهة المؤمن الكفر وكراهيته لدخول النار، وإذا كان هذا حقيقة الإيمان فلا محالة أن الضرب والهوان والقتل عند المؤمن أسهل من دخوله النار، فينبغي أن يكون أسهل من الكفر إن اختار الأخذ بالشدة على نفسه

(1)

.

وأما ابن التين فقال: هكذا ذكر بعضهم وما ظهر لي فيه حجة؛ لأن العلماء متفقون على اختيار القتل في الكفر، وإنما يكون هذا حجة على من يقول: إن اختار الكفر أو الارتداد في حديث أنس رضي الله عنه، وأن يكره أن يعود في الكفر.

وقال في حديث خباب: "فما يصده ذلك عن دينه" والكفر قد اتفقوا على اجتناب القتل فيه فيكون حجة، وتبويب البخاري يُشعر بهذا؛ لقوله

(1)

"شرح ابن بطال" 8/ 296.

ص: 27

على الكفر، وقال قبل ذلك أحاديث الباب الثلاثة حجة لأصحاب مالك فيما ذكره.

فصل:

وقد اعترض هذا قوم بقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] ولا حجة لهم فيه في الآية؛ لقوله تعالى {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا} [النساء: 30]، وهما محرمان، وليس من أهلك نفسه في الطاعة بعادٍ ولا ظالم، ولو كان كما قالوا لما جاز لأحد أن يتقحم المهالك في الجهاد، وقد افترض على كل مسلم مقارعة رجلين من الكفار ومبارزتهما، وهذا من أبين الهلكات والضرر ومن فر من اثنين فقد أكبر المعصية وتعرض لغضب الله.

فصل:

وقول خباب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدعو الله أن يكفينا؟ يعني: عدوان الكفار عليهم بمكة قبل هجرتهم وصبرهم (وإبقائهم)

(1)

بالحديد.

وفيه من الفقه: أنه عليه السلام لم يترك الدعاء في ذلك على أن الله قد أمرهم بالدعاء أمرًا عامًّا بقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وبقوله: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43](إلا)

(2)

لأنه عليه السلام علم من الله تعالى أنه قد سبق في قدره وعلمه أنه يجري عليهم ما جرى من البلوى والمحن؛ ليؤجروا عليها على ما سلفت عادته تعالى في سائر أتباع الأنبياء من الصبر والشدة في ذات الله ثم يعقبهم (بالصبر)

(3)

(1)

كذا صورتها بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" 8/ 296:(وإيثاقهم).

(2)

من (ص 1).

(3)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" 8/ 297:(بالنصر)، وهو أوجه.

ص: 28

والتأييد والظفر وجزيل الأجر، وأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء عند كل نازلة تنزل بهم؛ لأنهم لا يعلمون الغيب فيها، والدعاء من أفضل العبادة ولا يخلو الداعي من إحدى الثلاث التي وعد الشارع بها

(1)

.

وفيه: علامات النبوة، وذلك خروج ما قال عليه السلام من تمام الدين وانتشار الأمر وإنجاز الوعد من ذلك.

فصل:

وقول سعيد: (وإن عمر موثقي على الإسلام) كان ذلك قبل أن يسلم أربعة، وكان سعيد ابن عمه وزوج أخته، وحكاية عمر في دخوله عليهم وسماعه القراءة وشج سعيد واغتساله، وإسلامه مشهور

(2)

.

وقوله في حديث خباب رضي الله عنه: (وهو متوسد ببردة). قال الداودي: هي المئزر، وإنما كان الرداء. وقال الجوهري: إنها كساء أسود مربع فيه صور تلبسه الأعراب، والجمع: برد

(3)

، والبُرُد جمع بُرْد بغير هاء على وزن فُعْل، وجمعه برود، وأبراد، والمئشار مهموز من أشرت الخشبة، (قاله الجوهري)

(4)

، ووشرت بالمنشار غير مهموز لغة من أشرت.

(1)

يشير المصنف رحمه الله إلى ما رواه الترمذي (3604) كتاب: الدعوات، باب: في الأستعاذة، عن أبي هريرة مرفوعًا:"ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه" .. الحديث. وأصله سلف برقم (6340)، ورواه مسلم (2735).

(2)

رواها ابن هشام في "سيرته" 1/ 365 - 368، وعبد الله بن أحمد في "فضائل الصحابة" 1/ 347 - 348 (374). وذكرها ابن حبان في "سيرته" ص 86.

(3)

"الصحاح" 2/ 447.

(4)

من (ص 1). وانظر: "الصحاح" 2/ 579.

ص: 29

‌2 - باب فِي بَيْعِ المُكْرَهِ وَنَحْوِهِ فِي الْحَقِّ وَغَيْرِهِ

6944 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

فَقَالَ: «انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ» . فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ المِدْرَاسِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَادَاهُمْ:«يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا» . فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَقَالَ: «ذَلِكَ أُرِيدُ» ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ. فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا القَاسِمِ. ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «اعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . [انظر: 3167 - مسلم: 1765 - فتح 12/ 317]

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: بَيْنَمَا نَحْنُ في المَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم -فقَالَ: "انْطَلِقُوا إلى يَهُودَ". فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّي أتينا بَيْتَ المِدْرَاسِ، فَقَامَ عليه السلام فَنَادَاهُمْ:"يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا". فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا القَاسِمِ. فَقَالَ: "ذاك أُرِيدُ". ثُمَّ قَالَهَا ثلاثًا. ثم قال: "اعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لله وَلرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلَّا فَاعْلَمُوا أن الأَرْضَ لله وَلرَسُولِهِ".

(الشرح)

(1)

:

عندنا أن بيع المكره بغير حق باطل بخلاف ما إذا أكره بحق (كما)

(2)

إذا كان عليه دين، وامتنع من أدائه، فإن الحاكم له أن يبيعه عليه، وله أن يكرهه على بيعه، وكذا قال المهلب: وما باعه المضغوط في حق وجب عليه فذلك ماض سائغ لا رجوع فيه عند الفقهاء؛ لأنه يلزمه أداء الحق

(1)

كذا في (ص 1) وفي الأصل: فصل.

(2)

كذا في الأصل وفي (ص 1): (نحو).

ص: 30

إلى صاحبه من غير المبيع، فلما لم يفعل كان بيعه اختيارًا منه ولزمه، ووجه الاستدلال على هذِه المسألة من هذا الحديث هو أن إخراج الشارع لليهود (حق)

(1)

؛ لأنه إنما فعل ذلك بوحي من الله فأباح لهم بيع أموالهم فكان بيعهم جائزًا؛ لأنه لم يقع الإكراه على البيع من أجل أعيان الشيء المبيع، وإنما وقع من أجل الحق الذي لزمهم في الخروج فلذلك كان بيع من وجب عليه الحق جائزًا، وأما بيع المكره ظلمًا وقهرًا، فقال محمد بن سحنون: أجمع أصحابنا وأهل العراق على أن بيع المكره على الظلم والجور لا يجوز

(2)

.

وقال الأبهري: إنه إجماع. وقال مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ: سواء وصل الثمن إلى المضغوط، ثم دفعه إلى الذي ألجأه إلى بيع ما باعه أو كان الطالب هو تولي قبض الثمن من المبتاع؛ لأن إنما يقبضه لغيره لا لنفسه، فإن ظفر بمتاعه بِيَد من ابتاعه أو بيد من اشتراه من الذي ابتاعه فهو أحق به ولا شيء عليه من الثمن، ليرجع الباعة بعضهم على بعض حتى يرجع المبتاع الأول على الظالم الذي وصل إليه الثمن، فإن فات المبتاع رجع بقيمته الذي فات عنده أو بالثمن الذي بيع به أي ذلك كان أكثر، فإن فات عند أحدهم بأكل أو لبس رجع بقيمته إن شاء أو يخير البيع ويأخذ الثمن من المبتاع

(3)

عند الجماعة خلا ابن سحنون فإنه قال: يأخذ الثمن من المشتري؛ لأنه رآه متعديًا في دفعه لمن لا يستحقه.

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر: "النوادر والزيادات" 10/ 274.

(3)

"النوادر والزيادات" 10/ 282.

ص: 31

قال الخطابي: استدل البخاري بهذا الحديث في جواز بيع المكره، وإنما المكره من أكره على بيع ما لم يُرِد بيعه، قال: واليهود لو لم يبيعوا أرضهم لم يحملوا عليه، وإنما شحوا على أموالهم فاختاروا بيعها كأنهم أضطروا إلى بيعها كمن رهقه دين فاضطر إلى بيع ماله فيكون جائزًا ولو أكره عليه لم يجز

(1)

، ولا تلزم هذِه المعاوضة؛ لأنه بوب باب: بيع المكره في الحق وغيره، وإنما ينبغي على ما بوب أنه لم يذكر في الباب الإكراه على البيع في غير الحق.

فائدة:

(بيت المِدْرَاسِ): الموضع الذي يتدارسون فيه التوراة، ومر (عبارة الخطابي فيه: إن الأرض لهم وإنهم باعوها.

وعبارة أبي جعفر فيه: إن الأرض لرسوله؛ لأنه لم يوجف عليها فليتأمل)

(2)

، وقال لهم ذلك ثلاثًا؛ تأكيدًا للإبلاغ ولو أنذرهم مرة لاكتفى.

وقوله: "أريد أن أجليكم" قال الداودي؛ لقوله تعالي: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] قال: وهذِه من الأرض التي خص الله بها رسوله إذ لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب.

قال: وقوله: "لله ولرسوله" يعني: الحكم فيها لهما، قال: وقيل: قوله: "لله" مفتاح كلام.

(1)

"أعلام الحديث"4/ 2313.

(2)

عليها: من .. إلى، وقال في الهامش: من قوله: وعبارة الخطابي إلى قوله: فليتأمل ليس هذا مكانه وإنما هو قبل ذلك، ويحتمل أن يكون بعد ذلك، والله أعلم.

ص: 32

وقوله: "أجليكم" هو رباعي من أجلى.

قال الجوهري: الجلاء: الخروج من البلد، وقد جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا، يتعدى ولا يتعدى، ويقال أيضًا: أجلوا عن البلد وأجليتهم أنا، كلاهما بالألف

(1)

.

(1)

"الصحاح" 6/ 2304.

ص: 33

‌3 - باب لَا يَجُوزُ نِكَاحُ المُكْرَهِ

{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور:33] الآية

6945 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَىْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا. [انظر: 5138 - فتح؛ 12/ 318]

6946 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو -هُوَ ذَكْوَانُ- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ؟ قَالَ:«نَعَمْ» . قُلْتُ: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ. قَالَ: «سُكَاتُهَا إِذْنُهَا» . [انظر:5137 - مسلم: 1420 - فتح 12/ 319]

ثم ساق حديث خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِّيَةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا.

وقد سلف

(1)

.

وحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِن؟ قَالَ:"نَعَمْ". قُلْتُ: إِنَّ البِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ. فقَالَ: "سُكَاتُهَا إِذْنُهَا" وسلف أيضًا

(2)

.

وإدخال البخاري الآية في هذا الباب لا أدري ما وجهه إلا أن يقال: قد نهي عن الإكراه على البغاء الذي لم يحل أصلاً، فكذا الإكراه على النكاح.

(1)

سلف برقم (5138) كتاب النكاح، باب: إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود.

(2)

سلف برقم (5137) كتاب النكاح، باب: لا يُنْكِح الأبُ وغيرُه البكرَ والثيبَ إلا برضاها.

ص: 34

وفي حديث خنساء دليل أن نكاح المكره لا يصح، وهو مذهبنا ومذهب مالك، قال محمد بن سحنون: أجمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة، قالوا: ولا يجوز المقام عليه؛ لأنه لم ينعقد

(1)

.

وقال ابن القاسم: لا يلزم المكره ما أكره عليه من نكاح أو طلاق أو عتق أو غيره

(2)

.

قال محمد بن سحنون: وأجاز أهل العراق نكاح المكره، قالوا: ولو أكره على أن ينكح امرأة بعشرة آلاف درهم وصداق مثلها ألف درهم، أن النكاح جائز ويلزمه الألف ويبطل الفضل

(3)

.

قال محمد بن سحنون: فكما أبطلوا الزائد على الألف بالإكراه، فكذلك لزمهم إبطال النكاح به، وقولهم خلاف السنة الثابتة في قصة خنساء، وفي أمره عليه السلام باستئمار النساء في أبضاعهن، فلا معنى لقولهم، وأما من جهة النظر فإنه نكاح على خيار ولا يجوز النكاح به.

قال سحنون: وإنما شُبه بنكاح الخيار؛ لأنه إذا أجازه ورضي به فإنما رضي بما كان له رده فأشبه ما عقد على الخيار، وما عقد به لو مات أحدهما قبل انقضاء مدته لم يتوارثا عند جميع أصحاب مالك.

قال سحنون: فإن وطئها المكره على النكاح غير مكره على الوطء والرضا بالنكاح لزمه النكاح على المسمى من الصداق ودرئ عنه الحد، وإن قال: وطئتها على غير رضى مني بالنكاح فعليه الحد والصداق المسمى؛ لأنه مدع لإبطال المسمى بهذا، وتحد المرأة إن أقدمت

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 10/ 258.

(2)

انظر: "المدونة" 2/ 127.

(3)

"النوادر والزيادات" 10/ 257.

ص: 35

وهي عالمة أنه مكره على النكاح، وأما المكرهة عليه وعلى الوطء فلا حد عليها، ولها الصداق، ويحد الواطئ

(1)

.

فصل:

وفي خبر خنساء قبول خبر الواحد وقبول خبر المرأة.

فصل:

وقولها: (البكر تستأمر فتستحي)، أكثر العلماء على أن نكاح ابنته الصغيرة جائز؛ لقوله تعالى:{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] ولإنكاح الصدِّيق الصدِّيقة، وانفرد ابن سيرين فقال: لا يزوجها إلا برضاها.

وقال أحمد: إذا بلغت تسع سنين ونحوها استأمرها

(2)

، وذكر ابن القصار أن البكر الصغيرة لا خلاف فيها أنه يُجبرها.

وقال الأوزاعي وأبو حنيفة والثوري: إن كانت صغيرة أجبرها وإن كانت كبيرة فلا

(3)

، وحمل أصحاب مالك قوله:("والبكر تستأمر") على اليتيمة، وكذا هو مفسر في رواية شعبة، وفيه رد على الخطابي في قوله: الاستئمار لا يكون إلا نطقًا والاستئذان يكون بدونه، وقوله:(تستحي) هو بياء واحدة، وفيه لغة أخرى (تستحيي) بيائين، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي} [البقرة: 26].

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 10/ 257 - 259.

(2)

انظر: "المغني" 9/ 404.

(3)

انظر: "الإشراف" 1/ 24، 26.

ص: 36

‌4 - باب إِذَا أُكْرِهَ حَتَّى وَهَبَ عَبْدًا أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ

وَبه قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فَإِنْ نَذَرَ المُشْتَرِى فِيهِ نَذْرًا، فَهْوَ جَائِزٌ بِزَعْمِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ دَبَّرَهُ.

6947 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ دَبَّرَ مَمْلُوكًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟» . فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. قَالَ: فَسَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ. [انظر: 2141 - مسلم: 997 - فتح 12/ 320]

ثم ساق حديث جَابِرٍ رضي الله عنه في المدبر أنه لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غيْرُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ:"مَن يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ ". فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ.

كذا وقع، وصوابه نعيم النحام، كما نبه عليه الدمياطي- بثمانمائة درهم، قال: فسمعتُ جابرًا يقول: عبدًا قبطيًّا مات عام أَوَّلَ.

وقد سلف.

والإجماع قائم على أن الإكراه على البيع والهبة لا يجوز، وما ذكر فيه عن أبي حنيفة وهو المراد بـ (بعض الناس) أنه إن أعتقه أو دبره الموهوب أو المشتري فهو جائز، فإنما قاس ذلك على البيع الفاسد، فإنه إذا مات بتدبير أو عتق مضى، وكان على المفوت له القيمةُ يوم فَوَته، والفرق بين بيع المكره وبين البيع الفاسد بيِّن، وذلك أن بائع البيع الفاسد راض بالبيع وطيبة به نفسه، لكنه لمَّا أوقعه على خلاف السنة فسد، وكان فيه القيمة، والمشتري إنما اشتراه بوجه من وجوه الحل والتراضي الذي شرطهما الله في البيع. والمكره على الهبة والبيع لم تطب نفسه على ذلك فلا يجوز إمضاء ما لم تطب به نفسه بتفويته.

ص: 37

وقال محمد بن سحنون: أجمع أهل العراق معنا أن بيع المكره باطل، وهذا يدل أن البيع عندهم غير ناقل للملك، ثم نقضوا هذا بقولهم: إذا أعتق المشتري أو رد فليس للبائع رد ذلك فيقال لهم: هل (وقع)

(1)

الإكراه ناقلاً للملك؟ فإن قالوا: لا، بطل عتق المشتري وتدبيره كما بطلت هبته، وإن كان ناقلاً للملك فأجيزوا كل شيء صنع المشتري من هبة وغيرها، هاذا قصد المشتري الشراء بعد علمه بالإكراه صار كالغاصب

(2)

، وقد أجمع العلماء في عتق الغاصب أن للسيد أن يزيله ويأخذ عبده.

وقال أهل العراق: له أن يضمن إن شاء الذي ولي الإكراه، وإن شاء المشتري العتق فجعلوه في معنى الغاصب، وقالوا: إن بيع المشتري شراءً فاسدًا ماض ويوجب القيمة، ففرقوا بينه وبين البيع الفاسد وجعلوه كالغاصب

(3)

.

ووجه استدلال البخاري بحديث جابر في هذِه المسألة: أن الذي دبره لما لم يكن له مال غيره كان تدبيره سفهًا في فعله، فرد الشارع ذلك من فعله، وإن كان ملكه للعبد صحيحًا كان من اشتراه شراءً فاسدًا ولم يصح له ملكه إذا دبره أو أعتقه أولى أن يرد فعله من أجل أنه لم يصح له ملكه

(4)

، وأما الداودي فقال: ذكر البخاري لبيع المدبر ليس من هذا الباب؛ لأنه لا إكراه فيه إلا أن يريد أنه عليه السلام باعه وكان كالمكره له على بيعه ولم يرد بالإكراه فيما يجوز؛ لأن

(1)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" 8/ 301:(بيع).

(2)

انظر: "النوادر والزيادات" 10/ 277، و"شرح ابن بطال" 8/ 300 - 301.

(3)

انظر: "النوادر والزيادات" 10/ 277.

(4)

"شرح ابن بطال" 8/ 301.

ص: 38

حاكمًا لو أكره رجلاً على بيع ماله ليؤدي دينه كان إكراهه جائزًا، والذي ذكر المالكية في هذِه القصة أنه دبر وعليه دين، ولذلك باعه الشارع.

فائدة

(1)

:

قوله: (فاشتراه نعيم بن النحام) كذا وقع هنا، وفي الأحكام، في باب: بيع الإمام على الناس

(2)

. وصوابه نعيم النحام كما نبه عليه الدمياطي.

(1)

وقع بهامش الأصل: تقدمت نحوها هنا أول الباب.

(2)

يأتي برقم (7186).

ص: 39

‌5 - باب مِنَ الإِكْرَاهِ

كَرهَا وكُرهًا -يعني: بالفتح في الكاف والضم- وَاحِدٌ.

6948 -

حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ فَيْرُوزَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: وَحَدَّثَنِي عَطَاءٌ أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِيُّ، وَلَا أَظُنُّهُ إِلاَّ ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19] الآيَةَ: قَالَ كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجَهَا، وَإِن شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجْهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِذَلِكَ. [انظر: 4579 - فتح 12/ 320]

ثم ساق حديث عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وعن عَطَاءٍ وهو أَبُو الحَسَنِ السُّوَائيُّ، قال: وَلَا أَظُنُّهُ إِلَّا ذَكَرَهُ عَنِ ابن عَبَّاسٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} الآيَةَ. قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ. إلى آخره كما سلف في التفسير.

قال المهلب: فائدة هذا الباب -والله أعلم- ليعرفك أن كل من أمسك امرأته، ولا إرب له فيها طمعًا أن تموت فلا يحل له ذلك بنص القرآن.

ص: 40

‌6 - باب إِذَا اسْتُكْرِهَتِ المَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا

لقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33]

6949 -

وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ أَنَّ صَفِيَّةَ ابْنَةَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الإِمَارَةِ وَقَعَ عَلَى وَلِيدَةٍ مِنَ الْخُمُسِ، فَاسْتَكْرَهَهَا حَتَّى افْتَضَّهَا، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدِ الْوَلِيدَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الأَمَةِ البِكْرِ يَفْتَرِعُهَا الْحُرُّ: يُقِيمُ ذَلِكَ الحَكَمُ مِنَ الأَمَةِ العَذْرَاءِ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا، وَيُجْلَدُ، وَلَيْسَ فِي الأَمَةِ الثَّيِّبِ فِي قَضَاءِ الأَئِمَّةِ غُرْمٌ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ. [فتح 12/ 321]

6950 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ، دَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ -أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةِ - فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بِهَا. فَأَرْسَلَ بِهَا، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّى فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ» . [انظر: 2217 - مسلم: 2371 - فتح 12/ 321]

وقال اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِع أَنَّ صَفِيَّةَ بنت أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الإِمَارَةِ وَقَعَ على وَلِيدَةٍ مِنَ الخُمُسِ فَاسْتَكْرَهَهَا حَتَّى افْتَضَّهَا، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الحَدَّ وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدِ الوَلِيدَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الأَمَةِ البِكْرِ يَفْتَرِعُهَا الحُرُّ: يُقِيمُ ذَلِكَ الحَكَمُ مِنَ الأَمَةِ العَذْرَاءِ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا، وَيُجْلَدُ، وَلَيْسَ فِي الأَمَةِ الثَّيّبِ فِي قَضَاءِ الأَئِمَّةِ غُرْمٌ، ولكن عَلَيْهِ الحَدُّ.

ثم ساق حديث أبي هريرة في قصة سارة مع الجبار وقد سلف.

ص: 41

(الشرح)

(1)

:

أما أثر عمر فأخرجه ابن أبي شيبة، عن حفص، عن عبد الله، عن ابن عمر: أن عمر أُتِي بإماء من إماء الإمارة استكرههن غلمان من غلمان الإمارة، فضرب الغلمان ولم يضرب الإماء

(2)

، قال: وحدثنا ابن نمير، عن عبد الله، عن نافع أن رجلاً أصاب أهل بيت فاستكره منهم امرأة فرُفع ذلك إلى أبي بكر فضربه ونفاه ولم يضرب المرأة

(3)

.

قال: وحدثنا معمر بن سليمان الرقي، عن حجاج، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه قال: استُكرهت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها الحد

(4)

.

وأما أثر الزهري حيث فرق بين البكر والثيب

(5)

، فهو قول مالك كما نقله عنه المهلب.

وقد اختلف قول مالك في وطء الأمة الثيب في الإكراه، فقال في "المدونة": إنه لا شيء عليه في وطئها غير الحد.

وروى أشهب وابن نافع عنه في (الجارية)

(6)

الزائغة تتعلق برجل تدعي أنه اغتصبها نفسها أَتُصَدَّقُ عليه بما بلغت من فضيحة نفسها بغير يمين عليها؟ قال: ما سمعت أن عليها في ذلك يمينًا وتصدق عليه، ويكون عليه غرُم ما نقصها الواطئ، وهذِه خلاف رواية ابن القاسم

(7)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

"المصنف" 5/ 501 (28412) وفيه: حدثنا حفص، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر.

(3)

"المصنف" 5/ 501 (28413) وفيه: حدثنا ابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع.

(4)

"المصنف" 5/ 501 (28411).

(5)

رواه عبد الرزاق في "المصنف" 7/ 408 (13656).

(6)

من (ص 1).

(7)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 304.

ص: 42

فصل:

وأما حديث إبراهيم وسارة فإنما شابه الترجمة من وجه خلو الكافر بسارة؛ وإن كان لم يصل إلى شيء منها، ولما لم يكن عليها ملامة في الخلوة، فكذلك لا يكون على المستكرهة ملامة ولا قيما هو في الخلوة. و (الحَكَمُ) هنا هو الحاكم بين الاثنين القاضي بما يوجب الافتراع.

فصل:

قوله تعالى: {فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] هو متعلق بقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} إلي {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 32 - 33] والغرض هنا: أجرهن بما كسبن {فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] يعني: الفتيات المكرهات.

وقال مجاهد: فإن الله للمكرهات بعد إكرههن غفور رحيم

(1)

. وبهذا المعنى حكم عمر في الوليدة التي استكرهها العبد فلم يحدها. والعلماء متفقون على أنه لا حد على امرأة مستكرهة، واختلفوا في وجوب الصداق لها، فقال عطاء والزهري: نعم، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور.

وقال الشعبي: إذا أقيم الحد (عليها)

(2)

فلا صداق، وهو قول الكوفيين

(3)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 9/ 318 (26075).

(2)

كذا بالأصل، ولعل صوابه:(عليه)، انظر:"شرح ابن بطال" 8/ 303.

(3)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 298، و"الاستذكار" 22/ 126، 127. قال مالك، والليث، والشافعي: عليه الصداق والحد جميعًا، وقال الكوفيون: عليه الحد، ولا مهر عليه، وهو قول ابن شبرمة والثوري.

ص: 43

فصل:

واختلف العلماء فيمن أكره من الرجال على الزنا، فقال مالك: عليه الحد؛ لأنه لم ينتشر إلا بلذة، وهو قول أبي ثور.

قال مالك: وسواء أكرهه سلطان أو غيره.

وقال أبو حنيفة: إن أكرهه غير سلطان حُد وإن أكرهه سلطان فالقياس أن يحد، ولكني أستحسن ألا يحد.

وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: لا يحد في الوجهين جميعًا

(1)

. ولم يراعوا الانتشار، واحتج أصحاب مالك في وجوب الحد فقالوا: الانتشار ينافي الخوف، ألا ترى أن ذلك لا يحصل إلا بوجود الشهوة والطمأنينة وسكون النفس؛ لأن من قدم ليضرب عنقه لا يحصل منه ذلك، بل ربما ذهب حسه وذهب عقله. واحتج من لم يوجبه بأنه إذا علم أنه يتخلص من القتل بذلك جاز أن ينتشر وإن كان مكرهًا.

وقالوا لأصحاب مالك: هذا يلزمكم في طلاق المكره وأنتم لا توقعونه، وفيما أكره على الفطر فأجابوا بأن طلاقه لا علامة لنا في اختياره، والإكراه ظاهر والمكره على الفطر عليه القضاء، وليس كالمتعمد إذ لا أمارة تدل على اختيار الفطر، والصورة واحدة.

فائدة تتعلق بقصة سارة:

روي أن الله تعالى كشف

(2)

لإبراهيم حتى كأنه ينظر إلى سارة مع الملك لتطمئن بذلك نفسه.

(1)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 286.

(2)

ورد بهامش الأصل: تقدمت عن "التيجان" لابن هشام كما مضى.

ص: 44

أخرى: قوله: ("فَغُطَّ حتى ركض برجله") هو بالغين المعجمة، أي: ضيق عليه.

وقال الداودي: معناه: خنق حتى نخر، ورويناه هنا بالمهملة، ويحتمل أن يكون من العطعطة، وهي حكاية صوت.

قال الشيباني: المعطوط: المقلوب، ذكره الجوهري في باب العين المهملة

(1)

.

(1)

"الصحاح" 3/ 1143.

ص: 45

‌7 - باب يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: إِنَّهُ أَخُوهُ إِذَا خَافَ عَلَيْهِ القَتْلَ أَوْ نَحْوَهُ

وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ، فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ الَظَالِمَ وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ المَظْلُومِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ. وَإِنْ قِيلَ لَهُ: لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيْتَةَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ، أَوْ تَهَبُ هِبَةً وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ في الإِسْلَامِ. وَسِعَهُ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» . وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَوْ قِيلَ لَهُ: لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيْتَةَ، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ ابْنَكَ أَوْ أَبَاكَ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، لَمْ يَسَعْهُ، لأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ. ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ: إِنْ قِيلَ لَهُ: لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوِ ابْنَكَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ، يَلْزَمُهُ فِي القِيَاسِ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ وَنَقُولُ: الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَكُلُّ عُقْدَةٍ فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ. فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ وَغَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاِمْرَأَتِهِ: هَذِهِ أُخْتِي". وَذَلِكَ فِي اللهِ» . وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِذَا كَانَ المُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا فَنِيَّةُ الحَالِفِ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَنِيَّةُ المُسْتَحْلِفِ.

6951 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ» . [انظر: 2442 - مسلم: 2580 - فتح 12/ 323]

6952 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ،

ص: 46

أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ:«تَحْجُزُهُ -أَوْ تَمْنَعُهُ- مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» . [انظر: 2443 - فتح 12/ 321]

ثم ساق حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: "الْمُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ".

وحديث أَنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "انصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْمَظْلُومًا" .. الحديث.

الشرح:

المراد بالقود في قول البخاري: (فلا قود ولا قصاص) يريد: ولا دية؛ لأن الدية تسمى أرشًا، نبه عليه الداودي، وأثر النخعي أخرجه ابن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم قال: إذا كان الحالف مظلومًا فله أن يوري بيمينه، وإن كان ظالمًا فليس له أن يوري

(1)

، وحدثنا جرير عن مغيرة، عن إبراهيم في الرجل يستحلف بالطلاق، فيحلف، قال: اليمين على ما استحلفه الذي يستحلفه، وليس نية الحالف بشيء

(2)

، وحدثنا يزيد، ثنا هشيم، ثنا عباد بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه "اليمين على نية المستحلف"

(3)

. وهذا قول مالك؛ (لأن)

(4)

اليمين على نية المظلوم أبدًا، وهو خلاف قول الكوفيين

(1)

"المصنف" 3/ 111 - 112 (12591).

(2)

"المصنف" 3/ 111 - 112 (12586).

(3)

"المصنف" 3/ 111 - 112 (12589).

(4)

من (ص 1).

ص: 47

الذين جوزوا التورية ويجعلون النية نية الحالف أبدًا، ويأتي الكلام في ذلك في الباب بعده إن شاء الله تعالى.

ومذهبنا أن العبرة بيمين الحالف إلا أن يكون المستحلف قاضيًا لا ينفعه التورية اللهم إلا أن يحلفه بالطلاق فينفعه؛ لأنه ليس له تحليفه به.

فإن قلت: كيف يكون المستحلف مظلومًا؟

جوابه: أنه إذا جحده رجل حقًّا له، ولم يكن له بينة، فإن الجاحد يحلف له وتكون النية نية المستحلف؛ لأن الجاحد ظلمه.

فصل:

قد قررنا ما قاله إبراهيم النخعي هو قول مالك، وذلك أن النية في اليمين على ثلاثة أوجه، فإن كان بطلاق أوعتاق في حق على الحالف وأحلفه الطالب بحضرة نيته قضي بظاهر يمينه ولم ينوِ.

واختلف إذا لم يكن عليه بينة وأحلفه الطالب بحضرة نيته قضي بظاهر يمينه ولم ينو، أو كانت ويمينه مما لا يقضى عليه، هل ذلك إلى نيته؛ أو إلى نية الطالب، وإن دفع ظلمًا فله نيته وإن لم يجد إلى التخلص إلا باليمين.

وقال الداودي: يريد التخلص فيما بينه وبين الله ولو كان مظلومًا ولغز بيمينه لكانت له نيته في الطلاق والعتاق والأيمان كلها، وإن لم يلغز لزمه ذلك في الأيمان التي لا كفارة فيها عند أصحابهم.

فصل:

اختلف العلماء فيمن خشي على رجل القتل فقاتل دونه، فقالت طائفة: إن قتل دونه فلا دية ولا قصاص؛ دليلهم حديث الباب "انصر

ص: 48

أخاك ظالمًا أو مظلومًا" فدل عمومه أنه لا قود عليه إذا قاتل عن أخيه كنفسه.

وروي نحوه عن عمر- رضي الله عنه. وذكر (ابن)

(1)

الماجشون أن رجلاً هربت منه امرأته إلى أبيها في زمن عمر فذهب في طلبها مع رجلين فقام أبوها إليهم بيده عمود فأخذه منه أحدهما فضربه فكسر يده وأخذ الزوج منه امرأته فلم يقده عمر وقضى له بدية اليد.

قال ابن حبيب: لم ير فيه قصاصًا؛ لأنه كفه عن عدائه بنصرته له وليس على جهة العمد الذي فيه القصاص، وقياس قول أشهب يدل أنه لا قصاص في ذلك؛ لأنه قال في الرجل يختفي عنده مظلوم فيحلفه السلطان الجائر الذي يريد دمه وماله أو عقوبته إن كان عنده، فقال: يحلف ولا حنث عليه، وروي مثله عن أنس بن مالك قال: لأن أحلف تسعين يمينًا أحب إليَّ من أن أَدُلَّ على مسلم، وقاله ميمون بن مهران.

وقالت طائفة: من قاتل دون غيره فقتل فعليه القود، هذا قول الكوفيين ويشبه مذهب ابن القاسم؛ لأنه قال في الرجل يختفي عنده الرجل من السلطان الجائر يخافه على نفسه أنه متى حلف أنه ليس عنده فهو حانث، وإن كان مأجورًا في إحياء نفسه، فلما كان حانثًا في حلفه عليه، والحنث أيسر شأنًا من القتل دل أنه ليس له أن يقاتل دونه، وهذا قول أصبغ قال: لا يعذر أحد إلا في الدراءة عن نفسه، ولا يدرأ عن ولده باليمين، وهو حانث، وقاله أكثر أصحاب مالك، قالوا: وليس حديث الباب يحيى له قتل المتعدي على أخيه الظالم له؛

(1)

ساقطة من الأصل.

ص: 49

لأن كلا الرجلين المتقاتلين أخ للذي أمره بالنصرة، ونصرة كل واحد منهما لازم له، وقال: فسر عليه السلام نصرة الظالم كيف يكفه عن الظلم ولم يأمره بقتل الظالم ولا استباحة دمه، وإنما أراد نصره دون إراقة

(1)

.

قال ابن بطال: وقال لي بعض الناس: معنى قول البخاري: (فلا قود عليه): هو أن يرى رجل رجلاً يريد قتل آخر بغير حق، فإن أمكنه دفعه توجه عليه بضربه بكل ممكن، ولا ينوي بقتاله له إلا الدفع عن أخيه خاصة دون أن يقصد إلى قتل الظالم للمستنصر في تلك المدافعة؛ فهو شهيد، كما لو دافعه عن نفسه سواء، فإن قدر المدافع على دفع الظالم بغير قتال أو بمقاتلة لا يكون فيها تلف نفس وقتله قاصدًا لقتله، فعليه القود، وموضع التناقض الذي ألزمه البخاري لأبي حنيفة في هذا الباب هو أن ظالمًا لو أراد قتل رجل وقال لابن الذي أريد قتله: لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة، إلى آخره، لم يسعه ذلك؛ لأنه ليس بمضطر عنده، ووجهه أن الإكراه إنما يكون فيما يتوجه إلى الإنسان في خاصة نفسه لا في غيره؛ لأنها معاصٍ لله ليس له أن يدفع بها معاصي غيره (وينصر)

(2)

على قتل أبيه وابنه (فيقاتل)

(3)

قاتله، ولا إثم على الابن؛ لأنه لم يقدر على الدفع إلا بمعصية تركها ولا يحل له (ذلك)

(4)

، ألا ترى قوله:(قيل له: لنقتلن أباك .. ) إلى آخره؛ لأنه قد تقدم أنه يصبر على قتل أبيه أو ابنه أو ذي رحمه، ولا يشرب الخمر ولا يأكل الميتة، فعلى هذا ينبغي ألا يلزمه كل ما عقد على نفسه من عقد، ولا يجوز له القيام في شيء منها كما لم

(1)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 305 - 306.

(2)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" 8/ 307:(ويصبر).

(3)

عليها في الأصل علامة استشكال.

(4)

من (ص 1).

ص: 50

يجز له الشرب والأكل في دفع القتل عما ذكرتم، ثم ناقض لهذا المعنى بقوله:(ولكنا نستحسن) .. إلى آخره، فاستحسن بطلان البيع، وكل ما عقده على نفسه وجعل له القيام فيه بعد أن تقدم من قوله: إن البيع والإقرار والهبة تلزمه في القياس، ولا يجوز له القيام فيها واستحسانه كقول أشهب، وقياسه كقول ابن القاسم المتقدمين.

وقول البخاري: (فرقوا .. ) إلى آخره. يريد أن مذهب أبي حنيفة في ذوي الأرحام بخلاف مذهبه في الأختين، فلو قيل لرجل: لنقتلن هذا الرجل الأجنبي أو لتبيعن عبدك أو تقر بدين أو هبة ففعل ذلك لينجيه من القتل لزمه جميع ما عقد على نفسه من ذلك، ولم يكن له فيها قيام، ولو قيل له ذلك في ذوي محارمه لم يلزمه ما عقد على نفسه من ذلك في استحسانه.

وعند البخاري ذوو الأرحام والأجنبيون سواء في أنه لا يلزمه ما عقد على نفسه في تخليص الأجنبي؛ لقوله عليه السلام: "المسلم أخو المسلم" والمراد: أخوة الإسلام لا النسب، وكذا قول إبراهيم في سارة:"أختي". فأخوة الإسلام توجب على المسلم حماية أخيه المسلم والدفع عنه، ولا يلزمه ما عقد على نفسه في ذلك من بيع ولا هبة، وله القيام متى أحب ووسعه شرب الخمر وأكل الميتة، ولا إثم عليه في ذلك ولا حد، كما لو قيل له: لتفعلن هذِه الأشياء أو لتقتلن. وسعه في نفسه إتيانها، ولا يلزمه حكمها حري أن يسعه ذلك في حماية أبيه وأخيه في النسب وذوي محارمه، ولا يلزمه ما عقد على نفسه من بيع أو هبة، ولا فرق بينهما

(1)

.

(1)

انتهى من "شرح ابن بطال" 8/ 306 - 308.

ص: 51

وقال الداودي: أما القتل فسواء كان المقتول ذا رحم أو غيره، فقيل: المأمور والقاتل إن كان الآمر سيدًا أو ذا سلطان أو الأب في ابنه الصغير أو من يخافه المأمور في ذلك.

وقال بعض المالكية: إن كان العبد فصيحًا قتل وحده، وإن كان أعجميًّا قتلا جميعًا.

فصل:

وقوله: (وإن قيل: له لتشربن الخمر) إلى قوله: (وسعه ذلك)، ثم قال:(وقال بعض الناس) إلى قوله: (لم يسعه)، قال الداودي: إن أراد لم يسعه ترك القتل فصواب، وأما الإقرار بالدين والهبة والبيع فلا يلزم.

واختلف أصحابنا في شرب الخمر وأكل الميتة هل فيه تقية؟، فالذي رويناه في البخاري (وسعه ذلك)، وقوله هو الصحيح، ويدل عليه قوله عليه السلام:"المسلم أخو المسلم" وظاهر كلامه أنه روي: (لتقتلن) بالتاء للمخاطب، والصحيح أنه بالنون (لنقتلن) للمتكلم، كأنه أراد: إن لم يفعل كذا، فأنا أقتل أباك أو أخاك، وكذلك رويناه بالنون بخلاف ظاهر تأويل الداودي.

وقال أبو عبد الملك: معنى (وسعه ذلك)، أي: تركه، قال: والإكراه عند مالك في القول يصح؛ لأنه يقول ما لا يعتقده، وأما الفعل فلا يصح فيه الإكراه؛ لأنه لا يكون إلا بنية وقصد؛ لأن الزنا لا يكون إلا بعد قصد وانتشار وكذا القتل.

فصل:

واختلف العلماء في يمين المكره فذهب الكوفيون إلى أنه يحنث، وذهب مالك إلى أن كل من أكره على يمين بوعيد أو سجن أو ضرب

ص: 52

أنه يحلف، ولا حنث عليه، وهو قول الشافعي وأبي ثور وأكثر العلماء.

حجة الكوفيين: أن المكره كان له أن يوري في يمينه وأما من لم يورِّ ولا ذهبت نيته إلى خلاف ما أكره عليه فقد قصد إلى اليمين ولو لم يرد أن يحلف يوري؛ لأن الأعمال بالنيات فلذلك لزمته اليمين.

وحجة الأكثرين أنه إذا أكره على اليمين فنيته مخالفة لقوله؛ لأنه كاره لما حلف عليه؛ ولأن اليمين عندهم على نية الحالف وأنه حلف على ما لم يرده ولا قصد نيته، وكل عمل لا نية فيه غير لازم ولا يصح الإكراه إلا أن يكون الفعل فيه مخالفًا للنية والقصد.

وقد روى سليمان بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال: التقي عثمان وحذيفة عند باب الكعبة، فقال له عثمان: أنت القائل الكلمة التي بلغتني؟ فقال: لا والله ما قلتها، فلما خلوت به قلنا: يا أبا عبد الله حلفت له، وقد قلت ما قلت، قال: إني أشتري ديني بعضه ببعض؛ مخافة أن يذهب كله

(1)

. وقال الحسن البصري: أعطهم ما شاءوا بلسانك إذا خفتهم

(2)

.

فرع: قال ابن القاسم: إذا استحلفه على مال يخاف هلاكه لزمه اليمين.

وقال عبد الملك: إن كان يسيرًا لم يوره وإلا ورى.

آخر الإكراه ولله الحمد

(1)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 6/ 478 (33040)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 279.

(2)

انظر الفصل الأخير هذا في "شرح ابن بطال" 8/ 308 - 309.

ص: 53

90

كتاب الحيل

ص: 55

بسم الله الرحمن الرحيم

‌90 - كِتَابُ الحِيَلِ

‌1 - باب فِي تَرْكِ الحِيَلِ، وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فِي الأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا

6953 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ

بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه يَخْطُبُ قَالَ:

سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا

نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». [انظر: 1 - مسلم: 1907 - فتح 12/ 327]

ساق فيه حديث: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنيات" وهو حجة لمالك وغيره: في أن الأيمان على نية المحلوف له

(1)

، وأن التورية لا تنفعه في سقوط

(1)

"النوادر والزيادات" 4/ 9.

ص: 57

الحنث خاصة، كالرجل يحلف لغريمه وهو معسر: والله ما لك عندي شيء. يعني: في هذا الوقت من أجل عسري، وأن الله قد أنظر إلى الوجود، وكالحالف: هند طالق. وزوجته اسمها ذلك، ونوى أجنبية تسمى به، أو يريد طلاقها إلى موضع سكناها أو من قيد، وكالحالف على أكل طعام وخص طعامًا بعينه، وكالحالف لغريمه وهو يريد شيئًا ما غير ما له عليه، فإن كان الحالف يخاصمه غرماؤه وزوجته وأخذه الغرماء بظاهر لفظه، ولم يلتفتوا إلى نيته في الحكم، وحملوا الكلام على مخرجه، هذا قول مالك وأهل المدينة والشافعي حرق البساط، ولم يجعل له أثرًا.

ومن أجاز التورية إنما فروا من الحنث بمعاريض الكلام، وجعلوا على نيته في يمين لا (يبلغ)

(1)

بها مال امرئ مسلم ولا يبطل حقه، وإن اقتطع بيمينه مال آخر فلا مخرج له عند أحد من أهل العلم ممن يقول بالتورية وغيرها، ولا يكون ذلك المال حلالًا عندهم، ولا بد من رده إلى صاحبه، ولو جازت التورية لنوى الإنسان عند حلفه في الحقوق غير ما طولب به، ويحل له ما اقتطعه بهذِه اليمين المعرج بها عن طريق الدعوى، ولذلك أنزل الله:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ} [آل عمران: 77] الآية فلما اتفقوا على أنه لا يحل شيء من ذلك المال [لآخذه]

(2)

علم أن التورية لا تزيل الحنث، وسقط قولهم.

(1)

كذا بالأصل، وكتب فوقها بيانًا: تبليغ. [بلا نقط] وورد بهامش الأصل: لعله أو البتُّ: يقتطع.

(2)

ليست في الأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال" 8/ 311.

ص: 58

‌2 - باب فِي الصَّلَاةِ

6954 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» . [انظر: 135 - مسلم: 225 - فتح 12/ 329]

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه السالف: "لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ".

معنى هذا الباب: الرد على أبي حنيفة في قوله: إن المحدث في صلاته يتوضأ ويبني على ما تقدم، وهو قول ابن أبي ليلى

(1)

، وقال مالك والشافعي في الجديد: يستأنف

(2)

. محتجين بهذا الحديث، وبقوله:"لا صلاة إلا بطهور"

(3)

ثم هو في حال الانصراف غير مصل؛ لانتفاء طهارته فامتنع البناء، وكل حدث منع الابتداء منع البناء يوضحه سبق المني، فكذا غيره.

وقد اتفقنا على المنع من الدوام، وكذا البناء، فإن احتج الكوفي بالراعف، وأنه يبني. قيل: الرعاف عندنا لا ينافي حكم الطهارة، والحدث ينافيها، ألا ترى أن متعمده لا تنتقض طهارته [كما لو بدره، والحدث]

(4)

ينافيها، ألا ترى أنكم لم تفرقوا بين تعمد الحدث وسبقه في النقض، وفرقتم بين تعمد المني والرعاف وغلبته في الصلاة، وفرقتم بين الإحداث في الصلاة، فقلتم: إذا غلبه المني اغتسل

(1)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 266.

(2)

انظر: "عيون المجالس" 1/ 322 (150)، "المجموع" 4/ 6.

(3)

رواه مسلم (224) من حديث ابن عمر.

(4)

بياض بالأصل بمقدار أربع أو خمس كلمات، والمثبت من "شرح ابن بطال" 8/ 312.

ص: 59

واستأنف، وإذا غلبه الحدث الأصغر بنى

(1)

، وفرقنا نحن بين الحدث وبين ما ليس يحدث.

وهذا الحديث أيضًا يرد على أبي حنيفة: أن من قعد في الجلسة الأخيرة مقدار التشهد، ثم [حدث فصلاته تامة

(2)

، ذهب إلى أن التحلل من الصلاة يقع بما يضادها من قول أو فعل ولا يتعين بالسلام. وخالفه في هذا سائر العلماء، فقالوا: لا تتم الصلاة إلا بالسلام، ولا يجوز التحلل بما يفسدها إلا إذا اعترض في خلالها على طريق النسيان؛ كالحج لا يجوز أن يقع التحلل منه بالجماع؛ لأنه لو طرأ في خلاله فسد، فكذلك الصلاة لو أحدث في خلالها ناسيًا لأفسدها ولا يتحلل منها بتعمد الحدث.

وروي عن ابن القاسم كقول أبي حنيفة ذكره عنه في "المنتقى"

(3)

، فيما حكاه ابن التين عنه.

وقال الداودي: يريد من أحدث وصلى ولم يتوضأ وهو يعلم أنه يخدع الناس بصلاته كما وقع لمهاجر أم قيس

(4)

وخادع فيها، والله أعلم بسريرته.

(1)

انظر "المحيط البرهاني" 2/ 167.

(2)

انظر "تبيين الحقائق" 1/ 148.

(3)

"المنتقي 1/ 169.

(4)

روى الطبراني 9/ 103 (8540) من طريق سعيد بن منصور، عن عبد الله بن مسعود قال: من هاجر يبتغي شيئًا فهو له. قال: هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس، وكان يسمى مهاجر أم قيس. قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 101: رجاله رجال الصحيح.

ص: 60

‌3 - باب فِي الزَّكَاةِ وَأَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ

6955 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاريُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَنَسٍ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» . [انظر: 1448 - فتح 12/ 330]

6956 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ:«الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» . فَقَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَام؟ قَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» . قَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَرَائِعَ الإِسْلَامِ. قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» . أَوْ «دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ» . وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ: حِقَّتَانِ. فَإِنْ أَهْلَكَهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ وَهَبَهَا أَوِ احْتَالَ فِيهَا فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. [انظر: 46 - مسلم: 11 - فتح 12/ 330]

6957 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاق، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَيَطْلُبُهُ وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ. قَالَ: وَاللهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ» . [انظر: 2371 - مسلم: 987 - فتح 12/ 330]

6958 -

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ

يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَبَاعَهَا بِإِبِلٍ مِثْلِهَا، أَوْ بِغَنَمٍ، أَوْ بِبَقَرٍ، أَوْ بِدَرَاهِمَ، فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ

ص: 61

بِيَوْمٍ احْتِيَالاً: فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ، وَهْوَ يَقُولُ: إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ بِسَنَةٍ، جَازَتْ عَنْهُ. [انظر: 2371 - مسلم: 987 - فتح 12/ 330]

6959 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الأَنْصَاريُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْضِهِ عَنْهَا» . [مسلم: 1638]

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا بَلَغَتِ الإِبِلُ عِشْرِينَ، فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ وَهَبَهَا قَبْلَ الحَوْلِ أَوْ بَاعَهَا، فِرَارًا وَاحْتِيَالاً لإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَتْلَفَهَا فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ فِي مَالِهِ. [انظر: 2761 - فتح 12/ 330]

ثم ساقه من حديث أنس رضي الله عنه وقد سلف في الزكاة.

ثم ساق حديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ إلى قوله: "أفلح إن صدق" وقد سلف

(1)

. وقال بعض الناس: في عشرين ومائة بعير حقتان فإن أهلكها متعمدًا أو وهبها أو احتال فيها، فرارًا من الزكاة فلا شيء عليه.

ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "يَكُونُ كنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ .. " الحديث. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَبَاعَهَا بإِبِلٍ مِثْلِهَا، أَوْ بِغَنَمٍ، أَوْ بِبَقَرٍ، أَوْ بِدَرَاهِمَ؛ فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احتِيَالاً: فَلَا شيء عَلَيْهِ، وَهْوَ يَقُولُ: إِنْ زَكَّي إِبِلَهُ قَبْلَ الحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ (شبهه)

(2)

أجزأ عَنْهُ.

ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: استفتى سعد بن عبادة الأنصاريُّ رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اقضه عنها". وقال بعض الناس: إذا بلغت

(1)

ورد في هامش الأصل: لعله سقط: ثم قال.

(2)

كذا في الأصل وفي اليونينية: (بسنة). وبهامشها: (بستة).

ص: 62

الإبل عشرين ففيها أربع شياه فإن وهبها قبل الحول أو باعها؛ فرارًا أو احتيالًا لإسقاط الزكاة فلا شيء عليه، وكذلك إذا أتلفها فماتت، فلا شيء عليه في ماله.

الشرح:

حاصل ما حكاه البخاري عن أبي حنيفة -وهو المراد ببعض الناس- ثلاثة أقوال في الفرار من الزكاة، وذلك أن أبا حنيفة قال: إن نوى بتفويته الفرار من الزكاة قبل الحول بيوم، لم تضره النية

(1)

؛ لأن ذلك لا يلزمه إلا بتمام الحول، ولا يتوجه إليه معنى قوله عليه السلام:"خشية الصدقة" إلا حينئذٍ.

وقد قام الإجماع على جواز التصرف في حلول الحول بالبيع والهبة والذبح، إذا لم ينو الفرار من الزكاة، وقام الإجماع أيضًا على أنه إذا حال الحول، وأطل الساعي أنه لا يحل التحيل للنقصان في أن يفرق بين مجتمع أو يجمع بين متفرق. وقال مالك: إذا فرق من ماله شيئًا ينوي به الفرار من الزكاة قبل الحول بشهر أو نحوه، لزمته الزكاة حين الحول آخذًا بقوله:"خشية الصدقة"

(2)

.

وقصد البخاري في الباب أن يعرفك أن كل حيلة يتحيل بها أحد في إسقاط الزكاة فإن إثم ذلك عليه؛ لأنه عليه السلام لما منع من الجمع والتفريق خشية الصدقة فُهم منه هذا المعنى، وفهم من قوله:"أفلح إن صدق" أنه من رام أن ينقص شيئًا من فرائض الله بحيلة يحتالها لا يفلح ولا يقوم له بذلك عذر عند الله.

(1)

انظر: "الأصل" 2/ 13.

(2)

انظر: "المدونة" 1/ 277، 278، و"المنتقى" 2/ 136، 137.

ص: 63

[فما]

(1)

أجاز الفقهاء من تصرف صاحب المال قرب حلول الحول فلم يريدوا به الفرار من الزكاة، ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط والله حسيبه وهو كمن فر من صيام رمضان بسفر؛ رغبة عن الفرض فالوعيد [إليه]

(2)

متوجه، ألا ترى عقوبة من منع الزكاة يوم القيامة في حديث أبي هريرة في الباب وغيره من الأحاديث السالفة في الزكاة، فهذا يدل أن الفرار منها لا يحل، وهو مطالب بذلك في الآخرة، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في النذر حجة أيضًا في ذلك؛ لأنه إذا أمره بقضاء النذر عن أمه حين فاتها القضاء، دل ذلك على أن الفرائض المهروب عنها أوكد من النذر.

وأما إذا بيعت الغنم بغنم، فإن مالكًا وأكثر العلماء

(3)

يقولون: إن الثانية على حول الأولى؛ لأن الجنس واحد والنصاب واحد والمأخوذ واحد. قال الشافعي في أحد قوليه: يستأنف بالثانية حولًا

(4)

وليس بشيء.

وأما إن باع غنمًا ببقر أو بإبل، فأكثر العلماء على الاستئناف بما يأخذ حولاً؛ لأنه باع دنانير بدراهم؛ لأن النصاب في الإبل والبقر مخالف للغنم وكذلك المأخوذ

(5)

.

(1)

ليست في الأصل، والمثبت من ابن بطال 8/ 315؛ ليستقيم به السياق.

(2)

ليست في الأصل، والمثبت من ابن بطال 8/ 315؛ ليستقيم به السياق.

(3)

انظر: "المدونة" 1/ 272 - 273، "عيون المجالس" 2/ 498، "المحلى" 6/ 92.

(4)

جاء في "مختصر المزني " بهامش "الأم" 1/ 219 قال الشافعي: وإذا بادل إبلًا بإبل أو غنمًا بغنم أو بقرًا ببقر أو صنفًا بصنف غيرها فلا زكاة حتى يحول الحول على الثانية.

(5)

انظر: "الأصل" 2/ 13، "عيون المجالس" 2/ 499 - 500، "مختصر المزني" بهامش "الأم" 1/ 219، "المغني" 4/ 136.

ص: 64

وقال في كتاب ابن سحنون فيمن باع غنمًا يستأنف في الثانية جزمًا، وفي "كتاب محمد": من باع غنمًا بإبل أو بقر، فإنهما على حول الأولى نصابًا، وإن كانت دونه استأنف جزمًا

(1)

، وقال ابن سلمة: يبني على حول الأولى أقل من نصاب. ومن الناس من يقول: إذا ملك الماشية ستة أشهر ثم باعها بدراهم (زكى الدراهم)

(2)

لتمام ستة أشهر من يوم باعها. هذا قول أحمد

(3)

وأهل الظاهر.

وما ألزمه من التناقض في قوله: بإجازة تقديم الزكاة قبل الحول بسنة فليس بمتناقض؛ لأنه لا يوجب الزكاة إلا بتمام الحول، ويجعل من قدمها كمن قدم دينًا مؤجلًا قبل أن يجب عليه، وإن تم الحول وليس بيده نصاب من تلك الماشية (رجع)

(4)

على الإمام، يؤديها إليه من الصدقة كما أدى الشارع الجمل الرباعي الخيار

(5)

إلى مَنْ هذِه حاله.

ومذهبنا: أن الحيلة في الفرار من الزكاة مكروهة كراهية تنزيه. وأما الغزالي فقال في "بسيطه": إنها تحريم

(6)

. واختلف المالكية متى يحمل من جمع أو فرق على التهمة، فقال ابن القاسم: إذا فعلا ذلك قبل الحول بشهرين أو أقل فهم خلطاء

(7)

.

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 232 - 233.

(2)

من (ص 1).

(3)

"مسائل ابن هانئ" 1/ 121 (591).

(4)

كذا في الأصل وفي "شرح ابن بطال" 8/ 316: وجب.

(5)

روى مسلم في "صحيحه"(1600/ 118) من حديث أبي رافع أن رسول الله استسلف من رجل بَكْرًا فقدمت عليه إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْرَهُ فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًّا فقال: "أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاءً".

(6)

انظر: "المجموع" 5/ 451.

(7)

انظر: "المدونة" 1/ 278.

ص: 65

وقال ابن حبيب: أدنى ذلك الشهر وما قاربه لا يجوز لهما فيه فرقة ولا أجتماع. وقال محمد: إن اجتمعا أو افترقا قبل الشهر فجائز ما لم يضرب حدًا

(1)

. وقال القاضي عبد الوهاب: إذا لم يقصد الفرار زكاها الساعي على ما وجدها عليه، ويقبل قول ربها إلا أن تظهر أمارة تقوي التهمة

(2)

.

تنبيه: وقع في ابن التين أن البخاري إنما أتى بقوله: مانع الزكاة؛ ليدل أن الفرار من الزكاة لا يحل، فهو مطالب بذلك في الآخرة، وهذا لم يرو في البخاري فاعلمه.

فرع: باع غنمًا بعين بعد أن زكى الغنم، ففي "المدونة" يزكي ثمنها من يوم زكاة الغنم

(3)

، وقال محمد بن عبد الحكم: يستأنف بالغنم حولًا. قال ابن سلمة: يزكى الغنم على حول العين بالعين من جنسه أو من غير جنسه.

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 246، "الذخيرة" 3/ 129.

(2)

"المعونة" 1/ 241 - 242.

(3)

"المدونة" 1/ 271 - 272.

ص: 66

‌4 - باب الحِيلَةِ فِي النِّكَاحِ

6960 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشِّغَارِ. قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ: يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَزَوَّجَ عَلَى الشِّغَارِ، فَهْوَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقَالَ فِي المُتْعَةِ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ المُتْعَةُ وَالشِّغَارُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. [انظر: 5112 - مسلم: 1415 - فتح 12/ 333]

6961 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنِ الحَسَنِ وَعَبْدِ اللهِ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَمَتَّعَ، فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. [انظر: 4216 - مسلم: 1407 - فتح 12/ 333].

ذكر فيه حديث نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الشِّغَارِ. قُلْتُ لِنَافِع: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ: يَنْكِحُ ابنةَ الرَّجُلِ وُينْكِحُهُ ابنتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَينْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وُينْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَزَوَّجَ عَلَى الشِّغَارِ فَهْوَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقَالَ فِي المُتْعَةِ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: المُتْعَةُ وَالشِّغَارُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.

وحديث الحَسَنِ و (عبد)

(1)

اللهِ ابني مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيَّ عَنْ أَبِيهِمَا، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما لَا يَرى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأسًا.

(1)

في الأصل: (عبيد) والمثبت من متن البخاري وهو الصواب، وانظر "تهذيب الكمال" 16/ 85 (3544).

ص: 67

فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا يَوْم خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهلية. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَمَتَّعَ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، (وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النِّكَاحُ جَائِزٌ)

(1)

وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.

الشرح:

نقل ابن بطال عن بعض من لقيه: أما نكاح الشغار ففاسد في العقد عند العقد عند مالك

(2)

، وفي الصداق عند أبي حنيفة

(3)

، ولا يكون البضع صداقًا عند أحد من العلماء إلا [أن]

(4)

أبا حنيفة يقول: هذا النكاح منعقد ويصلح بصداق المثل؛ لأنه يجوز عنده انعقاد النكاح دون ذكر الصداق بخلاف البيع، ثم يذكر الصداق فيما بعد، فلما جاز هذا عندهم كان ذكرهم للبضع بالبضع كلا ذكر، وكأنه (انعقاد النكاح دون ذكر الصداق)

(5)

، وما كان عند أبي حنيفة من النكاح فاسدًا من أجل صداقه، فلا يفسخ عنده قبل ولا بعد، ويصلح بصداق المثل وبما يفرض.

وعند مالك والشافعي: يفسخ نكاح الشغار قبل الدخول بها وبعده؛ حملًا لنهي الشارع فيه على التحريم؛ لعموم النهي، إلا أن مالكًا والشافعي اختلفا إن ذكر في الشغار دراهم. فقال مالك: إن ذكر مع أحدهما دراهم صح النكاح الذي سمي لها دون الثانية. وقال الشافعي: إن سمي لإحداهما صح النكاحان معًا، وكان للتي سمّي لها ما سمي

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر: "الاستذكار" 16/ 202.

(3)

انظر: "بدائع الصنائع" 2/ 278.

(4)

ما بين المعقوفتين من ابن بطال؛ ليستقيم بها السياق.

(5)

في (ص 1): نكاح انعقد بغير صداق.

ص: 68

وللأخرى صداق المثل. وقد سلف هذا في كتاب النكاح وهو غريب عنه.

وأما المتعة فإن فقهاء الأمصار لا يجيزون نكاح المتعة بحال. وقول بعض أصحاب أبي حنيفة: المتعة والشغار جائز، والشرط باطل. غير صحيح؛ لأن المتعة منسوخة بنهي الشارع كما سلف في بابها، ولا يجوز مخالفة النهي، وفساد نكاح المتعة من قبل (المنع)

(1)

(2)

.

فصل:

قوله: (قلت لنافع: ما الشغار؟ قال .. ) إلى آخره هو صحيح.

وقوله في الآخر يدل أن الشغار يصح فيمن لا يجبر وهو ما في "المدونة" في قوله: من يزوج مولاته أن الشغار يكون فيه، وذكر بعض المتأخرين أن الشغار إنما يصح فيمن يجبر على النكاح من غير مشورة. وذكر هنا تفسير الشغار عن نافع، وروي عن ابن عمر عند مالك

(3)

.

(فرع)

(4)

:

اختلف عند المالكية في نكاح المتعة إذا ترك هل يحد إذا وطيء فيه؟ ففي "المدونة": يعاقب

(5)

، وقال ابن نافع وغيره: يحد إذا علم بتحريمه

(6)

.

(1)

كذا في الأصل، وفي "شرح ابن بطال": البضع.

(2)

انتهى من "شرح ابن بطال" 8/ 316، 317 بتصرف يسير.

(3)

"الموطأ" ص 331 وقال الشافعي في "الأم" 5/ 68 بعد هذا الحديث: لا أدري تفسير الشغار في الحديث أو من عمر أو نافع أو مالك.

(4)

في (ص 1): فصل.

(5)

"المدونة" 4/ 380.

(6)

انظر "المنتقى" 3/ 335.

ص: 69

وقد ذكر بعض المشيخة ضابطًا فقال: كل محرم بالسنة لاحد فيه أو بالكتاب حد، والمتعة كانت مباحة إما عام الفتح أو حجة الوداع ثم نهي عنها بعد ثلاث.

وقال الداودي: وفي هذا الحديث بعض الوهم من بعض من ينقله عن علي رضي الله عنه وتقدم، قال هنا: نهي عنها يوم خيبر، والإذن في المتعة كان بعد خيبر بلا خلاف، وإنما الصحيح: أن عليَّا رضي الله عنه -قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحُمُر يوم خيبر، وعن متعة النساء فتم الكلام في الحُمُر وأتى بكلام بعده، والواو يأتي فيها التقديم والتأخير. قال: وقول عمر رضي الله عنه في المتعة: لو تقدمت فيها لرجمت فيها

(1)

. قاله تغليظًا.

(1)

رواه مالك في"الموطأ" ص 336. وانظر "الاستذكار" 16/ 305 في توجيه قول عمر رضي الله عنه.

ص: 70

‌5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاحْتِيَالِ فِي البُيُوعِ، وَلَا يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلأ

6962 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الكَلأ» [انظر: 2353 - مسلم: 1566 - فتح 12/ 335]

ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه باللفظ المذكور، وهذا إنما هو لما أراد أن يصون ما حول بئره من الكلأ من النعم الواردة للشرب، وهو لا حاجة له به إلى الماء الممنوع، إنما حاجته إلى منع الكلأ فمنع من الاحتيال في ذلك؛ لأن الكلأ والنبات (الذي)

(1)

في المسارح غير المتملكة مباح لا يجوز منعه، وفيه معنًى آخر، وهو أنه قد يخص أحد معاني الحديث، ويسكت عن معان أخر؛ لأن ظاهر الحديث يوجب ألا ينهى عن فضل الماء إلا إذا أريد به منع الكلأ، [وإن لم يرد به منع الكلأ]

(2)

فلا ينهى عن منع الماء. والحديث معناه: لا يمنع فضل الماء (إلا)

(3)

بوجه من الوجوه؛ لأنه إذا لم يمنع بسبب غيره، فأحرى ألا يمنع بسبب نفسه، وقد سماه الشارع فضلاً، فإن لم يكن فيه فضل عن حاجة صاحب البئر، جاز منعه لمالك البئر.

والكلأ -مهموز: العشب الرطب، ولا يقال له: حشيش؛ حتى يهيج.

(1)

في الأصل: التي.

(2)

من "ابن بطال" 8/ 318. وبها يستقيم السياق.

(3)

كذا في الأصل ويستقيم السياق بدونها و"انظر شرح ابن بطال".

ص: 71

‌6 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَاجُشِ

6963 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ النَّجْشِ. [انظر: 2142 - مسلم: 1516 - فتح 12/ 336]

ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أنه عليه السلام نَهَى عَنِ النَّجْشِ. وقد سلف، ووجهه أنه ضرب من التحيل في تكثير الثمن، وقد سلف تفسيره، فإن ترك وفاتته السلعة، وكان ذلك بعلم صاحبها كان له الأقل من الثمن، أو القيمة. قاله ابن التين وأصل النجش: الإطراء.

ص: 72

‌7 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الْخِدَاعِ فِي الْبُيُوعِ

وَقَالَ أَيُّوبُ: يُخَادِعُونَ اللهَ كَمَا يُخَادِعُونَ آدَمِيًّا، لَوْ أَتَوُا الأَمْرَ عِيَانًا كَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ.

6964 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي البُيُوعِ، فَقَالَ:«إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ» . [انظر: 2117 - مسلم: 1533 - فتح 12/ 336]

هذا رواه وكيع بن الجراح، عن سفيان بن عيينة عنه

(1)

.

ثم ساق البخاري حديث ابن عمر السالف في البيوع أن رجلاً ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع، فقال:"إذا بايعت فقل: لا خلابة". أي: لا خديعة ولا غبن فإن ذلك لا يحل مثل أن يدلس بالعيب أو يسمي بغير اسمه، فلا يحل مطلقًا، و [أما]

(2)

الخديعة [التي هي](2) تزيين السلعة والثناء عليها، والإطناب في مدحها فمتجاوز عنه ولا ينفض له البيع.

(1)

قال ابن حجر في "فتح الباري" 12/ 336: وصله وكيع في "مصنفه"، عن سفيان ابن عيينة، عن أيوب وهو السختياني. اهـ.

(2)

ليس في الأصل، والمثبت يستقيم به السياق. وانظر "شرح ابن بطال" 8/ 319.

ص: 73

‌8 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الاحْتِيَالِ لِلْوَلِيِّ فِي الْيَتِيمَةِ المَرْغُوبَةِ، وَأَنْ لَا يُكَمِّلَ صَدَاقَهَا

.

6965 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:3]. قَالَتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا، فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ، إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} [النساء: 127] فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. [انظر: 2494 - مسلم: 3018 - فتح 12/ 337]

ثم ساق عن عَائِشَةَ رضي الله عنها في: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]. إلى آخره سلف.

وفيه: أنه لا يجوز للولي أن يتزوج يتيمة بأقل من صداقها، ولا أن يعطيها من العروض في صداقها ما لا يفي بقيمة صداق مثلها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قصر الرجل على أربع من النساء من أجل اليتامى

(1)

.

ومعناه: أن سبب نزول القرآن بإباحة أربع كان من أجل سؤالهم عن اليتامى، وكانوا يستفتونه لما كانوا يخافونه من الحيف عليهن، فقيل له: إن خفتم الحيف عليهن فاتركوهن فقد أحللت لكم أن تنكحوا أربعًا.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 575 (8465)، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 9/ 285 (4755).

ص: 74

فإن قال قائل ممن لا فهم له بكتاب الله من أهل البدع: كيف يخافون ألا يقسطوا في اليتامي ويؤمرون بنكاح أربع، وهم عن القسط بينهن أعجز؟

قال أبو بكر بن الطيب: ومعنى الآية: إن خفتم ألا تعدلوا في اليتامى الأطفال اللاتي لا أولياء لهن يطالبونكم بحقوق الزوجية، وتخافوا من أكل أموالهن بالباطل؛ لعجز الأطفال عن منعكم منها فانكحوا سِواهن (أربعًا)

(1)

من النساء البزل القادرات على تدبير أموالهن ذوات الأولياء الذين يمنعونكم من تحيف أموالهن، ويأخذونكم بالعدل بينهن، فإنهم عند ذلك أبعد عن أكل أموالهن بالباطل والاعتداء عليهن. قال النحاس: وأهل النظر على قول عائشة رضي الله عنها. قال المبرد: التقدير: فإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى. ثم حذف هذا، ودل عليه {فَانْكِحُوا}

(2)

وقال بقول ابن عباس رضي الله عنهما جماعة من أهل اللغة منهم: الفراء وابن قتيبة

(3)

، وقول عائشة أعلى إسنادًا وأجود عند أهل النظر.

(1)

من (ص 1).

(2)

"معاني القرآن" للنحاس 2/ 12 - 13 ونقل كلام المبرد.

(3)

"معاني القرآن" للفراء 2/ 253، "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص 72.

ص: 75

‌9 - باب إِذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ

فَقُضِىَ بِقِيمَةِ الجَارِيَةِ الْمَيِّتَةِ، ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا، فَهْيَ لَهُ وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ، وَلَا تَكُونُ القِيمَةُ ثَمَنًا. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الجَارِيَةُ لِلْغَاصِبِ لأَخْذِهِ الْقِيمَةَ، وَفِي هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهَى، جَارِيَةَ رَجُلٍ لَا يَبِيعُهَا، فَغَصَبَهَا وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا مَاتَتْ حَتَّى يَأْخُذَ رَبُّهَا قِيمَتَهَا، فَيَطِيبُ لِلْغَاصِبِ جَارِيَةَ غَيْرِهِ. قَالَ:«أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» ، «وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

6966 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ» [انظر: 3188 - مسلم: 1735 - فتح 12/ 338]

ثم ساق حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ".

ص: 76

‌10 - باب

6967 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» [انظر: 2458 - مسلم: 1713 - فتح 12/ 339]

ساق فيه حديث زَيْنَبَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إليَّ .. "، الحديث.

احتج البخاري في هذا الباب على أبي حنيفة، ورد قوله أن الجارية للغاصب إذا وجدها ربها. واعتل أبو حنيفة بأنه إذا أخذ قيمتها من الغاصب فلا حق له فيها؛ لأنه لا يجمع الشيء وبدله في شيء واحد أبدًا، والصحيح ما ذهب إليه البخاري، وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور

(1)

أن صاحبها مخير بين أن يرد القيمة ويأخذها، وبين أن يمسك القيمة ويتركها، وهذا إذا أخفاها، وزعم أنها ماتت، دون مالك، فقال: إن وجدها ربها عند مشتريها من الغاصب لم تتغير فهو مخير بين أخذها أو قيمتها يوم الغصب أو الثمن الذي باعها (به)

(2)

الغاصب، وإن وجدها عند الغاصب لم تتغير، وهي أحسن مما كانت يوم غصبها، ولم يكن جحدها الغاصب، ولا حكم عليه بقيمتها فليس له إلا أخذها ولا يأخذ قيمتها. هذا قوله في "المدونة" وهو مشهور

(1)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 4/ 179، "المدونة" 4/ 176، "مختصر المزني" ص 165.

(2)

في الأصل: (منه)، ولعله تحريف.

ص: 77

مذهبه

(1)

، وذكر في "الزاهي" عن بعض أصحاب مالك أنه ليس له أن يجيز بيع الغاصب -وهذا مثل مذهب الشافعي

(2)

- وإن وجدها عند مشتريها وكانت من الوخش ولم تتغير لم يكن له إلا أخذها، وإن كانت رائعة فأطلق الجواز في "المدونة" كما سلف.

وقال مطرف وابن الماجشون: هو مخير بين أخذها أو قيمتها إذا غاب عليها الغاصب

(3)

، والحجة لمن خالف أبا حنيفة بيان الشارع: أنه "لا يحل مال مسلم إلا عن طيب نفس منه"

(4)

، وأن حكم الحاكم لا يحل ما حرم الله ورسوله، لقوله عليه السلام:"فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار".

وقال أبو حنيفة: إن القيمة ثمن. ليس كذلك؛ لأن القيمة إنما وجبت؛ لأن الجارية متلفة لا يقدر عليها، فلما ظهرت وجب له أخذها؛ لأن أخذ القيمة ليس ببيع يبيع بائعه به، وإنما أخذها؛ لهلاكها، فلما زال ذلك وجب الرجوع إلى الأصل الذي كان عليه وهو تسليم الجارية إلى صاحبها.

وقد فرق أهل العلم بين القيمة والثمن، فجعلوا القيمة في الشيء المستهلك وفي البيع الفاسد، وجعلوا الثمن في الشيء القائم، والفرق بين البيع الفاسد والغصب أن البائع قد رضي بأخذ الثمن عوضًا عن

(1)

"المدونة" 4/ 176.

(2)

انظر: "البيان" للعمراني 7/ 70.

(3)

انظر: "النوادر والزيادات" 10/ 316.

(4)

رواه أحمد 3/ 423 من حديث عمرو بن يثربي، وفي الباب عن غير واحد من الصحابة: انظر "تلخيص الحبير" 3/ 45 - 46، والحديث صححه الألباني في "الإرواء"(1459) مفصلًا طرقه وما فيها، فانظره.

ص: 78

سلعته، وأذن للمشتري في التصرف فيها، وإنما جهل السنة في البيع، فإصلاح هذا البيع أن يأخذ قيمة السلعة إن فاتت، والغاصب غصب ما لم يأذن له فيه ربه، وما له فيه رغبة، فلا يحل تملكه للغاصب بوجه من الوجوه إلا أن يرضى المغصوب منه بأخذ قيمته.

وقد ناقض أبو حنيفة في هذِه المسألة فقال: إن كان الغاصب حين ادعى رب الجارية قيمتها كذا وكذا جحد ما قال، وقال: قيمتها كذا وكذا وحلف عليه، ثم قدر على الجارية كان ربها بالخيار إن شاء سلمها بالقيمة وإن شاء أخذها ورد القيمة؛ لأنه لم (يقف)

(1)

بالقيمة التي ادعاها ربها

(2)

، وهذا ترك منه لقوله: ولو كانت القيمة ثمنًا ما كان لرب الجارية الخيار فيما معناه البيع؛ لأن الرجل لو باع ما يساوي خمسين دينارًا بعشرة دنانير كان (بيعه)

(3)

لازمًا، ولم يجعل له رجوع، ولا خيار.

فرع: إذا ادعى الغاصب هلاكها فأخذت القيمة، ثم ظهرت عنده، فإن علم أنه أخفاها ردها صاحبها على ما سلف إن شاء، وإن لم يعلم لم يكن للمغصوب منه شيء إلا أن يكون أقر بأقل من الصفة فيغرم تمام قمية الصفة.

قال أشهب: ويحلف أنه ما أخفاها وتبقى له إذا كانت على الصفة التي حلف عليها. وفي "المبسوط": يرجع في الجارية ويرد القيمة التي أخذ إذا أقر بأقل من الصفة.

(1)

كذا بالأصل، وفي ابن بطال: يعط.

(2)

انظر: "المحيط البرهاني" بنحوه 8/ 240 - 241.

(3)

من (ص 1).

ص: 79

وقال بعض المتأخرين: سواء وجدها على الصفة أو غيرها يرجع إلى ربها ويحمل على أنه أخفاها، قيل: وانظر لو قال: غصبت جارية سوداء للخدمة قيمتها عشرون، فثبت أنها بيضاء قيمتها مائة، هل هذا بخلاف جحده بنص الصفة؟

فائدة: قوله: ("ألحن بحجته") أي: أفطن، مأخوذ من لحن بالتحريك، يقال: لحن بالكسر، واللحن بالسكون: الخطأ، يقال منه: لحن -بالفتح- أي: أخطأ.

ص: 80

‌11 - باب فِي النِّكَاحِ

6968 -

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلَا الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» . فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ:«إِذَا سَكَتَتْ» . وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ البِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ. فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا، فَأَثْبَتَ القَاضِي نِكَاحَهَا، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا، وَهْوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ. [انظر: 5136 - مسلم: 1419 - فتح 12/ 339]

6969 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ القَاسِمِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ وَلَدِ جَعْفَرٍ تَخَوَّفَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيُّهَا وَهْيَ كَارِهَةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ جَارِيَةَ، قَالَا: فَلَا تَخْشَيْنَ، فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهْيَ كَارِهَةٌ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ خَنْسَاءَ. [انظر: 5138 - فتح 12/ 339]

6970 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» . قَالُوا كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ» . وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ إِنْسَانٌ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ بِأَمْرِهَا، فَأَثْبَتَ القَاضِي نِكَاحَهَا إِيَّاهُ، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَطُّ، فَإِنَّهُ يَسَعُهُ هَذَا النِّكَاحُ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُقَامِ لَهُ مَعَهَا. [انظر: 5136 - مسلم: 1419 - فتح 12/ 340]

6971 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «البِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» . قُلْتُ: إِنَّ البِكْرَ تَسْتَحْيِي. قَالَ: «إِذْنُهَا صُمَاتُهَا» . وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ هَوِيَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا، فَأَبَتْ فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَدْرَكَتْ فَرَضِيَتِ اليَتِيمَةُ،

ص: 81

فَقَبِلَ القَاضِي شَهَادَةَ الزُّورِ، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ، حَلَّ لَهُ الوَطْءُ. [انظر: 5137 - مسلم: 1420 - فتح 12/ 340]

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، السالف:"لَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُستَأْذَنَ، وَلَا الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ". قيل: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ:"إِذَا سَكَتَتْ". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ البِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا، فَأَثْبَتَ القَاضِي نِكَاحَهَا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا، وَهْوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ.

ثم ساق حديث سُفْيَانَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ القَاسمِ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ وَلَدِ جَعْفَرٍ تَخَوَّفَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيُّهَا وَهْيَ كَارِهَةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الأَنْصارِ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابنيْ جَارِيَةَ، قَالَا: فَلَا تَخْشَيْنَ، فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَام أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهْيَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ خَنْسَاءَ.

ثم ساق البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ". قَالُوا: كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: "أَنْ تَسْكُتَ". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ إِنْسَانٌ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى تَزْوِيجِ أمْرَأَةٍ ثَيِّبٍ بِأَمْرِهَا، فَأَثْبَتَ القَاضِي نِكَاحَهَا إِيَّاهُ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَطُّ، فَإِنَّهُ يَسَعُهُ هذا النِّكَاحُ، وَلَا بَأسَ بِالْمُقَامِ لَهُ مَعَهَا.

ثم ساق حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: "الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ" قُلْتُ: إِنَّ البِكْرَ تَسْتَحْيِي. قَالَ: "إِذْنُهَا صُمَاتُهَا". وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ هَوِيَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا فَأَبَتْ فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَدْرَكَتْ ورضيت اليَتِيمَةُ، فَقَبِلَ القَاضِي شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ، حَلَّ لَهُ الوَطْءُ.

ص: 82

الشرح:

لا يحل هذا النكاح للزوج الذي أقام شاهدي زور على رضا المرأة أنه تزوجها عند أحد من العلماء، وليس حكم القاضي بما ظهر له من عدالة الشاهدين في الظاهر مُحِلًّا ما حرم الله؛ لقوله عليه السلام:"فإنما أقطع له قطعة من النار"

(1)

ولتحريم الله أكل أموال الناس بالباطل، ولا فرق بين أكل المال الحرام ووطء الفرج الحرام في الإثم.

قال المهلب: واحتيال أبي حنيفة ساقط؛ لأمر الشارع بالاستئذان والاستئمار عند النكاح، ورد نكاح من تزوجت كارهة في حديث خنساء، وقد قال تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]، فاشتراط الله رضاها في النكاح يوجب أنه متى عدم هذا الشرط فيه لم يحل، وإنما قاس أبو حنيفة مسائل هذا الباب على القاضي إذا حكم بطلاقها بشاهدي زور وهو لا يعلم. أنه يجوز أن يتزوجها من لا يعلم بطلان هذا (الطلاق)

(2)

، ولا تحرم عليه بالإجماع فكذا يجوز أن يتزوجها من عَلِمَ ولا تحرم عليه.

وهذا خطأ في القياس، وإنما حل تزويجها لمن لا يعلم باطن أمرها؛ لأنه جهل ما دخل فيه، وأما الزوج الذي أقام شاهدي الزور فهو عالم بالتحريم متعمد لركوب الإثم فكيف يقاس من جهل شيئًا فأتاه بعذر يجهله على من تعمده وأقدم عليه وهو عالم باطنه.

ولا خلاف بين العلماء أنه من أقدم على ما لا يحل له فقد أقدم على الحرام البين الذي قاله فيه الشارع: "الحلال بين والحرام بين

(1)

سلف قريبًا في الباب قبله برقم (6976).

(2)

في الأصل: (النكاح)، والمثبت من ابن بطال، وهو الملائم للسياق.

ص: 83

وبينهما أمور مشتبهات"

(1)

، وليس للشبهة فيه موضع ولا خلاف بين الأمة أن رجلاً لو أقام شاهدي زور على ابنته أنها أمته، وحكم الحاكم بذلك لا يجوز له وطؤها، فكذلك الذي شهد على نكاحها، هما في التحريم سواء، والمسألة التي في آخر الباب لا يقول بها أحد، وهي خطأ كالمسألتين المتقدمتين

(2)

.

ولا خلاف في الأموال أن الحاكم إذا حكم بها هو في الباطن على خلاف ما حكم به، لم ينقل حكمه في الباطن، وإنما ذلك عند أبي حنيفة في الطلاق والنكاح والنسب فإن شهدوا في أمة رجل أنها ابنة آخر، وحكم بذلك، ثبت النسب وحرمت عليه وورثت.

وذكر في "المعونة" عن أبي حنيفة: إذا شهدوا بزور على الطلاق تفسير المرأة مطلقة بحكم الحاكم، ويجوز لها أن تتزوج، ولا يجوز لأحد شاهدي الزور أن يتزوجها، وهو عند مالك زانٍ؛ لعلمه أنه لم يطلق، وذكر مسألة النكاح المتقدمة، وزاد عنه: إذا شهد له شاهد الزور على ذات محرم أنها زوجته أن الحكم لا ينفذ في الباطن ولا تكون زوجته، وكذلك إذا أقدم شاهدا زور في دعوى قال: فيحكم الحاكم له، فإنه لا ينفذ، وفرقوا بين الموضعين فإن كل موضع جاز أن يكون للحاكم ولاية في ابتداء فعله، نفذ حكمه فيه ظاهرًا وباطنًا، وكل موضع لا ولاية له في ابتداء فعله لم ينفذ ظاهرًا دون الباطن، كان للحاكم ولاية في عقد النكاح، وفي أن يطلق على غيره، ولا ولاية له في تزويج ذوات المحارم، ولا في نقل الأموال، فكذلك لو أدعى رجل أنه قتل وليًّا له، وأقام شاهدي زور فحكم

(1)

سلف برقم (52) كتاب الإيمان، باب: فضل من استبرأ لدينه.

(2)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 323 - 324.

ص: 84

الحاكم بالقود لم يكن لمن حُكم له أن يقتل؛ لأن الحاكم ليس له أن يقتدي القتل قال: ودليلنا قوله تعالي: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] الآية. فحرم المحصنة، وهي التي لها زوج إلا إن ملك الكوافر بالسبي، وعند المخالف: أن التي لها زوج تحل بحكم الحاكم بشهادة زور بطلاقها.

والحديث السالف: "إنما أنا بشر .. "

(1)

إلى آخره، صريح في أن حكمه بما ليس بجائز للمحكوم له لا يحل له، وبالقياس على المال وغيره كما سلف، ثم الحديث عام في قوله:"فلا يأخذ منه شيئًا" سواء كانت زوجة أخيه أو ماله.

قال الشافعي: ولو كان حكم الحاكم يحل الأمور عما هي عليه، لكان حكم الشارع أولى

(2)

.

وكذا قال سحنون عند ابنه

(3)

.

فصل:

قوله في حديث خنساء: (فلا تخشين). صوابه: بكسر الياء وتشديد النون؛ لأنه فعل مبني على النون المشددة، وإن جعلته للمخاطبة فيكون غير مستقيم في الإعراب إذ لم تحذف النون منه في النهي

(4)

.

(1)

سلف قريبًا برقم (6967).

(2)

انظر "مختصر المزني" ص 406.

(3)

انظر "النوادر والزيادات" 8/ 233.

(4)

قوله: (فلا تخشين) بلفظ الجمع خطاب للمرأة المتخوفة وأصحابها. وقال الحافظ في "الفتح" 12/ 341: وظن ابن التين أنه خطاب للمرأة وحدها فقال: الصواب .. فذكر ما قاله المصنف هنا، وانظر "عمدة القاري" 19/ 405.

ص: 85

فصل:

(قوله)

(1)

: (فأدركت). أي: بلغت، وقوله قبله:(وإن هَوِيَ). هو بكسر الواو على وزن فعل وعلم وحذر.

(1)

من (ص 1).

ص: 86

‌12 - باب مَا يُكْرَهُ مِنِ احْتِيَالِ المَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَالضَّرَائِرِ، وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ

6972 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ، وَيُحِبُّ العَسَلَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى العَصْرَ أَجَازَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ (فَقالَ)

(1)

لِي: أَهْدَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ، فَسَقَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ شَرْبَةً. فَقُلْتُ: أَمَا وَاللهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، قُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَقُولِي لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَكَلْتَ مَغَافِير؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: لَا. فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ تُوجَدُ مِنْهُ الرِّيحُ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ. فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ. وَسَأَقُولُ ذَلِكَ، وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ.

فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ، قُلْتُ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أُبَادِرَهُ بِالَّذِى قُلْتِ لِي وَإِنَّهُ لَعَلَى البَابِ، فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: «لَا» . قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: «سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ» . قُلْتُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ:«لَا حَاجَةَ لِي بِهِ» . قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ سُبْحَانَ اللهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ. قَالَتْ: قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي. [انظر: 4912 - مسلم: 1474 - فتح 12/ 342].

ثم ساق حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ والْعَسَلَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى العَصْرَ جَازَ عَلَى نِسَائِهِ ..

(1)

كذا في أصل اليونينية، وفي هامشها أنه في نسخ: فقيل.

ص: 87

الحديث سلف في النكاح

(1)

يقال: جاز الوادي جوازًا وأجاز: قطعه. وقال الأصعمي: جازه: مشى فيه، وأجازه: قطعه وخلفه، وأجزت عليه، أي: نفذت، وكذلك جزت عليه. وذكره ابن التين بلفظ جاز، وقال: كذا وقع في "المجمل"

(2)

و"الصحاح"

(3)

، وجزت الموضع: سلكته وسرت فيه وأجزته: خلفته وقطعته. والحلواء تمد وتقصر. قال الداودي: يريد التمر وشبهه. قال: وقوله هنا أن التي سقت العسل حفصة، غلط؛ لأن حفصة هي التي تظاهرت مع عائشة في هذِه القصة، وإنما شربه عند صفية بنت حيي، وقيل: عند زينب، وقد سلف الخلف في ذلك في التفسير وأن الأصح أنها زينب.

والمغافير: جمع مغفور يروى بالياء كما قال الداودي، قال ابن التين: وروينا: مغافيرًا هنا مصروفًا، وهو جائز ألا يصرف أيضًا مثل سلاسل وقوارير، وقد سلف تفسير المغافير في الأيمان في باب: إذا حرم طعامًا

(4)

. والتفسير

(5)

، وما فيه من الغريب في: الطلاق في باب: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ}

(6)

.

و (جرست): أكلت، ومنه قيل للجمل جراس. وقال الداودي: جرست يعني: تغير طعم العسل لشيء يأكله النحل، قال: والعرفط: موضع، والذي ذكره غيره أنه شجر من العِضاه ينضح المغفور،

(1)

سلف برقم (5216) باب: دخول الرجل على نسائه في اليوم.

(2)

"مجمل اللغة" 1/ 203 مادة (جوز).

(3)

"الصحاح" 3/ 870 مادة (جوز).

(4)

سلف برقم (6691).

(5)

سلف برقم (4912).

(6)

سلف برقم (5262).

ص: 88

وثمرته بيضاء مدحرجة. قال الجوهري: وبرمة كل العضاه صفراء إلا أن العرفط فبرمته بيضاء

(1)

.

وقولها: (ألا أسقيك منه) تقرأ بضم الهمزة وفتحها، وجمعها لبيد في قوله:

سقى قومي بني مجدٍ وأسقي

نميرًا والقبائل من هلال

وفي "الصحاح": سقيته لِشَفَتِه، وأسقيته لماشيته

(2)

.

فصل:

فيه جواز اجتماع الرجل مع إحدى نسائه في يوم الأخرى في النهار؛ لأن القسمة التي يقضى بها للنساء على الرجال هو الليل دون النهار، وأما الجماع فسواء في الليل والنهار فلا يجوز أن يجامع امرأة في يوم الأخرى، وأما دخوله بيت من ليس يومها فمباح وجائز له أن يأكل ويشرب في بيتها في غير يومها ما لم يكن الغداء المعروف أو العشاء المعروف -كما قاله ابن بطال- وليس لسائر النساء منع الزوج من غير ما ذكرناه

(3)

، ومعنى الترجمة ظاهر في الحديث إلا أنه لم يذكر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو قوله تعالى:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} [التحريم: 1] لما قال: "شربت عسلًا ولن أعود" وقيل: إنما حرم جاريته مارية، حلف أن لا يطأها، وأسر ذلك إلى حفصة فأفشته إلى عائشة ونزل القرآن في ذلك

(4)

.

(1)

"الصحاح" 5/ 1870 مادة (برم).

(2)

السابق 6/ 2379.

(3)

"شرح ابن بطال" 8/ 325.

(4)

رواه الطبراني 12/ 117 (12640) من حديث ابن عباس، وقال الهيثمي في "المجمع" 5/ 178: رواه الطبراني، وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو ضعيف، وقد وثقه ابن حبان، والضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن عباس، وبقية رجاله ثقات.

ص: 89

‌13 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاحْتِيَالِ فِي الفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ

6973 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا جَاءَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ وَقَعَ بِالشَّأْمِ، فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا سَمِعْتُمْ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» . فَرَجَعَ عُمَرُ مِنْ سَرْغَ. [انظر: 5729 - مسلم: 2219 - فتح 12/ 344]

وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

6974 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الوَجَعَ فَقَالَ:«رِجْزٌ -أَوْ: عَذَابٌ- عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الأُمَمِ، ثُمَّ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِى الأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا يَقْدَمَنَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ بِأَرْضٍ وَقَعَ بِهَا فَلَا يَخْرُجْ فِرَارًا مِنْهُ» [انظر: 3473 - مسلم: 2218 - فتح 12/ 344].

ذكر فيه حديث عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا جَاءَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ وَقَعَ بِالشَّأْمِ. الحديث. وحديث عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سَعْدًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الوَجَعَ فَقَالَ: «رِجْزٌ -أَوْ: عَذَابٌ- عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الأُمَمِ ثُمَّ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِى الأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا يَقْدَمَنَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ بِأَرْضٍ وَقَعَ بِهَا فَلَا يَخْرُجْ فِرَارًا مِنْهُ.

الشرح:

الوباء يمد ويقصر، وجمع المقصور: أوباء، وجمع الممدود: أوبئة، والفرار من الطاعون غير جائز ولا يتحيل في الخروج في تجارة أو زيارة أو شبههما ناويًا بذلك الفرار منه، ويبين هذا المعنى

ص: 90

قوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات"

(1)

والمعنى في النهي عن الفرار منه كأنه يفر من قدر الله وقضائه، وهذا لا سبيل إليه لأحد؛ لأن قدره لا يغلب.

وقد سلف الكلام في معنى هذا الحديث في كتاب: المرضي والطب، في باب: من خرج من أرض لا تلائمه

(2)

.

فصل:

فيه قبول خبر الواحد، وقوله:("لا تقدموا عليه"). يريد أن مقامكم بالموضع الذي لا وباء فيه أسكن لنفوسكم وأطيب لعيشتكم.

وفيه: أنه قد يوجد عند بعض العلماء ما ليس عند أكثر منه في العلم، قيل: وفيه دليل على صحة قول ابن الطيب: أن الصحابة أجمعوا على تقدمة خبر الواحد على قياس الأصول، وفساد قول من قدم قياس الأصول على الخبر؛ لرجوع جميعهم إلى خبر عبد الرحمن.

وروى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: أنه كان يبعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون، وروي نحوه عن عمرو بن الأشعث، وأبي الأسود بن هلال ومسروق، وروي أن أبا عبيدة استقبل عمر رضي الله عنهما فقال: جئت بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخلهم أرضًا فيها الطاعون الذين هم أئمة يقتدى بهم؟ قال عمر رضي الله عنه: يا أبا عبيدة، شككت؟ فقال: أشكًّا؟ فقال أبو عبيدة: كأن يعقوب إذ قال لبنيه: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} [يوسف: 67]. فقال عمر: والله لأدخلنها. فقال أبو عبيدة: والله لا تدخلها. فرده.

(1)

سلف برقم (1).

(2)

سلف برقم (5727)، وحديث الباب سلف في الباب الذي بعده برقم (5728).

ص: 91

‌14 - باب فِي الهِبَةِ وَالشُّفْعَةِ

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ وَهَبَ هِبَةً أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى مَكَثَ عِنْدَهُ سِنِينَ، وَاحْتَالَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ الوَاهِبُ فِيهَا، فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَخَالَفَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فِي الهِبَةِ وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ.

6975 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ» [انظر: 2589 - مسلم: 1622 - فتح 12/ 345]

6976 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ. ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ، وَقَالَ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا فَخَافَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارُ بِالشُّفْعَةِ، فَاشْتَرَى سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِىَ، وَكَانَ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الأَوَّلِ، وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي بَاقِى الدَّارِ، وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي ذَلِكَ. [انظر: 2231 - مسلم: 1608 - فتح 12/ 345]

6977 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ قَالَ: جَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِي، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ: أَلَا تَأْمُرُ هَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَارِي؟ فَقَالَ: لَا أَزِيدُهُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، إِمَّا مُقَطَّعَةٍ وَإِمَّا مُنَجَّمَةٍ. قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسَمِائَةٍ نَقْدًا فَمَنَعْتُهُ، وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ». مَا بِعْتُكَهُ -أَوْ قَالَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ- قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ مَعْمَرًا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا. قَالَ: لَكِنَّهُ قَالَ لِي هَكَذَا. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبُ

ص: 92

الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ، وَيَحُدُّهَا وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، وَيُعَوِّضُهُ المُشْتَرِى أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ. [انظر: 2258 - فتح 12/ 345]

6978 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ سَعْدًا سَاوَمَهُ بَيْتًا بِأَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالٍ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» . لَمَا أَعْطَيْتُكَ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ اشْتَرَى نَصِيبَ دَارٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، وَهَبَ لاِبْنِهِ الصَّغِيرِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ. [انظر: 2258 - فتح 12/ 345]

ثم ساق حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ".

وحديث جَابِرٍ رضي الله عنه: إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ. ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ، وَقَالَ: إِنِ اشْتَرى دَارًا فَخَافَ أن يأخذها جاره بِالشُّفْعَةِ، فَاشْتَرى سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ ثُمَّ اشْتَرى البَاقِيَ، كَانَ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الأَوَّلِ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي بَاقِي الدَّارِ، وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي ذَلِكَ.

ثم ساق حديث عمرو بن الشريد عن أبي رافع السالف في الشفعة، وفيه:"الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ".

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إذا أراد أن يبيع الشفعة فله أن يحتال حتى يبطل الشفعة، فيهب البائع للمشتري الدار ويحدها ويدفعها إليه ويعوضه المشتري ألف درهم، فلا يكون للشفيع فيها شفعة.

ثم ساق حديث عمرو بن الشريد أيضًا. وقال بعض الناس: من اشْتَرى نَصِيبَ دَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ وَهَبَ لاِبْنِهِ الصَّغِيرِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ.

ص: 93

‌15 - باب احْتِيَالِ الْعَامِلِ لِيُهْدَى لَهُ

6979 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى: ابْنَ اللُّتَبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَهَلاَّ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟!» . ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِى اللهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ؟!، وَاللهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلاَّ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ» . ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» . بَصْرَ عَيْنِي وَسَمْعَ أُذُنِي. [انظر: 125 - مسلم: 1832 - فتح 12/ 348]

6980 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» .

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يَشْتَرِىَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَيَنْقُدَهُ تِسْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَتِسْعَمِائَةَ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَيَنْقُدَهُ دِينَارًا بِمَا بَقِيَ مِنَ العِشْرِينَ الأَلْفَ، فَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أَخَذَهَا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِلاَّ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّارِ، فَإِنِ اسْتُحِقَّتِ الدَّارُ، رَجَعَ الْمُشْتَرِى عَلَى البَائِعِ بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ، وَهْوَ تِسْعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ، لأَنَّ الْبَيْعَ حِينَ اسْتُحِقَّ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي الدِّينَارِ، فَإِنْ وَجَدَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَيْبًا وَلَمْ تُسْتَحَقَّ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ: فَأَجَازَ هَذَا الْخِدَاعَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ» [انظر: 2258 - فتح 12/ 348]

ص: 94

6981 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، أَنَّ أَبَا رَافِعٍ سَاوَمَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ بَيْتًا بِأَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالٍ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» . مَا أَعْطَيْتُكَ. [انظر: 2258 - فتح 12/ 349]

ثم ساق حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية الآتي قريبًا في: الأحكام

(1)

، وحديث عمرو بن الشريد السالف مختصرًا، عن أبي رافع:"الجار أحق بصقبه".

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: من اشْتَرى دَارًا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ ألفًا، وَيَنْقُدَهُ تِسْعَةَ الآفَ دِرْهَمٍ وَتسْعَمِائَةَ دِرْهَمِ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَيَنْقُدَهُ دِينَارًا بِمَا بَقِيَ مِنَ العِشْرِينَ ألفا، فَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيَعُ أَخَذَهَا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّارِ، فَإِنِ اسْتُحِقَّتِ الدَّارُ، رَجَعَ المُشْتَرِي عَلَى البَائِعِ بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ، وَهْوَ تِسْعَةُ آلَافِ دِرْهَمِ وَتِسْعُمِائَةٍ وَتسْعَة وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ؛ لأَنَّ البَيْعَ حِينَ استُحِقَّ انْتًقَضَ الصَّرْفُ فِي الدِّينَارِ، فَإِنْ وَجَدَ بهذِه الدَّارِ عَيْبًا وَلَمْ تُسْتَحَقَّ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. فَأَجَازَ هذا الخِدَاعَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"بيع المسلم لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ".

ثم ساق حديث عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، أَنَّ أَبَا رَافِعٍ سَاوَمَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ بَيْتًا بِأَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالٍ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ". مَا أَعْطَيْتُكَ.

الشرح:

إذا وهب الواهب هبة وقبضها الموهوب له وحازها فهو مالك لها

(1)

سيأتي قريبًا برقم (7174) باب: هدايا العمال.

ص: 95

عند الجميع، والزكاة له لازمة، ولا سبيل له إلى الرجوع فيها إلا أن تكون على ابن، وهذِه حيلة لا يمكن أن يخالف فيه نص الحديث؛ لأن الزكاة تلزم الابن في كل حول ما لم يغتصبه منه، وإن كان صغيرًا عند الحجازيين لأنه مالك، فإذا اغتصبها بعد حلول الحول عليها عند الموهوب له، وجبت الزكاة عن الموهوب له، ثم يستأنف الراجع فيها حولًا من يوم رجوعه، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، ولا معنى للاثشغال بما خالفه.

قال المهلب: والاحتيال في هذا خارج عن معنى الشريعة، ومن أراد أن يحتال على الشريعة حتى يسقطها، فلا يسمى محتالاً، وإنما هو معاند لحدود الله ومنتهك لها، فإذا كانت الهبة لغير الابن دخل الراجع فيها تحت الحديث:"العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه"ولا أعلم لحيلته وجهًا إلا إن كان يريد أن يهبها ويحتال في حبسها عنده دون تحويز، فلا تتم حيلته في هذا إن وهبها لأجنبي؛ لأن الحيازة عنده شرط في صحة الهبة، فإن ثبتت عنده كانت على ملكه، ووجبت عليه زكاتها

(1)

.

وقدمنا وجه قوله: أن مذهبه الرجوع فيما وهبه لأجنبي، فلا يرجع فيما وهبه لابنه. وقد سلف في بابه حديث النعمان وغيره في ذلك

(2)

.

فصل:

من له على رجل ذهبٌ حال عليه الحول، فوهبها له، فلا زكاة على الواهب، فإن لم يكن عند الموهوب له غيرها فلا زكاة عليه عند

(1)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 328.

(2)

سلف برقم (2586) كتاب الهبة، باب: الهبة للولد.

ص: 96

ابن القاسم، وقال غيره: يزكي، فإن وهبها لغير من هي عليه، فقال ابن القاسم: لا يزكيها كالواهب. وقال محمد: يزكي منها زكاته ووهب ما بعد الزكاة. وقال أشهب: لا زكاة على واحد منهما

(1)

.

فصل:

وأما مسألة الشفعة فالذي احتال أبو حنيفة فيها له وجه من الفقه، وذلك أن من يريد شراء الدار خاف شفعة الجار، فسأل أبا حنيفة: هل من حيلة في إسقاطها؟

فقال: لو باع صاحب الدار منك جزءًا من مائة مشاعًا، ثم اشتريت منه بعد حين باقي الدار سقطت شفعة الجار. يريد أن الشريك في المشاع أحق بالشفعة من الجار

(2)

، وهذا إجماع من العلماء فلما اشترى أولاً الجزء اليسير صار شريكًا لصاحب الدار، إذ لم يرض الجار أن يشفع في ذلك الجزء اللطيف لقلة انتفاعه به، فلما عقد الصفقة في باقيها كان الجار لا شفعة له عليه؛ لأنه لو ملك ذلك الجزء اللطيف غيره لمنع الجار به من الشفعة، (فكذلك يمنعه هو إذا اشترى باقيها من الشفعة)

(3)

، وهذا ليس فيه شيء من خلاف السنة، وإنما أراد البخاري أن يلزم أبا حنيفة التناقض؛ لأنه يوجب الشفعة للجار، ويأخذ في ذلك بحديث:"الجار أحق بصقبه". فمن اعتقد مثل هذا وثبت ذلك عنده من قضائه عليه السلام، وتحيل بمثل هذِه الحيلة في إبطال شفعة الجار فقد أبطل السنة التي يعتقدها.

(1)

انظر: "المنتقي" 2/ 118.

(2)

"الهداية" 4/ 366.

(3)

من (ص 1).

ص: 97

فصل:

في حديث جابر رضي الله عنه: "إذا وقعت الحدود فلا شفعة"

(1)

ما يبطل قول من أجاز الشفعة للجار؛ لأن الجار قد حدد ماله من مال جاره، ولا اشتراك له معه، وهذا ضد قول من قال: الشفعة للجار، وقوله:"الشفعة فيما لم يقسم"

(2)

تنفي الشفعة في كل مقسوم.

وحديث عمرو بن الشريد حجة في أن الجار المذكور في الحديث هو الشريك، وعلى ذلك حمله أبو رافع، وهو أعلم بمخرج الحديث، ومذهب مالك: أنه إذا كان لرجل بيت في دار (فباعه)

(3)

فلا شفعة لصاحب الدار

(4)

.

وقال الداودي: إنما أراد حق الدار ليس الشفعة الواجبة؛ لقول الله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36].

فصل:

والصقب -بالتحريك- بالصاد والسين

(5)

، وقوله:(إما مقطعة وإما منجمة). وهما واحد أي: يؤدى نجومًا نجومًا.

فصل:

وأما قول أبي حنيفة: إذا أراد أن يبيع الشفعة فيهب البائع للمشتري .. إلى آخره وهذِه حيلة في إبطال الشفعة -كما قال ابن بطال

(6)

-

(1)

سلف برقم (2214) كتاب: البيوع، باب: بيع الأرض والدور.

(2)

المصدر السابق.

(3)

من (ص 1).

(4)

"المدونة" 4/ 232.

(5)

ورد بهامش الأصل: لعله سقط: القرب.

(6)

شرح ابن بطال" 8/ 329.

ص: 98

لا يجيزها أحد من أهل العلم وهي منتقضة على أصل أبي حنيفة؛ لأن الهبة إن انعقدت للثواب فهي بيع من البيوع عند الكوفيين، ومالك وغيره، ففيها الشفعة، وإن كانت هبة مقبولة بغير شرط ثواب فلا شفعة فيها بإجماع، ومن عقد عقدًا ظاهرًا سالمًا في باطنه والقصد فيه فساد فلا يحل عند أحد من العلماء.

وذكر ابن عبد الحكم عن مالك أنه اختلف قوله في الشفعة في الهبة فأجازها مرة ثم قال: لا شفعة فيها، والذي في"المدونة": لا شفعة فيها

(1)

.

فصل:

قال المهلب: وإنما ذكر البخاري في هذِه المسألة حديث أبي رافع؛ ليعرفك إنما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا للشفيع بقوله عليه السلام: "الجار أحق بصقبه" فلا يحل إبطاله ولا إدخال حيلة عليه.

فصل:

وأما المسألة التي في آخر الباب: إن اشترى نصيب دار فأراد أن يبطل الشفعة، وهب لابنه الصغير ولا يكون عليه يمين، فشأنها أن يكون البائع شريكًا مع غيره في دار، فيقوم آخر فيشتري منها نصيبًا يهبه لابنه ولا يمين عليه.

وإنما قال ذلك؛ لأن من وهب لابنه هبة فقد فعل ما يباح له فعله، والأحكام على الظاهر لا على التوهم، وادعاء الغيب على الثبات، وذكر ابن الموّاز عن مالك: إن كانت للثواب ففيه الشفعة، يعني لأنها بيع من البيوع، ويحلف المتصدق عليه إن كان ممن يتهم.

(1)

"المدونة"4/ 228، وانظر"النوادر والزيادات" 11/ 174.

ص: 99

وروى ابن نافع عن مالك في "المجموعة": ينظر فإن رأى أنه محتاج ذهب لاعتبار اليمين على الموهوب له، وإن كان صغيرًا فعلى أبيه الذي قيل له ذلك، وإن كان مستغنيًا عن ثوابهم، وإنما وهب للقرابة والصداقة فلا يمين في ذلك

(1)

. وقال الداودي: إن عَلِم أنما فعل في هبة ابنه الصغير لقطع الشفعة ففيه الشفعة وإذا خفي الأمر حلف.

فصل:

قال ابن بطال هنا: باب فيه أبو رافع "الجار أحق بصقبه" ثم ذكر مثال ما إذا اشترى دارًا بعشرين ألف درهم .. إلى آخره، ثم ذكر الحديث الأخير.

وقال: يمكن أن يبيع الشقص من صديق له يحب نفعه بعشرة آلاف درهم ودينار، ويكتب له في وثيقة الشراء عشرين ألف درهم وهو يعلم أن الشريك لا بد له أن يقوم على المشتري بالشفعة، فإذا وجد في وثيقته عشرين ألفًا أخذه بذلك، فهو قصد إلى الخداع.

وقوله: (لينقده دينارًا بالعشرة آلاف درهم) إنما قال ذلك؛ لأنه يجوز عند الأئمة بيع الذهب بالفضة متفاضلًا كيف شاء، فلما جاز هذا بإجماع بني عليه أصله في الصرف فأجازه عشرة دراهم ودينار بأحد عشر درهمًا، جعل العشرة بالعشرة والدينار بدل الدرهم.

وكذلك جعل في المسألة الدينار بعشرة آلاف درهم، وأوجب على الشفيع أن يؤدي ما انعقدت له به (الشفعة)

(2)

دون ما نقد فيها المشتري كأنه قال: من حق المشتري أن يقول: إنما أخذ منك أيها الشفيع ما ابتعت

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 11/ 174 - 176.

(2)

في (ص 1): الصفقة.

ص: 100

به الشقص لا ما نقدته فيه؛ لأنه تجاوز من البائع بعد عقد الصفقة عما شاء بما وجبت له عليه، وأما مالك فإنما يراعي في ذلك النقد وما حصل في يد البائع فيه بأخذ الشفيع، ومن حجته في ذلك أنه لا خلاف بين العلماء أن الاستحقاق والرد بالعيب لا يرجع فيهما إلا بما نقد المشتري، وهذا يدل على أن المراعاة في انتقال الصفقات في الشفعة وانتقاضها بالاستحقاق والعيوب ما نقد البائع في الوجهين جميعًا، وأن الشفعة في ذلك كالاستحقاق، وهذا هو الصواب

(1)

.

وعبارة الداودي: إنما يشفع بما نقد، وفي"المدونة": إذا اشترى بألف ثم حطه تسعمائة فإن كان سببه أن يكون ثمن الشقص عند الناس فإنه استشفع بها وإلا استشفع بالألف، قيل: وإن كان سببه أن يكون ثمنها خمسمائة أو ستمائة شفع بالقيمة

(2)

.

فصل:

وأما قول البخاري عن أبي حنيفة: فإن استحقت الدار رجع المشتري على البائع بما دفع إليه، فهذا من أبي حنيفة دال أنه قصد الحيلة في الشفعة؛ لأن الأمة مجمعة، (وأبو حنيفة)

(3)

معهم على أن البائع لا يرد في الاستحقاق، والرد بالعيب إلا ما قبض، فكذلك الشفيع لا يشفع إلا بما نقد المشتري وما قبضه منه البائع لا بما عقد. وأما قوله: لأن البيع حين استحق انتقض صرف الدينار، فلا يفهم؛ لأن الاستحاق والرد بالعيب يوجب نقض الصفقة كلها، فلا معنى له إذ الدينار دون عشرة.

(1)

"شرح ابن بطال" 8/ 330.

(2)

"المدونة" 4/ 219.

(3)

من (ص 1).

ص: 101

فصل:

قال المهلب: وجه إدخال البخاري حديث: "الجار أحق بصقبه" في هذِه المسألة، وهو أنه لما كان الجار أحق بالمبيع وجب أن يكون أحق أن يرفق به في الثمن حتى لا يغبن في شيء، ولا يدخله عنده عروض بأكثر من قيمتها، ألا ترى أن أبا رافع لم يأخذ من سعد ما أعطاه غيره من الثمن، ووهبه الجار الذي أمر الله بمراعاته وحفظه وحض الشارع على ذلك.

فصل:

وقوله عليه السلام: "لا داء ولا خبثة ولا غائلة" دليل على أنه لا احتيال في شيء من بيوع المسلمين من صرف دينار بأكثر من قيمته ولا غيره. قال ابن التين: وقرأنا: خبثة بكسر الخاء، وحكي الضم أيضًا. قال الهروي: الخبثة: أن يكون البيع غير طيب، والغائلة: أن يأتي امرؤ امرأً من حيث لا يدري به كالتدليس ونحوه.

فرع: ينعطف على ما مضى: اشترى بألف وزاد مائة شفع بألف؛ لأن الزائد هبة. قال أشهب: وللمشتري أن يرجع على البائع بما زاده بعد أن يحلف: ما زاد إلا فرارًا من الشفعة. وقال عبد الملك: يشفع بألف ومائة ولا يتهم المشتري إن يريد إلا صلاح البيع وفيه بعد.

فصل:

قال المهلب: حيلة العامل ليهدى إليه إنما تكون بأن يضع من حقوق المسلمين في سعايته ما يعوضه من أجله الموضوع له، فكأن الحيلة إنما هي أن وضع من حقوق المسلمين ليستجزل لنفسه، فاستدل الشارع على أن الهدية لم تكن إلا لمعوض. فقال: "فهلا جلس في

ص: 102

بيت أبيه وأمه فينظر هل يهدى إليه أم لا؟ " فغلب الظن وأوجب أخذ الهدية وضمها إلى أموال المسلمين.

فصل:

فيه: أن الهدية إلى العامل سحت ولا تملك عندنا، وكذا الأمير في إمارته شكرًا لمعروف صنعه أو تحببًا إليه؛ لأنه كآحاد المسلمين لا فضل له عليهم فيه، لولايته عليهم نال ذلك، فإن استأثر به فهو سحت كما قررناه، والسحت: كل ما يأخذه العامل والحاكم على إبطال حق أو تحقيق باطل، وكذلك ما يأخذه على القضاء بالحق.

وروي عنه عليه السلام: "هدايا العمال -وفي لفظ: الأمراء- غلول)

(1)

.

والغلول بضم العين معلوم أنه (للموجفة)

(2)

، ولمن ذكر معهم، وعلى هذا التأويل كانت مقاسمة عمر بن الخطاب لعماله على طريق الاجتهاد؛ لأنهم خلطوا ما يجب لهم في عمالتهم بأرباح تجاراتهم وسهامهم في الفيء، فلما لم يقف عمر رضي الله عنه على حقيقة مبلغ ذلك اجتهد فأخذ منه نصفه، وقد روي عن بعض السلف أنه قال: ما عدل من تجر في رعيته، وقد فعله عمر رضي الله عنه أيضًا في المال الذي دفعه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بالعراق من مال الله لابنيه عبد الله وعبيد الله، أراد عمر أن يأخذ منهم المال وربحه، قال عثمان رضي الله عنه: لو جعلته قراضا، أي: خذ منهم نصف الربح. ففعل ورأى أن ذلك صواب

(3)

.

(1)

رواه الإمام أحمد في"مسنده" 5/ 424، وصححه الألباني في "الإرواء" 8/ 246 (2622).

(2)

بياض في الأصل، والمثبت من (ص 1).

(3)

"الاستذكار" 21/ 120.

ص: 103

وقد جاء معاذ بن جبل من اليمن إلى الصديق بأعبدٍ له أصابهم في إمارته على اليمن، فقال له عمر رضي الله عنه: ادفع الأعبد إلى أبي بكر رضي الله عنه فأبى معاذ من ذلك، ثم إن معاذًا رأى في المنام كأنه واقف على نار يكاد أن يقع فيها، وأن عمر رضي الله عنه أخذ بحجزته، فصرفه عنها، فلما أصبح قال لعمر: ما ظني إلا أني أعطي الأعبد أبا بكر. فقال له: وكيف ذلك؟.

قال: رأيت البارحة في النوم كذا، وما أظن ما أشرت به علي في الأعبد إلا تأويل الرؤيا فدفعها إلى الصديق. (فرأى)

(1)

أبو بكر ردهم، فردهم فكانوا عند معاذ، فاطلع يومًا فرآهم يصلون صلاة حسنة فأعتقهم

(2)

.

فصل:

اختلف السلف في تأويل قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] فروي عن مسروق أنه سأل ابن مسعود عنه: أهو الرشوة في الحكم؟ فقال عبد الله: ذلك الكفر وقرأ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] قال: ولكن السحت أن يستعينك رجل على مظلمة إلى إمام فهدى إليك هدية

(3)

.

وقال النخعي: كان يقال: السحت: الرشوة في الحكم. وعن عكرمة مثله

(4)

، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما وثوبان - رضي الله

(1)

في الأصل: فأبى [من غير نقط] ولعله تحريف، والمثبت من "ابن بطال" 8/ 334 وهو الأنسب للسياق.

(2)

رواه الحاكم 3/ 272 وقال: صحيح على شرط الشيخين.

(3)

رواه الطبري 4/ 581 (1968) وابن أبي حاتم 4/ 1134 (6382).

(4)

انظر: "تفسير الطبري" 4/ 580 (11959)، "تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 1135 (6386).

ص: 104

عنه أنه عليه السلام قال: "لعن الله الراشي والمرتشي"

(1)

.

وفسره الحسن البصري فقال: ليحق باطلاً أو يبطل حقًا، فأما أن يدفع عن ماله فلا بأس، وهذا خلاف (تأويل)

(2)

ابن مسعود.

فصل:

قوله في تأويل حديث أبي حميد: "يحمل بعيرًا له رغاء" الرغاء بالمد: صوت ذوات الخف، يقال: رغا البعير يرغو رغاءً: إذا صاح، وفي المثل: كفى برغائها مناديًا. أي: أن رغاء بعيره يقوم مقام ندائه في التعرض للضيافة والقرى.

وقوله: "أو بقرة لها خوار". هو بالخاء المعجمة كذا رُويناه؛ لقوله تعالى: {جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [الأعراف: 148] وهو معروف في صياح الثور، وكذلك الجوار بالجيم، وقال الجوهري عن الأخفش: أنه قرئ به في الآية

(3)

. وهو مهموز مثل قوله: {فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53].

وقوله: "شاة تَيْعَرُ". هو بفتح

(4)

العين قال الجوهري: يَعَرَتِ الغنم تيعرِ بالكسر يعارا بالضم، أي: صاحت، وأنشد:

عريض أريض بات ييعر حوله .... وبات يسقينا بطون الثعالب

هذا رجل ضاف رجلاً وله عتود ييعر حوله، يقول: فلم يذبحه لنا،

(1)

رواه أبو داود (3580)، وصححه الألباني في"المشكاة"(3753).

(2)

من (ص 1).

(3)

"الصحاح" 2/ 607 مادة (جأر).

(4)

ورد بهامش الأصل: صوابه: بكسر، وكذا قاله المؤلف بدليل ما بعده. [قلت: والجزم منه بأن الصواب هو الكسر، فيه نظر؛ فقد قال النووي: عين مهملة مكسروة ومفتوحة. "شرح مسلم" 12/ 219 وقال الحافظ: مهملة مفتوحة ويجوز كسرها."الفتح" 13/ 166 وكذا في كتب اللغة فليراجع].

ص: 105

وبات يسقينا لبنًا مذيقًا كأنه بطون الثعالب؛ لأن اللبن إذا أجهد مذقه اخضر

(1)

، أي: كثر الماء في خلطه. وقال الفراء وابن فارس: لم يذكر التشديد

(2)

، قال: واليعر: الجدي. وعن الخليل اليعرة: الشاة.

قال: وهو اليعار في الحديث بغير شك، واليعار ليس بشيء، وهو إنما هو الثغاء وهو صوت الشاة أيضًا، فيجوز أن يكون كتب الجرة بالهمزة بعد الألف فصارت راء

(3)

. قال: ولا يكون بعد هذا مما يشكل؛ لأنه بالثاء والغين المعجمتين

(4)

.

وقول أبي حميد: (بصر عيني وسمع أذني). أي: أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم ناطقا ورافعًا يديه، وسمعت كلامه.

آخر الحيل بحمد الله ومَنِّه

(1)

"الصحاح" 2/ 859.

(2)

"المجمل" 2/ 942.

(3)

"العين" 2/ 243.

(4)

هكذا في الأصل، ولعل الصواب: المعجمة، فالثاء لا توصف بالإعجام.

ص: 106

91

كتاب التعبير

ص: 107

بسم الله الرحمن الرحيم

[91 - كِتابُ التَّعَبِير]

‌1 - باب أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِه رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ

6982 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهْوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهْوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي. فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}

ص: 109

حَتَّى بَلَغَ {مَا لَمْ يَعْلَمْ} " [العلق:1 - 5] فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» . فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ:«يَا خَدِيجَةُ، مَا لِي؟» . وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ وَقَالَ: «قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» . فَقَالَتْ لَهُ: كَلاَّ، أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ.

ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَىٍّ - وَهْوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخُو أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ الْعَرَبِيَّ فَيَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ - فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَىِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا رَأَى، فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟» . فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا.

ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَىْ يُلْقِىَ مِنْهُ نَفْسَهُ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا. فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الوَحْىِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. [انظر: 3 - مسلم: 160 - فتح 12/ 351]

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} [الأنعام: 96] ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ، وَضَوْءُ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ.

ص: 110

ساق فيه حديث عائشة رضي الله عنها السالف في أول "الصحيح" بطوله بزيادة سلف عليها التنبيه هناك

(1)

، وفي آخره: وقَالَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} [الأنعام: 96] ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ، وَضَوْءُ القَمَرِ بِاللَّيْلِ.

وقد أسلفناه هناك بفوائده فوق الستين فائدة، وسلف هذا التعليق مسندًا في التفسير، وتقدم قول مجاهد من عند ابن أبي شيبة:{وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: 101]، قال: عبارة الأنبياء

(2)

.

وفيه: أن المرء ينبه على فعل الخير بما فيه مشقة كما قتل النبي صلى الله عليه وسلم أذن ابن عباس رضي الله عنهما في الصلاة من يساره إلى يمينه، وقد سلف معنى "غطَّني". وعبارة الداودي: معنى غطني: صنع بي شيئًا حتى ألقاني إلى الأرض كمن تأخذه الغشية والحزن

(3)

بضم الحاء وسكون الزاي، وبفتحهما.

وقال أبو عمرو: إذا جاء الحزن في موضع رفع أو جر، ضمت، تقرأ {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: 84] بالضم لا يجوز الفتح؛ لأنه في موضع جر، وقال تعالى:{تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا} [التوبة: 92] بالفتح.

وقوله: مؤزرًا، سلف الكلام فيه، ومما لم أذكره هناك ما قاله القزاز: أحسب أن الألف سقطت من أمام الواو إذ لا أصل لمؤزر بغير ألف في كلام العرب، إنما هو من مؤازر من وازرته موازرة: إذا

(1)

سلف برقم (3).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 183 (30515)، وفيه: الرؤيا، بدل: الأنبياء.

(3)

ورد بهامش الأصل: هذا على ما رواه بعضهم: لا يحزنك الله أبدًا، من الحزن، وقد تقدم الكلام عليه أول "الصحيح".

ص: 111

عاونته، ومنه أخذ وزير الملك، فعلى هذا يقرأ موزرًا بغير همز، وقيل: هو مأخوذ من الأزر: وهو القوة، ومنه قوله تعالى:{اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)} [طه: 31] أي: قوتي، وقيل: ظهري. قال الجوهري: آزرت فلانًا: عاونته، والعامة تقول: وازرته

(1)

.

وقوله: (تبدى له جبريل). أي: ظهر، غير مهموز، وقوله:(بذروة جبل) هو بكسر الذال، وقال ابن التين: رويناه بكسر الذال وضمها، وهو في ضبط كتب النغة بالكسر.

وقول ابن عباس: وضوء القمر بالليل. قال ابن التين: هو غير ظاهر، ولعله محمول على أن الإصباح: الضياء، فيكون معناه: ضياء الشمس بالنهار والقمر بالليل، وإنما أراد البخاري هنا الاستدلال على تفسير:(جاء مثل (فلق)

(2)

الصبح)، والمعنى: أنها تأتي (بينة مثل ذلك)

(3)

في إنارته وإضاءته وصحته. وقال الحسن وعيسى: الأصباح: جمع صبح

(4)

، ومعنى فالق: شاق بمعنى: خالق.

وقوله: (فيسكن لذلك جأشه) قال صاحب "العين": إنه النَفَس

(5)

.

فصل:

قال المهلب: الرؤيا الصالحة الصادقة قد يراها المسلم والكافر والناس كلهم، إلا أن ذلك يقع لهم في النادر والوقت دون الأوقات، وخُص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم صدق رؤياه كلها ومنع الشيطان أن

(1)

"الصحاح" 2/ 578.

(2)

من (ص 1).

(3)

من (ص 1).

(4)

هي قراءتهما: "الأصباح" بفتح الهمزة.

انظر"شواذ القرآن" لابن خالويه ص 45، و"البحر المحيط" لأبي حيان 4/ 185.

(5)

"العين" 6/ 158.

ص: 112

يتمثل في صورته؛ لئلا يتسور بالكذب على لسانه في النوم، والرؤيا جزء من أجزاء الوحي وكذا قال القاضي عياض عن بعض العلماء أنه قال: خص الله نبيه بأن رؤية الناس إياه صحيحة على -ما ذكرناه إلى قوله: في النوم- وكذلك استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة، ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل، ولم يوثق بما جاء به مخافة من هذا المتصور، فحماه الله من الشيطان ونزغه وكيده، وكذا حمى رؤياه لأنفسهم.

واتفق العلماء على جواز رؤية البارئ تعالى في المنام وصحتها، ولو رآه إنسان على صفة لا تليق بجلاله من صفات الأجسام؛ لأن (ذلك)

(1)

المرئي غير ذات الله تعالى، ولا يجوز عليه التجسيم، ولا اختلاف الأحوال، بخلاف رؤية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

فإن قلت: فإن الشيطان قد تسور عليه في اليقظة، وألقى في أمنيته عليه السلام، قيل: ذلك التسور لم يستقم، بل تلافاه الله عز وجل في الوقت بالنسخ وأحكم آياته، وكانت فائدة تسوره إبقاء دليل التنزيه عليه؛ لئلا يغلو مغلون فيه فيعبدونه من دون الله كما فعل بعيسى وعزير.

فإن قلت: كيف منع الشيطان أن يتمثل في صورته عليه السلام في المنام، وأطلق له أن يتمثل ويدعي أنه البارئ تعالى، والصور لا تجوز على البارئ؟

قيل: سره أنه إنما منع أن يتصور في صورته عليه السلام الذي هو صورته في الحقيقة دلالة للعلم وعلامة على صحة الرؤية من ضعفها، وأطلق له أن

(1)

كذا بالأصل، وفي "إكمال المعلم"(ذات).

(2)

"إكمال المعلم" 7/ 219 - 220 بتصرف. وذلك في شرح حديث (2266) كتاب: الرؤيا، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني".

ص: 113

يتصور على ما تصوره، ولا يجوز عليه دلالة للعلم أيضًا وسببًا إليه، لأنه قد تقرر في نفوس البشر أنه لا يجوز التجسيم على البارئ تعالى، فجاز أن يجعل لنا هذا الوهم (في النوم)

(1)

دليل على علم ما لا سبيل إلى معرفته إلا بطريق التمثيل في البارئ تعالى مرة، وفي سائر الأرباب والسلاطين مرة؛ وكذلك قال أبو بكر بن الطيب الباقلاني في "انتصاره": إن رؤية البارئ تعالى في النوم أوهام وخواطر في القلب في أمثال لا تليق به تعالى في الحقيقة، وتعالى سبحانه عنها؛ دلالة للرأي على أنه أمر كان أو يكون كسائر المرئيات

(2)

. وهذا كلام حسن؛ لأنه لما كان خرق العادة دليلاً على صحة العلم في اليقظة في الأنبياء بهديها (الحق)

(3)

، جعل خروق العادة الجائزة على نبيه بتصور الشيطان على مثاله بالمنع من ذلك دليلاً على صحة العلم.

فإن قلت: كيف يجب أن تكون الرؤيا إذا رأى فيها البارئ تعالى صادقة أبدًا، كما كانت الرؤيا التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

فالجواب: أنه لما كان تعالى قد يعبر به في النوم على سائر السلاطين؛ لأنه سلطانهم ويعبر به عن (الأولياء)

(4)

والسادة والمالك، ووجدنا سائر السلاطين يجوز عليهم الصدق والكذب، فأبقيت رؤياهم على العادة فيهم، ووجدنا النبيين لا يجوز الكذب على أحد منهم، ولا على شيء من حالهم، فأبقيت (حال)

(5)

النبوة في النوم على ما هي عليه في اليقظة من الصدق برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا قام الدليل

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر: "إكمال المعلم" 7/ 220.

(3)

في (ص 1): الخلق.

(4)

في (ص 1): الآباء.

(5)

من (ص 1).

ص: 114

عند العابر على الرؤيا التي نرى فيها البارئ أنه البارئ لا يراد به غيره، لم يجز في تلك الرؤيا التي قام فيها دليل الحق على الله كذبا أصلاً لا في مقال ولا في فعال، فتشابهت الرؤيا من حيث اتفقت في معنى الصدق، واختلفت من حيث جاز غير ذلك، وهذا ما لا ذهاب عنه.

فصل:

سيأتي أن الشيطان لا يتمثل به.

قال المازري: وفيه إشارة إلى أن رؤياه لا تكون أضغاثًا، وأنها تكون حقًّا، وقد يراه الرائي على غير صفته المنقولة إلينا، كما لو رآه شخص أبيض اللحية، أو على خلاف لونه، أو تراه رؤيتان في زمن واحد، أحدهما: بالمشرق، والآخر بالمغرب، ويراه كل منهما معه في مكانه. وقال آخرون: الحديث محمول على ظاهره، والمراد: أن من رآه فقد أدركه، ولا مانع يمنع من ذلك، ولا يحيله العقل حتى يضطر إلى صرف الكلام عن ظاهره، وأما الاعتلال بأنه قد يرى على غير صفته المعروفة، وفي مكانين مختلفين فإن ذلك غلط في صفاته، وتخييل لها على غير ما هي عليه، وقد نظن بعض الخيالات مرئيات؛ لكون ما يتخيل مرتبطًا بما يرى في العادة، فتكون ذاته مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية، والإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا (قرب)

(1)

المسافات، ولا كون (المرئي)

(2)

مدفونًا في الأرض ولا ظاهرًا عليها وإنما يشترط كونه موجودًا، والأخبار دالة على بقائه

(1)

في الأصل: (تعرف)، والمثبت من (ص 1).

(2)

في الأصول: (الرائي)، والمثبت من "المعلم" 2/ 296، وهو المصدر المحكي عنه، وهو الصواب.

ص: 115

فيكون اختلاف الصفات المتخيلة يمر بها اختلاف الدلالات، وقد ذكر الكرماني

(1)

: أن من رآه شيخاً فهو عام سلم، أو شابًا فهو عام حرب، وذلك أحد أجوبتهم عنه لو رأى أنه (أمر)

(2)

بقتل من لا يحل قتله، فإن ذلك من الصفات المتخيلة لا المرئية.

وجوابهم. الثاني يمنع وقوع مثل هذا، ولا وجه عندي لمنعهم إياه مع قولهم في تخيل الصفات، فهذا انفصال هؤلاء عما احتج به القاضي، وللمسألة تعلق بغامض الكلام في الإدراكات وحقائق متعلقاتها، وبسطه خارج عما نحن فيه

(3)

.

فصل:

لا يفتك أن المنام جعله الله رحمة ليستريح بدنه من تعبه (ودونه)

(4)

ونصبه، لما علم تعالى عجز الروح عن القيام بتدبير البدن دائمًا، والنوم هو أبخرة تحيط بالروح القائم بالبدن فتحجبه عن التدبير، وما هو في المثال كالملك إذا حجب نفسه عن تدبير مملكته؛ ليستريح ويستريح أعوانه في وقت حجبه، وفيه تسخن الباطن وإجادة الهضم، وإذا أفرط فلا تكون الرأس بالاختلاط ترطب الجسوم أو ترخها وتطفئ الحر

(1)

قلت: ليس هو الكرماني شارح "صحيح البخاري" فهذا توفي في سنة ست وثمانين وسبعمائة، والناقل عنه هنا في الأصل هو المازري. وعنه نقل المصنف رحمه الله، والمازري توفي سنة ست وثلاثين وخمسمائة، فلا يصح نقله عنه، ولعله إبراهيم ابن عبد الله بن محمد الكرماني الأصبهاني، المشهور بابن خرشيذ قُوله، ولد سنة سبع وثلاثمائة، ودخل بغداد، وعاصر المهدي وفسر الرؤيا، توفي سنة أربعمائة. انظر:"سير أعلام النبلاء" 17/ 69 (37).

(2)

من (ص 1).

(3)

انتهى من "المعلم بفوائد مسلم" للمازري 2/ 295 - 296.

(4)

كذا رسمها بالأصل.

ص: 116

الذي فيها. كما ذكره ابن سينا في "أرجوزته" ومن الحكمة الإلهية جعله حين غيبة الروح المدبر ثلاثة أنفس، وتسمى القوى قوة التخيل والفكر والذكر، ومن حكمه أيضًا أن اليقظة ما إن تُمكّن يعرف الإنسان كل ما يحدث في الوجود كل وقت إذ لو كان ذلك كذلك؛ لتساوى الناس بالصالحين بخلاف النوم.

فصل:

والرؤيا قسمان: صحيح وفاسد، فالأول: ما كان ضمن اللوح المحفوظ، وهو الذي تترتب عليه الأحكام، والثاني: لا حكم له، وهو خمسة أقسام: حديث النفس: بأن يحدث في اليقظة نفسه بشيء فيراه في المنام، أو من غلبة الدم، أو من غلبة الصفراء، أو غلبة البلغم، أو السوداء.

(فصل)

(1)

:

قال المازري: قد أكثر الناس في حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير أهل الإسلام أقاويل كثيرة منكرة لما حاولوا الوقوف على حقائق لا تعلم بالعقل، ولا يقوم عليها برهان، وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت لذلك مقالاتهم، فمن ينتمي إلى الطب ينسب جميعها إلى غليظ الأخلاط، وهذا مذهب وإن جوزه العقل فإنه لم يقم عليه دليل، ولا اطردت به عادة، والقطع في موضع التجويز غلط وجهالة، هذا لو نسبوا ذلك إلى الأخلاط على جهة الاعتياد، وأما إن أضافوا الفعل إليها فإنا نقطع بخطأهم، وسيأتي بقية كلامه في باب الرؤيا الصالحة

(2)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

"المعلم بفوائد مسلم" 2/ 290 - 291.

ص: 117

فصل:

ذكر الإمام أبو محمد عبد المعطي بن أبي الثناء محمود في كتابه "مقامات الإيمان والإحسان" أن النوم تارة يكون نوم غفلة، وتارة يكون نوم جهل عن العلم، وتارة يكون نوم فترة وشغل، وتارة يكون نوم راحة.

فصل:

الرؤيا أيضًا تنقسم على أنواع أربعة: محمودة ظاهرًا وباطنًا، كمن يرى أنه كلم البارئ تعالى، أو أحدًا من الأنبياء في صفة حسنة وبكلام طيب، وعكسه كمن يرى أن حية لدغته أو نارًا أحرقته وشبهه، ومحمودة ظاهرًا لا باطنًا كسماع الملاهي وشم الأزهار، وعكسه كمن يرى أنه ينكح أمه أو يذبح ولده.

وروى أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: الرؤيا ثلاث: رؤيا (ترى)

(1)

من الله، ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه، ورؤيا تُحزن من الشيطان، وسيأتي في باب القيد في المنام الخلف في وقفه وإرساله

(2)

.

فصل:

الغالب في الرؤيا الجيدة تأخير تفسيرها بخلاف الرديئة وربما كانت له أو لغيره، وربما لا تكون له ولا لمن رئيت له، لكنها تكون لغيره من أقاربه أو معارفه، وربما رأى في نومه أشياء ودلالتها على شيء واحد وبالعكس، وربما كان للرائي وحده، وربما كان لمن يحكم عليه.

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر الحديث الآتي برقم (7017) وشرحه.

ص: 118

فصل:

المنام أيضًا يختلف باختلاف اللغات والأديان والأزمان والصنائع والعادات والمعايش والأمراض والموت والحياة.

فائدة:

قال ابن سيده: يقال: عبر الرؤيا يعبرها (عبرًا وعبارة، وعبرها: فسرها وأخبر بآخر ما يؤول إليه أمرها، واستعبره إياها: سأله تعبيرها)

(1)

(2)

. وقال الأزهري عن أبي الهيثم: العابر الذي ينظر في الكتاب فيعبره، أي: يعبر بعضه ببعض حتى يقع فهمه عليه، ولذلك قيل: عبر الرؤيا وأعبر فلان كذا، وقال غيره: أخذ هذا كله من العبر وهو جانب النهر، وفلان في ذلك العبر. أي: في ذلك الجانب، وعبرت النهر والطريق عبورًا إذا قطعته من هذا الجانب إلى ذلك الجانب، فقيل لعابر الرؤيا:(عابرًا)

(3)

؛ لأنه يتأمل ناحيتي الرؤيا وأطرافها، ويتدبر كل شيء منها ويُمضي فكره فيها من أول رؤياه إلى آخرها

(4)

.

وقال القزاز في"جامعه": كأن عابر الرؤيا جاز المثل إلى التأويل؛ لأن الرؤيا إنما هي مثَل يُضرب لصاحبها فإذا عبرها المعبر فقد جاز ذلك المثل إلى معناه. وقال قوم: إنما معناه: أنه يخرجها من حال النوم إلى ما يحب من اليقظة، وقد عبرها فهو عابر وعبرها فهو (معبر)

(5)

.

(1)

"المحكم"2/ 93.

(2)

من (ص 1).

(3)

كذا في الأصل، والجادة: عابر برفعها على أنها خبر أونائب فاعل لـ (قيل)، والله أعلم.

(4)

"تهذيب اللغة" 3/ 2305.

(5)

من (ص 1)، وفي الأصل: معبور. قلت: انظر: "المحكم" 2/ 93.

ص: 119

وعند الهروي: العابر الناظر في الشيء. ومنه قول ابن سيرين: إني اعتبرت الحديث.

يريد: أنه اعتبر الرؤيا عن الحديث ويجعله اعتبارًا كما يعتبر القرآن في تعبير الرؤيا يقال: هو عابر الرؤيا وعابر للرؤيا، وعبرتها وعبّرتها واحد.

ص: 120

‌2 - باب رُؤْيَا الصَّالِحِينَ

وَقَوْلِهِ عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} الآية [الفتح: 27].

6983 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» . [6994 - مسلم: 2264 - فتح 12/ 361]

ذكر فيه حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أنه عليه السلام -قَالَ: "الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ".

وأخرجه النسائي وابن ماجه

(1)

، والمراد عامة رؤيا الصالحين كما نبه عليه المهلب وهي التي يرجى صدقها؛ لأنه قد يجوز على الصالحين الأضغاث في رؤياهم؛ لكن لما كان الأغلب عليهم الخير والصدق، وقلة تحكم الشيطان عليهم في النوم أيضًا، لما جعل الله فيهم من الصلاح، وبقي سائر الناس غير الصالحين تحت تحكم الشيطان عليهم في النوم مثل تحكمه عليهم في اليقظة في أغلب أمورهم، وإن كان قد يجوز منهم الصدق في اليقظة فكذلك يكون في رؤياهم صدق أيضًا.

وذكر الكرماني المعبر

(2)

: كان بنو إسرائيل يمسون وليس فيهم نبي، ويصبحون وفيهم عدة أنبياء بما يوحى إليهم في منامهم.

(1)

النسائي في "السنن الكبرى" 4/ 383 (7624)، ابن ماجه (3893).

(2)

تقدم التعريف به قريبًا.

ص: 121

فصل:

قال أبو إسحاق الزجاج: تأويل قوله: "جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة". أن الأنبياء يخبرون بما سيكون، والرؤيا تدل على ما سيكون.

قلت: ولذلك قال عليه السلام: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات"

(1)

.

وقال الخطابي: كان بعض العلماء يقول في تأويله قولًا لا يكاد يتحقق من طريق البرهان، وذلك أنه عليه السلام من أول ما بدئ به الوحي إلى أن توفي ثلاث وعشرون سنة أقام بمكة ثلاث عشرة، وبالمدينة عشرًا، وكان يوحى إليه في منامه في أول الأمر بمكة ستة أشهر، وهي نصف سنة فصارت هذِه المدة جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من أجزاء النبوة

(2)

. قال الخطابي: وإن كان هذا وجهًا قد يحتمل قسمة الحساب والعدد، فأول ما يجب من الشروط فيه أن يثبت ما قاله من ذلك خبرًا ورواية، ولم نسمع ذلك، وهو ظن وحسبان ولإن كانت هذِه المدة محسوبة من أجزاء النبوة على ما ذهب إليه من هذِه القسمة، لكان يجب أن يلحق بها سائر الأوقات التي كان يوحى إليه في منامه في تضاعيف أيام حياته وأن تلتقط فتلفق وتزاد أصل الحساب، وإذا صرنا إلى ذلك بطلت هذِه القسمة وسقط هذا الحساب (من أصله)

(3)

، وقد ثبت عنه عليه السلام في عدة أحاديث من روايات كثيرة أنه كان يرى الرؤيا المختلفة في أمور الشريعة ومهمات أسباب الدين فيقصها على أصحابه، وكان يقول إذا أصبح:"من رأى منكم رؤيا" فيقصونها

(1)

سيأتي قريبًا برقم (6990).

(2)

"أعلام الحديث" 4/ 2315،"معالم السنن" 4/ 129.

(3)

من (ص 1).

ص: 122

عليه

(1)

. وقال لهم: "أريت ليلة القدر فأنسيتها"

(2)

. وقال في يوم أحد: "رأيت في سيفي ثلمة" إلى آخره

(3)

، وقال:"رأيت كأني أنزع على قليب بدلو" فذكره إلى آخره

(4)

، وحديث رؤيا الشجرة، ورؤيا عمر وعبد الله بن زيد في منامهما

(5)

، فكان ذلك بمنزلة الوحي، ولذلك صار شريعة بعد الهجرة، وأعلى منها ما نطق به الكتاب:{لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا} [الفتح: 27] وقوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} الآية [الإسراء: 60]، فدل ذلك وغيره على ضعف هذا التأويل، ونرى أعداد الركعات وأيام الصوم ورمي الجمار محصورة في حساب معلوم، ولا نعلم سر حصرها، وهذا كقوله في حديث آخر:"إن الهدي الصالح والسمت الصالح جزءٌ من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة"

(6)

.

وتفصيل هذا العدد وحصر النبوة فيه متعذر لا يمكن الوقوف عليها، وإنما فيه أن هاتين الخصلتين من الأنبياء، فكذلك الأمر في الرؤيا أنها جزء من كذا. قال: ومعنى الحديث تحقيق أمر الرؤيا، وأنها مما كان الأنبياء عليهم السلام يثبتونه، وأنها كانت جزءًا من أجزاء العلم الذي كان يأتيهم

(7)

.

(1)

سلف برقم (1386)، ورواه مسلم (2275) من حديث سمرة بن جندب.

(2)

سلف برقم (49).

(3)

رواه أحمد 1/ 271. قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (2445): إسناده صحيح.

(4)

سلف برقم (3682).

(5)

رواه أبو داود (499)، وابن ماجه (706 - 707).

(6)

رواه أبو داود (4776)، وأحمد 1/ 296. وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (2698): إسناده صحيح.

(7)

انتهى بتمامه من "أعلام الحديث" 4/ 2315 - 2319 بتصرف.

ص: 123

وقال بعضهم معناه: أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة؛ لأنها جزء باقٍ (منها)

(1)

. وسيأتي بعد أبسط من هذا.

فصل:

قال الداودي: وفي الخبر دليل أن رؤيا الأنبياء كالوحي في اليقظة ليست جزءًا من هذا العدد، وقد تصدق رؤيا الكافر قال تعالى:{إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف: 43]، وقال الفتيان:{أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا} [يوسف: 36].

فصل:

قوله في الباب بعده: إذا رأى ما يكره فإنما هي من الشيطان، يريد: أنها تنسب إلى الشيطان؛ لأنها من هواه كقوله تعالى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: 63] والكل من عند الله هو الفاعل، وفي آخره:"فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره". ذكر بعد في باب الحلم من الشيطان: "فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره"، وفي لفظ:"فلينفت عن يساره ثلاثًا"، وفي مسلم:"فليبصق عن يساره ثلاًثا وليستعذ وليتحول عن جنبه الذي كان عليه"، وفي أخرى:"فليقم فليصل". وسيأتي في البخاري أيضًا، وفي أخرى ذكرها الداودي:"يقرأ آية الكرسي"، فجعل الله تعالى في التعوذ والبصاق سببًا لدفع مكرهها، كما جعل في الدعاء والرقى سببًا لدفع مكروه الداء، والتحول كأنه من باب التفاؤل من باب تغيير الحال.

فصل:

الآية التي صدر البخاري بها الباب، قال مجاهد: رأى عليه السلام كأنه

(1)

في الأصل: (بينهما)، والمثبت من (ص 1).

ص: 124

دخل مكة هو وأصحابه محلقين رءوسهم ومقصرين، فاستبطأ الرؤيا ثم دخلوا بعد ذلك

(1)

.

وفي قوله: "إن شاء الله" أقوال:

هل هو مما خوطب العباد أن يقولوا مثل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} الآية [الكهف: 23] أو الاستثناء لمن مات منهم أو قتل، أو المعنى: إن شئت آمنين و (حليم)

(2)

، أو هو حكاية لما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى:{فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} . قال مجاهد: رجعوا من الحديبية ثم فتح الله عليهم خيبر

(3)

، وكانت الحديبية سنة ست فخرج معتمرًا في ذي القعدة منها، وبلغه في طريقه أن قريشًا جمعت له وحلفت ألا يدخلها عليهم، فقال عليه السلام:"ويح قريش ما خرجت لقتالهم ولكن معتمرًا".

فائدة:

في الترمذي"أصدق الرؤيا بالأسحار"

(4)

، وفي مسلم:"إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا"

(5)

. فقال أبو داود: المراد بالاقتراب: اقتراب الليل والنهار واستوائهما

(6)

. وقال الخطابي: (معناه)

(7)

قرب زمان الساعة ودنوه، والمعبرون

(1)

الطبري 11/ 367 (31601).

(2)

كذا رسمها في الأصل، وعلم عليها الناسخ بعلامة استشكال. وقبالتها بالهامش فقط.

(3)

الطبري 11/ 368 (31608).

(4)

"سنن الترمذي"(2274) من حديث أبي سعيد الخدري، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(1732).

(5)

مسلم (2263).

(6)

"سنن أبي داود" بعد حديث (5019) 2/ 723 ط. (حوت).

(7)

من (ص 1).

ص: 125

يزعمون أن أصدق الرؤيا ما كان في أيام الربيع ووقت اعتدال الليل والنهار

(1)

.

قال النووي: وقول أبي داود أشهر (عند أهل الرؤيا)

(2)

، وجاء في حديث ما يؤيد الآخر. وفي الترمذي صحيحًا:"لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح"

(3)

، وفي حديث آخر:"لا تقصها إلا على وادٍّ أو ذي رأي"

(4)

قالوا: ولا يستحب أن (ينسب)

(5)

لك في تفسيرها إلا بما تحب، وإن لم يكن عالمًا بالعبارة، لا أنه يصرف تأويلها عما جعلها الله عليه، (وأما ذو الرأي فمعناه: ذو العلم بعبارتها فهو يخبرك بحقيقتها)

(6)

أو بأقرب ما يعلم منها، ولعله أن يكون في تفسيره موعظة لما هو عليه أو يكون فيها بِشرًا فيشكر الله عليها.

(1)

"معالم السنن" 4/ 129 - 130.

(2)

في (ص 1): عند غير أهل الرؤيا.

(3)

رواه الترمذي (2280)، وصححه الألباني في "الصحيحة"(119)

(4)

رواه أبو داود (5020)، وابن ماجه (3914)، وانظر:"الصحيحة"(120).

(5)

بياض في الأصل، والمثبت من (ص 1).

(6)

من (ص 1).

ص: 126

‌3 - باب الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ

6984 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى -هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ» . [انظر: 3292 - مسلم: 2261 - فتح 12/ 368]

6985 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ» . [فتح 12/ 369]

ذكر فيه حديث أبي قَتَادَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ".

وحديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا رَأي أَحَدُكمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأي غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ بالله مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ".

الشرح:

الحلم بضم الحاء واللام، قال ابن التين: كذا قرأناه.

وفي ضبط"الصحاح" بسكون اللام وهو ما يراه النائم، وقال بعض العلماء: هو الأمر الفظيع زاد في الباب بعده: "فإذا حلم أحدكم فليستعذ منه". وفي باب: الحلم من الشيطان (بعد ذلك)

(1)

: "فإذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فإنه لن يضرَّه".

(1)

من (ص 1).

ص: 127

وحلم بفتح الحاء واللام كضرب يقول: حلمت بكذا، وحلمته. قال ابن السيد في "مثلثه": ويجمع أحلامًا لا غير

(1)

.

وقال ابن سيده: الحلُم والحلْم: الرؤيا، وقد حلم في نومه يحلم حلمًا واحتلم وانحلم، وتحلَّم الحلم: استعمله، وحلم به وعنه، وتحلَّم عنه: رأي له رؤيا أو رآه في النوم، وهو الحلم والاحتلام، والاسم الحُلُم

(2)

.

وقالى ابن خالويه: وقولهم أحلام نائم هي ثياب غلاظ. وقال الزمخشري: الحالم: النائم يرى في منامه شيئًا، فإذا لم ير شيئًا فليس بحالم قال: والعامة تقول: حلمت في النوم. وهي لغة لقيس على ما ذكره أبو زيد.

وقال الزجاج: الحلم بالضم ليس بمصدر وإنما هو اسم.

وحكى ابن التياني في "الموعب" عن الأصمعي: في المصدر حُلمًا وحِلمًا مثل فرط وطيب.

وقال الزبيدي في "نوادره": يقال: قد حلم الرجل في نومه، فهو يحلم حُلما بالضم، وبعض العرب تخفف فتقول حلمًا وهم تميم، والحِلم بالكسر: الأناة، يقال منه: حلم بضم اللام.

فصل:

فإن قلت: ما معنى الحديث وقد تقرر أنه لا خالق للخير والشر إلا الله، وأن كل شيء بقدره وخلقه، فالجواب: أنه عليه السلام سمى رؤيا من خلص من الأضغاث وكان صادقًا تأويله موافقًا لما في اللوح المحفوظ فحسنت إضافته إلى الله، وسمى الرؤيا الكاذبة التي هي من

(1)

"المثلث" 1/ 454.

(2)

"المحكم" 3/ 276،

ص: 128

خبر الأضغاث حلمًا وأضافها إلى الشيطان، إذ كانت مخلوقة على شاكلته وطبعه؛ ليعلم الناس مكائده فلا يحزنون لها ولا يتعذبون بها، وإنما سميت ضغثا؛ لأن فيها أشياء متضادة، والدليل على أنه لا يضاف إلى الله إلا الشيء الطيب الطاهر قوله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] أي: أوليائي، فأضافهم إلى نفسه؛ لأنهم أولياؤه، ومعلوم أن غير أوليائه عباد الله أيضًا. وقال تعالى:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29]، {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} [البقرة: 257] فأضافهم إلى ما هم أهله، وإن كان الكل خلقه وعبيده {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56] وإن كان المحزن من الأحلام مضافًا إلى الشيطان في الأغلب، وقد يكون المحزن في النادر من الله، لكن الحكمة بالغة وهو أن ينذر بوقوع المحزن من الأحلام بالصبر، لوقوع ذلك الشيء، لئلا يقع على غرة فيقتل، فإذا وقع على مقدمة وتوطين نفس كان أقوى للنفس وأبعد لها من أذى البغتة، وقال:"فإنها لا تضره" يعني (بها)

(1)

ما كان من قبل الشيطان جعل الله سبحانه الاستعاذة منها ما يدفع به أذاها، ألا ترى قول أبي (قتادة)

(2)

كما يأتي: إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل عليَّ من الجبل، فلما سمعت بهذا الحديث كنت لا أعدها شيئًا. وروى قتادة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا في هذا الحديث:"فمن رأى منكم ما يكره فليقم ويصل" وقد أسلفنا ذلك في الباب قبله وأخرجه مسلم

(1)

من (ص 1).

(2)

كذا بالأصل، والقائل هذِه العبارة هو أبو سلمة راويه عن أبي قتادة فلعله لذلك دخل على المصنف. أثر حديث (5747).

ص: 129

من حديث أيوب عن ابن سيرين به، وقال:"وليصل ولا يحدث بها الناس" وفي أوله: "الرؤيا ثلاث: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه"

(1)

.

(1)

مسلم (2263).

ص: 130

‌4 - باب الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ

6986 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ -وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا: لَقِيتُهُ بِالْيَمَامَةِ - عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْهُ وَلْيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ» . [انظر: 3292 - مسلم: 2261 - فتح 12/ 373] وَعَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.

6987 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» . [مسلم: 2264 - فتح 12/ 373]

6988 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ

سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». [7017 - مسلم: 2263 - فتح 12/ 373] رَوَاهُ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَشُعَيْبٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

6989 -

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» [فتح 12/ 373]

ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ يَحْييَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْهُ وَلْيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ»

ص: 131

وَعَنْ أَبِيهِ قال: حدثني (عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.

وحديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ".

وحديث)

(1)

قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعًا مثله وقال:"رؤيا المسلم .. " إلى آخره.

رَوَاهُ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَشُعَيْب، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "رؤيا المسلم .. " مثله.

الشرح:

سلف في الباب قبله الكلام على قوله: "فإذا حلم .. " إلى آخره.

وفي "سنن ابن ماجه": جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني (رأيت)

(2)

رأسي ضُرب فرأيته يتدهده، فقال عليه السلام:"يعمد الشيطان إلى أحدكم فيقول له ثم يغدو يخبر الناس"

(3)

، وفي لفظ:"وإذا رأى ما يكره فلا يقصها على أحد"

(4)

، ولابن أبي شيبة: كأن رأسي ضرب بيدي هذِه

(5)

. وحديث أبي قتادة أخرجه مسلم بلفظ: "فلينفث عن يساره ثلاثًا وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره"

(6)

، وفي لفظ:

(1)

من (ص 1).

(2)

ساقطة من الأصل.

(3)

"سنن ابن ماجه"(3911)، وصححه الألباني في "الصحيحة"(2453).

(4)

رواه أحمد 3/ 383.

(5)

"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 175 (30465).

(6)

مسلم (2261/ 1).

ص: 132

"فليبصق عن يساره حين يهب من نومه"

(1)

، وفي لفظ:"وليتحول عن جنبه الذي كان عليه"

(2)

، وفي لفظ:"فلا يخبر بها أحدًا، فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر بها إلا من يحب"

(3)

. "وإذا رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها ولا يحدث بها أحدًا؛ فإنها لا تضره"

(4)

. وفي النسائي: "إذا رأى أحدكم الشيء يعجبه؟ فليعرضه على ذي رأي ناصح، فليؤوِّل خيرًا وليقل خيرًا"

(5)

.

وفي حديث جابر: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه"

(6)

.

وفي لفظ: قال رجل: يا رسول الله رأيت في النوم كأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددت في إثره، فقال عليه السلام:"لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك"

(7)

.

وفي لفظ: (قطع) بدل (ضرب)، فضحك عليه السلام وقال:"إذا لعب الشيطان بأحدكم فلا يحدث به الناس"

(8)

.

قال المازري: يحتمل أن يكون علم أن منامه هذا من الأضغاث بوحي يوحى إليه أو دلالة من المنام دل عليه، أو يكون من المكروه الذي هو تحزين الشيطان، وحكي عن بعض العابرين أنه قال: يمكن

(1)

مسلم (2261/ 5).

(2)

مسلم (2261/ 2).

(3)

مسلم (2261/ 3).

(4)

مسلم (2261/ 4).

(5)

"سنن النسائي الكبرى" 6/ 226 (10745).

(6)

رواه مسلم (2262).

(7)

مسلم (2268).

(8)

مسلم (2268/ 16).

ص: 133

أن يكون اختصر من المنام أو سقط عن بعض الرواة منه ما لو ذكر لدل على أنه من الأضغاث، وأما العابرون فيتكلمون في كتبهم على قطع الرأس ويجعلونه في الجملة دلالة على مفارقة ما فيه الرأي من مفارقة النعم، أو يفارق من هو فوقه، ونزول سلطانه وتغير حاله في جميع أموره، إلا أن يكون عبدًا فيدل على عتقه أو مريضًا فعلى شفائه إلى غير ذلك. وذكر ابن قتيبة

(1)

: أن رجلاً قال: يا رسول الله، رأيت كأن رأسي قطع وأنا انظر إليه بإحدى عيني. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم -وقال:"بأيهما كنت تنظر" فلبث ما شاء الله ثم قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فعبر الناس الرأس بالنبي والنظر إليه باتباع السنة

(2)

.

فصل:

ولابن ماجه من حديث جابر قال رجل: يا رسول الله، رأيت البارحة كأن عنقي ضربت وسقط رأسي فاتبعته فأخذته فأعدته. فقال عليه السلام:"إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدثن الناس"

(3)

. وفي رواية أبي الزبير: "إذا حلم أحدكم فلا يخبر الناس بلعب الشيطان به في المنام"

(4)

. وله عن عوف بن مالك مرفوعًا: "إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من أربعة وأربعين جزءًا من النبوة"

(5)

.

(1)

في كتابه الموسوم بـ "الأصول لعبارة الرؤيا" كذا أسماه المازري وهو المنقول عنه الآن.

(2)

انتهى من "المعلم بفوائد مسلم" 2/ 297.

(3)

"سنن ابن ماجه"(3912).

(4)

ابن ماجه (3913). وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(496).

(5)

ابن ماجه (3907). وصححه الألباني في "الصحيحة"(1870).

ص: 134

وعن أم كرز مرفوعًا: "ذهبت النبوة وبقيت المبشرات"

(1)

.

وعن عبادة قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 64] قال: "هي الرؤيا الصادقة يراها المؤمن أو ترى له"

(2)

. وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة .. "

(3)

الحديث.

ولابن أبي شيبة والترمذي -وقال: حسن- من طريق عطاء بن يسار، عن رجل كان يفتي بمصر قال: سألت أبا الدرداء عن قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: هي الرؤيا الصالحة بزيادة: وفي الآخرة (الجنة)

(4)

.

ومن حديث المختار بن فلفل، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا -وقال الترمذي: حسن غريب- "إن النبوة قد انقطعت والرسالة" فجزع الناس، فقال:"قد بقيت مبشرات الرؤيا وهي جزء من النبوة"

(5)

. وفي لفظ حميد عنه: "جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة".

فصل:

الشمال خلاف اليمين، وذكره في باب الحلم من الشيطان بلفظ: اليسار، وهو بفتح الياء أفصح من كسرها، وقوله:"وليبصق" وفي

(1)

ابن ماجه (3896). وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(3439).

(2)

ابن ماجه (3898).

(3)

ابن ماجه (3899). وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(2746).

(4)

ساقطة من الأصل. وانظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 173 (30443)،"سنن الترمذي"(2273).

(5)

"سنن الترمذي"(2272)، "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 173 (30448). وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1631).

ص: 135

أخرى: "فلينفت"وفي ثالثة: "فليتفل" وأكثر الروايات على الثاني، وادعى بعضهم أن معناها واحد، ولعل المراد بالجميع النفث، وهو نفخ بلا ريق، ويكون التفل والبصق محمولين عليه مجازًا.

فصل:

وقوله: ("فإنها لا تضره") معناه: أن الله تعالى جعل هذا سببًا لسلامته من مكروه يترتب عليها، كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببًا لدفع النبلاء، وينبغي الجمع بين هذِه الروايات كلها ويعمل بها كلها كما نبه عليه النووي، فإذا رأى ما يكرهه نفث عن يساره ثلاثًا قائلاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شرها، وليتحول إلى جنبه الآخر وليصل ركعتين. قلت: ويقرأ آية الكرسي كما سلف في تلك الرواية، فيكون قد عمل بجميع الروايات

(1)

، وإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله كما صرحت به الأحاديث.

قال عياض: وأمر بالنفث ثلاثًا طردًا للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة وتحقيرًا له واستقذارًا وخصمت به اليسار؛ لأنها محل المكروهات والأقذار

(2)

.

وقوله: "ولا يذكرها لأحد" وفي لفظ: "ولا يحدث بها أحدًا" فسببه أنه ربما فسره تفسيرا مكروهًا على ظاهر صورتها، وكان ذلك محتملاً فوقعت بتقدير الله كذلك، فإن الرؤيا -كما جاء في حديث أبي رزين وقالى الترمذي: صحيح- "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا تحدث بها سقطت"

(3)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: حاشية: ولا يخبر بها، كما سيأتي قريبًا.

(2)

"إكمال المعلم" 7/ 207.

(3)

تقدم تخريجه قريبًا.

ص: 136

أي: أنها تكون محتملة لأمرين ففسرت بأحدهما، ولابن ماجه من حديث يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه: " (اعبروها)

(1)

بأسمائها وكنوها بكناها والرؤيا لأول عابر"

(2)

، وفي"البستان" لابن أبي طالب حديثًا عبره الشارع ثم عبرت عائشة مثل ذلك المنام فاختلف التعبيران.

فصل:

وقوله في الباب الماضي: ("فليحدث بها"). وجاء في باب إذا رأى ما يكره: "فلا يحدث به إلا من يحب"، وهذا من أحسن الإرشاد لموضع الرؤيا؛ لأنه إذا أخبر بها من لا يحب ربما حمله البغض والحسد على تفسيرها بمكروه، فقد تقع تلك الصفة وإلا فيحصل له في الحال حزن ونكد في سوء تفسيرها. قال الخطابي: وهذا من أحسن الإرشاد لموضع الرؤيا، واستعبارها العالم بها الموثوق برأيه.

وقوله: ("على رجل طائر") قيل: معناه: أنه لا يستقر قرارها ما لم تعبر.

فصل:

قال عياض: يحتمل أن المراد صحتها، ويكون معنى الرؤيا الصالحة الحسنة حسن ظاهرها، ويحتمل المراد صحتها وكذلك الرؤيا المكروهة

(3)

. قال: وقوله: ("فليبشر"). كذا في معظم الأصول بضم الياء ثم موحدة ساكنة من البشارة والبشرى، وفي بعضها بفتح الياء والنون من النشرة وهو الإشاعة. قال: وهو تصحيف. وفي بعضها: "فليسر". بسين مهملة من السرور.

(1)

في (ص 1): اعتبروها.

(2)

ابن ماجه (3915). وضعفه الألباني في"ضعيف ابن ماجه"(849).

(3)

"إكمال المعلم" 7/ 209.

ص: 137

فصل:

مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا كما نقله المازري أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان، وهو جل وعلا يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذِه الاعتقادات فكأنه خلقها علمًا على أمور أخر يلحقها في ثاني الحال إذا كان قد خلقها، فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر، فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمورًا على خلاف ما هو عليه، فيكون ذلك الاعتقاد علمًا على غيره كما (جعل)

(1)

الله الغيم علمًا على المطر والجميع خلق الله، ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي خلقها علمًا على ما يسر بغير حضرة الشيطان، وخلق ما هو علم على ما يحضره الشيطان، فنسب إلى الشيطان مجازًا لحضوره عندها وإن كان لا يدخل له حقيقة. وهذا معنى قوله:"الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" لا على أن الشيطان يفعل.

فالرؤيا: اسم لمحبوب، والحلم: اسم لمكروه

(2)

.

وقال بعضهم: إضافة الرؤيا إلى الله إضافة تشريف بخلاف المكروهة، وإن كانا جميعا من خلق الله، والشيطان بحضرة المكروهة ويرتضيه و (يسر به)

(3)

. يؤيده ما حكى القيرواني في كتابه "نور البستان": أن أبا جعفر محمد بن علي الكسائي روى في كتابه في الرؤيا عن إسماعيل بن أبي فديك، عن يعيش بن طخفة الغفاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله

(1)

في (ص 1): خلق.

(2)

"المعلم" 2/ 291.

(3)

في (ص 1): يستر به.

ص: 138

ليس لي إلا هذا الولد، ورأيت في المنام أني ذبحته، ثم جعلت أقطعه عضوًا عضوًا وطبخته في قدر، فقال:"يا رؤيا اخرجي". فخرجت امرأة جميلة بيضاء فقال لها: "هل أريت هذِه شيئًا؟ ". قالت: لا يا رسول الله. فقال: "يا حلم اخرجي" فخرجت امرأة أدماء فقال: "هل أريت هذِه شيئًا؟ ". قالت: لا. فقال: "يا ضغث اخرجي". فخرجت امرأة ميتة، فقال:"هل أريت هذِه شيئًا؟ ". قالت: نعم. فقال: "وما حملك؟ ". قالت للمرأة: أن أحزنها، فقال للمرأة:"اذهبي فلا بأس عليك".

قال القيرواني: ورأيت نحوه في بعض الكتب أن فاطمة رأت كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها والحسن والحسين نائمان، فأطعمهما فاكهة فشرقا. فأخبرت رسول الله بذلك فنادى عن يمينه:"يا رؤيا". فأجابه صوت، فقال:"أنت أريت فاطمة هذه". قالت: نعم، فناولهما عليه السلام فاكهة كانت عنده، فأكلا ولم يصبهما شيء.

قال القيرواني: هذا إن صح فيحمل على صدق رؤيا فاطمة؛ لذكر الشارع فيهما، وموت ولديها متولد من حذر النفس وإشفاقها، وهو مضاف إلى الشيطان، وهذا من الباطل الذي وصف المفسرون أن الشيطان يدخله على النائم في الرؤيا الصالحة؛ ليفسدها عليه حسدًا له.

فصل:

ذكر الإسماعيلي في حديث أبي قتادة أمرين:

أولهما: لما رواه عن ابن ناجية، قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ومحمد بن سليمان لوين، قال: لم يتجاوز لوين في حديثه أبا سلمة أنه عليه السلام قال: "الرؤيا الصالحة .. " الحديث، وهذا منه ترجيح للإرسال على الإسناد؛ لأن محمد بن سليمان حافظ.

ص: 139

ثانيهما: قال: هذا الحديث ليس من الباب في شيء. قلت: لكن فيه ذكر الصالحة فقط.

فصل:

في اتصال قوله: (رواه ثابت وحميد) إلى آخره، وأما حديث ثابت

(1)

، وهو ابن (مسلم)

(2)

فأخرجه (مسلم إثر حديث)

(3)

أنس عن عبادة، من حديث شعبة عنه، وحديث حميد أخرجه ابن أبي شيبة عن النفيلي عنه، عن أنس أنه قال، فذكره موقوفًا، وحديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فساقه البخاري مسندًا في باب رؤيا الصالحين من حديث مالك عنه، وحديث شعيب -هو ابن الحبحاب- أخرجه خلف وأبو مسعود في أطرافهما.

فصل:

حديث أبي سعيد فيه أنها: "جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" وهي أشهرها، وكذا من حديث أنس وعبادة وأبي هريرة. وفي "مستخرج الإسماعيلي""خمسة وأربعون جزءًا"، وسلف أن في بعض النسخ لحديث أبي رزين "جزء من أربعين جزءًا" وفي ابن ماجه من حديث فراس، عن عطية، عن أبي سعيد:"جزء من سبعين جزءًا من النبوة" وكذا لمسلم من حديث ابن عمر، وكذا لابن أبي شيبة من حديث زاهر الأسلمي، عن أبيه عن عبد الله بن مسعود مثله موقوفًا.

(1)

ورد في هامش الأصل: حديث ثابت عن أنس رواه البخاري ومسلم من رواية عبد العزيز بن المختار وشعبة، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه البخاري والنسائي وابن ماجه من رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وصححه أبو داود من رواية حميد الطويل، وشعيب بن الحبحاب، عن أنس، عنه عليه السلام.

(2)

في (ص 1): سلم.

(3)

من (ص 1).

ص: 140

وذكر الطبري في "تهذيبه" من حديث ابن عباس: "جزء من أربعين جزءًا" ومن حديث عبد الله بن عمرو "من تسعة وأربعين جزءًا" ومن حديث العباس: "جزء من خمسين جزءًا" ومن حديث ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة: "جزء من أربعين جزءًا"، وعن ابن عمر:"من ستة وعشرين". وعن عبادة: "من أربعة وأربعين"

(1)

.

وأسلفنا عن الزجاج وبعضهم كلامه على ستة وأربعين. ولا يتأتى في غيرها لسبعين ونحوها، وأيضًا فبعضهم أن مقامه بمكة كان عشرًا فلم يتفقوا على ثلاث عشرة. وحكى المازري عن بعضهم الأول، وعن بعضهم أنه عليه السلام قد خص دون الخليقة بضروب وفنون، وجعل له إلى العلم طرق لم تجعل لغيره، فيكون المراد نسبتها مما حصل له وميز به جزء من ستة وأربعين جزءًا، فلا يبقى على هذا إلا أن يقال: بينوا، هذِه الأجزاء؟

ولا يلزم العلماء أن يعرفوا كل شيء جملة وتفصيلاً، وقد جعل الله للعلماء حدا نقف عليه، فمنها: ما لا نعلمه أصلاً، ومنها: ما [لا]

(2)

نعلمه جملة، ولا نعلمه تفصيلاً، وهذا منه، ومنها ما نعلمه جملة وتفصيلاً، لا سيما ما طريقه السمع، ولا مدخل للعقل فيه فإنما يعرف منه قدر ما يُعَرَّفُ السمع. قال: وقد مال بعض شيوخنا إلى هذا الجواب الثاني وقدح في الأول بأنه لم يثبت أن أمد رؤياه قبل النبوة كان ستة أشهر وبأنه بعد النبوة رأى منامات كثيرة، فيجب أن يلفق

(1)

ورد في هامش الأصل: الروايات التي وقفت أنا عليها في الكتب الستة أو في غيرها: ستة وأربعون، خمسة وأربعون، سبعون، أربعون، تسعة وأربعون، خمسون، ستة وعشرون، أربعة وعشرون جزء من النبوة، سبعة وأربعون. والله أعلم.

(2)

كذا بالأصل، وهي زائدة، وفي "المعلم" بدونها.

ص: 141

منها ما يضاف إلى الستة الأشهر، فيتغير الحساب وتفسد النسبة، ولا وجه عندي لاعتراضه بما كان من المنامات خلال زمن الوحي؛ لأن الأشياء توصف بما يغلب عليها، وتنسب إلى الأكثر منها، فلما كانت الستة الأشهر محضة في المنامات، والثلاث وعشرون سنة جلها وحي، وإنما فيها منامات شيء يسير بغير عد، أوجب أن يطرح الأقل في حكم [النسبة والحساب]

(1)

، وقد سلف أن أمد الرؤيا لم يثبت أنه كان ستة أشهر فكيف حكمت بعدمه ولم يتضح ثبوته؟

قال المازري: ويحتمل عندي أن يراد بالحديث وجه آخر، وهو أن (يريد)

(2)

المنامات الخبر بالغيب لا أكثر، وإن كان يتبع ذلك إنذارًا وتبشيرًا، والإخبار أحد ثمرات النبوة، واحد فوائدها، وهو في جنب فوائد النبوة والمقصود بها يسير؛ لأنه يصح أن يبعث نبي يشرع الشرائع (ويبين)

(3)

الأحكام ولا يخبر بغيب أبدًا، ولا يكون ذلك قادحًا في نبوته، ولا مبطلاً للمقصود منها، وهذا الجزء من النبوة هو الإخبار بالغيب إذا وقع، فلا يكون إلا صدقًا، ولا يقع إلا حقًّا، والرؤيا ربما دلت على شيء ولم يقع ما دلت عليه، إما لكونها من الشيطان، أو من حديث النفس، أو من غلط العابر في أصل العبارة، إلى غير ذلك من الضروب الكثيرة التي توجب عدم الثقة بدلالة المنام، فقد صار الخبر بالغيب أحد ثمرات (النبوة، وهو غير مقصود فيها، ولكنه لا يقع إلا حقًّا، وثمرة)

(4)

المنام الإخبار بالغيب، ولكنه

(1)

ساقطة من الأصول، وأثبتناها من "المعلم".

(2)

كذا صورتها في الأصل، وفي "المعلم" 2/ 294:(ثمرة).

(3)

في (ص 1): ويسن.

(4)

من (ص 1).

ص: 142

قد لا يقع صدقًا فتقدر النسبة في هذا بقدر ما قدره (الشارع)

(1)

بهذا العدد على حسب ما أطلعه الله عليه؛ ولأنه يعلم من حقائق نبوته ما [لا]

(2)

نعلمه نحن، وهذا الجواب الثاني عن بعضهم فإنهم لم يكشفوه هذا الكشف، ولا بسطوه هذا البسط

(3)

.

وأشار الطبري إلى أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي، فالمؤمن الصالح تكون رؤياه من ستة وأربعين، والفاسق من سبعين، وقيل: المراد أن الخفي منها جزء من سبعين، والجلي جزء من ستة وأربعين.

قال الطبري: والصواب أن يقال: إن عامة هذِه الأحاديث أو أكثرها صحاح، ولكل منها مخرج، فأما رواية السبعين فإنه عام في كل رؤيا صالحة صادقة لكل مسلم رآها في منامه على أي أحواله كان، وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة والنخعي، وأما رواية الأربعين والستة والأربعين فإنه يريد بذلك ما كان صاحبها بالحال التي ذكر عن الصديق أنه يكون بها.

روى ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه أن زياد بن نعيم حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كان يقول: لأن يرى المسلم يسبغ الوضوء رؤيا صالحة أحب إليَّ من كذا وكذا، فمن كان من أهل الإسباغ في الصبر على المكروهات وانتظار الصلاة بعد الصلاة فرؤياه الصالحة جزء من ذلك، ومن كانت حاله في دأبه بين ذلك فرؤياه الصادقة بين

(1)

في (ص 1): الشرع.

(2)

زيادة ليست بالأصل: يقتضيها السياق، وهي مثبتة من "المعلم" 2/ 294.

(3)

"المعلم" 2/ 294.

ص: 143

الأربعين إلى السبعين لا (يزاد)

(1)

عن السبعين ولا (ينتقص)

(2)

على الأربعين. قلت: ويحتاج إلى توجيه رواية ستة وعشرين

(3)

.

قال ابن بطَّال: وأصح ما في الباب (حديث)

(4)

الستة والأربعين جزءًا، ويتلوها في الصحة (سبعون)

(5)

، ولم يذكر مسلم في كتابه غير هذين الحدثيين، فأما الأول فأخرجه من حديث ابن عمر مرفوعًا، وأما سائرها فهي من أحاديث الشيوخ. ثم قال: فإن قلت: [فما]

(6)

وجه التوفيق بين السبعين والستة والأربعين، والنسخ غير جائز في الأخبار؟

فالجواب: أنه يجب أن يعلم ما معنى كون الرؤيا جزءًا من أجزاء النبوة، فلو كانت جزءًا من ألف جزء منها لكان ذلك كثيرًا، فيقال: إن لفظ النبوة مأخوذ من الإنباء، والإنباء هو الإعلام لغة، والمعنى: أن الرؤيا إما صدق من الله لا كذب فيه، كما أن معنى النبوة الإنباء الصادق من الله الذي لا يجوز عليه الكذب فشابهت الرؤيا النبوة في صدق الخبر عن الغيب، وأما معنى اختلاف الأجزاء في ذلك قلة وكثرة فإنا وجدنا الرؤيا تنقسم قسمين لا ثالث لهما، وهو أن يرى الرجل رؤيا جلية ظاهرة التأويل مثل من رأى أنه يُعطي شيئاً في المنام

(1)

في الأصل: ينتقص، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(2)

في الأصل: يزاد، ولعل الصواب ما أثبتناه، وتكون تبدلت مع الموضع السابق.

(3)

وقع بهامش الأصل ما نصه: وكذا أبى رواية أربع وعشرين التي ذكرتها أنا على الهامش. بمقلوبها.

(4)

في (ص 1): أحاديث.

(5)

عليها بالأصل علامة (صح) وكتب بهامشها: في أصله: سبعين وإعرابها صحيح.

(6)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 144

فُيعطي مثله يقظةً بعينه، وهذا الضرب من الرؤيا لا إغراق في تأويلها ولا رمز في تعبيرها.

ثانيهما: ما يراه في المنامات المرموزة البعيدة المرام في التأويل، وهذا الضرب لا يعسر تأويله إلا لحاذق في التعبير؛ لبعد ضرب المثل فيه، فيمكن أن يكون هذا من السبعين جزءًا والأول من الأجزاء، وهذا قد سلف؛ لأنه إذا قلت الأجزاء كانت الرؤيا أقرب إلى النبأ الصادق وآمن من وقوع الغلط في تأويلها، وإذا كثرت الأجزاء بعدت بمقدار ذلك وخفي تأويلها.

ولما عرضته على جماعة فحسنوه وزادني فيه بعضهم بأن قال: الدليل على صحته أن النبوة على مثل هذِه الصفة تلقاها الشارع عن جبريل، فقد أخبرنا أنه كان يأتيه مرة بالوحي فيكلمه بكلام فيعيه بغير مؤنة ولا مشقة، ومرة يلقي إليه جملا جوامع ويشتد عليه فكها وتبيينها حتى تأخذه الرحضاء ويتحدر منه العرق كالجمان، ثم يعينه الله على تبيين ما ألقي إليه من الوحي، فلما كان تلقيه للنبوة المعصومة بهذِه الصفة كان تلقي المؤمن للرؤيا من عند الملك الآتي بها من أم الكتاب بهذِه الصفة.

وفيه تأويل آخر ذكره أبو سعيد السفاقسي عن بعض أهل العلم، قال: معنى السبعين: أن الله أوحى إلى نبيه في الرؤيا ستة أشهر، ثم بعد ذلك أوحى إليه بإعلام باقي عمره، وكان عمره في النبوة ثلاثة وعشرين عامًا، فيما رواه عكرمة وعمرو بن دينار عن ابن عباس، فإذا نسبنا ستة أشهر من ثلاثة وعشرين (عامًا)

(1)

وجدنا ذلك جزءاً من ستة

(1)

من (ص 1).

ص: 145

وأربعين، وهذا أسلفناه.

قال ابن بطال: وهذا التأويل (يفسد)

(1)

من وجهين: أحدهما: أنه قد اختلف في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: إنها كانت عشرين عامًا. رواه أبو سلمة عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم.

والثاني: أنه يبقى حديث السبعين جزءًا بغير معنى

(2)

، وهو كما قال. وقد أسلفناه أيضًا.

(1)

في الأصل: تفسير، وهو خطأ والمثبت من "شرح ابن بطال".

(2)

انتهى بتمامه من "شرح ابن بطال" 9/ 516 - 518 بتصرف يسير.

ص: 146

‌5 - باب المُبَشِّرَاتِ

6990 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الْمُبَشِّرَاتُ» . قَالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» . [فتح 12/ 375]

ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: سمعت رَسُولَ الِله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَمْ يبْقَ مِنَ الُنُّبُوَّةِ إِلاَّ المُبَشَّرَاتُ". قَالُوا: وَمَا المُبَشَّرَاتُ يا رسول الله قَالَ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ".

الشرح:

أسلفنا في الباب قبله أن ابن عباس رواه أيضًا، وقد سلف تفسير {لَهُمُ الْبُشْرَى} أيضًا فيه من حديث عبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهما، وذكره ابن بطال من حديث أبي الدرداء، وقال: روي مثله عن ابن عباس وعروة ومجاهد.

والمراد بقوله: "إلا المبشرات" يعني بعده، وكذا روي مفسرًا:"ليس يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات"، يريد أن الوحي ينقطع بموته فلا يبقي ما يعلم أنه سيكون إلا الرؤيا الصالحة، قيل: ومنه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: 51]. قال المهلب: (وحديث)

(1)

الباب خرج لفظه على العموم، ومعناه على الخصوص، وذلك أن المبشرات هى الرؤيا الصادقة من الله التي تسر رائيها، وقد تكون صادقة منذرة من قبل الله لا تسر رائيها (يرويه)

(2)

الله للمؤمن رفقًا به ورحمة له؛ ليستعد لنزول النبلاء قبل بلوغه،

(1)

ساقطة من الأصل.

(2)

هكذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال":(يريها).

ص: 147

فقوله: "لم يبق بعدي من المبشرات" خرج على الأغلب من حال الرؤية، وقال محمد بن واسع: الرؤيا بشرى للمؤمن ولا تضره.

فإن قلت: قد يرى الرؤيا الحسنة أحيانًا ولا يجد لها حقيقة في اليقظة.

فالجواب: أن الرؤيا مختلفة الأسباب، فمنها من وسوسة وتحزين للمسلم، ومنها من حديث النفس في اليقظة فيراه في نومه، ومنها ما هو وحي من الله، فما كان من حديث النفس ووسوسة الشيطان فإنه الذي يكذب، وما كان من قبل الله فإنه لا يكذب، وبنحو هذا ورد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه في تقسيم الرؤيا أنها ثلاث: بشرى، وحديث النفس، وتحزين من الشيطان

(1)

.

(1)

انتهى من "شرح ابن بطال" 9/ 518 - 519.

ص: 148

‌6 - باب رُؤْيَا يُوسُفَ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} إلي قولة {عَلِيمٌ حَكِيمٌ). [يوسف: 4 - 6]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاىَ مِنْ قَبْلُ} إلي قوله: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين} [يوسف: 100 - 101]. فَاطِرٌ وَالْبَدِيعُ وَالْمُبْتَدِعُ وَالْبَارِئُ وَالْخَالِقُ وَاحِدٌ، مِنَ الْبَدْءِ: بَادِئَةٍ. [فتح 12/ 376]

الشرح:

رؤيا يوسف عليه السلام حق ووحي من الله كرؤيا سائر الأنبياء، ألا ترى قول يوسف لأبيه يعقوب عليهما السلام:{يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} والأحد عشر كوكبا إخوته أنبياء يستضاء بهم كما يستضاء بالكواكب، والقمر أبوه والشمس أمه. قاله ابن عباس والضحاك، ونقله ابن التين عن قتادة أيضًا، ثم قال: وقال غيرهما أبوه وخالته. ونقل ابن بطال هذا عن قتادة، وأخبر الله تعالى عن الكواكب والشمس والقمر كما يخبر عمن يعقل {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} إذ تفسيرها فيمن يعقل.

وروي عن سليمان قال: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة

(1)

. وكذا قال عبد الله بن شداد بن الهادي قال: وذلك منتهى الرؤيا وقيل: بعد ثمانين.

وقوله: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} . قال مجاهد: تأويل الرؤيا. وقال غيره: أي أخبار الأمم، تم قال:{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} فأخبر أنه

(1)

"شرح ابن بطال" 9/ 520.

ص: 149

يكون نبيًّا بقوله: {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} . والبدو: أصحاب العمود والخيمة والخباء. قال الحسن: كان بين مفارقة يوسف أباه واجتماعهما ثمانون سنة لا يهدأ فيها ساعة من البكاء. وليس حينئذٍ أحد أكرم على الله من يعقوب عليه السلام. وألقي في الجب وهو ابن السبع عشرة

(1)

سنة، وعاش بعد إلقائه ثلاثًا وعشرين سنة

(2)

، ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة.

وقوله: {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} يجوز أن تكون (مِن) هنا للتبعيض، نظيره:{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 153] يريد وضع بعض وجهه وهو الجبين؛ لأنه من الوجه، وعبارة "الصحاح"

(3)

، أي: مرغه كما تقول كبه لوجهه.

وقول يعقوب له صلى الله وسلم عليهما: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} . قال له ذلك لما علم من تأويل الرؤيا، فخاف أن يحسدوه، وكان تبين له الحسد منهم له. وهذا أصل أن لا تقصص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، (ولا تقص)

(4)

على من لا يحسن التأويل، وقد أسلفنا حديثين في ذلك.

(1)

في (ص 1): ستة عشر.

(2)

في هامش الأصل: لعله: ثلاثًا ومائة سنة.

(3)

في (ص 1): الضحاك.

(4)

ساقطة من الأصل، والمثبت من (ص 1).

ص: 150

‌7 - باب رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام

-

وَقَوْل اللهُ عز وجل: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} إلي قوله: {الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 102]. قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَسْلَمَا} [الصافات: 103] سَلَّمَا مَا أُمِرَا بِهِ. {وَتَلَّهُ} [الصافات: 103] وَضَعَ وَجْهَهُ بِالأَرْضِ. [فتح 12/ 377]

قال مجاهد: {أَسْلَمَا} سلما ما أمرا به.

قال المهلب: هذا دليل أن رؤيا الأنبياء وحي لا يجوز فيها الضغث؛ لأن إبراهيم حكم بصدقها، ولم يشك أنها من عند الله تعالى فسهل عليه ذبح ابنه، والتقرب به إلى الله، وكذلك فعل إسحاق حين أعلمه أبوه إبراهيم برؤياه فسلم الحكم إليه

(1)

وانقاد له، ورضي، وفوض أمره إلى الله فقال:{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِين} [الصافات: 102].

وبهذه الآية استدل ابن عباس على أن رؤيا الأنبياء وحي.

(1)

ورد في هامش الأصل: الصحيح، بل الصواب أن الذبيح هو إسماعيل، وهذا نقله شيخنا من كلام المالكية ولم نثبته له، والدليل على أنه إسماعيل من ثلاثة أماكن: من القرآن، ومن نص التوارة أيضًا. وقال ابن تيمية: إن قولهم: إسحاق بما أدخله أهل الكتاب على المسلمين في كلام طويل له على ذلك.

ص: 151

‌8 - باب التَّوَاطُؤُ عَلَى الرُّؤْيَا

6991 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ أُنَاسًا أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَأَنَّ أُنَاسًا أُرُوا أَنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ» . [انظر: 1158 - مسلم: 1165 - فتح 12/ 379]

ذكر فيه حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر: أن ناسًا أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن ناسًا أروا أنها في العشر الأواخر. فقال عليه السلام:"التمسوها في السبع الأواخر".

اعترض الإسماعيلي بعد أن ذكره بلفظ: "إن أناسًا منكم قد أروا أنها في السبع (الأول)

(1)

، وأري ناس منكم أنها في السبع الغوابر فالتمسوها في السبع الغوابر". لم يذكر البخاري التواطؤ الذي بوب له، واختار التواطؤ الذي كان ينبغي له أن يذكر ههنا: "أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الآواخر".

قلت: وكأن البخاري أشار إلى ذلك بقوله: "التمسوها في السبع الأواخر"وعادته أن ينبه بالأخفى على الأشهر. وأما ابن بطال فذكره بزيادة: "أرى رؤياكم قد تواطأت" قبل: "التمسوها" .. إلى آخره.

قال المهلب: وفيه الحكم على صحة الرؤيا بتواطئها وتكريرها، وهذا أصل في ذلك يجب لنا أن نحكم به إذا ترادفت الرؤيا وتواطأت بالصحة كما حكم الشارع

(2)

.

(1)

في الأصل: الأواخر. والمثبت من (ص 1).

(2)

"شرح ابن بطال" 9/ 521.

ص: 152

(فصل)

(1)

:

ذكر بعض شيوخنا هنا أن البخاري قال: ورواه الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب بمثله سواء، وأن الإسماعيلي رواه من حديث أبي صالح عن الليث به، وهذا لم أره في شيء من الأصول.

(1)

في (ص 1): تنبيه.

ص: 153

‌9 - باب رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالْفَسَادِ وَالشِّرْكِ

لِقَوْلِهِ عز وجل {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} إلي قوله: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} {وَادَّكَرَ} افْتَعَلَ مِنْ ذَكَرَ. أُمَّة: قرن وتقرأ: أَمَهٍ

(1)

: نِسْيَانٍ. وقال ابن عباس: يعصرون الأعناب والدهن. تحصنون: تحرسون.

6992 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ أَتَانِي الدَّاعِي لأَجَبْتُهُ» . [انظر: 3372 - مسلم: 151 - فتح 12/ 381]

ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته".

الشرح:

إنما ترجم بهذا لجواز أن يكون في رؤيا أهل الشرك رؤيا صالحة كما كانت رؤيا الفتيين صادقةً، إلا أنه لا يجوز أن يضاف إلى النبوة إضافة رؤيا المؤمن إلى المؤمن في التجزئة؛ لقوله عليه السلام:"الرؤيا الحسنة يراها العبد الصالح -أو ترى له- جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة". فدل هذا أنه ليس كل ما صح له تأويل من الرؤيا وله حقيقة تكون جزءًا من ذلك. قال أبو الحسن بن أبي طالب: وفي

(1)

قال الحافظ في "الفتح" 21/ 381 - 382: وهذه القراءة نسبت في الشواذ لابن عباس وعكرمة والضحاك، يقال: رجل مأموه أي: ذاهب العقل. اهـ قلت: وقد روى ذلك عنهم الطبري في "تفسيره" 7/ 226 - 227 بإسناد صحيح كما قال الحافظ في "الفتح" 12/ 382.

ص: 154

صدق رؤيا الفتيين حجة على من زعم أن الكافر لا يرى رؤيا صادقة، فإن قلت: فإذا صدقت رؤياه فماذا ميز به المسلم عليه في رؤياه. وما معنى خصوصتيه عليه السلام المؤمن بالرؤيا الصالحة في قوله: "يراها الرجل الصالح أو ترى له" فالجواب: أن لمنام المؤمن مزية على منام الكافر في الإنباء والإعلام والفضل والإكرام، وذلك أن المؤمن يجوز أن يبشر على إحسانه، وينبَأ بقبول أعماله ويحذر من ذنب عمله ويردع عن سوء قد أمله، وجواز أن يبشر بنعيم الدنيا وينبَأ ببؤسها، والكافر وإن جاز أن يحذر ويتوعد على كفره، فليس عنده ما عند المؤمن من الأعمال الموجبة لثواب الآخرة، وكل ما بشر به الكافر من حاله وغبط به من أعماله فذلك غرور من عدوه، ولطف من مكائده فنقص لذلك حظه من الرؤيا الصادقة عن حظ المؤمن؛ لأن الشارع حين قال:"رؤيا المؤمن" و"رؤيا الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" لم يذكر في ذلك كافرًا ولا مبتدعًا فأخرجنا لذلك ما يراه الكافر من هذا التقدير والتجريد لما في الأخبار من صريح الشرط لرؤيا المؤمن، وأدخلنا ما يراه الكافر من صالح الرؤيا في خبره المطلق "الرؤيا من الله" إذ لم يشترط فيه مؤمنًا ولا غيره فقلنا لذلك: ما صدق من منامات الكفار فهي من الله، ولم يقل كذا ولا كذا من النبوة سِيَّما أن الأشعري وابن الطيب يريان أن جميع ما يرى في المنام من حق أو باطل خلق الله، فما كان منه صادقًا خلقه بحضور الملك، وإلا فبحضور الشيطان فيضاف بذلك إليه، فإن قلت: يجوز أن يسمى ما يراه الكافر صالحًا قيل: (نعم)

(1)

وبشارة أيضًا كانت الرؤيا له

(1)

من (ص 1).

ص: 155

أو لغيره من المؤمنين؛ لقوله عليه السلام: "الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له" فاحتمل هذا الكلام أن يراها الكافر لغيره من المؤمنين وهو صالح للمؤمنين، كما أن ما يراه الكافر بما يدل على هدايته وإيمانه فهو صالح له في عاقبته، وذلك حجة من الله عليه وزجر له في منامه، وقد أسلفنا أول الإيمان في حديث عائشة رضي الله عنها: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، أنها الصادقة؛ لأنها صالح ما يرى في المنام من الأضغاث وأباطيل الأحلام، وكما أنبأ الله الكفار في اليقظة بالرسل وبالمؤمنين من عباده -دون المشركين من أعدائه- قامت الحجة على المشركين بذلك إلى يوم القيامة، ولذلك يجوز إنباؤهم في المنام مما يكون حجة عليهم أيضًا.

فصل:

("ثم أتاني الداعي"). يعني: رسول الملك ولكن أراد ليقوم له العذر وهو من تواضعه؛ لئلا يغلى في مدحه قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح، وقولوا: عبد الله ورسوله"

(1)

ثم لم يمنعه هذا من ذكر ما خص به من السيادة، لقوله:"أنا سيد ولد آدم ولا فخر"

(2)

، لكن في حكم الأدب إذا ذكر الأنبياء والرسل أن يتواضع، وفيه الترفيع لشأن يوسف؛ لأنه حين دعي للإطلاق من السجن قال:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ} [يوسف: 55]. ولم يرد الخروج منه إلا بعد أن تقر امرأة العزيز على نفسها أنها راودته عن نفسه، فأقرت وصدقته، وقالت:{أَنَا رَاوَدْتُهُ} الآية [يوسف: 51]، فخرج حينئذٍ. قال ابن قتيبة:

(1)

سلف برقم (3445).

(2)

رواه الترمذي (3148)، وابن ماجه (4308).

ص: 156

فوصفه بالأناة والصبر وأنه لم يخرج حين دعي، وقال:"لو كنت مكانه ثم دعيت إلى ما دعي إليه من الخروج من السجن لأجبت ولم ألبث" وهذا من حسن تواضعه؛ لأنه لو كان مكان يوسف فبادر وخرج لم يكن عليه نقص أو على يوسف لو خرج مع الرسول من السجن نقص، ولا أثر، إنما أراد أن يوسف لم يكن يستثقل محنة الله فيبادره ويتعجل ولكنه كان صابرًا محتسبًا.

فصل:

في هذا الحديث زيادة ذكرها في كتاب الأنبياء: "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} ورحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن .. " .. الحديث

(1)

.

قال ابن قتيبة: وقوله: "ونحن أحق بالشك من إبراهيم" فإنه لما نزل عليه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} الآية [البقرة: 260] قال قوم سمعوا الآية: شك إبراهيم ولم يشك نبينا. فقال عليه السلام تواضعًا وتقديمًا لإبراهيم على نفسه يريد: إنا لم نشك ونحن دونه فكيف يشك هو؟! ومثل هذا من تواضعه قوله: "لا تفضلوني على يونس"

(2)

. فخص يونس بن متى، وليس كغيره من أولي العزم من الرسل، فإذا كان لا يجب أن يفضل على يونس، فكيف بغيره من الأنبياء الذين فوقه في الدرجة كإبراهيم وموسى وعيسى؟! أحرى ألا يفضل عليهم.

(1)

انظر ما سلف برقم (3372).

(2)

سلف برقم (3416، 4631)، ورواه مسلم (2376) من حديث أبي هريرة، وسلف برقم (3395)، ورواه مسلم (2377) من حديث ابن عباس بمعناه.

ص: 157

وتأويل قول إبراهيم: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي: بيقين البصر. واليقين جنسان السمع والبصر وهو أعلاهما، ولذلك قال عليه السلام:"ليس الخبر كالمعاينة"

(1)

. حين ذكر قوم موسى وعكوفهم على العجل، (فأعلمه)

(2)

أن قومه عبدوا العجل فلم يلقِ الألواح، فلما عاينهم عاكفين عليه غضب وألقاها حتى تكسرت، وكذلك المؤمنون بالقيامة والبعث والجنة والنار متيقنون أن ذلك كله حق، وهم في القيامة عند النظر والعيان أعلى يقينًا، فأراد إبراهيم أن يطمئن قلبه بالنظر الذي هو أعلى اليقين. وقال غيره: لم يشك إبراهيم في الإحياء، وإنما قال:{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} والجهل في الكيفية لا يقدح في اليقين بالقدرة، إذ ليس من المؤمنين أحد يؤمن بغيوب وبخلق السماوات والأرض إلا وقد يجهل الكيفية، وذلك لا يقدح في إيمانه، فضرب الله لإبراهيم مثلا من نفسه فقال له:{فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} الآية. فكما أحيي هذِه الطيور عن دعوتك فكذلك أحيي أهل السماوات والأرض عن نفخة الصور، {وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} في صنائعه، إذ صنائعه لا عن مباشرة إلا عن قوله:{كُن} وما سواه من الصناعين فلا يتم له صنع إلا بمباشرة، وفي ذلك ذلة ومفارقة للعزة {حَكِيمٌ} أي: في أفعاله وإن كان (بائنًا عنها)

(3)

، والصانع إذا باين من صنعته تختل أفعاله إذا كان بائنًا.

وقوله: ("يرحم الله لوطًا"). إلى آخره، فإنه أراد قوله لقومه:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] في الوقت الذي ضاق فيه

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

في الأصل: فأعلمهم وفي هامشها: لعله أو البت: فأعلمه.

(3)

في (ص 1): بائنًا عنها.

ص: 158

صدره واشتد جزعه بما دهمه من قومه، وهو يأوي إلى الله أشد الأركان، (قال)

(1)

: "فما بعث الله نبيًّا بعد لوط إلا في ثروة من قومه"

(2)

ولا يخرج هذا لوطًا من صفات المتوكلين على الله، الواثقين بتأييده ونصره، لكن لوطًا عليه السلام أثار منه الغضب في ذات الله ما يثير من البشر فكان ظاهر قول لوط كأنه خارج عن التوكل، وإن كان مقصده مقصد المتوكلين.

فنبه الشارع على ظاهر قول لوط تنبيهه على ظاهر قول إبراهيم، وإن كان مقصده غير الشك، لكن لأنهم كانوا صفوة الله المخلصين بغاية الإكرام ونهاية القوة، لا (يُقنَع)

(3)

منهم إلا بظاهر مطابق للباطن بعيد من الشبهة؛ إذ العتاب والحجة من الله على قدر ما يصنع فيهم، وفي كتاب مسلم عن بعض رواة الحديث، قال: إنما شك إبراهيم هل يجيبه الله أم لا؟

فصل:

قوله تعالى: {أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] أي: عنبا أو عنب خمر أو ما يئول إليه كقوله: الحمد لله العلي المنان جاعل الثريد في رءوس العيدان يعني: السنبل، فسماه ثريدًا؛ لأن الثريد منه.

وقوله: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} الآية [يوسف: 36] قيل: معناه: إنا نراك تحسن العبادة، وقيل: كان يعين المظلوم، وينصر الضعيف، ويعود المريض، ويوسع للرجال، فحاد عن جوابهما إلى غير ما سألاه عنه. قال:{لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} الآية [يوسف: 37]. قال ابن جريج:

(1)

في الأصل: (قالوا).

(2)

رواه الترمذي (3116) وقال: وهذا حديث حسن. وابن حبان في "صحيحه" 14/ 86 - 87 (6206).

(3)

في الأصل: يتبع.

ص: 159

(لم يرد)

(1)

أن يعبر لهما فحاد فلم (يتركاه)

(2)

حتى عبرها. وقيل: أراد تعليمهما أنه نبي وأنه يعلمها بالغيب، فقال:{لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ} الآية ويروى أن الملك كان إذا أراد قتل إنسان وجه إليه طعامًا بعينه لا يجاوزه، ثم أعلمهما أن ذلك العلم من الله لا بكهانة ولا تنجم. فقال:{ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف: 37] ثم أعلمهما أنه مؤمن قال: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ} الآية [يوسف: 37]، ثم قال:{ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ} [يوسف: 38] يقول: إنا جعلنا أنبياء، وبعثنا إليهم رسلاً، ثم دعاهم إلى الإسلام بعد آيات (فقال:)

(3)

{أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} [يوسف: 39] ثم قال: {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} أي: يكون على شراب الملك. قال ابن مسعود: لما عبر لهما الرؤيا، قالا: ما رأينا شيئًا، فقال:{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}

(4)

أي: وقع كما قلتُ حقًّا كان أو باطلاً. والرب هنا: الملك، وهو معروف في اللغة، يقال للسيد: رب.

وقوله: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: 42]. قال مجاهد: نسي يوسف عليه السلام أن يسأل الله ويتضرع إليه حتى قال لأحد (الفتيين)

(5)

ذلك

(6)

. قال الحسن: مرفوعًا: "لو قال يوسف ذلك ما لبث ما لبث". ثم يبكي الحسن ويقول: نحن ينزل ربنا الأمر من السماء، فنشكوا للناس

(7)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

في الأصل (يتركها)، والمثبت من (ص 1).

(3)

من (ص 1).

(4)

تفسير الطبري" 7/ 218.

(5)

في (ص 1): العبيد.

(6)

رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 221 بنحوه.

(7)

المصدر السابق، وهو في "الزهد" لأحمد بن حنبل برواية عبد الله عنه.

ص: 160

فصل:

قوله: ({يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} [يوسف: 43]). أي: بلغن النهاية في الهزال، ومعنى: عبرت الرؤيا. أخرجتها من حالة النوم إلى حالة اليقظة، مأخوذ من العبر وهو الباطن، وقد أسلفنا الكلام على هذِه المادة.

ومعنى: أضغاث: أخلاط، يقال لكل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما: ضغث. أي: هذِه الرؤيا مختلطة ليست بينة.

وقوله: ({وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}). أي: العنب والزبيب، قاله ابن عباس، وعن ابن جريج: يعصرون العنب خمرًا والسمسم دهنًا والزيتون زيتًا

(1)

وزعم أبو عبيد: أن معناه من العصر والعصير وهما المتجاور وأنشد:

صاديًا يستغيث غير يغاث

ولقد كان عصرة المنجود

والمنجود: (المقهور)

(2)

.

وقيل: يعصرون. يمطرون، ومنه:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)} [النبأ: 14].

وقوله: {مَا بَالُ النِّسْوَةِ} . ولم يذكر امرأة العزيز فيهن حُسْنَ عشرة منه وأدب.

(1)

أخرجهما الطبري في "تفسيره" 7/ 230.

(2)

في الأصل: الفرع، والصواب ما أثبتاه فهو قول أبي عبيدة كما في "مجازه" 1/ 313 وليس قول أبي عبيد، وقد رد الطبري كلامه هذا في "تفسيره" 7/ 321.

ص: 161

‌10 - باب مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم[فِي المَنَامِ]

6993 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي"[انظر: 110 - مسلم: 2264 - فتح 12/ 383] قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ ابن سِيرِينَ: إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ.

6994 -

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَخَيَّلُ بِي، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» . [انظر: 6983 - مسلم: 2264 - فتح 12/ 383]

6995 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ عَنْ شِمَالِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَزَايَا بِي» . [انظر: 3292 - مسلم: 2261 - فتح 12/ 383]

6996 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى

الحَقَّ». تَابَعَهُ يُونُسُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ. [انظر: 3292 - مسلم: 2267 - فتح 12/ 383]

6997 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّنُنِي» [فتح 12/ 383]

ذكر فيه حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "مَنْ رَآنِي في المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي".

ص: 162

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ ابن سِيرِينَ: إِذَا رآهُ عَلَى صُورَتِهِ.

وحديث أَنَسٍ رضي الله عنه "مَنْ رَآنِي في المَنَام فَقَدْ رآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَخَيَّلُ بِي، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُبوَّةِ".

وحديث أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِث عَنْ شِمَالِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَزَايَا بِي".

وفي رواية: "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ". تَابَعَهُ يُونُسُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ.

وحديث أبي سعيد رضي الله عنه: "مَنْ رآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّنُنِي".

الشرح:

هذِه المتابعة أخرجها مسلم، عن أبي خيثمة: ثنا يعقوب بن إبراهيم عنه قال: ثنا عمي، فذكره

(1)

. قال الإسماعيلي: وتابعه أيضًا -يعني: الزبيدي- عقيلٌ وشعيب وابن جريج وعمر التيمي، ومعاوية بن يحيى قال: والحديثان -إن شاء الله- صحيحان عن أبي هريرة، وعن أبي قتادة من حديث أبي سلمة.

قلت: وروي من طريق أخرى أيضًا، ولفظ أبي داود في حديث أبي هريرة:"أو لكأنما رآني في اليقظة"

(2)

. وفي ابن ماجه في الأخير بإسناد ضعيف: "لا يتمثل بي"

(3)

وفي "الأوسط" للطبراني زيادة بعد:

(1)

مسلم (2267).

(2)

أبو داود (5023).

(3)

ابن ماجه (3903).

ص: 163

"لا يتمثل بي": "ولا بالكعبة" ثم قال: لا تحفظ هذِه اللفظة إلا في هذا

(1)

.

وأخرجه مسلم من طريق جابر بلفظ: "من رآني في النوم فقد رآني، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي"

(2)

. وأخرجه الترمذي من طريق ابن مسعود بلفظ: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي"

(3)

. وأخرجه ابن ماجه من طريق أبي جحيفة بلفظ: "من رآني في المنام فكأنما [رآني في]

(4)

اليقظة، إن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي"

(5)

وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق خلف بن خليفة، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبيه بلفظ:"من رآني في المنام"

(6)

.

ومن طريق ابن عباس، وفيه يزيد (الرقاشي)

(7)

: "إن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي، فمن رآني في النوم فقد رآني"

(8)

.

(1)

"المعجم الأوسط" 3/ 237 - 238 (3026).

وقال: لم يروه عن زيد بن أسلم إلا معمر، ورواه أيضًا في "الصغير" 1/ 175 - 176 (277)، وقال ما ذكره المصنف هنا.

قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 181: فيه محمد بن أبي السري، وثقه ابن معين وغيره، وفيه لين، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(2)

مسلم (2268/ 12).

(3)

الترمذي (2276).

(4)

ليست في الأصل، أثبتناها من "سنن ابن ماجه".

(5)

ابن ماجه (3904).

وصححه الألباني في "الصحيحة": (1004).

(6)

"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 174 (30457).

(7)

كذا بالأصل، ولعل صوابه:(الفارسي) كما في "المصنف" و"مختصر الشمائل".

(8)

"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 174 (30459)، وحسنه الألباني في "مختصر الشمائل"(347).

ص: 164

قال ابن البلاقلاني معناه: أنه رأى الحق وأن هذِه رؤيا صحيحة ليست بأضغاث أحلام ولا من تشبهات الشيطان. يؤيده قوله: "فقد رأى الحق". أي: الرؤيا الصحيحة، وقد سلف الكلام في ذلك، وروينا في "منام الفاسي" أنه سأله عن هذا الحديث من طريق أبي هريرة فقال: صحيح، قلت: قلته، وليس على سنده غبار. فقلت: أرى صورة الرسول التي كان فيها أم أخرى شبيها بها، فأجاب بالثاني. قلت: وصورتك التي كنت بها في المدينة هي تحت التراب؟ قال: نعم، والروح روح الأنبياء خاصة، فأما ما عدا أرواحهم فخيال؛ لأنها محبوسة.

وقوله: ("من رآني في المنام فسيراني في اليقظة")، أو "كأنما رآني في اليقظة". فإن كان المحفوظ:"كأنما" فتأويله مأخوذ بما تقدم وإن كان المحفوظ "فسيراني في اليقظة" فيحتمل أن يريد أهل عصره ممن لم يهاجر إليه، ويكون الباري جعل رؤيته منامًا علمًا على ذلك بوحي إليه.

وقال ابن بطال: يعني تصديق تلك الرؤيا في اليقظة، وصحتها وخروجها على الحق؛ لأنه عليه السلام سيراه يوم القيامة في اليقظة جميع أمته، من رآه في النوم ومن لم يره منهم. قال: وهذا الإخبار منه عن الغيب، وأن الله منع الشيطان أن يتصور في صورته

(1)

. وقيل معناه: يراه في الآخرة (رؤيا)

(2)

خاصة في القرب منه وحصول شفاعته، ونحو ذلك حكاه النووي

(3)

، وقال القزاز: يريد فمن آمن به قبل ذلك، ولم يره بكونه حينئذٍ غائبًا عنه فيكون هذا مبشرًا لكل من آمن

(1)

"شرح ابن بطال" 9/ 527.

(2)

كذا في الأصل، ولعل الصحيح:(رؤية).

(3)

"مسلم بشرح النووي" 15/ 26.

ص: 165

به ولم يره؛ لأنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته. وقال الداودي عن بعض العلماء: معنى "من رآني في المنام" أي: على صورته، قالوا: لأنه قد يراه البر والفاجر، والخبر عنه لا يؤخذ خلافه.

ومعنى: "لا يتمثل بي": لا يتشبه. كما جاء في رواية: "أنى يتكون في صورتي"وكذا قوله: ("لا يتكونني"). أي: لا يكون في مثل صورتي فقد منعه الله من ذلك. وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون ذلك إذا رآه على الصفة المعروفة له في حياته، فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة

(1)

.

(وضعفه النووي وقال: الصحيح أنه يراه حقيقة)

(2)

سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها. كما ذكره المازري

(3)

.

فصل:

ذكر أبو الحسن علي بن أبي طالب في "مدخله الكبير" أن رؤية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على الخصب، والإمطار، وكثرة الرحمة، ونصر المجاهدين، وظهور الدين، وظفر الغزاة والمقاتلين، ودمار الكفار، وظفر المسلمين بهم، وصحة الدين إذا رُئي في الصفات المحمودة، وربما دل على الحوادث في الدين وظهور الفتن والبدع إذا رئي في الصفات المكروهة، وقد يعبر به عن الباري تعالى؛ لأنه قرن طاعته بطاعته.

(1)

"إكمال المعلم" 7/ 220.

(2)

من (ص 1).

(3)

"مسلم بشرح النووي" 15/ 25.

ص: 166

‌11 - باب رُؤْيَا اللَّيْلِ

رَوَاهُ سَمُرَةُ. [7047]

6998 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ المِقْدَامِ العِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ البَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ فِي يَدِي» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَنْتَقِلُونَهَا. [انظر: 2977 - مسلم: 523 - فتح 12/ 390]

6999 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ، قَدْ رَجَّلَهَا تَقْطُرُ مَاءً، مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ -أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ- يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: المَسِيحُ الدَّجَّالُ» . [انظر: 3440 - مسلم: 169 - فتح 12/ 390]

7000 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أُرِيتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ، وَسَاقَ الحَدِيثَ. وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -أَوْ أَبَا هُرَيْرَةَ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ شُعَيْبٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مَعْمَرٌ لَا يُسْنِدُهُ حَتَّى كَانَ بَعْدُ. [7046 - مسلم: 2269 - فتح 12/ 390]

ص: 167

هو حديث طويل أخرجه بطوله من حديث أبي رجاء عنه في آخر التعبير، في باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح كما ستعلمه

(1)

، وأخرجه مسلم من هذا الوجه أيضًا

(2)

.

ثم ساق البخاري في الباب أحاديث:

أحدها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وبينا أَنَا نَائِم البَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ فِي يَدِي". ثم قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونها.

ثانيها: حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّة كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ، قَدْ رَجَّلَهَا تَقْطُر ماءً، مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ -أَوْ: عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ- يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَألتُ: مَنْ هذا؟ قِيلَ: المَسِيح ابن مَرْيَمَ. ثُمَّ إِذَا رَجُل جَعْدٌ قَطَط أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَي، كَأَنَّهَا عِنبَة طَافِيَة، فَسَألتُ: مَنْ هذا؟ فَقِيلَ: المَسِيحُ الدَّجَّالُ".

ثالثها: حديث الليث عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَاب، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ يُحَدِّثُ أنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: إِنّي رأيت اللَّيْلَةَ في المَنَام .. وَسَاقَ الحَدِيثَ. تًابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَسُفْيَان بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقَالَ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عن ابن عَبَّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ

(1)

سيأتي برقم (7047).

(2)

مسلم (2275).

ص: 168

- رضي الله عنهم، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ شُعَيْبٌ وإِسْحَاقُ بْنُ يَحْييَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ به عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم -وَكَانَ مَعْمَرٌ لَا يُسْنِدُهُ حَتَّى كَانَ بَعْدُ.

- ثم قال:

ص: 169

‌12 - باب الرُّؤْيَا بِالنَّهَارِ

7001 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ، وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ. [انظر: 2788 - مسلم: 1912 - فتح 12/ 391]

7002 -

قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ -أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ على الأَسِرَّةِ» . شَكَّ إِسْحَاقُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ. فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ» . كَمَا قَالَ فِي الأُولَى. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ:«أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ» . فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ. [انظر: 2789 - مسلم: 1912 - فتح 12/ 391]

وَقَالَ ابن عَوْنٍ: عَنِ ابن سِيرِينَ: رُويَا النَّهَارِ مِثْلُ رُويَا اللَّيْلِ.

ثم ساق حديث أنس في قصة أم حرام بطوله وقد سلف

(1)

، ويعني بهذين البابين: أنه لا يختص نوم النهار على نوم الليل، ولا نوم الليل على نوم النهار بشيء من صحة الرؤيا وكذبها، وأن الرؤيا متي ما رئيت فحكمها واحد.

(1)

سلف برقم (2788).

ص: 170

فصل:

تعليق الزبيدي أخرجه مسلم عن حاجب بن الوليد، ثنا محمد بن حرب عنه

(1)

. ومتابعة سفيان رواها أيضًا عن ابن أبي عمر عنه

(2)

. وتعليق سليمان رواه أيضًا عن (الدارمي)

(3)

عن محمد بن كثير عنه

(4)

، وشعيب وإسحاق رواه أبو بكر عنهما.

قال الإسماعيلي: ورواه ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساقه بإسناده إليه.

وقوله: (وكان معمر لا يسنده حتى كان بعد) أخرجه مسلم عن عبد الرزاق، عنه، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس وأبي هريرة. قال عبد الرزاق: كان معمر أحيانًا يقول: ابن عباس، وأحيانًا يقول: عن أبي هريرة: أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث

(5)

.

وعند الإسماعيلي قال: معمر -من حديث عبد الرزاق- عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس أنه قال: كان أبو هريرة يحدثنا.

فصل:

وتأويل المفاتيح في النوم: أسباب الفتح، والمعنى أتيت ما دلني على أنه سيفتح لي ولأمتي خزائن الأرض ما يرفع عنهم (المسغبة)

(6)

والفقر، وما يدين لهم ملوك الأرض؛ لأن الخزائن -أعني: خزائن

(1)

مسلم (2269/ 17).

(2)

مسلم (2269/ 17).

(3)

في (ص 1): الداري.

(4)

مسلم (2269).

(5)

مسلم (2269).

(6)

في (ص 1): المشقة.

ص: 171

الأرض- بأيدي الملوك، وهو في معنى قوله:"وزويت لي الأرض". الحديث

(1)

.

فصل:

والمراد بـ"مفاتيح الكلم": الفصاحة والإيجاز، والخزائن ما فتح الله على أمته من كنوز كسرى وقيصر وغيرهما، ومعنى:(تنتثلونها): تؤدى إليكم خزائن الأرض في غنائمها. والبارحة: أقرب ليلة مضت، وهي من برح، أي: زال.

وفيه دلالة على جواز إطلاق البارحة على الليلة الماضية، وإن كان قبل الزوال كذا قيل، وإنما يتم أن يكون عليه السلام قال ذلك قبله، نعم كان من عادته أن يقول بعد الصبح" هل رأى منكم الليلة أحد رؤيا؟ " كما ستعلمه

(2)

.

وادعى ثعلب أنه لا يقال: البارحة إلا بعد الزوال، ويحمل على إرادة الحقيقة دون المجاز، ولا شك أن المبادرة إلى السؤال عن الرؤيا أول النهار مطلوبة؛ لأن الذهن مجتمع لم يتشعب بشغل المعاش، ولقرب عهد الرائي بالرؤيا.

فصل:

وأثر ابن عون عن ابن سيرين: (رؤيا النهار مثل رؤيا الليل)، أخرجه أبو الحسن (علي)

(3)

بن أبي طالب في كتابه "نور البستان وربيع الإنسان" من حديث مسعدة عن ابن عون به، ثم قال: ولا فرق بين رؤيا النهار

(1)

رواه مسلم (2889).

(2)

سيأتي برقم (7047).

(3)

من (ص 1).

ص: 172

والليل، وحكمهما واحد في العبارة، وكذا رؤيا النساء كرؤيا الرجال.

فصل:

وقوله: "آدم". كذا هو في الأصول والشروح، وذكره ابن التين بلفظ: آدم أسمر. ثم قال: كذا في "المجمل" و"الصحاح"

(1)

.

وقال الداودي: هو إلى السمرة أميل. وقال أبو عبد الملك: الآدم فوق الأسمر يعلوه سواد قليل.

وقوله: ("ذا لِمَّة"). هو بكسر اللام: الشعر يجاوز شحمة الأذنين، فإذا بلغ المنكبين فهي جمة، والوفرة دون ذلك إذا بلغ شحمة الأذنين، وسميت لمة؛ لأنها ألمت بالمنكبين. هذا ما في "الصحاح" و"المجمل"

(2)

و"غريبي الهروي". (وقال أبو عبد الملك: الجمة وقال الداودي: الوفرة)

(3)

.

وقوله: (قد رجلها) هو أن يبلها بالماء ثم يمشطها. وقيل: هو أن يدهن ويمشي، ويُكَوِّن شعثه، وقيل: يغسلها. وسُمِّيَ المسيح مسيحًا؛ إما لسياحته، أو لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ، أو لأنه مسح بالبركة عند ولادته، أو مسح بالدهن فخرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، أو اسم خص به، أو لمسح زكريا إياه، أو أصله بالعبرانية فعرب كموسى، أو لأنه لا أخمص لرجله، أو لأنه كان يمسح الأرض، أو لأنه كان يلبس المسح، أو المسيح: الصديق. قاله ابن الأعرابي. أقوال سلفت.

(1)

"المجمل" 1/ 90 [أدم]، و"الصحاح" 5/ 1859 [أدم].

(2)

"الصحاح" 5/ 2032، "مجمل اللغة" 3/ 790.

(3)

من (ص 1).

ص: 173

وأما الدجال فلقب بالمسيح؛ إما لسياحته أو لأنه ممسوح العين، أو لأنه يمسح الأرض، أو لغير ذلك، وهو مخفف ومثقل وبالخاء المعجمة وأنكرا. قال أبو الهيثم: المسيخ ضد المسيح يقال: مسحه الله. أي: خلقه خلقًا حسنًا مباركًا، ومسخه: خلقه خلقًا مقلوبًا قبيحًا.

وقوله: ("جعد قطط"). هو بفتح الطاء، أي: شديد الجعودة، يقال: قطط شعره. بالكسر، وهو أحد ما جاء على الأصل؛ لإظهار التعريف، ورجل قط الشعر وقطط الشعر بمعنًى.

وقوله: ("عنبة طافية"). يقال: طفا الشيء على الماء يطفو: إذا علاه، فعين الدجال طافية على وجهه قد برزت كالعنبة. قال ابن بطال: من قرأ طافئة بالهمز. فمعناه: أن عينه مفقودة ذهب ضوؤها. فالمعنى: كأنها عنبة نضجت فذهب ماؤها، ومن قرأ بغيره فمعناه: أنها برزت، وخرج الباطن الأسود فيها؛ لأن كل شيء ظهر فقد طفا يطفو طفوًا. ومنه طافي البحر، قاله الأخفش، ووزن عنبة فعلة، وهو بناء نادر للواحد، وإنما يعرف للجمع كقردة وفيلة، وهو بناء قليل الواحد، جاء منه: حبرة وخمرة.

وقوله: وطيبة وحبرة

(1)

. قال الجوهري: لا أعرف غير هذا، وسمي الدجال دجالاً إما لكذبه وتمويهه أو لفريه.

فصل:

ومعنى: ("يركبون ثبج هذا البحر") في قصة أم حرام: وسطه

(1)

في هامش الأصل: كذا في "الصحاح" وقد أسقطها من هنا:

ولفظ "الصحاح": عنبة وقولة وحبرة وطيبة وخيرة. انتهى ولا أعرف غيره. ["الصحاح" 1/ 189، (عنب)].

ص: 174

أو ظهره، وأم حرام هذِه خالة أنس، وأكله مما تطعمه إما لعلمه أن زوجها يحب ذلك، أو يكون من مالها.

وقوله: (فركبت البحر في زمان معاوية) ظاهره أنه زمن ولايته الكبرى؛ إذ لا يضاف زمن فلان إلا على هذا الوجه (في الأغلب)

(1)

. وذكر عن ابن الكلبي: أن ركوبها كان في زمن تولي فيه معاوية الإمارة، ليس زمن استيلائه على الخلافة كلها.

قال ابن التين: قيل: وفي الحديث دليل على جواز إمارة معاوية.

قلت: لا شك فيها.

(1)

من (ص 1).

ص: 175

‌13 - باب رُؤْيَا النِّسَاءِ

7003 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ -امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا المُهَاجِرِينَ قُرْعَةً. قَالَتْ: فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟» . فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمَّا هُوَ فَوَاللهِ لَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي -وَأَنَا رَسُولُ اللهِ- مَاذَا يُفْعَلُ بِي» . فَقَالَتْ: وَاللهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا. [انظر: 1243 - فتح 12/ 392]

7004 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا، وَقَالَ:«مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ» . قَالَتْ: وَأَحْزَنَنِي، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِى، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«ذَلِكَ عَمَلُهُ» . [انظر: 1243 - فتح 12/ 392]

ذكر فيه حديث خَارِجَةَ بْنِ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ العَلَاءِ - امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا المُهَاجِرِينَ قُرْعَةً. قَالَتْ: فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا.

الحديث سلف في الجنائز

(1)

، وفي لفظ: وَأَحْزَنَنِي، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ:"ذَلِكَ عَمَلُهُ"

(2)

.

وأم العلاء هذِه هي ابنة الحارث بن ثابت بن حارثة بن ثعلبة بن جلاس بن أمية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج بن

(1)

برقم (1243).

(2)

سلف برقم (2687).

ص: 176

حارثة، أخوا الأوس بن حارثة

(1)

، وعمتها كبشة بنت ثابت، وبنت أخيها أم نوح بنت ثابت بن الحارث بن ثابت بن جارية بن ثعلبة، أسلمن كلهن وبايعن.

وترجم له باب العين الجارية في المنام كما سيأتي

(2)

، ولا شك في صحة رؤيا النساء كالرجال أسلفناه، والمرأة المؤمنة داخلة في معنى قوله:"رؤيا المؤمن .. ". إلى آخره، والعين في المنام تختلف وجوهها، فإذا تعرت من دلائل الهم، وكان ماؤها صافيًا دلت على العمل الصالح، كما فسره عليه السلام، وتدل من العمل على ما لا ينقطع ثوابه كوقف أرض عليه، أو غلة يجري ثوابها دائمًا، وعلم علمه الناس عمل به من علمه، فإن كان ماؤها غير صاف فهو غم وحزن، وقد تدل على العين الباكية وعلى الفتنة؛ لقوله تعالى:{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12] فكانت فتنة جرت بهلاكهم.

ألا ترى قوله تعالى: {مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن: 17:16] وقد يدل على الماء العين الجارية، ويستدل العابر على هذِه الوجوه بأحوال الرائين وبزيادة الرؤيا ونقصانها.

فصل:

إجراء عمله عليه لعله إما لخير قدمه مؤبدًا أو لغير ذلك، وإلا فقد صح أن المرء إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث. فقوله

(3)

: "ذلك عمله". أي: ثواب عمله.

(1)

انظر ترجمتها في "تهذيب الكمال" 35/ 375، و"طبقات ابن خياط" ص 635.

(2)

برقم (7018).

(3)

أخرجه مسلم (1631) من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

ص: 177

وقوله: (طار لنا عثمان بن مظعون). كان عثمان هذا وعبد الله وقدامة من المهاجرين الأولين الذين صلوا القبلتين، ومن أهل بدر.

وقوله: (فوجع وجعه). أي مرض مرضه. قال الجوهري: تقول: وجع فلان يوجع وييجع وياجع فهو وجع

(1)

. قال ابن التين: ورويناه: (فوُجع) بضم الواو.

وقوله: "ما يفعل بي" وروى في الباب الآتي: "ما يفعل به".

قال الداودي: الأول ليس بصحيح، والصحيح هذا؛ لأن (الرسول لا يشك)

(2)

. قال:

وقال ذلك قبل أن يخبر أن أهل بدر يدخلون الجنة.

(1)

"الصحاح" 3/ 1294.

(2)

في (ص 1): (الرسل لا تشك).

ص: 178

‌14 - (باب)

(1)

الحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ عز وجل

-

7005 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الأَنْصَارِيَّ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفُرْسَانِهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمُ الحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْهُ، فَلَنْ يَضُرَّهُ» . [انظر: 3292 - مسلم: 2261 - فتح 12/ 393]

ذكر فيه حديث أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الأَنْصارِيَّ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفُرْسَانِهِ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الرُؤْيَا مِنَ اللهِ .. ". الحديث.

وقد سلف مع الكلام عليه، ولهذا حذف ابن بطال وغيره هذا الباب.

واسمه

(2)

الحارث بن ربعي سَلِمِيُّ من بني سَلِمة، ومن فروسيته أنه قتل يوم خيبر عشرين رجلاً؛ فنفله الشارع سلبهم، وقد سلفت قصته في ذلك السلب، وحلف الصديق: لاها الله إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن رسوله فتعطي أنت سلبه، فقال عليه السلام:"صدق فأعطه أنت إياه"

(3)

.

(1)

في (ص 1): فصل.

(2)

في هامش الأصل: يعني اسم أبي قتادة.

(3)

سلف برقم (4321) كتاب: المغازي، باب: قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، ورواه مسلم (1751) كتاب: الجهاد والسير، باب: استحقاق القاتل سلب القتيل.

ص: 179

‌15 - باب اللَّبَنِ في المنام

7006 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي» . يَعْنِي عُمَرَ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ» . [انظر: 82 - مسلم: 2391 - فتح 12/ 393]

ذكر فيه حديث حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابن عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَاِئمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لأَرى الرِّيَّ يخرج

(1)

مِنْ أظافيري، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي". يَعْنِي: عُمَرَ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْعِلْمَ".

وقد سلف في كتاب العلم

(2)

.

قال المهلب: رؤيا اللبن في النوم تدل على السنة والفطرة والعلم والقرآن؛ لأنه أول شيء يناله المولود من طعام الدنيا، وهو الذي فتق معاه وبه تقوم حياته، كما تقوم بالعلم حياة القلوب، فهو يشاكل العلم من هذا الوجه، وقد يدل على الحياة؛ لأنها كانت به في الصغر، وقد يدل على الثواب؛ لأنه من نعيم الجنة إذا رئي نهر من لبن، وقد يدل على المال الحلال، وإنما أوله الشارع بالعلم في عمر -والله أعلم- لعلمه صحة فطرته ودينه، والعلم زيادة في الفطرة على أصل معلوم.

(1)

في (ص 1): (يجري).

(2)

برقم (82).

ص: 180

فصل:

الري بكسر الراء الاسم، كما قال الداودي، والرواء: الشراب، وبالفتح مصدر. قال الجوهري: روي من الماء بالكسر أروي ريًّا، ورِوًى (ورَيًّا)

(1)

أيضًا مثل رَضِي ورضًا

(2)

.

وقوله: "أظافير". قال الجوهري: الظفر جمعه أظافر وأظفور وأظافير

(3)

.

وقوله: "يجري من أظفاري". قال الداودي: قد يراه من تحت الجلد أو يحسه، فيكون هذا رويًا.

قلت: وقولهم: (فما أولته؟) أي: فسرته، والتأويل: تفسير ما يئول إليه الشيء، وأولته وتأولته بمعنًى، وفي الحديث الآخر:"يخرج من أطرافي" جمع: طرَف بتحريك الراء وهو بمعنًى.

وترجم عليه:

(1)

من هامش الأصل وأعلاها: سقط.

(2)

"الصحاح" 6/ 2364.

(3)

"الصحاح" 2/ 729.

ص: 181

‌16 - باب إِذَا جَرَى اللَّبَنُ فِي أَطْرَافِهِ أَوْ أَظَافِيرِهِ

7007 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَطْرَافِي، فَأَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ» . فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ» . [انظر: 82 - مسلم: 2391 - فتح 12/ 394].

ص: 182

‌17 - باب القَمِيصِ في المَنَامِ

7008 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ» . قَالُوا مَا أَوَّلْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الدِّينَ» . [انظر: 23 - مسلم: 2390 - فتح 12/ 395]

ذكر فيه حديث أبي سَعِيدٍ الخُدْريَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بينا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ". قَالُوا: مَا أَوَّلْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ".

ثم ترجم عليه:

ص: 183

‌18 - باب جَرِّ القَمِيصِ فِي المَنَامِ

7009 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجْتَرُّهُ» . قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الدِّينَ» . [انظر: 23 - مسلم: 2390 - فتح 12/ 395]

وأصل عبارته للقميص بالعِلم في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدبر: 4] يريد صلاح العمل وتطهير الأحوال التي كانت أهل الجاهلية تستبيحها، هذا قول ابن عباس

(1)

، والعرب تقول: فلان نقي الثوب إذا كان صالحًا في دينه. وفيه دليل على أن الرؤيا لا تخرج كلها على نص ما رئيت عليه، وإنما تخرج على ضرب الأمثال، فضرب المثل على الدين بالقميص، وعلى الإيمان والعلم باللبن من أجل اشتراك ذلك في المعاني، وذلك أن القميص يستر العورات كما يستر الدين سيِّئ الأعمال التي كان الناس في حال الكفر يأتونها، وفي حال الجهل يقترفونها، وقد سلف أن اللبن حياة الأجسام كما أن بالعلم حياة القلوب.

هذا وجه اشتباه المعاني في هذِه الأمثال التي لها ضربت؛ لأن المثل يقتضي المماثلة، فإذا كان مثل لا يماثله فيه لم يصح التعبير، فإن قلت: إذا كان التعبير يقتضي المماثلة فما وجه كون جر القميص في النوم حسنأوجره في (اليقظة)

(2)

منهيًّا عنه وهو من الخيلاء؟

(1)

"تفسير الطبري" 12/ 298.

(2)

في الأصل: النوم، وما أثبتناه من (ص 1) وهو الصحيح.

ص: 184

فالجواب: أن القميص في الدنيا ستر وزينة كما سماه الله، وهو في الآخرة لباس التقوى، فلما كان في الدنيا حرم منها ما كان مخرجًا إلى الخيلاء والكبرياء التي لا يجمل لمخلوق مربوب ضعيف لاضطراره إلى مدبر يدبره ورازق يرزقه ودافع يدفع عنه ما لا امتناع له منه، ويحميه من الآفات. فوجب أن تكون تلك الزينة في الدنيا معروفة بدليل الذلة وعلامة العبودية. هذا معنى وجوب تقصيرها في الدنيا، ولما خلصت في الآخرة من أن يقترن بها كبر أو يخطر منه خاطر على قلب بشر جعلت لباس التقوى كما سماها الله، فحسن فيها الكمال والجر؛ ولفضولها على الأرض، ودل ذلك الفضل المجرور على بقايا من العلم والدين الذي يخلد بعده، فيكون أثرًا باقيًا خلفه، ولم يكن سبيل إلى أن يكون فيه من معنى الكبر شيء في ذلك الموطن، وليس هذا بما يحمل على أحوال الرائين، وإنما هو أبدًا محمول على جوهر الشيء المرئي، فجوهر القميص في الدنيا بقرينة الجر له كبر وتعاظم، وجوهره في الآخرة بالعلم، والدين، وليس في الآخرة فيه تحليل ولا تحريم، وإنما يحمل الشيء على حال الرائي له إذا تنوع جوهر الشيء المرئي به أو فيه أو عليه في التفسير، وأكثر ما يكون ذلك في الدنيا لاختلاف أحوال أهلها، وقد يكون في الآخرة شيء من ذلك، وليس هذا منه، ولا يجوز أن ينقل جوهر شيء من الثياب ونحوها عما وضعت له في أجل العلم إلا بدليل ناقل لجوهر ذلك الشيء، كمن رأى أحدًا من الأموات في نومه وعليه ثياب يجرها من نار أو متقدة بنار، فيعبرها: أنه كافر كان يلبس في الدنيا ثياب الكبر والتبختر يجرها خيلاء فعوقب في (النار)

(1)

بصنعه ذلك في الدنيا أو يُرى عليه ثياب من قطران كما

(1)

في الأصل: الدنيا، والمثبت من (ص 1)، وهو الصواب.

ص: 185

قال تعالى فيها، فحينئذ تكون الثياب في الآخرة دليلاً على العذاب، فما كان عليه في الدنيا ولا تكون حينئذٍ لباس زينة ولا لباس تقوى، هذا مما يحمل في الآخرة على أحوال صاحب الرؤيا.

فصل:

قوله: ("فمنها ما يبلغ الثدي"). ظاهره إطلاق الثدي على الرجل وقد سلف ما فيه، قال ابن فارس: الثدي للمرأة والجمع الثُدى، يذكر ويؤنث وثندؤة الرجل كثدي المرأة وهو مهموز إذا ضم أوله، فإن فتح لم يهمز. ويقال: هو طرف الثدي

(1)

. وفي "الصحاح": الثدي للرجل والمرأة، والجمع: ثُدِيّ، أصله فعول

(2)

. فلما اجتمعا حرفا علة، وسبق الأول بالسكون قلبت ياءً وأدغمت في الياء التي بعدها وكسرت الدال؛ لأجل الياء التي بعدها، ويجمع أيضًا ثِدِيّ بكسر الثاء لما بعدها من الكسرة.

(1)

"المجمل" 1/ 157.

(2)

"الصحاح" 6/ 2291.

ص: 186

‌19 - باب الخُضَرِ فِي المَنَامِ وَالرَّوْضَةِ الْخَضْرَاءِ

7010 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ قَالُوا كَذَا وَكَذَا. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّمَا رَأَيْتُ كَأَنَّمَا عَمُودٌ وُضِعَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فَنُصِبَ فِيهَا، وَفِي رَأْسِهَا عُرْوَةٌ وَفِي أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ -وَالمِنْصَفُ: الوَصِيفُ- فَقِيلَ: ارْقَهْ. فَرَقِيتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ. فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«يَمُوتُ عَبْدُ اللهِ وَهْوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى» . [انظر: 3813 - مسلم: 2484 - فتح

12/ 397]

ذكر فيه حديث مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالُوا: هذا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ .. الحديث، وفيه الروضة الخضراء وأنه قال:"يَمُوتُ عَبْدُ اللهِ وَهْوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى".

وترجم عليه بعد: باب التعليق بالعروة الوثقى، وقال فيه: وقيل لي: ارقَه. فقلت: لا أستطيع، فأتاني وصيف فرفع ثيابي فَرَقِيتُ .. الحديث.

والروضة التي لا يعرف نبتها دالة على العروة الوثقى الإسلام؛ لنضارتها وحسن بهجتها، وقد تأولها بذلك الشارع، وقد تدل من الإسلام على كل مكان فاضل يطاع الله فيه، كقبر رسوله وحِلق الذكر وجوامع الخير وقبور الصالحين؛ لقوله عليه السلام: "ما بين قبري ومنبري

ص: 187

روضة من رياض الجنة"

(1)

. وقوله: "ارتعوا في رياض الجنة". يعني: حلق الذكر

(2)

.

وقوله: "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار"

(3)

. وقد تدل الروضة على المصحف وعلى كتاب العلم؛ لقولهم: الكتب رياض الحكماء، والعمود دال على كل ما يعتمد عليه كالقرآن والسنن والفقه في الدين، وعلى الفقيه والحاكم والوالد والسيد والزوج والزوجة والمال، ومكان العمود وصفات المنام يستدل على تأويل الأمر وحقيقة التعبير، وكذلك العروة والإِسلام والتوحيد، وهي العروة الوثقى. قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256]، فأخبر الشارع أن ابن سلام يموت على الإيمان، كما في هذِه الرؤيا؛ من شواهد ذلك حكم له الصحابة بالجنة بحكم الشارع بموته على الإسلام. وقال الداودي: قالوا؛ لأنه كان بدريًّا

(4)

.

(1)

رواه أحمد 3/ 64 من حديث أبي سعيد الخدري، بهذا اللفظ، وسلف برقم (1195) كتاب: فضل الصلاة، باب: فضل ما بين القبر والمنبر من حديث عبد الله ابن زيد المازني بلفظ: "ما بين بيتي ومنبري .. ". قال الحافظ في "الفتح" 4/ 100: قوله: "ما بين بيتي ومنبري .. " كذا للأكثر، ووقع في رواية ابن عساكر وحده:"قبري"، وهو خطأ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "التوسل والوسيلة" ص 120: الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما بين بيتي .. " هذا هو الثابت في "الصحيح"، ولكن بعضهم رواه بالمعنى، فقال:"قبري" وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا لم يكن قد قبر بعد، ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة، إنما تنازعوا في موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم لكان نصًّا في محل النزاع. اهـ.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

قطعة من حديث رواه الترمذي (2460)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(1231).

(4)

ورد بهامش الأصل: فيه نظر، لم يكن بدريًّا فيما أعلم. [قلت: وقد ساق الحافظ =

ص: 188

وفيه: القطع بأن كل من مات على الإسلام والتوحيد لله بالجنة، وإن نالت بعضهم عقوبات.

وقول ابن سلام: (وما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم) إنما قاله على سبيل التواضع، وكره أن يشار إليه بالأصابع فيدخله العجب، فيحبط عمله.

فصل:

عُبَاد والد قيس- بعين مهملة مضمومة. والحلقة بإسكان اللام، وفي لغة رديئة فتحها. والروضة: الدنيا، والعمود والمعراج: الذي يطلع منه العمل، والحبل: السبب الذي بينه وبين الله، والعروة: عروة الإسلام كما مرَّ.

وقوله: (وفي أسفلها منصف، والمنصف: الوصيف).

قال ابن التين: روينا منصف بفتح الميم، وفي بعض النسخ بكسرها. وكذا ضبطه الدمياطي، وكذا هو في كتاب ابن فارس ضبطًا

(1)

، قال الهروي: نصفت الرجل فأنا أنصفه نصافة إذا خدمته، والمنصف: الخادم، كما ذكره، والمراد هنا بالوصيف: عون الله له.

قيل: وفي عبد الله بن سلام نزلت {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10]

(2)

. وهو من ولد يوسف عليه السلام.

= في "الفتح" 12/ 399 قول الداودي هذا ثم تعقبه بأمرين: أحدهما: أن حكم الصحابة له بالجنة إنما أخذ من الرؤيا التي رآها. وقد أورد الحافظ طرقًا عديدة لها. الثاني -وهو محل الشاهد: قال الحافظ: إنه ليس من أهل بدر أصلاً. والله أعلم].

(1)

"مجمل اللغة" 3/ 869 [نصف].

(2)

سلف عن سعد بن أبي وقاص برقم (3821) كتاب: مناقب الأنصار، باب: مناقب عبد الله بن سلام.

ص: 189

‌20 - باب كَشْفِ المَرْأَةِ فِي المَنَامِ

7011 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ: إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ. فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ» . [انظر: 3895 - مسلم: 2438 - فتح 12/ 399]

ذكر فيه حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ: إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ (فَيَقُول)

(1)

: هذِه امْرَأتكَ. فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأقولُ: إِنْ يَكُنْ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ".

وترجم عليه:

(1)

في الأصل: (فيقال)، والمثبت من (ص 1).

ص: 190

‌21 - باب ثِيَابِ الحَرِيرِ فِي المَنَامِ

7012 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُرِيتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ: رَأَيْتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: اكْشِفْ. فَكَشَفَ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ. ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقُلْتُ: اكْشِفْ. فَكَشَفَ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ» . [انظر: 3895 - مسلم: 2438 - فتح 12/ 399]

ثم ساقه أطول منه، وقد سلف في النكاح

(1)

، وهذِه الرؤيا يحتمل أن تكون قبل النبوة

(2)

في وقت يجوز عليه رؤيا سائر البشر، فلما أوحى إليه خلص رؤياه من الأضغاث، وحرسه في النوم كما حرسه في اليقظة، وجعل رؤياه وحيًا. قاله ابن بطال أولاً. ثم قال: ويحتمل أن تكون بعده، وبعد العلم بأن رؤياه وحي، فعبر عما علم بلفظ يوهم الشك ظاهره ومعناه اليقين، وهذا موجود في لغة العرب، أن يكون اللفظ يخالف معناه كما قال ذو الرمة:

أيا ظبية الوعساء بين جلاجل .... وبين النقا هل أنت أم أم سالم

ولم يشك أن الظبية ليست بأم سالم، وكما قال جرير:

ألستم خير من ركب المطايا .... وأندى العالمين بطون راحِ

(1)

سلف برقمي (5078، 5125).

(2)

ورد في هامش الأصل: إنما كانت بعد النبوة، وبعد وفاة خديجة كما جاء في الحديث الذي أخرجه. قال ابن عبد البر في ترجمة عائشة في "الاستيعاب" ما لفظه: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أري عائشة رضي الله عنها في المنام في سرقة من حرير مُتوفَّى خديجة رضي الله عنها.

انظر: "الاستيعاب" 4/ 436.

ص: 191

فعبر عما هو قاطع عليه وعالم به بلفظ ظاهرُه الشك والمسألة عما لا يقطع عليه، فكذلك قوله:"إن كان هذا من عند الله يمضه" وقد علم أنه كان من عنده لا محالة

(1)

.

فصل:

رؤية المرأة في المنام تحتمل وجوهًا، منها: أن يدل على أن امرأة تكون له في اليقظة تشبه التي رأى في المنام، كما رأيت رؤية الشارع هذِه، وقد تدل على الدنيا والمنزلة فيها، والسعة في الرزق، وهو أصل عند المعبرين في ذلك، وقد تدل المرأة أيضًا على فتنة بما يقترن إليها من دلائل ذلك.

فصل:

وثياب الحرير يدل اتخاذها للنساء في الرؤيا على النكاح، وعلى الأزواج، وعلى العز والغنى وعلى الشحم، ولبس الذهب واللباس دال على جسم لابسه؛ لأنه محله، ومشتمل عليه، ودافع عنه فهو معبر عنه؛ لا سيما أن اللباس في غالب الناس دال على أقدارهم وأحوالهم ومذاهبهم وأجناسهم، فيعرف كل جنس بلبسه وزيه من العرب والعجم والأغنياء والفقراء، ولا خير في ثياب الحرير للرجال، وهي صالحة في الجاه والسلطان وسعة المال.

فصل:

قوله: (في سرقة) السرقة شقة الحرير، وقوله:(من حرير). على معنى التأكيد؛ كقوله: {أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] وإن كان السوار لا يكون إلا من ذهب فإن كان من فضة. فقلب، أو قرون أو عاج فَمَسَكَةٌ.

(1)

"شرح ابن بطال" 9/ 534 - 535.

ص: 192

فصل:

تزوج عائشة رضي الله عنها بنت ست سنين أو سبع، وأدخلت عليه بنت تسع بعد مقدمه المدينة بثمانية أشهر، كذا ذكره الشيخ أبو محمد في "جامع مختصره". وقال الداودي: في سنة اثنتين، ومكثت عنده تسعًا، وعاشت بعده ثمانية وأربعين سنة، فإنها ماتت في رمضان سنة ثمان وخمسين.

ص: 193

‌22 - باب المَفَاتِيحِ فِي اليَدِ

7013 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْر، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي» . قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الكَلِمِ أَنَّ اللهَ يَجْمَعُ الأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الأَمْرِ الوَاحِدِ وَالأَمْرَيْنِ. أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. [انظر: 2977 - مسلم: 523 - فتح 12/ 400]

ذكر فيه حديث ابن شِهَابٍ، عن سَعِيدٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعٍ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فوُضِعَتْ فِي يَدِي".

قَالَ مُحَمَّدٌ -يعني: ابن شهاب- وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الكَلِمِ أَنَّ اللهَ يَجْمَعُ الأُمُورَ الكَثِيرَةَ التِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الكُتُب قَبْلَهُ فِي الأَمْرِ الوَاحِدِ وَالأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

وقال الهروي: يعني: القرآن. وقال القيرواني: والمفتاح يدل على السلطان وعلى المال والحكمة والعلم والصلاح، فإن كان مفتاح الجنة نال سلطانًا عظيمًا في الدين، أو علماً كبيرًا من أعمال البر، أو يجد كنزًا أو مالاً حلالاً ميراثًا، وإن كان مفتاح الكعبة حجب سلطانًا أو إمامًا، ثم قس على هذا سائر المفاتيح وجواهرها. وقال الكرماني: وقد يكون إذا فتح به بابًا دعاء يستجاب له.

ص: 194

[23 - باب التَّعْلِيقِ بِالْعُرْوَةِ وَالْحَلْقَةِ]

(1)

7014 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ح. وَحَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ، وَسَطَ الرَّوْضَةِ، عَمُودٌ فِي أَعْلَى العَمُودِ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ. قُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ. فَأَتَانِي وَصِيفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِي فَرَقِيتُ، فَاسْتَمْسَكْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا مُسْتَمْسِكٌ بِهَا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«تِلْكَ الرَّوْضَةُ رَوْضَةُ الإِسْلَامِ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلَامِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى، لَا تَزَالُ مُسْتَمْسِكًا بِالإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ» . [انظر: 3813 - مسلم: 2484 -

فتح 12/ 401]

(1)

لم يذكر المؤلف هذا الباب هنا، وأشار إليه في باب: الخُضر في المنام، السالف قريبًا، وقال: إنه يأتي بعد.

ص: 195

‌24 - باب عَمُودِ الفُسْطَاطِ

ثم قال:

ص: 196

‌25 - باب الإِسْتَبْرَقِ وَدُخُولِ الجَنَّةِ فِي المَنَامِ

(1)

7015 -

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِى سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ لَا أَهْوِى بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِي الْجَنَّةِ إِلاَّ طَارَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ. [انظر: 440 - مسلم: 2478 - فتح 12/ 403]

7016 -

فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ» . أَوْ

قَالَ: «إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ» . [انظر: 1122 - مسلم: 2478 - فتح 12/ 403]

ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ لَا أُهْوِي بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِي الجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ. فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " (أخوكِ)

(2)

رَجُلٌ صَالِحٌ". أَوْ قَالَ: "إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ".

الشرح:

ما ذكرناه من الترجمة من ذكر باب عقب باب هو ما في الأصول، وأما ابن بطال فجعلهما واحدًا

(3)

حذف الأول ابن التين.

و (لا أهوي) هو بضم الهمزة من قولهم: أهويت بالشيء إذا أومأت إليه. قال الأصمعي: أهويت بالشيء إذا أومأت إليه، ويقال: أهويت له بالسيف.

(1)

ورد بها مش الأصل: باب: عمود الفسطاط تحت وسادته. باب: الاستبرق ودخول الجنة في المنام. كذا في أصلنا، الدمشقي والقاهري.

(2)

كذا في الأصل وفي اليونينية 9/ 37 "إن أخاك" دون تعليق عليها.

(3)

"شرح ابن بطال" 9/ 536.

ص: 197

وفيه من الفوائد النيابة في تعبير الرؤيا. قال المهلب: السرقة الكِلة، وهي كالهودج عند العرب، وكون عمودها في يد ابن عمر رضي الله عنهما دليل على الإسلام، وطن بها الدين والعلم بالشريعة الذي به يرزق التمكن من الجنة حيث شاء، وقد يعبر بالحرير هنا عن شرف الدين والعلم؛ لأنه أشرف ملابس الدنيا، فكذلك العلم بالدين أشرف العلوم، ودخول الجنة منامًا دال على دخولها في اليقظة؛ لأن من بعض وجوه الرؤيا وجهًا يكون في اليقظة كما يُرى أيضًا، وقد يكون دخولها الدخول في الإسلام الذي هو سببها؛ لأن من دخله دخلها كما قال تعالى:{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} [الفجر: 29 - 30]، وظهر أن السرقة قوة يرزقه الله على التمكن من الجنة حيث شاء، كما أكرم الله جعفرًا بالطيران فيها.

وفي الحديث: "إنما نسمة المؤمن طائر تعلق من شجر الجنة"

(1)

، فإن قلت: كيف ترجم عمود فسطاط تحت وسادته، ولم يذكرها في الحديث؟ قلت: كأنه رأى حديث السرقة أكمل بما ذكره في كتابه.

وفيه: أن السرقة مضروبة في الأرض على عمود كالخباء، وأن ابن عمر اقتلعها من عمودها فوضعها تحت وسادته، وقام هو بالسرقة يمسكها، وهي كالهودج من إستبرق ولا ينوي (مكانًا من)

(2)

الجنة إلا طارت إليه، ولم يرض سنده بهذِه الزيادة فلم يذكره، وأدخله في كتابه من طريق وثقه، وقد فعل في كتابه مثل هذا كثيرًا. فقال: باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟ ثم أدخل فيه سمل الرعاة،

(1)

رواه النسائي 4/ 108، وابن ماجه (4271)، ومالك في "الموطأ" ص 164 من حديث كعب بن مالك. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(2373).

(2)

في (ص 1): (موضعًا في).

ص: 198

وإنما ترجم بذلك؛ ليدل أن ذلك من فعلهم مروي، وكما فعل بقول سهل بن أبي حثمة في الأوسق الموسقة في باب: العرايا. فتركه ليبين سنده أولاً ثم أعجلته المنية عن تهذيب كتابه، كذا أجاب به المهلب

(1)

.

(1)

نقله عنه ابن بطال 9/ 537.

ص: 199

‌26 - باب القَيْدِ فِي المَنَامِ

7017 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ عَوْفًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.» قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أَقُولُ هَذِهِ قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللهِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصُّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ. قَالَ: وَكَانَ يُكْرَهُ الْغُلُّ فِي النَّوْمِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُمُ القَيْدُ، وَيُقَالُ: القَيْدُ

ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ. وَرَوَى قَتَادَةُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَأَبُو هِلَالٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلَّهُ فِي الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ عَوْفٍ أَبْيَنُ. وَقَالَ يُونُسُ: لَا أَحْسِبُهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَيْدِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَا تَكُونُ الأَغْلَالُ إِلاَّ فِي الأَعْنَاقِ. [انظر: 6988 - مسلم: 2263 - فتح 12/ 404]

ذكر فيه حديث عوف، عن مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا المُؤْمِنِ، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وما كان من النبوة فإنه لا يكذب" قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أَقُولُ: هذِه (الأمة)

(1)

. قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْري مِنَ اللهِ، فَمَنْ رَأى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصُّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ. قَالَ: وَكَانَ يُكْرَهُ الغُلُّ فِي النَّوْمِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُمُ القَيْدُ، وُيقَالُ: القَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ. رواه قَتَادَةُ وُيونُسُ وَهِشَامٌ وَأَبُو هِلَالٍ -وهو محمد بن سليم الراسبي-، عَنِ ابن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلَّهُ فِي الحَدِيثِ، وَحَدِيثُ عَوْفٍ أَبْيَنُ.

(1)

ورد في هامش الأصل: سيأتي الكلام في آخر الباب على هذِه اللفظة فاعلمه.

ص: 200

وَقَالَ يُونُسُ: لَا أَحْسِبُهُ إِلَّا عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي القَيْدِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ:

لَا تكون الأَغْلَالُ إِلَّا فِي الأَعْنَاقِ.

الشرح:

كأن المراد بقوله: (وأدرجه بعضهم كله في الحديث) أي: نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيوب بن أبي تميمة، فإن مسلمًا أخرجه عن محمد ابن أبي عمر: ثنا عبد الوهاب الثقفي، عنه، عن ابن سيرين كله. قال: ولا تحدث بها الناس. قال: وأحب القيد وأكره الغل، والقيد ثبات في الدين، فلا أدري أهو في الحديث أم قاله محمد بن سيرين؟ ثم قال: وحدثنا محمد بن رافع: ثنا عبد الرزاق: أنا معمر، عن أيوب بهذا الإسناد. وقال في الحديث: قال أبو هريرة: فيعجبني القيد وأكره الغل، والقيد ثبات في الدين. وحدثني أبو الربيع، ثنا حماد، عن أيوب وهشام، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا اقترب الزمان .. وساق الحديث، ولم يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدرج في الحديث قوله: وأكره الغل .. إلى آخره، ولم يذكر:"الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا"

(1)

.

وأخرج الترمذي -وقال: حديث صحيح- من حديث سعيد، عن قتادة، عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه:"الرؤيا ثلاث: رؤيا حق، ورؤيا يحدث الرجل بها نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان، فمن رأى ما يكره فليقم فليصل". وكان أبو هريرة يقول: يعجبني القيد وأكره الغل، القيد

(1)

مسلم (2263).

ص: 201

ثبات في الدين، وكان يقول: لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح

(1)

.

وقال المهلب: وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القيد ثبات في الدين" من رواية قتادة ويونس وغيرهم. وتفسير ذلك أنه يمنع الخطايا ويصد عنها. وروى ابن ماجه من حديث وكيع، عن أبي بكر الهذلي، عن ابن سيرين فذكر قصة القيد (مرفوعة)

(2)

. وروى الخطيب في كتابه "الفصل والوصل" من حديث علي بن عاصم، عن خالد وهشام، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: إذا اقترب الزمان. الحديث كله مرفوعًا، ومن حديث يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن محمد. وفيه: وكان يقول: "أكره الغل، ويعجبني القيد، القيد ثبات في الدين". وكان يقول: "إذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فليقم فليصل".

قال الخطيب: كذا روى يزيد، قصر عن سياقة خالد وهشام عن محمد التي (بدأ بها)

(3)

. وروى عبد الوهاب عن أيوب، عن محمد مثل رواية خالد وهشام، وقال الخطيب: جاء في هذِه الأحاديث التي ذكرناها جميع هذا المتن من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هو كذلك؛ لأن ذكر القيد والغل قول أبي هريرة أدرج في الحديث، وبينه معمر في روايته عن أيوب عن محمد، ورواه عوف بن أبي جميلة، عن محمد فذكر أن أول المتن إلى قوله:"جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" مرفوعًا، وأما ما بعده فمن كلام ابن سيرين

(4)

.

(1)

"سنن الترمذي"(2280) وإسناده: .. حدثنا سعيد، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وانظر:"الصحيحة"(3014).

(2)

من (ص 1). وانظر: "سنن ابن ماجه"(3926).

(3)

كذا في الأصل، وفي "الفصل للوصل":(بد أنا بها).

(4)

"الفصل للوصل" 1/ 212 - 214.

ص: 202

قلت: فهذا يُري مخالفة مسلم، وغيرِه البخاريَّ في الذي ذكره. وكذا مخالفة الترمذي لما ذكره في القيد.

فصل:

قد ينصرف القيد على وجوه؛ فمن رآه في رجله وهو مسافر أقام بذلك الموضع إلا أن يرى ذلك قد حل عنه، وكذلك من رأى قيدًا في رجله في مسجد أو في موضع ينسب إلى الخير فإنه دين ولزوم لطاعة ربه وعبادة له، فإن رآه مريض أو مسجون أو (مكروه)

(1)

فهو طول بقائه فيه، وكذلك إن رآه صاحب دنيا فهو طول بقائه فيها.

فصل:

وكره الغل؛ لأن الله تعالى أخبر أنه من صفات أهل النار، فقال:{إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} الآية [غافر: 71]، فقد يدل على الكفر وقد يكون الغل امرأة سوء، تشين حليلها، وأما غل اليدين (دون)

(2)

العنق فهو كفها عن الشر، فإن كان مع القيد غلٌ غلب المكروه؛ لأنها صفة المدينين، ويدلس الغل علي (الوالايات)

(3)

إذ كانت معه قرائن، كما روي أن كل وال يحشر مغلولاً حتى يطلقه عدله.

فصل:

معنى: ("اقترب الزمان") فيه أقوال: إذا دنا قيام الساعة، قال ابن بطال: معناه -والله أعلم-: إذا اقتربت الساعة، وقبض أكثر العلم، ودرست معالم الديانة بالهرج والفتنة، فكان الناس على فترة من

(1)

ورد في هامش الأصل: لعله مكروب.

(2)

في (ص 1): لغير.

(3)

كذا في الأصل، ولعلها: الولايات.

ص: 203

الرسل يحتاجون إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين، كما كانت الأمم قبلنا تذكر بالنبوة، فلما كان نبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام - خاتم الرسل وما بعده من الزمان ما يشبه الفترة عوضوا بما منع من النبوة بعده بالرؤيا الصادقة التي هي جزء من كذا الآتية بالتبشير والإنذار.

ثانيها: قاله أبو داود، ومعناه تقارب (الزمان)

(1)

زمان الليل والنهار وقت استوائهما أيام الربيع، وذلك عند اعتدال الليل وإدراك الثمار وبيعها، والمعبرون يزعمون أن أصدق الأزمان لوقوع التعبير انفتاق الأنوار، ووقت بيع الثمار وإدراكها، وهما الوقتان اللذان يتقارب الزمان فيهما، ويعتدل الليل والنهار

(2)

.

قال ابن بطال: والأول هو الصواب الذي أراده الشارع؛ لأنه قد روي مرفوعًا عنه من طريق معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه:"في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا"

(3)

.

ثالثها: تقصر الساعات والأيام والليالي، ذكره الداودي في تفسير قوله عليه السلام: "يتقارب الزمان وينقص (العلم)

(4)

"

(5)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

"شرح ابن بطال" 9/ 539.

(3)

السابق. والحديث رواه: مسلم (2263) من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب .. " ورواه من الطريق الذي ذكره ابن بطال - الترمذي (2291) وقال: وقد روى عبد الوهاب هذا الحديث عن أيوب مرفوعًا، ورواه حماد بن زيد عن أيوب ووقفه.

(4)

في (ص 1): الزمان.

(5)

سلف برقم (6037) في الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل.

ص: 204

فصل:

وأما قول ابن سيرين: (أنا أقول: هذِه الأمة) فتأويله -والله أعلم- أنه لما كان عنده معنى قوله: "رؤيا المؤمن .. " إلى آخره، ويراد به رؤيا الرجل الصالح؛ (لقوله عليه السلام:"الرؤيا الحسنة يراها الرجل الصالح")

(1)

.. الحديث، وقال:"إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن".

خشي ابن سيرين أن يتأول معناه أن عند تقارب الزمان لا تصدق إلا رؤيا الصالح المستكمل الإيمان خاصة، فقال:(وأنا أقول: هذِه الأمة)، أنه تصدق رؤيا هذِه الأمة كلها؛ صالحها وفاجرها، فيكون صدق رؤياهم زاجرًا لهم وحجة عليهم لدروس أعلام الدين، وطمس آثاره بموت العلماء وظهور المنكر

(2)

.

وما ذكرته من قولهم: (الأمة) بعد (هذا) كذا في كتاب ابن بطال أصلاً وشرحًا، والذي في الأصول حذف لفظ (الأمة) كما سقته. وقد قال الخطيب: إن الإدراج إنما هو من قول محمد لا من قول غيره خلاف ما سلف عن الترمذي، فكأن محمدًا (قال)

(3)

لما انتهى الحديث المرفوع: وأنا أقول هذِه المقالة. وهو أوضح مما ذكره ابن بطال.

فصل:

وقول البخاري: لا تكون الأغلال إلا في الأعناق) كأنه أراد أصله، فقد قال ابن سيده في "مجمله" وغيره: الغل جامعة تُوضع في العنق

(1)

من (ص 1).

(2)

"شرح ابن بطال" 9/ 539 - 540.

(3)

من (ص 1).

ص: 205

أو اليد، والجمع: أغلال لا يكسَّر على غير ذلك

(1)

. وفي "الجامع": واليد مغلولة أي: مجعولة في الغل، قال تعالى:{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: 64].

(1)

"المحكم" 5/ 222 لابن سيده.

وقال المصنف رحمه الله في "مجمله" وهو خطأ أو تحريف فهو "محكمه".

ص: 206

‌27 - باب العَيْنِ الجَارِيَةِ فِي المَنَامِ

7018 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ -وَهْيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ. قَالَ:«وَمَا يُدْرِيكِ؟» . قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللهِ. قَالَ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ مِنَ اللهِ، وَاللهِ مَا أَدْرِي -وَأَنَا رَسُولُ اللهِ- مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ» . قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: فَوَاللهِ لَا أُزَكِّى أَحَدًا بَعْدَهُ. قَالَتْ: وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ:«ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ» .

[انظر: 1243 - فتح 12/ 410]

سلف حديثه

(1)

.

(1)

برقم (1243).

ص: 207

‌28 - باب نَزْعِ المَاءِ مِنَ الْبِئْرِ حَتَّى يَرْوَى النَّاسُ

رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3664]

7019 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، فَغَفَرَ اللهُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِى فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» . [انظر: 3634 - مسلم: 2393 - فتح 12/ 412]

ذكره من حديث صخر بن جويرية، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ثم ترجم:

ص: 208

‌29 - باب نَزْعِ الذَّنُوبِ وَالذَّنُوبَيْنِ مِنَ البِئْرِ بِضَعْفٍ

7020 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ:«رَأَيْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ قَامَ ابْنُ الخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَمَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» . [انظر: 3634 - مسلم: 2393 - فتح 12/ 414]

7021 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ وَعَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» . [انظر: 3664 - مسلم: 2392 - فتح 12/ 414]

ثم ساق من حديث زُهَيْرٍ، حَدَّثنَا مُوسَى، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ.

والإسماعيلي ساقه من حديث عاصم، حدثنا ابن جريج، أخبرني سالم، لم يذكر عن أبيه.

ثم ساق حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.

ثم ترجم:

ص: 209

‌30 - باب الاسْتِرَاحَةِ فِي المَنَامِ

.

7022 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنِّي عَلَى حَوْضٍ أَسْقِي النَّاسَ، فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِي لِيُرِيحَنِي، فَنَزَعَ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، فَأَتَى ابْنُ الخَطَّابِ فَأَخَذَ مِنْهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَنْزِعُ حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ» . [انظر 3664 - مسلم: 2392 - فتح 12/ 415]

ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا.

قال الخطابي: هو مثل في تأويله، وإنما يراد بالمثل تقريب علم الشيء وإيضاحه بذكر نظيره، وفي إغفال بيانه والذهاب عن معناه وعن موضع التشبيه فيه إبطال فائدة المثل وإثبات الفضيلة لعمر على الصديق؛ إذ قد وصف بالقوة من حيث وصف الصديق بالضعف، وتلك خطة أباها المسلمون [والمعنى]

(1)

-والله أعلم-: أنه إنما أراد بهذا إثبات خلافتهما، والإخبار عن مدة ولايتهما، والإبانة عما جرى عليه أحوال أمته في أيامهما؛ فشبه أمر المسلمين بالقليب، وهي البئر العادية؛ وذلك لما يكون فيها من الماء الذي به حياة العباد وصلاح البلاد، وشبه الوالي عليهم والقائم بأمورهم بالنازع الذي يستقي، يقربه من الوارد، ونَزْعُ أبي بكر ذنوبًا أو ذنوبين على ضعف فيه إنما هو قصر مدة خلافته.

والذنوبان مثل ما في السنتين اللتين وليهما وأشهر بعدهما، وانقضت أيامه في قتال أهل الردة وإصلاح أهل الدعوة، ولم يتفرغ لافتتاح

(1)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 210

الأمصار وجباية الأموال فذلك ضعف نزعه.

وأما عمر فطالت أيامه واتسعت ولايته، وفتح الله على يديه العراق والسواد وأرض مصر وكثيرًا من بلاد الشام، وقد غنم أموالها وقسمها في المسلمين، فأخصبت رحالهم، وحسنت بها أحوالهم، فكان جودة نزعه مثلًا لما نالوا من الخير في زمانه

(1)

.

وذكر الطبري مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: فتأول الناس معنى قوله: "حتى ضرب الناس بعطن" بأبي بكر وعمر. قال الخطابي: والعرب تضرب المثل في المفاخرة والمغالبة بالمساقاة والمساجلة، فتقول: فلانًا يساجل فلانًا أي: يقاومه ويغالبه، وأصل ذلك أن يستقي ساقيان، فيخرج كل واحد منهما في سجله ما يخرج الآخر فأيهما نكل غلب. قال العباس بن الفضل بن العباس بن عبد المطلب

(2)

وهو على بئر:

من يساجلني يساجل ماجدًا

يملأ الدلو إلى عقد الكرب

(3)

فسمعه الفرزدق فنضا ثيابه فقال: أنا أساجلك إدلالاً منه بآبائه. فلما انتسب له العباس لبس ثيابه، وقال: ما يساجلك إلا ابن فاعلة.

(1)

ليست في الأصول؛ أثبتناها من "غريب الحديث"، و"شرح ابن بطال" لمناسبتها للسياق.

(2)

كذا نسبه في الأصول، والصواب: الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب ويلقب بالأخضر اللهبي.

انظر: "الأغاني" 11/ 188، "مجمع الأمثال" 1/ 214.

وترجم له ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 48/ 335.

(3)

"غريب الحديث" للخطابي 1/ 432 - 433، وانظر:"شرح ابن بطال" 9/ 540.

ص: 211

فصل:

ذكر الداودي وأبو عبد الملك أيضًا أن معنى قوله: "وفي نزعه ضعف" قلة مقامه، قال ابن التين: وفيه نظر؛ لقوله: "والله يغفر له". كلمة تقال على التشريف كقوله: {عَفَا اللهُ عَنْكَ} [التوبة: 43] واستشكل أيضًا قال: فكأنما أحيا الله بأبي بكر وأصلح على يديه لقلة عهده، ولا هونًا عند الله كما حلف عليه هو ثلاثًا، ثم ذكر قيامه وما أراد منه المسلمون أن يكف عن قتال مانعي الزكاة ويمسك جيش أسامة فأبى إلا القتال، فرجع المسلمون إليه، وأخرج أسامة إلى الوجه الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتل أهل الردة، وانقطع أطماع أهل الكفر والنفاق، وجمع (الله)

(1)

أمر المسلمين فلم يزل صاعدًا.

والذنوب: الدلو الملأى وتكون النضيب، قال صاحب "العين": نزعت الشيء نزعًا: قلعته، وبئر نزوع: إذا نزعت دلاؤها بالأيدي، وجمل نزوع: ينزع عليه الماء

(2)

.

فصل:

وقوله: ("فاستحالت غربًا") أي: استحالت الدلو غربًا، والعرب: الدلو العظيمة، كما ذكره في "المجمل" و"الصحاح"

(3)

والقزاز. زاد أبو عبد الملك: والغرب كل شيء رفيع. وقال الداودي: يعني الخطوط الحمر التي ترى بباطن الكف عند رفع الدلاء. والعبقري: الحاذق، وقيل: المقدم. وقال الأصمعي: السيد. وقال أبو عبيد:

(1)

من (ص 1).

(2)

"العين" 1/ 357.

(3)

"المجمل" 3/ 695، "الصحاح" 1/ 193.

ص: 212

وأصله -فيما يقال- أنه نسب إلى عبقر؛ موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن، قال لبيد:

................. كهول وشبان كجنة عبقر.

ثم نسبوا إليه كل ما تعجبوا من حرفة أو جودة صنعته ولونه، وهو واحد وجمع، والأواني عبقرية. وقال الداودي: عبقر قرية يصنع بها الديباج الحسن، ومن هذا قيل للبسط: عبقرية.

وقوله: (يفرى فَرِيَّه). أي: يعمل عمله ويقول كقوله، وهو مشدد الياء، ومنه قوله تعالى:{لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27] وأنشد فيه قول الراجز:

قد أطعمتني دقلاً حوليًّا .... مسوسًا ومدودًا مجريًّا

قد كنت تفري به الفريَّا

أي: قد كنت تكثرين فيه القول وتعظمينه، ومسوِس -بكسر الواو- وكذا مدوِد، يقال: ساس الطعام وأساس وسوس أيضًا، وكذلك داد وداود ودود، وقال الخليل: يقال في الشجاع: ما يفري أحد فريه، مخففة الياء، ومن شدد أخطأ.

والعطن ما حول الحوض والبئر من مبارك الإبل للشرب عللاً بعد نهل، ومعنى ضربت بعطن: بركت. قال ابن السكيت: وكذلك تقول: هذا عطن الغنم

(1)

. قال في "المجمل" عن بعض أهل العلم باللغة: لا تكون أعطان الإبل إلا على الماء، فأما مباركها في (المرابد)

(2)

أو عند الحي، فهي المأوى، ويكون مُناخها مراحًا أيضًا، والعطن

(1)

"إصلاح المنطق" ص 327.

(2)

في (ص 1): (البرية).

ص: 213

والمعطن واحد

(1)

. وقال ابن الأعرابي: أصل العطن: (الموضع)

(2)

الذي تبرك فيه الإبل قرب الماء إذا شربت؛ لتعاد إليها إن أرادت ذلك. يقال: عطنت الإبل وأعطنها صاحبها، والمعنى: أن الناس انبسطوا في ولاية عمر، وانتشرت ولايتهم، وفتحوا البلاد حتى قسموا المسك بالصاع. وقال الداودي: قيل له: عطن؛ لتغير رائحته.

فصل:

قوله: ("فأخذها ابن أبي قحافة"). هو الصديق كما في الروايات، وأبو قحافة: عثمان.

فصل:

قال المهلب: وفيه دليل أن الدنيا للصالحين دار نصب وتعب، وأن الراحة منها في الموت على الصلاح والدين، كما استراح من تعب ذلك السقي بالموت.

والحوض -في قوله: "بينا أنا نائم رأيتني على حوض أسقي الناس فأتاني أبو بكر .. " إلى آخره- معدن العلم، هو القرآن الذي يغترف الناس كلهم منه دون أن ينقص حتى يرووا، وهو معدن لا يفنى ولا ينتقص.

(1)

"مجمل اللغة" 3/ 674.

(2)

ساقطة من الأصل.

ص: 214

‌31 - باب القَصْرِ فِي الْمَنَامِ

7023 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، قُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْكَ -بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ- أَغَارُ؟ [انظر: 3242 - مسلم: 2395 - فتح 12/ 415]

7024 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَمَا مَنَعَنِى أَنْ أَدْخُلَهُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِلاَّ مَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ» . قَالَ: وَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ [انظر: 3679 - مسلم: 2394 - فتح 12/ 415]

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رؤيته عليه السلام القصر من ذهب فمنعه من دخوله غيرة عمر.

ثم ترجم عليه:

ص: 215

‌32 - باب الوُضُوءِ فِي المَنَامِ

7025 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ. فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا» . فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: عَلَيْكَ -بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ - أَغَارُ؟ [انظر: 3242 - مسلم: 2395 - فتح 12/ 416]

ثم ساق فيه حديث جابر

(1)

، وسلف في مناقبه

(2)

، وفي باب: صفة الجنة

(3)

، وحديث أبي هريرة سلف في الغيرة من كتاب النكاح

(4)

، وهناك أوضحنا الكلام عليه.

وهذِه الرؤيا (بشرى لعمر بقصر في الجنة، وهذِه الرؤيا)

(5)

مما خرجت على حسب ما رئيت بغير رمز ولا غموض تفسير، والجارية كذلك، والوضوء إنما يؤخذ منه اسمه من الوضاءة؛ لأنه ليس في الجنة وضوء أصلاً ولا عبادة.

وفيه دليل على الحكم على كل رجل بما يعلم من خلقه، ألا ترى أنه عليه السلام لم يدخل القصر (حين)

(6)

ذكر غيرة عمر، وقد علم أنه لا يغار

(1)

ورد بهامش الأصل: حديث جابر هو في باب القصر في المنام، كذا في بعض أصولنا الذي راجعته الآن، لا في باب: الوضوء في المنام، فاعلمه.

(2)

برقم (3679).

(3)

هو حديث أبي هريرة، لا حديث جابر، برقم (3242).

(4)

برقم (5227).

(5)

من (ص 1).

(6)

سقطت من الأصل.

ص: 216

عليه؛ لأنه أبو المؤمنين، وكل ما نال بنو المؤمنين من خير الدنيا والآخرة فبسببه وعلى يديه، لكن أراد عليه السلام أن يأتي بما يعلم أنه يوافق عمر أدبًا منه، وما ذكرته من قولي: لأنه أبو المؤمنين. تابعت فيه المهلب وأقره ابن بطال

(1)

. واعترض بعض شيوخنا عليه بأن الله تعالى قال: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40]، وقال عليه السلام:"إنما أنا لكم بمنزلة الوالد"

(2)

. ولم يقل: أبًا لكم، ولم يأت ذلك في حديث صحيح ولا غيره بما يصح للدلالة. هذا كلامه، ولا شك أنه والدنا وأعظم، ومعنى (الآية)

(3)

: ليس أحد من رجالكم ولد -صلبه؛ نفيًا لما وقع من التبني، وتزويجه بزوجته، ونص الإمام الشافعي على أنه يجوز أن يقال: أبو المؤمنين. أي: في الحرمة

(4)

. وقال البغوي من أصحابنا: كان النبي صلى الله عليه وسلم أبا الرجال والنساء جميعًا. ونقل الواحدي عن بعض أصحابنا المنع. ويرده ما ذكرناه، وكذا قول الأستاذ أبي إسحاق: إنه لا يقال: أبونا، وإنما يقال: هو كأبينا عملاً بقوله: "إنما أنا لكم كالوالد". وهو مردود أيضًا، فاعلم ذلك.

فصل:

قال ابن سيرين: من رأى أنه يدخل الجنة فإنه يدخلها إن شاء الله؛ لأن ذلك بشارة لما قدم من خير أو يقدمه. قال الكرماني: وأما بنيانها ورياضها فهي نعيمها، وأما نساؤها فهي أجور في أعمال البر على قدر جمالهن. قال علي بن أبي طالب: وقد ينصرف دخول الجنة في

(1)

"شرح ابن بطال"9/ 544.

(2)

رواه أبو داود (8). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(6).

(3)

في الأصل: (الأول).

(4)

"الأم" 5/ 126.

ص: 217

المنام على وجوه؛ فيدل لمن حج على تمام حجه ووصوله إلى الكعبة المؤدية إلى الجنة وإن كان كافرا أو مذنبًا بطالا، ورأى ذلك غيره له أسلم من كفره وتاب من بطالته، وإن كان مريضًا مات من مرضه؛ لأن الجنة هى أجر المؤمنين إن كان المريض مؤمنًا، وإن كان كافرًا أفاق من علته؛ لأن الدنيا جنة الكافرين، وإن كان عزبا تزوج؛ لأن الآخرة دار النكاح والأزواج، وإن كان فقيرًا استغنى، وقد يدل دخولها على السعي إلى الجمعة والجماعة، ودار العلم، وحلق الذكر، والجهاد، والرباط، وكل مكان يؤدي إليها.

فصل:

قال: ومن رأى أنه يتوضأ في النوم فإنه وسيلة إلى سلطان، أو إلى عمل من الأعمال، فمن تم له في النوم تم له ما يؤمله في اليقظة، وإن تعذر عليه أو عجز الماء، أو توضأ بما لا يجوز الصلاة به لم يتم له ما يحاوله، والوضوء للخائف في اليقظة أمان له لما جاء في فضل الوضوء، وربما دل الوضوء على الثواب وتكفير الخطايا؛ لما جاء أنها تخرج مع آخر قطر الماء

(1)

، وربما دل الوضوء على الصوم؛ لأن الصائم ممتنع من كثيرٍ من لذاته والمتوضئ يدانيه في ذلك.

والوضوء والصوم واللجام ورباط اليد والقيد شركاء في التأويل ويتعاقبون في التعبير

(2)

.

(1)

أخرجه مسلم (244) كتاب: الطهارة، باب: خروج الخطايا مع ماء الوضوء. عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

انظر: "شرح ابن بطال" 9/ 544 - 545.

ص: 218

‌33 - باب الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ فِي المَنَامِ

7026 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنٍ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ. فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ. أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ» . وَابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي المُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ. [انظر: 3440 - مسلم: 169، 171 - فتح 12/ 417]

ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَا أَنَا نَائِم رَأَيْتُيي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُل (آدَمُ)

(1)

سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هذا؟ قَالُوا: ابن مَرْيَمَ. فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ (جَسِيمٌ)

(2)

جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَي، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هذا؟ قَالُوا: هذا الدَّجَّالُ. أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابن قَطَنٍ". وَابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي المُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ.

الشرح:

الطواف بالبيت ينصرف على وجوه كما ذكرها بعض أهل التأويل، فمن رأى أنه يطوف بالبيت فإنه يحج إن شاء الله، وقد يكون تأويل ذلك إن كان يطلب حاجة من الإمام بشارة بنيلها منه؛ لأن الكعبة إمام الخلق كلهم، وقد يكون الطواف تطهيرًا من الذنوب؛ لقوله تعالى:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26]، وقد يكون الطواف لمن يريد أن يتسرى

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

ص: 219

أو يتزوج امرأة حسناء دليلاً على تمام إرادته، وقال علي بن أبي طالب العابر: وقد يكون الطواف لمن كان ذا والدَينِ يحسن برهما، وزوجة يسعى عليها، أو كان يخدم عالمًا، أو كان عبدًا ينصح سيده بشارة بالثواب عن فعله في اليقظة.

فصل:

قال المهلب: ووصف عليه السلام عيسى عليه السلام والدجال بصفاتهما التي خلقهما الله عليها؛ لكونهما في زمن واحد؛ ولأن الحديث قد جاء عنه عليه السلام أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال، فوصف الدجال بصفة لا تشكل عليهم على حسب ما رآه وهو العور، الذي لا يجوز على ذوي العقول أن يصلوا بالإلهية (والقدرة)

(1)

من كان بتلك الصفة؛ إذ الإله لا يجوز عليه الآفات، وهذا مدعيها وقد جازت عليه الآفة فهي برهان على تكذيبه.

فصل:

قوله: ("ينطف رأسه ماء"). أي: يقطر، والنطف: الصب، وليلة نطوف: ماطرة، من كتاب "العين"

(2)

، وقوله:("سبط الشعر .. "). يجوز كسر بائه وإسكانها.

قال ابن التين: رويناه بالكسر. وفي "الصحاح" الوجهان، أي: مسترسل غير جعد

(3)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

"العين" 7/ 436 - 437.

(3)

"الصحاح" 3/ 1129.

ص: 220

فصل:

قال الداودي: رؤية الطواف رؤيا عبادة، وسلف مثل هذا لابن عباس: أن رؤيا الأنبياء لا تعبر وأنها تكون على هيئتها، واحتج بقوله تعالى:{إِنِّي أَرَى في الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]

فصل:

قال أبو القاسم الأندلسي: وَصَفَ عيسى بالصورة التي خلقه الله عليها، وراه يطوف، وهذِه رؤيا حق؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورة الأنبياء، ولا شك أن عيسى في السماء، وهو حي، ويفعل الله في خلقه ما يشاء، قال: ووصف الدجال بصورته، قال: ودل هذا الحديث أن الدجال يدخل مكة دون المدينة؛ لأن الملائكة الذين على نقابها يمنعونه من دخولها، وأنكر ذلك غيره، وقال: في هذا الدليل نظر.

فصل:

(اسم)

(1)

ابن قطن: عبد العزى بن قطن بن عمرو بن حبيب بن سعد بن عائذ بن مالك بن خزيمة، وهو المصطلق بن سعد أخي كعب وعدي أولاد عمرو بن ربيعة، وهو لحي بن حارثة بن عمرو مزيقيا، وقد سلف هذا الحديث، وفيه قال الزهري: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية. يعني: ابن قطن وأمه هالة أخت خديجة.

(1)

من (ص 1).

ص: 221

‌34 - باب إِذَا أَعْطَى فَضْلَهُ غَيْرَهُ فِي النَّوْمِ

7027 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلَهُ عُمَرَ» . قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ» . [انظر: 82 - مسلم: 2391 - فتح 12/ 417]

ذكر فيه حديث ابن عمر السالف:

قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْعِلْمُ".

ص: 222

‌35 - باب الأَمْنِ وَذَهَابِ الرَّوْعِ فِي المَنَامِ

7028 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللهُ، وَأَنَا غُلَامٌ حَدِيثُ السِّنِّ وَبَيْتِي الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلَاءِ. فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ لَيْلَةً قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِى رُؤْيَا. فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلَا بِي إِلَى جَهَنَّمَ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللهَ: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ. ثُمَّ أُرَانِى لَقِيَنِي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ تُكْثِرُ الصَّلَاةَ. فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ البِئْرِ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالاً مُعَلَّقِينَ بِالسَّلَاسِلِ، رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ، فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ. [انظر: 440 - مسلم: 2478 - فتح 12/ 418]

7029 -

فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ صَالِحٌ» . فَقَالَ نَافِعٌ: لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ

الصَّلَاةَ. [انظر: 1122 - مسلم: 2479 - فتح 12/ 418]

ذكر فيه حديث منام ابن عمر من حديث نافع عنه رضي الله عنه: أنه -علية السلام- قال: "إن عبد الله رجل صالح، لو كان يكثر الصلاة من الليل"، وفي أوله: إن الملك قال: نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة. قال الزهري: فكان عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل.

وترجم عليه أيضًا:

ص: 223

‌36 - باب الأَخْذِ عَلَى اليَمِينِ فِي النَّوْمِ

7030 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا شَابًّا عَزَبًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكُنْتُ أَبِيتُ فِي المَسْجِدِ، وَكَانَ مَنْ رَأَى مَنَامًا قَصَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِي عِنْدَكَ خَيْرٌ فَأَرِنِي مَنَامًا يُعَبِّرُهُ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِى فَانْطَلَقَا بِي، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ، إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَانْطَلَقَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُ بَعْضَهُمْ، فَأَخَذَا بِي ذَاتَ الْيَمِينِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ. [انظر: 440 - مسلم: 2479 - فتح 12/ 419]

7031 -

فَزَعَمَتْ حَفْصَةُ أَنَّهَا قَصَّتْهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدَ اللهِ رَجُلٌ

صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّيْلِ». قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّيْلِ. [انظر: 1122 - مسلم: 2479 - فتح 12/ 419]

وذكره من طريق سالم عنه، وقد سلف في فضل قيام الليل

(1)

، ومناقب ابن عمر رضي الله عنهما

(2)

، ونوم الرجال في المسجد

(3)

، وغير ذلك.

وقوله: (في يد كل واحد منهما مقمعة). هى بكسر الميم، والمقامع سياط من حديد رءوسها معوجة قال الجوهري

(4)

: المقمعة كالمحجن، والمحجن كالصولجان. وقال الداودي: المقرعة والمقمعة واحد.

(1)

برقم (1121).

(2)

برقم (3738، 3740).

(3)

برقم (440).

(4)

"الصحاح" 3/ 1272.

ص: 224

وقوله: (لها قرون كقرون البئر)، وقرنا البئر منارتان تبنيان على رأسها، ويوضع فوقها خشب تعلق البكرة فيه، والعَزَب بفتح العين والزاي. ومعنى (لم ترع): لم تخف، والروع الفزع.

وقوله: (لو كان يكثر الصلاة). قال ابن التين: ليس في الرؤيا إنما هو وحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: قد سلف أنها من الملك في الرؤيا.

وقوله: (يقبلان بي إلى جهنم). يقال: أقبلته (الشيء)

(1)

أي: جعلته (على)

(2)

قبالته.

فصل:

هذا الحديث مما فسرت فيه الرؤيا على وجهها، وفيه: دليل على توعد الله عباده، وجواز تعذيبهم على ترك السنن.

وقول الملك: (لم ترع، نعم الرجل أنت .. ). إلى آخره هذِه الزيادة تفسر سائر طرق هذا الحديث.

وفيه: الحكم بالدليل؛ لأن عبد الله استدل على أن اللذين أتياه ملكان؛ لأنهما أوقفاه على جهنم، ووعظاه بها، والشيطان لا يعظ، ولا يذكر الخير، فاستدل بوعظهما وتذكيرهما أنهما ملكان.

وقوله: (لم ترع) هذا خرج على ما رآه عليه، وعلى أنه ليس من أهل ما رآه؛ لأنه إذا قام الدليل أنهما ملكان فلا يكون كلامهما إلا حقًّا، وفيه دليل على أن ما فسر في النوم فهو تفسير في اليقظة؛ لأن الشارع لم يزد في تفسيرها على ما فسرها الملك، وفيه دليل على أن أصل التعبير من قبل الأنبياء، ولذلك كانوا يتمنون أن يروا رؤيا يفسرها الشارع؛ لتكون

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

ص: 225

عندهم أصلاً، وهو مذهب الأشعري: أن أصل التعبير بالتوقيف من قبل الأنبياء، وعلى ألسنتهم وهو كما قال، لكن المحفوظ عن الأنبياء وإن كان أصلاً فلا يعم أشخاص الرؤيا فلابد (للبارع)

(1)

في هذا العلم أن يستدل بحسن نظره، فيرد مالم ينص عليه إلى حكم التمثيل، ويحكم له بحكم التشبيه الصحيح، فيجعل أصلاً يقاس عليه، كما يفعل في فروع الفقه، وفيه أيضًا جواز المبيت للعزب في المسجد، كما ترجم عليه في أحكام المساجد وجواز النيابة في الرؤيا، وقبول خبر الواحد العدل.

(1)

ورد في هامش الأصل: لعله: للعابر.

ص: 226

‌37 - [باب القَدَحِ فِي النَّوْمِ]

(1)

7032 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» . قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ» . [انظر: 82 - مسلم: 2391 - فتح 12/ 420]

(1)

قلت: لم يذكر المؤلف هذا الباب.

ص: 227

‌38 - باب إِذَا طَارَ الشَّيْءُ فِي المَنَامِ

7033 -

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم التِي ذَكَرَ. [انظر: 3620 - مسلم: 2273 - فتح 12/ 420]

7034 -

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ» . فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزٌ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ. [انظر: 3621 - مسلم: 2274 - فتح 12/ 420]

ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ إسِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُمَا .. " الحديث

بطوله.

وقد سلف مطولاً في قصة العنسي الكذاب في آخر المغازي

(1)

، وفي علامات النبوة

(2)

.

وابن نشيط في إسناده هو عبد الله بن عبيدة بن نشيط، أخو موسى بن عبيدة، يقال: بينهما في الولادة ثمانون سنة، وعبد الله هو الأكبر، قتله الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة. ويقال فيهما: الربذي القرشي العامري مولاهم، وينسبون إلى اليمن أيضًا.

وقوله: (ففُظِعتهما) هو بكسر الظاء.

(1)

برقم (4378).

(2)

برقم (3620).

ص: 228

قال ابن التين: وكذا رويناه، يقال: فظع الأمر فظاعة، وأفظع اشتد. وفظعت بالأمر وأفظعني: اشتد عليّ. قال الداودي: وفيه دليل أن كل ما يراه الإنسان من حلية النساء شغل، وزواله زوال ذلك الشغل.

وقوله: "أسواران" كذا وقع هنا بالألف، وفيما سلف، ويأتي بدونها، وهو الأكثر عند أهل اللغة، كما قاله ابن بطال

(1)

. وقال ابن التين في باب: النفخ: قوله: "فوضع في يدي سوارين". كذا عند الشيخ أبي الحسن، وعند غيره:"إسواران" وهو الصواب، وقد وقع في الشعر:

ولو وَلَدَتْ قُفَيْرَةُ جروَ كلبٍ .... لَسُبَّ بذلك الجَرْوِ الكلابا

والكلاب: منصوب بـ (ولدت جرو كلب) نصب تأكيد، والتقدير: ولو ولدت قفيرة الكلاب ما جرو كلب .. إلى آخره.

وقيل: (الشبه السب)

(2)

.

قلت: والذي في الأصول "سواران" بحذف الألف هناك كما ستعلمه، وإن كان ابن بطال ذكره بإثباتها

(3)

.

قال أبو عبيدة: سِوار المرأة وسُوارها، يعني: بالضم والكسر.

قال أبو علي الفارسي: وحكي قطرب إسوار، وذكر أن أساور جمع إسوار على حذف الياء؛ لأن جمع إسوار: أساوير.

فصل:

قال المهلب: وهذِه الرؤيا ليست على وجهها، وإنما هي على ضرب المثل، وإنما أولها بالكذابَيْن؛ لأن الكذب إنما هو الإخبار عن

(1)

"شرح ابن بطال" 9/ 549.

(2)

كذا صورتها في الأصل غير منقوطة، ولعل المثبت قريب إلى المراد.

(3)

"شرح ابن بطال" 9/ 549.

ص: 229

الشيء بخلاف ما هو به ووضعه في غير موضعه، فلما رآهما في ذراعيه وليسا موضعًا للسوارين؛ لأنهما ليسا من حلية الرجال علم أنه سيقبض على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: على أوامره ونواهيه- من يدعي ما ليس له كما وضعا، حيث ليس لهما. وكونهما من ذهب والذهب منهي عنه في اليدين دليلٌ على الكذب من وجوه: وضع الشيء في غير موضعه كما سلف، وكون الذهب مستعملاً في الرجال وهو منهي عنه، ومنه يشتق الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه ولا يبقى، ثم وكد له الأمر فأذن له في نفخهما فطارا عبارة أنهما لا يثبت لهما أمر، وأن كلامه عليه السلام بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما الذي قاما فيه، والنفخ دليل على الكلام وعلى إزالة الشيء المنفوخ فيه، وإذهابه بغير كلفة شديدة؛ لسهولة النفخ على النافخ، وكذلك كان أذهب الله ذينك الكذابين بكلامه.

وقال الكرماني: من رأى أنه يطير بين السماء والأرض أو من مكان إلى مكان، فإن كانت رؤياه أضغاث فإنه كثير التمني والفكر والاغترار بالأماني، وإن كانت صحيحة وكان يطير في عرض السماء فإنه يسافر سفرًا بعيدًا وينال رفعة بقدر ما استعلي من الأرض في طيرانه، فإن طار إلى السماء مستويًا لا ينعوج ناله ضرر، فإن وصل إلى السماء فبلغ الغاية فإن غاب فيها ولم يرجع مات، وإن رجع إلى الأرض أفاق. وقال ابن أبي طالب العابر: وإن كان ذلك بجناح فقد يكون جناحه مالاً ينهض به أو سلطانًا يسافر تحت كنفه، وإن كان بغير جناح دل على التعزيز فيما يدخل فيه

(1)

.

(1)

انتهى بتمامه من "شرح ابن بطال" 9/ 548 - 549.

ص: 230

‌39 - باب إِذَا رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ

7035 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -أُرَاهُ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرٌ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا -وَاللهُ خَيْرٌ- فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الذِي أَتَانَا اللهُ بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ» . [انظر: 3622 - مسلم: 2272 - فتح 12/ 421]

ذكر فيه حديث أبِي مُوسَى رضي الله عنه -أُرَاهُ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ في المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إلى أَرْضٍ بِهَا نَخْل، فَذَهَبَ وَهَلِي إلى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرٌ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا -والله خَيْرٌ- فَإِذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أحُدٍ، وَإِذَا الخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ مِنَ الخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الذِي آتَانَا اللهُ بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ".

الشرح:

هذا الحديث سلف في غزوة أحد مختصرًا والسند واحد

(1)

. و (وهلي) يعني: وهمي عن صاحب "العين"

(2)

وعليه اقتصر ابن بطال

(3)

، وقال ابن التين: هو بسكون الهاء. تقول: وهَلت بالفتح أهل وهلا: إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره، مثل: وهمت، ووهِل في بالكسر وعن الشيء يوهل وهلا بالتحريك: إذا فزع. كذا ذكر أهل اللغة: ورويناه هنا وهلي بالتحريك. ولعله يجوز على معنى مثاله مثل البحْر والبحَر والنهْر والنهَر والشعْر والشعَر.

(1)

برقم (4081).

(2)

"العين" 4/ 88.

(3)

"شرح ابن بطال" 9/ 550.

ص: 231

و (اليمامة) - (بفتح الياء)

(1)

- بلاد كان اسمها الجو فسميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام. قال: أبصر من زرقاء اليَمامة. و (هجر) اسم بلد مذكر مصروف. وفي المثل: كبضع تمر إلى هجر. والنسبة إليها هاجري على غير قياس. قال الجوهري: أسماء البلدان الغالب عليها التأنيث. وترك الصرف إلا منًى والشام والعراق وواسط ودابق وفلج وهجر فإنها تذكر وتصرف، ويجوز أن يريد به البلدة فلا يصرف

(2)

. و (يثرب) هى المدينة شرفها الله تعالى، وسميت في القرآن يثرب على وجه الإخبار على تسمية المشركين لها يثرب قبل أن يسميها الله دار الإيمان.

وفي "الموطأ": يقولون: يثرب قيل: كره أن يسميها يثرب

(3)

، وإنما ذلك على وجه العيب لمقابله. وقيل: من قال: يثرب وهو عالم كتبت عليه خطيئة. وقال ابن عزير: يثرب أرض والمدينة في ناحية منها. والذي في "الصحاح" وغيرها ما قدمناه أنها المدينة والنسبة إليها يثرَبي -بفتح الراء- فتحت استحسانًا؛ لتوالي الكسرات، قاله الجوهري

(4)

.

فصل:

قال المهلب: هذِه الرؤيا فيها نوعان من التأويل: فيها الرؤيا على حسب ما رئيت، وهو قوله:("أهاجر إلى أرض بها نخل") وكذلك هاجر، فخرج على ما رأى، وفيها ضرب المثل؛ لأنه رأى بقرًا تنحر، فكانت البقر أصحابه، فعبر عليه السلام عن حالة الحرب بالبقر من

(1)

من (ص 1).

(2)

"مختار الصحاح" ص 300.

(3)

"الموطأ" برواية محمد بن الحسن 2/ 628.

(4)

"الصحاح" 1/ 92.

ص: 232

أجل ما لها من السلاح، والقرون شبهت بالرماح، (و)

(1)

لما كان طبع البقر المباطحة، والدفاع عن أنفسها بقرونها كما يفعل رجال الحرب. وشبه عليه السلام النحر بالقتل.

فصل:

وقوله: "والله خير". يعني ما عند الله من ثواب القتل في سبيل الله خير للمقتول من الدنيا، وقيل: معنى: و"الله خير" أن صنعه لهم خير لهم؛ وهو قتلهم يوم أحد، وقد يدل البقر على أهل البادية بعمارتهم الأرض وعيشهم من نباتها، وقد يدل الثور على الثائر؛ لأنه يثير الأرض عن حالها، فكذلك الثائر أيضًا يثير الناحية التي يقوم فيها ويحرك أهلها، ويقلب أسفلها أعلاها.

قال ابن أبي طالب العابر: والبقر إذا دخلت المدينة فإن كانت سمانًا فهي (سنين)

(2)

رخاء، وإن كانت عجافًا كانت شدادًا، فإن كانت المدينة مدينة بحر وإبَّانَ سفر قدمت سفن على عددها وحالها، وإلا كانت فتن مترادفة كأنها وجوه البقر، كما في الخبر:"يشبه بعضها بعضًا".

وفي خبر آخر في الفتن: "كأنها صياصي البقر"

(3)

يريد لتشابهها إلا أن تكون صفرًا كلها فإنها أمراض تدخل على الناس، وإن كانت مختلفة الألوان شنيعة القرون وكانت الناس ينفرون منها أو كان النار والدخان يخرج من أفواهها، فإنه عسكر، أو إغارة، أو عدو يضرب

(1)

كذا في الأصل، ولعلها زائدة.

(2)

جاءت (سنين) هنا بالياء والنون وهي لغة تلزم هذا الباب الياء ويجعل الإعراب على النون، فتتقول: هذِه سنين، ورأيت سنينًا، ومررت بسنين.

انظر: "شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك" 1/ 64 - 65.

(3)

رواه أحمد 5/ 33، 35.

ص: 233

عليهم وينزل بساحتهم، وقد تدل البقرة على الزوجة والخادم والأرض والغلة والسنة؛ لما يكون فيها من الولد والغلة والنبات.

ص: 234

‌40 - باب النَّفْخِ فِي المَنَامِ

7036 -

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ» . [انظر: 238 - مسلم: 855 - فتح 12/ 423]

7037 -

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِيتُ خَزَائِنَ الأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ اليَمَامَةِ» . [انظر: 3621 - مسلم:2274 - فتح 12/ 423]

ذكر فيه حديث هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هذا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ".

وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائم إِذْ أوتيتُ خَزَائِنَ الأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبِ، فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا".

الحديث كما سلفَ قريبًا، والنفخ في المنام: إزالة الشيء المنفوخ فيه، وإذهاب له بغير تكلف شديد؛ لسهولة النفخ على النافخ، والنفخ دليل على الكلام وكذلك، أهلك هذين الكذابين: صاحب صنعاء وصاحب اليمامة بكلامه، وأمر بقتلهما كما سلف في باب: إذا طار الشيء في المنام.

فصل:

وأما قول همام: (هذا ما حدثنا به أبو هريرة)، وذكر الحديث، ثم حديث الباب فسره أن همامًا روى عن (أبي هريرة)

(1)

صحيفة تعرف

(1)

في الأصل: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمثبت من (ص 1) وهو الموافق للسياق.

ص: 235

بصحيفة همام، وفي أولها الحديث الأول فأراد أن يذكر ذلك على الرتبة التي رواها عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد تكرر مثل ذلك في مواضع منها: باب لا يبول في الماء (الراكد)

(1)

من كتاب الوضوء، ومسلم رحمه الله نبه على ذلك، فيقول (عن همام)

(2)

: هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضي الله عنه فذكر أحاديث منها ثم يذكر ما يريد منها.

فصل:

قوله: "فوضع في يدي سواران من ذهب".

الحديث قد سلف الكلام عليه.

وقوله: "فكَبُرَا" أي: عَظُمَا. هو بضم الباء، وقوله:"وأهمَّاني". أي: أقلقاني وأحزناني.

(1)

في (ص 1): الدائم.

(2)

من (ص 1).

ص: 236

‌41 - باب إِذَا رَأَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ كُورَةٍ فَأَسْكَنَهُ مَوْضِعًا آخَرَ

7038 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رَأَيْتُ كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ -وَهْيَ: الْجُحْفَةُ- فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا» . [7039، 7040 - فتح 12/ 425]

ثم ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَأَيْتُ كَأَنَّ امْرَة سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ -وَهْيَ: الجُحْفَةُ- فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ المَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا".

ثم ترجم عليه:

ص: 237

‌42 - باب المَرْأَةِ السَّوْدَاءِ

7039 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَةِ:«رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى نَزَلَتْ بِمَهْيَعَةَ، فَتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ» . وَهْيَ الجُحْفَةُ. [انظر: 7038 - فتح 12/ 426]

و:

ص: 238

‌43 - باب المَرْأَةِ الثَّائِرَةِ الرَّأْسِ

7040 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِر، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ المَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ» . وَهْيَ الْجُحْفَةُ. [انظر: 7038 - فتح 12/ 426]

وهذِه الرؤيا ليست على وجهها كما قاله المهلب. وهي مما ضرب بها المثل، فبعض المعبرين يجعل وجه التمثيل في ذلك أن يشتق من اسمها السوء والداء؛ لأن (اسمها)

(1)

يجمع ذلك، فتأول الشارع خروجها مشخصة ما جمع اسمها، وقد اختلف في معنى إسكانها الجحفة فقيل: لعدوان أهلها وأذاهم الناس، وقيل: لأن الجحفة قليلة البشر، فرأى أن يعافى منها الكثير مع بلية القليل، وقد أسلفنا أن أهلها كانوا يهودًا، وهي مهيعة -بفتح الميم وإسكان الهاء، ومنهم من كسرها- غير مصروف.

وظاهرُ إيراد الجوهري صرفه؛ لأنه نكّره وأدخل عليه الألف واللام

(2)

، إلا أن يكون أدخلها للتعظيم، وفيه بعد.

والثائر الرأس: هو الشعر الأشعث، وتأول ثوران رأسها أنها لما كانت الحمي مثيرة للبدن بالاقشعرار وارتفاع الشعر عبر عن حالها في النوم بارتفاع شعر رأسها فكأنه قيل له: الداء الذي يسوء ويثير الشعر يخرج من المدينة. وقيل: إن معنى الاقشعرار: الاستيحاش، فكذلك هذا الداء تستوحش النفوس منه. وقال ابن أبي طالب العابر: أي

(1)

من (ص 1).

(2)

"الصحاح" 3/ 1309 (هيع).

ص: 239

شيء حلت عليه السوداء في أكثر وجوهها فهو مكروه، فربما دلت على الدنيا الحرام والزوجة الحرام، فمن وطئها في المنام دخل فيما لا يليق به، وإما طعامًا حرامًا يأكله، أو شرابًا يشربه (أو ثوبًا)

(1)

على ذلك النعت يلبسه أو دارًا مغصوبة يسكن فيها.

فصل:

قال صاحب"العين": الكور: الرحل -يعني: بضم الكاف وسكون الواو- والجمع: أكوار وكيران

(2)

. وضبط الدمياطي: كُورَة بضم الكاف وفتح الراء وتنوين التاء

(1)

من (ص 1).

(2)

"العين" 5/ 400 - 401

ص: 240

‌44 - باب إِذَا هَزَّ سَيْفًا فِي المَنَامِ

7041 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاء، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ، بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -أُرَاهُ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«رَأَيْتُ فِي رُؤْيَا أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ المُؤْمِنِينَ» . [انظر: 3622 - مسلم: 2272 - فتح 12/ 426]

ذكر فيه حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه -أُرَاهُ- عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:

"رَأَيْتُ فِي رؤياي أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا .. ". الحديث سلف في غزوة أحد، والسند واحد بزيادة رؤيا البقر

(1)

، وهذِه الرؤيا -كما قال المهلب- على ضرب المثل وغير الوجه المرئي، والسيف ليس هو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنهم لما كانوا ممن يصول (بهم)

(2)

رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما يصول بالسيف ويغنون عنه غنى السيف عبر عنهم بالسيف، وللسيف وجوه: فمن تقلده في المنام فإنه ينال سلطانًا أو ولاية أو إمامة، أو وديعة يعطاها، أو زوجة ينكحها إن كان عزبًا، أو تلد زوجته غلامًا إن كانت حاملاً، فإن سلَّه من غمده، أو تكسر الغمد وسلم السيف فإن امرأته تموت وينجو ولده، فإن تكسر السيف وسلم الغمد هلك الولد وسلمت الأم، وربما يكون السيف أباه أو عمه أو أخاه يموت، فإن انكسرت النصلة ماتت أمه أو خالته أو نظيرهما. والقائم أبدا (في)

(3)

الآباء والنصلة في الأمهات، فإن رآه بيده وتهيأ

(1)

برقم (4081).

(2)

من (ص 1).

(3)

من (ص 1).

ص: 241

ليلقي به عدوًّا، أو يضرب به شخصًا فسيفه لسانه يجرده في خصومة أو منازعة، فإن لم تكن له نية، وكان بذلك في مسجد، أو كان الناس يتوضئون من عنده، أو رأى شيبًا في لحيته، فإنه يقوم مقامًا بحجة، ويبدي لسانه بالنصيحة والعلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وربما يكون السيف سلطانًا جائرًا.

ص: 242

‌45 - باب مَنْ كَذَبَ فِي حُلُمِهِ

7042 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ -أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ- صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبِ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ» . قَالَ سُفْيَانُ وَصَلَهُ لَنَا أَيُّوبُ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: مَنْ كَذَبَ فِي رُؤْيَاهُ. وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: مَنْ صَوَّر، وَمَنْ تَحَلَّمَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ. حَدَّثَنِا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَنِ اسْتَمَعَ، وَمَنْ تَحَلَّمَ، وَمَنْ صَوَّرَ. نَحْوَهُ. تَابَعَهُ هِشَامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ. [انظر: 2225 - مسلم: 2110 - فتح 12/ 427]

7043 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ -مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ- عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ» . [فتح 12/ 427]

ذكر فيه حديث سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، (عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم (قالَ)

(1)

: "مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمِ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنْ اسْتَمَعَ إلى حَدَيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ -أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ- صُبَّ فِي أذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبِ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ". قَالَ سُفْيَانُ: وَصَلَهُ لَنَا أَيُّوبُ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: ثنا أَبُوعَوَانَةَ، عَنْ قَتَادةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: مَنْ كَذَبَ فِي رُؤْيَاهُ. وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ

(1)

في (ص 1) مرفوعًا.

ص: 243

أَبِي هَاشِمٍ الرُّمَّانِيِّ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: "مَنْ صَوَّرَ صورة، وَمَنْ تَحَلَّمَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ". حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، ثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَنِ اسْتَمَعَ، وَمَنْ تَحَلَّمَ، وَمَنْ صَوَّرَ. نَحْوَهُ. تَابَعَهُ هِشَامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَوْلَهُ.

ثم ساق عن ابن عمر ضي الله عنهما أنه عليه السلام قال: "مِنْ أَفْرى الفِرى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ".

الشرح:

قوله: (قال سفيان: وصله لنا أيوب) سفيان هو ابن عيينة، وقد وصله أيوب أيضًا لعبد الوهاب الثقفي عند الترمذي وصححه

(1)

، ولعبد الوارث عند ابن ماجه

(2)

. وإسحاق هو ابن شاهين، قاله البرقاني فيما وجده في كتاب الإسماعيلي، وأخرج النسائي التصوير من حديث عمرو بن علي (عن عفان)

(3)

، عن همام، عن قتادة، عن عكرمة به مرفوعًا

(4)

.

وتعليق أبي هاشم أخرجه الإسماعيلي من حديث وهيب، عن خالد في "صحيحه" من حديث شعبة، عن أبي هاشم، عن عكرمة. وحديث خالد الموقوف أخرجه الإسماعيلي من حديث وهيب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صور صورة .. " الحديث، ومن حديث عبد الوهاب، ثنا خالد عن عكرمة فذكره مرفوعًا، وأبو هاشم اسمه: يحيى بن دينار، وهو

(1)

الترمذي (2283).

(2)

ابن ماجه (3916).

(3)

من (ص 1).

(4)

"المجتبي" 8/ 215، "السنن الكبرى" 5/ 502 (9784).

ص: 244

واسطي أيضًا، كان ينزل قصر الرمان فنسب إليه، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة.

(فصل)

(1)

:

الآنُك -بضم النون-: الرصاص الأبيض أو الأسود أو الخالص منه، ولم يجيء على أفعُل واحد غير هذا، فأما آشُد فمختلف فيه هل هو واحد أو جمع، وقيل: يحتمل أن يكون الآنك فاعلاً وهو أيضًا شاذ

(2)

. وجزم ابن بطال: بأنه الرصاص المذاب. زاد بعض شيوخنا أنه بالمد، وعبارة "الصحاح": الآنك الأشرب، وأفعل من أبنية الجمع، ولم يجيء عليه واحد إلا آنُك وآشد

(3)

.

وقال ابن عزير: أشد جمع شد مثل فلس وأفلس، قال: ويقال: هو اسم واحد لا جمع له، مثل آنك وهو الرصاص والأشرب. وحكى ابن فارس عن معن أنه سمع أعرابيا يقول: هذا رصاص آنُك. أي: خالص، قال: ولم نجد في كلام العرب أفعُل غير هذا الحرف. وحكى الخليل أنه لم يجد أفعُل إلا جمع غير آشد

(4)

. وقال الداودي: الآنك القزدير.

فصل:

وقوله: ("من أفرى الفرى") -هو بكسر الفاء- مقصور، وهو الكذب، يعني: أكذب الكذب، والفرية: الكذبة العظيمة التي يتعجب منها وجمعها: مقصور مثل لحية ولحى.

(1)

ورد بهامش الأصل: في أصله: الشرح، ولعله ما كتبته أنا وهو: فصل.

(2)

"شرح ابن بطال" 9/ 556.

(3)

"الصحاح" 4/ 1573.

(4)

"مجمل اللغة" 1/ 105، وفيه:(القاسم بن معن).

ص: 245

فصل:

إن قلت: ما وجه خصوصية الكاذب في رؤياه بما خصه به من تكليف العقد بين طرفي شعيرتين يوم القيامة؟ وهل الكاذب في الرؤيا إلا كالكاذب في اليقظة؟ وقد يكون الكذب في اليقظة أعظم في الجرم إذا كان شهادة توجب على المشهود عليه بها حدًّا، أو قتلاً أو مالاً يؤخذ منه وليس ذلك في كذبه في منامه؛ لأن ضرر ذلك عليه في منامه وحده دون غيره.

قيل له: اختلفت حالاهما في كذبهما؛ فكان الكاذب على عينيه في منامه أحق بأعظم النكالين؛ وذلك لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن "الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" على ما سلف، لا يكون إلا وحيًا من الله، فكان معلومًا بذلك أن الكاذب في نومه كاذب على الله أنه أراه ما لم ير. والكاذب على الله أعظم فرية، وأولى بعظيم العقوبة (من الكاذب)

(1)

على نفسه بما أتلف به حقًّا لغيره أو أوجبه عليه، وبذلك نطق محكم التنزيل فقال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى على اللهِ كَذِبًا} الآية [الأنعام: 21] فأبان ذلك أن الكذب في الرؤيا ليس كاليقظة؛ لأن أحدهما كذب على الله والاخر كذب على المخلوقين. فإن قلت: فما الحكمة في ذكر الشعير دون غيره من أنواع الحبوب؟ قلت: سره لما كان المنام من الشعور وكذب فيه فناسب فيه ذكر الشعير دون غيره إعلامًا له من لفظه.

فصل:

وفيه -كما قال المهلب-: حجة للأشعرية في تجويزهم تكليف

(1)

من (ص 1).

ص: 246

ما لا يطاق، وفي التنزيل ما (يزيده)

(1)

بيانا، وهو قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] ولله أن يفعل في عباده ما شاء، لا يسأل عنه، ومنع من ذلك الفقهاء والمعتزلة احتجاجًا بقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] قالوا: والآية والحديث وما أشبهه من أحكام الآخرة، وليست دار تكليف، وإنما هي دار مجازاة؛ فلا حجة لهم فيه؛ لأن الله قد أخبر في كتابه أنه لا يكلف نفسًا من العبادات في الدنيا إلا وسعها، ولو كلفهم ما لا يقدرون عليه في الدنيا لكان في ذلك كون خبر الصادق على خلاف ما أخبر به، ولا يجوز النسخ في الأخبار ولا وقوعها على خلاف إخبار الله فلا تضادَّ إذًا.

فصل:

وأما الاستماع إلى حديث من لا يريد استماعه فهو حرام عملاً بالحديث، وإن كان لا ضرر عليهم في استماعه إليهم، وله فيه نفع عظيم دينًا أو دنيا فلا، وإن كره ذلك المتحدثون لكن المستمع لا يعلم هل له فيه نفع إلا بعد استماعه إليه، وبعد دخوله فيما كره له الشارع فغير جائز له ذلك لنهيه عليه السلام نهيًا عامًّا. أما من لا يعلم: هل يكرهون ذلك؟ فالصواب -كما قال ابن جرير- المنع إلا بإذنهم له في ذلك للخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدخول بين المتناجيين في كراهية ذلك إلا بإذنهم.

فصل:

والتصوير سلف في الزينة أنه حرام فيما له صورة، وأرخص ابن

(1)

في (ص 1): يؤيده.

ص: 247

عباس في تصوير الشجر ونحوها، ومنهم من جعل خبر النمرقة السالف

(1)

ناسخًا لحديث النهي؛ لأجل أنهم كانوا حديثي عهد بعبادة الصور، ثم أبيح الرقم للحاجة إلى اتخاذ الثياب، ولا يؤمن على الجاهل تعظيم ما يوطأ ويمتهن. وقال ابن الجلاب: لا بأس بذلك في الثياب والبسط. وفي "المعونة": لا يجوز اتخاذ التماثيل في بناء أو لباس أو فراش إلا أن يكون رقمًا في مداس

(2)

.

(1)

برقم (2105) ومواضع أخر.

(2)

"المعونة" 2/ 589.

ص: 248

‌46 - باب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلَا يُخْبِرْ بِهَا وَلَا يَذْكُرْهَا

7044 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ» . [انظر: 3292 - مسلم: 2261 - فتح 12/ 430]

7045 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ» [فتح 12/ 430]

ذكر فيه حديث أبي قتادة السالف في باب: الرؤيا من الله

(1)

.

وكذا حديث يزيد وهو ابن عبد الله بن أسامة بن الهادي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيد رضي الله عنه أيضًا.

وقوله: ("فليتفِل") -هو بكسر الفاء- وحكى الجوهري الضم أيضًا، وقال: التفل يشبه البزاق، وهو أقل منه، أوله البزاق، ثم التفل، ثم النفث، ثم النفخ

(2)

، وقال بعضهم: هذا بما يغلط فيه، فيجعلونه بالثاء ويضمون الفعل المستقبل منه، والصواب بالتاء والكسر

(1)

برقم (6984).

(2)

"الصحاح" 4/ 1644.

ص: 249

في المستقبل لا غير. والنفث كالتفل إلا أن النفث نفخ لا بصاق معه، والتفل معه شيء من الريق.

وقد سلف في حديث أبي قتادة أن التفل ثلاثًا عن شماله، والأحاديث وردت مرة بالبصاق، ومرة بالتفل، ومرة بالنفث، والمعنى متقارب كما سلف، ووجه نفثه إخساء الشيطان كما يتفل الإنسان عند الشيء القذر يراه أو يذكره، ولا شيء أقذر من الشيطان، فأمره بالتفل عند ذكره، وكونه ثلاثًا مبالغة في إخسائه وكونه عن الشمال؛ لأن الشرور كلها تأتي عند العرب من جهته، ولذلك سميت الشؤمى، ولذلك كانوا يتشاءمون بما جاء من قبلها من طائر ووحش أَخذ إلى ناحية اليمين، فسمى ذلك بعضهم بارحًا، وكانوا يتطيرون منه، وسماه بعضهم سانحًا وأنه ليس فيه كثير اعتمال من بطش وأخذ وإعطاء وأكل وشرب، وأصل طريق الشيطان إلى ابن آدم؛ لرعائه إلى ما يكرهه الله من قبلها.

فصل:

وإنما أمر الشارع إذا رأى ما يحب أن لا يحدث بها إلا من يحب؛ لأن المحب لا يعبرها إلا بخير، والعبارة لأول عابر، ولأنه لا يسوؤه ما يسر به صديقه، بل هو مسرور بما يسره وغير حريص أن يتأول الرؤيا الحسنة شر التأويل، ولو أخبر بها من لا يحبه لم يأمن أن يأولها شر التأويل، فربما وافق ذلك وجهًا من الحق في تأويلها فتحرج كذلك؛ لقوله عليه السلام:"الرؤيا لأول عابر"

(1)

.

(1)

رواه ابن ماجه (3915) عن أنس بن مالك، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(849).

ص: 250

فصل:

وأما إذا رأى ما يكره فقد أمره الشارع بمداواة ما يخاف من ضرها وتلافيه بالتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، ويتفل عن شماله ثلاثًا، ولا يحدث بها أحدًا فإنها لن تضره.

قال الداودي: يريد ما كان من الشيطان، وأما ما كان من الله من خير أو شر (فهو)

(1)

واقع لا محالة كرؤيا الشارع في البقر والسيف.

قال: وقوله: ("ولا يَذْكُرْها لأحد") يدل أنها إن ذكرت فربما أضرت، وإن كانت من الشيطان كما أن ما ستر له من القول السيَّئ يضره، وكذلك ما يريه في المنام في الذي يوسوس به في اليقظة، فمن عصاه ولم يذكر رؤياه واستعاذ بالله من شره وذكر الله لم يضره ما يكون منه، وقد قال (أبو)

(2)

عبد الملك: إن معنى الحلم الذي من الشيطان: هواه، ومراده لا أنه يفعل شيئًا، وأمره بالتعوذ والتفل؛ لأن هذا الفعل يرفع الوهم عنه وللوهم تأثير.

فإن قلت: قد سلف من أقسام الرؤيا أنها قد تكون منذرة ومنبهة للمرء على استعدادِ البلاءِ قبل وقوعه رفقًا من الله بعباده لئلا يقع على غرة فيقتل، فإذا وقع على مقدمة وتوطين كان أقوى للنفس وأبعد لها من أذى البغتة، وقد سلف في علم الله إذا كانت الرؤيا الصحيحة من قبل الله (محزنة)

(3)

أن تضر من رآها، فما وجه كتمانها؟

أجاب المهلب: أنه إذا أخبر بالرؤيا المكروهة فيسوء حاله ولم يأمن

(1)

ورد في (ص 1): فيهما.

(2)

في (ص 1): ابن.

(3)

في (ص 1): مخزية.

ص: 251

أن تفسر له بالمكروه فيستعجل الهم ويتعذب (له)

(1)

، ويترقب وقوع المكروه فيسوء حاله، ويغلب عليه اليأس من الخلاص من شرها، ويجعل ذلك نصب عينيه، وقد كان داواه الشارع من هذا البلاء الذي عجله لنفسه بما أمره به من كتمانها والتعوذ بالله من شرها، وإذا لم تفسر له بالمكروه بقي بين الطمع والرجاء المجبولة عليه النفس أنها لا تجزع إما لأنها من قبل الشيطان، أو لأن لها تأويلاً آخر على المحبوب، فأراد عليه السلام أن لا تتعذب أمته بانتظارهم خروجها بالمكروه كأن الرؤيا قد يبطؤ خروجها، وعلى أن أكثر ما يراه الإنسان مما يكرهه فهو من قبل الشيطان، فلو أخبر بذلك كله لم ينفك دهره دائمًا من الاهتمام بما لا يؤذيه أكثره، وهذِه حكمة بالغة، واحتياط على المؤمنين، فجزاه الله عنا من نبي خيرًا.

(1)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" 9/ 558: بها.

ص: 252

‌47 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ

7046 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَاللهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اعْبُرْ» . قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلَامُ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطِفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلَاوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ، فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ -بِأَبِي أَنْتَ- أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» . قَالَ: فَوَاللهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِى أَخْطَأْتُ.

قَالَ: «لَا تُقْسِمْ» . [انظر: 7000 - مسلم: 2269 - فتح 12/ 431]

ذكر فيه حديث ابن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنَامِ ظُلَّة تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ .. الحديث بطوله، وفي آخره: فقَالَ صلى الله عليه وسلم للصديق: "أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا". قَالَ: فَوَاللهِ يا رسول الله لَتُحَدّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَاتُ. قَالَ: "لَا تُقْسِمْ".

وقد ذكر منه قطعة في باب: رؤيا الليل من الوجه الذي ذكره هنا سواء

(1)

، والظلة: السحابة وكل ما أظلك من فوقك من سقيفة

(1)

سلف برقم (7000).

ص: 253

ونحوها ظلة، (قاله الخطابي)

(1)

، وقال ابن فارس: الظلة أول سحابة تظل

(2)

، وكذا هو في "الصحاح"

(3)

، وبه جزم ابن بطال حيث قال: الظلة سحابة لها ظل.

و (تنطف): تمطر

(4)

. قال ابن فارس: ليلة نطوف: تمطر حتى الصباح

(5)

.

و (يتكففون): يأخذون منه بأكفهم. قال صاحب "العين": تكفف واستكف إذا بسط كفه؛ ليأخذه

(6)

.

و (السبب): الحبل والعهد والميثاق قال تعالى: {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ} [آل عمران: 112] أي: بعهد وميثاق.

قال المهلب: وإنما عبر بالظلة عن الإسلام؛ لأن الظلة نعمة من نعم الله على أهل الجنة، وكذلك كانت على بني إسرائيل، وكذلك كانت تظله (عليه السلام)

(7)

أينما مشى قبل نبوته

(8)

، فكذلك الإسلام يقي الأذى،

(1)

من (ص 1).

قلت: انظر: "أعلام الحديث"4/ 2326.

(2)

"المجمل" 2/ 599.

(3)

"الصحاح" 5/ 1756.

(4)

"شرح ابن بطال" 9/ 562.

(5)

"المجمل" 4/ 872.

(6)

انظر: "العين" 5/ 283.

(7)

من (ص 1).

(8)

حدث هذا في سفره مع عمه أبي طالب إلى الشام في خبر بحيرى الراهب كما في الترمذي (3620) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والحاكم 2/ 615 - 617 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وقال الذهبي: أظنه موضوعًا فبعضه باطل.

والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 24 - 27 جميعًا من حديث أبي موسى الأشعري.

ص: 254

وينعم المؤمن دنيا وأخرى، وأما العسل فإن الله جعله شفاء للناس، وقال في القرآن:{وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: 57] وهو أبدًا حلو على الأسماع كحلاوة العسل على المذاق، وكذلك جاء في الحديث: إن في (السمن)

(1)

شفاء من كل داء

(2)

. والرجل الذي يأخذ الحبل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق، يقوم بالحق في أمته بعده، ثم يقوم بالحق بعده عمر، ثم عثمان وهو الذي انقطع له.

فصل:

اختلف فيما أخطأ؛ فقال المهلب في قوله: (ثم وصل له) حيث زاد (له)، والوصل لغيره، وكان ينبغي له أن يقف حيث وقفت الرؤيا ويقول: ثم يوصل على نص الرؤيا ولا يذكر الموصول له، ومعنى كتمانه موضع الخطأ لئلا يحزن الناس بالعارض لعثمان، فهو الرابع الذي انقطع له ثم وصل، أي: وصلت الخلافة لغيره، وأقره عليه ابن بطال

(3)

(وغيره)

(4)

، وقال ابن أبي زيد والأصيلي والداودي: الخطأ هو سؤاله أن يعبرها.

وقال بعضهم: أخطأ في ابتدائه بالتعبير بحضرة الشارع، وبه جزم الإسماعيلي، وكان عليه السلام أحق بالتعبير منه، وقيل أخطأ؛ لأن المذكور في الرؤيا شيئان: العسل والسمن، وهما القرآن، والسنة تبين القرآن، حكي عن الطحاوي وتبويب البخاري أشبه بظاهر الحديث حيث قال:"أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا". أي: بعض تأويلها.

(1)

كذا في الأصل: ولعل الصحيح: (العسل) كما في "المصنف" و"سنن البيهقي".

(2)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 6/ 127 (30011)، والبيهقي في "السنن" 9/ 345 عن عبد الله بن مسعود وقال: هذا هو الصحيح موقوف.

(3)

"شرح ابن بطال" 9/ 560.

(4)

من (ص 1).

ص: 255

فصل:

وما ترجم به هو تفسير للحديث الذي رواه أبو معاوية عن الأعمش، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه -أنه عليه السلام قال:"الرؤيا لأول عابر"

(1)

. قال أبو عبيد وغيره من العلماء: إذا أصاب الأول وجه العبارة وإلا فهي لمن أصابها بعده، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب فيما يرى النائم؛ ليتوصل بذلك إلى مراد الله بما ضربه من الأمثال في المنام فإذا اجتهد العابر وأصاب الصواب في معرفة المراد بما ضربه الله في المنام فلا تفسير إلا تفسيره، ولا ينبغي أن يسأل عنها غيره إلا أن يكون الأول قد قصر به تأويله، فخالف أصول التأويل، فللعابر الثاني أن يبين ما جهله ويخبر بما عنده كما فعل الشارع بالصديق هنا، ولو كانت الرؤيا لأول عابر سواء أصاب أو أخطأ ما قال له:"وأخطأت بعضًا".

وقال الكرماني: لا تعبر الرؤيا عن وجهها الذي رُئيت له عبارة عابر ولا غيره، وكيف يستطيع مخلوق أن يعبر ما جاءت به نسخته من أم الكتاب، غير أنه يستحب لمن لم يتدرب في علم التأويل ولا اتسع في التعبير ألا يتعرض لما قد سبق إليه مَن لا يشك في أمانته ودينه وليس له من التجربة فوق تجربته.

فصل:

قال ابن قتيبة: لا ينبغي أن يسأل صاحب الرؤيا عن رؤياه إلا عالمًا ناصحًا أمينًا كما جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقصص رؤياك

(1)

رواه ابن ماجه (3915)، من طريق الأعمش، به.

وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(849).

ص: 256

إلا على عالم أو ناصح أو ذي رأي من أهلك، فإنه يقول خيرًا"

(1)

. وليس معنى ذلك أن الرؤيا التي يقول عليها خيرًا كانت دلالة على المكروه والشر، فقد قيل لمالك:(لا يعبر)

(2)

الرؤيا على الخير وهي عنده على الشر؛ لقول من قال: إنها على ما أولت. فقال: معاذ الله، والرؤيا من أجزاء النبوة، فيتلاعب بالنبوة؟!

ولكن الخير الذي يرجى من العالم والناصح هو التأويل بالحق، أو يدعو له بالخير ودفع الشر، فيقول: خيرًا لك وشرًا لعدوك. إذا جهل الرؤيا.

فصل:

وفيه -كما قال المهلب- أن للعالم أن يسكت عن تعبير بعض الرؤيا إذا خشي منها فتنة على الناس أو غمًّا شاملاً، فأما إن كان الغم يخص واحدًا من الناس واستفسر العابر فلا بأس أن يخبر بالعبارة؛ ليعد الصبر، ويكون على أهبته من نزول الحادثة به؛ لئلا تفجأه فتفزعه، وقد فسر الصديق للمرأة التي رأت (جانب)

(3)

بيتها انكسر فقال: يموت زوجك وتلدين غلامًا؛ لما خصها من الحزن، وسألت عن التعبير.

فصل:

وقوله: ("لا تقسم") بعد إقسام أبي بكر. قال (الداودي)

(4)

: أي: لا تكرر يمينك، وفيه دليل أن أمره عليه السلام بإبرار القسم

(5)

خاص وأنه فيما

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

كذا في الأصل، وفي "التمهيد" 1/ 288 (هل يعبر).

(3)

كذا بالأصل وفي (ص 1) جائز.

(4)

وقع في الأصل: الصديق. والمثبت من (ص 1).

(5)

سلف برقم (1239) كتاب: الجنائز، باب: الأمر باتباع الجنائز.

ص: 257

يجوز الاطلاع عليه دون ما لا يجوز، الإبرار منعه العلم فيما اتصل بعلم الغيب الذي لم يجز الاطلاع عليه.

قلت: وكذا إذا كان فيه ضرر على المسلمين فلا يجوز إبراره، وكذا إذا أقسم على ما لا يجوز أن يقسم عليه كشرب الخمر والمعاصي ففرض عليه أن لا يبره.

فصل:

وفيه: أنه لا بأس للتلميذ أن يقسم على أستاذه أن يدعه (يفتي: الرغبة والتدرب)

(1)

.

وفيه: جواز فتوى المفضول بحضرة الفاضل إذا كان مشارًا إليه بالعلم والإمامة.

(1)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" 9/ 562:(يدعه يفتي في المسألة؛ لأن هذا القسم إنما هو بمعنى الرغبة والتدرب).

ص: 258

‌48 - باب تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ

7047 -

حَدَّثَنِي مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو هِشَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟» .

قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: «إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ. وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِى بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللهِ! مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ -قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: فَيَشُقُّ- قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ -قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:- فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ. قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَب مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ -حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:- أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ

ص: 259

يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَا أَحْسَنَ. قَالَ: قَالَا لِي: ارْقَ فِيهَا. قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ.

قَالَ: قَالَا لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ. قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِى كَأَنَّ مَاءَهُ المَحْضُ فِي البَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. قَالَ: قَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ البَيْضَاءِ. قَالَ: قَالا ليَ: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللهُ فِيكُمَا، ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ. قَالَا: أَمَّا الآنَ فَلَا وَأَنْتَ دَاخِلُهُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: قَالَا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ

فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ، وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ

ص: 260

التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ المَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ».

قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَوْلَادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطَرٌ مِنْهُمْ قَبِيحًا فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، تَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ" [انظر: 845 - مسلم: 2257 - فتح 12/ 438]

ذكر فيه حديث أبي رجاء عمران بن ملحان -ويقال: إبراهيم العطاردي- ثنا سمرة بن جندب.

فذكر حديثًا طويلاً، وسلف بعضه في الجنائز وغيره، وترجم عليه في الجنائز: بابٌ فقط

(1)

وقبله: باب: ما قيل في أولاد المشركين.

ومن فوائده: أنه حجة لمن قال: أطفال المشركين في الجنة كأطفال المسلمين، وقد اختلف العلماء فيه وأسلفناه هناك.

ومعنى الترجمة -كما نبه عليه المهلب في سؤاله عن الرؤيا عند صلاة الصبح- أنه أولى من غيره من (الأوقات)

(2)

؛ لحفظ صاحبه لها وقرب عهده بها، وأن النسيان قلما يعرض عليه فيها ولجمام (فهم)

(3)

العابر، وقلة ابتدائه بالفكرة في أخبار معاشه، ومداخلته للناس في

(1)

سلف برقم (1381).

(2)

في (ص 1): الآفات.

(3)

في (ص 1): ذهن.

ص: 261

(شعب)

(1)

دنياهم؛ وليعرف الناس ما يعرض لهم في يومهم ذلك فيستبشرون بالخير، ويحذرون موارد الشر، ويتأهبون لورود الأسباب السماوية عليهم، فربما كانت الرؤيا تحذيرًا عن معصية لا تقع إن حذرت، وربما كانت إنذارًا بما لا بد من وقوعه، فهذِه كلها فوائد، وربما كانت البشرى بالخير سببًا لسامعها إلى الازدياد منه، وقويت فيه نيته، وانشرحت له نفسه، وتسبب إليه.

فصل في غريبه وضبط ألفاظه:

قوله فيه: ("أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني"). أي: أرسلاني. قال الجوهري: بعثته وابتعثته بمعنى أي: أرسلته

(2)

.

ومعنى "يثلغ رأسه": يشدخه. ثلاثي، والمثلغ من الرطب والتمر ما أسقطه المطر، وقيل: الثلغ ضربك الرطب باليابس حتى ينشدخ، وقيل: إنه كسر الشيء الأجوف، يقال: شدخت رأسه فانشدخ.

وقوله: ("يُهوي بالصخرة") هو بضم الياء من يُهوي رباعيًّا من قولهم: أهويت له بالسيف، أي: تناولته.

وقوله: ("فتدهده الحجر") أي: تدحرج، فنزول الشيء تدهدهه من أعلاه إلى أسفل. قال الخطابي: دهدأة الشيء دحرجته، وتدهدأ تدحرج

(3)

.

وفي "الصحاح": دهدهت الحجر فتدهده، أي: دحرجته فتدحرج، قال: وقد تبدل من الهاء ياء، فيقال: تدهدى الحجر وغيره تدهديًا،

(1)

في (ص 1): سعة.

(2)

"الصحاح" 1/ 273.

(3)

"أعلام الحديث" 4/ 2322.

ص: 262

ودهديته أنا

(1)

. وكذلك أتى في "المجمل" في باب الدال مع الهاء

(2)

. قال ابن التين: ورويناه بالهمز، وعند أبي ذر: فتدهده. وفي وراية أخرى: (فهدهده)

(3)

. والكَلُّوب بفتح الكاف، وفي لغة أخرى الكَلَّاب، والجمع كلاليب وهو المنشال، حديدة ينشل بها اللحم من القدر. وقال الداودي: هو كالسكين ونحوها، وقد سلف بيانه مع الهدهدة في الجنائز وفي الحديث:"ما تدهده الجعل خير"، وفي "الصحاح" في الذين ماتوا في الجاهلية هو يدحرجه السرجين

(4)

، وفي الحديث الآخر"لما يدهده الجعل"

(5)

وشرشر: قطع، من كتاب "العين"

(6)

وشق أيضًا، والشق: جانب الفم.

(1)

"الصحاح" 6/ 2231.

(2)

"المجمل" 2/ 319.

(3)

في (ص 1): فيتهدهد.

(4)

لم أجد هذا في "الصحاح": وقال ابن الأثير في "النهاية" 2/ 143: ومنه الحديث: "لما يدهده الجعل خير من الذين ماتوا في الجاهلية" هو الذي يدحرجه من السرجين.

قلت: والحديث هذا رواه أحمد 1/ 301، وابن حبان 13/ 91 (5775)، والطبراني 11/ 317 (11861)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 135 من طريق أيوب عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:"لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية، فوالذي نفسي بيده. لما يدهده الجعل بمنخريه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية".

قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 84: رواه أحمد، ورجاله جال الصحيح. وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (2739): إسناده صحيح.

ورواه الترمذي (3955) من حديث أبي هريرة، بلفظ آخر بنحوه.

وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(5482). وحسنه في "غاية المرام"(312).

(5)

تقدم في الحديث السابق.

(6)

"العين" 6/ 218.

ص: 263

التنور: هو الذي يخبز فيه، يقال: إنه في جميع اللغات كذلك.

وقال علي بن أبي طالب في قوله: {وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: 40] أي: وجه الأرض، وذكر عنه أيضًا: وطلع الفجر، كأنه يذهب إلى تنور الصبح. قال مجاهد: هو تنور الحافرة. وقال الداودي: التنور: الحفير في الأرض يوقد فيه، قال: ولعل ذلك التنور على جهنم.

وفيه دليل أن بعض الأشقياء يعذبون في البرزخ وهو ما بين الموت إلى النفخة الأولى

(1)

.

واللغط صوت وضجة لا يفهم معناها. قال الجوهري: اللغط -بالتحريك-: الصوت والجلبة، وقد لغطوا لغْطًا ولُغاطًا ولغِاطًا

(2)

.

واللهب: لهب النار، وهو لسانها، وقال الداودي: هو شدة الوقيد والاشتعال.

وقوله: ("ضوضوا"). أي: ضجوا وصاحوا، قال الجوهري

(3)

: وهو غير مهموز، أصله ضوضووا واستثقلت الضمة على الواو فحذفت فاجتمع ساكنان فحذفت الواو الأولى؛ لاجتماع الساكنين. والضوضاة أصوات الناس وجلبتهم، وضبط: ضوضئوا بالهمز، في بعض الكتب. قال القاضي عياض: الضوضاة، والضوضاء ممدود، والضوة -على وزن الجنة- ارتفاع الأصوات والجلبة

(4)

. قال

(1)

ورد في هامش الأصل: صوابه: الثانية. هذا على القول بأنهما نفختان، ومن قال: إنها ثلاث نفخات ينبغي أن يقال: الثالثة. وفي "صحاح الجوهري": والبرزخ: ما بين الدنيا والآخرة، من وقت الموت إلى البعث. انتهى وهذا صحيح.

(2)

"الصحاح" 3/ 1157.

(3)

"الصحاح" 6/ 2410.

(4)

"مشارق الأنوار" 2/ 62.

ص: 264

الجوهري: يقال: سمعت ضوة القوم، والضوضاة: أصوات الناس وجلبتهم، يقال: ضوضوا بلا همز، وضوضيت أبدلوا من الواو ياء، وضويت إليه بالفتح أضوى ضويًا إذا أويت إليه وانضممت، وأضويت الأمر إذا أضعفته ولم تحكمه، ويقال: بالبعير ضواة أي: سلعة، والضوي: الهزال

(1)

.

وفغر فاه يفغر إذا فتحه، يقال: فغر فاه وفغر فوه يتعدى ولا يتعدى.

وقوله: ("فيلقمه حجرًا") هو بضم الياء رباعي من اللقم.

وقوله: ("فأتينا على رجل كريه المرآه"). أصله: المراية تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ووزنه: مفعلة، بفتح الميم أي: كريه المنظر.

يقال: رجل حسن المرأى والمرآة، وحسن في مرآة العين، والمرآة بكسر الميم معروفة، نظرت في المرآة.

وقوله: ("وإذا عنده نار يحشها"). أي: يحركها لتتقد، يقال: حششت النار أحشها حشًا إذا أوقدتها وجمعت الحطب إليها، وكل ما قوي بشيء فقد حش به، قاله صاحب "العين"

(2)

.

وقوله: ("فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع"). أي: (وافية)

(3)

النبات، وهي بالعين المهملة الساكنة، ثم مثناة فوق، ثم ميم مشددة، كذا ضبطناه، يقال: اعتم إذا اكتمل، ونخلة عميمة: طويلة، وكذلك الجارية. وقال الداودي: أي: غطاها الخصب والكلأ، كالعمامة على الرأس.

(1)

"الصحاح" 6/ 2410.

(2)

"العين" 3/ 12.

(3)

في (ص 1): دائمة.

ص: 265

قال ابن التين: وضبطناه بكسر التاء وتخفيف الميم، وما يظهر له وجه. وأورده ابن بطال (مغنة) فقط بالغين المعجمة والنون ثم قال: قال ابن دريد: واد أغن ومغن إذا كثر شجره، ولا يعرف الأصمعي إلا (أغن) وحده

(1)

، وقال صاحب "العين": روضة غناء كثيرة العشب (والذباب)

(2)

وقرية غناء: كثيرة الأهل. وواد أغن

(3)

.

والنور -بفتح النون- نور الشجر أي: زهره، نورت الشجرة: أخرجت نورها. وقال الداودي: والروضة من البقل والعشب وهي المكان المشرف المطمئن الأعلى الخصب.

وقوله: ("وإذا بين ظهري الروضة"). أي: وسطها، قال القزار: كل شيء متوسط بين شيئين فهو بين ظهرانيه وظهريه.

فصل آخر منه: قوله: ("فانتهينا إلى مدينة"). سميت مدينة من قولهم: مدن بالمكان إذا أقام به. وهي فعيلة وتجمع على مدائن -بالهمز- وقيل: هي مفعلة من دينت أي: ملكت، فعلى هذا لا يهمز جمعها مثل: معايش، فإذا نسبت إلى مدينة الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - قلت: مدني. وإلى مدينة منصور قلت: مديني. وإلى مدينة كسرى. قلت: مدائني. للفرق بين النسب؛ لئلا تختلط.

وقوله: ("مبنية بلبن ذهب") هو بفتح اللام وكسر الباء جمع لبنة ككلمة وكلم، قال ابن السكيت: ومن العرب من يقول: لِبنة

(4)

. ولبن مثل كبدة وكبد، وهي من الطين.

(1)

"جمهرة اللغة" لابن دريد 1/ 160.

(2)

في الأصل: (والنبات)، والمثبت في (ص 1) وهو الموفق لما في "شرح ابن بطال" 9/ 565.

(3)

"شرح ابن بطال" 9/ 564 - 565.

(4)

إصلاح المنطق ص 169.

ص: 266

وقوله: ("وشطر كأقبح ما أنت راء"). الشطر: النصف. وقوله: (كأن ماءه المحض في البياض) المحض: اللبن والخالص من كل شيء لم يخالطه الماء حلوًا كان أو حامضًا، ولا يسمى محضا إلا إذا كان كذلك، فكلُّ شيء أخلصته فقد محضته. وقال الدوادي: المحض: الشديد البياض. وقال صاحب "العين": المحض: اللبن الخالص بلا رغوة، وكل شيء خالص فهو محض

(1)

.

وقوله: ("جنة عدن"). أي: إقامة، ومنه سمى المعدن؛ لعدون ما فيه ولإقامة الناس عليه شتاء وصيفًا

(2)

. وكذا ضبطه الدمياطي، وقال ابن التين: وروِّيناه أيضًا كذلك، وما رأيت له وجهًا، وإنما هو بضم الصاد وفتح العين والمد، أي: ارتفع كثيرًا، ومنه تنفس الصعداء، أي: تنفس تنفسًا ممدودًا.

وقوله: ("فإذا بقصر مثل الربابة البيضاء") الربابة بالفتح: السحابة التي ركب بعضها بعضًا. قاله الخطابي

(3)

. قال صاحب "العين": الرباب: السحاب، واحدتها ربابة

(4)

. واقتصر عليه ابن بطال

(5)

.

وقال الجوهري: الرباب بالفتح: سحاب أبيض، ويقال: إنه السحاب الذي تراه كأنه دون السحاب، قد يكون أبيض وقد يكون أسود، الواحدة ربابة، ومنه سميت المرأة: الرباب

(6)

.

(1)

"العين" 3/ 111.

(2)

ورد في هامش الأصل ما نصه: سقط من هنا شيء وهو: وقوله صعد بضم الصاد، وفتح العين. أو نحو هذا الكلام.

(3)

"أعلام الحديث" 4/ 2323.

(4)

"العين" 8/ 256.

(5)

"شرح ابن بطال" 9/ 565.

(6)

"الصحاح" 1/ 133.

ص: 267

وقال الداودي: الربابة: السحابة البعيدة في السماء. وقوله: ("ذراني فأدخله"). أي: دعاني، وأصله: اذرواني، فحذفت الواو فتحرك أول الفعل، واستغنى عن ألف الوصل، وأصل هذا الفعل (وذر) مثل علم، ولكنه أميت فلا يقال: وذره ولا واذره، فاستغني عنه بـ (ترك وتارك).

وقوله: ("أما الرجل الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه") هو بكسر الفاء. قال ابن التين: وكذا رويِّناه. قال الجوهري: الرفض: الترك، يقال: رفضه يرفُضه ويرفِضه رفْضًا ورفَضًا، ومنه سميت فرقة من الشيعة الرافضة لتركهم زيد بن علي

(1)

.

فصل:

وقوله: ("وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم، وأما الوالدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة". فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال: "وأولاد المشركين") ظاهر هذا إلحاقهم بهم في حكم الآخرة، وإن كان قد حكم لهم بحكم آبائهم في الدنيا حيث قال في ذراريهم:"هم من آبائهم"

(2)

. وهذا هو المختار، وإن كان الخطابي قال: عامة (المسلمين)

(3)

على أنهم كآبائهم، قال تعالى:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} [التكوير 8، 9] وقال: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الإنسان: 19] قيل في التفسير: إنهم أطفال الكفار، أي: لأن اسم الولدان مشتق من

(1)

"الصحاح" 3/ 1078.

(2)

سلف برقم (3013) كتاب الجهاد والسير، باب: أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري.

(3)

في "أعلام الحديث": أهل السنة.

ص: 268

الولادة، ولا ولادة في الجنة. وقيل: كما كانوا سبيًا وخدمًا للمسلمين في الدنيا فكذلك هم في الجنة

(1)

. واحتج كل فريق بحديث واهٍ، وقد قيل في الجمع بين الأحاديث: وإن أصل جميعها حديث: "الله أعلم بما كانوا عاملين"

(2)

، والحديث الذي فيه:"تؤجج لهم نار من اقتحمها دخل الجنة ومن لم يقتحمها دخل النار"

(3)

هو فيها خادم لهم، وإلا فهو مع أبيه في الهاوية، فتتفق الأحاديث ولا تختلف؛ لأن علم الله تعالى يقدم كل شيء.

آخر التعبير ولله الحمد

(1)

"أعلام الحديث" 4/ 2324 - 2325.

(2)

سلف عن ابن عباس برقم (1383)، ورواه مسلم (2660)، وسلف أيضًا عن أبي هريرة برقم (1384)، ورواه مسلم (2658)

(3)

رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" 1/ 445 (514)، وابن أبي عاصم في "السنة"(404) من حديث أبي هريرة.

وهو حديث صححه الألباني في "ظلال الجنة"(404)، وانظر:"الصحيحة"(1434).

ص: 269

92

كتاب الفتن

ص: 271

بسم الله الرحمن الرحيم

‌92 - كِتَابُ الفِتَنِ

روينا في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للحافظ أبي بكر الخطيب: أن يحيى بن معين قال: هذِه الأحاديث التي يتحدثون بها في الفتن وفي الخلفاء، وتكون، كلها كذب وريح، لا يعلم هذا أحد إلا بوحي. وقال الإمام أحمد: ثلاثة كتب ليس لها أصل: المغازي والملاحم والتفسير. وهو كما قال الخطيب: محمول على وجه أن المراد به كتب مخصوصة غير معتمد عليها، وأما كتب الملاحم فجميعها بهذِه الصفة، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة

(1)

.

(1)

"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" 2/ 92 .......

ص: 273

‌1 - [باب] مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَذِّرُ مِنَ الفِتَنِ

7048 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَنَا عَلَى حَوْضِي أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ، فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُونِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي. فَيَقُولُ: لَا تَدْرِي، مَشَوْا عَلَى القَهْقَرَى» . قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ. [انظر: 6593 - مسلم: 2293 - فتح 13/ 3]

7049 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لأُنَاوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَصْحَابِي. يَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» . [انظر: 6575 - مسلم: 2297 - فتح 13/ 3]

7050،7051 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» .

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ: قَالَ: «إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي» . [انظر: 6583، 6584 - مسلم: 2290 - فتح 13/ 3]

ذكر أحمد في تفسيره -فيما عزاه إليه ابن الجوزي في "حدائقه"-

ص: 274

حدثنا أسود، ثنا جرير: سمعت الحسن قال: قال الزبير بن العوام: نزلت هذِه الآية ونحن متوافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلنا نقول: ما هذِه الفتنة، وما نشعر أنها تقع حيث وقعت، وعنه أنه قال يوم الجمل لما لقي ما لقي: ما توهمت أن هذِه الآية نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اليوم.

وقال الضحاك: هي في أصحاب محمد خاصة

(1)

. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا منكرًا بين ظهورهم وأنذرهم بالعذاب

(2)

.

وقيل: إنها تعم الظالم وغيره. وقال المبرد: إنها نهي بعد نهي لأمر الفتنة، والمعنى في النهي للظالمين أن لا تقربوا الظلم.

وحكى سيبويه: لا أرينك ها هنا

(3)

. أي: لا تكن ها هنا، فإنه من كان ها هنا رأيته. والشيخ أبو إسحاق يذهب إلى أن معناه الخبر، وجاز دخول النون في الخبر؛ لأن فيه قوة الجزء. وقال علي بن سليمان: هو دعاء.

ثم ساق البخاري في الباب ثلاثة أحاديث:

أحدها: حديث أَسْمَاءَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -قَالَ:"أَنَا عَلَى حَوْضِي أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ، فَيُؤْخَذُ بِنَاسِ مِنْ دُونِي فَأقولُ: أمَّتي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي، مَشَوْا عَلَى القَهْقَرى". قَالً ابن أَبِي مُلَيْكَةَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ.

(1)

أورده ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 341.

(2)

رواه الطبري 6/ 217.

(3)

"الكتاب" 3/ 101.

ص: 275

ثانيها: حديث أَبِي وَائِلٍ، عن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إلَيَّ رِجَال مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لأتناولَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَاقُولُ: يا رَبِّ، أَصْحَابِي. فَيَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ".

ثالثها: حديث أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رضي الله عنه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ (بَعْدَهُ)

(1)

أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ".

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هذا، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ: قَالَ: "إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي".

الشرح:

حوضه صلى الله عليه وسلم معروف، وماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، تربته المسك وجانباه قباب اللؤلؤ.

ومعنى ("أنتظر من يرد عليَّ"). أي: من يحضرني ليشرب.

و ("القهقرى") مقصور، قال الجوهري: القهقرى: الرجوع إلى الخلف فإذا قلت: رجحت القهقرى فكأنك قلت: رجعت الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم؛ لأن القهقرى ضرب من الرجوع

(2)

.

وقال الأزهري: معنى الحديث الارتداد عما كانوا عليه

(3)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

"الصحاح" 2/ 801.

(3)

"تهذيب اللغة" 3/ 3067.

ص: 276

وقوله: ("أنا فرطكم") هو بفتح الراء، أي: أتقدمكم، وهو من يتقدم الوارد، فيهيء لهم الإرشاء والدلاء، وعدد الحياض، ويسقي لهم، وهو فعل بمعنى فاعل، كتبع بمعنى تابع؛ يقال: رجل فرط، ومنه الدعاء للطفل الميت: اجعله (لنا)

(1)

فرطًا. أي: أجرًا يتقدمنا حتى نرد عليه.

وقوله: ("أهويت لأتناولهم") أي: أومأت.

وقوله: ("اختلجوا"). يقال: خلجه واختلجه إذا جذبه وانتزعه،

قال صاحب "العين": خلت الشيء واختلجته: جذبته

(2)

.

ومعنى ("لم يظمأ") لم يعطش، وسحقًا: بعدًا.

و ("السحيق") البعيد، ومنه قوله تعالى:{فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11] ومعنى ذلك: الدعاء على من غيَّر وبدل، كقوله: أبعده الله.

قال الداودي: وليس هذا بما يحتم به للمختلجين بدخول النار؛ لأنه قد يحتمل أن يختلجوا وقتًا فيلحقهم من هول ذلك (اليوم)

(3)

وشدته ما شاء الله، ثم يتلاقاهم الله بما شاء من رحمته، ولا يدل قوله:"سحقًا سحقًا" أنه لا يشفع لهم بعد؛ لأن الله سبحانه وتعالي قد يلقي لهم ذلك في قلبه وقتًا ليعاقبهم بما شاء إلى وقت يشاء، ثم يعطف قلبه عليهم؛ فيشفع لهم.

وقد جاء في الحديث: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"

(4)

. قلت:

(1)

من (ص 1).

(2)

"العين" 4/ 160.

(3)

في (ص 1): الموت.

(4)

رواه أبو داود (4739).

ص: 277

ما عدا الشرك. وقد قال بعض السلف: فالذين يعرفهم ويحال بينه وبينهم إنهم هم المرتدون، وقد أسلفناه عن الأزهري أيضًا

(1)

، واستدل على ذلك بقوله:"يا رب أصحابي فيقال: ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى". كما سلف في باب: الحوض، في آخر الرقاق

(2)

.

فصل:

كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفتن ومن شرها، ويتخوف من وقوعها؛ لأنها تذهب بالدين وتتلفه، وفي الآية إرشاد إلى أن الفتنة إذا عمت هلك الكل، وذلك عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر، وقد سألت زينب رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن هذا المعنى فقالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم إذا كثر الخبث"

(3)

. وسيأتي قريبا

(4)

، وهو بفتح الخاء المعجمة ثم باء موحدة ثم مثلثة، ونهلك -بكسر اللام وحكي فتحها- وفسر العلماء الخبث بأولاد الزنا، وزعم ابن قتيبة

(5)

: أنه الفسوق والفجور، والعرب تدعو الزنا خبثًا وخبثة. وفي الحديث: أن رجلاً وجد مع امرأة يخبث بها

(6)

. أي: يزني. قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النور: 26] فإذا ظهرت المعاصي ولم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها، فإن لم يفعلوا فقد تعرضوا للهلاك إلا أن الهلاك

(1)

"تهذيب اللغة" 3/ 3067.

(2)

سلف برقم (6593).

(3)

سلف برقم (3346)، ورواه مسلم (2880).

(4)

برقم (7135).

(5)

"تأويل مختلف الحديث" ص 363.

(6)

يشير إلى ما رواه ابن ماجه عن سعد بن عبادة (2574)، وأحمد 7/ 481.

ص: 278

طهارة للمؤمنين ونقمة على الفاسقين، وبهذا قال السلف. وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارًا ولا يستقر فيها.

واحتج بصنع أبي الدرداء إلى خروجه عن أرض معاوية حين أعلن بالربا وهو من الكبائر وأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها. فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا لا مِثلًا بمثل؛ فقال معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا؛ فقال أبو الدرداء: فمن يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرض أنت فيها

(1)

.

وأما أحاديث (هذا)

(2)

الباب في ذكر من يعرفهم من أمته ويحال بينهم وبينه لما أحدثوا بعده، فذلك كل حدث في الدين لا يرضاه الله من خلاف جماعة المسلمين وجميع أهل البدع كلهم، فهم مبدلون محدثون، وكذلك أهل الظلم والجور وخلاف الحق وأهله، كلهم محدث مبدل. ليس في الإسلام داخل في معنى هذا الحديث.

فصل:

في هذِه الأحاديث الإيمان بحوضه عليه السلام على ما ذهب إليه أهل السنة.

(1)

"الموطأ" ص 392.

(2)

من (ص 1).

ص: 279

‌2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا»

وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ» . [انظر: 4330]

7052 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ» . [انظر: 3603 - مسلم: 1843 - فتح 13/ 5]

7053 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّد، عَنْ عَبْدِ الوَارِثِ، عَنِ الجَعْدِ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» . [7054، 7143 - مسلم: 1849 - فتح 13/ 5]

7054 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» . [انظر: 7053 - مسلم: (1709/ 42) - فتح 13/ 5]

7055 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهْوَ مَرِيضٌ قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ. [انظر: 18 - مسلم: 1709 - فتح 13/ 5]

7056 -

فَقَالَ: فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ: إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ" [7200 - مسلم: 1709 - فتح 13/ 5]

ص: 280

7057 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا وَلَمْ تَسْتَعْمِلْنِي. قَالَ:«إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي» . [انظر: 3792 - مسلم: 1845 - فتح 13/ 5]

ثم ساق أربعة أحاديث:

أحدها: حديث ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا". قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَاسْألوا اللهَ حَقَّكُمْ".

ثانيها: حديث الجَعْدِ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".

وَعَنِ الجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ:"مَنْ رَأى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".

ثالثها: حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه: بَايَعَنَا النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في مَنْشَطنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وُيسْرِنَا وَأَثَرةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَارعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ:"إِلَّا أَنْ تَرَوْا كفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".

رابعها: حديث أُسَيْدِ بْنِ حُضيْرٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا أَتَي رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا وَلَمْ تَسْتَعْمِلْنِي. قَالَ:"إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي".

ص: 281

الشرح:

أما حديث عبد الله بن زيد؛ فقد سلف في التفسير

(1)

، فقال:"إنكم". زاد الترمذي فيه: "حتى تلقوني على الحوض". ثم قال: حسن صحيح

(2)

، (وخرج حديث ابن مسعود أيضًا ثم قال: حسن صحيح)

(3)

، ولابن ماجه بإسناد جيد من حديث الصنابحي"ألا إني فرطكم علي الحوض فلا تقتتلن بعدي"

(4)

.

وحديث أُسيد -وهو بضم الهمزة، وحُضير: بضم أوله ثم ضاد مفتوحة- بن سماك بن عتيك أبو يحيى أو أبو حضير أو أبو عبيد الأنصاري. أخرجه مسلم في المغازي، والترمذي هنا، والنسائي هنا وفي القضاء أيضًا

(5)

.

وفي هذِه الأحاديث حجة في ترك الخروج على أئمة الجور ولزوم السمع والطاعة لهم، والفقهاء يجمعون على أن الإمام المتغلب طاعته لازمة ما أقام الجماعات والجهاد، فإن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، ألا ترى قوله لأصحابه:"سترون بعدي أثرة وأمورًا تنكرونها". فوصف أنه سيكون عليهم أمراء يأخذون الحقوف ويستأثرون بها ويؤثرون بها من لا تجب له الأثرة، ولا يعدلون فيها وأمرهم بالصبر عليهم والتزام طاعتهم على ما فيهم

(1)

سلف برقم (4330) كتاب المغازي، باب غزوة الطائف.

(2)

"سنن الترمذي"(2189).

(3)

من (ص 1). وانظر: "سنن الترمذي"(2190).

(4)

"سنن ابن ماجه"(3944).

(5)

مسلم (1845/ 48)، والترمذي (2189)، والنسائي في "الكبرى" 3/ 464 (5933)، 5/ 91 (8344).

ص: 282

من الجور. وذكر علي بن معبد، عن علي أنه قال: لا بد من إمامة برة أو فاجرة. قيل له: هذِه البرة لا بد منه، فما بال الفاجرة؟ قال: يقام بها الحدود، ويؤمن بها السبيل، ويقسم بها الفيء، ويجاهد بها العدو.

ألا ترى حديث ابن عباس وعبادة رضي الله عنه: "وأن لا ينازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا" يدل هذا كله على ترك الخروج على الأئمة وأن لا تشق عصا المسلمين ولا ينسب إليه سفك الدماء وهتك الحريم إلا أن يكفر الإمام ويظهر خلاف دعوة الإسلام، فلا طاعة لمخلوق عليه، وقد سلف هذا المعنى في الجهاد

(1)

ويأتي في الأحكام أيضًا

(2)

.

فصل:

قال الداودي: قوله: ("سترون بعدي أثرة") يعني: للأنصار وصاهم أن يصبروا عندما ينقصون من حظهم في العطاء.

وقوله: ("أثرة") هو من الاستئثار بالشيء، والاسم: الأثرة.

وقوله: ("أدوا إليهم حقهم") يعني: الزكوات والخروج في البعوث، وغير ذلك من حقوقهم.

وقوله: ("وسلوا الله حقكم") قال الداودي: يقول: اسألوا الله أن يأخذ لكم حقكم ويقيض لكم من يؤديه إليكم. قال زيد: يسألون الله سرًّا؛ لأنهم إن سألوه جهرًا كان سبًّا للولاة، (ويؤدي إلى الفتنة)

(3)

.

(1)

سلف برقم (2995).

(2)

سيأتي برقم (7200).

(3)

في الأصل: (يؤدي إليهم القسم)، والمثبت من (ص 1).

ص: 283

وقوله: ("من خرج من الجماعة شبرًا") يعني: في الفتنة التي يكون فيها بعض المكروه. وقوله: ("مات ميتة جاهلية") أي: صار فعله فعل الجاهلية الذين يستحلون قتل بعضهم بعضًا، وميتة بكسر الميم كالجلسة والركبة.

فصل:

وقوله: (في منشطنا). أي: حين نشاطنا -هو بفتح الشين- لأن ماضيه نشط بكسرها.

وقوله: (ومكرهنا). أي: في الأشياء التي يكرهونها. قاله الداودي.

قال ابن التين: والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج فيكون مطابقًا لقوله: منشطنا.

وقوله: (وأن لا ننازع الأمر أهله). أي: لا يخرج على المتولي.

فصل:

قال الداودي: الذي عليه العلماء في أمر أئمة الجور إن قدر على خلعه من غير فتنة تكون ولا ظلم فعلى الناس خلعه، وإن لم يوصل إلى ذلك إلا بارتكاب محض الظلم فهو الذي أمروا فيه بالصبر. وقال أبو محمد عبد الجليل في "نكت التمهيد": أجمعوا أنه لا يجوز ابتداء العقد لفاسق ولا لساقط العدالة، فلو عقد للعدل ثم أحدث جورًا أو غصبًا للمال وانتهاك المحارم. ففي جواز الخروج عليه قولان:

قال الشيخ أبو الحسن: يجوز إذا أمن الناس.

وقال هو والقاضي: لا يجوز ولا يسوغ عزله وإن أمن الناس؛ لأن الأحاديث في ذلك كثيرة، فلا يجوز الخروج عليه بجور يحدثه، إلا أن

ص: 284

يكفر أو يدعو إلى بدعة وضلالة فيجوز حينئذ الخروج عليه لا غير، ويدل على صحة هذا القول قوله:"إلا أن تروا كفرًا بواحًا أو صراحًا ظاهرًا" من قولهم: باح بسره. أي: أظهره

(1)

، وصرح به.

قال الخطابي: ("بواحًا") يريد ظاهرًا باديًا، ومنه قوله: باح بالشيء يبوح به بوحًا وبؤوحًا إذا أذاعه وأظهره

(2)

، ومن رواه (براحًا) فالبراح بالشيء مثل البواح أو قريبًا منه، وأصل البراح: الأرض (القفر)

(3)

التي لا أنيس بها ولا بناء فيها. وقال غيره: البراح البيان، يقال: برح الخفاء. أي: ظهر. وفي حديث آخر: "استقيموا لقريش ما استقامت لكم"

(4)

. أي: ما أطاعوا الله.

وقوله: ("عندكم من الله فيه برهان"). يريد نص آية أو توقيفًا يحتمل التأويل مثل: قد جاءكم من ربكم وما دام فعلهم يحتمل وجهًا من التأويل فلا يجوز الخروج عليهم، وقد مثل بعض أحبار المتأخرين من يقوم على السلطان بمن يبني قصرًا ويهدم مصرًا.

وقوله: (استعملت فلانًا ولم تستعملني. قال: "فإنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني"). وقال الداودي: هو كلام نفي بعضه، وهذا كلام ليس من الأول، إلا أنه أخبر عن هذا الوجل ممن يرى الأثرة وأوصاهم بالصبر.

قلت: الظاهر أنه كلام وأنه جواب لما ذكر.

(1)

"إكمال المعلم" 6/ 246 - 247.

(2)

"أعلام الحديث" 4/ 2328.

(3)

من (ص 1).

(4)

رواه أحمد 5/ 277 من حديث ثوبان مرفوعا.

ص: 285

فصل:

الجعد السالف هو ابن دينار (العسكري)

(1)

البصري الصيرفي، سمع أبا رجاء العطاردي عمران بن ملحان، ويقال: إبراهيم وأنس بن مالك اتفقا عليه، وعلى الجعدِ بن عبد الرحمن بن أوس، ويقال في هذا: جُعيد أيضًا مصغرًا. روى لابن عبد الرحمن مسلمٌ حديثا واحدًا عن محمد بن عباد، عن حاتم، عن الجعد، عن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي

(2)

. وليس في الصحيحين جعد غيرهما.

(1)

في (ص 1): السكري، والصواب اليشكري. انظر:"تهذيب الكمال" 4/ 560 (926).

(2)

مسلم (2345/ 111).

ص: 286

‌3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَىْ أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ»

7058 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ وَمَعَنَا مَرْوَانُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: «هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَىْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ» .

فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِى فُلَانٍ لَفَعَلْتُ. فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مَلَكُوا بِالشَّأْمِ، فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قَالَ لَنَا: عَسَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ: قُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ. [انظر: 3604 - مسلم: 2917 - فتح 13/ 9]

ذكر البخاري حديث يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ بن العاصي ابن أمية (الكوفي)

(1)

قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي -وهو أبو عثمان سعيد اتفقا على الجد، وانفرد البخاري بعمرو- قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي مَسْجِدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ وَمَعَنَا مَرْوَانُ، قَال أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ المَصْدُوقَ يَقُول: "هَلَكَةُ أُمَّتي عَلَى يَدَيْ (غِلْمَةٍ)

(2)

مِنْ قُرَيْشٍ".

فَقَال مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً. فَقَال أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُول بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَفَعَلْتُ. فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي إلى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مَلَكُوا بِالشَّامِ، فَإِذَا (رآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا)

(3)

قَال لَنَا: عَسَى هؤلاء أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ: قُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ.

(1)

من (ص 1).

(2)

في الأصل: أغيلمة، والمثبت من (ص 1).

(3)

في الأصل: هم غلمانًا أحداثٌ.

ص: 287

الشرح:

هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا، ولفظه:"يهلك أمتي هذا الحي"

(1)

، واعترض ابن بطال بأنه لم يذكر في الحديث سفهاء كما ترجم له، ثم أجاب بأنه كثيرًا ما يفعل مثل هذا، وذلك أن يأتي في حديث لا يرضي إسناده لفظة تبين معنى الحديث فيترجم بها؛ ليدل على المراد بالحديث، وعلى أنه قد روي عن العلماء ثم لا يسعه أن يذكر في حشو الباب إلا أصح ما روي فيه اشتراطه الصحة في كتابه، وقد روي ذلك عن علي بن معبد: حدثنا أشعث بن [شعبة]

(2)

، عن سماك، عن أبي هريرة رفعه:"إن فساد أمتي على رءوس غلمة سفهاء (من قريش) "

(3)

فبان في هذا الحديث: أن الغلمة سفهاء)

(4)

، وأن الموجب لهلاك الناس بهم أنهم رؤساء وأمراء متغلبون

(5)

.

قلت: بل في (الباب الحديث)

(6)

صحيح على شرطه بذكر هذِه اللفظة. أخرجه الإسماعيلي في "صحيحه": حدثنا الحسن بن سفيان، ثنا إبراهيم بن يعقوب، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد: سمعت جدي سعيد بن العاصي: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هَلَاكُ هذِه الأُمَّةِ عَلَى يَدَيْ أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ من قريش". فقال مروان .. الحديث.

(1)

مسلم (2917).

(2)

تحرفت في الأصل إلى (سعيد)، وانظر:"تهذيب الكمال" 3/ 261، 270.

(3)

رواه أحمد 2/ 288 من طريق سفيان، عن سماك، عن مالك بن ظالم، عن أبي هريرة.

(4)

من (ص 1).

(5)

"شرح ابن بطال"10/ 9 - 10.

(6)

ورد في الأصل: (الحديث الباب). والمثبت هو الأليق.

ص: 288

وفي هذا الحديث أيضًا حجة لجماعة الأمة في ترك القيام على أئمة الجور، ووجوب طاعتهم والسمع والطاعة لهم، ألا ترى أنه عليه السلام قد أعلم أبا هريرة بأسمائهم وأسماء آبائهم، ولم يأمره بالخروج عليهم ولا محاربتهم، وإن كان قد أخبر أن هلاك أمته على أيديهم، إذ الخروج عليهم أشد في الهلاك وأقوى في الاستئصال فاختار عليه السلام لأمته أيسر الأمرين وأخف الهلاكين، أن قد جرى قدر الله وعلمه أن أئمة الجور أكثر من أئمة العدل، وأنهم يتغلبون على الأمة.

وهذا الحديث من أقوى ما يرد به على الخوارج.

فإن قلت: (ما أراد الشافعي إهلاكهم في الدين أو في الدنيا بالقتل.

قيل)

(1)

: أرادهما معًا. وقد جاء ذلك بينا في حديث علي بن معبد، عن إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بالله من إمارة الصبيان". فقال أصحابه: وما إمارة الصبيان؟ فقال: "إن أطعتموهم هلكتم (وإن عصيتموهم أهلكوكم)

(2)

(3)

، فهلاككم في طاعتهم هلاك الدين، وهلاككم في عصيانهم هلاك الأنفس".

وهلكة بفتح الهاء واللام: هلاكهم

(4)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

"السنن الواردة في الفتن" 2/ 476.

(3)

من (ص 1).

(4)

ورد في هامش الأصل: وسيأتي في آخر الباب بعد هذا بقية كلام على هذا الحديث، فاعلمه.

ص: 289

‌4 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ»

7059 -

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ رضي الله عنهن أَنَّهَا قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» . وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً. قِيلَ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ» . [انظر: 3346 - مسلم: 2280 - فتح 13/ 11]

7060 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ:«هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟» . قَالُوا: لَا. قَالَ: «فَإِنِّي لأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ الْقَطْرِ» . [انظر: 1878 - مسلم: 2885 - فتح 13/ 11]

ذكر فيه حديث الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زينَبَ بِنْتِ أمَ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زينَبَ بنت جَحْشٍ أَنَّهَا قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: "لَا إله إِلَّا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِّحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمأجُوجَ مِثْلُ هذِه". وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً. فَقِيلَ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُون؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ".

وحديث أُسامَةَ بْنِ زيدٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطامِ المَدِينَةِ، فَقَالَ:"هَلْ تَرَوْنَ مَا أَري؟ ". قَالُوا: لَا. قَالَ: "فَإِنِّي لأَرى الفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ (الْقَطْرِ)

(1)

".

(1)

في (ص 1): المطر.

ص: 290

الشرح:

أما حديث زينب بنت جحش فقد اجتمع فيه ثلاثة من الصحابيات بعضهن عن بعض، وزاد مسلم رابعة فإنه أخرجه من حديث زينب بنت أم سلمة، عن حبيبة، عن أم حبيبة، عن زينب

(1)

؛ وهو يؤذن بانقطاع في طريق البخاري، واجتماع أربع من الصحابة كثير. أخرج الحافظ عبد الغني حديث السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزى، عن عبد الله بن السعدي، عن عمر مرفوعًا في العمالة، وحديث نعيم بن همار، عن المقدام بن معدي كرب، عن أبي أيوب الأنصاري، عن عوف بن مالك الأشجعي، وأفرده (الرهاوي)

(2)

عبد القادر بالتأليف

(3)

، فذكر حديثَ -المسور بن مخرمة، عن أسامة، عن امرأة حمزة بن عبد المطلب، عن حمزة- حديثَ الكوثر، وحديث أنس رضي الله عنه، عن عمر، عن أبي بكر، عن أبي هريرة حديث التمر، وحديث جابر؛ عن زيد بن أرقم، عن أبي سعيد، عن قتادة بن النعمان وغير ذلك، وقد أسلفنا أكثر من ذلك.

وقال الإسماعيلي: روى حديث زينب، عن ابن عيينة جماعة منهم: أبو خيثمة وإسحاق بن أبي إسرائيل ومحمد بن يحيى بن أبي عمر ونصر بن علي ومحمد بن الصباح وإبراهيم الجوهري وسعيد الأموي وهارون بن عبد الله وعبد الله بن عمر وغيرهم؛ كلهم قال: (عن)

(4)

(1)

مسلم (2880).

(2)

من (ص 1).

(3)

ورد في هامش الأصل: وأفرده أيضًا الحافظ ابن خليل الدمشقي بالتأليف، وقد سمعناه، وفي آخره حديث اجتمع فيه خمسة من الصحابة، وجملة التأليف تسعة أحاديث. والله أعلم.

(4)

من (ص 1).

ص: 291

الزهري، عن عروة، عن زينب، عن حبيبة، عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش، ورواه الفريابي، عن قتيبة كذلك قال: وقال أبو موسى قال لي الأسود بن عامر: كيف تحفظ هذا عن ابن عيينة؛ فأخبرته فقال: لكنه لم يعطنا هكذا: حدثنا عن الزهري، عن عروة، عن أربع نسوة كلهن قد أدركن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهن عن بعض، ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان بمثله

(1)

، وعند الرهاوي: رواه عن الزهري فأسقط زينب بنت جحش، ورواه معمر عنه فلم يذكر حبيبة ولا أمها

(2)

.

وأما حديث أسامة فأخرجه هنا من طريق ابن عيينة ومعمر، عن الزهري، عن عروة، عنه، وذكره في الحج من طريق سفيان به

(3)

. ثم قال: تابعه معمر وسليمان بن كثير، عن الزهري، وقد علمت متابعة معمر هنا.

فصل:

وهذِه الأحاديث كلها بما أنذر الشارع بها أمته وعرفهم قرب الساعة؛ لكي يتوبوا قبل أن يهجم عليهم وقت غلق باب التوبة حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، وقد ثبت أن خروج يأجوج ومأجوج من آخر الأشراط، فإذا فتح من ردمهم في وقته عليه السلام مثل عقد التسعين أو مائة، فلا يزال الفتح يستدير ويتسع على مر الأوقات.

(1)

ابن ماجه (3953) كتاب: الفتن، باب: ما يكون من الفتن.

(2)

"مصنف عبد الرزاق" 11/ 363 (20749).

(3)

سلف برقم (1878) باب: آطام المدينة.

ص: 292

وهذا الحديث في معنى قوله عليه السلام: "بعثت أنا والساعة كهاتين". وأشار بإصبعه السبابة والتي تليها

(1)

.

وقد روى النضر بن شميل، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه -رفعه:"ويل للعرب من شرٍ قد اقترب موتوا إن استطعتم"

(2)

. وهذا غاية في التحذير من الفتن، والخوض فيها حين يجعل الموت خيرًا من مباشرتها، وكذلك أخبر في حديث أسامة بوقوع الفتن خلال بيوتهم؛ ليتوقفوا ولا يخوضوا فيها ويتأهبوا لنزولها بالصبر، ويسألوا الله العصمة منها والنجاة من شرها، وقد سلف في أول كتاب الفتن، كيف يهلك الصالحون؛ وقد سلف تفسير الخبر هناك.

فصل:

قوله: (وعقد سفيان تسعين أو مائة) كذا هنا، وفي رواية:(وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها)، وفي لفظ:(عقد سفيان بيده عشرة). وفي حديث أبي هريرة: (وعقد وهيب بيده تسعين). وفيها مخالفة؛

لأن عقد التسعين أضيق من العشرة.

قال عياض: لعله متقدم فزاد هذا الفتح ييده في القدر. قال: أو يكون المراد التقريب بالتمثيل لا حقيقة التحديد

(3)

. وقال الداودي في رواية سفيان: يعني جعل طرف السبابة من وسط الإبهام، وليس كما ذكر، وقد علم من مقالة أهل العلم بالحساب أن صفة عقد التسعين أن يثني السبابة حتى يعود طرفها عند أصلها من الكف ويغلق عليه الإبهام.

(1)

سلف برقم (4936) كتاب: التفسير.

(2)

رواه من طريقه الحاكم في "المستدرك 4/ 439 - 440، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

(3)

"إكمال المعلم" 8/ 412 - 413.

ص: 293

فصل:

قوله: (محمرًا وجهه) أي: لشدة الهول.

وقوله: ("ويل للعرب"). أي: أهل دين الإسلام، وهم يومئذٍ أكثر أهل الإسلام، وويل مثل ويح إلا أنها تقال لمن وقع في هلكة يستحقها، وويح لمن وقع في هلكة لا يستحقها، ويجوز نصبه على إضمار فعل ورفعه، والردم صنعه ذو القرنين بين السدين، ويقال: إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى يقاربوا أن ينفذوه، فإذا أمسوا قالوا: غدًا نعود إليه فنتمه فيعيده الله كما كان، ثم كذلك إلى أن يشاء الله أن ينفذوه فيستثنون فيبقى كما هو فيصبحون فيفتحونه ويخرجون كما قال تعالى:{مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96]. أي: يسرعون من كل شرق؛ لكثرتهم، وإن النحيف منا يحمل تسعة منهم. ويقال: إنهم يمرون ببحيرة طبرية أول زمرة تشرب ماؤها

(1)

، والثانية يلحس حمأها، والثالثة يقولون كان هاهنا ماء.

فصل:

والأطم: الحصون لأهل المدينة، وآطام جمعه وتثقل أطم وتخفف

(2)

، الواحدة أطمة، وجمعها أطم، مثل عنق وجمع: أطم: آطام، مثل جبل وجبال، وجمع آطام: أطم، ككتاب وكتب، وجمع: أطم: آطام كعنق وأعناق، وقد يظهر من الحديث أنَّ أطما واحدٌ.

(1)

ورد في هامش الأصل: أما حديث حفرهم كل يوم ولا يستثنون ثم أراد خروجهم استثنوا ففي ابن ماجه، وأما شرب ماء البحيرة؛ ففي "صحيح مسلم".

[قلت: انظر: "سنن ابن ماجه" (4080)، "صحيح مسلم" (2937/ 10)].

(2)

ورد بهامش الأصل: يعني تقال بضمتين، وقوله (تخفف) يعني: تسكن الطاء.

ص: 294

فصل:

ينعطف على الباب قبله قوله: "أغيلمة" بضم الهمزة ثم غين معجمة مفتوحة، قال الجوهري: جمع غلام غلمة، واستغنوا بغلمة عن أغلمة، وتصغير غلمة: أغيلمة على غير تكثير، كأنههم صغروا غلمة وإن كانوا لم يقولوه كما قالوا: أصيبية في تصغير صبية. وقال بعضهم: (نقول)

(1)

غليمة على القياس

(2)

.

وقال الداودي: أغيلمة. بفتح الألف وكسر الغين. قال: وغلمة -بكسر الغين- جمع غلام، وغلمة جمع غلم. قال: وروي بإسناد صالح أنه عليه السلام رأى في المنام غلمانًا من قريش ينزون [على] منبره نزو القردة. قالت عائشة رضي الله عنها: فما استجمع بعدها ضاحكًا حتى لقي الله تعالى

(3)

.

قال: وروي بإسناد جيد أن مروان دخل على عمرو بن عثمان يعوده بالمدينة وهو مريض، فأبطأ عنده، وكانت ابنة معاوية عنده فاسترابت إبطاءه، فوقفت إلى الباب من حيث لا يدري، وإذا هو يقول له: لم تركت هذا الأمر لمعاوية؟ وإنما وصل إليه من قبل أبيك ونحن أكثر منهم عددًا، فلان نظير فلان، وفلان نظير فلان، حتى أتى على عدد بني حرب، ثم قال:[فقناهم]

(4)

بفلان وفلان؛ فلما أفاق عمرو خرج

(1)

من (ص 1).

(2)

"الصحاح" 5/ 1997 مادة: غلم.

(3)

رواه أبو يعلي 11/ 348 (6461)، والحاكم 4/ 480 وصححه، وقال الهيثمي في "المجمع"5/ 244: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله ابن الزبير وهو ثقة.

(4)

في الأصل: (وبيناهم) غير منقوطة.

ص: 295

معتمرًا، فركبت بنت معاوية إلى أبيها إلى الشام، فذكرت ذلك له، فكتب إلى مروان: إنك جعلت بعدِّنا عدَّ الحصى، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا بلغ الأمر آل أبي العاصي ثلاثين رجلاً أخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً ودين الله دغلاً" فكتب إليه مروان: حدثنا أبو عشرة وأخو عشرة (وعم عشرة)

(1)

يعني: قد جاوز ما نقول

(2)

، وروي مثل قول معاوية عن علي رضي الله عنه مرفوعًا

(3)

، ودغلاً -بغين معجمة- أي: أدخلوا فيه ما يفسده ويخالفه.

(1)

من (ص 1).

(2)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 46/ 297.

(3)

رواه الحاكم 4/ 480 - 481، وانظر:"الصحيحة"(744).

ص: 296

‌5 - باب ظُهُورِ الفِتَنِ

7061 -

حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّمَ هُوَ؟ قَالَ:«الْقَتْلُ الْقَتْلُ» . [انظر: 85 - مسلم: 157 - فتح 13/ 13]

وَقَالَ شُعَيْبٌ وَيُونُسُ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

7062، 7063 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَا: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ لأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ» وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ. [7064، 7065، 7066 - مسلم: 2672 - فتح 13/ 13]

7064 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ قَالَ: جَلَسَ عَبْدُ اللهِ وَأَبُو مُوسَى فَتَحَدَّثَا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ» . وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ. [انظر: 7063 - مسلم: 2672 - فتح 13/ 13]

7065 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى رضي الله عنهما، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، وَالْهَرْجُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ: القَتْلُ. [انظر: 7063 - مسلم: 2672 - فتح 13/ 13]

7066 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -وَأَحْسِبُهُ رَفَعَهُ- قَالَ:«بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الهَرْجِ، يَزُولُ العِلْمُ، وَيَظْهَرُ فِيهَا الجَهْلُ» . قَالَ أَبُو مُوسَى: وَالْهَرْجُ: القَتْلُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ. [انظر: 7062 - مسلم: 2672 - فتح 13/ 14]

ص: 297

7067 -

وَقَالَ أَبُو عَوَانَة، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ: تَعْلَمُ الأَيَّامَ الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيَّامَ الْهَرْجِ. نَحْوَهُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ» . [فتح 13/ 14]

ذكر فيه حديث الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ العِلْمُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّمَ هُوَ؟ قَالَ:"الْقَتْلُ القَتْلُ".

وَقَالَ شُعَيْبٌ وَيُونُسُ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحديث عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى قَالَا: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الَجهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ" وَالْهَرْجُ: القَتْلُ.

وفي لفظ: جَلَسَ عَبْدُ اللهِ وَأَبُو مُوسَى فَتَحَدَّثَا، وَقَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ عليه السلام .. بملثه.

وعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى رضي الله عنهما، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مثْلَهُ، وَالْهَرْجُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ: القَتْلُ.

وعَنْ أَبِي وَائِلٍ أيضًا- وَأَحْسِبُهُ رَفَعَهُ- قَالَ: "بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ أَيَّامُ الهَرْجِ، يَزُولُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَظْهَرُ فِيهَا الجَهْلُ". قَال أَبُو مُوسَى: وَالْهَرْجُ: القَتْلُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ.

وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ: تَعْلَمُ الأَيَّامَ التِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أيَّامَ الهَرْجِ. نَحْوَهُ. قَالَ ابن

ص: 298

مَسْعُودٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحيَاءٌ".

الشرح:

حديث يونس أخرجه أبو داود، عن أحمد بن صالح، عن عنبسة، عن يونس، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف به

(1)

، وحديث الليث رواه أبو بكر، عن ابن المبارك عنه، وحديث عبيد الله ابن موسى، عن الأعمش، كذا هو في الأصول، ووقع عند أبي زيد: حدثنا مسدد، ثنا عبيد الله بن موسى. قال الجياني: وهو وَهَمٌ

(2)

.

فصل:

قد عرفت أن تفسير الهرج ذكره مرة ما ظاهره الرفع، ومرة من كلام أبي موسى وأنه بلغة الحبش، وكذا ساقه الحربي في "غريبه" من كلام أبي موسى؛ قال:(الحبش)

(3)

يدعون القتل: الهرج، وهو بتسكين الراء، وأصله الفتنة والاختلاط، قال ابن قيس الرقيات:

ليت شعري أول الهرج هذا

أم زمان فتنة غير هرج

يعني: أول الهرج المذكور في الحديث هذا أم زمان فتنة سوى ذلك، وعن صاحب "العين": الهرج مثال لعب القتال والاختلاط

(4)

.

(1)

"سنن أبي داود"(4255).

(2)

ورد بهامش الأصل: سقط أو أهمل حديث شعيب عن الزهري، عن حميد عن أبي هريرة رواه البخاري في الأدب عن أبي اليمان عن شعيب به، وأخرجه مسلم في النذر عن عبد الله بن عبد الرحمن الراوي عن أبي اليمان به، وحديث ابن أخي الزهري سقط أيضًا أو أهمل. [قلت: انظر: "تقييد المهمل" 2/ 751].

(3)

في (ص 1): الحسن.

(4)

"العين" 3/ 388، مادة:(هرج).

ص: 299

وعن ابن دريد: الهرج الفتنة في آخر الزمان

(1)

. وفي "المحكم": الهرج: شدة القتل وكثرته، والهرج كثرة النكاح، والهرج كثرة النوم وكثرة الكذب

(2)

. وفي "المنتهى" لأبي المعالي: والهرج كثرة الاحتلام. وفي "الصحاح": أصل الهرج الكثرة في الشيء، ومنهم قولهم في الجماع: بات يهرجها الليلة جميعًا

(3)

.

وقوله: (والهرج بلسان الحبش) القتل هذا ليس من لفظ الحبش ولا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فصل:

في "صحيح مسلم"من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه: "العبادة في الهرج كهجرة إليَّ"

(4)

، وأخرجه الترمذي أيضًا، وقال: حديث صحيح، إنما نعرفه من حديث المعلي بن زياد

(5)

.

فصل:

روى ابن ماجه من حديث الحسن عن أسيد،، عن المتشمس، عن أبي موسى بعد قوله عليه السلام:"الهرج القتل". قال رجل من المسلمين: يا رسول الله إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا. فقال عليه السلام: "ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضًا؛ حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته". فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم فقال: "لا تنزع عقول أكثر من ذلك

(1)

"جمهرة اللغة"1/ 469 مادة: (هرج).

(2)

"المحكم"4/ 114. مادة: (هرج).

(3)

"الصحاح" 1/ 350، مادة:(هرج).

(4)

رواه مسلم (2948) كتاب: الفتن، باب: فضل العبادة في الهرج.

(5)

"سنن الترمذي"(2201).

ص: 300

الزمان، ويخلف له هنا من الناس لا عقول لهم". ثم قال الأشعري: والله إني لأظنها تدركني وإياكم، وايم الله لي ولكم منها مخرج إن أدركتنا مما عهد إلينا نبينا ألا نخرج منها كما دخلنا فيها

(1)

. وعند ابن أبي حاتم: "ولكن قتلكم أنفسكم". وقال أبوه: هو وَهمٌ

(2)

.

فصل:

قد سلف في تقارب الزمان هل هو اعتدال الليل والنهار، أو إذا دنا قيام الساعة أو الساعات والأيام والليالي تقصر. وقال الطحاوي: قد يكون معناه تقارب أحوال أهله في ترك طلب العلم خاصة والرضا بالجهل وذلك؛ لأن الناس لا يتساوون في العلم؛ لتفاوت درجه قال تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}

وإنما يتساوون إذا كانوا جهالًا. وقال ابن بطال: معناه -والله أعلم- تفاوت أحواله في أهله في قلة الدين؛ حتى لا يكون فيها من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر؛ لغلبة الفسق وظهور أهله، وقد جاء في الحديث" لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا"، يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف لله؛ يلجأ إليهم عند الشدائد ويستشفى بآرائهم، ويتبرك بدعائهم، ويؤخذ بقولهم وآثارهم. وذكر الخطابي أن حديثه الآخر أنه:"يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة"

(3)

، فان حماد بن سلمة قال: سألت عنه أبا سليمان فقال:

(1)

"سنن ابن ماجه"(3959).

(2)

"علل ابن أبي حاتم" 2/ 426.

(3)

رواه الترمذي (2332)، من حديث أنس، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(1901)

ص: 301

ذلك من استلذاذ العيش، يريد -والله أعلم- خروج المهدي ووقوع الأمنة في الأرض ببسطه العدل فيها، فيستلذ العيش عند ذلك وتستقصر مدته، ولا يزال الناس يستقصرون أيام الرخاء وإن طالت، ويستطيلون [أيام]

(1)

المكروه وإن قصرت، والعرب في مثل هذا كقولهم: مرَّ بنا يوم كعرقوب القطا قصرًا

(2)

.

فصل:

الزمن بفتح الميم جمعه (أزمان)

(3)

وهو شاذ؛ لأن فعلا بالفتح لا يجمع على أفعال إلا حروفًا يسيرة

(4)

زمن وأزمن، وحبل وأحبل، وعصب وأعصب.

فصل:

وقوله: "من شرار الناس .. " إلى آخره. هو إخبار عن أن الكفار والمنافقين شرار الخلق، وهم حينئذ أحياء إذ ذاك؛ قاله ابن التين.

قال ابن بطال: وهو وإن كان لفظه العموم فالمراد به الخصوص، ومعناه أن الساعة تقوم في الأغلب والأكثر على شرار الناس؛ بدليل قوله عليه السلام:"لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرها من ناوأها حتى تقوم الساعة"

(5)

، فدل هذا الخبر أن الساعة أيضًا تقوم

(1)

ليست في الأصول، وأثبتناها من"شرح ابن بطال"، وعنه نقل المصنف.

(2)

"شرح ابن بطال" 10/ 13.

(3)

في (ص 1): أزمن.

(4)

في هامش الأصل كتب: سقط من هنا شيء

(5)

سلف برقم (3640)، ورواه مسلم (1921) من حديث المغيرة بن شعبة، ورواه مسلم (156) من حديث جابر بن عبد الله، ورواه مسلم (1037) من حديث ثوبان، ورواه مسلم (1037/ 174) من حديث معاوية.

ص: 302

على قوم فضلاء، وأنهم في صبرهم على دينهم كالقابض على الجمر، وقد ذكر عليه السلام فضلهم في أحاديث جمة

(1)

.

(1)

"شرح ابن بطال" 10/ 13 - 14.

ص: 303

‌6 - باب لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلاَّ الذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ

7068 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ:«اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» . سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم. [فتح 13/ 19]

7069 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ح. وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ الفِرَاسِيَّةِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ -يُرِيدُ: أَزْوَاجَهُ- لِكَىْ يُصَلِّينَ؟ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ» . [انظر: 115 - فتح 13/ 20]

ذكر فيه حديث الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَي مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ:"اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ". سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم.

وحديث هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ، عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: "سُبْحَانَ اللهِ! وَمَاذَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الخَزَائِنِ؟ .. ". الحديث

وقد سلف في كتاب الصلاة في باب تحريضه على صلاة الليل

(1)

.

وقوله: ("شر منه") كذا وقع في الأصول وهو الفصيح، وأورده ابن التين بلفظ "أشر" وقال: كذا وقع على وزن أفعل. قال الجوهري: فلان

(1)

سلف برقم (1126) كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب.

ص: 304

شر الناس، ولا يقال: أشر الناس إلا في لغة رديئة

(1)

.

والخزائن جمع خزانة: وهو الموضع أو الوعاء الذي يخزن فيه الشيء، سمي بذلك، لأنه يستر المخزون فيه، ومنه قيل للقلوب: خزائن؛ لغوصها واستتارها.

وقوله في آخره: ("رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ") أي: كاسية من النعم عارية من الشكر، فهي عارية في الآخرة من الثواب. وقال الداودي: يعني أهل الزيف والسرف عارية يوم القيامة، قال: ويحتمل أن يريد عارية في النار.

فصل:

حديث أنس من علامات النبوة؛ لإخباره بتغير الزمان وفساد الأحوال، وذكر غيب لا يعلم بالرأي، وإنما يعلم بالوحي، ودل حديث أم سلمة على الوجه الذي يكون به الفساد، وهو ما يفتح الله عليهم من الخزائن، وأن الفتن مقرونة بها، ويشهد لصحة ذلك قول الله:{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6 - 7] فمن فتنة المال ألا ينفق في طاعة الله، وأن يمنع حق الله، ومن فتنته السرف في إنفاقه، ألا ترى قوله:"رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة".

قال المهلب: فأخبر أن ما فتح من الخزائن فتنة الملابس، فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه وغيرهن أن يفتتن في لباس رفيع الثياب التي

(1)

"الصحاح" 2/ 695 مادة: (شرر)، وقرأ أبو قلابة شذوذًا (الكذاب الأَشَرُّ) قال ابن جني في "المحتسب" 2/ 299: لأن أصل قولهم هذا خير منه، وهذا شر منه: هذا أخير منه وأشر منه؛ فأكثر استعمال هاتين الكلمتين، فحذف الهمزة منهما، ويعدل ذلك قولهم: الخورى والشُّرى. اهـ.

ص: 305

تفتن النفوس في الدنيا رقيقها وغليظها، وحذرهن التعري يوم القيامة منها ومن العمل الصالح، وحضهن بهذا القول أن يقدمن ما فتح الله عليهن من تلك الخزائن للآخرة، وليوم يحشر الناس فيه عراة، فلا يكسى إلا الأول فالأول في الطاعة والصدقة والإنفاق في سبيل الله، فمن أراد أن يسبق إلى الكسوة فليقدمها لآخرته ولا يذهب طيباته في الدنيا، وليرفعها إلى يوم الحاجة.

فصل:

وقوله: ("من يوقظ صواحب الحجرات") ندب بعض خدمه لذلك كما قال يوم الخندق: "من يأتيني بخبر القوم"

(1)

؛ فلذلك قال: من سهل عليه في الليل أن يدور على أزواجه فيوقظهن للصلاة والاستعاذة بالله مما أراه من الفتن النازلة كي يوافقن الوقت المرجو فيه الإجابة، فأخبرنا أن حين نزول البلاء (ينبغي)

(2)

الفزع إلى الصلاة والدعاء فيرجى كشفه، لقوله تعالى {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية [الأنعام: 43].

فصل:

هذا كله والذي قبله في الباب الماضي من أعلام النبوة، وقد رأينا هذِه الأشراط عيانا، وأدركناها فقد نقص العلم لا بل قد ذهب، وظهر الجهل لا بل كثر وفشا، وألقي الشح في القلوب، وعَمَّتِ الفتن، وكثر القتل، والنساء كاسيات عاريات.

(1)

سلف برقم (2846) كتاب الجهاد والسير، باب فضل الطليعة.

(2)

ساقطة من الأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال"10/ 15.

ص: 306

‌7 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا»

.

7070 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» . [انظر: 6874 - مسلم: 98 - فتح 13/ 23]

7071 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» . [مسلم: 100 -

فتح 13/ 23]

7072 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ» . [مسلم: 2617 - فتح 13/ 23]

7073 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرٍو: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ بِسِهَامٍ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا؟» . قَالَ: نَعَمْ. [انظر: 451 - مسلم: 2614 - فتح 13/ 23]

7074 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ بِأَسْهُمٍ قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا، فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا، لَا يَخْدِشُ مُسْلِمًا. [انظر: 451 - مسلم: 2614 - فتح 13/ 24]

7075 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا -أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ- أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ» . [انظر: 452 - مسلم: 2615 - فتح 13/ 24]

ساقه من حديث ابن عمر وأبي موسى رضي الله عنهم.

ص: 307

ثم ساق من حديث محمد -هو ابن سلام- إلى أبي هريرة مرفوعًا قَالَ: "لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإنهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ".

وحديث جابر: مَرَّ رَجُل بِسِهَامٍ في المَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا". قَالَ: نَعَمْ.

وفي لفظ أَنَّ رَجُلاً مَرَّ في المَسْجِدِ بِأَسْهُمٍ قَدْ أَبْدى نُصُولَهَا، فَأُمِرَ أَنْ يَأخُذَ بِنُصُولِهَا، لَا يَخْدِشُ مُسْلِمًا.

وحديث أبي موسى مرفوعًا: "إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا -أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفهِ- أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيء".

الشرح:

معنى ("فليس منا")، أي ليس من شريعتنا، فليس متبعًا لها ولا سالكًا سبيلنا؛ لقوله عليه السلام:"ليس منا من شق الجيوب"

(1)

ونظائره؛ لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره ولا يخذله ولا يسلمه، وأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا

(2)

، فمن خرج عليهم بالسيف بتأويل فاسد رآه فقد خالف ما سنه الشارع من نصرة المؤمنين وتعاون بعضهم لبعض، وقيل: يعني إذا كان مستحلا، ويحتمل أن يريد أنه ليس بكامل الإيمان، والفقهاء يجمعون على أن الخوارج من جملة المؤمنين لاجتماعهم كلهم على أن الإيمان لا يزيله

(1)

سلف برقم (1294) كتاب: الجنائز، باب: ليس منا من شق الجيوب.

ورواه مسلم (103) كتاب: الإيمان، باب: تحريم ضرب الخدود ..

(2)

انظر ما سلف برقم (481)، ورواه مسلم (2585).

ص: 308

إلا الشرك بالله ورسوله والجحد لذلك، وأن المعاصي غير الكفر لا يكفر مرتكبها، وفي "مستدرك الحاكم" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود "أتدري ما حكم الله فيمن بغى من هذِه الأمة؟ "قال ابن مسعود: الله ورسوله أعلم، قال:"فإن حكم الله فيهم ألا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ولا يذفف على جريحهم". وعلته كوثر بن حكيم وهو ضعيف

(1)

، وفي رواية للبيهقي:"ولا يقسم فيئهم"

(2)

، وذكره ابن بطال عن كتاب "الكف عن أهل القبلة" لأسد بن موسى، عن هشيم، ثنا كوثر بن حكيم، ثنا نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا به، وبالزيادة الأخيرة. ثم قال: وبهذا عمل علي بن أبي طالب ورضيت الأمة أجمع بفعله هذا فيهم. وقال الحسن بن علي: لولا علي بن أبي طالب ما تعلم الناس كيف يقاتلون أهل القبلة، فقاتلهم على ما كان عنده من العلم فيهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكفرهم ولا سباهم ولا أخذ أموالهم، فموارثتهم قائمة، ولهم حكم الإسلام

(3)

.

فصل:

ونهيه عن الإشارة بالسلاح، وأمره بأن يمسك نصالها من باب الأدب وقطع الذرائع ألا يثير أحد به خوف ما يؤول منه ويخشى من نزغ الشيطان.

(1)

"المستدرك" 2/ 155، وسكت عنه الحاكم، وقال الحافظ الذهبي في "تلخيصه": كوثر متروك.

(2)

"سنن البيهقي" 8/ 182.

(3)

"شرح ابن بطال"10/ 16 - 17.

ص: 309

فصل:

وقوله: ("فيقع في حفرة من النار") أي: إن أنفذ الله عليه وعيده، وهو مذهب أهل السنة.

وقوله: ("ينزع") بالعين المهملة، وذكره ابن بطال بالمعجمة

(1)

، فقال: ومن رواه به، فقال صاحب "العين": نزغ بين القوم نزغًا: حمل بعضهم على بعض لفساد ذات بينهم، ومنه نزغ الشيطان

(2)

. وقال صاحب "الأفعال"

(3)

: نزغ بيد أو رمح: طعن، ثم قال: ومن رواه بالمهملة فهو قريب من هذا المعنى. وقال صاحب "العين": نزعت الشيء من الشيء نزعًا: قلعته منه، ونزع بالسهم: رمى به

(4)

، وعليه جرى ابن التين فقال: قوله: "لعل الشيطان ينزع في يده" أي: يقلعه من يده فيصيب به. وقيل: يشد يده فيصيبه، والخدش أقل من الجراح.

وقوله: ("فليقبض بكفه أن يصيب أحدًا من المسلمين") هو مثل قوله تعالى {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] قال الكسائي: المعنى: لئلا تضلوا، ومثله الحديث "لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله تعالى إجابة"

(5)

، أي: لئلا يوافق، وهذا القول عند البصريين خطأ، لا يجيزون إضمار لا، والمعنى عندهم: كراهة أن تضلوا، ثم حذف، مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82].

(1)

السابق 10/ 17.

(2)

"العين" 4/ 384، مادة:(نزغ).

(3)

"الأفعال" ص 263.

(4)

شرح ابن بطال"10/ 16 - 17.

(5)

رواه مسلم (3009) بنحوه.

ص: 310

‌8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»

7076 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» . [انظر: 48 - مسلم: 64 - فتح 13/ 26]

7077 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي وَاقِدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» . [انظر: 1742 - مسلم: 66 - فتح 13/ 26]

7078 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ هُوَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ:«أَلَا تَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» . قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. فَقَالَ: «أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟» . قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ؟» . قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» . قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ -فَكَانَ كَذَلِكَ- قَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» . فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ حُرِّقَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ. قَالَ: أَشْرِفُوا عَلَى أَبِي بَكْرَةَ. فَقَالُوا: هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَحَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ مَا بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ. [انظر: 67 - مسلم: 1679 - فتح 13/ 26]

7079 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ،

ص: 311

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَرْتَدُّوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» . [انظر: 1739 - فتح 13/ 26]

7080 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» . ثُمَّ قَالَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» . [انظر: 121 - مسلم: 65 - فتح 13/ 26]

ذكر فيه أحاديث:

أحدها: حديث شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ".

ثانيها: حديث ابن عمر وابن عباس وجرير وأبي بكرة مرفوعا بمتن الباب، لكن لفظ ابن عباس:"لا ترتدوا" بدل: "لا ترجعوا" قال جرير: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ "اسْتَنْصِتِ النَّاسَ".

ثم قال: وقال: وحدثنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا قُرَّةُ بْنُ (خَالِدٍ)

(1)

، ثَنَا ابن سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - أَنَّه صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ:"ألا تَدْرُونَ أَيُّ يَوْمِ هذا؟ .. ". الحديث، وقد سلف.

وفيه: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرًاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا، فِي شَهْرِكُمْ هذا .. "الحديث.

وفيه: "فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغِ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ" فكان كذلك، قال:"لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كفَّارًا يًضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ حُرِّقَ ابن الحَضْرَمِيَّ حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ. قَالَ: أَشْرِفُوا عَلَى

(1)

وقع في الأصل: قرة.

ص: 312

أَبِي بَكْرَةَ. فَقَالُوا: هذا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَحَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ مَا بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ.

الشرح:

الرجل الآخر هو حميد بن عبد الرحمن الحميري البصري، سماه أبو عامر

(1)

، عن قرة، عن ابن سيرين، ورواه مسلم، عن أحمد بن خراش، ومحمد بن عمرو بن جبلة، عن أبي عامر

(2)

.

وحميد بن عبد الرحمن هذا، من أفراد مسلم.

وأبو بكرة اسمه نفيع أخو نافع وزياد، أمهم سمية مولاة الحارث بن كلدة، وقيل: أبوه مسروح، وأن الحارث استلحقه، وكان تدلى إلى رسول الله يوم الطائف ببكرة فقيل له: أبو بكرة، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعتقاء من ثقيف والطلقاء من قريش.

وفي سند حديث ابن عمر رضي الله عنهما واقدٌ، عن أبيه، عن ابن عمر، وهو واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، اتفقا عليه، وانفرد مسلم بواقد بن عمرو بن سعد بن معاذ بن النعمان الأشهلي لا ثالث لهما

(3)

.

وشيخ البخاري في حديث ابن عمر محمد بن إشكاب، وهو أبو جعفر محمد بن الحسين بن إبراهيم بن الحارث وزغلان المعافري (النسائي)

(4)

الأصل البغدادي، أخو أبي الحسن علي الأكبر، وإشكاب

(1)

في هامش الأصل: أبو عامر هو العقدي.

(2)

مسلم (1679/ 31).

(3)

في هامش الأصل: يعني في البخاري ومسلم.

(4)

في الأصل: (السبائي) والمثبت من (ص 1)، وهو الصواب؛ ففي ترجمته من "تهذيب الكمال" 25/ 79 (5154): أصلهم من خراسان، من نسا. ا. هـ قلت: ونسا ينسب إليها نسائي.

ص: 313

لقب لأبيهما الحسين، روى عن محمدٍ البخاريُّ وأبو داود والنسائي، ولد سنة إحدى وثمانين ومائة، قومات سنة إحدى وستين ومائتين. وروى عن أخيه علي الكبير أبو داود والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: ثقة، ومات في شوال سنة إحدى وستين ومائتين، ومات في هذِه السنة مسلم بن الحجاج في رجب منها، ومات البخاري قبلهم ليلة السبت (يوم الفطر منه)

(1)

سنة ست وخمسين.

فصل:

هذا الباب في معنى الذي قبله، فيه النهي عن قتل المؤمنين بعضهم بعضًا، وتفريق كلمتهم، وتشتيت شملهم، وليس معنى قوله:"لا ترجعوا بعدي كفارا" النهي عن ضد الإيمان، وإنما المراد كفر حق المسلم على المسلم الذي أمر به من التناصر والتعاضد، والكفر -في لسان العرب- التغطية، وكذلك قوله:"قتاله كفر" يعني: بحقه وترك موالاته ونصره؛ للإجماع على أن المعاصي لا يكفرون بارتكابها، وقيل: المعنى: لا يكفر بعضكم فتستحلوا أن تقاتلوا ويضرب بعضكم رقاب بعض. وقيل: إنه أراد بالحديث أهل الردة. حكاهما الخطابي

(2)

.

قال موسى بن هارون: هؤلاء أهل الردة قتلهم أبو بكر، وقد سلف في باب الخطبة في أيام مني من كتاب الحج زيادة في معنى هذا الحديث، فراجعه

(3)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

"أعلام الحديث" 3/ 1781.

(3)

راجع شرح حديث (1739).

ص: 314

فصل:

قال المهلب: وابن الحضرمي رجل امتنع من الطاعة فأخرج إليه (جارية)

(1)

بن قدامة جيشًا فظفر به في ناحية من العراق، وكان أبو بكرة يسكنها، فأمر (جارية)(1) بصلبه فصلب، ثم ألقى النار إلى جذع الذي صلب فيه بعد أيام، ثم أمر جارية من (حشمه)

(2)

أن يشرفوا على أبى بكرة؛ ليختبروا إن كان يحارب فيعلم أنه على غير طاعة أو يستسلم فيعرف أنه على الطاعة، فقال له (حشمه)

(3)

: هذا أبو بكرة يراك وما صنعت في ابن الحضرمي وما أنكر عليك بكلام ولا بسلاح، فلما سمع أبو بكرة ذلك وهو في عليَّة له؛ فقال: لو دخلوا عليَّ داري ما بهشت، فكيف أن أقاتلهم بسلاح؛ لأني لا أرى الفتنة في الإسلام، ولا التحرك فيها (يعني)

(4)

إحدى الطائفتين

(5)

.

قال ابن عبد البر: أرسل معاوية عبد الله بن الحضرمي ليأخذها له من زياد، وكان أميرًا بها لعلي، فكتب زياد إلى علي، فأرسل إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي، فقتل غيلة، فبعث علي بعده (جارية)

(6)

بن قدامة، فأحرق على ابن الحضرمي الدار التي يسكنها، وكان ينزل في بني تيم في دار ابن شبل

(7)

.

(1)

في (ص 1): حارثة.

(2)

هكذا بالأصل، ولعلها زائدة.

(3)

كذا بالأصل وفي ابن بطال (خيثمة).

(4)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال": مع ولعله المناسب للسياق.

(5)

انظر: "شرح ابن بطال"10/ 19.

(6)

تصحفت في (ص 1): حارثة.

(7)

ورد بهامش الأصل: صوابه دار شبل.

[قلت: انظر كلام ابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 299، وجاء فيه: دار شبيل].

ص: 315

فصل:

معنى: (ما بهشت بقصبة): ما مددت يدي إليها، ولا تناولتها لأدافع بها. وعبارة صاحب "الواعي": يريد ما بادرت ولا حننت. وقيل معناه: وما قاتلت. قاله عياض

(1)

، وهو بموحدة ثم شين معجمة، وقال الطبري: معناه ما تناولتهم ولا مددت يدي إليهم بسوءٍ، يقال للإنسان إذا نظر إلى الشيء فأعجبه واشتهاه وتناوله وأسرع إليه: بهش إلى كذا. سأل رجل ابن عباس عن حية قتلها، فقال: هل بهشت إليك؟ أي: أقبلت أو أسرعت إليك، ويقال للرجل إذا أراد معروف الرجل أو أراد مكروهه وتعرض لخيره أو شره. بهش فلان إلى كذا وكذا، وفي كتاب"الأفعال

(2)

": بهشت إلى فلان (خففت)

(3)

إليه، ورجل بهش وباهش

(4)

، وفي "الموعب": بهش بيده بهشا مثال ذبح تناول الشيء فنالته يده أو قصرت عنه. وبهش القوم بعضهم إلى بعض، وهو من أدنى القتال. وقال ابن التين: أي: ما قمت إليه. قال الجوهري: بهش يبهش بهشًا إذا ارتاح له وخف إليه

(5)

، وهو بفتح الهاء. قال ابن التين: ورويناه بكسرها، قال: وقيل معناه: ما رميت بقصبة، وقيل: ما تركت. وقال بعضهم: البهش: المسارعة إلى أخذ الشيء. قال: وقيل: ما تركت،

(1)

"مشارق الأنوار" 1/ 102.

(2)

كذا بالأصل، وفي صلب "شرح ابن بطال"10/ 19 (الأفعال)؛ وأشار محقق الكتاب أن في إحدى نسخ مخطوطات شرح ابن بطال:(العين) بدل (الأفعال) ولعله الصواب.

(3)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"10/ 19، وفي "العين" 3/ 403: حننت، ولعله ما في "العين" تحريف، يؤيد قولنا ما يأتي من كلام الجوهري.

(4)

انظر: "العين" 3/ 403.

(5)

"الصحاح" 3/ 996.

ص: 316

وقال بعضهم لابن (حبناء)

(1)

:

سَبَقتَ الرِجالَ الباهِشينَ إِلى العُلا

كسبق الجواد اصطاد قبل الطوارد

وهذا البيت عزاه الطبري للنابغة

(2)

.

وقال الأزهري: هو للمغيرة بن حبناء وليس في ديوان المغيرة بن حبناء

(3)

فكأن الصواب ما قاله الطبري، ولفظه عنده (إلى الندى)

(4)

بدل (العلا فِعَالًا ومجدًا والفعال سباقُ).

وقوله: ("يضرب بعضكم رقاب بعض") من جزم الباء من "يضربْ" أَوَّلَهُ على الكفر الحقيقي الذي فيه ضرب الأعناق، ومن رفعها فكأنه أراد الحال أو الاستئناف، ولا يكون متعلقا بما قبله، وقد أسلفنا حكايه قولين في قوله "كفارًا" هل هو من لبس السلاح؟ يقال: كفر فوق درعه إذا لبس فوقها ثوبا آخر، أو يكفر الناس فيكفر كفعل الخوارج كما قال عليه السلام:"من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما"

(5)

، وقال الداودي: لا تستحلوا من المؤمنين ما تستحلون من الكفار فتكونوا كفارًا، ولا تفعلوا بهم ما لا يحل وأنتم ترونه حرامًا، فذلك كفر نعمة وقريب من الإثم في الكفر.

فصل:

قوله: ("أي يوم هذا؟ ") كان بمنى، وكان هذا في خطبته كالوداع؛ فسميت حجة الوداع لذلك.

(1)

في الأصل: جبلة.

(2)

كذا نقله عنه ابن بطال 10/ 19.

(3)

"تهذيب اللغة"1/ 404 - 405.

(4)

في الأصل: ولا.

(5)

سلف برقم (6104)، ورواه مسلم (60) من حديث ابن عمر.

ص: 317

وقوله: ("كحرمة يومكم .. ") إلى آخره يعني: حرمة الظلم لأن الظلم في الحرم وإثمه أعظم من إثم الظلم في غيره.

وقوله: ("وأبشاركم") هو جمع بشر، وهو ظاهر جلد الإنسان، وأما البشر الذي هو الإنسان فلا يثنى ولا يجمع؛ قال القزاز: وأجاز قوم تثنيته فقط؛ لقوله تعالى {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47].

فصل:

قوله: (فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي) بخط الدمياطي: (الوجْهُ)

(1)

أُحرق وأحرقه.

(1)

من (ص 1).

ص: 318

‌9 - باب تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ

7081 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا

خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ». [انظر: 3601 - مسلم: 2886 - فتح 13/ 29]

7082 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» . [انظر: 3601 - مسلم: 2886 - فتح 13/ 30]

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ فِتَن، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ". (وفي لفظ "مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ")

(1)

.

الشرح:

زاد الإسماعيلي: "والنائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القاعد"، ولمسلم" والنائم فيها خير من اليقظان"

(2)

، وفي حديث أبي

(1)

من (ص 1).

(2)

مسلم (2886/ 12).

ص: 319

بكرة"ستكون فتن القاعد فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي إليها، فإن أنزلت أو وقعت"

(1)

، وللبزار:"ستكون فتن، ثم تكون فتن" بزيادة: "والمضطجع خير من القاعد فيها" قال: هذا الحديث لا نعلم (يروى)

(2)

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، ولم يروه عن مسلم بن أبي بكرة إلا عثمان الشحام، وقد روى عنه غير واحد، ولم يسندوه عنه

(3)

.

ولأبي داود: "المضطجِع فيها خير من الجالس، والجالس خير من القائم"

(4)

. وعن ابن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فذكر بعض حديث أبي بكرة، وعن خريم بن فاتك الأسدي (رفعه)

(5)

، كما حدث ابن مسعود

(6)

، وعن أبي موسى "إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم؛ القاعد فيها خير من القائم والماشي فيها خير من الساعي"

(7)

. وعند ابن ماجه "والقائم فيها خير من الماشي"

(8)

، وللترمذي مثله بزيادة ما في الذي قبله من حديث سعد بن أبي وقاص. ثم قال: حسن

(9)

.

وروينا من حديث إلى المُخَلِّص خرشة بن الحر المحاربي مرفوعا:

(1)

رواه مسلم (2887).

(2)

من (ص 1).

(3)

"مسند البزار" 9/ 127 - 128.

(4)

أبو داود (4256).

(5)

من (ص 1).

(6)

أبوداود (4258)

(7)

أبو داود (4259).

(8)

ابن ماجه (3951).

(9)

الترمذي (2194).

ص: 320

"ستكون بعدي فتنة النائم فيها خير من اليقظان، والجالس خير من القائم، والقائم خير من الساعي"

(1)

، ولابن أبي حاتم من حديث عبد الرحمن بن البيلماني عن عبد الله بن فروخ، عن أنس مرفوعًا:"تكون فتنة النائم فيها خير من القاعد"، ثم قال: قال أبي: هذا خطأ

(2)

.

فصل:

يريد القاعد عنها خير من القائم الذي لا يستشرفها. قال الداودي: والظاهر أنه إنما أراد أن يكون فيها قاعدًا قال: والقائم خير من الماشي في أسبابه لا يردونها، فربما وقع في شيء يكرهه أو يضره. قال: وقوله: "من تشرف لها" أي: دخل في شيء منها، قال: وقوله: "تشرفه" معناه: من دخل في شيء منها، وانتصب قبلته، ويكون من أشرف لها، الإشراف لها على حاله من خير أو شر. يقال: أشرف المريض إذا أشفى على الموت ويقال: هم على شرف من كذا. ويقال: استشرفته أي أهلكت ما أشرف منه وأصابته؛ قال: وروي في حديث: "إن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وإنها أقرب إلى الله تعالى إذا كانت في قعر بيتها"

(3)

.

وقوله: ("فمن وجد ملجأ أو معاذًا") معناهما واحد، ومعاذ بالفتح، قال ابن التين: ورويناه بضمها.

فصل:

فإن قلت: ما معنى حديث الباب، وهل المراد به كل فتنة بين

(1)

رواه أحمد 4/ 106.

(2)

"علل ابن أبي حاتم" 2/ 413.

(3)

رواه ابن حبان 12/ 412 (5598).

ص: 321

المسلمين أو بعض الفتن دون بعض؟ وعلى الأول ما تقول في الفتن الماضية وقد علمت أنه نهض فيها من أخيار الناس خلق كثير.

وإن قلت: الثاني، فما المعني به، وما الدليل على ذلك؟ أجاب الطبري بأنه قد اختلف السلف في ذلك؛ فقال بعضهم: المراد به جميع الفتن وعليه الاستسلام ولزوم البيوت، وهي التي قال الشارع فيها:"القاعد فيها خير من القائم"، وممن قعد فيها: حذيفة ومحمد بن مسلمة وأبو ذر وعمران بن حصين وأبو موسى الأشعري وأسامة بن زيد وأهبان بن صيفي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو بكرة، ومن التابعين: شريح والنخعي.

ثم ذكر حجتهم من طريق النظر وهو التأويل، وإن كان خطأ كالمجتهد، والواجب إذا اقتتل حزبان من المسلمين بهذِه الصفة ترك المعاونة ولزوم البيت، كما أمر الشارع أبا ذر ومحمد بن مسلمة وابن عمر وما عمل به من تقدم من الصحابة.

وقال آخرون: إذا كانت فتنة بين المسلمين فالواجب لزوم البيوت، وترك معونة أحد الحزبين، نعم يدفع وإن أتى على النفس فهو شهيد. روي ذلك عن عمران بن حصين وابن عمر وعبيدة السلماني.

وقال آخرون: كل فرقتين اقتتلا، فإن كانتا مخطئتين فعلى المسلمين الأخذ على أيديهم والعقوبة وإن كانت أخطأت إحداهما فالواجب الأخذ على الأولى ومعونة الثانية، روي ذلك عن علي وعمار وعائشة وطلحة ورواية عن ابن عمر، وقتل أويس القرني مع علي في الرجالة كما قاله إبراهيم بن سعد، وروى الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه أنه قال: ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت أني لم أقاتل

ص: 322

هذِه الفئة الباغية كما أمرني الله

(1)

. وقال عبد الله بن عمرو: لم أضرب بسيف ولم أطعن برمح، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أطع أباك" فأطعته

(2)

. وقيل لإبراهيم النخعي: من كان أفضل علقمة أو الأسود؟ فقال: علقمة؛ لأنه شهد صفين وخضب سيفه بها. وقال: أبو اسحاق شهد مع علي وعبيدة السلماني وعلقمة وأبو وائل وعمرو بن شرحبيل. وقال ابن إسحاق: خرج مع ابن الأشعث في الجماجم ثلاث آلاف من التابعين ليس في الأرض مثلهم أبو البَخْتري والشعبي وسعيد بن جبير وعبد الرحمن ابن أبي ليلى والحسن البصري.

وقال آخرون: كل قتال وقع بين المسلمين ولا إمام لجماعتهم يأخذ المظلوم من الظالم فذلك القتال هو الفتنة التي أمر الشارع بالاختفاء في البيوت فيها، وكسر السيوف، سواء أكانتا مخطئتين أو إحداهما. روِي ذلك عن الأوزاعي.

قال الطبري: وأنا قائل بالصواب في ذلك وأجمع بين أمره بالبيوت وما عارضه من الأمر بقتال الناكثين والفاسقين والمارقين والأخذ على أيدي السفهاء والظالمين أن الفتنة أصلها البلاء والاختبار، وكان حقًّا على المسلمين إقامة الحق ونصرة أهله وإنكار المنكر كما وصفهم الله تعالى بقوله:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} الآية [النور: 41]. فمن أعان المحقة فهو المصيب.

ويستحيل عقلاً اقتتالهم وكلاهما محق. والحالة التي وصف الشارع أن: "القاعد فيها خير من القائم" هي حالة البطلان منهما، يعني: القاعد

(1)

رواه الحاكم 2/ 502، والبيهقي 8/ 172.

(2)

رواه أحمد 2/ 165 بنحوه.

ص: 323

عنها خير من الناهض. وكذا إذا أشكل على الناظر خطأ إحداهما وإصابة الأخرى.

ويحتمل أن يكون مخرج الكلام من الشارع ذلك كان في خاص من الناس على ما روي عن عمار لأبي موسى رضي الله عنهما، وتبطأ عن النهوض فيها، ونهى عن السعي إليها، وأمر بالجلوس عنها من جلة الصحابة كسعد وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وأبي مسعود الأنصاري وابن عمر وأبي موسى وغيرهم يكثر إحصاؤهم.

روى أهل العراق عن علي وعبد الله أنه عليه السلام أمر عليًّا رضي الله عنه بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وعن أبي سعيد وغيره أنه عليه السلام قال: "لتقاتلن على تأويله كما قاتلت على تنزيله"

(1)

.

وروى أهل الشام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاوية: أنه الذي يقاتل على الحق، وأنه عليه السلام ذكر فتنة، فمر به عثمان رضي الله عنه -فقال:"هذا وأصحابه يومئذ على الحق"

(2)

.

وكل راو منهم لرواية يدعي أنها الحق، وأن تأويله أولى. وإذا كان الأمر كذلك، علم أن القول في ذلك من غير وجه النص والاستخراج الذي لا يوجد في مثله إجماع من الأمة على معنى واحد.

ولذلك قيل في قتلى الفريقين ما قيل من رجاء الفريق الآخر (الإصابة)

(3)

وأمن على فريق الشبهة.

(1)

رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 10/ 239 (4060).

(2)

رواه أحمد 4/ 236.

(3)

من (ص 1).

ص: 324

‌10 - باب إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا

7083 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلَاحِي لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ، فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» . قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ:«إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» . قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لأَيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَانِي بِهِ، فَقَالَا: إِنَّمَا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ الحَسَنُ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بِهَذَا.

وَقَالَ مُؤَمَّلٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ. وَرَوَاهُ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ.

وَقَالَ غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ. [انظر: 31 - مسلم: 2888 - فتح 13/ 31]

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الحجبيٌّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلَاحِي لَيَالِيَ الفِتْنَةِ، فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا (التقي)

(1)

المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ». قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ:«إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» . قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا الحَدِيثَ لأَيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَانِي بِهِ، فَقَالَا: إِنَّمَا رَوَى هَذَا الحَسَنُ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ. وحَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن حرب، ثَنَا حَمَّادٌ بِهَذَا.

(1)

في (ص 1): تواجه.

ص: 325

وَقَالَ مُؤَمَّل: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ والعلاءُ ابْنُ زِيَادٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ. وَرَوَاهُ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ.

وَقَالَ غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ.

الشرح:

يشبه أن يكون الرجل الذي لم يسمه حماد هو هشام بن حسان أبو عبد الله القردوسي. كما قال الإسماعيلي في "صحيحه" حدثنا الحسن، ثنا محمد بن عبيد بن حسان، ثنا حماد بن زيد، ثنا هشام، عن الحسن، فذكره توضحه رواية النسائي عن علي بن محمد، عن خلف بن تميم، عن زائدة، عن هشام، عن الحسن .. الحديث

(1)

.

ورواه البخاري في الإيمان عن عبد الرحمن بن المبارك، ثنا حماد بن زيد، ثنا أيوب ويونس، عن الحسن، عن أبي بكرة

(2)

، فيجوز أن يكون أحدهما وأن يكون ما ذكره البخاري بعد. والتعليق عن مؤمل أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى؛ ثنا أبو موسى، ثنا مؤمل بن إسماعيل فذكره، قال: وحدثنا موسى، ثنا يزيد بن (حيان)

(3)

، ثنا مؤمل، ثنا حماد بن زيد، ثنا أيوب ويونس .. إلى آخره. قال الدارقطني: رواه أيوب ويونس وهشام ومعلَّى عن الحسن، عن الأحنف، عن أبي

(1)

"المجتبي" 7/ 29.

(2)

سلف برقم (31).

(3)

في (ص 1): سنان.

ص: 326

بكرة. ورواه حماد بن زيد، عن يونس وهشام فقال: عن الحسن، عن الأحنف

(1)

.

وقال أبو خلف: عبد الله بن عيسى ومحبوب بن الحسن، عن موسى، عن الحسن، عن أبي بكرة. وقال: الثوري وزائدة؛ عن هشام، عن الحسن، عن أبي بكرة، وكذلك قال أبو الربيع الزهراني عن حماد بن زيد، وقد كان حماد إذا جمع بين أيوب وهشام ويونس في الإسناد علَّى إسناد حديث أيوب، فذكر فيه الأحنف، وهما لم يذكرانه. ورواه قتادة وجسر بن فرقد ومعروف الأعور، عن الحسن، عن أبي بكرة، ولم يذكروا فيه الأحنف.

والصحيح حديث أيوب حدث به عنه حماد بن زيد ومعمر.

وقول البخاري: (ورواه معمر، عن أيوب) أخرجه الإسماعيلي، عن ابن ياسين، ثنا زهير بن محمد والرمادي قالا: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أيوب، عن الحسن.

وفي "مسند البزار": حدثنا سلمة بن شيبة وأحمد بن منصور قالا: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بكرة يرفعه.

وحدثنا طالوت بن عبادة، ثنا سويد بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عنه مرفوعًا بنحوه. وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه بهذا اللفظ إلا أبو بكرة، وله عنه طرق

(2)

.

قلت: قد أخرجه النسائي من حديث محمد بن إسماعيل بن إبراهيم،

(1)

"علل الدارقطني" 7/ 162 - 163.

(2)

"مسند البزار" 9/ 101 - 102 (3637 - 3638).

ص: 327

عن يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، عن الحسن، عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا:"إذا تواجه المسلمان بسيفيهما" الحديث

(1)

، وأخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف من حديث أنس مرفوعًا:"ما من مسلمين التقيا بأسيافهما إلا كان القاتل والمقتول في النار"

(2)

.

وقوله: (قال غندر .. ) إلى آخره. قال الإسماعيلي: أخبرنا بحديث غندر أبو يعلى، ثنا أبو بكر -هو ابن أبي شيبة- ثنا غندر، ولفظه عند ابن ماجه:"إذا التقى المسلمان حمل أحدهما على أخيه بالسلاح فهما على جرف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلا جميعًا"

(3)

.

وقوله: (ولم يرفعه سفيان، عن منصور) قال الإسماعيلي: أوقفه عنه الفاريابي ويعلي بن زيد. ورفعه عنه مؤمل، أخبرنا القاسم وأحمد بن محمد بن عبد الكريم، عن منصور، عن ربعي، عن أبي بكرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا التقيا المسلمان بسيفيهما" الحديث. وفي الباب غير حديث أبي بكرة.

ففي الترمذي من حديث الحذاء، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه:"من أشار إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة" وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، مستغرب من حديث الحذاء، وروى أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة نحوه، ولم يرفعه، وزاد فيه:"وإن كان لأبيه وأمه"

(4)

.

(1)

"المجتبى" 7/ 124.

(2)

ابن ماجه (3936).

(3)

السابق (3969).

(4)

الترمذي (2162).

ص: 328

وفي "علل ابن أبي حاتم": سألت أبي عن حديثٍ رواه حماد بن زيد، عن يونس وأيوب، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه:"إن الملائكة تلعن أحدكم إذا أشار إلى أخيه بحديدة". فقال أبي: قد رواه حماد بن سلمة، عن أيوب ويونس، عن محمد، عن أبي هريرة مرفوعًا. قلت لأبي: فأيهما الصحيح الموقوف أو المسند؟ قال: المسند أصح

(1)

. وسألت أبي عن حديث رواه إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، عن ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكره بلفظ:"وإن كان أخاه لأبيه وأمه" فقال أبي: هذا حديث لم يروه إلا ابن عون وهشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة رفعه. ولا أعلم أحدًا رواه عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، وهو منكر بهذا الإسناد

(2)

.

فصل:

ولهذا الحديث أيضًا قعد من قعد من الصحابة عن الدخول في الفتنة ولزموا بيوتهم، وفسر أهل العلم هذا الحديث فقالوا: إنه ليس على الحتم بأنهما في النار، وإنما معناه أنهما يستحقانها إلا أن يشاء الله أن يغفر لهما؛ لأنه عليه السلام سماهما مسلمين، وإن قتل أحدهما صاحبه.

ومذهب جماعة أهل السنة إن شاء الله تعالى في وعيده لعصاة المؤمنين بالخيار بين العفو والعقوبة. وقد أسلفناه واضحًا في كتاب الإيمان.

(1)

"علل ابن أبي حاتم" 2/ 257 (2266).

(2)

السابق 2/ 420 - 421 (2767).

ص: 329

فصل:

وفيه أيضًا دليل أنه إذا التقى المسلمان بسيفيهما، واختلفت طائفتان على التأويل في الدين ولم يتبين البغي من أحدهما أنه يجب (القعود)

(1)

عنهما وملازمة البيوت، ولهذا تخلف محمد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وحذيفة وجماعة عن تلك المشاهد؛ لأنه لم يتبين لهم ما قام فيه المقتتلون وأخذوا بقوله:"تكون فتن القاعد فيها خير من القائم" فأما إذا ظهر البغي في إحداهما لم يحل لمسلم أن يتخلف عن قتال الباغية، لقوله تعالى:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ} لو أمسك المسلمون عن ذلك لبطلت فريضة من فرائض الله، وهذا يدل أن قوله:"فالقاتل والمقتول في النار" ليس في أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم إنما قاتلوا على التأويل، وكلاهما عندنا محمودة مجتهدة برة تقية، وقد قعد عنها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يروا في ذلك بيانًا، وهم كانوا أولى بمعرفة الحق، فكيف يحكم لأحد الفريقين على الآخر، ألا ترى أنه عليه السلام شهد لعلي وطلحة والزبير بالشهادة، فكيف يكون شهيدًا من يحل دمه، وكيف يحكم لأحد الفريقين على الآخر وكلاهما شهداء؟! روى خالد بن خداش عن الدراوردي، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير على حراء، فقال -علية السلام-:"اسكن حراء فإنه ليس عليك إلا نبي وصديق وشهيد"

(2)

، وكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على المسلم توقيرهم

(1)

في الأصل: العقوبة، والمثبت من (ص 1)، وهو الصحيح.

(2)

رواه مسلم (2417).

ص: 330

والإمساك عن ذكر زللهم ونشر محاسنهم، وكل من ذهب منهم إلى تأويل فهو معذور، وإن كان بعضهم أفضل من بعض وأكثر سوابق.

فصل:

وقيل: معنى الحديث التحذير من الوقوع في الفتن التي لا يعلم حقيقة الظالم فيها من المظلوم، فكان الصحابة في ذلك بين متأول يرى نفسه على حق، وآخر يرى أنه أحق منه في تأويله، وآخر كاف عن الدخول فيها.

فصل:

وقوله: ("كان حريصًا على قتل صاحبه") جعله مأثومًا بالحرص، وهذا احتج به القاضي ابن الطيب؛ لأنه يقول: من عزم على المعصية ووطن عليها مأثوم في اعتقاده وعزمه. والفقهاء على خلافه لا يرون عليه شيئًا، وتأولوا هذا الحديث على أن الإثم متعلق فيه بالفعل؛ لأنه قال:"إذا التقى المسلمان بسيفيهما" فتعلق بالفعل والمقاتلة، وهو الذي وقع عليه اسم الحرص هنا.

واحتج الفقهاء بقوله عليه السلام: "من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه"

(1)

، وانفصل عن ذلك على أنه لم يوطن نفسه على فعلها، وإنما مرَّ ذلك بتفكيره من غير استقرار. وهذا محمول عنه بقوله: "وما (حدثت)

(2)

به أنفسها"

(3)

، وأما ما نواه ووطن نفسه عليه فهو مؤاخذ به بدليل هذا الحديث، وبقوله:"إنما الأعمال بالنيات"

(4)

، والنية

(1)

سلف برقم (6491)، ورواه مسلم (131).

(2)

بياض بالأصل، والمثبت من (ص 1).

(3)

سلف برقم (5269)، ورواه مسلم (127).

(4)

سلف برقم (1)، ورواه مسلم (1907).

ص: 331

عمل، وبقوله تعالى:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} الآية [البقرة:284]، وقوله:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} وقوله: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 235] وقوله في قوم صالح: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)} [النمل: 50] فأهلكهم بذلك.

واختلف قول مالك في الطلاق بالنية، وإن أصبح ينوي الفطر ولم يأكل، فشك ابن القاسم في الكفارة، وقال أشهب: القضاء استحسان بلا كفارة

(1)

.

فصل:

قوله: "فكلاهما في النار"(كلا) عند البصريين في تأكيد (الأمرين)

(2)

نظير (كل) في المجموع، وهو اسم مفرد غير مبني

(3)

.

وخالف فيه الفراء فقال

(4)

: إنه مبني، وهو مأخوذ من كل، وخففت اللام وزيد الألف للتثنية، وضعفه البصريون؛ لأنه لو كان مبنيًا لوجب أن تنقلب ألفه في النصب والجر مع الاسم الظاهر في قولك: رأيت

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 15 - 16.

(2)

في (ص 1): الاثنين.

(3)

يرى البصريون أن (كلا) فيها إفرادٌ لفظيٌّ وتثنية معنوية، بينما يرى الكوفيون أن فيها تثنية لفظية ومعنوية، وأصل (كلا) عندهم -أعني الكوفيين- (كل) فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية. وأصل الألف عند البصريين كألف (عصا ورحا).

انظر: "الإنصاف" لابن الأنباري ص 355 - 361، "معاني القرآن" للفراء 2/ 142، "المقتضب" 3/ 241.

(4)

"معاني القرآن" 2/ 142.

ص: 332

كلا الرجلين. ولأن معنى (كلا) مخالف لمعنى (كل)

(1)

؛ لأن (كلا) للإحاطة وكلًّا يدل على شيء مخصوص.

(1)

لأن الحمل في (كلا) على اللفظ أكثر من المعنى، وساق البصريون على ذلك دلائل عقلية مقرونة بأخرى نقلية. انظر:"الإنصاف" لابن الأنباري ص 358، "المقتضب" 3/ 241.

ص: 333

‌11 - باب كَيْفَ الأَمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ

؟

7084 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيَّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:«نَعَمْ» . قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» . قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيٍ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ» . قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ،

مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ:«هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» . قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» . قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» . [انظر: 3606 - مسلم: 1847 - فتح 13/ 35]

ذكر فيه حديث حذيفة رضي الله عنه: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ .. الحديث.

كما سلف في باب علامات النبوة.

وهو علم من أعلام نبوته، وذلك أنه عليه السلام أخبر حذيفة بأمور مختلفة من الغيب لا يعلمها إلا من أوحي إليه بذلك من أنبيائه الذين هم صفوة خلقه، وفيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك القيام على أئمة الحق، ألا ترى أنه عليه السلام وصف (أئمة)

(1)

أزمان الشر فقال: "دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها".

(1)

من (ص 1).

ص: 334

فوصفهم بالجور والباطل والخلاف لسنته؛ لأنهم لا يكونون دعاة على أبواب جهنم إلا وهم على ضلال، ولم يقل: فيهم من تعرف منهم وتنكر، كما قال في الأولين، وأمر مع ذلك بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ولم يأمر بتفريق كلمتهم وشق عصاهم.

فصل:

اختلف أهل العلم في معنى أمره عليه السلام بلزوم الجماعة، ونهيه عن الفرقة، وصفة الجماعة التي أمر بلزومها -كما حكاه الطبري- فقال بعضهم: هو أمر إيجاب، والجماعة هي السواد الأعظم، وقالوا: كل ما كان عليه السواد الأعظم من أهل الإسلام من أمر دينهم، فهو الحق الواجب، والفرض الثابت الذي لا يجوز لأحد من المسلمين خلافه، وسواء خالفهم في حكم من الأحكام، أو في إمامهم القيم بأمورهم وسلطانهم فهو مخالف للحق؛ ذكر من ذلك: روى ابن سيرين قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه أتيت أبا مسعود الأنصاري، فسألته عن الفتنة فقال: عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، والجماعة حبل الله، وإن الذي تكرهون من الجماعة خير من الذي تحبون من الفرقة

(1)

. واحتجوا برواية ابن ماجه من حديث أنس مرفوعًا: "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة". ومن حديث راشد بن سعد، عن عوف بن

(1)

لم أقف على هذا الأثر عن أبي مسعود الأنصاري، وقد روي عن ابن مسعود، رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 380 (7577)، والآجرى في "الشريعة"(14)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 555، كلهم عن ثابت بن قطبة، عنه.

ص: 335

مالك رضي الله عنه مرفوعًا: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فرقة واحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، واحدة وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار". قيل: من هم؟ قال: "الجماعة"

(1)

.

وقال أبو زرعة في "تاريخه": حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك: "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمهم ضررًا قوم (يقيسون)

(2)

". الحديث مردود قال: وهذا حديث صفوان، وأنكره يحيى بن معين، وقال ابن عدي: موضوع

(3)

. وذكره الحاكم في "مستدركه" من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة .. " الحديث، ثم قال: هذا حديث (كبير)

(4)

في الأصول، وقد روي عن سعد بن أبي وقاص، وعوف بن مالك، وعبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد احتج مسلم بمحمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة واتفقا جميعًا على الاحتجاج بالفضل بن موسى رواية عن محمد بن عمرو

(5)

. قلت: وتابعه النضر بن شميل أخرجه الآجري في "الشريعة"

(6)

ثم رواه من حديث ابن عمرو وأنس وعلي وسعد بن أبي وقاص ومعاوية بن أبي سفيان

(7)

، وأخرجه اللالكائي في "سننه" من حديث

(1)

"سنن ابن ماجه"(3992).

(2)

في الأصل: (يسقون)، والمثبت من"الكامل" لابن عدي.

(3)

"الكامل في ضعفاء الرجال" 4/ 497، وتكملة الحديث:"يقيسون الرأي؛ يستحلون به الحرام، ويحرمون به الحلال".

(4)

في "المستدرك": كثر.

(5)

"المستدرك" 1/ 6.

(6)

"الشريعة"(19).

(7)

السابق ص 19 - 21.

ص: 336

أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعًا، وروى معتمر بن سليمان (المري)

(1)

عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (مرفوعًا: "لا تجتمع) أمتي على ضلالة أبدًا، ويد الله على الجماعة هكذا فاتبعوا السواد الأعظم؛ فإنه من شذ شذ في النار"

(2)

.

وقال آخرون: الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هى جماعة أئمة العلماء، وذلك أن الله سبحانه جعلهم حجة على خلقه، وإليهم تفزع العامة في دينها وهم تبع لها، وهم المعنيون بقوله:"إن الله لن يجمع أمر أمتي على ضلالة".

ذكر من قال (ذلك)

(3)

: روى المسيب بن رافع قال: كانوا إذا جاءهم شيء ليس في كتاب ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سموه صوافي الأمراء، فجمعوا له أهل العلم، فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحق. وسئل ابن المبارك عن الجماعة الذين ينبغي أن يقتدى بهم، فقال: أبو بكر وعمر. فلم يزل (ينزل)

(4)

حتى انتهى إلى محمد بن ثابت ابن واقد. قلت: هؤلاء قد ماتوا، فمن الأحياء؟ قال أبو حمزة:(السكري)

(5)

.

(1)

في الأصل: (الرقي)، والمثبت من (ص 1) وهو الصواب.

(2)

رواه الحاكم 1/ 115، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 37 كلاهما عن المعتمر، عن أبيه، عن عبد الله بن دينار به، ورواه الطبراني في "الكبير"12/ 447 عن المعتمر، عن مرزوق مولى آل طلحة، عن عمرو بن دينار به، قال الهيثمي في "المجمع" 5/ 218: رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى آل طلحة وهو ثقة.

(3)

من (ص 1).

(4)

في الأصل: يقولها والمثبت من (ص 1) وهو الصواب.

(5)

في (ص 1): السكوني.

ص: 337

وقال آخرون: الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين بعد مضيه حتى أقاموا عماده وأرسوا أوتاده وردوه -وقد كاد المنافقون أن ينتزعوا أواخيه

(1)

ويقلبوه من أواسيه

(2)

إلى (نصاه)

(3)

- وسلكوا في الدعاء منهاجه، فأولئك الذين ضمن الله لنبيه أن لا يجمعهم على ضلالة، ولو كان معناه لا يجمع الله في زمن من الأزمان من يوم بعثه إلى قيام الساعة على ضلالة بطل معنى قوله:"لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس"

(4)

، وشبهه من الأخبار المروية عنه عليه السلام: أن من الأزمان أزمانًا تجتمع فيها أمته على ضلالة وكفر.

وقال آخرون: إنها جماعة أهل الإسلام ما كانوا مجتمعين على أمر واجب على أهل الملل اتباعها، فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا مجتمعين، ووجب تعرف وجه الصواب فيما اختلفوا فيه، والصواب في ذلك كما قال الطبري: إنه أمر منه بلزوم إمام جماعة المسلمين، والنهي عن فراقهم فيما هم عليه مجتمعون من تأميرهم إياه، فمن خرج من ذلك فقد نكث بيعته ونقض عهده بعد وجوبه، وقد قال عليه السلام:"من جاء إلى أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائنًا من كان"

(5)

.

(1)

جمع أخيَّة وأخيه، عودٌ يجعل في الجدار ويعرَّض ويدفن طرفاه فيه، ويصير وسطه كالعروة تشد إليه الدابة. انظر:"لسان العرب" 1/ 42 مادة أخا.

(2)

جمع آسية وهي الدعامة والسارية. انظر: "لسان العرب" 1/ 83 مادة أسا.

(3)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" نصا به.

(4)

رواه مسلم (2949) بلفظه، وقد سلف عند البخاري برقم (7067) بلفظ:"من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء".

(5)

رواه مسلم (1852) كتاب: الإمارة، باب: حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع.

ص: 338

حديث أبي بكرة حجة في ذلك؛ لأنه عليه السلام أمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، فبان أن الجماعة المأمور باتباعها هى السواد الأعظم مع الإمام الجامع لهم، فإذا لم يكن لهم إمام، وافترق الناس أحزابًا فواجب اعتزال تلك الفرق كلها، على ما أمر به الشارع أبا ذر، ولو بأن يعض بأصل شجرة حتى يدركه الموت، فذلك خير له من الدخول بين طائفة لا إمام لها خشية ما يئول من عاقبة ذلك من فساد الأحوال باختلاف الأهواء وتشتت الآراء

(1)

.

فصل:

ذكر صاحب "البديع في تفضيل مملكة الإسلام"، وهو الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر النيسابوري عن طائفة من المرجئة والكرامية: أن كل مجتهد مصيب في الأصول والفروع جميعًا إلا الزنادقة، واحتجوا بحديث:"تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في الجنة وواحدة في النار"

(2)

. والمشهور عكسه وهو: اثنان وسبعون في النار. إلا أن الثاني أصح إسنادًا فإن صح الأول فالهالك هم الباطنية، وإن صح الثاني فالناجية هم السواد الأعظم، وهم أتباع المذاهب الأربعة وهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحاب الحديث. وفي بعض الروايات: "وتفترق المجوس على سبعين فرقة، فرقة ناجية والباقية في النار"وهذا يؤيد قول من قال: إن للمجوس كتابًا وهم جماعة من الصحابة. وقال الجورقاني في "موضوعاته" في الحديث الأول: ليس له أصل. وقال في حديث أنس: "كلهم في النار إلا فرقة واحدة"،

(1)

انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 36.

(2)

رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" 4/ 201، والجورقاني في "الأباطيل والمناكير" 1/ 291، وابن الجوزي في "الموضوعات"1/ 438 من حديث أنس بن مالك.

ص: 339

وقال: هو حديث حسن غريب مشهور، رواته كلهم ثقات أثبات، وقد رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سعد بن أبي وقاص وعلي وأبو الدرداء وعوف بن مالك وابن عمر وجابر وأبو هريرة (ومعاوية)

(1)

وأبو أمامة، وواثلة، وعمرو كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا فيه: واحدة في الجنة وهي الجماعة

(2)

.

فصل:

قال الإمام أبو محمد الحسن بن أحمد بن إسحاق السري في كتابه "افتراق الأمة": أهل السنة والجماعة فرقة، والخوارج خمس عشرة فرقة، والشيعة ثلاث وثلاثون، والمعتزلة ستة، والمرجئة اثنا عشر، والمشبهة ثلاثة، والجهمية فرقة واحدة، والنجارية واحدة، (والضرارية واحدة والكلابية واحدة)

(3)

، وأصول الفرق عشرة: أهل السنة، والخوارج، والشيعة، الجهمية، والضرارية، والمرجئة، والنجارية، والكلابية، والمعتزلة، والمشبهة.

وذكر أبو القاسم الفوراني في كتابه"فرق الفرق": إن غير الإسلاميين الدهرية والهيولى أصحاب العناصر الثنوية (والدناصية)

(4)

والمانوية والطبائعية والفلكية والقرامطة.

فصل:

(الدخن) سلف بيانه وكلام أهل اللغة فيه في باب: علامات النبوة،

(1)

من (ص 1).

(2)

"الأباطيل والمناكير"1/ 299، 302، 304.

(3)

من (ص 1).

(4)

علق في هامش الأصل: لعله: الديصانية.

ص: 340

واقتصر ابن التين هنا على مقالة صاحب"الصحاح" التي أسلفناها هناك، فقال: هو السكون لعلةٍ لا للصلح

(1)

.

يقال: هدنة على دخن. أي: سكون لذلك، وقال الداودي: الدخن يكون من الأمراء، ولا يزال حال الناس ما صلحت لهم هدايتهم وهم العلماء وأئمتهم وهم الأمراء. وقال عثمان: الذي يزع الإمام الناس أكثر مما يزعهم (القرآن)

(2)

. أي: يكفهم.

وقوله: ("يعض"). هو بفتح العين، أصله عضِض. بكسر الضاد. ومنه قوله تعالى:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27]، وقال الجوهري عن أبي عبيدة: عضضت بالفتح في الرباب

(3)

.

(1)

"الصحاح" 5/ 2111، مادة:(دخن).

(2)

من (ص 1).

(3)

"الصحاح" 3/ 1091، مادة:(عضض).

ص: 341

‌12 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكَثِّرَ سَوَادَ الفِتَنِ وَالظُّلْمِ

7085 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ. وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَنَهَانِي أَشَدَّ النَّهْيِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ، فَيَقْتُلُهُ أَوْ يَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97]. [انظر: 4596 - فتح 13/ 37]

حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، ثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ قَالَا: ثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ. وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْل المَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَنَهَانِي أَشَدَّ النَّهْى، ثمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن عَباسٍ أَنَّ ناسًا مِنَ المُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ المُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ المُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتِي السَّهْمُ فيُرْمَي فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ، فَيَقْتُلُهُ أَوْ يَضْرُبهُ فَيَقْتُلُهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَي:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97].

هذا حديث مرفوع إذ هو تفسير من صحابي لنزول آية.

وقوله: (وغيره). قيل: المراد به ابن لهيعة. قال ابن بطال: وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من كان مع قوم راضيًا بحالهم فهو منهم، صالحين كانوا أو فاسقين، هم شركاء في الأجر أو الوزر، ومما يشبه معنى هذا الحديث في مشاركة أهل الظلم في الوزر قوله عليه السلام:"فمن أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"

(1)

وأما

(1)

سلف برقم (1870) أبواب فضائل المدينة، ولمسلم برقم (1370) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة. كلاهما من حديث علي بن أبي طالب.

ص: 342

مشاركة مجالس الصالحين في الأجر كما في الحديث: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإن وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم". وذكر الحديث بطوله، قال:"فيقول الله: اشهدوا أني قد غفرت لهم. فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجته. قال: هم الجلساء لايشقى بهم جليسهم"

(1)

فإن كان يجالس أهل الفسق كارهًا لهم ولعملهم، ولم يستطع مفارقتهم خوفًا على نفسه أو لعذر منعه فترجى له النجاة من إثم ذلك، يدل على ذلك قوله في آخر الآية التي نزلت فيمن كثر سواد المشركين {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} إلى قوله:{أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء: 98، 99] وقد كره السلف الكلام في الفتنة، ذكر ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما الفتنة باللسان. وقال سفيان عن شريح: ما أخبرت ولا استخبرت تسعة أعوام منذ كانت الفتنة، فقال له مسروق: لو كنت مثلك لسرني أن أكون قد مِت. قال شريح: فكيف أكثر من ذلك مما في الصدور، تلتقى الفئتان (إحداهما أحب)

(2)

إلي من الأخرى، وقال الحسن: السلامة من الفتنة سلامة القلوب والأيدي والألسن، وكان إبراهيم يستخبر ولا يخبر

(3)

. وقد سلف في البيوع: أنهم يخسف بهم، وفيهم أسواقهم.

(1)

سلف برقم (6408) كتاب: الدعوات، باب: فضل ذكر الله عز وجل ولمسلم برقم (2689) كتاب: الذكر والدعاء، باب: فضل مجالس الذكر.

(2)

في الأصل: (أحب أحداهما)، والمثبت من "السنن الواردة في الفتن". وهو الصواب.

(3)

هذِه الآثار رواها أبو عمر الداني في كتابه "السنن الواردة في الفتن" ص 97 - 98 (170، 171، 172، 174) وانظر: "شرح ابن بطال" 10/ 36 - 37.

ص: 343

فقال عليه السلام: "يبعثون على نياتهم"

(1)

.

فصل:

البعث -بفتح الباء-: الجيش.

وقول ابن عباس: (إن ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين .. ). إلى آخره. قال قتادة والضحاك: هم قوم أظهروا الإسلام ثم لم يهاجروا وخرجوا إلى بدر مع المشركين فقتلوا

(2)

.

وقرأ عيسى (يتوفاهم) على تذكير الجماعة، أصله: تتوفاهم ثم حذفت إحدى التائين.

وقوله: {فِيمَ كُنْتُمْ} أي: قالت الملائكة لهم: {فِيمَ كُنْتُمْ} : أفي أصحاب محمد أو كنتم مشركين؟ وهو سؤال توبيخ.

(1)

سلف برقم (2118) باب: ما ذكر في الأسواق.

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 237.

ص: 344

‌13 - باب إِذَا بَقِيَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ

7086 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا:«أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ» . وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ، فَيَبْقَى فِيهَا أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ المَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلاً أَمِينًا. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا أَظْرَفَهُ، وَمَا أَجْلَدَهُ. وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ". وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَلَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإِسْلَامُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ،

وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ فُلَانًا وَفُلَانًا». [انظر: 6497 - مسلم: 143 - فتح 13/ 38]

ذكر فيه حديث حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا:"أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ" الحديث بطوله، وقد سلف في الرقاق سندًا ومتنًا (سواء، فراجعه)

(1)

، وهو من أعلام نبوته؛ لأن فيه الإخبار عن فساد أديان الناس وقلة أمانتهم في آخر الزمان، ولا سبيل إلى معرفة ذلك قبل كونه إلا من طريق الوحي، وهذا كقوله عليه السلام:"بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ"

(2)

. وروى ابن وهب، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمر مولى المطلب، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن

(1)

من (ص 1).

(2)

رواه مسلم برقم (145) كتاب: الإيمان، باب: بيان أن الإسلام بدأ غريبًا.

ص: 345

أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: "كيف بك يا عبد الله إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأمانتهم واختلفوا فصاروا هكذا؟ " وشبك بين أصابعه، قال: قلت: يا رسول الله، فما تأمرني؟ قال:"عليك بخاصتك ودع عنك عوامهم"

(1)

.

ومن هذا الحديث ترجم البخاري الباب -والله أعلم- وأدخل معناه في حديث حذيفة، ولم يذكر الحديث بنص الترجمة؛ لأنه لم يخرج عن العلاء في كتابه شيئًا، وقد سبق التنبيه عليه هناك أيضًا.

فصل:

سلف هناك أن الجذر -بفتح الجيم وكسرها. محكي.

وقوله: "ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة". يعني: الصحابة

وقوله: (وحدثنا عن رفعها). فقال: أول ما يرفع من هذِه الأمة الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة.

وقوله: (ما كنت أبايع إلا فلانًا وفلانًا). يذكر أنه بقي الخير في بعض الناس، وهو دال أن الخير يتلاشى شيئًا فشيئًا.

وقوله: (ما أظرفه). أي: ما أذكى قلبه.

فائدة: مات حذيفة سنة ست وثلاثين بعد موت عثمان بأشهر

(2)

.

(1)

رواه ابن حبان في "صحيحه" 13/ 279 - 281 (5950، 5951). من طريق الحسن ابن سفيان، عن أمية بن بسطام، عن يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن العلاء به، ورواه الدولابي في "الكني والأسماء" 2/ 38 من طريق عمرو بن منصور، عن حسان أبي علي، عن يعقوب به.

(2)

انظر ترجمته في:"معجم الصحابة" 2/ 20 - 26، "معرفة الصحابة" 2/ 686 - 689، "الاستيعاب" 1/ 393 - 394، "أسد الغابة" 1/ 468 - 469.

ص: 346

‌14 - باب التَّعَرُّبِ فِي الفِتْنَةِ

7087 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ فَقَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ، ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ، تَعَرَّبْتَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ. وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ، فَنَزَلَ المَدِينَةَ. [مسلم: 1862 - فتح 13/ 40].

7088 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

«يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ» . [انظر: 19 - فتح 13/ 40].

ذكر فيه حديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه إذ دَخَلَ عَلَى الحَجَّاجِ فَقَالَ: يَا ابن الأَكْوَعِ، ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ، تَعَرَّبْتَ؟ قَالَ: لَا، ولكن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِي فِي البَدْوِ. وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: لَما قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه -خَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ، فَنَزَلَ المَدِينَةَ.

وحديث أَبِي سعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه -أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنم، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الِجبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ".

الشرح:

التعرب: معناه أن يرجع أعرابيًّا بعد الهجرة.

ص: 347

فمعنى تعربت: تشبهت بالعرب، يقال: تعرب بعد هجرته أي: صار عربيًّا، وكانوا يستعيذون بالله أن يعودوا كالأعراب بعد هجرتهم؛ لأن الأعراب لم يتعبدوا بالهجرة التي يحرم بها على المهاجر الرجوع إلى وطنه، كما فرض على أهل مكة البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته، ولذلك قال الحجاج: يا ابن الأكوع، ارتددت على عقبيك تعربت؟ أي: رجعت في الهجرة التي فعلتها لوجه الله بخروجك من المدينة، فأخبره أنه عليه السلام -أذن له في سكنى البادية، فلم يكن خروجه من- المدينة فرارًا منها، ولا رجوعا عن الهجرة، وهذا لا يحل لأحد فعله، ولذلك دعا عليه السلام -لأصحابه ألا يموتوا في غير المدينة التي هاجروا إليها لله تعالى فقال:"اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم". الحديث، فتوجع حين مات سعد بن خولة بمكة في الأرض التي هاجر منها

(1)

، وذكر البخاري أنه شهد بدرًا ثم انصرف إلى مكة ومات بها وهو من المهاجرين، ولولا ما ذكر لكان يريد

(2)

قتله.

وذكر ابن سعد عن الهيثم بن عدي: أن سلمة بن الأكوع مات في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان

(3)

، وكذا ذكره البلاذري، وفي كتاب أبي نعيم

(4)

والعسكري وغيرهما أنه مات سنة أربع وستين

(5)

.

(1)

سلف برقم (1295) كتاب: الجنائز، باب: رثى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة.

(2)

كتب فوقها في الأصل: الحجاج، وبالهامش كتب: يعني لولا ما ذكر سلمة من الإذن لقتله الحجاج.

(3)

"طبقات ابن سعد" 4/ 308.

(4)

"معرفة الصحابة" لأبي نعيم 3/ 1339.

(5)

ورد بهامش الأصل: صوابه وسبعين.

ص: 348

فصل:

"يوشك .. " إلى آخره من أعلام نبوته؛ لأنه أخبر عما يكون في آخر الزمان، وفيه: أن اعتزال الناس عند الفتن والهرب عنهم أفضل من مخالطتهم وأسلم للدين، وسلف تفسير "شعف الجبال" في الرقاق في باب: العزلة راحة من خلطاء السوء

(1)

. وهو: أعاليها، وذكرنا هناك الآثار التي جاءت بالحض على العزلة والانفراد، فراجعه.

ومعنى يوشك -بكسر الشين-: يسرع، قال جرير:

إذا جهل الشقي ولم يقدر

ببعض الأمر أوشك أن يصاب

(والعرب)

(2)

تقول: يوشك -بفتح الشين- وهي لغة رديئة ذكره في "الصحاح"

(3)

.

(1)

سلف برقم (6495).

(2)

ورد بهامش الأصل: كذا في "الصحاح": (والعامة) وهو الصواب.

(3)

"الصحاح" 4/ 1615.

ص: 349

‌15 - باب التَّعَوُّذِ مِنَ الفِتَنِ

.

7089 -

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:

سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَصَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمِنْبَرَ فَقَالَ:«لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ بَيَّنْتُ لَكُمْ» . فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ رَأْسُهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى يُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ:«أَبُوكَ حُذَافَةُ» . ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا رَأَيْتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِي الجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا دُونَ الْحَائِطِ» . قَالَ قَتَادَةُ: يُذْكَرُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101][انظر: 93 - مسلم: 2359 - فتح: 13/ 43].

7090 -

وَقَالَ عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. بِهَذَا، وَقَالَ كُلُّ رَجُلٍ لَافًّا رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي. وَقَالَ: عَائِذًا بِاللهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ. أَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ. [انظر: 93 - مسلم: 2359 - فتح: 13/ 43].

7091 -

وَقَالَ لِى خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَمُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا، وَقَالَ عَائِذًا بِاللهِ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ. [انظر: 93 - مسلم: 2359 - فتح: 13/ 43].

ذكر فيه حديث هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَصَعِدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ المِنْبَرَ فَقَالَ:"لَا تَسْألونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُ لَكُمْ". فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ رَأْسُهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فقال رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى يُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ:"أَبُوكَ حُذَافَةُ" .. الحديث.

ص: 350

قَالَ قَتَادَةُ: يُذْكَرُ هذا الحَدِيثُ عِنْدَ هذِه الآيَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَن أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].

وقد سلف مختصرًا في تفسير هذِه الآية من حديث شعبة عن موسى بن أنس عن أنس رضي الله عنه

(1)

.

قال البخاري: وَقَالَ لي عَبَّاس النَّرْسِيُّ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثَنَا سعِيد، عن قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، وَقَالَ كُلّ رَجُلٍ لَافًّا رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي. وَقَالَ: عَائِذًا باللهِ مِنْ شر الفِتَنِ.

أراد بهذا تصريح سماع قتادة من أنس، وهذا مما أخذه عنه النرسي مذاكرة، ثم قال: وقال لي خليفة: ثنا يزيد بن زريع، ثنا سعيد ومعتمر، عن أبيه، عن قتادة: أن أنسًا حدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، وقال: عائذًا بالله من شر الفتن. والقول في هذا كالقول في الذي قبله.

وروى الإسماعيلي حديث سعيد ومعتمر هذا في "صحيحه" عن موسى، ثنا أبو بكر الصغاني، ثنا روح بن عبادة، ثنا سعيد. وحدثنا إبراهيم بن هاشم والحسن بن سفيان، ثنا عاصم بن النضر، ثنا المعتمر. وأخبرنا ابن ناجية، ثنا أبو الأشعث، ثنا المعتمر، عن أبيه، قالا: ثنا قتادة، فذكره، وفيه: واسم الرجل خارجة، قلت: غريب، فإنما هو عبد الله كما أسلفناه هناك، وقيل: قيس أخوه.

وقد أسلفنا أن البخاري صرح في روايته بأنه عبد الله في الاعتصام، في باب: ما يكره من كثرة السؤال

(2)

، كما ستعلمه، وروى أن أمه قالت له: يابني، والله ما رأيت ابنا أعق منك، أن تكون أمك قارفت بعض

(1)

سلف برقم (4621).

(2)

سيأتي برقم (7294).

ص: 351

ما تقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس. فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به

(1)

.

فصل:

قوله: (حتى أحفوه). هو بهمزة مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم فاء، أي: ألحفوا وألحوا، ومنه {فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا}:[محمد: 37] أي: تبالغوا في مسألتكم. قال صاحب "الأفعال": أحفى الرجل في السؤال: ألح

(2)

. وفي التنزيل: {فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} . أي: يلح عليكم فيما يوجبه في أموالكم، ولما ألحوا عليه في المسألة كره مسائلهم، وعز على المسلمين ما رأوا من الإلحاح عليه والتعنت له وتوقعوا عقوبة الله أن تحل بهم، ولذلك بكوا، فمثل الله له الجنة والنار، وأراه كل ما يسأل عنه في ذلك الوقت، فقال:"لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم". وقال للرجل: "أبوك حذافة".

فصل:

وفي هذا الحديث فضل عمر- رضي الله عنه ومكانه من الحماية عن الدين والذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال: (رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا). ومنع من تعنته والإلحاح عليه؛ لأن الله تعالى قد أمر بتعزيره وتوقيره، وألا يرفع الصوت فوق صوته واستعاذ بالله من (شر)

(3)

الفتن، وكذلك استعاذ رسوله صلى الله عليه وسلم من شر الفتن، واستعاذ من

(1)

رواه مسلم (2359/ 136 كتاب: الفضائل، باب: توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه.

(2)

"الأفعال" لابن القوطية ص 45، بلفظ: استبلغ.

(3)

من (ص 1).

ص: 352

فتنة المحيا والممات

(1)

وإن كان قد أعاذه الله من كل فتنة وعصمه من شرها؛ ليسن ذلك لأمته فتستعيذ بما استعاذ منه نبيها عليه السلام، وهذا خلاف ما روي عن بعض من قصر علمه أنه قال: اسألوا الله الفتنة فإنها حصاد المنافقين، وزعم أن ذلك مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث لا يثبت، والصحيح خلافه من رواية أنس وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نبه عليه ابن بطال

(2)

.

فصل:

وقوله: (كان إذا لاحى) أي: نازع. وتعوذه من سو الفتن ولم يتعوذ من جميعها؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]، وهو يشتمل على شر الدنيا والآخرة، نبه عليه الداودي، وقال في الموضع الآخر:(من شر الفتن) كذا روينا بالراء والتشديد، ذكره ابن التين.

فصل:

وقوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] هو عن السؤال عن المسائل التي لم تنزل، وكان عليه السلام يخاف أن يسأل عن المسائل التي لم تنزل؛ خوفًا أن ينزل ما فيه تَضْييع أمته، ويؤيده أن رجلاً قال: يا رسول الله، أفرض الحج في كل عام؟ فقال:"لو قلتها لوجبت، ولو وجبت وتركتموه لكفرتم"

(3)

.

(1)

سلف برقم (1377) كتاب: الجنائز، باب: التعوذ من عذاب القبر، ورواه مسلم برقم (588) كتاب: المساجد، باب: ما يستعاذ به في الصلاة.

(2)

"شرح ابن بطال" 10/ 43.

(3)

رواه مسلم برقم (1337) كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر.

ص: 353

والذي قاله قتادة: أن الآية نزلت عند هذا الحديث ظاهر، وقيل: إنما هي نهي عن ذلك؛ لأن الله سبحانه (وتعالى)

(1)

أحب الستر على عباده وأحب ألا يقترحوا المسائل، وقال سعيد بن جبير: نزلت فيمن سأل عن البحيرة الآية

(2)

، ألا ترى أن بعده:{مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [المائدة: 103].

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر: "تفسير الطبري" 5/ 85.

ص: 354

‌16 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ»

7092 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَامَ إِلَى جَنْبِ المِنْبَرِ فَقَالَ:«الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» . أَوْ قَالَ: «قَرْنُ الشَّمْسِ» . [انظر: 3104 - مسلم: 2905 - فتح: 13/ 45].

7093 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُسْتَقْبِلٌ المَشْرِقَ يَقُولُ:«أَلَا إِنَّ الفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» . [انظر: 3104 - مسلم: 2905 - فتح: 13/ 45].

7094 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» . قَالُوا وَفِي نَجْدِنَا. قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَفِي نَجْدِنَا فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةَ:«هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» . [انظر: 1037 - فتح: 13/ 45].

7095 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَلِفٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَرَجَوْنَا أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا. قَالَ: فَبَادَرَنَا إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدِّثْنَا عَنِ القِتَالِ فِي الفِتْنَةِ وَاللهُ يَقُولُ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى المُلْكِ. [انظر: 3130 - فتح: 13/ 45].

ذكر فيه حديث الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَامَ إِلَى جَنْبِ المِنْبَرِ فَقَالَ:"الْفِتْنَةُ هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قرْنُ الشَّيْطَانِ". أَوْ قَالَ: "قَرْنُ الشَّمْسِ".

ص: 355

وحديث لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُسْتَقْبِلٌ المَشْرِقَ يَقُولُ: "ألا إِنَّ الفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ (يَطْلُعُ)

(1)

قَرْنُ الشَّيْطَانِ".

وحديث ابن عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ذَكَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا". قَالُوا: (يا رسول الله)

(2)

وَفِي نَجْدِنَا. قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَفِي نَجْدِنَا، فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةَ:"هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ".

وحديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابن عُمَرَ، فَرَجَوْنَا أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا. قَالَ: فَبَادَرَنَا إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدِّثْنَا عَنِ القِتَالِ في الفِتْنَةِ والله تعالى يَقُولُ:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الفِتْنَةُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى المُلْكِ. وسلف في الأنفال

(3)

.

الشرح:

ذهب الداودي إلى أنه قرن

(4)

على الحقيقة، وذكر الهروي نحوه أن قرنيه ناحيتا رأسه

(5)

، وقيل: معنى قرنه: أهل حزبه وإرادته. وقال الحريمي: هذا مثل، أي: حينئذ يتحرك الشيطان. وغلط. وقيل:

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1) وفي الأصل عليها: لا .. إلى.

(3)

سلف برقم (4651) كتاب التفسير، باب:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} .

(4)

في الأصل: قرنا، وما أثبتناه هو الصواب.

(5)

كما في: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 52.

ص: 356

القرن: القوة، أي: يطلع من حيث قوة الشيطان.

وفي "الصحاح": قرن الشمس أعلاها

(1)

، وقيل: أراد به قومًا أحداثًا بعد أن لم يكونوا. وقال الخطابي: القرن: الأصل فيه أن يضرب به المثل فيما لا يحمد من الأمور؛ لقوله عليه السلام في الفتنة: "وطلوعها من ناحية المشرق ومنه يطلع قرن الشيطان". وقال في الشمس: "إنها تطلع بين قرني الشيطان"

(2)

. والقرن: الأمة من الناس يحدثون بعد فناء آخرين.

قال الشاعر:

إذا ما مضى القرن الذي أنت منهم

وخلفت في قرن فأنت غريب

وقال غيره: كان أهل المشرق يومئذٍ أهل كفر فأخبر عليه السلام: أن الفتنة تكون من تلك الناحية؛ وكذلك كانت الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين، وهي قتل عثمان، وكانت سبب وقعة الجمل وصفين، ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق، ومعلوم أن البدع إنما ابتدأت من المشرق، وإن كان الذين اقتتلوا بالجمل وصفين كثير منهم أهل الشام والحجاز، فإن الفتنة وقعت في ناحية المشرق، وكان ذلك سببًا إلى افتراق كلمة المسلمين، وفساد شأن كثير منهم إلى يوم القيامة، وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحترز)

(3)

من ذلك ويعلم به قبل وقوعه، وذلك من دلالات نبوته.

(1)

"الصحاح" 6/ 2180 مادة: (قرن).

(2)

سلف برقم (3273) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، ورواه مسلم برقم (828) كتاب: الصلاة، باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها.

(3)

كذا في الأصل، وفي (ص 1): يحذر.

ص: 357

فصل:

قوله: ("ثكلتك أمك"). هو بكسر الكاف أي: (عوقبتك)

(1)

، والفتنة هنا الكفر، قال الخطابي: نجد: ناحية المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهلها، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض بخلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور ومنها مكة، قال: والفتن تبدو من المشرق، من ناحيتها يخرج يأجوج ومأجوج والدجال في أكثر ما يروى من الأخبار

(2)

. وقال الداودي: نجد من ناحية العراق. وقال كعب: بها الداء العضال وهو الهلاك في الدين

(3)

، رواه ابن القاسم عن مالك، روى عنه مطرف أنه أبو زيد وأصحابه، وهذا ينزه عنه مالك والله أعلم هل قاله وبها تسعة أعشار السحر ذكره كله ابن التين.

(1)

ورد بهامش الأصل: لعله: (فقدتك).

(2)

"أعلام الحديث" 4/ 2330.

(3)

"الموطأ" ص 603.

ص: 358

‌17 - باب الفِتْنَةِ التِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ

وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ عِنْدَ الفِتَنِ

الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً

تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ

حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا

وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيل

شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ

مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ

7096 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ، سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَر إذْ قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الفِتْنَةِ؟ قَالَ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ المُنْكَرِ» . قَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، وَلَكِنِ التِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ. قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ عُمَرُ: أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: بَلْ يُكْسَر. قَالَ عُمَرُ: إِذًا لَا يُغْلَقَ أَبَدًا. قُلْتُ: أَجَلْ. قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ

كَمَا أَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ البَابُ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: عُمَرُ. [انظر: 525 - مسلم: 144 - فتح: 13/ 48].

7097 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ لِحَاجَتِهِ، وَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الحَائِطَ جَلَسْتُ عَلَى بَابِهِ وَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ اليَوْمَ بَوَّابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَأْمُرْنِي فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَضَى حَاجَتَهُ، وَجَلَسَ عَلَى قُفِّ الْبِئْرِ، فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِي البِئْرِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ لِيَدْخُلَ، فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ فَوَقَفَ فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -

ص: 359

فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ. قَالَ: «ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَدَخَلَ فَجَاءَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَجَاءَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ فَدَلاَّهُمَا فِي البِئْرِ، فَامْتَلأَ الْقُفُّ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَجْلِسٌ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، مَعَهَا بَلَاءٌ يُصِيبُهُ» . فَدَخَلَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ مَجْلِسًا، فَتَحَوَّلَ حَتَّى جَاءَ مُقَابِلَهُمْ عَلَى شَفَةِ الْبِئْرِ، فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ ثُمَّ دَلاَّهُمَا فِي الْبِئْرِ. فَجَعَلْتُ أَتَمَنَّى أَخًا لِي وَأَدْعُو اللهَ أَنْ يَأْتِيَ. قَالَ ابْنُ المُسَيَّبِ: فَتَأَوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمُ، اجْتَمَعَتْ هَا هُنَا، وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ. [انظر: 3674 - مسلم: 2403 - فتح: 13/ 48].

7098 -

حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ: أَلَا تُكَلِّمُ هَذَا؟ قَالَ: قَدْ كَلَّمْتُهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفْتَحُهُ، وَمَا أَنَا بِالَّذِى أَقُولُ لِرَجُلٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَى رَجُلَيْنِ: أَنْتَ خَيْرٌ. بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ، فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الحِمَارِ بِرَحَاهُ، فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وتنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا أَفْعَلُهُ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ» . [انظر: 3267 - مسلم: 2989 - فتح: 13/ 48].

هذِه الأبيات معزوة لامرئ القيس، وعزاها إليه السهيلي في "روضه"

(1)

.

(1)

"الروض الأنف" 2/ 30، وورد بهامش الأصل: الذي رأيته في "الروض" للسهيلي في مبادأة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومية) بعده بنحو كراسة، عزاها لعمرو بن معدي كرب، وقد رأيت في بعض أصولنا الدمشقية بخط كاتب النسخة في الهامش: عزوها لامرئ القيس، قال: وقيل: إنها لعمرو بن معدي كرب فاعلمه.

ص: 360

وقال ابن التين: إنها لعمرو بن معدي كرب. والتعليق المذكور رويناه عن ابن الأعرابي، ثنا عباس، ثنا يحيى، ثنا سفيال .. فذكره، وخلف هذا من عباد أهل الكوفة، وكنيته أبو يزيد، وأبو عبد الرحمن، قال البخاري: أثنى عليه ابن عيينة، قيل: بقي إلى حدود الأربعين ومائة

(1)

. وسأورد فصلاً في الكلام على هذِه الأبيات بعد.

ثم ساق البخاري حديث حذيفة وأبي موسى رضي الله عنهما وقد سلفا، وكذا حديث أسامة.

ثم قال:

(1)

انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 8/ 279 (1703)، "تاريخ الإسلام" 8/ 87.

ص: 361

‌18 - باب

7099 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الْجَمَلِ، لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ:«لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» . [انظر: 4425 - فتح: 13/ 53].

7100 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ الأَسَدِيُّ قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ إِلَى البَصْرَةِ بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ، فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الحَسَنِ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى البَصْرَةِ، وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ تبارك وتعالى ابْتَلَاكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ. [انظر: 3772 - فتح: 13/ 53].

وساق فيه حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه: "لَنْ يُفلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأةٌ".

وقد سلف.

وحديث أبي مَرْيَمَ -واسمه عَبْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ الأَسَدِيُّ- قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهم إِلَى البَصْرَةِ بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهم، فَقَدِمَا عَلَيْنَا الكُوفَةَ فَصعِدَا المِنْبَرَ، فَكَانَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَوْقَ المِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ، وَقَامَ عَمَّارٌ رضي الله عنه أَسْفَلَ مِنَ الحَسَنِ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى البَصْرَةِ، وَوَاللهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، ولكن اللهَ عز وجل ابْتَلَاكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ (أو إياها)

(1)

.

وقال مرة: ولكنها بما ابتليتم به

(2)

. يعني عائشة. ثم قال:

(1)

في (ص 1): أم هي.

(2)

ستأتي برقم (7101).

ص: 362

‌18 - باب

7101 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ عَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: قَامَ عَمَّارٌ عَلَى مِنْبَرِ الكُوفَةِ، فَذَكَرَ عَائِشَةَ وَذَكَرَ مَسِيرَهَا وَقَالَ: إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابْتُلِيتُمْ. [انظر: 3772 - فتح: 13/ 53].

7102، 7103، 7104 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ المُحَبَّرِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: دَخَلَ أَبُو مُوسَى وَأَبُو مَسْعُودٍ عَلَى عَمَّارٍ، حَيْثُ بَعَثَهُ عَلِيٌّ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ. فَقَالَا: مَا رَأَيْنَاكَ أَتَيْتَ أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدَنَا مِنْ إِسْرَاعِكَ فِي هَذَا الأَمْرِ مُنْذُ أَسْلَمْتَ. فَقَالَ عَمَّارٌ: مَا رَأَيْتُ مِنْكُمَا مُنْذُ أَسْلَمْتُمَا أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدِي مِنْ إِبْطَائِكُمَا عَنْ هَذَا الأَمْرِ. وَكَسَاهُمَا حُلَّةً حُلَّةً، ثُمَّ رَاحُوا إِلَى المَسْجِدِ. [7105، 7106، 7107 - فتح: 13/ 53]

7105، 7106، 7107 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَمَّار، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَا مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلاَّ لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ فِيهِ غَيْرَكَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْيَبَ عِنْدِي مِنِ اسْتِسْرَاعِكَ فِي هَذَا الأَمْرِ. قَالَ عَمَّارٌ: يَا أَبَا مَسْعُودٍ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلَا مِنْ صَاحِبِكَ هَذَا شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتُمَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْيَبَ عِنْدِي مِنْ إِبْطَائِكُمَا فِي هَذَا الأَمْرِ. فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ -وَكَانَ مُوسِرًا- يَا غُلَامُ هَاتِ حُلَّتَيْنِ. فَأَعْطَى إِحْدَاهُمَا أَبَا مُوسَى وَالأُخْرَى عَمَّارًا وَقَالَ رُوحَا فِيهِ إِلَى الجُمُعَةِ. [انظر: 7102، 7103، 7104 - فتح: 13/ 54].

حَدَّثنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عن ابن أَبِي غَنيَّةَ -وهو بغين معجمة (مفتوحة)

(1)

ثم نون، ثم مثناة تحت، ثم هاء، واسمه عبد الملك بن حميد بن أبي غنية الكوفي أصبهاني، وهو والد يحيى بن عبد الملك. اتفقا عليه- عن

(1)

من (ص 1).

ص: 363

الحكم، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: قَامَ عَمَّارٌ عَلَى مِنْبَرِ الكُوفَةِ، فَذَكَرَ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَذَكَرَ مَسِيرَهَا وَقَالَ: إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابْتُلِيتُمْ.

ثم ساق من حديث أبي وَائِلٍ قال: دَخَلَ أَبُو مُوسَى وَأَبُو مَسْعُودٍ عَلَى عَمَّارٍ، حَيْثُ بَعَثَهُ عَلِيٌّ إِلَى أَهْلِ الكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ. فَقَالَا: مَا رَأَيْنَاكَ أَتَيْتَ أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدَنَا مِنْ إِسْرَاعِكَ في هذا الأَمْرِ مُنْذُ أَسْلَمْتَ. فَقَال عَمَّارٌ: مَا رَأَيْتُ مِنْكُمَا مُنْذُ أَسْلَمْتُمَا أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدِي مِنْ إِبْطَائِكُمَا عَنْ هذا الأَمْرِ. وَكَسَاهُمَا حُلَّةً حُلَّةً، ثُمَّ رَاحُوا إِلَى المَسْجِدِ.

وحديث أَبِي حَمْزَةَ:- (بالحاء والزاي)

(1)

واسمه محمد بن ميمون السكري المروزي، مات سنة ثمان

(2)

وستين ومائة

(3)

- عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قال: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَي وَعَمَّارٍ رضي الله عنه فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَا مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَد إِلَّا لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ فِيهِ غَيْرَكَ، وَمَا رَأَيْتُ منْكَ شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْيَبَ عِنْدِي مِنِ اسْتِسْرَاعِكَ في هذا الأَمْرِ. قَال عَمَّار: يَا أَبَا مَسْعُودٍ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلَا مِنْ صَاحِبِكَ هذا شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتُمَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أعْيَبَ عِنْدِي مِنْ إِبْطَائِكُمَا في هذا الأَمْرِ. فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ -وَكَانَ مُوسِرًا- يَا غُلَامُ هَاتِ حُلَّتَيْنِ. فَأَعْطَى إِحْدَاهُمَا أَبَا مُوسَي وَالأُخْرى عَمَّارًا، وَقَالَ: رُوحَا فيهما إِلَى الجُمُعَةِ.

(1)

من (ص 1).

(2)

ورد بهامش الأصل: الراجح أنه توفي سنة سبع وستين ومائة.

(3)

انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 26/ 544 (5652).

ص: 364

الشرح:

زعم الإسماعيلي أن أبا حمزة روى حديث (حذيفة)

(1)

عن الأعمش، عن أبي وائل عن مسروق، قال عمر رضي الله عنه: إنكم تحدثونا عن الفتنة. قال: كذا عن مسروق، وخالفه الناس فقالوا: عن الأعمش، عن أبي وائل، فذكر حديث البخاري. وحديث حذيفة وأبي موسى من أعلام النبوة؛ لأن فيهما الإخبار عما يكون من الفتن والغيب، وذلك لا يعلم إلا بالوحي. وقال الخطابي: إنما كان يسأل حذيفة عن الشر؛ ليعرف موضعه فيتوقاه، وذلك أن الجاهل بالشر أسرع إليه وأشد وقوعًا فيه، ويروى عن بعض السلف أنه قيل له: إن فلانًا لا يعرف الشر. قال: ذلك أجدر أن يقع فيه، ولهذا صار عامة ما يروى من أحاديث الفتن وأكثر ما يذكر من أحوال المنافقين منسوبة إليه ومأخوذة عنه

(2)

، وقال غيره: وإنما نكبه حذيفة حين سأله عمر عن الفتنة، فجاوبه عن فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، ولم يجاوبه عن الفتنة الكبرى التي تموج كموج البحر، لئلا تغمه ويشتغل باله، ألا ترى قوله لعمر: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا. ولم يقل له: أنت الباب، وهو يعلم أن الباب عمر، فإنما أراد حذيفة ألا يواجهه بما يشق عليه ويهمه، وعرض له بما فهم عنه عمر أنه هو الباب، ولم يصرح له به، وهذا من أحسن أدب حذيفة.

فإن قلت: فمن أين علم عمر أن الباب إذا كسر لم يغلق أبدًا؟ فالجواب: أنه استدل عمر على ذلك بأن الكسر لا يكون إلا غلبة،

(1)

في (ص 1): خزيمة.

(2)

"غريب الحديث" 2/ 327 - 328.

ص: 365

والغلبة لا تكون إلا في الفتنة، وقد علم عمر وغيره من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه أن لا يجعل (بأس)

(1)

أمته بينهم فمنعها

(2)

، فلم يزل الهرج إلى يوم القيامة. وروى معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء الرحبي، عن شداد بن أوس مرفوعًا:"إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة"

(3)

.

وفيه: أن الصحابة كان يأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويصدق بعضهم بعضًا، وكلهم عدول رضي الله عنهم وهم خير أمة أخرجت للناس.

فصل:

وفي حديث أبي موسى: البشرى بالجنة لأبي بكر وعمر وعثمان إلا أنه قال في عثمان: "مع بلاءً يصيبه". وكان ذلك النبلاء أنه قتل مظلومًا شهيدًا.

فإن قلت: فكيف خصَّ عثمان بذكر البلاء، وقد أصاب عمر مثله؛ لأنه طعنه أبو لؤلؤة، ومات من طعنته شهيدًا.

فالجواب: أن عمر- رضي الله عنه وإن كان مات من الطعنة شهيدًا، فإنه لم يمتحن بمحنة عثمان من تسلط طائفة باغية متغلبة عليه، ومطالبتهم له أن ينخلع من الإمامة، وهجومهم عليه في داره وهتكهم ستره، ونسبتهم إليه الجور والظلم، وهو بريء عند الله من كل سوء بعد أن مَنع المانع أشياء كثيرة يطول إحصاؤها، وعمر لم يلق مثل هذا، ولا تسور عليه (أحد)

(4)

داره، ولا قتله موحد فيحاجه بها عند الله،

(1)

من (ص 1).

(2)

رواه مسلم (2890) كتاب: الفتن، باب: هلاك هذِه الأمة بعضهم ببعض.

(3)

رواه أحمد 4/ 123، وابن حبان 10/ 431 (4570).

(4)

من (ص 1).

ص: 366

ولذلك حمد الله عمر على ذلك، فكان الذي أصاب عثمان غير قتله من البلاء بلاء شديدًا لم يصب عمر مثله.

فصل:

وقول أبي وائل: (قيل لأسامة: ألا يكلم هذا؟) مع أشياء كثيرة يعني: عثمان بن عفان أن يكلمه في شأن الوليد بن عقبة - لأنه ظهر عليه ريح نبيذ وشهر أمره، وكان أخا عثمان لأمه، وكان عثمان يستعمله على الأعمال، فقيل لأسامة: ألا تكلمه في أمره؟ لأنه كان من خاصة عثمان وممن يَخَفْ عليه، فقال:(قد كلمته) أي: فيما بيني وبينه.

و (ما دون أن أفتح بابًا أكون أول من يفتحه). يريد: لا أكون أول من يفتح باب الإنكار على الأئمة علانية، فيكون بابًا من القيام على أئمة المسلمين، فتتفرق الكلمة وتتشتت الجماعة، كما كان بعد ذلك من تفريق الكلمة بمواجهة عثمان (بالنكير)

(1)

، ثم عرفهم أنه لا يداهن أميرًا أبدًا بل ينصح له في السر جهده بعد ما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الرجل الذي كان في النار كالحمار يدور برحاه من أجل أنه كان يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن الشر ويفعله

(2)

، يعرفهم أن هذا الحديث جعله أن لا يداهن أحدًا، يتبرأ إليهم مما ظنوا به عن سكوته عن عثمان في أخيه.

فصل:

فإن قلت: الإنكار على الأمراء في العلانية من السنة لما روى

(1)

رسمت في الأصل: (بالتكبير) بلا نَقْط وما أثبتناه المناسب للسياق.

(2)

سلف برقم (7098).

ص: 367

سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن طارق بن شهاب أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل؟ قال: "كلمة حق عند سلطان جائر"

(1)

.

قلت: واختلف السلف في تأويله - كما قال الطبري.

فقيل: إنه محمول على ما إذا أمن على نفسه القتل أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به، وهو مذهب أسامة بن زيد، وروي عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة. وروي عن مطرف بن الشخير أنه قال: والله لو لم يكن لي دين حتى أقوم إلى رجل معه ألف سيف، فأنبذ إليه كلمة فيقتلني، إن ديني إذًا لضيق.

وقيل: الواجب على من رأى منكرًا من ذي سلطان أن ينكره علانية، وكيف أمكنه، روي ذلك عن عمر وأبي، واحتجوا بقوله عليه السلام:"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده"

(2)

. الحديث، وبقوله عليه السلام:"إذا هابت أمتي أن يقولوا للظالم: يا ظالم فقد تودع منهم"

(3)

.

وقيل: من رأى من سلطانه منكرًا فالواجب عليه أن ينكره بقلبه فقط. واحتجوا بحديث أم سلمة مرفوعًا: "يستعمل عليكم أمراء بعدي تعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" قالوا: يا رسول الله، أفلا نقاتلهم؟ قال:"لا، ما صلوا"

(4)

.

والصواب -كما قال الطبري- أن الواجب على كل من رأى منكرًا أن ينكره إذا لم يخف على نفسه عقوبة لا قبل له بها؛ لورود الأخبار عن

(1)

رواه النسائي 7/ 161.

(2)

رواه مسلم (49/ 78) كتاب: الإيمان، باب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان.

(3)

رواه الحاكم في "المستدرك" 4/ 96.

(4)

رواه مسلم (1854) كتاب: الإمارة باب: وجوب الإنكار على الأمراء.

ص: 368

رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة للأئمة، وقوله عليه السلام:"لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه". قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق"

(1)

(2)

.

فصل:

فإن قلت في حديث أسامة: كيف صار الذي كان يأمرهم وينهاهم معهم في النار وهو لهم آمرٌ وناهٍ؟ قيل: لم يكونوا أهل طاعته، وإنما كانوا أهل معصيته.

فصل:

وأما حديث أبي بكرة رضي الله عنه فإن في ظاهره توهينه لرأي عائشة رضي الله عنها في الخروج.

قال المهلب: وليس كذلك؛ لأن الأمر بالمعروف من مذهب أبي بكرة أنه كان على رأي عائشة وعلى الخروج معها ولم يكن خروجها على نية القتال، وإنما قيل لها: اخرجي لتصلحي بين الناس فإنك أمهم ولن يعنوك بقتال. فخرجت لذلك، وكانت نية بعض أصحابها إن ثبت لهم البغي أن يقاتلوا التي تبغي، وكان منهم أبو بكرة، ولم يرجع عن هذا الرأي أصلاً وإنما تشاءم بقول الشارع في تمليك فارس امرأة أنهم يُغلبون. لأن الفلاح في اللغة البقاء، لا أن أبا بكرة وهَّن رأي

(1)

رواه الترمذي (2254) وابن ماجه (4016)، وأحمد 5/ 405 قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه في "العلل" 2/ 138: هذا حديث منكر.

والحديث أورده الألباني في "الصحيحة"(613) وقال: ثم وجدت للحديث شاهدًا من حديث ابن عمر مرفوعًا أخرجه الطبراني 12/ 408، وهذا إسناد صحيح. اهـ.

(2)

انظر: "شرح ابن بطال"10/ 50 - 51.

ص: 369

عائشة، ولا في الإسلام أحد يقوله إلا الشيعة، فلم يرد أبو بكرة بكلامه إلا أنهم يغلبون إن قوتلوا، وليس الغلبة بدلالة على أنهم على باطل؛ لأن أهل الحق قد يُغلبون وتكون لهم العاقبة، كما وعد الله المتقين، وذلك عيان في الصحابة يوم حنين وأحد، وجعل الله لهم العاقبة كما جعلها لمن غضب لعثمان وأنف من قتله وطلب دمه، وليس في الإسلام أحد يقول أن عائشة دعت إلى أمير معها، ولا عارضت عليًّا في الخلافة، ولا نازعته لأخذ الإمارة، وإنما أنكرت عليه منعه من قتلة عثمان، وتركهم دون أن يأخذ منهم حدود الله، ودون أن يقتص لعثمان منهم، لا غير ذلك، وهم الذين خشوها وخشوا على أنفسهم فورَّشوا

(1)

ودسُّوا في جمع عائشة من يقول لهم: إن عليًّا يقاتلكم فخذوا حذركم (وسلوا) سلاحكم. وقالوا لعلي: إنهم يريدون أن يخلعوك ويقاتلوك على الإمارة. ثم استشهدوا بما يرونه من أخذ أصحاب الجمل بالحزم وتعبئة الصفوف وسل السلاح، ثم يقولون له: هل يفعلون ذلك إلا لقتالك؛ حتى حركوه وكانوا أول من رمى فيهم بالسهام، وضربوا بالسيوف والرماح حتى اشتبك القتال، ووقع ما راموه، وكان في ذلك خلاصهم بما خشوه من اجتماع الفريقين على الاستقادة لعثمان منهم، هذا أحسن ما نقل في ذلك

(2)

.

فصل:

وأما حديث أبي موسى وأبي مسعود حين دخلا على عمار حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة أن يستنفرهم، فجرى بينهم ما جرى من تقبيح رأي

(1)

التوريش: التحريش، يقال: ورَّشت بين القوم وأرَّشت."لسان العرب" 8/ 4812.

(2)

انظر: "شرح ابن بطال"10/ 51 - 52.

ص: 370

عمار وإسراعه في الفتنة بالخروج، وكشف الوجه، وقد علم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حمل السلاح على المسلمين (ثم)

(1)

توبيخ عمار (رأيهما)

(2)

على قعودها عن ذلك، وكل فريق منهم مجتهد، له وجه في الصواب، وكان اجتماعهم عند أبي مسعود بعد أن خطب عمار الناس على المنبر بالنفير، وكان أبو مسعود كثير المال جوادًا، وكان ذلك يوم جمعة فكساهما حلتين (ليشهدا بهما)

(3)

الجمعة؛ لأن عمارًا كان في ثياب السفر وهيئة الحرب، فكره أن يشهد الجمعة في تلك الثياب، وكره أن يكسوه بحضرة أبي موسى ولا يكسو أبا موسى؛ لأنه كان كريمًا.

فصل:

قوله في الشعر السالف: (الحرب أول ما تكون فتية). هو مثل، فشبه ابتداءها بالشابة، والحرب مؤنثة، قال الخليل: تصغيرها حريب -بلا هاء- (رواه)

(4)

عن العرب

(5)

. قال المازري: لأنه في الأصل مصدر. وقال المبرد: قد تذكر الحرب، وأنشد عليه. قال سيبويه: بعضهم يرفع (أول) و (فتية) على أنه أنث الأول بقوله: فتية؛ لأنه مثل: ذهبت بعض (أصحابه)

(6)

ومن نصب (أول) على أنه في ذلك (الحال)

(7)

، ورفع (فتية) على أنها خبر عن الحرب، ويعني الحرب

(1)

في الأصل: في، والمثبت من ابن بطال، وهو المناسب للسياق.

(2)

في (ص 1): لهما.

(3)

في (ص 1): لشهادتهما.

(4)

في "العين": رواية.

(5)

"العين" 3/ 213.

(6)

كذا في الأصل، وعند سيبويه:(أصابعه).

(7)

في الأصل: الخبر، والمثبت من "الكتاب" لسيبويه.

ص: 371

أول أحوالها إذا كانت فتية

(1)

. وأجاز غير سيبويه إذا روي الحرب أول ما تكن فتية أن تكون فتية، وقدره بمعنى إذا كانت فتية جعل (فتية) حالاً وتؤنث (أول) على ما تقدم، وزعم المبرد أن تقديره: أول ما تكون وتسعى فتية ثم تقدم الحال، وحكي أيضًا غير ما رواه سيبويه، وهو أن يروى: الحرب أول. أي: أنها أول شيء في هذِه الحال.

وقوله: (وشب ضرامها) قال ابن التين: هو بضم الشين أي: اتقدت نارها.

يقال: شب النار والحرب إذا أوقدتا، والضرام -بالكسر- إشعال النار في الحلفاء وغيرها.

وقوله: (ولت عجوزًا غير ذات حليل). أي: صارت لا أرَب فيها، ولا تراد، والحليل: الزوج. جزم به ابن التين. وضبطه الدمياطي بالأصل بخاء معجمة، وفي الحاشية بحاء مهملة.

وقوله: (شمطاء) أي: شاب رأسها، والشمط: بياض شعر الرأس يخالطه سواد، والرجل أشمط والمرأة شمطاء. وقال الداودي: يعني كثيرة الشيب.

وقوله: (ينكر لونها). أي: يبدل حسنها بقبح.

وقوله: (مكروهة للشم). أي: تغير فوها بالبخر.

فصل:

قوله في حديث حذيفة: "فتنة الرجل في أهله" يعني: ما لا يكاد الزوجان يسلمان منه.

(1)

"الكتاب" 1/ 402.

ص: 372

وقوله: "ماله"يعني: أن المجتهد وإن تحفظ لا يسلم في المال إذا اكتسبه.

وقوله: ("تكفرها الصلاة"). أي: لأن الصلاة كفارات لما بينهن إلا حقوق العباد والحدود.

وقوله: (بل يكسر). أي: يقتل عمر ولا يموت حتف أنفه، قاله الداودي.

وقوله: (أجل) أي: نعم، قال الأخفش: إلا أنه (مثل: نعم)

(1)

في التصديق، ونعم أحسن منه في الاستفهام إذا قال: أنت سوف تذهب. قلت: أجل، (وكان أحسن من نعم، فإذا قال: تذهب؟ قلت: نعم، كان أحسن من أجل)

(2)

، وكذلك هو ههنا في التصديق، وكان عمر رضي الله عنه يعلم أنه شهيد، ولكن الشهادة قد تكون من غير القتل، وكان رأى ديكًا نقره في ظهره ثلاثًا، فذكره لأسماء بنت عميس رضي الله عنها فقالت: يطعنك على ثلاث طعنات

(3)

. وكان يدعو: اللهم (إني أسألك)

(4)

شهادة في سبيلك، ووفاة ببلد رسولك. كما سلف

(5)

، وقال لما طعن وأخبر بمن طعنه: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي على يدي رجل قد صلى لله (صلاة)

(6)

يحاجني بها عند الله

(7)

.

(1)

في (ص 1): أحسن من: نعم.

(2)

من (ص 1).

(3)

رواه أحمد 1/ 15، ورواه مسلم دون ذكر قول أسماء برقم (567) كتاب: المساجد، باب: نهي عن أكل ثومًا أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها عن حضور المسجد.

(4)

من (ص 1).

(5)

سلف برقم (1890) كتاب: فضائل المدينة.

(6)

في الأصل: (صورة) والصواب ما أثبتناه.

(7)

سلف بنحوه برقم (3700) كتاب: فضائل الصحابة، باب: قصة البيعة، بلفظ:(لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام)

ص: 373

وقوله: (حدثته حديثا ليس بالأغاليط). أي: حديث صدق ولا غلط فيه، والأُغلوط ما يغلط به من المسائل. وقال الداودي: أي ليس بالحديث الذي يتهاون فيه أو يغفل عن شيء منه لغطًا عنه؛ لأنه أول (شيء)

(1)

يدخل على هذِه الأمة.

(فهِبنا أن نسأله) يعني: حذيفة.

وفيه: هيبة العالم. قال ابن عينية: رأيتُ مالكًا وهو عند زيد بن أسلم وهو يسأله عن حديث عمر في الفرس الذي حبس، ومالك يذكر له (الكلمة بعد الكلمة)

(2)

أو يتلفظه، وكان عبيد بن عبد الله يتلفظ ابن عباس، فكان يحزن عنه.

فصل:

قول أبي موسى: (لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمرني) كذا هنا، وفي حديث آخر:(أمرني بحفظ الباب)

(3)

. قال الداودي: وهذا اختلاف ليس المحفوظ إلا أحدهما. قلت: يجوز أن يكون ذاك أولاً والآخر ثانيًا.

والقف -بضم القاف ثم فاء- هو الدكة التي تجعل حولها، وأصل القف ما غلظ من الأرض وارتفع أو هو من القف اليابس؛ لأن ما ارتفع حول البئر يكون يابسًا في الغالب، والقف أيضًا وادٍ من أودية المدينة عليه مال لأهلها. واقتصر ابن بطال على قول صاحب "العين": القف: ما ارتفع من الأرض

(4)

ونحوه

(5)

. وقال ابن فارس: إنه ما ارتفع من

(1)

في (ص 1): شر.

(2)

في الأصل: عن الكلمة.

(3)

سلف برقم (3695) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب عثمان بن عفان.

(4)

"العين" 5/ 28.

(5)

"شرح ابن بطال"10/ 52.

ص: 374

(متن)

(1)

الأرض

(2)

. وعبارة الداودي: ما حوله.

وقوله: (فكشف عن ساقيه) يؤخذ منه أنه ليس بعورة.

وقوله في عثمان: ("وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه"). أخبره بذلك؛ ليستعمل الصبر عند البلاء ففعل، وقال الداودي: وفيه أن ابن المسيب (كان)

(3)

من إحسانه لعبارة الرؤيا يعبر ما يشبهها، يعني بقوله: فتأولت ذلك قبورهم اجتمعت ههنا، وانفرد عثمان.

فصل:

قوله: (وقيل لأسامة: ألا (تكلم هذا؟)

(4)

يعني: عثمان كما أسلفناه. فأخبر أثه يكلمه سرًّا، وكان أسامة على حداثته فاضلاً ويستحق وعظ الأئمة.

وقوله: (لا أقول لرجل أنت) هذا من المعاريض والتحذير للأئمة من الجور، وقد علم فضل عثمان.

وقوله: ("كنت آمر بالمعروف ولا أفعله"). يعني: يكثر منه ويفعل يسيرًا ويكثر النهي ولا يرجع عنه، وقيل لابن جبير: أيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من فيه شيء؟ فقال: ومن يسلم من هذا. وقاله مالك، وقال الحسن لمطرف بن عبد الله بن الشخير: ألا تعظ الناس؟ قال: أخشى أن أقول ما لا أفعل. قال: يغفر الله لك، ودَّ الشيطان أن لو ظفر منكم بمثل هذا، فالمأذون له في ذلك هو المتحدي بحدود

(1)

في (ص 1): نتوء.

(2)

"مجمل اللغة" 2/ 729.

(3)

من (ص 1).

(4)

في (ص 1): تكلمه.

ص: 375

الإسلام، ولا شك أنه لم يأمر، ونية الأمر لا شيء فقد سقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأدى ذلك إلى قوله هذا، وهذا فاسد. وقد ذكر بعض الأصوليين: أن الصحيح من هذا ما عليه جماعة الناس؛ إذ متعاطي الكأس يجب عليه نهي جماعة الجلاس. وقال مالك: ليس المتحدي بحدود الإسلام كاللاعب فيه الذي يسرو أو يلعب.

فصل:

قول أبي بكرة رضي الله عنه: (لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل). يريد قوله: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".

وقوله: (ملكوا ابنة كسرى) -هو بكسر الكاف وفتحها- وهو لقب ملوك الفرس، وعبارة ابن خالويه: أنه اسم له، وأتى بقوله:"لن يفلح .. ". إلى آخره؛ لطاعتهم لعائشة، ذكر أن اللغط كثر يومًا وارتفعت أصواتهم، فقالت: صه. فكأنما قطعت الألسن. وذكر عن علي رضي الله عنه: قاتلت خمسة: أطوع الناس. يعني: عائشة، وأشجع الناس يعني: الزبير، وأمكر الناس يعني: في الحروب، يريد طلحة ابن عبيد الله، وأعبد الناس: يريد محمد بن طلحة (بن عبد الله)

(1)

، وأعطى الناس، يريد: يعلي بن منية. كان يعطي الرجل مائتي دينار

(2)

، وهو واهب الجمل لعائشة واشتراه بمائتي دينار

(3)

واسمه عسكر.

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر: "تاريخ الإسلام" 3/ 499. وورد في هامش الأصل: وفي الأصل بمائتي دينار وقد خبب عليها المقابل، وصرح بثمانين وصحح عليها.

(3)

ورد بهامش الأصل ما نصه: في كلام أبي عمر في ترجمة يعلى ثمانين دينارًا وقتل مع على بصفين بعد أن كان مع عائشة في الجمل.

ص: 376

فصل:

واحتج به من منع قضاء المرأة وهو مذهبنا

(1)

، ومشهور مذهب مالك

(2)

. وولي عمر الشفاء أم سليمان خاتمة بالسوق

(3)

، وقاله ابن جرير الطبري، يعني: فيما يجوز شهادتهن فيه.

فصل:

وصعود الحسن على المنبر فوق عمار؛ لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه ابن الخليفة، وكان عمار من جلة الصحابة أيضًا، وهو من أهل بدر، وفيه أنزلت:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} [النحل: 106] وقتل يوم صفين.

فصل:

وقوله: (إنها زوجة نبيكم) قدم فضلها قبل أن يخبر بما ابتلوا به فيها، ودل قول أبي بكرة أنه لولا عائشة لكان مع طلحة والزبير؛ لأنه لو تبين له خطؤهما لكان مع علي. ومحاورة أبي مسعود وأبي موسى (تبين)

(4)

لعمار أن الحق مع علي فقاتل معه، وأشكل على أولئك فتوقفوا.

(1)

"روضة الطالبين" 11/ 94.

(2)

"المنتقي" 5/ 182، "مواهب الجليل" 8/ 63.

(3)

رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 6/ 4 (3179) عن دحيم، عن رجل سماه، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب به، وقال يزيد: ولا نعلم امرأة استعملها غير هذِه.

(4)

من (ص 1).

ص: 377

‌19 - باب إِذَا أَنْزَلَ اللهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا

7108 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَنْزَلَ اللهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ» . [مسلم: 2879 - فتح: 13/ 60].

ذكر فيه حديث حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُوُلُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَنْزَلَ اللهُ بِقَومٍ عَذَابًا أَصَابَ العَذَابُ مَنْ كانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعمَالِهِمْ".

هذا الحديث (مثل)

(1)

حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها (السالف)

(2)

: أنهلك وفينا الصالحون

(3)

؟! فيكون إهلاك جميع الناس عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي.

ودل قوله: "بعثوا على أعمالهم". أن ذلك الهلاك العام يكون طهرة للمؤمنين ونقمة للفاسقين، قال الداودي: يعني به الأمم التي تعذب على الكفر، فيكون فيهم أهل أسواقهم ومن ليس منهم يصاب جميعهم بآجالهم، ثم يبعثون على أعمالهم. ويُقال: إذا أراد الله عذاب أمة (أعقم)

(4)

نساءهم خمس عشرة سنة قبل أن يصابوا لئلا يصاب الولدان الذين لم يجر عليهم القلم، وقيل: يكونون على هيئتهم، فإذا أصابهم العذاب أخذ الكفار بكفرهم، وبعث كل عامل على عمله.

(1)

في (ص 1): يبين.

(2)

من (ص 1).

(3)

سلف برقم (3346).

(4)

في الأصل: أعلم، والمثبت هو الصواب، وقد أشار الناسخ إلى ذلك، فقال بهامش الأصل: لعله: أعقم.

ص: 378

‌20 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ»

7109 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ أَبُو مُوسَى -وَلَقِيتُهُ بِالْكُوفَةِ جَاءَ إِلَى ابْنِ شُبْرُمَةَ فَقَالَ: أَدْخِلْنِي عَلَى عِيسَى فَأَعِظَهُ. فَكَأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ خَافَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ- قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: لَمَّا سَارَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالْكَتَائِبِ. قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: أَرَى كَتِيبَةً لَا تُوَلِّي حَتَّى تُدْبِرَ أُخْرَاهَا. قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَنْ لِذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ؟. فَقَالَ. أَنَا. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ: نَلْقَاهُ فَنَقُولُ لَهُ: الصُّلْحَ. قَالَ الحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ جَاءَ الْحَسَنُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ» . [انظر: 2704 - فتح: 13/ 61].

7110 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَّ -حَرْمَلَةَ مَوْلَى أُسَامَةَ- أَخْبَرَهُ -قَالَ عَمْرٌو: وَقَدْ رَأَيْتُ حَرْمَلَةَ- قَالَ: أَرْسَلَنِي أُسَامَةُ إِلَى عَلِيٍّ وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَسْأَلُكَ الآنَ فَيَقُولُ: مَا خَلَّفَ صَاحِبَكَ؟ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ لَوْ كُنْتَ فِي شِدْقِ الأَسَدِ لأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَرَهُ.

فَلَمْ يُعْطِنِي شَيْئًا، فَذَهَبْتُ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَابْنِ جَعْفَرٍ فَأَوْقَرُوا لِي رَاحِلَتِي. [فتح: 13/ 61].

ذكر فيه حديث إِسْرَائِيلَ أَبي مُوسَي: أنه جَاءَ إِلَى ابن شُبْرُمَةَ فَقَالَ: أَدْخِلْنِي عَلَى عِيسَي فَأَعِظَهُ. فَكَأَنَّ ابن شُبْرُمَةَ خَافَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ - قَالَ: حَدَّثنَا الحَسَنُ قَالَ: لَمَّا سَارَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ رضي الله عنهما إلى مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه بِالْكَتَائِبِ. قَالَ عَمْرُو بْنُ العاصي لِمُعَاوِيَةَ: أَرى كَتِيبَةً لَا تُوَلِّي حَتَّى تُدْبِرَ أُخْرَاهَا. قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَنْ لِذَرَارِيِّ المُسْلِمِينَ؟. فَقَالَ: أَنَا. فَقَالَ

ص: 379

عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ: نَلْقَاهُ فَنَقُولُ لَهُ: الصُّلْحَ. قَالَ الحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يخْطُبُ جَاءَ الحَسَنُ رضي الله عنه، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"ابْنِي هذا سَيِّدٌ .. "الحديث.

وحديث حَرْمَلَةَ مَوْلَى أُسَامَةَ قَالَ: أَرْسَلَنِي أُسَامَةُ إِلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقَالَ: إِنَّهُ يسألك الآنَ فَيَقُولُ: مَا خَلَّفَ صَاحِبَكَ؟ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ لَوْ كُنْتَ فِي شِدْقِ الأَسَدِ لأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِيهِ، ولكن هذا أَمْر لَمْ أَرَهُ. فَلَمْ يُعْطِنِي شَيْئًا، فَذَهَبْتُ إلى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَابْنِ جَعْفَرٍ فَأَوْقَرُوا لِي رَاحِلَتِي.

الشرح:

حديث حرملة من أفراده، وحديث الحسن سلف في الصلح أتم.

وفيه: فضيلة السعي بين المسلمين في حسم الفتن والإصلاح بينهم، وأن ذلك مما تستحق به السيادة والشرف.

والكتائب جمع كتيبة: وهي الجيش، يقال: كتب فلان الكتائب، أي: عبأها كتيبة كتيبة.

وقوله: (حتى تدبر أخراها) أي: تخلفها وتقوم مقامها، ومنه حديث عمر- رضي الله عنه:(كنت)

(1)

أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا

(2)

. أي: يخلفنا بعد موتنا، يقال: دبرت الرجل إذا بقيت بعده.

وقول معاوية: (مَنْ لذراري المسلمين؟). يدل أنه كره الحرب وخشي (منه)

(3)

عاقبة الفتنة، لرقة قلبه، ولذلك بعثهما إلى الحسن

(1)

من (ص 1).

(2)

هذِه الزيادة سلفت في كتاب: الصلح برقم (2704) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنه "إن ابني هذا سيد .. "

(3)

في (ص 1): سوء.

ص: 380

يسأله الصلح فأجابه رغبة فيه، وحقنًا لدماء المسلمين وحرصًا على رفع الفتنة.

قال الحسن: (واللهِ خير الرجلين). يعني: أن معاوية خير من عمرو بن العاصي.

وابن شبرمة اسمه: عبد الله.

وقول إسرائيل له: (أدخلني على عيسى فأعظه). يعني: ابن موسى أميرًا على الكوفة، فخاف عليه ابن شبرمة من ذلك، فدل أن مذهبه أن من خاف على نفسه لا يلزمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فصل:

وقعود أسامة عن علي رضي الله عنهما؛ لأنه قتل مرداسًا لما بعثه الشارع إلى الحرقة

(1)

وعيَّبه عليه فآلى على نفسه إذ ذاك أن لا يقتل مسلمًا أبدًا؛ فلذلك قعد عن علي رضي الله عنهما في الجمل وصفين.

فصل:

وقوله: "ابني هذا سيد" فيه: أن ابن البنت يسمى ابنا، ولذلك دخل في عموم قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} الآية [النساء: 22]، وفي رواية أخرى: أنه عليه السلام أجلس الحسن وهو على المنبر إلى جانبه وجعل ينظر إليه مرة وإلى الناس أخرى، وقال:"ابني هذا سيد .. " الحديث

(2)

. فكان كما قال، فكان الحسن من أَكْرَه الناس لخروج علي إلى المدينة، وكان يبكي ويسأله أن لا يفعل.

(1)

سلف برقم (4269).

(2)

سلف برقم (3746).

ص: 381

فصل:

(ولد)

(1)

الحسن نصف رمضان من سنة ثلاث، وفيها علقت بالحسين فلم يكن بينهما إلا طهر واحد، وقيل: خمسون ليلة، وقيل: ولد الحسين سنة أربع. وله رواية. حفظ مما رواه: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"

(2)

، وحديث قنوت الوتر

(3)

، وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فصل:

وقال أسامة: (ولكن هذا أمر لم أره) كان ممن تخلف عن تلك الفتنة، وإنما منع عليًّا أن يعطي الرسول لعله سأله من مال الله، فلم ير أن يعطيه؛ لتخلفه عن الحرب، وأعطاه الحسن والحسين وابن جعفر؛ لأنهم حسبوه كأحدهم، كان عليه السلام يجلس أسامة على فخذه والحسين على الأخرى ويقول:"اللهم أحبهما فإني أحبهما"

(4)

.

(1)

ساقطة من الأصل، والمثبت من (ص 1).

(2)

رواه الترمذي برقم (58) وقال: حسن صحيح.

(3)

رواه أبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي 3/ 248، وابن ماجه (1178)، وورد بهامش الأصل ما نصه: حديث "دع ما يريبك" في أبي داود والنسائي وحديث "قنوت الوتر" في الأربعة وحديث "تحفة الصائم الدهن والمجمر" في الترمذي فقط، وكذا حديث قام رجل إلى الحسن بعد ما بايع معاوية فقال: سودت وجوه المؤمنين .. الحديث، وكذا حديث: أنه والحسين كان يتختمان في يسارهما. وهو موقوف، رواه الترمذي، وحديث أن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس، فقام الحسن

الحديث رواه النسائي. هذا الذي له في الكتب الأربعة، وليس له في البخاري ومسلم شيء.

(4)

سلف برقم (3735) كتاب: فضائل الصحابة، باب: ذكر أسامة بن زيد رضي الله عنه.

ص: 382

فصل:

وقوله: (فأوقروا لي راحلتي). الوقر-بالكسر- الحِمْل، وقد أوقر بعيره، وأكثر ما يستعمل في حمل البغال والحمير، والوسق في حمل البعير، قاله في "الصحاح"

(1)

، والراحلة: الناقة التي تصلح لأن ترحل، وكذلك الرحول، ويقال للراحلة: المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى.

(1)

"الصحاح" 2/ 848.

ص: 383

‌21 - باب إِذَا قَالَ عِنْدَ قَوْمٍ شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ بِخِلَافِهِ

7111 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ إِلاَّ كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. [انظر: 3188 - مسلم: 1735 - فتح: 13/ 68].

7112 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: لَمَّا كَانَ ابْنُ زِيَادٍ وَمَرْوَانُ بِالشَّأْمِ، وَوَثَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، وَوَثَبَ القُرَّاءُ بِالْبَصْرَةِ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ فِي دَارِهِ -وَهْوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ عُلِّيَّةٍ لَهُ مِنْ قَصَبٍ- فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَأَنْشَأَ أَبِي يَسْتَطْعِمُهُ الحَدِيثَ فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ، أَلَا تَرَى مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ؟ فَأَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ: إِنِّي احْتَسَبْتُ عِنْدَ اللهِ أَنِّي أَصْبَحْتُ سَاخِطًا عَلَى أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ كُنْتُمْ عَلَى الْحَالِ الذِي عَلِمْتُمْ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْقِلَّةِ وَالضَّلَالَةِ، وَإِنَّ اللهَ أَنْقَذَكُمْ بِالإِسْلَامِ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَلَغَ بِكُمْ مَا تَرَوْنَ، وَهَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَفْسَدَتْ بَيْنَكُمْ، إِنَّ ذَاكَ الذِي بِالشَّأْمِ وَاللهِ إِنْ يُقَاتِلُ إِلاَّ عَلَى الدُّنْيَا. [7271 - فتح: 13/ 68].

7113 -

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ، وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ. [فتح: 13/ 61].

7114 -

حَدَّثَنَا خَلاَّدٌ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّمَا هُوَ الكُفْرُ بَعْدَ الإِيمَانِ. [فتح: 13/ 69].

ص: 384

ذكر فيه أحاديث:

أحدها:

حديث نَافِعٍ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ المَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ". وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هذا الرَّجُلَ عَلَى بيعة اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا (أَعْظَمَ)

(1)

مِنْ أَنْ يُبَايعَ رَجُلٌ رجلاً عَلَى بَيْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ القِتَال، وإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلَا بَايَعَ فِي هذا الأَمْرِ إِلَّا كَانَتِ الفَيْصلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ.

ثانيها:

حديث أَبِي المِنْهَال قَالَ فيه: حدثنا أحمد بن يونس، ثنا أبو شهاب -وهو عبد ربه بن نافع الحناط المدائني صاحب الطعام، اتفقا عليه وعلى عبد ربه بن سعيد بن قيس، وانفرد مسلم بأبي نعامة عبد ربه السعدي، وبعبد ربه أبي سعيد الشامي، عن أبي وَرَّاد، وانفرد أيضًا بأبي نعامة العدوي عمرو بن عيسى- عن عوف، عن أبي المنهال -واسمه سيار بن سلامة التميمي الحنظلي اليربوعي الرياحي، اتفقا عليه، وعلى أبي الحكم سيار بن أبي سيار، واتفقا أيضًا على أبي المنهال (عبد الرحمن)

(2)

بن مطعم عن ابن عباس والبراء وزيد بن أرقم قال: لَمَّا كَانَ ابن زِيَاد وَمَرْوَانُ بِالشَّامِ، وَوَثَبَ ابن الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، وَوَثَبَ القُرَّاءُ بِالْبَصْرَةِ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إلى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ -واسمه

(1)

من (ص 1)

(2)

في الأصل: (عبد ربه)، والمثبت من (ص 1)، وانظر:"تهذيب الكمال" 17/ 406 (3958).

ص: 385

نضلة بن عبيد- حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ في دَارِهِ -وَهْوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ عُلِّيَّةٍ لَهُ مِنْ قَصَبٍ- فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَأَنْشَأَ أَبِي يَسْتَطْعِمُهُ الحَدِيثَ فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ، أَلَا تَرى مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ؟ فَأَوَّلُ شَيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ: إِنِّي احتسب عِنْدَ اللهِ أَنِّي أَصْبَحْتُ سَاخِطًا عَلَى أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ العَرَبِ كُنْتُمْ عَلَى الحَالِ الذِي عَلِمْتُمْ مِنَ القلة والذلة وَالضَّلَالَةِ، وَإِنَّ اللهَ أَنْقَذَكُمْ بِالإِسْلَام وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حتَّى بَلَغَ بِكُمْ مَا تَرَوْنَ، وهذِه الدُّنْيَا التِي أَفْسَدَتْ بَيْنَكمْ، إِنَّ ذَاكَ الذِي بِالشَّأمِ والله (إِنْ)

(1)

يُقَاتِلُ إِلَّا عَلَى الدُّنْيَا. وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا وإن هؤلاء الذين بين أظهركم، والله ما يقاتلون إلا على الدنيا

(2)

.

الثالث:

حديث أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ قَالَ: إِنَّ المُنَافِقِينَ اليَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ، وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ.

وعن أبي الشعثاء، عن حذيفة قال: إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان.

(الشرح)

(3)

:

معنى الترجمة: إنما هو في خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ورجوعهم عن بيعته، وما قالوا له، وقالوا بغير حضرته خلاف ما قالوا

(1)

في (ص 1): لن.

(2)

ورد بهامش الأصل: من قوله: فإن ذاك الذي بمكة .. إلى آخر الحديث ليس أحفظه ولا رأيته في أصل من أصولها. اهـ. [قلت: هذِه الزيادة مثبتة من رواية أبي ذر الهروي، كما في هامش"اليونينية" وانظر: "فتح الباري" 13/ 690].

(3)

في الأصل: فصل، والمثبت من (ص 1).

ص: 386

بحضرته، وذلك أن ابن عمر رضي الله عنهما بايعه فقال عنده بالطاعة لخلافته، ثم خشي على بنيه وحشمه النكث مع أهل المدينة حين نكثوا بيعة يزيد، فجمعهم ووعظهم، وأخبرهم أن النكث أعظم الغدر، وأما قول أبي برزة: إني أحتسب عند الله أني أصبحت ساخطًا على أحياء قريش، فوجه موافقته الترجمة: أن هذا قول لم يقله عند مروان بن الحكم حين بايعه، بل بايع واتبع ثم سخط ذلك لما بعد عنه، وكأنه أراد منه أن يترك ما (نوزع)

(1)

فيه للآخرة؛ ولا يقاتل عليه، كما فعل عثمان، فلم يقاتل من نازعه، بل ترك ذلك لمن قاتله عليه، وكما فعل الحسن بن علي رضي الله عنهما حين ترك القتال لمعاوية (حين نازعه)

(2)

أمر الخلافة، فسخط أبو برزة من مروان؛ تمسكه بالخلافة والقتال عليها، فقد تبين أن قوله لأبي المنهال وابنه بخلاف ما قال لمروان حين بايع معه.

فصل:

وأما يمينه أن الذي بالشام إن يقاتل إلا على الدنيا وهو عبد الملك فوجهه أنه كان (يريد أن)

(3)

يأخذ بسيرة عثمان والحسن، وإنما يمينه على الذي بمكة يعني ابن الزبير، وإنه لما وثب (بمكة)

(4)

من بعد أن دخل فيما دخل فيه المسلمون جعله نكثا منه وحرصًا على الدنيا، وهو في هذِه أقوى رأيًا منه في الأولى، وكذلك القرَّاء بالبصرة؛ لأنه كان لا يرى

(1)

في الأصل: ورع، والمثبت من (ص 1)، والسياق يقتضيه، وانظر:"فتح الباري" 13/ 69.

(2)

من (ص 1).

(3)

من (ص 1).

(4)

من (ص 1).

ص: 387

الفتنة في الإسلام أصلاً فكان يرى أن يترك صاحب الأمر حقه لمن نازعه فيه؛ لأنه مأجور في ذلك، وممدوح بالإيثار على نفسه، وكان يريد من المقاتل له ألا يقتحم النار في قيامه، وتفريقه الجماعة وتشتيت الكلمة، ولا يكون سببًا لسفك الدماء واستباحة الحرم أخذًا بقوله عليه السلام:"إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"

(1)

. فلم ير القتال البتة وخشي أن يقول في ابن الزبير شيئًا؛ لأنه كان من العبادلة بمكان، وما غير عليه في خلافته أنه استأثر بشيء من مال الله.

فصل:

وأما حديث حذيفة رضي الله عنه، وقوله: إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يسرون قولهم فلا يتعدى شرهم إلى غيرهم، وأما اليوم فإنهم يجهرون بالنفاق ويعلنون بالخروج عن الجماعة ويورثون بينهم ويحزبونهم أحزابًا، فهم اليوم شر منهم حتى لا (يضرون)

(2)

بما يسرونه، غير أنهم لم يصرحوا بالكفر إنما هو النفث يلقونه من أفواههم، فكانوا يعرفون به، قال الحسن: لولا المنافقون ما توحشنا في الطرق ولولاهم ما انتصفنا من عدو.

ووجه موافقته للترجمة أن المنافقين بالجهر وإشهار السلاح على الناس هو القول بخلاف ما قالوه حين دخلوا في بيعة من بايعوه من الأئمة؛ لأنه لا يجوز أن يتخلف عن بيعة من بايعه الجماعة ساعة من الدهر؛ لأنها ساعة جاهلية، ولا جاهلية، في الإسلام، وقد قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] فالتفرق محرم في الإسلام وهو الخروج عن طاعة الأئمة.

(1)

سلف برقم (31).

(2)

في (ص 1): يعصرون.

ص: 388

فصل:

وأما قول أبي برزة رضي الله عنه واحتسابه وسخطه على أحياء قريش عند الله تعالى فكأنه قال: اللهم إني لا أرضى ما تصنع قريش من التقاتل على الخلافة، فاعلم ذلك من نيتي، وإني ساخط ذلك عليهم وأفعالهم واستباحتهم الدماء والأموال، فأراد أن يحتسب ما يعتقده من إنكار القتال في الإسلام عند الله أجرًا وذخرًا، فإنه لم يقدر من التغيير عليهم إلا بالقول والنية التي بها (أجزى)

(1)

الله عباده.

فصل:

الحشم: الخدم ومن يغضب له، وهم الجماعة اللائذون بخدمته؛ سموا بذلك لأنهم يغضبون له، والحشمة الغضب، وحشمة: بفتح الحاء والشين المعجمة.

والفيصل: القاطعة التامة والياء زائدة فيعل من فصل الشيء إذا قطعه.

وقوله: (على بيع الله ورسوله) أي: على شرط ما أمر الله ورسوله من البيعة، والبيعة: الصفقة من البيع، وذلك أن من بايع سلطانه فقد أعطاه (الطاعة)

(2)

وأخذ منه العطية فأشبهت البيعة الذي فيه المعاوضة من أخذ وعطاء، وقيل: أصله أن العرب كانت إذا بايعت تصافقت بالأكف عند العقد، وكذلك كانوا يفعلون إذا تحالفوا فشبهوا معاوضة (الولاة)

(3)

المتماسكة بالأيدي وسموها بيعة.

(1)

في (ص 1): أجر.

(2)

في (ص 1): الله.

(3)

في الأصل: موالاة والمثبت من (ص 1).

ص: 389

فصل:

(في ظِل عُلِّيَّةٍ) أي: غرفة، وجمعها: علالي وهي فعيلة، وأصله عليوة، وأبدلت الواو ياء، وأدغمت؛ لأن هذِه الواو إذا سكن ما قبلها فتحت، كما نسب إلى الدلو دلوي وهي من علوت، وقال بعضهم: هي علية بالكسر على فعيلة، يجعلها من المضاعف قال: وليس في الكلام فعلية.

فصل:

(قوله)

(1)

(يستطعمه الحديث) أي: يستطيبه ويرغب في أن يسمعه منه.

وقوله: (إنما كان النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: إنما دخلوا في الإسلام خوفًا، آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم.

وقوله: (فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان). يعني: هؤلاء ولدوا في الإسلام وعلى فطرته، فمن أظهر منهم كفرًا فهو مرتد، ولذلك اختلفت أحكام المنافقين والزنادقة والمرتدين؛ لأن المنافقين لم يكونوا مسلمين قط إلا بالإسلام، وهؤلاء ولدوا على فطرة الإسلام وفي الإسلام، فكانوا عليها حتى أحدثوا ما أحدثوا، وكان السلف يخشون على أنفسهم النفاق لما لا يكادون ينجون مما لا ينجى منه السر والمؤمن خاشٍ راجٍ.

(1)

من (ص 1).

ص: 390

‌22 - باب لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُغْبَطَ أَهْلُ القُبُورِ

7115 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» . [انظر: 85 - مسلم: 157 - فتح: 13/ 74].

ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيتَنِي مَكَانَهُ".

الشرح:

الغبطة: تمني مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه، وليس بحسد، تقول: غبطته أغبطه غبطًا وغبطة، وتغبط أهل القبور وتمني الموت عند ظهور الفتن إنما خوف ذهاب الدين؛ لغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصي والمنكر، وروى ابن المبارك من حديث سعيد بن عبد العزيز عن ابن عبد ربه: أن أبا الدرداء كان إذا جاءه موت الرجل على الحال الصالحة قال: هنيئًا له ليتني بدله. فقالت له أم الدرداء: لم تقول هذا؟ (فقال: إن الرجل ليصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا، قالت: وكيف؟ قال: يسلب إيمانه)

(1)

وهو لا يشعر، فلأنا، لهذا (بالموت)

(2)

أغبط من هذا في الصوم والصلاة

(3)

، وقد روي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما مرفوعًا: "إن بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، يبيع فيها أقوام دينهم

(1)

ما بين القوسين غير موجود بالأصل، ولعله سقط، والمثبت من ابن بطال حيث ينقل المصنف.

(2)

من (ص 1).

(3)

"الزهد" لابن المبارك ص 490 (1396).

ص: 391

بعرض من الدنيا يسير"

(1)

.

ومن حديث الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بين يدي الساعة فتن يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه"

(2)

.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سيأتي عليكم زمان لو وجد فيه أحدكم الموت يباع لاشتراه، وسيأتي عليكم زمان يغبط فيه الرجل بخفة الحاذ كما يغبط فيه بكثرة المال والولد

(3)

. وأما من لم يخف فساد دينه وذهاب إيمانه فلا يتمنى الموت ذلك الزمان؛ لمشابهته بأهله وحرصه فيما دخلوا فيه، بل ذلك وقت يسود فيه أهل الباطل ويعلو فيه سفلة الناس وردالتهم

(4)

ويسود بالدنيا لكع بن لكع".

فصل:

وفيه تمني الموت عند فساد الدين، وقد دعا به عمر رضي الله عنه حيث قال: اللهم كبرت سنين وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضنى إليك غير مضيع ولا مفرط

(5)

. وقال عمر بن عبد العزيز لبعض من كان يخلو معه: ادع لي بالموت.

(1)

رواه أحمد 4/ 272، والحاكم 3/ 351.

(2)

جزء من حديث رواه أحمد 3/ 453، والحاكم 3/ 525 عن الحسن عن الضحاك ابن قيس مرفوعًا.

(3)

رواه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" ص 100 (181).

(4)

في (ص 1): ورذائلهم.

(5)

رواه مالك في "الموطأ" ص 514، وعبد الرزاق 11/ 315، والحاكم 3/ 91.

ص: 392

‌23 - باب تَغْيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى تُعْبَدَ الأَوْثَانَ

7116 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ» . وَذُو الْخَلَصَةَ طَاغِيَةُ دَوْسٍ التِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ. [مسلم: 2906 - فتح: 13/ 76].

7117 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ» . [انظر: 3517 - مسلم: 2910 - فتح: 13/ 76].

ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الخَلَصَةِ". وَذُو الخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ التِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ.

وحديث أَبِي الغَيْثِ سالم مولى ابن مطيع، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أيضًا رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ".

الشرح:

الحديث الأول ظاهر فيما ترجم له، وذكر مسلم في كتابه ما يبينه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى". فقلت: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} إلى قوله:{وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 9] أن ذلك تام

(1)

.

قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحًا طيبة،

(1)

كذا في الأصل وفي "صحيح مسلم": أن ذلك تامًّا.

ص: 393

فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة (من)

(1)

خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم"

(2)

.

وهذِه الأحاديث وما جانسها معناها الخصوص، وليس المراد بها أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء؛ لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف ويعود غريبًا كما بدأ.

وروى حماد بن سلمة عن قتادة عن مطرف، عن عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال"

(3)

.

وكان مطرف يقول: هم أهل الشام، فبين في هذا الخبر خصوصية سائر الأخبار التي خرجت مخرج العموم، وصفة الطائفة التي على الحق مقيمة إلى قيام الساعة أنها ببيت المقدس دون سائر البقاع، فبهذا تأتلف الأخبار ولا تتعارض، وقد سلف هذا في كتاب العلم في باب: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين

(4)

، فإن قلت: فما وجه حديث القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه هنا. وقد قال الإسماعيلي: إنه ليس من (ترجمة)

(5)

الباب في شيء. قلت: أجاب عنه المهلب بأن وجهه أنه

(1)

من (ص 1).

(2)

رواه مسلم برقم (2907) كتاب: الفتن، باب: لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة.

(3)

رواه أبو داود (2484)، وأحمد 4/ 437، والحاكم 2/ 71، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصححه الألباني في "الصحيحة"(1959).

(4)

سلف برقم (71).

(5)

في الأصل: جهة، والمثبت من (ص 1).

ص: 394

إذا قام رجل من قحطان ليس من فخذ النبوة ولا من رهط الشرف الذين جعل الله فيهم الخلافة فذلك من أكثر تغير الزمان، وتبديل أحوال الإسلام، وأن يطاع في الخلافة، وأن يطاع في الدين من ليس أهل لذلك

(1)

.

فصل:

سلف ذكر القحطاني وإنكار معاوية ذكره، وذو الخلصة ضبطه عبد الملك بن هشام وابن إسحاق بفتح اللام والخاء، وضبطه غيره بضمهما كما سلف في موضعه، ووقع في كتاب مسلم أنه كان يقال له: الكعبة اليمانية والشامية

(2)

، وهو مشكل ومعناه: ذو

(3)

الخلصة كان يقال له: الكعبة اليمانية، والكعبة الشامية البيت الحرام. فزيادته له في الحديث سهو، وبإسقاطه يصح المعنى، قاله بعض المحدثين، وهو في "جامع البخاري" بإسقاط له، وأما السهيلي فقال: ليس هو بسهو عندي، وإنما معناه كان يقال: له، أي: يقال من أجله الكعبة الشامية للكعبة، وهو الكعبة اليمانية، و (له) بمعنى:(لأجله)

(4)

لا ينكر في العربية.

قال عمر بن أبي ربيعة:

وقمير بدا لنا آخر الليل قد

(لاح)

(5)

قالت له الفتاتان قوما

(6)

(1)

انظر: "شرح ابن بطال"10/ 60.

(2)

مسلم (2476) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل جرير بن عبد الله.

(3)

في (ص 1): أن ذا.

(4)

في (ص 1): من أجله.

(5)

ليست في الأصل، والمثبت من "الروض الأنف".

(6)

"الروض الأنف" 1/ 109.

ص: 395

وذو الخلصة: بيت لدوس وجعل مكانه مسجدًا بالعيلاء من أرض خثعم فيما ذكره أبو عبيد: والخلصة في اللغة نبت طيب الريح يتعلق بالشجر، له حب كعنب الثعلب، وجمع الخلصة: خلص قاله أبو حنيفة في "نباته" وأوضحه، وذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتابه: أن امرأ القيس بن حجر حين وتره بنو أسد بقتل أبيه استقسم عند ذي الخلصة بثلاثة أزلام الزاجر والآمر والمريض فخرج له الزاجر فسب الصنم ورماه بالحجارة وقال له:

اعضض بظر أمك ثم قال:

لو كنت يا ذا الخلص الموتورا

ذويَّ وكان شيخك المبتورا

لم تنه عن قتل العداة زورا

قال: فلم يستقسم عنده أحد بعد حتى جاء الإسلام فهدمه جرير البجلي قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهرين

(1)

.

فصل:

(أليات) بفتح الألف والسلام مثل صلوات وهذا إخبار منه عليه السلام بما يكون في آخر الزمان يريد أن نساء دوس يركبن الدواب إلى هذِه الطاغية من البلدان فهو اضطراب ألياتهن، والألية، بفتح الهمزة، ولا يقال بكسرها، ولا لية فإذا ثنيت قلت أليان ولا يخلفه التاء، ويقال: رجل آلي أي: عظيم الألية والمرأة عجزاء، ولا يقال: ألياء

(2)

.

(1)

انظر: "سيرة ابن هشام" 1/ 91.

(2)

ورد بهامش الأصل: في "الصحاح": وبعضهم يقوله [انظر: "الصحاح" 6/ 2270 - 2271].

ص: 396

‌24 - باب خُرُوجِ النَّارِ

وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ» . [انظر: 3329].

7118 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى» [مسلم: 2902 - فتح: 13/ 78].

7119 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا» .

قَالَ عُقْبَةُ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ:«يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ» . [مسلم: 2894 - فتح: 13/ 78].

ثم ساق من حديث أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الابِلِ بِبُصْرى".

وحديث عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ الفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا".

وعن عُبَيْدُ اللهِ، ثَنَاَ أَبُو الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:"يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ".

الشرح:

حديث أنس الأول أخرجه في مناقب الأنبياء عن ابن سلام، عن

ص: 397

الفزاري، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه، وروى حميد المروزي، عن عبد الوهاب: ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن كعب قال: تخرج نار من قبل اليمن تحشر الناس تغدوا معهم إذا غدوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتروح معهم إذا راحوا، فإذا سمعتم بها فأخرجوا إلى الشام

(1)

. وكل ما ذكرناه في هذِه الأحاديث من الأشراط فهي علامات قيام الساعة كخروج النار، ومعناها واحد، وقد جاء في حديث أن النار آخر أشراط الساعة. ورواه ابن عيينة عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة فقال: "ما تذكرون؟ " قلنا: نتذاكر الساعة. قال: "فإنها لا تقوم حتى تكون عشر آيات: الدجال، والدخان، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى، وثلاثة خسوف؛ خسف: بالمشرق؛ وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم"

(2)

.

وذكر ابن أبي شيبة: ثنا محمد بن بشر، عن أبي حيان، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن عمر مرفوعًا: "أول الآيات (خروجًا)

(3)

طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبًا"

(4)

.

(1)

رواه نعيم بن حماد في "الفتن"عن ابن وهب، عن عبد الله بن عمر به.

(2)

رواه مسلم برقم (2901/ 39) كتاب: الفتن، باب: في الآيات التي تكون قبل الساعة.

(3)

من (ص 1).

(4)

"رواه ابن أبي شيبة" 7/ 467 (37277).

ص: 398

وحديث أنس أصح من هذِه الأحاديث، وقد روى حماد بن سلمة عن أبي المهزم يزيد بن سفيان -وهو ضعيف- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خروج الآيات كلها في ثمانية أشهر

(1)

. وقال أبو العالية: الآيات كلها في ستة أشهر.

فصل:

قال ابن التين: يريد بقوله: "أول أشراط الساعة .. " إلى آخره أنها تخرج من اليمن حتى تؤديهم إلى بيت المقدس، والأشراط: العلامات، واحدها: شرط بفتح الشين والراء. ووجه حديث ابن عمر رضي الله عنه أول الآيات (خروجًا)

(2)

طلوع الشمس من مغربها: إذا دنت الساعة وتقاربت علاماتها، فجائز أن يقال لكل واحدة أول؛ لتقارب بعضه من بعض، وتقارب الزمن من انطواء السنين بقرب السنة والشهر والجمعة، وتقصر عما كانت، قاله كله أبو عبد الملك، وقيل اقتراب الزمن إذا دنا قيام الساعة.

فصل:

وقوله: "تضيء أعناق الإبل ببصرى" يعني: من آخرها، تبلغ إلى الإبل التي تكون ببصرى وهي من أرض الشام، تقول العرب: أصاب النار، وأصاب النارُ غيرها، ويوشك أي: يسرع، ويحسر: يكشف.

وقوله: ("فلا يأخذ منه شيئًا"). يريد؛ لأنه للمسلمين؛ فلا يؤخذ إلا بحقه ومن أخذه وكنز المال ندم لأخذه مالا ينفعه، وإذا ظهر جبل من ذهب كثر الذهب فلم يرد.

(1)

السابق 7/ 507 (37600).

(2)

من (ص 1).

ص: 399

فصل:

عبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أمه فاطمة بنت عمر بن عاصم (بن عمر)

(1)

وأم ابنته ميمونة بنت داود بن كليب، أخي خبيب ابني يساف

(2)

، وخبيب هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن خبيب بن يساف، قاله ابن سعد

(3)

، وكان لخبيب ابنان عبد الله وعبد الرحمن، وقوله:(عن جده) الضمير يعود إلى عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم الراوي عن خبيب، بالخاء المعجمة.

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر: "تهذيب الكمال" 19/ 124.

(3)

"الطبقات الكبرى" 5/ 270.

ص: 400

‌25 - باب

7120 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا مَعْبَدٌ، سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، فَسَيَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا» .

قَالَ مُسَدَّدٌ: حَارِثَةُ أَخُو عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ لأُمِّهِ. [مسلم:1011 - فتح: 13/ 81].

7121 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ القَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي بِهِ. وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ

فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ. وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ -يَعْنِي - آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِى فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا». [انظر: 85 - مسلم: 157، 2954 - فتح: 13/ 81].

ذكر فيه حديث حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تَصَدَّقُوا، فَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَان يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ (أحدًا)

(1)

يَقْبَلُهَا".

(1)

في (ص 1): من.

ص: 401

قال مسدد: حارثة أخو عبيد الله بن عمر لأمه.

وحديث أبي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ (عَظِيمَتَانِ)

(1)

، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دعواهما وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ". الحديث بطوله.

وقد سلف مختصرًا من هذا الوجه قبل الإكراه بلفظ: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة"

(2)

ومعنى: ("دعواهما واحدة"). أي: يدعيان الإسلام، وتتأول كل فرقة أنها محقة وهي كذلك لتأويلها.

وقوله: ("يقبض العلم"). أي: يموت حاملوه، ومعنى:("لا أرب لي فيه"). لا حاجة، وقوله:"يتطاول الناس في البنيان". يريد أهل البادية، وقوله:"يُليط حوضه". أي: يصلحه ويطينه، كذا وقع رباعيًّا من ألاط، وكان عمر يليط أولاد الجاهلية بآبائهم، وفي رواية: لمن ادعاهم في الإسلام

(3)

. أي: يلحقهم به، من ألاطه يليط إذا ألصقه به ولاط حُبُه بقلبي يليط ويلوط ليطًا ولوطًا لياطة، وهو أليط بالقلب وألوط، وعبارة الجوهري: لطت الحوض بالطين لوطًا أي: طينته

(4)

، وفي "غريبي الهروي": كل شيء لصق بشيء فقد لاط به يلوط لوطًا

(1)

من (ص 1).

(2)

سلف برقم (6935) كتاب: استتابة المرتدين، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان، دعواهما واحدة".

(3)

رواه مالك في "الموطأ" ص 461، والبيهقي في "السنن الكبرى" 10/ 263.

(4)

"الصحاح" 3/ 1158 مادة: (لوط).

ص: 402

ويليط ليطًا، فهو يصح على هذا، وبكون بفتح الياء لكنهم رووه بضمها

(1)

، وروى (القزاز)

(2)

: أن يليط كفه.

فصل:

وقولة في آخر الزمان: "وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها". هو بضم الهمزة، والأكلة بالضم: اللقمة، وبالفتح المرة الواحدة حتى يشبع. قال ابن التين: وقرأناه بضم الهمزة، يعني: اللقمة.

وقوله: "ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته"، وهو بكسر اللام، وكذا ضبطه الدمياطي، وقال ابن التين: رويناه بالفتح، والذي في كتب أهل اللغة بالكسر على أن في "الغريبين" عن ابن السكيت لِقحةٌ، ولَقحة

(3)

، وفي "الصحاح": اللقحة: اللقوح قال عن أبي عمرو: وإذا فتحت فهي لقوح بالفتح شهرين أو ثلاث ثم هى لبون بعد ذلك

(4)

.

فصل:

هذا كله إخبار منه عليه السلام بما يفجأ الناس (حتى)

(5)

لا يتم أحد ما ييدأه من نشره الثوب فلا يطوى، وليط الحوض، فتعاجله الساعة قبل تمامه، وأقرب من ذلك رفع اللقمة إلى فيه قبل أن يطعمها.

(1)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" 4/ 277.

(2)

غير واضحة بالأصل، والمثبت من (ص 1).

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" 4/ 262.

(4)

"الصحاح" 1/ 451، مادة:(لقح).

(5)

من (ص 1).

ص: 403

‌26 - باب ذِكْرِ الدَّجَّالِ

7122 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ: قَالَ لِي المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّجَّالِ مَا سَأَلْتُهُ، وَإِنَّهُ قَالَ لِي:«مَا يَضُرُّكَ مِنْهُ.؟» . قُلْتُ: لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ وَنَهَرَ مَاءٍ. قَالَ: «هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ» . [مسلم: 2152 - فتح: 13/ 81].

7123 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أُرَاهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ» . [انظر: 3057 - مسلم: 169 - فتح: 13/ 90].

7124 -

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قال: «يَجِيءُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ» . [انظر: 1881 - مسلم: 2943 - فتح: 13/ 90]

7125 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ» . [انظر: 1879 - فتح: 13/ 90].

7126 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا

سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَدْخُلُ المَدِينَةَ

رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّال، ولَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ».

قَالَ: وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا. [انظر: 1879 - فتح: 13/ 90].

7127 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ

ص: 404

شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ:«إِنِّي لأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» . [انظر: 3057 - مسلم: 169 (سيأتي بعد حديث 2931) - فتح: 13/ 90].

7128 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ -أَوْ يُهَرَاقُ- رَأْسُهُ مَاءً قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابن مَرْيَمَ. ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ. أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابن قَطَنٍ» . رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ. [انظر: 3440 - مسلم: 169، 171 - فتح: 13/ 90]

7129 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. [انظر: 3440 - مسلم: 587 - فتح: 13/ 90].

7130 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الدَّجَّالِ:«إِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا، فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ نَارٌ» . قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر:- مسلم: 2934، 2935 -

فتح: 13/ 90].

7131 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلاَّ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ» . فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 7408 - مسلم: 2933 - فتح: 13/ 91]

ذكر فيه أحاديث:

ص: 405

أحدها:

حديث المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قال: مَا سأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّجَّالِ مَا سأَلْتُهُ، وإِنَّهُ قَالَ لِي:"مَا يَضرُّكَ مِنْهُ؟ ". قُلْتُ: إنهم يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ وَنَهَرَ مَاءٍ. قَالَ: "هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ".

ثانيها:

حديث نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما (أُرَاهُ)

(1)

، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"هو أَعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَي كأنّهَا عِنبَةٌ طَافِيَةٌ".

ثالثها:

حديث أَنَسِ رضي الله عنه أن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَجِيءُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي نَاحِيَةِ المَدِينَةِ، ثُمَّ ترْجُفُ المَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كلّ كافِرٍ وَمُنَافِقٍ".

رابعها:

حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا يدخلُ المَدِينَةَ رُعْبُ (الْمَسِيح)

(2)

الدَّجَّالِ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابِ، عَلَى كلِّ بَابِ فيها مَلَكَانِ".

خامسها:

حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ النبي صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَأَثْنَي عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ:"إِنِّي لأنذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أنْذَرَهُ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأقولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ".

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

ص: 406

وفي لفظ: "بَيْنَا أَنَا (رأيتني)

(1)

أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سْبطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ -أَوْ يُهَرَاقُ- رَأسُهُ مَاءً، قُلْتُ: مَنْ هذا؟ قَالُوا: ابن مَرْيَمَ. ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ العَيْنِ، كَأَنَّ عَينَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قَالُوا هذا الدَّجَّالُ. أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابن قَطَنٍ". رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ.

سادسها:

حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّال.

سابعها:

حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال فِي الدَّجَّالِ:"إِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا، فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ نَارٌ". قَال ابن مَسْعُود رضي الله عنه: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

ثامنها:

حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا بُعِثَ نَبِيٌ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكتُوبًا كَافِرٌ، مكتوب ك ف ر". فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم.

الشرح:

ههنا أسولة.

أحدها: ما معنى قوله عليه السلام: "ترجف المدينة ثلاث رجفات". وقد قال في حديث أبي بكرة: "إنه لا يدخل المدينة رعب (الدجال) "؟

(2)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

في (ص 1): المسيخ.

ص: 407

قلت: أجاب عنه المهلب: بأنها ليست من رعبه ولا من خوفه، وإنما ترجف لمن يتشوق إليه من المنافقين، فيخرجهم أهل المدينة، كما قال عليه السلام:"إنها تنفي خبثها"

(1)

.

والدليل على أن المؤمنين فيها لا يرعبون من الدجال أنه يخرج إليه منهم رجل يناظره، وهو الذي يقول له الدجال: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. يعني: فيقول المنافقون الذين معه غير ذاك الرجل الصالح. فيقتله ثم يحييه، فيقول ذلك الرجل: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه

(2)

، فهل يدخل رعبه المدينة وأحدهم يناظره وينازعه ويجهر له بأنه الدجال، ولا يوهن قلبه ما يراه من قدرة الله التي أقدره على أن يقتل رجلاً ثم يحييه، ولا يخاف على مهجته وهو وحده لا يمتنع منه بَعدد ولا عُدد ولا جماعة.

السؤال الثاني: إذا سلط الدجال على قتل ذلك الرجل وإحيائه، فهو دليل على أن الله يعطي آيات أنبيائه وقلب الأعيان أهل الكذب على الله وأشد أعدائه فرية عليه.

فأجاب الطبري: بأنه لا يجوز أن يعطى أعلام الرسل أهل الكذب والإفك في الحال التي لا سبيل لمن عاين ما أتى به الفريقان إلا الفصل

(1)

سلف برقم (1883) أبواب فضائل المدينة، باب: المدينة تنفي خبثها، ورواه مسلم برقم (1383) كتاب: الحج، باب المدينة تنفي شرارها، من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

سلف برقم (1882) أبواب فضائل المدينة، باب: لا يدخل الدجال المدينة، ورواه مسلم برقم (2938) كتاب: الفتن، باب: في صفة الدجال وتحريم المدينة عليه، وقتله المؤمن وإحيائه.

ص: 408

بين المحق منهم والمبطل، فأما إذا كان لمن عاين ذلك السبيل إلى علم الصادق ممن ظهر ذلك على يده من الكاذب، فلا ينكر إعطاء الله ذلك للكذابين لعلة من العلل، كالذي أعطى الدجال من ذلك فتنة لمن شاهده، ومحنة لمن عاينه، ليعلم الله الذين صدقوا، ويعلم الكاذبين.

الثالث: ما السبب الذي يصيب به من عاين ما يظهر من ذلك على يد الدجال أنه مبطل؟ جوابه: (أبين)

(1)

الأسباب في ذلك أنه ذو أجزاء مؤلفة، وتأليفه عليه بكذبه شاهد، وأن تأثير الصفة فيه لمن ركب أعضاءه خلق ذليل وعبد مهين مع (آفة به)

(2)

لازمة من عمه، أي: إحدى عينيه، يدعو الناس إلى الإقرار بأنه ربهم الذي خلقهم فأسوأ حالات من يراه من ذوي العقول أن يعلم أنه لم يكن ليسوي خلق غيره ويعدله ويحسنه وهو عن دفع العاهات عن نفسه غير قادر، وأقل ما يجب أن يقول له من يدعوه إلى الإقرار له بالألوهية: إنك تزعم أنك خالق السماوات والأرض وما فيها وأنت أعور ناقص الصورة فصور نفسك وعدلها على صورة من أنت في صورته إن كنت محقًا في ذلك، فإن زعمت أن الرب لا يحدث في نفسه شيئًا، فإنك راكب من الخطايا أرذلها، فتحول من الجماد إلى أشرف منه، أو أزل (ما هو)

(3)

مكتوب بين عينيك من الكتاب الشاهد على كذبك؟!

(4)

(1)

في الأصل: (من)، والمثبت من (ص 1).

(2)

في الأصل: (أنه)، والمثبت من (ص 1).

(3)

من (ص 1).

(4)

انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 64 - 66.

ص: 409

قال المهلب: وأما قوله في حديث المغيرة: (إنهم)

(1)

يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء، فقال عليه السلام:"هو أهون على الله من ذلك". يريد -والله أعلم- أهون على الله من أن يفتن الناس؛ لهلكة معايش أرزاقهم فتعظم بذلك فتنتهم، بل تبقى عليه ذلة العبودية بتحويجه إلى معالجة المعايش، وقد ملكه (ما لا)

(2)

يضر به إلا من قضي له بالشقاء في أم الكتاب، وإنما يوهم الناس أن هذِه نار يشير إليها؛ (ليخافه)

(3)

من لا بصيرة له في دين الله فيتبعه مخافة على نفسه، ولو أمعن النظر لرأى أنها ماء بارد، وكذلك لما توهن به وهو ماء (لمن)

(4)

لا بصيرة له، ولا عنده علم بما قدمه الرسول من العلم لأمته بأن ناره ماء، وماؤه نار، ومن أعطي فتنته ثم جعل له على تلك الفتنة علم بطلانها ومحالها لم تكن فتنة شاملة ولا يفتتن بها [إلا]

(5)

الأقل لافتضاحها بأول من يلقي فيها، فيجدها بخلاف ما أوهم فيها، ولولا انتقاله من بلد إلى بلد؛ لأمنت تلك الفتنة إلا على الأول لكنه يرد كل يوم بلدة لا يعرف أهلها ما افتضح من أمره في غيرها فيظل (يفتن)

(6)

، ويعصم الله العلماء منه ومن علم علامة الشارع وثبته الله تعالى، فاستدل بأن من كان ذا عاهة لا يكون إلهًا، فقد بأن أنه أهون على الله من أن يمكنه من المعجزات تمكينًا صحيحًا؛ لأن إقداره على قتل الرجل

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

(3)

من (ص 1).

(4)

من (ص 1).

(5)

غير موجودة بالأصل، والسياق يقتضيها.

(6)

بياض بالأصل، والمثبت من (ص 1).

ص: 410

وإحيائه لم يستمر له في غيره، ولا استضر به المقتول إلا ساعة ألمه، (وقد لا يجد لقتله ألمًا؛ لقدرة الله على دفع ألمه عنه)

(1)

، فإن آلمه أجره الله بذلك في الآخرة، وإن لم يؤلمه فقد أدام له الحياة بإحيائه له، ثم لا يسلط على قتل أحد ولا إحيائه

(2)

.

فصل:

ذكر علي بن معبد عن عبد الله بن عمر. وعن زيد بن أبي أنيسة، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:"إن الدجال يرحل في الأرض أربعين ليلة"

(3)

.

وعن أبي مجلز قال: "إذا خرج الدجال فالناس ثلاث فرق: فرقة تقاتله، وفرقة تفر منه، وفرقة (تشايعه)

(4)

، فمن تحرز منه في رأس جبل أربعين ليلة أتاه رزقه، وأكثر من يشايعه أصحاب العيال يقولون: إنا لنعرف ضلالته، ولكن لا نستطيع ترك عيالنا. فمن فعل ذلك كان منه"

(5)

.

فصل:

وذكر الطبري بإسناده عن أبي أمامة مرفوعًا أنه حدثهم عن الدجال: "أنه يخرج بين الشام والعراق فيقول: إنه نبي ثم يثني فيقول: أنا ربكم. وإنه يأئي بجنة ونار، فناره جنة وجنته نار، فمن ابتلي بناره (فليستعن)

(6)

بالله فإنها تكون عليه بردًا وسلامًا، ومن ابتلي به فليقرأ عليه فواتح سورة

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 66 - 67.

(3)

رواه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" ص 303 (652).

(4)

في (ص 1): تتابعه.

(5)

السابق ص 304 (654).

(6)

كذا بالأصل، وفي مصادر التخريج: وليستغث.

ص: 411

الكهف، وليتفل في وجهه فإنه لا يعدو ذلك، ويقتل رجلاً ثم يحييه وليس يحيي أحدًا بعده، وأن له أربعين يومًا يوم كالسنة، ويوم كالشهر، ويوم كجمعة، ويوم كسائر الأيام، ويعدو الرجل من باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى تغيب الشمس"

(1)

.

فصل:

وروى الطبري بإسناده عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد: أنه عليه السلام ذكر عندهما الدجال فقال: "إن قبل خروجه ثلاثة أعوام تمسك السماء ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها، والعام الثاني تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها، والعام الثالث تمسك السماء قطرها والأرض نباتها، حتى لا يبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف إلا مات، ومن أعظم فتنته أنه يأتي الرجل فيقول له: إن أحييت لك أباك أو أخاك أو عمك تعلم أني ربك، فيقول له: نعم، فتمتل له شياطين عنده، (ويأتي الأعرابي ويقول: إن أحييت إبلك عظامًا ضروعها، طوالاً أسنمتها تعلم أني ربك، فيقول: نعم، فتمثل له شيطان عنده)

(2)

". فبكى القوم، فقال عليه السلام: "إن يخرج [وأنا]

(3)

فيكم فأنا حجيجه وإلا فالله خليفتي على كل مؤمن". قالت أسماء: ما يكفي المؤمن يومئذ من الطعام يا رسول الله؟ قال: "يكفيه ما يكفي أهل

(1)

رواه ابن ماجه (4077)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 446 (1249)، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 28 (861)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 536، وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، قال الذهبي في "التلخيص": على شرط مسلم.

(2)

ليست في الأصل.

(3)

زيادة ليست في الأصول، والمثبت من مصادر التخريج.

ص: 412

السماء التسبيح والتقديس"

(1)

.

فصل:

وذكر ابن أبي شيبة بإسناده عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا قال: "يخرج مع الدجال يهود أصبهان، فيقتله عيسى بن مريم بباب لد، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة أو قريبًا منها إمامًا عدلاً وحكمًا مقسطًا"

(2)

.

فصل:

قال ثعلب: الطافية: العنبة التي خرجت عن حدِّ بنية أخواتها فَعَلَتْ ونتأت و (ظهرت)

(3)

، يقال: طفا الشيء إذا على وظهر، ومنه الطافي من السمك

(4)

.

قلت: من همز أراد أنها ذهب ضوؤها، ومن لم يهمز أراد أنها ممسكة قد طفيت وبرزت.

فصل:

اختلف لمَ سمي الدجال دجالاً: فقال ثعلب: الدجال المموه وهو الكذاب، سيف مدجل إذا طلي بذهب. وقال ابن دريد: لأنه يغطى الحق بالكذب وهو نحو الأول.

(1)

رواه أحمد 6/ 455 - 456، وعبد الرزاق 11/ 391، والطبراني في "الكبير" 24/ 158، قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 345: فيه شهر بن حوشب، وفيه ضعف، وقد وثق.

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة" 7/ 490.

(3)

في (ص 1): وطفأت.

(4)

انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 67 - 68.

ص: 413

احتج به المالكية على تفضيل المدينة على مكة بحراستها دون غيرها

(1)

.

فصل:

رجفات: بفتح الجيم؛ لأن فَعْلة إذا كان اسمًا كان جمعه فعلات -بتحريك العين- من الاسم مثل حفنات وتمرات، إلا أن تكون عينه حرف علة مثل جوزات (وحمرات)

(2)

وحومات، فسكنوا الواو، وإن كانت صفة كانت العين مسكنة مثل ضخمة وضخمات وصعبة وصعبات وعدلة وعدلات.

وقوله: فإذا رجل آدم. أي: أسمر، قاله في "الصحاح"

(3)

و"المجمل"

(4)

. وقوله: "سبط الشعر" هو بكسر الباء، وفي "الصحاح" سَبْط وسَبِط. أي: مسترسل

(5)

.

(1)

ورد بهامش الأصل: هو لا يدخل أربعة أماكن: مكة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطور، ومثله في مسلم، وفي "مسند أحمد" أنه لا يأتي الأربعة مساجد: الكعبة ومسجد الرسول والمسجد الأقصى والطور ثم رأيته فيه بإسناد آخر، ثم بإسناد آخر وقد عزاه القرطبي في "تذكرته" كهذا الحديث لكنه [بسياقة] أخرى فانظره من التذكرة.

(2)

عليها علامة استشكال في الأصل.

(3)

"الصحاح" 5/ 1859.

(4)

"مجمل اللغة" 1/ 90.

(5)

"الصحاح" 3/ 1129.

ص: 414

‌27 - باب لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ المَدِينَةَ

7132 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ أَنَّهُ قَالَ:«يَأْتِي الدَّجَّالُ -وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ- فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَهْوَ خَيْرُ النَّاسِ -أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ - فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: وَاللهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ. فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ» . [انظر: 1882 - مسلم: 2938 - فتح 13/ 101].

7133 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ» . [انظر: 1882 - مسلم: 2938 - فتح: 13/ 101].

7134 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ، فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ قَالَ: وَلَا الطَّاعُونُ، إِنْ شَاءَ اللهُ» . [انظر: 1881 - مسلم: 2943 - فتح: 13/ 101].

ذكر فيه حديث أبي سَعِيدٍ: حَدَّثنَا النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حدثنا بِهِ أَنَّهُ قَالَ: "يَأْتِي الدَّجَّالُ -وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ- فَينْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ التِي تَلِي المَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُل وَهْوَ خَيْرُ النَّاسِ -أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الذِي حَدَّثنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ

ص: 415

قَتَلْتُ هذا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا. فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: والله مَا كُنْت فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ. فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ".

وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلَائِكَة، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ".

وحديث أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"المَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ، فَيَجِدُ المَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ إِن شَاءَ الله".

الشرح:

قد سلف في الباب الذي قبل هذا الكلام على حديث أبي سعيد، وفيه وفي حديث أبي هريرة وأنس فضل المدينة وأنها خصت بهذِه الفضيلة -والله أعلم- لبركة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائه لها، وقد أراد الصحابة أن يرجعوا إلى المدينة حين وقع الوباء بالشام ثقة منهم بقوله الذي أمنهم من دخول الطاعون بلدهم، وكذلك توقن أن الدجال لا يستطيع دخولها البتة.

وفي ذلك من الفقه أن الله يوكل بالمدينة ملائكة تحفظ بني آدم من الآفات والفتن إذا أراد الله حفظهم، وقد وصف الله (في ذلك)

(1)

في قوله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} الآية [الرعد: 11] يعني: بأمر الله لهم بحفظه، وروى علي بن معبد: حدثنا بشر بن بكر، عن الاوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس بن مالك رضي الله عنه رفعه: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس من نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، فينزل بالسبَخة، فترجف

(1)

من (ص 1).

ص: 416

المدينة ثلاث رجفات فيخرج الله إليه كل منافق"

(1)

.

فصل:

قوله: "محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة".

أي: ممنوع من ذلك ليس يريد أن يمتنع؛ لأنه حرام عليه فيمتنع لأجل تحريمه.

فصل:

الأنقاب: الطرق، واحدها: نقب، ومنه قوله تعالى:{فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ} [ق: 36] أي: جعلوا فيها طرقًا ومسالك، وقال صاحب "العين": النقب والمنقب والمنقبة: الطريق في رأس الجبل

(2)

.

فصل:

وقوله في الرواية الأولى: "نقاب". جمع نقب -ساكن القاف- ككلب وكلاب، لكن فَعْل إذا كان ساكن العين لا يجمع أفعالاً إلا حروفًا ندرت، منها: فرخ وأفراخ ونصر وأنصار، وإنما يجمع على فعال وفعول وأفعل، والنقب: الطريق في الجبل كذا في "المجمل" عن ابن السكيت

(3)

وكذا في "الصحاح"

(4)

، وقال الأخفش: هى الطرق التي يسهلها الناس في الجبل. (وقال الهروي: هو الطريق

(1)

رواه أبو عمر الداني في "السنن الواردة في الفتن" ص 299 (639) بإسناده، وقد سلف برقم (1881) كتاب: أبواب فضائل المدينة، باب: لا يدخل الدجال المدينة، ورواه مسلم برقم (2943) كتاب: الفتن، باب: قصة الجساسة كلاهما من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي به.

(2)

"العين" 5/ 179.

(3)

"إصلاح المنطق" ص 40، "مجمل اللغة" 2/ 881.

(4)

"الصحاح" 1/ 227.

ص: 417

بين الجبلين)

(1)

(2)

. وقال أبو عبد الملك: أنقاب المدينة فجاجها التي حولها ومداخلها.

وقال الخطابي: ذكر إثر قوله: "نقاب المدينة". "بعض السباخ" فإن كان المراد به اسم بقعة بعينها، وإلا فهو الطريق في الجبل، كأنه أراد أن الدجال لا يدخل المدينة من طرقها

(3)

.

فصل:

وقوله: "ما كنت فيك أشد بصيرة". أي: أثبت نفسا، وإذا قال له الرجل ذاب الدجال كما يذوب الملح في الماء، قاله الداودي.

فصل:

والطاعون: الموت من الوباء، وقال الداودي: هو حية تخرج في الأرفاغ وفي كل شيء من الإنسان، كان عذابًا أرسل على بعض الأمم ثم بقي منه بقية فهو على الكافر (عذاب)

(4)

وللمؤمن شهادة.

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر: "النهاية" لابن الأثير 5/ 102.

(3)

"أعلام الحديث" 4/ 2330 - 2331.

(4)

في (ص 1): وباء.

ص: 418

‌28 - باب يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

7135 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ح. وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا يَقُولُ:«لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» . وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِى تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ:«نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ» . [انظر: 3346 - مسلم: 2880 - فتح: 13/ 106].

7136 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يُفْتَحُ الرَّدْمُ رَدْمُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذِهِ» . وَعَقَدَ وُهَيْبٌ تِسْعِينَ. [انظر: 3347 - مسلم: 2881 - فتح: 13/ 106].

ذكر فيه حديث زَيْنَبَ ابنةِ أم سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ بنت جَحْشٍ أنه عليه السلام دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا. الحديث سلف في أوائل الفتن

(1)

.

وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"يُفْتَحُ الرَّدْمُ رَدْمُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هذِه". وَعَقَدَ وُهَيْبٌ تِسْعِينَ. وقد سلف أيضًا

(2)

.

وذكر يحيي بن سلام، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: "إن يأجوج ومأجوج يخرقون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس. قال الذي عليهم: ارجعوا

(1)

سلف برقم (7059) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ويل للعرب من شر قد اقترب".

(2)

سلف برقم (3347) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قصة يأجوج ومأجوج.

ص: 419

فستخرقونه غدًا، فيعيده الله كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم، وأراد الله أن يبعثهم (على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس. قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدًا إن شاء الله)

(1)

فيغدون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيخرقونه (فيخرجون)

(2)

على الناس، فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون سهامهم، فيرجع السهم والدماء فيها، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله عليهم نغفًا في (أعناقهم)

(3)

فيقتلهم بها"

(4)

.

وذكر علي بن معبد، عن أشعث بن سعيد، عن أرطأة بن المنذر قال: إذا خرج يأجوج ومأجوج أوحى الله إلى عيسى بن مريم: إني قد أخرجت خلقًا من خلقي لا يطيقهم أحد غيري فمر بمن معك إلى جبل الطور ومعه من الذراري اثنا عشر ألفًا، قال: ويأجوج ومأجوج درجتهم، وهي على ثلاثة أثلاث ثلث على طول الأرز، وثلث مربع طوله وعرضه واحد وهو أشد، وثلث يفترش أحدهم أذنه ويلتحف بالأخرى، وهم ولد يافث بن نوح.

وعن الأوزاعي، عن ابن عباس قال: الأرض ستة أجزاء، فخمسة أجزاء منها يأجوج ومأجوج، وجزء فيه سائر الخلق.

وعن كعب الأحبار قال: معاقل المسلمين من يأجوج ومأجوج

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

(3)

في (ص 1): أقفائهم.

(4)

رواه ابن ماجه (4080) وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" ص 310 - 311 (667) كلاهما من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(1735).

ص: 420

الطور

(1)

.

آخر كتاب الفتن بحمد الله ومَنِّهِ أعاذنا الله منها، يتلوه كتاب الأحكام، وابن بطال ذكره قبل كتاب الإكراه.

(1)

السابق (670، 671، 673، 675).

ص: 421

93

كتاب الأحكام

ص: 423

بسم الله الرحمن الرحيم

‌93 - كِتَابُ الأَحْكَامِ

[1 - باب] قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]

7137 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي

فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِى فَقَدْ عَصَانِي» [انظر: 2957 - مسلم: 1835 - فتح: 13/ 111].

7138 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» . [انظر: 893 - مسلم 1829 - فتح 13/ 111].

ص: 425

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَني، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي".

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالامَامُ الذِي عَلَى النَّاسِ رَاعِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعَيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده .. " الحديث.

وهذا يدل على وجوب طاعة السلطان وجوبًا مجملاً؛ لأن فيه طاعة الله وطاعة رسوله فمن ائتمر لطاعة أولي الأمر لأمر الله ورسوله بذلك فطاعتهم واجبة فيما رأوه من وجوه الصلاح، حتى إذا خرجوا إلى ما يشك أنه معصية لم (يلزمهم)

(1)

طاعتهم فيه وطلب الخروج عن طاعتهم لغير مواجهة بالخلاف.

وأولو الأمر في الآية الأمراء -كما قال أبو هريرة رضي الله عنه

(2)

- أو العلماء -كما قال الحسن

(3)

- أو الصحابة -كما قال مجاهد- وربما قال: أولو العقل والسنة

(4)

، وقال زيد بن أسلم: هم الولاة، وقرأ ما قبلها:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ}

(5)

[النساء: 58].

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن فرضًا على الأمراء نصح من ولاهم الله أمرهم، وكذلك كل من ذكر في الحديث، فمن استُرعي

(1)

في الأصل: يلزم، والمثبت من (ص 1) وهو المناسب للسياق.

(2)

رواه الطبري 4/ 150 (9861).

(3)

رواه الطبري 4/ 152 (9876).

(4)

رواه الطبري 4/ 152 (9879).

(5)

رواه الطبري 4/ 147 (9844).

ص: 426

أمرًا أو اؤتمن عليه، فالواجب عليه بذل النصيحة فيه، وقد قال عليه السلام:"من استُرعي رعية فلم يحطها بنصيحة لم يرح رائحة الجنة". وسيأتي هذا الحديث بعد هذا في باب: من استرعي رعية فلم ينصح

(1)

.

(1)

سيأتي برقم (7150) من حديث معقل بن يسار.

ص: 427

‌2 - باب الأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ

7139 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ -وَهْوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ فَغَضِبَ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ» . [انظر: 3500 - فتح: 13/ 113] تَابَعَهُ نُعَيْمٌ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ.

7140 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزَالُ الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ» . [انظر: 3501 - مسلم: 1820 - فتح: 13/ 114].

ذكر فيه حديث أبي اليمان، أنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُه أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ -وَهْوَ عِنْدَهُ في وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ (مَلِكٌ)

(1)

مِنْ قَحْطَانَ فَغَضِبَ، فَقَامَ فَأَثْني عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَاب اللهِ وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأُولَئِكَم جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأمَانِيَّ التِي تُضِلُّ أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم -يَقُولُ:"إِنَّ هذا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أحد إِلَّا كبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقامُوا الدِّينَ".

(1)

في (ص 1) قائم.

ص: 428

تَابَعَهُ نُعَيْمٌ، عَنِ ابن المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ بن مطعم.

وحديث عاصم بن محمد -هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب- قال: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ هذا الأَمْرُ في قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ".

الحديث الأول سلف في المناقب، ومتابعة نعيم ذكرها ابن المبارك، وقال الإسماعيلي في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: لم أجد في كتابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن فوقه.

فصل:

هذا الحديث رد لقول النظام وضرار ومن وافقهما من الخوارج أن الإمام ليس من شرطه أن يكون قرشيًّا

(1)

.

قالوا: وإنما يستحق الإمامة من كان قائمًا (بالكتاب)

(2)

والسنة من أفناء الناس من العجم وغيرهم، فإذا عصى الله وأردنا خلعه كانت شوكته علينا أهون.

قال أبو بكر بن الطيب: وهذا قول ساقط لم يعرج المسلمون عليه، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخلافة في قريش، وعمل به المسلمون قرنًا بعد قرن فلا معنى لقولهم.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أوصى بالأنصار، وقال:"من ولي منكم من هذا الأمر شيئًا فليتجاوز عن مسيئهم"

(3)

.

(1)

انظر: "إكمال المعلم" 6/ 214.

(2)

في الأصل: (بكتاب الله)، والمثبت من (ص 1).

(3)

سلف برقم (927) كتاب: الجمعة، باب: من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، من حديث ابن عباس.

ص: 429

فلو كان الأمر إليهم لما أوصى بهم، ومما يشهد لصحة هذِه الأحاديث أحتجاج أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بها على رءوس الأنصار في السقيفة، وما كان من إذعان الأنصار عند سماعها، ورجعوا بعد أن نصبوا الحرب، ولولا علمهم بصحتها لم يلبثوا أن يقدحوا فيها ويتعاطوا ردها، ولا كانت قريش بأسرها تقر كذبًا يدعى عليها؛ لأن العادة جرت فيما لم يثبت من الأخبار أن يقع الخلاف والقدح فيه عند التنازع، ولا سيما إذا احتج به في هذا الأمر العظيم مع إشهار السيوف واختلاط القوم.

ومما يدل على كون الإمام قرشيًّا اتفاق الأمة في الصدر الأول وبعده من الأعصار على اعتبار ذلك، وقد سلف في باب: الرجم للحبلى شيء من هذا المعنى، وادعى بعض المتكلمين: أنه قد يجوز أن تكون الخلافة في سائر قبائل العرب فأبى الجماعة.

فصل:

قال المهلب: وأما حديث ابن عمرو أنه (سيكون ملك من قحطان). فيحتمل أن يكون الملك فيه غير خليفة يتغلب على الناس من غير رضًا به.

وإنما أنكر ذلك معاوية؛ لئلا يظن أن الخلافة تجوز في غير قريش، ولو كان عند أحد علم من ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخبر به معاوية حين خطب بإنكار ذلك عليهم.

وقد روي في الحديث ما يدل أن ذلك إنما يكون عند ظهور أشراط الساعة، وتغيير الدين.

روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل

ص: 430

من قحطان يسوق الناس بعصاه"

(1)

، وهو دال على أن ذلك من أشراطها ومما لا يجوز؛ ولذلك ترجم البخاري بهذا الحديث (في الفتن)

(2)

في باب: تغيير الزمان

(3)

كما سلف

(4)

، وقد يكون إنكار ما يقوي حديث عبد الله بن عمرو:"ما أقاموا الدين"، فربما كان فيهم من لا يقوم فيملك القحطاني.

فصل:

والوفد جمع وافد كشارب وشرب، وصاحب وصحب يقال: وقد فلان على الأمير. أي: ورد رسولاً.

وقوله: ("مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ") يعني: أن الأمر كله لا يخرج منهم، وإن غلب على بعض المواضع قد خرجت الخوارج وغيرهم.

(فصل)

(5)

:

إذا اجتمع قرشيان جمعا شروط الإمامة انظر أقربهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن استويا فأسنهما. قاله ابن التين، قال: واختلف في الإمامة هل هي فرض أو سنة؟ واحتج الأول بأن الفروض تقوم بها، والثاني بأنها قد عطلت يوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر وعثمان. وأجاب الأول بأن ذلك للضرورة.

فصل:

قوله: (وَلَا يُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) أي: يذكر عنه، يقال: أثرت

(1)

سلف الحديث برقم (3517) كتاب: المناقب، باب: ذكر قحطان.

(2)

من (ص 1).

(3)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 212.

(4)

سلف برقم (7117).

(5)

في (ص 1): فرع.

ص: 431

الحديث أثرة إذا ذكرته عن غيرك، ومنه: حديث مأثور، أي: ينقله خلف عن سلف.

وقوله: ("كبَّه الله على وجهه") أي: صرعه فأكب هو على وجهه، وهذا الفعل من النوادر؛ لأن ثلاثيه متعد ورباعيه لازم، تقول: كببته فأكب هو على وجهه، ويقال: كب الله عدو المسلمين، ولا يقال: أكب

(1)

.

ووقع هذا في رواية أبي الحسن: "أكبه الله"رباعيًّا، والذي في القرآن كما سلف قال تعالى:{فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل: 90] وقال تعالى: {مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} [الملك: 22] وفي الحديث: "وهل يكب الناس في النار .. " إلى آخره

(2)

.

(1)

انظر: "الصحاح" 1/ 207.

(2)

رواه الترمذي (2616)، وابن ماجه (3973)، من حديث معاذ بن جبل، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الألباني في "الإرواء" (413): إسناده حسن.

ص: 432

‌3 - باب أَجْرِ مَنْ قَضَى بِالْحِكْمَةِ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47].

7141 -

حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» . [انظر: 73 - مسلم: 816 - فتح: 13/ 120].

ذكر فيه حديث قيس عن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَاَخَرُ آَتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا".

هذا الحديث سلف في كتاب العلم، والآية قال الحسن: نزلت في أهل الكتاب تركوا أحكام الله تعالى كلها -يعني في الرجم والديات- قال: وهي علينا واجبة

(1)

.

وقال الشعبي: الكافرون في أهل الإسلام، والظالمون في اليهود، والفاسقون في النصارى

(2)

.

وقال عطاء وطاوس: كفر ليس ككفر الشرك، وظلم ليس كظلم الشرك، وفسق ليس كفسق الشرك

(3)

.

(1)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 597 (12065).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 595 (12043)، وانظر:"معاني القرآن" للنحاس 2/ 315.

(3)

رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 595 - 596 (12052 - 12057).

ص: 433

قال القاضي إسماعيل: وظاهر الآيات يدل على أن من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكمًا خالف به حكم الله وجعله دينًا يعمل به، فقد لزمه مثل ما لزمهم من لزوم الوعيد حاكمًا كان أو غيره، ألا ترى أن ذلك نسب إلى جملة اليهود حين عملوا به.

قال ابن بطال: ودلت الأحاديث على أن من قضى بما أنزل الله فقد استحق جزيل الأجر، ألا ترى أنه عليه السلام أباح حسده ومنافسته، فدل أن ذلك من أشرف الأعمال وأجل ما تقرب به إلى الله.

وقد روى ابن المنذر عن محمد بن إسماعيل: ثنا الحسن بن علي، ثنا عمران القطان -أبو العوام- عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلي عنه ولزمه الشيطان"

(1)

.

فصل:

اقتصر البخاري من الآية على ما ذكر، ولم يذكر {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ولا {فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}؛ لأنه قيل: إنما نزل ذلك في اليهود والنصارى، نبه عليه الداودي وعن ابن عباس -فيما حكاه النحاس -هو به كافر لا كفرًا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقد أسلفنا قول الشعبي في ذلك وهو الظاهر.

قال النحاس: وأحسن ما قيل فيه أنها كلها في الكفار، ولا شك أن من رد حكمًا من أحكام الله فقد كفر، وقد أجمعت الفقهاء أن من أنكر حكم الرجم أنه كافر؛ لأنه ممن رد حكمًا من أحكام الله تعالى.

(1)

"شرح ابن بطال" 8/ 213، والحديث رواه أيضًا الترمذي (1330)، وابن ماجه (2312)، وابن حبان 11/ 448 (5062).

ص: 434

وروي أن حذيفة سئل عن هذِه الآية: أهي في بني إسرائيل؟ قال: نعم، ولتسلكن سبلهم حذو النعل بالنعل.

وقال الحسن: أخذ الله على الحكام ثلاثة أشياء لا يتبعونها: الهوى، ولا يخشوا الناس ويخشوه، ولا يشتروا بآيات الله ثمنًا قليلاً

(1)

.

فصل:

قد أسلفنا في كتاب العلم أن المراد بالحسد هنا التغبط، وقال ثعلب:"لا حسد": لا يضر

(2)

. والفرق أن الأول لا يتمنى زوالها بخلاف الثاني.

قال ابن الأعرابي: الحسد مأخوذ من الحسدل وهو القُراد، وهو يقشر القلب كما يقشر (القراد)

(3)

الجلد فيمص الدم

(4)

.

(1)

"معاني القرآن" 2/ 315 - 316.

(2)

انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 813.

(3)

في الأصل: (الجراد)، والمثبت من"تهذيب اللغة"وهو المناسب للسياق.

(4)

"تهذيب اللغة" 1/ 813.

ص: 435

‌4 - باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً

7142 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» . [انظر: 693 - فتح: 13/ 121]

7143 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الجَعْدِ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» . [انظر: 7053 - مسلم: 1849 - فتح: 13/ 121]

7144 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» . [انظر: 2955 - مسلم: 1839 - فتح: 13/ 121].

7145 -

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا. فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِرَارًا مِنَ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُهَا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» . [انظر: 4340 - مسلم: 1840 - فتح: 13/ 122].

ص: 436

ذكر فيه حديث أبي التياح وهو لقب، واسمه يزيد بن حميد وكنيته أبو حماد عن أنس رضي الله عنه:"اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا .. ". الحديث، وسلف في الصلاة.

وحديث أبي رجاء واسمه عمران بن ملحان العطاردي عن ابن عباس رضي الله عنهما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه". وسلف قريبًا

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ".

وحديث علي رضي الله عنه في السرية سلف في المغازي.

وفيها أجمع وجوب السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية ومثل ذلك الولد لوالده والعبد في حق سيده.

فصل:

فإن ظن ظان أن في حديث أنس وابن عباس رضي الله عنهما حجة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره، وقد وردت الأخبار بالسمع والطاعة لولاة الأمر فقد ظن خطأ، وذلك أن أخباره لا يجوز أن تتضاد، ونهيه وأمره لا يجوز أن يتناقض أو يتعارض، وإنما الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافًا لأمر الله ورسوله، فإذا كان خلافًا لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا في معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك قال عامة السلف، وساق ابن جرير من قول علي رضي الله عنه: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، ويؤدى الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا

ص: 437

له ويطيعوا

(1)

، وروي مثله عن معاذ بن جبل.

فصل:

قال المهلب: قوله: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌ" لا يوجب أن يكون المستعمل للعبد إلا إمام قرشي؛ لما تقدم أنه لا يجوز الإمام إلا في قريش.

وقد أجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن تكون الإمامة في العبد

(2)

أي: في الحديث في الإمارة لا في الخلافة، يؤيده قوله:"وإن استعمل عليكم عبد حبشي" يريد: الإمام الخليفة كما يروى: "استعمل عبدًا"، والحبش من جنس السودان.

فصل:

وقوله: "مَنْ رَأى شَيْئًا يكرهه فَلْيَصْبِرْ". يعني: من الظلم والجور، فأما من رأى شيئًا من معارضة الدين ببدعة أو قلب شريعة فليخرج من تلك الأرض ويهاجر منها، وإن أمكنه إمام عادل

(3)

.

فصل:

والميتة في قوله: "مَاتَ مِيتَةً". بكسر الميم كجِلسة.

وقوله في حديث علي: (وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ) هو عبد الله بن حذافة السهمي

(4)

.

(1)

"تفسير الطبري" 4/ 147 - 148 (9846).

(2)

"شرح ابن بطال" 8/ 215.

(3)

إلى هنا انقطع الكلام بدون تمام المعنى وتمامه في "ابن بطال" 8/ 215.

(4)

في هامش الأصل تعليق نصه: عبد الله بن حذافة قرشي سهمي، لا خلاف أنه ليس أنصاريًّا، وقد وقع كلام كثير في هذا الأمير وفي السرية، فانظره من مكانه من المغازي.

ص: 438

(وعزمت عليكم): بفتح الزاي.

وقوله: (لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا). هو (لما) بمعنى (إلا) مشدَّد، حكى سيبويه: تقول: نشدتك الله لما فعلت، أي: إلا فعلت

(1)

. وفي "الصحاح"وقول من قال: (لما) بمعنى (إلا) ليس يعرف في اللغة

(2)

.

وقوله: (خمدت النار). هو بفتح الميم، وضبط بكسرها وليس بمعروف في اللغة، ومعنى (خمدت): سكن لهبها ولم يطفأ جمرها، وهدت إذا طفئ جمرها.

وقوله: ("لَوْ دَخَلْوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا"). قال الداودي: إن كان محفوظًا فيحتمل أن يريد تلك النار نفسها فيموتوا فيها، ليس أنهم يخلدون في جهنم؛ لقوله:"يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان"

(3)

.

قال: وهذا من المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب، وقال المهلب: الأبد يراد به ههنا أبد الدنيا؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، ومعلوم أن الذين هموا بدخول النار لم يكفروا بذلك، فيجب عليهم التخليد أبد الآخرة، ألا ترى قولهم:(إنما تبعنا رسول الله فرارًا من النار).

يدل هذا أنه أراد عليه السلام لو دخلوها لماتوا فيها ولم يخرجوا منها مدة الدنيا

(4)

.

(1)

"الكتاب" 3/ 105 - 106.

(2)

"الصحاح" 5/ 2033 مادة: (لمم).

(3)

رواه الترمذي (2598) من حديث أبي سعيد الخدري، وابن ماجه (4312) من حديث أنس بن مالك.

(4)

"شرح ابن بطال" 8/ 217.

ص: 439

فصل:

قال القاضي أبو بكر بن الطيب: أجمعت الأمة أنه يوجب خلعَ الإمام وسقوطَ فرض طاعته كفرُه بعد إيمانه، وتركُه إقامة الصلاة والدعاء إليها.

واختلفوا إذا كان فاسقًا ظالمًا غاصبًا للأموال يضرب الأبشار ويتناول النفوس المحرمة، ويضيع الحدود، ويعطل الحقوق، فقال كثير من الناس: يجب خلعه لذلك.

وقال الجمهور من الأئمة وأهل الحديث: لا يخلع بهذِه الأمور، ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته فيما يدعو إليه من المعاصي.

واحتجوا بحديث الباب حديث أنس، وأمره بالصلاة وراء كل بر وفاجر

(1)

، ويروى أنه قال:"أطعهم، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ما أقاموا الصلاة"

(2)

.

قال القاضي أبو بكر: ومما يوجب خلعه الجنون المطبق وذهاب تمييزه حتى يُيأس من صحته، والصمم والخرس والكبر والهرم، أو عرض له أمر يقطعه عن مصالح الأمة؛ لأنه إنما نُصب لذلك؛ فإذا عطل ذلك وجب خلعه.

ولذلك إن جعل مأسورًا في أيدي العدو إلى مدة يخاف معها الضرر الداخل على الأمة، وييأس من خلاصه وجب الاستبدال به، فإن فك

(1)

رواه أبو داود (594).

(2)

رواه ابن عاصم في "السنة"(1026)، وابن حبان في "صحيحه" 10/ 425 - 426 (4562) من حديث عبادة بن الصامت بنحوه، وصححه الألباني في تعليقاته على كتاب "السنة".

ص: 440

أسره وثاب عقله أو برئ من مرضه وزمانته لم يعد إلى أمره، وكان رعية للقائم؛ لأنه عقد له (عقد حلف)

(1)

وخروجه من الحق فلا حق له فيه ولا يوجب خلعه حدوث فعل في غيره كما يقول أصحابنا: إن حدوث الفسق في الإمام بعد العقد لا يوجب خلعه، ولو حدث عند ابتداء العقد لبطل العقد ووجب العدول عنه. وأمثال هذا في الشريعة كثير، منها: رؤية الماء للمتيمم قبل الدخول في الصلاة يوجب الوضوء، ولو طرأ عليه وهو فيها لم يلزمه. أي: إن كانت مما يسقط فرضها بالتيمم، وكذلك لو وجبت عليه الرقبة في الكفارة وهو موسر لم يجزئه غيرها، ولو حدث له اليسار بعد مضيه في شيء من الصيام لم يبطل حكم صيامه، ولا لزمه غيره

(2)

.

(1)

كذا في الأصول، وفي ابن بطال:(عند خلعه).

(2)

"شرح ابن بطال" 8/ 215 - 216.

ص: 441

‌5 - باب مَنْ لَمْ يَسْأَلِ الإِمَارَةَ أَعَانَهُ اللهُ

7146 -

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ يَمِينَكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ»

(1)

. [انظر: 6622 - مسلم: 1652 - فتح: 13/ 123]

(1)

ليس في الأصل؛ لاختلاف نسخ البخاري في ترتيب الأبواب كما سيشير المصنف بعد وأثبتناه هنا ليوافق المطبوع من البخاري.

ص: 442

‌6 - باب مَنْ سَأَلَ الإِمَارَةَ وُكِلَ إِلَيْهَا

7147 -

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» . [انظر: 6622 - مسلم: 1652 - فتح: 13/ 124].

ذكر فيه حديث عبد الرحمن رضي الله عنه السالف، وترجم عليه ابن بطال باب: من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها وساقه ثم قال: باب: من لم يسأل الإمارة وكل إليها

(1)

، والذي في الأصول ما ذكرته.

وترجم عليه ابن التين بالثاني فقط.

والإمارة -بكسر الهمزة- مصدر أمّر فلان وأُمّر أيضًا بالضم أي: صار أميرًا، والأمارة -بالفتح- الوقت والعلامة.

وقوله: ("وُكلْتَ إِلَيْهَا"). أي: ومن وكل إلى نفسه هلك، وهذا لعله إذا لم يجد من نفسه صلاحية لذلك، وقد قال يوسف عليه السلام:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف: 55] وقال سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] ويحتمل أن الأول لغير الأنبياء.

فصل:

قوله: ("فَكَفِّرْ عن يَمِينَكَ وَأْتِ الذِي هُوَ خَيْرٌ").

فيه: إجازة تقديم الكفارة قبل الحنث، وهو قول، والمنع أحوط، قاله ابن التين.

(1)

"شرح ابن بطال" 8/ 217.

ص: 443

فصل:

قال المهلب: فيه دليل على أنه من تعاطي أمرًا وسولت له نفسه أنه قائم به أنه يُخذل فيه في أغلب الأحوال؛ لأنه من سأل الإمارة لم يسألها إلا وهو يرى نفسه أهلاً لها، قال عليه السلام:"وكل إليها" يعني: لم يعن على ما أُعطي، والتعاطي أبدًا مقرون بالخذلان، فإن من دعي إلى عمل أو إمامة في الدين فقصر نفسه عن تلك المنزلة، وهاب أمرًا فيه رزقه الله المعونة، وهذا إنما هو مبني على أن من تواضع لله رفعه.

وذكر ابن المنذر من حديث أبي عوانة عن عبد الأعلى الثعلبي عن بلال بن مرداس الفزاري، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من ابتغى القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكًا يسدده"

(1)

. وهذا تفسير قوله: "أعنت عليها"

(2)

.

(1)

رواه أيضًا الترمذي (1324)، والبيهقي 10/ 100.

(2)

"شرح ابن بطال" 8/ 217.

ص: 444

‌7 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الحِرْصِ عَلَى الإِمَارَةِ

7148 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ» .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمْرَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ. [فتح: 13/ 125].

7149 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أَمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللهِ. وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَهُ. فَقَالَ: «إِنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ» . [انظر: 2261 - مسلم: 1733 - فتح: 13/ 125].

ذكر فيه حديث سعيدٍ المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام قال: "سَتَحْرِصُونَ عَلَى الامَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ".

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمْرَانَ، ثَنَا عَبْدُ الحَمِيدِ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ.

ثم ساق حديث أبي موسى رضي الله عنه، وفيه"إِنَّا لَا نُوَلِّي هذا مَنْ سَأَلهُ وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ".

قال المهلب: حرص الناس على الإمارة ظاهر للعيان، وهو الذي جعل الناس يسفكون عليها دماءهم، ويستبيحون حريمهم، ويفسدون في الأرض حتى يصلوا بالإمارة إلى لذاتهم ثم لا بد أن يكون فطامهم إلى السوء من الحال؛ لأنه لا يخلو أن يقتل عليها أو يعزل عنها وتلحقه الذلة، أو يموت عليها، فيطالب في الآخرة بالتبعات، فيندم حينئذٍ.

ص: 445

والحرص الذي اتهم الشارع صاحبه ولم يدعه، هو أن يطلب من الإمارة ما هو قائم بغيره متواطئًا عليه، فهذا لا يجب أن يعان عليه ويتهم طالبه.

وأما إن حرص على القيام بأمر ضائع من أمور المسلمين أو حرص على سد خلة فيهم وإن كان له أمثال في الوقت والعصر لم يتحركوا لهذا، فلا بأس أن يحرص على القيام بالأمر الضائع ولا يتهم هذا إن شاء الله، وبيَّن هذا المعنى حديث خالد بن الوليد حين أخذ الراية من غير إمرة، ففتح عليه

(1)

.

فصل:

نعم وبئس: فعلان لا ينصرفان؛ لأنهما (انتقلا)

(2)

عن موضعهما، فنعم مفعول من قولك: نعم فلان إذا أصاب نعمة، وبئس مفعول من بئس إذا أصاب بؤسًا، فنقلا إلى المدح والذم، فشابها الحروف.

وقيل: إنهما استعملا للحال بمعنى الماضي وفيها أربع لغات: نعم بفتح أوله وكسر ثانيه، وكسرهما، وسكون العين وكسر النون، وفتح النون وسكون العين نعم المرأة هند وإن شئت: نعمت المرأة هند.

فائدة:

حرص. بفتح الراء. قال تعالى: {وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103].

(1)

سلف برقم (3757) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب خالد بن الوليد رضي الله عنه، وانظر:"شرح ابن بطال" 8/ 218.

(2)

في (ص 1): تأويلاً.

ص: 446

وقال الداودي: نعم المرضعة في الدنيا بشرها وبئست الفاطمة. أي: إذا مات صار إلى الشر كالذي يُفطم قبل استغنائه، فيكون فيه هلاكه.

قال: وفي حديث أبي موسى أنه لم يكن ليختار لأحدهما ما لا خير فيه

ص: 447

‌8 - باب مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ

7150 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ» . [انظر: 7151 - مسلم: 142 - فتح: 13/ 15].

7151 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ قَالَ: زَائِدَةُ ذَكَرَهُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَتَيْنَا مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ نَعُودُهُ، فَدَخَلَ عُبَيْدُ اللهِ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهْوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ» . [انظر: 7150 - مسلم: 142 - فتح: 13/ 127].

ذكر فيه حديث أبي الأشهب، -واسمه:(جعفر)

(1)

بن حيان العطاردي البصري الحذاء

(2)

الأعمى- عن الحسن أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِل بن يسار: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يسترعيه اللهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ". وفي رواية: "مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهْوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ".

(1)

في الأصل: (حصين). والمثبت من مصادر الترجمة.

(2)

هكذا في الأصل، و"التاريخ الكبير" 2/ 189 (2150)،"الثقات" لابن حبان 6/ 139. وفي "تهذيب الكمال" 5/ 22 (937)، "سير أعلام النبلاء" 7/ 286: (الخرَّاز).

ص: 448

هذا حديث عظيم، وفيه وعيد شديد على أئمة الجور. وفي رواية الإسماعيلي: فقال ابن زياد لمعقل: فهلا قبل اليوم. فقال: لولا أني ميت ما حدثتك.

ومعنى "يحطها": يكلؤها ويرعاها. هو ثلاثي بفتح الياء. من حاطه يحوطه، يقال: مع فلان حيطة لك. أي: تحنن وتلطف.

وقوله: ("يجد رائحة الجنة"). قال الداودي: يحتمل أن يريد إلا أن يغفر الله، وهذا مذهب أهل السنة، ويحتمل أن يريد الكافر؛ لأن المؤمن لا بد له من نصيحة، ولقوله عليه السلام:"يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان"

(1)

.

وقوله: ("يلي") ماضيه ولي بالكسر مستقبله يولي بالفتح لكنه شاذ، مثل: ورث يورث.

فصل:

معقل بن يسار بالعين المهملة والقاف.

فصل:

النصيحة فرض على الوالي لرعيته، وقد قال عليه السلام:"الأمير راع ومسئول عن رعيته"

(2)

فمن ضيع من استرعاه الله أمرهم، أو خانهم أو ظلمهم، فقد يوجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة، فكيف يقدم على التحلل من ظلم أمة عظيمة.

(1)

سلف برقم (22) كتاب: الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، ورواه مسلم (184) كتاب: الإيمان، باب: إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار.

(2)

سلف برقم (5200) كتاب: النكاح، باب: المرأة راعية في بيت زوجها، من حديث ابن عمر، ورواه مسلم (1829) كتاب: الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل.

ص: 449

فصل:

يجب على الوالي ألا يحتجب عن المظلومين، فقد روى أبو مريم الفلسطيني الصحابي مرفوعًا: "من ولي من أمور (المسلمين)

(1)

شيئًا فاحتجب عن خلتهم وحاجتهم وفاقتهم، احتجب الله عن حاجته وخلته وفاقته"

(2)

.

فصل:

ويجب على الوالي ألا يولي أحدًا من عصابته، وفي الناس من هو أرضي منه، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:"إنهم إن فعلوا ذلك فقد خانوا الله ورسوله وخانوا جميع المؤمنين".

(1)

في (ص 1): الناس.

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك" 4/ 93 - 94، والطبراني في "الكبير" 22/ 331.

ص: 450

‌9 - باب مَنْ شَاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ

7152 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الجُرَيْرِىِّ، عَنِ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ: شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهْوَ يُوصِيهِمْ فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ. قَالَ: وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللهُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» . فَقَالُوا: أَوْصِنَا. فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلاَّ طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ». قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَنْ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُنْدَبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جُنْدَبٌ. [انظر: 6499 - مسلم: 2987 - فتح: 13/ 128].

ذكر فيه حديث طريف أبي تميمة قال: شَهِدْتُ صفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهْوَ يُوصِيهِمْ فَقَالُوا: (هَلْ)

(1)

سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ -قَالَ- وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللهُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ". فَقَالُوا: أَوْصِنَا. فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يحول بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ.

الشرح:

قال الخطابي: معنى الحديث من راءى بعلمه وسمَّع الناس ليكرموه بذلك ويعلموه فضحه الله به يوم القيامة، حتى يرى الناس ويسمعوا ما يحل به من الفضيحة؛ عقوبة على ما كان منه في الدنيا من حب الشهرة والسمعة

(2)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

"أعلام الحديث" 4/ 2336. بتصرف.

ص: 451

وقال الداودي: يعني من سمَّع بمؤمن شيئًا ليشهر به أقامه الله يوم القيامة مقامًا يسمع به. ونقل صاحب "العين": سمَّعت بالرجل إذا أذعت عنه عيبًا، والسمعة: ما سمع به من طعام أو غيره؛ ليُرى ويُسمع

(1)

.

ومصداق هذا الحديث في القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور: 19]، وهذا التفسير يأتي في قوله:"من سمَّع الله بعمله سمَّع الله به خلقه، وحقره وصغره". وروى بعضهم "أسامع خلقه"

(2)

يقال: سمَّعت بالرجل تسميعًا إذا نددت به وشهرته، فمن رواه:"سامع خلقه" برفع العين أراد سمع الله الذي هو سامع خلقه، جعل (سامع) من نعت (الله) المعنى مقسمًا به، ومن رواه "أسامع خلقه" بالنصب فهو جمع أسمع يقال: سمع وأسمع وأسامع جمع الجمع، يريد: أن الله يسمع أسامع خلقه بهذا الرجل يوم القيامة، يحتمل أن يكون أراد أن الله يظهر للناس سريرته ويملأ أسماعهم بما ينطوي عليه من حديث السرائر جزاء لفعله، كما قال في موضع آخر:"ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه"

(3)

.

وقال ابن سِيده: فعلت ذلك (تسمعتك وتسمعه)

(4)

لك. أي: لتسمعه، وما فعلت ذاك رياء ولا سَمْعة، وقال اللحياني: ولا سمعة

(5)

.

(1)

"العين" 1/ 348 - 349.

(2)

رواه أحمد 2/ 162، والطبراني في "الأوسط" 5/ 172 (4948)، البيهقي في "الشعب" 5/ 331 (6821) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. مرفوعًا بلفظ:"من سمع الناس .. "، ورواه البيهقي في "الشعب" (6822) بلفظ:"من سمع الله .. ".

(3)

رواه أبو يعلي في "المسند" 13/ 419 (7423)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 296 (6704).

(4)

في الأصول: لسمعك ولسمعه، والمثبت من مصدر التخريج.

(5)

"المحكم" 1/ 320.

ص: 452

وفي "المغيث" قيل: أي من سمع الناس بعمله سمعه الله وأراه ثوابه من غير أن يعطيه. وقيل: من أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس، ذلك ثوابه فقط

(1)

.

فصل:

وقوله: "وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللهُ عَلَيْهِ". فالمشاقة لغة مشتقة من الشقاق، وهو الخلاف، ومنه:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} الآية [النساء: 115].

والمراد بالحديث النهي عن القول القبيح في المؤمنين، وكشف مساوئهم وعيوبهم، وقال الخطابي: يحتمل أن يكون معنى الحديث أن يضار الناس ويحملهم على ما يشق عليهم من الأمر

(2)

.

وقال الداودي: يعني الأعلى في الدين، قالا: ويحتمل أن يكون المشاقة مفارقة الجماعة، فيكون ذلك من شقاق الخلاف، ورجحه الداودي.

فصل:

وفي الحديث من المعاني: أن المجازاة قد تكون من جنس الذنب، ألا ترى قوله:"من سمَّع سمَّع الله به" إلى آخره، قال صاحب "العين": شق الأمر عليك شقة: أضر بك.

وفي وصية أبي تميمة الحض على أكل الحلال والكف عن الدماء.

فصل:

وقوله: (إن أول ما ينتن من الرجل بطنه). رويناه بضم الياء، قال في "الصحاح": نتن الشيء وأنتن بمعنًى، فهو منتن، ومنتن بكسر الميم

(1)

"المغيث" 2/ 126.

(2)

"أعلام الحديث" 4/ 2336.

ص: 453

إتباعًا لكسر التاء؛ لأن مفعلاً ليس من الأبنية، والنتن: الرائحة الكريهة

(1)

.

فصل:

قوله: (وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يحول بَيْنَهُ .. ) إلى آخره. سفك الدماء بغير حق من أكبر الكبائر بعد الشرك، قال تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الآية [النساء: 93].

وقوله: (أهراقه). صوابه بفتح الهمزة مثل أسطاع يُسطيع بقطع الألف، وهو يريد أراق، وتجعل الهاء عوضًا من ذهاب حركة عين الفعل، كما جعلت السين في أسطاع، وفي رواية لأبي ذر: هراقه. وأما إهراقه -بكسر الهمزة- فلا يصح ذلك كما نبه عليه ابن التين.

(1)

"الصحاح" 6/ 2210.

ص: 454

‌10 - باب القَضَاءِ وَالْفُتْيَا فِي الطَّرِيقِ

وَقَضَى يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِي الطَّرِيقِ. وَقَضَى الشَّعْبِيُّ عَلَى بَابِ دَارِهِ.

7153 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَارِجَانِ مِنَ المَسْجِدِ فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ:«أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . [انظر: 3688 - مسلم: 2639 - فتح: 13/ 131]

ثم ساق حديث أنس رضي الله عنه: بينا أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -خَارِجَانِ فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قال:"ما أعددت لها؟ .. " الحديث.

قال المهلب: الفتوى في الطريق على الدابة وما يشاكلها من التواضع لله، فإن كانت لضعيف أو جاهل فمحمود عند الله والناس، وإن تكلف ذلك لرجل من أهل الدنيا، ولمن يخشى لسانه فمكروه للحاكم أن يترك مكانه وخطته.

واختلف أصحاب مالك في القضاء سائرًا وماشيًا، فقال أشهب: لا بأس بذلك إذا لم يشغله السير أو المشي عن الفهم. وقال سحنون: لا ينبغي أن يقضي وهو يسير أو يمشي.

وقال ابن حبيب: ما كان من ذلك يسيرًا كالذي يأمر بسجن من وجب عليه أو يأمر بشيء أو يكف عن شيء فلا بأس بذلك.

وأما أن يبتدئ نظرًا ويرجع الخصوم، وما أشبه ذلك فلا ينبغي،

ص: 455

وهو قول الحسن وقول أشهب (أشبه)

(1)

بدليل الحديث.

وفيه: دليل على جواز تنكيب العالم بالفتيا عن نفس ما سئل عنه إذا كانت المسألة لا تعرف، أو كانت مما لا حاجة بالناس إلى معرفتها، وكانت مما يخشى منه الفتنة وسوء التأويل

(2)

.

فصل:

يقال: استفتيت الفقيه فأفتاني. والاسم الفتيا والفتوى، وقضى يحيى لعلمه بما كان نصًّا أومسألة لا تحتاج إلى روي دون ما غمض كما مضى، وسأل ابن مهدي مالكًا -وهما ماشيان- فقال مالك: يا عبد الرحمن، تسألني عن حديث ونحن نمشي؟! وكان لا يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو على طهارة.

فصل:

وقوله: (عند سُدة المسجد) قال الجوهري: السدة: باب الدار. وقال أبو الدرداء: من يغش سدد السلطان يقم ويقعد. قال: وسمي إسماعيل السدي؛ لأنه كان يبيع المقانع والخمر في سدة مسجد الكوفة، وهو ما يبقى من الطاق المسدود

(3)

.

ومعنى "ما أعددت لها": ماهيأت للساعة واستعددت لها.

قال الأخفش: ومنه قوله تعالى: {جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} [الهمزة: 2] وفي رواية أبي ذر: "عددت" ومعناه: ما تقدم، وهو في القرآن في غير موضع.

قوله: (استكان). أي: خضع، وقال الداودي: أي: سكن.

(1)

من (ص 1).

(2)

"شرح ابن بطال" 8/ 221 - 222.

(3)

"الصحاح" 2/ 486 مادة: (سدد).

ص: 456

وقوله: (مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ) يعني: نافلة، ولعل الرجل سأل عنها خوفًا مما يكون فيها، ولو سأل استعجالا لها لكان من جملة من قال تعالى فيه:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا} [الشورى: 18].

ص: 457

‌11 - باب مَا ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّابٌ

7154 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ البُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ لامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ: تَعْرِفِينَ فُلَانَةَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهَا وَهْيَ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: «اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي» . فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي. قَالَ: فَجَاوَزَهَا وَمَضَى، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟. قَالَتْ: مَا عَرَفْتُهُ. قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَجَاءَتْ إِلَى بَابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا عَرَفْتُكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ» . [انظر: 1252 - مسلم: 926 - فتح: 13/ 132].

ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه السالف في الجنائز: (فلم يجد عنده بوابًا) وفي آخره: ("إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ") وهو محمول على البواب الراتب، وفي الوقت الذي كان يظهر فيه جمعًا بينه وبين حديث القف السالف قديمًا

(1)

، وحديثًا في الغلام الذي كان على المشربة

(2)

، أو يحمل حديثه على وقت شغله أو خلوته بنفسه وهو الظاهر، وقد أمنه الله أن يغتال أو يهاج أو تطلب غرته بقوله:{وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] ولهذا لم يتخذ حاجبًا.

وقد أراد عمر بن عبد العزيز أن يسلك هذِه الطريقة؛ تواضعًا لله فمنع الشرطة والبوابين، فتكاثر الناس تكاثرًا اضطروه إلى الشرط، فقال: لابد للسلطان من ورعة.

(1)

سلف برقمِ (3674) كتاب: فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخدا خليلاً .. " من حديث أبي موسى الأشعري.

(2)

سلف برقم (5191) كتاب: النكاح، باب: موعظة الرجل ابنته، من حديث عمر بن الخطاب.

ص: 458

وعلى ما قدمناه من فعله عليه السلام في اتخاذه البواب ورفعه الحجاب، والبواب عن بابه، وبروزه لطالبه احتجاب من احتجب من الأئمة الراشدين، واتخاذ من اتخذ البواب، وظهور من ظهر للناس منهم.

وروى شعبة عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت أن أبا ذر لما قدم على عثمان قال: يا أمير المؤمنين، افتح الباب يدخل الناس

(1)

.

فدل هذا الحديث عن عثمان أنه كان يبرز أحيانًا ويظهر لأهل الحاجة، ويحتجب أحيانًا في أوقات حاجاته، ونظير ذلك كان يفعل عمر بن عبد العزيز.

روي عن جرير، عن مغيرة، عن زيد الطبيب قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز فقال لي: ما يقول الناس؟ قلت: يقولون: إنك شديد الحجاب. فقال: لا بد لي أن أخلو فيما يرفع الناس إليَّ من المظالم فأنظر فيها.

فصل:

وقوله: (فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي) أي: خال.

وقوله: (فلم تجد عنده بوابًا). أي: حاجبًا، هذِه كانت أكثر حالاته، قال الداودي: والذي أخذ به بعض القضاة من شدة الحجاب وإدخال بطائق الخصوم لم يكن ذلك من السلف، ولن يأتي آخر هذِه الأمة بأفضل ما أتى به أولها. وهذا من النكير، وكان عمر يرقد في الأفنية نهارًا.

(1)

رواه ابن حبان في "صحيحه" 13/ 301 - 302 (5964).

ص: 459

وقال معاوية يومًا: ما يمنعني أولي ابن عمر -يعني الخلافة- إلا عبره وبكاؤه وتخليه. فركب رجل من أهل الشام يريد الحج فذكر ذلك لابن عمر. فقال ابن عمر رضي الله عنهما: أما والله لو وليت لكم، لتخليت لكم بالفناء وما أرى أني فعلت ذلك لكم تقتحمون علي عند أهلي، وأما والله لئن وليتكم -وأعوذ بالله أن أليكم- لوعظتكم بكتاب الله، ولا أخال من وعظ بكتاب الله يكون باكيًا، وكان (أحدكم)

(1)

يأتي عثمان وهو نائم فيوقظه برجله، ثم ولي طارق مولاه في زمن مروان فكان شديد الحجاب، فكان بعض الناس يعيرهم بذلك ويقول: ما رضيتم من عثمان ما كان عليه أن أحدكم يقيمه برجله فقد رضيتم لطارق ما ترون، وكان علي رضي الله عنه يخوض طين الكوفة برجليه، ويقطع من خوف أصابعه.

(1)

في (ص 1): أحدهم.

ص: 460

‌12 - باب الحَاكِمِ يَحْكُمُ بِالْقَتْلِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُونَ الإِمَامِ الذِي فَوْقَهُ

7155 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَاريُّ مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأَمِيرِ. [فتح: 13/ 133].

7156 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ قُرَّةَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وَأَتْبَعَهُ بِمُعَاذٍ. [انظر: 2261 - مسلم: 1733 - فتح: 13/ 134].

7157 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَجُلاً أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فَأَتَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -وَهْوَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى- فَقَالَ: مَا لهَذَا؟ قَالَ: أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ. قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2261 - مسلم: 1733 - فتح: 13/ 134].

حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ، ثنا الأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَس رضي الله عنه أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأَمِيرِ.

وحديث أبي موسي رضي الله عنه أنه عليه السلام بعثه وأتبعه بمعاذ. وعنه رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فَأَتَاه مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -وَهْوَ عِنْدَ أَبِي مُوسَي- فَقَالَ: مَا لهذا؟ قَالَ: أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ. قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.

ص: 461

الشرح:

اختلف العلماء في هذا الباب، فقال ابن القاسم في "المجموعة": لا يقيم الحدود في القتل ولاة المياه، وليجلب إلى الأمصار ولا يقام القتل بمصر كلها إلا بالفسطاط أو يكتب إلى والي الفسطاط بذلك.

وقال أشهب: من ولاه الأمير، وجعله واليًا على بعض المياه وجعل ذلك إليه فليقم الحد في القتل والقطع وغيره، وإن لم يجعله إليه فلا يقيمه

(1)

.

وذكر الطحاوي عن أصحابه الكوفيين (قال)

(2)

: لا يقيم الحدود إلا أمراء الأمصار وحكامها، ولا يقيمها عامل السواد ونحوه، وأن القاضي حكمه حكم الوكيل لا تنطلق يده إلا على ما أذن له فيه، وحكمه عند من خالفهم حكم الوصي، له التصرف في كل شيء.

وذكر عن مالك: لا يقيم الحدود كل الولاة في الأمصار والسواد. وقال الشافعي: إذا كان الوالي عدلاً يضع الصدقة مواضعها فله عقوبة من غل الصدقة، وإن لم يكن عدلا لم يكن له أن يعزره

(3)

والحجة لمن رأى للحاكم والوالي إقامة الحدود دون الإمام الذي فوقه حديث معاذ في الباب أنه قتل المرتد دون أن يرفع أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذهب الكوفيون إلى أن القاضي حكمه حكم الوكيل لا تنطلق يده إلا على ما أذن له فيه وأطلق عليه، وحكمه عند من خالفهم حكم (الوصي)

(4)

له التصرف في كل شيء كما سلف، وتنطلق يده على

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 8/ 82.

(2)

ورد في الهامش: لعله: قالوا.

(3)

"الأم" 2/ 14.

(4)

في (ص 1): الولي.

ص: 462

النظر في جميع الأشياء ما لم يستثن عليه وجهها، فلا يجوز له أن ينظر فيه.

فصل:

روى الإسماعيلي في حديث الباب أنه لما قدم عليه السلام مكة كان قيس بن سعد في مقدمته بمنزلة صاحب الشرطة يتقدم في أموره، فكلم سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيس أن يصرفه عن الموضع الذي وضعه؛ فيه مخافة أن يقدم على شيء، فصرفه عن ذلك.

فصل:

قوله: (بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأَمِيرِ) كذا في الأصول (الشرطة)

(1)

والشرط بضم الشين وفتح الراء. ورأيت في كتاب ابن التين أنه بفتح الشين وضم الراء، وكأنه انعكس على الكاتب. قال الأصمعي: سموا شرطًا؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها، الواحد شرط وشرطي. وقول أبي عبيدة: سموا شرطًا؛ لأنهم أُعدوا. يقال: أشرط فلان نفسه لأمر كذا أعدها.

فصل:

قتل أبي موسى المرتد؛ لأنه

(2)

أقيم لهذا، وإذا وجب قتلٌ بعراص مكة لم يقتل إلا بمدينتها، وكذلك المدينة وكل إقليم فيه بلد يرجع أمرهم إليه. وقد سلف الخلاف فيه.

(1)

من (ص 1).

(2)

بعدها في الأصل: (من غير استتابة قاله الداودي وقال عبد العزيز إن توبته غير مقبولة، وفقهاء الأمصار على أنه يستتاب)، وعليها: (لا

إلى). قلت: وستأتي هذِه العبارة في موضعها.

ص: 463

فصل:

فيه قتل المرتد من غير استتابة، (قاله الداودي)

(1)

، وقال عبد العزيز: إن توبته غير مقبولة وفقهاء الأمصار على أنه يستتاب؛ لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ} [الأنفال: 38]، ولقوله عليه السلام:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله"

(2)

.

ولأنه يجوز أن يكون عرضت له شبهة فإذا ذكر له الإسلام ورجع زالت عنه، فإن ثبت قتل إجماعًا؛ لقوله عليه السلام:"من بدل دينه فاقتلوه"

(3)

.

(1)

من (ص 1).

(2)

سلف برقم (1399) من حديث أبي هريرة.

(3)

سلف برقم (3017) من حديث ابن عباس.

ص: 464

‌13 - باب هَلْ يَقْضِي الحَاكِمُ أَوْ يُفْتِى وَهْوَ غَضْبَانُ

7158 -

حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ -وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ- بِأَنْ لَا تَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهْوَ غَضْبَانُ» . [مسلم: 1717 - فتح: 13/ 136].

7159 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي وَاللهِ لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فِيهَا. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الحَاجَةِ» . [انظر: 90 - مسلم: 466 - فتح: 13/ 136].

7160 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الكِرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:«لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا» . [4908 - مسلم: 1471 - فتح: 13/ 136].

ذكر فيه حديث أبي بكرة رضي الله عنه: "لَا يَقْضِيَنَّ حَكَم بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهْوَ غَضْبَانُ".

وحديث أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه: "أيّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ" سلف في الصلاة

(1)

.

(1)

سلف برقم (702) كتاب: الأذان، باب: تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود.

ص: 465

وموضع الحاجة قوله: (فَمَا رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ)، ثُمَّ قَالَ ذلك.

وحديث يونس (قال)

(1)

قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ. الحديث تقدم في الطلاق

(2)

. ومحمد هو ابن شهاب الزهري.

وفيه: فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشرح:

حديث أبي بكرة أصل في أن القاضي لا يقضي وهو غضبان، ولا معه ضجر، ونعاس، ولا هم، ولا جوع، ولا عطش، ولا حقن، ولا وهو شبعان أكثر من الحاجة، وسواء دخل على ذلك أو حدث له ما يمكن حدوثه من ذلك بعد أن جلس.

قال المهلب: وهذا ندب منه خوف التجاوز، أي: لأنه لا يتأتى له في الغالب استقصاء الواجب في القضية؛ لأنها تغير الطباع وتضر بالعقل وهو مكروه، روي ذلك عن علي وعمر رضي الله عنهما وشريح وعمر بن عبد العزيز، وهو قول مالك والكوفيين والشافعي.

وأما قضاؤه عليه السلام -وهو غضبان فإنما فعل ذلك لقيام العصمة به حيث لا يُخشى منه التجاوز والميل في حكمه بخلاف غيره من البشر، ثم غضبه في الله تعالى لا لنفسه.

وكان شريح إذا غضب أو جاع نام، وكان الشعبي يأكل عند طلوع الشمس، قيل له فقال: آخذ حلمي قبل أن أخرج إلى القضاء.

(1)

من (ص 1).

(2)

سلف برقم (5251) باب: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}

ص: 466

قال الشعبي: وأي حال جاءت عليه مما يعلم أنها تغير عقله أو فهمه امتنع من القضاء فيها

(1)

.

وقولي: بعد أن جلس، احترزت به عما إذا أصابه ضجر بعد جلوسه.

وفيه خلاف عند المالكية، قال ابن حبيب: يقوم. وقال ابن عبد الحكم: لا بأس أن يحدث جلساءه إذا مل فيروح قلبه، ثم يعود إلى الحكم

(2)

. واستحسنه بعضهم قال: لأنه أخف من قيامه وانصراف الناس.

واختلف، هل يحكم متكئًا؟ وقال الداودي: وهذا (إذا)

(3)

سبق الغضب، وأما إذا صنع الخصمان ما يغضبه ولم يستحكم فيه الغضب حكم، فإن استحكم فلا؛ لأن الشيطان أمكن ما يكون عند الغضب، ولهذا أمر الغضبان بالاستعاذة وتغيير الحال.

فصل:

قوله في حديث أبي مسعود رضي الله عنه: "فليتجوز". وفي رواية: ("فليوجز")

(4)

. أي: فليقتصر، وحديث ابن عمر في طلاقه الحائض ظاهر في تحريم إيقاعه في الحيض، وهو إجماع واختلفوا في نفوذه، وفقهاء الأمصار عليه وشذ من خالف.

(1)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 226.

(2)

"النوادر والزيادات" 8/ 22.

(3)

من (ص 1).

(4)

من (ص 1).

ص: 467

وقوله: ("فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا"). أخذ به الشافعي على إباحة الجمع بين الثلاث؛ لأنه عام في الواحدة والأكثر.

وأجاب عنه القاضي إسماعيل: أن الشارع لم ينكر على ابن عمر رضي الله عنهما الطلاق وإنما أنكر موضعه.

قال: ولا أحسبه أفقه من عمر وابنه وقد قال: من فعله عصا ربه.

ص: 468

‌14 - باب مَنْ رَأَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي أَمْرِ النَّاسِ إِذَا لَمْ يَخَفِ الظُّنُونَ وَالتُّهَمَةَ

كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدَ «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَمْرًا مَشْهُورًا.

7161 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ حَرَجٍ أَنْ أُطْعِمَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ لَهَا:«لَا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ مِنْ مَعْرُوفٍ» . [انظر: 2211 - مسلم: 1714 - فتح: 13/ 138].

ثم ساقه من حديث عائشة رضي الله عنها وقد سلف.

وقد اختلف العلماء هل القاضي يقضي بعلمه؟

فقال الشافعي وأبو ثور: جائز له ذلك في حقوق الله وحقوق الناس سواء، علم ذلك قبل القضاء أو بعده

(1)

.

واستثنى الشافعي حدود الله تعالى؛ لأن المقصود فيها الستر. وقال الكوفيون: ما شاهده الحاكم من الأفعال الموجبة للحدود قبل القضاء أو بعده فإنه لا يحكم فيها بعلمه (إلا القذف وما علمه قبل القضاء من حقوق الناس لم يحكم فيه بعلمه)

(2)

؛ لقول أبي حنيفة (بخلاف ما إذا

(1)

"الأم" 7/ 103.

(2)

من (ص 1).

ص: 469

علم بعده)

(1)

، وقال أبو يوسف ومحمد: يحكم فيما علمه قبل القضاء بعلمه

(2)

.

وقالت طائفة: لا يقضي بعلمه أصلاً في حقوق الله وحقوق الآدميين، علم ذلك قبل القضاء أو بعده أو في مجلسه، هذا قول شريح والشعبي، وهو مشهور قول مالك، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد، وقال الأوزاعي: ما أقرّ به الخصمان عنده أخذهما به، وأنفذه عليهما إلا الحد، وقال عبد الملك: يحكم بعلمه فيما كان في مجلس حكمه.

واحتج الشافعي بحديث الباب وأنه عليه السلام قضى لها ولولدها على أبي سفيان بنفقتهم ولم يسألها على ذلك بينة؛ لعلمه بأنها زوجته وأن نفقتها ونفقة ولدها واجبة في ماله، فحكم بذلك على أبي سفيان؛ لعلمه بوجوب ذلك، وأيضًا فإنه متيقن لصحة ما يقضي به إذا علمه علم يقين، وليست كذلك الشهادة؛ لأنها قد تكون كاذبة أو واهمة.

وقد قام الإجماع على أنه له أن يعدل ويسقط العدول بعلمه إذا علم أن ما شهدوا به على غير ما شهدوا به، وينفذ علمه في ذلك ولا يقضي لشهادتهم، مثال ذلك: أن يعلم بنتًا لرجل ولدت على فراشه، فإن أقام شاهدين أنها مملوكة فلا يجوز أن يقبلهما ويبيح له فرجًا حرامًا.

وكذلك لو رأى رجلاً قتل رجلاً ثم جيء بغير القاتل، وشهد شاهدان أنه القاتل فلا يجوز أن يقبلهما، وكذلك لو سمع رجلاً طلق امرأته طلاقًا بائنًا، ثم ادعت عليه المرأة الطلاق وأنكره الزوج فإن جعل القول قوله

(1)

من (ص 1).

(2)

"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 369.

ص: 470

فقد أقامه على فرج حرام، فيفسق، وإن لم يكن له بد من أنه لا يقبل قوله فيحكم بعلمه.

واحتج أصحاب أبي حنيفة بأن ما علمه الحاكم قبل القضاء إنما حصل في الابتداء على طريق الشهادة، فلم يجز أن يجعله حاكمًا؛ لأنه لو حكم بعلمه لكان قد حكم بشهادة نفسه فكان متهمًا، وصار بمنزلة من قضى بدعواه على غيره.

وأيضًا فإن علمه لما تعلق به الحكم على وجه الشهادة، فإذا قضى به صار كالقاضي بشاهد واحد قالوا: والدليل على جواز حكمه فيما علمه في حال القضاء، وفي مجلسه قوله عليه السلام:"إنما أقضي على نحو مما أسمع"

(1)

. ولم يفرق بين سماعه من الشهود أو المدعى عليه، فيجب أن يحكم بما سمعه من المدعي كما حكم بما سمعه من الشهود.

وعند ابن أبي شيبة: اختصم رجلان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وادعيا شهادة فقال لهما: إن شئتما شهدت، ولم أقض بينكما، وإن شئتما قضيت ولم أشهد. وعنده أيضًا، أن امرأة جاءت شريحًا بشاهد، فقال: ائتيني بآخر. فقالت: أنت شاهدي. فاستحلفها وقضى لها. وفي لفظ: جاء رجل إلى شريح يخاصم، فجاء الآخر عليه بشاهد، ثم قال لشريح: أنت شاهدي. قال شريح: أثبت الأمير حتى أشهد لك

(2)

. وقال الشعبي: لا أجمع أن أكون قاضيًا وشاهدًا

(3)

.

واحتج أصحاب مالك بأن قالوا: الحاكم غير معصوم، ويجوز أن

(1)

سلف برقم (6967) كتاب: الحيل.

(2)

"المصنف" 4/ 445.

(3)

"المصنف" 4/ 368 من قول شُريح.

ص: 471

تلحقه الظنة في أن يحكم لوليه على عدوه، فحسمت المادة في ذلك بأن لا يحكم بعلمه

(1)

؛ لأنه ينفرد به ولا يشركه فيه غيره وأيضًا قد قال تعالى: {الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] فأمر بجلد القاذف متى لم تقم بينة على ما رمى به المقذوف.

وأيضاً فإنه عليه السلام قال في حديث اللعان: "إن جاءت به على نعت كذا فهو للذي رميت به"

(2)

. فجاءت به على النعت المكروه، فقال عليه السلام:"لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة لرجمت هذِه"

(3)

.

وقد علم أنها زنت فلم يرجمها لعدم البينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان لم يقطع أنها تأتي به على أحد النعتين فقد قطع على أنها إن جاءت به على أحدهما فهو لمن وصف لا محالة، وهذا لا يكون منه إلا بعلم.

روي عن الصديق أنه قال: لو رأيت رجلاً على حد لم أحده حتى يشهد بذلك عندي شاهدان

(4)

، ولا مخالف له في الصحابة.

لو لم ينكر الخصم حتى حكم، فأنكر بعده، لم ينظر إلى (الكفارة)

(5)

. وقال ابن الجلاب: لا يقبل قول الحاكم إلا ببينة

(6)

.

فصل:

قوله: ("خذي ما يكفيك .. ")

(7)

الحديث، قال الداودي: إنما

(1)

انظر: "المنتقي" 5/ 185 - 186.

(2)

رواه مسلم (1496) كتاب: اللعان من حديث أنس.

(3)

سلف برقم (5310) كتاب: الطلاق، ورواه مسلم (1497) من حديث ابن عباس.

(4)

رواه البيهقي 10/ 144 بنحوه.

(5)

كذا في الأصل ولعل الصحيح: (إنكاره) ولعله تحريف من الناسخ.

(6)

"التفريع" 2/ 246.

(7)

بعدها في الأصل: (وولدك بالمعروف) وعليها: (لا

إلى).

ص: 472

أمرت بأخذ ذلك في خُفية من حيث لا يعلم، وارتفعت التهمة؛ لأنها لو شاءت لم تسأل عن ذلك، وإنما قالته في شيء لم يأت (بعد)

(1)

.

فصل:

من فوائده: أن للمظلوم أن يقول في الظالم وأن يذكره ببعض الظلم، قال تعالي:{لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148].

وفيه: أن الرجل يجوز أن يقال فيه ما يظهر من أمره، ولم يخفه من الناس.

فصل:

قولها: (أهل خباء .. ) إلى آخره، فيه: أن الدار تسمى خباء وأن القبيلة يسمون خباءً، وهذا من الاستعارة والمجاز.

وفي حديث آخر أنه عليه السلام قال لها حين قالت هذا: "وأيضًا"

(2)

كالمصدق لها. وفي رواية أخرى أنه قال لها: "أنت هند؟ " لما ذكرت له اسمها قبل أن تتكلم قالت: أنا يا رسول الله. ثم تكلمت وكانت من الدهاة.

فصل:

قولها: (إن أبا سفيان رجل مِسِّيك) أي: بخيل، وكذلك المُسُك -بضم الميم والسين-، وقيل له ذلك؛ لأنه يمسك ما في يديه ولا يخرجه إلى أحد.

وفيه: أن للمرء أن يأخذ لنفسه ولغيره ما يجب لهم من مال المطلوب

(1)

في الأصل (به).

(2)

سلف برقم (3825) كتاب: مناقب الأنصار، باب: ذكر هند.

ص: 473

وإن لم يعلم، وإن أجاز ذلك من أصحاب مالك تأول حديث "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك"

(1)

.

أي: لا تأخذ أكثر من حقك.

واختلف عن مالك فيمن جحده رجل حقًّا، فقدر على مثله من ماله من حيث لا يعلم أو من حيث لا يعلم إلا المطلوب، فقال: لا يأخذ، وقال: يأخذه، ذكره الداودي.

والذي ذكره أن الخلاف إنما هو إذا جحده مالاً ثم استودعه أنه لا يجحده لمكان جحده إياه.

قال مالك في "المدونة": لا يجحده. قال ابن القاسم: ظننت أنه قال ذلك للحديث السالف

(2)

، وأما إن قدر على أخذ ماله وإن كان الذي جحد أولاً لا دين عليه، جاز لهذا أن يأخذ؛ لهذا الحديث؛ ولقوله تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} الآية [النحل: 126].

واختلف القائلون في أنه يحلف له ما الذي ينويه الحالف، فقيل: يحلف: مالك عندي شيء إلا دين مثله، وقيل: يلزمه رده.

فصل:

وقوله: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ".

استنبط منه بعضهم أن الولد يلزم أباه نفقته وإن كان كبيرًا، وليس بجيد؛ لأن أبا سفيان لعل ولده كان صغيرًا، وإن احتمل كبره فهي قصة عين لا حجة فيها.

(1)

رواه أبو داود (3535)، والترمذي (1264) من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

(2)

"المدونة" 4/ 359، 360.

ص: 474

‌15 - باب الشَّهَادَةِ عَلَى الخَطِّ المَخْتُومِ، (وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ)

(1)

وَمَا يَضِيقُ عَلَيْهِمْ، وَكِتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عَامِلِهِ وَالْقَاضِي إِلَى القَاضِي

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كِتَابُ الْحَاكِمِ جَائِزٌ إِلاَّ فِي الحُدُودِ. ثُمَّ قَالَ إِنْ كَانَ القَتْلُ خَطَأً فَهْوَ جَائِزٌ لأَنَّ هَذَا مَالٌ بِزَعْمِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَالاً بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ القَتْلُ، فَالْخَطَأُ وَالْعَمْدُ وَاحِدٌ. وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه إِلَى عَامِلِهِ فِي الحُدُودِ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سِنٍّ كُسِرَتْ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كِتَابُ الْقَاضِى إِلَى الْقَاضِى جَائِزٌ إِذَا عَرَفَ الْكِتَابَ وَالْخَاتَمَ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يُجِيزُ الكِتَابَ المَخْتُومَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقَاضِي. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما نَحْوُهُ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الكَرِيمِ الثَّقَفِيُّ: شَهِدْتُ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ (يحيي)

(2)

قَاضِيَ البَصْرَةِ، وَإِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَسَنَ، وَثُمَامَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، وَبِلَالَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيَّ، وَعَامِرَ بْنَ (عَبِيدَةَ)

(3)

، وَعَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ يُجِيزُونَ كُتُبَ القُضَاةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ، فَإِنْ قَالَ الَّذِي جِيءَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ:

(1)

من (ص 1).

(2)

كذا في الأصول وفي متن البخاري (يعلى).

(3)

كذا في السلطانية 9/ 67، وفي هامشها عبيدة كذا في "اليونينية" مصححاً عليها تصحيحين وفي "الفتح" ما نصه: وعامر بن عبدة هو بفتح الموحدة وقيل بسكونها وقيل فيه أيضًا: عبيدة. اهـ.

قلت: وسيترجم المصنف لعبدة أبي عامر ص 477.

ص: 475

إِنَّهُ زُورٌ. قِيلَ لَهُ: اذْهَبْ فَالْتَمِسِ المَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَلَى كِتَابِ القَاضِي البَيِّنَةَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحْرِزٍ: جِئْتُ بِكِتَابٍ مِنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ قَاضِى البَصْرَةِ، وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ البَيِّنَةَ أَنَّ لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا وَهْوَ بِالْكُوفَةِ، وَجِئْتُ بِهِ القَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَجَازَهُ. وَكَرِهَ الحَسَنُ وَأَبُو قِلَابَةَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّةٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيهَا؛ لأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ فِيهَا جَوْرًا. وَقَدْ كَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ: «إِمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا

أَنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي شَهَادَةٍ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: إِنْ عَرَفْتَهَا فَاشْهَدْ، وَإِلاَّ فَلَا تَشْهَدْ.

7162 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قَالُوا: إِنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلاَّ مَخْتُومًا. فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِهِ، وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. [انظر: 65 - مسلم: 2092 - فتح: 13/ 141].

(ثم ساق حديث أنس أنه عليه السلام: لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قَالُواِ: إِنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا. فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصهِ، وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)

(1)

.

الشرح:

أثر إبراهيم أخرجه ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس، عن عبيد، عن إبراهيم أنه قال: كتاب القاضي إلى القاضي جائز

(2)

، وأثر الشعبي

(1)

من (ص 1).

(2)

"المصنف" 8/ 558 - 559 (33106).

ص: 476

أخرجه أيضًا عن حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالح، عن عيسى بن أبي عزة قال: كان عامر يجيز الكتاب المختوم يجيئه من القاضي

(1)

.

وعبدة -بفتح الباء، وقيل: بسكونها- ذكره ابن ماكولا

(2)

.

روى له مسلم في مقدمة كتابه عن ابن مسعود، وعنه المسيب بن رافع

(3)

. وبجالة بن عبدة السالف في الجزية -بالتحريك -أيضًا تميمي كان كاتب جزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس بن معاوية، عن عمر، وعنه عمرو بن دينار لا ثالث لهما في الصحيح، وما عداهما عبدة بسكون الباء، وقد أسلفنا ذلك في المقدمات أول الكتاب.

وتعليق معاوية بن عبد الكريم أخرجه وكيع بن الجراح في "مصنفه" وهو الضال؛ لأنه ضلَّ في طريق مكة، انفرد بذكره البخاري وهو ثقة وإن أدخله البخاري في "الضعفاء"

(4)

يحول منه، مات سنة ثمانين ومائة.

وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن، وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، سلف مسندًا في القسامة

(5)

.

وتعليق الزهري أخرجه ابن أبي شيبة، عن عمر بن أيوب، عن جعفر بن برقان، عنه.

وتعليق الحسن أخرجه أيضًا عن حفص بن عمرو عنه

(6)

، وتعليق أبي

(1)

المصدر السابق 4/ 558 (33108).

(2)

"الإكمال" 6/ 30.

(3)

" صحيح مسلم" في المقدمة 1/ 9.

(4)

"الضعفاء"(351).

(5)

سلف برقم (6898) كتاب: الديات، باب: القسامة.

(6)

انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 221 (3834).

ص: 477

قلابة عبد الله بن زيد الجرمي رواه وكيع، عن (ابن عون)

(1)

، عن قتادة، عنه

(2)

.

وحديث الخاتم سلف.

إذا تقرر ذلك، فاتفق جمهور العلماء على أن الشهادة على الخط لا تجوز إذا لم يذكر الشهادة ولم يحفظها، فلا يشهد أبدًا إلا على شيء يذكر. قال الشعبي: لا تشهد أبدًا إلا على شيء يذكر، فإنه من شاء انتقش خاتمًا، ومن شاء كتب كتابًا

(3)

.

وممن رأى ألا يشهد على الخط وإن عرفه حتى يذكر الشهادة الكوفيون

(4)

والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم

(5)

، وقد فُعل مثل هذا في أيام عثمان صنعوا مثل خاتمه وكتبوا مثل كتابه في قصة مذكورة في مقتل عثمان رضي الله عنه، وأحسن ما يحتج به في مثل هذا الباب بقوله تعالى:{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81]، وقوله:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86].

وأجاز مالك الشهادة على الخط

(6)

، روى ابن وهب عنه في رجل يذكر حقًّا قد مات شهوده فيأتي بشاهدين عدلين يشهدان على كتابة كاتب ذكر الحق قال: تجوز شهادتهما على كتابة الكاتب

(7)

. يعني: إذا كان قد كتب شهادته على المطلوب بما كتب عليه في ذكر الحق؛ لأنه قد يكتب

(1)

في الأصل: (عمر).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 221 (30836).

(3)

رواه بنحوه عبد الرزاق 8/ 357 (15517)، والبيهقي 10/ 158.

(4)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 350.

(5)

انظر: "مختصر المزني" بهامش"الأم" 5/ 243 - 244، "المغني" 14/ 140.

(6)

"النوادر والزيادات" 8/ 260، 262.

(7)

السابق 8/ 262.

ص: 478

ذكر الحق من لا يشهد على المذكور عليه.

قال ابن القاسم: وإن كان على خط اثنين جاز وكان بمنزلة الشاهدين إذا كان عدلاً مع يمين الطالب

(1)

. وذكر ابن شعبان، عن ابن وهب أنه قال: لا آخذ بقول مالك في الشهادة في معرفة الخط، ولا تقبل الشهادة فيه.

وقال الطحاوي: خالف مالك جميع الفقهاء في الشهادة على الخط

(2)

. وعدوا قوله شذوذًا، إذ الخط قد يشبه الخط، وليست شهادة على قول منه ولا معاينة فعل.

وقال محمد (بن)

(3)

حارث: الشهادة على الخط خطأ؛ لأن الرجل قد تكتب شهادته على من لا يعرف بعينه طمعًا ألا يحتاج إليه في ذلك وأن غيره يغني عنه، أو لعله يشهد في قربٍ من وقت الشهادة فيذكر العين.

ولقد قال في رجل قال: سمعت فلانًا يقول: رأيت فلانًا قتل فلانًا أو سمعت فلانًا طلق امرأته أو قذفها: أنه لا يشهد على شهادته إلا أن يشهد، والخط أبعد من هذا وأصعب.

قال: ولقد قلت لبعض القضاة: أتجوز شهادة الموتى؟ فقال: ما الذي تقول؟ فقلت: إنكم تجيزون شهادة الرجل (الرجل)

(4)

بعد موته إذا وجدتم خطه في وثيقة. فسكت.

وقال محمد بن عبد الحكم: لا يقضى في دهرنا بالشهادة على الخط؛ لأن الناس قد أحدثوا ضروبًا من الفجور

(5)

.

(1)

السابق 8/ 260 - 262.

(2)

"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 350.

(3)

من (ص 1).

(4)

عليها في الأصل: كذا

(5)

"النوادر والزيادات" 8/ 264.

ص: 479

وقد قال مالك: إن الناس تحدث لهم الفتنة على نحو ما أحدثوا من الفجور

(1)

. وسبقه إليه محمد بن عبد العزيز، وقد كان الناس (فيما مضى)

(2)

يجيزون الشهادة على خاتم القاضي، ثم رأى مالك أن ذلك لا يجوز

(3)

.

فصل:

وأما اختلاف الناس في كتب القضاة، فذهب جمهور العلماء إلى أن كتب القضاة (إلى القضاة)

(4)

جائز في الحدود وسائر الحقوق، وذهب الكوفيون إلى أنها تجوز في كل شيء إلا في الحدود

(5)

، وهو أحد قولي الشافعي

(6)

، وله مثل قول الجمهور.

وحجة البخاري على الكوفي في تناقضه في جواز ذلك في قتل الخطأ، وأنه إنما صار مالا بعد ثبوت القتل فهي حجة حسنة.

وذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله في الحدود، وأحكامه حجة، ولا سلف لأبي حنيفة في قوله.

وذكر البخاري عن جماعة من قضاة التابعين وعلمائهم أنهم كانوا يجيزون كتب القضاة إلى القضاة بغير شهود عليها إذا عرف الكتاب والخاتم.

(1)

"النوادر والزيادات" 8/ 264.

(2)

من (ص 1).

(3)

"النوادر والزيادات" 8/ 464.

(4)

من (ص 1).

(5)

"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 388.

(6)

"الأم" 6/ 218.

ص: 480

وحجتهم: أنه عليه السلام بعث بكتبه إلى خيبر وإلى الروم، ولم يذكر أنه أشهد عليها.

وأجمع فقهاء الأمة وحكامها على فعل سوار وابن أبي ليلى، فاتفقوا أنه لا يجوز كتاب قاض إلى قاض حتى يشهد عليه شاهدان؛ لما دخل الناس من الفساد واستعمال الخطوط ونقوش الخواتيم فاحتيط لتحصين الدماء والأموال بشاهدين.

وروى ابن نافع عن مالك قال: كان من أمر الناس القديم إجازة الخواتم حتى إن القاضي ليكتب للرجل الكتاب مما يريد على ختمه فيجاز له، حتى اتهم الناس فصار لا يقبل إلا شاهدين على كتابه

(1)

.

فصل:

واختلفوا إذا أشهد القاضي شاهدين على كتابه ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه- فقال مالك: يجوز ذلك ويلزم القاضي المكتوب إليه قبوله بقول الشاهدين: هذا كتابه دفعه إلينا مختومًا

(2)

.

وقال أبو حنيفة

(3)

والشافعي وأبو ثور: إذا لم يقرأه عليهما (القاضى)

(4)

، ولم يجز ولم يعلم القاضي المكتوب إليه بما فيه

(5)

، وروي عن مالك مثله

(6)

.

وحجتهم أنه لا يجوز أن يشهد الشاهد إلا بما يعلم؛ لقوله تعالى:

(1)

"النوادر والزيادات" 8/ 121.

(2)

السابق 8/ 120.

(3)

"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 388 - 389.

(4)

من (ص 1).

(5)

"الأم" 6/ 217.

(6)

سبق تخريجه قريبًا.

ص: 481

{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}

(1)

[يوسف: 81] وحجة المجيز أن الحاكم إذا أقرأه كتابه؛ فقد أقر بما فيه وليس للشاهدين أن يشهدا على ما ثبت عند الحاكم فيه، وإنما الغرض منهما أن يعلم المكتوب إليه أن هذا كتاب القاضي إليه، وقد ثبت عند القاضي من أمر الناس ما (لا)

(2)

يحبون أن يعلمه كل أحد مثل الوصية التي يتخوف الناس فيها ويذكرون ما فرطوا فيه؛ ولهذا يجوز عند مالك أن يشهدوا على الوصية المختومة وعلى الكتاب المدرج، ويقولوا للحاكم: نشهد على إقراره بما في هذا الكتاب، وقد كان عليه السلام يكتب إلى عماله ولا يقرؤها على رسله، وفيها الأحكام والسنن.

فصل:

اختلفوا إذا انكسر ختم الكتاب، فقال أبو حنيفة وزفر: لا يقبله الحاكم. وقال أبو يوسف: يقبله، ويحكم به إذا شهدت به البينة

(3)

، وهو قول الشافعي

(4)

.

واحتج الطحاوي لأبي يوسف فقال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الروم كتابًا وأراد أن يبعثه غير مختوم حتى قيل: إنهم لا يقرءونه إلا مختومًا فاتخذ الخاتم من أجل ذلك

(5)

، فدل أن كتاب القاضي حجة، وإن لم يكن مختومًا وخاتمه أيضًا حجة

(6)

.

(1)

"الأم" 7/ 82.

(2)

من (ص 1).

(3)

"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 389.

(4)

"الأم" 6/ 217.

(5)

"شرح معاني الآثار" 4/ 256.

(6)

"مختصر اختلاف العلماء" 3/ 389.

ص: 482

فصل ينعطف على ما مضى:

قال الداودي: كان الناس على ما ذكره البخاري يقبلون الخط والكتاب المختوم حتى أحدث الناس ما أحدثوا، فطلبوا البينة على الكتاب، فإن شهدت البينة على كتاب يكون بأيديهم ولم يعلموا ما فيه، إلا إنهم شهدوا عليه وهو مختوم فكان بأيديهم جازت الشهادة، وإن شهدوا على ما فيه كان أحوط. وقال بعض أصحابنا: يقبل القاضي كتاب أمينه إذا عرف خطه.

قالوا: ويجوز كتاب القضاة في الحقوق والحدود والقتل، وكل ما ينظر فيه القضاة. قال ابن القاسم وغيره: ويعمل على كتاب القاضي في الزنا رجلان. وقال سحنون: لا يقبل فيه إلا أربعة

(1)

.

فصل:

وقوله: (وكره الحسن .. ) إلى آخره، قال الداودي: هذا الصواب الذي لا شك فيه أنه لا يشهد على وصية حتى يعرف ما فيها، وتعقبه ابن التين فقال: لا أدري لم صوبه وهي إن كان فيها جور يوجب الحكم إلا بمضي لم يمض، وإن كان يوجب الحكم أمضاه.

ومذهب مالك جواز الشهادة على الوصية وإن لم يعلم الشاهد ما فيها

(2)

إذا لم يشهد الشاهد، ووجه ذلك أن الناس يزعمون في إخفاء أمورهم إن لم يكن موت، وكثيرًا ما يكرهون الاطلاع عليه إلا بعد الموت، فلهم في ذلك غرض. ثم حكي أنه اختلف قول مالك فيما إذا دفع إلى شهود كتابًا. وقال: اشهدوا عليَّ بما فيه، هل يصح

(1)

"النوادر والزيادات" 8/ 118 - 119.

(2)

انظر"المنتقي" 6/ 147.

ص: 483

تحملهم الشهادة؟ قال: وكذلك الحكم إذا كتب إلى حاكم وختمه وأشهد الشهود أنه كتابه ولم يقرأه عليهم.

واستدل القاضي إسماعيل على إجازة ذلك بأنه عليه السلام دفع كتابًا إلى عبد الله بن جحش، وأمره أن يسير ليلتين، ثم يقرأ الكتاب، ويتبع ما فيه

(1)

، ووجه المنع قوله تعالى:{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81]، وقد سلف.

فصل:

قول الزهري في الشهادة على المرأة من وراء الستر: إن عرفتها فاشهد. صحيح، ومذهب مالك جواز شهادة الأعمى في الإقرار وفي كل ما طريقه الصوت سواء عنده تحملها أعمى، أو بصيرًا ثم عمي

(2)

.

وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تقبل إذا تحملها أعمى

(3)

، ودليل قول مالك أن الصحابة والتابعين رووا عن أمهات المؤمنين من وراء حجاب وميزوا أشخاصهم بالصوت، وكذا كان ابن أم مكتوم، ولم يفرقوا بين ندائه ونداء بلال إلا بالصوت، ولأن الإقدام على الفروج أعلى من الشهادة بالحقوق، والأعمى له وطء زوجته، وهو لا يعرفها إلا بالصوت وهذا لم يمنع منه أحد.

(1)

رواه النسائي في "الكبرى" 5/ 249 (8803) والطبراني في "الكبير" 2/ 162 - 163 (1670)، والبيهقي 9/ 11 - 12 من حديث جندب بن عبد الله، ورواه البيهقي 9/ 58 - 59 عن عروة بن الزبير قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش .. الحديث.

(2)

وانظر"النوادر والزيادات" 8/ 256 - 260.

(3)

هذا مذهب الشافعي انظر "الأم" 7/ 42، ومذهب أبي حنيفة أنه لا تقبل شهادة الاعمى مطلقًا سواء كان بصيرًا وقت التحمل أو لا انظر "المبسوط" 16/ 129، "مختلف الرواية" 3/ 1633، "بدائع الصنائع" 6/ 268.

ص: 484

فصل:

الوبيص. في حديث أنس رضي الله عنه: البريق واللمعان، وكذا الوميض والبصيص.

فصل:

فيه جواز نقش الخاتم، ونقشه محمد رسول الله. كما هنا، وروي: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ذكر في "جامع المختصر" وتختم مرة بفص (ومرة)

(1)

بخاتم فضة حبشي، وكان نقش خاتم (مالك)

(2)

: حسبي الله ونعم الوكيل.

(1)

من (ص 1).

(2)

في (ص 1): ملك الموت.

ص: 485

‌16 - باب مَتَى يَسْتَوْجِبُ الرَّجُلُ الْقَضَاءَ

؟

وَقَالَ الحَسَنُ: أَخَذَ اللهُ عَلَى الحُكَّامِ أَنْ لَا يَتَّبِعُوا الهَوَى، وَلَا يَخْشَوُا النَّاسَ {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلاً} [المائدة: 44] ثُمَّ قَرَأَ: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقّ} {يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]، وَقَرَأَ:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} إلي قوله: {هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، وَقَرَأَ:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} إلي قوله: {وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} ، فَحَمِدَ سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَلُمْ دَاوُدَ، وَلَوْلَا مَا ذَكَرَ اللهُ مِنْ أَمْرِ هَذَيْنِ لَرَأَيْتُ أَنَّ القُضَاةَ هَلَكُوا، فَإِنَّهُ أَثْنَى عَلَى هَذَا بِعِلْمِهِ وَعَذَرَ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ. وَقَالَ مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ القَاضِي مِنْهُنَّ خَصْلَةً كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ: أَنْ يَكُونَ فَهِمًا، حَلِيمًا، عَفِيفًا، صَلِيبًا، عَالِمًا سَئُولاً عَنِ العِلْمِ.

الشرح: قول الحسن: أسنده أبو نعيم الحافظ من حديث أبي العوام القطان، عن قتادة، عنه، وكذا قول مزاحم أخرجه من حديث أسماء، عن عبيد، عنه.

واعلم أن شرط القاضي أن يكون مجتهدًا، وطرق الاجتهاد مقررة في الأصول والفروع فلا نطول بهذا، فإن لم يكن مجتهدًا فيها، ومن رآه الناس أهلاً للقضاء، ورأى هو نفسه أهلاً فقد استحقه، ولا يكفي الناس فقط؛ لأنه إذا علم الناس منه هذا الرأي لم يفقد من يزين له ذلك ويستحمد إليه، فقال مالك: ولا يُستقضى من ليس بفقيه

(1)

.

(1)

انظر "النوادر والزيادات" 8/ 11.

ص: 486

وذكر ابن حبيب عنه أنه قال: إذا اجتمع في الرجل خصلتان رأيت أن يولى: العلم والورع

(1)

.

قال ابن حبيب: فإن لم يكن علم فعقل وورع؛ لأنه بالورع يقف، وبالعقل يسأل. وإذا طلب العلم وجده، وإن طلب العقل لم يجده

(2)

، وهذا فيه دلالة على جواز تولية القضاء لغير عالم، وهو مذهب أبي حنيفة

(3)

، ودليلنا عليه قوله تعالى:{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ} [النساء: 105].

فصل:

إذا استوجب القضاء، فهل للسلطان إجباره عليه؟ قال ابن القاسم عن مالك: لا إلا أن [لا]

(4)

يوجد منه عوض. قيل له: أيجبرك بالحبس والضرب؟ قال: نعم

(5)

. قلت: وقد (جبر)

(6)

غير واحد (إليه)

(7)

، وجماعة امتنعوا من الدخول فيه لعظمه.

فصل:

قال المهلب: والحلم الذي (ينبغي)

(8)

أن يلزمه القاضي هو توسعة خلقه للسماع من الخصمين، وألا يحرج بطول ما (يخرجه)

(9)

أحدهما،

(1)

السابق

(2)

السابق

(3)

انظر "تبيين الحقائق" 4/ 176.

(4)

غير موجود بالأصل وما أثبتناه من "الاستذكار" 22/ 23، وابن بطال 8/ 235 وهو المناسب للسياق.

(5)

انظر: "الاستذكار" 22/ 23.

(6)

ورد بهامش الأصل: لعله (أجبر).

(7)

ورد بهامش الأصل: لعله (عليه).

(8)

بياض بالأصل، والمثبت من (ص 1).

(9)

هكذا في الأصل، وفي ابن بطال:(يورده).

ص: 487

وإن رآه غير نافع له في خصامه فليصبر عليه حتى يبلغ المتكلم مراده؛ لأنه قد يمكن أن يكون ذلك الكلام الذي لا ينتفع به [سببًا إلى ما ينتفع به]

(1)

. وأيضًا فإنه إذا لم يترك أن يتكلم بما يريد نسب إليه الخصم أنه جار عليه ومنعه الإدلاء بحجته، وأثار على نفسه عداوة، وربما كان ذلك سببًا لفتنة الخصم، ووجد إليه الشيطان السبيل، وأوهمه أن الجور من الدين

(2)

.

فصل:

والنفش في الآية: الرعي ليلاً، نفشت الدابة تنفش نفوشًا: إذا رعت ليلاً (بلا راع)

(3)

، وهملت إذا رعت نهارًا بلا راع، والوصمة: العيب والعار.

وقوله: (صليبًا) يريد الصلابة في إنفاذ الحق حتى لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يهاب ذا سلطان أو ذا مال وغيره، وليكن عنده الضعيف والقوي والصغير والكبير في الحق سواء.

فصل:

وقول الحسن: (أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى وأن لا يخشوا الناس، وما استشهد عليه من كتاب الله) فكل ذلك يدل أن الله فرض على الحكام أن يحكموا بالعدل. وقد قال تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] وكذلك فرض عليهم ألا يخشوا الناس، ولهذا قال عمر بن عبد العزيز في صفة القاضي:

(1)

زيادة من ابن بطال بها يستقيم السياق.

(2)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 235 - 236.

(3)

من (ص 1).

ص: 488

(أن يكون صليبًا). وعنه: حتى يكون ورعًا نزهًا مستشيرًا لذوي الرأي، عارفًا بآثار من مضى.

وقوله: (أن يكون عفيفًا) أخذه من قول الله تعالى: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 41]

فصل:

واختلف العلماء في قوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: 26].

فقالت طائفة: الآية عامة في كل الناس، وكل خصمين تقدما إلى حاكم، فعليه أن يحكم بينهما. والناس في ذلك سواء. وسواء كان للحاكم ولد أو والد أو زوجة، وهم وسائر الناس في ذلك سواء. وذهب الكوفيون والشافعي: إلى أنه لا يجوز شهادته له

(1)

، ويحكم لسائر الناس.

وزاد أبو حنيفة: ولا يحكم لولد ولده

(2)

؛ لأن هؤلاء لا تجوز (شهادتهم له)

(3)

. واختلف أصحاب مالك في ذلك، فقال مطرف وسحنون: كل ما لا يجوز للحاكم أن يشهد له لا يجوز حكمه له، وهم الآباء فمن فوقهم والأبناء فمن دونهم؛ إلا (لولده الصغير)

(4)

وزوجته ويتيمه الذي يلي ماله أو زوجه

(5)

، ولا يتهم في الحكم كما

(1)

انظر: "مختصر القدوري" ص 248، "البيان" للعمراني 13/ 30.

(2)

انظر: "مختصر القدوري" ص 248.

(3)

كذا في الأصل وفوقها (كذا)، وفي (ص 1): شهادته لهم.

(4)

كذا في الأصل وهي عبارة مقحمة يستقيم السياق بدونها وانظر: "النوادر والزيادات".

(5)

انظر: "النوادر والزيادات" 8/ 75.

ص: 489

يتهم في الشهادة؛ لأنه إنما يحكم بشهادة غيره من العدول.

وقال أصبغ مثل قول مطرف إذا قال: ثبت له عندي. ولا يدري أثبت له أم لا، ولم يحضر الشهود، فإذا حضروا وكانت الشهادة ظاهرة بحق بين، فحكمه لهم جائز ما عدا زوجته وولده الصغير ويتيمه الذي يلي (أمره)

(1)

؛ لقول ابن الماجشون؛ لأن هؤلاء كنفسه فلا يجوز له أن يحكم لهم

(2)

.

والقول الأول أولى؛ لشهادة عموم القرآن له قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص: 26]، وخاطب الحكام فقال:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 158]، فعم تعالى جميع الناس، وقد حكم الشارع لزوجته عائشة على من رماها وأقام عليهم الحد.

قلت: ذلك من خصوصياته، (ويجوز)

(3)

أن الله لما أنزلت براءتها أمره بذلك، وليس رد شهادة الولد لوالده، وعكسه بإجماع من الأمة فيكون أصلاً لذلك، وقد أجاز شهادة الوالد لولده عمر بن الخطاب

(4)

وعمر بن عبد العزيز

(5)

وإياس بن معاوية، وهو قول أبي ثور والمزني وإسحاق

(6)

.

(1)

في (ص 1): ماله.

(2)

السابق.

(3)

في (ص 1): وذلك.

(4)

رواه عبد الرزاق 8/ 343 (15471).

(5)

رواه عبد الرزاق 8/ 343 (15475).

(6)

انظر: "عيون المجالس" 4/ 531، "المغني" 14/ 181.

ص: 490

فصل:

الآية الأولى قيل فيها: جاز أن يقال خلقا، وقوله:{بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26] أي: تركوا العمل له فكانوا ناسين له، قاله السدي، وقال عكرمة: وهو من التقديم والتأخير أي: لهم يوم الحساب عذاب شديد بما نسوا، أي: بما تركوا أمر الله والقضاء بالعدل

(1)

.

فصل:

والآية الثانية: يجوز أن يكون المعنى: فيها هدًى ونور للذين هادوا عليهم، ثم حذف، وقيل:(لهم) بمعنى (عليهم) مثل: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] و {الَّذِينَ أَسْلَمُوا} هنا نعت فيه معنى المدح مثل: بسم الله الرحمن الرحيم، {الرَّبَّانِيُّونَ}: العلماء الحكماء، وأصله رب العلم، والألف والنون للمبالغة، وقال مجاهد: هم فوق الأحبار

(2)

، والأحبار للعلماء؛ لأنهم يحبرون الشيء وهو في صدورهم محبر.

واختلف لم سمي حبرًا؟

فقال الفراء: أي: مداد حبر، ثم حذف مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، وأنكره الأصمعي وقال: إنما سُمي حبرًا لتأثيره. يقال: على أسنانه حبرة. أي: صفرة وسواد

(3)

.

(1)

انظر هذِه الآثار في "تفسير الطبري" 10/ 575 (29865 - 29866)، "تفسير ابن كثير" 12/ 86.

(2)

"تفسير مجاهد" 1/ 197.

(3)

انظر: "معاني القرآن" للنحاس 2/ 315.

ص: 491

فصل:

والآية الثالثة قال مسروق: كان الحرث عنبا

(1)

فنفشت فيه الغنم. أي: رعت ليلاً. كما سلف، وهو ما قاله الهروي في "الغريبين"

(2)

، وفي "الصحاح": الهمل بالتحريك يكون ليلاً ونهارًا

(3)

، فقضى داود بالغنم لأصحاب الحرث فمروا بسليمان فأخبروه، فقال: نعم أقضي به وغيره كان أرفق للفريقين، فدخل أصحاب الغنم على داود فأخبروه، فأرسل إلى سليمان فعزم عليه بحق النبوة والملك (والولد)

(4)

كيف رأيت فيما قضيت؟ قال: عدل الملك وأحسن، وكان غيره أرفق بهما جميعًا، قال: ما هو؟ قال: تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فلهم لبنها وسمنها وأولادها، وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث حرثهم، فقال داود عليه السلام: نعم ما قضيت. قيل: علم سليمان أن قيمة ما أفسدته مثل ما يصير إليهم من لبنها وصوفها.

وقد أسلفنا

(5)

أن ناقة للبراء رضي الله عنه -أفسدت في حائط، فقضى عليه السلام أن على أهل الحوائط حفظها نهارًا، وأن ما أفسدته المواشي ضامن على أهلها. أي: ضمان قيمته، وهذا خلاف شرع سليمان.

فإن ترك هذا ورضيا بدفع الغنم عن قيمة ما أفسدت.

فمشهور مذهب مالك: أنه لا يجوز حتى يعرفا قيمة المفسد. ونص عليه ابن شعبان، وفي "كتاب محمد" وإن لم يعرف القيمة، وقوله تعالى:

(1)

رواه الطبري 9/ 49 (24692) من طريق أبي إسحاق، عن مسروق، عن شريح.

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" 5/ 97.

(3)

"الصحاح" 5/ 1854.

(4)

من (ص 1).

(5)

رواه أبو داود (3569)، ابن ماجه (2332).

ص: 492

{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] يعني: القضية، وقوله:(لولا ما (ذكر)

(1)

الله من أمر هذين الرجلين .. ) إلى آخره، قال الداودي: إنما أثنى عليهما بقوله: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] ولم يعذر الجاهل.

وقد صح أن القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة

(2)

.

قال طاوس: أشر الناس عند الله يوم القيامة إمام قاسط.

وقال مكحول: لو خُيرت بين القضاء وبين المال لاخترت القضاء، ولو خُيرت بينه وبين ضرب عنقي أخترت ضرب عنقي.

(1)

في (ص 1): أمر.

(2)

رواه أبو داود (3573)، والترمذي (1322)، وابن ماجه (2315) من حديث بريدة.

ص: 493

‌17 - باب رِزْقِ الحُكَّامِ وَالْعَامِلِينِ عَلَيْهَا

وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَأْكُلُ الْوَصِيُّ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ، وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما.

7163 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ -ابْنُ أُخْتِ نَمِرٍ- أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ العُزَّى أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ السَّعْدِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِي مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالاً، فَإِذَا أُعْطِيتَ العُمَالَةَ كَرِهْتَهَا؟ فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ عُمَرُ: مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ إِنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا، وَأَنَا بِخَيْرٍ، وَأَرِيدُ أَنْ تَكُونَ عُمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى المُسْلِمِينَ. قَالَ عُمَرُ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الَّذِي أَرَدْتَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي. حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالاً فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ -وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ- فَخُذْهُ، وَإِلاَّ فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» [انظر: 1473 - مسلم: 1045 - فتح

13/ 150].

7164 -

وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي العَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي. حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالاً فَقُلْتُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ -وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ- فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» . [انظر: 1473 - مسلم: 1045 - فتح: 13/ 150].

ثم ساق حديث الزهري: أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ -ابن أُخْتِ نَمِرٍ- أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ العُزى أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ السَّعْدِيِّ وهو عبد الله بن وقدان قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه: أَلَمْ أُحَدَّثْ أنَّكَ تَلِي مِنْ

ص: 494

أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالاً، فَإِذَا أُعْطِيتَ العُمَالَةَ كَرِهْتَهَا؟ فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ عُمَرُ: مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا، وَأَنَا بِخَيْرٍ، وَأَرِيدُ أَنْ تَكُونَ عُمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ عُمَرُ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الَّذِي أَرَدْتَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي العَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ -وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ- فَخُذْهُ، وَإِلاَّ فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ»

وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي العَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي. حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالاً فَقُلْتُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ تَصَدَّقْ بِهِ" .. الحديث كما قال. إلا أنه قال: "وما لا فلا تتبعه".

الشرح:

أثر شريح أخرجه ابن أبى شيبة، عن الفضل بن دكين، عن الحسن بن صالح، عن ابن أبي ليلى قال: بلغنا -أو قال: بلغني- أن عليًّا رزق شريحًا خمسمائة

(1)

، والتعليق عن عائشة وأبي بكر وعمر سلف، وكان أكلهما في أيام خلافتهما؛ لاشتغالهما بأمور المسلمين، ولهما من ذلك حق، وأما قبلها فقد روي أنهما كانا عاملين، وذلك (جائز)

(2)

أيضًا لهما. وحديث حويطب سلف أنه أحد الأحاديث التي اجتمع فيها أربعة من الصحابة.

(1)

"مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 434 (21799).

(2)

من (ص 1).

ص: 495

فصل:

والزهري: محمد بن مسلم، يُكني: أبا بكر، مات بالشام في رمضان سنة أربع وعشرين ومائة، والسائب بن يزيد حليف بني أمية مات سنة ست وثمانين، ووالده صحابي.

فصل:

قام الإجماع على أن أرزاق الحكام من الفيء، وما جرى مجراه مما يصرف في مصالح المسلمين؛ لأن الحكم بينهم من أعظم مصالحهم.

وقال الطبري: وفيه الدليل الواضح على أن من شغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرزق على عمله ذلك؛ لاشتغالهما بأمور المسلمين كالولاة والقضاة وجباة الفيء وعمال الصدقة وشبههم؛ لإعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر أنعمًا له على عمله الذي استعمله عليه.

فكذلك سبيل كل مشغول بشيء من أعمالهم له من الرزق على قدر استحقاقه عليه، وسبيله سبيل عمر رضي الله عنه في ذلك. قال غيره: إلا أن طائفة من (أهل)

(1)

السلف كرهت أخذ الرزق على القضاء. روي ذلك عن ابن مسعود والحسن البصري

(2)

والقاسم

(3)

.

وذكره ابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحكاه ابن أبي شيبة عن مسروق أيضًا

(4)

، ورخصت في ذلك طائفة.

(1)

من (ص 1).

(2)

رواه ابن أبي شيبة 4/ 434 (21796).

(3)

رواه عبد الرزاق 8/ 927 - 928 (15285)، وابن أبي شيبة 4/ 434 (21795).

(4)

"المصنف" 4/ 434 (21795).

ص: 496

وذكر ابن المنذر: أن زيد بن ثابت كان يأخذ على القضاء أجرًا. وروي ذلك عن ابن سيرين وشريح، وهو قول الليث وإسحاق وأبي عبيد، والذين كرهوه ليس بحرام عندهم.

وقال الشافعي: إذا أخذ القاضي جعلاً لم يحرم عندي. واحتج أبو عبيد في جواز ذلك بما فرض الله تعالى للعاملين على الصدقة، وجعل لهم منها حقًّا لقيامهم وسعيهم فيها.

قال ابن المنذر: وحديث ابن السعدي حجة في جواز إرزاق القضاة من وجوهها. قال المهلب: وإنما كره ذلك من كره؛ لأن أمر القضاء إنما هو محمول في الأصل على الاحتساب، ولذلك عظمت منازلهم وأجورهم في الآخرة، ألا ترى أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء عليهم السلام أن يقولوا: ما أسألكم عليه من أجر؛ ليكون ذلك على البراءة من الاتهام.

ولذلك قال مالك: أكره أجر قسام القاضي

(1)

؛ لأن من مضى كانوا يقسمون ويحتسبون ولا يأخذون أجرًا. فأراد أن يجري هذا الأمر على طريق الاحتساب على الأصل الذي وصفه الله تعالى للأنبياء عليهم السلام؛ لئلا يدخل في هذِه الصناعة من لا يستحقها ويتحيل على أموال المسلمين، وأما من حكم بالحق إذا تصرف في مصالح المسلمين فلا يحرم عليه أخذ الأجر على ذلك.

وقد روي عن عمر بن الخطاب: أنه استعمل ابن مسعود على بيت المال، وعمار بن ياسر على الصلاة، وابن حنيف

(2)

على الجند،

(1)

انظر: "المدونة" 1/ 65، 4/ 270 - 271.

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 255.

ص: 497

ورزقهم كل يوم شاة شطرها لعمار، (وربعها لابن مسعود)

(1)

، وربعها لابن حنيف، وأما العاملون عليها فهم السعاة المتولون لقبض الصدقات، ولهم من الأجر بقدر أعمالهم على حسب ما يراه الإمام في ذلك.

وقد سلف هذا المعنى في كتاب الزكاة، وفي كتاب الوصايا اختلاف العلماء فيما يجوز للوصي أن يأكل من مال يتيمه.

وأما قوله عليه السلام لعمر في العطاء: "خذه فتموله وتصدق به"، فإنما أراد الأفضل والأعلى من الأجر؛ لأن عمر وإن كان مأجورًا بإيثاره بعطائه على نفسه من هو أفقر إليه منه، فإن أخذه العطاء ومباشرته الصدقة بنفسه أعظم لأجره، وهذا يدل أن الصدقة بعد التمول أعظم أجرًا؛ لأن خلق الشح حينئذٍ مستولٍ على النفوس.

فصل:

وفيه: أن أخذ ما جاء من المال من غير مسألة أفضل من تركه؛ لأنه يقع في إضاعة المال، وقد نهى الشارع عن ذلك

(2)

.

فصل:

قسم ابن التين رزق القضاة قسمين من بيت المال، ومن المتحاكمين، والأول ثلاثة أقسام:

أحدها: أن تكون لا شبهة فيما يدخلها، والأخذ منها جائز قطعًا لكل من ولي من أمور المسلمين شيئًا تعمهم نفقته.

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 238 - 240.

ص: 498

ثانيها: أن يكون الغالب فيها من غير وجهه فلا خلاف أن الترك أولى، فإن أخذ، فإن كان فقيرًا أو مسكينًا جاز، أو غنيًّا فمكروه.

ثالثها: أن يكون غالبه ما يدخلها من وجهه، فأما الفقير فيجوز له الأخذ قطعًا.

واختلف فعل العلماء المقتدى بهم، فمنهم من أخذ، ومنهم من ترك، وافترق فعل الأولين (وعملهم)

(1)

فيما أخذوا، فمنهم من صرفه في وجهه ولم يسعه (ترك)

(2)

الأخذ عنه. ومنهم، من صرفه في مصالحه، وأما أخذ القاضي والمفتي من المتحاكمين أوالمستفتي؛ قال: فهي رشوة محرمة، وأما العامل فقد فرض الله له سهمًا في الزكاة، وأما الوصي فإن كان في كفاية والمال يسير لا يشغله فلا يأكل منه، وإن كان كثيرًا وشغله النظر فيه جاز الأكل بالمعروف، (والترك أفضل، وإن كان فقيرًا والمال يشغله جاز له الأكل بالمعروف)

(3)

، والأصح عندنا أنه يأكل أقل الأمرين من أجرة عمله ونفقته

(4)

.

فصل:

في الباب من الفوائد: جواز الأخذ من بيت المال لكل من تكلف من أمور المسلمين شيئًا، وكشف الإمام عمن له حق في بيت المال؛ ليعطيه إياه وكراهته الأخذ مع الاستغناء، وإن كان المال طيبًا.

وجواز الصدقة مما لم (يقبض)

(5)

إذا كان له واجبًا، وقوله عليه السلام

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

(3)

من (ص 1).

(4)

انظر: "البيان" للعمراني 13/ 14 - 15.

(5)

في الأصل: يقتضي، والمثبت من (ص 1).

ص: 499

لعمر: "خذه فتموله وتصدق به" قال على أن الصدقة بعد القبض، ولا شك أن ما حصل بيد الإنسان كان أشد حرجًا عليه، فمن استوت عنده الحالتان فمرتبته أهلا، ولذلك أمره عليه السلام بأخذه وبين له جواز تموله إن أحب أو التصدق به.

فصل:

ذهب بعض الصوفية: أن المال إذا جاء من غير إشراف نفس ولا سؤال لا يرد، فإن رد عوقب بالحرمان، ويحكي عن أحمد أيضًا وأهل الظاهر

(1)

.

فصل:

قسم القضاة قسمان: محتسبة من غير أجر، ولا شك في قبول شهادتهم، وبأجر، فإن كانت من بيت المال فلا بأس به، وإن كان من الآحاد فكذلك، وإليه ذهب مالك؛ لأنه إنما كرهه لما يأخذه من أموال اليتامى

(2)

، فإن كانوا سفهاء لا يجوز له أخذها إلا إذا استأجره الإمام أو الوصي.

وإن اختلفوا فاستأجره الرشداء، فإن أخذ من الرشداء ما ينوبهم وترك ما ينوب السفهاء فذلك جائز، وإن أراد أن يأخذ من السفهاء نظر السلطان في ذلك وأما قاسم الغنيمة، فقد قال ابن الماجشون: إن فعله احتسابًا فأجره على الله، وإن استؤجر فله أجرته.

(1)

انظر: "المحلى" 9/ 156.

(2)

انظر: "المدونة" 4/ 271.

ص: 500

‌18 - باب مَنْ قَضَى وَلَاعَنَ فِي المَسْجِدِ

وَلَاعَنَ عُمَرُ- رضي الله عنه عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَضَى شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِي المَسْجِدِ، وَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عِنْدَ المِنْبَرِ. وَكَانَ الْحَسَنُ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى يَقْضِيَانِ فِي الرَّحَبَةِ خَارِجًا مِنَ المَسْجِدِ.

7165 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. [انظر: 423 - مسلم: 1492 - فتح: 13/ 154].

7166 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلٍ -أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ- أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً، أَيَقْتُلُهُ؟ فَتَلَاعَنَا فِي المَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ. [انظر: 423 - مسلم: 1492 - فتح: 13/ 154].

ثم ساق التلاعن في المسجد من حديث سهل بن سعد، ساقه من طريقين: أحدهما: عن سفيان قال الزهري، عن سهل بن سعد.

والثاني: عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب عن سهل، فكأنه يرى أن قول الراوي (قال فلان) دون قوله (عن فلان). كذا ساقهما.

والتعليق عن يحيى أخرجه ابن أبي شيبة، عن ابن مهدي: ثنا عبد الرحمن بن قيس قال: رأيت يحيى بن يعمر يقضي في المسجد

(1)

.

والتعليق عن شريح غريب، وفي ابن أبي شيبة روى عن وكيع، عن سفيان، عن الجعد بن ذكوان: أن شريكا كان إذا كان يوم مطر قضى في داره. وتعليق الحسن وزرارة أخرجه أيضًا عن ابن مهدي، عن المثنى بن

(1)

"المصنف" 4/ 436 (21825).

ص: 501

سعيد قال: رأيت الحسن وزرارة فذكره. قال: وحدثنا ابن مهدي، عن ابن أبي عتبة قال: رأيت الحسن يقضي في المسجد

(1)

، وقضاء مروان أخرجه وكيع بن الجراح في "مصنفه" عن هشام بن عروة عن أبيه قال: شهدت مروان فذكره.

الشرح:

سياق البخاري هذِه الآثار ليسهل على عمل من تقدم من القضاة، وقد استحب القضاء في المسجد طائفة منهم شريح والحسن البصري والشعبي وابن أبي ليلى

(2)

، وقال مالك: القضاء في المسجد من أمر الناس القديم؛ لأنه يرضى فيه بالدون ويصل إليه المرأه والضعيف، وإذا احتجب لم يصل إليه الناس

(3)

، وبه قال أحمد وإسحاق

(4)

، وكرهته طائفة وقالت: القاضي يحضره الحائض والذمي وتكثر الخصومات بين يديه، المساجد تجنب ذلك، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى القاسم بن عبد الرحمن: أن لا يقضي في المسجد فإنه يأتيك الحائض والذمي

(5)

. وقال الشافعي: أحب إلي يقضي في غير المسجد؛ لكثرة من يغشاه لغير ما بنيت له المساجد

(6)

.

(1)

"السابق" 4/ 436 (21827، 21824، 21828).

(2)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 240.

(3)

"المدونة" 4/ 76.

(4)

انظر: "الشرح الكبير" 28/ 338.

(5)

رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 10/ 23، (18241) وبمعناه ابن أبي شيبة 4/ 436 (21823).

(6)

"الأم" 6/ 201.

ص: 502

وحديث سهل حجة لمن استحب ذلك، وعجبت من الإسماعيلي كونه قال في حديث الزهري عن سهل: ليس فيه ذكر المسجد، فالمتنان واحد قطعهما البخاري، وليس في اعتلال من اعتل بحضور الحائض والكافر مجلس الحكم حجة؛ لأنه لا يعلم حجة يجب فيها منع الكافر من الدخول في المساجد سوى المسجد الحرام، وقد قدم وقد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزلهم في المسجد

(1)

وأخذ ثمامة بن أثال من بني حنيفة أسيرًا وربط إلى سارية من سواري المسجد

(2)

، وليس في منع الحائض من دخول المسجد خبر يثبت، وقد نظر داود عليه السلام بين (الخصمين)

(3)

الذين وعظهما في المحراب وهو في المسجد، وأما الأحاديث التي فيها النهي عن إقامة الحدود في المسجد فضعيفة

(4)

.

فصل:

اختلف في الموضع الذي يجلس فيه للحكم على ثلاثة أقوال: فقال مالك في "المدونة" ما مضى، وقال في كتاب ابن حبيب: كان من مضى من القضاة يجلسون في رحاب المسجد خارجًا إما عند موضع الجنائز، وإما في رحبة دار مروان، وما كانت تسمى إلا رحبة القضاء، قال مالك: وإني لأستحب ذلك في الأمصار من غير تضييق؛ ليصل إليه اليهودي

(1)

رواه أبو داود (3026)، وأحمد 4/ 218 وغيرهم.

(2)

سبقت قصته برقم (462) كتاب الصلاة، باب: الاغتسال إذا أسلم، وربط الأسير في المسجد.

(3)

من (ص).

(4)

روى أبو داود (4490) عن حكيم بن حزام أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد ..

ورواه أيضًا أحمد 3/ 434 موقوفًا على حكيم رضي الله عنه. ورواه مرفوعًا الدارقطني 3/ 85 وغيره وقد حسنه الألباني انظر "إرواء الغليل" 7/ 361.

ص: 503

والنصراني والحائض والضعيف، وهو أقرب إلى التواضع، وحيثما جلس القاضي المأمون فهو جائز، وقال ابن حبيب: لا بأس أن يقضي في منزله، واستحسن بعض شيوخنا قوله: في رحابه. وقال ابن أبي زيد تصحيحًا لقول مالك: يقضي في المسجد؛ لقوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)}

(1)

[ص: 21].

فصل:

سهل بن سعد الساعدي كنيته أبو العباس، أنصاري مدني، مات سنة ثمان وثمانين

(2)

.

فصل:

حضوره يحتمل وجهين: أحدهما: أن يدعى لذلك فيحتمل أن يخص به؛ لصغره لما يرجى من طول عمره لئلا يذهب من شاهد ذلك، والثاني: أن يكون من غير استدعاء.

فصل:

يغلظ في اللعان بالزمان والمكان وهي سنة عندنا لا فرض على الأصح

(3)

، وقال مالك بالتغليظ

(4)

، وأيضًا منع أبو حنيفة

(5)

وروى ابن كنانة عن مالك يجزئ في المال العظيم والدماء

(6)

.

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 8/ 20، 21.

(2)

انظرترجمته في "معجم الصحابة" للبغوي 3/ 87، و"الاستيعاب" 2/ 224 (1094)، و"أسد الغابة"2/ 472 (2293).

(3)

انظر: "البيان" للعمراني 10/ 454، "الحاوي" للماوردي 11/ 45 (طبعة دار الفكر).

(4)

انظر: "المنتقى" 5/ 233، "بداية المجتهد" 4/ 1779.

(5)

انظر: "بدائع الصنائع" 6/ 228.

(6)

انظر: "المنتقي" 5/ 233.

ص: 504

وزمن اللعان بعد العصر عندنا

(1)

، وعند المالكية إثر الصلاة، وعن بعضهم كمذهبنا

(2)

؛ لاختصاص العصر بالملائكة -أعني: ملائكة الليل والنهار. وروى ابن حبيب، عن المطرف وابن الماجشون: لا يحلف بإثر الصلوات إلا في الدماء واللعان، وأما في الحقوق ففي أي وقت، وقاله ابن القاسم. وروى ابن كنانة، عن مالك: يحلف في ربع دينار وفي القسامة واللعان على المنبر، فيقول: بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، كانت يمين واحدة أو أيمان متكررة. وقال ابن حبيب، عن مطرف وابن الماجشون: إن اليمين في ذلك كله بالله الذي لا إله إلا هو خاصة، زاد ابن المواز: والحر والعبد في ذلك سواء، وهو المشهور من قول مالك، وقاله ابن القاسم

(3)

.

فصل:

في حديث سعد: التجوز في السؤال، وذلك يدل على علم السائل؛ لأنه لم يصرح باسم الرجل سترًا عليه وعلى المرأة حتى يرى ما يكون الحكم فيه.

وفيه: أن الرجل إذا لم يسم المقذوف لا يتعلق به (حق)

(4)

القذف.

فرع: اختلف متى يقع الفراق في اللعان: فقال مالك وابن القاسم: بنفس اللعان ولا يحل له أبدًا

(5)

، وقال ابن أبي صفرة: اللعان لا يرفع العصمة حتى يوقع (الرجل)

(6)

الطلاق.

(1)

انظر: "البيان"10/ 455.

(2)

انظر: "المدونة" 2/ 337، "بداية المجتهد" 4/ 1781.

(3)

انظر: "النوادر والزيادات" 8/ 156، "المنتقي" 5/ 233.

(4)

في (ص 1): حد.

(5)

انظر: "المدونة" 2/ 337.

(6)

في (ص 1): الزوج.

ص: 505

‌19 - باب مَنْ حَكَمَ فِي المَسْجِدِ حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حَدٍّ أَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ مِنَ المَسْجِدِ فَيُقَامَ

وَقَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه أَخْرِجَاهُ مِنَ المَسْجِدِ. (وَاضَرَبَاهُ)

(1)

. وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه نَحْوُهُ.

7167 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي المَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعًا قَالَ: «أَبِكَ جُنُونٌ؟» . قَالَ: لَا. قَالَ: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» . [انظر: 5271 - مسلم: 1691 م - فتح: 13/ 156].

7168 -

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ بِالْمُصَلَّى. رَوَاهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجْمِ. [انظر: 5271 - مسلم: 1691 م - فتح: 13/ 156].

ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ماعز- وفيه: فلما شهد على نفسه أربعًا قال: "أبك جنون؟ "، قال: لا، قال:"اذهبوا به فارجموه" فرجم بالمصلى. رواه يونس ومعمر وابن جريج عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجم

(الشرح)

(2)

:

اختلف العلماء في إقامة الحدود في المسجد، فروي عن عمر- رضي الله عنه

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

ص: 506

أنه أمر بالذي وجب عليه الحد أن يقام عليه خارج المسجد

(1)

، وكذا فعل علي رضي الله عنه بالسارق الذي قدم إليه، فقال: يا قنبر أخرجه من المسجد فاقطع يده

(2)

. وكره إقامته في المسجد مسروق وقال: إن للمسجد حرمة

(3)

.

وهو قول الشعبي

(4)

وعكرمة، وإليه ذهب الكوفيون والشافعي و (أحمد)

(5)

وإسحاق

(6)

.

وفيها قول ثان: يروى عن الشعبي أنه أقام على رجل من أهل الذمة حدًا في المسجد

(7)

، وهو قول ابن أبي ليلى

(8)

.

وفيها قول ثالث: وهو الرخصة في الضرب بالأسواط اليسيرة في المسجد، فإذا كثرت الحدود فلا تقام فيه، وهو قول مالك

(9)

وأبي ثور.

وقول من نزه المسجد عن إقامة الحدود فيه أولى، يشهد له حديث الباب، حيث أَمر برجمه في المصلى خارج المسجد.

(1)

رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 10/ 23 (18238)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 521 (28637).

(2)

رواه ابن أبي شبية في "المصنف" 5/ 521 (28636).

(3)

رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 10/ 23 (18240)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 22 (28645)

(4)

رواه ابن أبي شيبة 5/ 521 - 522 (28640).

(5)

من (ص 1).

(6)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 291، "الأم" 7/ 150، "المغني" 12/ 511.

(7)

رواه عبد الرزاق 10/ 23 (18239).

(8)

انظر: "الأم" 7/ 150.

(9)

انظر: "المدونة" 4/ 486، "المنتقى" 5/ 185.

ص: 507

قال ابن المنذر: ولا ألزم من أقام الحد في المسجد مأثمًا؛ لأني لا أجدُ دليلًا عليه

(1)

.

وفي الباب حديثان منقطعان لا تقوم بهما حجة في النهي عن إقامة الحدود في المساجد، وقد أسلفت أن طرقه كلها ضعيفة

(2)

.

فصل:

قوله في الحديث: (فأعرض عنه)(أي)

(3)

: كراهية سماع ذلك، وأراد به للستر.

وفيه تأويلان: أحدهما: أن ذلك إنما يكون إذا قام به من له حق، والثاني: أنه لم يحضره أحد من الشهود.

فرع:

قيل لمالك: أترى للإمام إذا اعترف عنده بالزنا أن يعرض عنه أربع مرات؟ فقال: ما أعرف هذا، إذا اعترف مرة وأقام على اعترافه أقيم عليه الحد

(4)

. والحديث يرده.

واختلف إذا جحد الإقرار ولم يأت بعده، فقال مالك مرة: يقبل منه. وقال أخرى: لا

(5)

.

وأبعد من قال: يحتمل أن يكون عليه السلام أمر برجمه قبل أن يستكمل الأربع. وقد يحتمل أن تكون شهادته على نفسه بذلك عند غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأقر الرابعة عنده.

(1)

انظر: "الإشراف" 3/ 21.

(2)

في باب: من قضى ولاعن في المسجد.

(3)

من (ص 1).

(4)

انظر: "المنتقي" 7/ 135.

(5)

انظر: "المنتقي" 7/ 143.

ص: 508

‌20 - باب مَوْعِظَةِ الإِمَامِ لِلْخُصُومِ

7169 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِى نَحْوَ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» . [انظر: 2458 - مسلم: 1713 - فتح: 13/ 157].

ذكر فيه حديث أم سلمة رضي الله عنها أَنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأقْضِي نَحْوَ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ".

هذا الحديث سلف في المظالم

(1)

، وأوائل كتاب الحيل

(2)

، وأم سلمة اسمها: هند، وهي ابنة عم أبي جهل، ماتت سنة (تسع وخمسين)

(3)

وهي أول ظعينة دخلت المدينة.

ومعنى: ألحن بحجته: أفطن لها وأجدل. وقال ابن حبيب: أنطق وأقوى مأخوذ من قوله تعالى {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30] أي: نطق القول.

وقيل معناه: أن يكون أحدهما أعلم بمواقع الحجج وأهدى لإيرادها ولا يخلطها بغيرها.

قال أبو عبيد: اللحن -بفتح الحاء- الفطن، وبالإسكان للخطأ في

(1)

سلف برقم (2458) باب: إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه.

(2)

سلف برقم (6967) باب: (10).

(3)

ورد بهامش الأصل: توفيت في إمرة يزيد، وأما الواقدي ما ذكره المؤلف.

ص: 509

القول. ويؤيده روايته في كتاب المظالم بلفظ: "أبلغ من بعض"

(1)

، ويأتي بعد أيضًا

(2)

، وذكر ابن سيده: لحن الرجل لحنًا: تكلم بلغته، ولحن له (يلحن)

(3)

لحنًا: قال له قولًا يفهمه عنه ويخفى على غيره، وألحنه القول أفهمه إياه، فلحنه لحنًا: فهمه، ولحنه [غنى لحنًا]

(4)

عن كُراع كذلك، وهي قليلة، والأول أعرف، ورجل لَحِنٌ: عالم بعواقب الكلام ظريف، ولحن لحنًا: فطن لحجته وانتبه لها، ولاحن الناس: فاطنهم. ومنه قول عمر بن عبد العزيز: عجبتُ لمن لاحن الناس ولاحنوه، كيف لا يعرف جوامع الكلم، ورجل لاحن الناس ولاحنوه لا غير: إذا صرف كلامه عن جهته، ولا يقال: لَحَّان. وعرف ذلك في لَحْنِ كلامه، أي: فيما يميل إليه، وفي التنزيل {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}

(5)

[محمد: 30] وفي "جامع القزاز" عن الخليل إن ترك الصواب يجوز فيه التحريك

(6)

. وأنكره بعضهم، وقال غيره: بالسكون يكون: إزالة الشيء عن جهته وفي الخطأ، وأنشد:

منطق صائب وبلحن أحيا

نا وخير الحديث ما كان لحنًا

فهنا في اللحن التعميم وإزالته عن وجهه، ولذلك جعله خير الحديث؛ لأنه إنما يعلمه من يفطن له وليس كالذي يعلمه كل سامع.

(1)

سلف برقم (2458) باب: إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه.

(2)

سيأتي برقم (7181) باب: من قُضى له بحق أخيه.

(3)

من (ص 1).

(4)

ليست بالأصل، والمثبت من "المحكم" 3/ 258.

(5)

"المحكم" ج 3/ 258.

(6)

الذي في "العين" 3/ 230: اللحن: ترك الصواب في القراءة والنشيد وقال: لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْنا ولَحَنا.

ص: 510

ومعنى (صائب) في هذا، أي: من صاب يصوب. أي: هو غزير كثير متين. وقيل: إنما يريد هنا اللحن الذي هو إزالة الإعراب؛ لأن الجارية ليستملح منها ذلك.

وقال ثعلب: اللحن قبيح من كل أحد. قال معاوية: كيف ابن زياد فيكم؟ قالوا: ظريف على أنه يلحن، قال: فذلك أظرف له، ذهب معاوية إلى اللحن الذي هو الفطنة، وذهبوا هم إلى اللحن الذي هو الخطأ

(1)

. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا الفرائض [والسنن]

(2)

واللحن كما تعلمون القرآن. قيل: أراد اللغة، وقيل: أراد الخطأ؛ لأن من تعلم الخطأ فقد تعلم الصواب، والعرب تقول: هذا لحن بني فلان إنما تريد لغتهم، ومنه قول عمر رضي الله عنه في أبي بن كعب: وإنما أرغب عن كثير من لحنه

(3)

. يريد: لغته. قال الشاعر:

وما هاج هذا الشَّوْقَ إلاَّ حمامة

تَغَنَّتْ على خَضْراءَ سُمرٌ قُيودُها

صَدُوحُ الضُّحَي مَعْرُوفة اللَّحْنِ لم تَزَلْ .... تَقُودُ الهَوى مِنْ مُسْعدٍ ويَقوُدُها

والجمع: لحون، (وقوله: رددن لحونًا ذات ألوان، يريد: عندهم لغات)

(4)

.

(1)

رواه القالي في "أماليه" 1/ 5 عن شيخه أبي بكر عن إسماعيل بن إسحاق عن نصر بن علي عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: قال معاوية، فذكره.

(2)

ليست بالأصل والمثبت من "أمالي القالي".

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 241.

(4)

كذا بالأصل وليس لها في النص متعلق، والمصنف ينقل من "أمالي القالي" 1/ 6، وذكرها القالي عقب بيتين نصهما:

وهاتِفَيْن بِشَجْو بَعْدَما سَجَعتْ

وُرْقُ الحَمام بِتَرْجِيع وإرْنانِ

باتا على غُصْنِ بانٍ في ذُرى فَنَنٍ

يُرَدِّدَانِ لُحُونًا ذاتَ ألوَانِ

وقال: معناه: يرددان لغات.

ص: 511

وقيل: اللحن هنا (ضروب)

(1)

الأصوات الموضوعة، فلذلك يقولون: لحن في قراءته إذا قرأ بتطريب.

فصل:

فيه ما ترجم له أنه ينبغي للحاكم أن يعظ الخصمين ويحذر من المظالم ومطالبة الباطل؛ لأنه عليه السلام وعظ أمته بقوله هذا.

فصل:

وقوله: "إنما أنا بشر" على معنى الإقرار على نفسه بصفة البشرية من أنه لا يعلم (من)

(2)

الغيب إلا ما أعلمه الله منه.

وقوله: "إنكم تختصومون إليَّ" يريد -والله أعلم- وأنا لا أعرف (المحق)

(3)

منكم من المبطل حتى يتميز المحق منكم من المبطل؛ فلا يأخذ المبطل ما نعطيه.

وقوله: "فأقضي له بنحو ما أسمع" وفي رواية: "فأتي بذلك"

(4)

. وهذا يقتضي أن الحاكم مأمور بأن يقضي بما يقرُّ به الخصم عنده.

وقوله: "فمن قضيت له". هو خطاب للمقضي له؛ لأنه يعلم من نفسه هل هو محق أومبطل؟ فيبين له أنه لا يعتبر بالحكم؛ لأن الحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه.

فصل:

فيه: أن القاضي لا يقضي بعلمه. وفيه نظر، وذلك أنه إذا علم شيئًا

(1)

من (ص 1).

(2)

من (ص 1).

(3)

من (ص 1).

(4)

كذا بالأصل ولا وجه لها، ولعلها: فأقضي بذلك. والله أعلم.

ص: 512

لا يمكنه أن يقضي بخلافه، بل يرفع ما علمه إلى غيره، أو لا يحكم بظاهر قول الخصم إلا إذا لم يكن عنده علم بالمحق منهما، ومن قال: يقضي بعلمه، فإنه ينفذ ما علمه من غير التفات إلى قول الخصم.

ص: 513

‌21 - باب الشَّهَادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الحَاكِمِ فِي وِلَايَتِهِ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ لِلْخَصْمِ

وَقَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَسَأَلَهُ إِنْسَانٌ الشَّهَادَةَ فَقَالَ: ائْتِ الأَمِيرَ حَتَّى أَشْهَدَ لَكَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً عَلَى حَدٍّ -أَوْ سَرِقَةٍ- وَأَنْتَ أَمِيرٌ؟ فَقَالَ: شَهَادَتُكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللهِ. لَكَتَبْتُ آيَةَ الرَّجْمِ بِيَدِي.

وَأَقَرَّ مَاعِزٌ بن مالك عِنْدَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم أَرْبَعًا، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّه صلى الله عليه وسلم أَشْهَدَ مَنْ حَضَرَهُ. وَقَالَ حَمَّادٌ: إِذَا أَقَرَّ مَرَّةً عِنْدَ الحَاكِمِ رُجِمَ. وَقَالَ الحَكَمُ: أَرْبَعًا.

7170 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ -مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ- أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ» . فَقُمْتُ لأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي، فَجَلَسْتُ، ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلَاحُ هَذَا الْقَتِيلِ الذِي يَذْكُرُ عِنْدِي. قَالَ: فَأَرْضِهِ مِنْهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلاَّ، لَا يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَدَّاهُ إِلَيَّ، فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ. قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ، عَنِ اللَّيْثِ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَدَّاهُ إِلَيَّ. وَقَالَ أَهْلُ الحِجَازِ: الحَاكِمُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، شَهِدَ بِذَلِكَ فِي وِلَايَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا. وَلَوْ أَقَرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ لآخَرَ بِحَقٍّ فِي مَجْلِسِ القَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، حَتَّى يَدْعُوَ بِشَاهِدَيْنِ فَيُحْضِرَهُمَا إِقْرَارَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِرَاقِ مَا سَمِعَ أَوْ رَآهُ فِي مَجْلِسِ القَضَاءِ قَضَى بِهِ، وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقْضِ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ. وَقَالَ

ص: 514

آخَرُونَ مِنْهُمْ بَلْ يَقْضِى بِهِ لأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وَإِنَّمَا يُرَادُ مِنَ الشَّهَادَةِ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ، فَعِلْمُهُ أَكْثَرُ مِنَ الشَّهَادَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الأَمْوَالِ، وَلَا يَقْضِي فِي غَيْرِهَا. وَقَالَ القَاسِمُ: لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُمْضِيَ قَضَاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ عِلْمَهُ أَكْثَرُ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّ فِيهِ تَعَرُّضًا لِتُهَمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَإِيقَاعًا لَهُمْ فِي الظُّنُونِ وَقَدْ كَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظَّنَّ فَقَالَ:«إِنَّمَا هَذِهِ صَفِيَّةُ» [انظر: 2100 - مسلم: 1751 - فتح: 13/ 158].

7171 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَي، فَلَمَّا رَجَعَتِ انْطَلَقَ مَعَهَا، فَمَرَّ بِهِ رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَاهُمَا فَقَالَ:«إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ» . قَالَا: سُبْحَانَ اللهِ! قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» . رَوَاهُ شُعَيْبٌ وَابْنُ مُسَافِرٍ وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ -يَعْنِي ابْنَ حُسَيْنٍ- عَنْ صَفِيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2035 - مسلم: 2175 - فتح: 13/ 158].

ثم ساق حديث أبي محمد، واسمه نافع مولى أبي قتادة عن مولاه أبي قتادة رضي الله عنه في قصة الدرع الذي اشترى مخرفا، وفيه: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: كَلاَّ، لَا يُعْطِهِ (أُصَيْبغَ)

(1)

مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ: فَقَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأَدَّاهُ إِلَي. فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ وقَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بن صالح، عَنِ اللَّيْثِ: فَقَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم -فأَدَّاهُ إلي، وَقَالَ أَهْلُ الحِجَازِ: الحَاكِمُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، شَهِدَ بِذَلِكَ فِي وِلَايَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا. وَلَوْ أَقَرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ لآخَرَ بِحَقٍّ فِي مَجْلِسِ القَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ،

(1)

ورد بهامش الأصل: هنا في الأصل ما لفظه بعد أصيبغ: فاشتراه رسول الله، وفي نسخة: فعلم .. الحديث. وفي النسخة المنقول منها سقط بعض الحديث فكتبته أنا من الأصل، أي أصل البخاري.

ص: 515

حَتَّى يَدْعُوَ بِشَاهِدَيْنِ فَيُحْضِرَهُمَا إِقْرَارَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِرَاقِ: مَا سَمِعَ أَوْ رَآهُ فِي مَجْلِسِ القَضَاءِ قَضَى بِهِ، وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقْضِ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بَلْ يَقْضِي بِهِ لأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وَإِنَّمَا يُرَادُ مِنَ الشَّهَادَةِ مَعْرِفَةُ الحَقِّ، فَعِلْمُهُ أَكْثَرُ مِنَ الشَّهَادَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الأَمْوَالِ، وَلَا يَقْضِي فِي غَيْرِهَا. وَقَالَ القَاسِمُ: لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُمْضِيَ قَضاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ عِلْمَهُ أَكْثَرُ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ، ولكن فِيهِ تَعَرُّضًا لِتُهَمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ وَإِيقَاعًا لَهُمْ فِي الظُّنُونِ، وَقَدْ كَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظَّنَّ فَقَالَ:"إِنَّمَا هذِه صَفِيَّةُ".

ثم (ساق)

(1)

حديث صفية بعد من حديث الزهري عن علي بن حسين أنه صلى الله عليه وسلم، أتته صفية .. الحديث. ثم قال: رواه سعيد وابن مسافر وابن أبي عتيق وإسحاق بن يحيى، عن علي بن حسين، عن صفية، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الشرح:

معنى الترجمة: أن الشهادة التي تكون عند القاضي في ولايته القضاء أو قبل ذلك لا يجوز له أن يقضي بها وحده، وله أن يشهد بها عند غيره من الحكام، كما قال مالك، وكذلك قول شريح، وهو قول عمر وابن عوف أن شهادته كشهادة رجل من المسلمين، واستشهد على ذلك بقول عمر: إنه كان عنده شهادة في آية الرجم أنها من القرآن، فلم يجز له أن يلحقها بنص المصحف المقطوع بصحته لشهادته وحده، وقد أفصح عمر رضي الله عنه بالعلة في ذلك، فقال: لولا .. إلى آخره، وعرفك أن ذلك من باب قطع الذرائع؛ لئلا يجد حكام السوء السبيل إلى أن يدعوا العلم لمن أثبتوا له الحكم أنه على حق.

(1)

من (ص 1).

ص: 516

وأما ما ذكر من إقرار ماعز عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه عليه بالرجم دون أن يُشهد لمن حضره، وكذلك إعطاؤه عليه السلام (السلب)

(1)

لأبي قتادة بإقرار الرجل الذي كان عنده وحده مع ما انضاف إلى ذلك من علمه عليه السلام، ألا ترى قوله في الحديث: فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2)

يعني: علم أن أبا قتادة هو القاتل، فهو حجة في قضاء القاضي بعلمه، وهو خلاف ما ذكره البخاري في أول الباب عن شريح، ومن بعده. فأورد البخاري في الباب اختلاف أهل العلم، وحجة الفريقين من الحديث بإقرار ماعز.

وحديث أبي قتادة حجة لأهل العراق في القضاء بعلمه وشهادته.

وحديث صفية، وعمر رضي الله عنهما في آية الرجم حجة لأهل الحجاز أن (القاضي لا يقضي بعلمه)

(3)

خوف التهمة؛ لأنه عليه السلام كان أبعد الخلق منها، ولم يقنع بذلك حتى قال:"إنها صفية". فغيره ممن ليس بمعصوم أولى لخوف التهمة، وإنما فعل ذلك عليه السلام ليسن لأمته البعد عن مواضع التهم.

وقد سلف قريبًا اختلاف العلماء في ذلك.

والذي ذهب إليه أهل الحجاز هو قول ابن القاسم وأشهب ومحمد بن المواز إذ كان معنى ذلك إنما يقضي بعلمه بما يقع في مجلس حكمه، وأشهد عنده به، وبه وبقول أهل العراق قال مطرف وابن الماجشون وأصبغ، وأخذ به سحنون.

(1)

من (ص 1).

(2)

انظر التعليق الآتي المنقول عن الحافظ.

(3)

في الأصل بدلها (لا) ولا يستقيم بها السياق، والمثبت من "شرح ابن بطال" 8/ 245.

ص: 517

قال بعض الشيوخ: وبه جرى العمل وهو الاستحسان.

وقد رد بعض الشيوخ حجة أهل العراق بحديث ماعز وأبي قتادة، فقال: ليس فيهما أنه عليه السلام[قضى بعلمه؛ لأن ماعزًا إنما كان إقراره عند النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابة إذ معلوم أنه]

(1)

كان لا يقعد وحده.

وقصة ماعز مشهورة، رواها خلق عنه منهم أبو هريرة وابن عباس وجابر، فلم يحتج عليه السلام أن يشهدهم على إقراره؛ لسماعهم ذلك منه، وكذلك حديث أبي قتادة والصحيح فيه رواية عبد الله بن صالح عن الليث:(فقام عليه السلام فأداه إليّ).

وفي كتاب ابن بطال: فأداه إلى من له بينة، قال:(ورواه)

(2)

قتيبة عن الليث: (فعلم عليه السلام) وهم منه، ويشبه أن تتصحف (فعلم) بقوله (فقام)، فلم يقض فيه بعلمه

(3)

.

قلت: قتيبة لا يقاس بعبد الله بن صالح في حفظه مع أن رواية قتيبة لا أعرفها

(4)

.

(1)

ليست في الأصل، وأثبتناها من "شرح ابن بطال".

(2)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"(ورواية).

(3)

"شرح ابن بطال" 8/ 246.

(4)

قلت: قال الحافظ في "الفتح" 13/ 160: وقوله (فقام

) في رواية أبي ذر عن غير الكشميهني (فعلم) بفتح المهملة وكسر اللام بدل (فقام) وكذا لأكثر رواة الفربري، وكذا أخرجه أبو نعيم من رواية الحسن بن سفيان عن قتيبة، وهو المحفوظ في رواية قتيبة هذِه، ومن ثم عقبها البخاري بقوله: (وقال لي عبد الله عن الليث (فقام

) ووقع في رواية كريمة (فأمر) بفتح الهمزة والميم بعدها راء، وعبد الله المذكور هو ابن صالح أبو صالح وهو كاتب الليث، والبخاري يعتمده في الشواهد، ولو كانت رواية قتيبة بلفظ (فقام) لم يكن لذكر رواية عبد الله بن صالح معنى. اهـ

ص: 518

قال: ويدل على ذلك أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نادى يوم حنين: "من قتل قتيلًا له عليه بينة فسلبه له"، فشرط أخذ السلب لمن أقام البينة، وأول القصة لا يخالف آخرها، وشهادة الرجل الذي كان عنده سلب أبي قتادة شهادة قاطعة لأبي قتادة، لو لم تكن في مغنم، وكان من الحقوق التي ليس للشارع أن يعطي منها أحدًا إلا باستحقاق البينة، والمغانم مخالفة لذلك؛ لأنه عليه السلام له أن يعطي منها من شاء ويمنع من شاء؛ لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] فلا حجة لأهل العراق فيه

(1)

.

فصل:

قوله: فيما مضى (أصيبغ). يصفه بالضعف والعجز والهوان، شبهه بالأصيبغ وهو نوع من الطير ضعيف، وقيل: شبهه بالصبغاء وهو نبت معروف كالثمام، ويروى بالضاد المعجمة والعين المهملة تصغير ضبع على غير قياس تحقيرًا له

(2)

. وقد أسلفنا ذلك في موضعه أيضًا.

فصل:

قوله في حديث أبي قتادة: فاشتريت منه خرافًا. أي: (ذا خراف)، يقال: خرفت النخلة أخرفها خَرَافا وخِرافًا وخرافة، أي: أجتنيها، أو (مخرفًا) سماه بالمصدر الذي هو خراف، كما قال: ذا خصم وزور وعدل، والمخرف بكسر الميم ما يجنى به التمر، وبالفتح يقع على النخل والرطب

(3)

.

(1)

"شرح ابن بطال" 8/ 246.

(2)

انظر: "النهاية" 3/ 10 (صبغ).

(3)

انظر: "لسان العرب" 2/ 1139 (خرف).

ص: 519

ومعنى: (تأثلته): اعتقدته وجمعته وتأصلته، وأثلة الشيء أصله، يقال: مؤثل أي: مجموع ذو أصل

(1)

، ويقال: من ذا الذي يتحنث أصلنا، أي: يطعن في نسبنا.

فصل:

ابن مسافر السالف: اسمه عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي، مولى الليث بن سعد من فوق

(2)

. وابن أبي عتيق عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، انفرد بهما البخاري عن مسلم

(3)

.

فصل:

ترجمة البخاري فيه دليل على أن الحاكم إنما يشهد عند غيره بما تقدم عنده من شهادة في ولايته أو قبلها، وهو قول مالك وأكثر أصحابه

(4)

، وقول بعض أصحابنا: يحكم بعلمه فيما أقر به أحد الخصمين عنده في مجلسه

(5)

.

فصل:

قول عمر: (لولا أن يقول الناس: زاد عمر .. ) إلى آخره يريد -والله أعلم- ثبوت الحكم بدليل عنده، وإنه كان مما يتلى.

فصل:

في حديث أبي قتادة رضي الله عنه من الفوائد أن السلب لا يستحق بمجرد

(1)

انظر: "تهذيب اللغة"1/ 121 (أثل).

(2)

انظر ترجمته في "تاريخ البخاري الكبير" 5/ 277 (900)، و"الثقات" لابن حبان 7/ 83 و"تهذيب الكمال" 17/ 76 (3805).

(3)

انظر ترجمته في "الطبقات الكبرى" 5/ 195، و"تهذيب الكمال" 16/ 65 (3539).

(4)

انظر: "التلقين" ص 530.

(5)

انظر: "البيان" للعمراني 13/ 103 - 104.

ص: 520

الدعوى، والتثبت في الشهادة وترك العجلة في أدائها، والقضاء في السلب بواحد دون يمين، ويحتمل أن يكون بحضور الجيش وعدم المنازع فيه ولاعتراف من بيده السلب أنه القاتل، فقام ذلك مقام كمال الشهادة.

فصل:

قوله: "فله سلبه". عندنا أن القاتل يستحقه وإن لم يأذن الإمام في ذلك

(1)

، وعند المالكية أن النداء به قبل القتال مكروه، وبعده جائز لما يدخله من مشاركته

(2)

. وقال سحنون: إذا ندب به الوالي سرية أن لهم ثلث ما غنموه أخذوا ما جعل لهم ودخلوا مع الباقين في البقية

(3)

.

فصل:

السلب عندنا لا يخمس على المشهور

(4)

، وعند المالكية: أنه من الخمس، وأنه لا يكون للقاتل إلا بإذن الإمام

(5)

، وضابط السلب محل الخوض فيه الفروع، وقد أوضحناه فيها، وعند سحنون: لا شيء له في الطوق والسوارين والقرطين والتاج والصلب، وقال ابن حبيب: له سواراه، وعلى هذا يكون له التاج والقرطان

(6)

.

(1)

انظر: "البيان" للعمراني 12/ 160.

(2)

انظر: "النوادر والزيادات" 8/ 222 - 224.

(3)

السابق 8/ 231.

(4)

انظر: "البيان"للعمراني 12/ 164.

(5)

انظر: "النوادر والزيادات" 8/ 223.

(6)

السابق 8/ 227.

ص: 521

فصل:

ومعنى قوله: (يقاتل عن الله ورسوله) أي: يقصد كلمة الله هي العليا لا السلب.

فصل:

علي بن حسين بن علي بن أبي طالب: مات بالمدينة سنة أربع وتسعين، ودفن بالبقيع

(1)

.

فصل:

في حديث صفية: زيارة المرأة زوجها المعتكف، وجواز حديث المعتكف مع امرأته وخروجه معها ليشيعها، وجواز السلام على المعتكف، وإشفاقه عليه السلام على أمته. قال الخطابي: وقد بلغني عن الشافعي أنه قال في معنى هذا الحديث: أشفق عليهما من الكفر لو ظنا به ظن التهمة، فبادر إلى إعلامهما دفعًا لوسواس الشيطان

(2)

، وقال بعضهم: قولهما: سبحان الله يبعده.

(1)

سبق ترجمته.

(2)

"أعلام الحديث"2/ 989.

ص: 522

‌22 - باب أَمْرِ الوَالِي إِذَا وَجَّهَ أَمِيرَيْنِ إِلَى مَوْضِعٍ أَنْ يَتَطَاوَعَا وَلَا يَتَعَاصَيَا

7172 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا العَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبِي وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عَلَى اليَمَنِ فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا» . فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: إِنَّهُ يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا الْبِتْعُ. فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . وَقَالَ النَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَوَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2261 - مسلم: 1733 - فتح: 13/ 148].

ذكر فيه حديث سعيد بن أبي بردة قال: سَمِعْتُ أَبِي يقول: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبِي وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ فَقَالَ: "يَسَرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنًفِّرَا، وَتَطَاوَعَا" الحديث.

وَقَالَ النَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ وَيزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَوَكِيعٌ، [عَنْ شُعْبَةَ]

(1)

، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

فيه: الحض على الاتفاق، وترك الاختلاف؛ لما في ذلك من ثبات المحبة والألفة والتعاون على الحق، والتناصر على إنفاذه وإمضائه، وسلف معنى أمره بالتيسير، وترك التعسير في الأدب في باب قوله:"يسرا ولا تعسرا"

(2)

أي: خذا بما فيه اليسر، وأخذهما ذلك هو عين تركهما للعسر.

(1)

من (ص 1).

(2)

سلف برقم (6124).

ص: 523

وقوله: "وبشرا" أي: بما فيه تطييب النفوس، (ولا تنفرا) أي: بما لا يقصد إلى ما فيه الشدة، (وتطاوعا): أي: تحابا فإنه متى وقع الاختلاف وقع التباغض.

وفيه من الفوائد: تقديم أفاضل الصحابة على العمل، واختصاص العلماء منهم، وظاهر الحديث: اشتراكهما في عمل اليمن، والمذكور في غيره أنه قدم كل واحد منهما على مخلاف، والمخلاف: الكورة، واليمن مخلافان.

فصل:

(البتع) في الحديث: شراب يتخذ من العسل، وقوله عليه السلام:"كل مسكر حرام" فيه: رد على أبي حنيفة ومن وافقه، وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه السلام حرم الخمر بعينها، والمسكر من غيرها

(1)

، وهذا نص لا يحتمل التأويل، وهو نص في موضع الخلاف.

(1)

رواه النسائي 8/ 320، 321، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 96 (34057) والبزار في "مسنده" 11/ 100 (4817)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 214، والطبراني 10/ 338 (10839 - 10841) والدارقطني 4/ 256، والبيهقي 8/ 297 من طرق عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس قال: حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب.

ورواه أبو نعيم في "الحلية" 7/ 224 من طريق مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد به، ثم قال: رواه عن مسعر سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وسفيان وإبراهيم ابنا عيينة، ورفعه سفيان بن عيينة فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتفرد شعبة بلفظة عن مسعر فيه، فقال: والمسكر من كل شراب.

وانظر: "نصب الراية" 4/ 306 - 307، و"الدراية" 2/ 251.

ص: 524

فائدة:

أبو داود السالف هو: سليمان بن داود الطيالسي الحافظ، انفرد به مسلم، واستشهد به البخاري كما تراه وأخرج له أيضًا في كتاب "القراءة خلف الإمام" وغيره، وأخرج له الأربعة أيضًا، وهو صاحب "المسند"، مات سنة مات الشافعي سنة أربع ومائتين ابن إحدى وسبعين سنة

(1)

.

(1)

انظر ترجمته في "الطبقات الكبرى" 7/ 298، و"التاريخ الكبير" 4/ 10 (1788)، و"تهذيب الكمال" 11/ 401 (2507).

ص: 525

‌23 - باب إِجَابَةِ الحَاكِمِ الدَّعْوَةَ

وَقَدْ أَجَابَ عُثْمَانُ رضي الله عنه عَبْدًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.

7173 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فُكُّوا الْعَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ» . [انظر: 3046 - فتح 13/ 163]

ثم ساق حديث أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي- صلى الله عليه وسلم قال:"فُكُّوا العَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ".

هذا الحديث سلف في النكاح

(1)

، وادعى ابن بطال الاتفاق على وجوب إجابة دعوة الوليمة، واختلافهم في غيرها من الدعوات

(2)

. وقد رددنا عليه هناك، وقسم ابن التين إجابة الداعي إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يدعوه لطعام صنعه، والداعي ممن يجوز أكل طعامه كله، فله الإجابة.

ثانيها: أن يدعوه لوليمة نكاح أو ختان، والأمر كذلك فعليه الإجابة بشروط منها أن لا يكون هناك منكر بدليل فعل ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم في رجوعهما لما رأيا تصاوير

(3)

.

ثالثها: أن يكون على غير هذين الوجهين فهو مخير في الإجابة والترك، وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون قال: لا ينبغي للقاضي أن يجيب الدعوة إلا في الوليمة وحدها لما في ذلك من الحديث، ثم إن شاء أكل، وإن شاء ترك، والترك أحب إلينا من غير تحريم،

(1)

سلف برقم (5174) باب: حق إجابة الوليمة والدعوة.

(2)

"شرح ابن بطال" 7/ 287.

(3)

رواه البيهقي 7/ 268 عن عمر وابن مسعود.

ص: 526

ولا عيب عليه إن أكل إلا أن ذلك أنزه، وإنا لنحب لذوي المروءة والهدى أن لا يأتي الوليمة إلا أن يكون الأخ في الله أو الخالص من ذوي قرابته فلا بأس. بذلك قال أشهب. وكره مالك لأهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم

(1)

.

فصل:

وقد أسلفنا أن العاني: الأسير، وفداؤه واجب على المسلمين بما قدروا عليه من مال أو قتال؛ فإن لم يقدروا على فديتهم إلا بكل ما يملكون فذلك عليهم، ذكره ابن التين.

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 8/ 27 - 28.

ص: 527

‌24 - باب هَدَايَا العُمَّالِ

7174 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ -قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ المِنْبَرَ- فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ، فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي؟ فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَي لَهُ أَمْ لَا؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ» . ثُمَّ

رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَىْ إِبْطَيْهِ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» ثَلَاثًا. قَالَ سُفْيَانُ: قَصَّهُ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ. وَزَادَ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعَ أُذُنَايَ وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنِي، وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ سَمِعَهُ مَعِي. وَلَمْ يَقُلِ الزُّهْرِيُّ: سَمِعَ أُذُنِي. [انظر: 925 - مسلم: 1832 - فتح 13/ 164]

{خُوَارٌ} [الأعراف: 148] صَوْتٌ، وَالجُؤَارُ مِنْ {تَجْأَرُونَ} [النحل: 53] كَصَوْتِ البَقَرَةِ.

ذكر فيه حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه -قال: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ: ابن اللتبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ. الحديث. وفيه: "أَوْ شَاةً تَيْعَرُ". قَالَ سُفْيَانُ: قَصَّهُ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ. وَزَادَ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعَ أُذُني وَأَبْصرَتْهُ عَيْنِي، وَسَلُوا زيدَ بْنَ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ سَمِعَهُ مَعِي. وَلَمْ يَقُلِ الزُّهْرِيُّ: سَمِعَ أُذُنِي.

وهذا الحديث سلف في الزكاة

(1)

.

(1)

سلف برقم (1500) باب: قول الله تعالى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} .

ص: 528

قال ابن دريد: بنو لتب بطن من العرب منهم ابن اللتبية

(1)

رجل من الأزد، ويقال فيه الأسد -بالسين- واسمه دراء وزن فعال، وكان له معروف وإحسان إلى الناس، فيقول القائل: أزدى إليّ معروفًا، وأسدى، فلقب: الأزد والأسد على الإبدال

(2)

.

فصل:

قوله: (أو بقرة لها خوار) هو بالخاء المعجمة، وسلف عن البخاري ({خُوَارٌ} صوت، والجؤار كصوت البقرة)

(3)

وزعم الإسماعيلي أن الذي بالخاء المعجمة صوت البقر، وهو ما في التنزيل، وأما الذي بالجيم فصوت في خشوع وتضرع من الآدمي، قال تعالى:{فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53].

وقوله -قبله-: "إن كان بعيرًا له رغاء" هو، صوت البعير.

وقوله: "أو شاة تيعر"هو بكسر العين، كذا ضبطه الدمياطي وصحح عليه. وشاة لها تعار، ويقال: يُعار.

وقال القزاز: هو يَعار -بغير شك- واليعار ليس بشيء

(4)

، واليعار: صوت الشاة الشديد.

وهذا والله أعلم إذا لم يرد ذلك إلى أربابه على قصد التوبة، وذكره عليه السلام على المنبر؛ لينقل فيقع الامتناع منه.

(1)

"جمهرة اللغة" ص 256.

(2)

للحافظ في "الفتح" 13/ 164 - 165 كلامٌ على هذِه النسبةِ وضبطِ (اللتبية) جيدٌ استثقلنا نقله لطوله فراجعه.

(3)

بل هو في الباب كما ترى.

(4)

نقل الحافظ في "الفتح" 13/ 166 كلام القزاز هذا عن ابن التين، ثم قال: كذا فيه وكذا لم أره هنا في شيء من نسخ الصحيح.

ص: 529

فصل:

فيه: أن ما أهدي إلى العمال وخدمة السلطان بسبب سلطانهم أنه لبيت المال ألا ترى قوله عليه السلام: "هدايا العمال غلول" وروي: "هدايا العمال"

(1)

كما ترجم به البخاري إلا أن يكون الإمام يحيى قبول الهدية لنفسه فذلك تطييب له بما قال عليه السلام لمعاذ حين بعثه "قد علمت الذي دار عليك في مالك وإني قد طيبت لك الهدية" فقبلها معاذ وأتى بما أهدي إليه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فوجده قد توفي، فأخبر بذلك الصديق، فأجازه، ذكره ابن بطال

(2)

. وسلف في ترك الحيل، في باب احتيال العامل ليهدي إليه

(3)

تمام

(1)

كذا بالأصل، وهو تكرار، فلعل إحداهما خطأ ففي "شرح ابن بطال" 8/ 248:"هدايا الأمراء .. ".

والحديث روي باللفظين عن عدة من الصحابة أشهرها عن أبي حميد الساعدي مرفوعًا رواه أحمد 5/ 424، والبزار في "مسنده" 9/ 172 (3723) وأبو عوانة في "مستخرجه" 4/ 395 (7073)، والبيهقي 10/ 138 من طرق عن إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير، عنه. به قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 200: من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهي ضعيفة.

وقال الحافظ في "الفتح" 5/ 221: وفي إسناده إسماعيل بن عياش وروايته عن غير أهل المدينة ضعيفة وهذا منها.

قلت: وله شواهد كما ذكرنا أسانيدها معلولة.

قال ابن حجر في الموضع السابق: وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وجابر ثلاثتها في الطبراني "الأوسط" بأسانيد ضعيفة. اهـ.

بل إنه قال عن حديث أبي حميد الذي ضعفه لأنه من رواية إسماعيل بن عياش: قيل: إنه -أي إسماعيل بن عياش- رواه بالمعنى من قصة ابن اللتبية المذكورة في الباب.

(2)

"شرح ابن بطال" 8/ 248.

(3)

سلف برقم (6979).

ص: 530

القول في ذلك، وعندنا أن هدية القاضي سحت لا تملك

(1)

، وعبارة ابن التين: هدايا العمال رشوة وليست بهدية إذ لولا العمل لم يهد له، كما نبه الشارع عليه.

(1)

انظر: "كفاية الأخيار" ص 777.

ص: 531

‌25 - باب اسْتِقْضَاءِ المَوَالِي وَاسْتِعْمَالِهِمْ

7175 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ -مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ- يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو سَلَمَةَ وَزَيْدٌ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ. [انظر: 692 - فتح 13/ 167]

وأصل هذا الباب في كتاب الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [لحجرات: 13]، فالتقي وإن كان بحضرته أتقى منه لا يرفع عنه اسم التقى والكرامة، وقد قدم الشارع في العمل والصلاة والسعاية المفضول مع وجود الفاضل؛ توسعة منه على الناس ورفقًا بهم.

واختلف العلماء فيمن هو أولى بالإمامة.

فقال مالك والشافعي: الأفقه ثم الأقرأ

(1)

، وقال أبو حنيفة وغيره: الأقرأ

(2)

وسبب اختلافهم مفهوم قوله عليه السلام: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"

(3)

فحمله بعضهم على ظاهره، ومنهم من حمل الأقرأ على الأفقه؛ لأن الحاجة إليه أمس، ومن رضي للدين رضي للدنيا واستحق القضاء.

(1)

انظر: "عيون المجالس" 1/ 378 (199)، "المجموع" 4/ 177.

(2)

ذكر في "عيون المجالس" 1/ 378 (199) قول أبي حنيفة أن الأولى بالإمامة الأقرأ. اهـ.

تنبيه: مذهب الحنفية أن الأعلم بالسنة أولى الإمامة من الأقرأ وعن أبي يوسف: أقرؤهم. انظر: "الكتاب" للقدوري مع شرحه "اللباب" 1/ 79، "الهداية" 1/ 55، "بدائع الصنائع" 1/ 157، "تبيين الحقائق" 1/ 132، "الاختيار" 1/ 80.

(3)

رواه مسلم (673، 290) كتاب: المساجد، باب: من أحق بالإمامة من حديث أبي مسعود الأنصاري.

ص: 532

‌26 - باب العُرَفَاءِ لِلنَّاسِ

7176، 7177 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ أَذِنَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي عِتْقِ سَبْىِ هَوَازِنَ:«إِنِّي لَا أَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» . فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. [انظر: 2307، 2308 - فتح 13/ 168]

ذكر فيه حديث موسى بن عقبة: قَالَ ابن شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ أَذِنَ لَهُمُ المُسْلِمُونَ فِي عِتْقِ سَبْي هَوَازِنَ:"إِنِّي لَا أَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعً إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ". فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا.

هذا الحديث سلف في الهبة

(1)

.

واتخاذ الإمام العرفاء والنظار سنة؛ لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر بنفسه جميع الأمور، ولابد من قوم يختارهم؛ لعونه وكفايته بعض ذلك، ولهذا المعنى جعل الله عباده شعوبًا وقبائل، فأراد تعالى أن لا يكون الناس خلطًا واحدًا، فيضعف نفاذ أمر السلطان ونهيه؛ لأن الأمر والنهي إذا توجه إلى الجماعة وقع الاتكال من بعضهم على بعض، فوقع التضييع، وإذا توجه إلى عريف لم يسعه إلا القيام بمن معه.

(1)

سلف معلقًا في باب الهبة المقبوضة وغير المقبوضة قبل حديث (2603).

ص: 533

‌27 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الثَنَاءِ عَلَى السُّلْطَانِ، وَإِذَا خَرَجَ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ

7178 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أُنَاسٌ لاِبْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ لَهُمْ خِلَافَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا. [فتح: 13/ 170]

7179 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنْ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ، الذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» . [انظر: 3494 - مسلم: 2526 - فتح 13/ 170]

ذكر فيه حديث عَاصِم بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بن الخطاب، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أنَاسٌ لاِبْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ لَهُمْ خِلَافَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ. قَالَ: كُنَّا نَعُد هذا نِفَاقًا.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: سَمِعت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنْ من شَرِّ الناس ذو الوَجْهَيْنِ، الذِي يَأْتِي هؤلاء بِوَجْهٍ وهؤلاء بِوَجْهٍ".

الشرح:

لا ينبغي لمؤمن أن يثني على سلطان أو غيره في وجهه وهو عنده مستحق للذم، ولا يقول بحضرته خلاف ما يقوله إذا خرج من عنده؛ لأن ذلك نفاق، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما، وقال فيه عليه السلام:"شر الناس ذو الوجهين". لأنه يظهر لأهل الباطل الرضا عنهم، ويظهر لأهل الحق مثل ذلك؛ ليرضي كل فريق منهم، (ويريد)

(1)

أنه منهم،

(1)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"(ويريه) وهو أنسب.

ص: 534

وهذِه (المذاهب)

(1)

المحرمة على المؤمنين.

فإن قلت: إن حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة يعارضان قوله عليه السلام للذي يستأذن عليه: "بئس ابن العشيرة" ثم يلقاه بوجه طلق وترحيب

(2)

.

قلت

(3)

: لا تعارض؛ لأنه عليه السلام لم يقل خلاف ما قاله عنه بل أبقاه على التجريح عند السامع، ثم تفضل عليه بحسن اللقاء والترحيب لما كان يلزمه عليه السلام من الاستئلاف، وكان يلزمه التعريف لخاصته بأهل التخليط والتهمة بالنفاق، وقد قيل: إن تلقيه له بالبشر إنما كان لاتقاء شره، وليكف بذلك أذاه عن المسلمين، فإنما قصد بالوجهين جميعًا إلى نفع المسلمين بأن (عرفه)

(4)

بسوء حاله، وبأن كفاهم ببشره له أذاه وشره، وذو الوجهين بخلاف هذا؛ لأنه (لا)

(5)

يقول الشيء بالحضرة، وقد قال ضده في غير الحضرة، وهذا تناقض. فالذي فعله عليه السلام محكم مبين لا تناقض فيه؛ لأنه لم يقل لابن العشيرة عند لقائه إنه فاضل ولا صالح؛ بخلاف ما قال فيه في غير وجهه، ومن هذا الحديث استجاز الفقهاء التجريح والإعلام بما يظن [من]

(6)

سوء حال الرجل إذا خشى منه على المسلمين

(7)

.

(1)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"(المداهنة) وهو أنسب.

(2)

سلف من رواية عائشة برقم (6131) كتاب: الأدب، باب: المداراة مع الناس.

(3)

هو قول المهلب وهو المفترض للسؤال السابق كما في "شرح ابن بطال" 8/ 250 ونسبه المصنف لنفسه.

(4)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"(عرفهم) وهو أنسب.

(5)

كذا بالأصل وحذفها أنسب للسياق.

(6)

ليست بالأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال".

(7)

انتهى من "شرح ابن بطال" 8/ 250 - 251.

ص: 535

وقد سلف التقصي في كتاب الأدب في باب المداراة مع الناس الكلام

(1)

في معنى قوله عليه السلام: "بئس ابن العشيرة". وهذِه صفة المنافق الذي يبدي للناس شيئًا ويكتم غيره.

(1)

سلف برقم (6131).

ص: 536

‌28 - باب الْقَضَاءِ عَلَى الغَائِبِ

7180 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ. قَالَ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . [انظر: 2211 - مسلم: 1714 - فتح 13/ 171]

ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها: أَنَ هِنْدًا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شحِيحٌ، فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ. قَالَ:"خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَيكفي وَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ".

هذا الحديث سلف غير مرة بخلاف العلماء فيه، والحاصل أن جماعة أجازوه، أعني: القضاء على الغائب، منهم سوار القاضي ومالك والليث والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد

(1)

.

قال الشافعي: يقضي به في كل شيء

(2)

، وروى ابن القاسم عن مالك أنه في الدين دون الأرض والعقار، وفي كل شيء كانت له فيه حجج إلا أن يكون غيبة المدعي عليه طويلة. قال أصبغ مثل (العَدْوى)

(3)

من أندلس، ومكة من إفريقية وشبه ذلك، وأرى أن يحكم عليه إذا كانت غيبة انقطاع.

قال مالك: وكذلك إذا غاب بعد ما توجه القضاء قضى عليه. قال ابن حبيب: عرضت قول ابن القاسم عن مالك على ابن الماجشون،

(1)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 386 - 387، "عيون المجالس" 4/ 1532،

"العزيز" للرافعي 12/ 511، "المغني" 12/ 93.

(2)

انظر: "العزيز" 12/ 511.

(3)

كذا في الأصل وفي "النوادر والزيادات" 8/ 201 العدوة.

ص: 537

فأنكر أن يكون مالكًا قاله، وقال: أما علماؤنا وحكامنا بالمدينة فالعمل عندهم على الحكم على الغائب في جميع الأشياء.

وقالت طائفة: لا يقضى على الغائب

(1)

.

وروي ذلك عن شريح والنخعي والقاسم وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى

(2)

.

وقال أبو حنيفة: لا يقضى على الغائب ولا من هرب عن الحكم بعد إقامة البينة، ولا على من استتر في البلد، ولكنه يأتي من عند القاضي من ينادي ببابه ثلاثة أيام فإن لم يحضر أنفذ عليه القضاء

(3)

.

واحتج الكوفيون بالإجماع: أنه لو كان حاضرًا لم يسمع بينة المدعي حتى يسأل المدعى عليه، فإذا غاب فأحرى أن لا يسمع

(4)

. قالوا: ولو جاز الحكم مع غيبته لم يكن الحضور عند الحاكم مستحقًّا عليه، وقد ثبت أن الحضور مستحق عليه؛ لقوله تعالى:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)} [النور: 48] فذمهم على الإعراض عن الحكم، وترك الحضور، فلولا أن ذلك واجب عليهم لم يلحقهم الذم، قالوا: وروي عن علي رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له: "لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر"

(5)

.

(1)

انظر في "النوادر والزيادات" 8/ 198 - 204. قول مالك وأصحابه.

(2)

رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 304 - 305 (15306 - 15308) عن شريح وعمر بن عبد العزيز والثوري، وانظر:"شرح ابن بطال" 8/ 251.

(3)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 386، "المبسوط" 17/ 39.

(4)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 387.

(5)

رواه أبوداود (3582)، والترمذي (1331)، وأحمد 1/ 90 وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

ص: 538

وقد أمر عليه السلام بالمساواة بين الخصمين في المجلس واللحظ واللفظ، والحكم على الغائب يمنع من هذا كله.

واحتج المجيزون بحديث الباب؛ فإنه عليه السلام قضى لها على زوجها بالأخذ من ماله وهو غائب، فإن قيل: حكم من غير أن قامت البينة بالزوجية، وثبوت الحكم عليه.

قيل: ليس يكون الحكم إلا بعد إقامة البينة، وهذا معلوم ولم يحتج إلى نقله. وقال الطبري: لم يسألها الشارع لعلمه بصحة دعواها

(1)

.

وقال ابن المنذر: إنما حكم عليه وهو غائب؛ لما علم ما يجب لها عليه، فحكم بذلك عليه ولم ينتظر حضوره، ولعله لو حضر أدلى (بحجته)

(2)

فلم يؤخر الحكم وأمضاه عليه وهوغائب، وقد تناقض الكوفيون في ذلك فقالوا: لو ادعى رجل عند حاكم أنه له على غائب حقًا، وجاء برجل فقال: إنه كفيله، واعترف الرجل أنه كفيله إلا أنه قال: لا شيء له عليه. قال أبو حنيفة: يحكم على الغائب، ويأخذ الحق من الكفيل، وكذلك إذا قامت امرأة الغائب وطلبت النفقة من مال زوجها، فإنه يحكم لها عليه عندهم.

قال ابن المنذر: ومن تناقضهم أنهم يقضون للمرأة والوالدين والولد [على]

(3)

الذي عنده المال الغائب إذا أقر به، ولا يقضون للأخ (والأجير)

(4)

ولا لذي رحم محرم، ووجوب نفقات هؤلاء عندهم كوجوب نفقة الآباء والأبناء والزوجة، ولو ادعى على جماعة غيب

(1)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 252.

(2)

كذا بالأصل وفي "شرح ابن بطال": بحجة. وهي أنسب.

(3)

ليست في الأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال".

(4)

كذا بالأصل وفي "شرح ابن بطال" الأخت.

ص: 539

عندهم دعوى مثل أن يقول: قتلوا عبدي، وحضر منهم واحد حكم عليه وعلى الغيب، فقد أجازوا الحكم على الغائب

(1)

.

فصل:

فيه أيضًا من الفوائد: خروج المرأة في حوائجها، وأن صوتها ليس بعورة، وجواز ذكر الرجل بما فيه عند الحاجة، وأن القاضي يقضي بعلمه إذ لم يطلب منه البينة، ووجوب نفقة الزوجة والولد وأنها على قدر الكفاية، وأنها بالمعروف، ومسألة الظَفَر وغير ذلك.

(1)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 252 - 253.

ص: 540

‌29 - باب مَنْ قُضِيَ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّ قَضَاءَ الحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالاً

7181 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً، بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا» . [انظر: 2458 - مسلم: 1713 - فتح 13/ 172].

7182 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ. فَلَمَّا كَانَ عَامُ الفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَتَسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ أَخِي، كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ» . ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ «احْتَجِبِي مِنْهُ» . لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللهَ تَعَالَى. [انظر: 2053 - مسلم: 1457 - فتح 13/ 172]

ذكر فيه حديث أم سلمة رضي الله عنها السالف قريبًا

(1)

.

(1)

سلف برقم (7169) باب: موعظة الإمام للخصوم.

ص: 541

(وقول ابن عينية عن ابن شبرمة: القضاء فيهما سواء. ذكره سفيان في "جامعه" كذلك)

(1)

.

وحديث عائشة رضي الله عنها في قصة عتبة، وقد سلف أيضًا

(2)

. وقد أجمع الفقهاء على أن حكم الحاكم لا يخرج الأمر عما هو عليه في الباطن، وإنما ينفذ حكمه في الظاهر الذي (يغتر)

(3)

به، ولا يحل للمقضي له مال المقضي عليه إذا ادعى عليه ما ليس عنده، ووقع الحكم بشاهدي زور، فالعلماء مجمعون أن ذلك في الفروج والأموال سواء

(4)

؛ لأنها كلها حقوق لقول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] الآية، وهو قول أبي يوسف

(5)

، قال ابن بطال: وشذ أبو حنيفة ومحمد فقالا: ما كان من تمليك مال فهو على حكم (الباطل)

(6)

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار". وما كان من حل عصمة النكاح أو عقدها غير داخل في النهي، ولو تعمد شاهدا زور الشهادة على امرأة أنها قد رضيت بنكاح رجل، وقضى الحاكم عليها بذلك لزمها النكاح، ولم يكن لها الامتناع ولو تعمد رجلان الشهادة بالزور على رجل أنه طلق امرأته، فقبل القاضي شهادتهما، لعدالتهما

(1)

كذا هذِه العبارة هنا بالأصل وهي مقحمة ليس مكانها هنا وإنما تأتي بعد بابين في باب: القضاء في كثير المال وقليله. وذكرها المصنف هناك أيضًا.

(2)

سلف برقم (2053) كتاب البيوع، باب: تفسير المشبهات.

(3)

كذا بالأصل وفي "الإقناع" للفاسي: يعتد.

(4)

انظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" 3/ 1530 - 1532.

(5)

انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 155.

(6)

كذا في الأصل وفي "شرح ابن بطال"(الباطن) ولعله أنسب للمقصود غير أن في حاشية "ابن بطال" أشار محققه أنه في نسخة (الباطل) كما هنا. فالله أعلم.

ص: 542

عنده، وفرق بينهما ثم اعتدت جاز لأحد الشاهدين أن يتزوجها وهو [عالم]

(1)

أنه كان كاذبًا في شهادته؛ لأنها لما حلت للأزواج في الظاهر كان الشاهد وغيره سواء؛ لأن قضاء القاضي قطع عصمتها وأحدث في ذلك التحليل والتحريم في الظاهر والباطن جميعًا، ولولا ذلك ما حلت للأزواج.

واحتجا بحكم اللعان، وقالا: معلوم أن الزوجة إنما وصلت إلى فراق زوجها باللعان الكاذب الذي لو علم الحاكم كذبها لحدها وما فرق بينهما، فلم يدخل هذا في عموم قوله:"فمن قضيت .. " إلى آخره، واحتج أصحاب مالك والشافعي وغيرهم بحديث أم سلمة وحديث عائشة رضي الله عنهما، وقالوا: قوله: "فمن قضيت .. " إلى آخره، فيه بيان واضح أن حكمه بما ليس للمحكوم له لا يُجوّز له أخذه وأنه حرام عليه باطنًا، وهو يشتمل على كل حق، فمن فرق بين بعض الحقوق فعليه الدليل، ومثل هذا حكمه في ابن وليدة زمعة ابنًا لزمعة من أجل القرائن الظاهرة، ولم يلحقه بعتبة، ثم لما رأى شبهًا بينًا بعتبة قال لسودة زوجته:"احتجبي منه" لجواز أن يكون من زنا.

فلو كان حكمه يقع ظاهرًا أوباطنًا لم يأمرها (بالاحتجاب)

(2)

منه مع حكمه بأنه أخوها.

ومن طريق الاعتبار أنا قد اتفقنا على أنه لو ادعى إنسان على حرة أنها أمته وأقام شاهدي زور لم تكن أمته باطنًا من أجل حكم الحاكم، فكذلك في الفروج، وكذلك لو ادعى على ابنته أو أخته أنها زوجته فأقام

(1)

ليست بالأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال".

(2)

في الأصل (به) والمثبت من "شرح ابن بطال".

ص: 543

شاهدي زور وحكم الحاكم بالزوجية، فإن أبا حنيفة يقول: لا تكون زوجته، ثم فرق بين المحرمة بالنسب وبين زوجة غيره ولا فرق بينهما؛ لأنه لما كان حكم الحاكم لا يبيح المحرمة بالنسب، فكذلك لا يبيح المحرمة بنكاح غيره

(1)

.

فصل:

حديث أم سلمة رضي الله عنها سلف أيضًا بسطه وفوائده.

وحديث عائشة رضي الله عنها فيه إلحاق الولد بالفراش، وقبوله وصية الكافر إذا لم يكن ضرر على أهل الإسلام، وثبوت فراش أهل الكفر وأن الأخ لا يستلحق، والإشارة إلى القول بالقافة؛ لأمره لسودة بالاحتجاب منه لما رأى من شبهه بعتبة.

وقوله فيه: (فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم). أي: للحكم بينهما، والمساوقة لغة: مجيء واحد بعد آخر، والمراد هنا المسارعة.

وقوله: "هو لك". أي: أنه ابن أمته.

والعاهر: الزاني، وقيل: أراد الحجر الذي يرمي به المحصن. والظاهر أنه أراد معنى الذم كما يقال: بفيه الحجر.

وقوله: (فما رآها حتى لقي الله) فيه امتثال منها لأمره عليه السلام.

(1)

انتهى من "شرح ابن بطال" 8/ 254 - 255.

ص: 544

‌30 - باب الحُكْمِ فِي البِئْرِ وَنَحْوِهَا

7183 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ مَالاً وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ إِلاَّ لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ} [آل عمران: 177] الآيَةَ [انظر: 2356 - مسلم: 138 - فتح 13/ 177]

7184 -

فَجَاءَ الأَشْعَثُ وَعَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُهُمْ فَقَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ وَفِي رَجُلٍ خَاصَمْتُهُ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» . قُلْتُ: لَا. قَالَ: «فَلْيَحْلِفْ» . قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ. فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ} [آل عمران: 77] الآيَةَ. [انظر: 2357 - مسلم: 138 - فتح 13/ 178]

ذكر فيه حديث أبي وائل قال: قَالَ عَبْدُ اللهِ رضي الله عنه: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ". الحديث سلف في الشرب

(1)

.

وهو حديث حجة في أن حكم الحاكم [في الظاهر]

(2)

لا يحل الحرام ولا يبيح المحظور، ألا ترى أنه عليه السلام حذر أمته [عقوبة]

(3)

مَنْ اقتطع حق أخيه بيمين فاجرة وأن جزاءه غضب الله عليه، وقد توعد الله على ذلك بضروب من العقوبة، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77]، وهذا من أشد وعيد جاء في القرآن، فدل ذلك على أن من تحيل على أخيه وتوصل إلى شيء من حقه بباطل فإنه لا يحل له لشدة الإثم فيه، والغضب من الله بعد البعد من

(1)

سلف برقم (2356، 2357) باب: الخصومة في البئر والقضاء فيها.

(2)

ليست في الأصل، وأثبتناها من "شرح ابن بطال".

(3)

ليست في الأصل، وأثبتناها من "شرح ابن بطال".

ص: 545

رحمته، وفي"الموطأ":"فليتبوأ مقعده من النار"

(1)

وطريقه طريق الوعيد، والمراد إذا أنفذه الله عليه.

(1)

الذي وجدته في"الموطأ" ص 453 من رواية جابر بن عبد الله الأنصاري، ولفظه:"من حلف على منبري آثما تبوأ مقعده من النار".

ص: 546

‌31 - باب القَضَاءِ فِي كَثِيرِ المَالِ وَقَلِيلِهِ

(1)

وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ: الْقَضَاءُ فِي قَلِيلِ المَالِ وَكَثِيرِهِ سَوَاءٌ.

7185 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَلَبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بَابِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضًا أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ أَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ وَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَدَعْهَا» . [انظر: 2458 - مسلم: 1713 - فتح 13/ 178]

وهذا ذكره سفيان

(2)

في "جامعه" سواء.

ثم ساق حديث أم سلمة رضي الله عنها السالف أيضًا

(3)

.

والقضاء في قليل المال وكثيره واجب؛ لعموم قوله: "فمن قضيت له بحق مسلم"، والحق وقع على كل شيء من القليل والكثير.

واختلف العلماء في كم تجب اليمين في مقاطع الحقوق؟ وقد سلف ذلك في الشهادات والأيمان في باب: يحلف المدعي عليه حيث ما وجبت عليه اليمين

(4)

.

(1)

كذا في الأصل، وزاد في "ابن بطال": سواء، وفي "اليونينية": القضاء في كثير المال وقليله. وبهامشها إشارة إلى روايات كما هنا.

(2)

أي: ابن عيينة. قال الحافظ في "الفتح" 13/ 179: لم يقع لي هذا الأثر موصولاً.

(3)

سلف برقم (2458) كتاب: المظالم، باب: إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه.

(4)

حديث رقم (2673).

ص: 547

‌32 - باب بَيْعِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَضِيَاعَهُمْ

وَقَدْ بَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُدَبَّرًا مِنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ (مُدَبَّرًا)

(1)

7186 -

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْر، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلَامًا عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، فَبَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إِلَيْهِ. [انظر: 2141 - مسلم: 997 - فتح 13/ 179]

ثم ساق البخاري حديث جابر رضي الله عنه فيه، وقد سلف في البيع وغيره

(2)

. ونبهنا قريبًا أن صوابه نعيم النحام.

قال المهلب: وإنما يبيع الإمام على الناس أموالهم إذا رأى (منها)

(3)

سفهًا في أحوالهم، فأما من ليس بسفيه فلا يباع عليه شيء من ماله إلا في حق يكون عليه، وهذا البيع الذي وقع في المدبر إنما نقضه عليه السلام؛ لأنه لم يكن له مال غيره، فخشي عليه الموت بالحجاز دون قوت؛ لقوله تعالى:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أنفق جميع ذات يده في المدبر وأنه تعرض للتهلكة نقض عليه فعله كما قال الله عز وجل ونهى

(1)

ورد بهامش الأصل: قوله (مدبرًا) لم أعرفه، وقد راجعت بعض أصولي الشامية، فلم أره فيها، والله أعلم. [قلت: جرى عليها ابن بطال في "شرحه" ونقلها المصنف كما ترى وكذلك أثبتها الحافظ في "الفتح" 8/ 179، وأثبتت في هامش "اليونينية" وعليها رمز أبي ذر عن الكشمهيهني].

(2)

سلف برقم (2141) كتاب: البيوع، باب: بيع المزايدة.

(3)

كذا بالأصل وفي "شرح ابن بطال": منهم وهو أنسب.

ص: 548

عنه، ولم ينقص على الذي قال له: قل: "لا خلابة"؛ لأنه لم يفوت على نفسه جميع ماله

(1)

.

فصل:

بيع المدبر عندنا جائز

(2)

خلافًا لمالك

(3)

، قال ابن التين: بيعه له عليه السلام إذا لم يكن لسيده مال ودفع الثمن إليه لما يؤدي إليه -والله أعلم- بتبعيض العتق.

قال مالك: الأمر المجمع عندنا في المدبر أن صاحبه لا يبيعه

(4)

، فلو باعه نُقِضَ عالمًا كان أو جاهلاً. قاله مالك.

واختلف مذهبهم فيما إذا أعتقه المشتري قبل الفسخ فقال مالك: العتق نافذ، وقال مرة: ينقض عتقه

(5)

.

واختلف إذا لم يرد عتقه، فماذا يصنع بالثمن؟ فقال مالك وابن القاسم: هو تابع للبائع. وخالفهما ابن كنانة [قال: يؤمر أن يمخي من ثمنه،

(6)

يريد ويتصدق به، ولو كانت أمة فحملت من المشتري كان قويًا قطعًا

(7)

.

وقد يحتمل بيعه عليه السلام له لدين كان عليه قبل التدبير.

(1)

"شرح ابن بطال" 8/ 257.

(2)

انظر: "روضة الطالبين" ص 194.

(3)

انظر: "المدونة" 3/ 37، و"المعونة" 2/ 395.

(4)

انظر: "الموطأ" ص 509.

(5)

انظر: "المنتقي" 7/ 45.

(6)

ليست في الأصل وأثبتناها من "البيان والتحصيل" ليستقيم السياق.

(7)

انظر: "البيان والتحصيل" 15/ 194، "المنتقى" 7/ 46.

ص: 549

‌33 - باب الأَلَدِّ الخَصِمِ

(1)

وَهْوَالدَّائِمُ فِي الخُصُومَةِ {وَلَدًا} [مريم: 97]: عُوجًا.

7188 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ» . [انظر: 2457 - مسلم: 2668 - فتح 13/ 180]

ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها: قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَي اللهِ الأَلدُّ الخَصِمُ ".

وقد سلف في المظالم والغصب

(2)

.

قال المهلب: لما كان اللدد حاملًا على المطل بالحقوق والتعريج بها عن وجوهها واللي بها عن مستحقها وظلم أهلها استحق فاعل ذلك بغضة الله تعالي وأليم عقابه

(3)

.

(1)

كذا قدم المصنف هذا الباب ومكانه بعد التالي.

(2)

سلف برقم (2457) كتاب: المظالم، باب: قوله تعالى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}

(3)

"شرح ابن بطال" 8/ 259.

ص: 550

‌34 - باب مَنْ لَمْ يَكْتَرِثْ بِطَعْنِ مَنْ لَا يَعْلَمُ فِي الأُمَرَاءِ [حَدِيثًا]

7187 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطُعِنَ فِي إِمَارَتِهِ، وَقَالَ:«إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ» . [انظر:3730 - مسلم: 2426 - فتح 13/ 179]

ذكر فيه حديث: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ .. الحديث سلف

(1)

.

ومعنى الترجمة:

أن الطاعن إذا لم يعلم حال المطعون عليه وكذب في طعنه لا ينبغي أن يكترث له كثير اكتراث، ألا ترى أنه عليه السلام قد خلي هذا الطعن حين أقسم أنه كان خليقًا للإمارة.

وفيه: أنه يتأسى المرءُ بما قيل في المرء من الكذب إذا قيل مثل ذلك فيمن كان قبله من الفضلاء.

وفيه: التبكيت للطاعنين؛ لأنهم لما طعنوا في إمارة أبيه، ثم ظهر من غناه وفضله ما ظهر كان ذلك ردًّا لقولهم.

فإن قلت: فقد طعن علي أسامة وأبيه ما ليس فيهما، ولم يعزل

(1)

سلف برقم (3730) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 551

الشارع واحدًا منهما بل بين فضلهما، ولم (يتهمهما)

(1)

، ولم يعتبر عمر رضي الله عنه بهذا القول في سعد وعزله حين قذفه أهل الكوفة بما هو بريء منه

(2)

.

فالجواب: أن عمر- رضي الله عنه لم يعلم من مغيب أمر سعد ما علمه الشارع من مغيب أمر زيد وأسامة، وإنما قال عمر لسعد حين ذكر أن صلاته تشبه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك الظن بك. ولم يقطع على ذلك كما قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر زيد أنه خليق للإمارة، وقال في أسامة:"إنه لمن أحب الناس" ولا يجوز أن يحب الشارع إلا من أحبه الله ومن لا يسوغ فيه العيب والنقص.

ويحتمل أن يكون الطاعنون في أسامة وأبيه من استصغر سنه على من قدم عليه من مشيخة الصحابة، وذلك جهل ممن ظنه، ويحتمل أن يكون الطعن من المنافقين الذين كانوا يطعنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبحون آثاره وآراءه، وقد وصف الله أنه من اتهم الرسول في قضاياه أنه غير مؤمن؛ بقوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65] الآية

(3)

.

(1)

في الأصل: (ينههما) والمثبت من"شرح بن بطال" وهو أنسب على أن محققه إشار إلى أنه في نسخة كما في الأصل عندنا.

(2)

سلفت قصتهما في حديث رقم (755) كتاب: الأذان. باب: وجوب القراءة للإمام المأموم.

(3)

انظر: "شرح ابن بطال" وكل شرح الباب هو كلام المهلب.

ص: 552

‌35 - باب إِذَا قَضَى الحَاكِمُ بِجَوْرٍ أَوْ خِلَافِ أَهْلِ العِلْمِ فَهْوَ رَدٌّ

7189 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدًا ح وَحَدَّثَنِي نُعَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَقَالُوا: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٌ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَأَمَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ وَاللهِ لَا أَقْتُلُ أَسِيرِى، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ. فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ» . مَرَّتَيْن. [انظر: 4339 - فتح 13/ 181]

ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: بَعَثَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إلى بَنِي جَذِيمَةَ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا .. الحديث. سلف في المغازي

(1)

.

وجذيمة: ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة، أهل الغميضاء بين مكة واليمن.

قال الداودي: لم ير عليه السلام على خالد قودًا؛ لأنه متأول ولم يذكر فيه دية ولا كفارة، فإما أن يكون ذلك قبل نزول الآية، أو سقط ذلك عن المحدث، أو سكت عنه لعلم السامع به.

وقال الخطابي: إنما نقم عليه السلام على خالد؛ لاستعجاله في شأنهم، وترك التثبت في أمرهم إلى أن يتبين ما أرادوا بقولهم: صبأنا؛ لأن

(1)

سلفت قصتهما في حديث رقم (4339). باب: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بن جذيمة.

ص: 553

الصبأ خروج من دين إلى دين

(1)

.

وقوله: "أبرأ إليك من فعل خالد" على وجه الإنكار عليه، والتعريف بأنه لم يأذن له في ذلك لئلا يعتقد أن فعل خالد كان بإذنه، ولينتهي غيره عن مثل ذلك.

فصل:

لم يختلف العلماء أن القاضي إذا قضى بجور أو خلاف أهل العلم فهو مردود، فإن كان على وجه الاجتهاد والتأويل كما صنع خالد فإن الإثم ساقط فيه، والضمان لازم في ذلك عند عامة أهل العلم، إلا أنهم اختلفوا في ضمان ذلك على ما يأتي بيانه.

ووجه موافقة الحديث للترجمة قوله عليه السلام: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد". يدل تبرؤه من قَتْلِ خالد الذين قالوا: صبأنا أن قتله له حكم منه بغير الحق؛ لأن الله تعالى يعلم الألسنة كلها، ويقبل الإيمان من جميع أهل الملل بألسنتهم، لكن عذره الشارع بالتأويل إذ كل متأول فلا عقوبة عليه ولا إثم.

فصل:

واختلفوا في ضمان خطأ الحاكم، فقالت طائفة: إذا أخطأ الحاكم في حكمه في قتل أوجرح فدية ذلك في بيت المال، هذا قول الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق

(2)

.

وقالت أخرى: هو على عاقلة الإمام والحاكم. وهو قول الأوزاعي

(1)

"أعلام الحديث" 3/ 1764 - 1765.

(2)

انظر: "المبسوط" 9/ 50، 80، "بدائع الصنائع" 7/ 16، "المغني" 14/ 256 وما بعدها.

ص: 554

وأبي يوسف ومحمد والشافعي، وليس فيها جواب لمالك [واختلف أصحابه فيها]

(1)

. فقال ابن القاسم كقول الأوزاعي وقال في الشاهدين إذا شهدا في دم أوعتق أوطلاق

(2)

، [أرى أن يضمنا الدين]

(3)

ويكون عليهما قيمة العبد في العتق، وقصاص القتل في أموالهما. وهو قول أشهب في الشاهدين، وقال في الأموال: مضمونة بالخطأ كما هي في العمد، وليست كالدماء، وهو قول أصبغ

(4)

.

وقال ابن الماجشون: ليس على الحاكم شيء من الدية في ماله ولا على عاقلته ولا على بيت المال، وكذلك قال في الشاهدين إذا رجعا عن شهادتهما وادعيا الغلط أنه لا غرم عليهما، وهو قول محمد بن مسلمة.

وذكر ابن حبيب أن قول ابن الماجشون هو قول المغيرة، وابن دينار، وابن أبي حازم وغيرهم.

وحجة من لم يوجب الدية أنه لم يرد في الحديث أنه عليه السلام أغرمه الدية ولا غرمها عنه -قلت: صحح الحاكم أنه عليه السلام أرسل إليهم عليًّا فودى قتلاهم

(5)

.

(1)

ليست في الأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال" ليستقيم السياق ولأن هذِه الفقرة جاءت مضطربة وبها سقط، كما سيأتي.

(2)

هذِه العبارة جاءت قبل قوله: فقال ابن القاسم. وعليه فلم يكن الكلام مستقيمًا مع السقط المشار إليه آنفًا، وضبطناها من "شرح ابن بطال" 8/ 260 حيث منه ينقل المصنف.

(3)

ليست في الأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال".

(4)

انظر: "النوادر والزيادات" 14/ 246 - 248.

(5)

انظر: "الطبقات الكبرى" 2/ 148.

ص: 555

وقوله عليه السلام: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر"

(1)

ولا يجوز أن يؤجر إلا على ما هو بفعله مطيع، فإذا كان مطيعًا فما صدر عنه من [تلف]

(2)

نفس أومال فلا ضمان عليه، وهو اختيار إسماعيل بن إسحاق.

وحجة من أوجب الضمان والدية: الإجماع على أن الأموال مضمونة بالخطأ كما هي بالعمد، ولا تسقط الدية في ذلك من أجل أنها لم يذكر في الحديث وجوبه كما لم تسقط في الناقتين عن حمزة حين جب أسنمتهما وبقر خواصرهما، وإن كان لم يذكر في ذلك الحديث

(3)

.

وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه جعل عقل المرأة التي أمر برجمها على عاقلته

(4)

.

وروي أن امرأة ذكرت بالزنا عند عمر رضي الله عنه[فبعث إليها]

(5)

ففزعت وألقت ما في بطنها، فاستشار الصحابة في ذلك، فقال له عبد الرحمن وغيره: إنما أنت مؤدب ولا شيء عليك، فقال لعلي رضي الله عنه ما تقول فقال: إن كان اجتهدوا فقد أخطئوا وعليك الدية، قال عمر رضي الله عنه: عزمت عليك لتقسمنها على قومك، فأوجب علي بحضرة الصحابة الدية، وألزم بها عمر رضي الله عنه، وقسمها على عاقلته

(6)

، والمرأة وإن كانت أسقطت من الفزع فهو من جهته.

(1)

سيأتي من حديث عمرو بن العاص برقم (7352) كتاب الاعتصام، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ.

(2)

ليست في الأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال" وبها يستقيم السياق.

(3)

سلف حديث حمزة رضي الله عنه برقم (2089) مختصرًا وبرقم (2375) بموضوع الشاهد وهو من رواية علي رضي الله عنه.

(4)

رواه مالك بلاغًا مختصرًا دون ذكر عقلها في "الموطأ" ص 515

(5)

ليست بالأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال" ليتضح السياق.

(6)

رواه البيهقي في "سننه"(6/ 123).

ص: 556

وليس في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ" دليل على إسقاط الضمان في ذلك، وإنما فيه سقوط الإثم عن المجتهد وأنه مأجور إن لم يتعمد ذلك الخطأ، ولا يفهم من الحديث زوال الضمان.

ص: 557

‌36 - باب الإِمَامِ يَأْتِي قَوْمًا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُمْ

7190 -

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ المَدِينِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرٍو، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَتَاهُمْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلَاةُ العَصْرِ فَأَذَّنَ بِلَالٌ وَأَقَامَ، وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ فَشَقَّ النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَتَقَدَّمَ فِي الصَّفِّ الذِي يَلِيهِ. قَالَ: وَصَفَّحَ الْقَوْمُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْرُغَ، فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لَا يُمْسَكُ عَلَيْهِ الْتَفَتَ فَرَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنِ امْضِهْ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ هُنَيَّةً يَحْمَدُ اللهَ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَشَى الْقَهْقَرَى، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ:«يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ إِذْ أَوْمَأْتُ إِلَيْكَ أَنْ لَا تَكُونَ مَضَيْتَ؟» . قَالَ لَمْ يَكُنْ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ لِلْقَوْمِ: «إِذَا نَابَكُمْ أَمْرٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ» . [انظر: 684 - مسلم: 421 - فتح 13/ 182]

ذكر فيه حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرو، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَتَاهُمْ ليُصْلِحُ بَيْنَهُمْ.

الحديث سلف في الصلاة

(1)

، وتقدم الباب أيضًا في الصلح

(2)

.

فإن قلت: فقد جاء هنا أنه عليه السلام شق الناس وهم في الصلاة، وجاء عنه أنه عليه السلام نهي عن التخطي وأن يفرق بين اثنين يوم الجمعة

(3)

. قلت: الإمام يستثني من ذلك فله أن يتخطى إلى موضعه.

(1)

سلف برقم (1201) كتاب العمل في الصلاة، باب: ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال.

(2)

سلف برقم (2690) باب: ما جاء في الإصلاح بين الناس.

(3)

سلف برقم (910) كتاب الجمعة، باب: لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة.

ص: 558

وقال المهلب: الشارع ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرها؛ لأنه ليس لأحد أن يتقدم عليه فيها، وله أن يتقدم لما ينزل عليه من أحكام الصلاة، أوينزل عليه قرآن بإثبات حكم أو نسخه، وليس لغيره شيء من ذلك وليس حركة من حركاته إلا ولنا فيها منفعة وسنة نقتدي بها، والمكروه من التخطي هو ما يختص بالأذى والجفاء على الجلوس في التخطي على رقابهم وقلة توقيرهم، وليس كذلك الوقوف في الصلاة؛ لأنهم ليسوا في حديث تفاوضوا فيه فيقطعه عليهم المار بينهم كما يقطعه من جلس بين اثنين متحادثين في علم أو مشاورة.

ويستدل على ذلك بقول مالك: من رعف في الصلاة أن له أن يشق الصفوف عرضًا إلى الباب

(1)

، فإن لم يمكنه خرج كيف تيسر له، وليس لأحد أن يشقها بالدخول والناس جلوس قبل الصلاة؛ لما في ذلك من الجفاء على الناس والأذى لهم، ولهم ذلك بعد تمام الصلاة؛ لأنهم ممن أباح الله لهم الانتشار بعد الصلاة، فلذلك سقط أذى التخطي عن الخارج؛ لأنهم مختارون للجلوس بعد الصلاة، ومأمورون بالجلوس قبلها، وقد خرج صلى الله عليه وسلم بعد تقضي الصلاة يتخطي رقاب الناس، فقال:

"تذكرت ذهبية كانت عندي فخشيت أن تحبسني"

(2)

.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "فليسبح الرجال ولتصفق النساء". حجة لنا على أنها لا تسبح فيها

(3)

لما يخشى من صوتها على الناس، وهو نص لا مدفع فيه.

(1)

"المدونة"1/ 109.

(2)

سلف برقم (851) كتاب: الأذان، باب: من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم.

(3)

انظر: "البيان" للعمراني 2/ 312.

ص: 559

‌37 - باب يُسْتَحَبُّ لِلْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَاقِلاً

7191 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ أَبُو ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ لِمَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِى شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ بِأَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا كَلَّفَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ مُرَاجَعَتِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِى شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الذِي رَأَيَا، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ

الْعُسُبِ وَالرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] إِلَى آخِرِهَا مَعَ خُزَيْمَةَ -أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ- فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عز وجل، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: اللِّخَافُ يَعْنِي: الخَزَفَ. [انظر: 2807 - فتح 13/ 183]

ذكر فيه حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه السالف في التفسير

(1)

.

ص: 560

و (العسيب) المذكور فيه: جريدة من النخل، وهي السعفة مما لا يثبت عليه الخوص، والجمع العُسُب بضمتين، واللخاف جمع لخفة -بالخاء المعجمة- وهي حجارة بيض رقاق، وفي البخاري أنها الخزف.

قال المهلب: هذا الحديث يدل أن العقل أصل الخلال المحمودة كالأمانة والكفاية في عظيم الأمور؛ لأنه لم يصف زيدًا بأكثر من العقل وجعله سببًا لائتمانه ورفع التهمة عنه بقول الصديق: (إنك شاب عاقل لا نتهمك).

وفيه: دليل على اتخاذ الكاتب السلطان والحاكم وأنه ينبغي أن يكون الكاتب عاقلًا فطنًا مقبول الشهادة، هذا قول كافة الفقهاء.

وقال الشافعي: ينبغي لكاتب القاضي أن يكون عاقلًا لئلا يخدع ويحرص على أن يكون فقيهًا لئلا يؤتى من جهالة، ويكون بعيدًا عن الطمع

(1)

.

فصل:

وفيه: أن من سبقت له معرفة بالخدمة أولى بالولاية وأحق بها ممن لا سابقة له بذلك ولا معرفة.

وفيه: جواز مراجعة الكاتب للسلطان في الرأي ومشاركته له فيه.

فصل:

إن قال رافضي: كيف جاز للصديق أن يجمع القرآن ولم يجمعه الشارع؟.

(1)

"الأم" 6/ 216.

ص: 561

أجاب ابن الطيب: إنه يجوز أن يفعل الفاعل ما لم يفعله الشارع إذا [كان]

(1)

فيه مصلحة في وقته واحتياط للدين، وليس في أدلة الكتاب والسنة ما يدل على فساد جمعه بين اللوحين وتحصينه، وجمع همهم على تأصيله، وتسهيل الانتساخ منه والرجوع إليه، والغنى به عن تطلب القرآن من الرقاع والعسب وغير ذلك مما لا يؤمن عليه الضياع، فوجب إضافته إلى الصديق وأنه من أعظم فضائله وأشرف مناقبه، حين سبق إلى ما (لم)

(2)

يسبق إليه أحد من الأمة، وبأن اجتهاده في النصح لله ورسوله ولكتابه ولدينه وجميع المؤمنين، وأنه في ذلك تبع لله ولرسوله؛ لإخباره تعالى في كتابه أن القرآن إن كان مكتوبًا في الصحف الأولى، وأخبر عن تلاوة رسوله في الصحف بقوله:{رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)} [البينة: 2، 3] فلم يكن جمع الصديق مخالفًا لله ولرسوله؛ لأنه لم يجمع ما لم يكن مجموعًا، ولم يكتب ما لم يكن مكتوبًا، وقد أمرهم الشارع بكتابته، فقال:"لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن"

(3)

فألف المكتوب وصانه وأحرزه، وجمعه بين لوحيه، ولم يغير منه شيئًا، ولا قدم منه مؤخرًا، ولا أخر منه مقدمًا، ولا وضع حرفًا ولا آية في غير موضعها.

ودليل آخر: أن الله ضمن لرسوله ولسائر الخلق جمع القرآن وحفظه، فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)}

(1)

ليست بالأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال" ليستقيم السياق ويتضح.

(2)

في الأصل: (لا)، والمثبت أوفق.

(3)

رواه أحمد بهذا اللفظ 3/ 12 من حديث أبي سعيد الخدري وبنحوه رواه مسلم (3004) كتاب الزهد والرقائق، باب التئبت في الحديث وحكم كتابة العلم من حديثه أيضًا.

ص: 562

[الحجر: 9] وقال: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} [القيامة: 17] وقال: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42]، فنفى عنه إبطال الزائغين وإلباس الملحدين، ثم أمر رسوله والأمة بحفظه والعمل به، فوجب أن يكون كل أمر عاد بتحصينه وأدى إلى حفظه واجبًا على كافة الأمة فعله، فإذا قام به البعض فقد أحسن، وناب عن باقي الأمة.

وقد روى عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه قال: يرحم الله أبا بكر هو أول من جمع القرآن بين لوحين

(1)

. وهذا تعظيم لشأنه ومدح له، وعلي رضي الله عنه أعلم من الرافضة بصواب هذا الفعل فيجب ترك قولهم لقوله.

ومما يدل على صحة هذه الرواية عن علي رضي الله عنه ابتغاؤه لأجره وإطلاقه للناس كتب المصاحف وحضه عليها، وإظهاره تحكيم ما ضم الصديق والجماعة بين لوحين، ولو كان ذلك عنده منكرًا لما أخرج إلى الدعاء إلى من يخالفه مصحفًا تنشره الريح، وإنما كان يخرجه من الصحف، والعسب واللخاف على وجه ما كان مكتوبًا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل أنه مصوب لفعل الصديق والجماعة، وإن ذلك رأيه ودينه

(2)

.

وقد سلف في باب جمع القرآن من كتاب فضائل القرآن بقية الكلام في معاني هذا الحديث، فراجعه.

فصل:

فيه من الفوائد: جواز دخول أهل الفضل والعلم على أهل الفضل والعلم من الأمراء والحرص على جمع القرآن وضبطه بالكتاب وفي إثباته

(1)

رواه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 193.

(2)

"شرح ابن بطال" 8/ 264 - 267.

ص: 563

إثبات العلم، ومراجعة العلماء في ذلك خيفة أن ينقطع العلم بموت العلماء، وبذل النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين، والرجوع إلى الحق إذا تبين.

واختيار الأئمة لمن يفد مؤنة في الأمور ممن اجتمع فيه العلم والفقه والضبط [

]

(1)

.

وأن المصالح العامة ينبغي للإمام أن ينظر فيها ويصونها عنده ولا يهملها كما فعل الصديق والفاروق فيما جمعه زيد من القرآن.

فصل:

قوله: (قال أبو بكر: هو والله خير، فلم يزل يحث مراجعتي) كذا هنا، وقال في جمع القرآن: فلم يزل أبو بكر يراجعني

(2)

.

(1)

بياض في الأصل. وذكر في هامشها: لعله (والثبت).

(2)

سلف برقم (4986) كتاب فضائل القرآن.

ص: 564

‌38 - باب كِتَابِ الحَاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ، وَالْقَاضِى إِلَى أُمَنَائِهِ

7192 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي لَيْلَى ح. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ، فَأُخْبِرَ مُحَيِّصَةُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي فَقِيرٍ -أَوْ عَيْنٍ- فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللهِ قَتَلْتُمُوهُ. قَالُوا: مَا قَتَلْنَاهُ وَاللهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ، وَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ -وَهْوَ أَكْبَرُ مِنْهُ- وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ لِيَتَكَلَّمَ -وَهْوَ الذِي كَانَ بِخَيْبَرَ- فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمُحَيِّصَةَ:«كَبِّرْ كَبِّرْ» . يُرِيدُ السِّنَّ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» . فَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ بِهِ، فَكُتِبَ: مَا قَتَلْنَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟» . قَالُوا: لَا. قَالَ: «أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ؟» . قَالُوا لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ. فَوَدَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتِ الدَّارَ. قَالَ سَهْلٌ: فَرَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ. [انظر: 2702 - مسلم: 1669 - فتح 13/ 184]

ذكر فيه حديث أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ.

الحديث بطوله في القسامة، وقد سلف

(1)

وموضع الحاجة منه هنا أنه عليه السلام كتب إلى أهل خيبر: "إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب" فكتبوا: ما قتلناه. وهذا الحديث أخرجه البخاري هنا عن

(1)

سلف برقم (6898) كتاب الديات.

ص: 565

عبد الله بن يوسف عن مالك، عن أبي ليلى، وعن إسماعيل، عن مالك، عن أبي ليلى به.

وذكر ابن الحذاء أن رواية يحيى بن بكير وابن القاسم عن مالك: عن أبي ليلى عبد الله بن سهل، وكذلك قال ابن إسحاق والبخاري ومسلم: أبو ليلى عبد الله بن سهل، وهو الصواب -إن شاء الله- وهو أبو ليلى عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن أخي أبي ليلى عبد الله المقتول بخيبر ابني سهل بن زيد بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة.

روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه

(1)

، شهد عبد الرحمن جده وأخواه أحدًا مع أخيه محيصة وتأخر إسلام حويصة بعد الخندق وقريظة، ونُهش عبد الله بحرة الأفاعي وهي على ثمانية أميال من الأبواء

(2)

وهو ذاهب إلى مكة، فأمر عليه السلام عمارة بن حزم أن يرقيه فرقاه وهي رقية آل حزم كانوا يتوارثونها، وعاش عبد الرحمن حتى كانت خلافة عمر رضي الله عنه، فولاه البصرة حين مات عتبة بن غزوان، فلم يلبس عليها إلا خمسًا وأربعين ليلة حتى مات، فاستخلف على البصرة العلاء بن الحضرمي

(3)

.

وسهل بن أبي حثمة: عبد الله، وقيل عامر بن ساعدة بن عامر بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة، ولد سنة ثلاث من الهجرة،

(1)

انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 5/ 98، و"تهذيب الكمال" 34/ 234 (7592).

(2)

انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 434.

(3)

انظر ترجمة عبد الرحمن بن سهل في "الاستيعاب" 2/ 379 (1432)، و"الإصابة" 2/ 401 (5136)

ص: 566

وحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأبوه كان دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مضى إلى أحد، وبعثه خارصًا إلى خيبر بعد جبار بن صخر، وبعثه الصديق والفاروق وعثمان، ومات أول خلافة معاوية وقيل في خلافة عمر

(1)

.

وأمامة بنت عبد الرحمن بن سهل بن زيد كانت

(2)

سهل بن أبي خثمة. ومنهم من ينسب أبا ليلى إلى سهل بن

(3)

.

وكان عبد الله

(4)

بن سهل له فهم وعلم. روي أنه جاءت جدتان إلى الصديق، فأعطى السدس أم الأم دون أم الأب، فقال له عبد الرحمن بن سهل: يا خليفة رسول الله أعطيت التي لو ماتت لم يرثها وتركت التي لو ماتت ورثها، فجعله الصديق بينهما

(5)

.

فصل:

في ألفاظه: قوله: (من جهد أصابهم). يعني: شدة، و (الفقير): البئر، وقيل هو حفير يتخذ في السرب الذي يصنع للماء تحت الأرض يحمل فيه الماء من موضع إلى موضع يكون عليه أفواه كأفواه الآبار منافس على السرب

(6)

.

وقوله: (فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه). يحتمل أن يكون

(1)

انظر ترجمة أبي حثمة في "الاستيعاب" 4/ 195 (2940)، و"معرفة الصحابة" لأبي نعيم 5/ 2866 (3168)، و"أسد الغابة" 6/ 68 (5795).

(2)

كذا في الأصل وأشار الناسخ إلى وجود سقط ولم يبينه، ولعله كلمة [تحت].

(3)

ما ورد بالأصل: (سهل بن) فقط، ولعله سهل بن زيد.

(4)

كذا بالأصل والصواب: عبد الرحمن، كما ساقه في القصة بعدُ.

(5)

رواه سعيد بن منصور في "سننه" 1/ 55 (81).

(6)

انظر: "لسان العرب" 6/ 3446 (فقر).

ص: 567

تحقيق ذلك عنده؛ لقرائن الأحوال، ويحتمل أنه تنقل إليه ذلك بالخبر الموجب للعلم.

وقولهم: (والله ما قتلناه) مقابلة اليمين باليمين.

وقوله: (أقبل هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن أخو عبد الله) يريد: على رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقوله: "كبر كبر" يحتمل أن يراد به تأديب محيصة، أو ليسمع من محيصة كما سمع من أخيه في أول قوله.

وقوله: "إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب". يريد المتهمين بالقتل إذا لم يعين القاتل.

وقوله: (فكتب إليهم بذلك). هو من تمام الحكم، والإعذار عند المالكية واجب.

وقوله: لولاة الدم "أتحلفون وتسحقون دم صاحبكم؟ " يحتمل أن يكونوا (

)

(1)

.

وقوله: (قالوا: لا) توقفهم عن ذلك؛ لأنهم لم يشهدوا قتله، ولم يقم عندهم من طريق الخبر ما يقطعون به.

وقوله: ("تحلف لكم يهود")، على معنى: رد الأيمان.

وقولهم: (ليسوا بمسلمين) أي: لأنهم يرون قتل المسلم دينًا يستخفون بالأيمان في ذلك.

وقوله: (فوداه من عنده) يريد من (بيت)

(2)

المال؛ لأنهم أهل إبل.

(1)

بياض في الأصل قدر كلمتين.

(2)

ورد بهامش الأصل: إنما هو من عند نفسه واستقرضها من إبل الصدقة. وما قاله هنا قوله.

ص: 568

‌39 - باب هَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلاً وَحْدَهُ لِلنَّظَرِ فِي الأُمُورِ

؟

7193، 7194 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَا: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ. فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ الله. فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ. فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ -لِرَجُلٍ- فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا» . فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا. [انظر: 2315، 2314 - مسلم: 1697، 1698 - فتح 13/ 185]

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "واغد يا أنيس". الحديث، وقد سلف

(1)

وهو مطابق لما ترجم له مِنْ بعث الحاكم رجلاً واحدًا ينفذ حكمه، قاله المهلب، وفيه حجة لمالك في قوله: أنه يجوز أن ينفذ واحدًا إلى إعذار من شهد عليه بحق، وأنه يجوز أن يتخذ رجلاً ثقة يكشف له عن حال الشهود في السر، وكذلك يجوز عندهم خبر الواحد فيما طريقه الإخبار ولم يكن طريقه الشهادة

(2)

.

وقد استدل به قوم في أن الإمام إذا بعث رجلاً ينفذ حكمه أنه ينفذ من غير إعذار إلى المحكوم عليه؛ لأنه لم ينقل في الحديث أن أنيسًا أعذر إلى المرأة المدعى عليها الزنا، وليس بشيء؛ لأن الأعذار إنما

(1)

سلف برقم (2315)

(2)

انظر هذِه المسائل في: "النوادر والزيادات" 8/ 57، "التمهيد" 9/ 98.

ص: 569

يصح فيما كان من الحكم بالبينات فلابد في ذلك من الإعذار إلى المحكوم عليه وما كان الحكم فيه من جهة الإقرار فللرسول أن ينفذه بإقرار المقر ولا إعذار فيه.

وإنما اختلف العلماء: هل يحتاج وكيل الحاكم إلى أن يحضر من يسمع ذلك من المقر أم لا؟ على حسب اختلافهم في الحَكَمِ، هل يحتاج إلى مثل ذلك أم لا؟ وأصل الإعذار في قوله تعالى:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] وقوله: {مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ}

فصل:

وفيه حجة لمن قال: إن القاضي يجوز أن يحكم على الرجل بإقراره دون بينة تشهد عنده بذلك الإقرار، وهو قول ابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، وأبي يوسف

(1)

، وقال مالك: لا يقضي على الرجل بإقراره حتى تشهد عنده بينة بذلك، وهو قول محمد بن الحسن، واحتج الطحاوي بقوله:"واغدُ يا أُنيس على أمرأةِ هذا، فإن اعترفتْ فارجمها" ولم يقل: فأشهد عليها حتى يكون حجة لك بعد موتها، قال: وقد قتل معاذ وأبو موسى مرتدًا وهما واليان لرسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن ولم يشهدا عليه

(2)

.

فصل:

واختلفوا إذا قال القاضي: قد حكمت على هذا الرجل بالرجم فارجمه، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا قال ذلك وسعك أن ترجمه، وكذلك سائر الحدود والحقوق، وقال ابن القاسم: على مذهب مالك إن كان القاضي عدلاً وسع المأمور أن يفعل ما قاله

(1)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 371، "الأم" 7/ 138.

(2)

انظر "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 371.

ص: 570

القاضي، وهو قول الشافعي.

قال ابن القاسم: إن لم يكن عدلاً لم يقبل قوله، وقال محمد ابن الحسن: لا يجوز للقاضي أن يقول: أقر عندي فلان بكذا -لشيء يقضى به عليه من قتل أو مال أو عتاق أو طلاق- حتى يشهد معه على ذلك رجلان أو رجل عدل ليس يكون هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وينبغي أن يكون في مجلس القاضي أبدًا رجلان عدلان يسمعان من يقر يشهدان على ذلك فينفذ الحكم بشهادتهما وشهادة من حضر

(1)

.

فصل:

فيه من الفوائد: نقض الصلح إذا خالف كتاب الله أو سنة أو إجماعًا.

وفيه: تغريب الحر البكر بعد الجلد. وفيه: التوكيل على إقامة الحدود. وفيه أن من أقر على نفسه بالزنا مرة واحدة كفى، وفيه أن الحدود لله تعالى لا يجوز أخذ العوض عنها وتركها، وفيه أن حد القذف لا يقيمه الإمام ما لم يقم به المقذوف.

فصل:

وقوله: "لأقضين بينكما بكتاب الله" ثم قضى بالرجم، وليس هو في كتاب الله، فمعناه: والله أعلم: بحكم الله، قال تعالى:{كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} ، أي: حكم الله عليكم فرضه.

و (العسيف): الأجير.

وقوله: (فزني بامرأته) وهذا قذف، ولم يحده عليه السلام، وسقط حد القذف؛ للاعتراف منها بذلك.

(1)

المصدر السابق بتصرف.

ص: 571

فصل:

لم يختلف العلماء أن حد البكر الجلد دون الرجم وحد الثيب الرجم.

فصل:

اختلف عند المالكية في حد من شارف البلوغ ولم يبلغ، وفي حد النصراني ومن أصاب صغيرة لا تطيق الرجل أو ميتة أو بهيمة أو مكرها أو جاهلاً تحريم ذلك

(1)

.

فصل:

قال مالك: يغرب المجلود من مصر إلى الحجاز، ومن المدينة إلى فدك وخيبر، وقال ابن القاسم: من مصر إلى أسوان ودونها، ويكتب إلى والي الموضع الذي يغرب إليه أن يسجنه سنة عنده، قال ابن حبيب: ويؤرخ يوم سجنه

(2)

.

(1)

انظر: "التمهيد" 9/ 84 - 86.

(2)

"المنتقى" 7/ 137 - 138.

ص: 572

‌[40 - باب تَرْجَمَةِ الحُكَّامِ، وَهَلْ يَجُوزُ تُرْجُمَانٌ وَاحِدٌ

؟]

7195 -

وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ

(1)

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ اليَهُودِ، حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُتُبَهُ وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَقَالَ عُمَرُ -وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعُثْمَانُ- مَاذَا تَقُولُ هَذِهِ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ: فَقُلْتُ: تُخْبِرُكَ بِصَاحِبِهِمَا الذِي صَنَعَ بِهِمَا. وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا بُدَّ لِلْحَاكِمِ مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ. [فتح 13/ 185].

7196 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. -فَذَكَرَ الْحَدِيثَ- فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ. [انظر: 7 - مسلم: 1773 - فتح 13/ 186]

فصل:

وفيه من الفوائد

(2)

: تعلم كتاب اليهود، ويجوز على هذا تعلم كتابة غيرهم من العجم للضرورة، وفي "العُتبية" قال أشهب وابن نافع، عن مالك، وابن حبيب، عن مطرف وابن الماجشون: إذا اختصم إلى

(1)

في (ن) إن، وفي (س) أن.

(2)

ليس في الأصل باب: ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد؟

على أن الفوائد التي سيذكرها المؤلف هنا تناسب هذا الباب الساقط فلا يُدرى أذكره المصنف وتكلم عليه ويكون ما ذكره هنا -من فوائد- من تتمة الباب وسقط أوله أم أنه أدخله في الباب المترجم به، غير أنه لم يشر لذلك، فالله أعلم.

ص: 573

القاضي من لا يتكلم بالعربية ولا يفقه كلامه، فليترجم له عنهم ثقة مسلم مأمون واثنان أحب إليَّ والمرأة تجزيُ كما سلف، ولا يقبل ترجمة كافر، وشرط المرأة عند من يراه تكون عدلة. وقال مطرف وابن الماجشون: وذلك إذا لم يوجد من الرجال من يترجم إذا كان مما يقبل فيه شهادة النساء، ومنع سحنون مترجمين، وترجمة الرجل الواحد

(1)

.

ولا يترجم إلا حُرٌّ عدل وإذا أقر عنده المترجم بشيء، فأحب أن يسمع منه شاهدان ويرفعان ذلك عند الحاكم

(2)

.

(1)

وقع في "الفتح" 13/ 189: وقد نقل ابن التين من رواية ابن عبد الحكم:

ثم ذكر العبارة الآتية. فتكون على هذا هي قول ابن عبد الحكم وليست من كلام المصنف كما أوهم.

(2)

"النوادر والزيادات" 8/ 61.

ص: 574

‌41 - باب مُحَاسَبَةِ الإِمَامِ عُمَّالَهُ

7197 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ ابْنَ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا الذِي لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«فَهَلاَّ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَبَيْتِ أُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟!» . ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ رِجَالاً مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلاَّنِي اللهُ، فَيَأْتِي أَحَدُكُمْ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَبَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا؟! فَوَاللهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا -قَالَ هِشَامٌ: بِغَيْرِ حَقِّهِ- إِلاَّ جَاءَ اللهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلَا فَلأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللهَ رَجُلٌ بِبَعِيرٍ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٍ تَيْعَرُ» . ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» . [انظر: 925 - مسلم: 1832 - فتح: 13/ 189]

ذكر فيه حديث أبي حميد الساعدي، واسمه عبد الرحمن بن عمرو بن سعد ابن عم سهل بن سعد بن منقذ بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة.

وأبو أُسيد: مالك بن ربيعة بن البدن بن عمرو بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج

(1)

، الساعديون أنه صلى الله عليه وسلم استعمل ابن اللتبية.

هذا الحديث سلف قريبًا وتقدم أيضًا في الوكالة وفي ترك الحيل

(2)

.

(1)

سلف ترجمة أبي حميد وسهل بن سعد وانظر ترجمة أبي أُسيد في "طبقات ابن سعد" 3/ 557، و"تهذيب الكمال" 27/ 138.

(2)

سلف برقم (7174) باب: هدايا العمال. =

ص: 575

‌42 - باب بِطَانَةِ الإِمَامِ وَأَهْلِ مَشُورَتِهِ

الْبِطَانَةُ: الدُّخَلَاءُ.

7198 -

حَدَّثَنَا أَصْبَغ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ تَعَالَى» .

وَقَالَ سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ بِهَذَا. وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ وَمُوسَى، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَوْلَهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ وَسَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَوْلَهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 6611 - فتح: 13/ 189]

ذكر فيه حديث أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، واسمه سعد بن مالك بن سنان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضه عَلَيْهِ، والمعصوم مَنْ عَصَمَ اللهُ".

= قلت: والحديث لم يخرجه البخاري في كتاب الوكالة. إنما سلف برقم (925) كتاب: الجمعة، باب: من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد.

وبرقم (1500) كتاب: الزكاة، باب: قوله الله تعالى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}

وبرقم (2597) كتاب: الهبة، وبر قم (6631) كتاب: الأيمان والنذور، وبرقم (6979) كتاب: الحيل.

ص: 576

وَقَالَ سلَيْمَانُ، عَنْ يَحْييَ: أَخْبَرَنِي ابن شِهَابٍ بهذا. وَعَنِ ابن أَبِي عَييقٍ وَمُوسَى، عَنِ ابن شِهَابٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَوْلَهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ ابن أَبِي حُسَيْنٍ وَسَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَوْلَهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

وهذا رواه النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث، عن أبيه

(1)

، والتعليق عن معاوية أخرجه الترمذي

(2)

عن محمد بن يحيى بن عبد الله، عن معمر بن يعمر عنه

(3)

، وقال البزار: لما ذكر حديث يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، رواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة والزهري احفظ والحديثان كأنهما عندي مرويان، حدثنا بذلك عمرو بن علي، ثنا محمد بن عدي عن محمد بن عمرو.

فصل:

ينبغي لمن سمع هذا الحديث أن يتأدب به ويسأل الله العصمة من بطانة الشروأهله، ويحرص على بطانة الخير وأهله، قال سفيان الثوري: ليكن أهل مشورتك أهل التقوى وأهل الأمانة ومن يخشى الله، قال سفيان: وبلغني أن المشورة نصف العقل، وقال الحسن في قوله تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] قال: قد علم الله

(1)

روي النسائي تعليق عبيد الله بن أبي جعفر 7/ 158 - 159.

(2)

ورد بهامش الأصل: صوابه: النسائي، أخرجه في البيعة، وفي السير.

(3)

رواه النسائي 7/ 158.

ص: 577

أنه ليس به إليهم حاجة، ولكن أراد أن يستن به بعده

(1)

. وسيأتي الكلام في المشورة في كتاب الاعتصام عند قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]

فصل:

غرض البخاري بذلك إثبات الأمور لله فهو العاصم من نزغات الشياطين ومن كل وسواس وخناس، والوزير الجيد أو السوء يوهم صاحبه أن ما يسر صاحبه الصواب، والمعصوم من عصم الله لا من عصمته نفسه الأمارة بالسوء بشهادة الله عليها بذلك، ومن أصدق من الله حديثًا.

(1)

رواه سعيد بن منصور في "سننه" 3/ 1098 (534)، والبيهقي في "سننه" 10/ 109 وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 159 لابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 578

‌43 - باب كَيْفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ النَّاس

؟

7199 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الوَلِيدِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ. [انظر: 18 - مسلم: 1709 - فتح: 13/ 192]

7200 -

وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ -أَوْ نَقُولَ- بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. [7056 - مسلم: 1709 - فتح: 13/ 192]

7201 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ فَقَالَ:

«اللَّهُمَّ إِنَّ الخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَهْ

فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ»

فَأَجَابُوا:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا

عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

[انظر: 2834 - مسلم: 1805 - فتح: 13/ 192]

7202 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا «فِيمَا اسْتَطَعْتَ» . [مسلم: 1867 - فتح: 13/ 193]

7203 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ. قَالَ: كَتَبَ: إِنِّي أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا اسْتَطَعْتُ، وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ. [7205، 7272 - فتح: 13/ 193]

7204 -

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي: فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. [انظر: 57 - مسلم: 56 - فتح: 13/ 193]

ص: 579

7205 -

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، 9/ 97 حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ عَبْدَ المَلِكِ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ. [انظر: 7203 - فتح: 13/ 193]

7206 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى المَوْتِ. [انظر: 2960 - مسلم: 1860 - فتح: 13/ 193]

7207 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ. أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلاَّهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا، قَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ. فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا، فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ. قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِمًا، فَوَاللهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا. فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ، فَشَاوَرَهُمَا، ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ: ادْعُ لِي عَلِيًّا. فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهْوَ عَلَى طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ المِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ -وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ- فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا عَلِيُّ، إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ

ص: 580

فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً. فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ. فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ. [انظر: 1392 - فتح: 13/ 193]

ذكر فيه أحاديث:

أحدها: حديث عبادة: قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ العسر واليسر وفِي المَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وأن نقول أو نقوم - بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.

ثانيها: حديث أنس رضي الله عنه: خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الخَنْدَق .. ، الحديث.

ثالثها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما: كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لنَا "فِيمَا اسْتَطَعْتَم".

رابعها: حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ: شَهِدْتُ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ. كَتَبَ: إِنِّي أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللهِ عَبْدِ المَلِكِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اللهِ نَبِيه رَسُولِهِ مَا اسْتَطَعْتُ، وَإِنَّ بَنِيَّ قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ.

ثم ذكر بعده من طريق آخر كذلك.

خامسها: حديث جرير رضي الله عنه: بَايَعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ. الحديث.

سادسها: حديث سلمة بن الأكوع في مبايعتة يوم الحديبية على الموت.

سابعها: حديث حميد بن عبد الرحمن هو ابن عوف عن المسور بن مخزمة: أَنَّ الرَّهْطَ الذِينَ وَلاَّهُمْ عُمَر رضي الله عنه اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا، إلى آخره.

ص: 581

وقد سلف فيما مضى

(1)

، قال المهلب:[اختلفت]

(2)

ألفاظ بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فروي: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة. وروي: على الجهاد، وروي: على الموت. وقد بين ابن عمر وعبد الرحمن بن عوف في بيعتهما ما يجمع المعاني كلها، وهو قولهم: على السمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله.

وقوله: "فيما استطتعم" كقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

وأما قوله: "في المنشط والمكره" فهذِه بيعة العقبة الثانية بايعوا على أن يقاتلوا دونه، ويهلكوا أنفسهم وأموالهم. قال ابن إسحاق: كانت بيعة الحرب حين أذن الله لرسوله في القتال [شروطًا]

(3)

سوى شرطه

(4)

.

حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، عن جده عبادة قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا، وأثَرَة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق إينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم، وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى بيعة النساء. قال ابن إسحاق: كانوا في العقبة الثانية ثلاثة وسبعين رجلاً -من الأوس والخزرج- وامرأتين

(5)

.

(1)

سلف برقم (1392) كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

(2)

ليست بالأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال" لاقتضاء السياق.

(3)

ليست في الأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال".

(4)

كذا بالأصل وكذا في "شرح ابن بطال"، ولعل منه نقل"المصنف"، وفي "سيرة ابن هشام" تتمة: شروط سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى.

(5)

"سيرة ابن هشام" 2/ 63.

ص: 582

فصل:

قال المهلب: قوله: "ولا ننازع الأمر أهله". فيه: أن الأنصار ليس لهم في الخلافة شيء كما ادعاه الحباب وسعد بن عبادة، ولذلك ما اشترط عليهم الشارع هذا أيضًا

(1)

.

فصل:

وأما الرهط الذين ولاهم عمر- رضي الله عنه، فهم: عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وقال: إن عجل بي أمر فالشورى في هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض.

قال الطبري: فلم يكن أحد من أهل الإسلام [يومئذ]

(2)

له منزلتهم من الدين والهجرة والسابقة والفضل والعلم بسياسة الأمة.

فإن قلت: في هؤلاء الستة من هو أفضل من صاحبه، والمعروف من مذهب عمر رضي الله عنه أن أحق الناس بالإمامة أفضلهم دينًا، وأنه لاحق للمفضول فيها مع الفاضل، فكيف جعلها في قوم بعضهم أفضل من بعض؟

فالجواب: إنما أدخل الذين ذكرت في الشورى للمشاورة والاجتهاد للنظر للأمة؛ إذ كان واثقًا منهم أنهم لا يألون المسلمين نصحًا فيما اجتمعوا عليه، وأن المفضول منهم لا يترك والتقدم على الفاضل، ولا يتكلم في منزلةٍ غيره أحق بها منه، وكان مع ذلك عالمًا برضا الأمة بمن رضي به الأئمة الستة إذ كان الناس لهم تبعًا، وكانوا للناس أئمة وقادة لا أنه كان يرى للمفضول مع الفاضل حقًّا في الإمامة.

(1)

"شرح ابن بطال" 8/ 275.

(2)

ليست بالأصل، وأثبتناها من "شرح ابن بطال" لضبط المعنى.

ص: 583

فصل:

وفيه أيضًا: الدلالة على بطلان ما قاله أهل الإمام

(1)

من أنها في (الخياز)

(2)

وأشخاص قد وقف عليها الشارع أمته فلا حاجة إلى التشاور فيمن يقلدوه أمرها، وذلك أن عمر رضي الله عنه جعلها شورى بين النفر الستة؛ ليجتهدوا في أولاهم، فلم ينكر ذلك أحد النفر الستة، ولا من غيرهم من المهاجرين والأنصار، ولو كان فيهم ما قد وقف عليه الشارع بعينه ونصبه لأمته كان حريًّا أن يقول منهم قائل: ما وجه التشاور في أمر قد كفيناه ببيان الله لنا على لسان رسوله؟

وفي تسليم جميعهم له ما فعله، ورضاهم بذلك أبين البيان، وأوضح البرهان على أن القوم لم يكن عندهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شخص بعينه عهد، وأن الذي كان عندهم في ذلك من عهده إليهم كان وقفًا على موصوف بصفات يحتاج إلى إدراكها بالاستنباط والاجتهاد، فرضوا وسلموا ما فعل من رده الأمر في ذلك إلى النفر إذ كانوا يومئذ أهل الأمانة على الدين وأهله.

وفيه: الدلالة الواضحة على أن الجماعة الموثوق بأديانهم ونصيحتهم للإسلام وأهله إذا عقدوا عقد الخلافة لبعض من هو من أهلها على تشاور منهم واجتهاد، فليس لغيرهم من المسلمين حل في ذلك العقد ممن [لم]

(3)

يحضر عقدهم وتشاورهم، وكانوا العاقدين قد أصابوا الحق فيه، وذلك أن عمر- رضي الله عنه أفرد النظر في الأمر -النفر

(1)

كذا بالأصل والصواب [الإمامة] كما في المطبوع من "تهذيب الآثار" للطبري.

(2)

كذا بالأصل والصواب [أعيان] كما في المطبوع من "تهذيب الآثار" للطبري.

(3)

سقطت من الأصل والمثبت من المطبوع من "تهذيب الآثار" و"شرح ابن بطال".

ص: 584

الستة- ولم يجعل لغيرهم فيما فعلوا اعتراضًا، وسلم ذلك من فعله جميعهم ولم ينكره منهم منكر، ولو كان العقد في ذلك لا يصح إلا بإجماع الأمة عليه لكان خليقًا أن يقول له منهم قائل: إن الحق الواجب بالعقد الذي خصصت بالقيام به هؤلاء الستة لم يخصهم به دون سائر الأمة بل الجميع شركاء، ولكن القوم لما كان الأمر عندهم على ما وصفت سلموا وانقادوا، ولم يعترض منهم معترض ولا أنكره منكر

(1)

.

فصل:

قوله: (بعد هجع من الليل) قال صاحب "العين": الهجوع: النوم بالليل خاصة، يقال: هجع يهجع وقوم هجع وهجوع

(2)

، وقد سلف تفسير قوله:(ابهار الليل) في كتاب الصلاة

(3)

.

فصل:

عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهو بن ثعلبة

(4)

بن نوفل، كنيته: أبو الوليد خزرجي من بني عمرو بن عوف بدري أحد من جمع القرآن، فكان طويلًا جسيمًا جميلاً، مات عن اثنين وسبعين بالرملة سنة أربع وثلاثين، وهو من الأفراد

(5)

.

(1)

"تهذيب الآثار" 9/ 931 - 932.

(2)

"العين" 1/ 98.

(3)

سلف برقم (568) كتاب مواقيت الصلاة، باب: فضل العشاء.

(4)

ورد بهامش الأصل: في "الاستيعاب" بعد ثعلبة: غنم بن سالم بن عوف بن عمر وبن عوف بن الخزرج فاعلمه، وهو من الخزرج كما ذكر، وكذا رأيته في كلام أبي الفتح اليعمري، أعني: نسبه في موضعين.

(5)

سلفت ترجمته.

ص: 585

فصل:

أصل البيع: المعاقدة، فسميت: معاقدة النبي صلى الله عليه وسلم مبايعة؛ لما ضمن لهم- فيها من الثواب إذا وفوا بها.

وقوله عليه السلام: "على السمع والطاعة" يحتمل أن يريد به الامتثال في الأمر والنهي على كل حال من الأحوال.

واختلف في معنى قوله: "وأن لا تنازع الأمر أهله"، فقالت طائفة: معناه: إذا بويع له ممن يستحق ذلك فهو الذي لا يجوز الخروج عليه ولا منازعته، وكذلك إن كان ممن لا يستحق ذلك لم يلزم الناس أن (يخرجوا عليه)

(1)

أيضًا.

وقالت طائفة: إن كانت (

)

(2)

لم يجز الخروج عليه، وإن كان ممن لا يستحق ذلك إذ لا يتوصل إلى ذلك إلا بقتل النفوس وأخذ الأموال، وإن قدر عليه بغير قتل ولا أخذ مال فذلك جائز، وعلى أهل الإسلام السمع والطاعة له، فإن عدل فله الأجر وعلى الرعية الشكر، وإن جار فعليه العذر وعلى الرعية الصبر والتضرع إلى (أهله)

(3)

في كشف ذلك عنهم.

فصل:

قوله في حديث أنس رضي الله عنه: "اللهم إن الخير خير الآخرة" هذا ليس بشعر؛ لأنه لم يُقصد، وإنما وقع اتفاقًا.

وقولهم فيما أجابوه: (ما بقينا أبدا) في مدة حياتهم.

(1)

تكرر في الأصل.

(2)

غير واضحة بالأصل.

(3)

كذا بالأصل، ولعلها (الله) فهي الأنسب والله أعلم.

ص: 586

وقوله في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "فيما استطعتم" قاله إشفاقًا ورحمة لهم وتنبيهًا لهم على استعمال ذلك في بيعتهم لئلا يدهمهم أمر لا طاقة لهم به، والرب جل جلاله قال:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 285] وقد سلف ذلك، وكذلك ما يقع منهم على وجه الخطأ والنسيان للحديث الصحيح فيه

(1)

.

فصل:

حميد بن عبد الرحمن السالف هو: ابن عوف -كما سلف- تابعي، مات سنة خمس وتسعين، ووقع في كتاب ابن التين سنة خمس ومائة

(2)

.

وقوله: (الرهط الذين ولاهم عمر) يريد الذين جعل الولاية فيهم وعبد الرحمن منهم

وقول عبد الرحمن: (ليست بالذي أنافسكم فيه). يريد الخلافة، وهكذا ينبغي لمن علم أن ثم من هو أحق منه بها، أي: بهذا، فيخرج نفسه.

وقوله: (ولكنكم إن شئتم اخترت لكم). يريد: إنكم إن جعلتم الأمر إلي اخترت لكم.

(1)

يشير إلى حديث: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأوالنسيان وما استكرهوا عليه" روي عن جميع من الصحابة أصحها سندا حديث ابن عباس رواه ابن ماجه (2045) وابن حبان 16/ 202 (7219) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 95 والطبراني في "المعجم الصغير"(765) والدارقطني 4/ 170 - 171، والحاكم 2/ 198، والبيهقي 7/ 356، وابن حزم في "الأحكام" 5/ 149، صححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه"(1664)، و"الإرواء"(82).

(2)

ورد بهامش الأصل: قال الذهبي في "التذهيب": والظاهر أنه في أصله، وغلط من قال: سنة خمس ومائة.

ص: 587

وقوله: (منكم). يريد ممن سماه عمر رضي الله عنه دونه، وتوليتهم النظر في ذلك لعبد الرحمن؛ لأنه أحق من قدم لذلك، فهو أحق بالتقديم لمثل هذا الأمر لا سيما وقد عزل نفسه، فعلم إنما ينظر في الأصلح للمسلمين.

وقول المسور: (طرقني عبد الرحمن) إلى قوله: [ما]

(1)

أكتحلت هذِه (الليلة)

(2)

بكبير نوم) هكذا ينبغي لمن تكلف النظر في أمر مهم من أمور المسلمين أن يهجر فيه نومه وأهله.

وقوله: (فادع لي الزبير وسعدا، ثم دعاني، فقال: ادع لي عليًّا)، إلى قوله:(وهو على طمع) هكذا ينبغي لئلا يتوقف عن حضور موطن الجمع.

وقوله: (ادع لي عثمان) أنه ليرى ما عنده، فدعاه آخر الثلاثة لئلا يمتنع من قبول ذلك.

وقوله: (فلما صلى اجتمع أولئك الرهط عند المنبر) يريد: الذين جعل عمر الشورى بينهم.

وقوله: (وأرسل إلى أمراء الأجناد). أي ليجتمع أهل الحل والعقد.

وقوله: (أما بعد يا علي). إلى آخره، كلامه لعلي دون من سواه لم يكن يطمع في ذلك الأمر مع وجود عثمان وعلي، وسكوت من حضر دليل على رضاهم بعثمان، فعند ذلك قام عبد الرحمن فبايع عثمان، ولم يمكن علي إلا الدخول فيما دخل فيه الناس.

(1)

ليست بالأصل وزدناها من المتن ليتضح السياق.

(2)

وقع بالأصل (الثلاث) وكتب بالهامش: صوابه (الليلة) فأثبتناها لذلك وهي كما قال.

ص: 588

‌44 - باب مَنْ بَايَعَ مَرَّتَيْنِ

7208 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: بَايَعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ لِي: «يَا سَلَمَةُ أَلَا تُبَايِعُ؟» . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ بَايَعْتُ فِي الأَوَّلِ. قَالَ: "وَفِي الثَّانِي". [انظر: 2960 - مسلم: 1860 - فتح 13/ 199]

ذكر فيه حديث سلمة رضي الله عنه: بَايَعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ لِي: "يَا سَلَمَةُ ألاتُبَايُع؟ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ بَايَعْتُ فِي الأَوَّلِ. قَالَ: "وَفِي الثَانِي".

قال المهلب: أراد عليه السلام أن يؤكد بيعته؛ لشجاعته وغنائه في الإسلام وشهرته في الثبات، فأراد أن يحظي له مزية في تكرير المبايعة من أجل شجاعته

(1)

. وقد سلف هذا في الجهاد

(2)

.

(1)

في هامش الأصل: في مسلم أنه بايع ثلاث مرات [قلت: هو حديثه الطويل في مسلم برقم (1807) كتاب الجهاد والسير، باب: غزوة ذي قرد وغيرها].

(2)

سلف برقم (2960)

ص: 589

‌45 - باب بَيْعَةِ الأَعْرَابِ

7209 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلَامِ، فَأَصَابَهُ وَعْكٌ، فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى، فَخَرَجَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا» . [انظر: 1883 - مسلم: 1383 - فتح 13/ 200]

ذكر فيه حديث جابر رضي الله عنه: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلَامِ، فَأَصَابَهُ وَعْكٌ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَي، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أقِلْنِي بَيْعَتِي فَابَي، فَخَرَجَ، فَقَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا»

الشرح:

البيعة على الإسلام كانت فرضًا على جميع الناس أعرابًا كانوا أو غيرهم، وإباؤه عليه السلام -وقد طلب الإقالة؛ لأنه لا يعين على معصية.

وقوله: "تنفي خبثها" أي: تنفي من لا خير فيه؛ لأن المدينة إنما يحمل على سكناها مع شدة حال ساكنها دل ذلك على ضعف

(1)

إيمانه.

وينصح طيبها أي: يظهر، وعبارة ابن التين: أي يبقي فيها ويقيم على سكناها الطيبون، والناصع: الصافي النقي اللون، وخروج الأعرابي منها دون إذنه له عليه السلام بعد هجرته إليها تشبه الردة؛ لأن بيعته عليه السلام إياه في أول قدومه إنما كانت على أن لا يخرج أحد منها فخروجه عصيان

(1)

كذا الفقرة بالأصل ولعل هناك سقط فعلى ما هذا المعنى لا يستقيم.

ص: 590

إذ كانت الهجرة أيضًا قبل الفتح على كل من أسلم من المسلمين إليها، فمن لم يهاجر إليها بم تكن بينه وبين المؤمنين موالاة، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72]، فبقي الناس على هذا إلى عام الفتح، فقال:"لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"

(1)

.

(1)

سلف برقم (3077) كتاب: الجهاد، باب: لا هجرة بعد الفتح وراه "مسلم" برقم (1864) كتاب: الإمارة، باب: المبايعة بعد فتح مكة.

ص: 591

‌46 - باب بَيْعَةِ الصَّغِيرِ

7210 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ -هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هُوَ صَغِيرٌ» فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ. [انظر: 2501 - فتح: 13/ 200]

ذكر فيه حديث أبي عَقِيلٍ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زينَبُ ابنةُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَايِعْهُ. فَقَالَ عليه السلام:"هُوَ صَغير" فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ، وَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ.

هذا الحديث سلف في الشركة

(1)

، وهو ظاهر لما ترجم له، فإن البيعة لا تلزم إلا من يلزمه عقود الإسلام كلها من البالغين، وقال بعض العلماء: أنها تلزم الأصاغر بمبايعة آبائهم عنهم، بايع عبد الله بن الزبير ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمره ثماني سنين

(2)

المولود عند ولادته.

(1)

سلف برقم (2501)، باب: الشركة في الطعام وغيره.

(2)

روى مبايعة ابن الزبير للنبي صلى الله عليه وسلم مسلم (2146) كتاب الأدب باب: استحباب تحنيك المولود عند ولادته.

ص: 592

‌47 - باب مَنْ بَايَعَ ثُمَّ اسْتَقَالَ البَيْعَةَ

7211 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلَامِ فَأَصَابَ الأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَى الأَعْرَابِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا المَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا» . [انظر: 1883 - مسلم: 1383 - فتح: 13/ 201]

ذكر فيه حديث جابر رضي الله عنه السالف قريبا

(1)

، وترجم عليه أيضا: باب مَنْ نَكَثَ بَيْعَته.

وَقَوْلِهِ تَعَالَي: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} الآية [الفتح: 10].

وإنما لم يُقِلْهُ عليه السلام؛ لأن الهجرة كانت فرضا، وكان ارتدادهم عنها من أكبر الكبائر، ولذلك دعا لهم الشارع فقال:"اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم علي أعقابهم" وقد أسلفنا ذلك بأوضح منه

(2)

.

وفيه من الفقه: أن من عقد على نفسه أو على غيره عقد الله تعالى فلا يجوز له حله؛ لأن في حله خروجًا إلى معصية الله، وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود، وقد سلف هذا المعنى في آخر كتاب الحج

(3)

.

(1)

سلف برقم (7209).

(2)

سلف برقم (3936) كتاب: مناقب الأنصار، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم".

(3)

بنصه من "شرح ابن بطال" 8/ 279.

ص: 593

‌48 - باب مَنْ بَايَعَ رَجُلاً لَا يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِلدُّنْيَا

7212 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَاهُ، إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ، فَأَخَذَهَا، وَلَمْ يُعْطَ بِهَا» . [انظر: 2358 - مسلم: 108 - فتح: 13/ 201]

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَة". الحديث.

وقد سلف في الشرب

(1)

وهو وعيد شديد في الخروج علي الأئمة، ونكث بيعتهم لأمر الله بالوفاء بالعقود إذ في ترك الخروج عليهم تحصين الفروج والأموال وحقن الدماء، وفي القيام عليهم تفريق الكلمة وتشتيت الألفة، وفية فساد الأعمال إذا لم يرد بها وجه الله وأريد بها عرض الدنيا، وهذا في معني قوله:"إنما الأعمال بالنيات"

(2)

وفيه عقوبة من منع ابن السبيل فضل ما عنده

(3)

قال ابن التين: وحكمة أن يقاتل، فإن قتل فشر قتيل.

ويدخل في معني الحديث منع فضل الماء، وكل ما بالناس الحاجة إليه.

وفيه: تحريم مال المسلم إلا بالحق

(1)

سلف برقم (2358)، باب: إثم من منع ابن السبيل من الماء

(2)

سلف برقم (1) كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلي رسول الله.

(3)

"شرح ابن بطال" 8/ 279.

ص: 594

وفيه: عقوبة الحلف بالله كاذبًا، وإنما خص به العصر؛ لأنه الوقت الذي ترتفع ملائكة النهار بأعمال العباد.

وقوله: ("ورجل بايع إمامًا"إلى" إلي قوله "وإلا لم يف له") فهذا لا حظ له في الآخرة؛ لأن بيعة الإمام إنما تكون لله وعلى إتيان حدود الله، ولتكون كلمة الله هي العليا - أُعطي ولم يعط.

وقوله: "ورجل بايع رجلاً" هذا من الخديعة والغش والكذب.

ص: 595

‌49 - باب بَيْعَةِ النِّسَاءِ

رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 979]

7213 -

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -وَنَحْنُ فِي مَجْلِسٍ-: «تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ» . فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. [انظر: 18 - مسلم: 1709 - فتح: 13/ 203]

7214 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الآيَةِ {لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] قَالَتْ: وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ إِلاَّ امْرَأَةً يَمْلِكُهَا. [انظر: 2713 - مسلم: 1866 - فتح: 13/ 203]

7215 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: بَايَعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ عَلَيَّ:{أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا فَقَالَتْ: فُلَانَةُ أَسْعَدَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَمَا وَفَتِ امْرَأَةٌ إِلاَّ أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ الْعَلَاءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ. أَوِ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ. [انظر: 1306 - مسلم: 936 - فتح: 13/ 205]

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ أَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ

ص: 596

ابْنَ الصَّامِتِ رضي الله عنه قالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -وَنَحْنُ فِي مَجْلِسٍ -: "تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا باللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تعصوني فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ به في الدُّنْيَا فَهْوَ كفَّارَةٌ وطهور، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ". فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ.

ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُبَايعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بهذِه الآيَة {لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا}

(1)

[الممتحنة: 12] وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرَأَةٍ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا.

وحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: بَايَعْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا فَقَالَتْ: فُلَانَةُ أَسعَدَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا. فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَمَا وَفَتِ منا امْرَأَةٌ إِلَّا أُمُّ سلَيْمٍ، وَأُمُّ العَلَاءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ. أَوِ ابنةُ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ.

الشرح:

كل ما خاطب الله به الرجال من شعائر الإسلام فقد دخل فيه النساء ولزمهن من ذلك ما لزم الرجال إلا ما خص به الرجال مما لا قدرة للنساء عليه من القيام بفرض الحرب وشبهه مما قد بين سقوطه عن النساء، وهذِه البيعة في هذِه الأحاديث كانت بيعة العقبة الأولى

(2)

بمكة قبل

(1)

في الأصل: {وَلَا تُشْرِكُوا}

(2)

ورد بهامش الأصل ما نصه: هي ثانية عند بعضهم، وبعضهم عدها أُوْلَي.

ص: 597

أن تفرض عليهم الحرب، ذكره ابن إسحاق وأهل السير قالوا: وكانوا اثني عشر رجلاً

(1)

.

وترجمة عبادة سلفت قريبًا.

فصل:

قوله عليه السلام: "بايعوني علي أن لا تشركوا باللهِ شيئًا).

بيَّن لهم أن التوقيف عن هذِه الأفعال القبيحة إنما يكون في الميزان إذا تقدمها الإيمان، وكان موجب التوقف عنها خوف الرحمن.

وقوله: "فمن وفي منكم فأجره علي الله"، أي: من يوف عن هذِه فأجره على الله.

وقوله: "فهو كفارة له". هو صريح في الرد على من قال: إن الحدود زاجرات لا مكفرات.

وقوله: (كان يبايع النساء بالكلام) أي: لأن المصافحة ليست شرطًا في صحة البيعة؛ لأنها عقد بالقول، وإن كان من حكم مبايعة الرجال المصافحة، ولو كانت المصافحة شرطًا ما صحت مبايعة ابن عمر رضي الله عنهما بالمكاتبة، وإنما كانت بيعة أميمة بعد الحديبية، وقد قال عليه السلام:"إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة"

(2)

يريد في المعاقدة ولزوم البيعة.

فصل:

النياحة: نوع من عمل الجاهلية، نهى عنها لما فيها من عدم الرضى

(1)

"سيرة ابن هشام" 2/ 39.

(2)

رواه الترمذي (1597)، والنسائي 7/ 152 وأحمد 6/ 357 وغيرهم وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في "الصحيحة"(529)

ص: 598

بالقضاء، وقبض المرأة يدها يحتمل خوفها عدم الوفاء إذ لم ترد الامتناع من ذلك.

فصل:

أم سليم اسمها: مليكة أم أنس بن مالك، وأم حرام: الغُميصاء، وحرام وسليم شهدا بدرًا وأحدًا وقتلا ببئر معونة أولاد ملحان، واسمه مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عفراء بن النجار كلهم أسلم، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأم العلاء بنت الحارث ببن حارثة بن ثعلبة بن الجلاس بن أمية بن حُدارة -بضم الخاء المعجمة وقيل": بكسر الجيم- أخي خدرة، ابني عوف بن الحارث بن الخزرج وعمتها كبشة بنت ثابت بن حارثة، أسلمت وبايعته، وأم نوح بنت ثابت بن حارثة، تروي عن أبي أيوب: "من صام رمضان واتبعه ستًّا من شوال فقد صام الدهر"

(1)

، ورواه عمر بن حفص بن ثابت، عن أبيه، عن جده، عن أبي أيوب، فذكر الحديث

(2)

.

(1)

الحديث رواه "مسلم"(1164) كتاب باب: استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعًا لرمضان.

(2)

لم أقف عليه بهذا الإسناد.

ص: 599

‌50 - باب مَنْ نَكَثَ بَيْعَةً

.

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10].

7216 -

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بَايِعْنِي عَلَى الإِسْلَامِ. فَبَايَعَهُ عَلَى الإِسْلَامِ، ثُمَّ جَاءَ الغَدَ مَحْمُومًا فَقَالَ: أَقِلْنِي. فَأَبَى، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ:«الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِى خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا» . [انظر: 1883 - مسلم: 1383 - فتح: 13/ 205]

ثم ساق حديث جابر رضي الله عنه السالف في بيعة الأعرابي، وسلف في أواخر الحج في باب المدينة تنفي خبثها

(1)

، وبيعة الإمام العدل إنما تكون على سنة الله وسنة رسوله فيما يستطيعه من أعمال البر، فمن وفي بذلك فقد وعده الله أجرًا عظيمًا جزاء عن وفائه.

(1)

سلف برقم (1883).

ص: 600

‌51 - باب الاسْتِخْلَافِ

7217 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَارَأْسَاهْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ» . فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ، وَاللهِ إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ -أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ "يَأْبَى اللهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ" أَوْ: يَدْفَعُ اللهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ". [انظر: 5666 - مسلم: 2387 - فتح: 13/ 205]

7218 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ: أَلَا تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: رَاغِبٌ رَاهِبٌ، وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ، لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا. [مسلم: 1823 - فتح: 13/ 205]

7219 -

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الغَدُ مِنْ يَوْمٍ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَتَشَهَّدَ وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَدْبُرَنَا -يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ- فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ [بِمَا] هَدَى اللهُ مُحَمَّدًا

صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَانِى اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ. وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ العَامَّةِ عَلَى المِنْبَرِ.

ص: 601

قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لأَبِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ: اصْعَدِ الْمِنْبَرَ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً. [7269 - فتح: 13/ 206]

7220 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تُرِيدُ المَوْتَ. قَالَ:«إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» . [انظر: 3659 - مسلم: 2386 - فتح: 13/ 206]

7221 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ لِوَفْدِ بُزَاخَةَ: تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ. [فتح: 13/ 206]

ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: وَارَأْسَاهْ. فَقَالَ عليه السلام: "لَوْ كَانَ ذَاكِ وَأَنَا حيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَك .. " الحديث. فقال: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ -أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَي أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ القَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ".

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قيل لعمر: ألا تستخلف؟ الحديث.

وحديث الزهري، عَنْ أَنَسِ رضي الله عنه قال: سمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لأَبِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ: اصْعَدِ المِنْبَرَ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ المِنْبَرَ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً.

وحديث مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فقالت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تُرِيدُ المَوْتَ. قَالَ:"إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ".

وحديث أبي بكر رضي الله عنه -أنه قال لِوَفْدِ بُزَاخَةَ: تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم والْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونكُمْ بِهِ.

ص: 602

الشرح:

فيه دليل قاطع -كما قال المهلب- على خلافة الصديق [وهو قوله]

(1)

"ولقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه". يعني: فأعهد إلى أبي بكر، "ثم قلت: يأبي الله"

(2)

غير أبي بكر، "ويدفع المؤمنون" غير أبي بكر بحضرته، وشك المحدث بأي اللفظين بدأ النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يشك في صحة المعنى، وهذا مما وعد به فكان كما وعد، وذلك من أعلام نبوته.

وقد روى مسلم هذا الحديث في كتابه فقال: "يأبي الله ويدفع المؤمنون إلا أبا بكر"

(3)

.

فإن قلت: فإذا ثبت أن الشارع لم يستخلف أحدًا، فما معنى ما رواه إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: رأيتُ عمر رضي الله عنه وبيده عسيب وهو يجلس الناس، ويقول: اسمعوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا خلاف لحديث ابن عمر؟

فالجواب: أنه ليس في أحد الخبرين خلاف للآخر، ومعنى قول عمر: إن أترك فقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: ترك التصريح والإعلان بتعيين شخص ما وعقد الأمر له، وأما قول عمر: اسمعوا لخليفة رسول الله. فمعناه: أنه استخلف عليهم أبا بكر بالأدلة التي نصبها لأمته أنه الخليفة بعده، فكان أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقيام الدليل على استخلافه، ولما كان قد أعلمه الله أنه لا يكون غيره،

(1)

ليست في الأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال" لأن السياق يقتضيها.

(2)

كذا في الأصل، و"شرح ابن بطال" 8/ 282.

(3)

"مسلم"(3287) كتاب: فضائل الصحابة. باب: من فضائل أبي بكر الصديق.

ص: 603

ولذلك قال: "يأبى الله ويدفع المؤمنون". ومن أبين الدليل في استخلاف أبي بكر قول المرأة: إن لم أجدك إلى من ألجأ بالحكم؟ فقال عليه السلام: "أئت أبا بكر".

ولم يكن للبشر من علم الغيب ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فرأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين، وإن لم يوقف الأمر على رجل بعينه؛ لكن جعله لمعيَّنيِن لا يخرج عنهم إلى سواهم، فكان نوعًا من أنواع الاستخلاف والعقد، وإنما فعل هذا عمر رضي الله عنه، وتوسط حاله بين حالتين خشية الفتنة بعده، كما خشيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت قول الأنصار ما قالوا، فلذلك جعل عمر رضي الله عنه الأمر معقودًا موقوفًا على الستة؛ لئلا يترك الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك الأمر إلى شورى مع ما قام من الدليل على فضل الصديق فأخذ من فعل أبي بكر طرفًا آخر وهو العقد لأحد الستة ليجمع لنفسه فضل السنتين ولم يترك الترك الكلي، ولم يعين التعيين الكلي، وجعلها شورى بين من شهد له بالجنة، وأبقى النظر للمسلمين في تعيين من اتفق أمرهم عليه ممن جعل الشورى فيهم.

وأما قول عمر رضي الله عنه حين أثنوا عليه: (راغب واهب وددت أني نجوت منها كفافًا) فيحتمل معنيين: أحدهما: راغب بثنائه في حسن رأي وتقرر له، وراهب من إظهار مابنفسه من كراهية، وئانيتهما: راغب يعني: أن الناس في هذا الأمر راغب فيه -يعني في الخلافة، وراهب منها، فإن وليت الراغب فيها خشيت أن لا يعان عليها للحديث

(1)

، وإن

(1)

لعله يقصد الحديث السالف برقم (6622) كتاب: الأيمان والنذور، الذي فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها

".

ص: 604

وليت الراهب منها خشيت أن لا يقوم بها، وهذا من حقيقة الإشفاق، وفي هذا كله دلالة على جواز عقد الخلافة من الإمام لغيره بعده، فإن أمره في ذلك على جماعة المسلمين جائز.

فإن قلت: لِمَ جاز للإمام تولية العهد، والإمام إنما يملك النظر في المسلمين حياته ويزول عنه بوفاته، وتولية العهد استخلاف بعد وفاته في وقت زوال أمره وارتفاع نظره وهو لا يملك ذلك الوقت ما يجوز عليه (توليته)

(1)

أو تنفذ فيه وصيته؟

فالجواب: إنما جاز ذلك لأمور منها إجماع الأمة من الصحابة ومن بعدهم على استخلاف الصديق والفاروق على الأمة بعده، وأمضت الأمة ذلك منه على أنفسها، وجعل عمر- رضي الله عنه الأمر بعده في ستة فألزم ذلك من حكمه، وعمل فيه على رأيه وعقده، ألا ترى رضا علي رضي الله عنه بالدخول في الشورى مع الخمسة وجوابه للعباس بن عبد المطلب حين عاتبه على ذلك، بأن قال: كان الشورى أمرًا عظيمًا من أمور المسلمين، فلم أر أن أخرج نفسي منه

(2)

.

ولما جاز لهم الدخول معه فيه.

ومنها أن المسلمين إنما يقيمون الإمام إذا لم يكن لهم؛ لحاجتهم إليه وضرورتهم إلى إقامته؛ ليكفيهم مؤنة النظر في مصالحهم، فلما لم يكن لهم مع رأيه وأمره فيما يتعلق بمصالحهم رأي ولا نظر فكذلك إقامة الإمام بعده؛ لأنه من الأمور المتعلقة بكافتهم، فكان رأيه في

(1)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"(توليه) ولعله أنسب للمعنى.

(2)

وردت عبارة في "شرح ابن بطال" قبل هذِه نصها (ولو كان باطلاً عنده لوجب عليه أن يخرج نفسه منه) ثم عطف عليه ما سيأتي، وهذا الذي في "شرح ابن بطال" أصح.

ص: 605

ذلك ماضيًا عليهم، وجرى مجرى الأب في توليتهم على ابنة الصغير بعد وفاته فإنه عند عدم الأب.

فصل:

وأما قوله عمر رضي الله عنه في خطبته: (كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا). يعني: حتى يكون آخرنا، فإنما قال ذلك

(1)

يوم وفاته حين قال: إن محمداً لم يمت، وإنه سيرجع ويقطع أيدي رجال وأرجلهم حتى قام الصديق فخطب .. الحديث، وقد ذكر ابن إسحاق، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إنما حملني على مقالتي حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] الآية، فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها

(2)

.

وكان في هذا الرزية الشنيعة والمصيبة النازلة من الأمة من موت نبيها من ثبات نفس الصديق ووفور عقله ومكانته من الإسلام ما لا مطمع فيه لأحد غيره. وقال سعيد بن زيد: بايعوا الصديق يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا بقاء بعض يوم وليسوا [في جماعة]

(3)

.

وقد ذكر ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفاه الله وقالوا: وددنا أنا متنا قبله، إنا نخشى أن نفتن بعده، وقال معن بن عدي العجلاني: والله ما أحب أني مت قبله

(1)

وقع في "شرح ابن بطال" 8/ 285: فإنما قال ذلك اعتذارًا مما كان خطبه قبل ذلك يوم وفاته فلعله سسقط من الناسخ، أو من المصنف حين نقله من "شرح ابن بطال".

(2)

"سيرة النبي صلى الله عليه وسلم" لابن هشام 4/ 341.

(3)

ليست في الأصل والمثبت من "شرح ابن بطال".

ص: 606

حتي أصدقة ميتا كما صدقتة حيًّا. فقتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما

(1)

.

فائدة: معني (يدبرنا) قال الخليل: دبرت الشيء دبرا تبعته، وعلى هذا قرأ من قرأ:(والليل إذا دبر) يعني: إذا تبع النهار، ودبرني فلان: خلفني

(2)

فصل:

قولة: (بزاخة). بباء موحدة مضمومة ثم زاى ثم ألف ثم خاء معجمة ثم هاء: موضع كانت فيه وقعة للمسلمين في خلافة الصديق، ووفد بزاخة ارتدوا ثم تابوا، فأوفدوا رسلهم للصديق يعتذرون إليه، فأحب الصديق أن لا يقضي فيهم إلا بعد المشاورة في أمرهم، فقال لهم: ارجعوا واتبعوا أذناب الإبل في الصحاري حتي يري المهاجرون وخليفة رسول الله ما يريهم الله في مشاورتهم أمرًا يعذرونكم فيه.

وذكر يعقوب بن محمد الزهري قال: حدثني إبراهيم بن سعد، عن سفيان الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: قدم وفد أهل بزاخة وهم من طيء يسألونه الصلح، فقال أبو بكر رضي الله عنه: اختاروا إما الحرب المجلية وإما السلم المخزية. فقالوا: قد عرفنا الحرب، فما السلم المخزية؟ قال: ينزع منكم الكراع والحلقة وتودون قتلانا، وقتلاكم في النار، وتغنم ما أصبنا منكم تردون إلينا ما أصبتم منا، وتتركون أقوامًا تتبعون أذناب الإبل حتى يُري اللهُ خليفةَ نبيه والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به، فخطب أبو بكر الناس،

(1)

المرجع السابق 4/ 340.

(2)

"العين"8/ 32 مادة (دبر)

ص: 607

فذكر أنه قال وقالوا. فقال عمر رضي الله عنه: قد رأيت، وسنشير عليك أما ما ذكرت من أن تنزع منهم الكراع والحلقة فنعم ما رأيت، وأما ما ذكرت من أن يودوا قتلانا وقتلاهم في النار، فإن قتلانا قُتلت على أمر الله [فليس]

(1)

لها ديات

(2)

، فتابع الناس على (قيل)

(3)

عمر رضي الله عنه

(4)

.

فصل:

قوله عليه السلام: "ذلك لو كان وأنا حي .. ". إلى آخره كأنها فهمت من قوله تمنى الموت لها، وقولها: معرسًا ببعض أزواجه: أخذتها الغيرة؛ لأنها كانت تحب قربه.

وقوله: "أو يتمنى المتمنون". يريد والله أعلم تتمنوا غير خلافة أبي بكر.

وقوله: (لا يحملها حيًّا ولا ميتًا)

(5)

. أي: لا أجمع بينهما بأن أتحملها حيًّا وأغتر فأتحملها ميتًا.

فصل:

ومبادرة الفاروق صبيحة اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقديم الصديق؛ لأنه أهم الأمور بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه يحسن حال المسلمين ويرتفع الحرج بينهم.

وقوله: (قد جعل الله بين أظهركم نورًا). يعني: القرآن.

وقوله: (وإن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين). ذكر هذِه الأولى؛ لانفراده بها، وهي أعظم فضائله التي يستحق من اتصف بها

(1)

من "شرح ابن بطال" ولا بد منها فبدونها يفسد المعنى.

(2)

رواه بنحوه سعيد بن منصور في "سننه" 2/ 333.

(3)

في "شرح ابن بطال"(قول).

(4)

"شرح ابن بطال" 8/ 286.

(5)

كذا بالأصل، وصواب المتن (لا أتحملها حيًّا وميتًا).

ص: 608

الخلافة بعده، وغيره اشترك معه في مسمى الصحبة مع ما له من الفضائل الجمة.

وقوله: (وإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه). هذا منه رضي بتقديمه ومبايعته.

وقوله لأبي بكر: (اصعد المنبر) وإلحاحه عليه في ذلك حتى يشهده من عرفه ومن لم يعرفه.

فصل:

قوله: "إن لم تجديني فأتي أبا بكر" هذِه منه إشارة لخلافته بعده، وقوله لوفد بزاخة ما قال فيه إشارة إلى ما فعله الصديق بعده في أهل الردة

(1)

، فأعز الله الإسلام به، وتقديمه للصلاة أيضًا إشارة للخلافة بعده؛ لأن من رضيه للدين رضي به للدنيا.

(1)

كلام المصنف يوهم أن القائل لوفد بزاخة هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو الصديق فلا معنى لاستنباطه ما استنبطه.

ص: 609

-‌

‌ باب

7222، 7223 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا" فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ". [مسلم: 1821 - فتح: 13/ 211]

ذكر فيه حديث جابر بن سمره رضي الله عنه -قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا" فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ أَبِي: إِنَّهُ قَالَ: "كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ".

قال المهلب: لم ألق أحدًا يقطع في هذا الحديث بمعنى، فقوم يقولون: يكون اثنا عشر أميرًا بعد الخلافة المعلومة مرضيين، وقوم يقولون: يكونون متواليين إمارتهم، وقوم يقولون: يكونون في زمن واحد كلهم من قريش، ويدعي الإمارة، والذي يغلب عليه الظن أنه إنما أراد يخبر بأعاجيب ما يكون من بعده من الفتن حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميرًا، وما زاد على الاثني عشر فهو زيادة في التعجب كأنه أنذر بشرط من الشروط وبعضه يقع، ولو أراد عليه السلام غير هذا لقال: يكون اثنا عشر أميرًا يفعلون كذا، ويصنعون كذا، فلما أعراهم من الخبر علمنا أنه أراد أن يخبر بكونهم في زمن واحد

(1)

.

وفي "خصائص مسند الإمام أحمد" لأبي موسى المديني أن عبد الله بن أحمد قال: قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: اضرب

(1)

"شرح ابن بطال" 8/ 287.

ص: 610

على [حديث]

(1)

أبي زرعة عن"أبي هريرة رضي الله عنه: "يُهلك أمتي هذا الحي من قريش"

(2)

فإنه خلاف الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قوله: "اسمعوا وأطيعوا". قال أبو موسى: فلما شذت لفظه عن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه

(3)

.

(1)

ليست بالأصل.

(2)

سلف برقم (3604) كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام.

(3)

"خصائص المسند" ص 17 وكلام الإمام أحمد مثبت في "المسند" 2/ 301 عقب هذا الحديث.

قلت: علق الشيخ أحمد شاكر على إثبات عبد الله بن الإمام أحمد للحديث في "المسند" وحكايته كلام أبيه بعده بقوله: وهو من أمانة عبد الله وشدة تحريه، فإن الإسناد صحيح لا مطعن عليه، وكونه في ظاهره مخالفًا للأمر بالسمع والطاعة ليس علة له، وما هو بالأمر بمخالفتهم والخروج عليهم، فلا ينافي السمع والطاعة. والحديث رواه الإمام بأسانيد أخر أكثرها صحيح .. "المسند" ج 1/ 24 ط شاكر.

وعلق على أمر الإمام بالضرب على الحديث أثناء تعليقه على الحديث في "المسند"فقال: لعله كان احتياطًا منه رحمه الله، خشية أن يظن أن اعتزالهم يعني الخروج عليهم. وفي الخروج فساد كبير بما يتبعه من تفريق الكلمة وما فيه من شق عصا الطاعة. ولكن الواقع أن المراد بالاعتزال أن يحتاط الإنسان لدينه فلا يدخل معهم مداخل الفساد، ويربأ بدينه من الفتن. اهـ.

ص: 611

‌52 - باب إِخْرَاجِ الخُصُومِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ مِنَ البُيُوتِ بَعْدَ المَعْرِفَةِ

وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ رضي الله عنه أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه حِينَ نَاحَتْ.

7224 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ

يُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مَرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ العِشَاءَ». [انظر: 644 - مسلم: 651 - فتح: 13/ 215]

[قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: قَالَ: يُونُسُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مِرْمَاةٌ مَا بَيْنَ ظِلْفِ الشَّاةِ مِنَ اللَّحْمِ مِثْلُ مِنْسَاةٍ وَمِيضَاةٍ. الْمِيمُ مَخْفُوضَةٌ]

(1)

.

ثم ساق حديث أبى هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبُ". الحديث سلف في الصلاة في باب وجوب صلاة الجماعة

(2)

.

قال المهلب: إخراج أهل الريب والمعاصي من دورهم بعد المعرفة

(1)

قال ابن حجر في "الفتح" 13/ 216: وثبت هذا التفسير في رواية أبي ذر عن المستملي وحده.

قلت: وكذا أثبتت في هامش"اليونينية"وعليها رمز أبي ذر عن المستملي. ولذا لم يذكرها المصنف في الشرح مع أنه تكلم على الكلمة المفسرة ولم يذكر تفسير البخاري هذا وكان أولى لو علم به.

(2)

سلف برقم (644)

ص: 612

واجب على الإمام لأجل تأذي من جاورهم، ومن أجل مجاهرتهم بالعصيان وإذا لم يعرفوا بأعيانهم فلا يلزم البحث عن أمرهم؛ لأنه من التجسس الذي نهى عنه، وليس للسلطان أن يرفع ستر اختفائهم حتى يعلنوا إعلانًا يعرفون به؛ لقوله عن الله تعالى:"كل عبادي معافون إلا المجاهرون"

(1)

، فحينئذٍ يجب على السلطان تغييره والنكال فيه كما صنع بأخت الصديق حين ناحت.

وقال غيره: ليس إخراج أهل المعاصي بواجب، فمن ثبت عليه ما يوجب الحد أقيم عليه، وإنما أخرج عمر رضي الله عنه تلك؛ لأنه نهاها عن النياحة، فلم تنته وأبعدها عن نفسه لا أنه أبعدها عن البيت أبدًا؛ لأنها رجعت بعد ذلك إلى بيتها.

وقد روى أبو زيد عن ابن القاسم في رجل فاسد يأوي إليه أهل الفسق والشر ما يصنع به؟ قال: يخرج من منزله وتخارج

(2)

عليه الدار، قلت: لا تباع عليه؟ قال: لعله يتوب فيرجع إلى منزله، قال ابن القاسم: ويتقدم إليه مرة أو مرتين أوثلاثًا، فإن لم ينته أخرج وأكريت عليه

(3)

.

وقد مرَّ هذا المعنى في آخر الجهاد في باب أمره عليه السلام بإخراج المشركين من جزيرة العرب

(4)

.

(1)

سلف برقم (6069) كتاب: الأدب. باب: ستر المؤمن على نفسه.

(2)

كذا في الأصل، و"مواهب الجلايل" 7/ 567.

وفي "البيان والتحصيل" 9/ 416 تحرز. وقال محققه: في الأصل: وتخاريج، وهو تحريف.

(3)

انظر: "البيان والتحصيل" 9/ 416، "مواهب الليل" 7/ 567.

(4)

سلف برقم (3053).

ص: 613

فصل:

فيه من الفوائد: الرغبة لمن ترك صلاة الجماعة من غير عذر، وفيه جواز العقوبة بالمال كالعتق بالمثلة.

فصل:

المرماة في الحديث المذكورة بكسر الميم وفتحها حديدة كالسنان كانت الجاهلية يكومون كومًا من تراب ويبعدون عنه ويرمون تلك الحديدة فأيهم أثبتها فيه فهو غالب، قاله ابن وضاح، وقال مالك: المرماتين: السهمانين

(1)

، وقال أبو عبيد:(ما بين)

(2)

ظلفي الشاة، وقال: وهذا حرف لا أعرفه ولا أدري تفسيره

(3)

.

فصل:

معنى الحديث: أن المنافقين كانوا يتخلفون عن الجماعة معه عليه السلام فهم بتحريق بيوتهم عقوبة لهم ثم أخبر عليه السلام بحقارة ما يتبادرون إليه من العظم اوالمرمالتين وعدم ما يتخلفون عنه في شهود الصلاة في مسجد معه

(4)

، وأتاهم عليه السلام يحرق بيوتهم ولم يفعل؛ لأنه عليه السلام لم يتقدم إليه في ذلك.

(1)

كذا بالأصل ولم أقف على تفسير للإمام مالك لهذِه اللفظة، وفي "التمهيد" 18/ 339: وأما المرماتان، فقيل: هما السهمان، وقيل: هما حديدتان من حدائد كانوا يلعبون بها، وهي ملس كالأسنة كانوا يثبتونها في الأكوام والأغراض. ويقال - فيما زعم بعضهم: المذاجي .. إلخ ولم ينسب ابن عبد البر منها قولاً لمالك.

(2)

في الأصل (هما من) والمثبت من "غريب الحديث".

(3)

"غريب الحديث" 1/ 474.

(4)

كذا العبارة بالأصل سيئة الصياغة.

ص: 614

‌53 - باب هَلْ لِلإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ المُجْرِمِينَ وَأَهْلَ الْمَعْصِيَةِ مِنَ الكَلَامِ مَعَهُ وَالزِّيَارَةِ وَنَحْوِهِ

؟

7225 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ -فَذَكَرَ حَدِيثَهُ- وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَآذَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا. [انظر: 2757 - مسلم: 2769 - فتح: 13/ 216]

ذكر فيه حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عبد الله بن كعب بن مالك -وَكَانَ قَائِدَ كَعْب مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا تخلفت عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ -فَذَكَرَ حَدِيثَهُ- وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَآذَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا.

عبد الرحمن هذا أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، ووالده عبد الله أخرج له هؤلاء وابن ماجة مات سنة سبع وتسعين، وكعب أخرجوا له، عقبي، أحد الشعراء، مات سنة خمسين.

وأصل الهجران في كتاب الله تعالى وهو أمر الله تعالى عباده بهجران نسائهم في المضاجع، فإذا كان الهجران من المعاقبة بنص القرآن فلذلك استعمله الشارع في عقوبة كعب بن مالك حين تخلف عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك ما فرض الله عليه من الجهاد مع نبيه ونصرته وبذل نفسه دونهم، وقد قال سحنون: إذا سجن الرجل في دين

ص: 615

امرأته، فليس له أن يدخل امرأته في السجن؛ لأنه إنما أدخل فيه تأديبًا له وتضييقًا عليه فإذا لم يمنع من لذته لم يضيق عليه

(1)

.

آخركتاب الأحكام بحمد الله ومنِّه.

(1)

انظر: "المنتقى" 5/ 88.

ص: 616

94

كِتَابُ التَّمَنِّي

ص: 617

بسم الله الرحمن الرحيم

‌94 - كِتَابُ التَّمَنِّي

‌1 - باب مَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ

7226 -

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنَّ رِجَالاً يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ مَا تَخَلَّفْتُ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ» . [انظر: 36 - مسلم: 1876 - فتح: 13/ 217]

7227 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّي لأُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا» . فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُهُنَّ ثَلَاثًا أَشْهَدُ بِاللهِ. [انظر: 36 - مسلم: 1876 - فتح: 13/ 217]

ص: 619

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ مَا تَخَلَّفْتُ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ".

ثم ساقه أيضًا من حديث الأعرج عن أبي هريرة أيضًا.

هذا الكتاب ذكره ابن بطال بعد فضائل القرآن وبعده القدر

(1)

، وأحاديثه تقدمت لكن لا بد من التنبيه على فوائدها، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أحد الأئمة، مات سنة أربع وتسعين على أحد الأقاويل، وسعيد بن المسيب هو أبو محمد المخزومي أحد الأعلام والفقهاء الكُمَّل تابعي مات سنة أربع وتسعين وعاش تسعًا وسبعين سنة.

ومن فوائده: تمني الخير وأفعال البر والرغبة فيها، وإن علم أنه لا ينالها حرصًا على الوصول إلى أعلى درجات الطاعة.

وفيه: فضل الشهادة على سائر أعمال البر حيث تمناها الشارع دون غيرها، وذلك لرفيع منزلتها، وكرامة أهلها؛ لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وذلك والله أعلم بسخائهم لبذل مهجهم في مرضاته، وإعزاز دينه، ومحاربة من حاربه وعاداه، لا جرم جازاهم بأن عوضهم في فقد جاه الدنيا الفانية الحياة الدائمة في الدار الباقية فكأن رتب المجازاة من جنس الطاعة.

(1)

"شرح ابن بطال" 10/ 286.

ص: 620

‌2 - باب تَمَنِّي الخَيْرِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ كَانَ لِي أُحُدٌ ذَهَبًا»

7228 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَوْ كَانَ عِنْدِي أُحُدٌ ذَهَبًا لأَحْبَبْتُ أَنْ لَا يَأْتِيَ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، لَيْسَ شَيْءٌ أُرْصِدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ» . [انظر: 2389 - مسلم: 991 - فتح: 13/ 217]

ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه -بلفظ: "لَوْ كَانَ عِنْدِي أُحدٌ ذَهَبًا لأَحْبَبْتُ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، لَيْسَ شَيْءٌ أرْصِدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ".

الشرح: فيه أيضًا تمني الخير وأفعال البر؛ لأنه عليه السلام تمنى لو كان مثل أُحد ذهبًا لأحب أن ينفقه في الطاعة قبل أن يأتي عليه ثلاث، قال: وقد تمنى الصالحون ما يمكن كونه ومالا يمكن كونه حرصًا منهم على الخير، فتمنى بنو الزبير منازل من الدنيا؛ لينفذ أقوالهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وروي أن عبد الله وعروة ومصعبًا بني الزبير بن العوام اجتمعوا عند الكعبة، فقال: عبد الله أحب أن لا أموت حتى أكون خليفة بالحجاز، وقال مصعب: أحب أن إلي العراقين: الكوفة والبصرة، وأتزوج سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، وقال عروة: لكني أسأل الله الجنة، فصار عبد الله ومصعب إلى ما تمنيا ورئي أن عروة صار إلى الجنة إن شاء الله.

وروي بدله ابن عمر، وروي أنه كان معهم بدل عروة عبد الملك بن مروان، وتمنى أن لا يميته حتى يوليه شرق الأرض وغربها ولا ينازعه

ص: 621

أحد إلا أتى برأسه

(1)

.

وما تمنوه مما لا سبيل إلى كونه تصغيرًا لأنفسهم وتحقيراً لأعمالهم، فتمنوا أنهم لم يخلقوا وأنهم أقل الموجودات، تمنى الصديق أن يكون (بحفرة تأكله الذئاب)

(2)

، وتمنى عمر أن يكون تبنة من الأرض فقال: يا ليتني كنت هذِه، ليتني لم أك شيئًا، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت نسيًا منسيا

(3)

، وقرأ عمر رضي الله عنه:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)} [الإنسان: 1]، فقال: يا ليتها تمت

(4)

.

قآل عمران بن حصين: وددت أني رماد على أكمة تسفيني الرياح في يوم عاصف

(5)

.

وقال أبو ذر رضي الله عنه: وددت أن الله خلقني شجرة تقضم

(6)

.

ومرت عائشة رضي الله عنها بشجرة فقالت: يا ليتني كنت ورقة من هذِه الشجرة.

(1)

انظر: "حلية الأولياء" 2/ 176، "سير أعلام النبلاء" 4/ 141، 431.

(2)

كذا بالأصل، ورواه ابن سعد في "الطبقات" 3/ 198 بلفظ: خضرة تأكلني الدواب.

(3)

رواه ابن المبارك في "الزهد"(234)، وابن سعد في "الطبقات" 3/ 361، وابن أبي شيبة 7/ 117 (34469).

(4)

رواه ابن المبارك في "الزهد"(235)، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" ص 150. ورواه أيضًا عبد بن حميد، وابن المنذر كما في "كنز العمال" (35915).

(5)

رواه معمر في "جامعه" 11/ 307 (20615)، وعنه ابن المبارك في "الزهد"(241)، والبيهقي في "الشعب"1/ 486 (790).

(6)

رواه أحمد 5/ 173 موقوفًا، ورواه الترمذي (2312)، وابن ماجه (4190) عن أبي ذر مرفوعًا.

ص: 622

وقال أبو عُبيدة

(1)

: وددت أني كبش فذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحسون مرقي

(2)

.

وإنما حملهم على ذلك شدة الخوف من المسائلة والعرض عليه، وعلى قدر العلم بالله تكون الخشية منه، ولذلك قال الفضيل: من مقت نفسه في الله آمنه الله من مقته.

(1)

هو أبو عبيدة بن الجراح.

(2)

رواه معمر في "جامعه" 11/ 307 (20615) وعنه ابن المبارك في "الزهد"(241)، والبيهقي في "الشعب" 1/ 486 (790).

ص: 623

‌3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ ما سُقْتُ الهَدي»

7229 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» . [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 13/ 218]

7230 -

حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَبَّيْنَا بِالْحَجِّ وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَأَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَلْنَحِلَّ إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنَّا هَدْىٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ، وَجَاءَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ مَعَهُ الهَدْيُ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ لَحَلَلْتُ» . قَالَ: وَلَقِيَهُ سُرَاقَةُ وَهْوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَنَا هَذِهِ خَاصَّةً؟ قَالَ:«لَا بَلْ لأَبَدٍ» . قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ قَدِمَتْ مَكَّةَ وَهْيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَنْسُكَ المَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَطُوفُ وَلَا تُصَلِّي حَتَّى تَطْهُرَ، فَلَمَّا نَزَلُوا البَطْحَاءَ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ عُمْرَةً فِي ذِي الحَجَّةِ بَعْدَ أَيَّامِ الحَجِّ. [انظر: 1557 - مسلم: 1216 - فتح: 13/ 218]

ذكره من حديث عروة، عن عائشة رضي الله عنها بزيادة:"وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا".

وساقه من حديث جابر أيضًا بطوله.

ص: 624

ومعناه: لو علمت أن أصحابي يأتون من العمرة في أشهر الحج ما أحرمت بالحج مفردًا (أو)

(1)

لأحرمت بالعمرة فلو أحرمت بها لم يكرهها أحد منهم وللانت نفوسهم لفعلي لها واختياري في نفسي، فكرهوها حين أمرهم بها؛ لكونهم على خلاف فعل نبيهم مع أنهم كانوا في الجاهلية [يكرهون العمرة في أشهر الحج فتمنى عليه السلام موافقة أصحابه]

(2)

، وكره ما ظهر منهم من الإشفاق لمخالفتهم له.

وفيه من الفقه:

أن الإمام ينبغي له أن يسلك سبيل الجمهور، وأن لا يخالف الناس في سيرته وطريقته

(3)

.

(1)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"(و).

(2)

ليست في الأصل، وأثبتناها من "شرح ابن بطال" ليتم المعنى.

(3)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 288.

ص: 625

‌4 - باب قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم: "لَيْتَ كَذَا وَكَذَا

".

7231 -

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَد، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَرِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلاً صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ» . إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ، فقَالَ:«مَنْ ذَا» . قِيلَ: سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ لأَحْرُسُكَ. فَنَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: قَالَ بِلَالٌ رضي الله عنه:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً

بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2885 - مسلم: 2410 - فتح: 13/ 219].

ذكر حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: أَرِقَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: "لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ". إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ السِّلَاحِ، قَالَ:"مَنْ هذا؟ ". قِيلَ: سَعْدٌ. يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ أَحْرُسُكَ. فَنَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ بِلَالٌ:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَة

بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

فيه: إباحة (ما)

(1)

تمني ما ينفع في الدنيا، قال ابن بطال: ويمكن أن يكون هذا الحديث قبل أن ينزل عليه: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] فلما سمع ذلك لم يحتج إلى حارس بعد، ويمكن أن يفعله عليه السلام بعد نزول الآية عليه؛ ليستن به الأمراء، ولا يضيعوا حرس

(1)

كذا بالأصل ولا وجه لها.

ص: 626

أنفسهم في أوقات (الغزو)

(1)

والغفلة

(2)

.

وفيه: فضل سعد. وعبد الله

(3)

هذا عَنْزي

(4)

مدني له ولأبيه صحبة، واستشهد عبد الله يوم الطائف

(5)

-عن ثمانين سنة- سنة خمس وثمانين، وليس في الكتب الستة غيره.

قلت: وهذا هو الأخ الأكبر

(6)

. وأخوه عبد الله بن عامر بن ربيعة الأصغر، وهو والد عمر كنيته أبو محمد، ولد سنة ست من الهجرة، روى عنه الزهري وغيره، قد وعى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة خمس وثمانين، ولا ثالث لهما (أعني)

(7)

عامر بن ربيعة بن كعب، وفي الصحابة عبد الله بن عامر بن ربيعة أربعة أخر

(8)

.

(1)

في "شرح ابن بطال": الغرة.

(2)

"شرح ابن بطال" 10/ 289.

(3)

ورد بهامش الأصل ما نصه: يعني عبد الله بن عامر بن ربيعة.

(4)

ورد بهامش الأصل: حاشية: السكون في النون أصح.

(5)

ورد بهامش الأصل ما نصه: قوله (يوم الطائف) خطأ، وكيف يكون ذلك؟ أما أبوه فتوفي سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: غير ذلك، وأما هو فتوفي سنة خمس وثمانين كما هو في الأصل. [قلت: انظر التعليق التالي].

(6)

أي: الذي استشهد يوم الطائف، وليس المترجم له.

فإن عامر بن ربيعة له ولدان باسم عبد الله: الأكبر، وهو الذي استشهد في حياة النبي وحياة والده يوم الطائف [انظر:"الاستيعاب" 3/ 63 (1603)] والأصغر، وهو راوي الحديث أدرك النبي وتوفي النبي وهو ابن أربع أو خمس سنين، وأمُّهما واحدة هي ليلى بنت أبي خيثمة. مات سنة خمس وثمانين كما ذكره المصنف بعد. [انظر:"الاستيعاب"3/ 63 (1604)، و"أسد الغابة" 3/ 287 (3030)، و"تهذيب الكمال" 15/ 140 (3352).

(7)

كذا بالأصل، ولعل أصلها كان (ابني) وتحرفت. والله أعلم.

(8)

لعله يقصد عبد الله بن ربيعة، وإلا لم أقف على أربعة في الصحابة يسمون بهذا الاسم.

ص: 627

‌5 - باب تَمَنِّي القُرْآنِ وَالْعِلْمِ

7232 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحَاسُدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ، فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ لَفَعَلْتُ مثلما يَفْعَلُ".

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بِهَذَا. [انظر: 5026 - فتح: 13/ 220]

ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لَا تَحَاسُدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ". الحديث.

لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هذا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ لَفَعَلْتُ مثل ما يَفْعَلُ».

وقد سلف أنه يغبط وليس بحسدٍ حسد حلال

(1)

، والحاسد فيه مشكور؛ لأنه إنما حسده على العمل بالقرآن والعلم، وحسد صاحب المال على نفقته له في حقه، فلم يقع الحسد على أمور الدنيا، وإنما وقع على ما يرضي الله ويقرب منه، فلذلك كان تمنيه حسنًا، وكذلك تمني سائر أبواب الخير إنما يجوز منها ما كان في معنى هذا الحديث إذا خلصت النية في ذلك، وخلص ذلك من البغي والحسد.

(1)

وقع في "شرح ابن بطال" 8/ 289 - 290: هذا من الحسد الحلال .. إلى آخر الباب ونقله منه المصنف بتمامه.

ص: 628

‌6 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَنِّي

وقوله: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} الآية [النساء: 32]

7233 -

حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَتَمَنَّوُا المَوْتَ» . لَتَمَنَّيْتُ. [انظر: 5671 - مسلم: 2680 - فتح: 13/ 220]

7234 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: أَتَيْنَا خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعًا، فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ [انظر: 5672 - مسلم: 2681 - فتح: 13/ 220]

7235 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ -اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْت، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ» . [انظر: 390 - فتح: 13/ 220]

ذكر فيه حديث النضر بن أنس قال: قال أنس بن مالك: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تتَمَنَّوُا المَوْتَ". لَتَمَنَّيْتُ.

وحديث قيس قَالَ: أَتَيْنَا خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوي سَبْعًا، فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.

وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ".

ص: 629

الشرح:

قال المهلب: بين الله في هذِه الآية ما لا يجوز تمنيه، وذلك [ما كان]

(1)

من عرض الدنيا وأشباهه.

قال الطبري: وقيل: إن هذِه الآية نزلت في نساء تمنين منازل الرجال، وأن يكون لهن ما لهم، فنهى الله سبحانه عن الأماني الباطلة إذا كانت الأماني الباطلة تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في هذِه الآية: لا يتمنى الرجل يقول: ليت لي مال فلان وأهله، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وأمر عباده أن يسألوه من فضله

(2)

.

وسئل الحسن البصري: هل للرجل يرى الدار فتعجبه والدابة تعجبه فيقول: ليت لي هذِه الدار ليت لي هذِه الدابة؟ فقال الحسن: لا يصلح هذا. قيل له: فيقول ليت لي مثل هذِه الدار؟ فقال: ولا هذا. قيل له: إنا كنا لا نرى بأسًا بقوله: ليت لي مثل هذا. فقال الحسن: ألا ترى قوله تعالى: {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} [العنكبوت: 62] أتدري ما يقدر له؟ ينظر إن كان خيرًا أن يبسطه له بسطه، وإن كان شرًا أن يمسكه عنه [أمسكه]

(3)

. فتنطلق إلى شيء ينظر الله فيه أنه خير لك، فأمسكه عنك [فيسلك إياه]

(4)

، فلعلك لو أعطيت ذلك كان فيه هلكة في دينك ودنياك، ولكن إذا سألت فقل: اللهم إني أسألك من

(1)

ليس في الأصل، وأثبتناه من "شرح ابن بطال".

(2)

انظر: "شرح ابن بطال" 8/ 290.

(3)

من "شرح ابن بطال" ويقتضيها السياق.

(4)

كذا بالأصل، ولا يناسب المعنى، وفي "شرح ابن بطال"(فتسأله إياه) وهو أنسب، انظر "أسد الغابة" 3/ 229 - 333 (2932 - 2935، 2938).

ص: 630

فضلك، فإن أعطاك أعطاك خيارًا، وإن أمسك عنك أمسك عنك خيارًا

(1)

.

ومعنى: نهيه عليه السلام عن تمني الموت، فإن الله تعالى قد قدر الآجال فمتمني الموت غير راض بقضاء الله ولا مسلم لقضائه.

وقد بين عليه السلام ما للمحسن والمسيء في أن لا يتمنى الموت، وذلك أن يزداد المحسن من الخير ورجوع المسيء عن الشر، وذلك نظر من الله للعبد، وإحسان منه إليه خير له من تمنيه الموت

(2)

. وقد تقدم في كتاب المرضي حيث يجوز تمني الموت، وحيث لا يجوز، والأحاديث المتعارضة في ذلك وبيان معانيها في باب: تمني الموت.

(1)

روى معناه مختصرًا عن الحسن ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 5/ 277 - 278.

(2)

"شرح ابن بطال" 8/ 290.

ص: 631

‌7 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا

7236 -

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الأَحْزَابِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ يَقُولُ: «لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، إِنَّ الأُلَى -وَرُبَّمَا قَالَ: المَلَا- قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا أَبَيْنَا" يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ. [انظر: 2836 - مسلم: 1803 - فتح: 13/ 222]

ذكر فيه حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الأَحْزَابِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ يَقُولُ:"لَوْلَا الله مَا اهْتَدَيْنَا نَحْنُ، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، إِنَّ الأُلَى -وَرُبَّمَا قَالَ: المَلَا- قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا" يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ.

الشرح:

البراء بن عازب هذا هو ابن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبو عمارة غزا الخندق وافتتح الري سنة أربع وعشرين في قول أبي عمرو الشيباني وشهد مع علي الجمل وصفين والنهروان، نزل الكوفة وهو من الأفراد، مات بالكوفة أيام مصعب بن الزبير بعد السبعين

(1)

.

و (لولا) لفظة يمتنع بها الشيء لوجود غيره، فوجود الهدى يمنع وقوع الضلال، وذلك من فضل الله بعباده، ولا يفعل العبد الطاعة ولا يجتنب المعصية إلا بقدر الله وقضائه على العبد.

(1)

انظر ترجمته في "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 1/ 384 (276)، و"الاستيعاب" 1/ 239 (174).

ص: 632

‌8 - باب كَرَاهِيَةِ التَّمَنِّي لِقَاءَ الْعَدُوِّ

وَرَوَاهُ الأَعْرَجُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3026]

7237 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ- قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ» . [انظر: 2818 - مسلم: 1741، 1742 - فتح: 13/ 222]

ثم ساقه من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما بلفظ: "لَا تتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ".

وقد سلف هذا الباب في الجهاد

(1)

، ومعناه: النهي عن تمني المكروهات، والتصدي للمحذورات، ولذلك سأل السلف العافية من الفتن والمحن؛ لأن الناس مختلفون في الصبر على البلاء.

وعبد الله هذا هو عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي، بايع تحت الشجرة، وهو آخر الصحابة موتًا بالكوفة وهو من الأفراد

(2)

.

(1)

سلف برقم (156).

(2)

انظر ترجمته في "الاستيعاب" 3/ 7 (1486)، و"أسد الغابة" 3/ 282 (2828).

ص: 633

‌9 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً

} [هود: 80]

7238 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ المُتَلَاعِنَيْنِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ: أَهِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؟» . قَالَ: لَا، تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ. [انظر: 5310 - مسلم: 1497 - فتح: 13/ 224]

7239 -

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ:«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي -أَوْ على النَّاسِ، وَقَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا: عَلَى أُمَّتِي- لأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلَاةِ هَذِهِ السَّاعَةَ» . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الصَّلَاةَ فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ. فَخَرَجَ وَهْوَ يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ يَقُولُ:«إِنَّهُ لَلْوَقْتُ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي» . وَقَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا عَطَاءٌ. لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَمَّا عَمْرٌو فَقَالَ: رَأْسُهُ يَقْطُرُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ. وَقَالَ عَمْرٌو: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي". وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّهُ لَلْوَقْتُ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 571 - مسلم: 642 - فتح: 13/ 224]

7240 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» [انظر: 887 - مسلم: 252 - فتح: 13/ 224]

7241 -

حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: وَاصَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم آخِرَ الشَّهْرِ، وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَلَغَ

ص: 634

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالاً يَدَعُ المُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ،

إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ». تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1961 - مسلم: 1104 - فتح: 13/ 224]

7242 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الوِصَالِ. قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: «أَيُّكُمْ مِثْلِي؟، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ» . فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا، وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ، فَقَالَ:«لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» . كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ. [انظر: 1965 - مسلم: 1103 - فتح: 13/ 225]

7243 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ؟ هُوَ قَالَ: «نَعَمْ» . قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ» . قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: «فَعَلَ ذَاكِ قَوْمُكِ؛ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا، وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ فِي الأَرْضِ» . [انظر: 126 - مسلم: 1333 - فتح: 13/ 225]

7244 -

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ - وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ» ». [انظر: 3779 - فتح 13/ 225].

7245 -

حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا» . تَابَعَهُ

ص: 635

أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الشِّعْبِ. [انظر:4330 - مسلم:1061 - فتح: 13/ 225].

ثم ساق حديث القاسم بن محمد، ذكر ابن عباس رضي الله عنهما المتلاعنين: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ: أَهِيَ التِي قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كنْتُ رَاجِمًا امْرَأ عن غيرِ بَيِّنَةٍ؟ ". قَالَ: لَا، تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ.

وحديث عمرو، عن عطاء: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللهِ ..... الحديث، وفيه:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي -أَوْ عَلَى النَّاسِ- لأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلَاةِ هذِه السَّاعَةَ". قَالَ ابن جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هذِه الصَّلَاةَ ..... الحديث وفيه:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي". وَقَالَ عَمْرٌو: ثَنَا عَطَاءٌ. لَيْسَ فِيهِ ابن عَبَّاسٍ. ثم ساق اختلافهم

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أمَّتي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ".

ثم قال: حَدَّثنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، -وهو بمثناه تحت وشين معجمة- وهو أبو الوليد الرقام من أفراده، وأما عياش بالموحدة والشين المعجمة ابن الوليد النرسي فاتفقا عليه - حَدَّثنَا عَبْدُ الأَعْلَي، حَدَّثنَا حُمَيْد، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: وَاصَلَ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم

وفيه "لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ (وصالًا)

(1)

".

وهذا أخرجه مسلم في الصوم عن عاصم بن النضر، عن خالد بن الحارث، عن حميد به

(2)

.

(1)

ذكر فوق الكلمة علامة: (لا. إلى) للحذف.

(2)

مسلم (1104/ 60) باب: النهي عن الوصال في الصوم.

ص: 636

ثم قال: تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ رسول صلى الله عليه وسلم.

قلت: أخرجه مسلم في الصوم عن زهير بن حرب، عن أبي النضر، عن سليمان به

(1)

.

حَدَّثنَا أَبُو اليَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابن شِهَاب، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الوِصَالِ .....

وفي آخره: "لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ".

قال أبو مسعود الدمشقي: كذا أردف حديث الليث على حديث شعيب، ولم يقل في حديث شعيب عمن رواه، وإنما يرويه شعيب عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وكذا رواه البخاري في كتاب: الصيام لم يقل عن سعيد بن المسيب

(2)

.

قال الجياني: هذا تنبيه حسن جدًا ويمكن أن يكون البخاري اكتفى بما ذكره في الصيام، لكن هذا النظم فيه إلباس

(3)

. ثم ساق البخاري في الباب حديث عائشة رضي الله عنها: "لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية".

وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأ مِنَ الأَنْصَارِ". وقد أسلفنا مدلول (لولا)، ونزل أحاديث الباب عليه.

(1)

مسلم (1104/ 59).

(2)

سلف برقم (1965) باب: التنكيل لمن أكثر الوصال.

(3)

"تقييد المهمل" 2/ 755.

ص: 637

وجواب (لو) في الآية

(1)

محذوف، كأنه قال: لحلت بينكم وبين ما جئتم به من الفساد، وحذفه أبلغ؛ لأنه يحصر النفي ضروب المنع، فإن قلت: لم قال: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)} [هود: 80] مع أنه يأوي إلى الله تعالى؟

فالجواب: إنه إنما أراد العدة من الرجال، وإلا فله ركن وثيق مع معونة الله ونصره، وتضمنت الآية البيان عما يوجبه حال المحق إذا رأى منكرًا لا يمكنه إزالته مع التحسر على قوة أو معين على دفعه بحرصه على طاعة ربه وجزعه من معصيته، فامتنع من الانتقام من قومه؛ لامتناع من يعينه على ذلك.

فصل:

[وقوله: "لو كنت راجمًا بغير بينة"]

(2)

.

امتنع من رجم المرأة؛ لامتناع وجود البينة، وكذلك امتنع من معاقبتهم بالوصال؛ لامتناع امتداد الشهر، ومثله "لو سلك [الناس]

(3)

واديًا لسلكت وادي الأنصار".

قال المهلب: وإنما قال ذلك تأنيسًا لهم؛ ليغبطهم بحالهم وإنها مرضية (عندهم)

(4)

وعند ربهم، لكنه امتنع من أن يساويهم في حالهم؛ لوجود الهجرة التي لا يمكنه تركها، وامتناعه من الأمر -فيما سلف- لوجود المشقة عليهم عند امتثالهم أمره.

(1)

أي الآية التي في ترجمة الباب {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} .

(2)

ليست في الأصل، وأثبتناها من "شرح ابن بطال" ومنه ينقل المصنف.

(3)

ليست بالأصل.

(4)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال": عنده.

ص: 638

وقوله: "لولا أن قومك .. " إلى آخره، امتنع من هدمه وبنائه على قواعد إبراهيم من أجل الإنكار الحاصل لذلك.

فإن قلت

(1)

: فقد روى ابن عيينة عن ابن عجلان، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:"احرص علي ما ينفعك، واستعن باللهِ ولا تعجز فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان"

(2)

.

فنهى عن (لو) في هذا الحديث، وهو معارض لما جاء في إباحة (لو) من الكتاب والسنة المروية في ذلك.

فالجواب: لا تعارض فالنهي عن (لو) معناه: لا تقل: إني لو فعلت كذا لكان [كذا]

(3)

علي القضاء والحتم، فإنه كائن لا محالة فأنت غير مضمر في نفسك شرط مشيئة الله، [هذا]

(4)

الذي نهى عنه؛ لأنه سبق في علم الله كل ما يناله المرء، قال تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 57].

فأما إذا كان قائله ممن (يوثق)

(5)

بأن الشرط إذا وجد لم يكن المشروط إلا بمشيئة الله، وإرادته فذلك هو الصحيح من القول.

وقد قال الصديق رضي الله عنه -لرسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو في الغار: لو أن أحدهم

(1)

هو افتراض الطبري نقله عنه ابن بطال في "شرحه" 8/ 294، وما سيأتي كلامه.

(2)

رواه مسلم (2664) كتاب: القدر، باب: الأمر بالقوة وترك العجز.

(3)

ليست بالأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال".

(4)

من "شرح ابن بطال".

(5)

كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"(يوقن).

ص: 639

رفع قدمه أبصرنا، فقال:"يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما"

(1)

. ولم ينكر ذلك عليه إذ كان عالمًا بمخرج كلامه، وأنه إنما قال ذلك على ما جرت به العادة، واستعمله الناس على الأغلب كونه عند وقوع السبب الذي ذكره، وإن كان قد كان جائزًا أن يرفع جميع المشركين الذين كانوا فوق الغار أقدامهم ثم ينظروا، فيحجب الله أبصارهم عن رسوله وعن صاحبه ولا يراهما منهم أحد، وكان جائزًا أن يحدث الله (غماً)

(2)

في أبصارهم فلا يبصرونهما، مع أسباب غير ذلك كثيرة، وأن الصديق لم يقل ذلك إلا على إيمان (منهم)

(3)

بأنهم لو رفعوا أقدامهم لم يبصروه إلا أن يشاء الله، فهذا تفسير لهذا الحديث (وناف)

(4)

للتعارض في ذلك.

آخر كتاب التمني بحمد الله ومَنِّه.

(1)

سلف برقم (3653) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب المهاجرين.

(2)

كذا بالأصل وفي "شرح ابن بطال"(عمى).

(3)

كذا بالأصل، والصواب (منه) كما في "شرح ابن بطال".

(4)

رسمها في الأصل (واو) وعليها علامة استشكال، وأثبتنا ما في "شرح ابن بطال" 10/ 293 - 295.

ص: 640

95

كتاب أخبار الآحاد

ص: 641

بسم الله الرحمن الرحيم

‌95 - كِتَابُ أخَبْارِ الآحَادِ

‌1 - باب مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَرِ الوَاحِدِ الصَّدُوقِ فِي الأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ

وَقَوْلُ اللهِ عز وجل: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} إلي قوله {يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]. وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]. فَلَوِ اقْتَتَلَ رَجُلَانِ دَخَلَه

(1)

فِي مَعْنَى الآيَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} . [الحجرات: 6]. وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ؟، فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ.

7246 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ

(1)

أشار في الهامش إلى أنه في نسخة: (دخلا).

ص: 643

لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا -أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا- سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ:«ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ -وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا- وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» . [انظر: 628 - مسلم: 674 - فتح 13/ 231]

7247 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ - أَوْ قَالَ: يُنَادِي - لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا -وَجَمَعَ يَحْيَى كَفَّيْهِ- حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا» . وَمَدَّ يَحْيَى إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ. [انظر: 621 - مسلم: 1093 - فتح 13/ 231].

7248 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ بِلَالاً يُنَادِى بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِىَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» . [انظر: 617 - مسلم: 1092 - فتح 13/ 231].

7249 -

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» . قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ. [انظر: 401 - مسلم: 572 - فتح 13/ 231].

7250 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنِ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ:«أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟» . فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، ثُمَّ رَفَعَ. [انظر: 482 - مسلم: 573 - فتح 13/ 231].

ص: 644

7251 -

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ. [انظر: 403 - مسلم: 526 - فتح 13/ 232].

7252 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ، -أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا-، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ العَصْرِ. [انظر: 40 - مسلم: 525 - فتح 13/ 232].

7253 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ -وَهْوَ تَمْرٌ- فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ. [انظر: 2462 - مسلم: 1980 - فتح 13/ 232].

7254 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَة، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَهْلِ نَجْرَانَ:«لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» . فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ. [انظر: 3745 - مسلم: 242 - فتح 13/ 232].

7255 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ» . [انظر:3744 -

ص: 645

مسلم: 2419 - فتح 13/ 232].

7256 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنهم قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدَ أَتَانِي بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 89 - مسلم: 1479 - فتح 13/ 232].

7257 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً، فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ: ادْخُلُوهَا. فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا:«لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَقَالَ لِلآخَرِينَ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» . [انظر: 4340 - مسلم: 1840 - فتح 13/ 233].

7258، 7259 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2314، 2315 - مسلم: 1697، 1698 - فتح 13/ 233]

7260 -

وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْضِ لِي بِكِتَابِ اللهِ. فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ، اقْضِ لَهُ بِكِتَابِ اللهِ، وَأْذَنْ لِي. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«قُلْ» . فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا -وَالْعَسِيفُ الأَجِيرُ- فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ، وَأَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي

ص: 646

بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرُدُّوهَا، وَأَمَّا ابْنُكَ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ -لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ- فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا». فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. [انظر: 2315 - مسلم: 1697 - فتح 13/ 233]

الشرح:

قال تعالى قبل هذِه الآية: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ} الآية [التوبة: 120]، قال قتادة: أمروا أن لا يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج بنفسه، فإذا وجه سرية تخلف بعضهم؛ ليسمعوا الوحي والأمر والنهي فيخبروا به من كان غائبًا، وقيل: كان الفرض في أول الإسلام أن ينفر الجميع ثم لما كثر المسلمون صار الجهاد فرضًا، ويبقى بعضهم لحفظ أمصارهم ومنع الأعداء منهم ولحفظ نبيه - عليه أفضل الصلاة والسلام -.

فصل:

وما جزم به من تسميةِ الرجلِ طائفةً، واستدلاله بالآية هو قول ابن عباس رضي الله عنهما وغيره.

وقال عطاء: الطائفة الرجلان فصاعدًا

(1)

، وقال مالك: الطائفة أربعة

(2)

.

وقال الزجاج: لا يجوز أن تكون الطائفة واحدًا؛ لأن معناها معنى الجماعة، والجماعة لا تكون لأقل من اثنين

(3)

، وقال ابن فارس وغيره

(1)

رواه الطبري 9/ 259 (25734).

(2)

انظر: "المنتقي" 7/ 146، وهو قول الشافعي، انظر:"أحكام القرآن" 1/ 240.

(3)

انظر: "زاد المسير" 6/ 8.

ص: 647

من أهل اللغة: الطائفة: القطعة من الشيء

(1)

، ولا يمتنع إذًا أن يسمى الواحد طائفة.

ورؤي عن مجاهد في الآية المذكورة أنهما كانا رجلين

(2)

، والأشبه في معنى الآية الأخرى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [النور: 2] أنها أكثر من واحد؛ لأن المراد بها الشهرة، وكذا طائفة التفقه.

فصل:

خبر الواحد واجب العمل به عند جماعة العلماء، ولا يحتاج إلى عدد محصور

(3)

.

وقيل: اثنان، وقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة، وقيل: عشرون، وقيل: اثنا عشر، وقيل: ثمانون، والكل ضعيف.

ثم ساق البخاري في الباب أحاديث سلفت:

أحدها: حديث مالك بن الحويرث السالف في الأذان وغيره. وفيه: ونحن شببة متقاربون، جمع شاب، مثل: سفرة.

ثانيها: حديث التيمي هو سليمان، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابن مَسعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ:"لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذَنُ -أَوْ قَالَ: يُنَادِي- لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُنبِّهَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ الفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا -وَجَمَعَ يَحْيَى كَفَيْهِ- حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا". وَمَدَّ يَحْيَى إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ.

وقد سلف، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما مثله، وسلف أيضًا

(1)

"مجمل اللغة" 2/ 590.

(2)

رواه عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" 6/ 95، والذي في "تفسير الطبري" 11/ 388 (31706) عن مجاهد أنهما الأوس والخزرج.

(3)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 234 - 235، "الفصول في الأصول" 3/ 82 - 93، "المستصفي" 117 - 118.

ص: 648

و (يرجع) بفتح أوله ثلاثي، وهو لغة القرآن، يقال: رجع بنفسه ورجعه غيره، ولغة هذيل: أرجعه.

والأصبع يذكر ويؤنث، وفيه عشر لغات سلفت، واقتصر ابن التين على خمسة.

ثالثها: حديث ابن مسعود في السهو وأنه عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ.

رابعها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ذي اليدين، ولا دلالة فيها لما بوب له من خبر الواحد؛ لأن المخبرين له جماعة، واستدل به على الشافعي أن [سجود السهو في] الزيادة بعد السلام

(1)

.

خامسها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما في التحول إلى القبلة، وهو أول ما نسخ من القرآن في قول ابن عباس، وكانت في الثانية في رجب وقيل في جمادى، وقد سلف واضحًا.

سادسها: حديث البراء مثله، وقد يقال: إنه ليس من هذا الباب، وإنما هو خبر أتحف به قرائن؛ لأنهم وعدوا التحويل.

سابعها: حديث أنس رضي الله عنه: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ -وَهْوَ تَمرٌ- فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرَّمَتْ، .. الحديث.

و (المهراس) المذكور فيه: حجر منقور يدق فيه، والهرس: الدق، ومنه سميت الهريسة.

(1)

انظر: قول الشافعي "الأم" 7/ 179 - 180، "المجموع" 4/ 71 - 72، "طرح التثريب" 3/ 20 - 23.

ص: 649

ثامنها: حديث حذيفة رضي الله عنه: أَنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ لأَهْلِ نَجْرَانَ: "لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ". فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ.

وحديث أنس رضي الله عنه: "لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هذِه الأُمّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ".

وحديث عمر رضي الله عنه: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَانِي بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

وحديث علي رضي الله عنه السالف قريبًا في أمر الأمير بدخول النار.

وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

ثم ساقه من حديث أبي هريرة.

وفيه رد على أبي حنيفة في نفي التغريب

(1)

، ورد على من اعتبر تكرارالإقرار بالزنا، وقوله في حديث علي رضي الله عنه: فأوقد نارًا، وَوَقَدْتُ النار وَوَقَدَتْ. قال ابن التين: ولم أره في كتب اللغة.

وهذا الحديث ليس فيما بوب له أيضًا؛ لأنهم لم يطيعوه، والشارع قد بين لهم أنهم لو دخلوها ما زالوا فيها إلى يوم القيامة، وأبعد من قال: إنه كان يمزح في مقالته.

(1)

انظر قول أبي حنيفة في "المبسوط" 9/ 44، "الهداية" 2/ 386.

ص: 650

‌2 - باب بَعْثِ الزُّبَيْرَ طَلِيعَةً وَحْدَهُ

7261 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: نَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -النَّاسَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، فَقَالَ:«لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَحَوَارِيِّ الزُّبَيْرُ» . قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ. وَقَالَ لَهُ أَيُّوبُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، حَدِّثْهُمْ عَنْ جَابِرٍ، فَإِنَّ القَوْمَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تُحَدِّثَهُمْ عَنْ جَابِرٍ. فَقَالَ فِي ذَلِكَ المَجْلِسِ: سَمِعْتُ جَابِرًا فَتَابَعَ بَيْنَ أَحَادِيثَ سَمِعْتُ جِابِرًا، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَقَالَ: كَذَا حَفِظْتُهُ كَمَا أَنَّكَ جَالِسٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ. قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ. وَتَبَسَّمَ سُفْيَانُ. [انظر: 2846 - مسلم: 2415 - فتح 13/ 239].

ذكر فيه حديث جابر رضي الله عنه: نَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فانتدب الزبير، .. الحديث.

وطليعة الجيش من يبعثه ليعلم أمر العدو، ويأتي به.

ومعنى (انتدب): دعاه فأجابه. والحواري: الناصر، وقيل: المفضل به المختص به، وقيل: أصله من الحواريين ناصري عيسى عليه السلام كانوا يبيضون الثياب، كانوا أنصاره دون الناس قيل لكل ناصر. حواري نسبها بأولئك.

قال الداودي: روى هذا الحديث عبد الله بن الزبير وهو ابن أربع سنين يوم الخندق.

وقول سفيان: كان الثوري يقول يوم قريظة. أي: هذا اليوم الذي خرج فيه إلى بني قريظة، فقال: حفظته منه كما أنك جالس يوم الخندق، وقال سفيان: هو يوم واحد. وقريظة [

]

(1)

والخندق:

(1)

كلمة غير واضحة بالأصل.

ص: 651

كانت أيامًا، وقد سلف الاختلاف فيها.

قال الشيخ أبو محمد في "جامع مختصره": كانت في شوال، ويقال: سنة خمس، ثم غزوة بني قريظة، وقال مالك: كانت سنة أربع، وانصرف لقريظة لأربع خلون من ذي الحجة.

ص: 652

‌3 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53]. فَإِذَا أَذِنَ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ

7262 -

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ البَابِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ:«ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ:«ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» . [انظر: 3674 - مسلم: 2403 - فتح 13/ 240].

7263 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنهم قَالَ: جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ، فَقُلْتُ: قُلْ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَذِنَ لِي

(1)

. [انظر: 89 - مسلم: 1479 - فتح 13/ 240].

(1)

لم يذكر المصنف هذين الحديثين، وأدخل ترجمة هذا الباب في الباب الذي بعده، بعد أن حذف ترجمته.

ص: 653

[4 - باب: مَا كَانَ يَبْعَثُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأُمَرَاءِ وَالرُّسُلِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ]

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِحْيَةَ الكَلْبِيَّ

بِكِتَابِهِ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ. [انظر: 7]

7264 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. [انظر: 64 - فتح 13/ 241].

7265 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ:«أَذِّنْ فِي قَوْمِكَ -أَوْ فِي النَّاسِ- يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ» . [انظر: 1924 - مسلم: 1135 - فتح 13/ 241]

ثم ذكر فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ إلى كِسْرى، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ البَحْرَيْنِ، فدفعه إلى كِسْرى .. الحديث.

وحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ: "أَذِّنْ في النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ".

وقد سلفا، وأسلفنا أيضًا أن قيصر اسم ملك الروم، وأن هرقل وكسرى اسم لملك الفرس، وذكرنا أسماء الملوك غيرهما.

ص: 654

وفي حديث سلمة دلالة لمن لم يشترط التبييت ومن اشترطه قال بوجوب عاشوراء أجاب بأنهم معذورون لعدم علمهم إلا في تلك الساعة، وأخذ ابن حبيب بهذا الحديث في يوم عاشوراء

(1)

.

(1)

انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 81، "المنتقي" 2/ 58.

ص: 655

‌5 - باب وَصَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وُفُودَ الْعَرَبِ أَنْ يُبَلِّغُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ

قَالَهُ مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه.

7266 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُقْعِدُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ الْوَفْدُ؟» . قَالُوا: رَبِيعَةُ. قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ وَالْقَوْمِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارَ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ، وَنُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا. فَسَأَلُوا عَنِ الأَشْرِبَةِ، فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللهِ، قَالَ:«هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ؟» . قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ

مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ - وَأَظُنُّ فِيهِ - صِيَامُ رَمَضَانَ، وَتُؤْتُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ». وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالنَّقِيرِ، وَرُبَّمَا قَالَ: الْمُقَيَّرِ. قَالَ: «احْفَظُوهُنَّ، وَأَبْلِغُوهُنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ» . [انظر: 53 - مسلم: 17 - فتح 13/ 242].

الوصاة: بفتح الواو، قال الجوهري: تقول أوصيته ووصيته أيضًا توصية بمعنى، والاسم الوصاة

(1)

، وضبطه بعضهم بكسرها، والوفد: جمع وافد (كصحب)

(2)

وصحب، وتاجر وتجر - ومعناه: الوارد.

ثم ساق حديث أبي جمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، السالف بطوله فلا بأس أن ننبه على بعض ألفاظه لبعد عهده:

(1)

"الصحاح" 6/ 2525 مادة [وصي].

(2)

رسمت هكذا، والقياس: كصاحب.

ص: 656

"خزايا": معناه أذلاء، جمع خزيان مثل: حيران وحيارى، وندامى: جمع نادم على غير قياس إتباعًا لخزايا؛ لأن فاعلًا لا يجمع على فعالي فجاء على الإتباع كقوله: "ارجعن مأزورات غير مأجورات"

(1)

ولو أفرد لقال: موزورات؛ لأنه من ذوات الواو، وقال القزاز في "جامعه": يُقال في النادم ندمان، فعلى هذا الجمع جاز على الأصل لا الإتباع.

والدباء: جمع دباءة وهي القرعة، وفي "جامع القزاز"أنها مقصورة لغة.

والحنتم: جرار خضر كانت تحمل فيها الخمر إلى المدينة، قاله أبو عبيد

(2)

، وقال ابن حبيب: الحنتم: الجر وكل ما كان من فخار أبيض أو أخضر، وأنكره بعض العلماء، وقال: الحنتم ما طلي من الفخار بالحنتم المصنوع من الزجاج وغيره، وهو يعجل الشدة في الشراب وما لم يطل فليس كذلك.

والمقير أصله النخلة، وينقر جوفها ثم (يشدخ)

(3)

فيه الرطب والبسر، ثم يدعونه حتى يهدأ ثم يمرث، وروى ابن حبيب: أن مالكًا أرخص في الحنتم، وروى القاضي أبو محمد: المنع فيه على التحريم

(4)

.

والنقير اختلف قول مالك فيه بالرخصة والكراهية

(5)

، والدباء والمزفت كره مالك نبيذهما، قال ابن حبيب: والتحليل أحب إلي

(6)

.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

"غريب الحديث" 1/ 305.

(3)

في الأصل: يسرع، ولعل الصواب ما أثبتناه.

(4)

"المنتقى" 3/ 149.

(5)

المصدر السابق.

(6)

السابق 3/ 148.

ص: 657

واختلف في علة الانتباذ في هذِه الأسقية، فقيل خشية أن تسرع إليه الشدة فيشربه فيقع في المحظور، وقيل خشية إضاعة المال؛ لئلا تسرع إليه الشدة فيطرح، ووجه إجازة مالك الحديث:"انتبذوا" وكل مسكر حرام"

(1)

.

(1)

رواه النسائي 8/ 311، وابن ماجه (3405) من حديث بريدة:"انتبذوا، واجتنبوا كل مسكر" ورواه بنحوه مسلم (977)، وأبو داود (3698).

وله شاهد من حديث ابن مسعود رواه ابن ماجه (3406)، ومن حديث الرسيم رواه أحمد 3/ 481.

وقوله: "كل مسكر حرام" سلف من حديث أبي موسى برقم (4343).

ص: 658

‌6 - باب خَبَرِ المَرْأَةِ الوَاحِدَةِ

7267 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ العَنْبَرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ، أَرَأَيْتَ حَدِيثَ الحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذَا قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ سَعْدٌ فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ، فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ

مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَأَمْسَكُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كُلُوا -أَوِ اطْعَمُوا- فَإِنَّهُ حَلَالٌ -أَوْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. شَكَّ فِيهِ- وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي» . [مسلم: 1944 - فتح 13/ 243].

ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الضب.

وفيه: الإمساك على شك فيه حتى يتيقن أمره، وفي كتاب "العين": الضب كنيته أبو حسل دويبة تشبه الورل، قال: وتقول العرب: الضب قاضي الطير والبهائم، يقولون: إنها اجتمعت إليه أول ما خلق الله الإنسان، فوصفوة له، فقال: تصفون خلقًا يُنْزِل الطير من السماء، ويُخْرِج الحوت من الماء، فمن كان ذا جناح فليطر، ومن كان ذا مخلب فليحفر

(1)

.

آخر خبر الواحد، ولله الحمد.

(1)

"العين" 7/ 14.

ص: 659