الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
96 - كِتَابُ الاعْتِصَامِ بِالكِتاب وَالسُّنَّةِ
7268 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ. سَمِعَ سُفْيَانُ مِنْ مِسْعَرٍ، وَمِسْعَرٌ قَيْسًا، وَقَيْسٌ طَارِقًا. [انظر: 45 - مسلم: 3017 - فتح 13/ 245].
7269 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ الْغَدَ حِينَ بَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ، وَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَشَهَّدَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَاخْتَارَ اللهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم الذِي عِنْدَهُ عَلَى الذِي عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الكِتَابُ الذِي هَدَى اللهُ بِهِ رَسُولَكُمْ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا، وَإِنَّمَا هَدَى اللهُ بِهِ رَسُولَهُ. [انظر: 7219 - فتح 13/ 245].
7270 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ» . [انظر: 75 -
مسلم: 2477 - فتح 13/ 245].
7271 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفًا، أَنَّ أَبَا الْمِنْهَالِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ قَالَ: إِنَّ اللهَ يُغْنِيكُمْ -أَوْ نَغَشَكُمْ- بِالإِسْلَامِ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 7112 - فتح 13/ 245].
7272 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ: وَأُقِرُّ بذلَكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ. [انظر: 7203 - فتح 13/ 245].
تقدمت غالب أحاديثه لننبه عليها، فنقول:
ذكر في الباب حديث سفيان عن مسعر وغيره، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَجُل مِنَ اليَهُودِ لِعُمَرَ: يَاأَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هذِه الآَيَةُ:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هذِه الآَيَةُ، نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ. سَمِعَ سُفْيَانُ مسعرًا، وَمِسْعَر قَيْسًا، وَقَيْسٌ طَارِقًا.
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه -أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَ بَايَعَ المُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ- رضي الله عنه، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَاخْتَارَ اللهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم الذِي عِنْدَهُ على الذِي عِنْدَكُمْ، وهدا الكِتَابُ الذِي هَدي اللهُ بِهِ رَسُولَكُمْ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا لما هَدي اللهُ بِهِ رَسُولَهُ.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: ضَمَّنِي إِلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ".
وحديث أبي برزة قال: إِنَّ اللهَ نَعَشَكُمْ بِالإِسْلَامِ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كَتَبَ إِلَي عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ: وَأُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ.
الشرح:
قيل معنى الآية: اليوم أكملت لكم دينكم بأن أهلكت عدوَّكم، وأظهرت دينكم على الدين كله، وقيل المعني: أكملت فوق ما تحتاجون إليه من الحلال والحرام في أمر دينكم، قال الداودي: في الآية تقديم وتأخير رضاه الإسلام منذ خلق الله تعالى الخلق، والواو لا توجب التقديم والتأخير، والاشتراك والرتبة، فأنزل الله علي نبيه جملًا فسر منها ما احتيج إليه، وما تأخر بيانه ولم ينزل في وقته فسره عند نزوله؛ قال تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ} الآية [النساء: 84].
فصل:
وكان تقديم عمر رضي الله عنه في الكلام بين يدي الصديق الغد من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليذكر من فضائل أبي بكر رضي الله عنه ما لم يمكن أن يذكره أبو بكر رضي الله عنه.
فصل:
وقول ابن عباس رضي الله عنهما: (ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه قبول الخبر إذا سمعه وهو صغير، وقوله:(يغنيكم -أو- نعشكم) وقيل: صوابه: نعشكم
(1)
، وفي رواية: يغنيكم، وهو مطابق للتبويب، وقال الداودي: ذِكْره لحديث أبي برزة إنما ذكره لقبول خبر الواحد.
(1)
جاء في هامش الأصل: قال ابن قرقول في "المطالع" نعشكم، أي: رفعكم. كذا في "الاعتصام" لابن السكن، وعند كافة الرواة: يغنيكم، وحكى المستملي، عن الفربري أنه قال هكذا وقع هنا، وإنما هو نعشكم، فلينظر في أصل البخاري.
فصل:
لا عصمة لأحد إلا في الكتاب والسنة والإجماع، والسنة: الطريقة، وقسمها ابن بطال إلى واجب وغيره، فالأول: ما كان تفسيرًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرض الله، وكل ما أمر به أو نهي عنه أو فعله فهو سنة، ما لم يكن خاصًّا له.
والثاني: ما كان من فعله تطوعًا ولا يحرج أحد في تركه كإجابة المؤذن، وكقوله:"لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا"
(1)
.
وأكثر الصحابة كان لهم ضياع، فدل علي أنه أدب منه نستعين به علي دفع الرغبة في الدنيا، ومثل ذلك مما أمر به تأديبًا لأمته بأكرم الأخلاق من غير أن يوجب ذلك عليهم، ومن ذلك ما فعله في خاصة نفسه من أمر الدنيا كاتخاذه لنعله قبالين، ولبسه النعال السبتية، وصبغه إزاره بالورس، وحبه القرع، وإعجابه بالطيب، وحبه من الشاة الذراع، ونومه على الشق الأيمن، وسرعته في المشي، وخروجه يوم الخميس في السفر، وقدومه منه في الضحى وشبه ذلك، فلم يسنه لأمته ولا دعاهم إليه، ومن تشبه به حبًّا له كان أقرب إلي ربه كفعل ابن عمر رضي الله عنهما في ذلك
(2)
.
وقال أبو بكر بن الطيب: ما كان من أفعاله بيانًا (لجملة)
(3)
(1)
رواه الترمذي (2328)، وأحمد 1/ 377، والطيالسي 1/ 297 (377)، وأبو يعلى 9/ 126 - 127 (5200)، وابن حبان 2/ 487 (710)، والحاكم 4/ 322. كلهم من حديث ابن مسعود، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم، والألباني في "الصحيحة" (12).
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 328 - 329.
(3)
كذا بالأصل، وبهامشها (بجبلة)، وفي "شرح ابن بطال":(لمجمل كالصلاة والصيام .. ).
فلا خلاف بين العلماءأنها على (الجملة)
(1)
.
واختلفوا ما كان منها واقعًا موقع القرب لا على وجه البيان والامتثال لتمثيل أمر (ربه)
(2)
فقال مالك وأكثر أهل العراق: إنها على الوجوب إلا أن يمنع من ذلك دليل، وهو قول ابن سريج وابن خيران، وقال بعض أصحاب الشافعي: إنها على الندب وإن التأسي به مندوب إليه إلا أن يقوم دليل علي [وجوبها، وقال كثير من أهل الحجاز والعراق وأصحاب الشافعي: إنها على الوقف إلا أن يقوم دليل على]
(3)
كونها ندبًا أو مباحة أومحظورة
(4)
. قال أبو بكر: وبهذا أقول
(5)
.
وقال ابن حزم في "إحكامه": أجمعوا كلهم إنسهم وجنهم في كل زمان ومكان علي أن السنة واجب اتباعها، (وأنه)
(6)
ما سنه رسول الله، ومن اتبع ما صح برواية الثقات مسندًا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اتبع السنة يقينا، ولزم الجماعة وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتابعون لهم بإحسان، ومن أتي بعدهم من الأئمة، وأن من اتبع أحدًا غير سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتبع السنة ولا الجماعة
(7)
.
(1)
كذا بالأصل، وبهامشها (الجبلة)، وفي "شرح ابن بطال"(الوجوب) وهو الصواب.
(2)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"(لزمه).
(3)
ما بين المعقوفتين من "شرح ابن بطال" وسقط من الأصل ولا يستقيم الكلام بدونها.
(4)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 523، عند تفسيره لقوله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، الفصول في الأصول" 3/ 212 - 215، "المستصفى" 274 - 277، "البحر المحيط" 3/ 259 - 260.
(5)
انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 345 - 346.
(6)
في "الإحكام"(وأنها).
(7)
في "الإحكام" 4/ 538.
1 - باب قَوْلِه صلى الله عليه وسلم: - «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ»
7273 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا أَوْ تَرْغَثُونَهَا، أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا. [انظر: 2977 - مسلم: 523 - فتح 13/ 247].
7274 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ -أَوْ آمَنَ- عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . [انظر: مسلم: 152 فتح 13/ 247].
ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا أَوْ تَرْغَثُونَهَا، أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا.
وعنه رضي الله عنه أيضًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ إِلَّا قد أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ -أَوْ آمَنَ- عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أن أكون أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا إِلَي يَوْمَ القِيَامَةِ".
الشرح:
قال الجوهري: جوامع الكلم: القرآن جمع الله فيه من الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة، قال عمر بن عبد العزيز: عجبت لمن لاحن
الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم
(1)
أي: كيف لا يقصر على الوجيز وترك الفضول، قال الداودي: ومما آتاه الله من جوامع الكلم {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] فدخل في هذه جميع الأمر والنهي، وقبول الفرائض ومراعاتها، وكانت الأنبياء لا تطنب، وإنما تقول جملًا تؤدي بها ما أمرت به وتبلغ بها ما أرادت، وتوضح بها ما احتيج إلي إيضاحه.
فصل:
("آمن عليه البشر"). أي: صدقت بتلك الآيات؛ لإعجازها لمن شهدها، كقلب العصا حية، وفرق البحر [لموسى]
(2)
، وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسي عليه السلام.
"وكان الذي أعطيت أنا وحيًا أوحاه الله إليَّ" فكان آية باقية دعي إلى الإتيان بمثله أهل التعاطي له، ومن نزل بلسانه، فعجزوا عنه ثم بقي آية ماثلة للعقول إلى من يأتي إلى يوم القيامة، يرون إعجاز الناس عنه رأي العين، والآيات التي أوتيها غيره من الأنبياء قبله رئي إعجازها في زمانهم، ثم لم تصحبهم إلا مدة حياتهم وانقطعت بوفاتهم، وكان القرآن باقيًا بعد نبينا تحدى الناس إلى الإتيان بمثله، ويعجزهم على مرور الأعصار، فكان آية باقية لكل من أتى؛ فلذلك رجا أن يكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة، ثم إن الله عز وجل قد ضمن هذه الآية أن لا يدخلها الباطل إلا يوم القيامة بقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9] وضمن نبينا بقاء شريعته وإن ضيع بعضها [قوم]
(3)
بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من
(1)
انظر: "الصحاح" 6/ 2194 مادة (لحن).
(2)
ليست بالأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(3)
ليست بالأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال".
خالفهم حتي يأتي أمر الله وهم علي ذلك"
(1)
.
فصل:
معني (تلغثونها): تأكلونها، يعني: الدنيا، من اللغث وهو طعام يغش بالشعير
(2)
. و (ترغثونها): ترضعونها من: رغث الجدي أمة، إذا رضعها، ومنه حديث الصدقة: لا يؤخذ منها (الرُّبّى)
(3)
والماخض والرغوث
(4)
.
وقال ابن بطال: قوله: (وأنتم تلغثونها) أو ترغثونها. شك في أي الكلمتين قال عليه السلام
(5)
. فأما اللغث باللام فلم أجده فيما تصفحت من اللغة، وأما رغث بالراء والغين المعجمة المفتوحة فمعروف عندهم، يقال: رغثت كل أنثى ولدها، وأرغثته: أرضعته، فهي رغوث
(6)
كأنه قال: أنتم ترضعونها. كما قال عبد الله بن همام للنعمان بن بشير:
وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها
…
أفاوبق حتى ما يدرُّ ثعل
(7)
وكذا قال الفراء وأبو عبد الملك أنها باللام فلا يعرف له معنى، وأما
(1)
رواه مسلم (1920) كتاب: الإمارة، باب: قوله عليه السلام "لا تزال طائفة
…
"، وأبو داود (4252)، وأحمد 5/ 278. من حديث ثوبان.
(2)
في "النهاية" 4/ 256: من "اللغيث"وهو طعام يغلث بالشعير. وما في "اللسان"(لغث) يوافق ما ساقه المصنف.
(3)
رسمت في الأصل (ربا) غير منقوطة والمثبت من "النهاية".
(4)
لم أقف عليه مسندًا بهذا اللفظ إن ساقه علي أنه حديث مرفوع. ولكن وجدته كسياقة المصنف في "النهاية" 2/ 238 (رغث).
(5)
ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول أبي هريرة وهم فيه ابن بطال وتبعه المصنف.
(6)
"شرح بن بطال" 10/ 330.
(7)
في "تهذيب اللغة" 1/ 482، "لسان العرب" 1/ 484:
أفاويق حتى ما يدر لها ثعل
…
وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها
الراء فمعناه: ترضعونها، والرغث: الرضاع، وناقة رغوث، أي: غزيرة اللبن، وكذلك الشاة
(1)
.
وكذلك قال: تنتثلونها. أي: تستخرجونها، قال أبو عبيد: النثل: ترك الشيء بمرة واحدة، يقال: أنثل ما في كنانته إذا صبها وتركها
(2)
.
وذكر ابن سيده أن اللغث: الطعام المخلوط بالشعير كالبغيث عن ثعلب
(3)
وفي "المنتهى" لأبي المعالي: لغث طعامه ولعثه، بالغين والعين إذا فرقه عن يعقوب، واللغيث ما بقي في المكوك من البر.
قلت: فعلي هذا يكون معناه، وأنتم تأخذون الطعام فتفرقونه لمن تريدون بعد حوزكم إياه، ويكون أدخل في المعنى من الراء والعين التي ذكرها، وزعم بعض من تكلم علي هذا الحديث أنه رآه: تلعقوفها -بالعين والقاف- وهو متوجه.
فصل:
("مفاتيح خزائن الأرض"). ما يفتح الله على أمته، و (خزائن) جمع خزانة، وهي الموضع الذي يخزن فيها سمي بذلك؛ لأنها من سبب المخزون، وقوله:"ما مثله أومن"، قال ابن التين: صوابه (آمن) ثلاثي، يقال: آمنته عل كذا وأتمنته، قال تعالى:{مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 11] وقال: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75].
الذي أوتيه الأنبياء: أوتي صالح الناقة، وإبراهيم برد النار عليه، وموسى الآيات البينات. وقد سلفت عل نمط آخر في كتاب العلم.
(1)
"اللسان" 3/ 1680 (رغث).
(2)
انظر: "اللسان" 7/ 4341 (نثل).
(3)
"المحكم" 5/ 287.
2 - باب الاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
-
وَقَوْلِ الله عز وجل: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] قَالَ: أَيِمَّةً نَقْتَدِى بِمَنْ قَبْلَنَا، وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِيي وَلإِخْوَانِي: هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ، وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ.
7275 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، قَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا فَقَالَ: هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ المُسْلِمِينَ. قُلْتُ: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ. قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ قَالَ هُمَا المَرْآنِ يُقْتَدَى بِهِمَا. [انظر: 1594 - فتح 13/ 249].
7276 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَأَلْتُ الأَعْمَشَ، فَقَالَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فَقَرَءُوا الْقُرْآنَ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ» . [انظر: 6497 - مسلم: 143 - فتح 13/ 249].
7277 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. [انظر: 6098 - فتح 13/ 249].
7278، 7279 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ» . [انظر: 2314، 2315 - مسلم: 1697، 1698 - فتح 13/ 249].
7280 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ ابْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ أَبَى» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ:«مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» . [فتح 13/ 249].
7281 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ -وَأَثْنَى عَلَيْهِ- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، حَدَّثَنَا -أَوْ سَمِعْتُ- جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ نَائِمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ العَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلاً، فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلاً. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ. فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا: فَالدَّارُ الجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ.
تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ جَابِرٍ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [فتح 13/ 249].
7282 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، اسْتَقِيمُوا، فَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، فَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالاً، لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا. [فتح 13/ 250].
7283 -
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ. فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ،
فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ، فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي، فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ». [انظر: 6482 - مسلم: 2283 - فتح 13/ 250].
7284، 7285 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ» ؟!. فَقَالَ: وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ.
قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ وَعَبْدُ اللهِ، عَنِ اللَّيْثِ: عَنَاقًا. وَهْوَ أَصَحُّ. [انظر: 1399، 1400 - مسلم:20 - فتح 13/ 250].
7286 -
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ- بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا -فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: يَا ابْنَ الخَطَّابِ، وَاللهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ، وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ، فَقَالَ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199] وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ. فَوَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ
وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ. [انظر: 4642 - فتح 13/ 250].
7287 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، وَالنَّاسُ قِيَامٌ وَهْيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقُلْتُ: آيَةٌ؟. قَالَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ -أَوِ الْمُسْلِمُ، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا. فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، عَلِمْنَا أَنَّكَ مُوقِنٌ. وَأَمَّا المُنَافِقُ -أَوِ المُرْتَابُ، لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ» . [انظر:86 - مسلم: 905 - فتح 13/ 251].
7288 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . [مسلم: 1337 م - فتح 13/ 251].
وَقَالَ ابن عَوْنٍ: ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي وَلإِخْوَانِي: هذِه السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا ويَسْأَلُوا عَنْهَا، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ، وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ.
وهذا أخرجه اللالكائي في "سننه الكبير" من حديث القعنبي عن حماد بن زيد عنه.
ثم ساق البخاري أحاديث:
أحدها: حديث أبي وائل قال: جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هذا المَسْجِدِ، فَقَالَ: جَلَسَ إِلَيَّ عُمَرُ رضي الله عنه فِي مَجْلِسِكَ هذا فَقَالَ: هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا
صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ المُسْلِمِينَ. قُلْتُ: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ. قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ، قَالَ: هُمَا المَرْآنِ يُقْتَدى بِهِمَا.
ثانيها: حديث حذيفة رضي الله عنه: "أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَنَزَلَ القُرآنُ فَقَرَءُوا القُرْآنَ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ".
ثالثها: حديث مُرَّة الهَمْدَانِيِّ قال عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ.
رابعها: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه قَالَ
(1)
: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "لأَقْضيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ".
خامسها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى". قيل: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ:"مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَي".
سادسها: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. أخرجه عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبَادَةَ، ثنا يَزِيدُ، ثَنَا سلِيم بْنُ حَيَّانَ -وَأَثْنَى عَلَيْهِ- أنا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عنه قال: جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهْوَ نَائِمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ. وَقَالَ بَعْضهُمْ: إِنَّ العَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ .. الحديث
ثم قال: تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: قال خَرَج عَلَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سابعها: حديث حذيفة رضي الله عنه قال: يَا مَعْشَرَ القُرَّاءِ، اسْتَقِيمُوا، فَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، فَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالاً، لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا.
(1)
وقع بعدها بالأصل (أنا وزيد بن خالد) وعليها علامة حذف (لا - إلي).
ثامنها: حديث أبي موسي رضي الله عنه: "أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ". وقد سلف.
تاسعها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: في قوله: لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا. ذكره عن قتيبة، ثَنَا الليْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْه. وَقَالَ ابن بُكَيْرٍ وَعَبْدُ اللهِ، عَنِ الليثِ، عن عقيل: عَنَاقًا. وَهْوَ أَصَحُّ.
العاشر: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ بدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى ابن أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسِ، الحديث. وفي آخره: فَوَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ.
الحادي عشر: حديث أسماء رضي الله عنها في الكسوف.
الثاني عشر: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ".
الشرح:
أمر الرب جل جلاله عباده باتباع نبيه والاقتداء بسنته، فقال:{فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ} [الأعراف: 158]، وقال:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} [الأعراف: 157] وتوعد من خالف سبيله ورغب عن سنته فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الآية [النور: 63]، وهذه الآيات مصدقة لأحاديث هذا الباب.
فصل:
وقول عمر رضي الله عنه: (لقد هممت أن لا أدع صفراء ولا بيضاء) يعني: ذهبًا ولا فضة، أراد أن يقسم المال الذي يجمع بمكة وفضل عن بغيتها ومؤنتها، ويضعه في مصالح المسلمين، فلما ذكره شبية أنه عليه السلام والصديق بعده لم يتعرضا له لم يسعه خلافهما، ورأى أن الاقتداء بهما واجب، فربما تهدم البيت أو خلق بعض آلاته فصرف ذلك المال
فيه، (ولو)
(1)
صرف ذلك المال في منافع المسلمين لكان كأنه خرج عن وجهه الذي سئل فيه.
فصل:
وما ذكره البخاري في تفسير الآية هو قول مجاهد والحسن، وقال الضحاك: إنه يقتدي بنا في الخير.
فصل:
وأما الأمانة التي في حديث حذيفة رضي الله عنه فإنها الإيمان وجميع شرائعه، والتنزه عن الخيانة وشبهها.
والجذر: أصل الشيء فدل ذلك أن الإيمان مفروض على القلب ولا بد من النية في كل عمل علي ما يذهب إليه جمهور الأئمة
(2)
.
وقوله: "نزلت في جذر قلوب الرجال" يعني: الذين ختم الله لهم بالإيمان، وأما من لم يقدر له به، فليس بداخل في ذلك، ألا ترى قوله:"ونزل القرآن ثم قرءوا من القرآن وعلموا من السنة". يعني: المؤمنين خاصة المذكورين في أول الحديث.
وقد أسلفنا أن الجذر بفتح الجيم -وحكي كسرها- ثم ذال معجمة، قال أبو عبيد: وهو الأصل من كل شيء
(3)
أتى بقوله: "في جذر قلوب الرجال"، أي: أصل قلوبهم.
(1)
بالأصل (وله) والمثبت من "شرح ابن بطال".
(2)
انظر: "الفصول في الأصول" 10/ 260 - 261، "أنوار البردق" 2/ 47، "المنثور في القواعد" 3/ 285 - 289، "إعلام الموقعين" 3/ 91.
(3)
"غريب الحديث" 2/ 229.
فصل:
وشيخ البخاري في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" محمد بن سنان هو: الباهلي العوفي؛ لنزوله فيهم، وشيخه في حديث جابر محمد بن عبادة -بفتح العين والباء
(1)
، وما عداه في الصحيحين: عُبادة- بضم العين.
فصل:
متابعة قتيبة أخرجها الترمذي، ثم قال: هو [مرسل]
(2)
سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابرًا، وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه بإسناد أصح من هذا
(3)
، وقال خلف الواسطي في "أطرافه" لم يسمع سعيد من جابر، والحديث ليس بمتصل، وكأن الترمذي يشير بالإسناد الصحيح إلي ما رواه هو من حديث سعيد بن ميناء، وقال: صحيح غريب من هذا الوجه، فقال: حدثنا محمد بن سنان عن سليم بن حيان عنه.
فصل:
قوله: ("من أبي" قالوا: ومن يأبى؟) هذا الحرف من النوادر؛ لأن الفعل إذا لم يكن عينه ولا لامه من حرف الحلق كان مستقبله بالكسر أو الضم إلا نادرًا، منها هذا، وحيي يحيي، وقلى يقلى وزكى يزكى، واعتل بهذا الفعل بأنهم أقاموا الألف مقام الهمزة وهي حرف حلق، وهذا التعليل لا يصح في زكى يزكى
(4)
.
(1)
بهامش الأصل كتب: لا يحتاج إلى تقييد الباء بالفتح؛ لأن بعدها الألف.
(2)
زيادة من "سنن الترمذي".
(3)
الترمذي (2860).
(4)
انظر: "المخصص" 4/ 278 كتاب المصادر والأفعال.
والمأدبة -بضم الدال وفتحها صحيحتان- حكاهما الجوهري
(1)
وغيره، والمشهور الضم والفتح مفعلة من الأدب، وفي حديث علي: أما إخواننابنو أمية فقادة أدبة
(2)
. الأدبة: جمع أديب -مثل كاتب وكتبة- وهو الذي يدعو الناس إلى المأدبة.
وقوله: "العين نائمة والقلب يقظان". يدل علي أن رؤيا الأنبياء وحي؛ لثبات القلب، ولذلك قال عليه السلام:"إن عيني تنام ولا ينام قلبي"
(3)
وكذلك الأنبياء، قال تعالى:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102].
وقول الملك: "أولوها له" يدل عل أن الرؤيا عل ما عبرت في النوم.
فصل:
وقوله: (سبقتم سبقًا بعيدًا) هو بضم السين مثل ضربت ضربًا.
فصل:
قوله: "وأنا النذير العريان" قال ابن السكيت: هو رجل من خثعم حمل عليه يوم ذي الخلصة عوف بن عامر، فقطع يده ويد امرأته
(4)
. وقال الخطابي: إن النذير إذا كان علي مركب عال فبصر بالعدو نزع ثوبه ولاح به ينذر القوم، فسمي العريان
(5)
.
(1)
"الصحاح"1/ 86 مادة (أدب).
(2)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 5/ 452 (9769) وفي "جامع معمر" 11/ 57 (19900).
(3)
سلف برقم (1147) أبواب التهجد، باب: إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه.
(4)
"إصلاح المنطق" ص (323).
(5)
"أعلام الحديث" 3/ 2251، ونصه فيه: معناه أن الربيئة إذا كان علي مرقب عالٍ، فبصر بالعدو، نزع [ثوبه] فألاح به ينذر القوم، فبقي عريانًا.
وقال أبو عبد الملك: هذا مثل قديم، وهو: أن رجلاً لقي جيشًا فجردوه، فجاء إلى المدينة فقال: رأيتُ الجيش بعيني وأنا النذير العريان لكم، فدوي عريانًا: جردوني الجيش.
وقوله: "فالنجاء" أي: السرعة، وهو ممدود، ويصح أن يكون من نجا ينجو نجاء من النجاة.
فصل:
وقوله: "فأدلجوا" أي: ساروا من أول الليل مأخوذ من الإدلاج، أي: أدلجوا، وضبط بتشديد الدال، أي: ساروا بسحر، والاسم منهما الدلجة بالضم والفتح، ومعنى اجتاحهم: استأصلهم، ومنه الجائحة المفسدة للثمار.
فصل:
وقول عمر- رضي الله عنه في أهل الردة عل وجهين
(1)
، واحتجاج الصديق، ورجع إليه أصحابه كلهم، وثبتت حجته لهم، وكان أهل الردة على وجهين: قوم كفروا، وقوم امتنعوا من الزكاة وأقروا بالإسلام، وأراد عمر رضي الله عنه الكف عن هؤلاء، وأراد الصديق قتالهم على الفساد في الأرض؛ لأنهم لا فساد عليهم من منع فريضة، وحكم نافي الزكاة الكفر فإن قدر عليه أخذت منه قهرًا، واختلف في إجزائها لأجل النية.
(1)
كذا بالأصل، والصياغة لهذا الفصل ركيكة توحي بأنه ربما سقط شيء.
وفي "شرح ابن بطال" 3/ 391 قال: وكانت الردة على ثلاثة أنواع: قوم كفروا وعادوا إلا ما كانوا عليه من عبادة الأوثان، وقوم آمنوا بمسيلمة وهم أهل اليمامة، وطائفة منعوا الزكاة وقالوا: ما رجعنا عن ديننا ولكن شححنا على أموالنا. فرأى أبو بكر قتال الجميع، ووافقه علي ذلك جميع الصحابة بعد أن خالفه عمر في ذلك، ثم بان له صواب قوله فرجع إليه.
فصل:
(الحر) -بحاء مهملة مضمومة ثم راء- ابن قيس، وفي الأنصار الجد بن قيس -بفتح الجيم ثم دال- سيد بني سلمة قال لهم عليه السلام:"من سيدكم؟ " قالوا: الجد بن قيس على أنَّا نزنه بشيء من البخل. فقال: "أي داء أدوى من البخل"
(1)
.
فصل:
قول عيينه: (ما تعطينا الجزل) أي: العطاء الجزل، وهو العظيم الكثير، وكان عيينة هذا رئيس قومه، وهو الأحمق المطاع، ولم يعرف رئيس شحيح إلا أبو سفيان، ولا رئيس صغير إلا أبو جهل، وعيينة هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بئس أخو العشيرة"، فلما أقبل بش له
(2)
. وذكر أنه ارتد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم راجع الإسلام
(3)
.
فصل:
معنى قول الحر: (فما جاوزها عمر، وكان وقافًا عند كتاب الله) وهو معنى الترجمة والإعراض عن الجهل -إذا صح إنه جهل- مرغب فيه مندوب إليه.
(1)
رواه الطبراني 19/ 81 (163)، (164) من حديث كعب بن مالك، وقال الهيثمي في "الجامع" 9/ 315: رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، غير شيخي الطبراني، ولم أر من ضعفهما أهـ.
ورواه البخاري في "الأدب المفرد"(296)، والطبراني في "الوسيط" 8/ 37318 (8913)، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 317، والبيهقي في "الشعب" 7/ 431 (10859) كلهم من حديث جابر بن عبد الله. بلفظ:(إنا لنبخله).
(2)
سبق برقم (6032) كتاب: الأدب، باب: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم -فاحشًا.
(3)
انظر ترجمته في "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 4/ 2247 (2357)، و"الاستيعاب" 3/ 316 (2078)، و"الإصابة" 3/ 54 (6151).
وأما إذا كان الجفاء على السلطان تعمدًا واستخفافًا بحقه فله تغييره والتشديد فيه، واستعمال عمر- رضي الله عنه لهذِه الآية [يدل]
(1)
على أنها غير منسوخة، وهو قول مجاهد وقتادة
(2)
.
وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية في أخذ (العفو)
(3)
من أخلاق الناس وأعمالهم، ومالا يجهدهم،
(4)
فعلي هذا القول هي محكمة، وهذا لفظه لفظة الأمر، وهو تأديب من الله لنبيه، وفي تأديبه تأديب لأمته، فهو تعليم للمعاشرة الجميلة.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {خُذِ الْعَفْو} يعني: الفضل من أموال الناس ثم نسخ ذلك، وهو قول الضحاك والسدي.
وفيها قول ثالث عن ابن زيد قال: أمر الله تعال نبيه بالعفو عن المشركين وترك الغلظة عليهم قبل أن يفرض عليه قتالهم ثم نسخت بالقتال
(5)
.
فصل:
قوله: "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم". احتج به من قال: إن الأمر موضوع على الندب دون
(1)
ليست بالأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 152 - 155 (15546،15563)
(3)
في الأصل: (القوم) والمثبت من "شرح ابن بطال".
(4)
سبق برقم (4643)، (4644) كتا ب: التفسير، سورة الأعراف، مختصرًا.
(5)
رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 152 - 153 (15554 - 15557) عن ابن عباس والضحاك والسدي وابن زيد.
الإيجاب؛ لأنه علق الأمر بمشيئتنا واستطاعتنا، وألزمنا الانتهاء عما نهى عنه فوجب حمل النهي على الوجوب دون الأمر
(1)
. ورده ابن الطيب، وقال: التعلق به غير صحيح ومعنا قوله: "فأتوا منه ما استطعتم" إذا كنتم مستطيعين، وقد (يأمر)
(2)
بالفعل الذي نستطيعه علي سبيل الوجوب كما يأمر به على الندب، ولا يدل عل أنه ليس بواجب، قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ولم يرد به (ندبنا)
(3)
إلى التقوى دون إيجابه، ومعنى الآية والخبر: أن اتقوه إذا كنتم سالمين غير عجزة
قادرين، ولم يرد أنه لا يؤمر إلا من قد وجدت قدرته على الفعل كما قالت القدرية
(4)
.
قال المهلب: من احتج بهذا الحديث أن النواهي أوجب (من)
(5)
الأوامر فهو خطأ؛ لأنه عليه السلام لم ينه بهذا الحديث عن المحرمات التي نهى الله عنها في كتابه، بأن حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإنما أراد فإذا نهيتكم عما هو مباح لكم أن تأتوه، فإنما نهيتكم رفقًا بكم، كنهيه عن الوصال إبقاء عليهم، وكنهيه عن إضاعة المال لئلا يكون سببًا لهلاككم، ونهيه عن كسب الحجام وعسب الفحل تنزهًا واعتلاءً عن الأعمال الوضيعة، وأما الأمر الذي أمرهم (أن يأتوا)
(6)
منه ما استطاعوا فهو الأمر من التواصي بالخير والصدقات
(1)
انظر: "مشكل الآثار" للطحاوي 1/ 24 - 26، "المستصفى" 208 - 209.
(2)
بالأصل: (أمروا) والمثبت من "شرح ابن بطال" وهو أنسب.
(3)
بالأصل (نادينا) غير منقوطة.
(4)
انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 336.
(5)
من "شرح ابن بطال".
(6)
في الأصل: (الذي أتوا) والمثبت من "شرح ابن بطال" وهو أنسب للسياق.
وصلة الرحم، وغير ذلك مما سنه وليس بفرض، ولذلك قال لهم:"فأتوا منه ما استطعتم". أي: لم آمركم بذلك أمر إلزام ولا أمر حتم أن تبلغوا غاياته، ولكن ما استطعتم من ذلك؛ لأن الله تعالى عفا عما لا يستطاع، وعلى هذا المعنى خرج لفظ الحديث منه عليه السلام؛ لأن أصحابه كانوا يكثرون سؤاله عن أعمال من الطاعات يحرصون على فعلها، فكان عليه السلام ينهاهم عن التشدد ويأمرهم بالرفق؛ خشية الانقطاع، وسيأتي تقصي مذاهب العلماء في الأمر والنهي في باب النهي على التحريم إلا ما يعرف إباحته بعدُ إن شاء الله تعالى
(1)
.
فصل:
قوله في حديث أسماء رضي الله عنها: "وأوحي إليّ إنكم تفتنون في القبور قريبًا من فتنة الدجال". أي: فتنًا قريبًا، ويصح أن يكون: فتنة قريبًا، وأتى به على المعنى أي تبتلون بلاءً قريبًا، مثل قوله تعالى:{إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 59] أي: إن إحسانه أولى، ولأن (ما كان)
(2)
تأنيثه حقيقيًّا يجوز تذكيره.
(1)
شرح ابن بطال" 10/ 336.
(2)
هكذا بالأصل وهو خطأ، والصواب هو: ما لا يكون وهو الموافق لما في باب قوله عز وجل: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ} والله أعلم.
3 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لَا يَعْنِيهِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]
7289 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» . [مسلم: 2358 - فتح 13/ 264].
7290 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ يُحَدِّثُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي المَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا لَيَالِيَ، حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ، ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ:«مَا زَالَ بِكُمُ الذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلاَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ» . [انظر: 731 - مسلم: 781 - فتح 13/ 264].
7291 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ غَضِبَ وَقَالَ:«سَلُونِي» . فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ:«أَبُوكَ حُذَافَةُ» . ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ:«أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ» . فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الغَضَبِ قَالَ: إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللهِ عز وجل. [انظر: 92 - مسلم: 3360 - فتح 13/ 264].
7292 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ -كَاتِبِ المُغِيرَةِ- قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى المُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: «لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ» . وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَمَنْعٍ وَهَاتِ. [انظر: 844 - مسلم: 593 - فتح 13/ 264].
7293 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ. [فتح 13/ 264].
7294 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ:«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ، فَوَاللهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا» . قَالَ أَنَسٌ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ البُكَاءَ، وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ:«سَلُونِي» . فَقَالَ أَنَسٌ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ مَدْخَلِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «النَّارُ» . فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ» . قَالَ: ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي سَلُونِي» . فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّي، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الخَيْرِ وَالشَّرِّ» . [انظر: 93 - مسلم: 2359 - فتح 13/ 265].
7295 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ:«أَبُوكَ فُلَانٌ» . وَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ
…
} [المائدة: 101] الآيَةَ. [انظر: 93 - مسلم: 2359 - فتح 13/ 265].
7296 -
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟» . [مسلم: 136 - فتح 13/ 265].
7297 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ لَا يُسْمِعْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ. فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ. فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ، ثُمَّ قَالَ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} . [الإسراء: 85][انظر: 125 - مسلم: 2794 - فتح 13/ 265].
ثم ساق حديث عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ".
وحديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً مِنْ المَسْجِدِ مِنْ حَصيرٍ .. الحديث.
وحديث أَبِي مُوسَي رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ المَسْاَلَةَ غَضِبَ وَقَالَ:"سَلُونِي". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ:"أَبُوكَ حُذَافَةُ" .. الحديث.
وحديث أنس رضي الله عنه مثله، بزيادة:"لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هذا الحَائِطِ"
في رواية: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ:"أَبُوكَ فُلَانٌ". وَنَزَلَتْ الآيَةَ السالفة [المائدة: 101].
وحديث المغيرة في النهي عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وإضاعة المال، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ .. الحديث.
وحديث أنس رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ- رضي الله عنه قال: نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ.
وحديثه أيضًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ ".
وحديث ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيب، فَمَرَّ بنَفرٍ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْألُوهُ لَا يُسْمِعْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ. فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا القَاسِمِ، حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ. فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَي إِلَيْهِ، فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ حَتَّي صَعِدَ الوَحْيُ، ثُمَّ قَالَ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85].
الشرح:
قد أسلف البخاري سبب نزول الآية من حديث أنس- رضي الله عنه، وروي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا
(1)
، وقيل إنما نهي عن هذا؛ لأنه سبحانه أحب الستر علي عباده رحمة منه لهم، وأحب أن لا يقترحوا المسائل، وقال سعيد بن جبير: نزلت في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة، ألا تري أنها بعدها
(2)
. قال ابن عون: سألت نافعًا عن هذِه الآية،
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 83 (12806).
(2)
رواه الطبري 5/ 85 (12816) وذكره النحاس في "معاني القرآن" 2/ 369.
فقال: لم تزل كثرة السؤال منذ قط تكره
(1)
. وقال الحسن البصري: في هذه سألوه عن أمور الجاهلية التي عفا الله عنها، ولا وجه للسؤال عما عفا الله عنه
(2)
، وقيل: كان الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه يتنازعه رجلان، فأخبر بأبيه منهما، وأعلم عليه السلام أن السؤال عن مثل هذا لا ينبغي، وأنه إذا ظهر فيه الجواب ساء ذلك السائل، وأدي ذلك إلي فضيحة لا سيما وقت سؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزول الكتاب في ذلك، وقد سلف في كتاب الفتن كراهة أم عبد الله بن حذافة لسؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه، وما قالت له في ذلك فلسؤالهم له عما لا ينبغي، وتعنيته موجب النار، وقد أمر الله تعالى المؤمنين بتعزيره وتوقيره، وأن لا يرفع الصوت فوق صوته، توعد علي ذلك بحبوط العمل بقوله تعالي:{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]، ألا تري فهم عمر رضي الله عنه لهذا الأمر وتلافيه له بأن برك علي ركبتيه، وقال: رضينا بالله ربًا وبالإِسلام دينًا وبمحمدٍ نبيًّا، وقال مرة: إنا نتوب إل الله، فسكت عليه السلام وسكن غضبه، ورضي قول عمر- رضي الله عنه حين ذب عن نبيه ونبه على التوبة مما فيه إغضابه أن يؤدي إلي غضب الله وقد ذكرنا شيئًا من هذا المعنى في كتاب الفتن في باب التعوذ منها، والدليل علي صواب فعل عمر رضي الله عنه، قوله عليه السلام بعد ذلك "أولى والذي نفسي بيده) أولى، يعني لمن عنت نبيه في المسألة، أو غضبه، ومعنى (أولي) عند العرب التهديد والوعيد.
وقال (المبرد)
(3)
: يقال للرجل إذا أفلت من عظيمة: أولى
(1)
ذكره القرطبي 6/ 331.
(2)
المصدر السابق.
(3)
في "شرح ابن بطال" 10/ 339: (المهلب).
(لك)
(1)
، أي: كدت تهلك، ثم أفلتَّ.
ويروى عن ابن الحنفية أنه كان يقول إذا مات الميت في جواره: أولى (لي)
(2)
، كدت والله أن أكون السواد المخترم.
فصل:
قال المهلب: وأصل النهي عن كثرة السؤال، والتنطع في المسائل مبين في قوله تعالى في بقرة بني إسرائيل حين أمرهم بذبح بقرة، فلو ذبحوا أي بقرة كانت لكانوا مؤتمرين غير عاصين، فلما سألوا ما هي؟ وما لونها؟ قيل لهم:{لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} ، فشق عليهم، وقد كان ذلك مباحًا لهم، ولذلك ضيق عليهم في لونها، فمنعوا من غيره، ثم لما قالوا:{إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} ، قيل لهم: لَّا ذَلُولٌ حراثة، ولا ساقية للحرث. أي: معلمة لاستخراج الماء، وقد كان ذلك مباحًا لهم، فعز عليهم وجود هذه الصفة المضيق عليهم فيها عقوبة لسؤالهم عما لم يكن لهم به حاجة
(3)
.
فصل:
الآية السالفة وهىِ قوله: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 11] فيها تحذير مما أنزل الله تعالي بهؤلاء القوم، ثم وعد أنه إن سألوا عنها حين نزول القرآن ضُيق عليهم، وقد قال بعض أصحابنا إنه بقيت منه بقية مكروهة، وهو أن التنطع في المسألة والبحث عن حقيقتها يلزم فيها أن يأتي بذلك الشرع على الحقيقة التي (انكشفت)
(4)
له في البحث، وذلك مثل أن يسأل عن سلع الأسواق الممكن فيها الغصب
(1)
في الأصل: ذلك، ولعل الصواب ما أثبتناه كما في "شرح ابن بطال".
(2)
في الأصل: لك، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(3)
"شرح ابن بطال" 10/ 338 - 339.
(4)
في الأصل: انكشف.
والنهب هل له شراء ذلك في سوق المسلمين، وهو ممكن فيه هذا المكروه أم لا؟ فيفتي بأن له أن يبتاع ذلك، ثم إن تنطع فقال: إن قام الدليل على السلعة إنها من نهب أو غصب هل لي أن أشتريها؟ فيفتى بالمنع فهذا الذي بقي من كراهة السؤال والتنطع إلى الآن في النسخ الذي كان يمكن حين نزول القرآن والتضييق المشروع.
وقد سئل مالك عن (قيل وقال وكثرة السؤال) فقال: لا أدري أهو ما أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها أو هو مسألة الناس أموالهم، وكان زيد بن ثابت وأبي بن كعب، وجماعة من السلف يكرهون السؤال عنها ويرون الكلام فيها لم يزل من التكلف، وقال مالك: أدركت أهل هذا البلد وما عند أحدهم علم غير الكتاب والسنة
(1)
، فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه، وأنتم تكثرون المسائل، وقد كرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعبارة ابن التين هنا قيل: الإلحاف فيه للفقير، وقيل: عما لا يعنيه إما من علم، وإما من التجسس على الناس، ووقع لمالك أنه قال: والله ما يعرف إن كان الذي أنتم فيه من تفريع المسائل (قال وقيل)، أراد النهي عن أشياء سكت عنها، فكره السؤال عنها لئلا يحرم شيئًا كان مسكوتًا عنه، ومن ذلك قوله لذلك الرجل الذي قال: أين مدخلي؟ قال: "النار"، وهذا كان في وسع لو سكت.
فإن قلت: قد جاء في التنزيل ما يعارض ذلك، وهو الأمر بسؤال العلماء والبحث عن العلم، قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل 43].
(1)
ذكره القرطبي 6/ 332.
قلت: هذا ليس من ذاك فالمأمور هو ما تقرر، وثبت وجوبه، والمنهي عنه هو ما (لم يتعبد)
(1)
الله تعالي عباده به ولم يذكره في كتابه، وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الآية السالفة، وهي قوله:{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، قال: مما لم يذكر في القرآن فهو مما عفا الله عنه. ألا تري أنه تعالى لم يجب اليهود عن سؤالهم عن الروح لما لم يكن مما لهم به الحاجة إلى علمه وكان من علمه تعالى الذي لم يُطْلع عليه أحدًا، فقال لنبيه:{قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] أي: من علمه {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] فنسبهم الله تعالى في سؤالهم عما لا ينبغي لهم السؤال عنه إلى قلة العلم.
وقال مالك مما رواه عنه أشهب: (قيل وقال) هو هذه الأخبار والأراجيف في رأيي أعطي فلانًا كذا ومنع كذا بقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ} [التوبة: 65]. فهؤلاء يخوضون.
وقد سلف الكلام على ذلك في الزكاة في باب: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] وكذا الكلام في كثرة السؤال وما في الحديث، وأما قول بعض اليهود حين سألوه عن الروح: لا تسألوه يسمعكم ما تكرهون، فإنما قال ذلك؛ لعلمه أنهم كانوا متعنتين والمتعنت من عيوبه أن يخاطب بما يكره.
فصل:
وأما قوله عليه السلام: "يسألون: هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله" فهو من السؤال الذي لا يحل، وقد جاء هذا الحديث بزيادة فيه من
(1)
في الأصل: تعبد.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام قال: "لا يزال الشيطان يأتي أحدكم، فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتي يقول: من خلق الله فإذا وجد ذلك أحدكم، فليقل: آمنت بالله"
(1)
.
ولأبي داود -بإسناد جيد- من حديث أبي هريرة أنه عليه السلام جاءه ناس من الصحابة، فقالوا: يا رسول الله إنا نجد في أنفسنا الشيء يعظم أن نتكلم به ما نحب أن لنا الدنيا، وأنّا تكلمنا بها، فقال:"أو قد وجدتموه". قالوا: نعم. قال: "ذاك صريح الإيمان"
(2)
.
ولابن أبي شيبة من حديث الأعمش، عن ذر، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس رضي الله عنهما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أحدث نفسي بالأمر لأن أكون حُممة أحب إلي من أن أتكلم به. فقال عليه السلام: "الحمد لله الذي رده إلى الوسوسة"
(3)
.
فإن قلت: كيف تسمي هذه الخطرة الفاسدة من خطرات الشيطان على القلب صريح الإيمان؟
قلت: قال الخطابي: يريد أن صريح الإيمان هو الذي يعظم ما تجدونه في صدوركم ويمنعكم من قول ما يلقيه الشيطان في قلوبكم، ولولاه لم يتعاظموه ولم ينكروه، ولم يرد أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان، وكيف تكون إيمانًا وهي من قبل الشيطان وكيده، ألا تراه أنه عليه السلام
(1)
سبق برقم (3276) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، ورواه مسلم (134) كتاب: الإيمان، باب: بيان الوسوسة في الإيمان.
(2)
أبو داود (511).
(3)
لم أقف عليه في ابن أبي شيبة، وقد رواه أحمد 1/ 340، والطيالسي 4/ 421 (2827)، والنسائي في "الكبري" 6/ 171 (10504) كلهم من طريق الأعمش، عن ذر به.
حين سئل عن هذا قال: "الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة"
(1)
.
وفيه وجه آخر: قال المهلب: قوله: " صريح الإيمان". يعني به: الانقطاع في إخراج الأمر إلى ما لا نهاية له، فلا بد عند ذلك من إيجاب خالق لا خالق له؛ لأن المفكر يجد المخلوقات كلها لها خالق يؤثر الصنعة فيها والحدث الجاري عليها، والله تعالى بهذه الصفة لمباينته صفات المخلوقين، فوجب أن يكون خالق الكل، فهذا صريح الإيمان لا البحث الذي هو من كيد الشيطان المؤدي إلى هذا الانقطاع؛ ليحير العقول، فنبه عليه السلام علي موضع كيده وتحييره.
قال غيره: وإن وسوس الشيطان فقال: ما المانع أن يخلق الخالق نفسه، قيل له: هذه وسوسة ينقض بعضها بعضًا؛ لأن بقولك يخلق فقد أوجبت وجوده، وبقولك: نفسه قد أوجبت عدمه، والجمع بين كونه موجودًا ومعدومًا معًا تناقض فاسد؛ لأن من شرط الفاعل تقدم وجوده على وجود فعله، فيستحيل كون فعله فعلًا له؛ لاستحالة أن يقال: إن النفس تخلق النفس التي هو هو، وهذا بين في كل هذه الشبه وهو صريح الإيمان.
فائدة:
ذكر القاضي في "طبقات المعتزلة": أن الرشيد لما منع من الجدال في الدين كتب إليه ملك السند إنك رئيس قوم لا تنصفون وتقلدون الرجال وتعاقبون بالسيف، فإن كنت علي ثقة من دينك، فوجه إليَّ من أناظره، فإن كان الحق معك نتبعه، وإن كان معي تتبعني، فوجه إليه الرشيد بعض القضاة، وكان عند ملك السند رجل من الشمسية،
(1)
"معالم السنن" 4/ 136.
وهو الذي حمله عل هذا القول، فلما وصل القاضي إلى الملك أكرمه، ورفع منزلته، فسأله الشمسي فقال: أخبرني عن معبودك، هل هو قادر؟ قال: نعم. قال: فهل يقدر أن يخلق مثله؟ فقال القاضي: هذه المسألة من الكلام، والكلام بدعة وأصحابنا يكرهونه، فقال الشمسي: ومن أصحابكم؟ قال: محمد بن الحسن وأبو يوسف وأبو حنيفة، فقال الشمسي للملك: قد كنت أعلمتك دينهم، وأخبرتك بجهلهم وتقليدهم وغلبتهم بالسيف، فأمر الملك القاضي بالانصراف، وكتب إلى الخليفة: إني كتبت إليك وأنا على غير يقين فيما حكي لي عنكم والآن فقد تيقنت بحضور هذا القاضي، وذكر له ما جرى.
فلما ورد الكتاب على الرشيد قامت قيامته، وقال: ليس لهذا الدين من يناضل عنه، فقالوا: بلي وهم الذين في الحبس، فقال: أحضروهم. فلما حضروا قال لهم: ما تقولون في هذه المسألة. قال صبي من بينهم: هذا السؤال محال؛ لأن المخلوق لا يكون إلا محدثًا والمحدث لا يكون قبل القديم فاستحال أن يقال: يقدر يخلق مثله، أو لا يقدر، كما استحال أن يقال: تقدر أن تكون جاهلاً أو عاجزًا، فقال الرشيد: وجهوا بهذا صبي إلى السند يناظرهم، وذكر الخبر.
فصل:
إن سأل سائل عن حديث سعد وزيد بن ثابت فقال: فيهما دلالة على أن الله يفعل شيئًا من أجل شيء وبسببه، وهذا يؤدي إلى قول القدرية.
فالجواب: أنه قد ثبت أن الله تعالي علي كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، وأنه لا يكون من أفعاله التي انفرد بالقدرة عليها، ولا تدخل تحت قدر العباد ولا تكون من مقدورات العباد التي هي كسب لهم وخلق
الله تعالى إلا والله تعالى مريد لجميع ذلك سواء كان آمرًا بذلك عباده أو ناهيًا لهم عنه، فغير جائز أن يقال: فعل فعلًا من أفعاله، والقول إنه فاعل بسبب من الأسباب أو من أجل داع يدعوه إلى فعله؛ لأن السبب والداعي فعل من أفعاله، والقول بأنه فاعل بسبب يفضي إلى تعجيزه لحاجته إلى ما لا يصح وقوعه من فعله إلا بوقوع غيره -تعالى الله عن ذلك- وإذا فسد هذا وجب حمل قوله عليه السلام:"إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء فحرم من أجل مسألته" على غير ظاهره، وصرفه إلى أنه تعالى فاعل سؤال السائل الذي نهاه عنه ومقدر أن يحرم الشيء الذي يسأل عنه إذا وقع السؤال فيه كل ذلك سبق به القضاء والقدر؛ لأن السؤال موجب للتحريم وعلة له.
وكذلك قوله عليه السلام: "ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم" يعني: من كثرة مطالبكم لي بالخروج إلى الصلاة حتي خشيت أن تكتب عليكم عقابًا لكم علي كثرة ملازمتكم لي في مداومة الصلاة بكم، لا أن ملازمتهم له موجبة لكتابة الله عليهم الصلاة لما ذكرنا من أن الملازمة والكتب فعلان لله تعالى غير جائز وقوع أحدهما شرطًا في وقوع الآخر، ولو وقعت الملازمة ووقع كتابة الصلاة عليهم لكان ذلك مما سبق به القضاء والقدر في علم الله تعالى، وإنما نهاهم عليه السلام عن مثل هذا وشبهه تنبيهًا لهم علي ترك الغلو في العبادة وركوب القصد فيها؛ خشية الانقطاع والعجز عن الإتيان بما طلبوه من الشدة في ذلك، ألا تري قوله تعالى فيمن فعل مثل ذلك:{قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 102] يعني: فرضت عليهم، فعجزوا عنها فأصبحوا بها كافرين، وكان عليه السلام رءوفًا بالمؤمنين رفيقًا بهم.
وقد تقدم مثل حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه من رواية عائشة في أبواب
قيام الليل في كتاب الصلاة
(1)
، وأسلفنا في توجيهه ما لم يذكر هنا، فراجعه، فإن قلت: فإذا حمل قوله عليه السلام: "إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجله" على غير ظاهره.
فما وجه ذلك وإثم الجرم به؟ قيل: هو على ما تقرر علمه من نسبة اللوم والمكروه إل من تعلق بسبب فعل ما يلام عليه، وإن قلَّ، تحذيرًا من مواقعته له، فعظم جرم فاعل ذلك؛ لكثرة الكارهين لفعله.
فصل:
قوله في حديث أنس رضي الله عنه "آنفًا" أي: الساعة "في عُرض هذا الحائط" وعُرض الحائط وسطه، وكذا عُرض البحر وعُرض النهر وسطهما، واعترضت عرضه نحوت نحوه عن صاحب "العين"، وقال صاحب "العين": هو بضم العين أي: في ناحيته
(2)
.
وقوله: "إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته" فيه: أن الأشياء على الإباحة حتى تحرم، والقول بالوقف تعدٍّ لما فيه من الإضرار، وهو المنع من التصرف فيها بالأكل وغيره.
فصل:
والحجرة في حديث زيد: المكان يمتنع فيه، وقوله:"فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" صريح في فضل النافلة في البيوت، يؤيده الحديث الآخر: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها
(1)
سلف برقم (1129) كتاب: التهجد، باب: تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل.
(2)
"العين" 1/ 276.
قبورا"
(1)
وشذ بعضهم، فقال: يحتمل من فرضه في بيته عملًا بهذا الحديث، وجعله ناسخًا للأول ولا نسخ.
فصل:
والجَدُّ في حديث المغيرة -بفتح الجيم- أي: الغني، ويقال: الحظ والبخت، وقال الداودي: هو الشرف، وقال ابن حبيب: هو بالكسر وهو من جد الاجتهاد، وأنكره من قال: الجد الاجتهاد في الله، والله دعا الخلق إلى طاعته وأمرهم بالاجتهاد، لأداء فرائضه. فكيف لا ينفع ذلك عنده!
وقيل: يريد المجتهد في طلب الدنيا لا ينفعه ذلك عنده، وقيل: يريد لا ينفع ذا الاجتهاد وصل اجتهاده في الهرب ولا في الطلب ما لم يقسم له.
وقيل: معنى الفتح وغيره: لم يكن عليه جرم، فيدل أن استعمالها كان متتابعًا قبل ذلك أن من أتاه الله ملكًا أو شيئًا فأعظم به شأنه لم يكن نال شيئًا فيه إلا بعطاء الله إياه.
وقوله: "منك الجد"، قال الخطابي:(من) هنا بمعنى البدل، كقوله:
فليت لنا من ماء زمزم شربة
…
[مبردة باتت]
(2)
على الطهيان
يريد: ليت لنا بدل ماء زمزم، والطهيان: البَرَّادة
(3)
.
(1)
سلف برقم (432) كتاب: الصلاة، باب: كراهية الصلاة في المقابر، ورواه مسلم (777) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته.
(2)
في الأصل: فاتت، والمثبت من "أعلام الحديث".
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 552.
قال الجوهري: معنى (منك) هاهنا: عندك، تقديره: ولا ينفع (ذا الغني عندك غناه)
(1)
وإنما ينفعهم العمل بطاعتك
(2)
.
والصحيح بقاء (من) على بابها، والمعنى: ولا ينفع ذا الغنى غناه إن أنت أردته بسوء أو أمر كما تقول: لا ينفعك مني شيء، ولا يغنيك مني إن أنا أريد أخذًا. قال أبو عبد الملك: وقد بناه العراقيون في شرح ذلك، فزعموا أنه بفتح الجيم، فذهب به بعضهم إلى أن جد الرزق والغنى لا ينفع من الله شيئًا فخطبوا فيه العشواء.
فصل:
ذكر هنا: أن المغيرة كتب به إلى معاوية، وفي "الموطأ" عن معاوية قال: سمعت هذِه الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذِه الأعواد وكان معاوية حينئذ على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
، فيحتمل أن يكون معاوية سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب به المغيرة إليه، وفيه من الطرف رواية صحابي عن صحابي.
فصل:
قد سلف الكلام في (قيل وقال) وإعرابه أيضًا، والمعني: أنها نهي عن كثرة الكلام والغالب عدم السلامة من المكثر لكلامه فيما لا يعنيه أولأنه يخالطه الكذب.
فصل:
وسلف هناك أيضًا نهيه عن إضاعة المال أنها على وجوه: وضعه في
(1)
في الأصل: (هذا الغني عندك غنا)، والمثبت من "الصحاح".
(2)
"الصحاح" 2/ 452 مادة (جدد).
(3)
"الموطأ" ص 561 (8).
غير حقه، ونفقته في المعاصي، والسرف في الحلال، والتفريط فيه حتى يضيع.
وقوله: (وعقوق الأمهات). أي: يخالف مرادهن وسكت عن الآباء؛ لأن معناهم بمعنى الأمهات، وأصل أم أُمَّهَةٌ ويدل عليه أن جمعه أمهات، وقيل: أمهات للناس وأمات للبهائم.
فصل:
(ووأد البنات): دفنهن أحياء في التراب خشية الفقرِ. (ومنعٍ وهات) أي: منع الحق وطلب الباطل.
وقوله: "أَوَلى" سلف أنه تهديد، وهو بفتح الواو، وفي الأصل:"أَوْلى" بسكون الواو.
فصل:
ينعطف على ما مضى من قوله: "لن يبرح الناس يسألون .. " إلى آخره، وهو غير لازم، وذلك أن العاَلمَ إذا ثبت حدثه افتقر إلى محدث؛ لاتفاق العقل على أن الكتابة لابد لها من كاتب، والبناء من بانٍ فإذا اتفقوا على افتقار الأدون إلا صانع، فالذي هو أعجب وأبدع من
(1)
خلق السموات والأرض والجبال وخلق الإنسان، واختلاف الليل والنهار، وما سوي ذلك من عجيب الآيات أولى أن يفتقر إلى صانع، ويدل أيضًا على إثبات الصانع أن شأن الحوادث تقدم بعضها على بعض في الوجود وصحة تقدم المتأخر منها فحصولها على ما حصلت عليه من المتقدم والتأخر، واختلاف الأشكال والهيئات تدل على أن ذلك فضل عالم مريد مختار، فإذا ثبت ذلك فلا يخلو أن
(1)
في هامش الأصل: لعله عوض من: وهو.
يكون الفاعل محدثًا أو قديمًا، فإن كان محدثًا، نقلنا الكلام على [ما] قلنا في المخلوقات، وكذلك في محدثه ويتسلسل القول في ذلك وما أدى إلى التسلسل فهو غير صحيح فلم يكن إلا أن يكون قديمًا، وإذا كان قديما فلا يقال: من خلقه؟ لأن القديم لا يتقدمه شيء ولا يصح عدمه وهو فاعل لا مفعول.
فصل:
وقوله: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة). أي: زرع، والعسيب، قال ابن فارس: عسبان النخل كالقضبان
(1)
، والنفر، قال ابن عرفة: هو ما بين العشرة إلى الثلاثة
(2)
، وفي "الصحاح"، و"المجمل": النفر من الثلاث إلى العشرة
(3)
.
وقد سلف الكلام على الروح، قال ابن عباس: ملك له أحد عشر ألف جناح وألف وجه يسبح الله إلى أن تقوم الساعة، وقال أبو صالح: هو خلق كخلق بني آدم ووليسوا ببني آدم لهم أيد وأرجل، وقيل: هو جبريل، واحتج قائله بقوله تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)} [الشعراء: 193] وقيل: عيسي عليه السلام وقيل: القرآن؛ لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52].
وقال المفسرون: هو ملك عظيم يقوم وحده، فيكون صفًّا وتقوم الملائكة فيكونون صفًّا، كما قال تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} [النبأ: 38] الآية، وقيل: هو ملك عظيم رجلاه في الأرض السفلى ورأسه عند
(1)
"المجمل" 3/ 667 مادة (عسب).
(2)
لم أجده في المطبوع منه.
(3)
"الصحاح" 2/ 833، "المجمل" 3/ 878، مادة (نفر).
العرش، وقيل: هو خلق من خلق الله لا ينزل ملك إلا ومعه اثنان منهم
(1)
.
وذكر الداودي: أن الروح الوحي، وقوله: فقال بعضهم: لا تسألوه لا يسمعكم ما تكرهون: هو بإسكان العين مضمومًا ومجزومًا جواب النهي.
(1)
انظر: "تفسير الطبري" 12/ 415 - 416، "تفسير ابن كثير" 14/ 235 - 236، "الدر المنثور" 6/ 505 - 506.
4 - باب الاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
7298 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ» . فَنَبَذَهُ وَقَالَ «إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا» فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. [انظر: 5865 - مسلم: 2091 - فتح 13/ 274].
ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: (اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ». فَنَبَذَهُ وَقَالَ «إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا» فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ).
الشرح:
قال الداودي في كتابه: خاتم الذهب كان من لباسه، ولباس الناس، كان على الجواز حتى نهى عنه، ففيه: أن الأشياء على الإباحة حتى ينهى عنها، وهذا قول العلماء
(1)
.
ثانيها: على التحريم حتى يباح، وفيه: حرمة لبس الذهب للرجال، وفي الحديث الآخر في الحرير والذهب "هما لهم في الدنيا"، يعني: الكفار، "ولنا في الآخرة"
(2)
وقد عجل، لأولئك حسابهم في الدنيا لا يخرج أحد منهم ويبقى لهم حسنات إلا وُفِّيها، فلا يقام لهم يوم القيامة (وزنًا)
(3)
، وأما المؤمنون فمنهم من يوفى بعض حسناته في الدنيا، ومنهم من لم يأخذ من أجره شيئًا مثل: مصعب بن
(1)
انظر: "المنثور في القواعد" 1/ 168، "البحر المحيط" 8/ 120.
(2)
سلف برقم (5426) كتاب: الأطعمة، باب: الأكل في إناء مفضض.
(3)
عليها في الأصل: (لا .. إلى).
عمير
(1)
، وكان السلف يخافون تعجيل حسناتهم.
فصل:
قد أسلفنا في أوائل الاعتصام خلافًا في أن أفعاله الواقعة موقع القرب لا على وجه البيان والامتثال، هل هي للوجوب أو الندب أو الوقف، وأن القاضي أبا بكر بن الطيب قال: بالوقف، واحتج له بأنه لما كانت القربة الواقعة محتملة لكونها فرضًا ونفلًا لم يجز أن يكون الفعل منه دليلًا على أننا متعبدون بمثله لا على كونه واجبًا علينا دون كونه نفلًا؛ لأن فعله مقصور عليه دون متعد إلى غيره، وأمره لنا ونهيه متعديان إلى الغير، والفرض فيهما امتثالهما فافترقا.
وحجة من قال بالوجوب حديث الباب حيث خلع فخلعوا نعالهم، ثم أمرهم
(2)
عام الحديبية بالتحلل فوقفوا، فشكى ذلك إلى أم سلمة، فقالت له: اخرج إليهم واذبح واحلق. ففعل ذلك، فحلقوا وذبحوا اتباعًا لفعله
(3)
، فعلم أن الفعل آكد عندهم من القول، وقال لأم سلمة حين سألتها المرأة عن القبلة للصائم:"ألا أخبرتيها أني أقبل وأنا صائم"
(4)
. وقال للرجل مثل ذلك، فقال له: إنك لست مثلنا. فقال: "إني لأرجو أن أكون أتقاكم لله"
(5)
.
(1)
سلف برقم (1276) من قول خباب بن الأرت.
(2)
في هامش الأصل: لعله وأمرهم.
(3)
سلف برقم (2731) كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد.
(4)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 94.
(5)
رواه مسلم (1108) كتاب: الصيام، باب: بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته.
فدل هذا أن للأسوة واقعة إلا ما منع منه الدليل، ويدل على ذلك لما نهاهم عن الوصال قالوا: إنك تواصل. قال: "إني لست مثلكم، إني أطعم وأُسقى"
(1)
. فلولا أن لهم الاقتداء به لقال لهم: وما في مواصلتي ما يبيح لكم فعل ذلك وأفعالي خصوصية بي، فلم يقل لهم ذلك، ولكن بين لهم المعنى في اختصاصه بالمواصلة وأنهم بخلافه فيه، كذلك خص الله الواهبة أنها خالصة له دون أمته، ولولا ذلك لكانت مباحًا لهم.
وقال الداودي: أفعاله على الوجوب حتى يقوم دليل على تخصيص شيء منها بندب أو جواز، قال: واختلف في هذا: فقال بعضهم: وأدناه الجواز فهو عليه حتى يقوم دليل على عمومه، وقيل: إنما يجب أن يقتدى به من أفعاله ما كان بيانًا لشيء من الفرائض، وقيل: القول منه آكد من الفعل، وذلك كله واحد؛ لقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الآية [النور: 6].
(1)
سلف برقم (1962) كتاب: الصوم، باب: الوصال.
5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ فِي العِلْمِ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالْبِدَعِ
لِقَوْلِهِ عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [النساء: 171].
7299 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُوَاصِلُوا» . قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» . فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَالِ، قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَيْنِ -أَوْ لَيْلَتَيْنِ- ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ تَأَخَّرَ الهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ» . كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ. [انظر: 1965 - مسلم: 1103 - فتح 13/ 275].
7300 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ، وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَقَالَ: وَاللهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلاَّ كِتَابُ اللهِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. فَنَشَرَهَا فَإِذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَإِذَا فِيهَا:«الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلاً» . وَإِذَا فِيهِ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلاً» . وَإِذَا فِيهَا: «مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلاً» . [انظر: 111 - مسلم: 1370 - فتح 13/ 275].
7301 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ الله عنها - صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا تَرَخَّصَ وَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ قَالَ:«مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فَوَاللهِ إِنِّي أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً» . [انظر: 6101 - مسلم: 2356 - فتح
13/ 276].
7302 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ، أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلَافِي. فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ {عَظِيمٌ} [الحجرات: 2 - 3]. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ -وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ، يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ- إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ، لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. [انظر: 4367 - فتح 13/ 276].
7303 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ". قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ. فَقَالَ:«مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» . فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِى: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَفَعَلَتْ حَفْصَة، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ» . قَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح 13/ 276].
7304 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: جَاءَ عُوَيْمِرٌ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَيَقْتُلُهُ، أَتَقْتُلُونَهُ بِهِ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَهُ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَ، فَرَجَعَ عَاصِمٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ المَسَائِلَ، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللهِ لآتِيَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَجَاءَ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى القُرْآنَ خَلْفَ عَاصِمٍ، فَقَالَ لَهُ:«قَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيكُمْ قُرْآنًا» . فَدَعَا بِهِمَا فَتَقَدَّمَا فَتَلَاعَنَا، ثُمَّ قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ
إِنْ أَمْسَكْتُهَا. فَفَارَقَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِفِرَاقِهَا، فَجَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«انْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا مِثْلَ وَحَرَةٍ فَلَا أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ كَذَبَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أَحْسِبُ إِلاَّ قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا» . فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الأَمْرِ المَكْرُوهِ. [انظر: 423 - مسلم: 1492 - فتح 13/ 276].
7305 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ النَّصْرِيُّ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ ذَلِكَ، فَدَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ فَأَذِنَ لَهُمَا، قَالَ العَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ الظَّالِمِ. اسْتَبَّا، فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فَقَالَ: اتَّئِدُوا أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» . يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا نَعَمْ. قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي مُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ: إِنَّ اللهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَالِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ:{مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ} [الحشر: 6] الآيَةَ. فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَاللهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا اللهَ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ. ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ -وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ- تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ
رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْر، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَأَتَانِي هَذَا يَسْأَلُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ، تَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ
فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، وَإِلاَّ فَلَا تُكَلِّمَانِي فِيهَا. فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ. فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ. فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا. [انظر: 2904 - مسلم: 1757 - فتح 13/ 277].
ذكر فيه سبعة أحاديث سلفت:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الوصال.
وحديث على رضي الله عنه: مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ نقرأوه إِلَّا كِتَابُ اللهِ، وَمَا فِي هذِه الصَّحِيفَةِ.
وحديث عائشة رضي الله عنها: "فَوَاللهِ إِنِّي أَعْلَمُهُمْ باللهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً".
وحديث ابن أبي مليكة: كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ .. الحديث.
وحديث عائشة رضي الله عنها: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ" .. الحديث بطوله.
وحديث سهل بن سعد في اللعان.
وحديث مالك بن أوس: أن العباس وعليًّا جاءا إلا عمر رضي الله عنهم يطلبان
ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنازعهما مع عمر رضي الله عنه .. الحديث بطوله. وفيه:"لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ".
الشرح:
الغلو: مجاوزة الحد، وهذا يدل على أن البحث عن أسباب الربوبية من نزغات الشيطان، ومما يؤدي إلى الخروج عن الحق؛ لأن هؤلاء غلوا في الفكرة حتى آل بهم الأمر أن جعلوا آلهة ثلاثة، وأما الذين غلوا في الصيام فهو اتباعهم للوصال بعد أن نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاقبهم بأن زادهم ما تعمقوا به. وقول علي رضي الله عنه لما خطب على منبر من آجر:(والله ما عندنا إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة). فإنه أراد به تبكيت من تنطع، وجاء بغير ما في كتاب الله وغير ما في (سنة رسوله)
(1)
فهو مذموم.
وحديث (القبلة)
(2)
للصائم التي (تنزه قوم عنها)
(3)
ورخص فيها الشارع فذمهم بالتعمق والمخالفة، وقصة وقد بني تميم لما آل إلى التنازع من الصديق والفاروق إلى المحاسبة في التفاضل بين ابن حابس وعيينة بن حصن
(4)
، ورمي بعضهم بعضًا بالمناوأة والقصد إلى المخالفة، والفرقة. كذلك ينبغي أن تذم كل حالة تخرج صاحبها إلى افتراق الكلمة واستسعار العداوة.
(1)
في الأصل: سنته، والمثبت من (ص 1).
(2)
في الأصل: النية.
(3)
في الأصل: فسره تنطع وجاء بغير ما في كتاب الله وغير ما في سنة رسوله، والمثبت من "شرح ابن بطال" 10/ 348.
(4)
ينظر فإن أراد الحديث المذكور في الأصل فالآخر القعقاع بن معبد لا عينية.
وقوله: ("مروا أبا بكر فليصل بالناس") ذم عائشة رضي الله عنها لتعمقها في المعاني التي خشيتها من مقام أبيها في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مما روي عنها أنها قصدته بذلك، وقد سلف في الصلاة
(1)
وذمه حفصة أيضًا؛ لأنها أدخلتها في المفاوضة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك كراهيته عليه السلام لمسائل اللعان وعيبه لها في نص الباب، وأنه خشي أن ينزل من القرآن ما يكون تضييقًا فنزل فيه اللعان وهو وعيد عظيم وسبب إلى عذاب الآخرة لمن أراد تعالى إنفاذه عليه.
وحديث العباس وعلي رضي الله عنهما يئول ما ذم من تنازعهما إلى انقطاع الرحم التي بينهما بالمخاصمة في هذا المال الموقوف لا سيما بعد أن قص عليهما عمرو رضي الله عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينههما عن طلب هذا الوقف ليلياه كما كان يليه الخليفة من توزيعه وقسمته حيث يحب وانفرادهما بالحكم فيه، وقد سلف معناه واضحًا في آخر الجهاد، فرض الخمس
(2)
.
فصل:
معني: ("يطعمني ربي ويسقيني"). قيل حقيقة، والأصح يعطى قوتهما فيحصل له الري والشبع ويكون بمنزلة من تناولهما.
والآَجُرُّ في حديث [علي] ممدود مشدد الراء ما يبنى به فارسي معرب، ويقال: آجور على فاعول.
وقول علي رضي الله عنه: (ما عندنا .. ) إلى آخره قاله؛ لأن الروافض تزعم أنه عليه السلام أسر إليه، وأنهم كتبوا كتابًا يقال له: الجَفْر علم ما يكون، وأنه
(1)
سلف برقم (664) كتاب: الأذان، باب: حد المريض أن يشهد الجماعة.
(2)
سلف برقم (3094) كتاب: فرض الخمس.
خصهم بذلك دون الناس فأكذبهم علي رضي الله عنه، وبعض الرواة تزيد فيما ذكر في الصحيفة على بعض، ويقول كل واحد ما حفظ.
وقوله: ("المدينة حرم ما بين عَيْر إلى كذا") جاء في حديث آخر: " إلى ثور"
(1)
، والمراد ما بين لابتيها، كما صرح به في موضع آخر
(2)
.
والصرف: الاكتساب أو الحيلة من قولهم: يتصرف في الأمور. أي: يحتال فيها، ومنه قوله: فلا تستطيعون صرفًا ولا نصرًا
(3)
، أو التوبة أو النافلة أو الفريضة أو الوزن، أقوال.
والعَدْلُ: الفدية من قوله تعالى: {وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48] أو الكيل أو الفريضة أو النافلة، وقد سلف ذلك.
("وأخفر"): نقض العهد يقال: أخفرت الرجل نقضت عهده وأخفرته أيضًا جعلت معه خفيرًا.
فصل:
قوله: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه".
قال الداودي: التنزه عما ترخص به الشارع من أعظم الذنوب؛ لأن هذا يرى نفسه أتقى في ذلك من رسوله وهذا إلحاد.
وقوله: "أعلمكم بالله". واحتج به من قال: إن العلم إذا وقع من طرق كان من وقع له أعلم ممن وقع له من طريق واحد، وهذا أصل اختلف فيه أهل الأصول.
(1)
سلف برقم (6755).
(2)
سلف برقم (1869).
(3)
هكذا بالأصل، ولعله يقصد قوله تعالى:{فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا} [الفرقان: 19].
فصل:
قول ابن أبي مليكة: (كاد الخيران أن يهلكا .. ) الحديث، هو مرسل، وإنما ذكر ابن الزبير لفظة منه فلم يتصل من الحديث غيرها فنزلت:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات: 2].
قوله: (قال ابن أبي مليكة: قال ابن الزبير: فكان عمر بعدُ -ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني: أبا بكر- إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه).
فيه: أن الجد للأم يسمى أبًا؛ لأن أبا بكر كان جد ابن الزبير لأمه، وقد قال تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] والجد للأم داخل في ذلك.
وقوله: (كأخي السرار). قال الخطابي: سمعت أبا عمرو يذكر عن أبي العباس: كالسرار، وأخي صلة، قال: وقد يكون بمعنى صاحب السرار
(1)
.
وقيل: كالمناجي سِرًّا.
وروي عن أبي بكر مثل فعل عمر رضي الله عنهما لم يكن بعد ذلك من كلامه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه
(2)
.
(1)
"أعلام الحديث" 4/ 2340.
(2)
روى البزار في "مسنده" 1/ 200 (56) من طريق حصين بن عمر، عن مخارق، عن طارق، عن أبي بكر قال: لما نزلت هذِه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} قلتُ: يا رسول الله والله لا أكلمك إلا كأخي السرار.
وقال البزار: وحصين بن عمر قد حدث بأحاديث لم يتابع عليها، وإنما ذكرنا هذا الحديث على لين حصين؛ لأنه لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل إلا من هذا الوجه. اهـ وانظر:"تفسير ابن كثير" 13/ 139.
فصل:
قال الداودي: وقوله: "مروا أبا بكر". وقال: "إنكن لأنتن صواحب يوسف". فيه دليل على أن أوامره على الوجوب وأن في مراجعته بعض المكروه، واحتج بهذا الحديث على الثوري القائل: يؤم القوم أقرؤهم. فإن أبا بكر لما كان أعلم الصحابة وأفضلهم قدمه الشارع، وان كان فيهم من هو أقرأ منه، قال عمر رضي الله عنه: أُبي أقرؤنا
(1)
.
وقوله: (لن يسمع الناس من البكاء) فيه: أن البكاء من خشية الله لا يقطع الصلاة. وحمله جمهور أصحابنا على ما إذا لم يبن منه حرفان، وفيه دليل على جواز القول بالرأي، ولذلك أقرها عليه السلام على اعتراضها عليه، فيصغى إليه.
وقوله: " صواحب يوسف". قيل: يريد جنس النساء، وقيل: امرأة العزيز، وأتى بلفظ الجمع كما يقال: فلان أتى النساء، ولعله إنما مال إلى واحدة منهن، فذكرهما بفساد رأي من تقدم من جنسهن فإنهن دعون إلى غير صواب مثلهما.
فصل:
والأحمر في حديث سهل: الشديد الحمرة. والوَحَرَة -بالتحريك- دويبة حمراء تلزق بالأرض كالوزغة تقع في الطعام فتفسده، وقيل: كالعضاءة إذا دبت على الأرض، وحر أي فسد، وقيل: هي دويبة فوق (العدسة)
(2)
حمراء. والأسحم: الأسود، والألية بفتح الهمزة. وأتى ههنا بهذا الحديث؛ لأن الحكم يشتمل على حدّ إلى الأبد، كما نبه عليه الداودي.
(1)
سلف برقم (4481).
(2)
هكذا في الأصل، وفي "عمدة القاري" 20/ 221: العرسة.
فصل:
ودخول عثمان ومن معه رضي الله عنه قبل علي والعباس رضي الله عنهما ليكلما عمر رضي الله عنه في القضاء بينهما.
و (الرهط): ما دون العشرة ليس فيهم امرأة.
وقول العباس: (اقضِ بيني وبين الظالم) أي في هذا الأمر على ما تأول، ليس أنه يظلم الناس.
وقوله: فاستبا: قال الداودي: يعني أن كل واحد منهما يدعي أنه ظُلم في هذا الأمر ليس أن عليًّا يسب العباس بغير ذلك؛ لأنه كأبيه، ولا أن العباس يسب
(1)
عليًّا؛ لفضله وسابقته.
وقوله لعلي والعباس: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، قالا: نعم)، ثم قال في سياق حديثه:(جئتني تسألني ميراثك) إلى آخره، فإنما قالا ذلك أنه عليه السلام قال:"لا نُورث"، لم يذكرا أو أحدهما من قصد رجعا إلى قوله، قاله الداودي، قال: وقوله: (وأنتما تقولان إن أبا بكر فيها كذا) يعني منعه الميراث، وهما لا يقولان ذلك إلا قبل علمهما أو في حال تسابهما أنه عليه السلام قال:"لا نُورث".
خاتمة: وفي قول علي رضي الله عنه: (ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة) تبكيت
(2)
من تنطع وجاء بغير ما في الكتاب والسنة من قياس فاسد لا أصل له من كتاب الله ولا سنة، فإن كان له أصل فيهما أو إجماع فهو محمود، وهو الاجتهاد والاستنباط كما سنعود إليه بعد.
(1)
في هامش الأصل: هذا يرده ما في "صحيح مسلم" من قول العباس لعمر: اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن.
(2)
في الأصل: (يثلب)، والمثبت من "فتح الباري" 13/ 279، "عمدة القاري" 20/ 218 نقلاه عن الكرماني.
6 - باب إِثْمِ مَنْ آوَى مُحْدِثًا
رَوَاهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1870]
7306 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
قَالَ عَاصِمٌ: فَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوْ آوَى مُحْدِثًا. [انظر: 1867 - مسلم: 1366، 1367 - فتح 13/ 281].
ثم ساق فيه حديث عاصم: قُلْتُ لأَنَس رضي الله عنه: أَحَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ .. الحديث.
ساقه عن مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، ثَنَا عَاصِمٌ به. (ثم قال)
(1)
: قَالَ عَاصِمٌ: فَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَو آوى مُحْدِثًا.
ذكر الدارقطني في "علله ": أن عبد الواحد رواه فقال في آخره: قال موسى: أوآوى محدثًا، ووهم في قوله موسى بن أنس، والصحيح ما رواه شريك وعمرو بن أبي قيس، عن عاصم الأحول، عن أنس، وفي آخره فقال النضر بن أنس: أوآوى محدثًا، وقال في "استدراكاته": هذا وهم من البخاري أو شيخه يعني موسى بن إسماعيل؛ لأن مسلمًا أخرجه عن حامد بن عمر، عن عبد الواحد فقال فيه: فقال النضر. وهو الصواب
(2)
.
(1)
من هامش الأصل، وفوقها:(لعله سقط).
(2)
"الإلزامات والتتبع" ص 356، ورواه مسلم (1366) كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، وليس فيه التصريح باسم النضر، وانظر "الفتح" 13/ 281.
فصل:
فيه فضل عظيم للمدينة شرفها الله تعالى، وذلك تغليظ الوعيد بلعنة الله والملائكة والناس أجمعين لمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا، وفي حديث علي السالف:"لا يقبل منه صرف ولا عدل"
(1)
، ودل الحديث على أن من آوى أهل المعاصي والبدع أنه شريك في الإثم، وليس الحديث دالًا على أن من فعل ذلك في غيرها أنه غير متوعَّد ولا ملوم على ذلك؛ لتقدم العلم بأن من رضي فعل قوم وعملهم أنه منهم وإن كان بعيدًا عنهم، فهذا الحديث نص في تحذير فعل شيء من المنكر في المدينة، وهو دليل في التحذير من إحداث مثل ذلك في غيرها، وخُصَّت بالذكر؛ لأن اللعنة له أشد والوعيد آكد لانتهاكه ما حُذِّر عنه وإقدامه على مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان يكرمه من تعظيم شأن المدينة المشرفة بأنها منزل وحيه وموطن نبيه، ومنها انتشر الدين في الأقطار فكان لها بذلك فضل مزية على سائر البلاد.
وقد أسلفنا اختلاف العلماء فيما يقطع من شجرها وما يصاد من صيدها آخر الحج فسارع إليه، والحديث قال على حرمة اصطيادها، وفي الضمان خلاف العلماء، والجديد عندنا: لا ضمان. وهو ما في "المدونة"، والقديم: نعم، وهو قول ابن أبي ليلي ونافع وابن أبي زيد
(2)
، وقال أشهب: عند محمد عن مالك في منع أكله ليس كالذي يصطاد بمكة، وإني لأكرهه، وقيل: لا يؤكل
(3)
.
(1)
سلف قريبًا برقم (7300).
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 335، "النوادر والزيادات" 2/ 487، "البيان" 4/ 265.
(3)
"النوادر والزيادات" 2/ 478.
7 - باب مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ وَتَكَلُّفِ القِيَاسِ
.
وقولة تعالى: {وَلَا تَقْف مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]
7307 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: حَجَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ» . فَحَدَّثْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو حَجَّ بَعْدُ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، انْطَلِقْ إِلَى عَبْدِ اللهِ فَاسْتَثْبِتْ لِي مِنْهُ الذِي حَدَّثْتَنِي عَنْهُ. فَجِئْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَحَدَّثَنِي بِهِ كَنَحْوِ مَا حَدَّثَنِي، فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا، فَعَجِبَتْ فَقَالَتْ: وَاللهِ لَقَدْ حَفِظَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو. [انظر: 100 - مسلم: 2673 - فتح 13/ 282].
7308 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، سَمِعْتُ الأَعْمَشَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ: هَلْ شَهِدْتَ صِفِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَسَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ ح.
وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنَّ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَرَدَدْتُهُ، وَمَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَى أَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ غَيْرَ هَذَا الأَمْرِ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: شَهِدْتُ صِفِّينَ، وَبِئْسَتْ صِفُّونَ. [انظر: 3181 - مسلم: 1785 - فتح 13/ 282].
ذكر فيه حديث أَبِي الأَسْوَدِ، واسمه محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل بن خويلد بن راشد الأسدي يتيم عروة، عَنْ عُرْوَةَ عن عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ لَا يَنْترعُ العِلْمَ انْتزاعًا بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ، ولكن يَنْتَزِعُهُ مَعَ قَبْضِ العُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَي نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ،
فَيُضلُّونَ وَيَضِلُّونَ". فَحَدَّثْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها .. وذكر باقيه.
وحديث أبي حمزة، واسمه: محمد بن ميمون السكري المروزي قال: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ: هَلْ شَهِدْتَ صِفِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَسَمِعْتُ سَهْلَ بن حنيف يَقُولُ.
ثم ساقه من حديث أبي عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ قال: قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنَّ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لرَدَدْتُهُ، وَمَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَي أَمْرٍ نَعْرِفُهُ غَيْرَ هذا الأَمْرِ. وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: وَبِئْسَتْ الصِفُّونَ.
الشرح:
روي مبارك بن فضالة، قال الطبري: عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنه قال: يا أيها الناس اتهموا الرأي على الدين
(1)
.. كقول سهل سواء.
قال المهلب وغيره: لا شك أنه إذا كان الرأي والقياس على أصل من الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة فهو محمود وهو الاجتهاد كما سلف الذي أباحه الله تعالى للعلماء.
(1)
رواه البزار في "مسنده" 1/ 253 - 254 (148)، والطبراني 1/ 72 (82) كلاهما من طريق يونس بن عبيد الله العميري، عن مبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر، به. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروي عن عمر إلا من هذا الوجه، ولم يشارك مبارك في روايته عن عبيد الله في هذا الحديث أحد. اهـ وأورده المتقي الهندي في "الكنز"(1627) وزاد عزوه لابن جرير، وأبي نعيم في "المعرفة"، واللالكائي في "السنة"، والديلمي.
وأما الرأي المذموم والقياس المتكلف فهو ما لم يكن على هذه الأصول؛ لأنه ظن ونزغ من الشيطان يوضحه قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] قال ابن عباس رضي الله عنه: لا تقل ما ليس لك به علم. وقال قتادة: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم
(1)
. وأصل القفو العَضُهِ والبهت فنهى الله عباده عن قول ما لا علم لهم به، فإنه سائل عما قال صاحبها فتشهد عليه جوارحه بالحق، ومثل هذا حديث الباب، ألا ترى أنه وصفهم بالجهل فلذلك جعلهم ضآلين وهم خلاف الذين قال الله تعالى فيهم {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] وأمرهم بالرجوع إلى قولهم.
فإن قلت: قول سهل، وعمر رضي الله عنهما: اتهموا الرأي. يرد قول من استعمله في الدين، وأنه لا يجوز شيء منه؛ لأنهم أخطأوا يوم أبي جندل في مخالفتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
في صلحه المشركين ورده لأبي جندل إلى أبيه وهو يستغيث وكان قد عذب في الله وهم يظنون أنهم محسنون (في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(3)
.
قيل: وجه قولهما: الرأي الذي هو خلاف لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيه على الدين الذي هو نظير آرائنا التي كنا خالفنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أبي جندل، فإن ذلك خطأ.
فأما الاجتهاد من الكتاب والسنة والإجماع فذلك هو الحق الواجب والفرض اللازم لأهل العلم وبنحو هذا جاءت الأخبار عن الشارع وعن
(1)
أثر ابن عباس وقتادة رواهما الطبري في "تفسيره" 8/ 80.
(2)
وقع هنا في الأصل جملة: قيل وجه قولهما الرأي الذي هو خلاف لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت مرة أخرى بعد قوله: (وهم يظنون أنهم محسنون).
(3)
من (ص 1).
جماعة الصحابة والتابعين كحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه عليه السلام لما انصرف من الأحزاب قال: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"
(1)
فصلي ناس وتخلف آخرون فلم يعنف واحدًا منهما، وهذا الخبر نظير خبر سهل بن حنيف. ومَن حرص [يوم أبي]
(2)
جندل على القتال اجتهادًا منهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يري ترك قتالهم في أنه لم يؤثم أحد الفريقين لا من صلي ولا من أخر؛ لأن معنى ذلك كان عندهم ما لم يخشوا فوات وقتها، وكذلك لم يؤثم أيضًا من لم يصلِّ، وأن معنى أمرهم بذلك كان عندهم لا يصلوها إلا في بني قريظة وان فاتكم وقتها فعذر كل واحد منهم لهذِه العلة.
وروى سفيان عن الشيباني، عن الشعبي، عن شريح أنه كتب إلى عمر رضي الله عنه يسأله فكتب إليه: أن أقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن فبما قضى الصالحون فإن لم يكن فإن شئت تقدم وإن شئت تأخر، ولا أرى التأخر إلا خيرًا لك والسلام
(3)
.
وروي هشيم، ثنا سيار، عن الشعبي قال: لما بعث عمر رضي الله عنه شريحًا على قضاء الكوفة قال: انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدًا، وما لم يتبين لك فاتبع فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لم يتبين لك سنة فاجتهد رأيك
(4)
.
وروى الترمذي من حديث الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن
(1)
سبق برقم (946) كتاب: صلاة الخوف، باب: صلاة الطالب والمطلوب.
(2)
في الأصل: أبا، وفي (ص 1): قوله أبي، والمثبت من ابن بطال 10/ 353.
(3)
رواه النسائي 8/ 231، والدارمي 1/ 265 - 266 (169)، والبيهقي 10/ 110.
(4)
رواه البيهقي 10/ 110.
شعبة، عن ناس من أهل حمص، عن معاذ رضي الله عنه أنه عليه السلام لما بعثه إلى اليمن قال:"كيف تقضي؟ " قال: بكتاب الله. قال: "فإن لم تجد في كتاب الله" قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فإن لم تجد في السنة" قال: أجتهد رأيي. فقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ثم قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل
(1)
. ولأبي داود حدثني ناس من أصحاب معاذ عن معاذ ثم ساقه
(2)
وذكره الخطيب في كتاب "الفقيه والمتفقه" أن الحارث رواه عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ
(3)
. وهذا إسناد جيد فقد أنبأت هذه الأخبار أن معنى قول عمر رضي الله عنه السالف: أنه الرأي الذي وصفناه؛ لأنه محال أن يقال: اتهموه واستعملوه؛ لأنهما ضدان ولا يظن ذلك به، ولا بنظرائه يوضحه أيضًا رواية مجاهد
(4)
عن الشعبي، عن عمرو بن حُريث قال: قال عمر: إياكم وأصحابَ الرأي فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا
(5)
، وقد تبين هذا من عمر أنه أمر باتهام الرأي فيما خالف أحكام رسوله وسنته، وذلك أنه قال:(أنه)
(6)
أعداء السنن أعيتهم أن يحفظوها، فأخبر أنه لما أعياهم حفظ سنته، قالوا برأيهم وخالفوها جهلًا منهم بأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وذلك هو الجرأة على الله بما لم يأذن به في دينه والتقدم بين يدي رسوله.
(1)
الترمذي (1328).
(2)
أبو داود (3592).
(3)
"الفقيه والمتفقة" 1/ 742.
(4)
هكذا في الأصل، وفي "سنن الدارقطني": مجالد.
(5)
رواه الدارقطني 4/ 146 من طريق مجالد، عن الشعبي، به.
(6)
كذا في الأصل ولعله (أنهم).
فأما اجتهاد الرأي باستنباط الحق من الكتاب والسنة فذلك الذي أوجبه على العلماء فرضًا وعمل به المسلمون بمحضر منه فلم يعنفهم، ولا نهاهم عنه إذ كان هو الحق عنده والدين، واقتفى أثرهم فيه الخلف عن السلف.
روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنه، وروى أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود رضي الله عنه: ومن عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب الله، فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه، فإن جاءه أمر ليس في سنة نبيه فليقض بما قضى به الصالحون، فإن جاءه ما ليس في ذلك فليجتهد رأيه، ولا يقل: إني أرى وإني أخاف، فإن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك
(1)
.
وقد سلف حديث سهل بن حنيف في آخر الجهاد
(2)
ومر فيه من معناه ما لم نذكره هنا، وكتب عمر أيضًا إلى أبي موسى رضي الله عنهما في كتابه الطويل يعلمه القضاء فقال: اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور عند ذلك
(3)
، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل العراق، فقال عمر رضي الله عنه: قيسوا من نحو العراق إلى نحو قَرْن
(4)
.
ثم اعلم أن البخاري ترجمه بعد في باب: من شَبَّه أصلاً معلومًا بأصل مبين قد بين الله حكمهما ليفهم السائل، ثم ذكر حديث:
(1)
رواه النسائي 8/ 230 وقال: هذا الحديث جَيِّدٌ جَيِّدٌ.
(2)
سبق برقم (3181)، (3182) كتاب: الجزية والموادعة، باب (18).
(3)
رواه الدارقطني 4/ 206، 207.
(4)
سلف بنحوه برقم (1531).
"لعله نزعه عرق"، وحديث ابن عباس:"أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ "
(1)
وهو صريح في العمل بالقياس الصحيح، وما ذمه هنا من القياس الباطل، وصنف ابن حزم في إبطال القياس مصنفين، ولا يلتفت إليه وهو مسبوق بالنظام وداود وشرذمة قليلة والجم على خلافه، قال المهلب: أنكره النظام وطائفة من المعتزلة واقتدى به في ذلك ونسب إلى الفقيه داود بن علي، والجماعة هم الحجة ولا يلتفت إلا من شذ عنها، وسنوضح الكلام عليه هناك.
فصل:
قوله في حديث سهل: (يُفظعنا) هو بضم أوله على أنه رباعي، قال الجوهري وابن فارس: وأفظع اشتد وشنع وجاوز المقدار، قال: وأُفظِع الرجل على ما لم يسم فاعله. أي: نزل به أمر عظيم، وأفظعت الشيء واستفظعته وجدته فظيعًا
(2)
. وقوله: (إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه). أي: أفضين بنا إلى سهوله.
فصل:
وقول أبي وائل: (بئست صفون) وفي نسخة: الصفون بالجمع السالم كما سمي الرجل يزيدين، أو عمرين فيجريه في حال التثنية
(3)
مجراه في الجمع وما كان من الواحد عن بناء الجمع فإعرابه كإعراب الجمع، مثل (فلسطين دخلتُ)
(4)
، وهذِه فلسطون، وأتيت قنسرين، وهذِه قنسرون.
(1)
سيأتيان قريبًا (7314)، (7315).
(2)
"الصحاح" 3/ 1259، "مجمل اللغة" 3/ 723 مادة (فظع).
(3)
في "شرح ابن بطال" 10/ 354: في حال التسمية به.
(4)
في الأصل: (فلسطين وخلت) غير منقوطة؛ ولعل المثبت هو الصواب.
وأنشد المبرد:
وشاهدنا الحل والياسمون
…
والمستعاب بقضائها
ومن هذا قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)} [المطففين: 18 - 19].
وفيه مذهب آخر للعرب وهو أن يعربوا النون ويجعلوها بالياء في كل حال؛ كقولك هذِه السلحين، ومررت بالسلحين، ورأيت السلحين وصفين موضع، قال الداودي: وقوله: (وبئست صفون). أي: الموضع الذي يسمى صفون، ويقال له أيضًا: صفون.
8 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الوَحْيُ فَيَقُولُ: «لَا أَدْرِي»
أَوْ لَمْ يُجِبْ حَتَّى يُنْزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْىٍ وَلَا بِقِيَاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{بِمَا أَرَاكَ الله} . [النساء: 105] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرُّوحِ، فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ. [انظر: 125]. وقد أسلفه مسندا.
7309 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: مَرِضْتُ فَجَاءَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَأَتَانِي وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ، فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ - كَيْفَ أَقْضِى فِي مَالِي؟ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ قَالَ: فَمَا أَجَابَنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ. [انظر: 194 - مسلم:1616 - فتح 13/ 290].
ثم ساق حديث جابر رضي الله عنه: مَرِضْتُ فَجَاءَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَأَتَيانِي وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ وَضُوءَهُ، فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ- وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ- كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ قَالَ: فَمَا أَجَابَنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ.
هذا الحديث سلف، وهذا الباب ليس على العموم في أمره عليه السلام، كما نبه عليه المهلب؛ لأنه قد علم أمته كيفية القياس والاستنباط في مسائل لها أصول ومعاني في كتاب الله ومشروع سنته، ليريهم كيف يصنعون فيما عدموا فيه النصوص، إذ قد علم أن الله تعالى لا بد أن يكمل له الدين، والقياس هو تشبيه ما لا حكم فيه بما فيه حكم في
المعنى، فشبه عليه السلام الحمر بالخيل، فقال: "ما أنزل علي فيها شيء غير هذه الآية الفاذة الجامعة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)}
(1)
وشبه دين الله بدين العباد في اللزوم، وقال للتي أخبرته أن أباها لم يحج:"أرأيت لو كان علي أبيك دين أكنت قاضيته؟ فالله أحق بالقضاء".
وهذا عام، وهذا هو نفس القياس عند العرب وعند العلماء بمعاني الكلام، وأما سكوته عليه السلام حتي نزل الوحي فإنما سكت في أشياء معضلة ليست لها أصول في الشريعة، فلابد فيها من إطلاع الوحي، ونحن الآن قد فرغت لنا الشرائع، وأكمل الله الدين وإنما ننظر ونقيس على موضوعاتها فيما أعضل من النوازل.
وقد اختلف العلماء: هل يجوز للأنبياء الاجتهاد؟ علي قولين: أحدهما: لا، ولا يحكمون إلا بوحي. والثاني: يجوز أن يحكموا بما جري مجرى الوحي من منام وشبهه
(2)
.
قال أبو التمام المالكي
(3)
: لا أعلم فيه نصا لمالك، والأشبه عندي جوازه؛ لوجوده من الشارع، والاجتهاد علو درجة وكمال فضيلة، والأنبياء عليهم السلام أحق الناس بها، بل لا يجوز أن يمنعوا منها لما فيها من جزيل الثواب، وقال تعالى:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وهم أفضل أولي الأبصار وأعلمهم، وقد ثبت عن رسول الله
(1)
سبق برقم (2371) كتاب: المساقاة، باب: شرب الناس والدواب من الأنهار.
(2)
انظر: "شرح تنقيح الفصول" ص 436، "البرهان" 2/ 1356، "تيسير التحرير" 4/ 185.
(3)
هو: علي بن محمد بن أحمد البصري المالكي، من أصحاب الأبهري. كان جيد النظر حاذقًا بالأصول، وله مختصر في الخلاف سمَّاه "نكت الأدلة"، وكتاب آخر في الخلاف كبير، وكتاب في أصول الفقه. انظر:"ترتيب المدارك" 4/ 605.
- صلى الله عليه وسلم أنه اجتهد في أمر الحروب وتنفيذ الجيوش وقدر الإعطاء للمؤلفة قلوبهم، وأمر بنصب العريش يوم بدر في موضع، فقال له الحباب بن المنذر: أبو حي نصبته ههنا أم برأيك؟ فقال: "بل برأيي"، قال: الصواب نصبه في موضع كذا. فسماه ذا الرأيين فعمل برأيه
(1)
، ولم ينتظر الوحي وحكم بالمفاداة والمنّ على الأسري يوم بدر بعد المشورة
(2)
.
وقال تعالي: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] ولا تكون المشورة إلا فيما لا نص فيه، وروي أنه عليه السلام أراد أن يضمن لقوم من الأعراب ثلث ثمر المدينة، فقال له سعد بن معاذ: والله يا رسول الله كنا كفارًا فما طمع أحد أن يأخذ من ثمارنا شيئاً فلما أعزنا الله بك نعطيهم ثلث ثمارنا؟ ففعل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
. وقد ذكر الله في كتابه قصة داود وسليمان - عليهما الصلاة والسلام - حين اجتهدا في الحكم في الحرث، ولا يجوز أن يختلفا مع ما فيه من نص موجود.
فصل:
اعترض بعض شيوخنا على البخاري في تبويبه؛ بقوله: فيقول: (لا أدري أو لم يجب حتي ينزل عليه الوحي) فقال: ما ذكره ليس فيه قوله (لا أدري) فينظر.
(1)
رواه الحاكم 3/ 426 - 427 وسكت عنه، وقال الذهبي: حديث منكر. ورواه أيضًا ابن الأثير في "أسد الغابة"1/ 436. وانظر "سيرة ابن هشام" 2/ 259 - 260.
(2)
رواه مسلم (1763) كتاب: الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة. من حديث ابن عباس.
(3)
رواه بنحوه البزار في "مسنده" كما في "كشف الاستار"(1803)، والطبراني 6/ 28 (5409)، وقال الهيثمي في "المجمع" 6/ 133: رجال البزار والطبراني فيهما محمد بن عمرو، وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات.
جوابه: أنه استغنى بعدم جوابه عنه به. واعترض الداودي علي قوله: (ولم يقل برأي ولا قياس) فقال: ليس كما قال بل كان يقول بدليل حديث: "عسي أن يكون نزعه عرق"، ولما رأى شبه عتبة بابن وليدة زمعة قال لسودة:"احتجبي منه"
(1)
، وقال للذي قال: يكون لأحدنا الإبل كالغزلان فيجعلها مع الجرباء فلا ينشب أن يجرب، فقال:"فمن أجرب الأول"
(2)
.
قال تعالي: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] الآية، وقال عمر: إن الرأي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبًا؛ لأن الله تعالى يريه، "انما هو منا الظن والتكليف فلا تجعلوا حظ الرأي سنة للأمة
(3)
. وقال علي: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة أو فهم يعطاه المرء في كتاب الله
(4)
.
وقال تعالي: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} الآية [النساء: 105]، وقال: وهذا هو الدليل ليس ما زعم به البخاري أنه النصوص، وقال تعالي:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} [النساء: 83] والاستنباط غير النص، وسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، فرده إلى الاعتبار ليعلم ذلك، وقال عمر رضي الله عنه لحفصة رضي الله عنها: ما أرى أباك يعرف
(1)
سلف برقم (2053) كتاب: البيوع، باب: تفسير المشبهات.
(2)
رواه الترمذي (2143) من حديث ابن مسعود، وابن ماجه (86) من حديث ابن عمر، وقد سبق برقم (5717) كتاب: الطب، باب: لاصفر .. ، من حديث أبي هريرة بلفظ "فمن أعدى الأول".
(3)
رواه أبو داود (3586)، والبيهقي 10/ 386، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 2/ 1040 (2000) وهو من رواية الزهري، ولم يدرك عمر رضي الله عنه.
(4)
سلف برقم (111) كتاب العلم، باب: كتابة العلم.
الكلالة. وقال لابن عباس: احفظ علي إني لم أقل في الجد ولا في الكلالة شيئًا ولم أستخلف أحدًا
(1)
.
وقال تعالي: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] فلو لم يكن للاعتبار والدليل موضع لكان يؤخذ خلاف ما في القرآن؛ لأنه لم ينص على الجد والإخوة، وقال تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} الآية [الأنفال: 75] فلم يبين صفة مواريثهم، قال: وأجمعت الأمة على الاعتبار مع أن الله تعالي رزقها العصمة ومنحها ما لم يعطه للأمم من انقطاع الوحي عنها بعد نبيها. واختلف الصحابة في الجد والكلالة، والعول وغير ذلك، ولم يعب بعضهم بعضا ولا عاب أحدهم الاعتبار، وإنما الرأي المذموم.
واعترضه ابن التين فقال: ما ذكره الداودي ليس بالبين وإنما أراد البخاري أنه عليه السلام وقف في أشياء فلم يتكلم فيها برأي ولا قياس وتكلم في أشياء برأيه، فبوب على كل من ذلك وأتي في كل باب بما بوب عليه.
وقوله: (بما أنزل الله). أي: بما علمك الله.
فصل:
وقوله: (وقد أغمي عليَّ). أي: غشي كذا الرواية، يقال: غُمِيَ فهو مُغْمِيٌ وأُغْمِيَ عليه فهو مُغْمى عليه
(2)
. والوضوء بفتح الواو، والمصدر بالضم علي أفصح اللغات فيهما، وإن كان ابن التين لم يختلف في الأول أنه بالضم.
(1)
رواه أحمد 1/ 20 وأصل معناه مختصر في البخاري (5588) ومطول في مسلم (567).
(2)
انظر: "اللسان" 6/ 3304.
قال الداودي: وفي هذا الحديث الوضوء للمريض، قال: وفيه دليل أن معنى الحديث الآخر"لا يسترقون ولا يتطيرون وعلي ربهم يتوكلون"
(1)
أن ذلك لا يفعل قبل نزول العلة، قال: وقول سفيان: (قلت: يا رسول الله، وربما قال: أي رسول الله) يدل علي جواز الرواية بالمعنى. وليس كما قال؛ لأن هذا لا يتضمن حكمًا وليس هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
سلف برقم (5705) كتاب: الطب، باب: من اكتوى أوكوى غيره ..
9 - باب تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، لَيْسَ بِرَأْيٍ وَلَا تَمْثِيلٍ
7310 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ. فَقَالَ:«اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا» . فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ ثُمَّ قَالَ:«مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلَاثَةً إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ» . فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللهِ، اثْنَيْنِ؟ قَالَ: فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:«وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ» . [انظر: 101 - مسلم: 2633 - فتح 13/ 292]
ذكر فيه حديث أبي سعيد رضي الله عنه: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَي رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. الحديث.
وفيه: "مَا منْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلَاثًا
(1)
".
وفيه: فَقَالَتْ: واثْنَيْنِ؟ قَالَ: فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ.
الشرح:
هذا الحديث ترجم له في كتاب العلم، باب: هل يجعل للنساء يومًا علي حدة في العلم.
وفيه من الفقه كما قال المهلب: إن العالم إذا أمكنه أن يحدث بالنصوص عن الله تعالي ورسوله فلا يحدث بنظره ولا (بقياسه)
(2)
هذا معنى الترجمة؛ لأنه عليه السلام حدثهم حديثًا عن الله تعالى لا يبلغه
(1)
كذا في الأصل، وفي "اليونينية":(ثلاثة).
(2)
في الأصل: يأتيه، والمثبت من "شرح ابن بطال" 10/ 358
قياس ولا نظر، وإنما هو توقيف ووحي، وكذلك ما حدثهم به من سنته عليه السلام فهو عن الله تعالى أيضًا؛ لقوله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)} [النجم: 3] وقال عليه السلام: "أوتيت الكتاب ومثله معه"
(1)
. فقال أهل العلم: أراد بذلك السنة التي أوتي.
وفيه سؤال الطلاب للعالم أن يجعل لهم يومًا يسمعون منه عليه العلم، وإجابة. العالم إلي ذلك، وجواز الإعلام بذلك المجلس للاجتماع فيه.
فصل:
وقوله: ("ما من امرأة تقدم بين يديها ثلاثة من الولد إلا كانوا حجابًا من النار"). يعني: بتقديمها إياهم، ورواه في الجنائز بزيادة "لم يبلغوا الحنث"
(2)
. أي: لم يبلغوا أن يعملوا بالمعاصي، وفي حديث آخر:"فلا يلج النار إلا تحله القسم"
(3)
وقول المرأة -وليس هي من أهل اللسان- دليل أن تعلق هذا الحكم على الثلاث لا يدل على انتقائه عن أقل منهن إذ لو دل على ذلك لما سألته، وقد سلف في الرقاق من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا "يقول الله تبارك وتعالى: ما لعبدي
المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة"
(4)
قال بعض العلماء: فدخل في هذا الحديث المصيبة بالولد الواحد، وقد أسلفنا فيما مضى رواية أنه روي: واحد.
(1)
رواه أبو داود (4604)، وأحمد 4/ 131 من حديث المقدام بن معدي كرب.
(2)
سبق برقم (1250) كتاب: الجنائز، باب: فضل من مات له ولد ..
(3)
سبق برقم (1251).
(4)
سبق برقم (6424) باب: العمل الذي يبتغي به وجه الله.
10 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ يُقَاتِلُونَ»
وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ.
7311 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» . [انظر: 3640 - مسلم: 1921 - فتح 13/ 293].
7312 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللهُ، وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ: حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ» . [انظر: 71 - مسلم: 1037 - فتح 13/ 293].
ثم ساق حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يأْتتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ".
وحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَأنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللهُ، وَلا يَزَالَ أَمْرُ هذه الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّي تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ: يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ".
الشرح:
معني ("وهم ظاهرون"): غالبون، قال الداودي: وفي حديث معاوية دلالة على القول بالدليل؛ لأنه قد لا يقرأ القرآن من تعلم أكثر معانيه، وقد أتى في سورة النساء آي المواريث والفرائض ما استدل به بعض العلماء وتجد من يحفظ السورة ممن لا يعرف معانيها لا يقسم فريضة ولا يعرفها.
فصل:
فإن قلت: حديث المغيرة لفظه لفظ الخصوص في بعض الناس دون بعض، وقال في حديث معاوية:"لن يزال هذا الأمر مستقيمًا حتي تقوم الساعة" فعم الأمة، وهذا معارض للحديث الأول مع ما يقوي ذلك مما رواه محمد بن بشار: ثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه قال ["لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله"
(1)
، وما رواه شعبة، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال]
(2)
: "لا تقوم الساعة إلا علي شرار الناس"
(3)
.
قلت
(4)
: لا معارضة بل بعضها دال علي صحة بعض، ولكنها بعضها خرج على العموم، والمراد به الخصوص، والحديثان في موضع دون موضع فإن به طائفة لا يضرهم من خالفهم وهم المعنيون بالحديث يريد في موضع دون موضع؛ لأنه لا نسخ في الأخبار ولا جائز أن يوصف الطائفة التي على الحق بأنها شرار الناس، وأنها لا توحد الله، فعلم أن الموصوفين بأنهم شرار الناس غيرهم، وقد بين ذلك أبو أمامة في حديثه من حديث عمرو بن عبد الله (الحمصي)
(5)
،
(1)
رواه الترمذي (2206) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه مسلم (148) كتاب الإيمان، باب: ذهاب الإيمان آخر الزمان من طريق ثابت عن أنس رضي الله عنه.
(2)
ما بين المعقوفتين ليس بالأصل، وأثبتناه من "شرح ابن بطال" لغلبة الظن أنه سقط من النقل من قوله (قال) إلا (قال) والله أعلم أنه انتقال نظر، ويؤيده أن الإسناد لا يستقيم إلا بما أثبتناه.
(3)
رواه مسلم (2949) كتاب: الفتن، باب قرب الساعة.
(4)
هو قول الطبري كما في "شرح ابن بطال" 10/ 359، وتصرف المصنف في النقل قليلاً.
(5)
كذا بالأصل و"شرح ابن بطال"، وفي مصادر التخريج (الحضرمي) وهو مجهول لم يوثقه غير ابن حبان، فلينظر.
عنه مرفوعًا: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين يأتيهم أمر الله وهم كذلك" قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال:"هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"
(1)
فلا تعارض.
فصل:
فإن قلت: فأين ما فسره من كونهم أهل العلم؟
قلت: لعله أشار إليه بقوله: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين".
(1)
رواه عبد الله بن أحمد 5/ 269 وجادة عن خط أبيه، والطبراني 8/ 145 (7643). وقال الهيثمي في "المجمع" 8/ 288: رجاله ثقات.
11 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام: 65]
7313 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» . {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» . فَلَمَّا نَزَلَتْ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قَالَ: «هَاتَانِ أَهْوَنُ" أَوْ "أَيْسَرُ» . [انظر: 4628 - فتح 13/ 295]
ذكر فيه حديث جابر رضي الله عنه: لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65]، قَاَل:"أعُوذُ بِوَجْهِكَ". {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قَاَل: "أعُوذُ بِوَجْهِكَ". فَلَمَّا نَزَلَتْ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قَالَ: "هَاتَانِ أَهْوَنُ" أَوْ "أَيْسَرُ".
الشرح:
في الآية أقوال:
قال ابن عباس: {مِنْ فَوْقِكُمْ} أئمة السوء ومن {تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} خدم السوء
(1)
، وقيل: الأتباع، وقال الضحاك:{مِنْ فَوْقِكُمْ} . أي: كباركم {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} من سفلتهم، وقال أبو العباس:{مِنْ فَوْقِكُمْ} يعني الرجم {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} يعني الخسف
(2)
.
وقوله: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} . الشيع: الفرق، والمعنى: شيعًا مفترقة مختلفة لا متفقة
(3)
لبست الشيء خلطته، ولبست عليه ألبسه إذا لم تبينه.
(1)
رواه الطبري 5/ 218 (13352).
(2)
رواه الطبري 5/ 217 (13350) عن السدي.
(3)
غير واضحة في الأصل ونقلناها من (ص 1).
ونقل ابن بطال عن المفسرين {مِنْ فَوْقِكُمْ} يحصبكم بالحجارة، أو يغرقكم بالطوفان الذي غرق به قوم نوح {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} الخسف الذي نال قارون ومن خسف به، وقيل: الريح {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} يعني الحرب والقتل.
ويروى أنه عليه السلام سأل ربه تعالى أن لا يستأصل أمته بعذاب ولا يذيق بعضهم بأس بعض فأجابه في صرف العذاب دون الثاني وأن لا تختلف
(1)
. فلذلك قال عليه السلام: "هاتان أهون" أي: الاختلاف والفتنة أيسر من الاستئصال والانتقام بعذاب الله وإن كانت الفتنة من عذاب الله لكن هي أخف؛ لأنها كفارة للمؤمنين، أعاذنا الله من عذابه ونقمه
(2)
. وقال ابن التين: أي: لما في ذلك من النكير
(3)
عن قوم، والإكرام وأنه لم يسلط عليهم غيرهم.
(1)
رواه بنحوه مسلم (2889) من حديث ثوبان، (2890) من حديث سعد بن أبي وقاص كتاب: الفتن، باب: هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض.
(2)
"شرح ابن بطال"10/ 360.
(3)
غير واضحة في الأصل والمثبت من (ص 1).
12 - باب مَنْ شَبَّهَ أَصْلاً مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ اللهُ حُكْمَهُمَا، لِيُفْهِمَ السَّائِلَ
7314 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، بْنُ الفَرَجِ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟» . قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا؟» . قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» . قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا. قَالَ: «فَأَنَّى تُرَى ذَلِكَ جَاءَهَا؟» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عِرْقٌ نَزَعَهَا. قَالَ:«وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ» . وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الاِنْتِفَاءِ مِنْهُ. [انظر: 5305 - مسلم: 1500 - فتح 13/ 296].
7315 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ:«نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟» . قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: «فَاقْضُوا الذِي لَهُ، فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» . [انظر: 1852 - فتح 13/ 296].
قد أسلفناه بحديثه، وقد أسلفنا أن هذا هو القياس بعينه، والقياس في لغة العرب: التشبيه والتمثيل، ألا ترى أنه عليه السلام شبه له ما أنكر من لون الغلام بما عرف في نتاج الإبل، فقال له:"هل لك من إبل؟ " إلى قوله: "لعل عرقًا نزعه" فأبان له بما يعرف أن الإبل الحمر تنتج الأورق -أي: الأغبر وهو الذي فيه سواد وبياض- أن كذلك المرأة البيضاء تلد الأسود، وكذلك قوله للمرأة التي سألته الحج عن أبيها (فقال)
(1)
: "أرأيت .. " إلى آخره، فشبه لها عليه السلام دَين الله بما تعرف من دَين العباد،
(1)
في الأصل: (فقالت) والمثبت أنسب.
غير أنه قال لها: "فدَين الله أحق" وهذا كله هو عين القياس، وبهذين الخبرين احتج المزني على منكر القياس.
قال أبو تمام المالكي: أجمعت الصحابة على القياس
(1)
. فمن ذلك أنهم أجمعوا على قياس الذهب على الورق في الزكاة.
قلت: قد ثبت النص فيه.
وقال الصديق: (أقيلوا)
(2)
بيعتي. قالوا: لا والله لا نقيلك رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا؟ [فقاس]
(3)
الإمامة على الصلاة، وقال: والله لا أفرق بين ما جمع الله
(4)
. وصرح [علي]
(5)
بالقياس في شارب الخمر بمحضر من الصحابة، وقال: إنه إذا سكر هذي وإذا هذي افترى
(6)
، فحده حد القاذف. وكذلك لما قال له الخوارج: لم حكمت؟ قال: الله أمر بالحكمين في الشقاق الواقع بين الزوجين فما بين المسلمين أعظم.
وهذا ابن عباس يقول: ألا اعتبروا، الأصابع بالأسنان اختلفت منافعها واستوت أروشها، [و]
(7)
قال: ألا يتقي الله زيد يجعل ابن
(1)
انظر: "إحكام الفصول" للباجي ص 531.
(2)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" أقيلوني.
(3)
في الأصل: فقال، والمثبت من "شرح ابن بطال"10/ 361.
(4)
كذا بالأصل، والمصنف ينقل من "شرح ابن بطال"10/ 361 والعبارة فيه تامة، ففيه: .. قال علي: والله لا نقيلك، رضيك رسول الله
…
، فقاس الإمامة على الصلاة، وقاس الصديق الزكاة على الصلاة، وقال: والله لا أفرق .. إلخ.
(5)
ليست في الأصل وقال في هامش الأصل: لعله سقط علي، وهي هكذا في "شرح ابن بطال"10/ 362.
(6)
"الموطأ" ص 526.
(7)
ليست في الأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال".
الابن ابنا، ولا يجعل أب الأب أبًا.
وكتب عمر رضي الله عنه إلي أبي موسى رضي الله عنه يعرفه القضاء فقال له: اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور عند ذلك
(1)
. وهذا قد سلف.
واختلف علي وزيد رضي الله عنهما في قياس الجد على الإخوة فقاس عليٌّ بسبيل انشعبت منه شعبة ثم انشعبت من الشعبة شعبتان، (وقال)
(2)
زيد: ذلك كشجرة انشعبت منها غصن وانشعبت من (الشعبة)
(3)
غصنان
(4)
. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: وقت الشارع لأهل نجد ولم يوقت لأهل العراق، فقال عمر رضي الله عنه: قيسوا من نحو العراق كنحو قرن -وهذا سلف أيضًا
(5)
- قال ابن عمر رضي الله عنهما: فقاس الناس من ذات عرق.
ولو ذكرنا كل ما قاسه الصحابة لكثر به الكتاب غير أنه موجود في الكتب لمن ألهمه الله رشده، وقد قيل للنخعي: هذا الذي تفتي به أشيئًا سمعته؟ قال: سمعت بعضه وقست ما لم أسمع علي ما سمعت. (وربما قال: إني لا أعرف بالشيء الواحد مائة شيء)
(6)
.
قال المزني: فوجدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أئمة الدين فهموا عن الله تعالي ما أنزل إليهم وعن الرسول ما أوجب عليهم ثم الفقهاء إلى اليوم هلم جرا، استعملوا القياس والنظائر في أمر دينهم، فإذا ورد
(1)
رواه الدارقطني 4/ 206، 207، والبيهقي 10/ 115.
(2)
كذا في الأصل، وفي "شرح ابن بطال" وقاس.
(3)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" الغصن.
(4)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"10/ 265 (19058).
(5)
سلف بنحوه برقم (1531) كتاب الحج، باب: ذات عرق لأهل العراق.
(6)
كررها في الأصل وعلم عليها (لا. إلى).
عليهم ما لم ينص عليه نظروا، فإن وجدوه مشبهًا لما سبق الحكم فيه من الشارع أجروا حكمه عليه، وإن كان مخالفًا له فرقوا بينه وبينه، فكيف يجوز لأحد إنكار القياس؟! ولا ينكر ذلك إلا من أعمى الله قلبه وحبب له مخالفة الجماعة.
فصل:
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما فيه النيابة في الحج، وقال به مالك مرة اتباعًا للحديث، ومنعه أخرى كأنه رآه من عمل الأبدان، وقال أخري: إن أوصي حج عنه، وقال مرة: لا يحج عنه وإن أوصى، وقال ابن وهب وأبو مصعب: لا يحج إلا الولد عن أبيه، وقال ابن حبيب: جاءت الرخص في الحج عن الكبير الذي لا ينهض له إذا لم يحج، وعن أب مات ولم يحج أن يحج عنه ولده، وإن لم يوص ويجزيه إن شاء الله تعالى
(1)
.
(1)
"النوادر والزيادات" 2/ 481 - 482.
13 - باب مَا جَاءَ فِي اجْتِهَادِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى
لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائده: 45]. وَمَدَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَاحِبَ الحِكْمَةِ حِينَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا، لَا يَتَكَلَّفُ مِنْ قِبَلِهِ، وَمُشَاوَرَةِ الْخُلَفَاءِ وَسُؤَالِهِمْ أَهْلَ العِلْمِ.
7316 -
حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» . [انظر: 73 - مسلم: 716 - فتح 13/ 298].
7317 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ -هِيَ الَّتِي يُضْرَبُ بَطْنُهَا فَتُلْقِي جَنِينًا- فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ: أَنَا. فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «فِيهِ غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ» . فَقَالَ: لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَجِيئَنِي بِالْمَخْرَجِ فِيمَا قُلْتَ. [انظر: 6905 - مسلم: 1683 - فتح 13/ 298].
7318 -
فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَجِئْتُ بِهِ، فَشَهِدَ مَعِي أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ» . تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ. [انظر: 6906 - مسلم: 1683 - فتح 13/ 298].
ذكر فيه قَيْس، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اتْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضي بِهَا وُيعَلِّمُهَا".
وحديث هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي إِمْلَاصِ المَرْأَةِ. تَابَعَهُ ابن أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ.
الشرح:
الاجتهاد فرض واجب على العلماء عند نزول الحادثة، والواجب على الحاكم أو العالم إن كان من أهل الاجتهاد أن يلتمس حكم الحادثة في الكتاب والسنة، ألا تري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما احتاج أن يقضي في الإملاص سأل الصحابة من عنده علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ فأخبره المغيرة ومحمد بن مسلمة في ذلك، فحكم به ولم يسعه الحكم في ذلك باجتهاده إلا بعد طلب النصوص من السنة، فإذا عدم السنة رجع إلى الإجماع، فإن لم يجده نظر هل يصح حمل حكم الحادثة علي بعض الأحكام المتقدمة لعله يجمع بينهما، فإن وجد ذلك لزمه القياس عليها إذا لم تعارضها علة أخرى.
ولا فرق بين أن يجد العلة مما هو من باب الحادثة أوغيرها؛ لأن الأصول كلها يجب القياس عليها إذا صحت العلة، فإن لم يجد العلة استدل بشواهد الأصول وعلة الأشباه إذا كان ممن يرى ذلك، فإن لم يتوجه له وجه من بعض هذِه الطرق وجب أن يقر الأمر في النازلة على حكم العقل، ويعلم أن لا حكم لله فيها شرعًا زائدًا على العقل. هذا قول ابن الطيب
(1)
.
قال غيره: وهذا هو الاستنباط الذي أمر الله عباده بالرجوع إلى العلماء فيه بقوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، والاستنباط هو الاستخراج، ولا يكون إلا في القياس؛ لأن النص ظاهر جلي، وليس يجوز أن يقال: إن عدم النص على الحادثة في كتاب الله أو سنة رسوله يوجب أن لا حكم لله فيها؛
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 363، 364.
لقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] إذ لو خلا بعض الحوادث أن يكون لا حكم له فيها لبطل إخباره إيانا بقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وفي علمنا أن النصوص لم تحط بجميع الحوادث دلالة علي أن الله تعالى قد أبان لنا حكمها بغير جهة النص، وهو القياس علي علة النص، ولو لم يتعبدنا الله بما نص عليه فقط لمنع عباده الاستنباط الذي أباحه لهم، والاعتبار في كتابه الذي دعاهم إليه، ولو نص على كل ما يحدث إلي قيام الساعة؛ لطال الخطاب وبعد إدراك فهمه عن المكلفين، بل كانت بنية الخلق تعجزعن حفظه.
فالحكمة فيما فعل تعالى من وجوب الاجتهاد والاستنباط والحكم للأشياء بأشباهها ونظائرها في المعنى، وهذا هو القياس الذي نفاه أهل الجهالة القائلون بالظاهر المنكرون للمعاني والعلل، ويلزمهم التناقض في نفيهم القياس؛ لأن أصلهم الذي بنوا عليه مذهبهم أنه لا يجوز إثبات فرض في دين الله إلا بإجماع من الأمة [والاجتهاد والقياس فرض على العلماء عند عدم النصوص، فيلزمهم أن يأتوا بإجماع من الأمة]
(1)
على إنكار القياس، وحينئذ يصح قولهم، ولا سبيل لهم إلى ذلك.
فصل:
أسلفنا الخلاف في الآية السالفة، وأن الشعبي قال: الكافرون في المسلمين والظالمون في اليهود والفاسقون في النصارى، وقيل الآيات
(1)
ما بين المعقوفتين ليس في الأصل، ولعله سقط من الناسخ من كلمة (الأمة) إلى (الأمة) أو من المصنف، والمثبت من "شرح ابن بطال" 10/ 365.
كلها في الكفار كلهم، وقال الداودي: أنزلت على اليهود وأهل الكفر مع إنه ما أنزل الله فيهم شيئًا قبح عليهم إلا حدوث أن نقع في مثله والفاسقون في المسلمين.
فصل:
وقد سلف الكلام على الحسد وأن المراد به الغبطة لا المذموم، وسلف الكلام أيضًا على الإملاص، واحتج به الأبهري على أن المرأة تعامل الرجل إلي ثلث ديتها قال: لأنه عليه السلام ساوي في دية الجنين، بين الذكر والأنثي في الغرة ولم يفرق بينهما، وهذا مذهب مالك
(1)
، وقال أبو حنيفة والشافعي: هي في ديتها على النصف في القليل والكثير
(2)
، وقيل: تقابل إلي نصف الدية، وقيل: إلى الموضحة، وقيل: إلى عشر الدية، ونصف عشرها، وهي دية المنقلة. فهذِه خمسة أقوال
(3)
.
(1)
انظر: "المنتقى" 7/ 78.
(2)
انظر: "المبسوط" 26/ 79 - 80، "تبيين الحقائق" 6/ 128، "أسنى المطالب" 4/ 48.
(3)
انظر: "الإشراف" لابن المنذر 3/ 92.
14 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»
7319 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ» . فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ:«وَمَنِ النَّاسُ إِلاَّ أُولَئِكَ؟!» . [فتح 13/ 300].
7320 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الصَّنْعَانِيُّ -مِنَ اليَمَنِ- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» . قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ:«فَمَنْ؟!» . [انظر: 3456 - مسلم: 2669 - فتح 13/ 300]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّي تَأخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ القُرُونِ قَبْلَهَا، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟. فَقَالَ:"وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكً؟! ".
وسلف في ذكر بني إسرائيل.
وحديث أبي عُمَرَ الصَّنْعَانِيِّ مِنَ اليَمَنِ -قيل: إنه من صنعاء الشام، واسمه: حفص بن ميسرة، سكن عسقلان، ومات سنة إحدي وثمانين ومائة- عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حتى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اليَهُودُ وَالنَّصَارى؟ قَالَ:"فَمَنْ؟! ".
الشرح: (السنن) بفتح السين والنون: الطريقة، يقال: استقام فلان علي سنن واحد، ويصح ضمها -قال ابن التين: وبه قرأناه- جمع سنة: وهي العبادة، وقال المهلب: فتح السين أولى من ضمها؛ لأنها لا يستعمل الشبرُ والذراعُ إلا في السنن وهو الطريق، فأخبر عليه السلام: أن أمته قبل قيام الساعة يتبعون المحدثات من الأمور والبدع، والأهواء المضلة كما اتبعتها الأمم من فارس والروم حتي يتغير الدين عند كثير من الناس، وقد أنذر في كثير من حديثه أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، وأن الدين إنما يبقي قائمًا عند خاصة من المسلمين لا يخافون من العداوات، ويحتسبون أنفسهم على الله في القول بالحق والقيام بالمنهج القويم في دين الله
(1)
.
فصل:
قوله: (بأخذ القرون) كذا في الأصول وللنسفي وابن السكن، وفي رواية الأصيلي. "بما أخذ" قال ثعلب: أخذ أحد الجهة إذا قصد نحوها، وقوله:"شبرا بشبر وذراعًا بذراع" هو تمثيل.
وفي رواية أخرى: "إن اليهود اختلفوا علي إحدي وسبعين فرقة وإن هذه الأمة تختلف علي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة"
(2)
، يريد أنها تدخل النار إلا من عفا عنه.
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 366.
(2)
رواه الترمذي (2641) من حديث عبد الله بن عمرو، وقال: هذا حديث حسن غريب مفسر، لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه اهـ. وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي"(2129).
15 - باب إِثْمِ مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً
لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} [النحل: 25] الآيَةَ.
7321 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: مِنْ دَمِهَا- لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ أَوَّلاً» . [انظر: 3335 - مسلم: 1677 - فتح 13/ 302].
ذكر فيه حديث مسروق، عن عبد الله رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابن آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لأَنَّهُ سَنَّ القَتْلَ أَوَّلًا".
الشرح:
الكفل: النصيب والحظ والكساء أيضًا الذي يدار حول سنام البعير، فيركب عليه ومن ذلك كفل الشيطان، أي: مقعده ومركبه.
قال المهلب: فيه الأخذ بالمآل. والحديث على معنى الوعيد.
وهذا الباب والذي قبله في معنى التحذير من الضلال واجتناب البدع ومحدثات الأمور في الدين والنهي عن مخالفة سبيل المؤمنين المتبعين لسنة الله تعالى وسنة رسوله التي فيها النجاة
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 366.
16 - باب مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَحَضَّ عَلَى اتِّفَاقِ أَهْلِ العِلْمِ
وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْحَرَمَانِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ، وَمَا كَانَ بِهَا مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمُصَلَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ.
7322 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ السَّلَمِيِّ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلَامِ، فَأَصَابَ الأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَجَاءَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي،. فَأَبَى فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا المَدِينَةُ كَالْكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا» . [انظر: 1883 - مسلم: 1383 - فتح 13/ 303].
7323 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَلَمَّا كَانَ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمِنًى لَوْ شَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَاهُ رَجُلٌ قَالَ: إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ: لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَبَايَعْنَا فُلَانًا. فَقَالَ عُمَرُ: لأَقُومَنَّ الْعَشِيَّةَ فَأُحَذِّرَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ. قُلْتُ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ، فَأَخَافُ أَنْ لَا يُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَيُطِيرُ بِهَا كُلُّ مُطِيرٍ، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ السُّنَّةِ، فَتَخْلُصُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَيَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ، وَيُنَزِّلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا. فَقَالَ: وَاللهِ لأَقُومَنَّ بِهِ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ آيَةُ الرَّجْمِ. [انظر: 2462 - مسلم: 1691 - فتح 13/ 303].
7324 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْب، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ، فَتَمَخَّطَ فَقَالَ: بَخْ بَخْ، أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَمَخَّطُ فِي الكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَيَجِيءُ الْجَائِي فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي، وَيُرَى أَنِّي مَجْنُونٌ، وَمَا بِي مِنْ جُنُونٍ، مَا بِي إِلاَّ الجُوعُ. [فتح 13/ 303].
7325 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَشَهِدْتَ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَوْلَا مَنْزِلَتِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ مِنَ الصِّغَرِ، فَأَتَى الْعَلَمَ الذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَلَا إِقَامَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَ النِّسَاءُ يُشِرْنَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ، فَأَمَرَ بِلَالاً فَأَتَاهُنَّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح 13/ 303].
7326 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِي قُبَاءً مَاشِيًا وَرَاكِبًا. [انظر: 1191 - مسلم: 1399 - فتح 13/ 303].
7327 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي وَلَا تَدْفِنِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَيْتِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُزَكَّى. [انظر: 1391 - فتح 13/ 304].
7328 -
وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ: ائْذَنِي لِي أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ فَقَالَتْ: إِى وَاللهِ. قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرْسَلَ إِلَيْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَتْ: لَا وَاللهِ لَا أُوثِرُهُمْ بِأَحَدٍ أَبَدًا. [انظر: فتح 13/ 304].
7329 -
حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَيَأْتِى الْعَوَالِيَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. وَزَادَ اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ وَبُعْدُ العَوَالِي أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ. [انظر:548 - مسلم: 621 - فتح 13/ 304].
7330 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ الجُعَيْدِ، سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ اليَوْمَ، وَقَدْ زِيدَ فِيهِ. [انظر: 1859 - فتح 13/ 304].
7331 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ» يَعْنِي: أَهْلَ المَدِينَةِ. [انظر: 2130 - مسلم: 1368 - فتح 13/ 304].
7332 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ تُوضَعُ الْجَنَائِزُ عِنْدَ المَسْجِدِ. [انظر: 1329 - مسلم: 1699 - فتح 13/ 304].
7333 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرٍو -مَوْلَى الْمُطَّلِبِ- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ:«هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا» . تَابَعَهُ سَهْلٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أُحُدٍ. [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح 13/ 304].
7334 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ جِدَارِ المَسْجِدِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَبَيْنَ المِنْبَرِ مَمَرُّ الشَّاةِ. [انظر: 496 - مسلم: 508 - فتح 13/ 304].
7335 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» . [انظر: 1196 - مسلم: 1391 - فتح 13/ 304].
7336 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَابَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الخَيْلِ، فَأُرْسِلَتِ الَّتِي ضُمِّرَتْ مِنْهَا وَأَمَدُهَا إِلَى الحَفْيَاءِ
إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَالَّتِى لَمْ تُضَمَّرْ أَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الوَدَاعِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ح. [انظر: 420 - مسلم: 1870 - فتح 13/ 305].
7337 -
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى وَابْنُ إِدْرِيسَ وَابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 4619 - مسلم: 3032 - فتح 13/ 305].
7338 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ: خَطَبَنَا عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [فتح 13/ 305].
7339 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يُوضَعُ لِي وَلِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْمِرْكَنُ فَنَشْرَعُ فِيهِ جَمِيعًا. [انظر: 250 - مسلم: 319 - فتح 13/ 305].
7340 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ، بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَالَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ فِي دَارِي التِي بِالْمَدِينَةِ. [انظر: 2294 - مسلم:2529 - فتح 13/ 305].
7341 -
وَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو على أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. [انظر: 1001 - مسلم: 677 - فتح 13/ 305].
7342 -
حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ، فَأَسْقِيَكَ فِي قَدَحٍ شَرِبَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَسَقَانِي سَوِيقًا، وَأَطْعَمَنِي تَمْرًا، وَصَلَّيْتُ فِي مَسْجِدِهِ. [انظر: 3814 - فتح 13/ 305]
7343 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
وَقَالَ هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: "عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ"[انظر: 1534 - فتح 13/ 305].
7344 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: وَقَّتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَرْنًا لأَهْلِ نَجْدٍ، وَالْجُحْفَةَ لأَهْلِ الشَّأْمِ، وَذَا الحُلَيْفَةِ لأَهْلِ المَدِينَةِ. قَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ» . وَذُكِرَ العِرَاقُ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ يَوْمَئِذٍ. [انظر: 133 - مسلم: 1182 - فتح 13/ 305].
7345 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أُرِىَ وَهْوَ فِي مُعَرَّسِهِ بِذِي الحُلَيْفَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ. [انظر: 483 - مسلم: 1346 - فتح 13/ 306].
ذكر فيه أحاديث فوق العشرين:
أحدها:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث. فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَتِي. إلا أن قال: "إِنَّمَا المَدِينَةُ كَالْكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا".
ثانيها:
حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَلَمَّا كَانَ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمِنًى: لَوْ شَهِدْتَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَتَاهُ رَجُلٌ
…
الحديث إلا أن قَالَ: فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ دَارَ الهِجْرَةِ.
قوله: "رعاع الناس" أي: غوغاؤهم وسقاطهم وأخلاطهم، الواحد رعاعة، وسائر الناس همج ورعاع، ورد في حديث علي رضي الله عنه.
ثالثها:
حديث حَمَّادٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ، فَتَمَخَّطَ فَقَالَ: بَخْ بَخْ، أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَمَخَّطُ فِي الكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَي حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَيَجِيءُ الجَائِي فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي، وُيري أَنِّي مَجْنُونٌ، وَمَا بِي مِنْ جُنُونٍ، مَا بِي إِلَّا الجُوعُ.
المشق: بكسر الميم: المغرة وثوب ممشق مصبوغ به.
رابعها:
حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ: سُئِلَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَشَهِدْتَ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ رسول الله؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلَا مكاني مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ مِنَ الصِّغَرِ، فَأَتَى العَلَمَ الذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ. الحديث.
خامسها:
حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِي قُبَاءً مَاشِيًا وَرَاكِبًا.
سادسها:
حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي وَلَا تَدْفِنِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي البَيْتِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُزَكَّي. وعن هشام، عن أبيه أن عمر رضي الله عنه أرسل إلى عائشة رضي الله عنها: ائذني لي أن أدفن صاحبي، فقالت: إني والله لا أوثرهم بأحد أبدًا.
سابعها:
حديث أنس رضي الله عنه: أَنَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي العَصْرَ فَيَأْتِي العَوَالِيَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَة. زَادَ اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ: وَبُعْدُ العَوَالِي أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ.
وفي إسناده أبو بكر بن أبي أويس، واسمه عبد الحميد بن عبد الله الأعشى أخو إسماعيل.
ثامنها:
حديث القاسم بن مالك، عَنِ الجُعَيْدِ، سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ اليَوْمَ، وَقَدْ زِيدَ فِيهِ.
سمع القاسمُ بن مالك الجعيدَ.
تاسعها:
حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ .. " الحديث يَعْنِي: أَهْلَ المَدِينَةِ.
عاشرها:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَي رسول الله صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ تُوضَعُ الجَنَائِزُ عِنْدَ المَسْجِدِ.
الحادي عشر:
حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّه صلى الله عليه وسلم طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: "هذا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا".
تَابَعَهُ سَهْلٌ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أُحُدٍ.
الثاني عشر:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ".
الرابع عشر
(1)
:
حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: سَابَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الخَيْلِ، الحديث.
الخامس عشر:
حَدَّثَني إِسْحَاقُ، أَنَا عِيسَى وَابْنُ إِدْرِيسَ: -وهو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن، أبو محمد الأزدي الكوفي أخرج له مسلم أيضًا- وَابْنُ أَبِي غنِيَّةَ: -وهو يحيي بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية الكوفي، وأصله من أصبهان تحولوا عنها حين فتحها أبو موسى، أخرج له مسلم أيضًا- عَنْ أَبِي حيان: -واسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي، أخرج له مسلم أيضًا- عن الشعبي -وهو أبو عمرو عامر بن شراحيل- عن ابن عمر قال: سمعت عمر رضي الله عنه علي منبر النبي صلى الله عليه وسلم.
السادس عشر:
حديث السائب بن يزيد: سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه: خطبنا عَلَى مِنْبَرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السابع عشر:
حديث هشام بن عروة عن أبيه: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قد كَانَ يُوضَعُ لِي وَلرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هذا المِرْكَنُ فنَشْرَعُ فِيهِ جَمِيعًا.
(1)
هكذا في الأصل وسقط من العدَّ (الثالث عشر).
المركن: الإجانة.
الثامن عشر:
حديث أنس رضي الله عنه قَالَ: حَالَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بيْنَ الأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ فِي دَارِي التِي بِالْمَدِينَةِ.
وَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ.
التاسع عشر:
حديث بريد عن أبي بردة قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ، فَأَسْقِيَكَ فِي قَدَحِ شَرِبَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُصلِّي فِي مَسْجِدٍ صَلَّي فِيهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَسَقَانِي سَوِيقًا وَأَطْعَمَنِي تَمْرًا، وَصَلَّيْتُ فِي مَسْجِدِهِ.
العشرون:
حديث ابن عَبَّاسٍ، عن عُمَرَ رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي وَهْوَ بِالْعَقِيقِ أَنْ صَلِّ فِي هذا الوَادِي المُبَارَكِ، قُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ". وَقَالَ هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: ثَنَا عَلِيٌّ: "عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ".
الحادي بعد العشرين:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما: وَقَّتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَرْنًا لأَهْلِ نَجْدٍ، وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -قالَ:"لأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمُ". وَذُكِرَ العِرَاقُ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ يَوْمَئِذٍ.
الثاني بعد العشرين: حديث ابن عمر رضي الله عنهما أيضًا: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ أُرِيَ وَهْوَ فِي مُعَرَّسِهِ بِذِي الحُلَيْفَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ.
الشرح:
ما أجمع عليه أهل الحرمين من الصحابة، ولم يخالف صاحب من غيرها فهو إجماع كذا قيده ابن التين
(1)
، ثم نقل عن سحنون أنه إذا خالف ابن عباس رضي الله عنهما أهل المدينة لم ينعقد لهم إجماع قال: وإذا أجمع أهل عصر على قول حتى ينقرض ولم يتقدم فيه خلاف فهو إجماع
(2)
، قال: واختلف إذا كان من الصحابة اختلاف ثم أجمع من بعدهم علي أحد أقوالهم، هل يكون ذلك إجماعًا؟ والصحيح أنه ليس بإجماع
(3)
، واختلف في الواحد إذا خالف الجماعة، هل يؤثر في إجماعهم، وكذلك اثنين وثلاثة من العدد الكثير
(4)
. قال: وقيل بأهل المدينة المقيمين بها دون الظاعنين عنها.
وهذا بعيد، قد خرج منها وأقام بغيرها حتى توفي علي وعمار والأشعري وأبو مسعود بن بدر وأنس رضي الله عنهم، وكان أكثر مقام ابن مسعود العراق، وكان بها سعد والمغيرة وخلق من الصحابة أكثر من مائتي رجل، وخرج معاوية رضي الله عنه إلى الشام، وأبو عبيدة رضي الله عنه وأبو الدرداء، وحذيفة رضي الله عنه وكثير من الصحابة؟ وكان ابن عباس رضي الله عنهما ولاه علي رضي الله عنه العراق ثم أقام بالطائف حتي مات بها فيبقى هؤلاء من ذلك، إلا أن أكثر الصحابة كان بالمدينة ألا تسمع قول ابن عوف
(1)
نقل القول الغزالي في "المستصفى" ص (147).
(2)
انظر: "إحكام الفصول" للباجي ص (467)، 486، "الأحكام" للآمدي 1/ 317، "التمهيد في أصول الفقه" 3/ 256، "الأحكام" لابن حزم 4/ 509.
(3)
انظر: " إحكام الفصول" للباجي ص (492)، "التبصرة" للجويني ص (378)، "التمهيد في أصول الفقه" 3/ 297.
(4)
انظر: "أصول السرخسي" 1/ 316، "مختصر ابن الحاجب" 2/ 34، "الأحكام" للآمدي 1/ 213، "تيسير التحرير" 3/ 36.
لعمر رضي الله عنهما: أمهل حتى تأتي المدينة فتخلص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن بطال: اختلف أهل العلم فيما هم فيه أهل المدينة حجة علي غيرهم من الأمصار، فكان الأبهري
(1)
يقول: أهل المدينة حجة على غيرهم من طريق الاستنباط، ثم رجع فقال: قولهم من طريق النقل أولى من طريق غيرهم، وهم وغيرهم سواء في الاجتهاد، وهذا قول الشافعي
(2)
.
وذهب أبو بكر بن الطيب
(3)
إلي أن قولهم أولى من طريق الاجتهاد والنقل جميعًا، وذهب أصحاب أبي حنيفة إلى أنهم ليسوا حجة على غيرهم لا من طريق النقل ولا من طريق الاجتهاد
(4)
، واحتج من قال: هم أولى بالاجتهاد من غيرهم؛ لأنهم شاهدوا التنزيل وأقاويل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا معاني خطابه وفحوي كلامه، فلذلك هم أولى من غيرهم بالاستنباط.
(1)
هو: محمد بن عبد الله، أبو بكر الأبهري ولد 289 هـ، وتوفي 375 هـ كان إمام أصحابه في وقته، حَدَّث عنه الدارقطني، والباقلاني، وابن نصر، وله تصانيف في شرح مذهب مالك. انظر:"تاريخ بغداد" 5/ 462، " الوافي بالوفيات" 3/ 308، "الديباج" ص (255).
(2)
انظر قول الشافعي: "الرسالة" ص 533 - 534.
(3)
محمد بن الطيب بن محمد، أبو بكر الباقلاني، كان مالكي المذهب، أشعري العقيدة، متكلمًا فيها، وكان أعرف الناس وأحسنهم خاطرًا وأجودهم لسانًا له التصانيف الكثيرة في الرد على المخالفين من الرافضة والمعتزلة والجهمية .. وغيرهم. انظر:"تاريخ بغداد" 5/ 379، "شذرات الذهب" 3/ 168.
(4)
انظر: "الفصول في الأصول" 3/ 321 - 326.
واحتج أصحابنا فقالوا: من قال هذا القول فقد قال بالتقليد، وقد أخذ علينا النظر في أقاويل الصحابة والترجيح في اختلافهم، فإذا قام لنا الدليل علي أحد القولين وجب المصير إليه، وإذا صح هذا بطل التقليد، وإنما هم أولى من غيرهم من طريق النقل؛ لصحة عدالتهم ومعايشتهم التنزيل ومشاهداتهم للعمل، فأما الاستنباط فالناس كلهم فيه سواء
(1)
.
فصل:
غرض البخاري في الباب كما قال المهلب: تفضيل المدينة بما خصها الله من معالم الدين، وأنها دار الوحي ومهبط الملائكة والرحمة، وبقعة شرفها الله تعالى بسكنى رسوله وجعل فيها قبره ومنبره وبينهما روضة من رياض الجنة، وجعلها كالكير تنفي الخبث وتخلص الباقي حتى لا يشوبهم ميل عن الحق.
ألا تري قول ابن عوف رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه: إنها دار الهجرة والسنة، وإن أهلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خصَّهم الله بفهم العلم وقوة التمييز والمعرفة بإنزال الأمور منازلها.
فصل:
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فإنما ذكر وقوعه بين المنبر وحجرة عائشة رضي الله عنها اللذين هما من معالم الدين وروضة من رياض الجنة، إعلامًا منه لصبره على الجوع في طلب العلم، ولزوم الشارع حتى حفظ من العلم، ما كان حجة على الآفاق ببركة صبره على المدينة.
(1)
انظر: "البحر المحيط" للزركشي 6/ 440 - 444، "أعلام الموقعين" 2/ 274 - 278.
فصل:
والوعك في حديث جابر رضي الله عنه الحمى، قاله ابن فارس قال: ويقال مغث المرض
(1)
، وفي "الصحاح": الوعك مغث الحمى
(2)
.
وقوله: (أقلني بيعتي) كأنه كان بويع على الهجرة والإقامة بالمدينة، فخروجه من المدينة شبيه بالارتداد، وكانت الهجرة فرضًا علي كل من أسلم إلى أن فتحت مكة، وقيل: كانت على أهل الحاضرة دون البادية، وقيل: كانت واجبة على كل أهل.
و (الكير) هنا الفرن الذي يحمى ليخرج خبث الحديد قاله القزاز. قال: وفيه لغتان: كير وكور، وفي "الصحاح" قال أبو عمرو: الكير: كير الحداد، وهو زق أو جلد ذو حافات، وأما المبني من الطين فهو الكور
(3)
. والذي يظهر في الحديث أنه المبني؛ لأنه الذي يخرج الخبث، وقال أبو عبد الملك: يعني نار الكير، يريد: الذي يخرج الشرار ويحبس الخيار، قال:"وينصع طيبها" معناه: يفوح وينتشر، قال: ويروى "وينضخ" بالضاد والخاء المعجمتين أي: يكون طيبها عليها كالخلوق، ومنه قوله تعالى:{نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 96]، أي: تنضخان من الماء، وهو أكثر من النضح، قال: ورواية ثالثة -بالحاء المهملة- وهو ما زق منه، يقال: نضحت عليه الماء، وقد أتى:"تنضح" بمثناة فوق، و"طيبها" بفتح الطاء والباء، وقال أبو الحسن:"تنضح" بالتاء، والذي روي لنا من "الموطأ" وينصع
(1)
"مجمل اللغة" 4/ 390 مادة (وعك).
(2)
"الصحاح" 4/ 1615.
(3)
"الصحاح" 2/ 811. مادة (كير).
بالياء
(1)
و"طيبها"(بضم الياء، وكسر الباء)
(2)
، وكذا فسره الجوهري
(3)
، وقد سلف كل ذلك وأعدناه لبعده.
فصل:
وأما قول ابن عباس رضي الله عنهما: (شهدت العيد ولولا مكاني من الصغر ما شهدته)
(4)
فمعناه: أن صغير أهل المدينة وكبيرهم ونساءهم وخدمهم ضبطوا العلم والسنن معاينة منهم في مواطن العمل من شارعها المبين عن الله، وليس لغيرهم هذِه المنزلة.
وأما إتيانه عليه السلام قباء، فمعناه معاينته ماشيًا وراكبًا في قصد مسجد قباء وهو معلم من معالم الفضل ومشهد من مشاهده، وليس ذلك لغير المدينة فكان يعم أهل المدينة ومن حولها بالوصول إليهم لينالوا بركته.
فصل:
وأما حديث عائشة رضي الله عنها وأمرها أن تدفن مع صواحبها كراهة أن تُزَكَّى بالدفن في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه؛ لئلا يظن أحد أنها أفضل الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ألا تسمع قول مالك للرشيد حين سأله عن منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، فقال له: منزلتهما منه في حياته؛ كمنزلتهما منه بعد مماته. فزكاهما بالقرب منه في البقعة المباركة التي خلق الله منها خير البرية
(1)
"الموطأ" ص 553 (4) كتاب: الجامع، باب: في سكنى المدينة والخروج منها.
(2)
كذا العبارة بالأصل، ولعل صوابها: بكسر الياء وضم الباء.
(3)
"الصحاح" "/ 173 مادة (طيب).
(4)
كذا ساقه نقلاً من "شرح ابن بطال" وصواب العبارة أن تكون: ولولا مكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شهدته من الصغر، والذي في متن الحديث في الباب: ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر.
وأعاده فيها بعد مماته، فقام لمالك الدليل من دفنهما معه علي أنهما أفضل أصحابه؛ لاختصاصهما بذلك.
فصل:
واحتج الأبهري علي أن المدينة أفضل من مكة بأنه عليه السلام مخلوق من تربة المدينة وهو أفضل البشر فكانت تربته أفضل الترب
(1)
.
فصل:
وفيه: تواضع عائشة رضي الله عنها أيضًا بأن لا ترى نفسها أهلًا للدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيثارها بالمكان لعمرلا ينافي هذا، وقد تكون نوت أن تقبر بالمكان الذي قبر به من وراء أبيها ويقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي مكان آخر، فنظرت في أمرها وقالت: لا أُزَكَّى به، وقولها:(وكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة قالت: لا والله لا أوثرهم بأحد أبدًا) أي: لا آثرت أحدًا بإقباره معهم، قال ابن التين: كذا وقع وصوابه: لا أوثر أحدًا، ولم يظهر لي وجه صوابه.
فصل:
(الرعاع) بفتح الراء وهم الأحداث الطغام قاله الجوهري
(2)
وقد أسلفناه قريبًا بزيادة، وقوله:(فيطير بها كل مطير). أي: تتأول على خلاف وجهها.
فصل:
قد أسلفنا تفسير (المشق) وأنه الصبغ، و (بَخْ بَخْ) بإسكان الخاء، فإن وصلت خفضت ونونت، فقلت: بَخٍ بَخٍ. وربما شددت كالاسم،
(1)
انظر الستة فصول السابقة في "شرح ابن بطال" 10/ 370 - 371
(2)
"الصحاح" 3/ 1220 مادة (رعع).
قال الجوهري: وهي كلمة تقال عند المدح والرضى بالشيء، وقد تكون للمبالغة
(1)
، عبارة ابن بطال: هي كلمة تقال عند الإعجاب بالتخفيف والتثقيل
(2)
.
فصل:
قوله في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في العيد (فصلي ثم خطب) هو ما عليه جماعة العلماء أن الخطبة بعدها
(3)
، واختلف فيمن أحدثها قبل؟ فقيل: مروان، وهو ما سبق، وقال مالك في "مبسوطه": عثمان، وفعله؛ ليدرك الناس الصلاة
(4)
. وروي عن يوسف ابن عبد الله بن سلام: إن أول من فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رأى الناس ينقصون إذا صلى فحبسهم للخطبة
(5)
.
فصل:
(ولم يذكر أذانًا ولا إقامة) وعليه جماعة الفقهاء والصدر الأول
(6)
، واختلف فيمن أحدث ذلك، فقال أبو قلابة: عبد الله بن الزبير
(7)
، وقال ابن المسيب: معاوية
(8)
، وقال ابن حبيب: هشام
(9)
، وقال
(1)
"الصحاح""/ 418 مادة (بخخ).
(2)
"شرح بن بطال" 10/ 375.
(3)
انظر: "المبسوط" 2/ 37، "المنتقى" 1/ 317، "أسنى المطالب" 1/ 280، "الفروع" 2/ 143.
(4)
انظر: "المنتقى" 1/ 317.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 492 (5684).
(6)
انظر: "المبسوط"2/ 38، "المنتقى" 1/ 315، "المجموع" 5/ 21.
(7)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 491 (5662) عن عطاء عن ابن الزبير.
(8)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 491 (5664).
(9)
انظر: "المنتقى" 1/ 314.
القنازعي
(1)
: زياد
(2)
، وقال الداودي: مروان. وقوله: (فأمربلالاً، فأتاهن) في أكثر الأحاديث أنه عليه السلام أتاهن ومعه بلال
(3)
.
فصل:
وأما حديث أنس رضي الله عنه: أنه عليه السلام كان يصلي العصر فيأتي العوالي والشمس مرتفعة. فمعناه: أن بين العوالي وبين مسجد المدينة للماشي معلم من معالم ما بين الصلاتين يستغني الماشي فيها يوم الغيم عن معرفة الشمس، وذلك معدوم في سائر الأرض، فإذا كانت مقادير الزمان مقصبة بالمدينة لمكان بادٍ للعيان ينقله العلماء إلي أهل الإيمان ليمتثلوه في أقاصي البلدان، فكيف يساويه أهل بلدة غيرها، وكذلك دعاؤه لهم بالبركة في مكيالهم خصهم من بركة دعوته ما اضطر أهل
الآفاق إلى القصد إلى المدينة في ذلك المعيار المدعو له؛ بالبركة؛ ليمسكوه وجعلوه سنة في معايشهم وهو ما فرض الله عليهم لعيالهم وظهرت البركة لأهل بلد في ذلك المكيال، ومعنا:"اللهم بارك لهم في مكيالهم، وصاعهم ومدهم" ما يكال بها وأضمر ذلك لأنه مفهوم الخطاب مثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وكان مدهم صغيرًا لقلة الطعام عندهم، فدعا لهم ليبارك لهم فيه.
(1)
القنازعي: هو عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن القنازعي، القرطبي، المالكي، أبو المطرف، قال الذهبي: كان إمامًّا متقنًا حافظًا، متألهًا خاشعًا، متهجدًا مفسرًا، بصيرًا بالفقه واللغة، وكان زاهدًا ورعًا، مجاب الدعوة، صاحب تصانيف.
انظر: "سير أعلام النبلاء" 17/ 342 (212)، "شذرات الذهب" 3/ 198 "معجم المؤلفين" 2/ 123 (7053).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 491 (5668) عن حصين.
(3)
سلف برقم (98) كتاب: العلم، باب: عظة الإمام النساء.
فصل:
وبُعد العوالي أربعة أميال أو [ثلاثة]
(1)
، كما ذكر البخاري عن يونس ولعل هذا كان في نهار الصيف، وفيه دليل على أبي حنيفة القائل: أن العصر وقته إذا صار ظل كل شيء مثليه
(2)
؛ لأنه يبعد أن يصلي العصر ثم يمشي أربعة أميال والشمس مرتفعة بعد أن صار الظل مثليه بعد ظل الزوال.
فصل:
وأما رجمه لليهوديين عند موضع الجنائز فإن الموضع قد صار علمًا لإقامة الحدود وللصلاة على الجنائز خارج المسجد وبه قال مالك فهمًا من الحديث.
فصل:
قوله: "هذا جبل يحبنا ونحبه". لا أنه حقيقة كحنين الجذع آية لنبوته، وقيل: مجاز. أي: يحبنا أهله مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف 82].
فصل:
وأما مقدار ممر الشاة بين الجدار والمنبر فذلك معلم للناس وسنة ممتثلة في موضع المنابر؛ ليدخل عليها من ذلك الموضع فينقضي من القبر ويُنظف.
فصل:
وقوله: "روضة من رياض الجنة". يجوز أن تكون حقيقة وأنها تنقل إلى الجنة أو العمل فيها موصل إلى الجنة، واحتج به في "المعونة"
(3)
(1)
وقع في الأصل: أربعة.
(2)
انظر: "المبسوط" 1/ 142.
(3)
"المعونة" 2/ 606.
علي تفضيل المدينة؛ لأنه قد علم أنه إنما خص ذلك الموضع منها بفضيلة علي نفسها وكان بأن يدل علي فضلها على ما سواها أولى، المراد منه القبر كما في الرواية الأخرى أوالحجرة التي يسكنها؛ لأنها قبره.
فصل:
وأما ذكر ما بين الحفياء وثنية الوداع فمساقة ذلك سنة ممتثلة ميدانا بالخيل المضمرة، وقوله: ضمر منها. يقال: ضمر القوم بفتح الميم وبضمها لغة، وأضمرته وضمرته، فيصح أن تقرأ ضمرت بفتح الضاد والميم أو فتحها وضم الميم أو ضم الضاد وتشديد الميم علي ما لم يسم فاعله، قال ابن التين: وهو الذي قرأنا.
فصل:
والمركن بكسر الميم شبه تنور من خزف يستعمل للماء كما قاله ابن بطال
(1)
، وعبارة الأصمعي فيما حكاه ابن التين أنه الإجانة التي تغسل فيها الثياب، قوله: فيشرع فيها جميعًا. يقال: شرعت الدواب في الماء. أي: دخلت فيه.
فصل:
وأما خطبة عمر وعثمان رضي الله عنهما علي منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن: ذلك سنة ممتثلة، وأن الخطبة تكون على المنابر؛ لتوصيل الموعظة إلي أسماع الناس إذا أشرف عليهم، وكذلك مِركن عائشة رضي الله عنها التي كانت تشرع فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -الغسل، ومقدار ما يكفيهما من الماء ولا يوجد ذلك المركن إلا بالمدينة، وكذلك
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 375.
محالفته عليه السلام بين قريش والأنصار بالمدينة معروف يثبت بدعائه جواز المحالفة في الإسلام علي أمر الدين والتعاضد فيه على المخالفين، وقد سلف في كتاب الأدب ما يجوز من الحلف في الإسلام وما لا يجوز في باب: الإخاء والحلف فراجعه منه.
وكذلك وادي العقيق المبارك بوحي الله إلي رسوله وأن الله أنزل فيه بركة إحلال الاعتمار في أشهر الحج وكان محرمًا قبل ذلك على الأمم وأمره بالصلاة فيه؛ لبركته وليس ذلك مأمورًا به إلا في هذا الوادي الذي يقصده أهل الآفاق للصلاة فيه والتبرك به، وكذلك توقيته المواقيت لأهل الآفاق معالم للحج والعمرة ترفقًا من الله بعباده وتيسيرًا عليهم مشقة الإحرام من كل فج عميق، فهذِه بركة من الله في الحجاز موقوفة للعباد ليس في غيره من البلاد.
وجعل الله بطحاء العقيق المباركة مهلًا لرسوله ولأهل المدينة وهي آخر جزائر المدينة على رأس عشرة أيام من مكة، وغيرها من المواقيت علي رأس ثلاثة أيام من مكة فضل كبير لأهل المدينة بحمله عز وجل عليهم من مشقة الإحرام أكثر مما حمل علي غيرهم وذلك لعلمه بصبرهم على العبادة واحتسابهم لتحملها، وكذلك صبرهم علي لأواء المدينة وشدتها حرصًا على البقاء في منزل الوحي ومنبت الدين؛ ليكون الناس في موازينهم إلي يوم القيامة كما صاروا إلى موازينهم بإدخالهم أولاً في
الدين؛ لما وضع فيهم أولا من القوة والشجاعة التي تعاطوا بها مفارقة أهل الدنيا وضمنوا علي أنفسهم نصرة نبيّ الهدي فوفى الله بضمانهم ونصرهم على أعدائهم، وتمت كلمة الله ودينه لهم فكانوا أفضل الناس؛ لقربه بهم وعلمه بأحواله وأحكامه وآدابه وسيره، ووجب لمن كان على مذاهب أهل المدينة حيث كان من الأرض نصيب وافر من بركة
الدينة، واستحقوا أن يكونوا من أهلها؛ لاتباعهم سنن رسوله الثابتة عندهم
من علمائها المتبعين لهم بإحسان قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] والمرء مع من أحب ووجب أن يكون لأهل مكة من ذلك نصيب؛ لأن عندهم معالم فريضة الحج كلهم، وقد عاينوا من صلاته وأقواله في المرات أمته التي دخلها ما صاروا به عالمين ولهم من بركة ذلك أوفر نصيب وحظ جزيل.
فصل:
قرن بإسكان الراء، وضبطه ابن التين بالفتح وعن بعضهم إذا أفردت فتحت وإذا أضيفت سكنت، قال: وقرن مكان أو جبل كانت فيه وقعة لغطفان علي بني عامر، يقال له يوم قرن، ويلملم اسم جبل. وسميت الجحفة بذلك من قولهم: أجحفهم الدهر. أي: استأصلهم وذلك أن العماليق أخرجوا أخوة عاد من يثرب، فنزلوا مهيعة فجاء سيل فأجحفهم، فسميت الجحفة بذلك.
وقوله: (وذكر العراق. فقال: لم يكن عراق يومئذٍ) يريد بأنها لم تكن فتحت، وفي حديث جابر رضي الله عنه، مهل أهل العراق من ذات عرق
(1)
، وفي حديث عائشة رضي الله عنها كذلك
(2)
، وقوله:(وهو في معرسه) هو الموضع الذي يعرس فيه، يقال: مُعَرَّس ومُعْرَس، والتعريس نزول القوم في السفر معرسة في آخر الليل يقفون وقفة للاستراحة ثم يرتحلون وأعرسوا لغة فيه قليلة.
(1)
رواه مسلم (1183/ 18) كتاب: الحج، باب: مواقيت الحج والعمرة.
(2)
رواه أبو داود (1739)، والنسائي 5/ 123.
17 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]
7346 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ:«اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فِي الأَخِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ:«اللَّهُمَّ العَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا» . فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} . [انظر: 4069 - فتح 13/ 312].
ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ". فِي الآخرة، ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ العَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا". فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ليس لك من أمر خلقي شيء، وإنما أمرهم والقضاء فيهم بيدي دون غيري، وأقضي الذي أشاء من التوبة على من كفرني وعصاني، أو العذاب إما في عاجل الدنيا بالقتل والنقم، وإما في الآجل بما أعددت لأهل الكفر بي.
ففيه من الفقه: أن الأمور المقدرة لا تغير عما أحكمت عليه؛ لقوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29]، وقوله تعالى:{يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: 39] فإنما هو في النسخ أن ينسخ مما أمر به ما يشاء {وَيُثْبِتُ} . أي: ويبقي من أمره ما يشاء، قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما
(1)
. وقيل: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ} مما يكتبه الحفظة على العباد مما لم يكن خيرًا أو شرًّا كل يوم اثنين وخميس، ويثبت ما سوي ذلك، عن ابن عباس أيضًا.
(1)
"تفسير الطبري" 7/ 402 (20489 - 20493).
وقيل: {يَمْحُوا} . أي: من أتى أجله محي ومن لم يمض أجله أثبته، عن الحسن
(1)
. {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} يعني أصله وهو اللوح المحفوظ. ولا شك أن الدعاء جائز من جميع الأمم، لكن ما ختم الله به من الأقدار على ضربين: منه ما قدر وقضى إذا دعا وتضرع إليه صرف عنه البلاء.
ومنه ما حكم الله بإبقائه وهو على ما حكم في هذا الحديث.
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} في الدعاء علي هؤلاء؛ لأن منهم من قضيت له بالتوبة، ومنهم بالعذاب فلا بد منه، لكن لانفراد الله بالمشيئة وتعذر علم ذلك على العقول جاز الدعاء لله إذ الدعوة من أوصاف العبودية، فعلى العبد التزامها، ومن صفة العبودية الضراعة والمسكنة، ومن صفات الملك الرأفة والرحمة، ألا تري قوله عليه السلام:"لا يقولن أحدكم اللهم إن شئت فأعطني وليعزم المسألة فإنه لا مكره له"
(2)
إذا كان السائل إنما يسأل الله حيث له أن يفعل لا من حيث له أن يترك الفعل.
وهذا الباب وإن كان متعلقًا بالقدر فله مدخل في كتاب الاعتصام؛ لدعائه عليه السلام لهم، أي: للإيمان الذي هو الاعتصام به لمنع القتل وحقن الدم.
فصل:
وقوله: "اللهم ربنا ولك الحمد" في الآخرة. يريد: في الركعة
(1)
"تفسير الطبري" 7/ 402 - 403 (20494 - 20497).
(2)
سبق برقم (6339) كتاب: الدعوات، باب: ليعزم المسألة، ورواه مسلم (2679) كتاب: الذكر والدعاء، باب: العزم بالدعاء، من حديث أبي هريرة.
الأخيرة، وقال مالك: لايقول الإمام ربنا ولك والحمد
(1)
، وقال عيسي بن دينار وابن نافع بقوله، وفي هذا الحديث زيادة:"اللهم".
ودليل مالك قوله في الحديث الآخر، "وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد"
(2)
واعتذر الداودي فقال: لم يبلغ مالكًا هذا الحديث. وهو عجيب؛ فقد أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسلمة
(3)
، عن مالك
(4)
وإنما تركه مالك للخبر الآخر ويمكن أن يكون قوى أحدهما بعمل أهل المدينة، واختيار ابن القاسم أن يقول المأموم: ربنا ولك الحمد، واختار أشهب: لك الحمد. واختلف قول مالك في ذلك
(5)
.
فصل:
وقوله في الآية إنها نزلت لما دعا عليه السلام في الفجر: "اللهم العن فلانًا" وقيل: إنه عليه السلام استأذن أن يدعو في استئصالهم فنزلت. علم تعالى أن منهم من سيسلم وأكد ذلك بالآية التي بعدها.
وقال أنس رضي الله عنه: كسرت رباعيته فأخذ الدم بيده وجعل يقول: "كيف يفلح قوم دموا وجه نبيهم" فنزلت
(6)
وانتصب {يَتُوبَ} بالعطف بأو على {لِيَقْطَعَ طَرَفًا} ، والمعني علي هذا: ليقتل طائفة أو يخزيهم بالهزيمة
(1)
"المدونة" 1/ 73.
(2)
سلف برقم (689) كتاب: الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به.
(3)
هكذا في الأصل، وعند البخاري: عن عبد الله بن يوسف.
(4)
سبق برقم (689) كتاب: الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به.
(5)
انظر: "المنتقى" 1/ 164.
(6)
رواه مسلم (1791) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة أحد، وقد سبق معلقًا بنحوه قبل حديث (4069) كتاب: المغازي، باب: ليس لك من الأمر شيء.
أو يتوب عليهم أو يعذبهم، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير علي هذا القول، وقيل (أو) هنا بمعني: حتى، وصُوِّب الأول؛ لأنه لا أمر إلى أحد من الخلق.
18 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف: 54]
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]
7347 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ح.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ عليها السلام بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ: «أَلَا تُصَلُّونَ؟» . فَقَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعَهُ وَهْوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهْوَ يَقُولُ:{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} [الكهف: 54]. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُقَالُ: مَا أَتَاكَ لَيْلاً فَهْوَ طَارِقٌ. وَيُقَالُ: الطَّارِقُ النَّجْمُ، وَالثَّاقِبُ: الْمُضِيءُ، يُقَالُ: أَثْقِبْ نَارَكَ لِلْمُوقِدِ. [انظر: 1127 - مسلم: 775 - فتح 13/ 313].
7348 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ» . فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا» . فَقَالُوا: بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ذَلِكَ أُرِيدُ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا» . فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ذَلِكَ أُرِيدُ» . ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . [انظر: 3167 - مسلم: 1765 - فتح 13/ 314].
ذكر فيه حديث محمد بن سلام -بالتخفيف- أنا [عَتَّابُ]
(1)
بْنُ بَشِيرٍ، وهو: أبو الحسن الحراني، مولي بني أمية -عَنْ إِسْحَاقَ، وهو ابن راشد أخو النعمان بن راشد الجزري الحراني، مولى بني أمية، انفرد به وبالذي قبله- عن الزهري أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عن حُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أخبره أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال لهم:"ألا تصلون" فقال علي: فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم. حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعَهُ وَهْوَ مُدْبِرٌ يَضرِبُ فَخِذَهُ وَهْوَ يَقُولُ:{وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54].
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا أَتَاكَ لَيْلًا فَهْوَ طَارِقٌ. وَيُقَالُ: الطَّارِقُ النَّجْمُ، وَالثَّاقِبُ: المُضِيءُ، يُقَالُ: أَثْقِبْ نَارَكَ لِلْمُوقِدِ.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ في المَسْجِدِ خَرَجَ علينا النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "انْطَلِقُوا إِلَي يَهُود". فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّي أتينا بَيْتَ المِدْرَاسِ، الحديث بطوله
الشرح:
معنى طرقه: جاءه ليلاً، قال ابن فارس: وحكى بعضهم أن ذلك قد يقال في النهار أيضًا
(2)
، وقوله:(ولم يرجع إليه شيئًا) هو بفتح الياء؛ لأنه ثلاثي في المشتهر من اللغات.
وقراءته عليه السلام: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} . إنما كره من احتجاجه؛ لأن المسلم ينبغي له أن يعترف بالتقصير لأن له في فعله اكتسابًا عليه يُجزي.
(1)
وقع في الأصل: غياث.
(2)
"مجمل اللغة" 2/ 595 مادة (طرق).
قوله: (فقال عليه السلام لليهود: "أسلموا تسلموا"). كذا في الأصول.
"أريد" بالراء، ووقع في كتاب أبي الحسن بالزاي والذي أعرفه بالراء.
ومعنى: "أسلموا تسلموا" أي: في الدنيا من السيف وفي الآخرة من عذاب الله، وقوله:"أريد أن أجليكم" أي: أطردكم من تلك الأرض وكان خروجهم إلى الشام.
قال الجوهري: جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا يتعدى ولا يتعدى، وأجلوا عن البلد وأجليتهم أنا كلاهما بالألف، وأجلوا عن القتيل لا غير. انفرجوا
(1)
، زاد في "الغريبين" وجلّا بالتشديد عن وطنه.
فصل:
الجدال لغة: المدافعة، فمنه مكروه ومنه حسن، فما كان منه تثبيتًا للحقائق وتبيينًا للسنن والفرائض فهو الحسن، وما كان منه على معنى الاعتذار والمدافعات للحقائق فهو المذموم.
وأما قول علي رضي الله عنه فهو من باب المدافعة. واحتج الشارع عليه بالآية.
ووجه هذه الآية في الاعتصام أنه عليه السلام عرض على علي وفاطمة رضي الله عنهما الصلاة فاحتج عليه علي بقوله: إنما أنفسنا بيد الله. فلم يكن له أن يدفع ما (دعاه)
(2)
الشارع إليه، وهذا هو نفس الاعتصام بسنته عليه السلام؛ فلأجل تركه الاعتصام (بقول)
(3)
ما دعاه إليه من الصلاة قال عليه السلام: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} ولا حجة لأحد في ترك أمر الله وأمر رسوله بمثل ما احتج به علي رضي الله عنه
(1)
"الصحاح" 6/ 2304 مادة (جلا).
(2)
في الأصل: (ادعاه) والمثبت من "شرح ابن بطال".
(3)
كذا بالأصل، ووقع في "شرح ابن بطال"(بقبول) وأشار بهامشه أنه في نسخة (بقول) فلعل المصنف نقل منها.
وموضع الترجمة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن اليهود لما بلغهم (أن)
(1)
النبي صلى الله عليه وسلم ما ألزمهم العمل به والإيمان بموجبه قالوا له: قد بلغت يا أبا القاسم. رادين لأمره في عرضه عليهم الإيمان، فبالغ في تبليغهم وقال "ذلك أريد" ومن روى:"ذلك أريد" بمعنى: أريد بذلك بيانا بتكرير التبليغ، وهذه مجادلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب بالتي هي أحسن.
وقد اختلف العلماء في تأويل هذه الآية، فقالت: هي (مجملة)
(2)
ويجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله والتنبيه على حججه وآياته رجاء إجابتهم إلى الإيمان. وقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] معناه: إلا الذين نصبوا للمؤمنين الحرب، فجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية. هذا قول مجاهد وسعيد بن جبير
(3)
. وقال ابن زيد: معناه: لا تجادلوا أهل الكتاب -يعني: إذا أسلموا وأخبروكم بما في كتبهم إلا بالتي هي أحسن- في المخاطبة، إلا الذين ظلموا بإقامتهم علي (الأمر)
(4)
، فخاطبوهم بالسيف
(5)
. وقالوا: هي محكمة. وقال قتادة: هي منسوخة بآية القتال
(6)
.
(1)
كذا بالأصل، والصواب حذفها.
(2)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"(محكمة).
(3)
رواه الطبري عنهما في "تفسيره" 10/ 149 (27816 - 27820).
(4)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال"(الكفر).
(5)
السابق 10/ 150 (27821).
(6)
السابق 10/ 150 (27822).
19 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلُزُومِ الجَمَاعَةِ، وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ
7349 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيَقُولُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ» . ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قَالَ: عَدْلاً {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس} الآية [البقرة: 143].
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3339 - فتح 13/ 316].
ذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيَقُولُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ» . ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قَالَ: عَدْلاً {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا.
الشرح:
معنى هذا الباب الاعتصام بالجماعة، ألا ترى قوله تعالى:{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143]، ولا يجوز أن يكون شهيدًا
غير مقبول القول، ولما كان الشارع واجبًا اتباعه وجب اتباع قولهم؛ لأن الله تعالى جمع بينه وبينهم في قبول قولهم وزكاهم، وأحسن الثناء عليهم بقوله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} يعني: عدلاً.
والاعتصام بالجماعة كالاعتصام بالكتاب والسنة؛ لقيام الدليل على توثيق الله ورسوله صحة الإجماع وتحذيرهما من مفارقته بقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} الآية [النساء: 115]، وقوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الآية [آل عمران: 110] وهاتان الآيتان قاطعتان على أن الأمة لا تجتمع علي ضلالة، وقد أخبر عليه السلام بذلك (فهمًا)
(1)
له من كتاب ربه تعالى فقال: "لا تجتمع أمتي على ضلالة"
(2)
. فلا يجوز أن يكون أراد جميعها من عصره إلى قيام الساعة؛ لأن ذلك لا يفيد
شيئًا؛ لأن الحكم لا يعرف إلا بعد إنقراض جميعها، فعلم أنه أراد أهل الحل والعقد من كل عصر.
فصل:
ما فسر به الوسط بالعدل، روي مرفوعًا كما أفاده ابن التين، وأصله أن أحمد الأشياء أوساطها، وفي بقية حديث نوح في غير هذا الموضع، "فيقول قوم نوح: كيف يشهدون علينا، ونحن أول الأمم وهم آخر الأمم، فتقولون: نشهد أن الله عز وجل بعت إلينا رسولاً، وأنزل
(1)
في الأصل: (فيما) والمثبت من "شرح ابن بطال".
(2)
رواه أبو داود (4253) من حديث أبي مالك الاشعري، والترمذي (2167) من حديث ابن عمر، وابن ماجه (390) من حديث أنس بن مالك. وقال ابن حجر في "التلخيص": هذا حديث مشهور له طرق كثيرة، لا يخلو واحد منها من مقال. اهـ وانظر تمام تخريجه في "التلخيص الحبير" 3/ 141 (1474)، و"كشف الخفاء" 2/ 350 (2999).
إلينا كتابًا، فكان فيما أنزل إلينا خبركم"
(1)
.
وعبارة الداودي: "يقال لهم تشهدون ولم تحضروا؟ فتقولون: أخبرنا نبينا." وهو قوله: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} .
(1)
رواه بنحوه ابن ماجه (4284)، وأحمد 3/ 58.
20 - باب إِذَا اجْتَهَدَ العَامِلُ أَوِ الحَاكِمُ فَأَخْطَأَ خِلَافَ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهْوَ رَدٌّ» . [انظر: 2697]
7350، 7351 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأَنْصَارِيَّ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» . قَالَ: لَا، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا لَنَشْتَرِى الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الجَمْعِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ المِيزَانُ» [انظر: 2201، 2202 - مسلم: 1593 - فتح 13/ 317].
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ المَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يُحَدِّثُ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأَنْصَارِيَّ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ
…
" الحديث.
الشرح:
قال الجياني: كذا رواه إبراهيم بن معقل النسفي عن البخاري، وسقط من كتاب الفربري من هذا الإسناد سليمان بن بلال، وذكر أبو زيد المروزي أنه لم يكن في أصل الفربري، وكذلك لم يكن في كتاب ابن السكن ولا عند أبي أحمد، وكذلك قال أبو ذر عن
مشايخه، ولا يتصل السند إلا به، والصواب رواية النسفي
(1)
. وأخو إسماعيل: هو أبو بكر عبد الحميد بن أبي أويس الأعشى الأصبحي حليف بني تيم، وعبد المجيد كنيته: أبو محمد أو أبو وهب. وسهيل هذا تزوج الثريا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس، وهي مولاة الغريض، فقال فيهما عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي الساعدي:
أيها المنكح الثريا سهيلًا
…
عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت
…
وسهيل إذا استقل يماني
وعاش أبوها إلى زمن معاوية وورث دار عبد شمس وكان أقعدهم [نسبًا]
(2)
، فحج معاوية في خلافته فدخل ينظر إلى الدار، فخرج عبد الله (بمحجن)
(3)
؛ ليضربه وقال: (لا أسمع الله يطلبك)
(4)
أما تكفيك الخلافة وحتى تطلب الدار، فخرج معاوية يضحك
(5)
.
وأخو بني عدي الأنصاري هو سواد بن غزية البلوي حليف بني عدي بن النجار استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر، شهد بدرًا، وأسر يومئذ خالد بن هشام أخا أبي جهل عمروٍ والعاصي قُتلا يوم بدر، والحارث فرّ يومئذٍ ثم أسلم عام الفتح. وسواد: هو الذي طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخصرته ثم أعطاها إياه، وقال:"استقد بها"
(6)
.
(1)
"تقييد المهمل" 2/ 753 - 754.
(2)
ليست في الأصل والمثبت من "أسد الغابة".
(3)
وقع في الأصل (بن جحش) خطأ، والمثبت من "أسد الغابة".
(4)
كذا بالأصل، وفي "أسد الغابة"(لا أشبع الله بطنك).
(5)
انظر: ترجمته في "أسد الغابة" 3/ 202 (2868).
(6)
رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 3/ 1404 (3550)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 2/ 481، وانظر "سيرة ابن هشام" 2/ 266.
فصل:
الجنيب نوع جيد معروف من أنواع التمر. والجمع رديء قال الأصمعي: كل لون من النخل لايعرف اسمه فهو جمع
(1)
، وفي "الصحاح": الجمع: الدقل، يقال: ما أكثر الجمع في أرض بني فلان من النخل [لنخلٍ]
(2)
خرج من النوى لا يعرف اسمه
(3)
، وقال القزاز: الجمع: اختلاط أجناس التمر، والجنيب: ما (تعدها)
(4)
في الجودة.
فصل:
وقوله فيه: "لا تفعلوا، ولكن مثلًا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه مثل هذا، وكذلك الميزان" يعني: وزنًا بوزن فيما يوزن، فكل ما يوزن يباع مثلًا بمثل مثل ما يكال، وأما التمر فمكيل ولا يباع وزنًا بوزن؛ لاختلاف نواه، وقوله:("لا تفعلوا")، ولم يذكر النسخ، وفي مسلم "هو الربا، فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا [من] هذا"
(5)
.
فصل:
قد تقدم هذا الباب في كتاب الأحكام، وسلف هذا التعليق مسندًا، ووجه دخوله هنا: أن الواجب علي من حكم بغير السنة جهلًا وغلطًا ثم تبين له أن سنة الرسول خلاف حكمه، فإن الواجب عليه الرجوع إلي حكم السنة وترك ما خالفها [امتثالاً]
(6)
لأمره تعالى بوجوب طاعته
(1)
انظر "تهذيب اللغة"1/ 653 مادة (جمع).
(2)
من "الصحاح" وليست في الأصل.
(3)
"الصحاح" 3/ 1198. مادة (جمع).
(4)
كذا في الأصل، ولعل الصواب: تعداها.
(5)
مسلم (1594) كتاب: المساقاة، باب: بيع الطعام مثلًا بمثل.
(6)
ليست بالأصل والمثبت من "شرح ابن بطال".
وطاعة رسوله أن لا يحكم بخلاف سنته، وهذا هو نفس الاعتصام بالسنة، وقد سلف الكلام في هذا الحديث، وأنه عليه السلام أمر برد هذا البيع وفسخه في كتاب البيوع فأغنى عن إعادته.
21 - باب أَجْرِ الحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ
7352 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ العَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» . قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ المُطَّلِبِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. [مسلم: 1716 - فتح 13/ 318].
ذكر فيه حديث أَبِي قَيْسٍ -واسمه سعد
(1)
كما قاله مسلم
(2)
- مَوْلَى عَمْرِو بْنِ العَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ". قَالَ: فَحَدَّثْتُ بهذا الحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
وَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ المُطَّلِبِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
(1)
بهامش الأصل: اسمه عبد الرحمن بن ثابت كما قاله (
…
) عن ابن يونس. [قلت انظر: "تهذيب الكمال" 34/ 204 (7578)].
(2)
قال ابن حجر في "الفتح" 13/ 319: وحكى الدمياطي أن اسمه سعد، وعزاه لمسلم في "الكنى"، وقد راجعتُ نسخًا من "الكنى" لمسلم فلم أر ذلك فيها، منها نسخة بخط الدارقطني الحافظ.
الشرح:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا
(1)
.
والاجتهاد استفرل وسع الحاكم العالم في طلب حكم الحادثة.
وقوله "ثم أخطأ فله أجر" احتج به من قال: إن الحق في واحد وإنه ليس كل مجتهد مصيبًا وهي مسألة خلافية طويلة الذيل.
وهذا إذا كان العالم متبحرًا في العلم بنفسه يري نفسه أهلًا لذلك ويراه الناس، فأما المقصر فلا يسوغ له أن يدخل نفسه في شيء من ذلك، فإن فعل، هلك قال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، وفي حديث أبي داود وغيره من حديث بريدة "القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة"
(2)
.
ولذا قال ابن المنذر: إنما يكون الأجر للحاكم إذا كان عالمًا بالاجتهاد والسنن، فأما من لم يعلم ذلك فلا يدخل في معنى الحديث -ثم استدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا- وإنما يؤجر على اجتهادٍ في طلب الصواب لاعلى الخطأ، ومما يؤيد هذا قوله تعالى:
(1)
كذا بالأصل لم يتم الكلام وبعده بياض، وكتب بالهامش: (
…
) في الأصل الذي كتبت منه [وروي عن أبي] بكر عمرو بن حزم عن أبي هريرة فأخرجه [الترمذي] في الأحكام عن حسين بن مهدي، والنسائي في القصاص [عن إسحاق بن منصور] كلاهما عن عبد الرزاق، عن معمر، عن سفيان الثوري، [عن يحيى بن سعيد] عن أبي بكر به، قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، [لا نعرفه من] حديث الثوري إلا من حديث عبد الرزاق، عن معمر (
…
) عبد الله بن أبي بكر عن أبي سلمة المرسلة. [قلت: انظر الترمذي (1326) والنسائي 8/ 224].
(2)
رواه أبو داود (3573)، والترمذي (1322)، وابن ماجه (2315). وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(4446).
{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} الآية [الأنبياء: 78]
(1)
.
قال الحسن: أثنى على سليمان ولم يذم داود
(2)
. وذكر أبو التمام المالكي أن مذهب مالك أن الحق في واحد من أقاويل المجتهدين، وليس ذلك في جميع أقاويل المجتهدين
(3)
، وبه قال أكثر الفقهاء
(4)
، وحكى ابن القاسم: أنه (سمع)
(5)
مالكًا عن اختلاف الصحابة، فقال: مخطئ ومصيب وليس الحق في جميع أقاويلهم
(6)
.
وقال أبو بكر بن الطيب: اختلفت الروايات عن أئمة الفتوى في هذا الباب كمالك وأبي حنيفة والشافعي: فأما مالك، فالمروي عنه منعه المهدي من حمله الناس على العمل والفتيا [بما]
(7)
في "الموطأ" وقال له: دع الناس يجتهدون، وظاهر هذا إيجابه علي كل مجتهد القول بما يؤديه الاجتهاد إليه، ولو رأى أن الحق في قوله فقط، أو قطع عليه لكان الواجب عليه المشورة على السلطان العمل به، ويبعد أن يعتقد مالك أن كل مجتهد مأمور بالحكم والفتيا باجتهاده، وإن كان مخطئًا في ذلك، وذكر عن أبي حنيفة والشافعي القولين جميعًا
(8)
.
(1)
انظر: "المستصفى" 342 - 345، "البحر المحيط" للزركشي 8/ 229 - 232.
(2)
رواه البغوي في "تفسيره" 5/ 333.
(3)
انظر: "إحكام الفصول" للباجي (707).
(4)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 330 - 332، عند تفسيره لقوله تعالى:{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} ، "الفصول في الأصول" 4/ 12، 292 - 295، "المستصفى"، ص 347 وما بعدها، "البحر المحيط" 8/ 276 - 280، "العدة" 5/ 1540، "أعلام الموقعين" 2/ 161 - 162.
(5)
كذا في الأصل وفي "شرح ابن بطال": (سأل) وهو أنسب للسياق.
(6)
انظر: "إحكام الفصول" ص (707).
(7)
من "شرح ابن بطال".
(8)
انظر: "إحكام الفصول" ص 707 - 708.
واحتج من قال أن الحق في واحد بحديث الباب كما سلف، وهو نص علي أن [في]
(1)
المجتهدين والحاكمين مخطئًا ومصيبًا، قالوا: والقول بأن كل مجتهد مصيب يؤدي إلى كون الشيء حلالًا حرامًا وواجبًا وندبا، ويلزم الحاكم اعتقاد كونه حلالًا إذا رأى ذلك بعض أهل الاجتهاد وحرامًا إذا رأى ذلك غيره، وأن تكون الزوجة محللة محرمة والمال ملك الإنسان وغير ملك له، إذا اختلف في ذلك أهل الاجتهاد، واحتج من قال: كل مجتهد مصيب، فقالوا: اتفق الكل من الفقهاء علي أن فرض كل عالم الحكم والفتيا بما (أدله)
(2)
الاجتهاد إليه، وما هو الحق عنده وفي غالب ظنه وأنه حرام عليه أن يفتي ويحكم بقول مخالفة، فلو كان في الأقاويل المختلف فيها ما هو خطأ وخلاف دين الله لم يجز أن تجتمع الأمة علي أنه فرض القائل به؛ لأن إجماعها في ذلك إجماع علي خطأ، وقد نهى الله عنه وشرع خلافه.
ولو جاز كون أحدهما مخطئًا؛ لأدى ذلك إلى أن الله أمر أحدهما بإصابة عين الباطل، وفي هذا القول تأدية إلا أن الله أمر بالباطل، وإذا فسد هذا مع كونه مأمورًا بالاجتهاد وجب كونه بفتواه ممتثلًا أمره وطائعا له ومصيبًا عند الله، فثبت أن الحق مع كل واحد منهما بدليل قوله تعالى:{لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28]، ومع قيام الدليل على أن طاعة الباري إنما كانت طاعة لأمره بها، كما أن المعصية كانت معصية لنهيه عنها.
(1)
من "شرح ابن بطال".
(2)
كذا في الأصل وفي "شرح ابن بطال": (أداه).
وقد أجاب الشافعي عن هذا الحديث في "الرسالة" فقال: لو كان في الاجتهاد خطأ وصواب في الحقيقة لم يجز أن يثاب على أحدهما أكثر مما يثاب على الآخرة لأن الثواب لا يجوز فيما لا يسوغ ولا في الخطأ الموضوع إثمه عنا
(1)
.
وقال ابن الطيب: هذا الخبر يدل علي أن كل مجتهد [مصيب أولى وأقرب؛ لأن المخطئ لحكم الله والحاكم بغيره مع الأمر له به لا يجوز أن]
(2)
يكون مأجورًا على الحكم بالخطأ بل أقصى حالاته أن يكون إثمه موضوعًا عنه، فأما أن يكون بمخالفة حكم الله تعالى مأجورًا فإنه باطل باتفاق، والشارع قد جعله مأجورًا، فدل ذلك علي أن هذا ليس بخطأ في شيء وجب عليه ولزمه الحكم به
(3)
.
ويحتمل أن يكون معناه: إذا اجتهد في الحكم والطلب للنص فأصابه وحكم بموجبه فله أجران: أحدهما: على البحث والطلب، والآخر: على الحكم بموجبه، وأراد بقوله:"إن حكم فأخطأ". أي: أخطأ الخبر بأن لم يبلغه مع الاجتهاد في طلبه ثم حكم باجتهاده المخالف لحكم النص كان مخطئًا للنص ومصيب لا محالة في الحكم؛ لأن الحكم بالاجتهاد عند ذلك فهو فرضه.
ولهذا كان يقول عمر رضي الله عنه عندما كان يبلغه الخبر: لولا هذا لقضينا فيه برأينا ولم يقل (له)
(4)
أحد الصحابة: فلو قضيت فيه برأيك لو لم يبلغك الخبر لكنت بذلك عاصيًا، وَلمَ أردت أن تقضي بالرأي وهذا
(1)
"الرساله" ص 496.
(2)
ليست بالأصل، وأثبتناها من "شرح ابن بطال" 10/ 383 لتكملة السياق.
(3)
السابق.
(4)
في الأصل: (به) والتصويب من "شرح ابن بطال".
الخبر كان موجودًا.
فدل إمساك الكل عن ذلك أن فرض الحاكم والمجتهد الحكم والفتيا برأيه، وإن خالف موجب الخبر، فإذا بلغه تغير عند ذلك فرضه ولزمه الحكم بموجبه. ولا نقول: إن كل مجتهد مصيب إلا في الفروع ومسائل الاجتهاد التي يجوز للعامي فيها التقليد، فأما القول بوجوب الصلوات الخمس والصيام والحج وكل فرض ثبت العمل به بالتواتر والاتفاق فأصل من أصول الدين يحرم خلافه كالتوحيد والنبوة وما يتصل بها
(1)
.
(1)
بلفظه من "شرح ابن بطال" 10/ 381 - 384.
22 - باب الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ ظَاهِرَةً. وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمُورِ الإِسْلَامِ
7353 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى على عُمَرَ، فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولاً فَرَجَعَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ؟ ائْذَنُوا لَهُ. فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. قَالَ: فَأْتِنِي علَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لأَفْعَلَنَّ بِكَ. فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ إِلاَّ أَصَاغِرُنَا. فَقَامَ: أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِىُّ فَقَالَ قَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: خَفِىَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم! أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. [انظر: 2062 - مسلم: 2153 - فتح 13/ 320].
7354 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الأَعْرَجِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللهُ المَوْعِدُ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ وَقَالَ:«مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي ثُمَّ يَقْبِضْهُ، فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي» . فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ، فَوَالَّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ. [انظر: 118 - مسلم: 2492 - فتح 13/ 321].
ذكر فيه حديث اسْتَئْذَان أَبي مُوسَي عَلَى عُمَرَ، وطلب عمر رضي الله عنه من يشهد له فجاء أبوسعيد رضي الله عنه.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ المُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ.
الشرح:
هذا الباب يرد على الرافضة وقوم من الخوارج زعموا أن أحكامه عليه السلام وسننه منقولة عنه نقل تواتر، وأنه لا سبيل إلى العمل بما لم ينقل نقل تواتر، وقولهم في غاية الجهل بالسنن وطرقها فقد صحت الآثار أن الصحابة أخذ بعضهم السنن من بعض، ورجع بعضهم إلى ما رواه غيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد
(1)
، وبطل قول من خرج عن ذلك من أهل البدع
(2)
، هذا الصديق علي مكانته وسبقه لم يعلم النص في الجدة حتى أخبره محمد بن مسلمة والمغيرة بالنص فيها، فرجع إليه
(3)
.
وأخذ الفاروق بما رواه عبد الرحمن بن عوف في حديث الوباء فرجع إليه
(4)
، وكذلك أخذ أيضًا بما رواه أبو موسى رضي الله عنه من دية
(1)
قال الغزالي في "المستصفى" ص 118: هو رأي جماهير من سلف الأمة عن الصحابة والتابعين، والفقهاء والمتكلمين.
ونقل البعلي في "مختصر الروضة" ص 102، عن أبي الخطاب، قال: العقل يقتضي قبول خبر الواحد؛ لأمور ثلاثة:
أحدها: أنَّا لو قصرنا على العمل على القطع، تعطلت الأحكام لندرة القواطع، وقلة مدارك اليقين. الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الأمة كافة، ولا يمكنه مشافهة الجميع، ولا إبلاغهم بالتواتر. الثالث: أنَّا إذا ظننا صدق الراوي، ترجح وجود أمر الشارع والاحتياط العمل بالراجح.
وانظر: "التمهيد" 3/ 44، 78، 83 وما بعدها، "شرح الكوكب المنير" 2/ 348.
(2)
انظر: "المعتمد" 2/ 106، "الأحكام" 1/ 94.
(3)
رواه أبوداود (2894)، والترمذي (2100)، (2101)، وابن ماجه (2724) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وضعفه الألباني في "الإرواء"(1680).
(4)
سبق برقم (5729) كتاب: الطب، باب: ما يذكر في الطاعون، ورواه مسلم (2219) كتاب: السلام، باب: الطاعون والطيرة.
الأصابع فرجع إليه
(1)
، وبما رواه المغيرة ومحمد بن مسلمة في دية الجنين
(2)
، ورجع عمر إلي أبي موسى وأبي سعيد رضي الله عنهما في الاستئذان، وهو حديث الباب، وابن عمر سمع عن رافع بن خديج النهي عن المخابرة ورجع إليه
(3)
، والصحابة ترجع إلا قول عائشة رضي الله عنها:"إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل"
(4)
وفي أنه عليه السلام كان يصبح جنبًا من جماع غير احتلام ثم يصوم
(5)
، وأبو موسى رجع إلي قول ابن مسعود في ابنةٍ وابنة ابن وأختٍ
(6)
وهذا الباب
لا ينحصر لبعده أن يستقصى.
فصل:
قول البخاري في الترجمة (كانت ظاهرة) قيل: أي يعلمها أكثر الناس. وفيه نظر فإن الفاروق علي مكانه قد خفيت عليه أشياء من أحكامه ومن قوله كما سلف.
فصل:
قوله: (استأذن أبو موسي علي عمر) رضي الله عنهما جاء ثلاثًا كما سلف في بابه، وقيل: إنما رد التحديد بالثلاث؛ لأن أصل الاستئذان
(1)
روى الثوري في "جامعه، عن سعيد بن المسيب أن عمر وجد في كتاب الديات لعمرو بن حزم في كل أصبع عشر، فرجع إليه. انظر "الفتح" 12/ 226.
(2)
سبق برقم (6905، 6906) كتابك الديات، ياب: جنين المرأة، ورواه مسلم (1683) كتاب: القسامة، باب: دية الجنين.
(3)
رواه مسلم (1547) كتاب: البيوع، باب: كراء الأرض، وأبو داود (3394) وقد سبق بنحوه (2346) كتاب: المزارعة، باب. كراء الأرض.
(4)
رواه مسلم (349) كتاب: الحيض، باب: نسخ الماء من الماء.
(5)
رواه مسلم (1109) كتاب: الصيام، باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب.
(6)
سبق برقم (6736) كتاب: الفرائض، باب: ميراث ابنة ابن مع ابنه.
في القرآن، وطلبه البينة كان استظهارًا إذا أمكنه ذلك في خبر الواحد، وقد قضى به عمر رضي الله عنه في غير ما قضية.
وقوله: (ألهاني الصفق بالأسواق) لأنه كان يأتي السوق لطلب الكفاف وما يقوى به على الجهاد وغيره ليس للتفاخر والتكاثر، و (الصفق) هو: ضرب الكف بالكف عند التبايع، والصفقة: السلعة التي يتصافقان عليها بالأكف.
فرع:
استأذن ثلاتا وظن أنهم لم يسمعوه؟ وكره ابن نافع الزيادة عليه وقال: نتبع الحديث ونأخذ به. وقال عيسي: يزيد.
فرع:
لفظ الاستئذان: السلام عليكم أأدخل كما سلف.
فصل:
وقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ("من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه فلن ينسي شيئًا سمعه مني") فبسطت بردة كانت علي، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئًا سمعته منه) قال ابن التين: وقع عند الشيخ (ينس) بغير ألف، ولأبي ذر (فلم ينس) يجزم بـ (لم) وهو أظهر، وقد ذكر القزاز في "جامعه"، حكي بعض البصريين أن من العرب من يجزم بـ (لن) كـ (لم) وما وجدت شاهدًا، وظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه لم ينس شيئًا من مقالته تلك ولا مما بعدها، وفي غير هذا الموضع أنه ما نسي من مقالته تلك شيئًا.
23 - باب مَنْ رَأَى تَرْكَ النَّكِيرِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُجَّةً لَا مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ
7355 -
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَحْلِفُ بِاللهِ أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ الدَّجَّالُ، قُلْتُ: تَحْلِفُ بِاللهِ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [مسلم: 2929 - فتح 13/ 323].
ذكر فيه حديثًا واحدًا: حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ -ولم يثبت بأكثر من هذا، وليس له في البخاري سوي هذا الحديث وانفرد به وقال فيه صاحب لنا حدثنا هذا الحديث: وكان عبيد الله بن معاذ في الأحياء حينئذ- ثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْد بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما يَحْلِفُ باللهِ أَنَّ ابن صياد الدجَّالُ، قُلْتُ: تَحْلِفُ باللهِ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَر رضي الله عنه يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُنْكِرْهُ.
الشرح:
ترك النكير من الشارع حجة وسنة يلزم أمته العمل بها لا خلاف بين العلماء في ذلك
(1)
؛ لأنه عليه السلام لا يجوز أن يري أحدًا من أمته يقول قولًا أو يفعل فعلًا محظورًا، فيقره عليه؛ لأن الله تعالى فرض عليه النهي عن المنكر، وإذا كان ذلك عُلم أنه لا يرى أحدًا عمل شيئًا فيقره عليه إلا وهو مباح له، وثبت أن إقراره عمر رضي الله عنه على حلفه المذكور إثبات أنه الدجال، وكذلك فهم جابر من يمين عمر رضي الله عنهما.
(1)
انظر: "التقرير والتحبير" 3/ 300.
فإن اعترض بما روي من قول عمر رضي الله عنه لرسول ال صلى الله عليه وسلم: دعني أضرب عنقه. فقال: "إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن فلا خير لك في قتله"
(1)
. فهلذا يدل علي شكه عليه السلام فيه وترك القطع عليه أنه الدجال.
ففيه جوابان: أحدهما: أنه يمكن أن يكون هذا الشك فيه كان متقدما ليمين عمر أنه الدجال ثم أعلمه الله أنه الدجال [فلذلك ترك إنكار يمينه عليه]
(2)
لتيقنه بصحة ما حلف عليه.
ثانيها: أن الكلام وإن خرج مخرج الشك فقد يجوز أن يراد به التيقن والقطع كقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، وقد علم تعالى أن ذلك لا يقع منه، فإنما خرج هذا منه عليه السلام على المتعارف عند العرب في تخاطبها كقول الشاعر:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل
…
وبين النقا أَأَنت أَمْ أُم سالم
فأخرج كلامه مخرج الشك لطفًا منه بعمر رضي الله عنه في صرفه عن عزمه على قتله، وقد ذكر عبد الرزاق [عن معمر]
(3)
عن الزهري عن سالم، عن أبيه قال: لقيت ابن صياد يومًا ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفيت وهي خارجة مثل عين الجمل فلما رأيتها قلت: أنشدك الله يا ابن صياد متي طفيت عينك؟ قال: لا أدري والرحم. قال: كذبت لا تدري وهي في رأسك؟! قال: فمسحها ونخر ثلاثا، فزعمت اليهود أني ضربت بيدي على صدره وقلت له: اخسأ فلن تعدو قدرك، فذكرت ذلك لحفصة فقالت: اجتنب هذا الرجل فإنما نتحدث أن
(1)
سبق برقم (1354) كتاب: الجنائز، باب: إذا أسلم الصبي فمات
…
(2)
ليست بالأصل، والمثبت من "شرح ابن بطال"10/ 386، ولا يستقيم السياق بدونها.
(3)
ساقطة من الأصل، وأثبتناها من "المصنف".
الدجال يخرج عند غضبه يغضبها
(1)
.
فإن قلت: هذا كله يدل على الشك [في أمره.
قيل: إن وقع الشك]
(2)
في أنه الدجال الذي يقتله المسيح، فلم يقع الشك في أنه أحد الدجالين الذين أنذر بهم الشارع من قوله: "إن بين يدي الساعة دجالين كذابين أزيد
(3)
من ثلاثين"
(4)
، فلذلك لم ينكر علي عمر رضي الله عنه يمينه؛ لأن الصحابة قد اختلفوا في مسائل منهم من أنكر علي مخالفه قوله، ومنهم من سكت عن إنكار ما خالف اجتهاده مذهبه، فلم يكن سكوت من سكت رضا بقول مخالفه، إذ قد يجوز أن يكون الساكت لم يتبين له وجه الصواب في المسألة وأخرها إلى وقت آخر ينظر فيها، وقد يجوز أن يكون سكوته؛ ليبين خلافها في وقت آخر إذا كان كذلك أصلح في المسألة.
فإن اعترض بأن سكوت البكر حجة عليها.
قيل: ليس هذا بمفسد لما تقدم؛ لأن من شرط كون سكوتها حجة تقديم الإعلام لها بذلك فسكوتها بعد الإعلام أنه لازم لها رضا منها وإقرارًا.
(1)
"مصنف عبد الرزاق" 11/ 396 (20832) وفيه اختصار.
(2)
ما بين المعقوفتين ليس بالأصل، وهو مثبت من "شرح ابن بطال" 10/ 387 وبه يستقيم السياق.
(3)
علق في هامش الأصل بقوله: كذا أحفظه (قريب).
(4)
تقدم بنحوه (3609) كتاب، المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ورواه مسلم (157) بعد حديث (2923) كتاب: الفتن، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل.
وقال ابن التين: لعل هذا في الأشياء التي لا يعرف الساكت أن قوله في هذا باطل؛ لأنه في مهلة النظر. وقيل: إذا قيل لصاحب قول وانتشر ولم يخالف فيه أنه كالإجماع، وقيل: إذا قال الصاحب قولًا لا يحفظ فيه عن مثله خلافه وجب القول به، والأول أقوى سببًا، وهذا إذا لم تتبين الحجة في كلامه ولا يخالف نصًّا، وأبى هذا آخرون وقالوا: إنما إجماعهم أن يقول النفر الكثير القول ويظهر وينتشر ولا نعلم أحدًا خالفهم.
24 - باب الأَحْكَامِ الَّتِي تُعْرَفُ بِالدَّلَائِلِ، وَكَيْفَ مَعْنَى الدِّلَالَةِ وَتَفْسِيرِهَا
؟
وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمْرَ الخَيْلِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ سُئِلَ عَنِ الحُمُرِ فَدَلَّهُمْ عَلَى قَوْلِهِ:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} [الزلزلة: 7]. وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّبِّ فَقَالَ: «لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» . وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الضَّبُّ، فَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ.
7356 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَطَالَ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا
أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ المَرْجِ وَالرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، وَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا، فَهْيَ لَهُ سِتْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً، فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ». وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الحُمُرِ، قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} . [الزلزلة: 7 - 8][انظر: 2371 - مسلم: 987 - فتح 13/ 329].
7357 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ- حَدَّثَنَا الفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَتْنِي أُمِّي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الحَيْضِ كَيْفَ تَغْتَسِلُ مِنْهُ؟ قَالَ: «تَأْخُذِينَ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً
فَتَوَضَّئِينَ بِهَا». قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَوَضَّئِي» . قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَوَضَّئِينَ بِهَا» . قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَرَفْتُ الذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَذَبْتُهَا إِلَيَّ فَعَلَّمْتُهَا [انظر: 314 - مسلم: 332 - فتح 13/ 330].
7358 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا بِهِنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ، فَتَرَكَهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُ، وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَلَا أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ. [انظر: 2575 - مسلم: 1947 - فتح 13/ 330]
7359 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا -أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا-، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» . وَإِنَّهُ أُتِيَ بِبَدْرٍ -قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي طَبَقًا- فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ عَنْهَا - أُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ، فَقَالَ:"قَرِّبُوهَا" فَقَرَّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ:«كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» . وَقَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ. وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ القِدْرِ، فَلَا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الحَدِيثِ. [انظر: 854 - مسلم: 564 - فتح 13/ 330]
7360 -
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّى قَالَا: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَنَّ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ؟ قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ» . زَادَ الْحُمَيْدِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: كَأَنَّهَا تَعْنِي المَوْتَ. [انظر: 3659 - مسلم: 2386 - فتح 13/ 330]
ثم ساق فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "الخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ .. "
الحديث بطوله سلف.
وحديث عائشة رضي الله عنها في الفِرْصَة.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الضب.
وحديث جابر رضي الله عنه: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا .. ". الحديث، وفيه: وَإِنَّهُ أُتِيَ بِبَدْرٍ، عَنِ ابن وَهْبٍ: بِقِدْرٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ القِدْرِ، فَلَا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الحَدِيثِ.
وحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ". زَادَ لنا الحُمَيْدِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: كَأَنَّهَا تَعْنِي المَوْتَ. وقد سلف كل ذلك.
الشرح:
(الدلالة) بفتح الدال وكسرها، وفي لغة ثالثة: دلولة، قال أبو عمر الزاهد: دلالة بين الدلائل. وفي سند عائشة رضي الله عنها منصور بن عبد الرحمن بن شيبة، وهو نسبة إلى جده لأمه صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزي بن عثمان أخي عبد مناف
(1)
، جد مصعب الخير بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ابني عبد الدار بن قصي، ومنصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة الحجبيّ المكي
(2)
. قُتل جداه الحارث وطلحة كافرين يوم أحد وقتل معهما يومئذٍ شافع والجلاس وكلاب بنو طلحة وعمهم أيضًا أبو شيبة، يعرف بالأوقص. وهم أهل اللواء
(3)
.
(1)
في الأصل: مناة.
(2)
انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 7/ 344 (1487)، و"الجرح والتعديل" 8/ 174 (771)، "تهذيب الكمال" 28/ 538 (6197).
(3)
انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 81
وكان كلما حمله منهم إنسان قتل، فقال فيهم كعب بن مالك يخاطب أهل مكة:
أبلغ قريشًا وخيُر القول أصدقه
…
والصدق عند ذوي الألباب مقبولُ
أن قد قَتلنا بقتلانا سراتكم
…
أهل اللواء ففيما يكره القيلُ
(1)
وكان بنو أبي طلحة من أشراف مكة وإليهم كان اللواء والحجابة أي: حجابة البيت.
و (أبو صفوان) اسمه عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان.
وحديث جبير أخرجه عن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم: ثنا أبي وعمي قالا: ثنا أبي، عن أبيه، عن محمد بن جبير، عن أبيه. وعبيد الله هذا هو أبو الفضل عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، مات ببغداد سنة ستين ومائتين، من أفراده
(2)
. وعمه يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف، مات بفم الصلح قرية علي دجلة واسط في شوال سنة ثمان ومائتين، وهو أصغر من أخيه سعد بن إبراهيم، انفرد به البخاري مقرونًا، واتفقا على أخيه، وسعد قضى بواسط
(3)
.
فصل:
وهذا كله بيِّن في جواز القياس والاستدلال، وموضع الاستدلال علي أن في الحمر أجرًا قوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} [الزلزله: 8].
(1)
انظر: "اسيرة ابن هشام" 3/ 117.
(2)
انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 317 (1509)، "تهذيب الكمال" 19/ 46 (3637).
(3)
انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري 8/ 396 (3459)، "الجرح والتعديل" 9/ 202 (843)، "تهذيب الكمال" 32/ 308 (7082).
فحمل عليه السلام الآية علي عمومها استدلالًا بها، وأما استدلال ابن عباس رضي الله عنهما بأن الضب حلال بأكله على مائدته عليه السلام بحضرته ولم ينكره، ولا منع منه بقوله:"ولا أحرمه". فيحتمل أن يكون استدلالًا أيضًا لاحتمال قوله: "ولا أحرمه" الندب إلى ترك أكله فلما أكل بحضرته استدل ابن عباس بذلك علي أنه لم يحرمه ولا ندب إلا تركه فيكون نصًّا في تحليله.
وأما حديث الحائض فهو استدلال صحيح؛ لأن السائلة لم تفهم غرضه حين أعرض عن ذكر موضع الأذى والدم، ولم تدر أن التتبع لأثر الدم بالخرقة يسما وضوءًا، ففهمت ذلك عائشة رضي الله عنها من إعراضه، فهو استدلال صحيح.
وأما حديث جابر رضي الله عنه في الثوم والبصل فهو نص منه على جواز أكلهما بقوله: "كل فإني أناجي من لا تناجي".
وأما حديث المرأة فهو استدلال صحيح، استدل الشارع بظاهر قولها:(فإن لم أجدك) أنها أرادت الموت، فأمرها بإتيان الصديق، فإن قلت: فليس في ظاهر قولها دلالة على الموت، قيل له: قد يمكن أنه اقترن بسؤالها (إن لم أجدك) حالة من الأحوال، وإن لم يمكن نقلها دلته على مرادها، فوكلها إلى الصديق، وفي هذا دليل على استخلافه، وقد أمر الله عباده بالاستدلال والاستنباط من نصوص الكتاب والسنة، وفرض ذلك على العلماء القائمين به.
فصل:
قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ("فما أصابت في طيلها"). قال الأخفش: الطول والطيل سواء، منتهى أمد رسن من الدابة وهو
الحبل الذي تطول به الدابة فترعى فيه، وقال ابن السكيت: لا يقال إلا بالواو
(1)
. والمرج: الموضع الذي ترعى فيه الدواب، وقال ابن مُزَين: المرج المهمل في السرح المخلا فيه، والروضة ما في طيلة ذلك.
ومعنى استنت: أفلتت فمرحت تجري شرفًا أو شرفين، وفي "الصحاح": استن الفرس قمص
(2)
، وقيل: جري، وقال أبو عبيد: هو أن يجري وليس عليه فارس، والشرف ما يعلو من الأرض، وقيل: هو الطلق فكأنه يقول: جرت طلقًا أو طلقين.
وقوله: ("ورجل ربطها تغنيًا وتعففًا"). قال ابن قانع: أي يستغني بها عما في أيدي الناس ويتعفف عن الافتقار إليهم بما يعمل عليها ويكسبه على ظهرها.
وقوله: ("ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها"). يعني: لا ينسى التصدق ببعض كسبه عليها لله تعالى، وقال عيسى: الرقاب الحملان، والظهور يُنزيها بلا أجرة، واعتمد علي هذا أصحاب أبي حنيفة في إيجاب الزكاة في الخيل
(3)
، وقالوا: تجب في إناثها في كل واحدة دينار، وإن سافر بها خرج ربع عشر قيمتها ولا يعتبر النصاب فيها، وتأول أصحاب مالك الحديث على ما سلف
(4)
، وحجة الجمهور الحديث السالف في موضعه:"ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة"
(5)
. واسم الفرس يقع على الذكر والأنثى.
(1)
"إصلاح المنطق" ص 170.
(2)
"الصحاح" 5/ 2140، مادة (سنن).
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار" 2/ 26.
(4)
انظر: "الاستذكار" 14/ 18.
(5)
سبق برقم (1464) كتاب: الزكاة، باب: ليس على المسلم في عبده صدقة.
وقوله: ("ما أنزل علي فيها إلا هذه الآية الفادة الجامعة {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ") إلى آخره أي: من أحسن إليها رأى إحسانه في الآخرة، ومن أساء إليها وكلفها فوق طاقتها رأى إساءته في الآخرة، والله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ومعنى جامعة: جمعت أعمال البر كلها دقيقها وجليلها، وكذلك أعمال المعاصي، ومعنى: فاذة: مفردة في معناها، قال ابن المنذر: وهذا يدل على أن ما لم يذكر فيه إيجاب الزكاة فهو عفو عنه كعفوه عن صدقة الخيل والرقيق.
وليس يعني أنه يرى عين عمله في قوله: {يَرَهُ} وإنما يرى جزاءه؛ كقوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ} [البقرة: 197] أي: يحازي عليه قوله في حديث عائشة رضي الله عنها: ("تأخذين فرصة"). كذا في الأصول: "تأخذين"، وذكره ابن التين بلفظ: تأخذي، ثم قال: صوابه: (تأخذين)، والفرصة -مثلثة الفاء كما سلف في الطهارة- القطعة من القطن أو الخرق تمسح بها المرأة من الحيض.
قال ابن فارس: وتكون من الصوف، كانما أخذت من فرصت الشيء قطعته
(1)
، وقاله الهروي
(2)
وأنكر ابن قتيبة أن تكون بالصاد "انما هي بالقاف والضاد المعجمة، وأنكر ذلك أيضًا، وقال هنا ابن الطيب وقال: لم يكن للقوم وسع في المال يستعملون الطيب في الحال مثل هذا، وهذا إنما معناه الإمساك فإن قالوا: إنما سمع رباعيًّا، والمصدر منه إمساكًا، قيل: وسمع أيضًا ثلاثيًّا ويكون مصدره مَسْكًا، قوله: "توضئين بها". أي: تنظفين وتتبعين أثر الدم.
(1)
"مجمل اللغة" 3/ 716 مادة (فرص).
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 3/ 431.
فصل:
قوله: (أهدت سمنًا وأقطًا وأضُبًّا). هو غير ممدود؛ لأن أصله أضْبُبًا على وزن أفلس اجتمع مثلان متحركان، فأسكن الأول ونقلت حركته إلى الساكن الذي قبله، والحديث قال علي جواز أكله، وبه قال مالك والشافعي
(1)
.
وقال أبو حنيفة: إنه مكروه
(2)
، وحكى ابن جرير عن قوم: أنه حرام، واحتجوا بأنه عليه السلام قال: "إن أمة من بني إسرائيل مسخت [دواب]
(3)
، وإني أخشى أن تكون هذِه الضباب". فأمر بإكفاء القدور وهي فيها، قال الراوي: فأكفأناها وإننا لجياع
(4)
.
فصل:
الثوم في حديث جابر رضي الله عنه بضم الثاء معروف، وكذا البصل وهو محرك الصاد، وتشبه به بيضة الحديد، قال لبيد:
قُردُمَانيًّا وتَرْكًا كالبصل
(5)
(1)
انظر: "المنتقى" 3/ 132، "الاستذكار" 27/ 184، "طرح التثريب" 6/ 3.
(2)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 29، "المبسوط" 11/ 231.
(3)
في الأصل: قردة، والمثبت من مصادر التخريج، وهو الموافق للسياق.
(4)
رواه أحمد 4/ 196، والبزار كما في "كشف الأستار""1217"، وأبو يعلى في "المسند" 2/ 231 (931)، وابن حبان 12/ 732 (5266). كلهم من حديث عبد الرحمن بن حسنة، وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 37: رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وأبو يعلى، والبراز، ورجال الجميع رجال الصحيح. وانظر "الفتح" 9/ 665 - 666.
(5)
صدره: (فَخمَة ذفراء تُرْتَى بالعُرى)، وقد ذُكر في الأصل وعليه علامة (لا .. إلى) وفي الهامش: المؤلف أنشد النصف الثاني فقط، فاعلمه. اهـ. وانظر "الصحاح" 4/ 1635.
ويمنع مَنْ أكل الثوم والبصل مِنْ دخول المسجد، وكذا ما في معناها من الكراث
(1)
والفجل، وقد ورد في الفجل حديث
(2)
، وعلل ذلك بأن الملائكة تتأذى بما يتأذى منه بنوآدم
(3)
. قيل: يريد غير الماقطين
(4)
.
وقوله: "فإني أناجي من لا تناجي". وفي الحديث الآخر إجازة أكلها مطبوخة
(5)
، وكل ذلك سلف لكننا نبهنا عليه؛ لبُعده.
وقال ابن وهب: البدر الطبق سمي لاستدارته، ويحتمل لامتلائه بالخَضِرات؛ لأن كل ممتلئ بدر والخَضِرات بفتح أوله وكسر ثانيه، قال ابن التين: وضبط في بعض الروايات بفتح الضاد وضم الخاء.
(1)
في هامش الأصل تعليق نصه: الكراث منصوص في مسلم فاعلمه. اهـ وانظر "صحيح مسلم"(564/ 74).
(2)
رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 68 (191)، و"الصغير" 1/ 45 (37) من حديث جابر.
(3)
رواه مسلم (564) كتاب: المساجد، باب: نهي من أكل ثومًا أو بصلًا
…
(4)
الماقط: هو الحازي الذي يتكهن ويطرق بالحصى. انظر: "الصحاح" 3/ 1161.
(5)
رواه أبو داود (3827)، وأحمد 4/ 19. من حديث قرة المزني.
25 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ»
7361 -
وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ كَعْبَ الأَحْبَارِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلَاءِ المُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ. [فتح 13/ 333].
7362 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}» . الآيَةَ
(1)
. [انظر: 4485 - فتح 13/ 333].
7363 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْء وَكِتَابُكُمُ الذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللهِ وَغَيَّرُوهُ، وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الكِتَابَ وَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ. لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً، أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ؟ لَا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً يَسْأَلُكُمْ عَنِ الذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ. [انظر: 2685 - فتح 13/ 333].
(1)
هكذا ذكر البخاري، وأروده أيضًا ابن كثير في "تفسيره" 10/ 518 تفسير سورة العنكبوت، وقال: تفرد به البخاري اهـ والآية في سورة العنكبوت (46): {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وفي سورة البقرة: (136): {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} .
وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ: أنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنه سَمِعَ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ كَعْبَ الأَحْبَارِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هؤلاء المُحَدِّثِينَ الذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لنَبْلُو عَلَيْهِ الكَذِبَ.
وهذا كان أخذه البخاري عنه عرضًا ومذاكرة.
ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلَام، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُصَدًّقُوا أَهْلَ الكِتَاب، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا: آَمَنَّا باللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ". الَايَةَ.
وحديث إبراهيم -هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة، ومولده سنة ثمان أو عشر ومائة- أَنَا ابن شِهَاب، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بن عبد الله، أَنَّ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَيْفَ تًسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَاب عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمُ الذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ، تَقْرَءُونَهُ مًحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللهِ وَغَيَّرُوهُ، وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الكِتَابَ وَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ. لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً، أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ؟ لَا والله مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنِ الذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.
الشرح:
قوله في كعب: (وإن كنا لنبلو عليه الكذب) أي: لنختبر ما يحدثنا به، من هذا نحوًا من قول ابن عباس، قد بدَّل من قبله ولم يدر كعب، فوقع في الكذب. ولعل المحدثين كانوا كذلك إلا أن كعبًا أشد بصيرة
يعرف كثيرًا مما يتوقي
(1)
. وإنما قال: لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، إذ قد يكون باطلاً فتصدقوا الباطل أوحقًّا فتردوا الحق.
وقول ابن عباس: (كيف تسألون أهل الكتاب). يريد لإخباره أنهم بدلوا كتابه علي أغراضهم، وكذلك كتموا آية الرجم، ولأنه كان في الصحف ولم يكن في صدورهم كالكتاب الذي أنزل الله علي نبينا.
وقوله: (ما رأينا رجلاً .. ) إلى آخره يريد: لئلا تخبروهم بما أنزل الله عنه من التبديل لكتابهم.
فصل:
قال المهلب: قوله: "لاتسألوا أهل الكتاب عن شيء" إنما هو في الشرائع لا تسألوهم عن شرعهم مما لا نص فيه من شرعنا؛ لنعمل به؛ لأن شرعنا مكتف بنفسه، ومالا نص عليه عندنا ففي النظر والاستدلال ما يقوم الشرع به، وإنما سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا وما جاء به نبينا من الأخبار عن الأمم السالفة، فلم ينه عنه. فإن قلت: فقد أمر الله نبيه بسؤال أهل الكتاب، فقال تعالى:{فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94] قيل: ليس هذا بمقيد لما تقدم من النهي عن سؤالهم؛
لأنه لم يكن شاكًا ولا مرتابًا، وقال أهل التأويل: الخطاب له والمراد به غيره من الشكاك كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] تقديره: إن كنت أيها السامع في شك مما أنزلنا علي نبينا، كقولهم: إن كنت ابني فبرني وهو يعلم أنه ابنه.
فإن قلت: وإذا كان المراد بالخطاب غيره، فكيف يجوز سؤال الذين يقرءون الكتاب مع جحد أكثرهم للنبوة؟ ففيه جوابان: أحدهما: سل من
(1)
ذكر ابن حجر في "الفتح" 13/ 334 هذا القول وعزاه لابن التين.
آمن من أهل الكتاب مع (
…
)
(1)
كابن سلام وكعب الأحبار، عن ابن عباس والضحاك ومجاهد وابن زيد
(2)
. ثانيهما: سلهم عن صفة النبي المبشر به في كتبهم، ثم انظر ما يوافق تلك الصفة
(3)
.
(1)
بياض بالأصل قدر كلمتين.
(2)
انظر: "تفسير الطبري" 6/ 609 - 610، "زاد المسير" 4/ 63 - 64.
(3)
انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 391 - 392.
26 - باب كَرَاهِيَةِ الخِلَافِ
7364 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سَلاَّمِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ» . [انظر: 5060 - مسلم: 2667 - فتح 13/ 335].
7365 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبِ، بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ،
فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ». وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هَارُونَ الأَعْوَرِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ، عَنْ جُنْدَبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 5060 - مسلم: 2667 - فتح 13/ 336].
7366 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -قَالَ: وَفِي البَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ- قَالَ: «هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» . قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَلَبَهُ الوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قُومُوا عَنِّي» . قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. [انظر: 114 - مسلم: 1637 - فتح 13/ 336].
…
(1)
(1)
لم يذكر المصنف هذا الباب، وفي هامش الأصل: ترك باب كراهية الخلاف، والكلام عليه هو ضمن باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم، فاعلمه.
27 - باب نَهْي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى التَّحْرِيمِ إِلاَّ مَا تُعْرَفُ إِبَاحَتُهُ
وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ نَحْوَ قَوْلِهِ حِينَ أَحَلُّوا: «أَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ» . قَالَ جَابِرٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ. [انظر: 7367] وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَازَةِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا.
7367 -
حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ قَالَ: أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحَجِّ خَالِصًا لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ -قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ:- فَقَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَحِلَّ وَقَالَ:«أَحِلُّوا وَأَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ» . قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ، فَبَلَغَهُ أَنَّا نَقُولُ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلاَّ خَمْسٌ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِي عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا المَذْيَ قَالَ: وَيَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَحَرَّكَهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلَا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ فَحِلُّوا، فَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ» . فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. [انظر: 1557 - مسلم: 1216 - فتح 13/ 337].
7368 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ المُزَنِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ". -قَالَ فِي الثَّالِثَةِ- "لِمَنْ شَاءَ". كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. [انظر: 1183 - فتح 13/ 337].
وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ نَحْوَ قَوْلِهِ حِينَ أَحَلُّوا: "أَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ". هذا سلف مسندًا، ويأتي في الباب مسندًا أيضًا كما ستعلمه.
قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: وَلَمْ يُعزم عَلَيْهِمْ، ولكن أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ.
وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائز وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. وهذا تقدم مسندًا في الجنائز
(1)
.
حَدَّثنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زكريا ثَنَا ابن جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما فِي أُنَاسٍ مَعَهُ قَالَ: أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم .. الحديث. وفيه: "وَأَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ".
وحديث الحُسَيْنِ -هو ابن ذكوان المعلم- عَنِ ابن بُرَيْدَةَ هو عبد الله، حَدَّثَثِي عَبْدُ اللهِ المُزَنِيُّ -هو ابن مغفل رضي الله عنهما، عَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"صَلُّوا قَبْلَ صلَاةِ المَغْرِبِ"، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ:"لِمَنْ شَاءَ". كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً.
وهذا سلف أيضًا.
الشرح:
ادعى ابن بطال أنه وقع في بعض الأمهات باب النهي عن التحريم، قال: وصوابه (على) يعني أنه محمول على التحريم إلا ما علمت إباحته علي حديث أم عطية
(2)
.
واختلف العلماء في هذا الباب:
فذكر ابن الباقلاني عن الشافعي: أن النهي عنده على التحريم والإيجاب، وقاله كثير من الناس، وقال الجمهور من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي، وكذلك الأمر عند الدهماء من الفقهاء وغيرهم موضوع لإيجاب المأمور وحتمه إلا أن يقوم دليل على الندب،
(1)
سبق برقم (1278) باب: اتباع النساء الجنائز.
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 397.
وحكي أبو التمام المالكي عن مالك: أن الأمر عنده على الوجوب
(1)
، وإلى هذا ذهب البخاري في هذا الباب: أن الأمر والنهي على الوجوب إلا ما قام الدليل علي خلاف ذلك، وذهبت الأشعرية إلي أن النهي " يقتضي التحريم بل يتوقف فيه إلا أن يرد الدليل
(2)
.
قال ابن الباقلاني: وقال هذا فريق من الفقهاء، وقال كثيرون من أصحاب الشافعي: إن الأمر موضوع للندب إلى الفعل فإن اقترن به ما يدل علي كراهية تركه من ذم أو عقاب كان واجبًا.
وقال كثير من الفقهاء: واستشهد عليه الشافعي بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]، وأمثاله مما ورد الأمر به على سبيل الندب، وقد دل بعض كلامه على أن مذهبه الوقف، وقال الأشعري وكثير من الفقهاء والمتكلمين: أنه محتمل للأمرين، وهذا الذي يقول به حجة الجماعة علي أن النهي على التحريم أنه موجب اللغة ومقتضاها، وأن من فعل ما نهي عنه استحق اسم العصيان؛ لأنه لا ينهى إلا عن قبيح قبل النهي وعما هو له كاره.
وقد فهمت الأمة تحريم الزنا، ونكاح المحرمات، والجمع بين الأختين، وتحريم بيع الغرر وبيع ما لم يقبض بمجرد نهي الله ونهي رسوله عن ذلك لا لشيء سواه.
وأما الحجة لوجوب الأوامر: فإن الله تعالى أطلق أوامره في كتابه ولم يقرنها بقرينة، وكذلك فعل رسوله، فعلم أن إطلاق الأمر يقتضي وجوبه، ولو افتقر إلا قرينة لقرنت به، والعرب لا تعرف القرائن،
(1)
انظر: "إحكام الفصول" ص 195.
(2)
انظر: "كشف الأسرار" 1/ 258.
وإنما هو شيء أحدثه المتأخرون من المتكلمين فلا يجوز أن يقال: إن لفظ الأمرلا تأتير له في اللغة وإنما يحتاج إلي قرينة، وقد قال تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، فوجب بهذا الوعيد حمل الأمر على الوجوب، وحجة من قال بالوقف وطلب الدليل علي أن المراد بالأمرأن الأمر قد يرد علي معان -أوضحناها في الأصول نحو الثلاثين معني- فالواجب أن ننظر، فإن وجدنا ما يدل على غير الواجب حمل عليه، وإلا فظاهره الوجوب؛ لأن قول القائل: افعل، لا يفهم منه لا تفعل ولا افعل إن شئت إلا أن يصله بما يفعل به التخيير، وإذا عدم ذلك وجب تنفيذ الأمر.
واحتجوا علي وجوب طلب الدليل والقرينة على المراد بالأمر فقالوا: اتفق الجميع علي حسن الاستفهام علي معنى الأمر إذا ورد هل هو على الوجوب أو على الندب، ولو لم يصلح استعماله فيه لقبح الاستفهام عنه؛ لأنه لا يحسن أن يستفهم هل أريد باللفظ مالا يصلح إجراؤه عليه إذ لا يصلح إذا قال القائل: هل رأيت إنسانًا أو حمارًا؟ وحسن أن يقال له: أذكر أم أنثى؟ لصلاح وقوعه عليهما، وقد ثبت قبح الاستفهام مع القرائن الدالة على المراد بالمحتمل من اللفظ، وإنما يسوغ الاستفهام مع التباس الحال وعدم القرائن الكاشفة عن المراد
(1)
.
قال ابن بطال: وما ذكره البخاري في الباب من الآثار تبطل هذا
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 393 - 395 وانظر المسألة في "أصول السرخسي" 1/ 14، "إحكام الفصول" ص 195 وما بعدها، "الباب المحصول" 2/ 520 وما بعدها، "الإحكام" للآمدي 2/ 210، "البحر المحيط" للزركشي 2/ 365، "العدة" 1/ 224، "مختصر الروضة" ص (198).
القول، فإنه عليه السلام حين أمرهم بالحل وإصابة النساء بين لهم أن [أمره]
(1)
إياهم بإصابة النساء ليس على العموم ولا بيانه ذلك؛ لكانت إصابتهم للنساء واجبة عليهم، وكذلك بين لهم نهيه النساء عن اتباع الجنائز أنه لم يكن نهي عزم ولا تحريم [ولولا]
(2)
بيانه ذلك لفهم من النهي بمجرده التحريم، وكذلك بين لهم أيضًا أن أمره لهم بالصلاة قبل المغرب وأمره لهم بالقيام عن القراءة عند الاختلاف، "هلموا أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعد". ليس على الوجوب؛ لأنه عليه السلام أمرهم بالائتلاف علي ما دل عليه القرآن، وحذرهم الفرقة فإذا حدثت شبهة توجب المنازعة أمرهم بالقيام عن الاختلاف، ولم يأمرهم بترك قراءة القرآن إذا اختلفوا في تأويله؛ لإجماع الأمة علي قراءة القرآن لمن فهمه ولمن لم يفهمه، فدل أن قوله:"قوموا عنه" على وجه الندب لا على وجه التحريم للقراءة عند الاختلاف.
وكذلك رأي عمر رضي الله عنه في ترك كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غلبه الوجع من أجل تقدم العلم عنده وعند جماعة المؤمنين أن الدين قد أكمله الله، وأن الأمة قد اكتفت بذلك ولا يجوز أن يتوهم أن هناك شيئا بقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تبليغه فلم يبلغه؛ لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة: 67]، ولقوله:{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)} [الذاريات: 54]، وقد أنبأنا الله تعالى أنه أكمل الدين فقال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} .
وإذا ثبت هذا بأن أن قوله: "هلم أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده". محمول علي ما أشار به عمر رضي الله عنه من أنه قول من قد غلبه الوجع واشتغل
(1)
في الأصل: (أمرهم).
(2)
في الأصل: ولا، والمثبت من "شرح ابن بطال"10/ 390.
بنفسه، واكتفى بما أخبر الله به من إكمال الدين، وبأن بهذا مقدار علم عمر رضي الله عنه على ابن عباس رضي الله عنهما، فكل أمر الله والرسول لم يكن واجبًا على العباد، وقد جاء معه من بيان النبي بتصريح أو بدليل ما فهم منه أنه على غير اللزوم، وقد فهم الصحابة [ذلك] من فحوي خطابه، وكل أمر عَرِي مخرجه عن الوجوب وجب حمله على الوجوب، إذ [لو] لم يكن مراد الله به غير الوجوب لبينه نبيه لأمته، فوجب أن يكون ما عري من بيانه أنه على غير الوجوب غير مفتقر إلى طلب دليل أو قرينة أن المراد به الوجوب؛ لقيام لفظ الأمر بنفسه، وكذلك ما عري من نهيه من دليل يخرجه عن التحريم وجب حمله على التحريم كحكم الأمر سواء، على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 395 - 397.
28 - باب قَوْلِ الله عز وجل: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]
وَأَنَّ المُشَاوَرَةَ قَبْلَ العَزْمِ وَالتَّبَيُّنِ، لِقَوْلِهِ عز وجل:{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} [آل عمران: 159] فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ التَّقَدُّمُ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَشَاوَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمُقَامِ وَالْخُرُوجِ، فَرَأَوْا لَهُ الخُرُوجَ، فَلَمَّا لَبِسَ لأْمَتَهُ وَعَزَمَ قَالُوا له: أَقِمْ. فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ العَزْمِ وَقَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إذا لْبَسُ لأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ» . وَشَاوَرَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ رضي الله عنهما فِيمَا رَمَى به أَهْلُ الإِفْكِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَسَمِعَ مِنْهُمَا، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ فَجَلَدَ الرَّامِينَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَنَازُعِهِمْ وَلَكِنْ حَكَمَ بِمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَكَانَتِ الأَئِمَّةُ بَعْدَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَشِيرُونَ الأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي الأُمُورِ المُبَاحَةِ لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا، فَإِذَا وَضَحَ الكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه قِتَالَ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: كَيْفَ تُقَاتِلُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَإِذَا قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وحسابهم عَلَى الله؟!. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ تَابَعَهُ بَعْدُ عُمَرُ [انظر: 1399] فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إِلَى مَشُورَةٍ إِذْ كَانَ عِنْدَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَأَرَادُوا تَبْدِيلَ الدِّينِ
وَأَحْكَامِهِ. قَالَ عليه السلام: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» . [انظر: 3017] وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَشُورَةِ عُمَرَ رضي الله عنه كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ. [انظر: 4642]
7369 -
حَدَّثَنَا الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وَابْنُ المُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ- قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا، وَهْوَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ بِالَّذِى يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. فَقَالَ:«هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟» . قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَمْرًا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ وَاللهِ
مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا». فَذَكَرَ بَرَاءَةَ عَائِشَةَ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. [انظر: 2593 - مسلم: 2770 - فتح 13/ 339]
7370 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الغَسَّانِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ:«مَا تُشِيرُونَ عَلَيَّ فِي قَوْمٍ يَسُبُّونَ أَهْلِي مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُوءٍ قَطُّ؟» . وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا أُخْبِرَتْ عَائِشَةُ بِالأَمْرِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْطَلِقَ إِلَى أَهْلِي؟. فَأَذِنَ لَهَا وَأَرْسَلَ مَعَهَا الغُلَامَ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ. [انظر: 2593 - مسلم:2770 - فتح 13/ 340].
ثم ساق قطعة من قصة الإفك من حديث الزهري عن عُرْوَة، وَابْن المُسَيَّبِ وَعَلْقَمَة بْنِ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْد اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ ما قالوا-: وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليًّا وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ
حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا، وَهْوَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الَجارِيَةَ تَصْدُقْكَ .. الحديث. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ.
وحديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. بقطعة منه.
الشرح:
قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] أي: يتشاورون، واللأمة: الدرع مهموز والميم مخففة، جمعها: ألؤم على غير قياس كأنه جمع لؤمة.
وقوله: (كانت الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشيرون) يُقال: شاورته في الأمر واستشرته بمعنى.
وقوله: (الأمناء من أهل العلم. فبذلك تواصى العلماء والحكماء)، قال سفيان الثوري: ليكن أهل مشورتك أهل التقوي والأمانة ومن يخشى الله، فإذا أشار أحد برأيه، سأله: من أين قاله؟ فإن اختلفوا أخذ بأشبههم قولًا بالكتاب والسنة ولا يحكم بشيء حتى يتبين له حجة يجب الحكم بها، ومشاورته عليه السلام عليًّا وأسامة؛ لقربهما منه وثقته بهما، وليس كل ما أشير به على المستشير يلزمه إذا تبين له الصواب في غيره.
وقوله: (فلم يلتفت أبو بكر رضي الله عنه إلى مشورة) هي بسكون الشين وفتح الواو، ويقال أيضًا: بضم الشين وسكون الواو وهي المشورة.
ومعني قوله: ("من بدل دينه فاقتلوه") أي: تمادى عليه، خلافًا لما يحكي عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه يقتل على كل حال ولا تقبل توبته. وقد سلف رده.
وقوله: (حتى استلبث الوحي). أي: أبطأ، والداجن قال ابن
السكيت: شاة داجن إذا ألفت البيوت واستأنست، قال: ومن العرب من يقولها بالهاء، وكذلك غير الشاة، واستشارته عليه السلام فيمن سب عائشة رضي الله عنها أراد أن ينتصف له غيره لئلا تنفر قلوب قوم، فقال له سعد بن معاذ: إن كان منا قتلناه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فيه بأمرك .. الحديث
(1)
، وإنما كان يشاور في أمر الجهاد فيما ليس فيه حكم بين الناس؛ لأنه لا يشاور في شيء إنما يلتمس العلم فيه منه، وقال قوم: له أن يشاور في الأحكام، وقال الداودي: هذه غفلة عظيمة لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} [النحل: 44] الآية.
فصل:
اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أمر الله رسوله أن يشاور فيه أصحابه: فقالت طائفة: في مكائد الحروب، وعند لقاء العدو تطييبًا لنفوسهم وتألفًا لهم علي دينهم، وأُمر أن يسمع منهم ويستعين بهم وإن كان الله أغناه عن رأيهم بوحيه، روي عن قتادة والربيع وابن إسحاق، وقال آخرون: فيما لم يأت فيه وحي؛ ليبين لهم صواب الرأي، روي عن الحسن البصري والضحاك قالا:[ما]
(2)
أمر الله نبيه بالمشاورة لحاجة إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشورة من الفضل، قال الحسن: وما تشاور قوم إلا هُدوا لأرشد أمورهم، وقال آخرون: إنما أمر بها مع غناه عنهم؛ لتدبيره تعالى وسياسته إياه ليستن به من بعده ويقتدوا فيما ينزل بهم من النوازل
(3)
.
قال الثوري: وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة في غير موضع
(1)
سلف برقم (4750) كتاب التفسير، سورة النور.
(2)
ليست في الأصل، والمثبت من "تفسير الطبري".
(3)
انظر "تفسير الطبري" 3/ 495 - 496.
استشار أبا بكر وعمر في أساري بدر، وأصحابه يوم الحديبية.
وأما قوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} [آل عمران: 159]، قال قتادة: أمر الله نبيه إذا عزم علي أمر أن يمضي فيه ويتوكل علي الله
(1)
، قال المهلب: وامتثل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر ربه تعالى فقال: "ما ينبغي لنبي لبس لامته .. " إلى آخره، يعني أي ليس ينبغي له إذا عزم أن ينصرف؛ لأنه نقض للتوكل الذي شرطه الله مع العزيمة، فلبسه لأمته دال على العزيمة، وفي أخذه عليه السلام بما يراه الله من الرأي بعد المشورة حجة لمن قال من الفقهاء: أن الأنبياء يجوز لهم الاجتهاد فيما لا وحي عندهم فيه. وقد سلف بيانه قبلُ.
وفيه من الفقه أيضًا أن للمستشير والحاكم أن يعزم من الحكم على غير [ما]
(2)
قال به مشاوره إذا كان من أهل الرسوخ في العلم وأن يأخذ بما يراه كما فعل عليه السلام في مسألة عائشة رضي الله عنها فإنه شاور عليًّا وأسامة وقد سلف، فلم يأخذ بقول أحدهما وتركها عند أهلها حتى نزل القرآن فأخذ به، وكذلك فعل الصديق فإنه شاور أصحابه في مقاتلة مانعي الزكاة وأخذ بخلاف ما أشاروا به عليه من الترك لما كان عنده متضحًا من قوله عليه السلام "إلا بحقها" وفهمه هذِه الآية مع ما يعضدها من قوله عليه السلام:"من بدل دينه فاقتلوه".
فصل:
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 497 (8132)، وأورده السيوطي في "الدر" 2/ 160 وعزاه أيضًا لابن المنذر.
(2)
في الأصل: (من) والمثبت هو الملائم للسياق.
وقول البخاري: فإذا وضح الكتاب والسنة. يعني: وُجِدَ فيها نص لم يتعدوه، وإلا قال الشافعي: وإنما يؤمر الحاكم بالمشورة؛ لأن المشير يُنبه لما يغفل عنه ويدله على ما يجهله، فأما أن يقلد مشيرًا فلم يجعل الله هذا لأحد بعد رسوله
(1)
.
فصل:
قال أبو الحسن القابسي قوله: (فجلد الرامين لها). لم يأت فيه بإسناد، وذكره غيره مسندًا. قلتُ: قد أسلفته مسندًا.
وقوله: (فسمع منهما) يعني سمع قول علي وأسامة رضي الله عنهما على اختلافهما فيه.
وقوله (ولم يلتفت إلى تنازعهم). يعني: عليًّا وأسامة، وأراد تنازعهما، وأظن الألف سقطت من الكتاب
(2)
.
آخر الاعتصام ولله الحمد
(1)
"الأم" 6/ 207.
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 398 - 400.
97
كتاب التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم
97 - كِتَابُ التَّوحيدِ وَالرَّد عَلَى الْجَهْمِيَّةِ
غالب أحاديثه سلفت.
1 - باب مَا جَاءَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى
7371 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِىٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ. [انظر: 1395 - مسلم: 19 - فتح 13/ 347].
7372 -
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَعْبَدٍ -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعَاذًا نَحْوَ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلُّوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ
عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ» [انظر: 1395 - مسلم: 19 - فتح 13/ 347].
7373 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ وَالأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ سَمِعَا الأَسْوَدَ بْنَ هِلَالٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ؟» . قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟» . قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ» [انظر: 2856 - مسلم: 30 - فتح 13/ 347].
7374 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ:{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ -وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» .
زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي أَخِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 5013 - فتح 13/ 347].
7375 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -وَكَانَتْ فِي حَجْرِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِ فَيَخْتِمُ بـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟» . فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ» [مسلم: 813 - فتح 13/ 347].
ذكر فيه حديث بعث معاذ رضي الله عنه "إِنَّكَ تَأتي عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَي أَنْ يُوَحِّدُوا الله" الحديث بطوله، وقد سلف في الزكاة
(1)
.
وحديث معاذ رضي الله عنه: "أَتَدرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ؟ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ .. " الحديث.
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ -وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ» .
زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ -يعني شيخ البخاري- عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -أي: كما أسلفه في الأول، وزاد قال: أَخْبَرَنِي أَخِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وحديث عائشة رضي الله عنها: أَنَّه صلى الله عليه وسلم -بعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ. الحديث سلف
(2)
.
ووجه ذكره هذِه الأحاديث هنا ما اشتملت عليه من التوحيد، وكذا ذكره {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} ؛ لأنها سورة تشتمل على توحيد الله وصفاته الواجبة له وعلى نفي ما يستحيل عليه من أنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
وتضمنت ترجمة الباب: أن الله واحد، وأنه ليس بجسم؛ لأن الجسم ليس بشيء واحد، وإنما هي أشياء كثيرة مؤلفة، في نفس
(1)
سلف برقم (1395) كتاب: الزكاة، باب: وجوب الزكاة.
(2)
سلف معلقًا قبل حديث (5013) كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} .
الترجمة الرد على الجهمية في قولها: إنه تعالى جسم. تعالى الله عن قولهم، والدليل على استحالة كونه جسمًا: أن الجسم موضوع في اللغة للمؤلف المجتمع وذلك محال عليه تعالى؛ لأنه لو كان كذلك لم ينفك عن الأعراض المتعاقبة عليه الدالة بتعاقبها عليه على حدثها لفناء بعضها عند مجيء أضدادها، ومالم ينفك عن المحدثات فمحدث مثلها، وقد قام الدليل على قدمه تعالى، فبطل كونه جسمًا
(1)
.
(1)
بيَّن المصنف المراد بالجسم هنا وهو المؤلف المجتمع، أو بمعنى آخر المركب الذي كان متفرقا، وهذا باطل في حقه سبحانه كما ذكر المصنف. وعلى وجه العموم فإن هذِه اللفظة لا يصح نسبتها إلى الله بصرف النظر عن معناها. فمن قصد بها أن المقصود بالجسم كونه قائما بنفسه، أو من تُرفع إليه الأيدي، فبرغم كون ذلك خطأ من جهة اللغة، فإن المعنى مقبول واللفظ مردود، والصواب ترك استخدامه في هذا المقام.
وينبغي التنبيه أن الكثير من هذِه المسائل تسلل إلى المسلمين من الفلاسفة والملاحدة، وليست هذِه المصطلحات من هدي السلف، ولم يتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، ولا مفر لأهل السنة أن يوضحوها ويبينوا ما فيها من حق وباطل، فأصل المسألة مأخوذ من الفلاسفة الذين قالوا أن الصفة لا تقوم إلا بجسم، والجسم مركب، والتركيب خمسة أنواع كلها يجب نفيها عن الله، واعتمد على كلامهم ابن سينا وأتباعه كالرازي وغيره وبنوا عليه النفي والتعطيل. انظر:"الرسالة الصفدية" ص 133 - 135 (نشر أضواء السلف).
ومسألة الكلام في الجسم عند الماتردبة ومن قلدهم مطية لإنكار كثير من الصفات، ويقدمون لذلك مقدمات يمكن التسليم بها، إلا أنهم يسيرون بها بعد ذلك إلى التأويل. فهم يقولون:"ولذلك بطل القول فيه بالجسم والعرض إذ هما تأويلا الأشياء، وإذا ثبت ذا بطل تقدير جميع ما يُضاف إليه من الخلق ويُوصف به من الصفات بما يفهم منه لو أضيف إلى الخلق ووصف به وفي ذلك ظهور تعنت المشبهة، وذلك سبب إلحاد من ألحد". إلى غير ذلك من أقوالهم التي تؤدي إلى جحد صفات الله تعالى.
انظر: "تناقض أهل الأهواء والبدع في العقيدة" ص 326 مكتبة الرشد.
فصل:
ينبغي أن يعتقد أن الله تعالى في عظمته لا يشبه شيئًا من مخلوقاته ولا يُشبَّهُ به، وأن ما جاء مما أطلقه الشرع على الخلق والمخلوقات فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي؛ إذ صفات القديم
(1)
بخلاف صفات المخلوق، فكما أن ذاته لا تشبه الذوات، فكذلك صفته لا تشبه صفات المخلوقين؛ إذ صفاتهم لا تنفك عن الأعراض، والأعراض هو تعالى منزه عنها.
قال بعضهم: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات، ولا معطلة عن الصفات.
وقال الواسطي: ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ اللفظ، وجلَّت الذات القديمة أن تكون لها صفة حديثة
(2)
، كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة، من اطمأن إلى موجود انتهى إليه فكره
(1)
إطلاق اسم (القديم) علي الله تعالى مشهور عند أكثر أهل الكلام، وتأثر بهم الكثير حتى قال الطحاوي في عقيدته المشهورة:(قديم بلا ابتداء)، وأرادوا بذلك المتقدم على الحوادث كلها، والمعنى الذي أرادوه صواب، لكن الاسم خطأ، فالقِدَم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، كما أنَّ هذا الاسم لم يرد به نص، وأسماؤه سبحانه توقيفية، لذا أنكره كثير من السلف والخلف، وأولى منه اسم (الأول) فقد جاء به النص القرآني، وهو يُشعر أنَّ ما بعده آيلٌ إليه. علي أن كثير من أهل العلم أطلقوا (القِدَم) على صفات الله وأفعاله، بمعني أنها غير مخلوقة أو حادثة. والكلام على الفرع يختلف عن الكلام على الأصل.
(2)
بعض هذِه الألفاظ يستخدمها أهل الكلام في نفي أفعال الله عز وجل، باعتبار أن هذا الفعل (الصفة) حادث، والله منزه عن الحوادث، وهذا بعيد عن الصواب إن قُصد به إنكار الصفة، وانظر التعليق الآتي آخر هذا الباب.
فهو مشبه، ومن اطمأن إلى النفي المحض فهو معطل، وإن (اعترف)
(1)
بموجود، اعترف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد.
وقال ذو النون
(2)
: حقيقة التوحيد أن تعلم أن قدرة الله في الأشياء بلا علاج، وصنعه لها بلا مزاج، وعلة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه، وما تصور في وهمك فالله بخلافه.
فصل:
قوله عليه السلام لمعاذ: "فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله". يريد: وينزعون عن مقالتهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، ويقرون أن الله واحد لا شريك له، وذلك كله راجع إلى التوحيد.
فصل:
وفيه: الدعوة قبل القتال، واختلف فيمن بلغته الدعوة، هل يدعى أم لا؟
(1)
في (ص 1): قطع.
(2)
ذو النون المصري: ثوبان بن إبراهيم الأخميمي المصري، أبو الفياض، أو أبو الفيض: أحد الزهاد العباد المشهورين. من أهل مصر. نوبي الأصل من أخميم بجنوب مصر، من الموالي. كانت له فصاحة وحكمة وشعر.
وقيل ما روى من الحديث، ولا كان يتقنه. وقال الدارقطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر.
وكان واعظا. وهو أول من تكلم بمصر في (ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية) فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم. واتهمه المتوكل العباسي بالزندقة، فاستحضره إليه وسمع كلامه. ثم أطلقه، فعاد إلى مصر. (ت 245 هـ)
انظر: "حلية الأولياء" 9/ 331، 391 و 10/ 3،4، "تاريخ بغداد" 8/ 393، "سير أعلام النبلاء" 3/ 15، "طبقات الأولياء" 218، 223، "طبقات الصوفية" 15، 26، "طبقات الشعراني" 1/ 81، 84، "الرسالة القشيرية" ص 211، "الأعلام" للزركلي 2/ 102.
ففي "المدونة"
(1)
روايتان عن مالك، وأما من لم تبلغهم فلا يقاتلوا حتى يدعوا فإن شك في أمرهم، فالدعوة أقطع للشك (قال أبو حنيفة: إن بلغتهم فحسن أن يدعوا قبل القتال)
(2)
، وقال الشافعي: لا أعلم أحدًا من المشركين لم تبلغه الدعوة إلا أن يكون خلف الذين يقاتلون قومٌ من المشركين خلف الترك والخوز
(3)
لم تبلغهم الدعوة فلا يُقاتَلوا حضى يُدْعَوا
(4)
.
فصل:
وقوله: ("فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله. فرض عليهم خمس صلوات")، قال الداودي: يريد لا تفاجئهم في ذلك، وظاهر الحديث أنه يفعل بهم عقب معرفتهم.
قال ابن العطار
(5)
في "دقائقه": فإذا أجاب بالإِسلام وأقر برسالة محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام -، ووقف على الشرائع والأحكام وحدود الوضوء والصلاة والزكاة والصيام والحج مع الاستطاعة إلى بيت الله الحرام، فإن لم يلتزم ذلك لم يقبل إسلامه ولا يكون بذلك مرتدًّا بخلاف من صلى ثم ارتد، فإنه إن صلى صلاة واحدة وارتد فإنه يستتاب حينئذٍ، فإن تاب وإلا قتل.
(1)
"المدونة" 1/ 367.
(2)
من (ص 1)، وانظر"المبسوط"10/ 6.
(3)
الخُوز: جيل من الناس، انظر "الصحاح" 3/ 878.
(4)
"الأم" 4/ 157.
(5)
هو الإمام علاء الدين علي بن داود بن العطار الشافعي، له من المؤلفات ترجمة للنووي، وترتيب لفتاوى النووي، وله شرح على "العمدة" فرغ من تحقيقه الشيخ حسين عكاشة، وكتابه"الدقائق المجموعة" لم يُطبع. انظر:"تذكرة الحفاظ" 4/ 1504، "الدرر الكامنة" 3/ 5 - 7، "معجم المؤلفين" 2/ 387.
وقال بعض متأخريهم: إذا أقر بالألوهية والوحدانية وأنكر الصلاة أو الصوم أو الحج كان على حكم المرتد، ولا تقبل منه جزية إن بذلها ليبقي على ما كان عليه (قبل ذلك)
(1)
.
فصل:
وقوله: ("زكاة تُؤْخَذُ مِنْ أغْنيائهم فَتُردُّ على فُقَرَائِهم") فيه دليلان:
أحدهما: من له نصاب فهو غني لا يجوز له أخذ الزكاة، وهو قول مالك في رواية المغيرة، وبه قال أبو حنيفة، ولمالك عند محمد يأخذ من له أربعون دينارًا.
وثانيهما: أن الزكاة لا تنقل، وإنما تصرف في فقراء الموضع الذي تؤخذ منه، فإن خالف فالأصح عدم الإجزاء عندنا، وإن كان دون مسافة القصر. وقال سحنون: إذا كان بقريته فقراء، وقال ابن اللباد: يجزئه، وهذا استحسان، وقد أشار (نحوه)
(2)
ابن القصار، واختلف عندهم هل يستأجر عليها منها أو من ماله.
(فصل)
(3)
:
قال الداودي: فيه تأخير البيان، بأن الفروض لم تلزم من لم يسمعها حتى يسمع، وأنه لا قضاءَ عليه فيما يقضي.
فصل:
وقوله: ("وتوقَ كرائمَ أموالِ النَّاس") أي: اجتنب خيار مواشيهم أن تأخذها في الزكاة، وكرائم: جمع كريمة، وهي الشاة الغزيرة اللبن، واختلف إذا كانت جيادًا كلها أو ردئية كلها وسِخالًا على
(1)
من (ص 1).
(2)
في (ص 1): نحوه عند.
(3)
في (ص 1): قوله.
أربعة أقوال للمالكية، ففي "المدونة": يأتي زكاتها من غيرها
(1)
.
وقال محمد بن عبد الحكم: لولا خلاف قول أصحاب
(2)
مالك لكان بيِّنًا أن يأخذ واحدة من أوساطها، وقال مطرف في "ثمانية أبي زيد"
(3)
: إذا كانت جيدة أو سِخالًا لا يأخذ منها، وإن كانت عجافًا أو ذوات عوار أو تيوسًا أخذ منها. وقال ابن الماجشون: تؤخذ من الجيد والرديء إلا أن تكون سخالا.
فصل:
وقوله: ("حق العباد علي الله أن لا يعذبهم") يريد: حقًّا عُلم من جهة الشرع بوعده تعالى لمن أطاعه بالنجاة من عذابه إلا أنه واجب عقلاً عند المعتزلة
(4)
.
(1)
"المدونة" 1/ 267.
(2)
في الأصل: لولا خلاف أصحاب قول .. ، والمثبت من (ص 1).
(3)
أبو زيد هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن عيسى القرطبي المالكي، نقل عن مطرف بن عبد الله اليساري، وعبد الملك بن ماجشون، برع في الفقه، ومات بقرطبة سنة تسع وخمسين ومائتين، وكتابه "ثمانية أبي زيد" عبارة عن ثمانية كتب من سؤاله المدنيين. انظر:"سير أعلام النبلاء" 12/ 336، "إيضاح المكنون" ص 346، "معجم المؤلفين" 2/ 72.
(4)
جعل المعتزلة أصل دينهم مبنيا على الإقرار بالنعمة ووجوب الشكر عقلا.
وأهل السنة يرون أتباع أوامر الله ورسوله سواء سبقت معرفة الله بالفطرة أو الاضطرار أو بالنقل أو استدل لذلك بآيات الله ومعجزات نبيه صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء المؤمنون استغنوا عن معرفة أيهما يجب أولاً.
وكذا الحال في حق العباد على الله، سواء علمنا ذلك بالعقل أو بغيره، فقد نُقل إلينا الشرع بذلك، فعرفناه بالسمع، ونحن مكلفون باعتقاد ما في الوحيين، بصرف النظر عن فهم العقل للمسألة، إذ لو جعلنا ذلك أصلا؛ فقد تتفق العقول على مسائل ثم تختلف في أخرى، فأصبح الفصل في الرد إلى النص.
وقيل: إنه خرج على الجهة (المقابلة)
(1)
للَّفظ الأول؛ لأنه قال في أوله: "ما حق الله على العباد؟ ".
ولا شك أن لله تعالى على عباده حقوقًا، فاتبع اللفظ الثاني الأول مثل:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ} [آل عمران: 54]، {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79]، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194].
فصل:
ومعني (يتقالها): يستقلها من قلَّ الشيء يَقِلُّ قِلَّةً، ولو كان من القول لكان يتقولها، وقوله:("تعدل ثُلثَ القرآن") أي: في الأجر، لا أن شيئًا من القرآن أفضل من شيء على أحد القولين؛ لأنه كله صفة لله تعالى
(2)
.
وقيل: المعنى في ذلك: أن الله تعالى يتفضل بتضعيف الثواب لقارئها، ويكون منتهى التضعيف إلى مقدار ثلث ما يستحق من الأجر على قراءة ثلث القرآن من غير تضعيف أجر.
وقيل: المعنى في ذلك: أن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وأوصاف لله تعالى، {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} تشتمل علي ذكر الصفات وكانت ثلثًا بهذا الاعتبار، وقيل: معنى ثلث القرآن لشخص بعينه قصده الشارع وهو بعيد، وقيل: فضلت بذلك؛ لأنه ليس فيها شيء من العمل، إنما هي توحيد محض.
وقوله عليه السلام: "سلوه" يحتمل أن يكون سؤالهم إياه؛ لأنه عليه السلام هو الذي أمره.
(1)
في (ص 1) المقالة.
(2)
بل الصواب أن هناك تفاضل؛ كما في هذا الحديث، وفي حديث الفاتحة، وليس في ذلك انتقاص من كلام الله عز وجل، فكل كلامٌ حسنٌ وصدقٌ.
وقوله: (لأنها صفة الرحمن) أي: لأن فيها أسماءه وصفاته، وأسماؤه مشتقة من صفاته.
وقوله: ("أخبروه أنَّ الله يحبه") أي: يريد ثوابه؛ لأنه تعالى لا يوصف بالمحبة الموصوفة فيها؛ لأنه يتقدس (عن)
(1)
أن يميل أو يمال إليه، وليس بذي جنس أو طبع فيتصف بالشوق الذي تقتضيه الجنسية والطبعية، فمعنى محبته للخلق: إرادته ثوابهم، وقيل: المحبة راجعة إلي نفس الإنابة والتنعيم لا لإرادة، ومعنى محبة المخلوقين له إرادتهم أن ينفعهم
(2)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
بل هي محبة حقيقية تليق بجلاله، وما ذكره المؤلف هنا في محبة الله تعالى هو ما عليه مذهب الأشاعرة؛ حيث ينفون هذه الصفة، وغيرها من الصفات، عن الله تعالى ويعطلونها، ويفسِّرونها إذا وردت في القرآن والسنَّة بلوازمها ومقتضياتها، من إرادة الثواب للعبد والعفو عنه والإنعام عليه كما فعل المؤلف، فينفون حقيقة صفة الله، ويحرفونها ويؤوِّلونها، بدعوى أنها توهم النقص في الذات العلية؛ لأن المحبة عندهم، هي: ميل القلب إلا ما يلائم الطبع، وهذا من صفات المخلوق، والله منزَّه عن ذلك الأمر الذي دعاهم إلى تأويل صفة المحبة، وحملها على الإرادة كما فعل المؤلف. والذي أوقع الأشاعرة في هذا الخطأ العقدي، هو قياسهم صفات الخالق على صفات المخلوق. ومن قواعد منهج السلف الصالح: أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أن ذات الحق لا تشبه ذوات الخلق، فكذلك صفاته ومن قواعدهم: أن القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر، فيثبت السلف جميع صفات الله، ويمرُّونها كما جاءت بما يليق بذاته العلِيَّة، ولا يُؤؤَلونها، ومنها: صفة المحبة. ويثبتون كذلك لوازمها من إرادة الله إكرام من يحبه وإثباته، فالله تعالى يُحِبُّ، ويُحَبُّ لذاته، وليس فقط لثوابه، كما قال:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].
وتأويل الأشاعرة لصفة المحبة بالإرادة، إنما هو تحريف لحقيقة الصفة، وصرف لها عن وجهها الصحيح، ويقال لهم: إنَّ المعنى الذي صرفتم اللفظ إليه، هو نفس =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= المعنى الذي صرفتموه عنه، فالإرادة، هي: ميل الإنسان إلا ما يلائمه، أو إلى ما ينفعه، ودفع ما يضره، وهي من صفات المخلوقين، والله منزَّه عن ذلك، فإن قال الأشاعرة: إرادة تليق به، قيل لهم: وكذلك له محبة، وصفات تليق به، فالسلامة والحكمة في منهج السلف.
انظر: "لوامع الأنوار البهية" للسفاريني: 1/ 221 وما بعدها، "شرح العقيدة الواسطية" محمد هراس: 45، "الكواشف الجلية عن معاني الواسطية" للسلمان:183.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية خلاصة في هذا الموضوع نورده هنا بما يُغني عن كثرة التكرار في غير هذا الموضع، قال رحمه الله: نَعْتَقِد أَنَّ اللهَ تَعَالَي أَوَّلٌ لَمْ يَزُلْ وَآخِرٌ لَا يُزَالُ أَحَدٌ وَصَمَدٌ كَرِيمٌ عَلِيمٌ حَلِيمٌ عَلِيٌّ عَظِيمٌ رَفِيعٌ مَجيدٌ وَلَهُ بَطْشٌ شَدِيدٌ وَهُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ قَوِيٌّ قَدِيرٌ مَنِيعٌ نَصِيرٌ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} إلَى سَائِرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ النَفْسِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وَالْقَدَمِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَالرِّضَى وَالْغَضَب وَالْمَحَبَّةِ وَالضَّحِكِ وَالْعَجَب وَالاسْتِحْيَاء؛ وَالْغَيْرَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالسَّخَطِ وَالْقبْضِ وَالْبَسْطِ وَالْقُرْب وَالدُّنُوِّ وَالْفوْقِيَّةِ وَالْعُلُوِّ وَالْكَلَامِ وَالسَّلَامِ وَالْقَوْلِ وَالنِّدَاءِ وَالتَّجَلِّي وَاللِّقَاءِ وَالنُّزُولِ؛ وَالصُّعُودِ وَالِاسْتِوَاءِ وَأَنَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ وَأَنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: إنَّ اللهَ في السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ: نَعْرِفُ رَبَّنَا فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتِهِ عَلَى العَرْشِ بَائِنًا مِنْ خَلْقهِ وَلَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ الجهمية إنَّهُ ههنا - وَأَشَارَ إِلَى الأَرْضِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} قَالَ: عِلْمُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ.
قَالَ أَحْمَدُ: "إنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى العَرْشِ عَالِم بِكُلِّ مَكَانٍ" وإِنَّهُ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَيْفَ شَاء وإِنَّهُ يأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ كَيْفَ شَاءَ وإِنَّهُ يَعْلُو عَلَى كُرْسِيِّهِ وَالْإِيمَانُ بِالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَمَا وَرَدَ فِيهِمَا مِنْ الآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ.
وَأَنَّ الكَلِمَ الطَّيّبَ يَصْعَدُ إلَيْهِ وَتَعْرُجُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْهِ وَأَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ وَخَلَقَ القَلَمَ وَجَنَّةَ عَدْنٍ وَشَجَرَةَ طُوبَى بيَدَيْهِ وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْهِ وَأَنَّ كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: "لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِوَحْيٍ يُتْلَى".
وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ المُعْتَقَدَ بِالدَّلَائِلِ فَقَالَ لله أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ؛ وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ أُمَّتَهُ؛ لَا يَسَعُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللهِ قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ رَدُّها -إِلَي أَنْ قَالَ- نَحْوَ إخْبَارِ اللهِ سُبْحَانَهُ إيَّانَا أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ لِقَوْلِهِ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وَأَنَّ لَهُ يَمِينًا بِقَوْلِهِ: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا لِقَوْلِهِ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} وَقَوْلُهُ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} وَأنَّ لَهُ قَدَمًا لِقَولِه صلى الله عليه وسلم: "حتى يَضَعَ الرَّبُّ فِيهَا قدَمهُ يَعْنِي جَهَنَّمَ. وَأَنَّهُ يَضْحَكُ مِنْ عَبْدِهِ المُؤْمِنِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ: "إنَّهُ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ يَضْحَكُ إلَيْهِ" وَأَنَّهُ يَهْبِطُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لِخَبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ.
وَأَنَّ المُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَومَ القِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ وَأَنَّ لَهُ إصْبَعًا لِقَوْلِهِ: "مَا مِنْ قَلْب إلاَّ وَهُوَ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابع الرَّحْمَنِ". وَسِوى مَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ أَحَادِيثُ جَاءَتْ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِيدِ وَتَلَقَّتْهَا الأُمَّةُ بالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ نَحْوَ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الذَّاتِ وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا شَخْصَ أًغْيَرُ مِنْ اللهِ" وَقَوْلِهِ: "أتعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ والله لَأَنَا أغْيَرُ مِنْ سَعْدٍ والله أغْيَرُ مِنِّي" وَقَوْلِهِ: "لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إلَيْهِ المَدْحُ مِنْ اللهِ وَلذَلِكَ مَدحَ نَفْسَهُ وَلَيْسَ أَحَدٌ أغْيَرَ مِنْ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن" وَقَوْلِهِ: "يَدُ اللهِ مَلْأى" وَقَوْلِهِ: "إنَّ اللهَ يَقْبِضُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَرْضِينَ وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ" وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "كلَّمَ أَبَاك كفَاحًا" وَقَوْلِهِ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحًدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ ربُهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ" وَقَوْلِهِ: "يَتَجَلَّى لَنَا رَبُّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ ضَاحِكًا" .. وَفِي حَدِيثِ المِعْرَاجِ في الصَّحِيحِ: "ثُمَّ دنَا الجَبَّارُ رَب العِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" وَقَوْلِهِ: "كَتَبَ كتَابًا فَهُوَ عِنْدهُ فَوْقَ العَرْشِ إنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي" وَقَوْلِهِ: "لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حتى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ -وَفِي رِوَايَةٍ: رِجْلَهُ- فَيَنْزَوي بَعْضُهَا إلَي بَعْضِ وَتَقُولُ: قَدْ قَدْ- وَفِي رِوَايَةٍ: قَطُّ قَطُّ بِعِزَّتِك". وَنَحْوُ قَوْلِهِ: "فَيَأْتِيهِمْ اللهُ فِي صُورتهِ التي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا" وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "يَحْشُرُ اللهُ العِبَادَ فَيُنَاديهِمْ بصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا المَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ". إِلَى غَيْرِهَا مِنْ الأًحَادِيثِ هَالَتْنَا =
خاتمة:
أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بدعاء العباد إلى دينه وتوحيده، ففعل ما لزمه من ذلك، وبلَّغ ما أمر بتبليغه، وأنزل عليه {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)} [الذاريات: 54]
= أَوْ لَمْ تَهُلْنَا بَلَغَتْنَا أَوْ لَمْ تَبْلُغْنَا أعْتِقَادُنَا فِيهَا وَفِي الآيِ الوَارِدَةِ فِي الصِّفَاتِ: أَنَّا نَقْبَلُهَا وَلَا نُحَرِّفُهَا وَلَا نُكَيِّفُهَا وَلَا نُعَطِّلُهَا وَلَا نتَأَوَّلُهَاَ وَعَلَى العُقُولِ لَا نَحْمِلُهَا وَبِصِفَاتِ الخَلْقِ لَا نُشَبِّهُهَا وَلَا نُعْمِلُ رأيَنَا وَفِكْرَنَا فِيهَا وَلَا نزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا نَنْقُصُ مِنْهَا بَلْ نُؤْمِنُ بِهَا ونكلُ عِلْمَهَا إلَي عَالِمِهَا كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَهُمْ القُدْوَةُ لنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ.
وعَنْ إسْحَاقَ أَنَّهُ قَالَ: لَا نُزِيلُ صِفَةً مِمَّا وَصَفَ اللهُ بِهَا نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهَا الرَّسُولُ عَنْ جِهَتِهَا لَا بِكَلَام وَلَا بِإِرَادةٍ إنَّمَا يَلْزَمُ المُسْلِمَ الأَدَاءُ وَيُوقِنُ بِقَلْبهِ أَنَّ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي القُرآنً إنمَا هِيَ صِفَاتُهُ وَلَا يَعْقِلُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَاَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ تِلْكَ الصّفَاتِ إلا بِالْأَسْمَاءِ التِي عَرَفَهُمْ الرَّبُّ عز وجل.
وعَنْ مَالِكٍ والأوزاعي وَسُفْيَانَ وَاللَّيْثِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الأَحَادِيثِ فِي الرُّويَةِ وَالنُّزُولِ: "أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ".
وَكَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ -صَاحِب أَبِيِ حَييفَةَ- أَنَّهُ قَالَ فِي الأَحَاديثِ التِي جَاءَتْ: "إنَّ اللهَ يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيًا" وَنحْوَ هذا مِن الأَحَادِيثِ: إنَّ هذِه الأَحَاديثَ قَدْ رَوَاهَا الثِّقَاتُ فَنَحْنُ نَرْوِيهَا وَنُؤْمِنُ بِهَا. وَلَا نُفَسِّرُهَا [أي لا نكيفها]. انتهى بتصرف من "مجموع الفتاوى" 4/ 181 - 186.
2 - باب قَوْلِ اللهِ تبارك وتعالى: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110]
7376 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَأَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ» . [انظر: 6013 - مسلم: 2319 - فتح 13/ 358].
7377 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ يَدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِي المَوْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«ارْجِعْ فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» . فَأَعَادَتِ الرَّسُولَ أَنَّهَا أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَدُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَيْهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ [ما هذا؟]. قَالَ: «هَذِه رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» . [انظر: 1284 مسلم: 923 - 13/ 358].
ذكر فيه حديث زيدِ بْنِ وَهْبٍ وَأَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ".
وأبو ظبيان اسمه حصين بن جندب بن عمرو (المذحجي)
(1)
الجنبي، أخرجا له.
(1)
في الأصل المدلجي، والمثبت من (ص 1)، وانظر "تهذيب الكمال" 6/ 514 (1355).
وحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما السالف في الجنائز
(1)
، وفي آخره:"وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادهَ الرُّحَمَاءَ".
وغرضه في هذا الباب إثبات الرحمة، وهي صفة من صفات ذاته لا من صفات أفعاله، والرحمن وصف به نفسه تعالى، وهو متضمن لمعنى الرحمة، كتضمن وصفه لنفسه بأنه عالم وقادر وحي وسميع وبصير ومتكلم ومريد للعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والكلام والإرادة التي جميعها صفات ذاته لا صفات أفعاله، لقيام الدليل على أنه تعالى لم يزل ولا يزال حيًّا عالمًا قادرًا سميعًا بصيرًا متكلمًا مريدًا، ومن صفات ذاته الغضب والسخط
(2)
.
(1)
سلف برقم (1284) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه".
(2)
تَقسيم الصفاتِ إلى صفاتِ ذاتٍ وصفاتِ أفْعالٍ والمبالغة في الفصل بينهما اتُخذت وسيلة لتأويل بعض الصفات عند كثير من المتكلمين. وحجة القائلين بخلق القرآن أنهم يرون الكلام صفة ذات وليست صفة فعل.
قال ابن تيمية في معرض رده على القائلين بخلق القرآن: قال أحْمد: كلام اللهِ مِنْ اللهِ ليْس بِبائِنٍ عنْه .. وأيْضًا فلوْ كان مخْلوقًا فِي غيْرِهِ لمْ يكنْ كلامه؛ بلْ كان يكون كلامًا لِذلِك المخْلوقِ فِيهِ وكذلِك سائِر ما وصف بهِ نفْسه مِنْ الإِرادةِ والْمحبّةِ والْمشِيئةِ والرِّضى والْغضبِ والْمقْتِ وغيْرِ ذلِك مِنْ الأَمورِ لوْ كان مخْلوقًا في غيْرِهِ لم يكنْ الرّبّ تعالى متّصِفًا بِهِ بلْ كان يكون صِفةً لِذلِك المحلِّ؛ فإِن المعْنى إذا قام بِمحلٍّ كان صِفةً لِذلِك المحلِّ ولمْ يكنْ صِفةً لِغيْرِهِ فيمْتنِع أنْ يكون المخْلوق أوْ الخالِق موْصوفًا بِصِفةٍ موْجودةٍ قائِمةٍ بِغيْرِهِ؛ لِأنّ ذلِك فِطْرِيٌ فما وصف بِهِ نفْسه مِنْ الأفْعالِ اللّازِمةِ يمْتنِع أنْ يوصف الموْصوف بِأمْرِ لمْ يقمْ بِهِ.
وزعم بعضهم أنّ الفاعِل لا يقوم بِهِ الفِعْل وكان هذا مِمّا أنْكره السّلف وجمْهور العقلاءِ وقالوا لا يكون الفاعِل إلاَّ منْ قام بِهِ الفِعْل وأنّه يفرّق بيْن الفاعِلِ والْفِعْلِ والْمفْعولِ وذكر البخارِيّ فِي "كِتاب خلْقِ أفْعالِ العِبادِ" إجْماع العلماءِ على ذلِك. والّذِين قالوا إنّ الفاعِل لا يقوم بِهِ اَلفِعْل وقالوا مع ذلِك إنّ الله فاعِل أفْعالِ العِبادِ كأبِي الحسنِ وغيْرِهِ وأنّ العبْد لمْ يفْعلْ شيْئًا وإِنّ جمِيع ما يخْلقه العبْد فِعْلٌ له وهمْ =
والمراد: برحمته تعالى: إرادته لنفع من سبق في علمه أنه ينفعه ويثيبه على أعماله فسماها رحمة
(1)
.
والمراد بغضبه وسخطه إرادته لإضرار من سبق في علمه إضراره، وعقابه على ذنوبه، فسماها غضبًا وسخطًا
(2)
.
ووصف نفسه بأنه راحم ورحيم ورحمن وغاضب وساخط بمعنى أنه مريد لما تقدم ذكره، وإنما لم يعرف بعض العرب من أسماء الله تعالى أن أسماءه كلها واجب استعمالها ودعاؤه بها سواء؛ لكون كل اسم منها راجعًا إلى ذات واحدة وهو الباري تعالى وإن دل كل واحد منها على صفة من صفاته تعالى يختص الاسم بالدلالة عليها، وأما الرحمة التي جعلها الله في قلوب عباده يتراحمون بها فهي من صفات أفعاله، ألا تراه أنه قد وصفها بأن الله تعالى خلقها في قلوب عباده، وجَعْلُهُ
= يصِفونه بِالصِّفاتِ الفِعْلِيّةِ المنْفصِلةِ عنْه ويقسِّمون صِفاتِهِ إلى صِفاتِ ذاتٍ وصفاتِ أفْعالٍ مع أنّ الأفْعال عِنْدهمْ هِي المفْعولات المنْفصِلة عنْه فلزِمهمْ أنْ يُوصف بِما خلقه مِنْ الظّلْمِ والْقبائِحِ مع قوْلِهِمْ إنّه لا يوصف بِما خلقه مِنْ الكلامِ وغيْرِهِ فكان هذا تناقضًا مِنهمْ تسلّطتْ بِهِ عليْهِمْ المعْتزِلة. ولمّا قرّروا ما هو مِنْ أصولِ أهْلِ السّنّةِ وهو أنّ المعْنى إذا قام بِمحلِّ اشْتقّ له مِنْه اسْمٌ ولمْ يشْتقّ لِغيْرِهِ مِنْه اسْمٌ كاسْمِ المتكلِّمِ نقض عليْهِمْ المعْتزِلة ذلِك بِاسْمِ الخالِقِ والْعادِلِ فلمْ يجِيبوا عنْ النّقْضِ بِجوابِ سدِيدٍ. وأمّا السّلف والْأئِمّة فأصْلهمْ مطّرِدٌ. "مجموع الفتاوى" 12/ 297، 313.
(1)
بل هي رحمة حقيقية تليق بجلاله.
(2)
أهل السُّنَّة يُثبتون صفاته سبحانه دون تأويل، ولا يعني اشتراكها مع صفات المخلوقين في المسمى أن ذلك تشبيه، فإن الاسم وإن اشتركَ في أصلِ مَعْنى الصفة، فإنه لا يدل على الاشتراك في الكيفية، ولا ريب أنَّ الكيفية التي يتضمنها الاسم في حقه سبحانه وتعالى تختلف عنها في حق الخلق كاختلاف ذات الله عن ذات خلقه تماما.
لها في القلوب خلق منه تعالى لها فيه، وهذِه الرحمة رقة على المرحوم، والله تعالى أن يوصف بذلك
(1)
.
فصل:
روي أنه لما نزلت: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} قالوا: أندعو اثنين؟! فأعلم الله سبحانه أن لا يدعى غيره، فقال:{يًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، قال: هل تعلم أحدًا اسمه الرحمن سواه
(2)
.
وأصل الله: لاه عند سيبويه، ثم أدخلت عليه الألف واللام، فجرى مجرى الاسم العلم كالقياس، إلا أنه يخالف الأعلام من حيث كان صفة
(3)
، وهو مشتق من الألوهية.
والرحمن والرحيم مشتقة من الرحمة، وقيل:(هما اسمان)
(4)
على حالهما من غير اشتقاق.
وقيل: يرجعان إلى الإرادة، فرحمته: إرادته التنعيم من خلقه
(5)
.
(1)
ليس من لوازم الرحمةِ تكييفها بذلك، فهي رحمة تليق بجلاله سبحانه، وقد تقدم القول بأنه يُمْتنِع أنْ يكون المخْلوق أوْ الخالِق موْصوفًا بِصِفةٍ موْجودةٍ قائِمةٍ بِغيْرِهِ.
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "تفسير" 7/ 2414 (13177)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 375 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 143 - 144 (123)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 503 لعبد بن حميد وابن المنذر.
(3)
"الكتاب" لسيبويه 2/ 195.
(4)
من (ص 1).
(5)
رحمة الله تشمل الرحمة بمعناها الحقيقي كما تقدم، ولا يمنع أيضًا أنها تشمل إرادة التنعيم لكن لا يصرفها ذلك عن المعنى الحقيقي.
وقيل: هما راجعان إلى ترك عقاب من يستحق العقاب.
وقيل: أصله إلاه علي فِعَال بمعنى: مفعول؛ لأنه مألوه أي: معبود، مثل إمام بمعنى: مؤتم، يقال: ألاه بالفتح إلاهةً أي: عبد عبادةً، فلما أدخلت عليه الألف واللام حذف الهمزة تخفيفًا؛ لكثرته في الكلام، ولو كانت عوضًا منها لما اجتمعا في المعوض منه في قولهم: الإلاه فقطعت الهمزة في النداء، تفخيمًا لهذا الاسم.
قال أبو علي: الألف واللام عوض من الهمزة بدليل استجازتهم لقطع الهمزة الموصولة الداخلة علي لام التعريف في القسم
(1)
، وذلك قولهم: أبألله لتفعلن، ويا الله اغفر لي
(2)
.
وقال الأشعري: إله أنه قادر على اختراع الأجسام والأعراض، فعلى هذا يكون صفة ذات
(3)
، وكذلك (على)
(4)
قول من قال: هو الذي ولهت العقول في معرفته، وقيل: هو من يقدر علي كشف الضر والبلوى، وأنكر بعضهم قول من قال: إلاه بمعنى معبود معللًا بأن الأصنام معبودة وليست بآلهة.
فصل:
إرساله عليه السلام إلى ابنته أولاً في حديث أسامة: أن لله ما أخذ، ولم يمض أول مرة؛ لأنه كان شفيقًا رفيقًا فترى ما به (من)
(5)
الرقة (فتنزجر)
(6)
منها، وكان عزمها عليه؛ لأن تخلفه عنها أشد من
(1)
هكذا في الأصل، (ص 1)، والأولى:(القسم والنداء).
(2)
انظر: "الصحاح" 6/ 2223 مادة (أله).
(3)
انظر ما تقدم أول هذا الباب.
(4)
من (ص 1).
(5)
من (ص 1).
(6)
في (ص 1): فيشتد حزنها.
مصيبتها. ثانيها: وأن في مجيئه عزاء من ذلك.
ومعنى: (ونفسه تقعقع) أي: تضطرب وتتحرك، وقال الداودي: يعني صارت في صدره وكانت منه كالفواق، والشَّن - بالفتح: القربة الخَلَق و (الشَّنَّةُ)
(1)
أيضًا، وكأنها صغيرة.
فصل:
وقول سعد رضي الله عنه: ما هذا يا رسول الله. فيه: استعمال الإشارة، وهي لغة العرب، وعاتبه ابن عوف رضي الله عنه (أيضًا)
(2)
في البكاء مع نهيه عليه، فأجاب بأنها رحمة
(3)
.
(1)
في الأصل، (ص 1):(الشن)، والصواب ما أثبتناه، وانظر "الصحاح" 5/ 2146.
(2)
من (ص 1).
(3)
سلف برقم (1303) كتاب: الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا بك لمحزونون".
3 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58]
7378
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» [انظر: 6099 - مسلم: 2804 - فتح 13/ 360].
ذكر فيه حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ".
وفي إسناده أبو حمزة بالحاء والزاي وهو: محمد بن ميمون السكري المروزي
(1)
.
وهذا الباب تضمن من صفاته تعالى صفة فعل وصفة ذات، فصفة الفعل ما تضمنه اسمه الذي أجراه تعالى عليه، وهو قوله تعالى:{الرَّزَّاقُ} والصفة الرزق، والرزق فعل من أفعاله؛ لقيام الدليل على استحالة كونه تعالى فيما لم يزل رزاقا؛ إذ رازق يقتضي مرزوقًا، والباري تعالى قد كان بلا مرزوق فمحال كونه تعالى فاعلًا للرزق
(2)
فيما لم يزل، فثبت أن ما لم يكن، ثُمَّ كان محدث مخلوق، فرزقه إذًا صفة من صفات أفعاله.
(1)
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 26/ 544 - 545 (5652).
(2)
هذا من تخبط الأشاعرة والماتردية وانسياقهم وراء المنطق اليوناني، وقول المصنف (لقيام الدليل) يقصد الدليل العقلي عند المتكلمين، وانظر ما تقدم أول كتاب التوحيد ص 185.
وأما وصفه تعالى بأنه الرزاق فلم يزل تعالى واصفًا لنفسه بأنه الرزاق، ومعنى ذلك: أنه سيرزق إذا خلق المرزوقين، وأما صفة الذات فالقوة والقدرة اسمان مترادفان على معنى واحد
(1)
، والباري تعالى لم يزل قادرا قويًّا ذا قدرة وقوة، وإذا كان معنى القوة والقدرة لم تزل موجودة قائمة به موجبة له حكم القادرين، والمتين معناه الثابت الصحيح (الوجود)
(2)
.
فصل:
ومعني قوله عليه السلام: "ما (أحد)
(3)
أصبر على أذي سمعه من الله" ترك المعاجلة بالنقمة و (العفو)
(4)
؛ (لا أن)
(5)
الصبر منه تعالى معناه كمعناه منا
(6)
، كما أن رحمته تعالى لمن يرحمه ليس معناها معنى الرحمة منا؛ لأن الرحمة مفارقة وميل طبع إلى (نفس)
(7)
المرحوم، والله تعالى عن وصفه بالرقة وميل الطبع؛ لأنه ليس بذي طبع، وإنما ذلك من صفات المحدثين
(8)
.
(1)
قال ابن عثيمين: القدرة يقابلها العجز، والقوة يقابلها الضعف، والفرق بينهما: أن القدرة يوصف بها ذو الشعور، والقوة يوصف بها ذو الشعور وغيره. ثانيًا: القوة أخص فكل قوي قادر وليس كل قادر قويًّا. مثال ذلك: تقول: الريح قوية، ولا تقول: قادرة، لكن ذو الشعور تقول: إنه قوي وإنه قادر. "شرح الواسطية" 1/ 160.
(2)
في (ص 1): الموجود.
(3)
في (ص 1): أجد أحد.
(4)
في (ص 1): العقوبة.
(5)
في الأصل، (ص 1):(لأن)، والمثبت هو الصواب، وانظر "شرح ابن بطال" 10/ 405.
(6)
الصبر منه سبحانه صبرا يليق بجلاله ولا يشبه صبر المخلوقين.
(7)
في (ص 1): نفع.
(8)
تقدم الكلام على هذِه المسألة، والرحمة من الله صفة ذات وصفة فعل تليق بجلاله سبحانه ولا يلزمنا تكييفها.
وقوله: "على أذى سمعه" معناه: أذى لرسله وأنبيائه والصالحين من عباده؛ لاستحالة تعلق أذى المخلوقين به تعالى؛ لأن الأذي من صفات النقص التي لا تليق بالله تعالى؛ إذ الذي يلحقه بالعجز والتقصير على الانتصار ويصبر جبرًا هو الذي يلحقه الأذى على الحقيقة، والله تعالى لا يصبر جبرًا، وإنما يصبر تفضلا، فالكناية في الأذى راجعة إلى الله تعالى، والمراد بها أنبياؤه ورسله؛ لأنهم جاءوا بالتوحيد لله ونفي الصاحبة والولد عنه، فتكذيب الكفار لهم في إضافة الولد لله تعالى أذى لهم وردّ ما جاءوا به
(1)
، فلذلك جاز أن يضاف الأذى في ذلك إلى الله تعالى؛ إنكارًا لمقالتهم وتعظيمًا لها، إذ في تكذيبهمِ للرسل في ذلك إلحاد في صفته تعالى، ونحوه قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 57] تأويله: إن الذين يؤذون أولياء الله وأولياء رسوله. ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه في الإعراب، والمحذوف مراد نحو قوله:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] يعني: أهلها
(2)
.
فصل:
تضمن هذا الباب الرد على من أنكر أن لله تعالى صفة ذات هي قدرة وقوة؛ لاعتقادهم بأنه تعالى قادر بنفسه لا بقدرة، والله تعالى قد
(1)
وهي أيضًا أذى لله بمعنى وصفه بما لا يليق به سبحانه، ولا يعني ذلك أن يصاب بضر نتيجة الأذى، تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا.
(2)
مسألة المجاز فيها تفصيل طويل، وقوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} يفهم منه العربي أنه يسأل أهل القرية، فهو المعنى الظاهر من الكلام حتى لو سماه أهل اللغة مجازًا، فليس كل ما سموه مجازًا يخالف ظاهر القرآن، وهو المعنى المتبادر للذهن بمجرد سماع الكلام.
نص على أن له قدرة، بخلاف ما يعتقده القدرية من أنه قوي بنفسه لا بقوة
(1)
.
وفيه: رد على المجسمة القايسين الغائب على الشاهد، قالوا: كما لم نجد قويا ولا ذا قوة فيما بيننا إلا جسمًا كذلك الغائب حكمه حكم الشاهد، فيقال لهم: إن كنتم على الشاهد تعولون وعليه تعتمدون في قياس الغائب عليه، فكذلك لم تجدوا جسمًا إلا ذا أبعاض وأجزاء مؤلفة يصح عليه الموت والحياة والعلم والجهل والقدرة والعجز
(2)
فاقضوا على أن الغائب حكمه حكم هذا، فإن مروا عليه ألحدوا وأبطلوا الحدوث والمحدث، وإن أبوه نقضوا ما استدلوا به ولا انفكاك لهم عن أحد الأمرين، ومن هذه الجهة دخل على المعتزلة الخطأ في قياسهم صفات الله تعالى علي صفات المخلوقين والله تعالى لا يشبه المخلوقين؛ لأنه الخالق، ولا خالق له، وقد أعلمنا الله تعالى بالحكم في ذلك فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فكيف يشبه الخالق بالمخلوق، ومن ليس كمثله شيء كمن له مثل من الأشياء المخلوقة، وهذا مما لا يخفى فساده وإبطاله.
(1)
انظر التعليق المتقدم ص 186 - 188، 195.
(2)
انظر ما تقدم ص 185 - 188.
4 - باب قَوْلِه تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)} [الجن: 26]
{إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] و {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166]{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11]{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} [فصلت: 47] قَالَ يَحْيَى: الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.
7379 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللهُ، لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلاَّ اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلاَّ اللهُ، وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلاَّ اللهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللهُ» . [انظر: 1039 - فتح 13/ 361].
7380 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، وَهْوَ يَقُولُ {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَدْ كَذَبَ، وَهْوَ يَقُولُ: لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ. [انظر: 3234 - مسلم: 177 - فتح 13/ 361].
ذكر فيه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ .. " الحديث. وقد سلف
(1)
.
وذكره هنا بلفظ: وقال خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، ثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما به.
(1)
سلف برقم (1039) كتاب: الاستسقاء، باب: لا يدري متى يجيء المطر إلا الله.
وحديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ فَقَدْ كَذَبَ، وَهْوَ يَقُولُ: لَا يَعْلَمُ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ.
غرضه في هذا الباب إثبات علم الله تعالى صفة (له)
(1)
أبدًا؛ إذ العلم حقيقة في كون العالم عالمًا؛ إذ من المحال كون العالم عالمًا ولا علم له، وكذلك سائر أوصافه المقتضية للصفات التي هي حقيقة في ثبات الأوصاف المجراة عليه تعالى من كونه حيًّا قادرًا وما شابه ذلك خلافًا لما تقوله القدرية من أنه عالم قادر حي بنفسه لا بقدرة ولا بعلم ولا بحياة، ثم إذا ثبت كون علمه قديمًا وجب تعلقه لكل معلوم على حقيقته.
وقد نص تعالى على إثبات علمه بقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} ، [لقمان: 34] وبقوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} وغيرهما من الآيات السالفة، فمن دفع علم الباري تعالى الذي هو حقيقة في كونه عالمًا، وزعم أنه عالم بنفسه لا بعلم فقد رد نصه تعالى على إثبات العلم الذي هو حقيقة في كونه عالمًا، ولا خلاف في رد نصه على أنه ذو علم وبين رد نصه على أنه عالم، فالنافي لعلمه كالنافي لكونه عالمًا،
وأجمعت الأمة على أن من نفي كونه عالمًا فهو كافر، فينبغي أن يكون من نفي كونه ذا علم كافرًا، ومن نفي أحد الأمرين كمن نفى الآخر، والقول في العلم بهذا كاف من القول به في جميع صفاته.
وتضمن هذا الباب الرد على هشام بن الحكم
(2)
ومن قال بقوله
(1)
في (ص 1): لذاته.
(2)
هو هشام بن الحكم الكوفي الرافضي المشبه المعثر، له نظر وجدل وتواليف كثيرة، وقال ابن حزم: جمهور متكلمي الرافضة كهشام بن الحكم وتلميذه أبي على الصكاك وغيرهما يقولون: بأن علم الله محدث، وأنه لم يعلم شيئًا في =
من أن علمه تعالى محدث، وأنه لا يعلم الشيء قبل وجوده، وقد نبه الله تعالى على خلاف هذا بقوله:{إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية [لقمان: 34]، وجميع الآيات الواردة بذلك، وأخبر الشارع بمثل ذلك في حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما، فلا يلتفت إلى من رد نصوص الكتاب والسنة.
فصل:
وقول عائشة رضي الله عنها السالف واحتجاجها بالآية سلف جوابه، وقال الداودي: إنما أنكرت ما قيل عن ابن عباس أنه رآه بقلبه، وأما معنى الآية: لا تحيط به الأبصار، قال تعالى:{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)} [الشعراء: 61]، فأخبر أنهما ترائيا.
وقوله: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} . يعنون: محاطًا بنا، والله تعالى يُرى في المعاد، وما ينكر إذا رُئِيَ أي في المعاد أن يراه من شاء الله أن يراه، والنفي لا يكون إلا بتوقيف، و (أما)
(1)
منعها حجة (هي)
(2)
خلاف ما تبين لنا.
وذُكر عن ابن عباس أنه عليه السلام رأى الله تعالى بعيني بصره
(3)
. خلاف ما ذكر عنه الداودي أنه رآه بقلبه، ولعله سَبْقُ قلم، وإنما هو بعينه، وهو
= الأزل، فأحدث لنفسه علمًا.
قال: وقال هشام في مناظرته لأبي الهذيل: إن ربه طوله سبعة أشبار بشبر نفسه، قال: وكان داود الجواربي من كبار متكلميهم يزعم أن ربه لحم ودم على صورة الآدمي - عياذًا بالله من ذلك وتعالي الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا. انظر: "سير أعلام النبلاء" 10/ 543 - 544 (174).
(1)
في (ص 1): إنما.
(2)
من (ص 1).
(3)
عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 159 لابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه. ولا يصح.
الذي أنكرته عائشة رضي الله عنها
(1)
، وقال أبو الحسن الأشعري: هي فضيلة خص بها من بين سائر الأنبياء، ولا بأس أن تكون الملائكة يرونه بأبصار قلوبهم، وذلك غير ممتنع.
واختلف جوابه وجواب غيره من مشيخة أهل السنة: هل رؤيته تعالى في القيامة جزاء أم تفضل؟ ونفس (رؤيته)
(2)
سبحانه ليست لذة؛ لأن ذاته ليست ذاتا يلتذ بها، وإنما يصحب رؤيته اللذة، وقيل: معني لا تدركه الأبصار: لاتدركه جسمًا ولا جوهرًا ولا عرضًا ولا كشيء من المدركات، وقيل: لا تدركه الأبصار، وإنما يدركه المبصرون، وقيل: لا تدركه في الدنيا.
فصل:
قولها: (من حدثك أن محمدا يعلم الغيب فقد كذب).
قال الداودي: ما أظنه محفوظًا، وإنما المحفوظ: من حدثك أن محمدًا كتم شيئًا مما أنزل عليه فقد كذب
(3)
، وإنما قالت ذلك؛ لأن الرافضة كانت تقول: إنه عليه السلام خص عليًّا بعلم لم يعلمه غيره، وأما علم الغيب فما أحد يدعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلم منه إلا ما علَّمه الله تعالى.
(1)
في الحديث المتقدم عند البخاري (7380).
(2)
في الأصل: لذته والمثبت من (ص 1).
(3)
سلف هذا الحديث بهذا اللفظ (4612) كتاب: التفسير، باب:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ، ورواه مسلم أيضًا بهذا اللفظ (177) كتاب: الإيمان، باب: معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء؟
5 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر: 23]
7381
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَقُولُ: السَّلَامُ عَلَى اللهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» . [انظر: 831 - مسلم: 402 - فتح 13/ 365].
ذكر فيه حديث شقيق بن سلمة قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ رضي الله عنه: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -فَنَقُولُ: السَّلَامُ عَلَى اللهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، ولكن قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لله .. "
الشرح:
السلام هو: السالم من العيوب والنقائص والآفات الدالة على حدث بمعنى السلامة من ذلك كله.
والمؤمن: المصدق، أي: صدق نفسه وأنبياءه، وقيل: يؤمن (من)
(1)
الخوف، ومنه:{وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} [قريش: 4].
وغرضه في هذا الباب إثبات اسمًا من أسمائه تعالى، فالسلام اسم من أسمائه تعالى.
وقوله: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25]. (مختلف في تأويله فقيل معناه: والله يدعو إلى دار السلامة)
(2)
يعني: الجنة؛ لأنه لا آفة فيها
(1)
من (ص 1).
(2)
من (ص 1).
ولا كدر، فالسلام على هذا والسلامة بمعنى، كاللذاذ واللذاذة، والرضاع والرضاعة.
وقيل: السلام اسم لله تعالى. قال قتادة: الله السلام وداره الجنة
(1)
، وقال الخطابي: السلام هو الذي سلم الخلق من ظلمه. فأما المؤمن فعلي وجهين:
أحدهما: أن تكون صفة ذات وهو أن يكون متضمنا لكلام الله تعالى الذي هو تصديقه لنفسه في إخباره، ولرسله في صحة دعواهم الرسالة عليه، وتصديقه هو قوله، وقوله هو صفة من صفات ذاته لم يزل موجودًا به حقيقة في كونه قائلًا متكلمًا مؤمنًا مصدقًا.
الثاني: أن يكون متضمنًا صفة فعل هي أمانة رسله وأوليائه المؤمنين به من عقابه وأليم عذابه من قولك: أمنت فلانًا من كذا، وأمنته منه كأكرمت وكرمت، وأنزلت ونزلت، ومنه قوله تعالى:{وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} [قريش: 4]، وقد سلف.
وقال الحليمي في "منهاجه": معناه: لا ينقص المطيعين يوم الحساب من طاعته شيئًا ويثيبهم عليه؛ لأن الثواب لا يعجزه ولا هو مستكره عليه فيضطر إلى كتمان (الأعمال)
(2)
أو جحدها، وليس ببخيل فيبخله استكثار الثواب إذا كثرت الأعمال على كتمان بعضها، ولا يلحقه نقص لما يثيب فيحبس بعضه؛ لأنه ليس منتفعا بملكه حتى إذا نفع غيره به زال انتفاعه عنه بنفسه، ولا ينقص المطيع من حسناته شيئًا لا يزيد به العصاة على ما اجترحوه من السيئات شيئًا، فيزيدهم
(1)
رواه الطبري 6/ 548 (17619 - 17620)، وابن أبي حاتم 6/ 1943 (10329).
(2)
في (ص 1): بعض الأعمال.
عقابًا على ما استحقوه؛ لأن واحدًا من الكذب والظلم ليس جائزًا عليه، وقد سمي عقوبة أهل النار جزاء فما لم يقابل منها ذنبًا لم يكن جزاء، ولم يكن (وفاقًا)
(1)
يدل ذلك على أنه لا يفعله
(2)
.
فصل:
والمهيمن في الآية راجع إلى معنى الحفظ والرعاية، وذلك صفة فعل له تعالى، وقد روينا من طريق البيهقي إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] قال: مؤتمنًا عليه
(3)
، وفي رواية علي بن أبي طلحة (عنه)
(4)
: المهيمن: الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله
(5)
، وقال مجاهد: الشاهد على ما قبله من الكتب
(6)
، وقيل: الرقيب على كل شيء والحافظ له، وقال بعض أهل اللغة: الهيمنة: القيام على الشيء والرعاية له، وأنشد:
ألا إن خيرَ الناسِ بعد نبيه
…
مُهَيْمِنهُ التَّاليِه في العُرف والنُّكْر
يريد: القائم على الناس بعده بالرعاية له
(7)
.
وفي "المحكم" المهيمن - بكسر الميم وفتحها
(8)
. قال القزاز: وقالوا في قول العباس في رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
في الأصل، (ص 1):(وفا ما)، والمثبت من "الأسماء والصفات" للبيهقي.
(2)
انظر: "الأسماء والصفات" للبيهقي 1/ 166.
(3)
"الأسماء والصفات 1/ 167 (108).
(4)
من (ص 1).
(5)
"الأسماء والصفات" 1/ 167 (109).
(6)
"الأسماء والصفات" 1/ 167 - 168 (110).
(7)
نقله الأزهري في "تهذيب اللغة" 4/ 3800 عن ابن الأنباري.
(8)
4/ 240.
حتى احتوى بيتُك المُهَيمنُ مِن
…
خِندَف علياء تحتَها النُّطُقِ
(1)
إنما أراد: حتى احتويت أنت، ثم أقام البيت أي: يا أمين، وهو كان اسمه
(2)
.
قال عياض: قد سمى الله نبينا أمينًا فقال: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} [التكوير: 21]، وسماه العباس مهيمنًا.
فصل:
معنى منعه عليه السلام من قوله: السلام قد بينه بقوله: "إنَّ الله هو السلام". ويستحيل أن يقال السلام على الله؛ لاستحالة القول: الله على الله، وعلى قول من جعل السلام بمعنى السلامة، يستحيل أيضًا أن يدعى له تعالى بالسلامة.
فصل:
وقوله: "التحيات لله .. " إلى آخره هو صرف منه عليه السلام لهم عما يستحيل الكلام به إلا ما يحسن، وجمل لما في ذلك من الإقرار لله تعالى بملك
(1)
البيت في "تهذيب اللغة" 4/ 3800، "اللسان" 8/ 4705 (همن).
(2)
قال في "لسان العرب" مادة (همن): معناه حتى احتويتَ يا مُهَيْمِنُ من خِنْدِفَ علياء يريد به النبي صلى الله عليه وسلم فأَقام البيت مقامه؛ لأَن البيت إذا حَلَّ بهذا المكان فقد حَلَّ به صاحبُه، قال الأَزهرى: وأَراد ببيته شَرَفَه والمهيمن من نعته كأَنه قال حتى احْتَوى شَرَفُك الشاهدُ على فضلك علياءَ الشَّرَفِ من نسب ذوي خِنْدِف أَي ذِرْوَةَ الشَّرَف من نسبهم التي تحتها النُّطُقُ وهي أَوساطُ الجبال العالية، جعل خِنْدِفَ نُطُقًا. قال ابن بري في تفسير قوله: بيتُك المهيمنُ. قال: أَي بيتُك الشاهدُ بشرفك وقيل أَراد بالبيت نفسه لأَن البيت إذا حَلَّ فقد حلَّ به صاحبه، وفي حديث عكرمة كان عليّ عليه السلام أَعْلَم بالمُهَيْمِناتِ أَي القَضايا من الهَيْمنَة وهي القيام على الشيء، جعل الفعل لها وهو لأَربابها القوّامين بالأُمور. وروي عن عمر أَنه قال يومًا: إنِّي داع فَهَيْمِنُوا، أَي إني أَدْعُو الله فأَمِّنُوا، قلب أَحد حرفي التشديد في أَمِّنُوا ياء فصار أَيْمِنُوا، ثم قلب الهمزة هاء وأحدى الميمين ياء، فقال: هَيْمِنُوا.
كل شيء، وشرعه ما شرعه لعباده فيما أوجبه عليهم من الصلوات المفروضة وندبه إليهم من النوافل، والتقرب (إليه)
(1)
بالدعاء، والكلام الطيب الذي وصف تعالى أنه يصعد إليه بقوله:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].
فصل:
التحيات جمع: تحية، وهي العبادة أو الملك وهو قول زهير:
من كلِّ ما نالَ الفتى
قد نلته غير التَّحية
وهي البقاء والسلام يعني الملك، والزاكيات: صالح الأعمال، والطيبات: طيب القول، وقال ابن عباس: الأعمال الزكية. وقوله: "والصلوات لله" أي: لا ينبغي أن يراد بها غيره.
فصل:
تشهد ابن مسعود رضي الله عنه هذا، قد أسلفنا أنه أخذ به أحمد وأبو حنيفة، وأخذ الشافعي بتشهد ابن عباس، ومالك بتشهد عمر رضي الله عنه.
(1)
في (ص 1): إليهم.
6 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ (2)} [الناس: 2]
فِيهِ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 4712]
7382 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟» . وَقَالَ شُعَيْبٌ وَالزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ مُسَافِرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. [انظر: 4812 - مسلم: 2787 - فتح 13/ 367].
ثم ساق حديث يونس، عن الزهري، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَقْبضُ اللهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟ ". وَقَالَ شُعَيْبٌ وَالزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ مُسَافِرٍ وإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
الشرح:
قوله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ (2)} هو داخل في معنى ما أمرهم به الشارع من قولهم: التحيات لله، يريد: الملك لله، وكأنه إنما أمرهم الله بالاعتراف بذلك بقوله: قل يا محمد: أعوذ برب الناس ملك الناس، ووصفه تعالى بأنه ملك الناس على وجهين: أن يكون راجعًا إلى صفة ذاته وهو القدرة؛ لأن الملك بمعنى: القدرة. أو إلى صفة فعل، وذلك بمعنى القهر والصرف لهم عما يريدون إلى ما أراده، فتكون أفعال العباد ملكًا لله تعالى لإقداره لهم عليها، وقال ابن التين: ملك ومالك يضاف إليه الشيء نحو الملك، وليس معناه هنا قادرًا؛ لأن المغصوب ماله مالك غير قادر عليه.
فصل:
وفيه إثبات اليمين لله تعالى صفة من صفات ذاته ليست بجارحة، خلافًا لما يعتقده المجسمة في ذلك، لاستحالة وصفه تعالى بالجوارح والأبعاض واستحالة كونه جسما
(1)
. وقد تقدم حل شبههم في ذلك، فاليمين: القدرة
(2)
كما قاله المبرد، وأنشد مقالة الشماخ:
إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ
…
تَلَقَّاها عَرابَةُ باليَمينِ
(3)
وأنكر هذا بعضهم، وقال: هو خلاف ظاهر القرآن، والقران على ظاهره ما احتمل الظاهر
(4)
.
فصل:
ومعنج يقبض: يجمع وتصير كلها شيئًا واحدًا، وقيل يقبضها: يملكها
(5)
، كما تقول: هذا في قبضتي.
(1)
كذا الصواب، فإثبات الصفة لا يعني إثبات الجارحة، وقد تقدم الكلام على مسألة الجسم.
(2)
الصواب إثبات اليمين دون تأويل أو تكييف، والقران على ظاهره ما احتمل الظاهر كما سيأتي من كلام المصنف. ومسألة اليمين مثل مسألة اليد، بل هي نفس المسألة، وقد امتلأ كتابُ الله بذكر اليد وأنه خلق بيده، وأن يداه مبسوطتان، وأن الملك بيده، ومن ذلك قوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] بتثنية اليد، ولو صحَّ أن معناه بقدرتي لقال إبليس: وأنا أيضًا خلقتني بقدرتك فلا فضل له عليَّ بذلك. وسيأتي قريبًا نقل المصنف من ابن بطال لمذهب الحق. وكذا في الأحاديث الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: "وكلتا يديه يمين "رواه مسلم (1827)، فاليد واليمين ثابتة له سبحانه ولكنها لا تشبه المخلوقين، وهي يمين تليق بكماله وجلاله، وعليه فلا يصح تأويلها بالقدرة.
(3)
هذا بيت للشماخ، انظر: ديوانه ص 97، و"تهذيب اللغة"(غوب) 2/ 221، و"الخصائص" لابن جني 3/ 252.
(4)
هذا هو الصواب كما أشرنا في تعليق سبق قريبا.
(5)
هذا أيضًا الصواب إمراره على ظاهره دون تأويل.
7 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَهْوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4]
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّة} [الصافات: 180]، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه} [المنافقون: 8] وَمَنْ حَلَفَ بِعِزَّةِ اللهِ وَصِفَاتِهِ.
وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَقُولُ جَهَنَّمُ: قَطْ قَطْ بَعِزَّتِكَ» . [انظر: 4848] وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا» . [انظر: 6573]
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللهُ تعالىَ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ»
(1)
. [انظر: 6573]
وَقَالَ أَيُّوبُ عليه السلام: "وَعِزَّتِكَ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ"[انظر: 279].
7383 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:«أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الذِي لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، الذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ» [مسلم: 2717 - فتح 13/ 368].
7384 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يُلْقَى فِي النَّارِ» . وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ مُعْتَمِرٍ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ،
(1)
في هامش الأصل: سقط من الناسخ فيما يظهر لا من المؤلف: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللهُ عز وجل: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ".
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا
رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ قَدْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ. وَلَا تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ حَتَّى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ». [انظر: 4848 - مسلم: 2848 - فتح 13/ 369].
ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أَنَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الذِي لَا إلله إِلَّا أَنْتَ، الذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ".
وشيخه فيه أبو معمر، واسمه: عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ميسرة المنقري، مولاهم أبو معمر المقعد، مات سنة أربع وعشرين ومائتين.
وحديث أنس رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يلقى في النار" وفي لفظ: "لَا يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا وَهي تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حتى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ العَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ قَدْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ. وَلَا تَزَالُ الَجنَّةُ تَفْضُلُ حتى يُنْشِئَ اللهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ".
وشيخ البخاري في هذا ابن أبي الأسود وهو أبو بكر عبد الله بن محمد بن حميد (بن)
(1)
الأسود بن أبي الأسود البصري الحافظ، قاضي همذان، وجده حميد ابن أخت ابن مهدي، مات ببغداد سنة ثلاث وعشرين ومائتين.
إذا عرفت ذلك فالكلام في وجوه:
(1)
في الأصل: (أبي) والصواب ما أثبتناه.
أحدها:
العزيز متضمن للعزة، ويجوز أن تكون صفة ذات بمعنى: القدرة والعظمة، وأن تكون صفة فعل بمعنى: القهر لمخلوقاته والغلبة لهم، ولهذا صح إضافته تعالى اسمه إليها فقال:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} [الصافات: 180] والمربوب: مخلوق لا محالة، وقال ابن سحنون: العزة في هذِه الآية هى التي جعل في العباد وهي مخلوقة، وقال الحليمي: معناه: الذي لا يوصل إليه، ولا يمكن إدخال مكروه عليه، فإن العزيز في لسان العرب من القوة وهي الصلابة. فإذا قيل: الله عزيز، فإنما أراد به الاعتراف بالقدم الذي لا يتهيأ معه بعزة عما لم يزل عليه من القدرة والقوة، وذلك عائد إلى تنزيهه عما يجوز عن المصنوعين بأعراضهم بالحدوث في أنفسهم للحوادث.
وقال الخطابي: العزيز المنيع الذي لا يغلب، والعز قد يكون بمعنى الغلبة، يقال منه: عزّ يعُزّ بضم العين، وقد يكون بمعنى الشدة والقوة، فيقال منه: عز يعَز بفتح العين، وقد يكون بمعنى: نفاسة القدر يقال منه: عز يعِز بكسر العين فيها، فيتأوّل معنى العزيز على هذا أو أنه لا يعازه شيء وإنه لا مثل له.
ثانيها:
الحكيم متضمن (الحكمة)
(1)
وهو على وجهين أيضًا: صفة ذات تكون بمعنى العلم، والعلم من صفات ذاته
(2)
، والثاني: أن يكون بمعنى الأحكام للفعل والإتقان له، وذلك من صفات الفعل وإحكام
(1)
في (ص 1): لمعنى الحكمة.
(2)
انظر ما تقدم.
الله تعالى لمخلوقاته فعل من أفعاله، وليس إحكامه لها شيئًا زائدًا على قط
(1)
بل إحكامه لها جعلها نفسًا وذواتًا على ما ذهب إليه أهل السنة أن خلق الشيء وإحكامه هو نفس الشيء، وإلا أدى القول بأن الأحكام والخلق غير المحكم المخلوق إلى التسلسل إلى مالا نهاية له، والخروج إلى مالا نهاية له إلى الوجود مستحيل، فبان الفرق بين الحالف بعزة الله التي هي صفة ذاته، وبين من حلف بعزته التي هي صفة فعله أنه حانث في حلفه بصفة الذات دون صفة الفعل، بل هو منهي عن الحلف بصفة الفعل؛ لقول القائل: وحق السماء، وحق زيد؛ لقوله عليه السلام:"مَنْ كان حالِفًا فليحلفْ بالله"
(2)
.
وقد تضمن كتاب الله العزة التي هي بمعنى: القوة، وهو قوله:{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس: 14] أي: قوينا، والعزة التي هي الغلبة والقهر، وهو قوله:{وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23] أي: قهرني وغلبني.
ثالثها:
القَدَم لفظ مشترك يصلح استعماله في الجارحة وفيما ليس بجارحة، فيستحيل وصفه تعالى بالقدم الذي هو الجارحة؛ لأن وصفه بذلك يوجب أن يكون جسمًا والجسم مؤلف حامل للصفات وأضدادها غير متوهم خلوه منها، وقد بأن أن التضادات لا يصح وجودها معا، إذا استحال هذا ثبت وجودها على طريق التعاقب وعدم نقضها عند مجيء بعض، وذلك دليل على حدوثها، ومالا يصح خلوه من الحوادث فواجب كونه محدثًا، فثبت أن المراد بالقدم في هذا الحديث: خلق من خلقه
(1)
هكذا في الأصل، (ص 1) وفي "شرح ابن بطال"10/ 412:(ذواتها).
(2)
سلف برقم (2679) كتاب: الشهادات، باب: كيف يستحلف، ومسلم (1646/ 3) كتاب: الأيمان، باب: النهي عن الحلف بغير الله تعالى. من حديث ابن عمر.
بقدم علمه أنه لا يملأ جهنم إلا به،
(1)
قاله ابن بطال.
ثم قال: وقال النضر بن شميل: القدم ههنا هم الكفار الذين سبق في علم الله أنهم من أهل النار، وأنه يملأ النار بهم حتى ينزوي بعضها إلى بعض من الملء؛ لتضايق أهلها فتقول: قط قط. أي: امتلأتُ، ومنه قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} [يونس: 2](أي: سابقة صدق)
(2)
وقال ابن الأعرابي: القدم هنا هو المتقدم في الشرف والفضل، و"قد قد" و"قط قط " بمعنى: حسبي، أي: كفاني، وقال: قدني وقطني بمعنى
(3)
.
وقال ابن التين: "تقول وعزتك". فيه: جواز اليمين بصفة الله تعالى وهو مشهور مذهب مالك. قال: وروينا "قط قط" بكسر الطاء غير منون (قط) إذا كان بمعنى: حسب وهو الاكتفاء، فهي ساكنة تقول: رأيته مرة واحدة فقط، وقال الراجز:
امتلأ الحوض، وقال: قطني
…
مهلًا رويدًا قد ملأت بطني
(4)
وقيل: هو بكسر الطاء منون.
(1)
هذا كلام نفاة الصفات من الأشاعرة والماتردية ومن وافقهم، أما أن القَدَم بمعنى الجارحة فهذا يستحيل وصفه تعالى به، لكن لا ننفي القدم بل نثبت ما أثبته الله لنفسه دون نفي أو تكييف، فالمعني معلوم والكيف مجهول، والقول بالجارحة تكييف، والقول بالتأويل نفي، وكلاهما مذموم. وأهل السنة يثبتون ما أثبته الله لنفسه ويردون الكيفية إلى ما يليق بجلاله.
(2)
من (ص 1).
(3)
"شرح ابن بطال" 10/ 412 - 414.
(4)
هذا البيت غير منسوب، وهو في "تفسير الطبري" 1/ 510، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 36، و"الأمالي الشجرية" 1/ 313، و"المقاصد النحوية" 1/ 36، و"الخصائص" 1/ 23، وروي: سلَّا رويدًا.
وقال الدارقطني: قوله: "قط قط" يحتمل: أن تستجير النار ممن دخلها، وقول النار:{هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]. قيل: إنها تدعو بالمزيد غيظًا، وقيل: معناه: وهل فيَّ مزيد، أي: قد امتلأت. ثم حكي في القدم أقوالًا
(1)
:
أحدها: عن (الحسن)
(2)
: يجعل الله فيها الذين قدمهم من شرار خلقه، فهم الذين قدم الله للنار، كأن المسلمين قدم للجنة.
فمعنى القدم على هذا المتقدم أي: سبق في علم الله أنهم من أهل النار، وهذا قد سلف عن النضر.
ثانيها: أنهم قوم يخلقون يوم القيامة يسميهم الله قدمًا.
ثالثها: المعني: قدم بعض خلقه فأضيف إليه، كما يقال: ضرب الأمير اللص فيضاف الضرب إليه على معنى أمره وحكمه.
وقال الداودي: قيل معناه: وعد الصدق الذي وعد لعباده أن ينجي منهم المتقين قال تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2].
وقال بعض المفسرين: قدم صدق محمد صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(1)
كل هذِه الأقوال صرف للمعاني الواضحة الصريحة، ونفي لما وصف الله به نفسه، ولما وصفه رسوله، ولا حاجة لأن نشق على أنفسنا بالتخبط بين التأويلات ونترك العقيدة الصافية النقية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر وجوب الإيمان بصفة اليد وعدم تأويلها ونقل كلام المتقدمين من سلف الأمة قال: ويدل على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها ولم يتعرضوا لتأوبلها ولا صرفوها عن ظاهرها فلو كان التأويل سائغا لكانوا أسبق إليه لما فيه من إزالة التشبيه ورفع الشبهة. "مجموع الفتاوى" 5/ 87 - 90
(2)
في (ص 1): الحسين.
(3)
سلف معلقًا بصيغة الجزم عن زيد بن أسلم قوله، كتاب: التفسير سورة يونس.
قال: فإن كان كذلك فهي الشفاعة التي تكون منه، فيأمر الله الملائكة أن يخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، وهذا من المقام المحمود الذي وعده، وهذا خلاف نص الحديث؛ لأن فيه أن رب العالمين يضع فيها قدمه بعد أن قالت:{هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} ؛ وكيف ينقص منها وهي تطلب الزائد، وإنما ينزوي بما جعل فيها ليس بما يخرج منها، وفي هذا الخبر دلالة على من تأول في الخبر الآخر "حتى يضعَ الجبارُ فيها قدمه" أن الجبار إبليسُ وشيعته
(1)
؛ لأنه أول من تكبر، وكذلك رد من قال: يراد به غير الله من المتجبرين.
فصل:
قوله: "فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَي بَعْضٍ" أي: تنضم وتختلف، وقوله:"قد قد" بمعنى: حسب وهو مثل بمعنى قط، وهو ساكن الدال، قال الراجز: قَدْنِيَ من نصر الحُبَيْبَيْن قَدِي
(2)
.
قال ابن التين: ورويناه قِد قِد بكسر القاف، وفي رواية أبي ذر بفتحها.
فصل:
قوله: "وَلَا تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ". أي: يبقى فيها فضيلة، ورويناه بضم الضاد، يقال: فَضَل يفضُل مثل دَخَل يَدخُل، ولغة ثانية: فَضِل يفضَل مثل حذِر يحذَر، وثالثة: فضِل يفضُل وهو شاذ لا نظير له، قال سيبويه: هذا عند أصحابنا إنما يجيء على لغتين يقال: وكذلك نعم
(1)
هذا من أشنع التأويل، وسياق الكلام لا يدل عليه، والرواية السالفة صريحة (رب العالمين) ولو كان الأمر كذلك لذكرهم بلفظ (المتجبرين) و (أقدامهم).
(2)
البيت لحميد الأرقط، وتمامه: ليسَ الإمامُ بالشحيحِ الملحدِ. انظر: "لسان العرب" 6/ 3545 مادة [قدد]، "إصلاح المنطق" ص 342.
ينعم ومنه كدت ويكاد، قال القزاز: قال كراع: يجيء في اللغة فعل يفعُل سوي فضل يفُضل وحضر يحضُر، وقال غيره: هو فيهما فعَل يريد بالفتح، يفعُل بالضم.
وقوله: ("فيسكنهم فضلَ الجنَّةِ"). قال ابن بطال: اختلفت الرواية فيه (أفضل الجنة) أو (فضل الجنة)، فمن روى (فضل الجنة) يعني: ما فضل منها وبقي، ومن روي (أفضل) فمعناه: فاضلها. وفاضل وفضل عائدان إلى معنى واحد، وليس معنى أفضل من كذا الذي هو بمعنى المفاضلة، قال الله تعالى:{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] على أحد التأويلين. قال الشاعر: لعمرك ما أدري وإني لأوجل. يريد: لوجل
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 414.
8 - باب قَوْلِه تَعَالَى: {وَهُوَ الذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 73]
7385
- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ لِي غَيْرُكَ» .
حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا وَقَالَ:"أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ".
أي: أبدعها وأنشأها (بحق)
(1)
، وقال الداودي: أي للحق، قال ابن التين: والله أعلم بما أراد.
قلت: ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما السالف في الدعاء
(2)
: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ" بطوله.
وقوله: "رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ" كقوله: خالق السموات والأرض، و"أنت الحق"، يجوز أن يكون اسمًا راجعًا إلى ذاته فقط
(1)
من (ص 1).
(2)
سلف برقم (6317) كتاب: الدعوات، باب: الدعاء إذا انتبه بالليل.
أي: أنت الموجود الثابت حقًّا الذي لا يصح عليك تغيير ولا زوال، ويجوز أن يكون راجعًا إلى صفة ذاته كأنه الثابت أي قال لها: كوني فكانت، وقوله صفة من صفات ذاته عند أهل الحق والسنة على ما سيأتي بيانه بعد
(1)
.
وقال الحليمي: تسميته بالحق مما لا يسع إنكاره، ويلزم إثباته والاعتراف به ووجوده -جل وعلا- أولى ما يجب الاعتراف به -يعني (عند)
(2)
ورود أمره بالاعتراف به- ولا يسع جحوده
(3)
.
وقوله: "أنتَ نُور" كقوله: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35].
وواجب صرفه عن ظاهره؛ لقيام الدليل على أنه لا يجوز أن يوصف بأنه نور
(4)
، والمعنى: أنت نورهما بأن خلقهما دلالة لعبادك على وجودك وربوبيتك بما فيه من دلالة الحدث المفتقرة إلى محدث، فكأنه نورهما بالدلالة عليه منهما وجعل في قلوب الخلائق نورًا يهتدون إليه، وقال ابن عباس: الله نورهما، أي: هاديهن
(5)
.
(1)
بل الصواب عند أهل السنة والجماعة أن قولَ الله تعالى صفة ذات وصفة فِعل، وانظر ما تقدم أول كتاب التوحيد.
(2)
من (ص 1).
(3)
انظر: "الأسماء والصفات" للبيهقي 1/ 45.
(4)
بل الدليل قائم على أنه وصف نفسه بذلك سبحانه، نورا يليق بجلاله.
(5)
أخرجه الطبري 9/ 320 (26085)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 8/ 2593 (14550) من طريق على بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: هادي أهل السموات والأرض. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 197 وزاد نسبته لابن المنذر والبيهقي في "الأسماء الصفات".
قال الإمام ابن القيم في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص (8 - 9): وقد فُسِّر قوله تعالى: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} بكونه منوّر السموات والأرض، وهادي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أهل السموات والأرض، فبنوره اهتدى أهل السموات والأرض.
وهذا إنما هو فعله، وإلَّا فالنور الذي هو من أوصافه قائم منه، ومنه اشتق له اسم النور، الذي هو أحد أسمائه الحسنى.
والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين: إضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله.
فالأول كقوله عز وجل: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: 69].
فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور:"أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلّني، لاإله إلا أنت"، وفي الأثر الآخر:"أعوذ بوجهك، أو بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات".
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الظلمات أشرقت لنور وجه الله، كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره.
وفي "معجم الطبراني" و"السنَّة" له، وكتاب عثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه.
وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السموات والأرض.
وأما من فسَّرها بأنه منور السموات والأرض فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود. والحق أنَّه نور السموات والأرض بهذِه الاعتبارات كلها.
وفي "صحيح مسلم" وغيره من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال:"إنَّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النَّهار وعمل النَّهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". وفي " صحيح مسلم"عن أبي ذر- رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: "نور، أنَّى أراه".
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: معناه: كان ثمَّ نور، أو حال دون رؤيته نور، فأنَّى أراه؟. قال: ويدل عليه: أنَّ في بعض الألفاظ الصحيحة: هل رأيت ربك؟ قال: "رأيت نورًا". =
وعن بعضهم مدبرهما ومدبر ما فيهما
(1)
، وتقديره: الله نور السموات.
وقوله: "قيم السَّمواتِ والأرض"يجوز أن يكون بمعنى العالم بمعلوماته، فيكون صفة ذات، وأن يكون بمعنى الحفظ لمخلوقاته والحفظ والرزق للحي منها فيكون صفة فعل، وقد سلف الحديث بأبسط من هذا.
= ويدل على صحة ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر- رضي الله عنه: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "حجابه النور" فهذا النور -والله أعلم- النور المذكور في حديث أبي ذر رضي الله عنه: "رأيت نورًا". انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
ويبيِّن ما قاله ابن القيم من أنَّه نور السموات والأرض بهذِه الاعتبارات كلها ما قاله العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسير" للآية: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، وبه استنار العرش والكرسي والشمس والقمر والنور، وبه استنارت الجنَّة. وكذلك المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور. فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات، ولهذا كل محل يفقد نوره فثمَّ الظلمة.
(1)
رواه الطبري 9/ 320 - 321 (26087) عن ابن عباس ومجاهد.
9 - باب {وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]
وَقَالَ الأَعْمَشُ: عَنْ تَمِيمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1].
هذا التعليق أخرجه النسائي وابن ماجه مسندًا إلى الأعمش
(1)
، وقال الشيخ أبو الحسن: كذا وقع، ولذلك لم يأت في تفسير المجادلة، وتميم هذا هو ابن سلمة السلمي الكوفي، مات سنة مائة، روى له البخاري والجماعة استشهادًا
(2)
.
7386 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ:«ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا» . ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. فَقَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ، قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ» . أَوْ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ؟ " بِهِ. [انظر: 2992 - مسلم: 2704 - فتح 13/ 372].
(1)
"المجتبي" 6/ 168 كتاب: الطلاق، باب: الظهار، "السنن الكبرى" 3/ 368 (5654) كتاب: الطلاق، باب: الظهار، و 6/ 482 (11570) كتاب: التفسير، سورة المجادلة، "سنن ابن ماجه"(188) المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية، و (2063) كتاب: الطلاق، باب: الظهار.
(2)
تميم بن سلمة السلمي الكوفي، رأى عبد الله بن الزبير، وثقه ابن معين والنسائي، انظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد" 6/ 287، "التاريخ الكبير" 2/ 153 - 154 (2025)، "الجرح والتعديل" 2/ 441 (1760)، "تهذيب الكمال" 4/ 330 (803).
7387، 7388 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَان، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ:«قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» . [انظر: 834 - مسلم: 2705 - فتح 13/ 372].
7389 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام نَادَانِي قَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ» . [انظر: 3231 - مسلم: 1795 - فتح 13/ 372].
ثم ساق حديث أبي موسي رضي الله عنه السالف
(1)
: "ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا".
وحديث أبي الخير مرثد بن عبد الله اليَزَنِي: سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرو، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَالَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كثِيرًا" وقد سلف.
وحديث عائشة رضي الله عنها: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ جِبْرِيلَ نَادَانِي قَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ".
غرضه في هذا الباب أن يرد على من يقول: إن معني (سميع بصير) يعني: عليم لا غيرة لأن كونه لذلك يوجب مساواته تعالى للأعمى والأصم الذي يعلم أن السماء خضراء ولا يراها، وأن في العالم أصواتًا ولا يسمعها -ولا شك- أن من سمع الصوت وعلمه ورأى
(1)
سلف برقم (2992) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما يكره من رفع الصوت في التكبير.
خضرة السماء وعلمها أدخل في صفات الكمال ممن انفرد بإحدي هاتين الصفتين، وإذا استحال كون أحدنا ممن لا أمره أكمل صفة من خالقه، وجب كونه سميعًا بصيرًا مفيدًا أمرًا زائدًا على ما يفيد كونه عليمًا. ثم نرجع إلى ما تضمنه كونه سميعًا بصيرًا.
فنقول: هما متضمنان لسمع وبصر لهما كان سميعًا وبصيرًا، كما تضمنه كونه عالمًا علمًا لأجله كان عالمًا، كما أنه لا خلاف بين إثباته عالمًا وبين إثباته ذا علم، وأن من نفي أحد الأمرين كمن نفى الآخر، وهذا مذهب أهل السنة والحق.
وقال ابن التين: قوله: (سميعًا) يحتمل أن يكون أراد به يسمع الأصوات لغير حاجة، ويريد أنه يقبل بفضله ما يشاء من أعمال عباده، قال: وبصير قد يكون بمعنى: عالم
(1)
، دليله قوله تعالى:{بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: 44] ويحتمل أن يكون بمعنى مدرك ورأى بإدراك يزيد على العلم ولم يزل بصيرًا بمعنى: رأى ومدرك؛ لأنه يرى نفسه وصفات ذاته، ولم يزل سامعًا كلامه ونفسه وصفات ذاته.
فصل:
ومعنى قول عائشة رضي الله عنها: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات): أدرك سمعه الأصوات لا أنه يسمع سمعه لها؛ لأن الموصوف بالسعة يصح وصفه بالضيق بدلاً منه، والوصفان جميعًا من صفات الأجسام، وإذا استحال وصفه بما يؤدي إلى القول بكونه تعالى جسمًا وجب صرف قولها عن ظاهره إلى ما اقتضاه صحة الدليل، ولا يغالطه سمع عن سمع ولو ناداه الخلق جميعًا معًا سمع
(1)
الصواب إثبات صفات اللهَ سبحانه وتعالى كما جاءت النصوص، انظر ص 185 - 188.
أصواتهم، وروي عن عائشة رضي الله عنها كلمته المجادلة و (أنا)
(1)
قريب منه، فلم أسمعها، فنزل:{قَدْ سَمِعَ اللهُ}
(2)
.
فصل:
ومعني قوله: "فإنَّكم لا تَدْعون أصمَّ ولا غائبًا". نفي الآفة المانعة من السمع، ونفي الجهل المانع من العلم، وفي هذا القول منه دليل على أنه لم يزل سميعًا بصيرًا عالمًا، ولا يصح أضداد هذِه الصفات عليه تعالى.
وقوله: "قريبا" إخبار عن كونه عالمًا بجميع المعلومات لا يعزب عنه شيء، ولم يرد بوصفه بالقرب قرب المسافة؛ لأن الله تعالى لا يصح وصفه بالحلول في الأماكن
(3)
؛ لأن ذلك من صفات الأجسام، والدليل على ذلك قوله تعالى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] معناه: إلا وهو عالم بهم وبجميع أحوالهم ما يسرونه وما يظهرونه.
ومعني حديث أبي بكر رضي الله عنه في الباب هو أن دعاء الله تعالى ما علمه الشارع يقتضي اعتقاد سميعًا لدعائه ومجازيًا عليه.
(1)
في (ص 1): إني
(2)
رواه النسائي 6/ 168، وابن ماجه (188)، (2063)، وأحمد 6/ 46.
(3)
ها هو الصواب من مذهب أهل السنة والجماعة، قال السعدي في تفسير قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186]: القرب نوعان: قرب بعلمه من كل خلقه، وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق. اهـ وقال ابن عثيمين في "شرح الواسطية" 2/ 511: لا يلزم من قربه أن يكون في الأرض؛ لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته، وهو محيط بكل شيء.
فصل:
قوله: "ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ" بالباء الموحدة رويناه بكسرها، وهو في ضبط بعض الكتب بفتحها، وكذا هو في ضبط كتب أهل اللغة، ومعناه: ارفقوا بأنفسكم.
10 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِر} [الأنعام: 65]
7390 -
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي المَوَالِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الحَسَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّلَمِيُّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ:«إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ -ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ- خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ -قَالَ: أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ» . [انظر: 1162 - فتح 13/ 375].
ذكر فيه حديث جابر بن عبد الله السلمي رضي الله عنهما في دعاء الاستخارة، وقد سلف في الأدعية قريبًا
(1)
.
والقادر والقدرة من صفات الذات
(2)
، وقد سلف في باب قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [الذاريات: 58]
إن القوة والقدرة بمعنى، وكذلك القادر والقوي بمعنى، وذكر الأشعري أن القدرة والقوة والاستطاعة معناها واحد. لكن لم يشتق لله تعالى من الاستطاعة اسم، ولا يجوز أن يوصف بأنه مستطيع؛
(1)
سلف برقم (6382) باب: الدعاء عند الاستخارة.
(2)
سبق الكلام على تقسيم الصفات إلا صفات ذات وصفات أفعال ص 190.
لعدم التوقيف بذلك، وإن كان قد جاء القرآن بالاستطاعة، فقال:{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} [المائدة: 112] فإنما هو خبر عنهم ولا يقتضي إثباته صفة له تعالى، فدل على ذلك أمران تأنيبه لهم عقب هذا، وقراءة من قرأ:(هل تستطيع ربك)
(1)
يعني: هل تستطيع سؤال ربك، وقد أخطئوا في الأمرين جميعًا؛ لافترائهم على أنفسهم وخالقهم ما لم يأذن لهم فيه ربهم عز وجل.
وقوله في دعاء الباب: "فاقدره لي". أي: اقض لي به، والرواية بضم الدال، وقد روي بكسرها.
(1)
هذه قراءة الكسائي. انظر: "الكوكب الدري" ص 424.
11 - باب مُقَلِّبِ القُلُوبِ
وَقَوْلِ اللهِ عز وجل: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110].
7391 -
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ: «لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» . [انظر: 6617 - فتح 13/ 377]
ذكر فيه حديث عبد الله رضي الله عنه قال: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ: "لَا وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ".
هذا الحديث سلف في الأيمان
(1)
والقدر أيضًا
(2)
، وأسلفنا هناك أن تقليبه لقلوب عباده صرفه لها من إيمان إلا كفر، ومن كفر إلى إيمان، وذلك كله مقدور لله، وفعل له بخلاف قول القدرية.
فصل:
و (مقلب القلوب). قد ورد هنا وهو صفة فعل مثل: مهلك الكافرين وقاهر الجبابرة، وغير ذلك من صفات الأفعال.
(1)
سلف برقم (6628) كتاب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
سلف برقم (6617) باب: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}
12 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّة
"
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {ذُو الْجَلَالِ} [الرحمن: 27]: الْعَظَمَةِ، و {الْبَرُّ} [الطور: 28]: اللَّطِيفُ.
7392 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . [انظر: 2736 - مسلم: 2677 - فتح 13/ 377]. {أَحْصَيْنَاهُ} [يس:12]: حَفِظْنَاهُ.
ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ لله تِسْعَةً وَتسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ". {أَحْصَيْنَاهُ} [يس: 12]: حَفِظْنَاهُ.
الشرح:
الإحصاء في اللغة يطلق بمعنى: الإحاطة بعلم عدد الشيء وقدره، ومنه:{وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28]، هذا قول الخليل، وبمعنى: الإطاقة له؛ لقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] أي: لن تطيقوه، وقال عليه السلام:"استقيموا ولن تحصوا"
(1)
أي: لن تطيقوا العمل بكل ما لله (عليكم)
(2)
، والمعنى في ذلك كله متقارب، وقد يجوز أن يكون المعنى: من أحصاها عددًا وحفظًا وعلمًا بما يمكن علمه من معانيها المستفادة منها علم الصفات (التي تقيدها لأن تحت وصفنا له
(1)
رواه ابن ماجه (277)، وأحمد 5/ 276 - 277 من حديث ثوبان.
(2)
في الأصل: (عليك)، والمثبت من (ص 1).
بعالم إثبات علم له تعالى لم يزل موصوفًا به)
(1)
[لا كالعلوم، وتحت وصفنا له بقادر إثبات قدرة لم يزل موصوفًا بها]
(2)
لا كقدرة المخلوق، وكذلك القول في الحياة وسائر صفاته، ويحتمل أيضًا أن يكون المراد (العمل)
(3)
بالأسماء والتعبد لمن سمي بها.
فإن قلت: كيف وجه إحصائها عملًا؟ قيل له: وجه ذلك أن ما كان من أسماء الله تعالى كالرحيم، والكريم، والعفو، والغفور، والشكور، والتواب، وشبهها، فإن الله يحب أن يرى على عبده حلاها، ويرضى له معناها، والاقتداء به فيها، فهذا العمل بهذا النوع من الأسماء.
وما كان منها لا يليق بالعبد معناها: كالله، والأحد، والقدير، والجبار، والمتكبر، والعظيم، والعزيز، والقوي، وشبهها، فإنه يجب على العبد الإقرار بها والتذلل والإشفاق منها.
وما كان بمعنى الوعيد كشديد العقاب، وعزيز ذي انتقام، وسريع الحساب، وشبهها، فإنه يجب على العبد الوقوف عند أمره، واجتناب نهيه، واستشعار خشيته عز وجل، من أجلها خوف وعيده وشديد عقابه. هذا وجه إحصائها عملاً، فهذا يدخل الجنة إن شاء الله تعالى.
وقد نقل عن الأصيلي أنه أشار إلى هذا المعنى فقال: الإحصاء لأسمائه تعالى هو العمل بها لا عدها وحفظها، فقال: إنه قد يعدها الكافر والمنافق، وذلك غير نافع له.
(1)
من (ص 1).
(2)
ساقطة من الأصل، و (ص 1) وأثبتناها من "شرح ابن بطال"10/ 420 وبها يستقيم السياق.
(3)
في (ص 1): العلم.
قال ابن بطال: ويوضحه قوله عليه السلام في صفة الخوارج "يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين"
(1)
فبين أن من قرأ القرآن، ولم يعمل به لم ترفع قراءته إلى الله، ولا جاوز حنجرته، فلم يكتب أجرها وخاب من ثوابها، كما قال تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، يعني: أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله، وكما قال ابن مسعود: إنك في زمان كثير فقهاؤه وقليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه، وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه وكثير قراؤه يحفظ فيه القرآن وتضيع حدوده
(2)
.
فذم من حفظ الحروف وضيع العمل، ولم يقف عند الحدود، ومدح من عمل بمعاني القرآن، وإن لم يحفظ الحروف، فدل هذا على أن الحفظ والإحصاء المندوب إليه هو العمل، ويوضح هذا أيضًا ما كتب به عمر رضي الله عنه إلى عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه
(3)
. ولم يرد عمر رضي الله عنه بحفظها إلا المبالغة في إتقان العمل بها من إتمام ركوعها وسجودها وإكمال حدودها، لا حفظ أحكامها وتضييع العمل بها
(4)
.
(1)
سلف برقم (3344) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ} ، ورواه أيضًا مسلم (1064) كتاب: الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم، كلاهما من حديث أبي سعيد الخدريِّ.
(2)
رواه مالك ص 124 - 125، والبخاري في "الأدب المفرد"(789)، قال الحافظ في "الفتح"10/ 510: إسناده صحيح ومثله لا يُقال من قبل الرأي.
(3)
رواه عبد الرزاق 1/ 537 (2038)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 193، والبيهقي 1/ 445.
(4)
"شرح ابن بطال" 10/ 421.
وقد ذكر البخاري هذا الحديث في الأدعية بلفظ: "لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة"
(1)
، وهو مفسر لما ذكره البخاري هنا من أن الإحصاء: الحفظ، وقد أسلفنا هناك أنها توقيفية.
واختلف الأصوليون في تسميته بما له من تعظيم بقياس أوخبر، واختار بعضهم أنه لا يسمى إلا بما سمى به نفسه أو رسوله من طريق متواتر لا آحاد يوجب عليه الظن أو من ناحية الإجماع، واحتج بقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] قال: وقد قام الدليل على أن الحسن لا يعلم بالعقل وإنما يعلم بالسمع، وقوله:"إن لله تسعة وتسعين اسمًا" أي: تسمية؛ لأن الاسم هو المسمى عند الأشعرية، ولو أبقيناه على ظاهره لكان لله تسعة وتسعين اسمًا، أي: فقط، وليس كذلك كما سلف
(2)
.
(1)
سبق برقم (6410) باب: لله مائة اسم غير واحد.
(2)
الذي عليه أهل السنة والجماعة أن أسماء الله أعلام وأوصاف، وهي بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على مسمى واحد وهو الله عز وجل، وبالاعتبار الثاني متباينة لدلالة كل واحد منها على معناه الخاص.
وأنها ليست منحصرة في التسعة والتسعين اسمًا بدليل ما رواه أحمد 1/ 391 من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "أسألك بكل اسم سميت به نفسك .. أو استأثرت به في علم الغيب عندك" كما أن الحديث المروي في تعيين هذِه الأسماء لم يصل إلى درجة الصحة، قال ابن كثير في "تفسيره" 6/ 461: والذي عوَّل عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه اهـ وانظر: "معارج القبول" 1/ 112 وما بعدها.
13 - باب السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللهِ وَالاسْتِعَاذَةِ بِهَا
7393 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ» . تَابَعَهُ يَحْيَى وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَزَادَ زُهَيْرٌ وَأَبُو ضَمْرَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تابعَةُ مُحَمدُ بْنُ عَبد الرَّحمْنِ، والدَّروَارْدِيُّ، وَأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ. [انظر: 6320 - مسلم: 2714 - فتح 13/ 378].
7394 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ» . وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» . [انظر: 6312 - فتح 13/ 378]
7395 -
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: "بِاسْمِكَ نَمُوتُ وَنَحْيَا" فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". [انظر: 6325 - فتح 13/ 379].
7396 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَقَالَ بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا» . [انظر: 141 - مسلم: 1434 - فتح 13/ 379].
7397 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: أُرْسِلُ كِلأَبِي المُعَلَّمَةَ؟ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَأَمْسَكْنَ فَكُلْ، وَإِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْ» . [انظر: 175 - مسلم: 1929 - فتح 13/ 379]
7398 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثًا عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِى يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا. قَالَ:«اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللهِ وَكُلُوا» . تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ. [انظر: 2057 - فتح 13/ 379]
7399 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ. [انظر: 5553 - مسلم: 1966 - فتح 13/ 379]
7400 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ:«مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ» . [انظر: 985 - مسلم: 1960 - فتح 13/ 379]
7401 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ» . [فتح 13/ 279].
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ، وَلْيَقُلْ: باسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أًرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ".
تَابَعَهُ يَحْيَي وَبِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَزَادَ زُهَيْر وَأَبُو ضَمْرَةَ وإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرحْمَنِ، والدَّرَاوَرْدِيُّ، وَأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ.
عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَوى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: "اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ".
"اِذَا أَصبَحَ قَالَ: "اْلحَمْدُ لله الذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيهِ النُّشُورُ".
الحديث الثاني، وهو في الحقيقة ثالث:
حدثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَيْلِ قَالَ: "بِاسْمِكَ نَمُوتُ وَنَحْيَا" فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: "الْحَمْدُ لله الذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ".
وسعد هذا طلحي، مولاهم كوفي أبو محمد المعروف بالضخم، مات سنة خمس عشرة ومائتين، انفرد به البخاري وروي عن شيبان النحوي فقط.
الحديث الثالث:
حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "لوْ أَنَّ أحدهم إِذَا أَرَادَ أَن يَأتِيَ أَهْلَة فَقَالَ: بِاسمِ اللهِ" الحديث سلف
(1)
(1)
سلف برقم (141) كتاب: الوضوء، باب: التسمية على كل حال وعند الوقاع.
الرابع:
حديث عدي رضي الله عنه في التسمية على الصيد وفيه: "إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْ ".
وخزق المعراض: شق اللحم وقطعه، وهو بالزاي وروي بالراء، ومعناهما واحد. والمعراض سهم لا ريش له.
الحديث الخامس:
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ ابْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثُ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا أَمْ لَا. قَالَ:«اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللهِ وَكُلُوا» . تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ.
السادس:
حديث أنس رضي الله عنه قال: ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ.
السابع:
حديث جندب رضي الله عنه: "وَمَنْ لمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ".
الثامن:
حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: "لَا تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ، وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللهِ".
الشرح:
متابعة أبي ضمرة ويحيى سلفت في الدعوات
(1)
بزيادات.
(1)
سلفت برقم (6320).
ومتابعة يحيى أخرجها النسائي عن عمرو بن على وابن مثنى، عن يحيى، عن عبيد الله به
(1)
، ورواه أيضًا عن زياد بن يحيي، عن معتمر بن سليمان، عن عبيد الله، عن سعيد
(2)
، وعن محمد بن حاتم، عن سويد، عن ابن المبارك، عن عبيد الله، عن سعيد به ولم يرفعه
(3)
.
وزيادة زهير أخرجها البخاري وأبو داود عن أحمد بن يونس عنه
(4)
.
وزيادة إسماعيل أخرجها الطبراني في "الأوسط" عن محمد بن عمران، أنا محمد بن الربان عنه، ورواية ابن عجلان سلفت هناك، وأخرجها النسائي عن قتيبة، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن ابن عجلان، عن سعيد به
(5)
.
ومتابعة أسامة في حديث عائشة أسندها في الذبائح فقال: حدثنا محمد بن عبد الله، ثنا أسامة بن حفص به
(6)
.
ومتابعة الدراوردي رواها محمد بن يحيي بن أبي عمر العدني عنه.
فصل:
و (صنفة ثوبه): طرفه، وقيل: حاشيته أي: جانبه، وقيل: هي الناحية التي عليها الهدب، وقيل: الطرة، والمراد هنا: طرفه. قاله عياض
(7)
.
(1)
النسائي في "عمل اليوم والليلة"(797).
(2)
النسائي في "عمل اليوم والليلة"(798).
(3)
"عمل اليوم والليلة"(799).
(4)
سلف برقم (6320)، أبو داود (5050).
(5)
"عمل اليوم والليلة"(896).
(6)
سلفت برقم (5507) باب: ذبيحة الأعراب ونحوهم.
(7)
"إكمال المعلم" 8/ 212.
وقال الجوهري: طرته وهو جانبه الذي لا هدب له
(1)
، ويقال: الصنفة: النوع، والصنف بالفتح لغة، وكذا قال ابن قتيبة: صنفة الثوب: حاشيته التي لا هدب فيها، وعليه اقتصر ابن بطال
(2)
.
وقد أسلفنا في الدعاء أن سره خشية أن يخالفه إليه شيء من الهوام، والصنفة بفتح الصاد وكسر النون، وقال ابن التين: رويناه بكسر الصاد وسكون النون، وفي "الصحاح": الأول.
وقوله: ("وضعت جنبي"). قال الداودي: يَقول أنت خلقت فعلي.
وقوله: ("بعدما أماتنا") سمي النوم موتًا؛ لقرب حاله من الميت، والعرب تسمي الشيء بالشيء إذا قاربه، قاله الداودي.
قوله: ("جنب الشيطان ما رزقتنا") يعني: الولد، فوقعت (ما) هنا لمن يعقل، وهي لغة غير مشهورة.
وقوله: ("لم يضره شيطان أبدًا") يعني: الشرك؛ إذ لا يكاد أحد يخلو من الذنب، قاله الداودي.
وقوله: ("اذكروا اسم الله وكلوا") فيه: أن ما في الشرع محمول على الإباحة حتى يظهر موجب تحريمه.
وتضحيته بكبشين حجة لمن فضل الغنم، وعندنا وعند أبي حنيفة الإبل ثم البقر ثم الغنم.
فصل:
غرض البخاري في هذا الباب أن يثبت أن الاسم هو المسمى في الله تعالى على ما ذهب إليه أهل السنة وموضع الدلالة منه قوله عليه السلام: ("باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه").
(1)
"الصحاح" 2/ 724.
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 425.
وقوله في حديث حذيفة رضي الله عنه: ("باسمك أحيا وأموت")، ومعناه: بإقدارك إياي على وضع جنبي، كقولك
(1)
: (بغيرك) وضعت جنبي. وقوله: "باسمك أحيا وأموت"(بغيرك)
(2)
أحيا وأموت، وهذا كفر بالله تعالى، ويكون قوله:"وبك أرفعه" وقوله: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا" مراد به: الله تعالى، فيكون بعض الدعاء إلى الله وصرف الأمر فيه إلى غير الله تعالى. وهذا كفر صريح لا يخفى.
ومما يدل على أن اسم الله تعالى هو هو، قوله:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} [الواقعة: 96] أي: سبح ربك العظيم ونزهه بأسمائه الحسنى، ولو كان اسم غيره لكان الله تعالى أمر نبينا بتنزيه معنى هو غير الله، وهذا مستحيل، ومما يدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} [الرحمن: 78] في قراءة من قرأ (ذو الجلال)
(3)
. وذو: وصف لا يشك فيه.
فإذا قد وصف الاسم بالجلال والإكرام، وهذا بخلاف القدرية التي تزعم كون كلامه محدث، وأنه تعالى لم يزل غير ذي اسم ولا صفة حتى يخلق الخلق وخلق كلامه، فسماه خلقه بأسماء محدثة، وسمى نفسه بمثلها. وهذا من الفساد بما قدمناه أنه تعالى لا يجوز أن يأمر نبيه بتنزيه غيره.
فإن قلت: فإذا قلتم إن اسم الله هو هو، فما معنى قوله عليه السلام: "إن لله
(1)
هكذا في الأصل، و (ص 1) والكلام فيه نقص انظره في "شرح ابن بطال"10/ 423.
(2)
في الأصل: (بعزك) في الموضعين، والمثبت من (ص 1)، وانظر:"شرح ابن بطال".
(3)
قرأها ابن عامر، وقرأ باقي السبعة (ذي الجلال) بالياء. انظر "السبعة في القراءات" لابن مجاهد ص 621، "الكشف" لمكي 2/ 303.
تسعة وتسعين اسمًا"، وكيف تكون الذات الواحدة تسعة وتسعين شيئًا، قالوا: وهذا كفر ممن قال به، فبان من هذا الحديث أن اسمه غيره.
فالجواب: أنه لو كان اسمه [غيره]
(1)
لم يجز أن يأمر نبيه بتنزيه مخلوق غيره على ما قدمناه، ونرجع إلا تأويل الحديث فنقول: المراد بالحديث التسمية؛ لأنه في نفسه واحد، والاسم يكون لمعنيين يكون بمعنى المسمى، ويكون بمعنى التسمية التي هي كلامه فالذي بمعنى المسمى هو المسمى والذي بمعنى التسمية لا يقال فيه: هو المسمى ولا هو غيره، وإنما لم يقل فيه هو المسمى؛ لاستحالة كون ذاته تعالى كلامًا وسادة مسده، ولم يقل أيضًا: هو غيره؛ لأن تسميته عز وجل لنفسه ككلام له، ولا يقال في كلامه: إنه غيره
(2)
.
فصل:
ومعنى الترجمة معنى قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] فأمر بدعائه بها ووصفه لها بالحسنى يقتضي نفي تضمن كل اسم منها نقيض ما يوصف أنه حسن ونقيض الحسن: قبيح لا يجوز على الله تعالى، ومعنى هذا أن عالمًا من أسمائه يقتضي علمًا ينفي نقيضه من الجهل، وقادرًا يقتضي قدرة تنفي نقيضها من العجز، وحيًّا يقتضي حياة تنفي ضدها من الموت، وكذلك سائر صفاته تعالى كلها، ففائدة كل واحدة منها خلاف فائدة الأخرى، فأمر تعالى عباده بالدعاء بأسمائه كلها؛ لما يتضمن كل اسم منها ويخصه من الفائدة؛ ليجتمع للعباد الداعين له بجميعها فوائد عظيمة ويكون معبودًا بكل معنى.
(1)
ليست في الأصل، وبها يستقيم المعنى.
(2)
انظر التعليق السالف ص 185 - 188.
14 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللهِ عز وجل
-
وَقَالَ خُبَيْبٌ رضي الله عنه: وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ. فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ.
7402 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ - حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ - أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَةً مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَاريُّ، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ ابْنَةَ الحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ قَالَ خُبَيْبٌ الأَنْصَاريُّ:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا
…
عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ
…
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الحَارِثِ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا. [انظر: 3045 - فتح 13/ 381].
ثم ساق قصته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وشعره، وسلفت
(1)
.
الشرح:
(أسامي) جمع أسماء، وأسماء: جمع اسم، وذكر عن الفراء: أعيذك بأسماء ذات الله، واختلف في اشتقاقه:
فقال البصريون: من سموت؛ لأنه مزية ورفعة، وتقديره أسمى ذهب منه لامه. وقال الكوفيون: من وسمت أي: علمت، واحتج الأولون بأن جمعه أسماء وتصغيره: سُمَيٌّ، ولو كان من السمة لكان جمعه أوسام، و [تصغيره]
(2)
: أُسيم والتصغير والتكسير يردان الأسماء إلى أصولها. واختلف البصريون في تقدير اسمه، فقال بعضهم: فعل مثل جدع،
(1)
سبق برقم (3045)، كتاب: الجهاد والسير، باب: هل يستأسر الرجل.
(2)
في الأصل: جمعه. والسياق يقتضي ما أثبتنا.
وقيل: فعل وفيه لغات: بتثليث الهمزة، وسَم، وسُم، وسمات على وزن هذات، وسمى على وزن هدى، ألفه ألف وصل، وربما قطعها الشاعر ضرورة
(1)
.
فصل:
وقول خبيب:
(ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا
…
عَلَى أَيِّ شِقِّ كانَ لله مَصْرَعِي)
فيه نقص من وزن البيت الثاني، وتحقيق وزنه: فلست أبالي .. إلى آخره، كما ذكره في غزوة بدر؛ لأن وزنه: فعول مفاعيل فعول مفاعيلن. وهو من الطويل.
(والشلو): العضو، و (ممزع): مقطع.
فصل:
أسماء الله تعالى أضرب:
أحدها: يرجع إلا ذاته ووجوده فقط لا إلى معني يزيد على ذلك؛ كقولنا: الله موجود وذات ونفس.
ثانيها: يرجع إلى إثبات معاني قائمة به تعالى هي صفات له كقولنا: حي وقادر وعالم ومريد، يرجع ذلك كله إلى حياة وعلم وقدرة وإرادة؛ لأجلها كان حيًّا قادرًا عالمًا مريدًا.
ثالثها: يرجع إلى صفات من صفته أو حاله كقوله: خالق ورازق ومحيي ومميت، يرجع بذلك كله إلى خلق ورزق وحياة وموت، وذلك كله فعل له تعالى، فأما إثباته ذاتًا وسببًا ونفسًا فطريقه السمع،
(1)
انظر: "لسان العرب" 4/ 2109، مادة (سما)، "الإنصاف في مسائل الخلاف" ص 4 - 12.
وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول خبيب: (وذلك في ذات الإله). فلم ينكره، فمعيار طريق العلم من التوقيف منه الشارع، وذاته هي هو.
ومعنى قوله: (في ذات الإله): في دين الإله وطاعته
(1)
.
تجمع هذه الأضرب الثلاثة أسماء الله تعالى في الحقيقة كل منها ما يتضمن صفة ترجع إلى ذاته أو إلى فعل من أفعاله أم لا فكل صفة اسم لله تعالى وليس كل اسم صفة.
ومذهب أهل السنة أنه محال أن يقال في صفات ذاته، أن كل واحد منها غير الأخرى، كما استحال القول عندهم بأنه غيره تعالى؛ لأن حد الغيرين ما جاز وجود أحدهما مع عدم الآخر، ولما لم يجز على شيء من صفاته عدم إحداها مع وجود سائرها استحال وصفها بالتغاير كما استحال وصفه بأنه غيرها؛ لقيام الدليل على استحالة وجوده تعالى مع عدم صفاته التي هي حياته وعلمه وقدرته وسائر صفات ذاته، وليس كذلك صفات أفعاله؛ لأن أفعاله متغايرة يجوز وجود بعضها مع عدم سائرها كالرزق.
وسائر صفات أفعاله التي تتضمنها أسماء له أطلقها الله تعالى على نفسه كرازق وخالق ومحيي ومميت وبديع، وما شاكل ذلك، فهذِه كلها أسماء لله تعالى سمى نفسه بها، وتسميته قوله، وقوله ليس غيره كسائر صفاته، ومتضمن هذه الأسماء متغاير على ما ذكرنا، وغير له تعالى؛ لقيام الدليل على وجوده في أزله مع عدم جميع أفعاله.
(1)
سبق أن الصواب إمرار صفات الله عز وجل كما جاءت.
15 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَه} [آل عمران: 28]
وَقَوْلِهِ: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116].
7403 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ» [انظر: 4634 - مسلم: 2760 - فتح 13/ 383].
7404 -
حَدَّثَنَا عَبْدَان، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَمَّا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ -هُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهْوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ- إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» [انظر: 3194 - مسلم: 2751 - فتح 13/ 384].
7405 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،
وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». [انظر: 7505، 7537 - مسلم: 2675 - فتح 13/ 384].
ذكر فيه حديث شقيق عن عبد الله رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ عز وجل، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ، وَمَا أحَدٌ أَحَبَّ إِليْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ عز وجل. وقد سلف.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَمَّا خَلَقَ الله عز وجل الخَلْقَ كتَبَ فِي كتَابِهِ -هُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ- إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي".
وحديثه أيضًا: قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإن ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكرتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شبرًا تَقَرَبتُ منه ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ منه بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".
الشرح:
معنى قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} أي: إياه، تقول قتل نفسه أي: أوقع الهلاك بذاته كلها. وقيل: يحذركم عقابه.
وقوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} قال ابن الأنباري: أي تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في غيبك. وقال الزجاج: النفس عند أهل اللغة على معنيين: أحدهما: أن يراد بها بعض الشيء، والآخر: أن يراد بها الشيء كله، فالمعنى: تعلم حقيقتي وما عندي، والدليل عليه قوله تعالى:{إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} ، وقال غيره: تعلم غيبي ولا أعلم غيبك، وقيل: تعلم ما في نفسي ولا أعلم أنا ما فيها فأضاف نفسه إلى الله تعالى؛ لأنه خالقها
(1)
.
وقال ابن بطال: ما ذكر في الآيتين والأحاديث من ذكر النفس، فالمراد به إثبات نفس لله تعالى. والنفس لفظ يحتمل معاني، والمراد بنفسه: ذاته، فنفسه ليس بأمر يزيد عليه تعالى، فوجب أن تكون نفسه هي هو، وهو إجماع وللنفس وجوه أخر لا حاجة بنا إلى ذكرها إذ الغرض من الترجمة خلاف ذلك
(2)
.
(1)
انظر هذه الأقوال في "تفسير الماوردي" 2/ 88، "تفسير البغوي" 3/ 122.
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 427. وهذا هو الصواب كما سبق بيانه.
فصل:
قوله: ("وما من أحد أحب إليه المدح من الله") يقرأ برفع (أحب)؛ لأنه خبر مقدم على المبتدأ والمبتدأ (المدح)، ولا يرفع المدح بأحب في هذِه المسألة، ويكون المبتدأ والخبر في موضع نصب خبر (ما) إن جعلها حجازية، وإن جعلها تميمية فتكون في موضع رفع خبر المبتدأ وهو (أحد).
فصل:
وقوله: ("وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ") نقول: على ما يشاء، وقيل: وضع ذلك على العرش، وقيل: معنى (عنده): أنه عالم به، فمعنى الخبر أنه كتبه وهو لا يخفى عنه ولم يستعن بكتابه عليه؛ لئلا ينساه، و (عند) بمعنى: قرب المكان على المسافة، يقال: وضع الشيء من يده وضعًا إذا ألقاه
(1)
.
وقال عياض: ضبطه القابسي وغيره بفتح الواو وإسكان الضاد
(2)
، وعند أبي ذر "فوضَعَ" بفتح الضاد والعين، وقال الأصمعي: الوضائع (كتب)
(3)
يكتب فيها الحكمة.
وقال ابن بطال: (عند) في ظاهر اللغة تقتضي أنها للموضع، وأنه تعالى يتعالى عن الحلول في المواضع؛ لأن ذلك من صفات الأجسام إذ الحالُّ في موضع لا يكون بالحلول فيه بأولى منه بالحلول في غيره إلا لأمر يخص حلوله فيه، والحلول فيه عرض من الأعراض، يفنى بمجيء حلول آخر يحل به في غير ذلك المكان،
(1)
انظر: "لسان العرب" 8/ 4857 مادة (وضع).
(2)
"مشارق الأنوار" 2/ 290.
(3)
من: (ص 1).
والحلول محدث والحوادث لا تليق به تعالى، لدلالتها على حدث من قامت به، فوجب صرف (عند) عن ظاهرها إلا ما يليق به تعالى؛ وهو أنه أراد عليه السلام إثبات علمه بإثابة من سبق علمه أنه عامل بطاعته، وعقاب من سبق علمه أنه عامل بمعصيته. و (عند) وإن كان وضعها في اللغة المكان فقد يتوسع فيها فتجعل لغير المكان، كقوله عليه السلام:"أنا عند ظن عبدي بي" ولا مكان هناك
(1)
.
فصل:
وقوله: ("إن رحمتي تغلب غضبي") قد سلف أن رحمة الله تعالى إرادته لإثابة المطيعين له، وغضبه إرادته لعقاب العاصين له، وإذا كان ذلك كذلك كان معنى قوله:"إن رحمتي تغلب غضبي": إن إرادتي ثواب الطائعين لي هي إرادتي أن لا أعذبهم، وهو معنى قوله تعالى:{يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، فإرادته بهم اليسر هي إرادته أن لا يريد بهم العسر، وكان ما أراد من ذلك بهم لم يكن ما لم يرده، فعبر عليه السلام عن هذا المعنى بقوله:"إن رحمتي تغلب غضبي".
وظاهر قوله يفيد أن رحمته وغضبه معنيان، أحدهما: غالب للآخر وسابق له، وإذا ثبت أن إرادته واحدة وصفة من صفات ذاته، وأنَّ رحمته وغضبه ليسا بمعنى أكثر من إرادته التي هي متعلقة بكل ما يصح كونه مرادًا وجب صرف كلامه عن ظاهره؛ لأن إجراء الكلام على ظاهره يقتضي حدث إرادته ولو كانت له إرادات كثيرة متغايرة.
(2)
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 428.
(2)
الصواب إثبات صفتي الرحمة والغضب وأنهما غير الإرادة، وانظر ما سلف من تعليق ص 185 - 188.
فصل:
وقوله: ("أنا عند ظن عبدي بي") يقول: إن كان فيه شيء من الرجاء حققت رجاءه؛ لأنه لا يرجو إلا مؤمن بأن له ربًّا يجازي، وقوله:("في ملأ خير منهم") يعني: الملائكة المقربين.
وفيه: دليل على فضل الملائكة، ويحتمل أن يكون على عمومه وتكون الملائكة خير الخلق، ولا أقول به، ويحتمل أن يكون يخبر الشارع بذلك أمته، فيريد أن الملائكة خير ممن بعد الأنبياء.
وقد اختلف في الأنبياء والملائكة: أيهم أفضل؟
قال ابن فورك: ومن ذهب إلى تفضيل الأنبياء والأولياء من الآدميين (على الملائكة)
(1)
قال: معنى قوله: "خير منه" يرجع إلى الذكر كأنه قال: بذكر خير من ذكره، لأجل أن ذكر العبد لله دعاء وتضرع، وذكر الله له إظهار لرحمته وكرامته وذلك خير للعبد وأنفع، وهذا يرد عليه هذا الخبر؛ لأن فيه ملأ خير منهم.
وقيل: العلماء أفضل من الملائكة.
وقال ابن بطال: هذا الحديث نص من الشارع على أن الملائكة أفضل من بني آدم ثم قال: وهو مذهب جمهور أهل العلم، وعلى ذلك شواهد من كتاب الله تعالى منها قوله تعالى:{مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20] ولا شك أن الخلود أفضل من الفناء، وأن الملائكة أفضل من بني آدم، وإلا فلا يصح معنى الكلام
(2)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 429.
قلت: لا أوافقه على أن هذا مذهب الجمهور، بل الجمهور على تفضيل البشر، وهذِه نزعة اعتزالية، فأشرف المخلوقات بنو آدم الذين جعل الله خيرته منهم فلو كان غيرهم أشرف لصيره منهم
(1)
.
فصل:
ووصفه تعالى لنفسه بأنه يتقرب إلى عبده، ووصف العبد بالتقرب إليه ووصفه بإتيانه هرولة، فإن التقرب والإتيان، وإن كان يحتمل الحقيقة والمجاز وحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات وترائي الأجسام وذلك لا يليق به تعالى فاستحال حملها عليه، فتعين المجاز لشهرة ذلك في كلام العرب
(2)
، فوجب أن يكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرًا أو ذراعًا، وإتيانه ومشيه هرولة معناه: التقرب إليه بطاعته وأداء مفروضاته، ويكون تقربه تعالى من عبده وإتيانه كذلك عبارة عن إثابته على طاعته من رحمته، ويكون معنى قوله:"أتيته هرولة" أي: أتاه ثوابي مسرعًا.
قال الطبري: وإنما مثل القليل من الطاعة (بالشبر)
(3)
منه، والضعف من الكرامة والثواب بالذراع فجعل ذلك دليلًا على مبلغ كرامته لمن أكرم
(1)
اختُلف في هذِه المسألة، ونقل شارح "الطحاوية" عن أهل السنة تفضيل صالحي البشر والأنبياء على الملائكة، وذكر عن الإمام أبي حنيفة أنه سُئل عنها، فلم يقطع فيها بجواب. اهـ وسئل ابن تيمية فأجاب بأن صالحي البشر أفضل باعتبار كمال النهاية، والملائكة أفضل باعتبار البداية. انظر "شرح الطحاوية" ص 281، "مجموع الفتاوى" 4/ 343.
(2)
الصواب إثبات صفات الله كما جاءت مع العلم بأنه ليس كمثله شيء، وانظر تعليقنا السالف ص 185 - 188، 225.
(3)
في الأصل: (والشبر)، والمثبت من (ص 1).
على طاعته أن (ثواب)
(1)
عمله له على عمله الضعيف وأن إكرامه مجاوز حده إلى ما بينه تعالى.
فإن قلت: فما معني قوله: "إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" قيل معناه: إذا ذكرني بقلبه مخفيًا ذلك عن خلقي، ذكرته برحمتي وثوابي مخفيًا ذلك عن خلقي حتى لا يطلع عليه أحد منهم
(2)
، وإذا ذكرني في ملأ من عبادي ذكرته في ملأ من خلقي أكثر منهم وأطيب.
وقد اختلف السلف أيهما أفضل الذكر بالقلب أو باللسان:
فروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لأن أذكر الله في نفسي أحب إلى من أن أذكره بلساني سبعين مرة. وروي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: مادام قلب الرجل يذكر الله فهو في صلاة، وإن كان في السوق وإن تحرك بذلك اللسان والشفتان فهو أعلم
(3)
.
قال الطبري: والصواب أن خفاء الذكر أفضل من ظهوره لمن لم يكن إمامًا يقتدى به، وإن كان في محفل اجتمع أهله لغير ذكر الله أو في سوق وذلك أنه أسلم له من الرياء.
روينا من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"خير الرزق ما يكفي، وخير الذكر الخفي"
(4)
.
(1)
في الأصل: (يقول)، والمثبت من (ص 1).
(2)
انظر ما سلف من إثبات صفة النفس.
(3)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 4/ 204.
(4)
رواه أحمد 1/ 172، وابن أبي شيبة 6/ 86 (29654)، و 7/ 105 (34366)، وأبو يعلى في "مسنده" 2/ 81 - 82 (731)، والبيهقي في "الشعب" 1/ 407 (552)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"10/ 81: رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه محمد بن عبد الرحمن ابن لبيبة، وقد وثقه ابن حبان وقال: روي عن سعد بن أبي وقاص. قلت -أي الهيثمي-: وضعفه ابن معين، وبقية رجالهما رجال الصحيح. اهـ
ولمن كان بالخلوة أن يذكر الله بقلبه ولسانه؛ لأن شغل جارحتين بما يرضي الله أفضل من شغل جارحة، وكذلك شغل ثلاث جوارح أفضل من شغل جارحتين وكل ما زاد فهو أفضل.
16 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص:88]
7406 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» . فَقَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» . قَالَ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام: 65] فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَيْسَرُ» . [انظر: 4628 - فتح 13/ 388].
ذكر فيه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ". الحديث، وقد سلف
(1)
، قال سفيان في قوله:{إِلَّا وَجْهَهُ}
قال أبو عبيدة: إلا جاهه
(2)
، واحتج بقوله: لفلان جاء في الناس أي: وجه، وقيل: إلا إياه كقولك: أكرم الله وجهه، وفلان وجه القوم.
واستدلاله من هذِه الآية، والحديث على أن لله وجهًا هو صفة ذاته لا يقال: هو هو ولا هو غيره بخلاف قول المعتزلة، ومحال أن يقال هو جارحة كالذي نعلمه من الوجوه، كما لا يقال: هو تعالى فاعل وحي وعالم كالفاعلين والأحياء والعلماء الذين نشاهدهم وإذا استحال قياسه تعالى على الشاهد والحكم له بحكمهم مع مشاركتهم (له)
(3)
(1)
سلف برقم (4628) كتاب: التفسير، باب:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُم} .
(2)
انظر: "مجاز القرآن" 2/ 112، "تفسير الماوردي" 4/ 273، "زاد المسير" 6/ 252.
(3)
في الأصل: (لهم) والمثبت من (ص 1).
في التسمية، كذلك يستحيل الحكم لوجهه تعالى الذي هو صفة ذاته بحكم الوجوه التي نشاهدها، وإنما لم يجز أن يقال: إن وجهه جارحة؛ لاستحالة وصفه تعالى بالجوارح؛ لما فيها من أثر الصنعة ولم يقل في وجهه: إنه هو؛ لاستحالة كونه تعالى وجهًا.
وقد اجتمعت الأمة على أنه لا يقال: يا وجه اغفر لي، ولم يجز أن يكون وجهه غيره؛ لاستحالة مفارقته له بزمان أو مكان أو عدم أو وجود، فثبت أن له وجهًا لا كالوجوه؛ لأنه ليس كمثله شيء.
17 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]
: تُغَذَّى. وَقَوْلِهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14].
7407 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ- وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ» . [انظر: 3057 - مسلم: 169 - فتح 13/ 389].
7408 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ» . [انظر: 7131 - مسلم: 2933 - فتح 13/ 389].
ذكر فيه حديث نافع عن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَي عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ".
وحديث أنس رضي الله عنه: فيه أيضا "إنه أعور وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَر".
الشرح:
ما ذكره في تفسير: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} هو قول قتادة
(1)
، وهو معروف في اللغة يقال: صنعت الفرس وصنعته إذا أحسنت القيام عليه، واستدلاله من هذِه الآية والحديث على أن لله تعالى (صفة)
(2)
سماها (عينا) ليست هو ولا غيره، وليست كالجوارح المعقولة بيننا؛
(1)
رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 7/ 2422 (13432)، وانظر:"تفسير الماوردي" 3/ 402، و"الدر المنثور" 4/ 529.
(2)
في الأصل: (صنعة)، والمثبت من (ص 1).
لقيام الدليل على استحالة وصفه بأنه ذو جوارح وأعضاء تعالى عن ذلك، خلافًا لما تقوله المجسمة من أنه تعالى جسم لا كالأجسام.
واستدلوا على ذلك بهذِه، كما استدلوا بالآيات المتضمنة لمعنى الوجه، واليدين. ووصفه لنفسه بالإتيان والمجيء والهرولة في حديث الرسول، وذلك كله باطل وكفر من متأوله؛ لقيام الدليل على تساوي الأجسام في دلائل الحدث القائم بها واستحالة كونه من جنس المحدثات، إذ المحدث إنما كان محدثًا من حيث متعلق هو متعلق بمحدث أحدثه، وجعله بالوجود أولى منه بالعدم
(1)
.
فإن قالوا: الدليل على صحة ما نذهب إليه من أنه تعالى جسم أنه -أي: الله- ليس بأعور، وإشارته إلى عينه، وأن المسيح الدجال أعور عين اليمني ففي إشارته إلى عينه بيده تنبيه منه على أن عينه كسائر الأعين.
قلنا لهم: قد تقدم في دليلنا استحالة كونه جسمًا؛ لاستحالة كونه محدثًا، وإذا صح ذلك وجب صرف قوله، وإشارته بيده إلى معنى يليق به وهو نفي النقص والعور عنه تعالى، وأنه ليس كمن لا يرى ولا يبصر بل هو منتفٍ عنه جميع النقائص والآفات التي هي أضداد
(1)
قال ابن تيمية في "العقيدة الواسطية" ص 22: (إن عيني الله من صفاته الذاتية الثابتة له حقيقة على الوجه اللائق به ينظر بهما ويبصر ويرى ودليل ذلك قوله: {وَلِتُصْنَعَ على عَيْنِي} ولا يجوز تفسيرها بالعلم ولا بالرؤية مع نفي العين لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف على ثبوت العين لله). وأولى ما حملت عليه هذِه الآية أن يقال فيها: أي على نظر مني ومرأى فأنت بحفظي ورعايتي.
انظر: "الفتاوى"لابن تيمية 3/ 133، "القواعد المثلي في صفات الله وأسمائه الحسنى" ص 90.
البصر والسمع وسائر صفات ذاته التي يستحيل وصفه بأضدادها، إذ الموصوف بها تارة وأضدادها أخرى محدث مربوب، لدلالة قيام الحوادث به على حدثه.
فصل:
قد أسلفنا أن قوله: "طافية" تروى بغير همز، أي: بارزة ظاهرة، وكذا الرواية هنا، وبهمز أي: غائرة مفقوءة أي: ذهب ماؤها.
وقوله: ("مكتوب بين عينيه كافر")، وقيل: يعني أنه سمي بذلك، وكتب بين عينيه العوراء والصحيحة.
18 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}
(1)
7409 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاق، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى -هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ وَلَا يَحْمِلْنَ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ العَزْلِ، فَقَالَ:«مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَنْ قَزَعَةَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلاَّ اللهُ خَالِقُهَا» . [انظر: 2229 - مسلم: 1438 - فتح 13/ 390].
ذكر فيه حديث ابن محيريز، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: في غَزْوَةِ بَنِي المُصْطَلِقِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا .. الحديث، وقد سلف في بابه
(2)
.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَنْ قَزَعَةَ، سألت أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَتْ نَفسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللهُ خَالِقُهَا".
الشرح:
ابن محيريز اسمه: عبد الله، وكنيته، أبو محيريز بن محيريز بن جنادة بن وهب بن لوذان بن سعد بن جمح القرشي الجمحي (المكي رباه أبو محذورة أوس بن معير بن لوزان بن جمح)
(3)
، أحد المؤذنين كان بمكة وقتل أخوه أنيس بن معير كافرًا ببدر.
قال رجاء بن حيوة: إن يفخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر
(1)
ورد بهامش الأصل: في نسخة صحيحة: باب {هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}
(2)
سلف برقم (4138)، كتاب: المغازي، باب: غزوة بني المصطلق.
(3)
من: (ص 1) وفي هامش الأصل: سقط من هنا شيء، ولعله: رباه أبو محذورة، وقتل أخوه، أي: أخو أبي محذورة. والله أعلم.
- رضي الله عنهما فإنا نفخر بعابدنا ابن محيريز، إن كنت لأعدُّ أن بقاءه أمانًا لأهل الأرض
(1)
، مات قبل المائة، إما في خلافة عمر بن عبد العزيز أو في خلافة الوليد بن عبد الملك بالشام، أخرجوا له
(2)
.
واسم أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان، ولقب سنان الشهيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج، مات سنة أربع وسبعين.
فصل:
والسبايا جمع سبيئة بالهمز وهي المرأة التي تُسبَى مثل: خطيئة وخطايا، وكان الأصل سبائئ وخطائئ على فعائل، فلما اجتمعت الهمزتان قلبت الثانية ياء؛ لأن قبلها كسرة ثم استثقلت، والجمع ثقيل. وهو معتل مع ذلك قلبت الياء ألف، ثم قلبت الهمزة الأولى بإلحاقها بين الألفين.
وقوله: (يستمتعوا بهن ولا يحملن). يعني: الوطء، وفي رواية: وأحبوا الأثمان
(3)
، وفي رواية أخرى: أحببنا الفداء
(4)
، وفيه دليل على داود في إجازته بيع أمهات الأولاد.
وقوله: ("ما عليكم أن لا تفعلوا"). وقيل معناه: إباحة العزل، وقيل: النهي عنه. وفي مسلم أنه الوأد الخفي.
وفي أخرى (زيادة)
(5)
: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)} [التكوير: 8]
(6)
.
(1)
انظر: "سير أعلام النبلاء" 4/ 495 - 496.
(2)
انظر: "أسد الغابة 3/ 378 (3170)، و"الإصابة" 3/ 140 (6633).
(3)
سبق برقم (2229)، كتاب: البيوع، باب: بيع الرقيق.
(4)
أبو داود (2172)، "الموطأ" ص 367.
(5)
من (ص 1).
(6)
مسلم (1442)، كتاب: النكاح، باب: جواز الغيلة.
فصل:
قال الأصيلي: كان سبي بني المصطلق من عبدة الأوثان اللائي لا يجوز وطؤهن بملك، وإنما أجاز عليه السلام وطأهن لأصحابه قبل قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وقيل: إنهن أسلمن، فلذلك حل وطؤهن.
وقال ابن أبي زيد في قوله: "ما من نسمة كائنة" إلى آخره. ما يدل على أن الولد يكون مع العزل، ولهذا قال العلماء: من أقر بوطء أمته، وادعى العزل لحق به الولد. وهو الأصح عندنا فيحرم نفيه؛ لأن الإسباق ومثل هذا يكون معنى قوله:"ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها".
فصل:
الخالق المبدع والمنشئ لأعيان المخلوقات، وهو معنى لا يشاركه فيه أحد من خلقه، ولم يزل الله مسميًا لنفسه خالقًا ورازقًا على معنى أنه يخلق ويرزق لا على معنى أنه خلق الخلق، في أزله، لاستحالة قدم العالم، والخلق أيضًا يكون بمعنى التصوير، وهذا أمر يصح مشاركة الخلق فيه له فالخلق المذكور هنا بمعنى الإبداع والاختراع لأعيان السموات والأرض، والخلق بمعنى: التصوير، قوله تعالى {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [المائدة: 110]. أي: تصور لا تخترع.
ومنه قول الشاعر:
فلأنت تفري ما خلقت
…
وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
19 - باب قَوْلِ الله عز وجل: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]
7410 -
حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَجْمَعُ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَمَا تَرَى النَّاسَ؟ خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، شَفِّعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكَ -وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ التِي أَصَابَ- وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ. فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ -وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ- وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ -وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَهَا- وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا أَتَاهُ اللهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ -وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ التِي أَصَابَ- وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ وَكَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ لِي: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّي، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، قُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ،
ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ». قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ الخَيْرِ ذَرَّةً» . [انظر: 44 - مسلم: 193 - فتح 13/ 392].
7411 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَدُ اللهِ مَلأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ". وَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ" وَقَالَ: عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى المِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ». [انظر: 4684 - مسلم: 993 - فتح 13/ 393].
7412 -
حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي القَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«إِنَّ اللهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَرْضَ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ. [انظر: 3194 - مسلم: 2788 - فتح 13/ 393]
7413 -
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: سَمِعْتُ سَالِمًا، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا. وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ» [انظر: 4812 - مسلم: 2787 - فتح 13/ 393]
7414 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} . قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ:
وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ. [انظر: 4811 - مسلم: 2786 - فتح 13/ 393].
7415 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ. فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَرَأ:{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} . [انظر: 4811 - مسلم: 2786 - فتح 13/ 393]
ذكر فيه حديث أنس رضي الله عنه في الشفاعة بطوله.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "يَدُ اللهِ مَلأى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ" الحديث وسلف
(1)
.
وحديث عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:"إِنَّ اللهَ يَقبِضُ الأرض يَوْمَ القِيَامَةِ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ". رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: سَمِعْتُ سَالِمًا، سَمِعْتُ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بهذا.
وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ: أَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقْبِضُ الله الأَرْضَ".
وحديث سلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَرل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ .. الحديث.
(1)
سبق برقم (4684) كتاب: التفسير، باب: قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}
قَالَ يَحْيَي بْنُ سَعِيدٍ: وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ.
وحديث علقمة قال: قَالَ عَبْدُ اللهِ رضي الله عنه: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ فَقَالَ: يَا أَبَا القَاسِمِ، إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، .. الحديث.
الشرح:
اليد هنا: القدرة، قال الداودي: يحتمل أن يريد ذلك. وقال (أبو المعالي)
(1)
، ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليد والعين والوجه صفات ثابتة للرب، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة، والعين على البصر، والوجه على الوجود
(2)
.
قال ابن فورك: قوله: "يد الله مع الجماعة"، من أصحابنا من قال: اليد هنا بمعنى الذات كقوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] أي: ما عملنا، قال: فإن قال قائل: إذا حملتم اليد على معنى الذات فهلا حملتموه في قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] على الذات؟! قيل: لا يصح ذلك، ذكره ابن التين، قال: والفرق بينهما أن الله تعالى قال ذلك لإبليس محتجًا عليه مفضلًا لآدم بهذا التخصيص مبطلا
(3)
لقوله:
(1)
في الأصل: (الفراء الغالي) والمثبت من (ص 1).
(2)
"الإرشاد" لأبي المعالي الجويني ص 155 - 156، وكان هذا منه أولاً، ثم رجع في آخره إلا مذهب السلف، وصنف في ذلك "الرسالة النظامية". وانظر ترجمته في "سير الأعلام" 18/ 468.
(3)
من (ص 1).
{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} ، فلو حمل على معنى الذات سقطت الفائدة وبطل معنى الاحتجاج منه تعالى على إبليس فيه
(1)
.
وقال ابن بطال: استدلاله بقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وسائر أحاديث الباب على إثبات يدين لله تعالى هما صفتان من صفات ذاته ليستا بجارحتين بخلاف قول المجسمة المثبتة أنهما جارحتان، وخلاف قول القدرية النفاة لصفات ذاته ثم إذا لم يجز أن يقال: إنهما جارحتان (لم يجزَ أن)
(2)
يقال: إنهما قدرتان ولا إنهما نعمتان؛ لأنهما لو كانتا قدرتين لفسد ذلك من وجهين:
أحدهما: أن الأمة أجمعت من بين ناف لصفات ذاته وبين مثبت لها أن الله تعالى ليس له قدرتان بل واحدة في قول المثبتة ولا قدرة له في قول النافية لصفاته، إنهم يعتقدون كونه قادرًا بنفسه لا بقدرته.
والآخر: أن الله تعالى قال لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} الآية [ص: 76] قال إبليس مجيبًا له: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ} [ص: 76] فأخبر بالعلة التي لأجلها لم يسجد، وأخبره تعالى بالعلة التي لها أوجب السجود وهي خلقه بيده، فلو كانت القدرة: اليد التي خلق آدم بها وبها خلق إبليس، لم يكن لاحتجاجه تعالى عليه بأن خلقها بما يوجب عليه السجود معنى؛ إذ إبليس مشارك لآدم فيما خلقه به تعالى من قدرته، ولم يفخر إبليس بأن يقول له: أي رب، فأي فضل له وأنا خلقتني بقدرتك كما خلقته ولم يعدل إبليس عن هذا الجواب إلى أن يقول: أنا خير منه؛ لأنه خلقه من نار وخلق آدم من طين، فعدول إبليس عن هذا الاحتجاج مع وضوحه دليل على
(1)
"مشكل الحديث" لابن فورك ص 343 - 345
(2)
زيادة من "شرح ابن بطال" 10/ 436 يقتضيها السياق.
أن آدم خصه الله من خلقه بيده بما لم يخص به إبليس، وكيف يسوغ للقدرية القول بأن اليد هنا القدرة، وظاهر الآية مع هذا يقتضي يدين، فينبغي على الظاهر إثبات قدرتين وذلك خلاف الأمة، ولا يجوز أن يكون المراد باليدين: نعمتين؛ لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق مثله؛ لأن النعم مخلوقة كلها، وإذا استحال كونهما جارحتين ونعمتين وقدرتين ثبت أنهما يدان صفتان لا كالأيدي، والجوارح المعروفة عندنا اختص آدم بأن خلقه بهما من بين سائر خلقه تكريمًا له وتشريفًا
(1)
.
فصل:
وفي هذا الحديث دليل على شفاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته خلافًا لمن أنكرها من المعتزلة والقدرية والخوارج، وهذا الحديث في غاية الصحة والقوة تلقاه المسلمون بالقبول إلى أن حدث أهل العناد والرد لسنن رسوله، وفي كتاب الله ما يدل على صحة الشفاعة إخبارًا عن الكفار إذ قيل لهم:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)} ، إلى {الْيَقِينُ} [المدثر: 42 - 47]، فأخبروا عن أنفسهم بالعلل التي من أجلها سلكوا في سقر، ثم قال:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} زجرًا لأمثالهم من الكافرين، وترغيبًا للمؤمنين في الإيمان؛ ليحصل لهم به شفاعة الشافعين، وهذا دليل قاطع على ثبوت الشفاعة.
فإن عارض حديث الشفاعة معارض بأحاديث الوعيد كقوله: "من قتل نفسه بحديدة عُذب بها في نار جهنم أبدًا، ومن تحسى سمًّا"
(2)
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 436 - 437.
(2)
سلف برقم (5778)، كتاب: الطب، باب: شرب السم والدواء به، ورواه مسلم (109)، كتاب: الإيمان، باب: غلظ تحريم قبل الإنسان نفسه.
الحديث، ونحوه من الأخبار، فالجواب: بأنه لا تعارض لجواز أن يكون الله أنفذ عليه وعيده بأن خلده في النار أكثر من مدة بقاء من خرج بالشفاعة ثم يخرج من النار بعد ذلك، لشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في قلبه من الإيمان المنافي للكفر؛ لأن الخلود الأبدي الدائم إنما يكون في الكفار الجاحدين، وما جاء في كتاب الله من ذكر الخلود للمؤمنين؛ كقوله:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدً فِيهَا} [النساء: 93] فإنما يراد بالتخليد تطويل المدة عليه في العذاب ولا يقتضي التأبيد، كما يقتضي خلود الكافرين، ويحتمل تأويل الحديث: من قتل نفسه على وجه الاستحلال والردة فجزاؤه ما ذكر في الحديث؛ لأن فاعل ذلك كافر لا محالة، ويشهد لهذا ما قاله قبيصة فيما سلف في البخاري في تأويل قوله عليه السلام:" فسحقًا سحقًا"
(1)
قال: هو في المرتدين، وقد سلمت جماعة من المعتزلة له شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه دون وجه؛ لما لم يمكنها رد الأحاديث الواردة فيها؛ لانتشارها وقبول الأمة لها، ولشهادة ظواهر كتاب الله سبحانه لها فقالوا: تجوز شفاعته عليه السلام للتائب من الكبائر ولمن أتى بصغيرة مع اجتنابه الكبائر، أو في مؤمن لا ذنب له (لتباب)
(2)
، وهذا كله فاسد على أصولهم؛ لاعتقادهم أن الله سبحانه وتعالى يستحيل منه تعذيب التائب من كبيرته، أو فاعل الصغائر إذا اجتنب الكبائر، أو تأخير ما استحق الذي لا ذنب له من الثواب؛ لأنه لو عذب من ذكرنا وأخر ثواب الآخر ولم يوف التائب والمجتنب للكبائر مع فعله للصغائر ثوابه على أعماله لكان ذلك خارجًا عن
(1)
سلف برقم (6584) كتاب: الرقاق، باب في الحوض.
(2)
هكذا في الأصل، (ص 1) غير منقوطة، وانظر "شرح ابن بطال"10/ 439.
الحكمة وظالِمًا فذلك من صفات المخلوقين، وإذا كان هذا أصلهم فإثبات الشفاعة على هذا الوجه لا معنى له، فبطل قولهم ولزمهم تسليم الشفاعة على الوجه الذي يقول به أهل السنة والحق، وهذا بين ولله الحمد
(1)
.
فصل:
وقوله: ("ويذكر خطيئته التي أصاب") يحتج به من يجوز وقوع الصغائر منهم عليهم الصلاة والسلام، وقد قام الإجماع على عصمتهم في الرسالة، وأنه لا يقع منهم الكبائر، واختلفوا في جواز الصغائر عليهم، فأطبقت المعتزلة والخوارج على أنه لا يجوز وقوعها منهم، وزعموا أن الرسل لا يجوز أن يقع منهم ما ينفر الناس عنهم، وأنهم معصومون من ذلك وهذا باطل؛ لقيام الدليل من التنزيل، وحديث الرسول أنه ليس كل ذنب كفرًا، وقولهم: إن الباري سبحانه وتعالى يجب عليه عصمة الأنبياء من الذنوب (كي)
(2)
لا ينفر الناس عنهم؛ بمواقعتهم لها. هو فاسد بخلاف القرآن له، وذلك أن الله تعالى قد أنزله وفيه متشابه مع سابق علمه أنه سيكون ذلك سببًا لكفر قوم، فقال تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7]، وقال تعالى:{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} [النحل: 101]، فكان التبديل الذي هو النسخ سببًا لكفرهم، كما كان إنزاله تعالى متشابها سببًا لكفرهم.
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 437 - 439.
(2)
من: (ص 1).
ونقل ابن بطال عن أهل السنة: أنه جائز وقوع الصغائر عليهم واحتجوا بقوله تعالى مخاطبًا لرسوله في آية الفتح، قال: وقد ذكر الله في كتابه ذنوب الأنبياء فقال: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] وقال نوح لربه: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] فسأل أن ينجيه، وقد كان تقدم إليه فقال:{وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود: 37] وقال إبراهيم: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)} [الشعراء: 82] وفي كتاب الله تعالى من ذكر خطاياهم ما لا خفاء به،
وقد سلف الاحتجاج في هذِه المسألة في كتاب الدعاء في قوله (باب)
(1)
: رب اغفر لي ما قدمت، إلى آخره.
فصل:
فإن قلت: فما معنى قول آدم عليه الصلاة والسلام: "ولكن ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض". وقد تقدم آدم قبله. فالجواب: أن آدم لم يكن رسولًا؛ لأن الرسول يقتضي مرسلًا إليه في وقت الإرسال وهو عليه السلام أهبط إلى الأرض وليس فيها أحد، ذكره ابن بطال
(2)
، وكذا قال الداودي فيه: إن آدم ليس برسول؛ لقوله في نوح: "أول رسول". وسيأتي قريبًا الخلف فيه في باب: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)}
ثم قال ابن بطال: فإن قيل لما تناسل منه ولده وجب أن يكون رسولاً إليهم، قيل: إنما أهبط عليه السلام إلى الأرض، وقد علمه الله (أحكام)
(3)
دينه وما يلزمه من طاعة ربه فلما حدث ولده بعده حملهم
(1)
من (ص 1).
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 439 - 440
(3)
من (ص 1).
على دينه وما هو عليه من شريعة ربه كما أن الواحد منا إذا ولد له ولد يحمله على سنته وطريقته ولا يستحق بذلك أن يسمي رسولاً، وإنما سمي نوح رسولًا؛ لأنه بعث إلى قوم كفار؛ ليدعوهم إلى الإيمان.
وقوله: ("ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض") ذكر أهل التاريخ أن إدريس جد نوح، فإن صح أن إدريس رسول لم يصح قولهم: إنه قبله وإلا احتمل أن يكون إدريس غير مرسل.
فصل:
وأما حديث الأصبع فإنه إذا لم يصح أن يكون جارحة لما قدمناه من إبطال التجسيم، فتأويله ما قاله أبو الحسن الأشعري (من)
(1)
أن هذا وشبهه مما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم لله تعالى، ووصفه به راجع إلى أنه صفة ذات لا يجوز تحديدها ولا تكييفها.
وقد قال أبو بكر بن فورك: إنه يجوز أن يكون الأصبع خلق الله يخلقه يحمله على ما حملت عليه الأصبع، ودليله أنه لم يقل: على أصبعه، بل أطلق ذلك منكرًا، وليس ينكر في خلق الله تعالى أن يخلق خلقًا على هذا الوجه.
قال محمد بن شجاع الثلجي
(2)
: يحتمل أن يكون خلق من خلق الله يوافق اسمه اسم الأصبع، فقال: إنه يحمل السماوات على ذلك، ويكون ذلك تسمية للمحمول عليه [بما]
(3)
ذكر فيه، ويحتمل أن يكون
(1)
في الأصل: مع، والمثبت من (ص 1).
(2)
سبقت ترجمته، وقال فيه ابن عدي: كان يضع أحاديث في التشبيه ينسبها إلى أصحاب الحديث ليثلبهم بها."الكامل" 7/ 551 (1776).
(3)
زيادة من "مشكل الحديث" ص 258 يقتضيها السياق.
المراد بالأصبع: القدرة والملك والسلطان على معنى قول القائل: ما فلان إلا بين أصبعي، إذا أراد الإخبار عن جريان قدرته عليه، فذكر معظم المخلوقات، وأخبر عن قدرة الله تعالى على جميعها معظمًا لشأن الرب تعالى في قدرته وسلطانه
(1)
.
وقال الداودي: يحتمل أن يكون الأصبع ملكا أو خلقا من خلق الله يملكه ذلك ويقدره عليه.
وقال الخطابي: ذكر الأصابع لم يوجد في كتاب ولا سنة مقطوع بصحتها وليس معنى اليد الجارحة حتى يتوهم ثبوتها ثبوت الأصابع بل هو توقيف شرعي أطلقنا الاسم فيها على ما جاء في الكتاب من غير تكييف فخرج بذلك أن يكون [له]
(2)
أصل الكتاب والسنة أو أن يكون على شيء من معانيها
(3)
.
فصل:
وضحكه عليه السلام كالمتعجب منه أنه يستعظم ذلك في قدرته. وإنه ليسير في جنب ما يقدر عليه، ولذلك قرأ عليه قوله:{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] أي ليس قدره في القدرة على ما يخلق على الحد الذي ينتهي إليه الوهم ويحيط به الحد والحصر؛ لأنه تعالى يقدر على إمساك جميع مخلوقاته على غير شيء كما هي اليوم؛ لقوله تعالى: {اللهُ الذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 2].
(1)
"مشكل الحديث" ص 257 - 258.
(2)
زيادة يفتضيها السياق.
(3)
انظر كلامه في "الأسماء والصفات" للبيهقي 2/ 169. وسبق أن الصواب إثبات صفة الأصبع، كما جاءت في هذا الحديث وفي غيره، من غير تشبيه.
فصل:
وقوله: ("ملأى") أي: عطاؤه واسع ومنته كاملة، تقول العرب: لي عند فلان يد بيضاء أي: منة كاملة، وقوله:("لا يغيضها") أي: لا ينقصها، وقال أبو زيد: غاض عن السلعة أي: نقص، ومنه قوله تعالى:{وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود: 44]
وقوله: ("سحاء") يقال: سح المطر والدمع وغيرهما سحوحًا: انصب وسال، فكأنها لامتلائها بالعطاء تسيل أبدًا، وفي "الصحاح": تفيد السيلان من فوق
(1)
. وهو غاية في التمثيل؛ لأن سيل الماء من فوق أشد من سيلانه في أرض وطيئة.
فصل:
قال الداودي: هذا الحديث كأنه ركب مبنيا على غير أصله، وذلك أن أول الحديث فيه ذكر الشفاعة من الموقف، وفي آخره ذكر الشفاعة فيمن يخرج من النار، وذكر من يبقى فيها ممن يخلد.
فصل:
قوله: ("ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن") يعني: من أخبر القرآن بخلوده فيها، وقوله:("وكان في قلبه ما يزن شعيرة وذرة وبرة ") قال الداودي: يعني من اليقين مع كلمة الإخلاص، وهذا على التقليل، وكلمة الإخلاص لو جعلت السماوات والأرض وما بينهما في كفة، وجعلت لا إله إلا الله في كفة أخرى لرجحت لا إله إلا الله، غير أنه لا يقبل من أحد إلا مع الإقرار بكتاب الله تعالى وملائكته وأنبيائه ورسله وبالبعث وبالجنة والنار.
(1)
"الصحاح" 1/ 373.
فصل:
وقوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ على الْمَاءِ} [هود: 7]. قال سعيد بن جبير: سألتُ ابن عباس رضي الله عنهما: على أي شيء كان الماء ولم تخلق سماء ولا أرض؟ فقال: على متن الريح
(1)
.
وقوله: ("وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع") هذا يدل على أن اليدين صفتان لله تعالى ثابتتان له كما سلف خلافًا لما يقول أبو المعالي: أن حمل اليدين على القدرة.
ومعنى: وبيده الميزان أنه قدر الأشياء ووقتها وحددها، ولا يملك أحد نفعًا ولا ضرًّا إلا منه تعالى؛ قاله الداودي، وقال الخطابي: الميزان هنا مثل، وإنما هو قسمه بالعدل بين الخلق، يخفض من يشاء أي: يضعه، ويرفع من يشاء، ويعبر كما قد (صنعه الواضعون)
(2)
عند الوزن يرفع مرة ويخفض أخرى
(3)
.
فصل:
"وتكون السماء بيده". أي: بقوته، وقيل: هي صفة لله تعالى، وقد سلف.
(1)
رواه الطبري في تفسيره" 7/ 7 (17999).
(2)
في (ص 1): وصفه الواصفون.
(3)
الحق في ذلك أن نؤمن بما جاء في الكتاب والسنة من أن الأعمال توزن بميزان حقيقي، وله كفتان. يقول الله سبحانه وتعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47].
وسئل عنه ابن تيمية فقال: الميزان هو ما يوزن به الأعمال، وهو غير العدل، كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة .. وأما كيفية تلك الموازين فهو بمنزلة كيفية سائر ما أخبرنا به من الغيب."مجموع الفتاوى" 4/ 302.
والنواجذ: أقصى الأسنان، وهي سن الحلم أو الضواحك أو الأضراس عن الأصمعي، أو الأنياب عن أبي العباس أقوال.
فصل:
وقراءته عليه السلام: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67]
قال ابن فورك: كالمتعجب منه أنه يستعظم ذلك في قدرة الله، فإن ذلك يسير في جنب ما يقدر عليه، ولذلك قرأها أي: ليس قدرته في القدرة على ما يخلق على الحد الذي ينتهي إليه الوهم، ويحيط به الحد والبصر
(1)
.
وقال الخطابي: الآية محتملة للرضا والإنكار وليس فيها للأصبع ذكر، وقول من قال من الرواة: تصديق لقول (الحبر)
(2)
. ظن وحسبان.
قال: وروى هذا الحديث غير واحد من أصحاب عبد الله، ولم يذكروا فيه تصديقًا له، وقد يستدل المستدل بحمرة الوجه على الخجل وبصفرته على الوجل وذلك غالب تجري العادة في مثله، ولا يخلو ذلك من ارتياب وشك في صدق الشهادة منهم بذلك، لجواز أن تكون الحمرة لأمر حادث في البدن والصفرة تهيج مرار وثوران خلط، والاستدلال بالتبسم على مثل هذا الاسم الجسم قدره غير سائغ مع تكافؤ (وجهي)
(3)
الدلالة المتعارضين فيه، ولو صح الخبر حملناه على تأويل قوله تعالى:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] أي: قدرته على طيها وسهولة الأمر في جمعها بمنزلة من جمع شيئًا
(1)
"مشكل الحديث" ص 259.
(2)
في (ص 1): اليهودي، وجاء في هامش الأصل: كذا في الأصل: اليهود اهـ. وهذِه الرواية سلفت برقم (4811) كتاب: التفسير، سورة الزمر.
(3)
في الأصل: وجه، والمثبت من (ص 1).
في كفه فاستخف حمله فلم يشتمل بجميع كله عليه لكنه نقله ببعض أصابعه، وقد يمثل ذلك في الأمر الشاق القوي، فيقال: إنه نقله بأصبع واحدة وأنه نقله بخنصره
(1)
.
فصل:
راوي حديث عبد الله رضي الله عنه عنه هو: عبيدة بن عمرو أبو عمرو أوأبو مسلم المرادي السلماني -بسكون اللام- اتفقا عليه، أسلم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وسمع عمر وعليًّا وابن مسعود، مات سنة أربع وستين، وقيل: ثنتين وسبعين. وقيل: ثلاث وسبعين، أما عَبيدة بن حميد الضبي، وعَبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة من أفراد مسلم وكلهم بفتح العين وكسر الباء، و (ما)
(2)
عداهم في الصحيحين فبضم العين وفتح الباء، وقد سلف التنبيه على ذلك في المقدمات أول الكتاب.
(1)
انظر كلامه في "الأسماء والصفات" 2/ 169 - 170.
(2)
في هامش الأصل: الأكثر ومن.
20 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا أحد
(1)
أَغْيَرُ مِنَ اللهِ»
وَقَالَ عُبَيْدُ الله بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ:"لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مَنِ اللهِ"
7416 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ المُغِيرَةِ، عَنِ المُغِيرَةِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الجَنَّةَ» . [انظر: 6846 - مسلم: 1499 - فتح 13/ 399].
ثم ساق حديث عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة، عن المغيرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَح. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
والصاد من (مصفح) ساكنة والفاء مكسورة ومفتوحة، أي: غير ضارب بعرضه بل بعده، وصفحتا الشيء وجهاه العريضان، وغراراه: حداه، فمن فتح الفاء جعله وصفًا للسيف وحالًا منه، ومن كسره جعله وصفًا للضارب وحالًا.
واختلفت ألفاظ هذا الحديث: فرواه ابن مسعود مرفوعًا: "لا أحد" كما سلف في آخر النكاح
(2)
، وفي رواية عبيد الله ورواية ابن مسعود مبينة أن لفظ (الشخص) موضع (أحد) على أنه من باب المستثنى من غير
(1)
ورد في هامش الأصل: شخص كذا في أصلينا القاهري والدمشقي.
(2)
سلف برقم (5220)، ورواه مسلم (2760).
جنسه وصفته، كقوله تعالى:{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 57] وليس الظن من اتباع العلم بوجه، وأجمعت الأمة على أن الله تعالى لا يجوز أن يوصف بأنه شخص؛ لأن التوقيف لم يرد به
(1)
.
وقد منعت (المعتزلة)
(2)
من إطلاق الشخص عليه مع قولهم: إنه جسم واحد موضوع للاشتراك من الله تعالى ومن خلقه، وقد نص الله تعالى على تسمية نفسه فقال:{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] وقد سلف في باب الغيرة من كتاب النكاح معنى الغيرة من الله تعالى: أنها بمعنى الزجر عن الفواحش والتحريم لها
(3)
؛ لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه، وقد بين ذلك عقبه بقوله:"ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" والمعنى: أن سعدًا زجر عن المحارم، وأنا أزجر منه عن الجميع، ومعنى الحديث: أن الأشخاص الموصوفة بالغيرة لا تبلغ غيرتها غيرة الله تعالى وإن لم يكن شخصًا.
وقال الداودي: قوله: "لا شخص أغير من الله". لم يأت متصلًا ولم تتلق الأمة مثل هذِه الأحاديث بالقبول، فإن صح فيحتمل أن الله أغير من خلقه، ليس أحد منهم أغير منه، ولم يسم نفسه شخصًا، إنما أتى مرسلاً، وهو يتوقى في الأحكام التي بالناس الضرورة إلى العمل بها
(4)
.
(1)
بل ورد، وصح به الخبر كما سيأتي بيانه.
(2)
في (ص 1) المجسمة.
(3)
الصواب إثبات صفة المغيرة كما صح بها الخبر.
(4)
هكذا بالأصل، ولعل الصواب أنه يتوقى في الأحكام التي ليس للناس ضرورة إلى العمل بها. وانظر "عمدة القاري"20/ 296.
وقال الخطابي: إطلاق الشخص في صفات الله غير جائزة لأن الشخص إنما يكون جسمًا مؤلفًا، وخليق أن لا تكون هذِه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفًا من الراوي. ودليل (ذلك)
(1)
أن أبا عوانة رواه عن عبد الملك
(2)
، فذكر هذا الحرف، وروته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما مرفوعًا:"لا شيء أغير من الله"
(3)
، ورواه أبو هريرة كذلك أيضًا
(4)
، فدل ذلك على أن الشخص وهم وتصحيف. فمن لم ينعم الاستماع لم يأمن الوهم، وليس كل الرواة يراعون لفظ الحديث حتى لا يتعدوه، بل كثير منهم يحدث على المعنى، وليس كلهم فقهاء، وفي كلام آحاد الرواة منهم جَفاء، وتعجرف، وقال بعض كبار التابعين: نعم المرء ربنا لو أطعناه ما عصانا، ولفظ المرء إنما يطلق في الدين في المذكور من الآدميين فأرسل الكلام وبقي أن يكون لفظ الشخص جرى على هذا السبيل، إذ لم يكن غلظا من قبيل التصحيف
(5)
. ثم إن عبيد الله انفرد به عن عبد الملك، لم يتابع عليه فاعتوره الفساد من هذِه الوجوه، فدل على صحة ما قلناه
(6)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
رواه مسلم (1499) كتاب: اللعان.
(3)
سبق برقم (5222)، ورواه مسلم (2762).
(4)
سبق برقم (5223).
(5)
انظر "الأسماء والصفات" للبيهقي 2/ 56 - 57.
(6)
وتعقب الحافظ كلام الخطابي حول تضعيف رواية: "لا شخص" بقوله: وطعن الخطابي ومن تبعه في السند مبني على تفرد عبيد الله بن عمرو به، وليس كذلك، وكلامه ظاهر في أنه لم يراجع "صحيح مسلم" ولا غيره من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ من غير رواية عبيد الله بن عمرو. "الفتح" 13/ 401.
وقال ابن فورك: لفظ الشخص غير ثابت من طريق السند، فإن صح فشأنه في الحديث الآخر، وهو قوله:"لا أحد أغير من الله" فاستعمل لفظ الشخص موضع أحد كما سلف، والتقدير: أن الأشخاص الموصوفة بالغيرة لا تبلغ غيرتها، وإن تناهت غيرة الله، وإن لم يكن شخصًا بوجه كما أسلفناه قال: وإنما منعنا من إطلاق لفظ الشخص لأمور:
أحدها: أن اللفظ (لم)
(1)
يثبت من طريق السمع.
وثانيها: إجماع الأمة على المنع منه.
ثالثها: أن معناه أن تكون أجسامًا مؤلفة على نوع من التركيب، وقد منعت المجسمة إطلاق الشخص مع قولهم بالجسم، فدل ذلك على ما قلناه من الإجماع على منعه في صفته تعالى
(2)
.
فصل:
قوله: ("ما ظهر منها") قال مجاهد: هو نكاح الأمهات في الجاهلية. ("وما بطن"): الزنا
(3)
، وقال قتادة: سرها وعلانيتها
(4)
.
فصل:
المحبة من الله تعالى إرادته من عباده طاعته وتنزيهه والثناء عليه
(5)
؛
(1)
مثبتة من هامش الأصل ومعنون عليها بـ: (لعله سقط).
(2)
سبق أن لفظة (شخص) قد صحت بها الرواية، فوجب علينا الإيمان بها، وإمرارها كما جاءت بما يليق بذاته سبحانه وتعالى، من غير تأويل. كما سبق بيانه.
(3)
رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 392 (14150).
(4)
رواه الطبري 5/ 392 (14148).
(5)
صفة المحبة شأنها شأن سائر الصفات يجب إثباتها والإيمان بها كما جاءت، وانظر التعليق السابق ص 185.
ليجازيهم بذلك، وقوله:("ولا أحد أحب إليه العذر من الله") معناه: ما ذكر في قوله تعالى: {وَهُوَ الذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25] فالعذر في هذا الحديث التوبة والإنابة.
21 - باب قول الله: {يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} الآية
.
وَسَمَّى اللهُ نَفْسَهُ شَيْئًا {قُلِ اللهُ} [الأنعام: 19]. وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ شَيْئًا، وَهْوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ. وَقَالَ:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]
7417 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ: «أَمَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟» . قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا. لِسُوَرٍ سَمَّاهَا. [انظر: 2310 - مسلم: 1425 - فتح 13/ 402]
ثم ذكر فيه حديث أبي حازم سلمان
(1)
بن دينار القاص، مولى بني مخزوم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لرَجُلٍ: "أمَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟ ". قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا. لِسُوَرٍ سَمَّاهَا.
الشرح:
ما ذكره ظاهر لما ترجم له، قال عبد العزيز
(2)
صاحب (كتاب)
(3)
"الحيدة": إنما سمي الله نفسه شيئًا إثباتًا للوجود ونفيًا للعدم، ولذلك
(1)
هكذا بالأصل، و (ص 1). والصواب:(سلمة بن دينار)، وانظر ترجمته في:"التاريخ الكبير"للبخاري 4/ 78 (2016)، "الجرح والتعديل" 4/ 159 (701)، "ثقات ابن حبان" 4/ 316، "تهذيب الكمال" 11/ 272 (2450).
(2)
هو عبد العزيز بن يحيى بن مسلم الكناني، المكي، كان يلقب الغول؛ لدمامته، جرت بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن، وكان من أهل العلم والفضل، واشتهر بصحبته للشافعي، وله مصنفات عدة، ومنها"الحيدة والاعتذار في رد من قال بخلق القرآن". وقال الذهبي: لم يصح إسناد كتاب "الحيده" إليه، فكانه وُضع عليه، والله أعلم. انظر:"تاريخ بغداد" 10/ 449، "تهذيب الكمال" 18/ 220 (3482)، "ميزان الاعتدال" 3/ 353 (5139).
(3)
من (ص 1).
أجرى على كلامه ما أجراه على نفسه فلم يقسم بالشيء ولم يجعله من أسمائه، ولكنه دل على نفسه أنه شيء أكثر الأشياء إثباتًا للوجود ونفيًا للعدم وتكذيبًا للزنادقة والدهرية ومن أنكر ربوبيته من سائر الأمم، فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19]، فدل على نفسه أنه شيء ليس كالأشياء؛ لعلمه السابق أن جهماً وبشرًا، ومن وافقهما سيلحدون في أسمائه ويشبهون على خلقه ويدخلونه، وكلامه في الأشياء المخلوقة، قال عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشوري: 11] فأخرج نفسه وكلامه وصفاته عن الأشياء المخلوقة بهذا الخبر تكذيبًا لمن ألحد في كتابه وشبهه بخلقه ثم عدد أسماءه في كتابه، فلم يقسم بشيء ولم يجعله من أسمائه في قوله عليه السلام:"إن لله تسعة وتسعين اسمًا"
(1)
ثم ذكر كلامه كما ذكر نفسه ودل عليه بما دل عليه نفسه. ليعلم الخلق أنه صفة من صفات ذاته، فقال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} [الأنعام: 91] فذم الله اليهود حين نفت أن تكون التوراة شيئًا، وقال:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: 93] فدل أن الوحي شيء، فالمعنى: والذم لم جحد أن كلامه شيء وكل صفة من صفاته تسمى شيئًا يعني: أنها موجودة ولما أظهر الله تعالى اسم كلامه لمن يظهره باسم الشيء، وإنما أظهره باسم الهدى والنور والكتاب، ولم يقل: من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى. قال به غيره، وتسمية الله تعالى لنفسه بشيء يرد قول من زعم من أهل البدع
(1)
يعني حديث الترمذي (3507).
أنه لا يجوز أن يسمى الله بشيء، وهو الناشئ
(1)
ونظراؤه.
وقولهم: خلاف ما نص عليه في كتابه وهو القائل: شيء إثبات الوجود ولا شيء نفي، فبان أن المعدوم ليس بشيء خلافًا لقول المعتزلة من أن المعدومات أشياء وأعوان على ما يكون عليه في الوجود، وهذا قول يفضي بقائله إلى قدم العالم ونفي الحدث والمحدث؛ لأن المعدومات إذا كانت على ما تكون عليه في الوجود أعيانًا لم يكن لقدرة الله على خلقها وحدثها تعلق، وهذا كفر ممن قال به.
(1)
هوأبوالعباس عبد الله بن محمد الأنباري، يلقب بالناشئ الكبير، ويعرف بابن شرشير الشاعر، من كبار المتكلمين، وأعيان الشعراء، كان متبحرًا في عدة علوم منها علم المنطق، سكن مصر، وبها مات سنة ثلاث وتسعين ومائتين.
انظر: "وفيات الأعيان" 3/ 91، "سير أعلام النبلاء" 14/ 40.
22 - باب قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]
{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129].
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]: ارْتَفَعَ، {فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29]: خَلَقَهُنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {اسْتَوَى} [الأعراف: 54]: عَلَا {عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {الْمَجِيدُ} [البروج: 15]: الكَرِيمُ، و {الْوَدُودُ} [البروج: 14]: الحَبِيبُ. يُقَالُ: حَمِيدٌ مَجِيدٌ، كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ، مَحْمُودٌ مِنْ حَمِيدٍ
7418 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ:«اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» . قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ فَقَالَ: «اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أَهْلَ اليَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» . قَالُوا: قَبِلْنَا، جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ؟. قَالَ:«كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ» . ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا، وَايْمُ اللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ. [انظر: 3190 - فتح 13/ 403].
7419 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ يَمِينَ اللهِ مَلأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الفَيْضُ -أَوِ الْقَبْضُ- يَرْفَعُ
وَيَخْفِضُ». [انظر: 4648 - مسلم: 993 - فتح 13/ 403].
7420 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«اتَّقِ اللهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» . قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ. قَالَ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ. وَعَنْ ثَابِتٍ:{وَتُخْفِى فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. [انظر:4787 - فتح 13/ 304].
7421 -
حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: نَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ 9/ 153 تقُولُ: إِنَّ اللهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ. [انظر: 4791 - مسلم: 1428 - فتح 13/ 404]
7422 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ اللهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» . [مسلم: 2751 - فتح 13/ 404]
7423 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي هِلَالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هَاجَر فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟. قَالَ:«إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ» . [انظر: 2790 - فتح 13/ 404]
7424 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ -هُوَ التَّيْمِيُّ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ:«يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ؟» . قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ تَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ. فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا» . ثُمَّ قَرَأَ: (ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا) فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللهِ. [انظر: 3199 - مسلم: 159 - فتح 13/ 404]
7425 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةٌ. [انظر:2807 - فتح 13/ 404]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ بِهَذَا، وَقَالَ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ.
7426 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُول عِنْدَ الكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ» [انظر: 6345 - مسلم: 2730 - فتح 13/ 404]
7427 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «[النَّاسُ] يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ» . [انظر: 2412 - مسلم:
2374 -
فتح 13/ 405].
7428 -
وَقَالَ المَاجِشُونُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضْلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ» . [انظر: 2411 - مسلم:2373 - فتح 13/ 405].
ثم ساق أحاديث سنذكرها واحدًا واحدًا، وغرضه في الباب حديث العرش بدليل قوله تعالى:{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129]، وبدليل قوله في حديث أبي سعيد الآتي:"فإذا موسي آخذ بقائمة من قوائم العرش" فوصفه تعالى بأنه مربوب كسائر المخلوقات، ووصفه عليه السلام بأنه ذو أبعاض وأجزاء منها ما تسمي قائمة، والمبعض والمتجزئ لا محالة جسم، والجسم مخلوق؛ لدلائل قيام الحدث به من التأليف خلافًا لما يقوله الفلاسفة أن العرش هو الصانع الخالق.
وأثر أبي العالية أخرجه الطبري عن محمد بن أبان: ثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عنه
(1)
، وأثر مجاهد ذكره في "تفسيره" رواية ابن أبي نجيح، عن ورقاء عنه
(2)
. وأثر ابن عباس أخرجه البيهقي من حديث عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن (أبي)
(3)
صالح، عن ابن أبي طلحة، عند به
(4)
.
(1)
الذي في "تفسير الطبري" 1/ 228 (58) عن الربيع بن أنس. لكن عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 91 - عن أبي العالية- إلى ابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي.
(2)
لم أقف عليه في المطبوع من "تفسيره".
(3)
كذا بالأصل، والصواب حذفها، فهو معاوية بن صالح الحضرمي قاضي الأندلس. انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 28/ 186 (6058).
(4)
"الأسماء والصفات" 1/ 198 (133).
فصل:
وأما الاستواء فاختلف الناس في معناه
(1)
:
فقالت المعتزلة: إنه بمعنى الاستيلاء والقهر والغلبة، واحتجوا بقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق
…
من غير سيف ودم مهراق
فصل:
يعني: قهر وغلب. وقال كثير من أهل اللغة: إن معنى {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} استقر
(2)
، لقوله تعالى:{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 28]، وأنكر بعضهم الأول، وقال: لايقال استولى إلا لمن لم يكن مستوليًا؛ لأنه تعالى لم يزل مستوليًا.
ثم اختلف من سوى المعتزلة في العبارة، وهي ثلاثة كما ذكرناها:
(1)
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله، ولا يماثل استواء المخلوقين، فإن سألت: ما معنى الاستواء عندهم؟ فمعناه: العلو والاستقرار، وقد ورد عن السلف في تفسيره أربعة معاني: الأول (على)، والثاني:(ارتفع)، والثالث:(صعد)، والرابع:(استقر). لكن (علا، وارتفع، وصعد) معناها واحد، وأما (استقر) فهو يختلف عنها.
ودليلهم في ذلك أنها في جميع مواردها في اللغة العربية لم تاتِ إلا لهذا المعنى .. انظر "شرح العقيدة الواسطية" 1/ 333 - 334.
وانظر أيضًا في مسألة الاستواء على العرش: "التوحيد" لابن خزيمة 1/ 231، "الشريعة" للآجري 3/ 1081، "الإبانة" لابن بطة العكبري "الرد على الجهمية" 3/ 136، "الحجة في بيان المحجة" لأبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني 2/ 81، "مجموع الفتاوى" لابن تيمية 5/ 518، "شرح الطحاوية" لابن أبي العز ص 258.
(2)
وقع بالأصل: واستقر. وحذفنا واو العطف ليستقيم السياق.
(ارتفع)، (علا). (استقر).
فأما قول من جعل الاستواء بمعنى: القهر والاستيلاء، فقول فاسد كما قررناه؛ لأن الله تعالى لم يزل قاهرًا غالبًا مستوليًا، وقوله تعالى:{على الْعَرْشِ اسْتَوَى} يقتضي استفتاح هذا الوصف واستحقاقه [بعد]
(1)
أن لم يكن، كما أن المذكور في البيت إنما حصل له هذا الوصف بعد أن لم يكن، وتشبيههم أحد الاستوائين بالآخر غير صحيح، ومؤدٍّ إلى أن الله تعالى كان مغالبًا في ملكه، وهذا منتف عن الله تعالى؛ لأن الله تعالى هو الغالب لجميع خلقه.
وأما من قال: تأويله: استقر، ففاسدة لأن الاستقرار من صفات الأجسام، وأما تأويل ارتفع فقدل مرغوب عنه لما في ظاهره من إيهام الانتقال من سفل إلى علو وذلك لا يليق بالله. وأما تأويل علا فهو صحيح، وهو مذهب أهل السنة والحق، كما قاله ابن بطال
(2)
.
ثم قال: فإن قلت ما في ارتفع مثله يلزم في علا
(3)
، قيل: الفرق بينهما أن الله تعالى وصف نفسه بالعلو بقوله: {سبحانه وتعالى} [الروم: 40] فوصف نفسه بالتعالي، والتعالي من صفات الذات، ولم يصف نفسه بالارتقاع، وقال بعضهم: الاستواء ينصرف في كلام العرب على ثلاثة أوجه:
فالوجه الأول: قوله تعالى في ركوب الأنعام: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ} [الزخرف: 13] فهذِا الاستواء بمعنى الحلول،
(1)
ساقطة في الأصول، وأثبتناها من "شرح ابن بطال".
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 447 - 448.
(3)
قد يكون إشارة إلى كلام الطبري في "تفسيره" 1/ 228 - 229 وكلام الطبري أقوم سبيلاً.
وهو منتف عن الله عز وجل؛ لأن الحلول يدل على التحديد والتناهي، فبطل أن يكون حالاً على العرش بهذا الوجه.
والوجه الثاني: الاستواء بمعنى: الملك للشيء والقدرة عليه كما قال بعض الأعراب، وسئل عن الاستواء فقال: خضع له ما في السماوات وما في الأرض، ودان له كل شيء وذل، كما نقول للملك إذا دانت له البلاد بالطاعة (قد)
(1)
استوت له البلاد.
والثالث: الاستواء بمعنى: التمام للشيء والفراغ منه [كقوله]
(2)
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى}
(3)
[القصص: 14]، فإن الاستواء هنا التمام كقوله عز وجل:{عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] أراد التمام للخلق كله، وإنما قصد بذكر العرش؛ لأنه أعظم الأشياء، ولا يدل قوله تعالى:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] أنه حالٌّ عليه، وإنما أخبر عن العرش خاصة أنه على الماء ولم يخبر عن نفسه أنه جعله للحلول؛ لأن هذا كان يكون حاجةً منه إليه، وإنما جعله لتتعبد به ملائكته فقال تعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} [غافر: 7] الآية، وكذلك تعبد الخلق بحج بيته الحرام، ولم يسمه بيته بمعنى (أنه)
(4)
يسكنه، وإنما سماه بيته؛ لأنه الخالق له والمالك، وكذلك العرش سماه عرشه؛ لأنه مالكه، والله تعالى ليس لأوليته حد ولا منتهى، وقد كان في أوليته
(5)
وحده ولا عرش معه تعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
(1)
وقع بالأصول: حتى، والمثبت من "شرح ابن بطال، وهو أفصح.
(2)
ساقطة من الأصل، والمثبت من (ص 1).
(3)
في الأصول: حتى إذا. خطأ تبع فيه ابن بطال. والصواب ما أثبتناه.
(4)
ساقطة من الأصل، والمثبت من (ص 1).
(5)
في "شرح ابن بطال": أزليته.
ثم اختلف أهل السنة: هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل؟
فمن قال: هو بمعنى علا جعله صفة ذات، وأن الله لم يزل مستويًا [بمعنى]
(1)
، أنه لم يزل عاليًا، ومن قال: أنه صفة فعل قال: إن الله تعالى فعل فعلًا سماه استواء على عرشه، لا أن ذلك الفعل قائم بذاته تعالى، لاستحالة قيام الحوادث به
(2)
.
فصل:
واستدل بعضهم بهذِه الآية: على أن خلق السماء بعد الأرض، وقال تعالى:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] قال ابن عباس: خلقت الأرض ثم السماء ثم دحى الأرض
(3)
(أي: بسطها)
(4)
، وقيل: المعنى ثم أخبركم بهذا كقوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] وقيل: (ثم) بمعنى الواو.
فصل:
وقوله {الْمَجِيدُ} : الكريم. مصداقه (قوله)
(5)
عليه السلام: "إذا قال العبد: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: مجدني عبدي"
(6)
. أي: ذكرني بالكرم، وقيل: المجيد: الشريف، ومنه:{وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} : الشريف.
(1)
ساقطة من الأصل، والمثبت من (ص 1).
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 448 - 450 وانظر في المسألة "بيان تلبيس الجهمية" 2/ 316.
(3)
رواه الطبري في "التفسير" 12/ 437 (36296)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 514، وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(4)
زيادة من (ص 1).
(5)
ساقطة من الأصل، والمثبت من (ص 1).
(6)
رواه مسلم (395) كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة.
والمجد في كلام العرب: الشرف الواسع، قال ابن السكيت: الشرف والمجد يكونان بالآباء، يقال: شريف ماجد إذا كان له آباء متقدمون في الشرف، قال: والحسب والكرم يكونان في الرجل، وإن لم يكن له آباء لهم شرف
(1)
.
وقوله: {الْوَدُودُ} : الحبيب، منه قوله:"إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: إني أحبه .. "
(2)
الحديث. وفي القرآن كثير، وقال الجوهري: الودود: المحب، ورجال ودد
(3)
: يستوي فيه المذكر والمؤنث، وصفًا داخلًا على وصف المبالغة
(4)
.
ثم ساق البخاري في الباب تسعة أحاديث:
أحدها:
حديث أبي حمزة، واسمه: محمد بن ميمون السكري إلى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ:"اقْبَلُوا البُشْرى يَا بَنِي تَمِيمٍ .. ". الحديث بطوله.
فإنما (قَالُوا: بَشًّرْتَنَا فَأَعْطِنَا). فإنما (قالوه)
(5)
جريا على عادتهم في أن البشرى إنما كانت تستعمل في فوائد الدنيا.
قال المهلب: وفيه أن السؤال عن تمادي الأشياء والبحث عنها جائز في الشريعة، وجاز للعالم أن يجيب السائل عنها بما انتهى إليه علمه
(1)
"إصلاح المنطق" ص 321 - 322.
(2)
رواه البخاري (3209) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، مسلم (2637) كتاب: البر والصلة، باب: إذا أحب الله عبدًا.
(3)
في "الصحاح" ودَدَاء.
(4)
"الصحاح" 2/ 549 مادة [ودد].
(5)
بالأصول: قاله، والمثبت من "شرح ابن بطال"، وهو المناسب للسياق.
فيها، إذا كان (سببًا)
(1)
للإيمان، وأما إن خشي من السائل إيهام شك أو تقصير فهم فلا يجيب فيه ولينهه عن ذلك وليزجره.
فصل:
قوله: ("اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم"، فقالوا: قبلنا، جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر). كذا في "الصحيح"، ووقع في كلام الداودي: ما نصه: وقول بني تميم: (جئناك لنتفقه في الدين) فيه دليل على أن الصحابة لا ينعقد إجماع لأهل المدينة إن خالفهم أحد من الصحابة.
وقد علمت أن الذي في البخاري أن أهل اليمن هم الذين جاءوا للتفقه فاعلمه، وقوله:(عن أول هذا الأمر). يعني: الحق والخلق كله يسمى أمرًا. والبعض يسمى أمرًا، والأمر من الله تعالى أمر.
فصل:
وقول عمران رضي الله عنه: (فانطلقت أطلبها -يعني: ناقته- فإذا السراب ينقطع دونها، وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم). وايم الله: هو اسم وضع للقسم، وألفه ألف وصل عند أكثر النحويين، ولم يجيء في الأسماء ألف وصل غيرها وأصلها أيمن، وحذفت الهمزة. وقيل: هو بكسر الهمزة، والسراب: الذي يراه الإنسان نصف النهار كأنه ماء.
وقوله: (لوددت أن ناقتي ذهبت [ .... ]
(2)
.
(1)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال": تثبيتًا.
(2)
بياض في الأصل وفي هامشها: سقط بعد (ذهبت) فلهذا تغلب عوضه بياضًا ليكتب إذا وجد. [قلت: وقع بعدها في "شرح ابن بطال"10/ 450 (فيه دليل على جواز إضاعة المال في طلب العلم بل في مسألة منه) فلعله هو السقط الذي أشار إليه سبط، والله أعلم].
فصل:
الحديث الثاني:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "إِنَّ يَمِينَ اللهِ مَلأى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرى الفيض أو القَبْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ".
فيه: إثبات اليمين صفة [ذات]
(1)
لله تعالى، لا صفة فعل، وليست بجارحة كما سلف قبل هذا. وقوله:("ملأى") ليس حلول المال فيها؛ لأن ذلك من صفات الأجسام
(2)
، وإنما هو إخبار منه على أن ما يقدر عليه من النعم وأرزاق العباد لا غاية له ولا نفاد؛ لقيام الدليل على وجوب تعلق قدرته بما لا نهاية له من مقدوراته؛ لأنه لو تعلقت قدرته بمقدورات متناهية؛ لكان ذلك نقصًا لا يليق به تعالى.
فصل:
الحديث الثالث:
حديث أنس رضي الله عنه: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رضي الله عنهما يَشْكُو، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ:"اتَّقِ اللهَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ" .. وكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللهُ تَعَالَي مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ.
وشيخه فيه أحمد فإنه قال: حدثنا أحمد، وأحمد هذا قال فيه ابن
(1)
ساقطة من الأصول، وأثبتناها كما في "شرح ابن بطال" إذ بها يستقيم السياق.
(2)
هذِه من طرق الأشاعرة في نفي الصفات، وراجع أول شرح كتاب التوحيد ص 190 فقد سبق التعليق هناك.
البَيِّع: هو أبو الفضل أحمد بن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري، وقال غيره: هو أبو الحسن أحمد بن (سيار)
(1)
بن أيوب بن عبد الرحمن المروزي، واقتصر عليه صاحب "الأطراف" نقلاً
(2)
، روى عنه النسائي، ومات سنة ثمان وستين ومائتين
(3)
.
وشكواه هي لشأن زينب، قال الداودي: الذي شكاه (من)
(4)
زينب - وأمها: أميمة بنت عبد المطلب، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من لسانها، وكان زيد تزوجها وهم يرون أنه ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أراد طلاقها قال له عليه السلام:"أمسك عليك زوجك" وكان عليه السلام يحب طلاقه إياها، فكره أن يقول له: طلقها، فيسمع الناس بذلك.
قال الحسن: أعلم الله نبيه: سيطلقها ثم تتزوجها أنت بعده، أي: فقد أعلمتك أنه يطلقها قبل أن يطلقها، وقول عائشة رضي الله عنها:(لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا لكتم هذِه الآية)، كذا في الأصول هنا، ونسبه الداودي إلى أنس
(5)
وقال عن غيرها: ولكتم: {الَّذِينَ آمَنُوا (1)} [عبس: 1].
(1)
في (ص 1) سنان. خطأ.
(2)
"تحفة الأشراف" 1/ 115 (305) قال المزي: البخاري في التوحيد عن أحمد -غير منسوب، يقال: إنه ابن سيّار المروزي- عن محمد بن أبي بكر المقدمي.
(3)
ترجمته في "تهذيب الكمال" 1/ 323 (46).
(4)
من (ص 1).
(5)
كذا عبارة المصنف بالأصل، ولعلها أنقلبت عليه في الكتابة، أو هو ذهول منه، فالذي في الأصول هنا: قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا .. وأما خطأ الداودي فإنما هو في نسبته هذا القول لعائشة هنا. كذا ذكره الحافظ -على الصواب- في "الفتح" 13/ 411 قال: وذكر ابن التين عن الداودي أنه نسب قوله: لو كان
…
إلى عائشة.
فصل:
الحديث الرابع:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ عز وجل لَمَّا قَضَى الخَلْقَ، كَتَبَ عِندهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي".
في "قضى" قولان: حكم بخلق ما خلق أو أعلم، لقوله تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 4] أي: أعلمناهم، فكأنه أراد لما سبق في علمه وحكمه أنه يخلق ما يخلق، خلق كتابًا كتب فيه. بمعنى: أنه خلق فيه كتابة دالة على ما أراد أن يكون في المستقبل من الأوقات من الحوادث التي تحدث فيها، وهذا كما في الخبر الآخر:" إن أول شيء خلق الله القلم، ثم خلق اللوح فقال له: اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة"
(1)
.
و"فوق عرشه، قيل معناه: دونه استعظامًا أن يكون شيء من الخلق فوق العرش، واحتج قائله: بقوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] أي: فما دونها، والذي قاله المحققون في ذلك: أن المعنى: فما فوقها في الصغر؛ لأن الغرض هنا الصغر، وقيل:(فوق) هنا زائدة كقوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12].
(1)
رواه أبوداود (4700) كتاب: السنة، باب: في القدر، الترمذي (2155) كتاب: القدر، باب: ما جاء في الرضى بالقضاء، وقال: غريب من هذا الوجه، الطيالسي 1/ 471 (578)، البيهقي 10/ 204 كتاب: الشهادات، باب: شهادة الأخ لأخيه، المزي في "تهذيب الكمال" 18/ 456 - 457 عن عبادة بن الصامت بلفظ يقاربه قال ابن حجر في "النكت الظراف" 4/ 261: جاء عن علي بن المديني أنه قال: إسناده حسن. وصححه الألباني في "المشكاة"(16) والحديث له شواهد من حديث ابن عباس وابن عمرو وغيرهما.
قال ابن فورك في قوله: "سبقت غضبي" معنى الغضب والرحمة في صفاته تعالى يرجع إلى صفة واحدة في رحمة يوصف بها أنها إرادة لتنعيم من علم أنه ينعمه بالجنة، وكذلك يقال لهذِه الصفة: غضب إذا كانت إرادته لتعذيب من علم أنه يعذبه بعقوبته في النار من الكفار به، يقال للصادر عن رحمته: رحمة، كما يقال للكائن عن قدرته: قدرة، وللكائن عن أمره: أمر، وكذلك يقال للكائن عن غضبه: غضب، وحملناه على هذا ليصح فيه التسابق والغلبة؛ لأن ما هو لله تعالى مما هو الرحمة والغضب على الحقيقة لا يجوز وصفه به، والتسابق والغلبة إذا وقف على هذا كان تقدير (إفادتنا)
(1)
به ما يظهر من رحمته لأهل الرحمة ومن غضبته لأهل الغضب، وأن من رحمه فقد غلبت رحمته عليه على معنى وصول الصادر عنه إليه، وظهر ذلك عليه ظهور إبانة عمن وصل إليه الكائن من غضبه
(2)
(3)
.
(1)
كلمة غير واضحة في الأصل، وأثبتناها من "مشكل الحديث".
(2)
"مشكل الحديث وبيانه" ص 395 - 396.
(3)
قال ابن تيمية -عن الأشاعرة-: وأما في الصفات القرآنية فلهم قولان: فالأشعري والباقلاني وقدماؤهم يثبتونها، وبعضهم يقر ببعضها، وفيهم تجهم من جهة أخرى، فإن الأشعري شرب كلام الجبائي شيخ المعتزلة، ونسبته في الكلام إليه متفق عليها عند أصحابه وغيرهم، وابن الباقلاني أكثر إثباتًا بعد الأشعري في "الإبانة"، وبعد ابن الباقلاني ابن فورك، فإنه أثبت بعض ما في القرآن "مجموع الفتاوي" 6/ 52.
وانظر في إثبات صفتي الرحمة والغضب لله سبحانه وتعالى: "الإبانة" لابن بطة -الرد على الجهمية-3/ 127، "الحجة في بيان المحجة" لأبي القاسم الأصبهاني 1/ 427، "شرح العقيدة الواسطية" لابن عثيمين 1/ 196، 212.
فصل:
الحديث الخامس:
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَن آمنَ باللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقامَ الصَّلَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ" الحديث.
فيه: تعلق للمعتزلة والقدرية القائلين: بأن الله واجب عليه الوفاء لعبده الطائع بأجر عمله وإنه لو أخره عنه في الآخرة كان ظالمًا له، هذا متقرر عندهم في العقول.
قالوا: وجاءت السنة بتأكيد ما في العقول من ذلك.
وقولهم فاسد، ومذهب أهل السنة: أن لله تعالى أن يعذب الطائعين من عباده، وينعم على الكافرين، غير أن الله سبحانه أخبرنا في كتابه على لسان رسوله أنه لا يعذب إلا من كفر به ومن وافى بكبيرة ممن شاء الله تعذيبه عليها.
فمعني قوله: ("كان حقًّا على الله") ليس على معنى أن ذلك واجب عليه؛ لأن واجبًا يقتضي موجبًا له، والله تعالى ليس فوقه آمر ولا ناه يوجب عليه ما يلزمه المطالبة به، وإنما معناه: إنجاز ما وعده من فعل ما ذكره في الحديث؛ لأن وعده تعالى عبده على فعل تقدم إعلامه به قبل فعله، ووعده خبر، ولا يصح منه تعالى إخلاف عبده ما وعده؛ لقيام الدليل على أن الصدق من صفات ذاته، فعبر عليه السلام في هذا المعني بقوله:"كان حقًّا على الله" بمعنى أنه يستحيل عليه (إخلاف)
(1)
ما وعد عبده على عمله.
(1)
من هامش الأصل وفوقها: لعله سقط.
فصل:
وقوله: ("هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها") قيل: هذا بعد تقضي الهجرة بالفتح أو يكون من غير أهل مكة؛ لأن الهجرة لم تكن على جميعهم.
و ("الفردوس"): البستان، قال الفراء: هو عربي كذا في "الصحاح"
(1)
، وعن ابن عزير أنه البستان بلغة الروم.
فصل:
الحديث السادس:
حديث أبي ذر رضي الله عنه: دَخَلْتُ المَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ:"يَا أَبَا ذرٍّ، هَلْ تَدْرِي .. ". الحديث.
الاستئذان لها في السجود هو قولٌ لها، والله على كل شيء قدير، فيمكن أن يخلق الله تعالى فيها حياة توجد القول عندها، فتقبل الأمر والنهي؛ لأن الله تعالى قادر على إحياء الجماد والموات، وأعلم عليه السلام أن طلوعها من مغربها شرط من أشراط الساعة.
وقوله هنا: ("تذهب، تستأذن في السجود فأذن لها") وفي الحديث الآخر: " تذهب حتى تسجد تحت العرش" -ولا منكر لذلك- عند محاذاتها العرش في مسيرها، وفي القرآن ذكر سجودها وسجود القمر والنجوم، وليس في هذا إلا التسليم وليس في سجودها ما يمسكها عن الذات فيما سجدت له.
وليس في قوله: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] ما يخالف هذا الخبر؛ لأن المذكور في الآية إنما هو نهاية مدرك البصر إياها حال
(1)
"الصحاح" 3/ 959.
الغروب، ومصيرها
(1)
تحت العرش إنما هو بعد غروبها فيما دل عليه لفظ الخبر فلا تعارض.
فصل:
الحديث السابع:
حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْر رضي الله عنه، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةٌ.
حَدَّثنَا يَحْييَ بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ بهذا، وَقَالَ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ.
وهذا التعليق قد أسلفه مسندًا عن [يحيي بن بكير]
(2)
، حدثنا الليث به، وأبو خزيمة هو:(ابن)
(3)
أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، واسمه تيم اللات، شهد بدرًا وما بعدها، ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه.
وأخوه: أبو محمد مسعود -زعم أن الوتر واجب- شهد بدرًا، ومات في خلافة عمرو رضي الله عنه، وقيل: إنه شهد صفين مع على رضي الله عنه،
(1)
بهامش الأصل: لعله وسجودها.
(2)
في الأصل [سعيد بن عفير] وهو خطأ والصواب ما أثبتناه، وقد سلف برقم (4989).
(3)
من (ص 1).
وأخوهما: (عمار)
(1)
بن أوس، شهد الكوفة، روي عنه زياد بن علاقة. وقد أسلفنا هذا فيما مضى أيضًا.
قال ابن التين: وخزيمة هذا هو الذي جعل الشارع شهادته بشهادة رجلين، قال الداودي: فأكمل الله تعالى القرآن بشهادة رجلين ممن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنها كانت مقروءة عنده أعني هذِه الآية، وإنما وجدها عند أبي خزيمة مكتوبة.
فصل:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن آخر آية نزلت هذِه الآية
(2)
، وعن البراء رضي الله عنه: أنها {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}
(3)
[النساء: 176، وقيل:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ}
(4)
[البقرة: 281] وقيل غير ذلك بما سلف.
فصل:
الحديث الثامن:
حديث أبي العالية عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ عليه السلام يَقُولُ عِنْدَ الكَرْب: "لَا إلله إِلَّا اللهُ (الْعَلِيمُ)
(5)
الحَلِيمُ، لَا إلله إِلَّا اللهُ رَبُّ العَرْشِ الكريَم .. ".
(1)
كذا بالأصول وهو خطأ، وإنما هو: عمارة. انظر "الإصابة" 2/ 513 (5708).
(2)
رواه الطبري 6/ 524 (17529، 17530)، عن ابن عباس، عن أبي كعب.
(3)
سبق برقم (6744) كتاب: الفرائض، باب:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ} ، ورواه مسلم (1618) كتاب: الفرائض، باب: آخر آية أنزلت.
(4)
سبق برقم (4544) كتاب: التفسير، باب:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ} .
(5)
في هامش الأصل: (العظيم) عليها علامة (خـ). أي: نسخة.
هذا الحديث سبق في أبواب الدعاء
(1)
، وأبو العالية، عن ابن عباس رضي الله عنهما اثنان: رفيع بن مهران، هذا اتفقا عليه، وزياد بن فيروز البرّاء كان يبري النبل، انفرد به مسلم
(2)
.
فصل:
الحديث التاسع:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قال: «النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ» .
وَقَالَ المَاجِشُونُ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الفَضْلِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ» .
الشرح:
هذا الحديث اختصره هنا، قال أبو مسعود الدمشقي
(3)
: إنما يعرف
(1)
سبق برقم (6345 - 6346) كتاب: الدعوات، باب: الدعاء عند الكرب.
(2)
ورد بهامش الأصل: حاشية: روى له البخاري أيضًا عن ابن عباس حديثًا واحدًا (قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج .. ) الحديث. أخرجه البخاري ومسلم والنسائي، البخاري في: تقصير الصلاة، ومسلم في الحج، وكذا النسائي. وليس له عن ابن عباس في الكتب إلا هذا الواحد. [قلت: سلف برقم (1085)].
(3)
ورد بهامش الأصل: هذا سقط منه شيء، أو أنه دخل على المؤلف. قال أبو مسعود: إنما يعرف عن عبد العزيز الماجشون، عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن أبي هريرة. انتهى. وعلى هذا الحكم أخرجه البخاري ومسلم والنسائي لا على ما ساقه البخاري هنا في التعليق، فاعلمه.
بذلك ما رواه البخاري في أحاديث الأنبياء عن يحيي بن بكير، ثنا الليث، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن ابن الفضل
(1)
، ومسلم، عن زهير، ثنا حجين بن المثنى، ثنا الماجشون بمثله
(2)
، وحدثنا محمد بن حاتم، ثنا يزيد بن هارون، ثنا عبد العزيز، به.
وقال النسائي: حدثنا موسي، عن الحسن بن محمد، عن شبابة، عن الماجشون به
(3)
.
وهو: أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة دينار الماجشون المدني الفقيه، مولى لآل المنكدر التيمي، اتفقا عليه وعلى ابن عمه يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة دينار، وقيل: ميمون، وانفرد مسلم بأبيه يعقوب.
(1)
سبق برقم (3414) باب: قول الله تعالى {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)}
(2)
مسلم (2373) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل موسى.
(3)
النسائي في "الكبرى" 6/ 448 (11461).
23 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]
وَقَوْلِهِ تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]
وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لأَخِيهِ: اعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: العَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الكَلِمَ الطَّيِّبَ. يُقَالُ: {ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج: 3]: المَلَائِكَةُ تَعْرُجُ إليه.
7429 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ العَصْرِ وَصَلَاةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ -وَهْوَ أَعْلَمُ بِكُمْ- فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» . [انظر:555 - مسلم: 632 - فتح 13/ 415]
7430 -
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ» . وَرَوَاهُ وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ» . [انظر: 1410 - مسلم: 1014 - فتح 13/ 415]
7431 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ عِنْدَ الكَرْبِ:
«لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» [انظر: 6345 - مسلم: 2730 - فتح 13/ 415]
7432 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ -أَوْ أَبِي نُعْمٍ، شَكَّ قَبِيصَةُ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ.
وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ -وَهْوَ بِالْيَمَنِ- إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ، وَبَيْنَ زَيْدِ الخَيْلِ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَضَّبَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ» . فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللهَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَمَنْ يُطِيعُ اللهَ إِذَا عَصَيْتُهُ، فَيَأْمَنِّي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَلَا تَأْمَنُونِي» . فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ قَتْلَهُ -أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ- فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» . [انظر: 3344 - مسلم: 1064 - فتح: 13/ 415].
7433 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ العَرْشِ» . [انظر: 3199 - مسلم: 159 - فتح: 13/ 416].
ذكر فيه خمسة أحاديث:
أحدها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ .. ". الحديث.
ثانيها: وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ: ثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَصْعَدُ إِلَي اللهِ إِلَّا الطَّيِّبُ".
ثالثها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما السالف في دعاء الكرب.
رابعها: حديث قَبِيصَةَ، ثَنَا سُفْيَانُ، -وهو ابن سعيد بن مسروق- عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن أَبِي نُعْيمٍ -واسمه عبد الرحمن، أَوْ أَبِي نُعْمٍ، شَكَّ قَبِيصَةُ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ.
وَحَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ رضي الله عنه -وَهْوَ بِالْيَمَنِ- إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ. الحديث.
وقد سلف، وقوله فيه:"إن من ضئضئ هذا" هو: الأصل. بالضاد والصاد.
والخامس: حديث أبي ذر رضي الله عنه: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عنْ قَوْلِهِ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] قَالَ: "مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ العَرْشِ".
الشرح:
تعليق ابن عباس أخرجه مسندًا في إسلام أبي ذر، عن عمرو بن العباس، ثنا ابن مهدي، ثنا المثنى، عنه
(1)
.
(1)
سبق برقم (3861) كتاب: مناقب الأنصار.
وتعليق مجاهد ذكره في "تفسيره" رواية ابن أبي نجيح، عن ورقاء عنه
(1)
، وتعليق خالد أخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان، ثنا خالد به
(2)
. وأخرجه أبو نعيم الحافظ عن أبي أحمد، ثنا عبد الكبير الخطابي، ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا شبابة، ثنا ورقاء. وأغفل ذكره فيما جمعه من حديث عبد الله بن دينار.
وغرضه في هذا الباب رد شبهة الجهمية المجسمة في تعلقها بظاهر قوله تعالى {ذِي الْمَعَارِجِ (2) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 2، 3]، وبقوله:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] وما تضمنته أحاديث الباب، من هذا المعنى، وقد سلف الكلام في الرد عليهم، وهو أن الدلائل الواضحة قد قامت على أن الباري تعالى ليس بجسم ولا محتاجًا إلى مكان يحله ويستقر فيه؛ لأنه تعالى قد كان ولا مكان وهو على ما كان، ثم خلق المكان، فمحال كونه غنيًّا عن المكان قبل خلقه إياه ثم يحتاج إليه بعد خلقه له -هذا مستحيل- ولا حجة لهم في قوله: لأنه إنما أضاف المعارج إليه إضافة فعل، وقد كان ولا فعل له موجود، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:{ذِي الْمَعَارِجِ} هو بمعنى: العلو والرفعة.
وكذلك لا شبهة لهم في قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10]؛ لأن صعود الكلم إليه تعالى لا يقتضي كونه في جهة العلو، إذ الباري تعالى لا تحويه جهة، إذ كان موجودًا ولا جهة، وإذا صح ذلك وجب أن يكون تأويل قوله:{ذِي الْمَعَارِجِ} رفعته واعتلاؤه على خليقته وتنزيهه عن الكون في جهة؛ لأن ذلك ما يوجب
(1)
"تفسير مجاهد" 2/ 531.
(2)
مسلم (1014/ 64) كتاب: الزكاة، باب: قبول الصدقة.
كونه جسمًا -تعالى الله عن ذلك- وإنما وصف الكلم بالصعود إليه (فمحال أيضًا وامتناع)
(1)
؛ لأن الكلم عرض، والعرض لا يفعل؛ لأن من شرط الفاعل كونه حيًّا قادرًا عالمًا مريدًا، فوجب صرف الصعود المضاف إلى الكلم إلى الملائكة الصاعدين به
(2)
.
فصل:
معنى {تَعْرُجُ} تصعد، واختلف في الروح، فقيل: جبريل، وقيل: ملك عظيم يقوم وحده صفا يوم القيامة وتقوم الملائكة صفًا، قال تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] وقيل: هو خلق من خلق الله، ولا ينزل ملك إلا ومعه اثنان منهم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه ملك له أحد عشر ألف جناح وألف وجه، يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة، وقيل: هم خلق كخلق بني آدم لهم أيد وأرجل
(3)
.
فصل:
وقول مجاهد: (العمل الصالح يرفع الكلم الطيب)، هو قول ابن عباس، وزاد: والعمل الصالح: أداء فرائض الله، فمن ذكر الله ولم
(1)
كذا بالأصل، وفي (ص 1): فمجاز أيضًا.
(2)
مذهب أهل السنة والجماعة هو إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى، قال ابن عثيمين. وعلو الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: علو معنوي، وعلو ذاتي، أما العلو المعنوي: فهو ثابت لله بإجماع أهل القبلة -أي أهل البدع وأهل السنة- كلهم يؤمنون بأن الله تعالى عالٍ علوًّا معنويًا. وأما العلو الذاتي: فهو ثابت عند أهل السنة، غير ثابت عند أهل البدعة .. "شرح الواسطية" 1/ 348. وقد استدل أهل السنة والجماعة بأدلة من الكتاب، والسنة والإجماع، والعقل.
انظر: "التوحيد" لابن خزيمة 1/ 254، "مجموع الفتاوى" 5/ 136، "شرح الطحاوية" لابن أبي العز ص 258. وانظر التعليق المتقدم ص 186 - 188.
(3)
"تفسير الطبري" 12/ 415 - 416.
يؤد فرائضه رد كلامه على عمله، وكان أولى به، وقاله الحسن وسعيد بن جبير. وقال شهر بن حوشب:{إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} : القرآن، والعمل الصالح يرفعه القرآن. وعن قتادة: العمل الصالح يرفعه الله
(1)
.
فصل:
("يتعاقبون فيكم"). فيه: تقديم الضمير على الفعل قبل الذكر، وهي لغة غير مشهورة، وهي لغة: أكلوني البراغيث.
فصل:
وقوله: ("بعدل تمرة"). رويناه: بفتح العين، ومعناه: المِثْل، وقال الكسائي: العِدل، والعَدل بمعنى. وقال الفراء: عَدل الشيء: مثله من غير جنسه، وعِدله مثله من جنسه. وأنكر البصريون هذا (التفريق)
(2)
، وقالوا: العِدل، والعَدل المثل، سواء كان من الجنس أومن غير الجنس، وحكى صاحب "الصحاح" عن الفراء مثل ما سلف
(3)
.
فصل:
وقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ("كما يربي أحدكم فلوه") قال الجوهري: الفُلُوّ -بتشديد الواو- المهر؛ لأنه يُفْتَلى أي: يُفطَم
(4)
.
وقال أبو زيد: (فلو) إذا فتحت الفاء شددت الواو، وإذا كسرت خففت (وقرأناه بالفتح)
(5)
. وقوله: "يتقبلها بيمينه" هو عبارة عن حسن القبول؛ لأن العادة جرت بأن اليمين تصان عن مس الأشياء الرديئة، وقيل: اليمين عبارة عن القدرة. وسلف.
(1)
رواه الطبري في (تفسيره) 10/ 398 - 399.
(2)
كذا بالأصل، وفي (ص 1): التفريع.
(3)
"الصحاح" 5/ 1761.
(4)
"الصحاح" 6/ 2456.
(5)
من (ص 1).
فصل:
قوله في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (بذهيبة في تربتها) هي: تبر الذهب ثم يسبك بعد، قيل: إنما أنث ذهيبة؛ لأن الذهب مؤنث، فلما صغرها أظهره؛ لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، وفي "الصحاح": الذهب معروف، وربما أنث، والقطعة منه ذهبة
(1)
.
فصل:
الأقرع ومن ذكر معه من المؤلفة قلوبهم الذين يعطون من الزكاة، وقد اختلف: هل حكمهم باق أم منقطع؟ ولا يأخذون إن احتيج إلى مثله.
والصناديد: جمع صنديد، وهو: السيد الشجاع، وغائر العينين أي: غارت عيناه فدخلتا وهي (ضد)
(2)
الجاحظ. وناتئ الجبين: مُرْتَفِعُهُ. وفي رواية أخرى: ناشز، والمعنى واحد.
وكث اللحية: كثير شعرها غير مسبلة، ومشرف الوجنتين أي: ليس بسهل الخد، وقد أشرفت وجنتاه: علتا، والوجنتان: العظمان المشرفان على الخدين، وهي: الوُجنة والوجنة والأجنة هذا قول القزاز.
وفي "الصحاح": الوجنة: ما ارتفع من الخدين، وفيها أربع لغات: بتثليث الواو، والرابع أجنة
(3)
.
وقوله: (محلوق الرأس)، كانوا لا يحلقون رءوسهم ويوفرون شعورهم، وقد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره وحلق في حجه وعُمَره. قال الداودي: كان هذا الرجل من بني تميم من بادية العراق. و"ضئضئ"
(1)
"الصحاح"1/ 129.
(2)
في الأصل: صفة. ولا يتناسب مع السياق.
(3)
"الصحاح" 6/ 2212.
تقدم أنه بالضاد والصاد، وأنه: أصله، ورويناه بالمعجمة، وقال الداودي: من ضئضي هذا، يعني: أمثاله وقرناءه، وكذا قال الشيخ أبو عمران، وعلل ذلك بأن هذا سبق فكان أصلاً لكل من جاء بعده منه؛ كقوله في رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أمر أمر ابن أبي كبشة
(1)
لما كان أتي بأمر لم يُسْبَق إليه فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم به لما فعل مثل فعله.
وقوله: ("لا يجاوز حناجرهم") أي: لا يرتفع إلى الله منهم شيء، وقوله:("مروق السهم (من الرمية)
(2)
") أي: يخرجون خروج السهم.
و (الرمية): ما يرمى من الصيد فيخرج السهم منها، فعيلة بمعنى مفعولة،
وقوله: ("لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد")، احتج به من يرى كفرهم.
وقوله: ({وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] قال: "مستقرها تحت العرش") قيل: أبعد منازلها في الغروب ثم ترجع فلا تجاوزه، وقيل: لأجل أجلها، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما:(لا مُسْتَقَرَّ لها)
(3)
. أي هي جارية لا تثبت في موضع واحد، وقيل: الشمس مرتفعة بالابتداء، والخبر {لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} ، وقيل: هي خبرُ محذوفٍ تقديره: وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها.
(1)
رواه البخاري (7) كتاب: بدء الوحي، ومسلم (1773) كتاب: الجهاد باب: كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل.
(2)
في الأصل عليها: لا إلى.
(3)
قراءة شاذة قرأ بها ابن عباس، وابن مسعود، وعكرمة، وعلي بن الحسين، والشيزرى عن الكسائي. انظر:"زاد المسير" 7/ 19، "مختصر شواذ القرآن" مكتبة المتنبي القاهرة ص 127.
24 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22 - 23]
7434
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ وَهُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا» . [انظر: 554 - مسلم: 633 - فتح: 13/ 419].
7435 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ اليَرْبُوعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا» [انظر: 554 - مسلم: 633 - فتح: 13/ 419].
7436 -
حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ البَدْرِ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ» . [انظر: 554 - مسلم: 633 - فتح: 13/ 419].
7437 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟» . قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» . قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ. فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ
القَمَرَ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا -أَوْ مُنَافِقُوهَا، شَكَّ إِبْرَاهِيمُ- فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَنَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ؟». قَالُوا نَعَمْ: يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلاَّ اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ -أَوِ الْمُوثَقُ بِعَمَلِهِ- وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ أَوِ الْمُجَازَى -أَوْ نَحْوُهُ- ثُمَّ يَتَجَلَّى، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ، مَاءُ الحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الجَنَّةَ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا. فَيَدْعُو اللهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟. فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ على الجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ، مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَ الذِي أُعْطِيتَ أَبَدًا؟، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ
مَا أَغْدَرَكَ!. فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ. وَيَدْعُو اللهَ، حَتَّى يَقُولَ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟. فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. وَيُعْطِي مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِي الجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ -فَيَقُولُ:- وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَك! فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لَا أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ. فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللهُ لَهُ: تَمَنَّهْ. فَسَأَلَ رَبَّهُ وَتَمَنَّى حَتَّى إِنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ، قَالَ اللهُ: ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» [انظر: 806 - مسلم: 182 - فتح: 13/ 419].
7438 -
قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا، حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللهَ تبارك وتعالى قَالَ:«ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: «وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ» . يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلاَّ قَوْلَهُ: «ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: «ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ. [انظر: 22 - مسلم: 183 - فتح: 13/ 420].
7439 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ:«هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟» . قُلْنَا: لَا. قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا -ثُمَّ قَالَ:- يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا
يَعْبُدُونَ. فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ
أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا. فَيُقَالُ: اشْرَبُوا. فَيَتَسَاقَطُونَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا -قَالَ:- فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ. فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. فَلَا يُكَلِّمُهُ إِلاَّ الأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ. فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ، لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا. فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ. وَيُحَرِّمُ اللهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى
أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا».
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40] «فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي. فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ إِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ. فَيُقَالُ لَهُمْ لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". [انظر: 22 - مسلم: 183 - فتح: 13/ 420].
7440 -
وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُحْبَسُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا -قَالَ:-فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ- قَالَ: وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِىَ عَنْهَا -وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ- وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ- قَالَ:- فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ:
إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ- وَيَذْكُرُ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ كَذَبَهُنَّ- وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللهُ التَّوْرَاةَ، وَكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا- قَالَ: -فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ- وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ قَتْلَهُ النَّفْسَ- وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ وَرُوحَ اللهِ وَكَلِمَتَهُ- قَالَ:- فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَبْدًا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَأْتُونِي، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي فَيَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ -قَالَ:- فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِى عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ».
قَالَ قَتَادَةُ وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ، حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ -قَالَ:- ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: وَهَذَا المَقَامُ المَحْمُودُ الذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 44 - مسلم: 193 - فتح: 13/ 422]
7441 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي عَمِّي، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ وَقَالَ لَهُمُ:«اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ» . [انظر: 3146 - مسلم: 1059 - فتح: 13/ 423].
7442 -
حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الحَقُّ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ، وَبِكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ» .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ:"قَيَّامٌ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْقَيُّومُ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقَرَأَ عُمَرُ الْقَيَّامُ، وَكِلَاهُمَا مَدْحٌ. [انظر: 1120 - مسلم: 769 - فتح: 13/ 423].
7443 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ» [انظر: 1413 - مسلم: 1016 - فتح: 13/ 423].
7444 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ
وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». [انظر: 4878 - مسلم: 180 - فتح: 13/ 423].
7445 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكُ بْنُ أَعْيَنَ وَجَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . قَالَ عَبْدُ اللهِ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ} [آل عمران: 77] الآيَةَ. [انظر: 2356، 2357 - مسلم: 138 - فتح: 13/ 423].
7446 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ العَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اليَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ» . [انظر: 2358 - مسلم: 108 - فتح: 13/ 423].
7447 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعَدَةِ، وَذُو الحَجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» . قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الحَجَّةِ؟» . قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» . قُلْنَا: اللهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: "أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» . قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟» . قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ- قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ- عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ». فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ صَدَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:«أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ» . [انظر: 67 - مسلم: 1679 - فتح: 13/ 424].
ذكر فيه أحاديث جملتها (اثنا)
(1)
عشر حديثًا:
أحدها: حديث جرير رضي الله عنه: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ فقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ .. ". الحديث بطوله، وقد سلف.
ثانيها: حديث عَاصِمِ بْنِ يُوسُفَ اليَرْبُوعيَّ -من أفراده- ثَنَا أَبُو شِهَابٍ -وهو عبد ربه بن نافع الحناط، صاحب الطعام، المدائني، اتفقا عليه- إلى جَرِيرِ مرفوعا:"إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا".
وعنه: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ البَدْرِ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ .. ". الحديث بطوله.
(رابعها)
(2)
: حديث زيد -هو ابن أسلم- عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ
(1)
عليها بالأصل علامة نسخة، وكتب بهامشها: صوابه ثلاثة، وورد أيضًا بخط مقلوب: عدها اثني عشر، وإنما هي ثلاثة عشر، فاعلمه. وقد تكلم عليه المؤلف فيما يأتي في هذا البال
(2)
ورد بهامش الأصل: هذا سقط من المؤلف وهو رابع، وكون الغلط من المؤلف؛ لأنه حديث عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة أن الناس قالوا يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ الحديث بطوله. فعلى ما ذكرت ينتقل العدد ويبقى الرابع في كلامه خامسًا، والخامس في كلامه سادسًا، وهكذا إلى ما عدده. =
أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَري رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ الحديث بطوله بمثله
(1)
، وزيادة.
خامسها: وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ منْهَالٍ: ثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
…
الحديث بطوله في الشفاعة.
وحجاج بن منهال شيخه، فكأنه أخذه عنه مذاكرة، وقد قال أبو جعفر بن حمدان: إنه عرض ومناولة.
سادسها: حديث أنس رضي الله عنه أَنَّه صلى الله عليه وسلم أرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ في قُبَّةٍ وَقَالَ لَهُمُ:"اصْبِرُوا حتى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ".
سابعها: حديث سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ -وهو سليمان بن أبي مسلم المكي خال عبد الله بن أبي نجيح المكي، اتفقا عليه- عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ .. ". الحديث.
وقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ:"قَيَّامٌ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: القَيُّومُ: القَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ وقد سلف ذلك في التفسير وَقَرَأَ عُمَرُ: القَيَّامُ، وَكِلَاهُمَا مَدْحٌ.
ثامنها: حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه مرفوعا: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ
= [قلت: هكذا قال سبط، والذي أراه أوقع المصنف في هذا أن البخاري ساقه أولاً من حديث أبي هريرة ودخل معه أثناء الحديث أبو سعيد لأنه كان حاضرًا مع أبي هريرة فهو له ذكر في الحديث. ثم ساقه البخاري من حديث أبي سعيد مفردًا بعده، وهما بلفظ يكاد يتطابق فكأن المصنف اعتبرهما واحدًا، وإن كان يبقى عليه أن يفرد الكلام على الإسنادين ويشير لحديث أبي هريرة أولاً].
(1)
أي بمثل حديث أبي هريرة الذي قبله عند البخاري، وأغفل المصنف ذكره كما في التعليق السابق.
إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ".
تاسعها: حديث أبي عمران -واسمه: عبد الملك بن حبيب الجوني- عن أبي بكر -واسمه: عمرو بن عبد الله بن قيس- عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ" إلى أن قال: "وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَي رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ".
العاشر: حديث أبي وائل عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه مرفوعا: "مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ" إلا قوله "ولا يكلمه الله"
(1)
.
الحادي عشر: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ .. " الحديث سلف.
الثاني عشر: حديث ابن أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه واسم الأول عبد الرحمن والثاني
(2)
نفيع، والأول أول مولود في الإسلام بالبصرة، يكني أبا بحر. وقيل: أبا حاتم: اتفقا عليه- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ .. " الحديث سلف بطوله، وفيه:"سَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْألكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ".
الشرح:
استدل البخاري بالآية، وبأحاديث الباب على أن المؤمنين يرون ربهم في جنات النعيم، وهو باب اختلف الناس فيه، ومذهب أهل السنة والجماعة وجمهور الأمة جواز رؤية الله تعالى في الآخرة، ومنعت من ذلك الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة.
(1)
هذِه الفقرة الأخيرة سياقها في الحديث أنها جزء من آيةٍ، وكان الجادة أن تُكتب {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ} .
(2)
ورد في هامش الأصل: المراد بالثاني أبو بكرة، والأول ابنه عبد الرحمن.
واستدلوا على ذلك بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثًا وحالًّا في مكان، في شُبَه أُخَر، نقض بعضها مغن عن نقض سائرها، وزعموا أن {نَاظِرَةٌ} في الآية بمعنى منتظرة فيقال لهم: هذا جهل بموضع اللغة؛ لأن النظر في كلام العرب ينقسم أربعة أقسام: يكون بمعنى الانتظار، و (التفكر)
(1)
والاعتبار، والتعطف والرحمة، ويكون بمعنى الرؤية للأبصار، وإن كان النظر له معان أخر.
قال في "المحكم": نظر إليه يعني: أهلكه، ونظر إليك: قابلك، ونظر الشيء: باعه
(2)
.
وفي "جامع القزاز": نظرت إلى هذا الأمر من نظر القلب مثل نظر العين و (نظرت)
(3)
فرأت.
وخطأ كونه في الآية بالمعنى الأول وهو الانتظار
(4)
من وجهين:
أحدهما: أنه عدِّي إلى مفعوله بإلى، وهو إذا كان بمعنى الانتظار لا يتعدى بها، وإنما يتعدى بنفسه قال تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ} [محمد: 18] فعداه بنفسه لما كان بمعنى ينتظرون.
قال الشاعر:
فإنكما إن تنظراني ساعة
…
من الدهر تنقضي لديَّ أم جندب
بمعنى: تنتظراني.
(1)
في الأصل: التكفر وما أثبتناه من "ص".
(2)
"المحكم" 11/ 17 - 18 مادة [نظر]. وفيه: ونَظَرَ إليهم الدَّهرُ: أهلكهم -على المَثَل- ولستُ منه على ثقة .. ، ونَظَر إليك الجبل: قابلك .. ، ونظر الشيء: باعه بنظرة.
(3)
في الأصل: نظرات.
(4)
ورد في الأصل في هذا الموضع: وخطأ كونه. ووضعها بين لا إلى.
ثانيهما: حمله على معنى الانتظار لا يخلو أن يراد به منتظرة ربها أو ثوابه، وعلى أيهما حمل فهو خطأ؛ (لأن المنتظر لا ينتظره؛ لأنهما في تنغيص وتكدير)
(1)
والله قد وصف أهل الجنة بغير ذلك، وأن لهم فيها ما يشاءون، ويبطل كون النظر فيها بمعنى: الاعتبار والتفكر؛ لأن الآخرة ليست بدار اعتبار وتفكر؛ إذ ليست بدار محنة وعبادة، وإن ذاته تعالى ليست مما يعتبر بها، فبطل قولهم، ويبطل كونها فيها بمعنى التعطف والرحمة؛ لأن ذاته (تعالى ليست)
(2)
مما يتعطف عليها ويترحم.
وإذا بطلت هذِه الأقسام الثلاثة صح الرابع، وهو النظر بمعنى: الرؤية بالأبصار له تعالى، وهو ما ذهب إليه جمهور (المتكلمين)
(3)
قبل حدوث القائلين بهذه الضلالة، وشهدت له السنن الثابتة من الطرق المختلفة، وما احتج به من نفاها من أنه يوجب كون المرئي محدثًا فهو فاسد؛ لقيام الدلائل الواضحة على أن الله موجود، وأن الرؤية بمنزلتها في تعلقها بالمرئي منزلة العلم في (تعلقه)
(4)
بالمعلوم، فكما أن العلم المتعلق بالموجود لا يختص بموجود دون موجود ولا يوجب تعلقه به حدثه، كذلك الرؤية في تعلقها بالمرئي لا توجب حدثه، واحتج نفاتها أيضًا بقوله:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام:
(1)
كذا العبارة بالأصول وهي غير بليغة -إن أُدرك منها معنى- ووقع في "شرح ابن بطال"(لأن المنتظر لما ينتظره في تنغيص وتكدير) وهو أنسب بل هو الصواب، والله أعلم.
(2)
من (ص 1).
(3)
كذا بالأصول، ووقع في "شرح ابن بطال": المسلمين. ولعله أوجه.
(4)
في الأصل: تعلقها.
103]، وبقوله لموسي:{لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] في جواب سؤاله الرؤية، وهذا لا تعلق لهم فيه؛ لأن قوله تعالى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ، وقوله:{لَنْ تَرَانِي} لفظ عام والآية خاصة تقضي على العام وتبينه، فمعنى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} في الدنيا؛ لأنه تعالى قد أشار على أن المراد بالآية: الآخرة بقوله: {يَوْمَئِذٍ} ، وكذلك يكون معنى قوله لموسى:{لَنْ تَرَانِي} في الدنيا؛ لأنه قد ثبت أن نفي الشيء لا يقتضي إحالته، بل قد يتناول المستحيل وجوده والجائز
(1)
وجوده، فلا تعلق لهم بالآيتين، فشهد لصحة الرؤية لله من الأحاديث الثابتة التي تلقاها المسلمون بالقبول من عصر الصحابة والتابعين إلى وقت حدوث المارقين المنكرين لها. وقال ابن التين: هي إما متواترة المعنى أو اشتهرت ولم ينكرها أحد من الصحابة، ولا دفعها بحجة نقل ولا سمع، ولا دليل على عدم صحتها.
فصل:
فإن قلت: (آلى في الآية هي واحدة الآلاء، لا حرف جر)
(2)
. يقال: ليس هذا معروفًا ولو عرف لم يكن مرادًا؛ لأنه ذكر المراد: النظر، وأضافه إلى الوجه، فإن استدل بقول الأعشى:
أبيض لا يرهب الهزال ولا
…
يقطع (جاء ولا يجوز إلا)
(3)
قيل: معنى البيت: (ولا يجوز إلا. مخفف، والإل: العهد، وحماية العهد أولى من حماية النعمة. ولو كان بمعنى الانتظار لكان
(1)
في (ص 1): الحائل.
(2)
من (ص 1)، ووقع بالأصل {إِلى} في الآية (إلا لا) لا حرف جر) ولا وجه له.
(3)
كذا بالأصل، وفي "ديوان الأعشى ص 171: رحما ولا يخون إلا. وعليه يكون سياق الكلام بعدُ: قيل معنى البيت: ولا بخون إلا.
تنغيصًا وتنكيدًا للمنتظرين، وعلى هذا قال الأشعري: أهل الجنة لا ينتظرون نعمة وهم في أخرى، بل كلما خطر ببالهم شيء أُتُوا به من غير انتظار.
فإن قلت: إذا جعلتم النظر في الآية نظر عين؛ لأضافته إلى الوجوه، فاجعلوا الوجوه نظرًا أيضًا بإضافة النظر إليها. قيل لهم: لا يمتنع أن يكون بعض الآية حقيقة وبعضها مجازًا، وأن يكون أضاف النظر إلى الوجوه، والمراد به أصحابها، ويجوز أيضًا أن يكون نظر الوجوه على الحقيقة ويخلق فيها النظر؛ لأن ذلك وقت خرق العادات. ومن الناس من قال: إنما خوطب بالظن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تظن يا محمد أن يفعل بها فاقرة. حكاه ابن التين، فإن قلت: كيف يُرى من ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر؟ قيل: مما تعلم ما ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر
(1)
. وقد سلف.
فصل:
قوله: ("ليلة البدر") قال الجوهري: (سمي)
(2)
بدر لمبادرته الشمس بالطلوع، كأنه تعجلها المغيب، قال: ويقال: سمي لتمامه
(3)
.
وقوله: "كما ترون هذا القمر". لم يقصد به إلا تشبيه الرؤية بالرؤية لا لشبه المرئي بالمرئي ("وتضامون") قد سلف الخلف فيه هل هو بالتشديد أو التخفيف؟ قال ابن التين: ورويناه بفتح التاء والتشديد في أول الباب وبعده بضمها والتخفيف.
(1)
هذِه المصطلحات ليست من عبارات السلف، وإنما نقلها المتكلمون عن الفلاسفة، وهجرها هو السبيل القويم. وانظر التعليق المتقدم ص 178.
(2)
من (ص 1).
(3)
"الصحاح" 2/ 586 - 587.
قال الشيخ أبو الحسن: إذا فتحت التاء فالضاد والميم مشددتان وإذا ضممتها خففتهما، فمعنى التشديد مأخوذ من الازدحام، أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض كما تنضمون في رؤية الهلال (رأس)
(1)
الشهر؛ لخفائه ورقته، ومن خفف فالمعنى عنده على نفي الضيم، وأصله: تضيمون، فألقيت حركة الياء على الضاد، فقلبت ألفًا؛ لانفتاح ما قبلها.
فصل:
تأولت المعتزلة هذا الخبر على أن معناه رؤية العلم، وأن المؤمنين يعرفون الله يوم القيامة ضرورة، وهذا خطأ؛ لأن الرؤية بمعنى العلم تتعدي إلى مفعولين؛ كقولك: رأيت زيدًا فقيهًا، أي: علمته كذلك. فإذا قال: رأيت زيدًا منطلقًا. لم يفهم منه إلا رؤية البصر، وتحقق ذلك لشبهه برؤية البدر.
ورواية جرير "عيانًا" ترفع الإشكال؛ لأن الرؤية إذا قرنها بالعيان لم تحتمل العلم، ويبينه أنه عليه السلام بشر المؤمنين بذلك، وذلك يوجب أن يكون معنى يختصون به، وأما العلم بالله فمشترك بين المؤمنين والكافرين.
فصل:
حاصل اختلاف الناس في رؤية الله يوم القيامة أربعة أقوال:
قال أهل الحق: يراه المؤمنون يوم القيامة دون الكفار. وقالت المعتزلة والجهمية: هي ممتنعة، لا يراه مؤمن ولا كافر. وقال ابن سالم البصري: يراه الجميع: الكافر والمؤمن. وقال صاحب كتاب "التوحيد": من الكفار من يراه رؤية امتحان ولا يجدون فيها لذة، كما يكلمهم بالطرد والإبعاد، قال: وتلك الرؤية قبل أن يوضع الجسر
(1)
في (ص 1): ليلة.
بين ظهراني جهنم، واحتج بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو نحو من حديثه هنا
(1)
.
وموضع الدليل قوله: "فكل من كان يعبد غير الله يسقط في النار ويبقى المؤمنون، والمنافقون بين أظهرهم وبقايا من أهل الكتاب" وهنا: "وغبرات من أهل (الكتاب)
(2)
"، وهو، هو: أي بقايا جمع غير، وغبر جمع: غابر، فقال لهم: "ألا تتبعون ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد الله ولم نره"
(3)
، قال:"فيكشف عن ساق" الحديث. وانفصل عنه ابن فورك بأنه ليس فيه ذكر رؤية عين
(4)
.
ودليل أهل الحق قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: 15]، فأخبر أن الكفار محجوبون عن رؤيته تعالى. وقوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} الآية التي ذكرها البخاري، فأعلم أن الوجوه الناضرة أي: المشرقة وهي وجوه المؤمنين هي الناظرة إلى ربها تعالى، فدل هذا التقييد وهذا النص على أن الكافرين لا يرونه تعالى.
فصل:
وقوله في حديث جرير رضي الله عنه: ("فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس -هي: الصبح- وصلاة قبل غروب الشمس -هي: العصر- فافعلوا". وهذا يدل على تأكدهما، وهما أقوى أقوال أهل العلم في الوسطى.
(1)
"التوحيد" لابن خزيمة 1/ 420 - 422.
(2)
في (ص 1): الكبائر.
(3)
هذا لفظ أحمد 3/ 16، ولفظ البخاري هنا مغاير في السياق.
(4)
انظر: "مشكل الحديث" ص 234 - 239.
فصل:
وقول جرير: (كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقال مرة:(خرج علينا)، لا تنافي بينهما، وكذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس سألوا. لا تنافي فيه أيضًا، فقد تتعدد الواقعة، أو سمع أبو هريرة رضي الله عنه سؤالهم دون جرير.
فصل:
الطواغيت: الشياطين أو الأصنام، وقال مجاهد في قوله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: 60] أنه كعب بن الأشرف
(1)
.
وفي "الصحاح": الطاغوت: الكاهن الشيطان، وكل رأس في الضلال، وقد يكون واحدًا، ثم ذكر الآية، قال: وقد يكون جمعًا، وذكر قوله تعالى:{أوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} [البقرة: 257] وطاغوت وإن جاء على وزن لاهوت فإنه مقلوب؛ لأنه من طغا.
ولاهوت [غير]
(2)
مقلوب لأنه من لاه، بمنزلة الرغبوت والرهبوت
(3)
، وقال النحاس: مأخوذ من الطغيان، يؤدي عن معناه من غير اشتقاق كما قيل: لآل من اللؤلؤ.
وقال سيبويه: الطاغوت اسم واحد مؤنث يقع على الجمع. قال النحاس: أحسن ما قيل فيه: إنه من طغي أصله: (طَغَوُوتٌ)
(4)
، مثل: جبروت، ثم نقلت اللام فجعلت عينًا ونقلت العين فجعلت لامًا، مثل: جبذ وجذب، ثم قلبت الواو ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها
(5)
.
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 157 (9903 - 9904).
(2)
ساقط من الأصل، والمثبت من "الصحاح" مادة (طغى).
(3)
"الصحاح" 6/ 2413 مادة (طغي).
(4)
في الأصول: طغوت. والمثبت من "المعاني" وهو الصواب.
(5)
"معاني القرآن" 1/ 269، والَّلآل: بائع اللؤلؤ.
فصل:
وقوله: ("فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون"). ليس الإتيان على المعهود فيما بيننا الذي هو انتقال حركة؛ لاستحالة وصفه تعالى نفسه بما توصف به الأجسام، فوجب حمله على أنه تعالى يفعل فعلًا يسميه إتيانًا وصف تعالى به نفسه، ويحتمل أن يكون الإتيان المعهود فيما بيننا خلقه الله تعالى لغيره من ملائكته فأضافه إلى نفسه، كقولك: قطع الأمير اللص. وهو لم يله بنفسه، وإنما أمر به.
والحاصل أن الإتيان هنا مثل قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} . وأن ذلك بظهور فعل لا بتحرك ذاته، أو أنه فعل من أفعال ملائكته، فيضاف إليه من طريق أنه تابع أمره، أو أنه عبارة عن رؤيتهم الله تعالى؛ لأن العادة جارية أن من نحا لا يتوصل إلى رؤيته إلا بمجيء، فعبر عن رؤيته بالمجيء جوازًا
(1)
.
فصل:
وأما وصفه تعالى بالصورة، ففيه إيهام (للمجسمة)
(2)
أنه تعالى ذو
(1)
قال أبو القاسم الأصبهاني: الأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، واثبات الله تعالى إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية. "الحجة في بيان المحجة" 1/ 288. وقال ابن أبي العز: الله سبحانه وتعالى لم يزل متصفًا بصفات الكمال: صفات الذات، وصفات الفعل .. ، ولا يَرُدُّ على هذا صفات الفعل والصفات الاختيارية ونحوها كالخلق والتصوير .. والاستواء والإتيان والمجيء والنزول .. ونحو ذلك مما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله، وان كنا لا ندرك كنهه وحقيقته التي هي تأويله، ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا؛ ولكن أصل أصل معناه معلوم لنا
…
"شرح الطحاوية" ص 80.
(2)
من (ص 1) وفي الأصل: للجسمية. عليها علامة استشكال.
صورة ولا حجة لهم فيه؛ لأن الصورة هنا تحتمل أن تكون بمعنى العلامة، (وصفها)
(1)
تعالى دليلًا لهم على معرفته، أو التفرقة بينه وبين مخلوقاته، فسمى الدليل والعلامة صورة مجازًا كما تقول العرب: صورة حديثك كيت وكيت وصورة أمرك كذا وكذا.
وقال ابن التين: اختلف في معنى الصورة، فقيل: صورة اعتقاد كما تقول: صورة اعتقادي في هذا الأمر. فالمعنى: يرونه تعالى على ما كانوا يعتقدون من الصفات. وقيل: معناها: الصفة وهو نحو الأول.
وقال ابن قتيبة: لله تعالى صورة لا كالصور، كما أنه شيء لا كالأشياء، فأثبت لله تعالى صورة فعلية. قال ابن فورك: وهذا جهل من قائله
(2)
.
وقال الداودي: إن كانت محفوظة، فيحتمل أن تكون صورة الأمر والحال الذي يأتي فيه، فقال: أنا أصف لك صورة هذا الأمر، وذلك أن الله تعالى أخبر أنه يأتيهم في ظلل من الغمام والملائكة، فقد يرونه ولا يرون الملائكة والغمام، أويرون بعض ذلك؛ لأنه يخفي من ذلك ما شاء في وقت ويظهره في وقت آخر، فإذا رأوا غير ما قيل لهم وقفوا.
فصل:
وقولهم: ("أنت ربنا"). أي: أنت عين ربنا تخاطبنا صدقا.
فيتحققون نداءه وخطابه أنه عن الله تعالى، ويحتمل أن يكون ذلك عند تجلي الله للمؤمنين من خلقه، فيقولون عند رؤيتهم له وظهور تلك
(1)
وقعت في "شرح ابن بطال": وضعها. ولعلها أجود لمقصود الكلام.
(2)
"مشكل الحديث وبيانه" ص 67.
الصورة التي لا
(1)
يعرفون مما أضيفت إلى الله تعالى ملكًا وخلقًا: أنت ربنا. اعترافًا بالربوبية، وفصلًا من حالهم وحال الكفرة.
قال المهلب: وأما قولهم: "فإذا جاء ربنا عرفناه" فإنما ذلك أن الله سبحانه وتعالى يبعث إليهم ملكًا؛ ليفتنهم ويختبرهم في اعتقاد صفات ربهم الذي ليس كمثله شيء، فإذا قال لهم الملك: أنا ربكم، رأوا عليه دليل الخلقة التي تشبه المخلوقات فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاءنا عرفناه أي: إنك لست ربنا، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون. أي: يظهر إليهم في ملكه لا ينبغي لغيره، وعظمته لا يشبه شيئًا من مخلوقاته، فيعرفون أن ذلك الجلال والعظمة لا تكون لغيره، فيقولون: أنت ربنا الذي لا يشبهك شيء، فالصورة يعبر بها عن حقيقة الشيء.
فصل:
وقوله: ("فيقول: هل بينكم ويينه آية تعرفونها؟ فيقولون: الساق، فيكشف لهم عن ساقه فيسجد له كل مؤمن"). هذا يدل -والله أعلم- أن الله تعالى عرف المؤمنين على ألسنة الرسل يوم القيامة أو على ألسنة الملائكة المتلقين لهم بالبشرى، أن الله تعالى قد جعل لكم علامة تجليه لكم الساق، وعرفهم أنه سيبتلي المكذبين بأن يرسل إليهم من يقول: أنا ربكم فتنة لهم.
ويدل على ذلك قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] في سؤال القبر، وفي هذا الموطن، وقال ابن عباس في قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42]
(1)
كذا بالأصول.
عن شدة الأمر
(1)
، أو يكشف عن أمر عظيم يريد به هولًا من أهوال يوم القيامة.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)} [القيامة: 29] أي: أعمال الدنيا بمحاسبة الآخرة
(2)
، وذلك أمر عظيم، والعرب تقول: قامت الحرب على ساق، إذا كانت شديدة، فيظهر الله سبحانه وتعالى على الخلق هذِه الشدة التي لا يكون مثلها من مخلوق، ليبكت بها الكافرين وينزع عنهم (قدرتهم)
(3)
التي كانوا يدعونها، فيعلمون حينئذٍ أنه الحق، فيذهبون إلى السجود مع المؤمنين لما يرون من العظمة والشدة، فلا يستطيعون، فيثبت الله المؤمنين فيسجدون له.
وذكر ابن فورك عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعًا - في هذِه الآية "نور عظيم"، ومعني ذلك ما يتجدد للمؤمنين عند رؤية الله تعالى من الفوائد والألطاف، ويظهر لهم من فضل سرائرهم التي لم يطلع عليها غيره عز وجل
(4)
.
قال المهلب: هذا يدل أن كشف الساق للكافرين نقمة وللمؤمنين نعمة، والضحك منه تعالى بخلاف ما هو منا، وهو بمعنى (إظهاره)
(5)
لعباده لطائف وكرامات لم تكن تظهر لهم قبل ذلك، والضحك المعهود فيما بيننا هو إظهار الضاحك لمن يشاهده ما لم يكن يظهر لهم منه قبل، من كشره عن أسنانه
(6)
. وفيه أقوال أخر ستأتي قريبًا.
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 197 (34674).
(2)
"مشكل الحديث وبيانه" ص 369.
(3)
من (ص 1).
(4)
"مشكل الحديث وبيانه" ص 465
(5)
من (ص 1).
(6)
انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 468.
فصل:
قوله في حديث أبي هريرة: ("فيتبعونه"). أي: يذهبون حيث يؤمرون، وقوله:(ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم) أي: على وسطها وكل شيء متوسط بين شيئين فهو بين ظهرانيهما وظهريهما. قال الداودي: يعني على أعلاها فيكون جسرًا
قوله: ("فأكون أنا وأمتي أول من يجيز"). أي يجوز، وفي بعض النسخ:"يجيزها"، والكلاليب: جمع كلوب -بفتح الكاف- وهو الذي يتناول به الحداد الحديد من النار كذا في كتاب ابن بطال
(1)
.
وعبارة ابن التين: هو (المعتقف)
(2)
الذي يخطف به الشيء وهو واحد، والخطاطيف في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: جمع خطاف، والخطاف: حديدة معوجة الطرف تجذب بها الأشياء.
قال النابغة:
خطاطيف حجن في حبال متينة.
و (شوك السعدان) بأرض نجد
فصل:
قوله في حديث أبي سعيد: ("خطاطيف وكلاليب وحسكه")، والحسك: معروف وهو (شوك مضرس ذو شيء)
(3)
ينشب فيه كل ما مر به. قال الجوهري: الحسك: حسك السعدان، والحسكة: ما يعمل من الحديد على مثاله وهو آلات العسكر
(4)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 468.
(2)
من (ص 1) وفي الأصل: المعتفق.
(3)
كذا بالأصل، ووقع في "شرح ابن بطال"(شيء مضرس ذو شوك) وهو أصوب.
(4)
"الصحاح" 4/ 1579.
وقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ("ومنهم المخردل أو المجازى" أو نحوه) كذا هنا، وفي مسلم:"ومنهم المجازى حتى يُنَجَّى".
وقوله قبله "تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم الموبق بعمله -أو- الموثق)، وفي مسلم"الموبق"
(1)
، و"تخطف"-بفتح الطاء- و"المخردل"، قال صاحب "العين": خردلت اللحم: فصلته، وخردلت الطعام: أكلت خياره
(2)
. وقال غيره: خردلته: صرعته، وهذا الوجه موافق معنى الحديث كما قاله ابن بطال، والجردلة بالجيم: الإشراف على السقوط والهلكة
(3)
.
وقال الداودي: المخردل: الذي تخدشه الكلاليب، والظاهر أنه من تقطعه الكلاليب صغيرًا صغيرًا كالخردل.
فصل:
وقوله: ("امتحشوا"): احترقوا وفي "الصحاح": المحش: إحراق النارالجلد
(4)
، وفيه لغة: امتحشته النار. وكذا قال صاحب "العين": المحش: إحراق الجلد. وامتحش الجلد: احترق، والسنة المحوش: اليابسة
(5)
.
وقال صاحب "العين": محشت النار الشيء محشًا: أحرقته لغة، والمعروف محشته
(6)
.
(1)
رواه مسلم (182)، كتاب: الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية.
(2)
"العين" 4/ 334.
(3)
"شرح ابن بطال" 10/ 468.
(4)
"الصحاح" 3/ 1018.
(5)
"العين" 3/ 261 قال: وهذه سنة محوش: يابسة.
(6)
"العين" 3/ 100.
وقال الداودي: "امتحشوا": ضمروا وانقبضوا كالمحترقين، وكان أبو زيد ينكر محشته، وقعد يومًا إلى جنب أبي حنيفة فسمعه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار قوم محشتهم النار" فقال أبو زيد: (ليس)
(1)
كذلك الحديث يرحمك الله، إنما هو:"قد امتحشتهم النار" فقال أبو حنيفة: من أي موضع أنت؟ قال أبو زيد: من البصرة، فقال أبو حنيفة: أبالبصرة مثلك؟ قال أبو زيد: إني لمن أخس أهلها. فقال أبو حنيفة: طوبى لبلدة أنت أخس أهلها.
فصل:
الحبة بكسر الحاء المهملة هي: اسم لجميع الحبوب التي للبقول تكسر إذا هاجت، ثم إذا أمطرت من قابل نبتت، وعبارة ابن بطال أنها بزور البقول
(2)
، وقول الفراء. وعبارة أبي عبيد أنها كل ما ينبت لها حب، فاسم الحب منه الحبة.
وقال أبو عمر
(3)
: هي نبت ينبت في الحشيش صغار. وقال الكسائي: إنهاجما الرياحين. وواحد الحبة حبة، وأما (الحنطة)
(4)
ونحوها فهو الحب لا غير
(5)
.
وقال ابن دريد في "جمهرته": كل ما كان من (بزر)
(6)
العشب فهو حبة والجمع: حِبَب
(7)
. وقيل: هي الحبوب المختلفة.
(1)
من (ص 1).
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 469.
(3)
في "الغريب": أبو عمرو.
(4)
من (ص 1) وفي الأصل: الحبة.
(5)
"غريب الحديث" 1/ 51.
(6)
كذا بالأصول، وفي مطبوع "الجمهرة"(بذر) بالذال.
(7)
"جمهرة اللغة" 1/ 65.
وقال الداودي: الحبة بالكسر جمع (حبة)
(1)
بالفتح.
وقوله: ("في حميل السيل") قال الأصمعي: الحميل: ما حمله السيل من كل شيء وكل محمول فهو حميل، كما يقال للمقتول: قتيل. وقال أبو سعيد الضرير: حميل السيل: ما (حمله من طين)
(2)
فإذا اشتدت فيه الحبة تنبتُ في يوم وليلة، فأخبر الشارع بسرعة نباتهم، وحميل بمعنى محمول.
فصل:
قوله: ("قشبني ريحها"). تقول العرب: قشبت الشيء: قذرته، وقشب بكسر الشين قشبًا: قذر. عن صاحب "الأفعال"
(3)
.
وقال ابن قتيبة: إنه من القشب، والقشب: السم، كأنه قال: سمني ريحها، ويقال: كل مسموم قشب. وقال الخطابي: قشبه الدخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ يكظمه وإن كانت ريحه طيبة، وأصل القشب: خلط السم بالطعام
(4)
، يقال: قشبه إذا سمه، وقشبتنا الدنيا فصار حُبُّها كالسم الضار. ثم قيل على هذا: قشبه الدخان والريح الذكية إذا بلغت منها الكظم.
قال ابن التين: رويناه بتشديد الشين، وكذلك هو في "الصحاح" بالتشديد أي: آذاني. كأنه قال: سمني ريحها
(5)
؛ لأن القشب السم.
(1)
من (ص 1).
(2)
في (ص 1). (ما جاء به من غبار وطين) وما أثبتناه من الأصل.
(3)
"الأفعال" لابن القوطية ص 222.
(4)
"أعلام الحديث" 1/ 533.
(5)
"الصحاح" 1/ 202.
وقوله: ("وأحرقني (ذكاؤها)
(1)
") هو بفتح الذال المعجمة أي: لهبها وشدة وهجها، كذا ضبطه النووي قال: والأشهر في اللغة ذكاها مقصور، وذكر جماعة المد أيضًا
(2)
.
وقال ابن التين: كذا رويناه بضم الذال والمد. قال ابن ولاد: ذكاء النار التهابها يكتب بالألف؛ لأنه من الواو يقال: ذكت النار تذكو، والذكاء من الفهم ممدود، وكذلك في السنن ممدود أيضًا
(3)
. قال: وذكاء بالضم والمد اسم للشمس
(4)
. وقال الداودي: قشبني: غير جلدي وحوله عن حاله.
وقوله: ("هل عسيت") بفتح السين وكسرها، ونافع قرأ بالفتح، ويقال: عسينا وعسيتم (للرجال)
(5)
ولا يقال: يفعل ولا فاعل.
فصل:
قوله ("انفهقت له الجنة"). أي: انفتحت واتسعت، وفهق الغدير: امتلأ، ومنه: الفهق في القول، وهو: كثرة الكلام.
وقوله: ("من الحبرة") كذا في الأصول، وفي بعض النسخ "الخير"، واقتصر ابن التين على قوله "من الخير"، وقال: أي: السرور والنعمة.
قال الهروي: إنما سمي بذلك؛ لأنه يبين في وجه صاحبه وهي بفتح الحاء أي: وسكون الباء، وهي في مسلم أيضًا وأخرى "الخير" بفتح الخاء المعجمة ثم مثناة تحت.
(1)
من (ص 1) وفي الأصل: ذكاها.
(2)
"شرح صحيح مسلم" 3/ 23.
(3)
"المقصود والممدود" ص 42 - 43.
(4)
السابق ص 44.
(5)
من (ص 1).
وقوله: ("لا أكون أشقي خلقك")، يريد: خلقك الذين لم تخلدهم في النار.
فصل:
وقوله: ("حتى يضحك الله") سلف معنى الضحك، وأنه إظهار اللطف
(1)
.
وقال ابن التين: أي: رضي عنه؛ لأن الضحك في البشر علامة على ذلك، وقال البخاري: معناه: الرحمة.
وقال الداودي: يحتمل أن يُضحِك اللهُ عبادَهُ مِنْ فحل ذلك (الرجل كما قرأ بعضهم: (بل عجبت [الصافات: 12] بضم التاء
(2)
، أي: جعله عجبا لعباده، وعبر بعضهم عن)
(3)
الأول بأنه ما أبدي من فضله، وأظهر من نعمه وتوفيقه، روي عنه عليه السلام لما قال له أبو رزين العقيلي: أيضحك ربنا؟ فقال: "لن نعدم من رب يضحك خيرًا"
(4)
.
وهذا منه إشارة إلى وصف الله تعالى بالقدرة على فعل النعم، وكشف الكرب، والبيان عما خفي، فرقًا بينه وبين الأصنام التي لا يرجي منها خير ولا بر.
(1)
قال ابن خزيمة: إثبات ضحك ربنا عز وجل بلا صفة تصف ضحكه، -جل ثناؤه-، لا ولا يشبه ضحكه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك، بل نؤمن بأنه يضحك، كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم، ونسكت عن صفة ضحكه -جل وعلا-، إذ الله عز وجل استأثر بصفة ضحكه، لم يطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النبي صلى الله عليه وسلم مصدقون بذلك، بقلوبنا منصتون عما لم يبين لنا مما استأثر الله بعلمه. "التوحيد" 2/ 563.
(2)
انظر "تفسير الطبري"10/ 476.
(3)
من (ص 1).
(4)
رواه ابن ماجه (181)، وأحمد 4/ 11.
فصل:
وقوله: ("تمنه"). الهاء هنا للسكت أتي بها لتسلم الحركة في الوقف، كقوله تعالى:{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] وقول أبي هريرة رضي الله عنه: "ومثله معه". ثم يقول أبو سعيد رضي الله عنه: "وعشرة أمثاله معه"، يحتمل أن يكون عليه السلام قالهما جميعًا فأعلمه الله الأول أولاً والثاني ثانيًا تكرمًا.
فصل:
في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: "تضارون" هو بالتخفيف، أي: لا يلحقكم ضرر، ولا يخالف بعضكم بعضًا ولا تتنازعون، وروي بالتشديد أيضًا وهو مثله. أي: لا تضارون أحدًا. (وتسكن)
(1)
الراء الأولى، وتدغم في التي بعدها، ويحذف المفعول؛ لبيان معناه.
ويجوز أن يكون على معنى لا تتضاررون بفتح التاء الأولى، أي: لا تتنازعون ولا تجادلون فتكونون إخوانًا ينصر بعضكم بعضًا في الجدل، وبعضهم يقرؤه بفتح التاء، أي: لا (تضامون)
(2)
. حكاه الشيخ أبو الحسن.
فصل:
قوله: ("إذا كان صحوًا"). أي: ذات صحو، وفي "الصحاح": أصحت السماء: انقشع عنها الغيم: فهي مُصْحِيَة، وقال الكسائي: فهي صَحْوٌ، ولا تقل: مُصْحِية
(3)
.
(1)
من (ص 1) وفي الأصل: وبسكون.
(2)
من (ص 1) وفي الأصل: تصابون.
(3)
"الصحاح" 6/ 2399 مادة (صحو).
والغبرات: البقايا كما تقدم، وغبر الشيء: بقيته، و (عزير) اسم منصرف لخفته وإن كان أعجميًا مثل نوح ولوط؛ لأنه تصغير عَزْرٍ، وعزير وعيسى
(1)
.
وقوله: ("ويبقي من كان يسجد لله رياءً وسمعة") هم المنافقون.
وقوله: ("فيذهب كيما يسجد فيعود (ظهره)
(2)
طبقًا واحدا" أي: لا يطبق أي ينعطف ولا ينحني.
وفي رواية أخرى: "تصير ظهورهم طبقًا واحدًا كأن فيها
السفافيد"
(3)
، وهذا استدل به من أجاز تكليف ما لا يطاق وهو مذهب الأشعرية. قالوا: جائز في حكم الله تعالى أن يكلف عباده مالايطيقون، واحتجوا على ذلك بأن الله تعالى قد كلف أبا لهب بالإيمان، مع إعلامه له أنه لا يؤمن وأنه يموت على الكفر الذي له سيصلي نارًا ذات لهب، ومنع الفقهاء من ذلك، وقالوا: لا يجوز أن يكلف الله عباده ما لا يطيقون، واحتجوا بقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] قالوا: وهذا خبر لا يجوز أن يقع بخلاف مخبره.
(1)
ورد بهامش الأصل: سقط من هنا. ولعله كان يقصد أن عزير وعيسى اشتركا في أن كلا منهما ادعى قومه أنه ابن الله.
(2)
من هامش الأصل.
(3)
رواه الطبراني 9/ 354 (9761)، والحاكم 4/ 496 - 498، 598 - 599. كلاهما من طريق سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود، به موقوفًا. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي بأنهما لم يحتجا بأبي الزعراء.
وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 330: رواه الطبراني، وهو موقوف مخالف للحديث الصحيح، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا أول شافع".
وقالوا: ليس في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42] حجة لمن خالفنا؛ لأنهم إنما يدعون له تبكيتًا لهم إذ أدخلوا أنفسهم (بزعمهم)
(1)
في جملة المؤمنين الساجدين في الدنيا، وعلم الله منهم الرياء في سجودهم فدعو في الآخرة إلى السجود، كما دعي المؤمنون المحقون فتعذر السجود عليهم، وعادت ظهورهم طبقًا واحدًا، فأظهر الله عليهم نفاقهم، فأخبرهم وأوقع الحجة عليهم، فلا حجة في مثل هذِه الآية لهم، ومثل هذِه من التبكيت قوله تعالى للكفار:{ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} [الحديد: 13] ليس في هذا شيء من تكليف ما لا يطاق، وإنما هو خزي وتوبيخ، ومثله قوله عليه السلام:"من كذب في حلمه كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد بينهما"
(2)
، فهذِه عقوبة وليس من تكليف ما لا يطاق، قلت: والمختار إذا قلنا أنه جائز أنه غير واقع.
فصل:
قوله: "فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟، فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم". [لا يخرج]
(3)
معناه: إلا أن يكون بمعنى: محتاجين.
وهذا موجود في القرآن، قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [النحل: 125] بمعنى: عالم. فيسقط هذا التأويل شيئًا من تقدير الكلام.
(1)
من (ص 1).
(2)
سبق برقم (7042) كتاب: التعبير، باب: من كذب في حلمه. بلفظ "من تحلم بحلم لم يره .. ".
(3)
ليست بالأصول، وأثبتناها من "شرح ابن بطال" وبدونها لا يستقيم السياق.
ومعناه: "فارقناهم" يريد من لم يعبد الله "ونحن أحوج ما كنا إليه"، يعنون الله عز وجل، نبه عليه ابن بطال
(1)
.
فصل:
قوله: ("ثم يؤتي بالجسر"). هو بفتح الجيم وكسرها، حكاهما ابن السكيت والجوهري
(2)
.
وقوله: ("مدحضة") أي: (مزلقة)، وقال الداودي: مائلة، واقتصر ابن بطال على الأول
(3)
، فقال: يقال: دحضت رجله دحضًا: زلقت. والدحض ما يكون عنه الزلق، ودحضت الشمس عن كبد السماء: زالت. ودحضت حجتهم: بطلت.
"مزلة" أي: تزل فيها لزلقها وميلها، وعبارة ابن بطال: المزلة: موضع الزلل، زلت الأقدام: سقطت.
وقال الجوهري: زلقت بكسر اللام وفتحها لمكان الدحض
(4)
، وهو موضع الزلل يقال: زل، إذا زل في طين أو مطر.
قال ابن التين: رويناه بكسر الزاي، وذكر عن الخليل أنها بالكسر: المكان الدحض، وبالفتح: الزلل فيه والدحض
(5)
.
وقوله: "مفلطحة لها شوكة عقيفاء". المفلطح: كل شيء عريض. قال الأصمعي: واسعة الأعلى دقيقة الأسفل.
(1)
"شرح ابن بطال" 10/ 467.
(2)
"الصحاح" 2/ 613.
(3)
"شرح ابن بطال"10/ 470.
(4)
"الصحاح" 4/ 1491.
(5)
"العين" 7/ 349.
وقال ابن دريد: (فلطحت)
(1)
العود إذا بريته ثم عرضته، وفطح الأنف بكسر الطاء فطحًا: لصق بالوجه، والبقر كلها فطح وخنس. وقال الداودي: معنى "مفلطحة": بعود
(2)
.
وقوله: "عقيفاء". هو بقاف أولاً ثم فاء، أي: مفتوحة
(3)
يقال: عقفت الشيء فانعقف أي: عطفته فانعطف، والتعقيف: التعويج، وأعرابي أعقف. أي: جاف.
فصل:
وقوله: ("المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب". الطرف -بفتح الطاء-: تحريك الجفون في النظر، وبكسرها الطِرف: الكريم (من الخيل)
(4)
، وهو نعت للذكر خاصة. وقال الداودي: يعني كالنظرة (حين)
(5)
تبلغ تكون خطوة. والأجاويد: قال الجوهري: جاد الفرس فهو جواد: صار رائعًا، للذكر والأنثي، من خيل جياد وأجاويد قال: والأجياد: جبل بمكة، سمي بذلك لموضعِ خيلِ تبعٍ، وسمي فيعقعان
(6)
لموضع سلاحه
(7)
.
والركاب: الإبل التي يسار عليها، الواحدة راحلة ولا واحد من لفظها، والجمع: ركب مثل: كتب.
(1)
كذا بالأصل، والذي في مطبوع "الجمهرة" و"شرح ابن بطال" فطحت. بدون لام.
(2)
كذا بالأصول.
(3)
ورد بهامش الأصل: لا تحتاج إلى تقييدها بالفتح؛ لأن بعدها ألفًا.
(4)
من هامش الأصل، كتب: سقط: من الخيل.
(5)
كذا بالأصول، ولعل الأفصح: حيث.
(6)
كذا بالأصل، وفي "الصحاح": قُعَيْقِعَان.
(7)
"الصحاح" 2/ 461.
وقوله: ("وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم") مخدوش أي: أصابه خدوش، ومكدوس، لعله يريد: جمعت يداه ورجلاه، والتكردس: الانقباض وجمع بعضه إلى بعض، والكردسة: مشي المقيد. ذكره الجوهري أجمع
(1)
. وقال الداودي: مكردس أي: ملقى فيها.
وقوله: (" حتى يمر آخرهم يسحب سحبا"): قال الداودي: فيه تقديم وتأخير؛ لأن الذي يسحب: يُجر.
وقال الخطابي: المكردس: المدفوع في جهنم، يقال: مكردس على رأسه إذا دُفع من ورائه فسقط، والتكدس في سير الدواب أي: ركب بعضها على بعض
(2)
. وعليه اقتصر ابن بطال عن حكايته صاحب "العين"بزيادة: والتكدس: ما يجمع من طعام وغيره
(3)
.
فصل:
وقوله: ("فما أنتم بأشد لي"). إلى آخره، قال الداودي: هذا يرد قول من قال: إن الله لو شاء لعذب العباد جميعًا؛ لأنه رب غير مربوب، وآمر غير مأمور، قال: والله أعدل وأكرم مما أجاز هذا القائل أن يكون من صفاته، والرب أحق بالفضل والكرم.
فإن قالوا: لأنه يقول: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} [الأنبياء: 23]، وذهبوا إلى أن الله لا يسأله أحد من خلقه عن فعله، وليس الأمر على ما ذهب إليه، قال تعالى:{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} [النحل: 116]، وقال حكايته عن الملائكة: قالوا:
(1)
"الصحاح" 3/ 970 - 971 (كردس).
(2)
"أعلام الحديث" 4/ 2357.
(3)
"شرح ابن بطال" 10/ 470.
{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 35]، وقال حكايته عن موسي:{أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} [الأعراف: 155]. ولو كان قوله: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} خبرًا ما وجد خلافه؛ لأن الله تعالى أصدق قائل، ولوكان نهيًا ما كان ما وقع من كلام الملائكة والأنبياء والمؤمنين في المعاد، ومنه قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} هذا كلامه.
وهو خلاف قول أهل السنة؛ لأن الله تعالى هو خالق العباد وملكهم، يفعل ما يشاء، يعذب الطائع وينعم العاصي، هذا جائز في حقه، وأما من باب ما يتفضل به وأخبر أنه يعذب العاصي وينعم على الطائع فقوله الحق ووعده لا يخيب.
فصل:
(قوله)
(1)
("فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون")، فيه حجة لأهل السنة في إثباتهم الشفاعة -لا حرمناها- وقد سلف إيضاحه.
قال الداودي: يحتمل أن يكون النبي إذا دعا وشفع يشفع معه الملائكة والنبيون والمؤمنون، فتؤمر الملائكة أن يخرجوا إليهم من يخرجون كما يأمر الجبار أن يخرجوا ثم من يخرجوا من أراد الله نجاته.
وقوله: ("فيقول الجبار: بقيت شفاعتي") خرج على معنى المطابقة لمن تقدمه من الشفاعات؛ لأن الله تعالى يخرجهم تفضلًا منه من غير أن يشفع إلى أحد.
(1)
من (ص).
وقوله: ("فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه").
جاء في بعض الأخبار أنها تنزع فلا يبقى معهم شيء يكرهونه، ويحتمل أن يريد بقوله:"هؤلاء عتقاء الرحمن" من في قلبه أقل من ذرة من إيمان -وهو اليقين- لأن الجنة محرمة على من كفر.
فصل:
قوله: في حديث أنس رضي الله عنه: ("وأسجد لك ملائكته"). قال الداودي: يحتمل أن يأمرهم الله بالسجود إذ خلق آدم، ويكون ذلك أيضًا معنى قوله في يوسف عليه السلام:{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] أن يكونوا سجدوا لله شكرًا على ما أولاهم وجمعهم.
وقول آدم: "ولكن ائتوا نوحًا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض".
قال الداودي: واختلف في أمره، جاء في بعض الخبر أنه أول مرسل، وجاء أنه رسول غير نبي. وقيل: عبد صالح ليس برسول ولا نبي. وهذا الذي قاله الداودي
(1)
فيه غير صحيح؛ لأن الرسالة متضمنة للنبوة؛ فلا يكون الرسول إلا نبيًّا، وكذلك قوله:"نوح أول نبي بعثه الله". هو مثل قوله: أول رسول؛ لأن النبي إذا بعث كان رسولاً، والنبوة أعم والرسالة أخص، وكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا.
(1)
جاء في هامش الأصل ما نصه: الذي قاله الداودي مصادم للقرآن والسنن، وكان ينبغي لشيخنا ألا يذكر هذا الخلاف، ولا ينبغي للداودي أيضًا ذكره، وهو شيء فاسد شاذ لغو مطرح، فلا ينبغي أن تسود به الأوراق. والله أعلم.
فصل:
وقول إبراهيم - عليه أفضل الصلاة والسلام -: ("ولكن ائتوا موسي، عبدًا آتاه الله التوارة، وكلمه وقربه نجيًّا") روي عن ابن عباس: أنه أدني حتى سمع صريف القلم
(1)
.
وقوله في عيسى: ("روح الله وكلمته")، هو من قوله تعالى:{فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12] نفخ جبريل الروح الأمين في حبيب مريم ثم توصلت النفخة إلى الرحم، وكان منها عيسى عليه السلام، قال تعالى له: كن، فكان، فسماه كلمة؛ لأنه كان لقوله: كن.
فصل:
قوله: ("فأستأذن على ربي
(2)
فيؤذن لي") يريد: أنه عليه السلام يستأذن وهو في الجنة، فنسبت الجنة إلى الله كما قيل في الكعبة: بيت الله، وسميت دارًا؛ لأنه دورها لأوليائه، ومثله روح الله، على سبيل التفضيل له على سائر الأرواح، ولا تعلق فيه للمجسمة؛ لأن الله تعالى ليس في مكان؛ لأن هذِه الإضافة -وهي: "داره"- لله تعالى إضافة فعل كسائر ما أضافه إلا نفسه تعالى من أفعاله، ويحتمل أن يكون راجعًا إلا نيته، تأويله: وأستأذن على ربي وأنا في داره. لقيام الدليل على استحالة حلوله تعالى في المواضع.
وقوله: ("فإذا رأيته وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: محمد، ارفع
(3)
"). ذكر الإسماعيلي أن هذِه السجدة مقدار
(1)
رواه ابن أبي شيبة 6/ 338 (31836)، والحاكم 2/ 373، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه
(2)
بعدها في الحديث "في داره" وأسقطها المؤلف، على الرغم من أنه تكلم على تأويلها.
(3)
ورد في الأصل بعدها: رأسك، وفوقها:(لا. إلى).
جمعة من جمع الدنيا، والمقام المحمود، قيل: هذا. وقيل: أن يكون النبي أقرب من جبريل، وفي الأصول: قال قتادة: سمعته. يعني أنسًا: "حتى ما يبقي في النار إلا من حبسه القرآن" أي: وجب عليه الخلود، قال: ثم تلا هذِه الآية: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: وهذا المقام المحمود الذي وُعِدَه نبيكم.
فصل:
وقوله في حديث أنس رضي الله عنه: ("فإني على الحوض") فيه: إثبات حوضه الكريم خلافًا لمنكريه من المعتزلة وغيرهم ممن يدفع أخبار الآحاد، وجمهور الأمة على خلافهم يؤمنون بالحوض على ما ثبت في السنن الصحاح.
فصل:
والتهجد في حديث ابن عباس سلف الكلام عليه في موضعه، وحاصل ما فيه ثلاثة أقوال: السهر، الصلاة ليلاً، الإيقاظ من النوم، وهو ظاهر الحديث.
فصل:
قد أسلفنا الكلام أيضًا على القيوم، ويروى عن ابن عباس أنه الذي لا يموت
(1)
. وقرأ علقمة: القيم، فهذا مع ما ذكره البخاري في الأصل ثلاث قراءات، قال ابن كيسان: القيوم: فيعول من القيام، وليس بفعول؛ لأنه ليس في الكلام فعول من ذوات الواو، وأصل القيوم عند البصريين: قيوم. وقال الكوفيون: قويم. وقال ابن كيسان: لو كان ذا في الأصل ما جاز التغيير، كما لا يجوز في طويل وسويق.
(1)
عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 575 إلى الطبراني في "السنة".
فصل:
الترجمان الذي في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه بفتح التاء وضمها، والجمع تراجم، وهو: الذي يفسر الكلام بلسان آخر، وفيه إثبات الرؤية له تعالى وإثبات كلامه لعباده ورفع الحجاب بينه تعالى وبين خلقه، وجو تجليه لهم، وليس ذلك بمعنى الظهور والخروج من سواتر وحجب حائلة بينه وبين عباده؛ لأن ذاك من أوصاف الأجسام، وهو مستحيل على الله تعالى، وإنما رفع الحجاب بمعنى: إزالته الآفات عن أبصار خلقه المانعة لهم من رؤيته، فيرونه لارتفاعها عنهم بخلق ضدها فيهم، وهي الرؤية، بخلاف هذا وصف الله تعالى الكفار، فقال:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: 15]، فالحجاب هنا الآلة المانعة لهم من رؤيته التي لو فعل تعالى ضدها فيهم لرأوه، وهي التي فعل في المؤمنين
(1)
.
فصل:
قوله في حديث أبي موسى رضي الله عنه: ("وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن") لا تعلق فيه للمجسمة في إثبات الجسم والمكان لما تقدم من استحالة كونه جسمًا أو حالاًّ في مكان، فوجب أن يكون تأويل الرداء مصروفًا إلى أن المراد به (الآلة)
(2)
المانعة من رؤيته تعالى الموجودة بأبصارهم، وذلك فعل من أفعاله تعالى يفعله في محل رؤيتهم له بدلاً من فعله
(1)
هذا من تأويلات الأشاعرة وكذلك ما سيأتي بعده، وراجع التعليق المتقدم ص 185 - 188، 219 - 221.
(2)
في (ص 1) و"شرح ابن بطال"(الآفة).
الرؤية، فلا يرونه ما دام ذلك المانع (المسمى رداءً موجودًا بمحل رؤيتهم له، فإذا (فعل)
(1)
الرؤية انتفى ذلك المانع)
(2)
لهم من رؤيته، وسماه رداء مجازًا واتساعًا إذ منزلته في المنع من رؤيته منزلة الرداء، وسائر ما يحتجب به، والله تعالى لا تليق به الحجب والأستار إذ ذلك من صفات الأجسام.
وقوله: "على وجهه" المراد به أن الآفة المانعة لهم من رؤية وجهه تعالى الذي هو صفة من صفات ذاته كأنها على وجهه؛ لكونها في أبصارهم ومانعة لهم من رؤيته فعبر عن هذا المعنى بهذا اللفظ، والمراد به غير ظاهره إذ يستحيل كون وجهه محجوبًا برداء أو غيره من الحجب إذ ذاك من صفات الأجسام.
وقوله: "في جنة عدن" ليس بمكان له تعالى، وإنما هو راجع إلى القوم، كأنه قال: وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم وهم في جنة عدن إلا المانع -المخلوق في محل رؤيتهم له- من رؤيته، فلا حجة لهم فيه.
فصل:
معنى استدارة الزمان في حديث أبي بكرة رضي الله عنه: استدارة الحج إلى أن صار في ذي الحجة وكانوا حملوه، فجعلوا يحجون (عامين)
(3)
في ذي القعدة وعامين في ذي الحجة، كذا ذكر الداودي، وذكر عن بكر أنهم نقلوا الحج إلى سائر أشهر السنة.
(1)
من "شرح ابن بطال" والذي في (ص 1): رفع.
(2)
من (ص 1).
(3)
من (ص 1).
وقيل: أراد هيئته في تحريم المحرم عاد كهيئته، وذلك أنهم كانوا يؤخرونه إلى صفر؛ لأنه كان يشق عليهم توالي ثلاثة أشهر حرم، فيؤخرون المحرم إلى صفر ويحلون المحرم.
وقوله فيه: ("رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" هو تأكيد له وبيان، يريد أنه غيِّر، تنقل رجبًا إلى غيره من الشهور، وإن لم يكن تنقله مضر نقلته ربيعة إلى رمضان فجعلوا رمضان رجبًا، وكانت مضر تعظمه دون غيرها، والغرض المذكور فيه، قال الداودي: يقع على السنين والآباد على ما يصاب به الإنسان في جسده، وما يصاب من الكلام.
25 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله عز وجل: {إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]
7448 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: كَانَ ابْنٌ لِبَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا، فَأَرْسَلَ:«إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» . فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، فَأَقْسَمَتْ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقُمْتُ مَعَهُ، وَمُعَاذُ ابْنُ جَبَلٍ، وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا نَاوَلُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّبِيَّ وَنَفْسُهُ تَقَلْقَلُ فِي صَدْرِهِ -حَسِبْتُهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنَّةٌ- فَبَكَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَتَبْكِى؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» . [انظر: 1284 - مسلم: 123 - فتح: 13/ 434]
7449 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اخْتَصَمَتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبِّهِمَا، فَقَالَتِ الجَنَّةُ: يَا رَبِّ، مَا لَهَا لَا يَدْخُلُهَا إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ. وَقَالَتِ النَّارُ -يَعْنِي:- أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ. فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِى، أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا -قَالَ:- فَأَمَّا الجَنَّةُ فَإِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ، فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ثَلَاثًا، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئُ، وَيُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ» . [انظر: 4849 - مسلم: 2846 - فتح: 13/ 434].
7450 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا عُقُوبَةً، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللهُ الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ يُقَالُ لَهُمُ الْجَهَنَّمِيُّونَ» . وَقَالَ هَمَّامٌ حَدَّثَنَا
قَتَادَةٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 6559 - فتح: 13/ 434].
ذكر فيه حديث أسامة رضي الله عنه: "إِنَّمَا يرحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ". وقد سلف
(1)
.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في اختصام الجنة والنار، وقد سلف
(2)
.
وحديث أنس رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوب أَصَابُوهَا عُقُوبَةً، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللهُ الَجنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ يُقَالُ لَهُمُ الَجهَنَّمِيُونَ".
وَقَالَ هَمَّام: عن قَتَادَةَ، ثَنَا أَنَسٌ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح: إنما أتى بمتابعة همام؛ لتصريح قتادة فيه بالتحديث، وقال:{قَرِيبٌ} ، ولم يقل: قريبة لأوجه؛ لأنه أراد بالرحمة الإحسان، ولأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيًّا يجوز تذكيره وتأنيثه، وقال الفراء: إذا كان القريب في معنى المسافة يذكر ويؤنث، وإن كان في معنى النسب فيؤنث، فلا اختلاف إذًا.
وفي بعض الأخبار أنه قال: "يا رب، إذا كان رحمتك قريب من المحسنين فمن للعاصين؟ قال: أنا بنفسي تبارك وتعالى".
والرحمة قسمان: صفة ذات، وصفة فعل:
فالأول: يرجع بها إلى إرادته إثابة المحسنين كما قلنا، وإرادته به صفة ذاته، ومثله قوله عليه السلام:"إنما يرحم الله من عياده الرحماء" معناه: إنما يريد إثابة الرحماء لعباده من خلقه، ويحتمل أن تكون صفة فعل، فالمعني: إن نعمة الله على عباده ورزقه لهم بنزول المطر وشبهه قريب
(1)
سبق برقم (1284)، كتاب: الجنائز، باب: يعذب الميت ببكاء أهله عليه.
(2)
سبق برقم (4849)، كتاب: التفسير، باب:{وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} .
من المحسنين، فسمى ذلك رحمة له؛ لكونه بقدرته وعن إرادته مجازًا واتساعًا؛ لأن من عادة العرب تسمية الشيء باسم مسببه وما يتعلق به ضربًا من التعلق، وعلي هذا سمى الله الجنة رحمة (فقال)
(1)
: أنت رحمتي، فسماها مع كونها رحمة، إذ كانت حادثة بقدرته وإرادته تنعيم الطائعين من عباده
(2)
.
فصل:
واختصام الجنة والنار يجوز أن يكون حقيقة وأن يكون مجازًا، كما قال المهلب بأن يخلق الله فيها حياة وفهما؛ لقيام الدليل على كونه تعالى قادرًا على ذلك، أو على ما تقول العرب من نسبة الأفعال إلى ما لا يجوز وقوعها منه في تلك الحال، كقوله: امتلأ الحوض وقال: قطني، فالحوض لا يقول، وإنما ذلك عبارة عن امتلائه، أو أنه لو كان ممن يقول لقال ذلك، وقولهم: قالت الضفدع، وعلي هذين التأويلين يُحمل قوله تعالى:{وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] واختصامهما هو افتخار بعضهما على بعض ممن يسكنهما، فالنار تتكبر بمن ألقي فيها من المتكبرين وتظن أنها أبر بذلك عند الله من الجنة، وفي أصول البخاري:"وقالت النار" ولم يذكر القول، وزيد في بعض النسخ:"أوثرت بالمتكبرين" فادعى ابن بطال أنه سقط قول النار من هذا الحديث في جميع النسخ، وهو محفوظ
(3)
.
"وقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين" رواه ابن وهب عن
(1)
من (ص 1)، وهي في الأصل: قالت. ولعل الصواب ما أثبتناه.
(2)
تقدم القول في إثبات صفة الرحمه لله سبحانه وتعالى، وانظر التعليق ص 186، 191.
(3)
"شرح ابن بطال" 10/ 472.
مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه من رواية الدارقطني. وتظن الجنة ضد ذلك؛ لقولها:"ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم". فكأنما أشفقت من إيضاع (المسألة)
(1)
عند الرب تعالى، فحكم (تعالى للجنة)
(2)
بأنها رحمة لا يسكنها إلا الرحماء من عباده، وحكم للنار بأنها عذابه يصيب بها من يشاء من المتكبرين، وأنه ليس لإحداهما فضل من طريق من يسكنها الله من خلقه، إذ هما اللتان للرحمة والعذاب، ولكن قد قضي لهما بالملء من خلقه.
فصل:
قوله: ("وينشئ للنار خلقًا") يريد: من قدمنا أن يلقى فيها ممن قد سبق له الشقاء ممن عصاه أو كفر به، قاله المهلب. وقال غيره: ينشئ الله لها خلقًا لم يكن في الدنيا، قال: وفيه حجة لأهل السنة في قولهم: إن لله أن يعذب من يشاء، على من يقول: إن الله تعالى لو عذب من لم يكلفه (لكان)
(3)
ظالمًا -حاشاه- وهذا الحديث حجة عليهم.
قال أبو الحسن: لا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار إلا في هذا الحديث، والمعروف أنه للجنة، ويضع قدمه في جهنم.
فصل:
وقوله: (" حتى يضع فيها قدمه")، قد سلف قريبًا بسط القول فيه.
(1)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال": المنزلة.
(2)
من (ص 1).
(3)
كذا في (ص 1) وفي "شرح ابن بطال". ووقع في الأصل (لم يكن) ولا يناسب السياق.
فصل:
قوله في حديث أسامة: (ونفسه تقلقل). أي: بصوت وتتحرك وتضطرب، يقال: قلقله قلقالًا. إذا كسَّرته كان مصدرًا، وإذا فتحته كان اسمًا مثل: الزلزال. والشَّنَّة بالفتح: القربة الخَلِق، وكأنها صغيرة، ذكره في "الصحاح"
(1)
.
فصل:
فيه: أنهما مخلوقتان، وأنهما ينفعلان، وأن الأشياء توصف بالأكثر؛ لأن الجنة قد يدخلها من ليس بضعيف، ويدخل النار من ضعفاء الأمم من شاء دخوله، والسقط: الفقراء. قاله الداودي. وفي "الصحاح": الساقط والساقطة: اللئيم في حسبه ونفسه
(2)
، ولعله إنما مثل به في الحديث على ما عهدوه أن اللئيم ليس بجبار، وإنما هو ضعيف مسكين.
فصل:
اختلف في معنى قول النار: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} ، فقيل: هو سؤال للزيادة، وهو معنى الحديث، وقيل: إنما تقول: هل فيّ مزيد؟
والسفع: السواد. قاله الداودي، وفي "الصحاح": سفعته النار والسَّموم إذا لفحته لفحًا يسيرًا فغيرت لون البشرة
(3)
.
(1)
"الصحاح" 5/ 2146.
(2)
"الصحاح" 3/ 1132
(3)
"الصحاح" 3/ 1230.
26 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر: 41]
7451
- حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالأَنْهَارَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ: أَنَا المَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه}» [الأنعام: 91]. [انظر: 4811 - مسلم: 2786 - فتح: 13/ 438].
ذكر فيه حديث علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: جَاءَ حَبْرٌ إِلَى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم الحديث سلف قريبًا في باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}
(1)
[ص: 75]، والحبر بفتح الحاء وقيل بكسرها.
قال ابن التين: هو ما رويناه. فإن قلت: فما وجه هذا الحديث هنا مع الآية، فإن ظاهرها وعمومها يقتضي أن السماوات والأرض ممسكة بغير آلة يعتمد عليها، [وقد ذكر]
(2)
الحبر أن الله يمسك السماوات على أصبع، والأرض على أصبع، فدل أن حديث الحبر وتفسيره للإمساك بالأصابع بيان المجمل من الإمساك في الآية؟
قيل: ليس المراد كما توهمت، وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم ورده على الحبر، وقوله:{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه} [الأنعام: 91]. هو رد لما توهم الحبر من الأصابع، أي: إن الله أجلُّ مما قدرت، وذلك أن اليهود تعتقد
(1)
سلف برقم (7414)، كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى "لما خلقت بيدي"، مسلم (2786) كتاب: صفة القيامة والجنة والنار.
(2)
ليست بالأصول، وأثبتناها من "شرح ابن بطال".
التجسيم، فنفى الشارع ذلك عنه بقوله:{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِه} [الأنعام: 91].
فإن قلت: فإن تصديقه للحبر وتعجبه من قوله يدل أنه لم ينكر قوله كل الإنكار، ولو لم يكن لقوله بذكر الأصابع وجه لأعلن بإبطاله!
فالجواب: أنه لو كانت السماوات وغيرها مفتقرة إلى الأصابع كانت الأصابع تفتقر إلى أمثالها تعتمد عليها، وأمثال أمثالها إلى مثلها، ثم كذلك إلى ما لا نهاية له، وهذا فاسد، وقد تقدم قول الأشعري وابن فورك في أن الأصبع يجوز أن يكون صفة ذات لله تعالى، ويجوز أن يكون صفة خلق له تعالى من بعض ملائكته
(1)
، كلفهم حمل الخلائق وتعبدهم بذلك من غير حاجة إليهم في حملها بل الباري تعالى ممسكهم وممسك ما يحملونه بقدرته تعالى، وتصديق هذا التأويل قوله تعالى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17].
(1)
كذا مسالك الأشاعرة.
27 - باب مَا جَاءَ فِي خْلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنَ الخَلَائِقِ
وَهْوَ فِعْلُ الرَّب وَأَمْرُهُ، فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ، وَهْوَ الخَالِقُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَهْوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ.
7452 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا؛ لأَنْظُرَ كَيْفَ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أَوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ:" {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] " ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ، ثُمَّ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 13/ 438].
ذكر فيه حديث كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما: بِتُّ في بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً. الحديث سلف في الصلاة
(1)
.
وموضع الحاجة منه قوله: فنظر إلى السماء، فقرأ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 164] الآية، غرضه في هذا الباب أن يعرفك أن السماوات والأرض وما بينهما كل ذلك مخلوق؛ لقيام دلائل الحدث بها من الآيات الباهرات من انتظام الحكمة واتصال المعيشة للخلق فيهما، وقام برهان العقل على أن لا خالق غير الله، وبطل قول من يقول: إن الطبائع خالقة للعالم وإن الأفلاك السبعة هي الفاعلة، وأن الظلمة والنور خالقان، وقول من زعم أن العرش هو الخالق.
(1)
سلف برقم (1198).
وفسدت جميع هذا الأقوال بقيام الدليل على حدوث ذلك كله وافتقاره إلى محدث؛ لاستحالة وجود محدَث لا محدِث له كاستحالة وجود مضروب بلا ضارب له، وكتاب الله شاهد بصحة هذا وهو قوله تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ} [فاطر: 3] فنفى خالقًا سواه، وقال تعالى:{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} [الرعد: 16]، وقال عقب ذلك {فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} [الرعد: 16] ثم قال لنبيه: {قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16] ودل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 164] على قدرة الله ووحدانيته، فوجب أن يكون الخلاق العليم بجميع صفاته من القول والأمر والفعل والسمع والبصر والتكوين للمخلوقات كلها خالقًا غير مخلوق الذات والصفات، وأن القرآن صفة له غير مخلوق، ووجب أن يكون الخالق مخالفًا لسائر المخلوقات (ووجه)
(1)
خلافه لها انتفاء قيام الحوادث عند الدالة على حدث من تقوم به، ولزم أن يكون سواه من مخلوقاته التي كانت عن قوله وأمره وفعله وتكوينه مخلوقات له، هذا موجب العقل.
فصل:
قوله في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله، ثم رقد). ظاهره أن هذا الحديث كان (قبل)
(2)
صلاة العشاء ويبعد أن يكون (بعدها)
(3)
؛ لصحة النهي عنه، لكن محله إذا لم يكن فيه مصلحة، أما حديثه مع الأهل ونحو ذلك فمطلوب غير داخل في النهي.
(1)
في الأصل: (ووجب)، والمثبت من (ص 1).
(2)
في (ص 1): (بعد).
(3)
في (ص 1): قبلها.
وقوله: "فتوضأ واستن" أي: تسوك. (قال الجوهري: استن بمعنى: استاك، قال: وسننت الماء على وجهي: أرسلته من غير تفريق)
(1)
فإذا فرقته (بالعنف)
(2)
قُلْتَهُ بالشين المعجمة
(3)
، وقوله:(ثم صلى إحدى عشرة ركعة). كذا هنا، وقد سلف رواية إحدي عشرة ركعة
(4)
، وخمس عشرة ركعة، فراجعه.
(1)
زيادة من (ص 1).
(2)
من (ص 1) وهو بياض في الأصل بمقدار كلمة، وقبل البياض (في).
(3)
"الصحاح" 5/ 2140، 2141.
(4)
البخاري (4569) كتاب: التفسير، باب:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، ومسلم (763) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
28 - باب {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)} [الصافات: 171]
7453 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا قَضَى اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ
رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي». [انظر: 3194 - مسلم: 2751 - فتح: 13/ 440]
7454 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ: «إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ: رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِىٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى لَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» [انظر: 3208 - مسلم:2643 - فتح: 13/ 440]
7455 -
حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ
تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟». فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: هَذَا كَانَ الجَوَابَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 3218 - فتح: 13/ 440]
7456 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهْوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
لَا تَسْأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. فَسَأَلُوهُ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْعَسِيبِ وَأَنَا خَلْفَهُ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)} [الإسراء: 85] فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ قُلْنَا لَكُمْ لَا تَسْأَلُوهُ [انظر: 125 - مسلم: 2794 - فتح: 13/ 440]
7457 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ -لَا يُخْرِجُهُ إِلاَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ- بِأَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» [انظر: 36 - مسلم: 1876 - فتح: 13/ 441].
7458 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ:«مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» . [انظر:123 - مسلم: 1904 - فتح: 13/ 441].
ذكر فيه (ستة)
(1)
أحاديث:
أحدها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه السالف
(2)
: "إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَت غَضَبِي".
ثانيها: حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يجْمَعُ فِي بَطنِ أمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَربَعِينَ ليْلَةً".
ثالثها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه السلام قَالَ: "يَا جِبْرِيلُ، مَا يمْنَعُكَ أَن تَزورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ ". فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ
رَبِّكَ} [مريم: 64]، الآيَةِ. قَالَ:(هذا كَانَ)
(1)
الجَوَابَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
رابعها: حديث علقمة عن عبد الله رضي الله عنه في سؤال اليهود عن الروح، وقد سلف.
خامسها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ في سَبِيلِهِ - لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الجِهَادُ في سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كلِمَاتِهِ- بِأَنْ يُدْخِلَهُ الَجنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَي مَسْكَنِهِ الذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ".
سادسها: حديث أبي موسي رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ:"مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللهِ".
الشرح:
الكلمة السابقة هي كلمة الله بالقضاء المتقدم منه قبل أن يخلق خلقه في أم الكتاب الذي جري به العلم للمرسلين أنهم لهم المنصورون في الدنيا والآخرة، كما نبه عليه المهلب، وقد سلف في كتاب القدر ما يتضمن هذا الباب منه.
ومعنا هذا الباب: (إثبات)
(2)
الله تعالى متكلمًا، وذا كلام خلافًا لمن يقول من المعتزلة:(أنه)
(3)
تعالى غير متكلم فيما مضى، وكذلك هو فيما بقي، وهذا كفر قد نص الله تعالى على إبطاله بقوله:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)} [الصافات: 171] في آيات أخر.
وقد نص الشارع على بيان هذا المعنى في أحاديث هذا الباب
(1)
في الأصل: كان هذا.
(2)
من (ص 1).
(3)
كذا في الأصل وفي (ص 1) الله.
فقال: "كتب عنده فوق العرش"، وقال: "ثم يبعث الله إليه ملكًا فيؤذن بأربع كلمات يوحيها (الله)
(1)
إلى الملك، فيكتبها في أم الكتاب"، وقال: "فيسبق عليه الكتاب" بالقضاء المتقدم في سابق علمه، والكتاب يقتضي كلامًا مكتوبًا، ودل ذلك على أنه تعالى لم يزل عالمًا بما سيكون قبل كونه خلافًا لمن يقول أنه لا يعلم الأشياء قبل كونها، ووجه مشاكلة حديث ابن عباس رضي الله عنهما للترجمة هو أن الذي ينزل به جبريل هو كلام الله تعالى ووحيه.
وكذلك قوله في حديث ابن مسعود: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} يريد: أن الروح خلق من خلقه تعالى خلقه بقوله: كن، و (كن) كلامه الذي هو أمره الذي لم يزل ولا يزال.
وقوله في حديث عبد الله رضي الله عنه: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85](فيه)
(2)
دليل على أنه لا يبلغ حقيقة العلم بالمخلوقات فضلاً عن العلم بالخالق سبحانه، وأن من العلم ما يلزم التسليم فيه لله سبحانه وتعالى، ويجب الإيمان بمشكله، وأن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابه كما يزعم المتكلمون، إذ قد علمنا الله تعالى أن السؤال عن الروح ابتغاء ما لم نؤته من العلم، مع أنه تعالى وصف قلوب المتبعين ما تشابه منه بالزيغ وابتغاء الفتنة، ووصف الراسخين في العلم بالإيمان به، وأن كله من عند ربهم مستعيذين من الزيغ الذي وسم الله تعالى به من اتبع تأويل المتشابه، داعين إلى الله لا يزيغ قلوبهم بابتغاء تأويله بعد إذ هداهم إلى الإيمان به.
(1)
من (ص 1).
(2)
من (ص 1).
أما قوله: ("كتب عنده أن رحمتي سبقت غضبي") فهو -والله أعلم- كتابه في أم الكتاب الذي قضى به وخطه القلم، فكان من رحمته تلك أن ابتدأ خلقه بالنعمة بإخراجهم من العدم إلى الوجود، وبسط لهم من رحمته في قلوب الأبوين على الأبناء من الصبر على تربيتهم ومباشرة أقدارهم ما إذا دبر مدبر أيقن أن ذلك من رحمته تعالى، ومن رحمته السابقة أنه يرزق الكفار وينعمهم ويدفع عنهم الآلام، ثم ربما أدخلهم الإسلام رحمة منه لهم، وقد بلغوا من التمرد عليه والخلع لربوبيته غايات تغضبه، فتغلب رحمته ويدخلهم جنته، ومن لم يتب عليه فقد رحمه مدة عمره بتراخي عقوبته عنه
(1)
، وقد كان له أن لا يمهله بالعقوبة ساعة كفره به ومعصيته له، لكنه أمهله رحمةً له، ومع ذاك أن رحمة الله السابقة أكثر من أن يحيط بها الوصف.
فصل:
قوله: ("لما قضى الله الخلق") أي: خلقهم وكل (صنعة)
(2)
محكمة متقنة فهي قضاء، قاله أبو عمرو، ومنه {إِذَا قَضَى أَمْرًا} [آل عمران: 47].
وقوله: ("فوق عرشه") قال بعض العلماء: فوق بمعنى: دون استعظامًا أن يكون شيء من المخلوقات فوق العرش، واحتج بقوله:{بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26]. أي: فما دونها، وذكر غيره في فوقها قولين:
أحدهما: فما فوقها في الصغر؛ لأنه المراد من الكلام.
(1)
من (ص 1).
(2)
من (ص 1) وفي الأصل: صفة.
والثاني: أنها زائدة كقوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] أي: الأعناق فما فوق، وقد سلف ذلك أيضًا.
فصل:
قوله في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ("إن خلق أحدكم يجمع") الخلق هنا: بمعنى المخلوق، واختلف في الوقت الذي يعرج به الملك، ففي الكتاب بعد مائة وعشرين (يومًا)
(1)
، وقيل: بعد أربعين ليلة، وقيل: إذا عرج الملك بالنطفة بعد آخر أربعين ليلة تلقي من يده إلى الأرض التي يصير إليها إذا مات ثم يأخذها الملك فيعرج بها.
فصل:
قوله: ("فيؤذن بأربع كلمات") أي: يُعلَم فيكتب الكلمات الأربع
(2)
المذكورة، قال الداودي: فقد أخبر أنه يكتب عمله الذي يجازي به عليه، قال: وفي هذا دليل أن الأمر على خلاف من قال: إن الله سبحانه لم يزل متكلمًا بجميع كلامه، فهل يقول الأربع كلمات قبل أن يرجع إليه بما في الرحم؛ ويرد قول من قال: إنه سبحانه لو شاء لعذب الخلق، وليس من صفة الحلم أن يتبدل علمه، قد علم في (الأول)
(3)
من يرحم ومن يعذب.
وهذا من الداودي خلاف ما قاله أهل السنة؛ لأنهم يقولون: إنه تعالى لم يزل متكلمًا بجميع كلامه، وإنه لو شاء عذب الناس جميعًا، واتفق أهل الحق أن كلامه تعالى كلام لنفسه، واختلف هل هو أمر لنفسه ونهي لنفسه، وهو تعالى في الأزل آمرٌ وناهٍ.
(1)
وردت هذِه الكلمة في الأصل وفوقها: (لا. إلى).
(2)
من (ص 1).
(3)
في (ص 1): الأزل.
وقال القاضي وغيره: إنه أمر ونهي للإفهام، وأن الكلام واحد والأمر منه هو النهي وهو الخبر وإنما يسمعه السامع، فإذا خلق الله له الفهم بأنه أمر كان أمرًا، وإذا أفهمه النهي كان (كلامه)
(1)
نهيًا، فعلى هذا لا يكون (آمرًا ولا ناهيًا)
(2)
في الأزل
(3)
.
فصل:
قال الداودي: وقوله: ("ثم ينفخ فيه الروح") فإنما ذلك؛ بأن يقول الله له: كن، فيكون قال: وهذا يؤيد ما قلناه؛ لأن النفخ بكلامه، والكلام الذي نفخ فيه لو وقف لم يكن قبله ولا يكون بعده.
وقوله: ("إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة") الحديث، ذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه أنكر هذا، قال: كيف يصح أن يعمل العبد عمره طائعًا ثم لا يدخل الجنة، كذا حكاه عنه ابن التين، وهو عجيب منه إن صح.
فصل:
المراد بـ {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} في الآية في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أمر الآخرة وبـ {وَمَا خَلْفَنَا} أمر الدنيا {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} البرزخ بين الدنيا والآخرة، قاله سعيد بن جبير.
وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} ، قيل: لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي، وقيل: هو عالم بكل شيء حافظ له لم ينسه ولا شيئًا منه.
(1)
من (ص 1) وفي الأصل (الكلام).
(2)
في (ص 1): أمرًا ولا نهيًا.
(3)
هذا قول الأشاعرة في صفة الكلام، وسبق الكلام على هذِه المسألة في أول شرح كتاب التوحيد فراجعه.
فصل:
(قوله)
(1)
في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث). أي: زرع، قاله الجوهري
(2)
.
وقال الداودي: يعني خارج المدينة. قال: والعسيب: هو القضيب. والمخصرة: هو القضيب وربما كان من جريد، قال:(واشتقاق القضيب)
(3)
لما يجد من ثقل الوحي، وقد سلف ذلك مع الكلام على الروح.
وقوله: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]، إن قلت: كيف قيل لليهود ذلك، وقد أوتوا التوراة؟
وجوابه: أن قليلاً وكثيرًا إنما يعرفان بالإضافة إلى غيرهما، فإذا أضيفت التوراة إلى علم الله تعالى كانت قليلاً من كثير، ألا ترى قوله:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} الآية [الكهف: 109].
وقوله: "فظننت أنه يوحى إليه"، قال الداودي: قد أيقنت، (قال:)
(4)
والظن يكون يقينًا وشكًّا وهو من الأضداد، ويدل على صحة هذا التأويل أن في الحديث الذي بعد هذا في باب {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ}: فعلمت (أنه)
(5)
يوحى إليه، ويصح أن يكون (هذا)
(6)
الظن على بابه، ويكون ظن ذلك، ثم تحققه وهو أظهر؛ لأن في الحديث الآخر: فحسبت أنه يوحى إليه.
(1)
من (ص 1).
(2)
"الصحاح" 1/ 279.
(3)
كذا العبارة بالأصول، ولعل الصواب: واتكاؤه على القضيب.
(4)
من (ص 1).
(5)
في (ص 1): إنما.
(6)
من (ص 1).
فصل:
قوله: ("تكفل الله لمن جاهد في سبيله") أضاف الكفالة إليه تعالى؛ لأنه أوفى كفيل في سبيل التعظيم (للجهاد)
(1)
والتصحيح لثواب من جاهد في سبيله، وقال:"لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله" يريد إخلاص ذلك لله تعالى لا يشوبه طلب الغنيمة، ولا التعصب للأهل والعشير غير أن تكون كلمة الله هي العليا، وإذا كانت بنية الجهاد فلا ينتقص من أجره، ولا ينتقض عهده بما نال بعد من غنيمة، وإنما يكره أن تكون نيته وسبب خروجه للغنيمة.
وقوله: ("وتصديق كلماته") قيل: (يريد)
(2)
به الأمر بالقتال في سبيل الله، وما وعد عليه الثواب، ويحتمل أن يريد به الشهادتين، وأن تصديقه بها يثبت في نفسه عداوة من كذبهما والحرص على قتله.
وقوله: "بأن يدخله الجنة"(يريد إن أصيب بموت أو قتل لأن في اللفظ ما يختص بالقتل دون غيره، ويحتمل أن يريد: يدخله الجنة)
(3)
بإثر قتله، ويكون هنا خصوصًا للشهداء كما خصوا بأنهم يرزقون، ويحتمل أن يريد أن يدخلها بعد البعث في الآخرة، وتكون فائدة تخصيصه أن ذلك يكون كفارة لجميع خطاياه وإن كثرت إلا ما خصه الدليل فإنه لا (موازنة)
(4)
بين ما اكتسب من الخطايا وبين ثواب جهاده إذ لم يرجع.
(1)
في (ص 1): من الجهاد وفوقها في الأصل: إلى.
(2)
من (ص 1).
(3)
من (ص 1).
(4)
في (ص 1): (موازنة).
ويؤيد هذا التأويل حديث أبي قتادة رضي الله عنه: أرأيت إن قتلت صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبرٍ أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال عليه السلام: "نعم" ثم قال بعد أن رد عليه: "إلا الدين، كذلك قال لي جبريل"
(1)
.
وقوله: "مع ما نال من أجر أو غنيمة" يريد: مع الذي نال منها، إن أصاب غنيمة فله أجر وغنيمة، وإن لم يصبها أوجر على كل حال، فتكون (أو) بمعنى الواو كما في قول جرير:
نال الخلافة أو كانت له قدرًا
…
كما أتى ربَّه موسى على قدر
وفي الحديث: "ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقي لهم الثلث، فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم"
(2)
، وطعن في هذا الحديث بعضهم فقال: رواه أبو هانئ حميد بن هانئ وليس بمشهور، ولو ثبت لكان معناه: أن يصيبوا غنيمة على غير وجهها أو يكونوا خرجوا قاصدين لها مع إرادة الجهاد، ولا يصح حمله على عمومه؛ لأن أهل بدر أفضل الغزاة وقد غنموا.
وروي أن جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون أهل بدر فيكم؟ " قال."من أفضل المسلمين -أو كلمة نحوها- قال: وكذلك من شهد
(1)
رواه مسلم (1885) كتاب: الإمارة، باب: من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين.
(2)
رواه مسلم (1906) كتاب: الإمارة، باب: بيان قدر ثواب من غزا، وأبو داود (2497) كتاب: الجهاد، باب: في السرية تخفق، والنسائي 6/ 17 - 18 كتاب: الجهاد: باب: ثواب السرية التي تخفق، وابن ماجه (2785) كتاب: الجهاد، باب: النية في القتال، وأبو عوانة في "مسنده" 4/ 490 (7444) باب: بيان صفة الجهاد، جميعًا من حديث عبد الله بن عمرو.
بدرًا من الملائكة"، فقال عليه السلام: نعم، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"
(1)
.
(1)
سبق برقم (3992) كتاب: المغازي، باب: شهود الملائكة بدرًا، من حديث رافع بن خديج، دون قوله صلى الله عليه وسلم "نعم وما يدريك لعل الله .. "، فهو حديث آخر تقدم برقم (3007) كتاب: الجهاد، باب: الجاسوس. من حديث علي بن أبي طالب.
29 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {إِنَّمَا أمرنا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ} الآية
(1)
7459 -
حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ» . [انظر: 3640 - مسلم: 1921 - فتح: 13/ 442]
7460 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ، مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» . فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: "وَهُمْ بِالشَّأْمِ". فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: "وَهُمْ بِالشَّأْمِ". [انظر: 71 - مسلم: 1037 - فتح: 13/ 442]
7461 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ القِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ» [انظر: 3620 - مسلم: 2273 - فتح: 13/ 442]
7462 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ
(1)
كذا بالأصول، والصواب {إِنَّمَا قَوْلُنَا} كما سيشير المصنف بعدُ. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 13/ 443: زاد غير أبي ذر "أن نقول له كن فيكون" ونقص {إِذَا أَرَدْنَاهُ} من رواية أبي زيد المروزي قال عياض: كذا وقع لجميع الرواة عن الفربري من طريق أبي ذر والأصيلي والقابسي وغيرهم، وكذا وقع في رواية النسفي، وصواب التلاوة {إِنَّمَا قَوْلُنَا} وكأنه أراد أن يترجم بالآية الأخرى {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} ، وسبق القلم إلى هذِه. اهـ.
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلَنَّهُ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقَالَ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} . قَالَ الأَعْمَشُ هَكَذَا فِي قِرِاءَتِنَا. [انظر: 125 - مسلم: 2794 - فتح: 13/ 442]
كذا هو في الأصول
(1)
وفي كتاب ابن بطال
(2)
وغيره، والتلاوة {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ} بدل (أمرنا) وفي {يس (1)}:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82] ومعنى الآية: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نخرجه من العدم إلى الوجود. أي: نكونه، فخوطبوا على ما يعرفون من أنه إنما يكون الشيء عندهم بقول وتكوين، وقيل: معناه: من أجله، وقيل: لما كان عند الله معلومًا أنه سيكون كان بمنزلة الموجود، قال سيبويه: أي: فهو يكون، وقال الأخفش: هو معطوف على (نقول) أي: إنما نقول له: كن، فيكون.
ثم ساق في الباب حديث المغيرة رضي الله عنه: "لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي قَوْم ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، حتى يَأتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ".
(1)
جاء في هامش الأصل: وفي بعض أصولنا الدمشقية في الأصل: قولنا، وفي الهامش: أمرنا، وعليها علامة نسخة [قلت: قال الحافظ في "الفتح" 13/ 441: وقع في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر {إِنَّمَا قَوْلُنَا} على وفق التلاوة وعليها شرح ابن التين، فإن لم يكن من إصلاح من تأخر عنه، ولولا فالقول ما قاله عياض].
(2)
انظر: "شرح ابن بطال"10/ 476.
وحديث معاوية رضي الله عنه: "لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ (لا يضرهم من كذبهم (ولا من خذلهم)
(1)
ولا من خالفهم)
(2)
، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ".
وفي إسناده ابن جابر: وهو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي الشامي، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، اتفقا عليه
(3)
، فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّامِ. فَقَالَ مُعَاوِية رضي الله عنه: هذا مَالِكُ بن يخامر يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: "وَهم بِالشَّامِ".
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في ذكر مسيلمة: "لَوْ سَألتَنِي هذِه القِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا".
وحديث (ابن مسعود رضي الله عنه)
(4)
في سؤال اليهود عن الروح، وقد سلف غير مرة، وفي آخره:(وَمَا أُوتُوا مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا). قَالَ الأَعْمَشُ: هَكَذَا فِي قِراءتنا.
وغرضه في هذا الباب: الرد على المعتزلة في قولهم: إن أمر الله تعالى الذي هو كلامه مخلوق، فأراد أن يعرفك أن الأمر هو قوله للشيء إذا أراده:(كن) فيكون بأمره، وأن أمره وقوله في معنى واحد، وذلك غير مخلوق، وأنه سبحانه يقول:(كن) على الحقيقة
(1)
كذا في (ص 1).
(2)
من (ص 1).
(3)
هو أبو عتبة السلمي الدمشقي الداراني، أخو يزيد بن يزيد بن جابر، ووالد عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وثقه يحيى بن معين والعجلي وابن سعد والنسائي.
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبري" 7/ 446، "التاريخ الكبير" 5/ 365 (1155)، "الجرح والتعديل" 5/ 299 - 300 (1421)، "تهذيب الكمال" 18/ 5 (3992)، "تذكرة الحفاظ"1/ 183 (178).
(4)
وقع بالأصول: (ابن عباس رضي الله عنهما) خطأ، ولعله سبق قلم. والله أعلم.
وأن الأمر غير الخلق؛ لقوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] ففصل بينهما بالواو، وهو قول جميع أهل السنة.
وزعمت المعتزلة أن وصفه تعالى نفسه بالأمر وبالقول في هذِه الآية مجاز واتساع على نحو ما تقول العرب: (مال الحائط فمال)
(1)
وامتلأ الحوض وقال: قطني، وقولهم فاسد؛ لأنه عدول عن ظاهر الآية وحملها على غير حقيقتها، وإنما وجب حمل الآية على ظاهرها وحقيقتها إثبات كونه تعالى حيًا، والحي لا يستحيل أن يكون متكلمًا.
فصل:
قوله: ("على الناس")، وفي رواية أخرى "على الحق"
(2)
وهما واحد، وقد قال البخاري فيما مضى أنهم أهل العلم، ومثله الحديث:"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله"
(3)
وقال هنا في رواية معاوية: "أمة قائمة"، وقال مرة:"قوم"، وقال أخرى:"طائفة من أمتي"
(4)
وهم واحد.
ومعنى: "يأتيهم أمر الله" يعني: الساعة.
فصل:
ووقوفه عليه السلام على مسيلمة يبلغه ما أرسل به، وكان مسيلمة تزوج بالمدينة وأتي بطائفة كبيرة من قومه، وأوفى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يتمكن
(1)
كذا من (ص 1) وفي الأصل (فمال الحائط).
(2)
رواه مسلم (1920) كتاب: الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين الحق على لا يضرهم من خالفهم" من حديث ثوبان.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
رواه البخاري (7311) كتاب: الاعتصام، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين".
(له)
(1)
في الوقت إلا القول، فبلغ حسب طاقته، وقد يحتمل أن له مدة سيبلغها.
وقوله: ("ولن تعدُ أمر الله فيك") كذا وقع في الأصول، وهي لغة شاذة في الجزم بلن.
ومعنى: "لن تعدوَ أمر الله فيك". أي ما قد أمر به فيك من الشقاء أو السعادة.
وقوله: "لئن أدبرت (ليعقرنك)
(2)
الله" يحتمل أن يكون الشارع حينئذٍ لم يعلم أنه يتمادى على أمره، ويحتمل أن يكون علم إلا أن الشارع (لتقوم)
(3)
له الحجة، قال تعالى:{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [الأحزاب: 60] وقد علم من ينتهي ومن لا ينتهي.
فصل:
وقوله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] أي: من أمره المتقدم بما سبق في علمه من القضاء المحتوم الذي أمر به الملك أن يكتب في بطن أمه قبل نفخ الروح فيه.
(1)
من (ص 1).
(2)
في (ص 1): (ليعذبنك).
(3)
كذا في الأصول. ولعل الصحيح (لم تقم).
30 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} الآية
وقوله: {ولَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} الآية. [لقمان: 27]، وقوله {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الآية. [الأعراف: 54].
7463 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ -لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلاَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ- أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» . [انظر: 36 - مسلم: 1876 - فتح: 13/ 444]
ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه السالف في باب: {ولقد سبقت كلمتنا} : "تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ في سَبِيلِهِ .. ". الحديث
قال مجاهد: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} للقلم يستمد منه للكتاب {لِكَلِمَاتِ رَبِّي} أي: لعلم ربي
(1)
، وقال قتادة: لنفد ماء البحر قبل أن ينفد كلام الله وحكمه
(2)
.
وقوله: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] يعني: مدادًا، وقيل: هو من نحو قوله: نحن مدد له، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما:{مَدَدًا} .
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 299 (23421 - 23422)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 458 لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(2)
رواه الطبري 8/ 299 (23423)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 458 لابن أبي حاتم.
وربما قال: كلمات على سبيل التعظيم، وإنما هو في الحقيقة كلام واحد
(1)
.
والآية الثالثة قوله: {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} خلق الأرض في يومين الأحد والإثنين، وخلق السماوات في يومين، وأوحي في كل سماء أمرها في ذينك اليومين، ودحا الأرض بعد ذلك في يومين، فانقضى الخلق يوم الجمعة.
وقوله: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} [الأعراف: 54] أي: ويغشي النهار الليل ثم حذف؛ لعلمِ السامع، أي: يدخل هذا في هذا وهذا في هذا.
وقوله: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] ففرق بينهما، فدل أن كلامه غير مخلوق، وهو قوله: كن، وقيل: هو مثل قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 68]، وهذا ليس مذهب أهل السنة وهو قول المعتزلة.
وقيل المعنى: وتصريف الأمر ثم حذف، وقال النقاش: الخلق كل مخلوق، والأمر قضاؤه في الخلق الذي في اللوح المحفوظ، وقيل: الخلق والأمر الآخرة، ومعناه لله تعالى الدنيا والآخرة.
ومعني هذا الباب: الكلام لله تعالى صفة لذاته، وأنه لم يزل متكلمًا، ولا يزال، كمعنى الباب الذي قبله، وإن كان قد وصف الله تعالى كلامه بأنه كلمات فإنه شيء واحد لا يتجزأ ولا ينقسم، ولذلك يعبر عنه بعبارات مختلفة تارة عربية وتارة سريانية، وبجميع الألسنة
(1)
هذا الكلام هو ما استقرت عليه الأشعرية أن كلام الله كلام واحدٌ وليس بصواب، وإنما اعتقاد أهل السنة والجماعة في ذلك أن هذِه المقالة لابد من تفصيلها كالتالي: أن كلام الله تعالى قديم النوع حادث الآحاد؛ لايزال متكلمًا، بما شاء، متى شاء. انظر:"شرح لمعة الاعتقاد" لابن عثيمين ص 40.
التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه جعلها عبارة عن كلامه القديم الذي لايشبه كلام المخلوقين، ولو كانت كلماته مخلوقة؛ لنفدت كما ينفد (البحر)
(1)
والأشجار وجميع المحدثات. فكما لا يحاط بوصفه تعالى كذلك لا يحاط بكلماته وجميع صفاته
(2)
.
(1)
في (ص 1): البحار.
(2)
مذهب أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بكلام حقيقي متى شاء بما شاء، كيف شاء، بحرف وصوت مسموع، لا يشبه أصوات المخلوقين.
انظر "التوحيد" لابن خزيمة 1/ 349، "مجموع الفتاوى" 6/ 153، "شرح الطحاوية" لابن أبي العز ص 137، "شرح العقيدة الواسطية" لابن عثيمين 1/ 379.
31 - باب فِي المَشِيئَةِ وَالإِرَادَةِ
وَقَوْلِه تعالى: {تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26]. وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [التكوير: 29]، وقوله:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [الكهف: 23 - 24]. {إَنَكَ لا تهَدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} . [القصص: 56] قَالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ.
{يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر} [البقرة: 185].
7464 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَعَوْتُمُ اللهَ فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ، وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّ اللهَ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ» . [انظر: 6338 - مسلم: 2678 - فتح: 13/ 445].
7465 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الحَمِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَالَ لَهُمْ «أَلَا تُصَلُّونَ؟». قَالَ عَلِيٌّ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ:«{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً}» [الكهف: 154]. [انظر:1127 - مسلم: 775 - فتح: 13/ 446].
7466 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ، يَفِئُ وَرَقُهُ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ تُكَفِّئُهَا، فَإِذَا سَكَنَتِ اعْتَدَلَتْ، وَكَذَلِكَ
الْمُؤْمِنُ يُكَفَّأُ بِالْبَلَاءِ، وَمَثَلُ الكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللهُ إِذَا شَاءَ». [انظر: 5644 - فتح: 13/ 446].
7467 -
حَدَّثَنَا الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِيتُمُ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَقَلُّ عَمَلاً وَأَكْثَرُ أَجْرًا. قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا. فَقَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» . [انظر: 557 - فتح: 13/ 446].
7468 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ المُسْنَدِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَاَيعَتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ، فَقَالَ:«أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ وَطَهُورٌ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللهُ فَذَلِكَ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» . [انظر: 18 - مسلم: 1709 - فتح: 13/ 446].
7469 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا، وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:"أَنَّ نَبِيَّ اللهِ سُلَيْمَانَ عليه السلام كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً فَقَالَ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِي، فَلْتَحْمِلْنَ كُلُّ امْرَأَةٍ وَلْتَلِدْنَ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ، فَمَا وَلَدَتْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ شِقَّ غُلَامٍ". قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ سُلَيْمَانُ اسْتَثْنَى لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ، فَوَلَدَتْ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ» . [انظر:
2819 -
مسلم: 1654 - فتح: 13/ 446].
7470 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيِّ يَعُودُهُ فَقَالَ: «لَا
بَأْسَ، عَلَيْكَ طَهُورٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ». قَالَ: قَالَ الأَعْرَابِيُّ: طَهُورٌ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَنَعَمْ إِذًا» [انظر: 3616 - فتح: 13/ 447].
7471 -
حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ حِينَ نَامُوا، عَنِ الصَّلَاةِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ» . فَقَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَتَوَضَّئُوا إِلَى أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ، فَقَامَ فَصَلَّى. [انظر: 595 - مسلم:681 - فتح: 13/ 447].
7472 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالأَعْرَجِ. وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ. فِي قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ، فَقَالَ اليَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ. فَرَفَعَ المُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ اليَهُودِيَّ، فَذَهَبَ اليَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللهِ
صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ المُسْلِمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُخَيِّرُونِى عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ العَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ» . [مسلم: 2373 - فتح: 13/ 447].
7473 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي عِيسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فَيَجِدُ المَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللهُ» [انظر: 6304 - مسلم: 199 - فتح: 13/ 447].
7474 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ، فَأُرِيدُ -إِنْ شَاءَ اللهُ- أَنْ أَخْتَبِيَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ» . [انظر: 6304 - مسلم: 198، 199 - فتح: 13/ 447].
7475 -
حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ فَنَزَعْتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَنْزِعَ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِى فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ حَوْلَهُ بِعَطَنٍ» . [انظر: 3664 - مسلم: 2392 - فتح: 13/ 447].
7476 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ -وَرُبَّمَا قَالَ: جَاءَهُ السَّائِلُ- أَوْ صَاحِبُ الحَاجَةِ قَالَ: «اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ» . [انظر: 1432 - مسلم: 2627 - فتح: 13/ 448].
7477 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، وَلْيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ، إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَا مُكْرِهَ لَهُ» . [انظر: 6339 - مسلم: 2679 - فتح: 13/ 448].
7478 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرٌو، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى أَهُوَ خَضِرٌ، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَاريُّ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِى هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ
اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«بَيْنَا مُوسَى فِي مَلإِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ فَقَالَ مُوسَى: لَا. فَأُوحِيَ إِلَى مُوسَى: بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ. فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الحُوتَ آيَةً وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الحُوتَ فَارْجِعْ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ. فَكَانَ مُوسَى يَتْبَعُ أَثَرَ الحُوتِ فِي البَحْرِ، فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللهُ» . [انظر: 74 - مسلم: 2380 - فتح: 13/ 448].
7479 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ -بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ» . يُرِيدُ المُحَصَّبَ. [انظر: 1589 - مسلم: 1314 - فتح: 13/ 448].
7480 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي العَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَاصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَفْتَحْهَا فَقَالَ:«إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ» . فَقَالَ المُسْلِمُونَ: نَقْفُلُ وَلَمْ نَفْتَحْ! قَالَ: «فَاغْدُوا عَلَى القِتَالِ» . فَغَدَوْا فَأَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ». فَكَأَنَّ ذَلِكَ أَعْجَبَهُمْ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1589 - مسلم: 1314 - فتح: 13/ 448].
هذا التعليق سلف مسندًا في الجنائز
(1)
.
(1)
قلت: يقصد المصنف رحمه الله تعليق سعيد بن المسيب، عن أبيه، المذكور أول الباب.
وقد سلف برقم (1360) كتاب: الجنائز، باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله.
ثم ساق في الباب أحاديث:
أحدها:
حديث أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا دَعوْتُمُ الله عز وجل فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ، وَلَا يقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّ الله لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ".
ثانيها:
حديث علي رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ فَقَالَ لَهُم: «أَلَا تُصَلُّونَ؟» . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ، فَإِذَا شَاءَ، الحديث وقد سلف
(1)
.
الثالث:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "مَثَل المُؤْمِنِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ". وهي الطاقة اللينة من الزرع، ألفها منقلبة عن واو
(2)
.
الرابع:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ". الحديث بطوله، وقد سلف أيضًا
(3)
.
الخامس:
حديث أبي إدريس -واسمه عائذ الله- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: حديث البيعة بطوله، وقد سلف أيضًا
(4)
.
(1)
سلف برقم (1127) أبواب التهجد، باب: تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب.
(2)
قاله ابن الأثير في "النهاية" 2/ 89.
(3)
سلف برقم (557) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب.
(4)
سلف برقم (18) كتاب: الإيمان.
السادس:
حديث أبي هريرة رضي الله عنهما: "أَنَّ نَبِيَّ اللهِ سُليمَانَ عليه السلام كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً". الحديث بطوله فى المشيئة.
وقد سلف أيضًا
(1)
.
السابع:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، في الحمى "طَهُور إِنْ شَاءَ اللهُ". بطوله سلف أيضًا
(2)
.
الثامن:
حديث أبي قتادة في يوم الوادي مختصرًا: "إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ".
الحديث التاسع:
حديث أبي هريرة السالف
(3)
: في استباب اليهودي مع المسلم وقصة موسي، وفي (آخره)
(4)
: "فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأفاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ استَثْنى اللهُ".
العاشر:
حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا: "المَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فيَجِدُ المَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلَا يَقرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللهُ".
(1)
سلف برقم (3424) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)} .
(2)
سلف برقم (3616) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
(3)
برقم (2411) كتاب: الخصومات، باب: ما يذكر في الإشخاص والملازمة.
(4)
من (ص 1).
الحادي عشر:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ، فَأُرِيدُ -إِنْ شَاءَ اللهُ- أَن أَخْتَبئ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ".
الثاني عشر:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه السالف أيضًا: "بَيْنَا أَنَا نَائِم رَأَيتُنِي عَلَى قَلِيبٍ فَنَزَعْتُ منه مَا شَاءَ اللهُ ". الحديث بطوله، وفي آخره:"فَلَم أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ"
(1)
.
وفريه بكسر الراء وإسكانها، وأنكر الخليل الثاني وغلط قائله
(2)
، ومعناه: يعمل بعمله، ويفري فريه يقال: فلان يفري الفرى، أي: يعمل العمل البالغ، ومنه:{لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27] أي: عظيمًا، قاله عياض
(3)
.
وقوله فيه: "حتى ضرب الناس بعطن" أي: رووا ورويت إبلهم حتى تركت، وعطن الإبل: مباركها، وأصل ذلك: حول الماء لتعاد إلى الشرب.
الثالث عشر:
حديث أبي موسى السالف أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم كان إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ -وَرُبَّمَا قَالَ: جَاءَهُ السَّائِلُ- أَوْ صَاحِبُ الحَاجَةِ قَالَ: "اشفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وليَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نبيه مَا شَاءَ"
(4)
.
(1)
سلف برقم (3634) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
(2)
"العين" 8/ 280 - 281.
(3)
"إكمال المعلم بفوائد مسلم" 7/ 398 - 399.
(4)
سلف برقم (1432) كتاب: الزكاة، باب: التحريض على الصدقة والشفاعة فيها.
وفي إسناده: أبو أسامة، واسمه: حماد بن أسامة
(1)
.
الرابع عشر:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغفر لِي إِن شِئْتَ، ارْحَمْنِي إِن شِئْتَ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئتَ، وَلْيَعْزِمْ المَسْأَلة، إِنَّهُ يَفعَلُ مَا يَشَاءُ، لَا مُكْرِهَ لَهُ".
الخامس عشر:
حديثما أَنَّهُ تَمَارى هُوَ
(2)
وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَي هُوَ الخَضِر. بطوله، وقد سلف أيضًا
(3)
.
السادس عشر:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "نَنْزِلُ غَدًا - (إِنْ شَاءَ اللهُ)
(4)
- بِخَيفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ". يُرِيدُ المُحَصَّبَ.
السابع عشر:
حديث أبي العباس: وهو السائب بن فروخ الشاعر الأعمى مولى كنانة عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: حَاصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَفْتَحْهَا فَقَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ"، وذكر الحديث.
(1)
هو حماد بن أسامة بن زيد القرشي، أبو أسامة الكوفي، مولي بني هاشم،، وثقه أحمد ويحيى بن معين والعجلي. وانظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد" 6/ 394، "التاريخ الكبير" 3/ 28 (113)، "معرفة الثقات" 1/ 318 (352)، "الجرح والتعديل" 3/ 132 (600)، "ثقات ابن حبان" 6/ 222، "تهذيب الكمال" 7/ 217.
(2)
أي ابن عباس.
(3)
سلف برقم (74) كتاب: العلم، باب: ما يذكر في ذهاب موسى عليه السلام في البحر إلى الخضر.
(4)
ساقطة من الأصل.
الشرح:
جعل ابن بطال هذا الباب بابين، وساق الأول إلى قول سعيد بن المسيب: نزلت في أبي طالب
(1)
. ثم ترجم باب: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ثم ساق فيه الأحاديث
(2)
، والأمر فيه قريب.
والبخاري ساق الحديث الثاني عشر عن يسرة بن صفوان -بالمثناة تحت- بن جميل اللخمي، ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الإسماعيلي: رواه الناس عن إبراهيم بن سعد فقالوا: عن صالح بن كيسان عن الزهري، ولا يجوز أن يقدم يسرة على جماعتهم، ثم رواه كذلك من حديث سليمان بن داود الهاشمي، ويعقوب بن إبراهيم قالا: ثنا إبراهيم، عن صالح، ويزيد بن الهادي، عن إبراهيم كذلك، ورواه الأويسي عن إبراهيم فقال: عن صالح، عن الزهري، عن الأغر وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال يونس وعقيل والزبيدي: عن الزهري، عن سعيد، في هذا الحديث، وقال شعيب: عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال أبو مسعود الدمشقي في "صحيح مسلم" عن الناقد والحلواني وعبد بن حميد، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه
(3)
.
(1)
"شرح ابن بطال"10/ 477 - 479.
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 477 - 479.
(3)
"صحيح مسلم"(2392/ 17).
وحديثه السادس عشر أخرجه عن أبي اليمان، أنا شعيب، عن الزهري، وقال أحمد بن صالح. وزعم أبو مسعود الدمشقي أن البخاري قال: وقال لي أحمد بن صالح
(1)
، وعند مسلم: حدثنا حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، فذكره
(2)
.
فصل:
معنى الباب: إثبات المشيئة والإرادة لله تعالى، وأن مشيئته وإرادته ورحمته وغضبه وسخطه وكراهيته كل ذلك بمعنى واحدٍ أسماء مترادفة، هي راجعة كلها إلى معنى الإرادة
(3)
، كما يسمى الشيء الواحد بأسماء كثيرة، وإرادته تعالى صفة من صفات ذاته، خلافًا لمن يقول من المعتزلة: إنها مخلوقة من أوصاف أفعاله. وقولهم فاسد؛ لأنهم إذا أثبتوه تعالى مريدًا، وزعموا أن إرادته محدثة لم تخل من أن يحدثها في نفسه أو في غيره، أو لا في نفسه، ولا في غيره.
وهذا الذي ذهبوا إليه مستحيل إحداثه لها في نفسه؛ لأنه لو أحدثها في نفسه لم يخل منها ومن ضدها على سبيل التعاقب، ولا يجوز تعاقب الحوادث على الله؛ لقيام الدليل على قدمه قبلها، ويستحيل أن يحدثها في غيره؛ لأنه لو أحدثها في غيره، لوجب أن يكون ذلك الغير مريدًا بها، وبطل كونه مريدًا بإرادة أحدثها في غيره كما يبطل أن يكون عالمًا بعلم يحدثه فيه أو قادرًا بقدرة يحدثها فيه؛ لأن قياس ذلك كله
(1)
والفرق بين هذا وذاك، أن قول الراوي: قال فلان، يأخذ الحديث به صورة المعلق، وقوله: قاله لي فلان، تعني أن الراوي أخذ الحديث عنه مذاكرة.
(2)
"صحيح مسلم"(2392/ 17).
(3)
تقدم إثبات صفة الرحمة والغضب، وغيرها، وأنها غير الإرادة. ويراجع التعليق ص 191،185.
واحد، ومن شرط المزيد وحقيقته أن تكون الإرادة موجودة فيه دون من سواه، ويستحيل (إحداثه)
(1)
لها لا في نفسه ولا في غيره؛ لأن ذلك يوجب قيامها بنفسها واحتمالها للصفات وأضدادها.
ولو صح ذلك لم تكن إرادته له أولى أن تكون لغيره، وإذا فسدت هذِه الأقسام الثلاثة ثبت كون الإرادة قديمة قائمة به (تعالى)
(2)
، وصح كونه مريدًا، ووجب تعلقها بكل ما صح كونه مرادًا له تعالى. وهذِه المسألة مبنية على صحة القول بأنه تعالى خالق لأفعال العباد، وأنهم لا يفعلون إلا ما يشاء، وقد دل على ذلك بقوله:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ} [الإنسان: 30]، وما تلاه من الآيات، وبقوله:{وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة: 253] فنص الله تعالى على أنه لو شاء الله أن لا يقتتلوا لما اقتتلوا، فدل أنه تعالى شاء ما شاءوه من أفعالهم، وأنه لو لم يشأ اقتتالهم لم يشاءوه ولا كان موجودًا، ثم أكد ذلك بقوله:{وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد} .
فدل أنه فعل اقتتالهم الواقع منهم لكونه شائيًا له، وإذا كان فاعلًا لاقتتالهم وجب كونه شائيًا لمشيئتهم وفاعلًا لها، فيثبت بهذه الآية أنه لا كسب للعباد طاعة ولا معصية إلا وهو فعل له ومراد له، وإن لم يرده منهم لم يصح وقوعه، وما أراده منهم فواجب وقوعه إذ هو المتولي إيجاده، والمقدر لخلقه على اكتسابه، بخلاف قول القدرية إنه مريد للطاعة من عباده وغير مريد للمعصية، وقد بان بهذا فساد قولهم
(3)
، أن أفعال العباد خلق لله تعالى في هذا الباب وغيره.
(1)
في الأصل: (إحداثها).
(2)
من (ص 1).
(3)
ورد بهامش الأصل: لعله سقط: و.
فصل:
قد تقرر إثبات الإرادة لله تعالى والمشيئة، وأن العباد لا يريدون شيئًا إلا وقد سبقت إرادة الله له، وأنه لا خالق لأعمالهم، طاعة كانت أو معصية إلا هو، وأما تعلقهم بقوله تعالى:{يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] في أنه لا يريد المعصية، فليس على العموم وإنما هو خاص فيمن ذكر، ولم يكلفه ما لا يطيق، قيل: هذا من المؤمنين المفترض عليهم الصيام، ومن هداه الله إلى دينه فقد يسره وأراد به اليسر، فكان المعنى: يريد الله بكم اليسر الذي هو التخيير بين صومكم في السفر وإفطاركم بشرط قضاء ما أفطرتموه من أيام أخر، ولا يريد بكم العسر الذي هو إلزامكم الصوم في السفر على كل حال، فبان من نفس الآية أن الله رفع هذا العسر عنا ولم يرد وقوعه بنا، إذ (لم)
(1)
يلزمنا الصيام في السفر على كل حال رحمة منه، فسقط تعلقهم بالآية.
وكذلك تأويل قوله تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] هو على الخصوص في المؤمنين الذين أراد منهم الإيمان، فكان ما أراده من ذلك ولم يرد منهم الكفر، فلم يكن، فلا تعلق لهم في هذِه الآية أيضًا.
فصل:
فإن قلت: قد سلف من قولكم: إن الله تعالى خالق لأعمال العباد، فما وجه إضافة فتى موسى عليهما السلام نسيان الحوت إلا نفسه مرة وإلى الشيطان أخرى؟
فالجواب: أن فتى موسي نبي وخادم نبي، وقد تقدم من قول موسى عليه السلام أن أفعاله مخلوقة لله تعالى في قوله: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ
(1)
من (ص 1).
شَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155]، فثبت أن إضافة النسيان إلا نفسه لأجل قيامه أنه مخترع له، والعرب تضيف الفعل إلا من وجد به وإن لم يكن مخترعًا له، وقد نطق بذلك القرآن في مواضع كثيرة، وكذلك إضافته النسيان إلى الشيطان فليس على معنى أن الشيطان فاعل لنسيانه. وإنما تأويله أن الشيطان وسوس إليَّ حتى نسيت الحوت؛ لأن فتى موسى إذ لم يمكنه أن يفعل نسيانه القائم به كان الشيطان أبعد من أن يفعل فيه نسيانًا، وكانت إضافته إليه على سبيل المجاز والاتساع.
فصل:
قال المهلب: وقوله عليه السلام: "لا يقولن أحدكم: إن شئت أعطني" فمعناه -والله أعلم- أن سؤاله إياه على شرط المشيئة يوهم أن إعطاء غير وجهه يمكن أن يكون على غير مشيئته، وليس بعد المشيئة وجه إلا (الإكراه)
(1)
، والله تعالى لا مكره له كما قال عليه السلام، والعبارة الموهمة في صفات الله تعالى غير جائزة عند أهل السنة؛ لما في ذلك من الزيغ بأقل توهم يقع في نفس السامع لتلك العبارة.
ثم إن حقيقة السؤال من الله هو أن يكون السائل محتاجًا إلى الله تعالى فيما سأل، محقًّا في سؤاله ومتى طلب بشرط لم يحقق الطلب؛ فلذلك أمره الشارع بالعزم في طلب الحاجة.
فصل:
وأما قول علي رضي الله عنه: (إن أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا)، فيه: أن إرادة العبد للعمل ولتركه لا يكون إلا عن إرادة الله تعالى ومشيئته، بخلاف قول القدرية: أن للإنسان إرادة ومشيئة دون إرادة
(1)
في الأصل: (الإرادة).
الله تعالى، وقد سلف أن ذلك كله من عمل العبد مخلوق لله تعالى، مراد له على حسب ما أراد من طاعة أو معصية.
فصل:
معنى قوله عليه السلام: "المؤمن كخامة الزرع" أن المؤمن يألم في الدنيا بما يبتليه الله به من الأمراض التي يمتحنه بها، فييسره للصبر عليها والرضا بحكم ربه واختباره له ليفرح بثواب ذلك في الآخرة. والكافر كلما صح في الدنيا وسلم من آفاتها كان موته أشد عذابًا عليه وأعظم ألمًا في مفارقة الدنيا، فثبت أن الله قد أراد بالمؤمن بكل عسر يسرًا، وأراد بكل ما آتاه الكافر من اليسر عسرًا، وقد سلف كلام في معنى هذا الحديث في أول كتاب المرضى.
فصل:
وقوله"فذلك فضلي أوتيه من أشاء" هو بينٌ في أن الإرادة هي المشيئة على ما سلف بيانه، إذ التفضل عطاء من له أن يتفضل به وله أن لا يتفضل، وليس من كان عليه حق فأداه أو فعل (فاعله)
(1)
فعله بسمج متفضلاً، وإنما هو من باب الأداء والوفاء بحق ما لزمه.
فصل:
وقوله: "فلو قال: إن شاء الله لقاتلوا فرسانًا أجمعون" وجهه أنه لما نسي أن يرد الأمر إلى الله الخلاق العليم، ويجعل المشيئة إليه كما شرط في كتابه إذ يقول:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه} [الإنسان: 30] وقوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ}
(1)
كذا بالأصول، وفي "شرح ابن بطال" 10/ 484:(ما عليه) وهو الصواب، ولعلها تحرفت في الأصول؛ لتقارب رسم الكلمتين.
[الكهف: 23، 24] فأشبه قوله: "لأطوفن الليلة" قول من جعل لنفسه الحول والقوة فحرمه الله مراده وما أمله.
فصل:
وأما قوله للأعرابي: ("لا بأس عليك، طهور إن شاء الله")، فإنما أراد به بأسه من مرضه فإن الله يكفر ذنوبه ويقيله ويؤخر وفاته، فوقع الاستثناء على ما رجا لَهُ من الإقالة والفرج؛ لأن المرض معلوم أنه كفارة للذنوب وإن كان الاستثناء قد يكون بمعنى رد المشيئة إلى الله تعالى، وفي جواب الأعرابي ما يدل على ما قلناه، وهو قوله:(بل حمي تفور على شيخ كبير تزيره القبور) أي: ليس كما رجوت من الإقالة.
وقوله عليه السلام: ("فنعم إذا") دليل على قوله: "لا بأس عليك" أنه على طريق الرجاء لا على طريق الخبر عن الغيب، وكذلك قول علي عليه السلام:(إن الله قبض أرواحنا حين شاء وردها حين شاء)
(1)
.
فصل:
وحديث عبادة بن الصامت وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما في قصة موسي عليه السلام، وقوله:"فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله" فيها كلها إثبات المشيئة لله. وفيه: فضيله موسي عليه السلام؛ لأن الأمة أجمعت على أن نبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام - أفضل البشر، فإن كان لم يصعق موسى حين صعق الناس، ففيه: أن المفضول قد تكون فيه فضيلة خاصة لا تكون في الفاضل.
(1)
لم أقف عليه من قول علي رضي الله عنه، وقد سلف هذا مرفوعًا برقم (595) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الأذان بعد ذهاب الوقت. من حديث أبي قتادة بلفظ: "إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء".
فصل:
واستثناء الشارع في دخول الدجال والطاعون المدينة فهو من باب التأدب لا على الشك الذي لا يجوز على الله تعالى، ووجهه: التحريض على سكناها لأمته ليحترسوا بها من الفتنة في الدين؛ لأن المدينة أصل بيته فلم يسلط الله على سكانها المقيمين بها فتنة الدجال والطاعون؛ لاعتصام سكناها بها من الفتنة الكبري وهو الكفر المستأصل عقوبته، فكذلك لا يستأصلهم بالموت بالطاعون الذي كان من عقوبات بني إسرائيل.
فصل:
وقوله في الصديق: أنه نزع من البئر ما شاء الله أن ينزع. فهذا استثناء صحيح، وأن حركات العباد لا تكون إلا عن مشيئة الله تعالى وإرادته.
وكذلك قوله: "ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء" أي أن الإنسان لا يتكلم إلا بمشيئة الله المحرك للسانه والمقلب لقلبه.
وكذلك قوله: "إنا قافلون غدًا إن شاء الله" فاستثناء فيما يستقبل من الأفعال كما أمره الله برد الحول والقوة إليه في قوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ} [الكهف: 23].
(1)
فصل:
وقوله في حديث علي رضي الله عنه: "ألا تصلون؟ " حرصًا منه على أن يفعل الخير، وكره من على اعتذاره دون احتجاجه بما ذكر؛ لأن الأصل أن
(1)
من أول شرح المصنف رحمه الله إلى هذا الموضع انتهى بحروفه من "شرح ابن بطال" 10/ 477 - 486.
لا ينسب العبد إلى نفسه تقصيرًا
(1)
، وإن كان لم يخرج عن قدرة الله.
وفيه من الفوائد: زيارة الرجل ابنته وزوجها.
فصل:
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ضرب ما يفعل الريح بالخامة من الزرع مثلًا للمؤمن؛ لأنه يسر مرة ويبتلى مرة ليثاب، ومعنى "تكفئها": تميلها.
قال الجوهري: كفأت الإناء: قلبته
(2)
. وزعم ابن الأعرابي أن أكفأته لغة، وقال عن الكسائي: كفأت الإناء وأكفأته: أملته، قال: ولهذا قيل: أكفأت القوس: إذا أملت رأسها، ولم ينصبها نصبًا حتى يرمي عنها، وروي:"طاقة"
(3)
وهي: الطائفة، ذكره القزاز.
وقوله: "كالأرزة" قيل: هو ضرب من الشجر صلب يقال: الأرز، وقيل: واحد الأرز، وهو حب معروف. وقال أبو عبيدة: الأرزة -بسكون الراء- شجرة الصنوبر، وقال أبو عمرو: الأرزة بالتحريك: شجر الأرز.
وقال الداودي: الأرزة من أعظم الشجر لا تميل بالريح لكبرها ولا تهتز بأسفلها
(4)
، ورواه أصحاب الحديث بإسكان الراء، وروي "كمثل الآرزة" على وزن فاعلة كمثل الشجرة الثابتة، وروي بتحريك الراء.
(1)
كذا وقعت هذِه العبارة بالأصل، وفيها نظر؛ لأن الأصل أن ينسب العبد لنفسه كل تقصير إلا أن يكون ثمة تحريف قد وقع. والله أعلم.
(2)
"الصحاح" 1/ 68.
(3)
هكذا في الأصل، وفي "الفتح"10/ 106: ونقل ابن التين عن القزاز أنه ذكرها بالمهملة والفاء [أي: حافة] وفسرها بالطاقة من الزرع.
(4)
اتظر: "الصحاح" 3/ 863، و"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 38، مادة: أرز.
فصل:
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "إنما بقاؤكم
…
" إلى آخره خرج مخرج العموم وأريد من الخصوص، أريد به اليهود والنصارى.
قال الداودي: وفي هذا الحديث بعض الوهم وهو قوله: "فعملوا بها حتى انتصف النهار تم عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا" قوله: "فعجروا". هو وهم من بعض الرواة؛ لأن من عجز لم يعط شيئًا، وإنما أعطي منهم من كان على الإسلام، وليس أولئك بالعاجزين، فضرب بأولئك المثل أنهم استعملوا إلى صلاة الظهر، وأخذوا قيراطًا قيراطًا، وأن الذين عجزوا قالوا في موضع آخر: قالوا: "لا حاجة لنا"
(1)
فأولئك لم يعطوا شيئًا، وهم كفرة أهل الكتاب استعمل اليهود النهار كله على قيراط، فلما كان الظهر ملوا، فقالوا: لا حاجة لنا، واستعمل النصارى إلى الليل، فلما كان العصر قالوا: لا حاجة لنا في الأجر فاستعمل المسلمون من العصر إلى المغرب على قيراطين قيراطين، وضرب غروب الشمس مثلًا لقيام الساعة، فرضوا فأعطوا قيراطين، فذهبوا بالأجر كله وحرم من كفر.
فصل:
استدل ابن جرير بهذا الحديث على ما بقي من الدنيا بأنه نصف سبعها، فقال: مثلكم ومثل ما خلا من الأمم، وسكت عن ذكر اليهود والنصارى ثم قال: وما قدر ما بقي من النهار من آخر صلاة العصر إلى الغروب قدر نصف سبع النهار
(2)
.
(1)
سلف برقمي (558، 2271) من حديث أبي موسى.
(2)
انظر: "تاريخ الرسل والملوك" للطبري 1/ 15 - 18 بتصرف.
واعترضه الداودي: لو تدبر ما قال لم يهجم على القول فيما غيب علمه عن جميع خلقه حتى عمن ينفخ في الصور، قال عليه السلام لعمر:"وكيف أنعم وإسرافيل قد التقم الصور ينتظر متي يؤمر به"؟!
(1)
والله
(1)
لم أقف عليه من حديث عمر، وقد روي من حديث: أبي سعيد الخدري، وابن عباس، وزيد بن أرقم، وأنس، وجابر بن عبد الله، والبراء بن عازب.
أما حديث أبي سعيد: فرواه الترمذي (2431)، (3243) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة الزمر، وأحمد 3/ 7، 73، وابن المبارك في "الزهد والرقائق" ص 557 (1597)، عبد بن حميد في "المنتخب" 2/ 67 (884)، وابن أبي الدنيا في "الأهوال" ص 104 (50)، وأبو يعلى في "مسنده" 2/ 339 - 340 (1084)، والدولابي في "الكنى" 2/ 77 (2024)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 9/ 415 (6771)"تحفة"، وابن حبان في "صحيحه" 3/ 105 (823)، وأبو الشيخ في "العظمة" ص 90 (398 - 399)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 559 وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 105، 7/ 130 - 131، والبغوي في "شرح السنة" 15/ 102 - 103 (4298 - 4299).
وأما حديث ابن عباس فرواه أحمد 1/ 326، وابن أبي شيبة في "المصنف" 6/ 77 (29578) كتاب: الدعاء، ما يقول إذا وقع في الأمر العظيم، وابن أبي الدنيا في "الأهوال" ص 106 (53)، والطبراني في 12/ 128 (12670 - 12671)، وفي "الأوسط" 4/ 80 (3663)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 559. قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 331: فيه: عطية العوفي وهو ضعيف، وفيه توثيق لين.
وأما حديث زيد بن أرقم: فرواه أحمد 4/ 374، والطبراني 5/ 195 - 196 (5072)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 438. قال الهيثمي في "المجمع" 10/ 331: رجاله وثقوا على ضعف فيهم.
وأما حديث أنس فرواه الخطيب في "تاريخ بغداد" 5/ 153، والضياء في "المختارة" 7/ 133 - 134 (2567).
وأما حديث جابر فرواه أبو نعيم في "الحلية" 3/ 189.
وأما حديث البراء فرواه الخطيب في "تاريخه" 11/ 39 بلفظ مقارب.
وفي الجملة فالحديث قد صححه الألباني في "الصحيحة"(1079) وذلك بعد أن استقصى طرقه، فلتراجع.
تعالى يقول: {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا .. } الآية [الأعراف: 187]. وقوله: ("هؤلاء أقل عملًا وأكثر أجرًا") احتج به لأبي حنيفة في أن وقت العصر أن يكون الظل قامتين.
ومذهبنا ومذهب مالك أن أول وقت العصر أول القامة الثانية، وانفصل بعض المالكية عن ذلك لسببين:
أحدهما: أنه قال: هذا الحديث لم يقصد فيه تبيين الأوقات، وحديث المواقيت قد بين أنه عليه السلام صلى العصر أول يوم القامة الثانية، وفي الثاني آخرها، ثم قال:"ما بين هذين وقت"
(1)
.
والثاني: أنه إنما قال: "أقل عملًا" في مقابلة ما أعطوا من الأجور؛ لأن القيراطين إذا قسطا على ما بقي من النهار كان الذي ينوبه كل قيراط أقل بما عمله أهل الكتابين، وهذا إنما هو اعتبار عما وقع في الحديث الآخر:"وقالت اليهود والنصاري: ما لنا أكثر عملًا وأقل أجرًا"
(2)
وأما على ما في هذا الحديث: "فقالت اليهود: ربنا هؤلاء أقل عملًا وأكثر أجرًا" فهو بين؛ لأن عمل اليهود أكثر، ولعل هذا هو الصحيح أن النصارى لم يقولوا ذلك.
فصل:
الرهط في حديث عبادة رضي الله عنه: ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة
(3)
، والبهتان فيه، نحو المذكور في الآية، فقيل: الولد.
(1)
رواه النسائي 1/ 263
(2)
سلف برقم (2268) كتاب: الإجارة، باب: الإجارة إلى نصف النهار، بلفظ:"ما لنا أكثر عملًا وأقل عطاءً"، أما هذا اللفظ فرواه أحمد 2/ 111.
(3)
انظر: "الصحاح" 3/ 1128، و"النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 283، مادة (رهط).
وقيل: بين أيديهن: ألسنهن، وبين أرجلهن: فروجهن -بما كسبت أيديكم- والمعروف: النوح أو الخلوة بغير محرم، وكل حق معروف لله.
وقوله: "فهو كفارة وطهور" يعارض هذا ما وقع في آية المحاربين وهي: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} الآية [المائدة: 33] فمن قال: الآية في الكفار، فذلك خارج عن هذا، ومن قال: هي عامة بين المسلمين وغيرهم، وهو قول مالك فيكون مخصوصًا بالمحاربة.
قال الداودي: وفيه حجة على المعتزلة والمرجئة، وعلى من لا يقول بقبول الأعمال مع اشتراط الدوام على الإيمان إلى أن يموت صاحبه، قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الآية [الأنبياء: 94].
فصل:
وفيه: أن طهورًا معناه: مطهر، وهو حجة على أبي حنيفة في الطهور أنه الطاهر.
فصل:
اختلفت الرواية في قصة سليمان عليه السلام المذكورة هنا، فهنا "ستون" وقيل:"مائة"، وقيل:"تسعون"، وروي "سبعون".
وذكر الداودي أن في غير هذِه الكتب أنه كان له ألف (أو مائة)
(1)
منهن سبعمائة سرية وثلاثمائة مهديات، وأنه طاف عليهن.
فصل:
وقوله: "لأطوفن الليلة، ولم يقل إن شاء الله"
(2)
، وفي بعض
(1)
كذا في الأصول، ولعلها زائدة.
(2)
سلفت هذِه الرواية برقم (5242) كتاب: النكاح، باب: قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائي، ورواه مسلم (1654) كتاب: الأيمان، باب: الاستثناء.
الروايات: "فقال له الملك: قل: إن شاء الله"، فلم يقل مع حرصه على الخير، وأن يخرج من صلبه من يجاهد، إذ لم يقل: إن شاء الله مع ما سبق في علم الله من ذلك كله.
فصل:
قوله في حديث أبي قتادة رضي الله عنه: ("إن الله قبض أرواحكم"). فيه دليل أن الروح هو النفس، وهو قول أكثر الأئمة. وقال ابن حبيب وغيره: الروح بخلافها، فالروح هو النفس المترددة الذي لا يبقى بعده حياة، والنفس هي التي تلذ وتألم، وهي التي تتوفى عند النوم، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم ما يقبضة في النوم روحًا، وسماه في كتابه نفسًا في قوله:{اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42].
وقوله: (وتوضئوا إلى أن طلعت الشمس وابيضت، فقام فصلى) كذا هنا، وقال في خبر بلال حين كلأ لهم: لم يوقظهم إلا الشمس
(1)
.
قال الداودي: إما أن يكون هذا يومًا آخر أو يكون في أحد الخبرين وهم. قلت: لا، وقد أسلفنا ذلك واضحًا، وهذا دليل لمن يقول: لا تقضى الصلاة المنسية في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، ومذهبنا ومذهب مالك خلاف ذلك أنها تقضى حينئذٍ، ولا حجة له في هذا الحديث. قلت: لأن فيه (أنه)
(2)
ما أيقظهم إلا حر الشمس إذا جعلنا القصة واحدة.
فصل:
وقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (استب رجل مسلم ويهودي) وفي
(1)
رواه مسلم (613).
(2)
من (ص 1).
موضع آخر: سمع اليهودي يقول ذلك فأخذته غضبة، فأدمى وجهه
(1)
، وقوله:"لا تخيروني على موسى"، وفي رواية أخرى:"لا تخيروا بين الأنبياء"
(2)
قد سلف وجه الجمع فيه.
قال الداودي: في بعض هذِه الرواية وهم، وكذلك في أكثر الروايات في هذا الحديث في هذِه الكتب لابد أن يدخلها بعض الوهم، قال: والوهم هنا في قوله: "فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق" إلى: "فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي" هذا وهم، قال: وبين ذلك في أكثر الروايات، فقال:"ينفخ في الصور فيصعق الناس، ثم ينفخ فيه أخرج فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا موسي آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله"
(3)
.
وفي رواية أخرى: "أو جوزي بصعقة الطور"
(4)
.
قال: وهذا هو الصحيح؛ لأن الصعقة حينئذٍ إنما هي الموت، وإنما يموت الأحياء ليس من قد مات، فأخبر أنه أول من تنشق عنه
(1)
سلف برقم (2412).
(2)
سلف برقم (2412) كتاب: الخصومات، باب: ما يذكر في الإشخاص، ورواه مسلم (2374) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل موسى عليه السلام من حديث أبي سعيد.
(3)
رواه الترمذي (3245) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة الزمر، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (4274) كتاب: الزهد، باب: ذكر البعث، وأحمد 2/ 450 - 451، وابن حبان 16/ 301 (7311) جميعًا من حديث أبي هريرة بلفظ:"فلا أدري أرفع رأسه قبلي أم كان ممن استثنى الله".
(4)
سلف برقم (3398) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة} من حديث أبي سعيد.
الأرض -يعني: عن جثته- وشك في الإفاقة هي رجوع الروح فيه، فلا أدري أكان هو أول أو موسى، فإن كان المحفوظ:"أو كان ممن استثنى الله" فمعناه أو جعله الله لي ثانيًا، وإن كان المحفوظ:"أو جوزي بالصعقة فلا أدري أفاق قبلي" هل فعل ذلك إكرامًا له أو جازاه بالصعقة التي كانت يوم طور سيناء، وقول الداودي: استثنى الله أي: جعله الله لي ثانيًا. قال جماعة: بل أراد قوله: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ} [الزمر: 68].
فصل:
وفي حديث أنس رضي الله عنه: فضل المدينة، واحتج به من فضلها على مكة أيضًا بخصوصها بهذا دون مكة.
فصل:
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". فيه: الرد على المعتزلة المنكرين للشفاعة المقتحمين على رد ما روي في ذلك من الأخبار على كثرتها واشتهارها وخروجها من حيز أخبار الآحاد، واجترأ قوم منهم على أن قالوا: لا يشفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو شفع ما قبلت منه، مشاقًّا للأمة وخروجًا عن الجماعة، وهو عليه السلام مخصوص بالشفاعة للذين ماتوا من أمته على غير توبة أو من المذنبين، إذا قلنا: إن التوبة لا ترفع العقاب على الذنب.
وعند بعض الأشعرية: أنها تكون في الموقف تخفيفًا عمن يحاسب، وتكون في إخراج قوم من النار حتى لا يبقى فيها مؤمن، ويكون للراحة من الموقف، ونقض بعضهم زيادة النعيمِ، وقال: لم يرد في خبر، قال أهل التفسير في قوله تعالى:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)}
[الحجر: 2]: ذلك حين يخرج المسلمون من النار بالشفاعة
(1)
.
فصل:
والقليب في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البئر قبل أن يطوى، يذكر ويؤنث، قاله الجوهري، وقال: عن أبي عبيد: هي: البئر العادية القديمة
(2)
. والذنوب: الدلو الملأى ماء.
وقال ابن السكيت: فيها ماء قريب من الملء، تؤنث وتذكر
(3)
. ولا يقال لها وهي فارغة: ذنوب، والغرب: الدلو العظيمة.
فصل:
اللقي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما مصدر لقي لقيًّا، مثل خرج خروجًا، فلما التقي حرفا علة وسبق الأول بالسكون، قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء الأخرى، وكسرت الياء لتصح الياء.
وقوله: "هل تعلم أحدًا أعلم منك؟، فقال: لا"، هذا الذي يظن بموسى؛ لأنه سئل عن علمه. وهذِه رواية (عبيد الله بن عباس)
(4)
، ورواية سعيد بن جبير:"هل أحدًا أعلم منك؟؛ قال: لا فعتب الله عليه"
(5)
.
(1)
للاستزادة حول موضوع الشفاعة انظر: كتاب "الشفاعة" لفضيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، فقد تكلم بإفاضة في هذا الموضوع ط. دار الآثار صنعاء.
(2)
"الصحاح" 1/ 206، "غريب الحديث" 2/ 404.
(3)
"إصلاح المنطق" ص 361.
(4)
ورد بهامش الأصل: صوابه عبيد الله عن ابن عباس، لعله سقط (عن). قلت (المحقق): وفي (ص 1): (عبد الله بن عباس).
(5)
رواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس سلفت برقم (122) كتاب: العلم، باب: ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله، ورواه مسلم كذلك (2380) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل الخضر عليه السلام.
قال الداودي: والأولى أن يحمل على موسى أنه قال الصدق قال: ولو قال لا، ولم يقل له: هل تعلم أحدًا، لدخل في قوله:{مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: 46].
وقوله: "فجعل الله له الحوت آية" أي: علامة على ما يريد، وذلك أنه حمل حوتًا كانا يأكلان منه هو وفتاه يوشع، فلما فقد نصفه تلقاء الصخرة فنام موسى وجلس يوشع، فوثب الحوت من المكتل، فاتخذ سبيله في البحر وكان طريقه كالطافي، فلم يوقظ يوشع موسى حتى انتبه، فنسي يوشع أن يذكر له أمر الحوت، فانطلقا يومهما وليلتهما، فوجد موسى الإعياء، فقال لفتاه:{آتِنَا غَدَاءَنَا} ، فذكر يوشع فقال:{أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} ، فكان سبيل الحوت في البحر سربًا، وكان لموسى وفتاه عجبًا.
وقوله: ({فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا}) قال الداودي: كان موسى يتبع أثر الحوت، أي: ينظر إليه بالساحل يسير معه حتى انتهى إلى الخضر عليه السلام، ليس أنه سلك في أثره في البحر. قال: ولو كان كذلك لقال: سلك أثر الحوت.
فصل:
وقوله في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ("إنا قافلون") أي: راجعون.
32 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير}
(1)
[سبأ: 23]
وَلَمْ يَقُلْ: مَاذَا خَلَقَ رَبُّكُمْ وَقَالَ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {مَنْ ذَا الذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]
قَالَ مَسْرُوقٌ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ شَيْئًا، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الحَقُّ وَنَادَوْا:{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} [سبأ: 23].
يُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يَحْشُرُ اللهُ العِبَادَ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ» .
7481 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ -قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفَوَانٍ- يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ» .
قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ بِهَذَا.
(1)
هذِه قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي، أُذن: بالرفع على ما لم يسم فاعله، وقرأ الباقون: أَذن بالفتح. انظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 589، "الكوكب الدري" ص 529.
قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ.
قَالَ عَلِيٌّ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ؟، قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ أَنَّهُ قَرَأَ:(فُزِّعَ)[سبأ: 23]. قَالَ سُفْيَانُ هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو فَلَا أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أَمْ لَا، قَالَ سُفْيَانُ وَهْيَ قِرَاءَتُنَا. [انظر: 4701 - فتح: 13/ 453].
7482 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» . وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ: يُرِيدُ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ. [انظر: 5023 - مسلم: 792 - فتح: 13/ 453].
7483 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللهُ: يَا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ» . [انظر:3348 - مسلم: 222 - فتح: 13/ 453].
7484 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ. [انظر: 3348 مسلم: 3434، 2435 - فتح: 13/ 453].
(وقال مَسْرُوقٌ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بِالْوَحْي سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ، فَإِذَا فُزَّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الحَقُّ وَنَادَوْا: (مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ).
وهدا أسنده أبو داود عن أحمد بن أبي سريج وغيره، عن أبي معاوية (عن الأعمش)
(1)
، عن شقيق، عن مسروق أنه حدثه عنه به
(1)
من (ص 1).
مرفوعًا
(1)
.
ثم قال البخاري: وُيذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ رضي الله عنه: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "يَحْشُرُ اللهُ العِبَادَ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كمَا يَجمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ".
وهذا أسنده الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" من حديثه قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فابتعت بعيرًا فشددت عليه رحلي، ثم سرت إليه، فسرت شهرًا حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس الأنصاري. فذكره عنه مطولًا
(2)
.
ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضرَبَتِ المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا". الحديث، وقد سلف الحديث
(3)
.
وحديثه أيضًا: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيءٍ مَا أَذِنَ لنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ". وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ: يُرِيدُ: يَجْهَرُ بِهِ.
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللهُ تعالى: يَا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيُنَادى بِصَوْتٍ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ".
وحديث عائشة رضي الله عنها: قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ.
(1)
أبو داود (4738) كتاب: السُّنَّة، باب: في القرآن، وفيه: مسلم، بدل: شقيق. والحديث صححه الألباني في "الصحيحة"(1293).
(2)
رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث"(39).
(3)
سلف برقم (4701) كتاب: التفسير.
الشرح:
استدل البخاري بقوله تعالى: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23] ولم يقل: ماذا خلق ربكم، أن قوله تعالى قديم بذاته قائم بصفاته لم يزل موجودًا به ولا يزال، وأنه لا يشبه كلام المخلوقين وليس بذي حروف
(1)
، خلافًا للمعتزلة التي نفت كلام الله وقالت: إن كلامه كناية عن الفعل والتكوين، قالوا: وهذا شائع في كلام العرب، ألا ترى (أنَّ)
(2)
الرجل يعبر عن حركته بيده فيقول: قلت بيدي هكذا، وهم يريدون: حركة يدي، ويحتجون بأن الكلام لا يعقل منا إلا (بأعضاء)
(3)
ولسان، والباري تعالى لا يجوز أن يكون له أعضاء دالات على الكلام إذ ليس بجسم، فرد البخاري عليهم بحديث الباب: "إذا قضى الله الأمر في السماء فزعت
…
" إلى آخره.
وقوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} . أي: أذهب الفزع: قالوا (للذين من فوقهم)
(4)
فدل ذلك على أنهم سمعوا قولًا لم يفهموا معناه من أجل فزعهم؛ فقالوا: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} ، ولم يقولوا ماذا خلق ربكم؟
وأكد ذلك بما حكاه عن الملائكة أيضًا، {قَالُوا الْحَقَّ} .
والحق إحدي صفتي الذات الذي لا يجوز على الله غيره؛ لأنه
(1)
عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الله يتكلم بكلام حقيقي متي شاء، كيف شاء، بما شاء، بحرفٍ، لا يماثل أصوات المخلوقين. وقد تقدم الكلام مرارا على هذِه المسألة.
(2)
من (ص 1).
(3)
في الأصل: (بالأعضاء)، والمثبت من (ص 1)، ومن "شرح ابن بطال" 10/ 49.
(4)
في (ص 1): (للذي فوقهم).
لا يجوز على كلامه الباطل، ولو كان القول منه خلقًا وفعلًا لقالوا حين سئلوا:{مَاذَا قَالَ} أخلق خلقًا كذا إنسانًا أو خيلًا أو شيئًا من المخلوقات، فلما وصفوا قوله بما يوصف به الكلام من الحق لم يجز أن يكون القول بمعنى الخلق والتكوين.
وكذلك قوله لآدم: "يَا آدَمُ" وهو كلام مسموع، ولو كان بمعنى الخلق والتكوين ما أجاب "لبيك وسعديك" التي هي جواب المسموعات، وكذلك قول عائشة رضي الله عنها:(ولقد أمره ربه أن يبشرها). هو كلام وقول مسموع من الله، ولو كان خلقًا لما فهم (عنه)
(1)
عن ربه له بالبشرى.
فصل:
حاصل الخلاف في المسألة ثلاثة أقوال:
قول أهل الحق أن القرآن غير مخلوق وأنه كلامه، وإنما يعنون بذلك الكلام القائم بذاته (سبحانه)
(2)
الذي هو شيء واحد لا ينقسم ولا يتجزأ ولا يشبه شيئًا من كلام المخلوقين؛ لأن المتكلم به لا يشبه المتكلمين، وإنما يوصف بأنه (كلمات)
(3)
كما قال الله تعالى: {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ} [لقمان: 27] على سبيل (التعليل)
(4)
، وإنما هو في الحقيقة كلام واحد، والعبارة عنه.
واستثقل بعض الحفاظ أن يُقال عبارة عنه أنه مفهوم في نفسه، والعبارة عندهم إنما تكون عبارة عما هو غير مفهوم. وقالت الخوارج
(1)
في (ص 1): فيه.
(2)
كذا في الأصل ووضع فوقها كلمة: كذا.
(3)
في (ص 1): كلام.
(4)
في الأصل: (التعليم)، والمثبت من (ص 1).
والمرجئة والجهمية والنجارية: إنه مخلوق. وقال البلخي ومن قال بقوله: القرآن محدث غير مخلوق. وقال معمر: وما تكلم الله قط بل المتكلم من فعل الكلام، وإنما الكلام هو الأصوات، (وهل)
(1)
فعل الشجرة، وقال قوم: الواجب الوقف في أمر القرآن، ولا يقول: إنه مخلوق ولا غير مخلوق.
فصل:
وقوله تعالى: {مَنْ ذَا الذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] نزل لما قيل: شفعاؤنا عند الله الأصنام، فأعلم الله أن المؤمنين إنما يصلون على الأنبياء ويدعون للمؤمنين، كما أمروا أذن لهم.
فصل:
و {فُزِّعَ} في الآية قرئ بالتشديد والتخفيف
(2)
، والمعنى: ذهب منها ما كانوا يجدونه من عظمة الله وجلاله، ففي {فُزِّعَ} ضمير عائد على اسم الله تعالى، والمعنى: حتى إذا جلى الله الفزع عن قلوب الملائكة أي: أزاله {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} وذلك فيما روي أن الملائكة تفزع إذا علمت أن الله أوحى بأمر، فتفزع منه أن يكون في أمر الساعة، فإذا جلي الله الفزع بأن ذلك ليس (في)
(3)
أمر الساعة، سألوا عن الوحي ما هو؟ فقالوا:{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} فيجاوبه جبريل عليه السلام فيقول: {قَالُوا الْحَقَّ} وأخبر عنه بلفظ الجماعة؛ لجلاله وعظمته، وحجة من ضم الفاء أنه بنى الفعل للمفعول، وأقام
(1)
ورد في هامش الأصل: لعله: وهو.
(2)
قرأ بالتخفيف ابن عامر ويعقوب، والباقي بالتشديد انظر:"الكوكب الدري" ص 528.
(3)
في (ص 1): (من).
المجرور مقام الفاعل وهو: {عَنْ قُلُوبِهِمْ} ، ومعناه كما تقدم.
فصل:
وقوله: ("أنا الديان") أي: (أنا)
(1)
المجازي والمحاسب، وقوله:("خضعانا") أي: تواضعًا.
فصل:
وقوله: ("ما أذن الله لشيء") أي: ما استمع، قال الشاعر:
صم إذا سمعوا خيرًا ذكرت به
…
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وقوله: ("يتغنى") أي: يجهر. وقيل: يستغني به.
فصل:
وقوله: ("بعثًا إلى النار")، قال في غير هذا الموضع:"من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين"
(2)
، ففي هذا أن الرب جل جلاله قد علم أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وأعمالهم التي توجب لهم النار. والبعث بفتح الباء: الجيش، والمراد به هنا: الجماعة.
(1)
من (ص 1).
(2)
سلف برقم (3348) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قصة يأجوج ومأجوج.
33 - باب كَلَامِ الرَّبِّ عز وجل مَعَ جِبْرِيلَ وَنِدَاءِ اللهِ المَلَائِكَةَ
وَقَالَ مَعْمَرٌ: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ} [النمل: 6] أَيْ: يُلْقَى عَلَيْكَ. وَتَلَقَّاهُ أَنْتَ أَيْ: تَأْخُذُهُ عَنْهُمْ، وَمِثْلُهُ:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37].
7485 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ» . [انظر: 3209 - مسلم: 2637 - فتح: 13/ 461].
7486 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ العَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» . [انظر: 555 - مسلم: 632 - فتح: 13/ 461].
7487 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنِ المَعْرُورِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ» . قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟! قَالَ: «وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى» . [انظر: 1237 - مسلم: 94 - فتح: 13/ 461].
(وَقَالَ مَعْمَرٌ: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ} أَيْ: يُلْقَى عَلَيْكَ. وَتَلَقَّاهُ أَنْتَ أَيْ: تَأْخُذُهُ عَنْهُمْ، وَمِثْلُهُ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}).
أخرجه عن معمر عبد الرزاق
(1)
.
ثم ذكر ثلاثة أحاديث سلفت:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ» الحديث
(2)
.
وحديثه أيضًا: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ". الحديث
(3)
.
وحديث أبي ذر رضي الله عنه يرفعه: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ من أمتي لَا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ". قُلْتُ وإنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟! قَالَ: "وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى"
(4)
.
(1)
عزو المصنف رحمه الله هذا التعليق هكذا يوهم أن معمرًا هذا هو ابن راشد، شيخ عبد الرزاق، وليس كذلك؛ فالتعليق لم أعثر عليه لا في "مصنف عبد الرزاق" ولا في "تفسيره".
ومعمر هنا هو ابن المثنى -أبو عبيدة- هذا ما جزم به الحافظ في "الفتح" 13/ 461، ونفي أن يكون هو ابن راشد.
وقوله هذا -أعني: معمر بن المثنى- وجدته في "مجاز القرآن" تأليفه 2/ 92.
وقال الحافظ في "التغليق" 5/ 357: معمر هذا هو أبو عبيدة بن المثنى اللغوي، قاله أبو ذر الهروي.
أخبرنا بذلك من قوله: أبو محمد عبد الله بن محمد المكي إذنًا مشافهة، عن سليمان بن حمزة، أن جعفر بن على أنبأهم: أنا أبو القاسم خلف بن عبد الملك الحافظ في كتابه: أنا عبد الرحمن بن محمد: أنا القاضي أبو عمر أحمد بن محمد بن يحيى الحذارء -فيما كتب لي بخطه- عن عبد الوارق بن سفيان، عن قاسم بن أصبغ، عن أبي سعيد السكري، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، به. اهـ.
(2)
سلف برقم (3209) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة. ومواضع أخر.
(3)
سلف برقم (555) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فضل صلاة العصر. ومواضع أخر.
(4)
سلف برقم (1327).
هذا الباب كالباب الذي قبله في إثبات كلامه تعالى وإسماعه جبريل والملائكة، فيسمعون عند ذلك الكلام القائم بذاته الذي لا يشبه كلام المخلوقين؛ إذ ليس بحروف ولا تقطيع بفم، وليس من شرطه أن يكون بلسان وشفتين وآلات، وحقيقته أن يكون مسموعًا مفهومًا، ولا يليق بالباري تعالى أن يستعين في كلامه بالجوارح والأدوات، فمن قال: لم أشاهد كلامًا إلا بأدوات لزمه التشبيه؛ إذ حكم على الله بحكم المخلوقين، وخالف قوله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
فصل:
قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} : جمع على معنى التعظيم، وإنما هو في الحقيقة كلام واحد كما سلف.
وروي أن آدم قال: يا رب عملي هذا هل شيء اخترعته أم أمر كتبته على؟ فقال: بل كتبته عليك فقال: أسألك كما كتبت على أن تغفر لي
(1)
. فإن كان هذا محفوظًا، فإنما قاله اعترافًا صحيحًا.
(1)
رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 66 - 67 (44)، والطبري 1/ 281 - 282 (781 - 785)، وابن أبي حاتم في "تفسير القرآن العظيم" 1/ 91 (409)، وأبو الشيخ في "العظمة" ص 447 (1026)، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 273، كلهم من طريق سفيان الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع قال: أخبرني من سمع عبيد بن عمير، فذكره من قوله، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 117 لوكيع وعبد بن حميد وأبي الشيخ وأبي نعيم.
أورده ابن أبي حاتم في "علله" 1/ 86 - 87 وقال: سئل أبو زرعة عن حديث رواه وكيع والمؤمل بن إسماعيل، واختلفا فقال مؤمل عن الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير .. الحديث، وقال وكيع عن سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن من سمع عبيد بن عمير. قال: حديث وكيع أصح، وأخطأ المؤمل.
فصل:
وقوله في الحديث الأول: ("فيوضع له القبول في الأرض") يعني: عند الصالحين ليس عند جميع الخلق، والذي يوضع له بعد موته أكثر منه في حياته.
فصل:
و"يتعاقبون" قد سلف أنه لغة الحارث بن كعب يجمعون الفعل، قال الداودي: وروي أن الملائكة تنزل معهم بصحف مختومة فيها أعمال العباد إلا خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فيلحقون ذلك.
فصل:
وحديث أبي ذر رضي الله عنه فيه رد على من يقول: إن المؤمن إذا أتى كبيرة لا يدخل الجنة، و
(1)
السنة على خلافه.
وأول من قال: الفاسق منزلة بين منزلتين لا مؤمن ولا كافر واصل بن عطاء، واعتزل الأمة وفارقها لما قاله، فسمي معتزليًّا؛ لأن الأمة على قولين: فرقة تكفر بالذنوب، وفرقة تقول: هو مؤمن بإيمانه فاسق بفسقه، فابتدع واصل مقالة ثالثة.
وأما قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47]، {الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، {الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، فمحمول على استحلاله، وكذا قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الآية [النساء: 93] وإن جازاه.
(1)
ورد بهامش الأصل: لعله سقط: أهل.
34 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُون} [النساء: 166]
قَالَ مُجَاهِدٌ: {يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12] بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالأَرْضِ السَّابِعَةِ.
7488 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا فُلَانُ، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِى إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِي لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ أَجْرًا» . [انظر: 247 - مسلم: 2714 - فتح: 13/ 462].
7489 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ وَزَلْزِلْ بِهِمْ» . [انظر: 2818 - مسلم: 1742 - فتح: 13/ 462].
زَادَ الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
7490 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ، بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قَالَ: أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ فَسَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ حَتَّى يَسْمَعَ المُشْرِكُونَ، وَلَا تُخَافِتْ بِهَا عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ.
{وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء: 110]: أَسْمِعْهُمْ وَلَا تَجْهَرْ حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْكَ الْقُرْآنَ. [انظر: 4722 - مسلم: 446 - فتح: 13/ 463].
(قَالَ مُجَاهِدٌ: {يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12] بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالأَرْضِ السَّابِعَةِ).
هذا المذكور في "تفسيره" من حديث ورقاء، عن ابن أبي نجيح عنه
(1)
.
ذكر فيه أحاديث سلفت:
حديث أبي إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيّ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا فُلَانُ، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ". الحديث بطوله
(2)
.
وحديث ابن أَبِي أَوْفَى، أنه صلى الله عليه وسلم قال يَوْمَ الأَحْزَابِ:"اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ وَزَلْزِلْ بِهِمْ"
(3)
.
ثم ساقه بالتحديث من حديث سُفْيَانَ: ثَنَا ابن أَبِي خَالِدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ رضي الله عنه سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قَالَ: نزلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم متَوَارٍ بِمَكَّةَ
(4)
.
(1)
"تفسير مجاهد" 2/ 682.
(2)
سبق برقم (247) كتاب: الغسل، باب: فضل من بات على وضوء.
(3)
سبق برقم (2966) كتاب: الجهاد، باب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس.
(4)
سبق برقم (4722) كتاب: التفسير، باب:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} .
الشرح:
لا تعلق للقدرية في الآية المذكورة: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} أن القرآن مخلوق؛ لأن كلامه تعالى قديم قائم بذاته، ولا يجوز أن تكون صفة ذات القديم إلا قديمة، فالمراد بالإنزال: إفهام عباده (المكلفين)
(1)
معاني كتابه وفرائضه التي افترضها عليهم، وليس إنزاله كإنزال الأجسام المخلوقة التي يجوز عليها الحركة والانتقال من مكان إلى مكان؛ لأن القرآن ليس بجسم ولا مخلوق، والأفعال التي يعبر بها عن الأجسام كالحركة والانتقال من الأمكنة تستحيل على الله تعالى وعلي كلامه وجميع صفاته.
قال المهلب: وفي حديث البراء رضي الله عنه الرد على القدرية الذين يزعمون أن لهم قدرة على الخير والشر استحقوا عليها العذاب والثواب، لأمره عليه السلام من أوى إلى فراشه بالتبرؤ عند نومه من الحول والقوة والاستسلام لقدرة الله تعالى التي غلبه بها النوم، فلم يستطع دفعه، فلو كان يملك لنفسه نفعًا أو ضرًا لدفع عن نفسه النوم الذي هو موت، إن أمسك الله نفسه فيه مات أبدًا، وإن أرسلها بعد موته ساعة أو ساعتين جدد لها حياة، وكيف يملك الإنسان قدرة وقد أمره نبيه - عليه أفضل الصلاة والسلام - أن يتبرأ من جميع وجوهها في هذا الحديث.
ثم عرفك أن هذِه الفطرة التي فطر الله الناس عليها يجب أن تكون آخر ما يقوله المرء الذي حضره أول الموت؛ فيموت على الفطرة التي فطر الله الناس عليها خلقه، وإن أحياه (أصاب)
(2)
بتبرئه إليه خيرًا، يريد: أجر الآخرة، وجزاه من رزق وكفاية وحفظ في الدنيا.
(1)
في الأصل: (المتكلمين)، والمثبت من (ص 1).
(2)
في الأصل: (أحياه)، والمثبت من (ص 1).
فصل:
معنى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] لئلا يسمع المشركون فيسبوا.
وقالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في الدعاء
(1)
، وبه قال ابن نافع، وقيل: كان الصديق يخافت في صلاة الليل وعمر يجهر، فأمر أبو بكر أن يرفع قليلاً، وأُمر عمر أن يخفض قليلاً
(2)
.
وقال زياد بن عبد الرحمن: لا تجهر في صلاة النهار بقراءتك، ولا تخافت بها في صلاة الليل.
فصل:
وفي حديث ابن أبي أوفى: جواز الدعاء بالسجع إذا لم يكن متكلفًا مصنوعًا بفكره وشغل بالِ (بتهيئته)
(3)
، فيضعف بذلك تحقيق نية الداعي؛ فلذلك كره السجع في الدعاء، وأما إذا تكلم به طبعًا فهو حسن كما سلف في الدعاء.
قال ابن التين: إنما يكره السجع في القول الباطل كما وقع في تلك القصة، وفيه: فمثل ذلك يُطَل
(4)
.
(1)
سبق برقم (4723) كتاب: التفسير، باب:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} ، ورواه مسلم (447) كتاب: الصلاة، باب: التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية.
(2)
رواه أبو داود (1329)، والترمذي (447)، من حديث أبي قتادة، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" برقم (1200).
(3)
من (ص 1).
(4)
رواه مسلم (1682) كتاب: القسامة، باب: دية الجنين.
فصل:
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن قطع الذرائع التي تنقص الباري تعالى وتنقص كتابه واجب، وإن كان المراد بها المنع من رفع الصوت بالقران لئلا يسمعه من يسبه ومن أنزله.
فصل:
معنى: ("آمنت بكتابك الذي أنزلت") أي: صدقت بكتبك، فالكتاب اسم جنس يقع على الواحد والجمع.
وقوله: ("ونبيك الذي أرسلت"). قال الداودي عن بعض العلماء: يكون الرسول غير نبي والنبي غير رسول، ويجمع الله ذلك لمن يشاء، وكان نبينا ممن جُمِعا له، وقد نص الله في القرآن على ستة عشر نبيًّا وسماهم مع ذلك رسلاً، وذكر سبعة أنبياء وأكمل أحد عشر نبيَّا، وهم الأسباط بنو يعقوب ويوسف برسول نبي صديق.
وقوله: يكون الرسول غير نبي غلط، والمعروف خلافه؛ لأن الرسول لا يكون إلا نبيًّا إلا أن يكون من الملائكة.
فصل:
الأحزاب: هم الذين أتوه سنة أربع عام الخندق، أتى بهم أبو سفيان، وقد ركب ومعه عيينة بن حصن، وقاتل مضر، فاستجاب الله لنبيه وأرسل عليهم ما ذكر في كتابه.
35 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللهِ} [الفتح: 15]
{لَقَوْلٌ فَصْلٌ} : حَقٌّ {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)} [الطارق: 13 - 14]. بِاللَّعِبِ.
7491 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» . [انظر: 4826 - مسلم: 2246 - فتح: 13/ 464].
7492 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللهُ عز وجل: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ
أَجْلِى. وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ». [انظر: 1894 - مسلم: 1151 - فتح: 13/ 464].
7493 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَى رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ» . [انظر: 279 - فتح: 13/ 464].
7494 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» . [انظر: 1145 - مسلم: 758 - فتح: 13/ 464].
7495 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ الأَعْرَجَ، حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ» . [انظر: 238 - مسلم: 855 - فتح: 13/ 464].
7496 -
وَبِهَذَا الإِسْنَادِ: «قَالَ اللهُ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» . [انظر: 4684 - مسلم: 993 - فتح: 13/ 464].
7497 -
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ:«هَذِهِ خَدِيجَةُ أَتَتْكَ بِإِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ أَوْ إِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَأَقْرِئْهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ» . [انظر: 3820 - مسلم: 2432 - فتح: 13/ 465].
7498 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». [انظر: 3244 - مسلم: 2824 - فتح: 13/ 465].
7499 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ، أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي، لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ» . [انظر: 1120 - مسلم: 769 - فتح: 13/ 465].
7500 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا
يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ الذِي حَدَّثَنِي- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ يُنْزِلُ فِي بَرَاءَتِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11]. العَشْرَ الآيَاتِ. [انظر: 2593 - مسلم: 277 - فتح: 13/ 465].
7501 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا المُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَقُولُ اللهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةٍ» . [مسلم: 128 - فتح: 13/ 465].
7502 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللهُ
الخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَ: مَهْ. قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ. فَقَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ». ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} [محمد: 22]. [انظر: 483 - مسلم: 2554 - فتح: 13/ 465].
7503 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ صَالِحٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: مُطِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «قَالَ اللهُ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِي» .
[انظر: 846 - مسلم: 71 - فتح: 13/ 466].
7504 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَالَ اللهُ: إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ» [فتح: 13/ 466].
7505 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَالَ اللهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» . [انظر: 7405 - مسلم: 2675 - فتح: 13/ 466].
7506 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ، وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي البَرِّ وَنِصْفَهُ فِي البَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ، فَأَمَرَ اللهُ البَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ» . [انظر: 3481 مسلم: 2756 - فتح 13/ 466].
7507 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ: أَذْنَبَ ذَنْبًا- فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ- فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَصَابَ -ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا- فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ -أَوْ أَصَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ. فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ:- أَصَابَ ذَنْبًا -قَالَ:- قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ -أَوْ أَذْنَبْتُ - آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي. فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي -ثَلَاثًا- فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ» . [مسلم: 3758 - فتح: 13/ 466].
7508 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً فِيمَنْ سَلَفَ -أَوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالَ كَلِمَةً يَعْنِي-: "أَعْطَاهُ اللهُ مَالاً وَوَلَدًا - فَلَمَّا حَضَرَتِ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ قَالُوا خَيْرَ أَبٍ. قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ -أَوْ: لَمْ يَبْتَئِزْ- عِنْدَ اللهِ خَيْرًا، وَإِنْ يَقْدِرِ اللهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ، فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِي -أَوْ قَالَ: فَاسْحَكُونِي- فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِي فِيهَا» . فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي، فَفَعَلُوا ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَقَالَ اللهُ عز وجل: كُنْ. فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ. قَالَ اللهُ: أَيْ عَبْدِي، مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ" أَوْ: "فَرَقٌ مِنْكَ" قَالَ: "فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا". وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا". فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ" أَذْرُونِي فِي الْبَحْرِ". أَوْ كَمَا حَدَّثَ. [انظر: 3478 - مسلم: 2757 - فتح: 13/ 466].
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ:"لَمْ يَبْتَئِرْ". وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: "لَمْ يَبْتَئِزْ". فَسَّرَهُ قَتَادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ.
ثم ذكر فيه أحاديث عدتها سبعة عشر:
أحدها:
حديث سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ عز وجل: يُؤْذِينِي ابن آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ".
ثانيها:
حديث أَبِي صَالِحٍ، عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَقُولُ اللهُ تعالى: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَخزِي بِهِ".
وقد سلف
(1)
.
والبخاري أخرجه عن أبي نعيم: ثنا الأعمش به، وكذا إسناده عند جميع الرواة خلا ابن السكن؛ فإنه زاد فيه: سفيان بن سعيد، فقال: ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان ثنا الأعمش به، والصواب: من خالفه من جميع الرواة.
ثالثها:
حديث هَمَّامٍ، عَنْه:"بَيْنَمَا أيّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا". الحديث.
وقد سلف
(2)
.
رابعها:
حديث أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ: "يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا" الحديث.
واسمه: سلمان مولى جهينة من أصبهان، وفي طبقته مسلم الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد واشتركا في عتقه فهو مولاهما، كان قاضيًا من أهل المدينة، قال أحمد: وأغر وسليمان واحد.
خامسها:
حديث الأعرج عنه: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ". وبه: "قَالَ اللهُ عز وجل: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ".
سادسها:
حديث أبي زرعة عنه: فَقَالَ: "هذِه خَدِيجَةُ أَتَتْكَ بِإِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ -أَوْ: إِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ- فَأَقْرِئهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ".
(1)
برقم (1894) كتاب: الصوم، باب: فضل الصوم.
(2)
برقم (3391) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ .. } .
سلف
(1)
.
سابعها:
حديث همام عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "قَالَ تعالى: أَعْدَدْتُ لِعبَادي الصَّالِحيِنَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ "
الحديث سلف أيضًا
(2)
.
ثامنها:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ". الحديث.
تاسعها:
حديث عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك: وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى. الحديث.
في إسناده عبد الله بن عمر بن غانم النميري شيخ شيخ البخاري، نزل إفريقية، انفرد (به)
(3)
البخاري، مات سنة تسعين ومائة، وكان مولده سنة ثمان وعشرين ومائة.
العاشر:
حديث الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَقُولُ اللهُ عز وجل إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتبوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا". الحديث.
(1)
برقم (3820) كتاب: مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها.
(2)
سلف برقم (3244) كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة.
(3)
من (ص 1).
الحادي عشر:
حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ، (فقال)
(1)
: مَهْ" الحديث.
وإسماعيل بن عبد الله هذا هو: أبو عبد الله إسماعيل بن أبي أويس، عبد الله بن عبد الله بن أويس، أخي أنس ونافع والربيع أولاد مالك بن أبي عامر، نافع بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن حنبل -ويقال: خثيل بخاء معجمة وثاء مثلثة فيهما- ابن عمرو بن الحارث ذي أصبح أخي يحصب، ابني مالك بن زيد الحميري الأصبحي، حليف عثمان بن عبيد الله القرشي التيمي، ابن أخت مالك بن أنس، اتفقا عليه، وقد تُكلِم فيه، مات سنة ست وعشرين (ومائتين)
(2)
ويقال: سنة سبع وعشرين ومائتين في رجب،
روى عن سليمان بن بلال، وروى عن أخيه أبي بكر عبد الحميد بن أبي أويس الأعشى عن سليمان بن بلال، ومات الأعشى سنة ثنتين ومائتين، ومات سليمان سنة اثنتين وسبعين، وقيل سنة سبع وسبعين بالمدينة.
ومعاوية بن أبي مزرد عبد الرحمن أخي أبي الحباب سعيد بن يسار، مول شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتفقا عليه وعلى عمه سعيد بن يسار، ومات سنة سبع عشرة ومائة مع نافع وقتادة وعبد الله بن أبي مليكة وأبي
(1)
في (ص 1): فقالت. وورد في هامش الأصل ما نصه: كذا في أصله: (قالت). ومدخله في الكلام على ما يقتضي أن تكون الرحم قالت ذلك، وكأنه كذلك في الأصل الذي نقل منه.
(2)
فوقها في الأصل: لا: إلى.
رجاء عمران بن ملحان على قول، وقيل: مات سعيد أبو رجاء في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقيل: ولاء سعيد بن يسار للحسن (بن)
(1)
علي بن أبي طالب.
الحديث الثاني عشر:
حديث زيدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: مُطِرَ الناس، فقال صلى الله عليه وسلم:"قَالَ اللهُ تعالى: أَصبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وكَافِرٌ بِي". وقد سلف
(2)
.
الثالت عشر:
حديث الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَالَ اللهُ تعالى: إِذَا أَحَبَّ عَبدِي لِقَائِي". الحديث.
الرابع عشر:
حديث الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أيضًا، أَنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبدِي بِي".
الخامس عشر:
حديثه أيضًا في الرجل لم يعمل خيرًا قط، وقد سلف
(3)
.
السادس عشر:
حديث عبد الرحمن بن أبي (عمرة)
(4)
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمعت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ: أَذْنَبَ ذَنْبًا- فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ- وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ- فَاغْفِرْ لِي".
(1)
من (ص 1).
(2)
سلف برقم (846) كتاب: الآذان، باب: يستقبل الإمام الناس إذا سلم.
(3)
برقم (3481) كتاب: أحاديث الأنبياء.
(4)
في الأصل: (عمرو) والمثبت هو الصواب.
وعبد الرحمن بن أبي عمرة بشير أخي ثعلبة وأبي عبيدة وحبيب أولاد (عمرو)
(1)
بن محصن بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول، وهو عامر بن مالك بن النجار، ويقال: لمبذول أيضًا: أسد بن مالك، لأبيه ولإخوته صحبة، فأما أبوه (أبو عمرة)
(2)
بشير فقتل مع علي رضي الله عنه بصفين.
روى عنه ابنه عبد الرحمن، روي له أبو داود والنسائي، وقد اتفقا على ولده عبد الرحمن قاضي المدينة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وروى له مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وزيد بن خالد.
وأم عبد الرحمن وعبد الله بن أبي عمرة هند بنت المقوم بن عبد المطلب، وأما عمه ثعلبة بن عمرو بن محصن، فشهد بدرًا وما بعدها، مات في خلافة عثمان، وقيل: قتل يوم جسر أبي عبيد، روى عنه ابنه عبد الرحمن بن ثعلبة حديثه في قطع يد عمرو بن سمرة في سرقة الجمل، رواه ابن ماجه
(3)
.
وأما أبو عبيدة بن عمرو بن محصن فقتل شهيدًا يوم بئر معونة.
وأما حبيب بن عمرو بن محصن فمات في طريق اليمامة ذاهبًا إليها مع خالد بن الوليد، فهو معدود من شهداء اليمامة.
(1)
في الأصل: (عمر) والمثبت هو الصواب
(2)
في الأصل: (أبو عمرو).
(3)
ابن ماجه (2588) كتاب: الحدود، باب: السارق يعترف، والحديث رواه الذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/ 194 بسنده، ثم قال: غريب جدًا، رواه ابن ماجه عن الذهلي عن ابن أبي مريم. اهـ.
وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" ص 350: هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه"(562).
الحديث السابع عشر: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة الرجل الذي أوصى بإحراقه
…
إلى آخره، وقد سلف بالاختلاف فيه: يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ، وقال فيه: فَسَّرَهُ قَتَادَةُ: (لَمْ)
(1)
يَدَّخِرْ.
الشرح:
غرضه في هذا الباب كغرضه في الأبواب التي قبلها، ومعنى قوله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللهِ} : هو أن المنافقين تخلفوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك واعتذروا بما علم الله إفكهم فيه، فأمر الله رسوله أن يقرأ عليهم (قوله)
(2)
: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: 83]، فأعلمهم بذلك، وقطع أطماعهم (بخروجهم)
(3)
معه، فلما رأوا الفتوحات قد تهيأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرادوا الخروج معه رغبة منهم في المغانم، فأنزل:{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا} الآية [الفتح: 15].
فهذا معنى الآية: أن يبدلوا أمره عليه السلام بأن لا يخرجوا معه فإن يخرجوا معه، فقطع الله أطماعهم من ذلك مدة أيامه عليه السلام بقوله:{لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} الآية [التوبة: 83]، ثم قال الله آمرًا لرسوله:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ} [الفتح: 16] يعني: المريدين تبديل كلامه تعالى {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} الآية [الفتح: 16] يعني: توليهم عن إجابته عليه السلام حين دعاهم إلى الخروج معه في سورة براءة، والداعي لهم غيره ممن يقوم بأمره من خلفائه.
(1)
من (ص 1).
(2)
من (ص 1).
(3)
في الأصل: (لخروجه) والمثبت من (ص 1).
فقيل: إنه الصديق دعاهم لقتال أهل الردة، وقيل: الفاروق دعاهم لقتال المشركين، وسائر الأحاديث فيها إثبات كلامه تعالى، وقد مر القول (في)
(1)
أنه صفة قائمة به لا يصح مفارقتها له، وأنه لم يزل متكلمًا ولا يزال كذلك.
فصل:
وأما قوله عليه السلام: ("يؤذيني ابن آدم .... ") فقد سلف في كتاب الأدب في باب: لا تسبوا الدهر
(2)
، وقريبًا في باب: إني أنا الرزاق.
أي: يؤذيني: (يقتضي)
(3)
ليس له اتصال إليه تعالى عن ذلك، ولا يلحق به أذى وإنما يلحق من تتعاقب عليه الحوادث ويلحقه العجز والتقصير عن الانتصار، وإنه تعالى عن ذلك؛ فوجب رجوع الأذى المضاف إليه إلى أنبيائي ورسلي بسب الدهر؛ لأن ذلك ذريعة إلى سب خالق الدهر (يعنون)
(4)
أقضيته وحوادثه.
وقوله: ("أنا الدهر"). أي: أن الأشياء التي ينسبون إليها الدهر أنا مقدرها وخالقها على إرادتي، ألا تري قوله تعالى:"بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" والأيام والليالي ظروف الحوادث، فإذا سببتم الدهر وهو لا يفعل شيئًا فقد وقع السب على الله؛ لأن الساب للدهر من أجلها إنما سبه إذ لا فعل للدهر، وكانت الجاهلية تقول: لعن الله هذا الدهر، ولهذا قال قائلهم:
أمن المنون وريبها تتوجعُ
…
والدهر ليس بمعتبٍ من يجزع
(1)
في (ص 1): على.
(2)
سلف برقم (6182).
(3)
في (ص 1): بسبي.
(4)
في (ص 1): ومصرف
ومنهم ما حكى عنه تعالى في قوله: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24].
وقال ابن فورك: وزعم بعض أهل العلم أن هذا الحديث اختصره بعض الرواة وغيروا معناه عن جهته؛ لأن في الحديث كلامًا إذا ذكر بان تأويله.
فذكر سند هذا الحديث: الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام قال:"يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر بيدي أقلب الليل والنهار وأنا الدهر" فبان أن التأويل كما تقدم.
قال: ويروي: "أنا الدهر" بفتح الراء، ومعناه: أنه جعل ذلك وقتًا للفعل المذكور، ويرجع معناه إلى أني أنا الباقي المقلب الأحوال التي يتغير بها الدهر، قال: وروي بضمها، ومعناه ما سلف، أي: أنا المغير للدهر المحدث للحوادث لا الدهر كما يتوهمون، ويكون (فاعله)
(1)
تكذيب من اقتصر على الدهر والأيام والليالي في حدوث الحوادث وتغييرها من الملحدة والزنادقة
(2)
.
فصل:
قوله في الحديث الثاني: ("الصوم لي"): يريد أنه عمل لا يظهر على صاحبه، ولا يعلم حقيقته إلا الله. وقد سلف فيه أقوال أخر.
ومعنى ("أجزي به"): أجازي، وهو غير مهموز.
وقوله: ("وفرحه حين يلقى ربه"): يريد لقبوله بعمله، والخلوف بضم الخاء على المشهور، وكذا هو عند أهل اللغة، مثل: القعود والجلوس، يقال: خلف فاه خلوفًا إذا تغيرت رائحته، واختلف
(1)
كذا في الأصل، وفي "مشكل ابن فورك":(فائدته).
(2)
"مشكل الحديث وبيانه" ص 294 - 296.
أيضًا. وأما الخلوف بفتح الخاء فليس من هذا؛ لأنه الذي يكثر الخلف في وعده، والخلوف تغير فم الصائم من خلو المعدة بترك الأكل فلا يذهبه بالسواك إذًا، وهو حجة لمن لم يكرهه؛ لأنه رائحة النفس الخارجة من المعدة، وإنما يذهب به ما كان في الأسنان من التغيير.
وقال ابن حبيب (
…
)
(1)
: والخلوف: تغير طعم فيه وريحه؛ لتأخر الطعام. قال بعض المتأخرين: هذا ليس على أصل مالك، وإنما هو جارٍ على مذهب الشافعي حيث كرهه بعد نصف النهار؛ لأنه وقت وجود الخلوف فيه.
وأباحه مالك؛ لأن الخلوف عنده لا يزول بالسواك كما مر؛ لأن أصله عنده من المعدة، ولو زال بالسواك لمنع قبل الزوال؛ لأن تعاهده بالسواك قبله يمنع وجوده فيه بعده، ودليله أيضًا إطلاق قوله عليه السلام:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"
(2)
ولم يخص صومًا من غيره.
فصل:
وقوله: ("أطيب عند الله من ريح المسك"): يحتمل أن ينال عليها من الثواب أكثر مما ينال المتطيب بالمسك من طيبه، أو أنها تعلق في موضع يوصف أنه عند الله أطيب من عبق ريح المسك -وقد روي أيضًا- أو أن الله تعالى يغير الطعام أكثر مما يغير ريح المسك، فإن رائحته عندهم ثقيلة، وهي عند الله أطيب من ريح المسك، ولما كان المسك أطيب الروائح جوزي به؛ لأنه أفضل الجزاء.
(1)
بياض بالأصل، وغير مقروءة في (ص 1).
(2)
سلف برقم (87) كتاب: الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة.
فصل:
وقوله في الحديث الثالث: "رجل جرادٍ من ذهب" الرجل: الجماعة الكثيرة من الجراد خاصة، وهو جمع على لفظ الواحد، ومثله: صوار: لجماعة البقر، وخيط: لجماعة (النعام)
(1)
، وعانة: لجماعة الحمير
(2)
.
وقوله: "فجعل يحثي" يقال: حثا يحثو ويحثي.
فصل:
وقوله في الرابع: ("ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة") سلف تأويله، ويروي:"في ليلة النصف من شعبان"
(3)
.
(1)
في الأصل: (الغنم)، والمثبت من (ص 1).
(2)
انظر: "لسان العرب" 3/ 1600. مادة (جل).
(3)
رواه الترمذي (739) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان لحال رمضان، من حديث أم المؤمنين عائشة، وكذا رواه ابن ماجه (1389) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في ليلة النصف من شعبان، وأحمد 6/ 238، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(2/ 326 - 327)(850) و 3/ 979 (1700)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 3/ 233 (1507)، والإسماعيلي في معجم "شيوخه" 1/ 410، واللالكائي في "شرح أصول أعتقاد أهل السنة والجماعة" 3/ 496 - 497 (764)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 385 - 386 (3838)، والبغوي في "شرح السنة" 4/ 126 (992). قال الترمذي عقب هذا الحديث: وسمعتُ محمدًا -أي البخاري- يضعف هذا الحديث. اهـ
ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 66 (915) مضعفًا له، وقال: قال الدراقطني: قد روي من وجوه وإسناده مضطرب غير ثابت اهـ، هذا وحديث عائشة قد ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"- (1761) ثم صحح الحديث في "الصحيحة"- (1144) بمجموع طرقه فقال: حديث صحيح، روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضًا، وهم معاذ بن جبل، وأبو ثعلبة الخشني، وابن عمر، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأبو بكر الصديق، وعون بن مالك، وعائشة. اهـ
قال ابن فورك: والمراد: إقباله على أهل الأرض بالرحمة والعطف بالتذكير والتنبيه الذي يلقي في قلوب أهل الخير منهم حتى يزعجهم إلى الجد في التوبة، ووجدنا الله تعالى خص المستغفرين بالأسحار.
والمراد: الإخبار عما يظهر من ألطافه، وتأييده لأهل ولايته في مثل هذا الوقت بالزواجر التي يقيمها في أنفسهم والمواعظ التي ينهاهم عنها بقوة الترغيب والترهيب، قال: ويحتمل أن يكون ذلك فعلًا يظهر بأمره، فيضاف ذلك إلى الوجه الذي يقال: ضرب الأمير اللص، ونادى في البلد.
قال: وروى لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا)
(1)
يؤيد هذا التأويل، وهو ضم (ياء)
(2)
"ينزل"، وذكر أنه ضبطه عمن سمعه منه من الثقات الضابطين، وإذا كان ذلك كذلك كان شاهدًا لما ذكرناه.
وروي عن الأوزاعي أنه قال لما سئل عن هذا الخبر: يفعل الله ما يشاء، وهذا إشارة منه إلى أن ذلك فعل يظهر منه تعالى.
وذكر ابن حبيب كاتب مالك عنه أنه قال: يُنزَّل أمره في كل سحر، فأما هو فهو دائم لا يزول
(3)
. (وقيل عن مالك أيضًا: ينزل بعلمه. فإن قلت: كيف يفارق علمه، قيل: أراد سرعة الإجابة)
(4)
، وقيل: أراد التقرب.
(1)
كذا بالأصل، وفي "مشكل ابن فورك":(بما) وهو أصوب.
(2)
من (ص 1).
(3)
"مشكل الحديث وبيانه" ص 219 - 220.
(4)
من (ص 1).
وقد أسلفنا ذلك وأعدناه (واضحًا)
(1)
لبعده
(2)
.
فصل:
قوله في الخامس: ("نحن الآخرون السابقون يوم القيامة") قيل: هذِه الأمة أول من يحاسب وأول من يدخل الجنة.
فصل:
قوله في السادس: ("بيت من قصب") قال الداودي: يعني قصب اللؤلؤ، وقيل: أنابيب من جوهر، كذا فسر الحديث في "الصحاح"
(3)
.
وقال الهروي: أراد يبشرها بقصر من زمردة مجوفة أو من لؤلؤة مجوفة، وبيت الرجل: قصره، وبيته: داره، وبيته: شرفه.
وقوله: ("لا صخب فيه"). أي: لا صياح ولا جلبة.
قال الداودي: يعني العيب.
("ولا نصب") أي: لا تعب، وقال الداودي: يعني لا عوج.
فصل:
وقوله في السابع: ("أعددت لعبادي (الصالحين)
(4)
") إلى آخره، هو من قوله تعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].
(1)
من (ص 1).
(2)
قلت: ونحن أسلفنا أيضًا أن منهج أهل السنة والجماعة إثبات نزول الله سبحانه إلى السماء الدنيا، أو سماء الدنيا، كما يليق بجلاله وكماله، ولا حاجة لتأويل الأشعريه وغيرهم بما نقله المصنف رحمه الله. وانظر التعليق ص 308، و 188.
(3)
"الصحاح" 1/ 202 (قصب).
(4)
عليها في الأصل علامة (لا
…
إلى).
قال المهلب: وأما قوله: "أعددت" إلى آخره فهو كقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا توهمه قلب بشر هو على الحقيقة ما لا يعلمه بشر ممن له الأذن والقلب والبصر، فتخصيصه قلب بشر بأن لا يعلمه، يدل -والله أعلم- أنه يجوز أن يخطر على قلوب الملائكة إلا أنه أفردنا بالمخاطبة في قوله:{وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} . فدل على جواز أن يعلمه غيرنا.
فصل:
والتهجد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما سلف قريبًا بأقوالهم فيه، وأنه من الأضداد، السهر وغيره و"نور" منور، قاله ابن عرفة، وقال ابن عباس رضي الله عنه: هاديهم
(1)
، وعنه وعن مجاهد: مدبرها بشمسها وقمرها ونجومها
(2)
.
و"قيِّم" قيل: الدائم حكمه، وقيل: القائم على كل شيء أي: حافظ على كل نفس لا يغفل ولا يمل فمعناه: الحافظ لها، والرب المالك والسيد المطاع، قال تعالى:{فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [يوسف: 41] أي: سيده، والمصلح: من رب الشيء إذا أصلحه فعلى الأول يكون ملكهما، ويحتمل على قول بعض المفسرين سيدهما، وأنكر مالك الدعاء بـ: يا سيدي، ولعله كره اللفظ دون المعنى.
ويحتمل أن صلاحهما به ولولاه لم يكن صلاحهما، قال تعالى:{إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الآية [فاطر: 41].
(1)
رواه الطبري 9/ 320 (26085)، وابن أبي حاتم 8/ 2593 (14550).
(2)
رواه الطبري 9/ 320 - 321 (26087).
وقوله: " (أنت)
(1)
الحق" يحتمل أن يريد به اسمًا من أسمائه، ويحتمل أن يريد أنه أحق (ممن)
(2)
يدعي المشركون أنه إله، من قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ} [الحج: 6]، وظاهر قوله في هذا الحق يعود إلى معنى الصدق، ويتعلق بتسميته إلهًا، بمعنى أن من سماه إلهًا وأخبر عنه بذلك فقد صدق، وقال الحق، ومن سمى غيره إلهًا فقد كذب.
وقوله: ("ووعدك الحق") أي: وعد الجنة للطائع والنار للكافر، فوفي بوعده فهو عائد إلى معنى الصدق، ويحتمل أن يريد أن وعده حق بمعنى: إثبات أنه وعد بالبعث والحشر والنشر والثواب والعقاب، إنكارًا لقول من أنكر وعده بذلك، وكذلك الرسل فيه. و ("أنبتُ"): رجعت.
وقوله: ("والجنة حق والنار حق")، يحتمل وجهين:
أحدهما: أن إخباره تعالى حق.
والثاني: أن إخبار من أخبر عنه بذلك وبلغه حق، ومعنى "أسلمت": انقدت.
وقوله: ("وبك آمنت") ظاهره: صدقت، قال تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17] وقيل: معناه: بهدايتك اهتديت.
وقوله: ("وبك خاصمت") قيل: يريد من خاصم فيه بلسان أو بيد، قال تعالى:{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} [غافر: 35]، وقال {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ} [غافر: 5]. وقيل: بما آتيتني من البرهان احتججت.
(1)
في الأصل: (أنه) والمثبت هو الصواب، كما في حديث الباب (7499).
(2)
في الأصل: (من) والمثبت من (ص 1).
وقوله: ("وإليك حاكمت") قيل: ظاهره أنه لا يحاكمهم إلا إلى الله، ولا يرضي إلا بحكمه، قال تعالى:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89]، وقال:{أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعام: 114]، وقيل: كان عليه السلام عند القتال يقول: "اللهم أنزل الحق" ويستنصر.
وقوله: ("فاغفر لي ما قدمت وما أخرت") قيل: يحتمل ما قدم وأخر مما مضى، ويحتمل أن يريد بما قدم: ما مضي، وما أخر: ما يستقبل، ويكون ذلك من قوله تعالى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} الآية: [الفتح: 2] وكانت الأنبياء يستغفرون، وإن كان غفر لها؛ ليزدادوا رفعة في الدرجات.
فصل:
قوله: ("إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها سيئة حتى يعملها").
قيل: معنى الإرادة هنا مرور الفكر بذلك من غير استقرار ولا توطين نفس، هذا قول أبي الطيب أنه إن وطَّن نفسه على المعصية وعزم عليها بقلبه فهو مأثوم، وخالفه كثيرون من القدماء والمحدثين وأخذوا بظاهر الأخبار أنه لا شيء عليه حتى يعمل كما هو ظاهر الحديث هنا، والهم في الآية إما على مذهب القاضي، فيحمل ذلك على الهم الذي ليس بتوطين النفس أوعلى من يجوز الصغائر عليهم، وإما على طريقة الفقهاء فهو مغفور له غير مؤاخذ به إذا كان شرعه في ذلك كشرعنا، وقيل في الآية: إنه لم يهم
(1)
.
وقوله: "وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة". يريد: إن إرادته لعملها عمل كترك السيئة هو عمل أيضًا.
(1)
"إكمال المعلم بفوائد مسلم" 1/ 424.
فصل:
وقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ("قامت الرحم فقال: مه") هو زجر وردع. وقال الداودي: أي: ما هذا المقام؟ ولعله يريد أنه استفهام بمعنى الإنكار، وقال الجوهري: مه: كلمة مبنية على السكون، وهو اسم يسمى به الفعل، ومعناه: اكفف؛ لأنه زجر فإن وصلت نونت تقول: مهٍ مه
(1)
.
وقوله: ("فلما فرغ منه") أي: من الخلق.
وهذا الحديث لا تعلق فيه لمن يقول: يحدث كلامه تعالى من أجل أن الفاء في قوله (تعالى)
(2)
"فقال": توجب في الظاهر كون قوله تعالى عقب قول الرحم، وذلك مقتض للحديث؛ لقيام الدليل على أنه تعالى لم يزل قائلًا قبل أن يخلق خلقه بما لا أول له، وإذا كان ذلك كذلك وجب حمل قوله تعالى على معنى كلامه الذي لم يزل به متكلمًا وقائلاً، وعلى هذا المعني يحمل نحو هذا اللفظ إذا أتى في الحديث، وقد يحتمل أن يكون تعالى يأمر ملكًا من ملائكته بأن يقول هذا القول عنه وأضافه إليه، إذ كان قول الملك عن أمره تعالى (له)
(3)
.
ويدل على صحة رواية من روي في حديث الشفاعة: "فأستأذن على ربي وأخر له ساجدًا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك" بترك إسناد القول إليه تعالى، جاءت هذِه الرواية في الباب بعده
(4)
.
(1)
"الصحاح" 6/ 2250.
(2)
من (ص 1).
(3)
من (ص 1).
(4)
تقدم مرارًا التنبيه على مثل هذِه التأويلات، وأنه لابد من إثبات الصفة على حقيقتها كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، دون تأويل أولى أعناق الكلام، وانظر تعليقنا ص 185 - 188، 380.
فصل:
قد أسلفنا أن مه: زجر (وردع)
(1)
، كذا هو في لسان العرب ومحال توجه ذلك إلى الرب جل جلاله، فوجب توجيهه إلى من عاذت الرحم بالله تعالى من قطيعته إياها.
فصل:
قوله: "مطر" قد أسلفنا أن مطر في الرحمة وأمطر في العذاب، وجاء غيره.
قال تعالى: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] والعرب تقول: مطرف السماء وأمطرت، ذكره الهروي.
وفي "الصحاح": مطرف وأمطرت، وقد مطرنا
(2)
، قال ابن فارس: يقولون مطرت السماء وأمطرت بمعنى
(3)
.
وقوله: ("أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي"). بينه في الحديث (الآخر)
(4)
قال: ("فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب")
(5)
. واختلف إذا جعله دليلًا على المطر فقيل: هو مخطئ، وقيل: لا بأس به؛ لأن عمر رضي الله عنه لما استسقى التفت إلى العباس رضي الله عنه فقال: يا عم رسول الله، كم بقي من نوء الثريا؟ فقال العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها، قال:
(1)
في الأصل: (ودعاء)، وفي (ص 1):(دعًا) والمثبت هو الأليق.
(2)
"الصحاح" 2/ 818.
(3)
انظر: "مقاييس اللغة" ص 952.
(4)
من (ص 1).
(5)
سلف برقم (846) كتاب: الأذان، باب: يستقبل الإمام الناس إذا سلم، ورواه مسلم (71) كتاب: الإيمان، باب: كفر من قال مطرنا بنوء.
فما مضت سابعة حتى مطرنا، وقد بوب عليه البخاري فيما مضى:{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)}
(1)
. قال ابن عباس رضي الله عنهما: شكركم
(2)
.
فصل:
وقوله: ("إذا أحب عبدي لقائي") قيل: يريد عند الموت إذا بشر بالجنة، ويكره (ذلك)
(3)
إذا بشر بالنار.
فصل:
وقوله: ("أنا عند ظن عبدي بي") يريد أنه يخشى ويرجو أن لا ينقطع الرجاء عند الذنب، وهذا لا يتوجه إلا إلى المؤمنين خاصة، أي: أنا عند ظن عبدي المؤمن بي، وفي التنزيل آيات تشهد أن عباده المؤمنين وإن أسرفوا على أنفسهم أنه عند ظنهم به من المغفرة والرحمة، وإن أبطأت حينًا وتراخت وقتًا لإنفاذ ما ختم به على من سبق عليه إنفاذ الوعيد تحلة القسم؛ لأنه قد كان له أن يعذب بذنب واحد أبدًا كإبليس فهو عند ظن عبده، وإن عاقب برهة، فإن كان ظنه به أنه لا يعذبه برهة ولا يخلد، فإنه كذلك يجده كما ظن إن شاء الله تعالى، فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.
فصل:
وأما حديث الذي لم يعمل خيرًا قط.
(1)
سلف برقم (1038) كتاب: الاستسقاء.
(2)
رواه الحميدي في "مسنده" 2/ 201 (1009)، والطبري في "تفسيره" 11/ 662 - 663 (33561)، والبيهقي في "سننه" 3/ 359 كتاب: صلاة الاستسقاء.
(3)
من (ص 1).
ففيه دليل على أن الإنسان لا يدخل الجنة بعمله كما قال عليه السلام
(1)
، وفيه أن الإنسان يدخل الجنة بحسن نيته في صفته؛ لقوله:("خشيتك يا رب").
وفيه: أن من جهل بعض الصفات فليس بكافر خلافًا لبعض المتكلمين؛ لأن الهل بها هو العلم، إذ لا يبلغ كنه صفاته تعالى، فالجاهل بها المؤمن حقيقة. ولهذا قال بعض السلف: عليكم بدين العذارى، أفترى العذارى تعلم حقيقة صفات الله تعالى؟! وللأشعري في تأويل هذا الحديث قولان، كان قوله الأول: إن من جهل القدرة أو صفة من صفات الله (تعالى)
(2)
فليس بمؤمن.
وقوله هو في هذا الحديث (إن)
(3)
قدر الله علي أن لا يرجع إلى القدرة، وإنما يرجع إلى معنى التقدير الذي هو بمعنى التضييق، كما قال تعالى في قصة يونس:{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] أي: أن لن نضيق عليه. ثم رجع عن هذا القول، وقال: لا يخرج المؤمن من الإيمان بجهله صفة من صفات الله تعالى قدرة كانت أو سائر صفات ذاته تعالى إذا لم يعتقد في ذلك اعتقادًا يقطع على أنه الصواب والدين المشروع.
ألا تري أن الرجل قال: "لئن قدر الله عليه ليعذبنه" فأخرج ذلك مخرج الظن دون القطع على الله تعالى [أنه]
(4)
غير قادر على جمعه، إخراج خائف من عذاب ربه ذاهل به.
(1)
سلف برقم (5673، 6463)، ورواه مسلم (2816) من حديث أبي هريرة.
وسلف أيضًا برقم (6467)، ورواه مسلم (2818) من حديث عائشة.
(2)
من (ص 1).
(3)
في (ص 1): ليس.
(4)
زيادة ليست بالأصل، يستلزمها السياق، مثبتة من "شرح ابن بطال" 10/ 502.
فصل:
يدل على ذلك قوله: مجيبًا لربه قال: ("لم فعلت؟ قال: من خشيتك وأنت (تعلم) "
(1)
) فأخبر بالعلة التي لها فعل ما فعل.
ويدل على صحة هذا قول من روى قوله: "لعلي أضل الله"
(2)
ولعل في كلام العرب موضوعة لتوقع مخوف لا يقطع على كونه ولا على انتفائه.
ومعني قوله: ("لعلي أضل الله") لعلي أخفي عليه وأغيب، وكان الواجب في اللغة: لعلي أضل على الله، فحذف حرف الجر وذلك مشهور في اللغة؛ لقوله: أستغفر الله ذنبًا. أي: أستغفر من ذنب.
ومن كان خائفًا عند حضور أجله، جدير أن تختلف أحواله لفرط خوفه وينطق بما لا (يعتقده، ومن كان هكذا فغير جائز إخراجه من الإيمان الثابت له إذا لم)
(3)
يعتقد ما قاله دينًا وشرعًا، وإنما يكفر من اعتقده تعالى على خلاف ما هو، وقطع على أن ذلك هو الحق لو كفر من جهل بعض الصفات لكفر عامة الناس إذ لا يكاد يجد من يعلم منهم أحكام صفات ذاته، ولو اعترضت جميع العامة وكثيرًا من الخاصة وسألتهم: هل (له)
(4)
قدرة أو علم أو سمع أو بصر أو إرادة؟
(1)
كذا بالأصل، والذي في الروايات:(أعلم).
(2)
رواه أحمد 4/ 447، 5/ 3، والروياني في "مسنده" 2/ 113 - 114 (920)، 2/ 119 - 120 (934)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 1/ 165 (135) تحفة، والطبراني في "الكبير" 19/ 423 - 424 (1026 - 1029) من حديث معاوية بن حيدة القشيري، وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 195: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات
(3)
من (ص 1).
(4)
في (ص 1): لله.
وهل قدرته متعلقة بجميع ما يصلح كونه معلومًا لما عرفوا حقيقة ذلك؟ فلو حكم بالكفر على من جهل صفة من الصفات لوجب الحكم به على جميع العامة وأكثر الخاصة، وهذا محال.
والدليل على صحة قولنا حديث السوداء أنه عليه السلام قال لها: "أين الله؟! " قالت: في السماء. فقال: "من أنا؟ " فقالت: إنك رسول الله، فقال:"أعتقها فإنها مؤمنة"
(1)
فحكم لها بالإيمان، ولم يسألها عن صفات الله وأسمائه، ولو كان علم ذلك شرطًا في الإيمان لسألها عنه، كما سألها عن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر بن الخطاب وغيره رسول صلى الله عليه وسلم -عن القدر، فقالوا: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل لأمر مستأنف أم لأمر قد سبق؟ فقال: " (بل)
(2)
لأمر قد سبق" قال: ففيم يعمل العاملون؟ فقال: "اعملوا فكل ميسرلما خلق له"
(3)
وأعلمهم أن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم
(4)
ومعلوم أنهم كانوا قبل سؤاله مؤمنين ولا يسع مسلمًا أن يقول غير ذلك فيهم، وإن كان لا يسعهم جهل القدرة، وقدم العلم لعلمهم ذلك مع شهادة التوحيد لعله عمودًا سادسًا للإسلام.
(1)
رواه أبو داود (3284) من حديث أبي هريرة، وفيه ضعف، ورواه مسلم (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي، لكن ليس فيه أنها جارية سوداء.
(2)
من (ص 1).
(3)
رواه الترمذي (311) من حديث عمر بن الخطاب، وسيأتي برقم (7551)، ورواه مسلم (2649) كتاب: القدر، باب: كيفية الخلق الأدمي في بطن أمه
…
من حديث عمران بن حصين.
(4)
رواه أبو داود (4699) وانظر: "السلسلة الصحيحة"(2439).
فصل:
قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ("قال رجل لم يعمل خيرًا قط") وقال بعده: "فقال ربه علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به"، وروي أنه لم يعمل حسنة إلا التوحيد
(1)
، وفي "مسند الجوهري": أن هذا ذكر عن بني إسرائيل.
فصل:
وقوله: "لم يبتئر" قد سلف أنه بالراء وبالزاي، وأن قتادة فسره بقوله: لم يدخر، وكذا هو في اللغة.
قال الجوهري: البئيرة على فعيلة الذخيرة وقد بأرت الشيء وأبأرته: ادخرته
(2)
والزاي ليست معروفة في اللغة كما قال ابن التين قال: وروي يبتئن بالنون ويأتبر ليس لهما أيضًا أصل في اللغة.
وقوله في حديث أبي سعيد: "فاسحكوني". هو من السحك، وأورده ابن التين بلفظ:"فاسهكوني"، وقال: هو من السهك، كما أبدلت القاف من الكاف في الكافور والقافور.
قال أبو سليمان: وروي: "فاسحكوني"
(3)
، ومعناه: أبردوني (بالمسحك)
(4)
"وهوالمبرد
(5)
، وفي "الصحاح": سحكت الشيء سحقته
(6)
.
(1)
رواه أحمد 1/ 398، من حديث ابن مسعود موقوفًا عليه، وأورده الهيثمي في "المجمع" 10/ 194 وقال: إسناده حسن، وصححه الألباني في "الصحيحة"(3048).
(2)
"الصحاح" 2/ 583 مادة: (بأر).
(3)
كذا بالأصل، وفي "الأعلام":(اسحلوني).
(4)
كذا بالأصل، وفي "الأعلام":(بالمسحل).
(5)
"أعلام الحديث" 4/ 2348.
(6)
"الصحاح" 5/ 1727.
وقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "واذروا نصفه في البر ونصفه في البحر" هو ثلاثي من قوله: {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45]. أي: تفرقه، ووقع هنا رباعيًّا في قوله:"ففعلوا ثم أذروه". هو في اللغة ثلاثي كما وقع في القرآن، قال ابن التين: ورويناه بفتح الهمزة (حيث)
(1)
ما وقع هنا.
فصل:
قد سلف الكلام على قوله: ("لئن قدر الله علي") قال ابن فورك وغيره: معنى ("قدر")، للتقدير أي: إن كان قدر وحكم عليّ بالعقوبة فإنه يعاقبني
(2)
، وإنما روي بالتشديد.
وقيل معناه: ضيق عليَّ وناقشني حسابًا مثل: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7]. أي: ضيق، وهذا إحراقه نفسه، ثم إن الله تعالى تفضل عليه وغفر له بخشيته إياه، وهذا يدل أنه كان مقرًّا بالله موحدًا له، وقد سلف، وذكر أن الشيخ أبا عمران قال: قد يحتمل أن يكون هذا الرجل ظن أن من أحرق حتى يصير رمادًا، وذري في البحر لا يبعث، أو لعله لم يبلغه عن أحد من الرسل علم (هذا)
(3)
قيل: ولعل أبا عمران يريد أنه كان عالمًا بفعله وجود الله واستحقاقه أن يعبد وخفي عليه علم وجوب إعادة جميع الموتى؛ لأن طريق علم الله السمع.
وقيل: إنما غفر له، وإن كان ما قاله كفرًا ممن (يعقل)
(4)
؛ لأنه قاله حالة لا يعقل، وقد غلب عليه الجزع من عذاب الله تعالى على ما سلف
(1)
في هامش الأصل: لعله حسب.
(2)
"مشكل الحديث" ص 319 - 320.
(3)
في الأصل: (ذلك هذا).
(4)
في الأصل: (لا يعقل).
من ذنوبه، وعارضه بعضهم فقال: لأن قوله: "من خشيتك" يدل أنه قصد لفعل ذلك.
وقالت المعتزلة: إنما غفر له من أجل توبته التي تابها؛ لأن الله تعالى واجب عليه -عندهم- قبول التوبة من جهة العقل، وأبو الحسن الأشعري شيخ أهل السنة يقطع بقبولها من جهة السمع، ويقول: إن الله سبحانه وعد التائب في كتابه بقبولها، وسواه من أهل السنة يجوز قبولها كسائر الطاعات، فعلى هذا يجوز أن (يكون)
(1)
الله سبحانه غفر له بتفضله عليه بقبول توبته، وقالت المرجئة: إنما غفر له بأصل توحيده الذي لا يضر معه معصية.
فصل:
وقوله: ("فما تلافاه أن رحمه") أي: تداركه، يقال: تلافيت الشيء: تداركته.
فصل:
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور قبل حديث أبي سعيد رضي الله عنه في مواقعة الذنب مرة بعد مرة ثم استغفر ربه فغفر له.
فيه دليل على أن العصر في (مشيئة)
(2)
الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، مُعْلنًا بخشيته التي جاء بها، وهي اعتقاده أن له ربًا خالقًا يعذبه ويغفر له، واستغفاره إياه على ذلك يدل على ذلك قوله تعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] ولا حسنة أعظم من التوحيد والإقرار بوجوده، والتضرع إليه في المغفرة.
(1)
من (ص 1).
(2)
في الأصل: (معصية)، والمثبت من (ص 1).
فصل:
فإن قلت: إن استغفار ربه توبة منه ولم يكن مصرًّا.
قيل له: ليس الاستغفار أكثر من طلب غفرانه تعالى، وقد يطلب الغفران المصر والتائب، ولا دليل في الحديث على أنه قد تاب مما سأل (الغفران)
(1)
منه؛ لأن حد التوبة الرجوع عن الذنب، والعزم أن لا يعود إلى مثله، والإقلاع عنها، والاستغفار لا يفهم منه ذلك.
(1)
في الأصل: (العذاب)، والمثبت من (ص 1).
36 - باب كَلَامِ الرَّبِّ عز وجل يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ الأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ
7509 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ شُفِّعْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، أَدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ. فَيَدْخُلُونَ، ثُمَّ أَقُولُ: أَدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ» . فَقَالَ أَنَسٌ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 44 - مسلم: 13 - فتح: 13/ 473]
7510 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ العَنَزِيُّ قَالَ اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ، فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّي الضُّحَى، فَاسْتَأْذَنَّا، فَأَذِنَ لَنَا وَهْوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا لِثَابِتٍ: لَا تَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ. فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ هَؤُلَاءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ جَاءُوكَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ. فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللهِ. فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيُقَالُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ منْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ
بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيُقَالُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ -أَوْ: خَرْدَلَةٍ- مِنْ إِيمَانٍ. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي. فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ. فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ».
فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهْوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ [فَحَدَّثَنَا] بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: هِيهِ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا المَوْضِعِ فَقَالَ: هِيهِ، فَقُلْنَا: لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا. فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهْوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا. قُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا. فَضَحِكَ وَقَالَ: خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولاً، مَا ذَكَرْتُهُ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ، حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ قَالَ:«ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ» . [انظر: 44 - مسلم: 193 - فتح: 13/ 473].
7511 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ آخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْوًا، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ. فَيَقُولُ: رَبِّ، الجَنَّةُ مَلأَى. فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْهِ: الجَنَّةُ مَلأَى. فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ
مِرَارٍ». [انظر: 6571 - مسلم: 186 - فتح: 13/ 474].
7512 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» . قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ:«وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» . [انظر: 1413 - مسلم: 1016 - فتح: 13/ 474].
7513 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ جَعَلَ اللهُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلَائِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ. فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} " إِلَى قَوْلِهِ: {يُشْرِكُون} "[الزمر: 67]. [انظر: 4811 - مسلم: 2786 - فتح: 13/ 474].
7514 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: «يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ» .
وَقَالَ آدَمُ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
ذكر فيه عدة أحاديث:
حديث حميد عن أنس رضي الله عنه في الشفاعة مختصرًا، وفيه:"مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ". فَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَصَابِعِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثم ساقه مطولاً.
وحديث عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ آَخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ". الحديث، وقد سلف
(1)
.
وحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: "مَا منكم مِنْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ" الحديث.
ذكره من حديث الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ، ثم قال: قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ مِثْلَهُ، بزيادة:"وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". الحديث.
وحديث عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ جَعَلَ اللهُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ. الحديث، وقد سلف
(2)
.
وحديث صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِز، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ فِي النَّجْوي؟ فقَالَ: لا يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حتى يَضَعَ عَلَيْهِ كنَفَهُ فَيَقُولُ: أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ الحديث.
ساقه عن مُسَدَّد، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَالَةَ، عَنْ صفوان به.
ثم قال: وَقَالَ آدمُ: ثَنَا شَيْبَانُ، ثَنَا قَتَادةُ، ثَنَا صَفْوَانُ، عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
برقم (6571).
(2)
برقم (4811).
الشرح:
قد قدمنا إثبات كلام الرب جل جلاله مع الملائكة المشاهدة له، وأثبت في هذا الباب كلامه مع النبيين يوم القيامة بخلاف ما حرمهم إياه في الدنيا لحجابه الأبصار عن رؤيته فيها، فرفع في الآخرة ذلك الحجاب عن أبصارهم، ويكلمهم على حال المشاهدة، كما قال عليه السلام:"ليس بينه وبينه ترجمان".
وجميع أحاديث الباب فيها كلام الرب جل جلاله مع عباده، ففي حديث الشفاعة قوله لمحمد صلى الله عليه وسلم:("أخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان") إلى قوله: ("وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال: لاإلله إلا الله") فهذا كلامه لرسوله بدليل قوله: ("فأستأذن على ربي") وفي بعض طرق الحديث: "فإذا رأيته أخر له ساجدًا"
(1)
.
وكذلك قوله في حديث: آخر من يدخل الجنة، قوله تعالى له:("ادخل الجنة، فيقول: رب الجنة ملأى) إلى قوله: ("لك مثل الدنيا عشر مرات")، فأثبت بذلك كلامه تعالى مع غير الأنبياء مشافهة ونظرهم إليه، وكذلك حديث النجوى يدنيه الله تعالى من رحمته وكرامته، ويقول له:"سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" على الانفراد عن الناس.
وقد أوضحنا الكلام في النجوي في كتاب الأدب، في باب ستر المؤمن على نفسه، فراجعه.
(1)
سلف برقم (6565) كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة، بلفظ "فإذا رأيته وقعتُ ساجدًا".
فصل:
قوله: ("إذا كان يوم القيامة شفعت، فقلت: يا رب، أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة") فيه (كلام للأنبياء)
(1)
معه لا كلامه هو.
وقوله: ("ثم أدخل الجنة من كان في قلبه أدني شيء") كذا هو في الأصول وعزاه ابن التين إلى رواية أبي ذر، وصدر أولاً بقوله: ثم نقول: "أدخل الجنة" قال: ورويناه بالنون ولم نعلم من رواه بالياء قال: فإن كان روي بالياء فيكون الحديث مطابقًا للتبويب ثم يقول الله، وتخرج معارضة أبي جعفر الداودي أن القائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -أعني الداودي: وقوله: (يقول النبي) ليس في أكثر الروايات إنما فيها أن الله تعالى أمره أن يخرج من كان في قلبه، وزاد هنا:"أدنى شيء".
وقول أنس رضي الله عنه: كأني انظر إلى أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني بقوله: أدني شيء، وكأنه يضم أصابعه ويشير بها.
فصل:
وقوله في الحديث المطول، أعني معبد بن هلال العنزي قال:(اجتمعنا ناس من أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهبنا معنا بثابت إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة فإذا هو في قصره).
فيه: أن يقدم الرجل الذي هو من خاصة العالم يسأله.
وفيه: إباحة القصور لمن كثرت ذريته.
وقوله: ("إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض") أي: اختلطوا، ومنه: ماج البحر: اختلطت أمواجه، وهذا اللفظ مزيد في هذا
(1)
في الأصل: (كلامه للأنبياء)، والمثبت من (ص 1).
الحديث، وقال هنا:"لست لها"، وفي موضع آخر:"لست هناكم"
(1)
، وأسقط هنا ذكر نوح وزاد فأقول:"أنا لها"، وزاد هنا فيقول:"يا رب أمتي أمتي" وليس (هو)
(2)
في أكثر الروايات، قال الداودي: ولا أراه محفوظًا؛ لأن الخلائق اجتمعوا واستشفعوا ولو كانت هذِه الأمة لم تذهب إلى غير نبيها، وأول هذا الحديث ليس متصلًا بآخره من قوله:"اشفع تشفع"، مع ذكر أكثر أمور (الآخرة)
(3)
، وإنما أتى فيه بأول الأمر وآخره، بقي فيه: لتذهب كل أمة مع من كانت تعبد
(4)
. وبقي حديث النجوى، وحديث: يؤتي بجهنم
(5)
، وحديث ذكر الموازين والصراط وسائر الصحف، والخصام بين يدي الرب جل جلاله، وأكثر أمور يوم القيامة هي فيما بين أول هذا الحديث وآخره، وزاد:"فأقول: يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله"
وقوله: (لو مررنا بالحسن وهو متوارٍ) أي: مستتر.
وقوله: (هيه) هي كلمة استزادة للكلام، عن صاحب "العين"
(6)
، قال ابن التين: قرأناه بكسر الهاء من غير تنوين، ومعناه: زد من هذا الحديث، والهاء بدل من الهمزة كما أبدلت في هراق وأصله أراق.
وقال الجوهري عن ابن السري: إذا قلت: إيه يا رجل - يريد بكسر الهاء غير منونة- فإنما تأمره أن يزيدك من الحديث المعهود، كأنك
(1)
سلف برقم (4476، 6565، 7410).
(2)
من (ص 1).
(3)
في (ص 1): القيامة.
(4)
سلف بنحوه برقم (4581)، ورواه مسلم (183) من حديث أبي سعيد الخدري.
(5)
سيأتي برقم (7440).
(6)
"العين" 4/ 103.
قلت: هاتِ الحديث، وإن نونت كأنك، قلت: هات حديثًا لأن التنوين (بكسرها)
(1)
أسكته قلت: إيْهًا عنَّا، وإذا أردت (التفسير)
(2)
قلت: أيهًا بفتح الهمزة بمعنى هيهات
(3)
.
وأما قول ذي الرمة:
وقمنا فقلنا إيه عن أم سالم
…
وما نال تكليم الديار البلاقع
فإنه أراد إذًا التنكير فتركه للضرورة، وقيل: إنما تركه (لأنه)
(4)
نوى الوقف. وقوله: (وهو جميع)(أي: مجتمع)
(5)
أراد أنه كان حينئذٍ شابًّا، قال الجوهري: الرجل المجتمع الذي بلغ أشده، ولا يقال ذلك للأنثى
(6)
.
وقوله: (منذ عشرين سنة)، مذ ومنذ يصح أن يكونا (حرفا)
(7)
جر، ويصح أن يكونا اسمين؛ فيرفع ما بعدهما على التاريخ أو على التوقيت، تقول في التاريخ: ما رأيته منذ يوم الجمعة، أي: أول انقطاع الرؤية يوم الجمعة، وفي التوقيت: ما رأيته مذ سنة، أي: أمد ذلك سنة، وناس يقولون: منذ في الأصل كلمتان: مِنْ إذْ، جعلناها واحدة، ولا دليل على صحة ذلك، كما قاله في "الصحاح"
(8)
.
(1)
كذا صورتها بالأصل، وفي "الصحاح" 6/ 2226:(تنكير).
(2)
كذا بالأصل، وفي "الصحاح":(التبعيد).
(3)
"الصحاح" 6/ 2226.
(4)
في الأصل: (لا)، والمثبت من (ص 1).
(5)
من (ص 1).
(6)
"الصحاح" 3/ 1198. مادة (جمع).
(7)
كذا بالأصل، وورد بهامشه: صوابه: (حرفي).
(8)
"الصحاح" 2/ 570 - 571، مادة (منذ).
فصل:
قوله: ("رجل يخرج حبوًا"). قال الجوهري: حبا الصبي على ركبتيه إذا زحف
(1)
وليس هذِه الكلمة في أكثر الأحاديث، ورويناه منونًا على أنه مصدر.
فصل:
وقوله: ("وينظر أشأم منه") أي: أيسر وهو ذات الشمال، وقوله:(ثم يهزهن) هي بيده. أي: يحركن بيده، يقال: هزهزه أي حركه، فهزهز.
وروي: (فيهزهن) أي: يحركهن، والنواجذ بين الناب والضرس، قاله ابن فارس. قال: وقيل: الأضراس كلها نواجذ
(2)
.
وقال الهروي: اختلف فيها، فقال الأصمعي: هي الأضراس، وقال غيره: هي المضاحك، قال أبو العباس: الأنياب أحسن ما قيل في النواجذ؛ لأن الخبر أنه عليه السلام كان جل ضحكه التبسم
(3)
.
وفي "الصحاح": الناجذ آخر الأضراس قال: وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الأرحاء ويسمى ضرس الحلم؛ لأنه ينبت (بعد)
(4)
البلوغ وكمال العقل
(5)
.
(1)
"الصحاح" 6/ 2307 مادة: (حبا).
(2)
"مقاييس اللغة" ص 976 مادة: (نجذ).
(3)
سبق برقم (6092) كتاب: الأدب، باب: التبسم والضحك، من حديث عائشة قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قط ضاحكًا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم.
(4)
من (ص 1).
(5)
"الصحاح" 2/ 571 مادة (نجذ).
وقوله: (فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه تعجبًا وتصديقًا لقوله). يعني: قول الحبر. قال الخطابي: قوله: (تصديقًا لقوله) هو ظن وحسبان، وقد روي هذا الخبر عن غير واحد من أصحاب عبد الله من غير طريق عبيدة، فلم يذكروا فيه (تصديقًا) لقول الحبر، قال: والضحك يدل على الرضا وعلى الإنكار أحرى، والآية محتملة الوجهين ليس فيها للأصبع ذكر، وقد ثبت قوله عليه السلام: "لاتصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بما أنزل الله من
كتاب"
(1)
.
والاستدلال بالتبسم والضحك في مثل هذا الأمر الجسيم غير سائغ مع تكافؤ وجهي الدلالة المتعارضين فيه، ولو صح الخبر لكان ظاهر اللفظ منه متأولًا على نوع المجاز وضرب من المثل قد جرت عادة الكلام بين الناس في عرف تخاطبهم، فيكون المعنى ذلك مثل {مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] أي: قدرته على طيها وسهولة الأمر في جمعها، بمنزلة من جمع شيئًا في كله فاستخف حمله، فلم يشتمل عليه، بجميع كفه عليه لكنه نقل ببعض أصابعه، وقد يقول الإنسان في الأمر الشاق إذا أضيف إلى القوة أنه يأتي عليه بأصبع، أو أنه نقله بخنصره.
ويؤيد ما ذهبنا إليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "يقبض الله الأرض ويطوي السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك"
(2)
وليس فيه ذكر الأصبع، وتقسيم الخليقة على أعدادها، ودل أن ذلك من تخليط اليهود
(1)
سبق برقم (4485) كتاب: التفسير، باب {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ} .
(2)
سبق برقم (4812) كتاب: التفسير، باب:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} .
وتحريفهم، وأن ضحكه عليه السلام إنما كان على معنى التعجب له والنكير، وقيل: الأصبع خلق من خلق الله تعالى
(1)
.
فصل:
ومعنى: ("يدنو أحدكم من ربه") أي: يقرب من رحمته، وهذا سائغ في اللغة أن يقال: إن فلانًا قريب من فلان، ويراد به قريب المنزلة، وعلا هذا يقال: الله قريب من أوليائه، بعيد من أعدائه
(2)
، ويدل على ذلك قوله:"فيضع كنفه عليه" لأن لفظ الكنف إنما يستعمل في مثل هذا المعنى، ومن رواه كتفه (بالتاء)
(3)
فهو تصحيف من الراوي كما نبه عليه جمع من العلماء.
(1)
انتهى من "أعلام الحديث" 3/ 1900.
وليعلم أن صفة اليدين واليمين والإصبع من الصفات الثابتة للرب جل جلاله، ومذهب أهل السنة في إثباتها أنها على حقيقتها وعلى ظاهر لفظها، كما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ولا حاجة لنا إلى التأويل، فهي ثابتة له سبحانه على الوجه اللائق به.
ولينظر تعليقنا ص 209، 191، 186.
(2)
ساق شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 4/ 184 - 185 جملة من أحاديث الصفات، منها هذا الحديث، فقال: وقوله: (يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه). إلى غيرها من الأحاديث هالتنا أو لم تهلنا، بلغتنا أو لم تبلغنا، اعتقادنا فيها، وفي الآي الواردة في الصفات: أنا نقبلها ولا نحرفها ولا نكيفها ولا نعطلها ولا نتأولها، وعلى العقول لا نحملها، وبصفات الخلق لا نشبهها ولا نعمل رأينا وفكرنا فيها، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، بل نؤمن بها ونكل علمها إلى عالمها كما فعل ذلك السلف الصالح، وهم القدوة لنا في كل علم. اهـ
(3)
من (ص 1).
37 - باب قَوْلِ الله تعالىِ: {وكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]
7515 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الذِي أَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الجَنَّةِ. قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» . [انظر: 3409 - مسلم: 2652 - فتح: 13/ 477].
7516 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ الْمَلَائِكَةَ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا. فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ. فَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ التِي أَصَابَ» . [انظر: 44 - مسلم: 193 - فتح: 13/ 477]
7517 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهْوَ نَائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ. فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ، فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلاَّهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ -يَعْنِي: عُرُوقَ حَلْقِهِ-
ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِي مُحَمَّدٌ. قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلاً. فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، لَا يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللهُ بِهِ فِي الأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ وَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً بِابْنِي، نِعْمَ الاِبْنُ أَنْتَ. فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدَانِ، فَقَالَ:"مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ ".
قَالَ: هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا. ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ. ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَتِ المَلَائِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الأُولَى: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلاً. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الخَامِسَةِ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى [السَّمَاءِ] السَّادِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. كلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ، فَأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ فِي الخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلَامِ اللهِ، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ. ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَدَنَا الجَبَّارُ رَبُّ العِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى اللهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ قَالَ: "عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ
ذَلِكَ فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ. فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ
يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ: أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ. فَعَلَا بِهِ إِلَى الجَبَّارِ فَقَالَ وَهْوَ مَكَانَهُ "يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَنَّا، فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا". فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا، فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الخَامِسَةِ فَقَالَ:"يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا".
فَقَالَ الجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: "لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ". قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَى، كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ -قَالَ- فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهْيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهْيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ. فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: "خَفَّفَ عَنَّا أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا".
قَالَ مُوسَى: قَدْ وَاللهِ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا مُوسَى، قَدْ وَاللهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ". قَالَ: فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللهِ. قَالَ: وَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ. [انظر: 3570 - مسلم: 162 - فتح: 13/ 478].
ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى .. ". الحديث.
وقد سلف في ذكر الأنبياء في باب: وفاة موسى عليه السلام
(1)
.
(1)
سلف برقم (3409) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: وفاة موسى وذكره بعدُ.
ثم ذكر حديث قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "يَجْتمَعُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَي رَبِّنَا .. ". الحديث.
وحديثه أيضًا في الإسراء مطولاً، وقد بوب البخاري لحديث أنس رضي الله عنه في كتاب الأنبياء، باب: كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه
(1)
.
وبوب له في تفسير القرآن، باب: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}
(2)
الآية [الإسراء: 60].
استدل البخاري على إثبات كلام الله تعالى وإثباته متكلمًا بقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] وأجمع أهل السنة على أن الله عز وجل كلم موسى بلا واسطة ولا ترجمان، وأفهمه معاني كلامه وأسمعه إياها، إذ الكلام مما يصح سماعه، فإن قال قائل من المعتزلة أو من غيرهم: فإذا سمع موسى كلام الله بلا واسطة فلا يخلو أن يكون من جنس الكلام المسموع المعهود فيما بيننا، أو لا يكون من جنسن الكلام المسموع المعهود فيما بيننا. قال: فإن كان من جنسه فقد وجب أن يكون محدثًا ككلام المحدثين، وإن لم يكن من جنسه، فكيف السبيل إلى إسماعه إياه وفهم معانيه؟
فالجواب: أنه لو لزم من حيث سمعه منه تعالى وفهم معانيه أن يكون كسائر المحدثين قياسًا عليه؛ للزم أن يكون تعالى بكونه فاعلًا وقادرًا وعالمًا وحيًّا ومريدًا، وسائر صفاته من جنس جميع الموصوفين بهذِه الصفات فيما بيننا، فإن قالوا: نعم. خرجوا من التوحيد، وإن أبوا نقضوا دليلهم واعتمادهم على قياس الغائب على حكم الشاهد.
(1)
سلف برقم (3570) كتاب: المناقب.
(2)
سلف برقم (4716) كتاب: التفسير، باب: وما جعلنا الرؤيا.
ثم يقال لهم: لو وجب أن يكون كلامه من جنس كلام المخلوقين، من حيث اشترك كلامه تعالى وكلامهم في إدراكهما بالأسماع لوجب إذا كان الباري تعالى موجودًا وشيئًا أن يكون من جنس الموجودات وسائر الأشياء المشاهدة لنا، فإن لم يجب هذا لم يجب ما عارضوا به.
وقد ثبت أنه تعالى قادر على أن يعلمنا اضطرار كل شيء يصح أن يعلمناه استدلالًا ونظرًا، وإذا كان ذلك كذلك فواجب أن يكون تعالى قادرًا على أن يعلم موسى معاني كلامه -الذي لا يشبه كلام المخلوقين، الخارج عن كونه حروفًا متضمنة وأصواتًا مقطعة اضطرارًا- وينتخب له دليلًا إذا نظر فيه أداه إلى العلم بمعاني كلامه، وإذا كان قادرًا على الوجهين جميعًا زالت شبهة المعتزلة.
وقال ابن التين: اختلف المتكلمون في سماع كلام الله تعالى، فقال الشيخ أبو الحسن: كلام الله القائم بذاته الذي ليس بحرف ولا صوت يسمع عند تلاوة كل تالٍ، وقراءة كل قارئ. والقاضي يقول: لا يسمع وإنما تسمع التلاوة دون المتلو والقراءة دون المقروء.
ويحمل قوله تعالى {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} [التوبة: 6] على أنه مجاز، والمعنى: حتى يسمع تلاوة كلام الله وقراءته، والطائفة الأولى تحمل ذلك على الحقيقة، ويقولون: الفرق بيننا وبين موسى وبين نبينا عليهما السلام أنَّا نحن نسمع كلام الله بواسطة الكلام، وذلك سامعه بلا واسطة. والقاضي يقول: مخالفة كلام الله لكلام الخلق أشد من اختلاف الأصوات التي ندركها، فلما لم ندرك ذلك دل عليها بطلان مقالة من ادعى أنه مسموع، وأن المسموع التلاوة والقراءة دون المتلو والمقروء.
فصل:
قال المهلب: في إفهام الله تعالى موسى من كلامه ما لا عهد له بمثله بتنوير قلبه له، وشرحه لقبوله، لا يخلو أن يكون ما أفهم الله سليمان من كلام الطير ومنطقها هو مثل كلام سليمان، أولا يشبه كلامه، فإن كان يشبه كلام سليمان وبني جنسه فلا وجه لاختصاص سليمان وداود بتعليمه دون بني جنسه، ولا معنى لفخره عليه السلام بالخاصة وامتداحه بقوله:{عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} إلى قوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16] أن يكون منطق الطير الذي فهمه سليمان وآله وبني جنسه، فقد أفهمه الله ما لم يفهمه غيره من كلام الهدهد، وكلام النملة التي تبسم صلى الله عليه وسلم ضاحكًا من قولها؛ لفهمه عنها ما لم يفهمه غيره منها.
فصل:
وإنما ذكر حديث أبي هريرة
(1)
في الشفاعة مختصرًا لما في الحديث الطويل من قول إبراهيم: "ولكن ائتوا موسى عبدًا اتاه الله التوراة وكلمه تكليمًا"، وكذلك حديث أنس في الإسراء: فوجد موسى في السماء السابعة، بتفضيل كلامه عز وجل.
وهذا يدل على أن الله تعالى لم يكلم من الأنبياء إلا موسى، بخلاف ما زعم الأشعريون، ذكروا عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن مسعود رضي الله عنه أن الله كلم محمدًا بقوله:{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)}
(1)
في هامش الأصل: صوابه أنس. وهو الصواب؛ لأن حديث أبي هريرة في المحاجة وحديث أنس في الشفاعة
قلت: ولعل الذي أوقعه في ذلك نقله من "شرح ابن بطال" أو ممن نقل من "شرح ابن بطال" ففيه 10/ 509 قال: وإنما ذكر حديث أبي هريرة.
[النجم: 10] وأنه رأى ربه عز وجل وأعظمت
(1)
فرية من افترى فيه على الله
(2)
، وقد أسلفناه مع رده.
فصل:
وأما قول موسى عليه السلام إذ على جبريل بمحمد صلى الله عليه وسلم: ("يا رب لم أظن أن ترفع على أحدًا")، فأعلم الله موسى أن الله لم يكلم أحدًا من البشر في الدنيا غيره، إذ بذلك استحق أن يرفع إلى السماء السابعة، وفهم من قول الله:{إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ على النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144] أنه أراد البشر كلهم، ولم يعلمه، والله تعالى أعلم أن الله تعالى فضل محمدًا عليه بما أعطاه من الوسيلة والدعوة المقبولة منه، شفاعته لأمته من شدة موقفهم يوم الحشر حين أحجم الأنبياء عن الوسيلة إلى ربهم لشدة غضبه تعالى وفضله بالإسعاف بالمقام المحمود الذي وعده في كتابه، فبهذا رفع الله محمدًا (فوق)
(3)
موسى - عليهما أفضل الصلاة والسلام -.
فصل:
وقوله: ("فحج آدم موسى"). أي: غلبه بالحجة، قال الداودي: إنما حجه في قوله: "أخرجت ذريتك من الجنة" ليس في الذنب، وقال أبو عبد الملك: ظاهر الحديث أن لا لوم في المعاصي؛ لأنه قد تيب عليه، فكيف تلومني على ذلك وأنت تعلم أن من تيب عليه لا يلام، فلا لوم عليه، قال: وقوله: "أخرجت ذريتك من الجنة"
(1)
في هامش الأصل: لعله سقط: عائشة رضي الله عنها.
(2)
سبق برقم (3234) كتاب: بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم: آمين.
(3)
في (ص 1): على.
أي: فعلت ما أخرجك فتناسلوا منه بعد خروجك، وقول آدم:("أتلومني على أمر قدر عليَّ قبل أن أخلق") يريد: قدر الله أن أسكن الأرض ويكون مني فيها الولد.
وقيل: إن آدم إنما جاوبه عند قوله: "أخرجت الناس من الجنة"، وهو معنى قوله:("أتلومني على أمر قدر الله قبل أن أخلق") فاحتج أنه خلق ليسكن الأرض.
فصل:
حديث أنس رضي الله عنه سلف الكلام عليه، وقول شريك أنه قال:(سمعت أنس بن مالك يقول: ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟) يدل أنه عليه السلام كان معه غيره.
وقوله: (فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى) من الليلتين سبع أو ثمان أو تسع أو عشر، أقوالٌ، والصلاة فرضت قبل الهجرة بثلاث سنين أو سنتين أو سنة، أقوال.
واختلف فيما أقام بمكة بعد أن أوحي إليه، هل هو عشر أو ثلاث عشرة؟ كما سلف، وهذا الحديث يدل أن شق بطنه قبل أن يوحى إليه، وتُكُلِّم في شريك بسببه، فإنه كان وهو غلام أو عندما نبيء وقيل: إنه كان نبئ، وقد أسلفنا ذلك مبسوطًا، وقوله:(فلم يرهم) يدل أنه أول ما نبئ؛ لأن جبريل لم ينقطع عند كل كلمة.
فصل:
وقوله: (حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء عليهم السلام تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم) وقال
الداودي: إنه يريد في بعض الأوقات؛ بدليل حديث الوادي قال: وقيل: إنما يدرك بقلبه وعيناه مغلقتان، فلا يدرك الوقت كذلك؛ لأنه إنما يدرك بحاسة البصر.
وقوله (ما بين نحره إلى لبته). قال الداودي: إلى عانته؛ لأن اللبة: العانة، قال ابن التين: وهو الأشبه. والتور: إناء يشرب فيه، قاله الجوهري
(1)
.
وقال: (فحشا صدره ولغاديده) يعني: عروق حلقه، وفي "الصحاح": هي اللحمات التي بين الحنك وصفحة العنق، واحدها: لغدود
(2)
.
فصل:
وقوله: "مرحبًا وأهلًا" أي: أتيت سعة ورأيت أهلاً، فاستأنس ولا تستوحش.
وقوله: (بنهرين يطردان) أي: يجريان فالنيل ينزل ماؤه إلى أرض السودان، فيجري إلى مصر، فإذا الخريف فنزل الغيث زاد، فكانت الزيادة التي يريد.
وقوله: (عنصرهما). أي: أصلهما، بضم الصاد وفتحها، والزبرجد هو بفتح الجيم:(جوهر)
(3)
معروف.
وقوله: (مسك أذفر) أي: زكي الرائحة، وكذلك إذا أنتن يقال: أذفر أيضًا؛ لأن الذفر كل ريح زكية من طيب أو نتن.
(1)
"الصحاح" 2/ 602.
(2)
"الصحاح" 2/ 535.
(3)
من (ص 1).
وقوله: (هذا الكوثر) ويروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه
(1)
، وروي عنه عليه السلام أنه قال: "دخلت الجنة فإذا أنابنهر حافتاه خيام (اللؤلؤ)
(2)
فضربت يدي في مجرى مائه فإذا مسك أذفر، فقال جبريل: هذا الكوثر الذي أعطاه"
(3)
. والكوثر في اللغة: فوعل من الكثرة
(4)
.
فصل:
وقوله: (كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فأوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله). ذكره في الثانية إدريس وهمٌ، إنما هو في الرابعة، روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى:{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57] قال: السماء الرابعة
(5)
.
وروي عن هلال بن يساف قال: كنا عند كعب الأحبار إذ أقبل ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: هذا ابن عم نبيكم، فوسعنا له، فقال:
(1)
رواه الطبري في "التفسير" 12/ 717 (38149).
(2)
في (ص 1): (الكوثر).
(3)
رواه أحمد 3/ 103، والنسائي في "الكبرى" 6/ 523 - 524 (11706)، والطبري في "تفسيره" 12/ 720 (38172)، والحاكم 1/ 79 - 80 كلهم من طرق عن حميد الطويل، عن أنس، به. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وقال: ولم يخرجاه بهذا اللفظ. اهـ
قلت: والحديث سبق بنحوه برقم (6571) كتاب: الرقاق، باب: في الحوض، من طريق قتادة، عن أنس.
(4)
"الصحاح" 2/ 803.
(5)
رواه الطبري في "التفسير" 8/ 353 (33774).
يا كعب، ما معنى:{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} ؟ فقال كعب: كان لإدريس صديق من الملائكة، فأوحي الله إليه: إني أرفع لك كل يوم مثل عمل أهل الأرض، فقال إدريس للملك: كلم لي ملك الموت حتى يؤخر قبض روحي، فحمله الملك تحت طرف جناحه، فلما بلغ السماء الرابعة لقي ملك الموت فكلمه، فقال: أين هو؟ فقال: ها هو ذا، فقال: من العجيب! إني أمرت أن أقبض روحه في السماء الرابعة! فقبضها هناك
(1)
.
قال الداودي: واتفقت الأخبار كلها أن إدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، واختلفت في إبراهيم وموسى، فقيل: إبراهيم في السابعة وموسى في السادسة. وقيل عكسه وعيسى ويحيى في الثانية، ويوسف في الثالثة. وجاء حديث بذلك أخرجه ابن وهب عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن أنس، فذكر حديث الإسراء: فوجد آدم في السماء الدنيا، وفي الثانية عيسى ويحيى بن زكريا -ابني الخالة- وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
فصل:
وقوله: (فدنا الجبار) أي: قربت رحمته وعطفه وفضله لا دنو مسافة ونُقلةِ، لاستحالة الحركة والنقلة على الله تعالى، إذ لا تحويه الأمكنة؛ لأنه من صفات المحدث، وليس هذا في أكثر الروايات
(2)
.
(1)
رواه الطبري في "التفسير" 8/ 352 (23768).
(2)
مذهب أهل السنة هو ثبات صفات الله سبحانه وتعالى كما جاءت في القرآن، والسنة بلا تعطيل، ولا تشبيه، ولا تكييف. كما سبق بيانه، وانظر التعليق ص 225.
فصل:
وقوله: (حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى)، وقالت عائشة رضي الله عنها: إنما كان قاب قوسين من جبريل عليه السلام
(1)
.
وبه جزم ابن بطال فقال: هو جبريل الذي تدلي فكان من الله أو من مقداره على مقدار ذلك، عن الحسن:{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)} إلى جبريل
(2)
وكتب القلم حتى سمع محمد صلى الله عليه وسلم صريفه في كتابه، وبلغ جبريل محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو عند سدرة المنتهى، قيل: إليها تنتهي أرواح الشهداء.
{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} قال ابن عباس: رأى محمد ربه بقلبه
(3)
.
وعن ابن مسعود: رأى جبريل
(4)
.
وهو قول عائشة رضي الله عنها -كما سلف- وقتادة.
وقال الحسن: ما رأى من مقدور الله (وملكوته)
(5)
.
{فَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)} هو محمد رأى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها، له سبعمائه جناح رفرفًا أخضر سد ما بين الخافقين ولم يره قط في صورته التي هو عليها إلا مرتين، وإنما يراه في صورة كان يتشكل عليها من صورة الآدميين، وأكثرها صورة دحية الكلبي، وفي قوله:{أفَتُمَارُونَهُ} دليل على أن العيان أكبر أسباب العلم ولا يتمارى
(1)
سبق برقم (3235) كتاب: بدء الخلق، وانظر "تفسير الطبري" 11/ 508.
(2)
رواه الطبري في "التفسير" 11/ 509 (32455).
(3)
رواه الطبري في "التفسير" 11/ 510 (32459).
(4)
رواه الطبري في "التفسير" 11/ 513 (32480 - 32481).
(5)
في الأصل: (ماكونه)، والمثبت من (ص 1).
فيه، ولذلك قال عليه السلام:"ليس الخبر كالمعاينة"
(1)
.
فصل:
إن قلت: ما وجه الحكمة في لقاء الشارع الأنبياء في السموات دون عليين، والأنبياء مقرهم في ساحة الجنة ورياضها تحت العرش، ومن دونهم من العرش هناك، فما وجه لقائهم في سماء سماء؟ قلت: وجهه أنهم تلقوه كما يتلقى القادم، يتسابق (الناس)
(2)
إليه على قدر سرورهم بلقائه
(3)
.
فصل:
قوله: (فرفعه -يعني: جبريل- عند الخامسة) قال: الداودي: رفعه بعد الخامسة ليس بثابت، والذي في الروايات:"أستحيي من ربي فنودي: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وجعلت الخمسة بعشر أمثالها"
(4)
.
وقوله: (ارجع إلى ربك فليخفف عنك) أيضًا، كذا وقع هنا بعد أن قال:(لا يبدل القول لدي) قال الداودي: هي لا تثبت؛ لأن الروايات تواطأت على خلافه، وما كان موسى ليأمره بالرجوع بعد أن قال الله لنبيه:(لا يبدل القول لدي) ولم يرجع بعد الخمس.
(1)
رواه أحمد 1/ 215، وابن حبان في "صحيحه" 14/ 96 (6213) والطبراني في "الأوسط" 1/ 12 (25) كلهم من حديث ابن عباس وقد تقدم تخريجه باستفاضة.
(2)
من (ص 1).
(3)
"شرح ابن بطال" 10/ 510 - 511
(4)
سلف بنحوه برقم (3887) كتاب: مناقب الأنصار، باب: المعراج، ورواه أحمد 4/ 207 - 208.
فصل:
وقوله: قال: (فاهبط باسم الله). قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام.
ادعى الداودي أن الذي قال له: (اهبط باسم الله) جبريل، وظاهر ما في الكتاب خلافه، قال: وقوله: (فاستيقظ) أي: فارقه الوحي، وما كان يأخذه عند الوحي؛ لاشتغاله بالوحي وعظمته في نفسه وثقله عليه.
فصل:
وقوله: (وهو في المسجد الحرام) قد أسلفنا اختلاف الناس في مسراه، هل كان بجسده ونفسه أو بروحه دون جسمه؟ وروي الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما، والضحاك، وسعيد بن جبير، وقتادة، صابر وإبراهيم ومسروق، ومجاهد، وعكرمة.
ثم قالت طائفة منهم: إنه صلى بالأنبياء ببيت المقدس ثم عرج به إلى السماء، فأوحى الله تعالى إليه وفرض عليه الصلاة، ثم رجع إلى المسجد الحرام من ليلته فصل به صلاة الصبح. روى ذلك الطبري في حديث الإسراء عن أنس رضي الله عنه
(1)
.
ذكر من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صلي عليه السلام ببيت المقدس، ولم يذكر أنه صلى خلفه أحد
(2)
.
وقالت أخرى منهم، أنه يدخله، ولم يصل فيه، ولم ينزل عن البراق حتى رجع إلى مكة، روي ذلك عن حذيفة، قال في قوله: {سُبْحَانَ الذِي
(1)
رواه الطبري في "التفسير" 8/ 5 (22018).
(2)
رواه الطبري في "التفسير" 8/ 12 (22023).
أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]. قال: لم يصل فيه، ولو صلى (فيه)
(1)
لكتبت عليكم الصلاة كما كتبت الصلاة عليكم عند الكعبة
(2)
.
وروي القول الثاني -أعني أن الإسراء كان بروحه دون جسده عن عائشة ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم والحسن البصري
(3)
، وذكر ابن فورك عن الحسن قال: عرج بروح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجسده في الأرض، وهو اختيار ابن إسحاق.
حجة الأولين ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، وليست رؤيا منام. رواه ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، عنه
(4)
قالوا: (ولو)
(5)
أسري بروحه فقط وكان الإسراء منامًا لما أنكرت ذلك قريش من قوله؛ لأنهم (كانوا)
(6)
لا ينكرون الرؤيا، ولا ينكرون أن أحدًا يرى في المنام ما هو على مسيرة سنة، فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل.
ومن حجة الذين قالوا: إنه بالروح فقط، قول أنس رضي الله عنه في حديث الإسراء، قال:(حين أسري به جاءه ثلاثة نفر وهو نائم في المسجد الحرام). وذكر الحديث إلى قوله: (ثم أتوه في ليلة أخرى فيما يرى
(1)
من (ص 1).
(2)
رواه الطبري في "التفسير" 8/ 15 (22030).
(3)
رواه عنهم الطبري في "التفسير" 8/ 16 (22032 - 22034).
(4)
سبق برقم (4716) في التفسير، باب {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} .
(5)
في الأصل: (ولم) والمثبت من (ص 1) وهو الصواب.
(6)
من (ص 1).
قلبه وتنام (عينه
(1)
). الحديث، فذكر النوم في أول الحديث، وقال في آخره:(فاستيقظ وهو في المسجد الحرام).
وهذا بين لا إشكال فيه، وإلى هذا ذهب البخاري، وكذلك ترجم له في كتاب الأنبياء وتفسير القرآن ما ذكرته في صدر هذا الباب، قال ابن إسحاق: وأخبرني بعض آل أبي بكر الصديق أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أسري بروحه.
قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عينية بن المغيرة أن معاوية بن أبي سفيان
(2)
إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت رؤيا من الله صادقة. قال ابن إسحاق: فلم ينكر ذلك من قولها؛ لقول الحسن البصري أن هذِه الآية نزلت في ذلك يعني: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} ، ولقوله عز وجل عن إبراهيم إذ قال لابنه:{يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُك} [الصافات: 102].
ثم مضى على ذلك، فعرف أن الوحي من الله يأتي الأنبياء أيقاظًا ومنامًا، قال ابن إسحاق: وكان عليه السلام يقول: "تنام عيني وقلبي يقظان"
(3)
. فالله أعلم أي ذلك كان، فقد جاءه وعاين فيه ما عاين من أمر الله على أي (حالته)
(4)
كان نائمًا أو يقظان، كل ذلك حق وصدق، وذكر ابن فورك في "مشكل القرآن"، قال: كان عليه السلام ليلة الإسراء في بيت أم هانئ بنت أبي طالب، والله أعلم.
(1)
في: (ص 1): (عيناه).
(2)
ورد في هامش الأصل: لعله سقط: (كان).
(3)
سبق برقم (3569) كتاب المناقب، باب: كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه، من حديث عائشة بلفظ "تنام عيني ولا ينام قلبي".
(4)
في (ص 1): حالة.
واحتج أهل هذِه المقالة، فقالوا: ما اعتل به من قال: إن الإسراء لو كان في المنام لما أنكرته قريش؛ لأنهم كانوا لا ينكرون الرؤيا؛ فلا حجة فيه. لأن قريشًا كانت تكذب العيان، وترد شهادة الله الذي هو أكبر شهادة عليهم بذلك، إذ قال عنهم حين انشق القمر:{وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)} [القمر: 2].
فأخبر عنهم (أنهم)
(1)
يكذبون ما يرون عيانًا، ولذلك قال (لهم)
(2)
: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ} [الحجر: 14]، وقال عنهم أنهم قالوا:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} إلى (قوله)
(3)
: {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} ثم قال بعد ما تمنوه: {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: 90 - 93]، وقال:{وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا} إلى قوله: {لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 109]: فأخبر تعالى أنه (يكيد)
(4)
عقولهم وأبصارهم حتى ينكروا العيان القاطع للارتياب، ومثله قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ} الآية [الأنعام: 111].
وإنما كان إنكار قريش؛ لقوله: "أسري بي الليلة إلى بيت المقدس" حرصًا منهم على التشنيع عليه وإثارة اسم الكذب عليه عند العامة المهولة بمثل هذا التشنيع؛ فلم يسألوه: في اليقظة كان ذلك الإسراء أو منامًا؟ وأقبلوا على التقريع عليه وتعظيم قوله، وهذا غير معدوم من تشنيعهم، ألا تري تكذيبهم مثل وقعة بدر لرؤيا عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول
(1)
الأصل: (أنه) والمثبت من (ص 1) وهو الصواب.
(2)
في (ص 1): عنهم.
(3)
من (ص 1).
(4)
بياض بالأصل، والمثبت من (ص 1).
الله صلى الله عليه وسلم، إذ قالت: رأيت كأن صخرة انحدرت من أبي قبيس فانفلقت، فما تركت دارًا بمكة إلا دخلت منها فلقة، فلما رأوا قبح تأويلها عليهم قالوا: يا بني عبد المطلب، ما أهل بيت في العرب أكذب منكم، أما كفاكم أن تدعو النبوة في رجالكم حتى جعلتم منكم نبية، فشنعوا رؤياها
(1)
، وأخبروا عنها بالنفي طمعًا في إثارة العامة عليهم، فكذلك كان قولهم في (الإسراء)
(2)
.
فصل:
قال الخطابي: ليس في هذا الكتاب حديث (أشبع)
(3)
ظاهرًا من هذا الحديث، قال: ولذلك سردته كاملًا في كتابي ليعتبر الناظر أوله بآخره، فلا يشكل عليه -بإذن الله- معناه وذلك أنه ذكر في أول الحديث: جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فيما يرى قلبه. وقال في آخره: فاستيقظ (ورؤيا)
(4)
الرؤيا أمثلة تضرب لتتأول على الوجه الذي يجب أن يصرف إليه معنى التعبير في مثله، وبعضها كالمشاهدة والعيان.
ثم القصة بطولها إنما هي حكايته يحكيها أنس من تلقاء نفسه لم يعزها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا رواها عنه، ولا أضافها إلى قوله، فحاصل الأمر في الذكر، وإطلاق اللفظ على الوجه الذي قد تضمنه
(1)
رواه الطبراني 24/ 344 - 348، والحاكم 3/ 19، وسكت عنه وتعقبه الذَّهبي فقال: حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبَّاس ضعيف. وقال الهيثمي في "المجمع" 6/ 70 فيه عبد العزيز بن عُمران وهو متروك.
(2)
في (ص 1): (مسراه).
(3)
كذا بالأصل، وفي "الأعلام" 4/ 2352:(أشنع).
(4)
كذا بالأصل، وفي "الأعلام":(وبعض).
الخبر أنه روي إما من أنس وإما من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر، فإنه كثير التفرد بمناكير الألفاظ في مثل هذِه الأحاديث إذا رواها من حيث لا يتابعه عليها سائر الرواة، وأيهما صح القول عنه، وأضيف إليه، فقد خالفه فيه عامة السلف المتقدمين وأهل السنة منهم ومن المتأخرين. والذي قيل في الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الذي دنا جبريل من محمد. أي: تقرب، وهو على التقديم والتأخير، أي: تدلى فدنى، وذلك أن التدلي سبب للدنو. وقيل: تدلى له جبريل بعد الانتصاب والارتفاع كما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، متدليًا كما رآه، وكان ذلك من آيات قدرة الله حين أقدره على أن يتدلى في الهواء من غير اعتماد على شيء ولا يمسك بشيء.
وقيل: دنا جبريل وتدلى محمد ساجدًا لربه شكرًا على ما أناله من كرامته، ولم يثبت فيه شيء مما روي عن السلف أن التدلي مضاف إلى الله تعالى عن صفات المخلوقين.
قال: وروي هذا الحديث عن أنس من غير طريق شريك بن عبد الله، فلم يذكر هذِه الألفاظ السبعة؛ فإن ذلك مما يقوي الظن أنها صادرة من قبل شريك.
قال: وفي هذا الحديث (لفظة)
(1)
أخرى تفرد بها شريك أيضًا لا يذكرها غيره، وهي قوله:(وهو مكانه). والمكان لا يضاف إلى الله، إنما هو مكان الشيء في مقامه الأول الذي يقيم فيه
(2)
.
(1)
(ص 1).
(2)
انتهى كلام الخطابي في "أعلام الحديث" 4/ 2352 - 2355.
38 - باب كَلَامِ الرَّبِّ عز وجل مَعَ أَهْلِ الجَنَّةِ
7518 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ يَا أَهْلَ الجَنَّةِ: فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا» . [انظر: 6549 - مسلم: 2829، 2859 - فتح: 13/ 487].
7519 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ «أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ: أَوَ لَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ. فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ». فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا تَجِدُ هَذَا إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 2348 - فتح: 13/ 478].
ذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ". الحديث.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ:"إنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ: أَوَ لَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى". الحديث.
الشرح:
قد تقدم كلام الرب جل جلاله مع الأنبياء والملائكة، وفي هذا الحديث إثبات كلام الله تعالى مع أهل الجنة، (بقوله)
(1)
: ("إن الله تعالى يقول .. ") الحديث. فإن قال قائل: إن في هذا الحديث ما يدل على وهنه وسقوطه، وهو قوله:("أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا")؛ لأن فيه ما يوهم أن له أن يسخط على من صار في الجنة.
وقد نطق القرآن بخلاف ذلك، قال تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185]، وقال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام: 82]، وأنهم خالدون في الجنة أبدًا، فكيف يحل عليهم رضوانه، وقد أوجبه لأهل الجنة بقوله:{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهم} [البينة: 8]، فيقال له: لما ثبت أن الله تفضل للعباد، وأخرجهم من العدم إلى الوجود، وأنعم عليهم بخلق الحياة وإدامة الصحة (والالتذاذ)
(2)
بنعمه وكان له تعالى ألا يخرجهم ويبقيهم على العدم، ثم لما خلقهم كان له ألا يخلقهم أحياء (متلذذين)
(3)
، وأن لا يديم لهم الصحة.
فكان تعالى في مجازاة المحسنين، وإنجاز ما وعدهم من إحسانه متفضلًا عليهم، ولم يجب عليه تعالى لأحد شيء يلزمه، إذ ليس فوقه تعالى مَن شرع له شرعًا وألزمه حكمًا، وللمتفضل أن يتفضل وألا يتفضل، كما أن له أن يُتعبد عبادة بلا جزاء ولا شكور
(1)
في (ص 1): لقوله.
(2)
في (ص 1): الاستلذاذ.
(3)
في الأصل: (ملتذين)، والمثبت من (ص 1).
(تسخيرًا)
(1)
كسائر المخلوقات، وله أن يجازي مدة بمدة، ومدة العمل في الدنيا متناهية، فيقطع ما تفضل به من المجازاة على ما تفضل به عليهم من العمل والمعونة، وعلموا أن آدم عليه السلام كُلّف في الجنة باجتناب أكل الشجرة، فجاز عليه التكليف وجواز المعصية، فزاد الله سرورهم بأن آمنهم ما كان له أنْ يفعله فيهم، وَرَفَعه عنهم بالرضوان عنهم، وإسقاط التكليف لهم، وعصمهم من جواز المعصية عليهم، فلو عَبَدَ اللهَ العبدُ ألف سنة بعد تقدمِ أمرِهِ إليه، بذلك لَمَا وَجَبَ له عليه جزاءً على عِبَادَةٍ.
فكيف يجب له ثوابٌ وأقل نعمة من نعمه تستغرق جميعَ أفعاله التي يقرب بها إليه، فحلول رضوانه عليهم أَنْعم لنفوسهم من كل ما خَوّلهم في جناته تعالى فسقط اعتراضهم وصَحّ معنى الحديث.
فصل:
وأدخل حديث (الزارع)
(2)
في الجنة (لتكليم)
(3)
الله له، وقوله:("دونك يا ابن آدم؛ فإنه لا يشبعك شيء") فإن ظن من لم ينعم النظر أن قوله: ("لا يشبعك شيء") معارض لقوله تعالى: {أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)} [طه: 118] فليس كما ظَنّ؛ لأن نفي الشبع لا يوجبُ الجوعَ؛ لأن بينهما واسطة الكفاية والشبع، وأكل أهل الجنة لا عن جوعٍ أصلاً؛ لنفي الله الجوع عنهم.
واخْتُلف في الشبع فيها، والصواب (أنه)
(4)
لا يشبع؛ لأنه لو كان
(1)
في (ص 1): سخرًا.
(2)
في (ص 1): الزرع.
(3)
في (ص 1): لتكلم.
(4)
في (ص 1): أن.
فيها لمنع طول الأكل المستلذ منها مدة الشبع، وإنما أراد بقوله:("لا يشبعك شيء"): ذم ترك القناعة بما كان فيه وطلب الزيادة، أي: لا تشبع عينك ولا نفسك شيء.
فصل:
قال الداودي: قوله: (في)
(1)
: استحصاد الزرع أي: يحصد بنفسه. وقوله: "وتكويره". يعني: اجتماعه كما تجمع الأندر، وهذا قليل في قدرة الله تعالى، قال: وقوله: (لا تجد هذا إلا قرشيًّا) وهم؛ لأنه لم يكن لأكثرهم زرع
(2)
، قلت: وفيه معه ذكر الأنصار -كما سلف- وهم أصحاب زرع.
(1)
من (ص 1).
(2)
عقب الحافظ في "الفتح" 13/ 488 عليه بقوله: وتعليله يرد على نفيه المطلق فإذا ثبت أن لبعضهم زرعًا صدق قوله أن الزارع المذكور منهم.
39 - باب ذِكْرِ اللهِ بِالأَمْرِ وَذِكْرِ العِبَادِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالرِّسَالَةِ وَالإِبْلَاغِ
لِقَوْلِهِ عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} إلى قوله: {مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72]، {غُمَّةٌ} [يونس: 71]: هَمٌّ وَضِيقٌ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: {اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس: 71] مَا فِي أَنْفُسِكُمْ، يُقَالُ: افْرُقِ: اقْضِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} [التوبة: 6] إِنْسَانٌ يَأْتِيهِ فَيَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَهْوَ آمِنٌ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَيَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ، وَحَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ حَيْثُ جَاءَهُ. {النَّبَأُ الْعَظِيمُ} [النبأ: 2]: القُرْآنُ {صَوَابًا} [النبأ: 38] حَقًّا فِي الدُّنْيَا وَعَمَلٌ بِهِ. [فتح: 13/ 489].
الشرح:
معنى قوله: (باب ذكر الله بالأمر) أي: ذكر الله لعباده يكون مع أمره لهم بعبادته (والتزام طاعته)
(1)
أو بعذابه إذا عصوه، ويكون مع رحمته وإنعامه عليهم إذا أطاعوه أو بعذابه إذا عصوه. قال ابن عباس في قوله تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]: إذا ذكر اللهَ العبدُ وهو على طاعته ذكره برحمته، وإذا ذكره على معصيته ذكره بلعنته، وعنه: ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره، لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمته، ولا كافر إلا ذكره بعذابه، قال سعيد بن جبير: اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة
(2)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
رواه الطبري في "التفسير" 2/ 40 (2318).
وقوله: (وذكر العباد بالدعاء والتضرع) أي: في الغفران والتفضل عليهم بالرزق والهداية.
وقوله: (والرسالة والإبلاع) معناه: وذكر الله الأنبياء بالرسالة والإبلاع لما أرسلهم به إلى عباده بما يأمرهم به من عبادته وينهاهم ..
وقوله: ({وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ})[يونس: 71] بهذا ذكر الله لرسوله نوحًا عليه السلام بما بلغ من أمره وتذكيره قومه بآيات الله عز وجل، وكذلك فرض على [كل]
(1)
نبي تبليغ كتابه وشريعته.
ولذلك ذكر قوله تعالى: ({وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ})[التوبة: 6] الذي أمر بتلاوته عليهم وإنبائهم به.
وقال مجاهد: {النَّبَإِ الْعَظِيم} : القرآن)
(2)
، وسمي نبأ؛ لأنه منبأ به وهو متلو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا ذكر في الباب هذِه الآية؛ من أجل أمر الله محمدًا عليه السلام بإجارة المشرك حتى يسمع الذكر.
وقوله: ({صَوَابًا}: حقًا)، (يريد قوله تعالى:{لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} )
(3)
يريد: وقال (حقًّا)
(4)
في الدنيا وعمل به فذلك الذي يؤذن له في الكلام بين يدي الله بالشفاعة لمن أذن له.
وكان يصلح أن يذكر في هذا الباب قوله عليه السلام عن ربه عز وجل: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه" أي: من ذكرني في نفسه متضرعًا (داعيًا)
(5)
ذكرته في نفسي
(1)
زيادة يقتضيها السياق، من "شرح ابن بطال" 10/ 519.
(2)
"تفسير مجاهد" 2/ 719.
(3)
من (ص 1).
(4)
في الأصل: صوابًا، والمثبت من (ص 1).
(5)
في (ص 1): راغبا.
مجيبًا مشفقًا، فإن ذكرني في ملأ من الناس بالدعاء والتضرع ذكرته في ملأ من الملائكة الذين هم أفضل من ملأ الناس -كما وقع في كتاب ابن بطال على ما نقله عن الجمهور- بالمغفرة والرحمة والهداية، يفسره قوله عليه السلام في حديث التنزل:"هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له، هل من تائب فأتوب عليه"
(1)
، هذا ذِكْرُ الله تعالى العباد بالنعم والإجابة لدعائهم
(2)
.
فصل:
اختلف في الأفضل من الذكر قيل: بالقلب أو باللسان، قاله الداودي. والصواب أن الذكر باللسان وقوله:"لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه" أعظمُ من ذكره بقلبه، ووقوفه عند السيئة فيذكر بلسانه -عندما يهم العبد بالسيئة- فيذكر مقام ربه فيكف.
فصل:
وقوله: ({وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} إلى قوله: {مِنَ الْمُسْلِمِينَ})[يونس: 72] معنى {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي} أي: كوني فيكم، وقوله:{وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ} . يعني: عظمة إياه من قوله: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} .
وقوله: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} ، قال الفراء:(أي)
(3)
وادعوا شركاءكم؛ لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، وإنما الإجماع للإعداد والعزيمة على الأمر، قال الشاعر:
ورأيت بعلك في الورى
…
متقلدًا سيفًا ورمحًا
(4)
(1)
حديث النزول سبق برقم (7494).
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 520.
(3)
من (ص 1).
(4)
"معاني القرآن" للفراء 1/ 473.
أي: وحاملًا رمحا؛ لأن الرمح لا يتقلد.
وقال المبرد: هو محمول على المعنى؛ لأن معنى الجمع والإجماع واحد
(1)
، وقال الشيخ أبو الحسن: المعنى مع شركائكم قال: وقول الفراء لا معنى له؛ لأنه يذهب إلى أن المعنى: وادعوا شركاءكم ليعينوكم، فإن معناه معنى مع، وإن كان يذهب إلى الدعاء فقط ولا معنى له لدعائهم لغير نبي، وقرأ الجحدري بوصل الألف وفتح الميم، وقرأ الحسن: فأجمعوا
(2)
، وهذا يدل أنهما لغتان بمعنى.
فصل:
وقوله: ({غُمَّةً} [يونس: 71]: هَمٌّ وضيق). قيل المعنى: ليكن أمركم ظاهرًا، يقال: القوم في غمة إذا غطي عليهم أمرهم والتبس، ومنه غمه (الهلال)
(3)
أي: غشيه ما غطاه، والغَمُّ من هذا إنما هو من أغشى القلب من الكرب وطبعه، وأصله مشتق من الغمامة.
وقوله: ({ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ}: ما في أنفسكم). أي: افعلوا ما بدا لكم، قال الكسائي: وتقرأ أفضوا بقطع الألف.
(1)
"الكامل" للمبرد 1/ 544.
(2)
"المحتسب" 1/ 314، وانظر "تفسير الطبري" 6/ 585 (17775).
(3)
في الأصل: الهلاك ولعله تحريف من الناسخ، وانظر:"فتح الباري" 13/ 490.
40 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 22]
وَقَوْلِهِ: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 9] وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] وقوله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ، إلى {الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 65 - 66]
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف: 106]{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ} [الزخرف: 87] وَ {مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [الزمر: 38] فَذَلِكَ إِيمَانُهُمْ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ. وَمَا ذُكِرَ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ العِبَادِ وَأَكْسَابِهِمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًاْ} [الفرقان: 2] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا (تَنَزَّلُ)
(1)
المَلَائِكَةُ إِلاَّ بِالْحَقِّ: بِالرِّسَالَةِ وَالْعَذَابِ {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8]: الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ، {وَإِنَّا لَهُ لحَافِظُونَ}: عِنْدَنَا {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} الْقُرْآنُ [الزمر: 33]: {وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33] الْمُؤْمِنُ، يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: هَذَا الذِي أَعْطَيْتَنِي، عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ.
7520 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ» . قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: «ثُمَّ
(1)
كذا بالأصل وفي اليونينية: (تنزل).
أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ
(1)
؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» . [انظر: 4477 - مسلم: 86 - فتح: 13/ 491].
ثم ساق حديث عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ". الحديث، وقد سلف غير مرة.
غرضه في هذا الباب إثبات الأفعال كلها لله عز وجل كانت من المخلوقين خيرًا أو شرًّا فهي لله عز وجل خلق وللعباد كسب
(2)
ولا ينسب شيء إلى غير الله فيكون شريكًا له وندًا مساويًا (له)
(3)
في نسبة القول إليه ونبه الله تعالى عباده على ذلك بقوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] أنه الخالق لكم ولأفعالكم وأرزاقكم ردًا على من زعم من القدرية أنه يخلق أفعاله فمن علم أن الله خلق كل شيء فقدره تقديرًا، فلا ينسب شيئًا من الخلق إلى غيره، فلهذا ذكر هذِه الآيات في نفي الأنداد والآلهة المدعوة معه، فمنها ما حذر به المؤمنين، ومنها ما وبخ به الكافرين الضالين، ثم أثنى على المؤمنين بقوله:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] كما يدعو عبدةُ الأوثانِ الأوثانَ لترزقهم وتعافيهم، وهي لا تملك لهم ضرًا ولا نفعًا.
(1)
في الأصل: أيّ.
(2)
إن فعل العبد فعل له حقيقة، ولكنه مخلوق لله تعالى، ومفعول لله، ليس هو نفس فعل الله، ففرق بين الفعل والمفعول، والخلق والمخلوق، وإلى هذا المعنى أشار الطحاوي بقوله: وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد.
فأثبت للعباد فعلًا وكسبًا، وأضاف الخلق إلى الله تعالى، والكسب هو الفعل الذي يعود على فاعله منه نفع أو ضرر، كما قال تعالى:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]. انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز ص 448.
(3)
من (ص 1).
وقوله: (أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك")، معناه: رَزَقَكَ بدليل قوله: "ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"، كيف تقتله وقد خلق رزقه فلا يأكل من رزقك شيئًا؟ فمن خلقك وخلقه ورزقك ورزقه أحق بالعبادة من الند الذي اتخذت معه شريكًا. ثم (لِمَ)
(1)
تزاني حليلة جارك، وقد خلق لك زوجة فتقطع بالزنا الرحم والنسب، وقاطع الأرحام تسبب إلى قطع الرحمة من الله والتراحم بين الناس، ألا ترى غضب القبائل لبني عمها من أجل الرحم، وأن الغدر وخسيس الفعل منسوب إلى أولاد الزنا؛ لانقطاع أرحامهم.
فصل:
وقتله ولده مخافة أن يطعم معه يعني الموءودة، وهي من أعظم الذنب.
والحليلة: الزوجة، والحليل: الزوج، ووقع في ابن التين أنه بالخاء المعجمة، وأن الشيخ أبا الحسن قال: الذي أعرفه بالمهملة، والخليلة: الصديقة. وجعل هذا من أعظم الزنا؛ لأن فيه خيانة الجار.
فصل:
قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] الخطاب له والمراد غيره، وقد ادعى نسخها بالآية الأخرى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} وقيل: هذِه ناسخة لها، من هذا المعنى اختلف إذا حج ثم ارتد ثم راجع الإسلام هل يلزمه حج لعموم {لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} أو يجزئه؟ وإنما يحبط لو مات كافرًا كما هو مفسر في الآية الأخرى)
(2)
{فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217] واختلف إذا
(1)
من (ص 1)
(2)
من (ص 1).
عقد على نفسه أيمانًا، ثم ارتد ثم راجع الإسلام هل هي منعقدة عليه أم لا، وهل تبطل ردته أخطاءه؟
فصل:
وقوله وما ذكر في خلق أفعال العباد وأكسابهم، قد علمت ما فيه، وللبخاري فيه مصنف سماه "خلق أفعال العباد"، والحاصل من مذهب الأشعري أن العباد لهم كسب في أفعالهم وأنهم لا يخترعون ولا يجبرون
(1)
.
ومذهب المعتزلة: أن العباد يخلقون أعمالهم بحسب قصدهم وإرادتهم.
ومذهب الجبرية: أن العبد مكره على الفعل مجبر عليه.
فإن قالوا: أخبرونا عن الصفة التي يكون الكسب عليها للمكتسب أهي متعلقة بقدرة كسبه وحده
(2)
، فيكون له مقدورًا لا يكون مقدورًا
(1)
من المعلوم أن الطوائف كلها متفقة على الكسب، ومختلفون في حقيقته كما قال ابن القيم في كتابه الماتع "شفاء العليل" فذكر قول القدرية ثم الجبرية.
ثم قال: وقال الأشعري في عامة كتبه: معنى الكسب أن يكون الفعل بقدرة محدثة، فمن وقع منه الفعل بقدرة قديمة فهو فاعل خالق، ومن وقع منه بقدرة محدثة فهو مكتسب.
وذكر شيخ الإسلام أن الأشعري جعل أفعال العباد فعلا لله، ولم يقل هي فعلهم -في المشهور عنه- إلا على وجه المجاز، بل قال: هي كسبهم، وفسر الكسب بأنه ما يحصل في محل القدرة المحدثة مقرونًا بها.
ثم قال: وأكثر الناس طعنوا في هذا الكلام، وقالوا: عجائب الكلام ثلاثة: طفرة النظام، وأحوال أبي. هاشم، وكسب الأشعري، وأُنشد في ذلك:
مما يقال ولا حقيقةَ تحتَهُ
…
معقولة تدنو إلى الأفهام
الكسب عند الأشعري والحال عند
…
البهشمي وطفرة النظام
انظر: "منهاج السنة" 1/ 459، "شفاء العليل" 1/ 389 - 392.
(2)
كذا في الأصول.
لله تعالى وحده فيكون تعالى هو المكتسب
(1)
(في الكسب)
(2)
وذلك يرد مذهبكم أنها مقدوره لله تعالى وللمكتسب، فيكونان شريكين في الكسب.
قال القاضي جوابًا عن هذا: صفة الكسب حاصلة بقدرة العبد فقط، فإن قالوا: جاء من هذا إثبات مقدور العبد غير مقدور لله تعالى، يقال لهم: هذا الإطلاق باطل؛ لأنه يوهم أن نفس الكسب وحدوثه ليس بمقدورٍ لله تعالى وذلك باطل؛ لأنه لا كسب للإنسان إلا والله تعالى قادر على إحداثه وإخراجه من العدم إلى الوجود، فكيف يسوغ مع ذلك أن يقال: مقدور العبد غير مقدورٍ لله تعالى، وليس هذا موضع بسط المسألة، ومحلها علم الأصول.
فصل:
ما ذكره في تفسير قوله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} هو أحد الأقوال. ثانيها: أن الذي جاء به جبريل وصدق به النبي عليهما السلام.
ثالثها: أن الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم وصدق به المؤمن وقيل: الصديق.
(1)
كذا هذِه الفقرة بالأصل ولعل فيها نقص أشكل المعنى أو تحريف. والله أعلم.
(2)
من (ص 1).
41 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} الآية [فصلت: 22]
7521
- حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ -أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ- كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا، وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا. وَقَالَ الآخَرُ إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} [فصلت: 22] الآيَةَ. [انظر: 4861 - مسلم: 2775 - فتح: 13/ 495].
ذكر فيه حديث أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ البَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ -أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ- كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ وقَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا، وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا. فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل:{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} الآية [فصلت: 22].
الشرح:
أبو معمر اسمه: عبد الله بن سخبرة
(1)
، اتفقا عليه، مات في ولاية عبيد الله بن زياد بالكوفة، ولأبيه سخبرة الأزدي
(2)
صحبة ورواية،
(1)
تقدمت ترجمته.
(2)
ورد بهامش الأصل: قال الذهبي في "تذهيبه" في سخبرة هذا: وليس بالأزدي وقد تبع في ذلك المزي وقد اعترضه الحافظ مغلطاي فقال: بل هو الأزدي وذكر ذلك عن جماعة من الحفاظ وعددهم في الرد والله أعلم. ["إكمال تهذيب الكمال" 5/ 212].
روى له الترمذي.
وغرض البخاري في الباب: إثبات السمع لله والعلم بثبات الكلام له من هذِه الآية ومن سائر الآيات في الأبواب المتقدمة.
وإذا ثبت أنه سميع فواجب كونه سامعًا بسمع كما أنه لما ثبت كونه عالمًا وجب كونه عالمًا بعلم خلافًا لمن أنكر صفات الله من المعتزلة، وقالوا: معنى وصفه بأنه سامع للمسموعات بمعنى وصفه أنه عالم بالمعلومات ولا سمع له ولا هو سامع حقيقة.
وهذه شناعة ورد لظواهر كتاب الله تعالى ولسنن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويوجب كون المخلوق أكمل أوصافًا من الخالق تعالى؛ لأن السامع ما يسمع الشيء ويعلمه حقيقة وكذلك البصير ما يرى الشيء ويعلمه حقيقة، فلو كان البارئ تعالى سامعًا لما يسمعه ويعلمه بمعنى أنه عالم فقط لكنا أكمل وصفًا منه تعالى حيث أدركنا الشيء من جهة السمع والعلم، وإدراكه من جهة العلم فقط، ومن أدرك الشيء من وجهين أولى بصفة الكمال من مدركه من وجه واحد، وهذا يوجب عليهم أن يكون خالقهم بصفة الأصم الذي يعلم الشيء ولا يسمعه، تعالى عن ذلك.
فصل:
وفي حديث الباب من الفقه: إثبات القياس الصحيح وإبطال الفاسد، ألا ترى أن الذي قال: يسمع إن جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا قد أخطأ في قياسه؛ لأنه شبه الله تعالى بخلقه الذين يسمعون الجهر ولا يسمعون السر، والذي قال: إن كان يسمع إن جهرنا فإنه يسمع إن أخفينا، أصاب في قياسه حين لم يشبه الله تعالى بالمخلوقين
ونُزه عن مماثلتهم، فإن قلت: فإن أصاب في قياسه فكيف جعله الشارع من جملة الذين شهد لهم بقلة الفقه؟ قيل له: لما لم يعتقد حقيقة ما قال وشك فيه، ولم يقطع على سمع الله بقوله: إن كان يسمع؛ لم يحكم له بالفقه وسوى بينهم في أنه قليل فقه قلوبهم.
فصل:
"كثيرة شحم بطونهم". ضبطناه بضم "كثيرة " وتنوين "شحم" ورفع "بطونهم"، وكذا "قليلةُ فقهٍ قلوبُهم".
وقال ابن التين: رويناه: "كثيرةٌ شحمُ"، وهو يجوز على المعنى أي: كثرت شحوم بطونهم، وأصوب من ذلك أن يرفع "كثيرةُ" بأنه خبر مبتدأ مقدم، والمبتدأ "بطونُهم" ويخفض شحمًا بالإضافة، "وقليلة فقه قلوبهم" على هذا.
فصل:
قوله: (ولا يسمع إن أخفينا) قال أبو عبيدة: هو من الأضداد يقال: خفي وأخفى إذا أظهر وإذا أسر، قال تعالى:{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] أي: أظهرها، وقيل المعنى: أكاد أزيل عنها خفاها، أي: غطاها.
قيل: أشكيته أي: أزلته عما يشكو قاله في "الصحاح"
(1)
.
(1)
"الصحاح"6/ 2329 - 2330.
42 - باب قَوْلِه تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]
و {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] وَقَوْلِهِ: {لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وَأَنَّ حَدَثَهُ لَا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ لِقَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشوري: 11].
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ»
7522 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللهِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ؟ [انظر: 2685 - فتح: 13/ 496].
7523 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمُ الذِي أَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِاللهِ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ اللهِ وَغَيَّرُوا فَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ، قَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ. لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلاً، أَوَ لَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ؟ فَلَا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلاً مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ. [انظر: 2685 فتح: 13/ 496].
(وقال ابن مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاة").
وهذا أسنده في الصلاة
(1)
.
ثم ذكر حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَاب عَنْ شيء وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللهِ أَقْرَبُ الكُتُبِ عَهْدًا باللهِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ؟
وفي لفظ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمُ الذِي أَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيكُمْ أَحْدَثُ الأَخْبَارِ باللهِ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللهُ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ اللهِ وَغَيَّرُوا فَكَتَبُوا بأَيْدِيهِمْ الكتب، وقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ. لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلاً، أوَ لَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ؟ فَلَا والله مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.
الشرح:
سلف حديث ابن عباس رضي الله عنهما والكلام عليه.
وغرض البخاري في الباب: الفرق بين وصف كلام الله بأنه مخلوق وبين وصفه بأنه محدث، فأحال وصفه بالخلق وأجاز وصفه بالحدث؛ اعتمادًا على قوله تعالى:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] وهذا القول لبعض المعتزلة ولبعض أهل الظاهر.
وهو خطأ من القول
(2)
؛ لأن الذكر الموصوف في الآية بالإحداث ليس هو نفس كلامه تعالى؛ لقيام الدليل على أن محدثًا أو مخلوقًا ومنشئًا (ومخترعًا)
(3)
ألفاظ مترادفة على معنى واحد، فماذا لم يجز
(1)
سبق برقم (1199) كتاب العمل في الصلاة، باب: ما ينهى من الكلام في الصلاة
(2)
إطلاق الخطأ المحض على هذِه المسألة ليس بصواب؛ بل فيها تفصيل يخالف بعض ما ذكره المصنف فيما بعد، وقد تقدم الكلام عليه.
(3)
من (ص 1).
وصف كلامه تعالى القائم بذاته بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث، وإذا كان ذلك كذلك كان الذكر الموصوف في الآية بأنه محدث راجعًا بأنه الرسول عليه السلام؛ لأنه قد سماه الله تعالى ذكرًا في آية أخرى، فقال تعالى:{قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا} [الطلاق: 10، 11]، فسماه ذكرًا في هذِه الآية، فيكون المعنى: ما يأتيهم رسول، ويحتمل أن يكون الذكر هنا هو وعظ الرسول عليه السلام وتحذيره إياهم من المعاصي؛ فسمي وعظه ذكرًا، وأضافه إليه تعالى إذ هو فاعل له ومقدر رسوله على اكتسابه.
وقال بعض المتكلمين في هذِه الآية: إن مرجع الإحداث إلى الإتيان لا إلى الذكر القديم؛ لأن نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شيئًا بعد شيء فكان يحدث نزوله حينًا بعد حين، ألا ترى أن العالم (يعلم)
(1)
ما لا يعلمه الجاهل فإذا علمه الجاهل، حدث عنه الحكم، ولم يكن إحداثه عند المتعلم إحداث عين (العلم)
(2)
.
وقد ظهر بما قررناه الرد على من ادعي خلق القرآن حيث قالوا: المحدث هو المخلوق، وقد قررناه أن الذكر (في القرآن)
(3)
منصرف إلى الرسول، وينصرف أيضًا إلى العلم، ومنه: قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] وإلى العظمة، ومنه {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} [ص: 1] أي: العظمة، وإلى الصلاة ومنه:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة: 9] وإلى الشرف ومنه: {وَإِنَّهُ
(1)
في الأصل: لم يعلم.
(2)
في (ص 1): المعلم.
(3)
من (ص 1).
لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44]
(1)
فإذا كان الذكر ينصرف إلى هذِه الوجوه وها كلها محدثة كان حمله على أحدها أولى؛ ولأنه لم يقل سبحانه: ما يأتيهم من ذكر من ربهم [إلا كان محدثًا]
(2)
، ونحن لا ننكر أن يكون من الذكر ما هو محدث كما قلنا، وقيل: محدث عندهم و (من) زائدة للتوكيد في قوله: {مِنْ ذِكْرٍ} .
وقال الداودي: الذكر في الآية: القرآن، قال: وهو محدث عندنا، وهو من صفاته تعالى لأنه لم يزل سبحانه وتعالى بجميع صفاته وهذا منه قول عظيم والاستدلال الذي استدل به يرد عليه؛ لأنه إذا كان (لم يزل)
(3)
بجميع صفاته وهو تعالى قديم، فكيف تكون صفته محدثه وهو لم يزل بها إلا أن يريد أن المحدث غير المخلوق، وهو ظاهر قول البخاري؛ لقوله وأنَّ حَدَثَه لا يشبه حدث المخلوقين، فأثبت أنه محدث.
والدليل على أنه غير مخلوق أنه لو كان مخلوقًا لم يخل أن يكون تعالى خلقه في نفسه أو غيره أولا في مكان، فيستحيل أن يكون خلقه لا في مكان، ولئلا يكون ذلك إلى قيام الصفات بأنفسها وذلك محال، كان كان خلقه في غيره وجب أن يكون ذلك الغير هو المتكلم (به)
(4)
دون الله تعالى؛ لأن المتكلم (هو)
(5)
من وُجِدَ الكلام منه دون
(1)
قيل للإمام أحمد: قال الله عز وجل: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} . أفيكون محدثًا إلا مخلوقًا؟ فقال: قال تعالى: ص والقران ذي الذكر. فالذكر هو القرآن وتلك ليس فيه ألف ولا لام.
انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" 2/ 47.
(2)
في الأصل: (محدث)، والمثبت من "الفتح" 13/ 498، وهو المناسب للسياق.
(3)
من (ص 1).
(4)
من (ص 1).
(5)
من (ص 1).
من فعله
(1)
.
فصل:
قد أسلفنا تفسير قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] مرفوعًا أنه يغفر ذنبا ويكشف كربًا ويجيب داعيًا، وعن ابن عباس رضي الله عنه: لله لوح محفوظ ينظر فيه كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة
(2)
وذكر الحديث، وقال عمرو بن ميمون: من شأنه أن يميت حيًّا ويقر في
(1)
سبق أن قررنا أن الكلام صفة ثابتة لله عز وجل، وهي صفة ذاتية باعتبار جنس الكلام، فعلية باعتبار آحاده فالله تعالى يتكلم كيف شاء، متي شاء، بما شاء، لمن شاء. وانظر التعليق المتقدم ص 380، 186.
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 592 (33013)، وأبو الشيخ في "العظمة" 2/ 492 - 493، والحاكم 2/ 475، 516 من طريق أبي حمزة الثمالي عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال أيضًا: صحيح الإسناد فإن أبا حمزة الثمالي لم ينقم عليه إلا الغلو في مذهبه فقط.
وقال الذهبي: اسم أبي حمزة ثابت، وهو واه بمرة.
ورواه الطبراني 10/ 260، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 325 - 326، والضياء في "المختارة"10/ 71 من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 191: رواه الطبراني من طريقين ورجال هذِه ثقات. وقال الألباني في تعليقه على "شرح الطحاوية": إسناده يحتمل التحسين؛ فإن رجاله كلهم ثقات غير بكير بن شهاب وهو الكوفي، قال فيه أبو حاتم: شيخ. ورواه أبو نعيم في "الحلية" 4/ 305 من طريق عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه، عن ابن عباس مرفوعًا.
قال أبو نعيم: غريب من حديث سعيد وابنه عبد الملك، لم نكتبه إلا من هذا الوجه.
ورواه أبو الشيخ في "العظمة" 2/ 496 من طريق أبي حمزة عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعًا.
الأرحام ما يشاء ويعز ذليلًا ويذل عزيزًا، وقيل: لله في كل يوم ثلاث عساكر: عسكر يخرج من الأصلاب إلى الأرحام، وعسكر يخرج من الأرحام إلى الدنيا، وعسكر يخرج من الدنيا إلى القبور.
43 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16]
وَفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ عز وجل: أَنَا مَعَ عَبْدِي إذا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ» .
7524 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16] قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ -فَقَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أُحَرِّكُهُمَا لَكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَرِّكُهُمَا. فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا. فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ- فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} [القيامة: 16 - 17] قَالَ: جَمْعُهُ فِي صَدْرِكَ، ثُمَّ تَقْرَؤُهُ. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18}) [القيامة: 18] قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -كَمَا أَقْرَأَهُ. [انظر: 5 - مسلم: 448 - فتح: 13/ 499].
وهذا أخرجه الطبراني عن محمد بن على الصائغ: ثنا سعيد بن منصور: ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عنه
(1)
.
(1)
لم أقف عليه بهذا الإسناد، ورواه ابن ماجه (3792)، والبخاري في "خلق أفعال العباد"(344)، وابن حبان (815) والبغوي في "معالم التنزيل" 1/ 168، و"شرح السنة" 5/ 13 من طريق الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي هريرة مرفوعًا.
قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه"(1257): إسناد حسن، محمد بن مصعب القرقسائي قال فيه صالح بن محمد: ضعيف في الأوزاعي روى عن الأوزاعي غير =
ثم ساق حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في قَوْلِهِ عز وجل: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} [القيامة: 16] قَالَ: كَانَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً. الحديث بطوله.
وقد سلف أوائل الصحيح، وتفسير ابن عباس رضي الله عنهما للآية قيل: هو أحسن ما قيل فيها، وقال قتادة:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} تأليفه، {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} أي: حلاله وحرامه، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} بيناه {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} أي: اعمل به،
= حديث كلها مناكير وليس لها أصول. انتهى. لكن لم ينفرد به محمد بن مصعب فقد رواه ابن حبان في "صحيحه" من طريق أيوب بن سويد عن الأوزاعي به. قلت: وأيوب بن سويد ضعيف أيضًا اهـ.
وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه"(3059): صحيح.
ورواه ابن المبارك في "الزهد"(956)، والبخاري في "خلق أفعال العباد"(344)، وأحمد في "المسند" 2/ 540، والطبراني في "مسند الشاميين" 1/ 320 (562)، والبيهقي في "الشعب" 1/ 391 (510) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله، عن كريمة، عن أبي هريرة مرفوعًا.
ورواه البيهقي في "الشعب" 1/ 391 (509) من طريق ربيعة بن يزيد عن إسماعيل عن كريمة عن أبي هريرة مرفوعًا.
قال البيهقي: روايتهما -أي ابن جابر وربيعة- أصح من رواية الأوزاعي.
ورواه الطبراني في "الأوسط" 6/ 363 (6621)، والمزي في "التهذيب" 35/ 293 من طريق محمد بن مهاجر عن إسماعيل عن كريمة عن أبي هريرة مرفوعًا.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ابن المهاجر إلا أبو توبة اهـ.
وقال المزي في "التهذيب" 35/ 293: صحيح اهـ.
ورواه الحاكم 1/ 496، وذكره المزي في "التحفة" 11/ 109 من طريق الأوزاعي عن إسماعيل عن أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعًا.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. اهـ.
وقال المزي: ليس بمحفوظ اهـ.
ومعنى قول قتادة: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في قلبك حتى تحفظه وتؤلفه، وأبو عبيدة يذهب إلى أن معنى قرأناه: جمعناه
(1)
.
وغرض البخاري في الباب: أن يعرفك أن وعاء القلب لما يسمعه من القرآن، وأن قراءة الإنسان وتحريك شفتيه ولسانه عمل له وكسب يؤجر عليه، وكان عليه السلام يحرك به لسانه عند قراءة جبريل عليه السلام مبادرة منه ما يسمعه فنهاه تعالى عن ذلك، ورفع عنه الكلفة والمشقة التي كانت تناله في ذلك مع ضمانه تعالى تسهيل الحفظ على نبيه وجمعه له في صدره، وأَمَرَه أن يقرأه إذا فرغ جبريل من قراءته، وهو معنى قوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} [القيامة: 18] وقيل: اعمل بما فيه.
وأما إضافته تعالى القراءة إليه في قوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} [القيامة: 18].
والقارئ لكلامه تعالى على محمد عليه السلام هو جبريل دونه تعالى فهذِه إضافة فعل فعله في غيره كما نقول: قتل الأمير اللص وصلبه وهو لم يلِ ذلك بنفسه إنما أمر من فعله
(2)
، ففيه بيان لما يشكل من كل فعل نسب
(1)
"مجاز القرآن" 2/ 278.
(2)
إن المضاف إلى الله عز وجل نوعان:
أعيان قائمة بنفسها كبيت الله وناقة الله وعبد الله فهذِه إضافتها إلى الله تقتضي الاختصاص والتشريف وهي من جملة المخلوقات لله.
والنوع الثاني: صفات لا تقوم بنفسها كعلم الله وحياته وقدرته وكلامه ووجهه، فهذِه إذا وردت مضافة إليه فهي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
وكذلك ما أخبر أنه منه: فإن كان أعيائا كرُوْح منه. قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} . فهذِه منه خلقًا وتقديرًا.
وإن كان ذلك أوصافًا كقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ} . دل على أن ذلك من صفاته لامتناع قيام الصفة بنفسها.
إليه تعالى مما لا يليق به فعله من الإتيان والنزول والمجيء أن ذلك الفعل إنما هو منتسب إلى الملك المرسل كقوله: جاء ربك، والمجيء يستحيل عليه؛ لاستحالة الحركة والانتقال، كذلك استحال عليه القراءة المعلومة منه تثبيتًا؛ لأنها محاولة حركة أعضاء وآلات، ويتعالى الله عن ذلك وعن شبه الخليقة في قول أو عمل
(1)
.
فصل:
وأما قوله: ("وأنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه") فمعناه: أنا مع عبدي زمان ذكره لي، أي: أنا معه بالحفظ والكلأ، لا على أنه معه بذاته حيث حل العبد.
ومعنى قوله: ("وتحركت بي شفتاه") تحركت باسمي وذكره لي وسائر أسمائه تعالى الدالة عليه؛ لا أن شفتيه ولسانه تتحرك بذاته تعالى إذ يحال حلوله في الأماكن ووجوده في الأفواه وتعاقب الحركات عليه.
(1)
أهل السنة يثبتون لله تعالى مجيئًا وإتيانًا ونزولًا وغير ذلك من صفاته الفعلية التي هي صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا تقديرًا ولا احتمالاً؛ لأنه سبحانه ذكر ذلك عن نفسه وهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا من غيره وأحسن حديثًا فكلامه مشتمل على أكمل العلم والصدق والبيان، وأمر رابع وهو القصد والإرادة فالله عز وجل يريد أن يبين لنا الحق وهو أعلم وأصدق وأحسن حديثًا. فذكر سبحانه عن نفسه في آيات كثيرة أنه يأتي ويجيء وأضاف الفعل إلى نفسه، فيكون الذي يجيء ويأتي هو نفسه عز وجل وهذا أمر معلوم ومعنى مفهوم.
انظر: "شرح العقيدة الواسطية" لابن عثيمين 1/ 231 بتصرف. وانظر التعليق المتقدم ص 185 - 188.
44 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} إلى {اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]
{يَتَخَافَتُونَ} [طه: 103]: يَتَسَارُّونَ.
7525 -
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، عَنْ هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الاسراء: 110] قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَهُ المُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} أَيْ: بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعَ المُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا القُرْآنَ:{وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} : عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء: 110]. [انظر: 4722 - مسلم: 446 - فتح: 13/ 500].
7526 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] فِي الدُّعَاءِ. [انظر: 4723 - مسلم: 447 - فتح: 13/ 501].
7527 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» . وَزَادَ غَيْرُهُ: «يَجْهَرُ بِهِ» [فتح 13/ 501].
ساق فيه حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مخْتَفٍ بِمَكَّةَ .. الحديث في الجهر بالقرآن.
وحديث عائشة رضي الله عنها: أنها نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ". وَزَادَ غَيْرُهُ: "يَجْهَرُ بِهِ".
الشرح:
(من) في قوله: {مَنْ خَلَقَ} في موضع رفع بـ يعلم، (والمفعول)
(1)
محذوف تقديره: ألا يعلم الخالق خلقه؟ فدل ذلك على أن ما يسرُّ الخلق من قولهم (ويجهرون)
(2)
به كل من خلق الله؛ لأنه قال: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} [الملك: 13] إلى قوله: {مَنْ خَلَقَ} وكل من خلق الله، وقال بعض أهل الزيغ:(من) في موضع نصب اسم المسرِّين والمجاهرين؛ ليخرج الكلام من عمومه ويدفع عموم الخلق عن الله، ولو كان كما زعم لقال: ألا يعلم ما خلق؛ لأنه إنما أتت بعد ذكر ما (تكن)
(3)
الصدور، ولو أتت (ما) موضع (من) لكان فيه بيان أنه تعالى خالق كل شيء من أقوال الخلق خيرها وشرها، جهرها وسرها، ويقوي ذلك قوله:{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، ولم يقل: عليم بالمسرين والمجاهرين.
فصل:
قد تقرر حكايته قولين في الكتاب في المراد بقوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] وأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنها في القراءة، وأن عائشة رضي الله عنها قالت: إنها في الدعاء. وبه قال ابن نافع: أي من دعاء، (ولا)
(4)
تجهر بدعائه ولا تخافت به.
وقال زياد بن عبد الرحمن: نزلت في صلاة النهار، ولا تخافت بها في صلاة الليل. وقد سلف ذلك.
(1)
في الأصل (الفعل)، والمثبت هو الصواب.
(2)
في (ص 1): أو يجهرون.
(3)
من (ص 1).
(4)
في (ص 1): فلا.
فصل:
وقوله: ("ليس منا من لم يتغن بالقرآن") قد سلف في فضائل القرآن الاختلاف في معناه، وحاصله ثلاثة أقوال:
أحدها: يجهر به كما ذكره هنا، وهو ظاهر؛ عملًا بقوله في الحديث الآخر:"ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به"
(1)
.
ثانيها: يستغني به
(2)
.
ثالثها: ما حكاه الخطابي عن ابن الأعرابي قال: كانت العرب تولع بالغناء والنشيد في أكثر أحوالهم، فلما نزل القرآن أحب أن يكون القرآن سميرًا لهم مكان الغناء فقاله
(3)
.
وفيه: الحض على تحسين الصوت به، والغناء المأمور به هو الجهر بالصوت وإخراج تلاوته من حدود مساق الإخبار والمحادثة حتى يتميز التالي به من المتحدث تعظيمًا له في النفوس تحبيبا إليها.
فإن قلت: فإذا كان الغناء هكذا أفعندك (أن)
(4)
من لم يحسِّن صوته بالقرآن فليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قيل: معناه من لم يستن بنا في تحسين الصوت به
(5)
، ويرجع في تلاوته على ما حكاه ابن مغفل على ما يأتي (بعد)
(6)
، فمن لم يفعل مثل ذلك فليس متبعًا لسنته، ولا مقتديًا به في تلاوته.
(1)
سلف برقم (5023) بلفظ قريب منه، وسيأتي بلفظه في (7544).
(2)
ذكره البخاري عقب حديث (5023) من قول سفيان قال: تفسيره: يستغني به.
(3)
"أعلام الحديث" 3/ 1945.
(4)
من (ص 1).
(5)
كذا بالأصول، وتمام العبارة كما في "شرح ابن بطال" 10/ 529: لأنه عليه السلام كان يحسن صوته به ويرجع في تلاوته على ما حكاه ابن مغفل
…
(6)
في الأصل: به.
فصل:
معنى هذا الباب: إثبات العلم لله تعالى صفة ذاتية؛ لاستواء علمه بالسر من القول كالجهر، وقد بينه تعالى في آية أخرى فقال:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} [الرعد: 10]، وفيه دليل على أن اكتساب العبد من القول والفعل لله تعالى، ألا تري قوله:{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)} [الملك: 13]، ثم قال عقب ذلك:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14].
(فدل أنه)
(1)
ممتدح بكونه عالمًا ما أسروه من قولهم وجهروا به، وأنه خالق لذلك منهم، فإن قال قدري زاعم أن أفعال العباد ليست خلقاً لله.
قوله: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] غير راجع بالخلق إلى القول، وإنما هو راجع إلى القائلين (فليس في الآية)
(2)
دليل لكم على كونه تعالى خالقًا لقول القائلين.
قيل له: هذا تأويل فاسد؛ لأن الله تعالى أخرج هذا الكلام مخرج التمدح منه تعالى بعلمه ما أسروه من قولهم وجهروا به وخلقه لذلك مع خلقه دليلًا على كونه عالمًا به، فلو كان غير خالق له ومتمدحًا بكونه عالمًا بقوله وخالقا لهم دون قولهم لم يكن في الآية دليل على صحة كونه عالمًا بقولهم، كما ليس في عمل (العامل)
(3)
ظرفًا من الظروف دليل على (علمه)
(4)
بما أودعه فيه غيره، والله تعالى قد جعل خلقه
(1)
في الأصل: وإنه.
(2)
في الأصل: في أنه لا.
(3)
في الأصل: العالم، والمثبت من ابن بطال، وهو المناسب للسياق.
(4)
في الأصول: عمله، والمثبت من ابن بطال، وهو المناسب للسياق.
دليلًا على كونه عالمًا بقولهم، فيجب رجوع خلقه تعالى إلا قولهم؛ ليصح لهم التمدح بالأمرين؛ وليكون أحدها دليلًا على الآخر. وإذا كان ذلك كذلك -ولا أحد من الأمة يفرق بين القول وسائر الأفعال، وقد دلت الآية على كون الأقوال خلقا له سبحانه- وجب كون (سائر)
(1)
أفعال العباد خلقًا له تعالى
(2)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 528 - 529.
45 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَرَجُلٌ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا فَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ»
فَبَيَّنَ اللهُ أَنَّ قِيَامَهُ بِالْكِتَابِ هُوَ فِعْلُهُ وَقَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22]. وَقَالَ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77].
7528 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسُدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَهْوَ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا، لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَهْوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ» . [انظر: 5025 - مسلم: 815 - فتح: 13/ 502].
7529 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَهْوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ» . سَمِعْتُ سُفْيَانَ مِرَارًا لَمْ أَسْمَعْهُ يَذْكُرُ الْخَبَرَ، وَهْوَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ. [انظر: 5025 - مسلم: 815 - فتح: 13/ 502].
ثم ساق البخاري ترجمة الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لَا تَحَاسُدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَهْوَ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُووتِيَ هذا، لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ. وَرَجُل آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهْوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ".
حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُل آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ فَهْوَ يقوم به آنَاءَ اللَيْلِ وآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهْوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ والنَّهَارِ". سَمِعْتُ سُفْيَانَ مِرَارًا لَمْ أَسْمَعْهُ يَذْكُرُ الخَبَرَ، وَهْوَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ.
رواه الحميدي: ثنا سفيان، ثنا الزهري، عن سالم فذكر نحوه
(1)
.
وقد سلف الكلام عليه، وهو ظاهر لمن تأوله وكان ذا قلب سليم.
و"آناء الليل": ساعاته، قال الأخفش: واحدها إني مثل مِعى، وقال بعضهم: واحدها إنوى، وقد سلف أن المراد بالحسد هنا التغبط لا المذموم الذي هو (تمني)
(2)
زوال النعمة.
قال الداودي: والحسد: التنافس والمسابقة في النية والفعل. قال: والحسد المكروه أن يبغض المرء غيره لما يعطيه الله من (فعل)
(3)
الخير كما حسد إبليس آدم حين أسجد له ملائكته وأمره بالسجود له فأبى.
(1)
"مسند الحميدي" 1/ 515 (629).
(2)
من (ص 1).
(3)
في (ص 1): فضل.
46 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَاتِهِ} [المائدة: 67]
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مِنَ اللهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى رَسُولِهِ البَلَاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ. وَقَالَ:{لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن: 28] وَقَالَ: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي} [الأعراف: 62]. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ رسول صلى الله عليه وسلم: {وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 94][انظر: 4677].
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِئٍ فَقُلِ: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: {ذَلِكَ الكِتَابُ}
(1)
[البقرة: 2] هو هَذَا الْقُرْآنُ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] بَيَانٌ وَدِلَالَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ الله} [الممتحنة: 10] هَذَا حُكْمُ اللهِ {لَا رَيْبَ} [البقرة: 2]: لَا شَكَّ {تِلْكَ آيَاتُ} [لقمان: 2] يَعْنِي: هَذِهِ أَعْلَامُ القُرْآنِ، وَمِثْلُهُ {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] يَعْنِي: بِكُمْ. وَقَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالَهُ حَرَامًا إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ. [انظر: 4091]
(1)
في الأصل: تلك آيات الكتاب، والمثبت من اليونينية، وسوف يوردها المصنف على ما أثبتناه عند حديثه على كلام معمر، فلعل ما في الأصل تحريف.
7530 -
حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ، قَالَ المُغِيرَةُ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا «أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الجَنَّةِ» . [انظر: 3159 - فتح 13/ 503].
7531 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ فَلَا تُصَدِّقْهُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]. [انظر: 3234 - مسلم: 177 - فتح 13/ 503].
7532 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ:«أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهْوَ خَلَقَكَ» . قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك، أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» . قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» . فَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَهَا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [الفرقان: 68] الآيَةَ [انظر: 4477 - مسلم: 86 - فتح 13/ 503].
حدثنا الفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ -هو الرخامي- ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَر الرَّقِّيُّ، ثَنَا المُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، ثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ، قال: قال لي المُغِيرَةُ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم -عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّه مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الجَنَّةِ.
ثم ساق إلى عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَم أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَتَمَ شَيْئًا، وفي لفظ: كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الوَحْيِ فَلَا تصدقوا، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67].
ثم ساق حديث عمرو بن شرحبيل قَالَ: قَالَ لي عَبْدُ اللهِ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ؟ الحديث سلف قريبًا
(1)
.
الشرح:
في آية الترجمة قولان:
أحدهما: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ويقويه حديث عائشة رضي الله عنها السالف وتلاوة الآية عقبها.
والثاني: وعليه أكثر أهل اللغة أن المعنى: أظهر، أي: بلِّغْه ظاهرًا، وعلى هذا قوله تعالى:{وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] أي: من أن ينالوك بشر
(2)
.
فصل:
هذا الباب كالذي قبله وهو في معناه، وتبليغ الرسول فعل من أفعاله. وقول الزهري:(من الله الرسالة .. ) إلى آخره. يبين هذا، وأنه قول أئمة الدين. وقوله:{فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة: 105] يعني: التلاوة وجميع الأعمال.
وقولها: (إذا أعجبك حسن عمل امرئ) أي: من جملة أعماله تلاوتُه. وقولها: (ولا يستخَّفَّنك أحد). أي: بعمله فتظن به الخير لكن حتى تراه عاملًا على ما شرع الله {وَرَسُولُهُ} على ما سن، {وَالْمُؤْمِنُونَ} على ما عملوا، قاله ابن بطال
(3)
.
وقال الداودي: أي: لا تغتر بمدح أحدٍ وحاسب نفسك.
(1)
سلف برقم (7520).
(2)
انظر هذين القولين في: "معاني القرآن" للنحاس 2/ 338 - 339.
(3)
"شرح ابن بطال"10/ 532.
(فصل:)
(1)
وقول معمر في {ذَلِكَ الكِتَابُ} [البقرة: 2]: هو القرآن. هو قول عكرمة وأبي عبيدة
(2)
، وفسر (ذلك) بهذا و (ذلك) مما يخبر به عن الغائب، و (هذا) إشارة إلى الحاضر والكتاب حاضر، ومعنى ذلك أنه لما ابتدأ جبريل بتلاوة القرآن لمحمد عليهما السلام كفت حضرة التلاوة عن أن يقول هذا الذي تسمع هو {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيه} [البقرة: 2] فاستغنى بأحد الضميرين عن الآخر.
وأنكر أبو العباس مقالة أبي عبيدة السالفة وقال: لأن (ذلك) لما بَعُد و (ذا) لما قرب فإن دخل واحد منهما على الآخر انقلب المعنى، قال: ولكن المعنى: هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا.
وقال الكسائي: كأن الرسالة والقول من السماء و (الكتاب)
(3)
والرسول في الأرض، وقال: ذلك يا محمد.
قال ابن كيسان: وهذا أحسن.
قال الفراء: يكون كقولك للرجل وهو يحدثك: وذلك -والله أعلم- الحق، فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب، والمعنى عنده ذلك الذي سمعت به
(4)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
أثر عكرمة رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 33 وذكره النحاس في "معانيه" 1/ 78، وانظر قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 28.
(3)
من (ص 1).
(4)
انظر: "معاني القرآن" للنحاس 1/ 78 - 79.
قلت: ومما يؤكد ذلك قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] فلما جاز أن يخبر عنهم بضميرين (مختلفين)
(1)
ضمير المخاطبة في الحضرة وضمير الخبر عن الغيبة، فكذلك أخبر بضمير الغائب بقوله: ذلك، وهو (يريد)
(2)
الحاضر، وهذا مذهب مشهور للعرب يسميه أصحاب المعاني: الالتفات، وهو انصراف المتكلم عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر.
وقوله: {كُنْتُمْ} ثم قال: {بِهِمْ} يدل أنه خاطب الكل ثم أخبر عن الراكبين للفلك خاصة؛ إذ قد يركبها الأقل من الناس، لكن لجواز أن يركبها كل واحد من المخاطبين خاطبهم بضمير الكل، ولأن لا يركبها إلا الأقل أخبر عن ذلك الأقل بقوله:{بِهِمْ}
فصل:
دلالة بكسر الدال وفتحها ودلولة أيضًا، حكاهما الجوهري قال: والفتح أعلى
(3)
.
ويقال: دلال بَيِّن الدلالة ودليل (بين)
(4)
الدلالة، قاله أبو عمر الزاهد صاحب ثعلب
(5)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
في (ص 1): يومئذ.
(3)
"الصحاح" 4/ 1698.
(4)
في الأصل: من، والمثبت من (ص 1).
(5)
هو الإمام الأوحد العلامة اللغوي المحدث، أبو عمر، محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم البغدادي الزاهد المعروف بغلام ثعلب مات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة.
انظر: "سير أعلام النبلاء" 15/ 508 - 513.
فصل:
ما ذكره عن الزهري أخرجه عبد الرزاق، عن معمر، عنه
(1)
، وما ذكره عن معمر ذكره عنه عبد الرزاق عنه
(2)
.
وما ذكره عن عائشة رضي الله عنها أسنده ابن المبارك في كتاب "البر والصلة" عن سفيان، عن معاوية بن إسحاق، عن عروة، عنها
(3)
.
(1)
لم أقف عليه عند عبد الرزاق لا في "المصنف"، ولا "التفسير"، ولم يشر الحافظ في "التغليق" إلى أنه عند عبد الرزاق، وقد رواه الحميدي في "نوادره" كما في "تغليق التعليق" 5/ 365 - 366، و"الفتح" 13/ 504، ومن طريق الحميدي رواه الخلال في "السنة" 3/ 579، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" 2/ 111 - 112 (1333)، والسمعاني في "أدب الإملاء" ص 62 - 63 عن سفيان قال: قال رجل للزهري: يا أبا بكر، قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لطم الخدود، وليس منا من لم يوقر كبيرنا" ما معناه؟ فقال الزهري: من الله العلم وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم.
ورواه ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 14 عن الأوزاعي بنحو قول الزهري.
(2)
كذا وقع في الأصول، وهو خطأ، وقال الحافظ في "الفتح" 13/ 505: معمر هذا هو ابن المثنى اللغوي أبو عبيدة، وهذا المنقول عنه ذكره في كتاب "مجاز القرآن"، ووهم من قال إنه معمر بن راشد شيخ عبد الرزاق، وقد اغتر مغلطاي بذلك فزعم أن عبد الرزاق أخرج ذلك في "تفسيره" عن معمر، وليس ذلك في شيء من نُسَخ "تفسير عبد الرزاق"، ولفظ أبي عبيدة:{ذَلِكَ الكِتَابُ} معناه: هذا القرآن .. اهـ قلت: وبكونه ابن المثنى جزم القسطلاني في "شرحه" 12/ 418، وأبو يحيى زكريا الأنصاري في "منحة الباري" 10/ 422، وتوقف الكرماني في "شرحه" 25/ 222 فقال: قيل هو أبو عبيدة بالضم اللغوي، وقيل هو معمر بن راشد البصري ثم اليمني. وانظر كلام أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 28.
(3)
رواه معمر في "الجامع" 11/ 447، وأحمد في "فضائل الصحابة"(750)، والبخاري في "خلق أفعال العباد" ص 51 حديث (143)، والطبراني في "مسند الشاميين" 4/ 201 (3102). وقال الحافظ في "الفتح" 13/ 505: زعم مغلطاي أن عبد الله بن المبارك أخرج هذا الأثر في كتاب "البر والصلة" عن سفيان، عن معاوية بن إسحاق، عن عروة، عن عائشة. وقد وهم في ذلك.
وتعليق أنس رضي الله عنه أسنده في غزوة بئر معونة
(1)
.
فصل:
إسناد حديث المغيرة رضي الله عنه فيه موضعان نبه عليهما الجياني:
أحدها: كان في أصل أبي محمد الأصيلي: معمر بن سليمان -بفتح العين ثم ألحق تاء بين العين والميم- فصار معتمرًا وهو المحفوظ.
ثانيهما: عبيد الله هو الصواب ووقع في نسخة أبي الحسن مكبرًا، وكذلك كان في نسخة أبي محمد: عبد الله، إلا أنه أصلحه بالتصغير فزاد ياءً وكتب في الحاشية: هو سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية كذا رواه ابن السكن على الصواب
(2)
.
قلت: وزياد بن جبير هو ابن حية بن مسعود بن معتب بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف. اتفقا عليه عن ابن عمر، وانفرد البخاري بأبيه جبير بن حية، وَلّاه زياد أصبهان، وتوفي أيام عبد الملك بن مروان، وقد روى عن عمر بن الخطاب
(3)
.
ورأيت بخط الدمياطي قبله المعتمر بن سليمان قيل: إنه وهم، والصواب: المعمر بن سليمان الرقي؛ لأن عبد الله بن جعفر لا يروي عن المعتمر بن سليمان.
وهذا عكس ما أسلفناه عن الجياني.
(1)
سلف برقم (4091) كتاب: المغازي، باب: غزوة الرجيع، ورواه مسلم (677) كتاب: المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة.
(2)
"تقييد المهمل" 2/ 758.
(3)
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 9/ 441.
47 - باب {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]
وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا، وَأُعْطِىَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ، وَأُعْطِيتُمُ القُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ» . [انظر: 557]. وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ: {يَتْلُونَهُ} [البقرة:121]: يَتَّبِعُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ. يُقَالُ: {يُتْلَى} [النساء: 127] يُقْرَأُ، حَسَنُ التِّلَاوَةِ: حَسَنُ القِرَاءَةِ لِلْقُرْآنِ. {لَا يَمَسُّهُ} [الواقعة: 79] لَا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلاَّ مَنْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ، وَلَا يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إِلاَّ المُوقِنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)} [الجمعة: 5]. وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الإِسْلَامَ وَالإِيمَانَ عَمَلاً. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبِلَالٍ: «أَخْبِرْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلَامِ» . قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ إِلاَّ صَلَّيْتُ. وَسُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ الجِهَادُ، ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ» .
7533 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَنْ سَلَفَ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صُلِّيَتِ العَصْرُ. ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا
قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيتُمُ القُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: هَؤُلَاءِ أَقَلُّ مِنَّا عَمَلاً وَأَكْثَرُ أَجْرًا. قَالَ اللهُ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» [انظر: 557 - فتح 13/ 508].
(وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " أُعطِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ". الحديث، وقد سلف مسندًا في الصلاة
(1)
وأسنده في آخر الباب أيضًا من حديث ابن عمر.
وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ: {يَتْلُونَهُ} [البقرة: 121]: يَتَّبِعُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ.
وهذا أسنده ابن المبارك في "رقائقه" عن سعيد بن سليمان، عن خلف بن خليفة، ثنا حميد الأعرج: قال: قال أبو رزين فذكره
(2)
.
يقال: {يُتْلَى} : يقرأ، حسن التلاوة: حسن القراءة بالقرآن {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن ولا يحمله بحقه إلا الموفق؛ لقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} الآية. وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان والصلاة عملاً، قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: "أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام". قال: ما عملت عملًا أرجى عندي أنيِّ لم أتطهر
(1)
سلف برقم (557) باب: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب.
(2)
لم أقف على هذا السند، لكن رواه الثوري في "تفسيره" ص 48، ومن طريقه الطبري 1/ 567، والخطيب في "اقتضاء العلم"(117) ومن طريق الخطيب الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" 5/ 369 عن منصور عن أبي رزين به.
ورواه ابن المبارك في "الزهد"(792)، ومن طريقه ابن جرير 1/ 568 عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء وقيس بن سعد عن مجاهد من قوله.
ورواه ابن جرير 1/ 568 عن مجاهد من طرق أخرى غير هذا الطريق، وهو في "تفسير مجاهد" ص 87
إلا صليت. وسئل: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله، ثم الجهاد، ثم حج مبرور". وسلف هذا وما قبله (مسندان)
(1)
، وقصة بلال في الفضائل سلفت
(2)
. ثم ساق حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي ذكره أولاً.
ومعنى هذا الباب كالذي قبله أن كل ما يكسبه الإنسان مما يؤمر به من صلاة أو حج أو جهاد وسائر الشرائع عمل يجازى على فعله ويعاقب على تركه إنْ أنفذ الله عليه الوعيد.
فصل:
وأما الآية التي صدَّر بها البخاري الباب، فقال ابن عباس: كان إسرائيل اشتكى عرق النسا فكان له صياح، فقال: إن أبرأني الله من ذلك لا آكل عرقًا
(3)
. وقال مجاهد: الذي حرم على نفسه الأنعام
(4)
، وقال عطاء: لحوم الإبل وألبانها
(5)
.
قال الضحاك: قالت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم: حرم علينا هذا في التوراة، فأكذبهم الله وأخبر أن إسرائيل حرم على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، ودعاهم إلى إحضارها، فقال:{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ} الآية
(6)
[آل عمران: 93].
(1)
هكذا في الأصل، والصواب: مسندين، ولعله على لغة من يلزم المثنى الألف في جميع إعرابه، والله أعلم.
(2)
سلف في الفضائل معلقًا، باب: مناقب بلال رضي الله عنه.
(3)
رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 132، الطبري في "تفسيره" 3/ 352 (7415).
(4)
رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 352 (7417)، وابن أبي حاتم 3/ 705.
(5)
رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 351 (7413).
(6)
رواه الطبري 3/ 349 (7398).
فصل:
وقول أبي رزين في {يَتْلُونَهُ} : يتبعونه، هو قول عكرمة. قال عكرمة: أما سمعت قول الله تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)} [الشمس: 2] أي: تبعها، وقال قتادة: هؤلاء أصحاب نبي الله آمنوا بكتاب الله وصدقوا به، وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وعملوا بما فيه.
وقال الحسن: يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ويكِلُون ما أشكل عليهم إلى عالمه
(1)
. واستحسن بعضهم قول أبي رزين وقال: هو معروف في اللغة، واحتج (له)
(2)
بقوله:
قد جعلت دلوي تسكني
(3)
…
....................
وبقول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: من يتبع الرسول يهبط به على رياض الجنة
(4)
.
(1)
انظر أثر عكرمة وقتادة والحسن في "تفسيره ابن جرير" 1/ 568 - 569.
(2)
من (ص 1).
(3)
كذا بالأصل: تسكني، وهو خطأ صوابه: تَسْتَتْليني كما في "معاني القرآن" للنحاس 3/ 292، و"زاد المسير" 4/ 28 بمعنى: تستتبعني.
وهو صدر بيت عجزه:
...................
…
ولا أُريد تَبَعَ القَريْنِ.
وهو في "اللسان" 1/ 443 غير منسوب لقائل.
(4)
رواه أبو عبيد في "غريب الحديث" 2/ 267، و"فضائل القرآن" ص 81 - 82، وسعيد بن منصور 1/ 49 (8)، وابن أبي شيبة 6/ 126 (30005)، و 7/ 155 (34810)، والدارمي 4/ 2096 (3371)، وأبو نعيم 1/ 257، والبيهقي في "الشعب" 2/ 354 (2023) بلفظ: إن هذا لقرآن كائن لكم أجرًا وكائن عليكم وزرًا، فاتبعوا القرآن، ولا يتبعكم القرآن، فإنه من يتبع القرآنَ يهبط به على رياض الجنة، ومن يتبعه القرآن يزخ في قفاه حتى يقذف به في نار جهنم.
قال أبو عبيد: يزخ في قفاه أي: يدفعه.
فصل:
وقوله في أهل التوراة: "فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا"، قال الداودي: هو وهم. قال: وكذلك "فأعطوا قيراطًا" في النصارى، قال: وفي موضع آخر: "لا حاجة لنا بالأجر"
(1)
، ولم يذكر أنهم أعطوا شيئًا إلى نصف النهار، وفي رواية:"إلى صلاة الظهر ثم كفروا فحبطت أعمالهم فلم يعطوا شيئًا وكذلك أهل الإنجيل كفروا أيضًا فلم يعطوا شيئًا"، وفي رواية:"إن أهل التوراة أعطوا قيراطًا على أن يعملوا إلى صلاة الظهر فعملوا، وأعطوا قيراطًا"، ولعل هذا فيمن مات (منهما)
(2)
قبل البعثة.
فصل:
وقوله: ("قال أهل الكتاب: هؤلاء أقل منا عملًا وأكثر أجرًا"). يريد أهل التوراة كما بينه في الحديث السالف؛ لأن النصارى ليسوا بأقل عملًا من الفضائل على مثله؛ لأن من نصف النهار إلى العصر ليس بأقل من حينئذٍ إلى الغروب عندنا، وعند الحنفية أن أول الوقت مصير ظل كل شيء مثليه، وقد سلف كل ذلك.
(1)
سلف برقم (558).
(2)
من (ص 1).
48 - باب وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ عَمَلاً
وَقَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» . [انظر: 756].
7534 -
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الوَلِيدِ.
وَحَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَسَدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ العَوَّامِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ العَيْزَارِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» [انظر: 527 - مسلم: 85 - فتح 13/ 510].
هذا الحديث سلف مسندًا في الصلاة.
ثم ساق عن سليمان، ثنا سعيد، عن الوليد قال: وَحَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَسَدِيُّ، ثنا عبَّادُ بْنُ العَوَّامِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ العَيْزَارِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ -واسمه سعد بن إياس- عَنِ ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ".
هذا الحديث سلف في الصلاة والجهاد والأدب
(1)
، وأدخل ابن بطال هذا الحديث في الباب قبله
(2)
وأسقطه ابن التين.
وقَرَن عليه السلام حَقَّ الوالدين بحقِّ الله هنا بواو العطف وليس مخالفا لحديث الباب قبله لما سئل أي العمل أفضل؟ "إيمان بالله ثم الجهاد ثم حج مبرور"، ولم يذكر الوالدين؛ لأنه إنما يُفْتى السائل بحسب
(1)
سلف في كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فضل الصلاة لوقتها (527)، وكتاب: الجهاد والسير، باب: فضل الجهاد والسير (2782)، وكتاب: الأدب، باب: البر والصلة (5970).
(2)
"شرح ابن بطال" 10/ 533 - 534.
ما يُعلم من حاله أو بما يتقى عليه من فتنة الشيطان.
فلذلك اختلف ترتيب الأفضل من الأعمال مع أنه قد يكون العمل في وقت أوكد وأفضل (منه)
(1)
في وقت آخر كالجهاد الذي يتأكد مرة ويتراخى أخرى، ألا تراه أَمَرَ وَفْد عبد القيس بأمرٍ فصل باشتراطهم ذلك منه، فلم يرتب لهم الأعمال ولا ذكر لهم الجهاد ولا بِرَّ الوالدين، وإنما ذكر لهم أداء الخمس مما يغنمون، وذكر لهم الانتباذ في المزفت فيما نهاهم عنه، وفي المنهيات ما هو آكد منه مرارًا
(2)
.
(1)
من (ص 1).
(2)
حديث وقد عبد القيس سلف برقم (53) كتاب: الإيمان، باب: أداء الخمس، من حديث ابن عباس.
49 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)}
أي ضَجُورًا {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)} [المعارج: 19 - 21].
7535 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَالٌ، فَأَعْطَى قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَتَبُوا، فَقَالَ:«إِنِّي أُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الذِي أُعْطِي، أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِنَى وَالْخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ» . فَقَالَ عَمْرٌو: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُمْرَ النَّعَمِ. [انظر: 923 - فتح 13/ 511].
ثم ساق حديث عمرو بن تغلب رضي الله عنه: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَالٌ، فَأَعْطَى
قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَتَبُوا، فَقَالَ: «إِنِّي أُعْطِى الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ .. " الحديث.
معنى هذا الباب إثبات خلق الله تعالى الإنسان بأخلاقه التي خلقه عليها من الهلع، والمنع والإعطاء، والصبر على الشدة، واحتسابه ذلك على ربه تعالى، وفسر {هَلُوعًا} بقول من قال:(ضجورًا)
(1)
؛ لأن الإنسان إذا مسه الشر ضجر به ولم يصبر محتسبًا، ويلزم من آمن بالقدر خيره وشره وعلم أن الذي أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، الصبرُ على كل شدة تنزل به.
ألا ترى أن الله تعالى قد استثنى المصلين الذين هم على صلاتهم
(1)
رواه ابن جرير 12/ 234 (34903) عن عكرمة.
دائمون، لا يضجرون بتكررها عليهم ولا يملونها؛ لأنهم محتسبون (لها)
(1)
ومكتسبون بها التجارة الرابحة في الدنيا والآخرة، وكذلك لا يمنعون حق الله في أموالهم، فعرفك بما خلق الله عليه (أهل الجنة)
(2)
من حسن الأخلاق، وما استثنى به العارفين المحتسبين بالصبر على الصلاة والصدقة، فقد أفهمك أن من ادَّعى لنفسه قدرة وحولًا بالإمساك والشح (والضجر)
(3)
من الإملاق والفقر وقلة الصبر لقدر الله الجاري عليه بما سبق في علمه ليس بعالم ولا عابد على حقيقة ما يلزمه، فمن ادَّعى أن له قدرة على نفع نفسه أو دفع الضرر عنها فقد ادعى أن (فيه)
(4)
صفة الإلهية من القدرة.
فصل:
وفي حديث عمرو بن تغلب أن أرزاق العباد ليست من الله تعالى على قدر الاستحقاق بالدرجة والرفعة عنده، ولا عند السلطان (في الدنيا)
(5)
، وإنما هي على وجه المصلحة والسياسة لنفوس العباد الأمَّارة بالسوء.
ألا تري أنه عليه السلام كان يعطي أقوامًا ليداوي ما بقلبهم من الجزع، وكذلك المنع هو على وجه (المصلحة)
(6)
بتمهيده بما قسم الله تعالى له؛ لمنعه عليه السلام أهل البصائر واليقين.
(1)
في الأصل: بها.
(2)
من (ص 1).
(3)
من (ص 1).
(4)
في الأصل: فيها.
(5)
من (ص 1).
(6)
في (ص 1): الثقة.
فصل:
وفيه أيضًا: أن البشر فاضلهم (ومفضولهم)
(1)
قد جُبِلُوا على حب العطاء، وبغض المنع، والإسراع إلى إنكار ذلك قبل الفكرة في عاقبته، وهل لفاعل ذلك مخرج؟
وفيه: أن المنع قد لا يكون مذمومًا ويكون أفضل للممنوع؛ لقوله: "وأَكِلُ أقوامًا لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير" وهذه المنزلة التي شهد له بها الشارع أفضل من العطاء الذي هو عرض الدنيا، ألا تري أن عمرو بن تغلب اغتبط بذلك بعد جزعه، وقال:(ما أحب أن لي بذلك حمر النعم).
وفيه: استئلاف من يخشى منه، والاعتذار إلى من ظن ظنًّا والأمر بخلافه، وهذا موضع (كان)
(2)
يحتمل التأنيب للظانِّ واللوم له، لكنه عليه السلام رءوف رحيم كما وصفه به الرب جل جلاله:
فصل:
قول البخاري: (هلوعًا: ضجورًا). قال فيه الجوهري: الهلع: أفحش الجزع
(3)
.
وقال الداودي: إنه والجزع واحد قال: وكان يقال: القناعة غنى لا ينفد. قال: والقناعة بكسر القاف، والذي ذكره أهل اللغة أنها بالفتح.
وقوله: (أنهم عتبوا) هو بفتح التاء، أي: وجدوا عليه.
(1)
في الأصل: (ومفضلوهم).
(2)
من (ص 1).
(3)
"الصحاح" 3/ 1308.
50 - باب ذِكْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرِوَايَتِهِ عَنْ رَبِّهِ عز وجل
-
7536 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ:«إِذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» . [فتح 13/ 511].
7537 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ -رُبَّمَا ذَكَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا" أَوْ: بُوعًا» . [انظر: 7405 - مسلم: 2675 - فتح 13/ 512].
وَقَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ أَنَسًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عز وجل.
7538 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ قَالَ:«لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ» . [انظر: 1894 - مسلم: 1151 - فتح 13/ 512].
7539 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ:«لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى» . وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ. [انظر: 3395 - مسلم: 2377 - فتح 13/ 512].
7540 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ، أَوْ مِنْ سُورَةِ الفَتْحِ قَالَ: -فَرَجَّعَ فِيهَا- قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِي
قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ. يَحْكِى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: "آآ آ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. [انظر: 4281 - مسلم: 794 - فتح 13/ 512].
ذكر فيه خمسة أحاديث:
أحدها:
حديث قَتَادةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ:"إِذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إليه بَاعًا، وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".
ثانيها:
حديث التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَن أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه، قَالَ -رُبَّمَا ذَكَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا" أَوْ: "بُوعًا".
وَقَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرويهِ عَنْ ربِّهِ عز وجل.
ثالثها:
محمد بن زياد: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يرْوِيهِ عَنْ رَبَكُمْ عز وجل قَالَ:"لِكُلِّ عَمَلٍ كفَّارَةٌ، وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ".
رابعها:
حديث (سعيد)
(1)
عن قَتَادَةَ.
(1)
في الأصل: شعبة.
وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، عَنْ (سَعِيدٍ)
(1)
، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ:"لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أنا خير مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى". وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ.
وقد أسلفنا غير مرة أن اسم أبي العالية هذا رفيع بن مهران، أعتقته امرأة من بني رياح سائبة لوجه الله، وطافت به على حلق المسجد، وأنه متفق عليه، وأن مسلمًا انفرد
(2)
بأبي العالية زياد بن فيروز مولى قريش، يروي عن ابن عباس، يقال له: البراء، وكان يبري النبل
(3)
.
خامسها:
حديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنهما بالغين المعجمة والفاء- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فتح مكة عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ -أَوْ مِنْ سُورَةِ الفَتْحِ- قَالَ: فَرَجَّعَ فِيهَا قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ على قِرَاءَةَ ابن مُغَفَّلٍ وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابن مُغَفَّلٍ. يَحْكِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: "آا آا آا"
(4)
ثَلَاثَ مَرَاتٍ.
الشرح:
معنى هذا الباب أنه عليه السلام روى عن ربه عز وجل السنة كما روى عنه القرآن، وهذا مبين في كتاب الله تعالى في قوله:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)}
(1)
في الأصل: شعبة وهو تحريف وقد أثبتنا الصواب من "الصحيح"، وسعيد هذا هو ابن أبي عروبة. والله أعلم.
(2)
ورد في هامش الأصل: لم ينفرد به، وقد روى له البخاري أيضًا.
(3)
انظر ترجمة زياد بن فيروز من "تهذيب الكمال" 34/ 11 - 12.
(4)
كذا رسمت في الأصل.
{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3 - 4]، ومعني حديث ابن مغفل في هذا الباب التنبيه على أن القرآن أيضًا يرويه عن ربه تعالى.
وفيه من الفقه: إجازة قراءة القرآن بالترجيع والألحان الملذة للقلوب بحسن الصوت المنشود لا المكفوف عن مداه الخارج عن مساق المحادثة، ألا ترى أنه عليه السلام أراد أن يبالغ في تزيين قراءته لسورة الفتح التي كان وعده الله فيها بفتح مكة فأنجز له؛ ليستميل قلوب المشركين العتاة على الله بفهم ما يتلوه من إنجاز وعد الله له فيهم بإلذاذ أسماعهم بحسن الصوت المرجع فيه بنغم ثلاث في المدة الفارغة من التفصيل، وقول معاوية يدل أن القراءة بالترجيع والألحان تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء والفهم ويستميلها ذلك حتى لا تكاد تصبر على استماع الترجيح المشوب بلذة الحكمة المفهومة.
وقد سلف في فضائل القرآن
(1)
في باب: من لم يتغن بالقرآن اختلافُ العلماء في قراءة القرآن بالألحان والتغني به، فراجعه.
وقوله: (كان ترجيعه آا آا آا)
(2)
. كانت قراءته عليه السلام بالمد والوقوف على الحروف.
فصل:
قد سلف قوله: ("إذا تقرب العبد .. ") إلى آخره أن معناه: إذا تقرب إلى بالطاعة قربت رحمتي منه وكرامتي وعطفي، ومثله:{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 9] في أن المراد به: قرب المنزلة وتوقير الكرامة
(3)
.
(1)
برقمي (5023، 5024).
(2)
كذا رسمها في الأصل.
(3)
قال الشيخ ابن عثيمين في "القواعد المثلى" ص 74 - 76: هذا الحديث كغيره من النصوص الدالة على قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى، وأنه سبحانه فعال =
والهرولة عبارة عن سرعة المشي و (هي)
(1)
عبارة عن سرعة الرحمة إليه ورضا الله عنه وتضعيف الأجر له، كمن مشى إلى صاحبه شبرًا استقبله الآخر ذراعًا ويهرول، والهرولة أصلها ضرب من العَدْوِ بين المشي والعَدْوِ.
والباع (بين)
(2)
اليدين قاله الخطابي، والبوع مصدر باع يبوع: إذا مد باعه، وبسط يده لإدنائه من نفسه قال: وقد تحتمل الرواية أن يكون بوعًا -بضم الباء- جمع باع مثل (داد)
(3)
ودود وساق وسوق
(4)
.
= لما يريد، كما ثبت في الكتاب والسنة مثل قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].
وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر: 22].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه". إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على قيام الأفعال الاختيارية به تعالى.
فقوله في هذا الحديث: "تقربت منه""أتيته هرولة" من هذا الباب، والسلف يجرون هذِه النصوص على ظاهرها، وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه .. اهـ ..
فأي مانع يمنع من القول بأنه يقرب من عبده كيف يشاء مع علوه؟
وأي مانع يمنع من إتيانه كيف يشاء بدون تكييف ولا تمثيل؟
وهل هذا إلا من كماله أن يكون فعالاً لما يريد على الوجه الذي به يليق؟ اهـ ..
ثم ذكر نحوًا من قول المصنف ثم قال: وما ذهب إليه هذا القائل له حظ من النظر لكن القول الأول أظهر وأسلم وأليق بمذهب السلف. اهـ.
(1)
في (ص 1): هنا.
(2)
في (ص 1): من.
(3)
في الأصل: داود.
(4)
"أعلام الحديث" 4/ 2358.
فصل:
في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (يرويه عن ربه). قال الداودي: أكثر الرواية ليس فيها كذلك، وإن كان محفوظًا فهو ممن سوى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال:"أنا سيد ولد آدم"
(1)
.
ويحتمل أن يكون ممن سوى النبي صلى الله عليه وسلم ممن بعده أو من بني آدم جميعًا، وقيل: لم يكن من أولى العزم من الرسل، فقال عليه السلام هذا على طريق الإشفاق والتأدب.
(1)
رواه مسلم (2278) كتاب: الفضائل، باب: تفضيل نبينا على جميع الخلق.
51 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِيرِ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ اللهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا
لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93].
7541 -
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا تَرْجُمَانَهُ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهُ:«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ، وَ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}» [آل عمران: 64] الآيَةَ. [انظر: 7 - مسلم: 1773 - فتح 13/ 516].
7542 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ} الآيَةَ. [آل عمران: 84] ". [انظر: 4485 - فتح 13/ 516].
7543 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ اليَهُودِ قَدْ زَنَيَا، فَقَالَ لِلْيَهُودِ:«مَا تَصْنَعُونَ بِهِمَا؟» . قَالُوا: نُسَخِّمُ وُجُوهَهُمَا وَنُخْزِيهِمَا. قَالَ: «{فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}» . [آل عمران: 93] فَجَاءُوا فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَرْضَوْنَ: يَا أَعْوَرُ اقْرَأْ. فَقَرَأَ حَتَّى انْتَهَى عَلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، قَالَ:«ارْفَعْ يَدَكَ» . فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهِ آيَةُ الرَّجْمِ تَلُوحُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ عَلَيْهِمَا الرَّجْمَ. وَلَكِنَّا نُكَاتِمُهُ بَيْنَنَا. فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا، فَرَأَيْتُهُ يُجَانِئُ عَلَيْهَا الحِجَارَةَ. [انظر: 1329 - مسلم: 1699 - فتح 13/ 516].
وقال ابن عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا
تَرْجُمَانَهُ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَهُ:"بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَي هِرَقْلَ، وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} "
وهذا قد سلف مسندًا أول الكتاب
(1)
.
ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه: كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَ: {قوُلوْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ} الآية [آل عمران: 84] ".
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم أتِيَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ اليَهُودِ قَدْ زَنَيَا .. الحديث بإحضار التوراة، ووضع الأعور يده على آية الرجم، ولا شك أن تفسير كتب الله بالعربية جائز، وقد كان وهب بن منبه وغيره يترجمون كتب الله، إلا أنه لا يقطع على صحتها؛ لقوله عليه السلام:"لا تصدقوا أهل الكتاب" فيما يفسرونه من التوراة بالعربية؛ لثبوت كتمانهم لبعض الكتاب وتحريفهم.
واحتج أبو حنيفة بحديث هرقل، وأنه دعا ترجمانه وترجم له كتابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه حتى فهمه، فأجاز قراءة القرآن بالفارسية، وقال: إن الصلاة تصح بذلك، وخالفه سائر الفقهاء وقالوا: لا تصح الصلاة بها.
وقال أبو يوسف ومحمد: إن كان يحسن العربية فلا تجزئه الصلاة، وإن كان لا يحسن أجزأه
(2)
.
(1)
سلف برقم (7) كتاب: بدء الخلق، باب: كيف كان بدء الوحي.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 260، و"المبسوط" 1/ 37.
من حجة أبي حنيفة أن المقروء يسمى قرآنًا وإن كان بلغة أخرى إذا بين المعنى ولم يغادر منه شيئًا، وإن أتى بما لا ينبئ عنه اللفظ نحو الشكر مكان الحمد لم يجز، واستدلوا بأن الله تعالى حكى قول الأنبياء (بلسانهم)
(1)
بلسان عربي في القرآن كقول نوح: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42]، وأن نوحًا قال هذا بلسانه، قالوا: وكذلك يجوز أن يحكي القرآن بلسانه، وقال تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ} [الأنعام: 19] فأنذر به سائر الناس، والإنذار إنما يكون بما يفهمونه من لسانهم، فقراءة أهل كل لغة بلسانهم حتى يقع لهم الإنذار به، وإذا فسر لهم بلسانهم فقد وقع الإنذار به، وإذا فسر لهم بلسانهم فقد بلغهم، وسمي ذلك قرانًا، وكذلك الإيمان يصح أن يقع بالعربية وبالفارسية.
وحجة (العلماء)
(2)
غيرِه، قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2]، فأخبر تعالى أنه أنزله عربيًّا، فبطل أن يكون القرآن الأعجمي منزلاً، ويقال لهم: أخبرونا إذا قرأ (القارئ)
(3)
بالفارسية هل تسمى فاتحة الكتاب أو تفسيرها؟ فإن قالوا: الثاني. قلنا لهم: قد قال عليه السلام: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"
(4)
ولم يقل: إلا بتفسيرها.
ألا ترى أنه لو قرأ تفسيرها بالعربية في الصلاة لم يجز؛ فتفسيرها بالفارسية أولى بأن لا يجوز، وقولهم: إن الله حكى قول الأنبياء
(1)
من (ص 1).
(2)
في (ص 1): الفقهاء.
(3)
في (ص 1): الفارسي.
(4)
رواه البخاري (756) كتاب: الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم، من حديث عبادة بن الصامت.
الذي بلسانهم بلسان عربي في القرآن، كقول نوح السالف، وأن نوحًا قال هذا بلسانه فكذلك (يجوز)
(1)
أن يحكي القرآن بلسانهم.
فالجواب: أنَّا نقول ما نطقوا إلا بما حكى الله عنهم كما في القرآن، ولو قلنا ما ذكروه لم يلزمنا نحن أن نحكي القرآن بلغة أخرى؛ (لأنه)
(2)
يجوز أن يحكي الله قولهم بلسان العرب، ثم يتعبدنا نحن بتلاوته على ما أنزله، فلا يجوز أن نتعداه، ويحتجون به أنه في الصحف الأولى، ومن قوله:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] فأنذر به على لسان كل أمة، فالجواب: أن العرب إذا حصل عندها أن ذلك معجز وهم أهل الفصاحة، كان العجم أتباعًا لهم كما كانت العامة أتباعًا للسحرة في زمن موسى، وأتباعًا للأطباء في زمن عيسى عليه السلام، فقد تمكن العجم أن ينقلوه بلسان العرب.
وأما قولهم: إن الإيمان يصح أن يقال بالفارسية.
فالجواب: إن الإيمان يقع بالاعتقاد دون اللفظ؛ فلهذا جاز اللفظ بالشهادتين بكل لغة؛ لأن المقصود منه يحصل؛ إذ أصله التصديق بالشريعة، وإذا قرئ بالفارسية سقط المعجز الذي هو النظم والتأليف، (فإن قيل)
(3)
: إنهم (يجيزونه)
(4)
بالفارسية إذا لم يقدر على العربية فينبغي ألا يفترق الحكم، قيل: إنما أُجيز للضرورة، وليس كل ما جاز في حال الضرورة يجوز مع القدرة، ولو كان كذلك لجاز التيمم مع وجود الماء، ولجاز ترك الصلاة مع القدرة؛ لأنه يسقط مع العذر، مع أننا لا نقول بجوازه والحالة هذِه.
(1)
من (ص 1).
(2)
في الأصل: (لأنه لا)، والمثبت من (ص 1)، وانظر "شرح ابن بطال" 10/ 540.
(3)
مكررة في الأصل.
(4)
في (ص 1): يجوزونه.
فصل:
قيل: أما ما فسره من التوراة فكان موافقًا للقرآن صدق؛ لتصديق القرآن إياه، وكذلك هرقل فيما يحكيه كان ذلك موجودًا في النبي صلى الله عليه وسلم، وما لم يصدق القرآن ولم يكذبه حمل على قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله".
فصل:
قوله في الزانيَيْنِ: (نسخم وجوههما): هو بالخاء المعجمة أي: نسودهما، وإنما أتوا إليه؛ (لأنهم)
(1)
قالوا: هذا نبي أرسل بالتسهيل فامضوا إليه، فإن حكم فيها بغير الرجم احتججتم بذلك عند الله، وقلتم: هو حكم نبي من أنبيائك. فلما أتوا بهما دعا بالتوراة. ومنه قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ} [المائدة: 43] فحكم بما فيها؛ لقوله: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44].
فصل:
وقوله: (فأمر بهما فرجما). فيه حجة على مالك في عدم رجمهما، وقال في "المدونة": لم يكن لهم يومئذٍ ذمة
(2)
. وفي غيرها: وأما اليوم فيردون إلى أساقفتهم ولا يرجمان؛ لأن نكاحهم ليس بإحصان، وخالف الشافعي فقال: نكاحهم يحصن ويحل.
فصل:
وقوله: يجنأ أي: بالجيم، أي: يكب.
(1)
من (ص 1).
(2)
"المدونة" 3/ 386.
يقال: جنأ الرجل على الشيء، وجانأ عليه، وتجانأ عليه إذا أكب
(1)
، وروي بالمهملة، أي: يعني عليها ظهره، أي: يعطفه. يقال: حنوت العود: عطفته، وحنيت لغة.
وقد سلف أوضح من ذلك بزيادات.
(1)
انظر: "القاموس المحيط" 1/ 46 [جنأ]، و"لسان العرب" 1/ 69 [جنأ].
52 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ الكِرَامِ البَرَرَةِ» وَزَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُم
"
7544 -
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» . [انظر: 5023 - مسلم: 792 - فتح 13/ 518].
7545 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا،- وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ، قَالَتْ: فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللهَ يُبَرِّئُنِي، وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ يُنْزِلُ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِى فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11] العَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا. [انظر: 2593 - مسلم: 2770 - فتح 13/ 518].
7546 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أُرَاهُ عَنِ البَرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي العِشَاءِ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)} [التين: 1] فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ. [انظر: 767 - مسلم: 464 - فتح 13/ 518].
7547 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَوَارِيًا بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، فَإِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]. [انظر: 4722 - مسلم: 446 - فتح 13/ 518].
7548 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه، قَالَ لَهُ:«إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ، إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 609 - مسلم: 609 - فتح 13/ 518].
7549 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ. [انظر: 297 - مسلم: 301 -
فتح 13/ 518].
ثم ساق ستة أحاديث:
أحدها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "مَا أَذنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوتِ بِالقُرآنِ يَجْهَرُ بِهِ".
ثانيها:
حديث عائشة رضي الله عنها في قطعة من الإفك: وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتكلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَأَنْزَلَ اللهُ تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11].
ثالثها:
حديث البراء: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي العِشَاءِ: بالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ.
رابعها:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتَوَارِيًا
بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَرْفَعُ صوْتَهُ، فَإِفَا سَمِعَه المُشْرِكُونَ سَبُّوا القُرْآنَ وَمَنْ جَاءَ بِهِ. الحديث سلف قريبًا.
خامسها:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالْبَاديَةَ .. ". الحديث سلف في الأذان
سادسها:
حديث عائشة رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ القُرْانَ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائضٌ.
(الشرح)
(1)
:
ترجمة البخاري أخرج القطعة منه مسلم
(2)
من حديث قتادة عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة"
(3)
.
ثم قال: حسن صحيح
(4)
.
وقوله: ("زينوا القرآن بأصواتكم") أخرجه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن الأعمش، عن طلحة، عن عبد الرحمن بن
(1)
في الأصل: فصل. والمثبت من (ص 1).
(2)
ورد في هامش الأصل: لعله سقط الترمذي من هنا أو بعده ولا بد منه لقوله: وقال: حسن صحيح.
(3)
ورد في هامش الأصل: حاشية: حديث الماهر بالقرآن أخرجه الجماعة.
(4)
سبق برقم (4937)، ورواه مسلم (798) كتاب: الصلاة، باب: فضل الماهر في القرآن. وقول (حسن صحيح) هو قول الترمذي (2904).
عوسجة، عن البراء بن عازب مرفوعًا
(1)
، فذكره وأخرجه أيضًا معه (النسائي وابن ماجه
(2)
)
(3)
كما أسلفناه في موضعه، وروي مقلوبًا كما ستعلمه في الباب واضحًا مع البحث عنه.
فصل:
قوله: "ما أذن الله لشيء" استمع.
ويقال: اشتقاقه من الأذن؛ لأن السماع يقع بها لذوي الآذان، قال الشاعر:
صمُ إذا سمعوا خيرًا ذكرت به
…
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
فصل:
وقوله: ("زينوا القرآن بأصواتكم") أي: بالمد والترتيل ليس التطرب الفاحش الذي يخرج إلى حد الغناء.
فصل:
قال الداودي: وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن الله تكلم ببراءة عائشة رضي الله عنها حتى أنزل ما أنزل، لا كما قال بعض الناس: إن الله لم يتكلم بكلامه، وهذا عظيم منه؛ لأنه يلزمه أن يكون تكلم بكلام حادث فتحل فيه الحوادث -تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا- وإنما أراد بقوله:"أنزل الله" أي: أنزل الله إلينا المحدث، وهو عبارة عن القديم
(1)
أبو داود (1468) كتاب: الوتر، باب: استحباب الترتيل في القرآن. وصححه الألباني في تعليقه على "المشكاة"(2199).
(2)
النسائي في "الكبرى" 5/ 21 (8047) وابن ماجه (3779).
(3)
ملحقة من هامش الأصل حيث قال في الحاشية: سقط -ولابد منه- النسائي وابن ماجه.
ليس أن الكلام القديم نزل الآن
(1)
.
فصل:
وكان عليه السلام حسن الصوت. ويقال: إنه والخط أول نعم الله على العباد وكلما زاد في العبد من طول أو غيره لم يخرج (عن)
(2)
جملة الناس، وقال الحسن: الزيادة في الجنة من نعم الله وقرأ (وزاده بسطه في العلم والجسم)[البقرة: 247] قال عليه السلام: "سهل الله لداود القرآن وكان يأمر بدابته لتسرج فلا يفرغ من ذلك حتى يقرأ القرآن"
(3)
يعني: الزبور، وسمع قراءة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وكان حسن الصوت، فقال:"قد أوتي صاحبكم مزمارًا من مزامير آل داود"
(4)
.
فصل:
قال المهلب: المهارة بالقران: جودة التلاوة له بجودة الحفظ فلا يتلعثم في قراءته ولا يغير لسانه فيشكل في حرف أو قصة مختلفة النص، وتكون قراءته سمحة بتيسير الله تعالى له كما يسره على الملائكة الكرام البررة، فهو معها في مثل حالها من الحفظ وتسهيل التلاوة، وفي درجة الأجر إن شاء الله تعالى، فيكون بالمهارة عند الله كريمًا برًّا.
(1)
سبق أن قررنا أن كلام الله من صفاته، وأنه صفة ذاتية باعتبار جنسه، فعلية باعتبار آحاده، وأنه سبحانه يتكلم بما شاء، متى شاء، أينما شاء، لمن شاء.
(2)
في (ص 1): به على.
(3)
سبق برقم (3417) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قوله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} من حديث أبي هريرة.
(4)
رواه النسائي 2/ 180، وابن ماجه (1341)، وأحمد 2/ 354 كلهم من حديث أبي هريرة مرفوعًا، وقد سبق برقم (5048) من حديث أبي موسى.
فصل:
يحتمل -كما قال القاضي- أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقًا للملائكة السفرة؛ لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله، قال: ويحتمل أن يكون المراد به عامل عملهم وسالك مسلكهم
(1)
.
وقد أسلفنا ذلك أيضًا في تفسير سورة عبس.
فصل:
وكأن البخاري رحمه الله أشار بهذِه الترجمة وما ضمنها من الأحاديث في حسن الصوت، إلى أن الماهر بالقران هو الحافظ له مع حسن الصوت (به)
(2)
ألا تراه أدخل بإثر (ذلك)
(3)
الماهر قوله عليه السلام: "زينوا القرآن بأصواتكم" فأحال على الأصوات التي تتزين بها التلاوة في الأسماع لا الأصوات التي تمجها الأسماع؛ لإنكارها وجفائها على حاسة السمع وتألمها بفزع الصوت المنكر، وقد قال تعالى:{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19]؛ لجهارته -والله أعلم- وشدة قرعه للسمع، وفي إتباعه أيضًا بهذا المعنى قوله:"ما أذن الله لشيء" ما يقوي قولنا ويشهد له.
وقد تقدم معناه في كتاب: فضائل القرآن ونزيده هنا وضوحًا، فنقول: إن الجهر المراد بقوله: "يجهر به". هو إخراج القرآن في التلاوة عن مساق المحادثة بالأخبار بإلذاذ أسماعهم بحسن الصوت
(1)
"إكمال المعلم" 3/ 166.
(2)
من (ص 1).
(3)
هكذا في الأصل، وفي "شرح ابن بطال" 10/ 542: ذكر.
وترجيعه لا الجهر المنهي عنه الجافي على السامع، كما قال تعالى لنبيه:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} الآية [الإسراء: 110]، كما قال تعالى في نبيه:{وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2].
وقوله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] دليل على أن رفع الصوت على المكالم بأكثر من صوته من الأذي، والأذى (حظه)
(1)
، ويدل على أن المقاومة لمقدار أصوات المتكلمين معافاة من الخطأ إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، فمنع الله تعالى من مقاومته في الآية توقيرًا له وإعظامًا.
وقد أسلفنا حديث عائشة رضي الله عنها في طبق ترجمة القرآن.
وتأويل قوله: "أجران" فيه
(2)
، والله أعلم، يفسره حديث ابن مسعود رضي الله عنه:"من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات"
(3)
، فيضاعَفُ الأجر لمن يشتد عليه حفظ القرآن، فيُعطى لكل حرف عشرين حسنة.
وأجر الماهر أضعاف هذا إلى ما لا يعلم مقداره؛ لأنه مساو للسفرة الكرام البررة؛ لأنهم ملائكة. وفي هذا تفضيل الملائكة علي بني آدم، وقد سلف ما فيه، وكذلك لم يسند البخاري قوله عليه السلام:"زينوا القرآن بأصواتكم" وقد أسندناه، وهو تفسير قوله:"ليس منا من لم يتغن بالقران"
(4)
؛ لأن تزيينه بالصوت لا يكون إلا بصوت يطرب سامعيه
(1)
هكذا في الأصل، وفي "شرح ابن بطال" 10/ 543:(خطيئة).
(2)
كذا بالأصل، والمعني يستقيم بدونها.
(3)
رواه الترمذي (2910) بلفظ: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها .. " وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(4)
سبق برقم (7527) كتاب: التوحيد، باب قول الله تعالى:{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} .
ويلتذون بسماعه، وهو (التغني)
(1)
الذي أشار إليه الشارع [و]
(2)
هو الجهر الذي قيل في الحديث، يجهر به بتحسين الصوت الملين للقلوب من القسوة إلى الخشوع، وهذا التزيين الذي أمر به عليه السلام.
وإلى هذا أشار أبو عبيد بمجمل الأحاديث التي جاءت في حسن الصوت بالقرآن، إنما هو من طريق التحزين والتخويف والتشويق، وقال: إنما نهى أيوبُ شعبةَ أن يحدث بحديث: "زينوا القرآن بأصواتكم"، لئلا (يتأول)
(3)
الناس فيه الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذِه الألحان المبتدعة
(4)
.
وفسر الخطابي الحديث على القلب، فقال: معناه: زينوا أصواتكم بالقرآن، على مذهبهم في قلب الكلام، وهو كثير، يقال: عرضت الناقة على الحوض، أي: عرضت الحوض على الناقة.
وإنما تأولنا الحديث على هذا المعنى؛ لأنه لا يجوز على القرآن وهو كلام الخالق أن يزينه صوت مخلوق، وقال شعبة: نهاني أيوب أن أحدث بهذا الحديث
(5)
.
وكذا رواه سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"زينوا أصواتكم بالقرآن".
والمعنى: اشتغلوا بالقرآن، والهجوا بقراءته، واتخذوه شعارًا، ولم يرد تطريب الصوت والتزين له؛ إذ ليس ذلك في وسع كل أحد، لعل من
(1)
في الأصل: المعنى.
(2)
زيادة يقتضيها السياق، من "شرح ابن بطال".
(3)
في (ص 1): يتناول.
(4)
"غريب الحديث" 1/ 282 - 283 بتصرف.
(5)
في حاشية الأصل: تقدم هذا قريبا.
الناس من يريد التزيين له فيفضي به ذلك إلى التهجين
(1)
.
وهذا معنى قوله عليه السلام: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن". إنما هو أن يلهج بتلاوته كما يلهج الناس بالغناء والطرب عليه، وكذلك فسره أبو سعيد بن الأعرابي سأله عنه إبراهيم بن فراس، فقال: كانت العرب تتغنى بالركباني -وهو النشيد بالتمطيط والمد- إذا ركبت الإبل وإذا جلست في الأفنية وعلى أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب عليه السلام أن يكون القرآن هجيرهم مكان التغني بالركباني
(2)
.
قال ابن بطال: والقول الأول الذي عليه الفقهاء، وعليه تدل الآثار، وما اعتل به الخطابي أن كلام الله لا يجوز أن يزينه صوت مخلوق، فقد نقضه بقوله: وليس التزيين في وسع. إلى آخره، فقد نفى عنه التزيين وأثبت له التهجين.
وهذا خلف من القول، ولو كان من باب المقلوب كما زعمه هذا القائل لدخل في الخطاب من كان قبيح الصوت وحسنه، ولم يكن للصوت الحسن فضل على غيره، ولا عرف للحديث معنى، ولما ثبت أنه عليه السلام قال لأبي موسى الأشعري حين سمع قراءته وحسن صوته:"لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود"
(3)
.
وثبت أن عقبة بن عامر رضي الله عنه كان حسن الصوت بالقرآن، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اقرأ سورة كذا، فقرأها عليه، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: ما (كنت)
(4)
أظن أنها نزلت.
(1)
في حاشية الأصل: التهجين: التقبيح.
(2)
"معالم السنن" 1/ 252 - 253 بتصرف.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
من (ص 1).
فدل ذلك أن التزيين للقرآن إنما هو تحسين الصوت به؛ ليعظم موقعه في القلوب وتستميل مواعظه (من النفوس)
(1)
، ولا ينكر أن القرآن يزين صوت من أدمن قراءته، وآثره على حديث الناس، غير أن جلالة موقعه من القلوب والْتذاذ السامعين به لا يكون إلا مع تحسين الصوت به
(2)
.
واعترض ابن التين فقال: ظن الشارح -يعني ابن بطال- أن غرض البخاري إثبات حكايته قراءة القرآن بتحسين الصوت، وليس كذلك، وإنما غرضه الإشارة إلى ما تقدم من وصف التلاوة بالحسن والتحسين، والرفع والخفض، ومقارنة الحالات البشرية؛ لقولها:(قرأ القرآن في حجري وأنا حائض). فهذا كله يحقق أن القراءة فعل القارئ، ومتصفة بما تصف به الأفعال، ومتعلقة بالظروف المكانية والزمانية.
فصل:
وقوله في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: "ارفع صوتك بالنداء": فيه دليل أن رفع الصوت وتحسينه بذكر الله في القرآن وغيره من أفعال البر؛ لأن في ذلك تعظيم أمر الله والإعلان بشريعته، وذلك يزيد في التخشع وترقيق النفوس.
فصل:
وأما حديث عائشة رضي الله عنها ففيه معنى ما ترجم به من المهارة بالقرآن؛ لأنه عليه السلام كان قد يسر الله (عليه)
(3)
قراءته حتى كان يقرؤه على كل أحواله لا يحتاج أن يتهيأ له بقعود ولا بإحضار حفظ، لاستحكامه فيه
(1)
كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال": النفوس.
(2)
"شرح ابن بطال"10/ 542 - 546.
(3)
في الأصل: (على)، والمثبت هو المناسب للسياق.
فلا يخاف عليه توقفا؛ فلذلك كان يقرؤه راقدًا وماشيًا وقاعدًا ونائمًا، ولا يتأهب لقوة حفظه ومهارته عليه السلام.
وفيه: أن المؤمن لا ينجس كما قال عليه السلام
(1)
، وأن وصف المؤمن بالنجاسة إنما هو إخبار عن حال مباشرة الصلاة ونقض غسله ووضوئه، ألا تري سماع عائشة رضي الله عنها قراءته وهي حائض، والسماع عمل من أعمال المؤمنين مدخور لهم به الحسنات ورفع الدرجات.
(1)
سلف برقم (283) كتاب الغسل، باب: عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس. من حديث أبي هريرة.
53 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]
7550
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ القَارِيَّ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ التِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا. فَقَالَ: «أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ» . فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ» .، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْرَأْ يَا عُمَرُ» . فَقَرَأْتُ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ:«كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» . [انظر: 2419 - مسلم: 818 - فتح 13/ 520].
ذكر فيه حديث عمر رضي الله عنه: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيبم يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ في حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. الحديث وفيه:"إِنَّ هذا القُرْانَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ منْهُ".
وقد سلف في فضائل القرآن
(1)
، وسلف ما للعلماء فيه، وتأويل السبعة أحرف فراجعه.
(1)
سلف برقم (5041) باب: من لم ير بأسًا أن يقول .. ، ورواه مسلم (818) كتاب: صلاة المسافرين، باب: بيان أن القرآن على سبعة أحرف.
معنى الآية: ما تيسر على القلب حفظه من آياته وعلى اللسان من لغاته وإعراب حركاته كما فسره الشارع في هذا الحديث، فإن قلت: فإذا ثبت أن القرآن نزل على سبعة أحرف، فكيف ساغ للقراء تكثير (الآيات)
(1)
وإقراؤهم بسبعين رواية وأزيد (من مائة)
(2)
؟
الجواب: أن عثمان رضي الله عنه لما أمر بكتابة المصاحف التي بعث بها إلى البلدان أخذ كل إمام من أئمة القراء في كل أفق نسخة، فما انفك (له)
(3)
من سوادها وحروف مدادها مما وافق قراءته التي كان يقرأ، لم يمكنه مفارقته لقيامه في سواد (الخط)
(4)
، و (أنه)
(5)
كان عنده (فيه)
(6)
رواية إلى أحد من الصحابة مع أنه لم تكن النسخ التي بعث بها عثمان رضي الله عنه مضبوطة بشكل لا يمكن تعديه، ولا تحقيق هجاء بعض معانيه؛ إذ كانوا يسمحون في الهجاء بإسقاط الألف من كلمه لعلمهم بها استخفافًا (لكثرة)
(7)
تكريرها كألف العالمين والمساكين، وكل ألف هي في المصحف ملحقة بالهمزة.
قال يزيد الرقاشي: كان في المصحف: كانوا: كنوا وقالوا: قلوا، فزدنا فيها ألفًا. يريد جماعة القراء حين جمعهم الحجاج، وكذلك ما زادوا في الخط، وقد كان في المصحف (ماء غير يسن) فردها
(1)
كذا بالأصل، وفي "ابن بطال": الروايات.
(2)
من (ص 1).
(3)
من (ص 1).
(4)
كذا بالأصل، وفي "ابن بطال": الحفظة.
(5)
في الأصل: إن، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(6)
في الأصل: في.
(7)
في الأصل: لثكرة، وهو خطأ.
الحجاج مع جماعة القراء {ءَاسِنٍ} ، وفي الزخرف:(معايشهم) فردها {مَعِيشَتَهُمْ} ، فكلٌّ تأول من ذلك الخط ما وافق قراءته، كيفما كان من طريق الشكل وحركات الحروف مما (يدل)
(1)
المعنى.
وقد يجوز أن يكون ذلك من ذهل الأقلام، ويدل على ذلك استجلاب الحجاج مصحف أهل المدينة ورد مصاحف البصرة والكوفة إليه وإبقاء ما لا يغير معنى وما له وجه جائز من وجوه ذلك المعنى.
وصار خط مصحف أهل المدينة سنة متبعة لا يجوز فيه التغيير؛ لأنها القراءة المنقولة سمعًا، وأن الستة المتروكة قطعًا لذريعة الاختلاف ما وافق منها المنفك من (شواهد)
(2)
الخط لأهل الأمصار، فتواطئوا عليها، جوز لهم تأويلهم فيه بما وافق روايتهم عن صحابي؛ لخشية التحزب الذي منه هربوا، (ولكثرة)
(3)
من اتبع القراء في تلك الأمصار من العامة غير (المأمور به)
(4)
عند منازعتها، فهذا وجه تجويز العلماء أن يقرأ بخلاف أهل المدينة وبروايات كثيرة.
وأما ما ذكر من قراءة ابن مسعود فهو تبديل كلمة بأخرى كقوله: {صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 49] قرأها: (زقية واحدة) و {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [الصافات: 46] قرأها: (صفراء لذة للشاربين) فهذا تبديل اللفظ والمعنى.
وكذلك أجمعت الأمة على ترك القراءة بها، ولو سمح في تبديل السواد لما بقي منه إلا الأقل، لكن الله تعالى حفظه علينا من
(1)
كذا في الأصل، وفي "شرح ابن بطال": يبدل.
(2)
كذا بالأصل، وفي "ابن بطال": سواد.
(3)
في الأصول: وأنكره، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(4)
في ابن بطال (المأمونة).
(تحكم)
(1)
(المتأولين)
(2)
وتسلط أيدي الكائدين على تبديل حرف بحرام إلى حلال، وحلال بحرام، وكلمة عذاب برحمة، ورحمة بعذاب، ونهي بأمر، وأمر بنهي، وأما سوى ذلك مما هو جائز في كلام العرب من نصب وخفض ورفع بما لا (يحيل)
(3)
معنى ولا حرج فيه.
وقد روى البغوي: حدثنا محمد بن زياد: حدثنا (أبو)
(4)
شهاب الحناط
(5)
، حدثنا داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بابه، فقال بعضهم: إن الله قال في آية كذا كذا، وقال بعضهم: لم يقل كذا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما فقئ في وجهه حب الرمان وقال:"أبهذا أمرتم؟ إنما ضلت الأمم في مثل هذا، انظروا ما أمرتم به فاعملوا به، وما نهيتم عنه فانتهوا"
(6)
.
(1)
من (ص 1)، وفي الأصل: حكم.
(2)
في (ص 1): المغالين.
(3)
من (ص 1)، وفي الأصل:(يحل).
(4)
في الأصول: ابن، وهو خطأ والمثبت من مصادر ترجمته.
(5)
هو عبد ربّه بن نافع الكناني، أبو شهاب الحفاظ الكوفي، نزيل المدائن، وهو الأصغر روى عن: داود بن أبي هند والثوري والأعمش وشعبة وغيرهم، روى عنه: سعيد بن منصور ومحمد بن زياد، وأبو نعيم الفضل بن دكين وغيرهم. انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 6/ 81، "تهذيب الكمال" 16/ 485 - 488.
(6)
لم أقف عليه بهذا الإسناد، لكن رواه بلفظه أحمد 2/ 195 - 196، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(180) من طريق إسماعيل بن علية عن داود ابن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
ورواه ابن ماجه (85)، وأحمد 2/ 178 من طريق أبي معاوية.
ورواه أحمد 2/ 196، وابن أبي عاصم في "السنة" 1/ 177 (406)، والطبراني في "الأوسط" 2/ 79 (1308)، والقطيعي في "جزء الألف دينار"(177)، وابن بطه =
فدل هذا أنه لم يكن في السبع التي نزل بها القرآن ما يحيل الأمر والنهي عن مواضعه، ولا يحيل الصفات عن مواضعها؛ لأنه مأمور باعتقادها ومنهي عن قياسها عن المعاني؛ لأنه تعالى بريء من الأشباه والأنداد، وبقيت حركات الإعراب مستعملة لما انفك من سواد الخط في المجتمع عليه، وعلي هذا استقر أمر الإعراب عند العلماء.
= في "الإبانة"(1276، 1985) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(1118، 1119)، والبيهقي في "القضاء والقدر"(440، 441) من طريق حماد ابن سلمة كلاهما -أبي معاوية وحماد- عن داود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده بلفظ: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر .. الحديث.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 14: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه أحمد في "مسنده" من هذا الوجه بزيادة في آخره، وكذا رواه الحارث بن محمد بن أبي أسامة في "مسنده" كما أوردته في "زوائد المسانيد العشرة".
وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه"(69): حسن صحيح.
تنبيه:
شارك داود في رواية هذا الحديث عن عمرو بن شعيب كلٌّ من: مطر الوراق، وحميد، وعامر الأحول، وقتادة، وثابت، كما عند أحمد، وابن أبي عاصم، والطبراني، والقطيعي، وابن بطه، واللالكائي، والبيهقي.
54 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِفَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 17]
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» . يُقَالُ: مُيَسَّرٌ مُهَيَّأٌ.
وقال مجاهد
(1)
: يسرنا القرآن للذكر بلسانك هَوَّنَّا قِراءَتَهُ عليك.
وَقَالَ مَطَرٌ الوَرَّاقُ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 17] قَالَ: هَلْ مِنْ طَالِبِ عِلْمٍ فَيُعَانَ عَلَيْهِ.
7551 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، قَالَ يَزِيدُ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِيمَا يَعْمَلُ العَامِلُونَ؟ قَالَ:«كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» . [انظر: 6596 - مسلم: 2649 - فتح 13/ 521].
7552 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ
كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا، فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ فَقَالَ:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الجَنَّةِ» . قَالُوا: أَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)} الآيَةَ [الليل: 5] ". [انظر: 1362 - مسلم: 2647 - فتح 13/ 521].
ثم ساق حديث عِمْرَانَ رضي الله عنه: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِيمَا يَعْمَلُ العَامِلُونَ؟ قَالَ:"كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ".
وحديث علي رضي الله عنه: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا، فَجَعَلَ يَنْكُتُ
(1)
ورد في هامش الأصل: كلام مجاهد كنت أحفظه وراجعت نسخه
…
صحيحه فلم أجده فإن كان في الأصل الذي شرح منه فذاك وقد أسنده فيما يأتي فيه الأصل، وإلا فهو تفسير المؤلف والله أعلم.
في الأَرْضِ فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا كتِبَ مَقْعَدُةُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الجَنَّةِ". قَالُوا: أَلَا نَتَّكِلُ؟ قَإلَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} [الليل: 5] ".
الشرح:
قد سلف الكلام في معنى هذِه الأحاديث في كتاب: القدر فراجعه، وتيسير القرآن للذكر: تسهيله على اللسان ومسارعته إلى القراءة حتى إنه ربما سبق اللسان إليه في القراءة فيجاوز الحرف إلى ما بعده وتحذف الكلمة حرصًا على ما بعدها، وقوله:{فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17] أي: متفكر ومتدبر لما يقرأ ومستيقظ لما يسمع، فأمرهم أن يعتبروا وحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بمن هلك من الأمم قبلهم، وأصله:(مذتكر)
(1)
مفتعل من الذكر، أدغمت الذال في التاء ثم قلبت دالاً، وأدغمت الذال في الدال؛ لأنها أشبه بالذال من التاء.
فصل:
قوله: ("ميسر لما خلق له"). قد أسنده فيما مضى ويأتي، وقول مجاهد أخرجه ورقاء، عن ابن جريج عنه
(2)
.
وأثر مطر أخرجه الحاكم في "المدخل إلى معرفة الإكليل": حدثنا أحمد بن محمد، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا يزيد بن موهب، ثنا
(1)
في الأصل: مذتكير.
(2)
كذا بالأصل: عن ابن جريج عنه.
وفي "تفسير مجاهد" 2/ 637، وابن جرير 11/ 555: ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} . قال: هوّناه.
وعزاه الحافظ في "تغليق التعليق" 5/ 378 للفريابي في "تفسيره" بمثل ما في "تفسير مجاهد" وابن جرير.
ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر به
(1)
، أنبأنا أبو النون الدبوسي
(2)
عن ابن المقير عن الحافظ السلامي إجازة عن زاهر الشحامي، عن البيهقي، عن الحاكم به.
فصل:
الجنازة بفتح الجيم وكسرها، والكسر للسرير، والفتح للميت، قاله أبو عبيد
(3)
، وقال غيره عكسه، وقال الهروي: يقال بالفتح والكسر وقد سلف ذلك غير مرة، وفي "الصحاح": الجنازة واحدة الجنائز، قال: والعامة تقول: واحد الجنازة بالفتح، قال: والمعنى الميت على السرير فإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير ونعش
(4)
.
وقوله: (فجعل ينكت). بضم الكاف أي: يضرب في الأرض فيؤثر فيها.
وقوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)} الآية [الليل: 5]، قال ابن عباس رضي الله عنهما:{وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} [الليل: 6]: بالخلف
(5)
، وقال مجاهد: بالجنة
(6)
، وقال عطاء: بلا إله إلا الله.
(1)
"المدخل إلى معرفة الإكليل" ص 23. وفيه: عن مطر الوراق في قوله تعالى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} قال: إسناد الحديث. وورد في هامش الأصل: وقد رأيت أثر مطر في "سنن الدارمي" في أوائله في باب: فضل العلم والعالم قال: أخبرنا محمد بن كثير، عن ابن شوذب، عن مطر فذكره. انظر ["سنن الدارمي" 1/ 364 (358)].
(2)
ورد بهامش الأصل: يونس بن إبراهيم بن عبد القوي بن داود ( .. ) الدبوسي. [انظر ترجمته في: "الدرر الكامنة" 4/ 484].
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 1/ 306.
(4)
"الصحاح" 3/ 870.
(5)
رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 612 (37438).
(6)
المصدر السابق 12/ 613 (37451).
وروى محمد بن إسحاق: أن هذا القول في أبي بكر الصديق رضي الله عنه
(1)
، ومعنى اليسرى: للحال اليسرى، وقوله:{وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} . هو أبو سفيان
(2)
.
فصل:
لا بأس أن نذكر طرفًا مما أسلفناه على حديث عمر مع هشام رضي الله عنهما السالف في الباب قبله.
قال بعض العلماء: الخلاف الذي وقع بينهما غير معلوم، وقيل: ليس في السورة عند القراء اختلاف فيما ينتقص فيها من كتب المصحف سوى قوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا} [الفرقان: 61] وقرئ: (سرجًا)
(3)
على أنه جمع سراج وباقي ما فيها من اختلاف القراءة لا يخالف خط المصحف.
فصل:
مما أسلفنا هناك من الأحرف السبعة: القراءات، قاله الخليل
(4)
. أو سبعة أنحاء كل نحو منها جزء من أجزاء القرآن لا نحا غيره
(5)
، وذهبوا إلى [أن]
(6)
كل حرف منها صنف من الأصناف نحو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] أي: نوع من
(1)
"السيرة" لابن إسحاق ص 171 - 172.
(2)
رواه عبد بن حميد، وابن مردويه، وابن عساكر كما في "الدر المنثور" 6/ 605 من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
(3)
"الحجة للقراء السبعة" لأبي الحسن الفارسي 8/ 347، "الكشف عن وجوه القرآت السبع" لمكيِّ 2/ 146.
(4)
انظر: "البرهان في علوم القرآن" 1/ 214.
(5)
كذا بالأصل.
(6)
زيادة يقتضيها السياق.
الأنواع التي يعبد عليها، فمنها ما هو محمود، ومنها ما هو بخلاف ذلك، مراده أن منها زجزًا وأمرًا وحلالًا وحرامًا ومحكمًا ومتشابهًا وأمثالاً، أو سبع لغات مفترقات في القرآن على لغات العرب كلها يمنها ونزارها؛ لأنه عليه السلام لم يجهل شيئًا منها فكان أوتي جوامع الكلم، وهذا قول أبي عبيد في تأويل هذا الحديث
(1)
.
وقيل: هذِه (اللغات)
(2)
السبعة في مضر، ودليل ذلك قول عثمان رضي الله عنه: نزل القرآن بلسان مضر. وقبائل مضر: كنانة وأسد وهذيل وتميم وضبة وقيس فهي سبع قبائل
(3)
تستوعب سبع لغات، وأنكر آخرون أن تكون كلها في مضر، وقالوا: في مضر شواذ لا يجوز قراءة القرآن بها (مثل)
(4)
كشكشة (قيس)
(5)
، وعنعنة تميم، وكشكشة (قيس)
(6)
يجعلون كاف المؤنث شيئًا، يقولون: يا هذِه (ادعي)
(7)
لي ربش: أي: ربك، وعنعنة تميم يقولون في أن: عن، وبعضهم يبدل السين تاء فيقولون في الناس؟ النات
(8)
.
وأنكر أكثر العلماء أن معنى سبعة أحرف: سبع لغات؛ لأنه من كانت لغته شيئًا قد حمل عليها لم ينكر عليه، وفي فعل عمر رضي الله عنه
(1)
"غريب الحديث" 1/ 451 - 452.
(2)
في الأصل: اللغة.
(3)
كذا بالأصل، والمذكور ست قبائل.
(4)
من (ص 1).
(5)
في الأصل: قريش، والمثبت من "التمهيد" 8/ 277، و"تفسير القرطبي" 1/ 39، و"البرهان في علوم القرآن" 1/ 220.
(6)
التخريج السابق.
(7)
في الأصل: ادعو، والمثبت هو الصواب.
(8)
انظر: "التمهيد" 8/ 277 - 278، "تفسير القرطبي" 1/ 39، "البرهان في علوم القرآن" 1/ 219 - 220.
دليل، (لأن)
(1)
عمر رضي الله عنه قرشي عدوي، وهشام بن حكيم قرشي أسدي، ومحال أن ينكر عمر لغته، كما محال أن يقرئ أحدًا بغير ما يعرفه من لغته.
والأحاديث الصحاح بمثل خبر عمر رضي الله عنه. وقالوا: معنى سبعة أحرف. أي: أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو: أقبل
(2)
وتعال وهلم
(3)
.
وذكر الشيخ أبو الحسن في "تمهيده ": إجازة مالك القراءة بما روي عن عمر رضي الله عنه: (فامضوا إلى ذكر الله)، ولم يقرأه أحد من القراء الذين ذكرهم ابن مجاهد، ثم قال: ليس معنى قول مالك هذا الإطلاق أن تتخذ القراءة، (بهذا)
(4)
سنة. إنما معناه: لاحرج على من قرأ بشيء وقد قرأ به.
وقيل: أراد مالك لا بأس أن يقرأ الإمام على المعنى ليبين معنى {فَاسْعَوْا} .
وقيل: إنما جاز لهم ذلك في وقت خاص (للضرورة)
(5)
؛ وذلك أنه كان يشق على من له لغة أن يتحول عنها، فوسع لهم اختلاف اللفظ مع اتفاق المعنى حتى كثر من كتب منهم، وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع حكم السبعة الأحرف
(6)
.
(1)
في الأصل: أن، والمثبت يقتضيه السياق.
(2)
في الأصل: (بل) والمثبت من "التمهيد".
(3)
انظر: "التمهيد" 8/ 281.
(4)
في الأصل: فهذا، والمثبت هو المناسب للسياق.
(5)
من (ص 1) وبيض لها في الأصل.
(6)
انظر: "التمهيد" 8/ 294.
وروي عن ابن زياد عن مالك في معنى سبعة أحرف قال: هو مثل: {وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} {غَفُورًا رَحِيمًا} ونحو هذا يقول: يقرأ مكان هذا ما لم يجعل آية رحمة آية عذاب.
55 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)} [البروج: 21 - 22]{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)} [الطور: 1 - 2]
قَالَ قَتَادَةُ: {مَسْطُورٍ} مَكْتُوبٌ، {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} [الزخرف: 4] جُمْلَةِ الكِتَابِ وَأَصْلِهِ، {مَا يَلْفِظُ} [ق: 18] مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ كُتِبَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يُكْتَبُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ. {يُحَرِّفُون} [النساء: 46] يُزِيلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللهِ، وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، دِرَاسَتُهُمْ: تِلَاوَتُهُمْ. {وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12]: حَافِظَةٌ، وَتَعِيَهَا: تَحْفَظُهَا. {وَأُوحِىَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ} [الأنعام: 19] يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ {وَمَنْ بَلَغَ} : هَذَا القُرْآنُ فَهْوَ لَهُ نَذِيرٌ.
7553 -
وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَمَّا قَضَى اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا عِنْدَهُ: غَلَبَتْ -أَوْ قَالَ: سَبَقَتْ- رَحْمَتِي غَضَبِي. فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ» [انظر: 3194 - مسلم: 2751 - فتح 13/ 522].
7554 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَبَا رَافِعٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي. فَهْوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ» [انظر: 3194 - مسلم: 2751 - فتح 13/ 522].
وقال لِي خَلِيفَةُ: ثَنَا مُعْتَمِرٌ قال: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ:"لَمَّا قَضَي اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ كتَابًا عِنْدَهُ: غَلَبَتْ -أَوْ قَالَ: سَبَقَتْ- رَحْمَتِي غَضَبِي. فَهْوَ عِنْدهُ فَوْقَ العَرْشِ".
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ، قال سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: ثَنَا قَتادَةُ، أَنَّ أَبَا رَافِح حَدَّثَ أَنَّهُ سمع أبا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "إنِّ اللهَ كَتَبَ كتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إِنَّ رَحْمتي سَبَقَتْ غَضَبِي. فَهْوَ مَكْتُوبٌ عِنْدةُ فَوْقَ العَرْشِ".
الشرح:
قوله: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21)} [البروج: 21] أي: كريم على الله، وقرأ محمد البناني بخفض {مَجِيدٌ} أي: قرآن رب مجيد، وقيل: معنى {مَجِيدٌ} : أحكمت آياته وبينت وفصلت.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: خلق الله اللوح المحفوظ من درة بيضاء، دفتاه ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، ينظر الله (إليه)
(1)
كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يحيى في كل نظرة ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء في لوح محفوظ وهو أم الكتاب عند الله
(2)
.
وقرأ نافع (محفوظ) بالرفع على أنه نعت لقرآن، المعنى: بل هو قرآن مجيد محفوظ، وقرأه غيره بالخفض بعد اللوح.
وقوله: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)} [الطور: 1 - 2] قيل: الطور جبل بالشام.
(1)
زيادة يقتضيها السياق.
(2)
سبق تخريجه، في أثناء شرحه لباب: كل يوم هو في شأن.
وأثر قتادة أخرجه عبد الرزاق
(1)
عن معمر عنه، وفي بعض نسخ البخاري قال: يسطرون. يكتبون في أم الكتاب، والكتاب: القرآن في أيدي السفرة، قاله الحسن.
وقال الزجاج: الكتاب ههنا على ما أثبت علي بني آدم من أعمالهم
(2)
.
وقوله: {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} جملة الكتاب وأصله. هذا قول قتادة
(3)
، ونظيره: إنه لقرآن مجيد في لوح محفوظ، وقيل:{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ} يعني ما قدر من الخير والشر.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه علي بن أبي طلحة الشامي في "تفسيره" عنه
(4)
، وما ذكره في {يُحَرِّفُونَ} هو رأيه وهو أحد القولين
(5)
وتجويز أصحابنا الاستنجاء بأوراق التوراة والإنجيل معللين بتبديلهما يخالفه.
(1)
عبد الرزاق في "تفسير القرآن العزيز" 2/ 199 (2998).
(2)
انظر: "زاد المسير" 8/ 46.
(3)
رواه ابن جرير في "تفسيره" 11/ 166.
(4)
"صحيفة عليّ بن أبي طلحة" ص 462 (1186).
(5)
ورد في هامش الأصل: ولابن القيم في المسألة ثلاثة أقوال في "إغاثة اللهفان" ونقل هذا المذهب عن البخاري واختيار الرازي وطائفة أخرى من أهل الحديث والفقه والكلام. ثم قال: وسمعت شيخنا -يعني: ابن تيمية- يقول: وقع النزاع في هذِه المسألة بين بعض الفضلاء وبين غيره فاختار هذا المذهب فأنكر عليه فأحضر لهم خمسة عشر نقلا، إلى أن قال ابن القيم: وتوسطت طائفة ثالثة فقالوا: وزيد فيها وغُيرِّ ألفاظ يسيرة ولكن أكثرها باق، وممن اختار هذا القول شيخنا. يعني: ابن تيمية أبا العباس.
[انظر: "إغاثة اللهفان" 2/ 352 - 354].
وقوله: {وَمَنْ بَلَغَ} هذا القرآن. أي: ومن بلغهم هذا القرآن وإنما حذف الهاء من بلغ؛ لطول الاسم. ذكره النحاس. وقيل: من بلغ أي: مبلغ الحُلم، كما تقول فلان: قد بلغ
(1)
.
وقوله: "لما قضى الله الخلق" قيل: لما فرض، وقيل: لما خلق، مثل:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} وقوله: "فهو عنده فوق العرش". قيل: معناه دون العرش.
قال الداودي: يحتمل أن يكون في اللوح المحفوظ، ويحتمل أن يكون فيه وفي كتاب غيره.
قال المهلب: وما ذكره عليه السلام من سبق رحمة الله لغضبه فهو ظاهر؛ لأن مَن غَضِب الله عليه من خلقه لم يخيبه في الدنيا من رحمته ورأفته بأن رزقه وخوله في نعمه مدة عمره، أو وقتًا من دهره، ومكَّنه من آماله وملاذِّه، وهو لا يستحق بكفره ومعاندته لربه غير أليم العذاب، فكيف رحمته بمن آمن به، واعترف بذنوبه، ورجا غفرانه، ودعاه تضرعًا وخفية؟ وقد قال بعض المتكلمين: إن رحمته تعالى لم تنقطع عن أهل النار المخلدين الكفار؛ إذ من قدرته تعالى أن يخلق لهم عذابًا يكون عذاب النار لأهلها رحمة وتخفيفًا بالإضافة إلى ذلك العذاب.
فصل:
وقوله: (وقال لي خليفة: ثنا معتمر) تقدم معنى ذلك في غير موضع، ورواه عن المعتمر -عند الإسماعيلي- عاصمُ بن النضر.
قال الإسماعيلي: ثنا إبراهيم بن هاشم والحسن بن سفيان عنه.
(1)
"معاني القرآن" 2/ 406.
وأبو رافع اسمه نفيع الصائغ، كان بالمدينة ثم تحول إلى البصرة، قيل: إنه أدرك الجاهلية، وروى عنه الحسن وبكر وثابت وغيرهم عندهما.
فصل:
محمد بن أبي غالب السالف هو القومسي الطيالسي، روى عنه البخاريُّ وأبو داود وهو حافظ ثبت، مات سنة خمسين ومائتين
(1)
، وأما محمد بن أبي غالب صاحب هشيم، فشيخ عبد الله بن أحمد
(2)
، وأما محمد بن إسماعيل فهو ابن أبي سمينة بصري ثقة، روى عنه أبو داود بغير واسطة، والبخاري بواسطة كما ترى، مات سنة ثلاثين ومائتين
(3)
.
(1)
انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 26/ 265 - 267.
(2)
انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 26/ 267 - 268.
(3)
انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 24/ 479 - 482.
56 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون (96)} [الصافات: 96]
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر (49)} [القمر: 49].
وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ: "أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". [انظر: 2105]. {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الآية [الأعراف: 54].
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: بَيَّنَ اللهُ الْخَلْقَ مِنَ الأَمْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54]. وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الإِيمَانَ عَمَلاً.
وقَالَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه وَأَبُو هُرَيْرَةَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ
أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ". [انظر: 2518، 26] وَقَالَ: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}» . [السجدة: 17].
وَقَالَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مُرْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهَا دَخَلْنَا الجَنَّةَ. فَأَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ، وَالشَّهَادَةِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَمَلاً.
7555 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ هَذَا الحَيِّ مِنْ جُرْمٍ وَبَيْنَ الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللهِ كَأَنَّهُ مِنَ المَوَالِي، فَدَعَاهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ لَا آكُلُهُ. فَقَالَ: هَلُمَّ فَلأُحَدِّثْكَ عَنْ ذَاكَ، إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، قَالَ:«وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ» . فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ:«أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟» .
فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، ثُمَّ انْطَلَقْنَا، قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ حَلَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَحْمِلُنَا، وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمِينَهُ، وَاللهِ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ، فَقَالَ:«لَسْتُ أَنَا أَحْمِلُكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَتَحَلَّلْتُهَا» . [انظر: 3133 - مسلم: 1649 - فتح 13/ 527].
7556 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ المُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي أَشْهُرٍ حُرُمٍ، فَمُرْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ، إِنْ عَمِلْنَا بِهِ دَخَلْنَا الجَنَّةَ، وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ:«آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللهِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَتُعْطُوا مِنَ المَغْنَمِ الخُمُسَ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: لَا تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالظُّرُوفِ المُزَفَّتَةِ، وَالْحَنْتَمَةِ» . [انظر: 53 - مسلم: 17 - فتح 13/ 527].
7557 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ». [انظر: 2105 - مسلم: 2107 - فتح 13/ 528].
7558 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» [انظر: 5951 - مسلم: 2108 - فتح 13/ 528].
7559 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللهُ عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً» . [انظر: 5953 - مسلم: 2111 - فتح 13/ 528].
ثم ساق حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنَ
الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، قَالَ:"والله لَا أَحْمِلُكُمْ". وذكر الحديث إلى قوله: "لَسْتُ أَنَا أَحْمِلُكُمْ، ولكن اللهَ حَمَلَكُمْ .. " إلى آخره.
ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما في وفد عبد القيس بطوله.
وحديث عائشة رضي الله عنها: أَنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنَّ أَصْحَابَ هذِه الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ".
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا مثله.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "قَالَ اللهُ: وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أولِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيَرةً".
الشرح:
قوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [الصافات: 96] قيل: أي: وما تعملون منه الأصنام، وهي: الخشب والحجارة وغيرهما.
وقال قتادة: وما تعملون بأيديكم
(1)
.
وقيل: يجوز أن تكون (ما) نفيًا أي: وما تعملون لكن الله خالقه، ويجوز أن تكون مصدرية، أي: وعملكم، ويجوز أن تكون استفهامًا بمعنى التوبيخ
(2)
.
وغرضه في هذا الباب: إثبات أفعال العباد وأقوالهم خلقًا لله كسائر الأبواب المتقدمة، واحتج بالآية المذكورة ثم فصل بين الأمر بقوله
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 554 (29462).
(2)
انظر: "معاني القرآن" للنحاس 6/ 45 - 46.
للشيء: كن (فيكون)
(1)
وبين خلقه؛ قطعًا للمعتزلة القائلين بأن الأمر هو الخلق، وأنه إذا قال للشيء: كن. معناه: أنه كَوّنه، نفيا منهم للكلام عن الله تعالى خلافًا لقوله تعالى:{وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وقد سلف بيان الرد عليهم في باب المشيئة والإرادة، ثم زاد في بيان الأمر، فقال تعالى:{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} [الأعراف: 54] فجعل الأمر غير خلقه لها، وغير تسخيرها الذي هو عن أمره، ثم ذكر قول ابن عيينة أنه فصل بين الخلق والأمر، وجعلهما شيئين
بإدخاله حرف العطف بينهما، والأمر منه تعالى قول وقوله صفة من صفاته غير مخلوق.
ثم بين ذلك أن قول الإنسان بالإيمان وغيره قد سماه الشارع عملًا حين سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: "إيمان بالله". والإيمان: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح، وكذلك أَمْره وفد عبد القيس لما سألوه أن يدلهم على ما إنْ عملوه دخلوا الجنة، فأمرهم بالإيمان بالقلب والشهادة باللسان وسائر أعمال الجوارح، فثبت أن كلام ابن آدم بالإيمان وغيره عمل من أعماله وفعل له، وأن كلام الله سبحانه وتعالى المنزل بكلمة الإيمان غير مخلوق، ثم بين لك أن أعمالنا كلها مخلوقة له تعالى خلافًا للقدرية الذين يزعمون أنها غير مخلوقة لله تعالى بقوله في حديث أبي موسى رضي الله عنه:("لست أنا حملتكم") على الإبل، بعد أن حلف لهم أن ما عندي ما أحملكم عليه، وإنما الله الذي حملكم عليها ويسرها لكم، فأثبت ذلك كله فعلًا لله تعالى، وهذا بين لا إشكال فيه.
(1)
من (ص 1).
وأما قوله في حديث عائشة رضي الله عنها "يقال للمصورين: أحيوا ما خلقتم" فإنما نسب خلقها إليهم، توبيخًا لهم وتقريعًا لهم، في مضاهاتهم الله تعالى في خلقه فبكتهم بأن قال لهم: فإذ قد شبهتم مخلوقات الله تعالى فأحيوا ما خلقتم كما أحيا هو تعالى ما خلق فينقطعون بهذِه المطالبة (حتى)
(1)
لايستطيعون نفخ الروح في ذلك.
ومثل هذا قول أبي هريرة رضي الله عنه: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي" يريد: يصور صورة تشبه خلقي، فسمى فعل الإنسان في تصوير مثالها خلقًا له؛ توبيخًا له على تشبهه بالله تعالى فيما صور وأحكم وأتقن على غير مثال احتذاه، ولا من شيء قديم ابتدأه، بل أنشأ من معدوم، وابتدع من غير معلوم، وأنتم صورتم من خشب موجود، وحجر غير مفقود، على شبه معهود، مضاهين له وموهمين الأغمار أنكم خلقتم كخلقه، فاخلقوا أقل مخلوقاته وأحقرها الذرة (المتغذية)
(2)
في أدق من الشعر، وأنفذ منكم نفذًا في نحت الحجر فتتخذه مسكنًا وتدخر فيه قوتها نظرًا في معايشها، أو اخلقوا حبة من هذِه الأقوات التي خلقها الله تعالى لعباده، ثم يخرج منها زرعًا لا يشبهها نباته، (ثم)
(3)
يُطلع منها بقدرته من جنسها بعد أن أعدم شخصها عددًا من غير زرع نباتها الأخضر قدرة بالغة لمعتبر، وإعجازًا لجميع البشر
(4)
.
(1)
في هامش الأصل: لعله: حين.
(2)
كذا بالأصل، وفي ابن بطال: المتعدية.
(3)
في الأصل: يوم، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(4)
انظر: "شرح ابن بطال" 10/ 553 - 555.
فصل:
قال الداودي: قال في القدر طائفتان: طائفة تقول: الله سبحانه ليس له في العباد شيء، واختلف هؤلاء: هل عَلِمَ اللهُ أفعالَ العباد قبل أن يخلقهم؟ وقال عبد الصمد ابن أخت عبد الواحد في طائفة يسيرة، وهم المعتزلة (المحض)
(1)
: أن الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم، ودليلهم هذِه الآية وغيرها.
قال بعض الجهلة: إنما عَمَلُ الصانع فيها، وهو الذي أخبر الله تعالى أنه خلقهم وخلق أعمالهم. وخالفت القدرية أهل الحق، وذلك أن القدرية يقولون: الاستطاعة قبل الفعل، وقالت أهل السنة: الاستطاعة معه؛ لأنه إذا شغل نفسه بالترك لم يستطع أن يفعل شيئًا وضده، وإذا أخذ في الفعل فارق الترك، وكانت الاستطاعة مع الفعل، ووقت الله تعالى الأوقات؛ إذ خلق أولها ولم تكن مؤقتة في الأزل إلا من حين أقتت لم يكن لها في الأزل مؤقتًا، ولو كان ذلك لكان الصانع محدثًا تعالى عن ذلك.
وقوله للمصورين: ("أحيوا ما خلقتم") فإنما للمصورين الصنعة ليس خلق الأجسام، وقد سبق عن ابن عيينة: بين الله الخلق من الأمر، يريد: أن الخلق هو المخلوق، والأمر كلامه تعالى وليس بمخلوق، وهو قوله: كن، وقيل: هو مثل قوله: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 68]. وقيل: المعنى وتصريف الأمر.
وقيل: الخلق: كل شيء خلق، والأمر يعني: قضاه في الخلق الذي هو في اللوح المحفوظ، وقيل: الخلق الدنيا، والأمر الآخرة.
(1)
كذا بالأصل.
فصل:
والدجاج مثلث الدال كما سلف، ومعنى قذرته: كرهته، والنفر: من ثلاثة إلى عشرة.
وقوله: (غر الذرى): أي: بيض أعلى السنام منهن، فغر جمع: أغر، وذرى جمع: ذروة.
فصل:
(وأبو جمرة) بالجيم والراء. (ووفد عبد القيس) هم ربيعة وهم يجتمعون مع مضر في نزار، (وهما)
(1)
أخوان.
(1)
في الأصل: هما، والمثبت هو المناسب للسياق.
57 - باب قِرَاءَةِ الفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ، وَأَصْوَاتُهُمْ وَتِلَاوَتُهُمْ لَا تُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ
7560 -
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لَا يَقْرَأُ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الفَاجِرِ الذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا» . [انظر: 5020 - مسلم: 797 - فتح 13/ 535].
7561 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ح.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ:«إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ» . فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ، فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ» . [انظر: 3210 - مسلم: 2228 - فتح 13/ 535].
7562 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُحَدِّثُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ» . قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟. قَالَ: «سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ» . أَوْ قَالَ: «التَّسْبِيدُ» . [فتح: 13/ 535].
ذكر فيه حديث هَمَّام، ثَنَا قَتَادةُ، ثَنَا أَنسٌ، عَنْ أَبِي مُوسَي رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَثَلُ المُؤْمِنِ الذِي يَقْرَأُ القُرآنَ كَالأترُجَّةِ، طَعْمُهَا طيَبٌ .. ".
وحديث عائشة رضي الله عنها: سَأَلَ الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ:"إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ، فَيُقَرْقِرُهَا فِي أذُنِ وَليِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ".
وحديث أبيِ سعيد الخدري رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ". قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟. قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ". أَوْ قَالَ: "التَّسْبِيدُ".
الشرح:
معنى هذا الباب: أن قراءة الفاجر والمنافق لا ترتفع إلى الله تعالى، ولا تزكوا عنده (وإنما يزكو عنده)
(1)
تعالى ويرتفع إليه من الأعمال ما أريد به وجهه، وكان عن نية، وقربة إليه عز وجل، ألا ترى أنه شبه الفاجر الذي يقرأ القرآن بالريحانة ريحها طيب وطعمها مر حين لم ينتفع ببركة القرآن، ولم يفز بحلاوة أجره، فلم يجاوز الطيب حلوقهم موضع الصوت ولا بلغ إلى قلوبهم ذلك الطيب؛ لأن طعم قلوبهم مر، وهو النفاق المستتر فيها كما استتر طعم الريحانة في عودها مع ظهور رائحتها، وهؤلاء هم الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
فصل:
وقوله: ("المؤمن كالأترجة") كذا في الأصول.
(1)
من: (ص 1).
ولأبي الحسن: "كالأترنجة" -بالنون- والصواب: الأول فإن النون والهمزة لا يجتمعان والمعروف الأترج، وحكى أبو زيد: ترنجة وترنج.
فصل:
وأما قوله: ("ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فُوْقِه").
فهذا الحديث أخرجهم من الإسلام، وهو بخلاف الحديث الذي فيه:"يُتمارى في فُوقه"
(1)
. التماري: إبقاؤهم في الإسلام، وهذا أخرجهم منه؛ لأن السهم لا يعود إلى فوقه أبدًا فيمكن أن يكون هذا الحديث في قوم قد عرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي أنهم يمرقون قبل التوبة، وقد خرجوا ببدعتهم وسوء تأويلهم إلى الكفر، ألا ترى أنه عليه السلام وَسَمَهم بسيما خصهم بها من غيرهم، وهو التسبيد أو التحليق كما وسمهم بالرجل الأسود الذي إحدى يديه مثل ثدي المرأة، وهم الذين قَتَلَ عليٌّ رضي الله عنه بالنهروان حين قالوا: إنك ربنا. فاغتاظ عليهم وأمر بحرقهم
(2)
فزادهم الشيطان فتنة فقالوا: الآن أيقنا أنك ربنا؛ إذ لا يعذب بالنار إلا الله تعالى، فثبت بذلك كفرهم.
وقد قال بعض العلماء: إن من وسمه الشارع بتحليق أو غيره أنه لا يستتاب إذا وجدت فيه السيما، ألا ترى أن عليًّا رضي الله عنه لم يُنْقل عنه أنه استتاب أحدًا منهم، وقد روى عليّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم". وقال: "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد"
(3)
، قلنا: قد مضى ابن عباس
(1)
سبق برقم (6931).
(2)
في هامش الأصل: صوابه بإحراقهم.
(3)
سلف برقم (3344) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قوله: {وَإِلَى عَادٍ} ، ورواه مسلم (1066) كتاب: الزكاة، باب: التحريض على قتل الخوارج.
(إليهم)
(1)
ووعظهم وذكرهم، فرجع منهم أربعة آلاف، وأصر ثمانية آلاف، ولم يبلغنا أنه عليه السلام لم يقبل توبة من تاب، نعم روى أبو الشيخ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:"المكذبون بالقدر يقتلوا ولا يستتابوا"
(2)
، وقد كفروا عليًّا، وقد قبل استتابتهم ما أجابه
(3)
، والمحرقون قوم آخرون. كما سلف في كتاب المرتدين.
فصل:
وأما دخول حديث الكهان فإنما ذكره في هذا الباب؛ لقوله عليه السلام فيهم: "ليسوا بشيء"، وإن كان في كلامهم كلمة من الحق فإنهم يفسدون تلك الكلمة من الصدق بمائة كذبة أو أكثر، فلم ينتفعوا بتلك الكلمة من الصدق؛ لغلبة الكذب عليهم كما لم ينتفع المنافق بقراءته؛ لفساد عقد قلبه.
فصل:
وقوله: ("فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاجة") أي: يصبها في أذنه بصوت شبيه بقرقرة الدجاجة، قال الأصمعي: قرقر البعير إذا صَوَّت ورَجَّع، وقد روي بالزاي بدل الدال، وكلاهما صواب، ويدل على صحة الثانية رواية من روى كما تقر القارورة؛ لأن القرقرة قد تكون في الزجاجة عند وضع الأشياء فيها كما تقرقر الدجاجة أيضًا كما تكون (القراقر)
(4)
أيضًا.
(1)
من: (ص 1).
(2)
ورد بهامش الأصل: الجادة: يقتلون ولا يستتابون
(3)
علم عليها في الأصل: كذا
(4)
في الأصل: القرار.
وسلف في باب بدء الخلق"فيقرها في أذن وليه كما تقر القارورة"
(1)
، والمعنى فيه: أن الشياطين تقر الكلمة في أذن الكاهن كما يقر الشيء في القارورة، وهذا على الاتساع كقوله تعالى:{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33]؛ لأن القارورة لا تقر وإنما يقر فيها، كما لا يكون المكر مع الليل والنهار، وإنما يكون فيهما، قال صاحب "الأفعال": يقال قررت الماء في السقاء صببته فيه وأقررته، وقَرَرْتُ الخبرَ في أذنه أَقُره قَرًّا: أودعته فيها
(2)
، وعن أبي زيد: أقِره بكسر القاف، وقال الأصمعي: يقال: قر ذلك في أذنه يقرقر إذا صار في أذنه، فالمعنى: أنه يقر الكلمة في أذن الكاهن من غير صوت، وفي حديث القرقرة أيضًا أنه يضعها بصوت.
فدل اختلاف لفظ الحديثين أنه مرة يضعها في أذن الكاهن بصوت، ومرة بغير صوت.
فصل:
وقوله: ("سيماهم التحليق أو التسبيد") شك المحدث في أي اللفظين قال عليه السلام، ومعناه متقارب.
قال صاحب "العين": سبَّد رأسه: استأصل شعره، والتسبيد: أن ينبت الشعر بعد أيام
(3)
.
وعند الهروي: هو الحلق، ويقال: هو ترك الدهن وغسل اليد
(4)
، والتسميد بالميم مثله.
(1)
سلف برقم (3288) كتاب: بدء الخلق. باب: صفة إبليس.
(2)
"الأفعال" ص 53، 54.
(3)
"العين" 7/ 232.
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 2/ 333.
58 - باب قَوْلِ اللهِ عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]
وَأَنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقُسْطَاسُ: العَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ، وَيُقَالُ: القِسْطُ: مَصْدَرُ المُقْسِطِ، وَهْوَ العَادِلُ، وَأَمَّا القَاسِطُ فَهْوَ الجَائِرُ.
7563 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ» [انظر: 694 - مسلم: 2694 - فتح 13/ 537].
ثم ساق البخاري حديث أبي هريرة رضي الله عنه السالف: "كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ".
جمع البخاري في هذِه الترجمة بين فوائد:
منها: وصف الأعمال بالوزن.
ومنها: إدراج الكلام في الأعمال؛ لأنه وصف الكلمتين بالخفة على اللسان والثقل في الميزان فدل على أن الكلام عمل يوزن.
ومنها: أنه ختم كتابه بهذا التسبيح، وقد روينا في استحباب ختم المجلس بالتسبيح وأنه كفارة لما لعله أن يتفق فيه مما لا ينبغي من حديث سعيد المقبري، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أنه قال: كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه منه ثلاث مرات إلا كُفِّرَ بِهِنَّ عنه، ولا يقولهن في مجلس ذكر إلا ختم له
بهن كما يختم بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
(1)
.
وعنه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله أخرجه أبو داود في سننه
(2)
، وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه
(3)
.
قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي "سنن أبي داود" والنسائي أيضًا من حديث أبي برزة الأسلمي نضلة بن عبيد رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس (قال)
(4)
: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إلله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك".
فقال رجل: يا رسول الله، إنك (لتقول)
(5)
قولًا ما كنتَ تقوله فيما مضي. قال: "كفارة في المجلس"
(6)
. وهو نظير كونه بدأ كتابه بحديث: "إنما الأعمال بالنيات" فتأدب في فاتحته وخاتمته بآداب
(1)
رواه أبو داود (4857) كتاب: الأدب، باب: كفارة المسجد، وابن حبان في "صحيحه" 2/ 353 (593). وقال الألباني في "ضعيف الترغيب" (921): منكر موقوف، فيه سعيد بن أبي هلال، وكان اختلط كما قال يحيى وأحمد، وفيه زيادة (ثلاث مرات) وهي منكرة.
(2)
أبو داود (4858) كتاب: الأدب، باب: كفارة المجلس.
(3)
الترمذي (3433) كتاب: الدعوات، باب: ما يقول إذا قام من مجلسه، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(400).
(4)
من (ص 1).
(5)
في (ص 1): لتقولن.
(6)
أبو داود (4859) كتاب: الأدب، باب: كفارة المجلس، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(429). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"(1517).
السنة، فابتدأ بإخلاص القصد والنية، لتخلص الأمنية، وختم بمراقبة الخواطر ومناقشة النفس على الماضي والاعتماد في تفكر ما لعله يحتاج إلى تفكر مما جعله الشارع مكفرًا لهفوة تحصل ونزعة تدخل، فالختام مسك.
وقول مجاهد: رواه ورقاء عن ابن جريج عنه
(1)
، وذكر الزجاج
(2)
في "معانيه" أن القسط والعدل بمعنًى، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ}: ذوات القسط، وقسط مثل عدل مصدر يوصف به يقال: ميزان قسط، وميزانان قسط، وموازين قسط، وأجمع أهل السنة على (أن)
(3)
الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان، و (مثَّل)
(4)
الأعمال بما يوزن.
وخالف ذلك المعتزلة وأنكروا الميزان وقالوا: إنه عبارة عن العدل، وهذا مخالف لنص الكتاب والسنة؛ فأخبر الرب تعالى أنه توضع الموازين، لتوزن أعمال العباد بها فيريهم أعمالهم ممثلة في الميزان
(1)
كذا بالأصل: ورقاء عن ابن جريج عنه.
وفي "تفسير مجاهد" 1/ 362، و"تفسير الفريابي كما في "تغليق التعليق" 5/ 382: عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
ورواه الفريابي في "تفسيره" كما في "تغليق التعليق" 5/ 382، و"فتح الباري" 13/ 539 عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، وجاء مصرحًا باسم الرجل في "مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 122 (29962) فقال: حدثنا وكيع عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد. وقد تابع شريك سفيان كما عند ابن أبي شيبة 6/ 122 (29964). ورواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" 8/ 79 من طريق حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد به
(2)
"معاني القرآن" 3/ 238.
(3)
كذا بالأصل، وهي زائدة، والمعنى يستقيم بدونها.
(4)
في (ص 1): نقل.
لأعين العاملين؛ ليكونوا على أنفسهم شاهدين قطعًا لحجتهم، وإبلاغًا في إنصافهم عن أعمالهم الحسنة، وتبكيتًا لمن قال: إن الله لا يعلم كثيرًا مما يعملون، ونقضًا عليهم (لأعمالهم)
(1)
المخالفة لما شرع (لهم)
(2)
، وبرهانًا على عدله على جميعهم، وأنه لا يظلم مثقال (ذرة)
(3)
من خردل حتى يعترف كل بما قد نسيه من علمه، ويميز ما عساه قد احتقره من فعله، ويقال له عند اعترافه:{كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14].
فصل:
وقول البخاري: (ويقال: القسط (مصدر)
(4)
المقسط)، إنما أراد المصدر المحذوف الزوائد، كالقدر مصدر قدرت إذا حذفت زوائده، قال الشاعر:
.....................
…
وإن يهلك فذلك كان قدري
(5)
.
يعني تقديري، محذوف الزوائد ورده إلى الأصل، ومثله كثير، وإنما تحذف زوائد المصادر ليرد الكلام إلى أصله ويدل عليه. ومصدر المقسط الجاري على فعله: الإقساط.
وقال الإسماعيلي: أقسط إذا عدل وقسط إذا جار، وهما يرجعان إلى معنى متقارب؛ لأنه يقال: عدل عن كذا إذا مال عنه، وكذلك قسط إذا عدل عن الحق، وأقسط كأنه لزم القسط وهو العدل.
(1)
من: (ص 1).
(2)
من: (ص 1).
(3)
في (ص 1): حبة.
(4)
في (ص 1): مقتدر.
(5)
عجز بيت صدره: فإن يبرأ فلم أَنْفِثْ عليه. انظر: "المفضليات" ص 71.
فصل:
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه سلف في الأدعية وهو دال على أن تسبيح الله وتقديسه من أفضل النوافل وأعظم الذخائر عنده تعالى، ألا ترى قوله:"حبيبتانِ إلى الرَّحمن" ووجهه أن التسبيح لما كان معناه: التنزيه والإبعاد عما ينسب إليه مما لا ينبغي من صاحبة وولد وشريك كان حبيبًا إليه.
وثبت في "صحيح مسلم"، "ومسند أحمد"، و"الأدب" للبخاري، والنسائي في "اليوم والليلة" والترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي ذر رضا الله عنه قلت: يا رسول الله، أي الكلام أحب إلى الله تعالى؟ قال:"ما اصطفاه الله لملائكته، سبحان الله وبحمده. ثلاثًا نقولها".
ولفظ النسائي في "اليوم والليلة": "سبحان الله وبحمده"
(1)
.
وروينا في "مسند أحمد" عن ابن مهدي، حدثنا إسرائيل، عن أبي سنان، عن أبي صالح الحنفي، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله اصطفى من الكلام أربعًا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن قال: سبحان الله كتب الله له عشرين حسنة أو حط عنه عشرين سيئة، ومن قال: الله أكبر فمثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه كتب الله له ثلاثين حسنة أو حط عنه ثلاثين سيئة"
(2)
.
ورواه النسائي في "اليوم والليلة" عن عمرو بن عليّ، عن ابن
(1)
مسلم (2731) كتاب: الذكر والدعاء، باب: فضل سبحان الله وبحمده، والترمذي (3593)، وأحمد 5/ 148، والبخاري في "الأدب المفرد"(638)، النسائي في "عمل اليوم والليلة"(830).
(2)
أحمد 2/ 302 وقال الهيثمي في "المجمع"، 10/ 78: رجاله رجال الصحيح.
مهدي
(1)
. وقد أسلفنا فيما مضى عن وهب بن منبه أنه قال: ما من عبد يقول: سبحان الله وبحمده إلا قال له الرب جل جلاله: صدق عبدي سبحاني وبحمدي، فإن سأل أعطي ما سأل، وإن سكت غفر له ما لا يحصى.
قلت: وهي إحدى الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، على قول ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة
(2)
، فإن زاد: عدد خلقه، وزنة عرشه ورضا نفسه ومداد كلماته كان عظيمًا كما شهد له به عليه السلام، وقد أسلفنا هناك أيضًا أنه روي عن صفية قالت: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسبح بأربعة آلاف نواة، فقال:"لقد قلتُ كلمة هي أفضل من تسبيحك".
قلتُ: وما قلتَ؟ قال: "قلتُ: سبحان الله عدد ما خلق"
(3)
.
وروينا في "صحيح مسلم" من حديث جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال:"ما زلتِ على الحال التي فارقتكِ" قالت: نعم. فقال عليه السلام: "لقد قلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وُزِنتْ بما قُلْتِ منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته"
(4)
.
(1)
"عمل اليوم والليلة"(846). رواه الطبري في "تفسيره" 8/ 230 (23091).
(2)
انظر: "تفسير الطبري" 8/ 230 - 231.
(3)
رواه الترمذي (3554)، والحاكم 1/ 547 وصحح إسناده، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لانعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف.
(4)
مسلم (2726) كتاب: الذكر والدعاء، باب: التسبيح أول النهار وعند النوم.
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه السلام خرج إلى صلاة الصبح، وجويرية جالسة في المسجد فذكره، ولم يقل ثلاث مرات، وزاد:"العظيم". ثم قال: جويرية هي بنت الحارث بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
. قلت: وفي أبي داود أنه كان اسمها برة فَحَوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها
(2)
.
وهذا منه دال على أن جويرية هي بنت الحارث أم المؤمنين كما سلف، فإنها التي كان اسمها برة، وحُوِّل إلى جويرية، ولم يذكر ابن الأثير الأولى وذكر ثلاثة غيرها: أم المؤمنين، و (بنت)
(3)
المجلل زوج الحاطب بن الحارث، وبنت أبي جهل التي خطبها عليّ رضي الله عنهم
(4)
.
أنبأني غير واحد عن الدمياطي الحافظ في آخر كتابه "الباقيات الصالحات" ذكر عن نصر بن على قال: حدثني أبي قال: رأيت الخليل بن أحمد في النوم فقال لي: (أرأيت)
(5)
ما كنا فيه من النحو واللغة، فإن ربك لا يعبأ به شيئًا، ما رأيت أنفع من سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر
(6)
.
(1)
ابن حبان في "صحيحه" 3/ 113 - 114 (832).
(2)
أبو داود (1503) كتاب: الوتر، باب: التسبيح بالحصى.
(3)
في الأصل: أم، والمثبت من "الاستيعاب" 4/ 367، "أسد الغابة 7/ 58.
(4)
"أسد الغابة" 7/ 56 - 58.
(5)
من: (ص 1).
(6)
رواه الخطيب في "اقتضاء العلم العمل"(154، 155)، وذكره ابن أبي الدنيا في "المنامات"(73)، ومحمد بن عبد الغني المعروف بابن نقطة في "تكملة الإكمال" 2/ 501.
فصل:
وقد صح أن الحمد تملأ الميزان، وأن سبحان الله، والحمد لله تملآن بين السماء والأرض، روينا في "صحيح مسلم" من أفراده من حديث أبي مالك الأشعري، واسمه كعب بن عاصم أو الحارث بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"
(1)
.
وأخرجه الترمذي
(2)
وفي رواية له: "التسبيح نصف الميزان، والحمد لله تملؤه، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض، والصوم نصف الصبر"
(3)
. وفي رواية أخرى: "ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص لله"
(4)
.
فائدة:
أبو مالك هذا أخرج له مسلم حديثين: هذا أحدهما، والثاني:"أربع من أمر الجاهلية .. "
(5)
، وسلف في البخاري حديث أبي مالك الأشعري أو أبي عامر على الشك
(6)
.
(1)
مسلم (223) كتاب: الطهارة، باب: فضل الوضوء.
(2)
الترمذي (3517).
(3)
الترمذي (3519) وقال: هذا حديث حسن.
(4)
الترمذي (3518) كتاب: الدعوات، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي.
(5)
مسلم (934) كتاب: الجنائز، باب: التشديد في النياحة.
(6)
سلف برقم (5590) كتاب: الأشربة باب: ما جاء فيمن يستحل الخمر ..
فصل:
قد شاركت هاتان الخصلتان كلمة التوحيد، وهي أعظم وأجل وأشرف، روينا في كتاب"الدعوات" للمستغفري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "لقنوا موتاكم: لاإله إلا (الله)
(1)
فإنها خفيفة في اللسان ثقيلة في الميزان، ولو جعلت لا إله إلا الله في كفة، وجعلت السماوات والأرض وما فيهن في كفة، لرجحت بهن لا إلله إلا الله"
(2)
.
وروينا حديث البطاقة في ذلك وهو جليل حفيل فلنختم الكتاب به.
وقد أخبرنا غير واحد بقراءتي عليهم أبو نعيم أحمد بن الحافظ تقي الدين عبيد الأشعري والصدر الميدومي والنجم القطبي والشهاب بن كشتغدي. قالوا: أنا ابن علاق خلا ابن كشتغدي والمعين الدمشقي، وزاد النجم أيضًا قالوا: أنا أبو القاسم البوصيري، أنا أبو صادق المديني بقراءة السلفي الحافظ، أنا ابن حمصة الصواف، أنا حمزة الكناني: أنا عمران بن موسى الطبيب: ثنا يحيي بن عبد الله بن بكير، حدثني الليث بن سعد، عن عامر بن يحيى المَعَافِرِيِّ، عن (أبي عبد الرحمن)
(3)
الحُبُلي أنه قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو يَقُولُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُصَاحُ بِرَجُلِ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وتْسعُونَ سَجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ البَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تعالى: أَتُنْكِرُ مِنْ هذا شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ. فَيَقُولُ الربُّ تبارك وتعالى: ألكَ عُذر أو (حَسَنَة)
(4)
؟ فَيُهَابُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لَا يا ربِّ.
(1)
في الأصل: هو.
(2)
رواه مسلم (917) كتاب: الجنائز، باب: تلقين الموتي لا إله إلا الله. مختصرًا.
(3)
في (ص 1): أبي عبد الله. وهو خطأ. انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 316 (3663).
(4)
في (ص 1): وحشة.
فَيَقُولُ الله عز وجل: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ. فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَة فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلله إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا (رسولُ الله)
(1)
. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هذِه البِطَاقَةُ مَعَ هذِه السِّجِلَاتِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ. قال: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ البِطَاقَةُ".
وهو حديث صحيح على شرط مسلم، أخرجه النسائي في "سننه"، والترمذي في "جامعه" وقال: حسن غريب
(2)
.
قال حمزة: ولا أعلمه روى هذا الحديث غير الليث بن سعد وهو من أحسن الحديث، قال أبو الحسن علي بن حمصة: أنا حضرت رجلاً في المجلس، وقد زعق عند هذا الحديث وماتَ، وشهدتُ جنازته وصليت عليه.
ورويناه بالإسناد إلى دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قال موسى عليه السلام: يا رب علمني شيئًا أذكرك به وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقول هدذا. قال: قل: لا إله إلا الله. قال: إنما أريد شيئًا تخصني به، قال: يا موسى (لو)
(3)
إن أهل السماوات السبع والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة؛ مالت بهم لا إله إلا الله".
(1)
في (ص 1): عبده ورسوله.
(2)
الترمذي (2639) كتاب: الإيمان، باب: ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، ورواه ابن ماجه (4300) كتاب: الزهد. ولم أقف عليه عند النسائي، ولم يشر إليه المزي في "تحفة الأشراف"(8855)
(3)
من: (ص 1).
أخرجه أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه"
(1)
.
هذا آخر كلامنا من هذا الشرح المبارك بحمد الله ومَنِّه، اللهم إنا ننزهك من النقائص، ونبرأ إليك من كل ما نسب إليك مما لا يليق بك، ونستغفرك من كل ما لا نعلم، ونتوب إليك مما نعلم، ونصلي على هذا النبي المعظم، وصفوة العالم الأعلم، فبحرمته عندك جازنا على (إنشاء)
(2)
هذا شفاعته والرضي منك ومنه علينا، ولك الحمد على تسهيل طريق هذا المصنَّف المبارك وتهذيبه وتنقيحه على هذا الأسلوب.
الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونسألك أن تنفع به، وأن تعم بركته والدي وولدي، وكلَّ من لاذ بي، وكلَّ واقف عليه، إنك أهل التقوى وأهل المغفرة.
واعلم أيها الناظر في هذا الكتاب أنه نخبة عمر المتقدمين والمتأخرين إلى يومنا هذا، فإني نظرت عليه جُلَّ كتب هذا الفن من كل نوع، ولنذكر من كل نوع جملة منها، فنقول:
(1)
ابن حبان 14/ 102 (6218)، ورواه الحاكم في "مستدركه" 1/ 528 وصححه، وكذا صححه ابن حجر في "الفتح" 11/ 208، وفيه: دراج عن أبي الهيثم، قال عباس الدوري: سألت يحيى بن معين، عن حديث دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، فقال: ما كان هكذا بهذا الإسناد فليس به بأس، دراج ثقة، وأبو الهيثم ثقة. اهـ. وقال أبو عبيد الآجري، عن أبي داود: أحاديثه مستقيمة إلا ما كان عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد. اهـ. ضعف دراجًا وأنكر حديثه: أحمد بن حنبل، والنسائي، وأبو حاتم، والدارقطني، وفضلك الرازي. انظر:"تهذيب الكمال" 8/ 477 - 480.
(2)
في (ص 1): (كتابنا).
أصله ما في الكتب الستة: البخاري، ومسلم، والأربعة: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي، و"الموطأ" لمالك من طرقه، و"موطأ عبد الله بن وهب"، و"مسند الشافعي"، و"الأم"، والبويطي، و"السنن" من طريق الطحاوي، عن المزني، (عنه)
(1)
، و"مسند الإمام أحمد"، و"مسند أبي داود الطيالسي"، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، والحميدي، والبزار، وإسحاق بن راهويه، وأبي يعلى، والحارث بن أبي أسامة، وأحمد بن منيع شيخ البخاري، و"المنتقى" لابن الجارود، و"صحيح أبي بكر الإسماعيلي"، و"تاريخ البخاري الأكبر" و"الأوسط" و"الأصغر"، و"تاريخ ابن أبي خيثمة"، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و"الكامل" لابن عدي، و"الضعفاء" للبخاري، والنسائي، والعقيلي، وابن شاهين، وابن حبان وأبي العرب
(2)
، وابن الجوزي، و"تاريخ نيسابور" للحاكم، و"بغداد" للخطيب، و"ذيله" و"ذيل ذيله"، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر، و"مستدرك الحاكم على الصحيحين"، و"صحيح ابن خزيمة"، و"صحيح ابن حبان"، و"صحيح أبي عوانة"، والمعاجم الثلاثة للطبراني:"الكبير" و"الأوسط " و"الأصغر"، و"سنن البيهقي" و"المعرفة" له، و"الشعب" أيضًا، و"سنن اللالكائي"
(3)
، و"سنن أبي
(1)
في الأصل: وعنه، والمثبت هو الصواب.
(2)
هو محمد بن أحمد بن تميم بن تمام، المغربي، الأفريقي، سمع من خلقٍ كثير أصحاب سحنون وغيره، قال القاضي عياض: كان حافظًا للمذهب، مفتيًا، غلب عليه علم الحديث والرجال. مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وصلى عليه ابنه. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 15/ 394 - 395 (217)، "الوافي بالوفيات" للصفدي 2/ 39.
(3)
من: (ص 1).
على ابن السكن"، وأحكام عبد الحق الثلاثة: "الكبرى" و"الوسطى" و"الصغرى"، وكلام ابن القطان على الكبرى، و"أحكام الضياء المقدسي"، وابن بزيزة، و"أحكام المحب الطبري"، وابن الطلاع، وغير ذلك، و"ثقات ابن شاهين"، وابن حبان، و"المختلف فيه" لابن شاهين، وآخرهم "الكمال" لعبد الغني، و"تهذيب الكمال" للحافظ المزي -وقد هذبته بزيادات واستدراكات- ومختصره للذهبي و"ميزانه"، و"المغني في الضعفاء" له، و"الذب عن الثقات"، "ومن تُكُلِّم فيه وهو موثق".
ومن كتب الكني للنسائي، والدولابي، وأبي أحمد الحاكم، و"رجال الصحيحين" للكلاباذي، وابن طاهر وغيرهما، و"المدخل للصحيحين" للحاكم، و"الأسماء المفردة" للحافظ أبي بكر البرديجي، و"رجال الكتب الستة" لابن نقطة، و"كشف النقاب عن الأسماء والألقاب" لابن الجوزي، و"الأنساب" لابن طاهر، و"إيضاح الشك" للحافظ عبد الغني المقبري، و"غنية الملتمس في إيضاح الملتبس" للحافظ أبي بكر البغدادي، و"موضح أوهام الجمع والتفريق" له، و"تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن نوادر التصحيف والوهم" أيضًا، و"أسماء من روى عن مالك" له، وكتاب "الفصل للوصل المدرج في النقل" له. ومن كتب العلل ما أودعه أحمد وابن المديني وابن أبي حاتم، والدارقطني، وابن القطان في "وهمه"، وابن الجوزي في عللهم، قال ابن مهدي الحافظ: لأن أعرف علة حديث أحب إلى من أن أكتب عشرين حديثًا ليس عندي.
ومن كتب المراسيل ما أودعه أبو داود، وابن أبي حاتم، وابن بدر
الموصلي، وغيرهم، ومن كتب الموضوعات ما أودعه ابن طاهر، والجورقاني، وابن الجوزي، والصغاني، وابن بدر الموصلي في موضوعاتهم، ومن كتب الصحابة كتاب أبي نعيم، وأبي موسى، وابن عبد البر، وابن قانع في "معجمه"، والعسكري، و"أسد الغابة" لابن الأثير، ولخصه الذهبي في "معجمه" وفيه إعواز.
ومن كتب الأطراف: "أطراف خلف"، وأبي مسعود، وابن عساكر، وابن طاهر، و"أطراف المزي" الجامعة.
ومن كتب الخلافيات الحديثية: "خلافيات البيهقي"، وابن الجوزي، و"المحلى" لابن حزم -ولنا معه مناقشات- ولابن عبد الحق، ولابن مفوز أيضًا.
ومن كتب الأمالي: "أمالي ابن السمعاني"، و"أمالي ابن منده"، و"أمالي ابن عساكر".
ومن كتب الناسخ والمنسوخ ما أودعه الشافعي في "اختلاف الحديث"، والأثرم، والحازمي، وابن شاهين، وابن الجوزي في تواليفهم.
ومن كتب المبهمات ما أودعه الخطيب، وابن بشكوال، وابن طاهر، وابن باطيش، وما أودعه النووي في "مختصر الخطيب"، وابن الجوزي في آخر "تلقيحه".
ومن كتب اللغات والغريب: "غريب أبي عبيد" وأبي عبيدة -وجمعه في أربعين سنة- والحربي صاحب الإمام أحمد، والزمخشري في "الفائق"، والهروي في "غريبيه"، وابن الأثير في "نهايته" و"جامعه"، وابن الجوزي، و"المحكم"، و"المخصص" لابن سيده، و"الصحاح"،
و"العباب"، و"التهذيب"، و"الواعي"، و"الجامع"، وغير ذلك و"المجمل"، و"الزاهر"، و"الجمهرة" لابن دريد، وعياض في "مشارقه"، وتلاه ابن قرقول في "مطالعه"، والخطابي في "تصحيفه"، والصولي، والعسكري، والمطرزي.
ومن كتب شروحه: القزاز، والخطابي، والمهلب، وابن بطال، وابن التين، ومن المتأخرين: شيخنا قطب الدين عبد الكريم في ستة عشر سِفرًا، وبعده علاء الدين مغلطاي في تسعة عشر سفرًا صغار، وشرحنا هذا خلاصة الكل مع زيادات مهمات وتحقيقات، ومن شروح الحديث المازري، وعياض، والقرطبي، والنووي، و"شرح سنن أبي داود" للخطابي، والحواشي للزكي عبد العظيم، و"شرح مسند الإمام الشافعي" لابن الأثير، والرافعي.
ومن كتب أسماء الأماكن ما أودعه الوزير أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم من أسماء البلدان"، ثم الحازمي في "مختلفه ومؤتلفه".
ومن كتب الخلاف: "تهذيب ابن جرير"، وكتب ابن المنذر "الأوسط" و"الإشراف"وغير ذلك.
ومن كتب الطبقات: مسلم، وابن سعد، وكتب السير والمغازي لابن إسحاق، والواقدي، وغيرهما، وما يتعلق بها من ضبط كالسهيلي وغيره.
وكتب المؤتلف: عبد الغني، والدارقطني، والخطيب، وابن ماكولا، وابن نقطة، وابن سليم وغيرهم.
وكتب الأنساب: الرشاطي، والسمعاني، وابن الأثير.
ومن كتب أخرى كـ"معجم أبي يعلى الموصلي"، و"جامع المسانيد" لابن الجوزي، و"نفي النقل" له و"تحريم الوطء في الدبر" له، و"الأشربة" لأحمد، و"الحلية" لأبي نعيم، و"الأمثال" للرامهرمزي، و"علوم الحديث" للحاكم ثم ابن الصلاح وما زدته عليها، وكتب ابن دحية "العلم المشهور"، و"الآيات البينات"، و"شرح مرج البحرين"، و"التنوير" وغيرها.
وأما الأجزاء فلا تنحصر، وكذا كتب الفقه.
وأسأل الله أن يجعل سعينا في ذلك مشكورًا، وأن يلقي حبرةً وسرورًا، ولا يجعله ممن وكله إلى نفسه وأهمله إلى رمسه.
وكان الابتداء في هذا التأليف المبارك في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وستين وسبعمائة، ثم فتر العزم إلى سنة اثنتين وسبعين، فشرعتُ فيه، وكانت خاتمته قرب زوال يوم الأحد ثالث وعشرين المحرم من شهور سنة خمس وثمانين وسبعمائة سوى فترات حصلت في أثناء ذلك، فكتبت في غيره، وذلك ببهيت من ضواحي كوم الريش، ولله الحمد والمنة.
وكتب مؤلفه عمر بن علي بن أحمد بن محمد الأنصاري الشافعي، حامدًا مصليًا ومسلمًا إلى يوم الدين، حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فرغ من تعليقه في مدة آخرها عجز ذي القعدة الحرام من سنة إحدى وعشرين وثمانمائة بالشرفية، بحلبَ إبراهيم بن محمد بن خليل سبط بن العجمي الحلبي، عفا الله عنهم بِمَنِّه وكرمه، وكنتُ قديمًا كتبت النصف الأول من هذا المؤلَّف، وقرأته على شيخنا العلامة الحافظ سراج الدين
أبي حفص عمر المؤلف بالقاهرة، ثم كتبت هذا النصف الثاني من نسختين سقيمتين إحداهما من الجهاد إلى باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم من المغازي إلى أثناء الفرائض من نسخة ثانية من باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغازي، ومن أثناء الفرائض إلى آخر الكتاب، ولله الحمد، وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تَمَّ بحمد اللهِ وتَوْفيقه تحقيق وتعليق وصف وإخراج هذا السِّفر الكبير
في «دار الفلاح» بشارع أَحْمس، حي الجامعة، بالفيوم، مصر،
وذلك يوم الخميس الموافق للثالث عشر من ذي القعدة من عام ألف وأربعمائة وثمانٍ وعشرين من الهجرة الموافق للثاني والعشرين من شهر نوفمبر من عام 2007 م
نسألُ اللهَ أن ينفعَ به العلماء وطلبة العلم وجميع المسلمين وأن يجعله في موازين حسناتنا يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون
وكتب الفقير إلى عفو ربه
أبو الحُسين خالد بن محمود الرباط البِكْساوي الفيومي