الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
4 - كتاب الوضوء
هو من الوضاءة بالمد، وهي النظافة والنضارة، وفيه ثلاث لغات: أشهرها: أنه بضم الواو اسم للفعل، وبفتحها اسم للماء الذي يتوضأ به، ونقلها ابن الأنباري عن الأكثرين.
ثانيها: أنه بفتح الواو فيهما، وهو قول جماعات، منهم الخليل، قَالَ: والضم لا يعرف
(1)
.
ثالثها: أنه بالضم فيهما، وهي غريبة ضعيفة حكاها صاحب "المطالع"، وهذِه اللغات الثلاث مثلها في الطهور.
(1)
"العين" 7/ 76 مادة: (وضأ).
1 - باب: ما جاء في قول الله تعالى:
[قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فَرْضَ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً، وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ، وَكَرِهَ أَهْلُ العِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ، وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.]
(1)
[فتح:1/ 232]
هكذا هو ثابت في النسخ الصحيحة وفي بعضها باب: ما جاء في الوضوء، وقول الله تعالى إلى آخره، وعليها مشى ابن بطال في "شرحه"
(2)
، والدمياطي (في أصله)
(3)
.
ومعنى قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} أي: مُحْدِثين كذا قدره الجمهور
(4)
.
وذهب جماعة من السلف إلى عدم التقدير، وأنه يجب الوضوء لكل صلاة فرض عملًا بظاهر الآية، وذهب قوم إلى أن ذَلِكَ كان ثمَّ نسخ يوم
(1)
هذا التعليق ليس في الأصل، ولكن سيأتي عند المصنف مفرقا.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 214.
(3)
زيادة من (ج).
(4)
قال ابن عبد البر في "التمهيد" 18/ 238: وروي عن ابن عباس، وسعد بن أبي وقاص، وأبي موسى، وجابر بن عبد الله، وعبيدة السلماني، وأبي العالية، وسعيد بن المسيب، والحسن، وعن السدي أيضًا، والأسود بن يزيد، وإبراهيم النخعي: أن الآية عني بها حال القيام إلى الصلاة على غير طهر، وهذا أمر مجتمع عليه. اهـ.
الفتح
(1)
، وضعفه في "شرح مسلم"
(2)
، وقيل: لا نسخ، بل الأمر به لكل صلاة عَلَى الندب؛ لأنه إِذَا نسخ الوجوب بقي التخيير.
ثمَّ أجمع أهل الفتوى بعد ذَلِكَ على أنه لا يجب إلا عَلَى المحدث، وأن تجديده لكل صلاة مندوب، ولم يبق بينهم اختلاف
(3)
، واختلف أصحابنا في الموجب للوضوء عَلَى ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يجب بالحدث وجوبًا موسعًا.
وثانيها: لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة.
وأصحها: وجوبه بالأمرين، كذا صححه المتولي وغيره
(4)
، واختلف العلماء هل الوضوء من خصائص هذِه الأمة أم لا؟ عَلَى قولين، وستأتي حجة كل منهم قريبًا في باب فضل الوضوء إن شاء الله تعالى.
والواو في الآية ليست للترتيب عَلَى الصواب، وإنما أُخِذَ من أدلة أخرى -ستمر بك إن شاء الله- وهو قول الشافعي وأحمد خلافًا لمالك والكوفيين
(5)
.
(1)
انظر هذِه الأقوال في "تفسير الماوردي" 2/ 18، "زاد المسير" 2/ 298، "تفسير البغوي" 3/ 20.
(2)
"مسلم بشرح النووي" 3/ 177.
(3)
انظر "تفسير الطبري" 6/ 80 - 82، "الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 250 - 257، "التمهيد" 18/ 241.
(4)
انظر: "المجموع" 1/ 490، "الإعلام" 1/ 225.
(5)
انظر: "الهداية" 1/ 14، "بدائع الصنائع" 1/ 21 - 22، "تبيين الحقائق" 1/ 6، "التفريع" 1/ 192، "عيون المجالس" 1/ 111، "الخرشي على مختصر خليل" 1/ 135، "الحاوي" 1/ 138، "روضة الطالبين" 1/ 55، "التحقيق" 1/ 271 - 272، "الكافي" لابن قدامة 1/ 68، "الفروع" 1/ 154.
وقد وردت في الكتاب العزيز للترتيب وغيره، فمن الأول قوله تعالى:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]، وقوله:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} [البقرة: 158].
ومن الثاني قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وقوله:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وقوله:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92].
و (الوجه): ما يقع به المواجهة، وقد حددناه في كتب الفروع، وكذا اليد والمرفق، وسيأتي الكلام عَلَى مسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين -حيث ذكره البخاري- إن شاء الله تعالى.
قَالَ البخاري رحمه الله: (وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فَرْضَ الوُضُوءِ (مَرَّةً مَرةً)
(1)
. وجه ذَلِكَ أنه صح أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة كما رواه قريبًا من حديث ابن عباس
(2)
، وصلى به؛ فعلم أنه الفرض، إذ لا ينقص صلى الله عليه وسلم منه، وهو المبين عن الله تعالى لأمته دينهم، وهو أيضًا إجماع كما نقله ابن جرير وغيره
(3)
.
وشذ بعضهم فأوجب الثلاث، حكاه الشيخ أبو حامد وغيره، وحكاه صاحب "الإبانة" عن ابن أبي ليلى، وهو باطل يرده إجماع من قبله، والنصوص الصريحة الصحيحة أيضًا
(4)
.
(1)
ورد بهامش (س): مرة: منصوب ظرف في موضع الخبر.
(2)
سيأتي برقم (140)، (157) باب: غسل الوجه واليدين من غرفة واحدة، وباب: الوضوء مرة مرة.
(3)
نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر في "الإجماع" ص 34، وابن حزم في "مراتب الإجماع" ص 38.
(4)
انظر: "المجموع" 1/ 465.
وقال مهنا: سألت أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- عن الوضوء مرة مرة، فقال: الأحاديث فيه ضعيفة، ثمَّ ذكر حديث جابر في وضوئه مرة ومرتين وثلاث مرات، أخرجه ابن ماجه
(1)
وفيما قاله نظر، فقد صح من حديث ابن عباس كما أسلفناه، قَالَ مالك: ولا أحب الواحدة إلا من العالم
(2)
.
قال البخاري: (وتوضأ -أيضًا-مرتين مرتين)، وهو كما قَالَ، وسيأتي من حديث عبد الله بن زيد في باب معقود لَهُ
(3)
.
قَالَ: (وثلاثًا ثلاثًا)، هو كما قَالَ وقد عقد لَهُ بابا أيضًا كما سيأتي
(4)
، لكن لم يذكر فيه المسح ثلاثًا، وقد أخرجه أبو داود
(5)
من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قَالَ البيهقي في "خلافياته": إسناده قَدْ احتجا
(6)
بجميع رواته غير (عامر بن شقيق بن سلمة)
(7)
، قَالَ الحاكم
(8)
: لا أعلم في عامر طعنا بوجه من الوجوه
(9)
.
(1)
"سنن ابن ماجه" رقم (410)، وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (91): ضعيف، وقال في "المشكاة" (422): وثابت بن أبي صفية هو أبو حمزة الثمالي، وهو ضعيف.
(2)
انظر: "الذخيرة" 1/ 287، "مواهب الجليل" 1/ 376.
(3)
سيأتي برقم (158) باب: الوضوء مرتين مرتين.
(4)
سيأتي برقم (159)، باب: الوضوء ثلاثًا ثلاثًا. من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(5)
أبو داود (106)، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (94): إسناده صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجاه.
(6)
أي: البخاري ومسلم.
(7)
ورد بهامش (س): عامر بن شقيق بن جمرة بالجيم راوي الحديث المذكور عن شقيق بن سلمة، فلعله سقط منه عن شقيق، والله أعلم. [قلت: هو كذلك فعامر بن شقيق بن جمرة هو الذي يرويه عن شقيق بن سلمة. انظر مصادر التخريج].
(8)
"المستدرك" 1/ 149.
(9)
"خلافيات البيهقي" 1/ 309.
ووضوؤه صلى الله عليه وسلم مرتين وثلاثا هو من باب الرفق بأمته والتوسعة عليهم؛ ليكون لمن قصر في المرة الواحدة من عموم غسل أعضاء الوضوء أن يستدرك ذَلِكَ في المرة الثانية والثالثة.
ومن أكمل أعضاءه أولا، فالثانية سنة والثالثة فضيلة، وكأن تنويع وضوئه صلى الله عليه وسلم من باب التخيير، كما ورد التخيير في كفارة الأيمان.
قَالَ البخاري رحمه الله: (وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الثَلَاث) هو كما قَالَ، بل روى ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قَالَ: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثًا ثلاثا.
ثمَّ قَالَ: "هذا الوضوء، فمن زاد عَلَى هذا فقد أساء وتعدى وظلم"
(1)
.
ثمَّ قَالَ: لم يوصل هذا الخبر غير الأشجعي ويعلى
(2)
.
وزعم أبو داود في كتاب "التفرد" أنه من مفردات أهل الطائف، ورواه ابن ماجه في "سننه" كذلك
(3)
، ورواه أحمد في "مسنده"
(4)
، والنسائي في "سننه" بلفظ:"فقد أساء وتعدى وظلم"
(5)
ورواه أبو داود في "سننه" بلفظ: "أو نقص فقد أساء وظلم" أو "ظلم وأساء"
(6)
.
قَالَ البخاري رحمه الله: (وَكَرِهَ أَهْلُ العِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ، وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم). هذا من البخاري إشارة إلى نقل الإجماع
(1)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 89 (174).
(2)
هذِه العبارة ليست في المطبوع من "صحيح ابن خزيمة"، وأثبتها الحافظ في "إتحاف المهرة"(11702).
(3)
ابن ماجه (422).
(4)
أحمد 2/ 180.
(5)
النسائي 1/ 88.
(6)
"سن أبي داود"(135).
عَلَى منع الزيادة عَلَى الثلاث، وقد قَالَ الشافعي في "الأم": لا أحب الزيادة عليها، فإن زاد لم أكرهه، إن شاء الله
(1)
.
وحاصل ما ذكره أصحابنا في المسألة ثلاثة أوجه:
أصحها: أن الزيادة عليها مكروهة (كراهة)
(2)
تنزيه وهو معنى قول الشافعي: لم أكرهه، أي: لم أحرمه.
وثانيها: أنها حرام.
وثالثها: أنه خلاف الأولى
(3)
.
وأبعد قوم فقالوا: إنه إِذَا زاد عَلَى الثلاث يبطل وضوؤه، كما لو زاد في الصلاة، حكاه الدارمي
(4)
في "استذكاره" عنهم، وهو خطأ ظاهر، وخلاف ما عليه العلماء.
وفي "سنن ابن ماجه" بإسناد ضعيف من حديث ابن عمر: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يتوضأ فقال: "لا تسرف، لا تسرف"
(5)
(1)
"الأم" 1/ 27.
(2)
في (ج): كراهية.
(3)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 59.
(4)
هو الإمام العلامة، شيخ الشافعية، أبو الفرج، محمد بن عبد الواحد بن محمد بن عمر بن ميمون الدارمي البغدادي، من تصانيفه:"الاستذكار في فقه الشافعي"، "جامع الجوامع ومودع البدائع"، "الدلائل السمعية على المسائل الشرعية"، توفي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة.
انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 2/ 361 - 362، "سير أعلام النبلاء" 18/ 52 - 54، "هدية العارفين" ص 483.
(5)
ابن ماجه (424)، وأورده البوصيري في "زوائد ابن ماجه" ص 91 (150) وقال: إسناده ضعيف، الفضل بن عطية ضعيف، وابنه كذاب وبقية مدلس. وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(95)، و"ضعيف الجامع" (6428): موضوع.
ثمَّ ساق من حديث ابن عمرو أنه صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: "ما هذا السرف؟ " فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قَالَ: "نعم وإن كنت عَلَى نهر جار"
(1)
.
(1)
ابن ماجه (425). قال البوصيرى في "زوائد ابن ماجه" ص 91 (151): هذا إسناد ضعيف لضعف يحيى بن عبد الله وابن لهيعة. وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(96)، "الإرواء" (140): ضعيف.
2 - باب لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ بِغَيْرِطُهُورٍ
135 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيمَ الَحنْظَلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ". قَالَ رَجلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الَحدَثُ يَا أَبَا هرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. [6954 - مسلم: 225 - فتح: 1/ 34]
هذِه الترجمة هي لفظ حديث صحيح من طريق ابن عمر بزيادة:
"ولا صدقة من غلول" أخرجه مسلم في "صحيحه"
(1)
وإنما عدل عنه إلى ما ذكره من حديث أبي هريرة، مع أن حديث ابن عمر هذا مطابق لما ترجم لَهُ لأجل سماك بن حرب المذكور في إسناده، فإنه ليس من شرطه، وإن أخرج لَهُ تعليقًا.
قَالَ البخاري: حدثني إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ قَالَ: أَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ". قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا إلى قوله: "يتوضأ"
(2)
.
ثانيها: في التعريف برواته:
وقد سلف التعريف بهم أجمع مفرقًا، وجميع رجاله خرج لهم في
(1)
مسلم (224/ 1) كتاب: الطهارة، باب: وجوب الطهارة للصلاة.
(2)
مسلم (225) كتاب: الطهارة، باب: وجوب الطهارة للصلاة.
الصحيحين وباقي الكتب الستة إلا إسحاق بن راهويه، فإن ابن ماجه لم يخرج له، وجميعه يمانيون خلا ابن راهويه، وهذا السائل لا يحضرني اسمه فليبحث عنه.
ثالثها:
حضرموت: من بلاد اليمن كما قاله صاحب "المطالع"، وهذيل تَضُمُّ مِيْمَهُ، وقَالَ الجوهري: حضرموت: اسم بلد وقبيلة أيضًا، وهما اسمان جعلا واحدًا، إن شئت بنيت الاسم الأول عَلَى الفتح وأعربت الثاني بإعراب ما لا ينصرف.
قُلْتُ: هذا حضرموت، وإن شئت أضفت الأول إلى الثاني فقلت: هذا حضرموت، أعربت حضرا وخفضت موتا، وكذلك القول في سام أبرص، ورامهرمز، والنسبة إليه حضرمي، والتصغير حضيرموت، (تصغر)
(1)
الصدر منهما، وكذلك الجمع يقال: فلان من الحضارمة
(2)
.
رابعها: في أحكامه وفوائده:
الأولى: القبول: يراد به شرعًا: حصول الثواب، وقد تتخلف
(3)
الصحة بدليل صحة صلاة العبد الآبق، ومن أتى عرافًا، وشارب الخمر إِذَا لم يسكر مادام في جسده شيء منها، وكذا الصلاة في الدار المغصوبة عَلَى الصحيح عند الشافعية
(4)
.
(1)
كذا في (س)، وفي (ج): تصغير.
(2)
انظر: "الصحاح" 2/ 634، "معجم ما استعجم" 2/ 455، "معجم البلدان"
269/ 2 - 270.
(3)
ورد بهامش الأصل: لعله سقطت: عن.
(4)
انظر: "المجموع" 3/ 169.
فأما ملازمة القبول للصحة ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار"
(1)
والمراد بالحائض: من بلغت سن (الحيض)
(2)
، فإنها لا تقبل صلاتها إلا بالسترة، ولا تصح ولا تقبل مع انكشاف العورة، والقبول مفسر بترتب الغرض المطلوب من الشيء عَلَى الشيء.
فقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يقْبَلُ الله صَلَاة مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ" عام في عدم القبول من جميع المُحْدِثين في جميع أنواع الصلاة.
والمراد بالقبول: وقوع الصلاة مجزئة بمطابقتها للأمر، فعلى هذا يلزم من القبول الصحة ظاهرًا وباطنًا، وكذا العكس.
ونقل عن بعض المتاخرين أن الصحة
(3)
عبارة عن ترتب الثواب والدرجات عَلَى العبادة، والإجزاء عبارة عن مطابقة الأمر، فهما متغايران، أحدهما أخص من الآخر، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم.
فالقبول عَلَى هذا التفسير أخص من الصحة، فكل مقبول صحيح ولا عكس، وهذا إن نفع في نفي القبول مع بقاء الصحة فيما سلف ضرَّ في نفي القبول مع نفي الصحة، كما هو محكي عن الأقدمين.
(1)
رواه أبو داود (641)، والترمذي (377)، وابن ماجه (655)، وأحمد 6/ 150، 6/ 218، وابن حبان 4/ 612 (1711)، وابن خزيمة 1/ 380 (775)، والحاكم 1/ 251. كلهم من حديث عائشة.
قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأظن أنه لخلاف فيه على قتادة. اهـ. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(648): وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
(2)
كذا في (س)، وفي (ج): المحيض.
(3)
ورد بهامش (س): كذا في ابن دقيق العيد: القبول، وهو ظاهر. اهـ قلت: انظر: "إحكام الأحكام" ص 67.
إلا أن يقال: دل الدليل عَلَى كون القبول من لوازم الصحة، فإذا انتفي انتفت، فيصح الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحة، ويحتاج في نفيه مع بقائها في تلك الأحاديث إلى تأويل أو (تخريج)
(1)
جواب.
ويرد عَلَى من فسر القبول بكون العبادة مثابًا عليها أو مرضية، مع أن قواعد الشرع تقتضي أن العبادة إِذَا أتي بها مطابقة للأمر كانت سببًا للثواب في ظواهر لا تحصى
(2)
.
الثانية: الحدث: عبارة عما نقض
(3)
الوضوء، ومحل الخوض في تفاصيله كتب الفروع، وقد أوضحناها فيها -ولله الحمد- وسيأتي بعضها حيث ذكره البخاري، وقد فسره أبو هريرة -راوي الحديث- بنوع من الحدث حين لسُئِلَ عنه فقال: فساء أو ضراط، كما سلف، وكانه أجاب السائل عما يجهله منها، أو عما يحتاج إلى معرفته في غالب الأمر، أو عما يقع في الصلاة، فإن غيرَهُ كالبول مثلًا لا يُعهد فيها، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم فيما سيأتي في حديث آخر:"لا ينصرف حتَّى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"
(4)
.
ونبه به عَلَى التسوية بين الحدث الواقع في الصلاة وغيرها، لئلا يتمثل الفرق بين أن يحصل الشك فيه في الصلاة، فيتمادى أو خارجها فيتوضأ كما فرق به بعضهم.
ثمَّ الحدث بموضوعه يطلق عَلَى الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس والأصغر كنواقض الوضوء، وقد يسمى نفس الخارج حدثًا، وقد
(1)
كذا في (س)، وفي (ج): ترجيح.
(2)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 216 - 218.
(3)
كذا بالأصل، وفي "الإعلام" 1/ 219: ينقض.
(4)
سيأتي برقم (177) كتاب: الوضوء، من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.
يسمى: المنع المرتب عليه حدثًا، وبه يصح قولهم: رفعت الحدث، ونويت رفعه، وإلا استحال ما يرفع أن لا يكون رافعًا، وكأن الشارع جعل أمد المنع المرتب على خروج الخارج إلى استعمال المطهر.
وبهذا يقوى قول من يرى أن التيمم يرفع الحدث لكون المرتفع هو المنع، وهو مرتفع بالتيمم لكنه مخصوص بحالة ما، أو بوقت ما، وليس ذَلِكَ ببدع، فإن الأحكام قَدْ تختلف باختلاف محلها، وقد كان الوضوء في صدر الإسلام واجبًا لكل صلاة، فقد ثبت أنه كان مختصًّا بوقت مع كونه رافعًا للحدث اتفاقًا، ولا يلزم من انتهائه في ذَلِكَ (الوقت)
(1)
بانتهاء وقت الصلاة أن (لا)
(2)
يكون رافعًا للحدث، ثمَّ زال ذَلِكَ الوجوب كما سلف.
وقد ذكر الفقهاء أن الحدث وصف حكمي مقدر قيامه بالأعضاء عَلَى معنى الوصف الحسي، وينزلون الوصف الحكمي منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء، فمن يقول بأن التيمم لا يرفع الحدث يقول: إن الأمر المقدر الحكمي باق لم يزل، والمنع الذي هو ترتب التيمم عليه زائل.
الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: "حَتَّى يَتَوَضَّأَ" نفي القبول إلى غاية وهي الوضوء، وما بعد الغاية مخالف لما قبلها، فاقتضى قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا، ودخل تحته الصلاة الثانية قبل الوضوء لها ثانيا، وتحقيقه أن صلاة اسم جنس وقد أضيف فيعم.
الرابعة: هذا الحديث محمول عَلَى تارك الوضوء بلا عذر، أما من تركه بعذر، وأتى ببدله، فالصلاة مقبولة قطعًا؛ لأنه قد أتى بما أمر به،
(1)
ساقط من (ج).
(2)
من (ج).
عَلَى أن التيمم من أسمائه الوضوء، قَالَ صلى الله عليه وسلم:"لصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين"
(1)
وهو حديث صحيح
الخامسة: هذا الحديث نص في وجوب الطهارة وشرطيتها للصلاة وهو إجماع
(2)
.
واختلفوا متى فرضت للصلاة؟ فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء كان في أول الإسلام (سنة)
(3)
ثمَّ نزل فرضه في آية التيمم
(4)
.
وقال الجمهور: بل كان قبل ذَلِكَ فرضًا، ثمَّ اختلفوا في أنه هل يجب على كل قائم إلى الصلاة، أو عَلَى المحدث خاصة؟ والذي أجمع عليه أهل الفتوى الثاني كما سلف.
وأما الوضوء لغير الفرائض فذهب بعضهم إلى أنه بحسب [ما يفعل]
(5)
لَهُ من نافلة أو فريضة، وهو عجيب، لا جرم رده بعض المالكية إلى أنه هل ينوي بالوضوء الفرض أو النفل؟ وذهب بعضهم إلى أنه فرض عَلَى كل حال، حكاه القاضي عياض
(6)
وهو المتعين، وغيره مطرح.
(1)
رواه أبو داود (332)، الترمذي (124)، والنسائي 1/ 171، وأحمد 5/ 155، وابن حبان 4/ 140 (1313)، والدارقطني 1/ 186 (1)، والحاكم 1/ 176 - 177، والبيهقي 1/ 212 من حديث أبي ذر.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، لم يخرجاه إذ لم نجد لعمرو بن بجدان راويا غير أبي قلابة الجرمي، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (358): صحيح.
(2)
نقل الأجماع على ذلك ابن هبيرة في "الإفصاح" 1/ 245.
(3)
ساقطة من (ج).
(4)
انظر: "إكمال المعلم" 1/ 10.
(5)
زيادة يقتضيها السياق، مثبتة من "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 223.
(6)
"إكمال المعلم" 1/ 11.
السادسة: استدل المتقدمون بهذا الحديث على أن الصلاة لا تجوز إلا بطهارة، ولا يلزم من انتفاء القبول انتفاء الصحة، وقد تكون الصلاة مقبولة، ولا تيمم في حق فاقد الطهورين، فإنها صحيحة مقبولة، ولا تجب إعادتها عَلَى أحد الأقوال للشافعي.
وهو المختار عند جماعة من محققي أصحابه، وقول جماعة من العلماء، فيكون الحديث خرج عَلَى الأصل والغالب، والإعادة لا تجب إلا بأمر جديد.
وهذا كله عَلَى مذهب من يقول: إن الطهارة شرط للصحة، أما من يقول: إنها شرط للوجوب كمالك وابن نافع، فإنهما قالا: فاقد الطهورين لا يصلي، ولا يقضي إن خرج الوقت
(1)
؛ لأن عدم قبولها لعدم شرطها يدل عَلَى أنه ليس مخاطبًا بها حال عدم شرطها، فلا يترتب في الذمة شيء، فلا يقضي.
لكن قوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"
(2)
يمنع هذا، فإنه أمر بالصلاة بشروط تعذرت فيأتى بها، ولا يلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط بالنسبة إلى أصل الوجوب.
وهذِه المسألة فيها أربعة
(3)
أقوال للشافعي:
أحدها: ما قدمناه.
(1)
انظر: "عارضة الأحوذي" 1/ 9، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 64.
(2)
سيأتي برقم (7288) كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: بل خمسة، فالخامس في "الشرح الكبير" للرافعي، وأسقطه النووي رحمه الله من "الروضة" وهو أنه يستحب الصلاة ولا تجب الإعادة، فإن شئت عبرت عنه بأنه لا تجب حالًا ولا مالًا، والله أعلم.
وثانيها: تحرم الصلاة وتجب الإعادة.
وثالثها: تستحب الصلاة وتجب الإعادة.
وأصحها: تجب الصلاة وتجب الإعادة
(1)
، وهي عند المالكية أيضًا لكن عندهم قول: إنه لا يصلي ولا يقضي كما سلف، فهذا خامس إذًا
(2)
.
السابعة: قَدْ استدل بهذا الحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء أكان خروج اختياريًّا أم اضطراريًّا، لعدم تفريقه صلى الله عليه وسلم بين حدث وحدث في حالة دون حالة.
وقد حكي عن مالك والشافعي -في قوله القديم- وغيرهما أنه إِذَا سبقه الحدث يتوضأ، ويبني عَلَى صلاته، وإطلاق الحديث يرده
(3)
.
(1)
انظر: "المجموع" 1/ 322، "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 223 - 224.
(2)
وقد نظمها بعضهم، فقال:
ومَنْ لم يجد ماء ولا متيمما
…
فأربعة الأقوال يحكون مذهبا
يصلي ويقضي عكس ما قال مالك
…
وأصبغ يقضي والأداء لأشهبا
وللقابسي ذو الربط يومي لأرضه
…
بوجه وأيد للتيمم مطلبا
انظر: "إنارة الدجى شرح تنوير الحجا" ص 64.
(3)
انظر: "الحاوي" 2/ 184، "المهذب" 1/ 288، "التهذيب" 2/ 161، "روضة الطالبين" 1/ 271.
وفي نسبة هذا القول لمالك نظر، قال القاضي عبد الوهاب في "عيون المجالس" 1/ 322: قال مالك: ومن غلبه الحدث في الصلاة بطلت صلاته وليستأنف الوضوء والصلاة ولا يبني بعد الوضوء. اهـ.
وانظر: "الفواكه الدواني" 1/ 291، "الثمر الداني" ص 129.
وممن ذهب إلى البناء إذا سبقه الحدث: أبو حنيفة وابن أبي ليلى والأوزاعي وهو رواية عن أحمد، وحكي عن عمر، وعلى، وأبن عمر، وابن عباس، وسلمان الفارسي، وابن المسيب، وعطاء، وطاوس. =
الثامنة: قام الإجماع عَلَى تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب لغير فاقد الطهورين، ولا فرق في ذَلِكَ بين الصلاة المفروضة والنافلة، وسجود التلاوة والشكر.
وحكي عن الشعبي
(1)
، ومحمد بن جرير الطبري أنهما أجازا صلاة الجنازة بغير وضوء
(2)
، وهو باطل؛ لعموم هذا الحديث والإجماع، ومن الغريب أن قولهما قَالَ به بعض الشافعية كما أفدته في "شرح المنهاج".
فرع: لو صلى محدثًا متعمدًا بلا عذر أثِمَ ولا يكفر عندنا وعند الجمهور، وحكي عن أبي حنيفة أنه يَكْفُر لتلاعبه
(3)
.
التاسعة: قَدْ يستدل بالحديث عَلَى رفع الشك واستصحاب يقين الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا (يقبل الله)
(4)
صلاة من أحدث" ولا يقال: أحدث إلا مع اليقين.
= وذهب الشافعي في الجديد، ومالك، وأحمد في رواية، هي الصحيحة في المذهب إلى أنه يستأنف الصلاة ولا يبني على ما سبق، وهو محكي عن المسور بن مخرمة، وابن شبرمة، وعطاء، والنخعي، ومكحول.
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 266، "الهداية" 1/ 63، "الاختيار" 1/ 86، "حلية العلماء" 2/ 127، "الشرح الكبير" 2/ 4، "المجموع" 4/ 6، "المغني" 2/ 508، "الفروع" 1/ 401.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 498 (11478).
وورد بهامش (س) تعليق نصه: وفي حفظي أن أبا محمد ابن حزم قال بمثل قول الشعبي وابن جرير. اهـ.
(2)
انظر: "المجموع" 5/ 182.
(3)
انظر: "المجموع" 2/ 78. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 21/ 295: ومن صلى بغير طهارة شرعية مستحلًا لذلك فهو كافر، ولو لم يستحل ذلك فقد اختلف في كفره، وهو مستحق للعقوبة الغليظة. اهـ.
(4)
في (ج): تُقْبَل.
3 - باب فَضْلِ الوُضُوءِ، وَالْغُرِّ المُحجليَن
(1)
مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ
136 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُعَيْمٍ الُمجْمِرِ قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الَمسْجِدِ، فَتَوَضَّأَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ أُمَّتي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ". [مسلم: 246 - فتح: 1/ 235]
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم
(2)
أيضًا في الطهارة، وله:"يأتون" بدل: "يدعون".
ثانيها: في التعريف برواته:
وقد سلف التعريف بهم خلا ثلاثة:
أولهم: أبو عبد الله نعيم بن عبد الله، وقيل: محمد المدني العدوي مولى آل عمر المجمر بتخفيف الميم، ويقال: بتشديدها، كان يبخر المسجد، وقيل: إن أباه كان يأخذ المجمر قدام عمر بن الخطاب إِذَا خرج إلى الصلاة في رمضان، وبه جزم ابن حبان في "ثقاته"
(3)
.
(1)
كذا في الأصل، وفي رواية الأصيلي: وفضل الغرّ المحجلين. وعند الباقين: الغرّ المحجلون. كما في السلطانية.
(2)
مسلم (246/ 35) كتاب: الطهارة، باب: استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء.
(3)
"الثقات" 5/ 476.
وجزم النووي في "شرح مسلم" بأن المجمر صفة لعبد الله، وتطلق عَلَى ابنه نعيم مجازًا، قَالَ ذَلِكَ مع جزمه أولًا بأن نعيمًا هو الذي كان يبخر المسجد
(1)
، فتأمله.
روى عن أبي هريرة، وجابر وغيرهما، وعنه ابنه محمد ومالك وجماعة. وثقه أبو حاتم وجماعة، وجالس أبا هريرة عشرين سنة
(2)
فائدة:
في الصحابة نعيم بن عبد الله النحام، وهو من الأفراد
(3)
، وفيهم نعيم جماعة بدون ابن عبد الله
(4)
.
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 3/ 143.
(2)
"الجرح والتعديل" 8/ 460 (2106).
(3)
نعيم النحام بن عبد الله بن أسد بن جد عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، أسلم بعد عشرة أنفس قبل إسلام عمر بن الخطاب، وكان يكتم إسلامه، ومنعه قومه لشرفه فيهم من الهجرة واختلف في وقت وفاته، فقيل: بأجنادين شهيدًا سنة ثلاث عشرة في آخر خلافة أبي بكر. وقبل يوم اليرموك شهيدًا، وفي رجب سنة خمس عشرة في خلافة عمر.
انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" لابن قانع 3/ 152 - 153 (1125)، "معرفة الصحابة" 5/ 2666 - 2667، "الاستيعاب" 4/ 69 - 70 (2657).
(4)
وهم: نعيم بن أوس الداري، نعيم بن بدر، نعيم بن جناب، نعيم بن ربيعة بن كعب الأسلمي، نعيم بن زيد التميمي، نعيم بن سلام -وقيل: سلامة- نعيم بن عمرو بن مالك، نعيم بن قعنب، نعيم بن مسعود الأشجعي، نعيم بن مقرن، نعيم بن هزال الأسلمي، نعيم بن هبار الغطفاني.
وانظر تراجمهم في:
"معجم الصحابة" لابن قانع 3/ 147 - 154 (1122 - 1126)، و"معرفة الصحابة" لأبي نعيم 6/ 2667 - 2671، و"الاستيعاب" 4/ 69 - 72 (2656 - 2661)، و"أسد الغابة" 6/ 446 - 447 (6673 - 6674)، و"الإصابة" 3/ 586 (8873، 8874).
فائدة:
مِجْمَر تشتبه بمخمر -بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الميم الثانية- (وهم جماعة سردهم ابن ماكولا منهم ذو مخمر ابن أخي النجاشي، له صحبة، ويقال: مخبر بالباء الموحدة بدل الميم
(1)
.
ثانيهم: سعيد بن أبي هلال)
(2)
الليثي، مولاهم أبو العلاء المدني، روى عن نافع ونعيم وجماعة، وعنه الليث بن سعد وغيره، مات سنة خمس وثلاثين ومائة
(3)
.
ثالثهم: خالد (ع) وهو ابن يزيد، أبو عبد الرحيم المصري، الفقيه، روى عن عطاء والزهري، وعنه الليث وغيره، ثقة مات سنة تسع وثلاثين ومائة
(4)
.
ثالثها:
هذا الإسناد جميع رجاله من فرسان الصحيحين، وباقي الكتب الستة إلا يحيى بن بكير، فإنه من رجال البخاري ومسلم وابن ماجه فقط، وفيه لطيفة أيضًا وهو أن النصف الأول من إسناده مصريون والنصف الثاني مدنيون.
(1)
"الإكمال" 7/ 226.
(2)
ما بين القوسين ساقط من (ج).
(3)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 514، "التاريخ الكبير" 3/ 519 (1736)، "معرفة الثقات" 1/ 406 (620)، "الجرح والتعديل" 4/ 71 (301)، "الثقات" 6/ 374، "تهذيب الكمال" 11/ 94 (2372)، "سير أعلام النبلاء" 6/ 33 (128).
(4)
قال أبو زرعة والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له الجماعة.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 3/ 180 (612)، "الجرح والتعديل" 3/ 358 (1619)، "تهذيب الكمال" 8/ 208 (1666)، "شذرات الذهب" 1/ 207.
رابعها:
هذا الحديث رواه مع أبي هريرة سبعة من الصحابة، ذكرهم ابن منده في "مستخرجه": ابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وأبو أمامة الباهلي، وأبو ذر الغفاري، وعبد الله بن بسر المازني، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
خامسها: في ألفاظه ومعانيه وفوائده:
أحدها: قوله (رقيت): هو بكسر القاف، أي: صعدت، هذِه اللغة الصحيحة المشهورة، وحكى صاحب "المطالع" فتح القاف من غير همز ومعه، فحصل ثلاث لغات.
وقال كراع: الهمز أجود، وخالفه صاحب "الجامع" فقال: عدمه
أصح، وقال الزمخشري: لا أعلم صحة الفتح، وهذا كله من الرقي، أما من الرقية فرقيت بالفتح كما اختاره ثعلب في "فصيحه"
(1)
.
ثانيها: (الأمة): تطلق بإزاء أمور ليس هذا موضع الخوض فيها قَدْ ذكرتها في "شرح العمدة"
(2)
، والمراد هنا أتباعه صلى الله عليه وسلم جعلنا الله منهم.
ثالثها: (يوم): من الأسماء الشاذة لوقوع الفاء والعين فيه حرفي علة، فهو من باب: ويل وويح. و (القيامة): فعالة من قام يقوم أصله القوامة، فقلبت الواو فيه ياء؛ لانكسار ما قبلها.
رابعها: قوله: ("غرًّا محجلين") هما منصوبان عَلَى الحال من الضمير في "يدعون" وهو الواو، والأصل: يدعوون، بواوين تحركت الأولى وانفتح ما قبلها، قلبت ألفا اجتمع ساكنان: الألف والواو
(1)
انظر "شرح الفصيح" للزمخشري 1/ 242 - 243.
(2)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 403.
بعدها، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فصار يدعون، والمعنى -والله أعلم-: يدعون إلى موقف الحساب أو إلى الميزان أو إلى غير ذلك.
قَالَ الشيخ تقي الدين القشيري في "شرح العمدة": ويحتمل أيضًا أن يكون مفعولًا لـ "يدعون" بمعنى: التسمية، أي: يسمون غرًّا، قَالَ: والحال أقرب، وتعدى يدعون في المعنى بالحرف، كما قَالَ تعالى:{يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ} [آل عمران: 23] ويجوز ألا يعدى يدعون باالحرف، وتكون (غرًّا) حالًا أيضًا
(1)
.
خامسها: الغرة: بياض في جبهة الفرس، والتحجيل: بياض في يديها ورجليها، فسمي النور الذي يكون في مواضع الوضوء يوم القيامة غرًّا وتحجيلا تشبيها بذلك.
قَالَ ابن سيده: الغرة: بياض في الجبهة، فرس أغر وغراء، وقيل:
الأغر من الخيل: الذي غرته أكبر من الدرهم، قَدْ وسطت جبهته، ولم تصب واحدة من العينين ولم تَمِل عَلَى واحد من الخدين، ولم تَسِل سُفْلا، وهي أفشى من القرحة. وقال بعضهم: بل يقال للأغر: أغرُّ أقرح، لأنك إِذَا قُلْتَ: أغر فلابد أن تصف الغرة بالطول والعرض والصغر والعِظم والدقة، وكلهن غُرَرُ، فالغرة جامعة لهن.
وغرة الفرس: البياض يكون في وجهه، فإن كانت (مدورة)
(2)
فهو (وتيرة)
(3)
، وإن كانت طويلة فهي شادخة، وعندي أن الغرة نفس القدر الذي يشغله البياض.
(1)
"إحكام الأحكام" ص 96.
(2)
في الأصل: (موزورة)، والمثبت من "المحكم" 5/ 217.
(3)
في الأصل: (وثيرة)، والمثبت من "المحكم" 5/ 217.
والأغر: الأبيض من كل شيء، وقد غرّ وجه يغر بالفتح (غررًا)
(1)
وغرة، وغرارة: صار ذا غرة
(2)
.
قَالَ: والتحجيل: بياض يكون في قوائم الفرس كلها، وقيل: هو أن يكون البياض في ثلاث قوائم منهن دون الأخرى في رِجْل ويدَيْن، ولا يكون التحجيل في اليدين خاصة إلا مع الرجلين، ولا في يد واحدة دون الأخرى إلا مع الرجلين، والتحجيل: بياض قل أو كثر حتَّى يبلغ نصف الوظِيفِ، (ولون)
(3)
سائره ما كان
(4)
.
وفي "الصحاح": يجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين ولا العرقوبين
(5)
وفي "المغيث" لأبي موسى المديني: فإذا كان البياض في طرف اليد فهو العصمة، يقال: فرس أعصم.
(6)
سادسها:
المراد بالغرة: غسل شيء من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائدًا عَلَى الجزء الذي يجب غسله؛ لاستيعاب كمال الوجه، وفي التحجيل غسل ما فوق المرفقين والكعبين.
وادعى ابن بطال ثمَّ القاضي عياض ثمَّ ابن التين اتفاق العلماء عَلَى أنه لا تستحب الزيادة فوق المرفق والكعب
(7)
.
(1)
في الأصل: (غرره)، والمثبت من "المحكم" 5/ 217.
(2)
"المحكم" 5/ 217.
(3)
في الأصل: ويكون، والمثبت من "المحكم" 5/ 33.
(4)
"المحكم" 3/ 55.
(5)
"الصحاح" 4/ 1666، مادة (حجل).
(6)
"المجموع المغيث" 1/ 406.
(7)
"شرح ابن بطال" 1/ 221 - 222، "إكمال المعلم بفوائد مسلم" 2/ 44.
وهي دعوى باطلة، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وأبي هريرة، وعمل العلماء وفتواهم عليه، فهم (محجوجون)
(1)
بالإجماع.
واحتجاجهم بالحديث السالف: "من زاد عَلَى هذا أو نقص فقد أساء وظلم" لا يصح، لأن المراد به الزيادة في عدد المرات، أو النقص عن الواجب، أو الثواب المرتب عَلَى نقص العدد لا الزيادة عَلَى تطويل الغرة والتحجيل.
وأما حد الزائد فغايته استيعاب العضد والساق، وقال جماعة من أصحابنا: يستحب إلى نصفها، وقال البغوي: نصف العضد فما فوق، ونصف الساق فما فوقه.
(2)
وحاصلها ثلاثة أوجه كما جمعها النووي في "شرح مسلم" فقال: اختلف أصحابنا في العدد المستحب عَلَى ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه تستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين من غير توقيت.
وثانيها: إلى نصف العضد والساق.
وثالثها: إلى المنكب والركبتين، قَالَ: والأحاديث تقتضي ذَلِكَ كله
(3)
.
وقال الشيخ تقي الدين القشيري: ليس في الحديث تقييد ولا تحديد لمقدار ما يغسل من العضدين والساقين، وقد استعمل أبو هريرة الحديث على إطلاقه وظاهره في طلب إطالة الغرة، فغسل إلى قريب من المنكبين، ولم ينقل ذَلِكَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كثر استعماله في
(1)
في الأصل: (محججون)، والصواب ما أثبتناه.
(2)
"التهذيب" 1/ 247.
(3)
"مسلم بشرح النووي" 3/ 143.
الصحابة والتابعين، فلذلك لم يقل به الفقهاء، ورأيت بعض الناس قَدْ ذكر أن حد ذَلِكَ نصف العضد والساق
(1)
، هذا آخر كلامه.
وقوله: لم يقل به الفقهاء. غريب مع ما قدمناه عنهم.
ومن أوهام ابن بطال والقاضي عياض
(2)
إنكارهما عَلَى أبي هريرة بلوغه الماء إبطيه وأن أحدًا لم يتابعه عليه، وقد قَالَ به القاضي حسين
(3)
وآخرون من أصحابنا أيضًا، وفي "مصنف ابن أبي شيبة": حَدَّثنَا وكيع، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان ربما بلغ بالوضوء إبطه في الصيف.
ثمَّ روى عن وكيع أيضًا، عن عقبة ابن أبي صالح، عن إبراهيم أنه كرهه
(4)
.
قُلْتُ: وهذا مردود بما سلف، وما أبعد من أول الاستطاعة في الحديث عَلَى إطالة (الغرة)
(5)
والتحجيل بالمواظبة عَلَى الوضوء لكل صلاة، فتطول غرته بتقوية نور أعضائه، وهو ابن بطال قَالَ: والطول والدوام معناهما متقارب
(6)
.
سابعها:
قوله: "مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ" هو بضم الواو، ويجوز فتحها عَلَى إرادة آثار الماء المستعمل في الوضوء، فإن الغرة والتحجيل نشأ عن الفعل بالماء، فيجوز أن ينسب إلى كل منهما.
(1)
"إحكام الأحكام" ص 96.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 221، "إكمال المعلم" 2/ 44.
(3)
"المجموع" 1/ 458.
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 57 - 58 (604، 605).
(5)
في (ج): غرته.
(6)
"شرح ابن بطال" 1/ 222.
ثامنها:
قوله: "فَمَنِ اسْتَطَاعَ .. " إلى آخره اقتصر فيه على ذكر الغرة دون التحجيل، وإن ذكر معها في رواية أخرى في "الصحيح" للعلم به
(1)
، فهو من باب قوله:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] ولم يذكر البرد للعلم به.
وقال الشيخ تقي الدين القشيري: كأنَّ ذَلِكَ من باب التغليب بالذكر لأحد الشيئين عَلَى الآخر، (إن)
(2)
كانا كسبيل واحد للترغيب فيه، وقد استعمل الفقهاء ذَلِكَ فقالوا: يستحب تطويل الغرة، ومرادهم الغرة والتحجيل
(3)
.
وهذا ليس تغليبًا حقيقيًّا إذ لم يؤت فيه إلا بأحد الاسمين، والتغليب: اجتماع الاسمين أو الأسماء وتغليب أحدهما عَلَى الآخر نحو: القمرين، والعمرين وشبههما.
ثمَّ القاعدة في التغليب أن يغلب المذكر عَلَى المؤنث لا بالعكس، والأمر هنا بالعكس لتأنيث الغرة وتذكير التحجيل، ويجاب أيضًا بأنها خصت بالذكر؛ لأن محلها أشرف أعضاء الوضوء، ولأنه أول ما يقع عليه البصر يوم القيامة.
ونقل ابن بطال عن بعضهم أنه كنى بالغرة عن التحجيل معللًا بأن الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله
(4)
، وهذا غريب عجيب.
(1)
"صحيح مسلم"(246/ 30) كتاب: الطهارة، باب: استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء.
(2)
في "الأصول": (وإن) والمثبت من "الإحكام".
(3)
"إحكام الأحكام" ص 96.
(4)
"شرح ابن بطال" 1/ 222.
تاسعها: رأيت مَنْ شرح هذا الموضع من هذا الكتاب من شيوخنا ادعى أن قوله: "فمن استطاع .. " إلى آخره من قول أبي هريرة أدرجه آخر الحديث
(1)
. وفي هذِه الدعوى بُعدٌ عندي.
عاشرها: استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث عَلَى أن الوضوء من خصائص هذِه الأمة -زادها الله شرفًا- وبه جزم الحليمي في "منهاجه"، وفي "الصحيح" أيضًا: "لكم سيماء
(2)
ليست لأحد من الأمم، تردون عليّ غرًّا محجلين من أثر الوضوء"
(3)
(1)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: وذكر أنه مدرج ابن قيم الجوزية في "حادي الأرواح" في الباب الخمسين [
…
] ولفظه. وأما قوله: "فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل" فهذِه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بيّن ذلك غير واحد من الحفاظ. وفي "مسند الإمام أحمد" في هذا الحديث: قال نعيم: فلا أدري قوله: "من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله أبو هريرة من عنده، وكان شيخنا ابن تيمية يقول:
هذِه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الغرة لا تكون في اليد، لا تكون إلا في الوجه، وإطالتها غير ممكنة إذ تدخل في الرأس فلا تسمى تلك غرة. اهـ.
وانظر: "حادي الأرواح" ص 287 - 288.
(2)
قال النووي في "شرح مسلم" 3/ 135: أما السيما فهي العلامة، وهي مقصورة وممدودة لغتان، ويقال: السيميا بياء بعد الميم مع المد.
(3)
رواه مسلم (247/ 36) كتاب: الطهارة، باب: استحباب إطالة الغرة والتحجيل
في الوضوء. من حديث أبي هريرة قال ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري"
1/ 236:
واستدل الحليمي بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذِه الأمة، وفيه نظر؛ لأنه ثبت عند المصنف في قصة سارة رضي الله عنها مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي، وفي قصة جريج الراهب أيضًا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام. =
وقال آخرون: ليس الوضوء مختصًّا بها، وإنما الذي اختصت به الغرة والتحجيل، و (ادعوا)
(1)
أنه المشهور من قول العلماء، واحتجوا بالحديث الآخر:"هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي"
(2)
وأجاب الأولون عن هذا بوجهين: أحدهما: أنه حديث ضعيف.
ثانيهما: أنه لو صح لاحتمل اختصاص الأنبياء دون أممهم بخلاف هذِه الأمة.
وفيه: شرف عظيم لهم، حيث استووا مع الأنبياء في هذِه الخصوصية، وامتازت بالغرة والتحجيل، لكن سيأتي في حديث جريج في موضعه:
أنه توضأ وصلى
(3)
. وفيه دلالة عَلَى أن الوضوء كان مشروعًا لهم.
وعلى هذا فيكون خاصية هذِه الأمة الغرة والتحجيل الناشئين عن الوضوء لا الوضوء، ونقل الزناتي المالكي شارح "الرسالة" عن العلماء أن الغرة والتحجيل حكم ثابت لهذِه الأمة، من توضأ منهم ومن لم يتوضأ.
كما قالوا: لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنبٍ، إن أهل القبلة كل من آمن به من أمته سواء صلى أو لم يصل، وهذا نقل غريب، وظاهر
= فالظاهر أن الذي اختصت به هذِه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة أيضًا مرفوعًا قال:"سيما ليست لأحد غيركم" وله من حديث حذيفة نحوه. أهـ.
(1)
في الأصول (أدعى) وما أثبتناه أليق بالسياق.
(2)
رواه ابن ماجه (420)، والدارقطني 1/ 79 - 81 (1 - 6)، والبيهقي 1/ 80، من حديث أُبي بن كعب. وذكره البوصيري في "زوائد ابن ماجه" ص 90 (149) وقال:
إسناده ضعيف، زيد هو العمي ضعيف وكذلك الرواي عنه. وضعفه ابن حجر في "الفتح" 1/ 36، وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (93): ضعيف.
(3)
سيأتي برقم (2482) كتاب: المظالم، باب: إذا هدم حائطًا فليبن مثله.
الأحاديث يقتضي خصوصية ذَلِكَ بمن توضأ منهم، وفي "صحيح أبي حاتم ابن حبان": يا رسول الله، كيف تعرف من لم تر من أمتك؟ قَالَ:"غرٌ محجلون بلق من آثار الوضوء"
(1)
.
الحادي عشر: قَدْ استوفي صلى الله عليه وسلم بذكر الغرة والتحجيل جميع أعضاء الوضوء، فإن الغرَّ: بياض في الوجه، والرأس داخلة في مسماها.
والتحجيل: بياض في اليدين والرجلين.
الثاني عشر: فيه استصحاب المحافظة عَلَى الوضوء وسننه المشروعة فيه.
الثالث عشر: فيه ما أعد الله من الفضل والكرامة لأهل الوضوء يوم القيامة.
الرابع عشر: فيه ما أَطْلَع اللهُ نبيه صلى الله عليه وسلم من المغيبات المستقبلة التي لم يُطْلع عليها نبيًّا غيره من أمور الآخرة وصفات ما فيها.
الخامس عشر: فيه أيضًا جواز الوضوء عَلَى ظهر المسجد، وهو من باب الوضوء في المسجد، وقد كرهه قوم وأجازه الأكثرون، ومن كرهه لأجل التنزيه كما يتنزه عن البصاق والنخامة، وحرمة أعلى المسجد كحرمة داخله، وممن أجازه في المسجد ابن عباس، وابن عمر، وعطاء، والنخعي، وطاوس
(2)
.
(1)
"صحيح ابن حبان" 3/ 323 (1047)، 16/ 226 (7242)، ورواه ابن ماجه (284)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" 1/ 281 (359). وأحمد 1/ 403، 452، 453. وأبو يعلى في "مسنده" 8/ 462 (5048) من حديث عبد الله بن مسعود. وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه" (230): حسن صحيح.
(2)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 1/ 41 (385، 387، 388، 391، 392)، ورواها عبد الرزاق 1/ 418 (1639)، عن ابن عمر، و (1638) عن طاوس.
وهو قول ابن القاسم المالكي
(1)
، وأكثر العلماء كما حكاه ابن بطال عنهم
(2)
، وكرهه ابن سيرين
(3)
وهو قول مالك، وسحنون
(4)
.
وقال ابن المنذر: أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء فيه، إلا أن يبله ويتأذى به الناس، فإنه مكروه
(5)
.
قُلْتُ: وصرح جماعة من أصحابنا بجوازه فيه، وأن الأولى أن يكون في إناء
(6)
.
قَالَ البغوي: ويجوز نضحه بالماء المطلق، ولا يجوز بالمستعمل؛ لأن النفس تعافه
(7)
. وفي هذا نظر.
السادس عشر: فيه قبول خبر الواحد، وهو مستفيض في الأحاديث
(8)
.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 79.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 222 - 223.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 42 (394).
(4)
انظر: "المنتقى" 1/ 79.
(5)
"الأوسط" 5/ 139 - 140.
(6)
انظر: "المجموع" 2/ 201.
(7)
"التهذيب" 3/ 239.
(8)
ورد بهامش (س) ما نصه: ثم بلغ في الثامن بعد الثلاثين له مؤلفه غفر الله له.
4 - باب لَا يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ
137 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الُمسَيِّبِ وعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ الذِي يخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّئ فِي الصُّلَاةِ. فَقَالَ: "لَا يَنْفَتِلْ -أَوْ لَا يَنْصَرِف- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا". [177، 2056 - مسلم: 361 - فتح: 1/ 237]
حَدَّثنَا عَلِيٌّ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثنا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ [و]
(1)
عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَهُ شَكَا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ الذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّئ فِي الصَّلَاةِ. فَقَالَ: "لَا يَنْفَتِلْ -أَوْ لَا يَنْصَرِفْ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري هنا كما ترى، وأخرجه قريبًا في باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين القبل والدبر، عن أبي الوليد، عن سفيان به، وقال:"لا ينصرف حتَّى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"
(2)
، وأخرجه في البيوع: عن أبي نعيم، عن ابن عيينة، عن الزهري به
(3)
.
(1)
قال الحافظ في "الفتح": سقطت الواو من نسخة كريمة غلطا، لأن سعيد لا رواية له عن عباد أصلا.
(2)
سيأتي برقم (177) كتاب: الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر.
(3)
سيأتي برقم (2056) كتاب: البيوع، باب: من لم ير الوساوس ونحوها من المشتبهات.
وأخرجه مسلم هنا عن عمرو الناقد، وغيره عن ابن عيينة به
(1)
.
ثانيها: في التعريف برواته:
أما عم عباد فهو غبد الله (ع) بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاري المازني، من بني مازن بن النجار المدني.
له ولأبويه صحبة، ولأخيه حبيب بن زيد الذي قطعه مسيلمة عضوًا عضوا، فقضى أن عبد الله هو الذي شارك وحشيًّا في قتل مسيلمة، وهو راوي هذا الحديث، وحديث صلاة الاستسقاء أيضًا الآتي في بابه
(2)
، وغيرهما من الأحاديث كما ستعلمه.
ووهم ابن عيينة فزعم أنه الذي أُرِيَ الأذان أيضًا، وهو عجيب فإن ذاك عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد والأنصاري، فكلاهما اتفقا في الاسم واسم الأب والقبيلة وافترقا في الجد والبطن من القبيلة، فالأول مازني، والثاني حارثي، وكلاهما أنصاريان خزرجيان فيدخلان في نوع المتفق والمفترق.
وممن غلط ابن عيينة في ذَلِكَ البخاري في "صحيحه" في باب الاستسقاء. كما ستعلمه هناك إن شاء الله تعالى وَقَّدرَه.
ثمَّ عبد الله صاحب الترجمة له ثمانية وأربعون حديثًا، اتفقا عَلَى ثمانية منها، وذاك اشتهر له حديث واحد، وهو حديث الأذان، حتَّى قَالَ البخاري فيما نقله الترمذي عنه: لا نعرف له غيره
(3)
. لكنا ظفرنا
(1)
مسلم (361) كتاب: الحيض، باب: الدليل على أن من تقين الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك.
(2)
سيأتي برقم (1012) كتاب: الاستسقاء، باب: تحويل الرداء في الاستسقاء.
(3)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (186).
له بحديث ثان وثالث وذكرتهما في تخريجي لأحاديث الرافعي
(1)
.
قتل صاحب الترجمة في ذي الحجة بالحرة عن سبعين سنة، وكانت الحرة في آخر سنة ثلاث وستين، وهو أُحُدِي، وقال ابن منده وأبو أحمد الحاكم وأبو عبد الله صاحب "المستدرك": إنه بَدْرِي
(2)
، وهو وهم
(3)
.
فائدة:
ليس في الصحابة من اسمه عبد الله بن زيد بن عاصم سوى هذا، وفيهم أربعة أخر اسم كل منهم عبد الله بن زيد منهم صاحب الأذان
(4)
.
فائدة أخرى:
عبد الله بن زيد هذا هو عم عباد من قبل أمه، وقيل: من قبل أبيه فتنبه له.
وأما عباد بن تميم بن غزية فهو أنصاري مازني مدني ثقة. قَالَ: أَعِي يوم الخندق وأنا ابن خمس سنين.
(1)
"البدر المنير" 2/ 203 - 206.
(2)
"المستدرك" 3/ 520. وقال الذهبي: هذا خطأ. اهـ.
(3)
انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 3/ 1656 (1640)، "الاستيعاب" 3/ 45 (1558)، "أسد الغابة" 3/ 250 (2956)، "الإصابة" 2/ 312 (4688).
(4)
وهم عبد الله بن زيد الجهني، عبد الله بن زيد الضبي، عبد الله بن زيد بن عمرو بن مازن، عبد الله بن زيد بن سهل وهو ابن أبي طلحة الأنصاري، وعبد الله بن يزيد الأنصاري الحارثي أيضًا.
وانظر تراجمهم في: "معرفة الصحابة" 3/ 1653 - 1658 (1639 - 1643)، "الاستيعاب" 3/ 45 - 46 (1557 - 1558)، "أسد الغابة" 3/ 247 - 250 (2953 - 2956)، "الإصابة" 2/ 312 - 313 (4686 - 4691).
فينبغي إذن أن يعد في الصحابة، وليس فيهم من يسمى عباد بن تميم سواه (إذن)
(1)
وقد عده الذهبي فيهم
(2)
، ووقع في بعض نسخ ابن ماجه رواية عباد، عن أبيه، عن عمه حديث الاستسقاء، وتبعها ابن عساكر، والصواب عن عبد الله بن أبي بكر قَالَ: سمعت عباد بن تميم يحدث أبي عن عمه الحديث
(3)
.
فائدة:
عَبَّاد -بفتح أوله وتشديد ثانيه- ويشتبه بِعُبَاد -بضم أوله وتخفيف ثانيه- وهو والد قيس وغيره، وبِعبَاد -بكسر أوله وفتح ثانيه- وبعياذ وبعيَّاد وبعَنَّاد، والكل موضح في "مشتبه النسبة" تأليفي.
وأما سعيد بن المسيب والزهري فسلف التعريف بهما، وليس في الكتب الستة من اسمه سعيد بن المسيب سوى هذا الإمام، بل، ولا يحضرني في غيرها أيضًا.
وسفيان: هو ابن عيينة سلف، وكذا علي بن المديني.
فائدة:
هذا الإسناد كلهم من رجال الكتب الستة، إلا علي بن المديني فإنه من رجال البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي فقط، وجميع رجاله مدنيون، خلا ابن المديني، فإنه بصري، وخلا سفيان فإنه مكي.
الوجه الثالث:
قول البخاري، (عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وعن عباد بن
(1)
ساقطة من (ج).
(2)
"تجريد أسماء الصحابة"(3074).
(3)
وقد اختلف في صحبته. انظر: "الطبقات الكبرى" 5/ 81، "التاريخ الكبير" 6/ 35 (1604)، "معرفة الثقات" 2/ 16 (834)، "الإصابة" 2/ 264 (4456).
تميم، عن (عمه)
(1)
) يعني به أن الزهري رواه عنهما جميعًا أعني: سعيد بن المسيب، وعباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد.
الوجه الرابع: في ألفاظه وفوائده:
الأولى: الياء في (شكى) منقلبة عن واو؛ لأنه من شكى يشكو، ويجوز أن تكون أصلية غير منقلبة في لغة من قَالَ: شكى يشكي.
الثانية: هذِه الرواية ظاهرها أن الشاكي عبد الله بن زيد، وضبط النووي في "شرح مسلم" رواية مسلم، عن عمه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه .. الحديث. فقال: شُكي بضم الشين وكسر الكاف، والرجل مرفوع.
ثمَّ قَالَ: ولم يسم هنا الشاكي، وجاء في رواية البخاري، أنه عبد الله بن زيد الراوي.
قَالَ: ولا ينبغي أن يتوهم من هذا أن شكى بفتح الشين والكاف، وبجعل الشاكي هو عمه المذكور، فإن هذا الوهم غلط
(2)
.
هذا لفظه، ولم يظهر لي وجه الغلط في ذَلِكَ، فإن العم هو عبد الله بن زيد، وإن كان هو الشاكي فلم لا تصح قراءة شكى بالفتح؟
الثالثة: الشيء المشار إليه هو الحركة التي يظن بها أنها حدث، وليس كذلك ولهذا قَالَ صلى الله عليه وسلم:"حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" ومعناه: حتَّى يعلم وجود أحدهما يقينًا، ولا يشترط اجتماع السماع والشم بالإجماع.
(1)
ساقطة من (ج).
(2)
"مسلم بشرح النووي" 4/ 51.
وفي صحيحي ابن خزيمة وابن حبان، و"مستدرك الحاكم" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا جاء أحدكم الشيطان، فقال إنك أحدثت، فليقل كذبت إلا ما وجد ريحًا بأنفه أو سمع صوتًا بأذنه"
(1)
وفي رواية ابن حبان "فليقل في نفسه كذبت".
قَالَ ابن خزيمة: وقوله: "فليقل كذبت" أراد بضميره لا بالنطق
(2)
.
قُلْتُ: رواية ابن حبان تؤيد ما قاله، وزعم بعض العلماء أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الصوت لمن حاسة شمه معلولة، والريح لمن حاسة سمعه معلولة.
وقد أسلفنا في حديث أبي هريرة السالف في باب: لا تقبل صلاة بغير طهور. أنه يجوز أن يكون أشار به لكونه أنه الواقع في الصلاة، فإن غيره كالبول مثلًا لا يعهد فيها.
وفي "مسند أحمد" من حديث أبي سعيد الخدري أيضًا: "إن الشيطان ليأتى أحدكم وهو في صلاته فيأخذ شعرة من دبره فيمدها فيرى أنه أحدث، فلا ينصرف حتَّى يسمع صوتًا"
(3)
وفي إسنادها علي بن زيد بن جدعان وحالته معلومة
(4)
.
(1)
ابن خزيمة 1/ 19 (29)، ابن حبان 6/ 388 (2665)، والحاكم 1/ 134. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
(2)
ابن خزيمة 1/ 19 (29).
(3)
"مسند أحمد" 3/ 96.
(4)
علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة القرشي التميمي، أبو الحسن البصري المكفوف مكي الأصل. قال أحمد بن حنبل: ليس بالقوي وقد روى عنه الناس.
وقال يحيى بن معين: ليس بذاك القوي. وفي موضع آخر: ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيف. وقال العجلي: يكتب حديثه وليس بالقوي.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 252، "التاريخ الكبير" 6/ 275 (2389)، "الجرح والتعديل" 6/ 186 (1021)، و"ضعفاء العقيلي" 3/ 229 (123)، "الكامل" 6/ 333 (1351)، "تهذيب الكمال" 20/ 434 (4070).
الرابعة: معنى الحديث أنه يمضي في صلاته ما لم يتيقن الحدث، ولم يرد تخصيص هذين النوعين من الحدث، وإنما هو جواب خرج حذو سؤال السائل، لا يعني الوضوء إلا من أحدهما.
ودخل في معناه كل ما يخرج من السبيلين من بولٍ أو غائطٍ أو مذي أو ودي أو دم، وقد يكون بأُذُنِهِ وَقْرٌ فيخرج الريح ولا يسمع له صوتًا، وقد يكون أخشم فلا يجد الريح. والمعنى إِذَا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى.
وهذا كما روي أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا استهل الصبي ورث وصلي عليه"
(1)
لم يرد تخصيص الاستهلال الذي هو الصوت دون غيره من أمارات الحياة من حركة ومصٍّ وبسط ونحوهما، وهذا أصل في كل ما ثبت يقينًا، فإنه لا يرفع بالشك.
الخامسة: قوله: ("لَا يَنْفَتِلْ -أَوْ لَا يَنْصَرِفْ") الظاهر أنه شك من الراوي. ووقع في كتاب الخطابي: "ولا يَنْصَرِفْ" بحذف الهمزة
(2)
. وقد أسلفنا رواية أخرى للبخاري: "لا يَنْصَرِفْ" من غير شك.
السادسة: هذا الحديث كما قدمناه أصل من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يُحْكَم ببقائها عَلَى أصولها
(1)
رواه ابن ماجه (1508). وابن حبان 13/ 392 (6032). والحاكم 4/ 348 - 349 من حديث جابر وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد أجده من حديث الثوري عن أبي الزبير موقوفًا فكنت أحكم به، والبيهقي 4/ 8.
وقال النووي في "المجموع" 5/ 209 - 210: إسناده ضعيف. وقال ابن حجر في "فتح الباري" 11/ 489: الصواب أنه صحيح الإسناد لكن المرجح عند الحفاظ وقفه. وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1225): صحيح.
(2)
قلت: وليس كذلك بل وقع عند الخطابي: (أو لا ينصرف) بالهمزة أيضًا، والله أعلم. "أعلام الحديث" 1/ 227.
حتَّى يتيقن خلاف ذَلِكَ، ولا يضر الشك الطاريء عليها.
والعلماء متفقون عَلَى هذِه القاعدة، ولكنهم مختلفون في كيفية استعمالها.
مثاله: مسألة الباب التي دل عليها الحديث، وهي أن من تيقن الطهارة، وشك في الحدث يحكم ببقائه عَلَى الطهارة، سواء حصل الشك في الصلاة أو خارجها، وهو مذهب الشافعي وجمهور علماء السلف والخلف؛ إعمالًا للأصل السابق، وهو الطهارة، وإطراحًا للشك الطاريء، وأجازوا الصلاة في هذِه الحالة، وهو ظاهر الحديث.
وعن مالك رحمه الله روايتان:
إحداهما: يلزمه الوضوء مطلقًا؛ نظرًا إلى الأصل الأول قبل الطهارة، وهو ترتب الصلاة في الذمة، فلا تزال إلا بطهارة متيقنة، ولا يقين مع وجود الشك في وجود الحدث.
والثانية: إن كان شكه في الصلاة لم يلزمه الوضوء، وإن كان خارجها لزمه
(1)
، وليس هذا وجهًا عندنا، وإن وقع في الرافعي
(2)
و"الروضة"
(3)
فلا أصل له كما أوضحته في "شرح العمدة"
(4)
و"شرح المنهاج"، وبعض الشراح حكى الأول وجهًا عندنا أيضًا، وهو غريب
(5)
.
(1)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 152، "المنتقى" 1/ 54.
(2)
"الشرح الكبير"1/ 169.
(3)
"روضة الطالبين" 1/ 77. وقال: وهذا شاذ، بل غلط. اهـ.
(4)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 666 - 667.
(5)
قال المصنف في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 666 - 667 ما نصه: ووقع في "شرح ابن العطار" أنه وجه شاذ عن بعض الشافعية وهو غلط منه كان سببه =
وعن مالك رواية ثالثة رواها ابن نافع أنه لا وضوء عليه كما قاله الجمهور
(1)
، حكاها ابن بطال عنه
(2)
.
ونقل القاضي عياض
(3)
، ثمَّ القرطبي
(4)
عن ابن حبيب المالكي أن هذا الشك في الريح دون غيره من الأحداث، وكأنه تبع ظاهر الحديث، واعتذر عنه بعض المالكية بأن الريح لا يتعلق بالمحل منه شيء بخلاف البول والغائط.
وعن بعض أصحاب مالك أنه إن كان الشك في سبب حاضر كما في الحديث طرح الشك، وإن كان في سبب متقدم فلا
(5)
.
السابعة: لا فرق في الشك عند أصحابنا بين تساوي الاحتمالين في وجود الحدث وعدمه وبين ترجح أحدهما وغلبة الظن في أنه لا وضوء عليه، فالشك عندهم خلاف اليقين، وإن كان خلاف الاصطلاح الأصولي، وقولهم موافق لقول أهل اللغة: الشك خلاف اليقين.
نعم يستحب الوضوء احتياطًا، فلو بان حدثه أولًا فوجهان:
أصحهما: لا يجزئه هذا الوضوء؛ لتردده في نيته، بخلاف ما إِذَا
= انتقال ذهني منه إلى الرواية الثانية المنفصلة، فإنها حكيت وجهًا لنا، وهو غلط أيضًا كما ستعلمه. اهـ.
(1)
"عيون المجالس" 1/ 152 - 153.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 223.
(3)
"إكمال المعلم" 2/ 208.
(4)
"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 1/ 608.
(5)
انظر: "الذخيرة" 1/ 218. قال القرافي: قال صاحب "الطراز": وهذِه التفرقة ظاهر المذهب لما في الترمذي وأبي داود: إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحًا بين أليتيه فلا يخرج حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا. قال الترمذى: حديث صحيح. اهـ.
تيقن الحدث وشك في الطهارة فتوضأ ثمَّ بان محدثًا، فإنه يجزئه قطعًا؛ لأن الأصل بقاء الحدث، فلا يضر التردد معه
(1)
.
فرع:
لو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث بالإجماع
(2)
، وهو داخل في القاعدة السالفة.
فرع:
لو تيقن الطهارة والحدث معًا وشك في السابق منهما، فأوجه:
أصحها: أنه يأخذ بضد ما قبلهما إن عرفه، فإن لم يعرفه لزمه الوضوء بكل حال، والمختار لزوم الوضوء مطلقًا
(3)
، ومحل بسط المسألة في كتب الفروع، وقد أوضحتها في "شرح المنهاج" وغيره.
الثامنة: من مسائل القاعدة التي اشتمل عليها معنى الحديث: من شك في طلاق زوجته، أو عتق عبده، أو نجاسة الماء الطاهر، أو طهارة المنجس، أو نجاسة الثوب أو غيره، أو أنه صلى ثلاثًا أو أربعًا، أو أنه ركع أو سجد أولًا، أو نوى الصوم أو الصلاة أو الوضوء أو الاعتكاف، وهو في أثناء هذِه العبادات، وما أشبه هذِه الأمثلة، فكل هذِه الشكوك لا تأثير لها، والأصل عدم الحادث.
وقد استثنى من هذِه القاعدة بضع عشرة مسألة
(4)
:
منها من شك في خروج وقت الجمعة قبل الشروع فيها -قيل: أو فيها- ومن شك في ترك بعض وضوء أو صلاة بعد الفراغ لا أثر له
(1)
انظر: "مسلم بشرح النووي" 4/ 50.
(2)
نقل الإجماع على ذلك النووي في "شرحه على مسلم" 4/ 50.
(3)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 77.
(4)
قلت: هذا نص كلام النووي في "شرحه على مسلم" 4/ 50.
عَلَى الأصح، ومنها عشر ذكرهن ابن القاصّ
(1)
-بتشديد الصاد المهملة- من أصحابنا: الشك في مدة خُفٍّ وأن إمامه مسافر أو وصل وطنه أو نوى إقامة، ومستحاضة شفيت، وغسل متحيرة، وثوب خفيت نجاسته، ومسألة الظبية، وبطلان التيمم بتوهم الماء، وتحريم صيد جرحه فغاب فوجده ميتًا.
قَالَ القفال: لم يعمل بالشك في شيء منها؛ لأن الأصل في الأولى الغسل، وفي الثانية الإتمام، وكذا في الثالثة والرابعة إن أوجبناه، والخامسة والسادسة اشتراط الطهارة ولو ظنًّا أو استصحابًا، والسابعة بقاء النجاسة، والثامنة لقوة الظن، والتاسعة للشك في شرط التيمم وهو عدم الماء، وفي الصيد تحريمه إن قلنا به. وقول ابن القاصّ أقوى في غير الثامنة والتاسعة والعاشرة كما قاله النووى
(2)
، وليس هذا موضع بسطه.
التاسعة: فيه حجة كما قَالَ الخطابي لمن أوجب الحد على من وجدت منه رائحة (المسكر)
(3)
وإن لم يشاهد شربه ولا شهد عليه الشهود ولا اعترف به.
(1)
هو الإمام الفقيه شيخ الشافعية أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري ثم البغدادي الشافعي تلميذ أبي العباس بن سريج. حدث عن أبي خليفة الجمحي وغيره. من مصنفاته: كتاب "المفتاح"، وكتاب "أدب القا ضي"، وكتاب "المواقيت" توفي مرابطًا بطرسوس سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.
انظر ترجمته في: "طبقات الشيرازي" ص 120، "الأنساب" 10/ 24، "وفيات الأعيان" 1/ 68، "الوافي بالوفيات" 6/ 227، "سير أعلام النبلاء" 15/ 371.
(2)
انظر: "المجموع" 1/ 263 - 266.
(3)
في (ج): السكر.
العاشرة: (فيه مشروعية سؤال العلماء عما يحدث من الوقائع، وجواب السائل.
الحادية عشرة: فيه أيضًا كما قال الداودي في "شرحه": ترك الاستحياء)
(1)
في العلم، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم كل شيء، وأنه يصلي بوضوء صلوات ما لم يحدث.
ومن تراجم البخاري عليه باب: من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات، ووجهه أنه نهى عن العمل بمقتضى الوسواس؛ لأن يقين الطهارة لا يقاومه الشك، ففيه تنبيه عَلَى ترك الوسواس في كل حال، وأدخله البيهقي في معرفته في باب: عدة زوجة المفقود
(2)
.
وقد أسلفنا عن البخاري أنه أدخله أيضًا في باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.
واعترض عليه الخطابي فقال: لا معنى للاستدلال به في ذَلِكَ، ولا في نقض تيمم المصلي، وإن كان قَدْ أولع به أهل الجدل من أصحابنا؛ لأنه ليس مما قصد بالجواب والسؤال، ولا هو واقع تحت الجنس من معقول (الباب)
(3)
.
قَالَ: وكذلك لا معنى للاستدلال فيه بقوله صلى الله عليه وسلم "لا يقطع صلاة المرء شيء"
(4)
؛ لأنه إنما ورد في المار بين يدي المصلي، ألا تراه
(1)
سقط في (ج).
(2)
"معرفة السنن والآثار" 11/ 236 (15381 - 15382).
(3)
وردت في الأصول: (الباد)، والمثبت من "أعلام الحديث" للخطابي 1/ 229.
(4)
رواه أبو داود في "سننه"(719)، وابن أبي شيبة 1/ 250، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 220، من حديث أبي سعيد، وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (115): إسناده ضعيف.
قَالَ فيه: "وادرأوا ما استطعتم"
(1)
.
قُلْتُ: ونختم الكلام عَلَى الحديث بما روينا عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول
(2)
قَالَ: جاء رجل إلى أبي حنيفة فقال: شربت البارحة نبيذًا فلا أدري أطلقت امرأتي أم لا. فقال له: المرأة امرأتك حتَّى تستيقن أنك طلقتها.
قَالَ: فتركه ثمَّ جاء إلى سفيان الثوري، فسأله. فقال: اذهب فراجعها فإن كنت قَدْ طلقتها فقد راجعتها، وإلا فلا تضرك المراجعة.
فتركه وجاء إلى شريك فقال له: اذهب فطلقها ثمَّ راجعها.
فتركه وجاء إلى زفر فسأله فقال: هل سألت أحدًا قبلي؟ قال: نعم وقصَّ القصة، فقال في جواب أبي حنيفة: الصواب قَالَ لك، وقال في جواب سفيان: ما أحسن ما قَالَ، ولما بلغ إلى قول شريك ضحك مليًّا.
ثمَّ قَالَ: لأضربن لهم مثلًا: رجل مر بمثعب يسيل دمًا، فشك في ثوبه هل أصابته نجاسة؟ قَالَ له أبو حنيفة: ثوبك طاهر حتَّى تستيقن، وقال سفيان: اغسله فإن كان نجسًا فقد (طهرته)
(3)
وإلا فقد زدته طهارة، وقال شريك: بُل عليه ثمَّ اغسله.
(1)
انظر: "أعلام الحديث" للخطابي 1/ 229.
(2)
هو عبد الرحمن بن مالك بن مغول البجلي أبو بهز من أهل الكوفة يروي عن عبد الله بن عمر، روى عنه العراقيون وكان ممن يروي عن الثقات المقلوبات، وما لا أصل له عن الأثبات. تركه الإمام أحمد بن حنبل.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 349، "المجروحين" 2/ 61.
(3)
في (ج): طهر منه.
5 - باب: التَّخْفِيفِ فِي الوُضُوءِ
138 -
حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى- وَرُبَّمَا قَالَ: اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا -يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ- وَقَامَ يُصَلِّي، فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ -وَرُبَّمَا قَالَ شفْيَانُ: عَنْ شِمَالِهِ- فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ الله، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثمَّ أَتَاهُ الُمنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قلْنَا لِعَمرٍو: إِنَّ نَاسَا يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تنَامُ عَيْنُة، وَلَا يَنَام قَلْبُهُ. قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عمَيْرٍ يَقولُ: رُؤيَا الأنبِيَاءِ وَحْيٌ، ثمَّ قَرَأَ:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102][انظر: 117 - مسلم 763 - فتح: 1/ 238].
حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنِ ابن عبَّاس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى -وَرُبَّمَا قَالَ: اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. ثُمَّ ثنا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّة بَعْدَ مَرَّةٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ كُرَيْب عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْل، قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا -يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيقلِّلُهُ- وَقَامَ يُصَلِّي، فَتَوَضَّأتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ شِمَالِهِ- فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ المُنَادِي فَآذَنَهُ بالصَّلَاةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنًّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنُهُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ. قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ:
رُويَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، ثُم قَرَأَ:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} .
الكلام على هذا الحديث من أوجه:
أحدها:
قَدْ أسلفنا في أثناء كتاب العلم قريبًا أن البخاري ذكر هذا الحديث في مواضع، وهذا ثانيها، وذكر الخطابي عقب ما ساقه البخاري هنا: وحَدَّثَنَا إسماعيل، حَدَّثَنِي مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن أبيه، عن ابن عباس وذكر الحديث. قَالَ: ثمَّ قام إلى شَنٍّ معلقة، وأخذ بأذني يفتلها
(1)
، ولم أر هذا في البخاري هنا.
ثانيها: في التعريف برواته:
وقد سلف التعريف بابن عباس وسفيان بن عيينة، وعلي بن المديني.
وأما كريب: فهو أبو رشدين، كريب بن أبي مسلم المدني الثقة، روى عن مولاه ابن عباس وغيره، وعنه ابناه محمد، ورشدين، وموسى بن عقبة، وخلق. مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين. وهو من أفراد الكتب الستة
(2)
.
(1)
"أعلام الحديث" 1/ 231.
وهذا الحديث سيأتي برقم (183) كتاب: الوضوء، باب: قراءة القرآن بعد الحدث وغيره.
(2)
كريب بن أبي مسلم القرشي الهاشمي أبو رشدين الحجازي.
قال عثمان بن سعيد الدرامي: قلت ليحيى بن معين: كريب أحب إليك عن ابن عباس أو عكرمة؟ فقال: كلاهما ثقة. وقال النسائي: ثقة.
وقال زهير بن معاوية، عن موسى بن عقبة: وضع عندنا كريب حمل بعير أو عدل بعير من كتب ابن عباس. وكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: ابعث إلى بصحيفة كذا وكذا فينسخها ويبعث إليه إحداهما.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 293، "التاريخ الكبير" 7/ 231 (994)، =
وأما عمرو فهو الإمام أبو محمد، عمرو بن دينار الأثرم مولى ابن باذان أو باذان المكي، وكان من الأبناء من فرس اليمن
(1)
، سمع خلقًا الصحابة منهم ابن عباس وابن عمر، وله حديث عن أبي هريرة عند ماجه
(2)
، وعنه شعبة والسفيانان والحمادان ومالك وخلق. مات أول ست وعشرين ومائة عن ثمانين سنة في خلافة مروان
(3)
.
فائدة:
في الترمذي وابن ماجه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير ضعفوه
(4)
.
= "الجرح والتعديل" 7/ 168 (956)، "الثقات" 5/ 339، "تهذيب الكمال" 24/ 172 (4975).
(1)
انظر: "التعديل والتجريح" 3/ 971 للباجي.
(2)
"سنن ابن ماجه"(2387).
(3)
عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم الجمحي. قال نعيم بن حماد: سمعت ابن عيينه يذكر عن أبي نجيح، قال: ما كان عندنا أحد أفقه ولا أعلم من عمرو بن دينار. وقال الحميدي عن سفيان: قلت لمسعر: من رأيت أشد إتقانًا للحديث؟ قال: القاسم بن عبد الرحمن، وعمرو بن دينار.
قال أحمد بن حنبل: عمرو بن دينار أثبت الناس في عطاء. وقال أبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة. زاد النسائي: ثبت.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 479، "التاريخ الكبير" 6/ 328 (2544)، "الجرح والتعديل" 6/ 231 (1280)، "الثقات" 5/ 167، "تهذيب الكمال" 22/ 5 (4360).
(4)
عمرو بن دينار المصري، أبو يحيى الأعور. قال إسماعيل ابن علية: ضعيف الحديث. وقال أبو الحسن الميموني، عن أحمد بن حنبل: ضعيف. وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: لا شيء. وقال أبو زرعة: واهي الحديث.
وقال البخاري: فيه نظر. وقال ابن حجر في "التقريب": ضعيف.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 329 (2545)، "الجرح والتعديل" 6/ 232 (1281)، "المجروحين" 2/ 71، "الكامل" 6/ 234 (1297)، "تهذيب الكمال" 22/ 13 (4361)، "تقريب التهذيب" ص 421 (5025).
وأما عبيد بن عمير فهو الليثي قاصُّ مكة، روى عن عمر وغيره. وعنه ابنه وغيره، وذكر ثابت البناني أنه قصَّ على عهد عمر واستبعد. قَالَ البخاري: مات قبل ابن عمر سنة أربع وسبعين
(1)
.
فائدة:
في أبي داود عبيد بن عمير مولى ابن عباس، وعنه ابن أبي ذئب، والصحيح أن بينه وبينه عطاء
(2)
.
ثالثها:
هذا الإسناد كله من فرسان الكتب الستة، إلا علي بن المديني فإن مسلم وابن ماجه لم يخرجا له، وجميعهم ما بين مكي ومدني وبصري، وابن عباس مكي وأقام بالمدينة أيضًا.
رابعها:
[قوله: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل. كذا هو بالقاف، وصوابه:
(1)
عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر. قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين، وأبو زرعة: ثقة. وقال شهاب بن خراش، عن العوام بن حوشب: رأى ابن عمر في حلقة عبيد بن عمير وكان من أبلغ الناس يبكي حتى بلَّ الحصى بدموعه.
انظر في ترجمته: "الطبقات الكبرى" 5/ 463، "التاريخ الكبير" 5/ 455 (1479)، "الجرح التعديل" 5/ 409 (1896)، "الثقات" 5/ 132، "تهذيب الكمال" 19/ 223 (3730).
(2)
عبيد بن عمير مولى ابن عباس، ويقال: مولى أمه أم الفضل، أخو عبد الله بن عمير وعمر بن عمير.
نروى عن ابن عباس. روى عنه ابن أبي ذئب. قال ابن عساكر: المحفوظ رواية عطاء عن عبيد الليثي، فأما عبيد بن عمير مولى ابن عباس فغير مشهور. وقال ابن حجر: مجهول.
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 19/ 225 (3731)، "إكمال تهذيب الكمال" 9/ 98 (3532)، "تقريب التهذيب" ص 377 (4386).
فنام، قَالَ صاحب "المطالع": وهو ما لابن السَّكَنِ وللجماعة: فقام، والأول أصوب.
(كما في)
(1)
قوله في الرواية الأخرى: نام حتَّى انتصف الليل أو قبله بقليل ثمَّ أستيقظ
(2)
.
خامسها]
(3)
: في لغاته:
الشَّنُ -بفتح الشين- قَالَ أهل اللغة: الشنُّ: القربة الخلق، وجمعه شنان، وقوله:(شن معلق). ذكره عَلَى إرادة السقاء والوعاء، وفي رواية للبخاري في كتاب التفسير من "صحيحه": معلقة
(4)
على إرادة القربة.
وقوله: (في بعض الليل): وقع في بعض النسخ (من) بدل (في) ويحتمل أن تكون للتبعيض، وأن تكون بمعنى: في؛ لقوله تعالى: {مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]، أي: في يوم الجمعة.
وقوله: (وضوءًا خفيفًا)، أي: بين وضوءين فلم يكثر، وقد أبلغ، وقد ذكره البخاري كذلك في كتاب: الدعاء -كما سيأتي إن شاء الله- وفي أخرى في الوتر: فتوضأ فأحسن الوضوء.
وقوله: (فآذنه) هو بالمد، أي: أعلمه. واليسار: بفتح الياء وكسرها.
(1)
ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق، والعبارة كلها ساقطة من الأصل كما سيأتي بعد تعليق.
(2)
سيأتي برقم (183) كتاب: الوضوء، باب: قراءة القرآن بعد الحديث وبرقم (1198) كتاب: العمل في الصلاة، باب: استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة.
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل ومثبت من (ج).
(4)
سيأتي برقم (4571) كتاب: التفسير، باب:{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} .
سادسها: في فوائده:
وقد تقدم جملة منها في الباب السالف المشار إليه:
منها: أن نومه مضطجعًا لا ينقض، وكذا سائر الأنبياء كما سلف هناك، فيقظة قلوبهم تمنعهم من الحدث، ولهذا قَالَ عبيد بن عمير: رؤيا الأنبياء وحي. يريد أنه منع النوم قلبه ليعي الوحي إذا أوحي إليه في منامه.
ومنها: مبيت من لم يحتلم عند محرمه، ومنها مبيته عند الرجل مع أهله، وقد روي أنها كانت حائضًا
(1)
.
ومنها: تواضعه صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه من مكارم الأخلاق.
ومنها: صلة القرابة، وفضل ابن عباس.
ومنها: الاقتداء بأفعاله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: الإمامة في النافلة، وصحة الجماعة فيها، وقد سلف.
ومنها: ائتمام واحد بواحد.
ومنها: ائتمام صبي ببالغ، وعليه ترجم البيهقي في "سننه"
(2)
.
ومنها: أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام كما سلف.
قَالَ ابن بطال: وهو رد عَلَى أبي حنيفة في قوله: إن الإمام إِذَا صلى مع الرجل واحد أنه يقوم خلفه لا عن يمينه. وهو مخالف لفعل الشارع
(3)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 95.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 227.
وهذا القول فيه نظر؛ فمذهب الحنفية أن الإمام إذا كان معه واحد غير امرأة أنه يقيمه عن يمينه، وهو الأولى لهذا الحديث، فإن وقف عن يساره جاز مع الكراهة، =
وعن سعيد بن المسيب: إن موقف الواحد مع الإمام عن يساره
(1)
.
وعن أحمد: إن وقف عن يساره بطلت صلاته
(2)
.
ومنها: أن أقل الوضوء يجزئ إِذَا أسبغ وهو مرة مرة.
ومنها: تعليم الإمام المأموم.
ومنها: التعليم في الصلاة إِذَا كان من أمرها.
ومنها: إيذان الإمام بالصلاة.
ومنها: قيامه مع المؤذن إِذَا آذنه.
ومنها: الجمع بين نوافل وفرض بوضوء واحد، ولا شك في جوازه.
= وإن وقف خلفه فاختلفوا على قولين: أحدهما: الجواز مع الكراهة، والثاني: الجواز بلا كراهة.
انظر: "موطأ مالك برواية الشيباني" ص 77، "الأصل" 1/ 22، "بدائع الصنائع" 1/ 158 - 159، "شرح فتح القدير" 1/ 355، "الاختيار" 1/ 81، "تبيين الحقائق" 1/ 136، "البناية" 2/ 401 - 402، "البحر الرائق" 1/ 616.
وقد رد أيضا هذا القول العيني في "عمدة القاري" 2/ 236 وقال: باطل، وليس هذا مذهب أبي حنيفة، وابن بطال جازف في كلامه.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 429 (4935).
(2)
قلت: عن أحمد روايتان، هذِه أحدهما، وهي الصحيحة في المذهب إذا لم يكن عن يمين الإمام أحدٌ.
والثانية: أن صلاته صحيحة، وهذِه الرواية هي اختيار أبي محمد التميمي، واستظهرها ابن مفلح، وصوبها المرداوي، واختارها الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
انظر: "المغني" 3/ 50 - 51، "الفروع" 2/ 30، "شرح الزركشي" 1/ 414، "المبدع" 2/ 83، "الإنصاف" 4/ 421 - 424، "كشاف القناع" 3/ 220، "فقه الشيخ ابن سعدي" 2/ 219، "مفردات مذهب الإمام أحمد" ص 186.
ومنها: جواز الفريضة بوضوء النافلة. قاله الداودي، وإن كان يجوز أن يكون نواهما.
ومنها: أن النوم الخفيف لا يجب منه الوضوء. قَالَه الداودي في "شرحه" أيضًا، وفيه نظر، فإنه صلى الله عليه وسلم اضطجع، فنام حتَّى نفخ، وهذا لا يكون في الغالب خفيفًا.
ومنها: الاضطجاع عَلَى الجنب بعد التهجد.
ومنها: اضطجاع ابن عباس قريبًا من مضطجع الرجل مع أهله، وليس مذكورًا في هذِه الرواية، نعم في رواية أخرى في "الصحيح" في باب: قراءة القرآن بعد الحدث وغيره أنه صلى الله عليه وسلم اضطجع هو وأهله في طول الوسادة، واضطجع ابن عباس في عرضها
(1)
.
ومنها: ما استنبطه ابن بطال من قوله: (فنام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فلما كان في بعض الليل قام، فتوضأ) أي: فتوضأ بعد نوم نامه، (ثمَّ نام نومًا آخر وصلى ولم يتوضأ) فدل ذَلِكَ عَلَى اختلاف حاله في النوم، فمرة استثقل نومًا ولا يعلم حاله، ومرة علم حاله من حدث وغيره
(2)
، ولا يخلو ما ذكره من نظر.
ومنها: أن تقدم المأموم على إمامه مبطل
(3)
؛ لأن المنقول أن الإدارة
(1)
سيأتي برقم (183) كتاب: الوضوء، باب: الرجل يوضئ صاحبه.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 227.
(3)
اعلم أن الفقهاء قد اختلفوا في حكم تقدم المأموم على الإمام على أقوال:
الأول: أن صلاته باطلة.
وهو قول الحنفية، والشافعي في الجديد، وهو الصحيح عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة، وهو قول سفيان الثوري.
الثاني: أنها مكروهة.
وهو قول المالكية، ووجه عند الحنابلة، وبه قال الليث، وإسحاق، وأبو ثور، =
كانت من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من قدامه كما حكاه القاضي عياض عن تفسير محمد بن أبي حاتم، كذا استنبطه بعضهم، ولا يخلو عن نظر، فإنه يجوز أن تكون إدارته من خلفه؛ لئلا يمر بين يديه، فإنه مكروه.
ومنها: قيام الليل، وكان واجبًا عليه ثمَّ نسخ عَلَى الأصح.
ومنها: المبيت عند العالم؛ ليراقب أفعاله، فيقتدي به وينقلها.
ومنها: طلب العلو في السند، فإنه كان يكتفي بإخبار خالته أم المؤمنين.
ومنها: أن النافلة كالفريضة في تحريم الكلام؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم.
ومنها: أن من الأدب أن يمشي الصغير عن يمين الكبير، والمفضول عن يمين الفاضل، ذكره الخطابي
(1)
.
ومنها: أن النوم بِعْينِهِ ليس بحدث وإنما هو مظنة له، فيعتبر أحواله، وسيأتي إن شاء الله تعالى غير ذَلِكَ في موضع آخر من المواضع التي ذكرها البخاري إن شاء الله.
= وروي عن الحسن، إلا أن المالكية قالوا: إن الكراهة حيث لا ضرورة.
الثالث: أنها جائزة بلا كراهة.
وهو قول الشافعى في القديم، لكن نص متأخروا الشافعيه على أن كل مندوب يتعلق بالموقف فإنه يكره مخالفته، وتفوت به فضيلة الجماعة.
الرابع: أنها تصح في الجمعة والعيد والجنازة ونحوها لعذر.
وهو قول بعض الحنابلة.
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 236، "بدائع الصنائع" 1/ 145، "مواهب الجليل" 2/ 433، "الخرشي على مختصر خليل" 2/ 29، "الفواكه الدواني" 1/ 246، "الحاوي" 2/ 341، "الشرح الكبير" 2/ 172، "روضة الطالبين" 1/ 358، "الفروع" 2/ 28، "المبدع" 2/ 82.
(1)
"أعلام الحديث" للخطابي 1/ 231.
وأختم الكلام فيه بأمرين:
أحدهما: أنه لم يذكر في هذِه الرواية كيفية التحويل، وقد اختلفت فيه روايات "الصحيح"، ففي بعضها: أخذ برأسه فجعله عن يمينه
(1)
.
وفي بعضها: فوضع يده اليمنى عَلَى رأسي، فأخذ بأذني اليمنى يفتلها
(2)
، وفي بعضها: فأخذ برأسي من ورائي
(3)
، وفي بعضها: بيدي أو عضدي
(4)
.
والرواية الثانية جامعة لهذِه الروايات، وفي أخذه بأذنه فوائد:
الأولى: تذكره القصة بعد ذَلِكَ؛ لصغر سنه.
ثانيها: نفي النوم عنه لما أعجبه قيامه معه.
ثالثها: التنبيه عَلَى الفهم وهي قريبة من الأولى، ويقال: إن المعلم إِذَا تعاهد فَتْلَ أُذُن المعلَّم كان أذكى لفهمه.
قَالَ الربيع: ركب الشافعي يومًا، فلصقت بسرجه، وهو عَلَى الدابة، فجعل يفتل شحمة أذني، فأعظمت ذَلِكَ منه حتَّى وجدته عن ابن عباس، أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذَلِكَ به، فعلمت أنه فعله عن أصل.
(1)
سيأتي برقم (699) كتاب: الأذان، باب: إذا لم ينو الإمام أن يؤم.
(2)
سيأتي برقم (183) كتاب: الوضوء، باب: قراءة القرآن بعد الحدث وغيره. وبرقم (992) كتاب: الوتر، باب: ما جاء في الوتر. وبرقم (1198) كتاب: العمل في الصلاة، باب: استعانة اليد في الصلاة. وبرقم (4570) كتاب: التفسير، باب:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} . وبرقم (4571) كتاب: التفسير، باب:{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} .
(3)
سيأتي برقم (726) كتاب: الأذان، باب: إذا قام الرجل عن يسار الإمام.
(4)
سيأتي برقم (728) كتاب: الأذان، باب: ميمنة المسجد والإمام.
الثاني: قَالَ الداودي في "شرحه": قول عبيد بن عمير: رؤيا الأنبياء وحي، ثمَّ تلى الآية. صحيح وليس من هذا الباب، يريد بذلك أن التبويب عَلَى تخفيف الوضوء فقط، لكن ذكر هذا لأجل ما زاده فيه من نوم العين دون نوم القلب، فاعلمه.
6 - باب: إِسْبَاغِ الوُضُوءِ
وَقَالَ ابن عُمَرَ: إِسْبَاغُ الوُضُوءِ: الإِنْقَاءُ
139 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ- عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأ وَلم يُسبغِ الوُضُوءَ. فَقُلْتُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: "الصَّلَاةُ أَمَامَكَ". فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ الُمزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأ، فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الَمغْرِبَ، ثُمُّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلهِ، ثمَّ أُقِيمَتِ العِشَاءُ فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا. [181، 1667، 1669، 1672 - مسلم: 1280 - فتح: 1/ 239]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ- عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبغِ الوُضُوءَ. فَقُلْتُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: "الصَّلَاةُ أَمَامَكَ". فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ المُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى المَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ العِشَاءُ فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الحج عن ابن يوسف، عن مالك به
(1)
. وعن مسدد، عن حماد بن زيد، عن يحيى، عن موسى به
(2)
.
(1)
سيأتي برقم (1672) كتاب: الحج، باب: الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة.
(2)
وبرقم (1667) كتاب: الحج، باب: النزول بين عرفة وجمع.
وعن قتيبة، عن إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن أبي حرملة، عن كريب بنحوه
(1)
.
وفي الجهاد
(2)
عن ابن سلام، عن يزيد بن هارون، عن يحيى، عن موسى به
(3)
.
وأخرجه مسلم في المناسك من طرق منها: عن يحيى بن يحيى، عن مالك به
(4)
.
ثانيها: في التعريف برواته:
وقد سلف التعريف بكريب
(5)
، ومالك
(6)
، وعبد الله بن مسلمة (ع)
(7)
.
وأما أسامة فهو أبو زيد أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي المدني الحِبُ بن الحِبِ، وكان نقش خاتمه: حِبُ رسول الله، وكان مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وابن حاضنته ومولاته أم أيمن، أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى جيش فيهم أبو بكر وعمر وعمره عشرون فأقل، فلم ينفذ حتَّى مات.
روي له مائة حديث وثمانية وعشرون حديثًا، اتفقا على خمسة عشر، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديثين. روى عنه عروة
(1)
وبرقم (1669) كتاب: الحج، باب: النزول بين عرفة وجمع.
(2)
كذا بالأصول، والصواب: في الطهارة، وسيأتي برقم (181).
(3)
برقم (181) كتاب: الوضوء، باب: الرجل يوضئ صاحبه.
(4)
"صحيح مسلم"(1280/ 276) كتاب: الحج، باب: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة.
(5)
سبقت ترجمته في حديث رقم (138).
(6)
سبقت ترجمته في حديث رقم (2).
(7)
سبقت ترجمته في حديث رقم (19). وهذا الرمز فيه نظر؛ فقد أخرج له (خ، م، د، ت، س). انظر ترجمته، والصفحة اللاحقة.
وكريب وخلق. مات بوادي القُرى سنة أربع وخمسين عَلَى الأصح، ابن خمس وخمسين (سنة)
(1)
، وذكر الله أباه زيدًا في القرآن باسمه
(2)
.
فائدة:
أسامة بن زيد ستة هذا أحدهم، وليس في الصحابة من اسمه أسامة بن زيد سواه، وإن كان فيهم من اسمه أسامة -مختلف في بعضهم
(3)
- خمسة غيره:
ثانيهم: تنوخي روى عنه زيد بن أسلم وغيره.
ثالثهم: ليثي (م. الأربعة) روى عن نافع وغيره.
رابعهم: مدني (ق) مولى عمر بن الخطاب، ضعيف.
خامسهم: كلبي روى عن زهير بن معاوية وغيره.
سادسهم: شيرازي روى عن أبي حامد الفضل الجمحي.
وأما موسى بن عقبة فهو أبو محمد المدني موسى بن عقبة (ع) بن أبي عياش المدني مولى الزبير
(4)
بن العوام، ويقال مولى أم خالد زوجة الزبير القرشي، أخو محمد وإبراهيم، وكان إبراهيم أكبر من موسى.
(1)
من (ج).
(2)
انظر ترجمته في "معجم الصحابة" للبغوي 1/ 222، "معرفة الصحابة" 1/ 224 - 225 (84)، "الاستيعاب" 1/ 170 - 172 (21)، "أسد الغابة" 1/ 79 - 81 (84)، "الإصابة" 1/ 31 (89).
(3)
وهم: أسامة بن شريك، وأسامة بن عمير، وأسامة بن أخدري، وأسامة بن خزيم، وأسامة بن مالك، وأسامة بن عمرو الليثي، وأسامة الحنفي. وانظر ترجمتهم في:"معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 223 - 227، "معرفة الصحابة" 1/ 225 - 229 (85 - 87)، "الاستيعاب" 1/ 172 - 173 (22 - 25)، "أسد الغابة" 1/ 79، 81 - 83 (82 - 83، 85 - 87)، "الإصابة" 1/ 30 - 32 (87 - 93).
(4)
في (ج): ابن الزبير، والثابت في كتب التراجم إما: آل الزبير، أو: الزبير.
روى عن كريب، وأم خالد الصحابية وغيرهما. وعنه مالك، والسفيانان وغيرهم، وكان من (المتقنين)
(1)
الثقات. مات سنة إحدى وأربعين ومائة، ومغازيه أصح المغازي كما قاله مالك، وليس في الكتب الستة من اسمه موسى بن عقبة غيره
(2)
.
الثالث: هذا الإسناد كل رجاله في الصحيحين وباقي الكتب الستة، إلا القعنبي، فإن ابن ماجه لم يخرج له، وكل رجاله مدنيون.
الرابع: في بيان الأماكن الواقعة فيه.
أما (عرفة) فهو موضع الوقوف -زاده الله شرفًا- سميت بذلك؛ لأن آدم عرف حواء بها، فإن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدة؛ فتعارفا في الموقف، أو لأن جبريل عَرَّفَ إبراهيم المناسك هناك، أو للجبال التي فيها، والجبال هي الأعراف، وكل ناتٍ فهو عرف، ومنه عرف الديك، أو لأن الناس يعترفون فيها بذنوبهم. ويسألون غفرانها فتغفر، أقوال. والمشهور صرف عرفات
(3)
.
و (الشعب) -بكسر الشين- الطريق في الجبل
(4)
.
و (المزدلفة)
(5)
-بضم الميم- من الازدلاف وهو التقرب أو الاجتماع،
(1)
في الأصل: المفتين، والمثبت من (ج).
(2)
انظر: "التاريخ الكبير" 7/ 292 (1247)، "معرفة الثقات" 2/ 305 (1820)، "الجرح والتعديل" 8/ 154 (693)، "الثقات" 5/ 404، "تهذيب الكمال" 29/ 115 - 122 (6282)، "سير أعلام النبلاء" 6/ 114 - 118.
(3)
وذكر الحموي أن عرفة وعرفات واحد عند أكثر أهل العلم. انظر: "معجم البلدان" 4/ 104 - 105.
(4)
ورد بهامش الأصل: من خط المصنف في الهامش، قاله ابن التين.
(5)
المزدلفة: اختلف فيها لم سميت بذلك؟ فقيل: لازدلاف الناس في منى بعد الإفاضة، وقيل: لاجتماع الناس بها، وقيل: لازدلاف آدم وحواء بها أي: =
ومن الأول قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)} [الشعراء: 90] أي: قربت.
ومن الثاني قوله تعالى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)} [الشعراء: 64]، أي: جمعناهم، وكذلك قيل لمزدلفة: جَمْع.
الخامس: في ألفاظه ومعانيه:
قوله: (ثُمَّ تَوَضَّأ وَلَمْ يُسْبغِ الوُضُوءَ). أي: لم يكمله، بل توضأ مرة مرة سابغة أو خفف استعمال الماء بالنسبة (إلى)
(1)
غالب عاداته، ويؤيده رواية إبراهيم بن عقبة، عن كريب قال: فتوضأ وضوءًا ليس بالبالغ
(2)
.
وفي "صحيح مسلم": فتوضأ وضوءًا خفيفًا
(3)
.
وقوله بعده: (فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ). أي: أكمله، ولا خلاف في هذا أنه الوضوء الشرعي، وأما الأول فاختلف فيه، فقيل: إنه الشرعي مرة مرة كما أسلفناه، وقيل: اللغوي. أي: اقتصر عَلَى بعض الأعضاء، وهو بعيد.
وأبعد منه أن المراد به الاستنجاء، كما قاله عيسى بن دينار وجماعة، ومما يوهنه رواية البخاري الآتية في باب: الرجل يوضى صاحبه، أنه صلى الله عليه وسلم عدل إلى الشعب فقضى حاجته، فجعلت أصب الماء عليه ويتوضأ
(4)
، ولا يجوز أن يصُب عليه أسامة إلا وضوء الصلاة؛ لأنه كان لا يقرب منه أحد وهو عَلَى حاجته، وأيضًا فقد قَالَ أسامة
= لاجتماعهما. انظر: "معجم البلدان" 5/ 120.
(1)
في (ج): على.
(2)
"صحيح مسلم"(1280) كتاب: الحج، باب: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة.
(3)
"صحيح مسلم"(1280/ 266)، باب: بيان استحباب إدامة الحاج التلبية.
(4)
سيأتي برقم (181).
(عقب)
(1)
ذَلِكَ: الصلاة يا رسول الله. ومحال أن يقول لَهُ: الصلاة، ولم يتوضأ وضوء الصلاة، وأبعد من قَالَ: إنما لم يسبغه؛ لأنه ج يرد أن يصلي به، ففعله ليكون مستصحبًا للطهارة في مسيره، فإنه كان في (عامة)
(2)
أحواله عَلَى طهر. وقال أبو الزناد: إنما لم يسبغه ليذكر الله؛ لأنهم يكثرون منه عشية الدفع من عرفة.
وقال غيره: إنما فعله؛ لإعجاله الدفع إلى المزدلفة، فأراد أن يتوضأ وضوءًا يرفع به الحدث، لأنه كان صلى الله عليه وسلم لا يبقى بغير طهارة، وكذا قَالَ الخطابي: إنما ترك إسباغه حتَّى نزل الشعب؛ ليكون مستصحبًا للطهارة في طريقه، وتجوّز فيه؛ لأنه لم يرد أن يصلي به، فلما نزل وأرادها أسبغه.
وقوله: ("الصَّلَاةُ أَمَامَكَ") أي: سنة الصلاة تأخير المغرب إلى المزدلفة؛ لتجمع مع العشاء. وقال الخطابي: المراد أن موضع هذِه الصلاة المزدلفة، وهو أمامه. قَالَ: وهو تخصيص لعموم الأوقات المؤقتة للصلوات الخمس بفعله صلى الله عليه وسلم
(3)
. وفيما قاله من التخصيص نظر، ولم يعلم أسامة هذِه السنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أول من سنها في حجة الوداع.
وقوله: (ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ)، كأنهم فعلوا ذَلِكَ خشية ما يحصل منها من التشويش بقيامها.
السادس: في فوائده:
الأولى: جمع التأخير بمزدلفة وهو إجماع
(4)
، لكنه عند جمهور أصحابنا بسبب السفر، فالمزدلفي لا يجمع، وعند أبي حنيفة ومالك
(1)
في (ج): عقيب.
(2)
في (ج): غاية.
(3)
"أعلام الحديث" للخطابي 1/ 234 - 235.
(4)
نقله ابن عبد البر في "الإجماع" ص 169 مسألة (371).
أنه بسبب النسك فيجمع، وإنما يؤخر إِذَا لم يخرج وقت اختيار العشاء، فإن خافه فالأفضل التقديم، كما قاله جماعات من أصحابنا، وسيأتي بسطه في بابه إن شاء الله تعالى.
الثانية: عدم وجوب الموالاة في جمع التأخير، فإنه وقع الفصل بينهما بإناخة كل إنسان بعيره في منزله.
الثالثة: الإقامة لكل من صلاتي الجمع، وحكى ابن التين عن ابن عمر: أنه يصلي بإقامة واحدة
(1)
. ويبعد أن يكون المراد بالإقامة هنا الشروع فيها وفعلها بأحكامها.
الرابعة: لم يذكر هنا الأذان لها، والصحيح عند أصحابنا أنه يؤذن للأولى، وبه قَالَ أحمد، وأبو ثور، وعبد الملك بن الماجشون المالكي، والطحاوي الحنفي. وقال مالك: يؤذن ويقيم للأولى، ويؤذن ويقيم للثانية. وهو محكي عن عمر، وابن مسعود، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: أذان وإقامة واحدة. وللشافعي وأحمد قول أنه يصلي كل واحدة بإقامة بلا أذان، وهو محكي عن القاسم بن محمد وسالم. وقال الثوري: يصليهما جميعًا بإقامة واحدة
(2)
، وقد أسلفناه عن ابن عمر.
الخامسة: أفضلية تأخير المغرب إلى العشاء، قَالَ أصحابنا: فلو
(1)
رواه مسلم (1288) وفي آخره أن ابن عمر قال: هكذا صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان. بينما سيأتي خلاف ذلك عنه عند البخاري برقم (1092)، (1673) حيث قال ابن عمر فيه: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع، كل واحدة منهمابإقامة .. " الحديث فانظره.
(2)
انظر: "البيان" 2/ 61، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 88 - 89، "المغني" 2/ 77 - 78.
جمع بينهما في وقت المغرب في أرض عرفات أو في الطريق أو في موضع آخر، أو صلى كل صلاة في وقتها جاز جميع ذَلِكَ، وإن خالف الأفضل، هذا مذهبنا.
وبه قَالَ جماعة من الصحابة والتابعين، وقاله الأوزاعي، وأبو يوسف، وأشهب، وفقهاء أصحاب الحديث.
وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين: يشترط أن يصليهما بالمزدلفة ولا يجوز قبلها. وقال مالك: لا يجوز أن يصليهما قبلها إلا من به -أو بدابته- عذر، فله أن يصليهما قبلها بشرط كونه بعد مغيب الشفق، وحكى ابن التين عن "المدونة" أنه يعيد إِذَا صلى المغرب قبل أن يأتي المزدلفة، أو جمع بينها وبين العشاء بعد مغيب الشفق وقبل أن يأتيها.
وعن أشهب المنع إلا أن يكون صلى قبل مغيب الشفق، فيعيد العشاء بعدها أبدًا، وبئس ما صنع.
وقيل: يعيد العشاء الآخرة فقط. وقال في "المعونة": إن صلى المغرب بعرفة في وقتها فقد ترك الاختيار والسنة، وتجزئه خلافًا لأبي حنيفة. قَالَ أشهب: وإذا أسرع فوصل المزدلفة قبل مغيب الشفق جمع، وإن قضى الصلاتين قبل مغيبه، وخالفه ابن القاسم فقال: لا يجمع حتى يغيب.
السادسة: تنبيه المفضولِ الفاضلَ إِذَا خاف عليه النسيان لما كان فيه من الشغل؛ لقول أسامة: الصلاة يا رسول الله.
السابعة: في قوله: (فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ). أن الوضوء عبادة وإن لم يصلِّ به -يعني: بالأول- نبه عليها الخطابي
(1)
، وقد قَالَ بعضهم: من
(1)
"أعلام الحديث" للخطابي 1/ 236.
توضأ ثمَّ أراد أن يجدد وضوءه قبل أن يصلي ليس لَهُ ذَلِكَ، لأنه لم يوقع به عبادة، ويكون كمن زاد عَلَى ثلاث في وضوء واحد، وهو الأصح عند أصحابنا، ولا يسن تجديده إلا إِذَا صلى بالأول صلاة فرضًا كانت أو نفلًا.
الثامنة: ظاهر الحديث أنهم صلوا قبل حط رحالهم، وقد جاء مصرحًا به في رواية أخرى في "الصحيح"
(1)
، ووافق مالك في الأمر الخفيف، وقال في المحامل والزوامل: يبدأ بالصلاة قبلها.
وقال أشهب: له أن يحط رحله قبل أن يصلي، وبعد المغرب أحب إلي ما لم تكن دابته معقلة، ولا يتعشى قبل المغرب وإن خفف عشاءه، ولا يتعشى بعدها وإن كان عشاؤه خفيفًا، وإن طال فبعد العشاء أحب إليَّ.
التاسعة: ترك النافلة في السفر، كذا استنبطه المهلب من قوله: ولم يصل بينهما. ولذلك قَالَ ابن عمر: لو كنت مسبحًا لأتممت
(2)
.
وقال غيره: لا دلالة فيه؛ لأن الوقت بين الصلاتين لا يتسع لذلك، ألا ترى أن بعضهم قَالَ: لا يحطون رواحلهم تلك الليلة حتَّى يجمعوا.
ومنهم من قَالَ: يحط بعد الأولى، مع ما في ترك الرواحل بأوقارها ما نهي عنه من تعذيبها، ولم يتابع ابن عمر عَلَى قوله، والفقهاء متفقون عَلَى اختيار التنفل في السفر.
(1)
"صحيح مسلم"(1280/ 279) كتاب: الحج، باب: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة.
(2)
رواه مسلم (689) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصدها.
وابن ماجه (1071)، وعبد الرزاق 2/ 557 (4443)، وأبو يعلى 10/ 156 (5778)، وابن خزيمة 2/ 246 (1257).
قَالَ ابن بطال: وقد تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
راجلًا وراكبًا
(2)
.
العاشرة: جواز التنفل بين صلاتي الجمع كذا استدل به القرطبي في "مفهمه" قَالَ: وهو قول ابن وهب قَالَ: وخالفه بقية أصحابنا فمنعوه
(3)
.
قُلْتُ: وهو جائز عندنا في جمع التأخير ممتنع في جمع التقديم، والحديث ناصٌّ عَلَى أنه لم يصل بينهما، ولعل القرطبي أخذه. من إناخة البعير بينهما.
الحادية عشرة: الدفع من عرفة إلى مزدلفة راكبًا.
الثانية عشرة: نقل أفعاله والاعتناء بها ليتبع.
الثالثة عشرة: الاستنجاء من البول لغير صلاة تنظفًا وقطعًا لمادته قاله الداودي، وكأنه حمل الوضوء الأول فيه عَلَى الاستنجاء، وليس بجيد لما أسلفناه.
الرابعة عشرة: ترك إسباغ الوضوء عند البول إِذَا لم تجئ الصلاة قاله أيضًا، وفيه نظر أيضًا.
الخامسة عشرة: تخصيص العموم قاله الخطابي، وقد سلف ما فيه.
السادسة عشرة: قَالَ الخطابي أيضًا: فيه دلالة (أيضًا)
(4)
عَلَى أنه
(1)
ورد بهامش (س) ما نصه: لا يصح الاستدلال على ابن عمر من تنفل الشارع في السفر إلا إذا ثبت أن الذي تنفله راتبًا، وأما مطلق النفل فلا يمنع منه ابن عمر وهو قائل باستحبابه، لكن مما يستدل به على ابن عمر صلاته عليه السلام راتبة الصبح يوم الوادي وسنة الصبح يوم الفتح، ولعل ابن عمر لم يره عليه السلام تنفل في السفر، والله أعلم.
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 229.
(3)
انظر: "المفهم" 3/ 391، وجاء هذا القول عن ابن حبيب، وليس قول ابن وهب كما قال المصنف.
(4)
ساقطة من (ج).
لا يجوز أن يصليها الحاج إِذَا أفاض من عرفة حتَّى يبلغها ويجمع بينهما، ولو أجزأ غير ذَلِكَ لما أخرها صلى الله عليه وسلم عن وقتها المؤقت لها في سائر الأيام
(1)
. وفيما ذكره نظر أيضًا، فإنه إنما أخرها لأجل الجمع.
السابعة عشرة: قَالَ أيضًا: استدل به الشافعي عَلَى أن الفوائت لا يؤذن لها لكن يقام
(2)
، وكأن وجهه أنها تشبه الفائتة، وإلا فإذا أخرها فهي أداء عَلَى الصواب، لأجل العذر المرخص.
الثامنة عشرة: قَالَ فيه أيضًا: إن يسير العمل إِذَا (تخلل)
(3)
بين الصلاتين لا يقطع نظم الجمع بينهما، لما ذكر من إناخة كل واحد بعيره بينهما، ولكن لا يتكلم بين الصلاتين، وما ذكره ماشٍ عَلَى من يشترط الموالاة في جمع التأخير، والأصح عند أصحابنا خلافه.
التاسعة عشرة: قَالَ: في وضوئه الأول لغير الصلاة دلالة عَلَى أن الوضوء نفسه عبادة وقربة، وإن لم يصل به، وكان صلى الله عليه وسلم يقدم الطهارة إِذَا أوى إلى فراشه؛ ليكون مبيته عَلَى طهر
(4)
.
العشرون: قَالَ المهلب: فيه اشتراك وقت المغرب والعشاء، وأن وقتهما واحد
(5)
. وقال غيره: المراد بالنسبة إلى الجمع
(6)
.
(1)
"أعلام الحديث" 1/ 234 - 235.
(2)
انظر: "البيان" 59/ 1.
(3)
في (ج): تملك.
(4)
انظر: الفوائد السابقة في "أعلام الحديث" 1/ 234 - 235.
(5)
كما في "شرح ابن بطال" 1/ 229.
(6)
ورد بهامش (س) ما نصه: ثم بلغ في التاسع بعد الثلاثين كتبه مؤلفه.
7 - باب غَسْلِ الوَجهِ بِالْيَدَيْنِ مِن غَرفَةٍ وَاحِدَةٍ
140 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ الُخزَاعِيُّ مَنصُورُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن بِلَالٍ -يَعْنِي سُلَيْمَانَ- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابن عَبَّاسِ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرفَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الأُخْرى، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَة مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُسْرى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرفَةً أُخْرى، فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ -يَعْنِي: اليُسْرى- قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يتَوَضّأُ. [فتح 1/ 240]
حَدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أنا أَبُو سَلَمَةَ الخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ، أنا ابن بِلَالٍ -يَعْنِي سُلَيْمَانَ- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ
(1)
بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إلى يَدِهِ الأُخْرى، فَغَسَلَ بها
(2)
وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُسْرى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ على رِجْلِهِ اليُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرى، فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ -يَعْنِي: اليُسْرى- ثمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ.
(1)
علم عليها الناسخ بإشارة نسخة، وكتب في الهامش: واستنثر.
(2)
علم عليها الناسخ أن في نسخة (بهما) وكتب (بها).
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري منفردًا به عن مسلم، ولم يخرج مسلم عن ابن عباس في صفة الوضوء شيئًا.
ثانيها: في التعريف برواته:
وقد سلف التعريف بابن عباس وعطاء وزيد.
وأما سليمان بن بلال فهو أبو محمد مولى آل أبي بكر، روى عن عبد الله بن دينار وغيره. وعنه ابنه أيوب ولوين وغيرهما.
وكان بربريًّا جميلًا حسن الهيئة عاقلًا متقنًا ثقة إمامًا، وولي خراج المدينة. مات سنة اثنتين وسبعين ومائة، وقيل: سنة سبع وسبعين، وقد سلف أيضًا في باب: أمور الإيمان
(1)
.
وأما أبو سلمة منصور (خ. م. س) بن سلمة الخزاعي البغدادي الحافظ، روى عن مالك وغيره. وعنه الصاغاني وغيره.
مات سنة سبع أو تسع ومائتين وقيل: سنة عشر
(2)
.
وأما محمد بن عبد الرحيم (خ. د. ت. س) فهو أبو يحيى الحافظ،
(1)
سبقت ترجمته في حديث رقم (9).
(2)
منصور بن سلمة بن عبد العزيز بن صالح، أبو سلمة الخزاعي البغدادي.
قال أبو بكر الأعين: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أبو سلمة الخزاعي من متثبتي بغداد. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ثقة، وقال الدارقطني: أبو سلمة الخزاعي أحد الثقات الحفاظ الرفعاء الذين كانوا يسألون عن الرجال.
انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 345، "التاريخ الكبير" 7/ 348 (1502)، "الجرح والتعديل" 8/ 173 (763)، "الثقات" 9/ 172، "تهذيب الكمال" 28/ 530 - 532 (6194).
صاعقة؛ لقب بذلك لحفظه.
روى عن يزيد بن هارون، وروح، وطبقتهما.
وعنه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن صاعد، والمحاملي، وخلق. وكان بزازًا، مات سنة خمس وخمسين ومائتين
(1)
.
ثالثها:
هذا الحديث مما شاهده ابن عباس من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي معدودة.
قَالَ الداودي: الذي صح مما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر حديثًا، وحكى غيره، عن غندر عشرة أحاديث. وعن يحيى القطان، وأبي داود: تسعة.
ووقع في "المستصفى" للغزالي: أن ابن عباس مع كثرة روايته، قيل: إنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أحاديث لصغر سنه، وصرح بذلك في حديث:"إنما الربا في النسيئة"
(2)
وقال: حَدَّثَنِي به أسامة بن زيد، ولما روى حديث قطع التلبية حين رمى جمرة العقبة
(3)
قَالَ: حَدَّثَنِي به أخي الفضل
(4)
.
(1)
محمد بن عبد الرحيم بن أبي زهير أبو يحيى القرشي العدوي.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كتب عنه أبي بمكة، وسئل عنه، فقال: صدوق.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، والنسائي: ثقة.
وقال ابن صاعد: حدثنا أبو يحيى الثقة الأمين. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان متقنا، ضابطًا عالمًا، حافظًا.
انظر: "الجرح والتعديل" 8/ 9 (33)، "الثقات" 9/ 132، "تاريخ بغداد" 2/ 363 - 364، "تهذيب الكمال" 26/ 5 - 8 (5417).
(2)
سيأتي برقم (2178) كتاب: البيوع، باب: الدينار بالدينار نساءً.
(3)
سيأتي برقم (1685) كتاب: الحج، باب: التلبية والتكبير غداة النحر.
(4)
انظر: "المستصفى" 1/ 319 - 320.
رابعها: في ألفاظه:
معنى (أَضَافَهَا إلى يَدِهِ الأُخْرى):. جعل الماء الذي في يده في يديه جميعًا، فإنه أمكن في الغسل.
وقوله: (فَرَشَّ على رِجْلِهِ اليُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا) أي: صبه قليلًا قليلًا حتَّى صار غسلًا.
وقوله: (فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ): -يعني: اليسرى- هو بغين معجمة ثمَّ سين مهملة كذا رأيناه في الأصول، وقال ابن التين: رويناه بالعين غير معجمة، ولعله عد الرجلين بمنزلة العضو الواحد، فكأنه كرر غسله؛ لأن الغسل هو الشرب الثاني: ثمَّ قَالَ: وقال الحسن: أراه (فعل) فسقطت السين.
قُلْتُ: وهذا كله غريب والصواب ما أسلفناه.
خامسها: في فوائده:
الأولى: الوضوء مرة، وهو إجماع كما أسلفناه في أوائل الوضوء، وشذ من قَالَ: فرض مغسول الوضوء التثليث، وهذِه القولة حكاها ابن التين هنا، وأسلفنا حكايتها عن غيره في الموضع المشار إليه.
الثانية: الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة بغرفة، وهو أفضل من الفصل، وسيأتي في حديث عبد الله بن زيد أنه جمع بينهما ثلاث مرات من غرفة واحدة
(1)
، وهو الذي صحت به الأحاديث، وحديث الفصل أخرجه أبو داود في "سننه"
(2)
ولا يصح.
(1)
سيأتي برقم (191).
(2)
انظر: "سنن أبي داود"(139)، والبيهقي 1/ 51 ونصُّه: دخلت -يعني: على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضه والاستنشاق، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (18): ضعيف.
الثالثة: البداية بالميامن، وهو سنة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره، ومن نقل خلافه فقد غلط، ثمَّ هذا بالنسبة إلى اليد والرجل، أما الخدان والكفان فيطهران دفعة واحدة، وكذا الأذنان عَلَى الأصح عند الشافعية.
الرابعة: أخذ الماء للوجه باليد، وفي رواية للبخاري ومسلم في حديث عبد الله بن زيد: ثمَّ أدخل يده فغسل وجهه ثلاثًا
(1)
، وفي رواية للبخاري: ثمَّ أدخل يديه بالتثنية
(2)
.
وهما وجهان للشافعية، وجمهورهم عَلَى الثاني.
وقال زاهر السرخسي: إنه يغرف بكفه اليمنى، ويضع ظهرها عَلَى بطن كفه اليسرى، ويصبه من أعلى جبهته، وحديث الباب قد يدل له.
الخامسة: قَالَ ابن بطال فيه أن الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر، وهو قول مالك والثوري، قَالَ: والحجة لذلك أن الأعضاء كلها إِذَا غسلت مرة مرة، فإن الماء إذا لاقى أول جزء من أجزاء العضو فقد صار مستعملًا ثمَّ يمره عَلَى كل جزء بعده وهو مستعمل فيجزئه، فلو كان الماء المستعمل لا يجوز لم يجز الوضوء مرة مرة، ولما أجمعوا أنه جائز استعماله في العضو الواحد كان في سائر
(1)
سيأتي برقم (186) باب: غسل الرجلين إلى الكعبين، وبرقم (192)، باب: مسح الرأس مرة. وبرقم (199)، باب: الوضوء من التور.
ومسلم (235) كتاب: الطهارة، باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
قال ابن حجر في "الفتح" 1/ 294: وقع في رواية ابن عساكر وأبي الوقت من طريق سليمان بن بلال: ثم أدخل يديه، بالتثنية، وليس ذلك في رواية أبي ذر ولا الأصيلي ولا في شيء من الروايات خارج الصحيح، قاله النووي. اهـ. وانظر:"صحيح مسلم بشرح النووي" 3/ 122.
الأعضاء كذلك، وفيما قاله نظر؛ لأن الماء يحكم لَهُ بالاستعمال بعد انفصاله، ومادام مترددًا عَلَى العضو لا يثبت لَهُ حكم الاستعمال
(1)
.
تنبيه:
لم يذكر في هذا الحديث أخذ الماء للرأس؛ فقال بعضهم فيه: مسح الرأس بفضل الذراع. وفي "سنن أبي داود" أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه من فضل ماء كان في يده
(2)
. وهذا قول الأوزاعى، والحسن، وعروة، وقال الشافعي ومالك: لا يجزئه أن يمسح بفضل ذراعيه ولا لحيته. وأجازه ابن الماجشون في بلل اللحية إِذَا نفذ منه الماء. وقال القاضي عبد الوهاب: يشبه أن يكون قول مالك: لا يجزئه، عبارة عن شدة الكراهية
(3)
.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 231 - 232.
(2)
"سنن أبي داود"(130)، ورواه ابن أبي شيبة 1/ 28 (211)، والطبراني 24/ 268 (679)، وفي "الأوسط" 3/ 35 - 36 (2389) من حديث الرُّبيِّع، وقال: لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا أبو داود. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(121): إسناده حسن.
(3)
انظر: "الذخيرة" 1/ 262.
8 - باب التَّسمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الوِقَاعِ
141 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، يَبْلُغُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ". [3271، 3283، 5165، 6388، 7396 - مسلم: 1434 - فتح: 1/ 242]
حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثنَا جَرِير، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، يَبْلُغُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أتَى أَهْلَه قَالَ: بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الدعوات عن علي بن المديني أيضًا
(1)
، وفي التوحيد عن قتيبة، عن جرير
(2)
؛ وفي صفة إبليس عن موسى بن إسماعيل. عن همام، وعن آدم، عن شعبة
(3)
، وفي النكاح عن سعد بن حفص، عن شيبان، كلهم عن جرير به
(4)
، وقال في عقب حديث آدم: وثنا الأعمش
(5)
.
(1)
قلت: ما سيأتي في الدعوات برقم (6388) هو عن عثمان بن أبي شيبة، لا عن علي بن المديني، وكذا قال العيني في "عمدة القاري" 2/ 249.
(2)
سيأتي برقم (7396) كتاب: التوحيد، باب: السؤال بأسماء الله والاستعاذه بها.
(3)
سيأتي برقم (3271) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس، وبرقم (3283) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس.
(4)
سيأتي برقم (5165) كتاب: النكاح، باب: ما يقول الرجل إذا أتى أهله.
(5)
سيأتي برقم (3283) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده.
وأخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى، وغيره عن جرير، ومن طريق الثوري وغيره عن منصور
(1)
. لم يرفعه الأعمش ورفعه منصور، وأخرجه الأربعة
(2)
أيضًا.
ثانيها: في التعريف برواته:
وقد سلف التعريف بهم خلا سالم بن أبي الجعد الأشجعي مولاهم الكوفي التابعي، روى عن ابن عباس وابن عمر، وأرسل عن عمر وعائشة. قَالَ أحمد: لم يسمع من ثوبان ولم يلقه. وعنه منصور والأعمش، مات سنة مائة، وهو من الثقات لكنه يرسل ويدلس، وحديثه عن النعمان بن بشير، وعن جابر في البخاري ومسلم وأبي داود عن عبد الله بن عمرو، وابن عمر في البخاري، وعن علي في أبي داود والنسائي
(3)
.
(1)
مسلم (1434) كتاب: النكاح، باب: ما يستحب أن يقوله عند الجماع.
(2)
أبو داود (2161)، والترمذي (1092)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(266)، وابن ماجه (1919).
(3)
سالم بن أبي الجعد واسمه رافع الأشجعي. روى عن أنس بن مالك، روى عنه ابنه الحسن بن سالم بن أبي الجعد. قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين، وأبو زرعة والنسائي: ثقة.
وقال سفيان عن منصور: قلت لإبراهيم: ما لسالم بن أبي الجعد أتم حديثًا منك؟ قال: لأنه كان يكتب.
وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا مالك بن مغول أنه ذكر له عن سالم بن أبي الجعد أنه كان يعطي، فعاتبته امرأته أم أبان، فقال: لأن أذهب بخير وأترككم بشر أحب إلي من أن أذهب بشر وأترككم بخير.
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 6/ 291، "التاريخ الكبير" 4/ 107 (2132)، "معرفة الثقات" 1/ 382 (538)، "الجرح والتعديل" 4/ 181 (785)، "تهذيب الكمال" 10/ 130 - 133 (2142).
وأما (منصور) فهو ابن المعتمر أبو عتاب السلمي من أئمة الكوفة.
روى عن أبي وائل، وزيد بن وهب، وعنه شعبة والسفيانان وخلق. قَالَ: ما كتبت حديثًا قط. مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة
(1)
، وقد سلف أيضًا في باب إثم من كذب عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثها:
هذا الإسناد كلهم من رجال الكتب الستة إلا ابن المديني فإن مسلمًا وابن ماجه لم يخرجا له، ورواته ما بين مكي ومدني وكوفي ورازي وبصري.
رابعها:
(ما) هنا بمعنى: شيء، فإنها تكون لمن يعقل إِذَا كانت بمعنى الشيءكما نبه عليه ابن التين.
ومعنى "لم يضره": لا يكون له عليه سلطان ببركة اسمه جل وعز، بل يكون من جملة العباد المحفوظين المذكورين في قوله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]، وأبعد من قَالَ إن المراد: لم يصرعه، وكذا قول من قَالَ: لم يطعن فيه عند ولادته.
واختار الشيخ تقي الدين (القشيري)
(2)
في "شرح العمدة" أن المراد: لم يضره في بدنه، وإن كان يحتمل الدين أيضًا، لكن يبعده انتفاء العصمة
(3)
. وقال الداودي: لم يضره بأن يفتنه بالكفر.
(1)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 6/ 337، "التاريخ الكبير" 7/ 346 (1491)، "الجرح والتعديل" 8/ 177 - 179 (778)، "الثقات" 7/ 473، "تهذيب الكمال" 8/ 546 - 555 (6201)، "جامع التحصيل"(802)، "شذرات الذهب" 1/ 189.
(2)
في (ج): الفربري، وهو خطأ.
(3)
"إحكام الأحكام" ص 581.
خامسها: في فوائده:
وهو مطابق لقول الله تعالى حاكيًا عن أم مريم {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36].
الأولى: استحباب التسمية والدعاء المذكور في ابتداء الوقاع، واستحب الغزالي في "الإحياء" أن يقرأ بعد باسم الله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، ويكبر ويهلل، ويقول: بسم الله العلي العظيم، اللَّهُمَّ اجعلها ذرية طيبة إن كنت قدرت ولدًا يخرج من صلبي، قَالَ: وإذا قرب الإنزال فقل في نفسك ولا تحرك به شفتيك: الحمد لله الذي خلق من الماء بشرًا
(1)
.
الثانية: الاعتصام بذكر الله تعالى ودعائه من الشيطان، والتبرك باسمه، والاستشعار بأن الله تعالى هو الميسر لذلك العمل والمعين عليه.
الثالثة: الحث عَلَى المحافظة عَلَى تسميته ودعائه في كل حال لم ينه الشرع عنه، حتَّى في حال ملاذ الإنسان، وأراد البخاري بذكره في هذا الباب مشروعية التسمية عند الوضوء، واستغنى عن حديث:"لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"؛ لأنه ليس على شرطه وإن كثرت طرقه، وقد طعن فيه الحفاظ، واستدركوا عَلَى الحاكم تصحيحه بأنه انقلب عليه إسناده واشتبه
(2)
.
(1)
انظر: "إحياء علوم الدين" 2/ 63. ويكتفي بما ورد في السنة لأنه هو المشروع.
(2)
هذا شطر حديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". رواه أبو داود (101)، وأحمد في "مسنده" 2/ 418، والحاكم 1/ 146. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة دينار، ولم يخرجاه. والبيهقي 1/ 43. =
وأصح ما في التسمية كما قَالَ البيهقي، واحتج به في "معرفته" حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده في الإناء الذي فيه الماء وقال:"توضئوا بسم الله .. "،
(1)
الحديث؛ ويقرب منه حديث: "كل أمر بال لا يبدأ فيه بذكر الله -وفي لفظ: ببسم الله- فهو أجذم"
(2)
.
= واعترض المنذري على تصحيح الحاكم فقال: ليس كما قال، فإنهم رووه عن يعقوب بن سلمة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة. وقد قال البخاري وغيره: لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة، ولا ليعقوب سماع من أبيه. انظر:"صحيح الترغيب" 1/ 200 (203). وقال ابن حجر: رواه الحاكم من هذا الوجه، فقال: يعقوب أبي سلمة. وادعى أنه الماجشون وصححه لذلك، والصواب أنه الليثي. ثم قال: قال ابن الصلاح: انقلب إسناده على الحاكم، فلا يحتج لثبوته بتخريجه له، وتبعه النووي. وقال ابن دقيق العيد: لو سلم للحاكم أنه يعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة دينار يحتاج إلى معرفة حال أبي سلمة، وليس له ذكر في شيء من كتب الرجال، فلا يكون أيضًا صحيحًا. "تلخيص الحبير" 1/ 72 - 73.
والحديث حسنه الألباني كما في "صحيح أبي داود" و"صحيح الترغيب"(203).
وللحديث شاهد عند الترمذي من طريق رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته عن أبيها. الحديث رواه الترمذي (25). والبيهقي 1/ 43. وقال الترمذي: وفي الباب: عن عائشة وأبي سعيد وأبي هريرة وسهل بن سعد وأنس وقال: قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد.
قال إسحاق: إن ترك التسمية عامدًا أعاد الوضوء، وإن كان ناسيًا أو متأولًا أجزأه.
وقال البخاري: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن. وقال أبو عيسى: ورباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها، وأبوها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. وقال المنذري: إن الأحاديث التي وردت فيها وإن كان لا يسلم شيء منها من مقال فإنها تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب قوة. والله أعلم.
والحديث حسنه الألباني، انظر:"صحيح الترغيب" 1/ 201 (204).
(1)
انظر: "معرفة السنن والآثار" 1/ 266 (592). ورواه النسائي 1/ 61 - 62. وقال الألباني في "صحيح النسائي": صحيح الإسناد.
(2)
بنحوه في "مسند أحمد" 2/ 359، وانظر "إرواء الغليل" الحديث الأول.
وحاصل ما في التسمية مذاهب:
أحدها: أنها سنة وليست بواجبة، فلو تركها عمدًا صح وضوؤه، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور العلماء، وهو أظهر الروايتين عن أحمد
(1)
، وعبارة ابن بطال: استحبها مالك وعامة أئمة أهل الفتوى، وذهب بعض من زعم أنه من أهل العلم إلى أنها فرض فيه
(2)
.
ثانيها: أنها واجبة، (وهو)
(3)
رواية عن أحمد
(4)
، وقول أهل الظاهر
(5)
.
ثالثها: أنها واجبة إن تركها عمدًا بطلت طهارته، وإن تركها سهوًا أو معتقدًا أنها غير واجبة لم تبطل طهارته، وهو قول إسحاق بن راهويه، كما حكاه الترمذي وغيره عنه
(6)
.
رابعها: أنها ليست بمستحبة، وهو رواية عن أبي حنيفة، وعن مالك رواية أنها بدعة، وقال: ما سمعت بهذا؛ يريد: أن يذبح!! وفي رواية: أنها مباحة لا فضل في فعلها ولا في تركها
(7)
.
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 13، "عيون المجالس" 1/ 96، "المجموع" 1/ 387، "المغني" 1/ 145، 146، "عارضة الأحوذي" 1/ 43.
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 230 - 231.
(3)
في (ج): وهي.
(4)
انظر: "المغني" 1/ 145.
(5)
قلت: المنصوص عليه عند ابن حزم أن تسمية الله تعالى على الوضوء تستحب وإن لم يفعل فوضوؤه تام. انظر "المحلى" 2/ 49.
(6)
"سنن الترمذي" 1/ 38 وانظر: "مسائل الإمام أحمد برواية إسحاق بن منصور الكوسج" 1/ 99 (84)، و"المغني" 1/ 146، و"الإنصاف" 1/ 277، و"مسائل أحمد برواية السجستاني" ص 110.
(7)
انظر: "الذخيرة" 1/ 284.
واحتج من أوجبها بالحديث الذي أسلفناه، ولأنها عبادة يبطلها الحدث فوجب في أولها نطق كالصلاة.
واحتج من لم يوجبها بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية [المائدة: 6]، وبقوله: صلى الله عليه وسلم "توضأ كما أمرك الله"
(1)
.
وأشباه ذَلِكَ من النصوص الواردة في بيان الوضوء، وليس فيها ذكر التسمية.
والجواب عن الحديث من أوجه:
أحسنها: ضعفه، قَالَ الإمام أحمد: لا أعلم في التسمية حديثًا ثابتًا
(2)
.
ثانيها: أنه مقدر بنفي الكمال.
ثالثها: أن المراد بالذكر النية، قاله ربيعة شيخ مالك وغيره، والجواب عن قياسهم من وجهين:
(1)
هذا جزء من حديث رفاعة بن رافع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله .. " وفي رواية أخرى "فتوضأ كما أمرك الله .. " الحديث.
رواه أبو داود (857 - 861)، والترمذي (302)، والنسائي 2/ 193، 225، 226، وابن الجارود 1/ 182 - 183 (194)، وابن خزيمة 1/ 274 (545)، وابن حبان 5/ 88 - 89 (1787). والحاكم 1/ 241 - 242.
وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(247).
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(804): إسناده صحيح على شرط البخاري.
(2)
انظر: "مسائل الإمام أحمد"رواية أبي داود السجستاني ص 11، و"برواية الكوسج" 1/ 99 (84).
أحدهما: أنه منتقض بالطواف، وأنه عبادة لا يجب في آخرها ذكر فلا يجب في أولها كالطواف، وفيه احتراز من سجود التلاوة والشكر.
ثانيها: إنا نقلبه عليهم نقول: عبادة يبطلها الحدث فلم تجب التسمية في أولها كالصلاة. قال ابن بطال: وهذا الذي أوجبها عند الوضوء لا يوجبها عند غسل الجنابة والحيض، وهذا (مناقض)
(1)
لإجماع العلماء أن من اغتسل من الجنابة ولم يتوضأ وصلى، أن صلاته تامة
(2)
.
الرابعة: الإشارة إلى ملازمة الشيطان لابن آدم من حين خروجه من ظهر أبيه إلى رحم أمه إلى حين موته -أعاذنا الله منه- فهو يجري منه مجرى الدم
(3)
، وعلى خيشومه إِذَا نام
(4)
، وعلى قلبه إِذَا استيقظ، فإذا غفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس
(5)
، ويضرب عَلَى قافية رأسه
(1)
في الأصول: يناقض، والمثبت من "شرح ابن بطال" 1/ 231.
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 231.
(3)
دل عليه حديث سيأتي برقم (2038 - 2039) كتاب: الاعتكاف، باب: زيارة المرأة زوجها مع اعتكافه.
(4)
يشير إلى حديث (3295) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده.
(5)
علقه البخاري قبل حديث (4977) كتاب: التفسير، باب: سورة الناس، ووصله الطبري في "تفسيره" 30/ 355، والحاجم في "المستدرك" 2/ 541، كلاهما من طريق حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بنحوه، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. ورواه الضياء في "المختارة" 10/ 175 (172) من طريق الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به. وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 772، وعزاه إلى ابن أبي الدنيا، وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي والضياء في "المختارة". وقال الحافظ في "تغليق التعليق" 4/ 381 - 382 بعدما أورد طريق ابن جرير والحاكم: وكذا رواه عتبة، عن القاسم، عن الأعمش، عن حكيم بن جبير، وحكيم ضعيف الحديث. =
إِذَا نام ثلاث عقد: عليك ليل طويل؛ وينحل بالذكر والوضوء والصلاة
(1)
.
الخامسة: فيه -كما قَالَ ابن بطال:- الحث على ذكر الله في كل وقت على حال طهارة وغيرها، ورد عَلَى من أنكر ذَلِكَ، وهو قول مروي عن ابن عمر، أنه كان لا يذكر الله إلا وهو طاهر، وروي مثله عن أبي العالية والحسن، وروي عن ابن عباس أنه كره أن يذكر الله على حالين: عَلَى الخلاء، والرجل يواقع أهله
(2)
، وهو قول عطاء، ومجاهد. قال مجاهد: يجتنب الملك الإنسان عند جماعه وعند غائطه
(3)
. قَالَ ابن بطال: وهذا الحديث خلاف قولهم
(4)
.
قُلْتُ: لا، فإن المراد بإتيانه أهله إرادة ذَلِكَ، وحينئذ فليس خلاف قولهم، وكراهة الذكر عَلَى غير طهر؛ لأجل تعظيمه.
= وقد روي عن منصور، عن سعيد بن جبير وفي إسناده ضعف؛ ثم وصله من طريق منصور عن سعيد بن جبير به. اهـ.
وقال الحافظ في "الفتح" أيضًا 8/ 741: ورويناه في "الذكر" لجعفر بن أحمد بن فارس من وجه آخر عن ابن عباس، وفي إسناده محمد بن حميد الرازي وفيه مقال. اهـ. وله شاهد من حديث أنج بن مالك مرفوعًا بنحوه رواه أبو يعلى في "مسنده" 7/ 279 وقال ابن كثير في "تفسيره" 14/ 530: غريب. أبو نعيم في "الحلية" 6/ 268. والبيهقي في "الشعب" 1/ 402 (540)، وقال البوصيري في "الإتحاف" 6/ 315: هذا إسناد ضعيف لبعض رواته، رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي. وضعف الحافظ في "الفتح" 8/ 742 إسناد أبي يعلى.
(1)
دل عليه حديث سيأتي برقم (1142) أبواب التهجد، باب: عقد الشيطان على قافية الرأس .. إلخ.
(2)
روى ذلك الأثر ابن أبي شيبة 1/ 108 (1220)، وابن المنذر في "الأوسط" 1/ 340 (291).
(3)
روى هذا الأثر ابن المنذر في "الأوسط" 1/ 341.
(4)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 230.
فروع متعلقة بالجماع:
لا يكره مستقبل القبلة ولا مستدبرها، لا في البنيان ولا في الصحراء، قاله النووي في "الروضة"
(1)
من زوائده.
وقال الغزالي في "الإحياء": لا يستقبل القبلة به إكرامًا لها، قَالَ: وليتغطيا بثوب قَالَ: وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة، وأن يزيد وينقص عَلَى حسب حاجتها في التحصين، فإن تحصينها واجب، وإن لم تثبت المطالبة بالوطء، قَالَ: ويكره الجماع في الليلة الأولى من الشهر والأخيرة منه وليلة نصفه، فيقال: إن الشيطان يحضر الجماع في هذِه الليالي
(2)
، ويقال: إنه يجامع، قَالَ: وإذا قضى وطره فليمهل عليها حتَّى تقضي وطرها
(3)
.
(1)
"روضة الطالبين" 1/ 66.
(2)
قلتُ: هذِه الكراهة حكم شرعي وليس عليه دليل شرعي من الكتاب والسنة فهي مردودة لقول الله عز وجل في سورة البقرة: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . [البقرة: 223].
(3)
"الإحياء" 2/ 64.
9 - باب: مَا يَقُولُ عِنْدَ الخَلَاءِ
142 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الخَلَاءَ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ". تَابَعَهُ ابن عَرْعَرَةَ، عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ: إِذَا أَتَى الَخلَاءَ. وَقَالَ مُوسَى، عَنْ حَمَّاد: إِذَا دَخَلَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ. [6322 - مسلم: 375 - فتح: 1/ 242]
حَدَّثنَا آدَمُ، ثنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الخَلَاءَ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ". تَابَعَهُ ابن عَرْعَرَةَ، عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ: إِذَا أَتَى الخَلَاءَ. وَقَالَ مُوسَى، عَنْ حَمَّادٍ: إِذَا دَخَلَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: حَدَّثنَا عَبْدُ العَزِيزِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري في الدعوات أيضًا عن ابن عرعرة، عن شعبة
(1)
، وأخرجه مسلم هنا
(2)
والأربعة
(3)
.
والتعريف برواته سلف خلا سعيد (م. د. ت. ق) بن زيد وهو أبو الحسن
(4)
أخو حماد بن زيد الجهضمي البصري.
روى عن ابن جدعان وغيره، وعنه عارم ومسلم، واستشهد به البخاري، وأخرج لَهُ أيضًا أبو داود والترمذي وابن ماجه،
(1)
سيأتي برقم (6322) كتاب: الدعوات، باب: الدعاء عند الخلاء.
(2)
"صحيح مسلم"(375) كتاب: الحيض، باب: ما يقول إذا أراد دخول الخلاء.
(3)
أبو داود (4، 5)، الترمذي (5، 6)، النسائي 1/ 20، ابن ماجه (298).
(4)
هكذا بالأصل والصواب: الحسم.
وثقه ابن معين ولينه جماعة. (مات سنة سبع وستين ومائة قبل أخيه حماد)
(1)
(2)
.
وأما (موسى) فهو ابن إسماعيل التبوذكي البصري الحافظ الثقة الثبت، سلف في الوحي، ولما ذكره المزي في "تهذيبه" قَالَ: روى عن حماد بن زيد يقال: حديثًا واحدًا، وروى عن حماد بن سلمة تعليقًا
(3)
. وقال في آخر ترجمة حماد بن سلمة: وقال البخاري في "الصحيح": وقال حماد: إِذَا أقر عند الحاكم رجم. يعني: الزاني
(4)
، وروى لَهُ مسلم مقرونًا بغيره.
الوجه الثاني: في ألفاظه ومعانيه:
(كان) في قوله: (كان إِذَا دخل الخلاء)(دالة على)
(5)
الملازمة والمداومة.
(1)
من (ج).
(2)
سعيد بن زيد، قال عبد الله بن أحمد ابن حنبل، عن أبيه: ليس به بأس، وكان يحيى بن سعيد لا يستمرئه.
قال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يضعف سعيد بن زيد في الحديث جدًا ثم قال: قد حدثني وكلمته. وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: ثقة.
وقال البخاري: حدثنا مسلم قال: حدثنا سعيد بن زيد أبو الحسن صدوق، حافظ.
وقال ابن حجر: صدوق له أوهام.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 287، "التاريخ الكبير" 3/ 472 (1576)، "معرفة الثقات" 1/ 399 (590)، "الضعفاء الكبير" 2/ 105 (574)، "الجرح والتعديل" 4/ 21 (87)، "تهذيب الكمال" 10/ 441 - 444 (2276)، "تقريب التهذيب"(2312).
(3)
تقدمت ترجمته في حديث رقم (5).
(4)
سيأتي قبل حديث (7170) كتاب: الأحكام، باب: الشهادة تكون عند الحاكم.
(5)
في (ج): كناية عن.
ومعنى (إِذَا دخل): إِذَا أراده كما صرح به في رواية سعيد
(1)
، ويبعد أن يراد به ابتداء الدخول، وإن أبداه القشيري احتمالًا
(2)
، فإن كان المحل الذي يقضي فيه الحاجة غير معد لذلك كالصحراء مثلًا، جاز ذكر الله تعالى في ذَلِكَ المكان، وإن كان معدًّا لذلك كالكنف ففي جواز الذكر فيه خلاف للمالكية، فمن كرهه أوَّل الدخولَ بمعنى: الإرادة؛ لأن لفظة (دخل) أقوى في الدلالة عَلَى الكنف المبنية منها عَلَى المكان البراح، أو لأنه قد بين في حديث آخر أن المراد حيث قَالَ صلى الله عليه وسلم:"إن هذه الحشوش محتضرة -أي: للجان والشياطين- فإذا أراد أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث"
(3)
.
ومن أجازه استغنى عن هذا التأويل، وتحمل (دخل) على حقيقتها، وحديث:"إن هذِه الحشوش محتضرة". فيه بيان لمناسبة هذا الدعاء المخصوص لهذا المكان المخصوص.
وقال ابن بطال: المعنى متقارب في قوله: (إِذَا دخل) وفي قوله:
(1)
علقه البخاري بعد حديث (142) في الوضوء، باب: ما يقول إذا دخل الخلاء، ووصله في "الأدب المفرد"(692)، وصححه الألباني في "الإرواء"(51).
(2)
انظر: "إِحكام الأحكام" ص 97.
(3)
رواه أبو داود (6)، وابن ماجه (296)، وأحمد 4/ 369، 373، والنسائي في "الكبرى" 6/ 23 - 24 (9903 - 9906)، وابن خزيمة (69)، والطبراني 5/ 204 - 205 (5099 - 5100)، والحاكم 1/ 187 بإسنادين عن زيد بن أرقم وقال: كلا الإسنادين من شرط الصحيح ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وإنما اتفقا على حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بذكر الاستعاذة فقط، والبيهقي 1/ 96، كلهم عن زيد بن أرقم، قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود": إسناده صحيح على شرط البخاري.
(إِذَا أراد أن يدخل)، ألا ترى قوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [النحل: 98] والمراد: إِذَا أردت أن تقرأ، غير أن الاستعاذة بالله متصلة بالقراءة لا زمان بينهما، وكذا الاستعاذة بالله من الخبث والخبائث لمن أراد الدخول متصلة بالدخول، فلا يمنع من إتمامها في الخلاء مع أن رواية:(إِذَا أتى) أولى من رواية: (إِذَا أراد أن يدخل)؛ لأنها زيادة، فالأخذ بها أولى
(1)
.
قُلْتُ: في هذا نظر بل رواية (إِذَا أراد) مبينة لرواية (إِذَا أتى).
الثالث: (الخلاء) -بفتح الخاء المعجمة وبالمد-: موضع قضاء الحاجة، سمي بذلك لخلائه في غير أوقات قضاء الحاجة، وهو الكنيف، والحش، والمرفق، والمرحاض أيضًا، وأصله: المكان الخالي، ثمَّ كثر استعماله حتَّى تجوز به عن ذلك.
وأما (الخلى) -بالقصر- فهو الحشيش الرطب، والكلام الحسن أيضًا، وقد يكون خلا مستعملًا في باب الاستثناء، فإن كسرت الخاء مع المد فهو: عيب في الإبل كالحران في الخيل، وانتصب الخلاء عَلَى أنه مفعول به لا على الظرف.
الرابع: "اللَّهُمَّ" الأفصح فيه استعماله بالألف واللام كما وقع في الحديث.
و"أعوذ" معناه: أستجير وأعتصم.
و"الخبث" بضم الخاء قطعًا، والباء مضمومة أيضًا، ويجوز الإسكان، وإن غلَّط الخطابي المحدثين
(2)
فيه، فقد حكاه أبو عبيد
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 233 - 234.
(2)
"إصلاح خطأ المحدثين" ص 48 - 49.
القاسم بن سلام (وغيره)
(1)
(2)
، بل نقله القاضي عياض عن الأكثرين
(3)
، لكن لا يسلم لَهُ ذَلِكَ بل الأكثر عَلَى الضم، وهو جمع خبيث.
(والخبائث) جمع خبيثة فكأنه استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم، وفيه أقوال أخر ذكرتها في "شرح العمدة"
(4)
وأغربها أنه استعاذ من البول والغائط، وكأنه استعاذ من ضررهما، ولا يبعد الاستعاذة من الكفر والشياطين، وسائر الأخلاق الخبيثة والأفعال المذمومة، وإنما جاء بلفظ "الخبث" لمجانسة الخبائث.
الخامس: الظاهر أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ؛ إظهارًا للعبودية وتعليمًا للأمة، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم محفوظ من الجن والإنس، وقد ربط عفريتًا عَلَى سارية من سواري المسجد
(5)
.
وفيه: دليل عَلَى مراقبته لربه ومحافظته عَلَى ضبط أوقاته وحالاته واستعاذته عندما ينبغي أن يستعاذ منه، ونطقه بما ينبغي أن ينطق به، وسكوته عندما ينبغي أن يسكت عنده، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان إِذَا خرج من الخلاء قَالَ:"غفرانك"
(6)
(7)
أي: سألت غفرانك عن حالة
(1)
من (س).
(2)
"غريب الحديث" 1/ 311.
(3)
"إكمال المعلم" 2/ 229.
(4)
"الإعلام" 1/ 433 - 434.
(5)
سيأتي برقم (461) كتاب: الصلاة، باب: الأسير أو الغريم يربط في المسجد، وبرقم (1210) كتاب: العمل في الصلاة، باب: ما يجوز من العمل في الصلاة.
وبرقم (3284) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده.
وبرقم (3423) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ} .
وبرقم (4808) كتاب: التفسير، باب: قوله {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} .
(6)
ورد بهامش (س) ما نصه: إشارة إلى حديث عائشة وهو: قول: كنا، وقد صح وذكر الحديث هو في أبي داود وابن ماجه وحسنه الترمذي مع الغرابة، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وهو في "اليوم والليلة" للنسائي.
(7)
رواه أبوداودبرقم (30)، والترمذي برقم (7)، وقال: هذا حديث حسن غريب. =
شغلتني عن ذكرك، فيختم بالذكر كما ابتدأ به.
وآخر شيء أنت أول هجعه
…
وأول شيء أنت عند هبوبي
وزاد أبو حاتم في أول الذكر: باسم الله
(1)
، فيستحب مع التعوذ أيضًا، وصيغة التعوذ: أعوذ بالله. وفي مسلم: "أعوذ بك"
(2)
، وفي حديث بإسناد ضعيف:"اللَّهُمَّ إني أعوذ بك"
(3)
، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جهر بهذِه الاستعاذة.
السادس: هذِه الاستعاذة مجمع عَلَى استحبابها، وسواء فيها البنيان والصحراء؛ لأنه يصير مأوى لهم بخروج الخارج، وقبل مفارقته أيضًا لكن في "البيان" للعمراني من أصحابنا عن الشيخ أبي حامد الإسفراييني أن ذكر الدخول مختص بالبنيان؛ لأن الموضع لم يصر مأوى الشياطين بعد، فلو نسي التعوذ ودخل فذهب ابن عباس وغيره إلى كراهة التعوذ، وأجازه جماعة، منهم ابن عمر، وقد سلف في الباب قبله.
= والنسائي في "الكبرى" 6/ 24 (9907). وابن ماجه برقم (300).
وابن خزيمة في "صحيحه" 1/ 48 (90)، وابن حبان 4/ 291 (1444).
والحاكم 1/ 158، والبيهقي 1/ 97. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(23): صحيح.
(1)
انظر: "علل ابن أبي حاتم" 1/ 63 (167). عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم الخلاء يقول: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث .. " الحديث.
ورواه ابن أبي شيبة 1/ 11 (5). والطبراني في "الدعاء" 2/ 959 (356 - 358).
قال الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" 1/ 195 هذا حديث غريب من هذا الوجه.
(2)
انظر: "صحيح مسلم"(375) كتاب: الحيض، باب: ما يقول إذا أراد دخول الخلاء.
(3)
رواه ابن ماجه (299) وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(59) ضعيف.
وقال ابن بطال: في الحديث جواز ذكر الله عَلَى الخلاء
(1)
؛ وليس كما ذكر إِذَا قلنا: إن المراد بالدخول إرادته. قَالَ: وهذا مما اختلف فيه الآثار، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقبل من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام حتى تيمم بالجدار، واختلف في ذلك أيضًا العلماء، فروي عن ابن عباس أنه كره أن يذكر الله عند الخلاء، وهو قول عطاء ومجاهد والشعبي، وقال عكرمة: لا يذكر الله فيه بلسانه بل بقلبه. وأجاز ذَلِكَ جماعة من العلماء، روى ابن وهب أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يذكر الله في المرحاض.
وقال العرزمي: قُلْتُ للشعبي: أعطس وأنا في الخلاء، أحمد الله؟ قَالَ: لا، حتَّى تخرج. فأتيت النخعي فسألته عن ذَلِكَ فقال لي: احمد الله. فأخبرته بقول الشعبي، فقال النخعي: إن الحمد يصعد ولا يهبط. وهو قول ابن سيرين ومالك. قال ابن بطال: وهذا الحديث حجة لمن أجاز ذَلِكَ.
-قُلْتُ: قَدْ أسلفنا فيه نظرًا- قَالَ: وذكر البخاري في كتاب "خلق أفعال العباد"، عن عطاء: الخاتم فيه ذكر الله لا بأس أن يدخل به الإنسان الكنيف أو يلم بأهله وهو في يده لا بأس به
(2)
، وهو قول الحسن. وذكر وكيع عن سعيد بن المسيب مثله.
قَالَ البخاري: وقال طاوس في المنطقة تكون عَلَى الرجل فيها الدراهم يقضي حاجته: لا بأس بذلك
(3)
. وقال إبراهيم: لا بد للناس من نفقاتهم.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 232.
(2)
"خلق أفعال العباد" ص 143 - 144 (377).
(3)
"خلق أفعال العباد" ص 144 (382).
وأحب بعض التابعين أن لا يدخل الخلاء بالخاتم فيه ذكر الله
(1)
.
قَالَ البخاري: وهذا من غير تحريم يصح
(2)
.
وأما حديث بئر جمل فإنما هو عَلَى الاختيار والأخذ بالاحتياط والفضل؛ لأنه ليس من شرط رد السلام أن يكون عَلَى وضوء، قاله الطحاوي.
وقال الطبري: إن ذَلِكَ منه كان على وجه التأديب للمسلم عليه أن لا يسلم بعضهم عَلَى بعض على الحدث وذلك نظير نهيه، وهم كذلك أن يحدث بعضهم بعضًا لقوله:"لا يتحدث المتغوطان عَلَى طوفهما -يعني: حاجتهما- فإن الله يمقت عَلَى ذَلِكَ"
(3)
.
وروى أبو عبيدة الناجي، عن الحسن، عن البراء أنه سلم عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه شيئًا حتَّى فرغ
(4)
.
(1)
"خلق أفعال العباد" ص 144 (383).
(2)
انظر: "خلق أفعال العباد" ص 144 (383)، "شرح ابن بطال" 1/ 232 - 234.
(3)
رواه أبو داود (15). وابن ماجه (342). وأحمد 3/ 36، والنسائي في "الكبرى" 1/ 70 (32 - 33)، وابن خزيمة 1/ 39 (71)، وقال الألباني:"ضعيف ابن ماجه"(76) ضعيف.
(4)
رواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 353 (7706) وقال: لا يروى هذا الحديث عن البراء إلا بهذا الإسناد، تفرد به زيد بن الحباب.
وذكره الهيثمي في "المجمع" 1/ 276 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه من لم أعرفه.
10 - باب وَضعِ المَاءِ عِنْدَ الخَلَاءِ
143 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ محمد قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بنِ أَبى يَزِيدَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -دخَلَ الَخلَاءَ، فَوَضَعتُ لَهُ وَضُوءًا، قَالَ:"مَنْ وَضَعَ هذا؟ ". فَأُخْبِرَ، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ". [انظر: 75 - مسلم: 2477 - فتح: 1/ 244]
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنَا هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ ثنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الخَلَاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا؛ قَالَ:"مَنْ وَضَعَ هذا؟ ". فَأُخْبِرَ، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها: في التعريف برجاله:
وقد سلف التعريف بابن عباس، وهذا من الأحاديث التي صرح فيها بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و (عبيد الله)(ع) بن أبي يزيد مكي من الموالي تابعي روى عن ابن عباس وجماعة، وعنه شعبة وجماعة، مات سنة ست وعشرين ومائة عن ست وثمانين سنة
(1)
.
و (ورقاء) هو ابن عمر اليشكري أبو عمرو، روى عن عبيد الله هذا وغيره، وعنه الفريابي ويحيى بن آدم، صدوق صالح، وليس في الكتب الستة ورقاء غيره، وكذا ليس في الستة عبيد الله بن أبي يزيد غير الأول،
(1)
مولى آل قارظ بن شيبة الكناني.
قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: ثقة. وكذلك قال علي بن المديني، والعجلي وأبو زرعة والنسائي، ومحمد بن سعد وزاد: كثير الحديث. انظر: "الطبقات الكبرى" 5/ 481، "التاريخ الكبير" 5/ 403 (3697)، "تهذيب الكمال" 19/ 178 (3667)"سير أعلام النبلاء" 5/ 242 (104).
نعم، في النسائي عبيد الله بن يزيد الطائفي، عن ابن عباس أيضًا. وعنه سعيد بن السائب وغيره، وثق
(1)
.
وأما هاشم (ع) بن القاسم فهو أبو النضر، ولقبه قيصر، الحافظ الثقة.
روى عن عكرمة وغيره، وعنه أحمد والحارث بن أبي أسامة، وهو صاحب سنة، يفتخر به أهل بغداد، مات سنة سبع ومائتين عن ثلاث وسبعين سنة، وليس في الستة هاشم بن القاسم سواه
(2)
، وفي ابن ماجه وحده هاشم بن القاسم الحرانى شيخه
(3)
، ولا ثالث فيهما سواهما.
(1)
ورقاء بن عمر بن كليب، أبو بشر اليشكري وقيل: الشيباني.
قال أبو داود: قال لي شعبة: عليك بورقاء فإنك لا تلقى بعده مثله حتى ترجع، فقيل لأبي داود: ما يعني بقوله؟ قال: أفضل وأورع وخير منه. وقال أبو حاتم: الرازي صالح.
قال ابن حجر: لم يخرج له الشيخان من روايته عن منصور بن المعتمر شيئا، وهو محتج به عند الجميع.
انظر: "تاريخ بغداد" 13/ 515 (7336)، "تهذيب الكمال" 30/ 433 (6684)، "سير أعلام النبلاء" 7/ 419 (157)، "إكمال تهذيب الكمال" 12/ 212 (5018)، "مقدمة فتح الباري" ص 444.
(2)
هاشم بن القاسم، أبو النضر الليثي البغدادي، خراساني الأصل.
قال الحارث: كان أحمد بن حنبل يقول: أبو النضر شيخنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. قاك عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين: ثقة. وقال العجلي: أبو النضر من الأبناء ثقة. وقال ابن حجر: ثقة ثبت.
انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 335، "التاريخ الكبير" 8/ 235 (6540)، "تهذيب الكمال" 30/ 130 - 135 (6540)، "سير أعلام النبلاء" 9/ 545 - 549 (213)، "تقريب التهذيب"(7256).
(3)
هاشم بن القاسم بن شيبة بن إسماعيل بن شيبة القرشي أبو محمد الحراني، مولى قريش.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كتب إليّ وإلى أبي ببعض حديثه، محله الصدق.
وقال ابن حجر: صدوق تغير، سمع من يعلى بن الأشدق ذاك المتروك الذي ادعى =
وعبد الله بن محمد هو المسندي ج سلف في باب: أمور الإيمان
(1)
.
فائدة:
هذا الإسناد كله عَلَى شرط الستة
(2)
؛ خلا شيخ البخاري فإنه من له ورجال الترمذي فقط.
= أنه لقى الصحابة.
انظر: "الثقات" 9/ 342، "تهذيب الكمال" 30/ 129 (6539)، "الكاشف" 2/ 332 (5930)، "تقريب التهذيب" ص 570 (7255).
(1)
جاء سنده في باب: أمور الإيمان حديث رقم (9).
(2)
شروط الأئمة الستة:
1 -
شرط البخاري ومسلم:
أ- أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلات بين الثقات الأثبات.
ب- ويكون إسناده متصلًا غير مقطوع.
ج- فإن كان للصحابي راويان فصاعدًا فحسنٌ وإن لم يكن له إلا راوٍ واحد إذا صح الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه.
د- إلا أن مسلمًا أخرج أحاديث أقوام ترك البخاري حديثهم لشبهة وقعت في نفسه، أخرج مسلم أحاديثهم بإزالة الشبهة مثل حماد بن سلمة وسهيل بن أبي صالح وداود بن أبي هند وأبي الزبير والعلاء بن عبد الرحمن وغيرهم.
فلما تكُلم في هؤلاء بما لا يزيل العدالة والثقة ترك البخاري إخراج حديثهم معتمدًا عليهم تخريجًا وأخرج مسلم أحاديثهم بجزالة.
2 -
وأما أبو داود فمن بعده فإن كتبهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: صحيح وهو الجنس المخرج في هذين الكتابين للبخاري ومسلم.
القسم الثاني: صحيح على شرطهم؛ حكى أبو عبد الله بن منده أن شرط أبي داود والنسائي إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال، ويكون هذا القسم من الصحيح.
القسم الثالث: أحاديث أخرجوها للضدية في الباب المتقدم وأوردوها =
الوجه الثاني:
الخلاء ممدود كما سلف في الباب قبله.
و (الوضوء) بفتح الواو كما سلف أول الوضوء.
الثالث: في فوائده:
الأولى: جواز الاستنجاء بالماء، فإن من المعلوم أن وضع الماء عند الخلاء إنما هو للاستنجاء به عند الحدث، وهو راد عَلَى من أنكر الاستنجاء به، وقال: إنما ذَلِكَ وضوء النساء، وقال: إنما كانوا يتمسحون بالحجارة. ونقل ابن التين في "شرحه" عن مالك أنه صلى الله عليه وسلم لم يستنج عمره بالماء. وهو عجيب منه.
وقد عقد البخاري قريبًا بابًا للاستنجاء به، وذكر فيه أنه صلى الله عليه وسلم استنجى به، وسنوضح الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى
(1)
، وفي "صحيح ابن حبان" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من غائط قط إلا مس ماءً
(2)
.
وفي "جامع الترمذي" من حديثها أيضًا أنها قالت: مرن أزواجكن
= لا قطعًا منهم بصحتها وربما أبان المخرج لها عن علتها بما يفهمه أهل المعرفة.
3 -
وأمَّا أبو عيسى الترمذي فكتابه وحده على أربعة أقسام:
1 -
قسم صحيح مقطوع به وهو ما وافق فيه البخاري ومسلمًا.
2 -
وقسم على شرط الثلاثة دونهما؛ يقصد أبا داود والنسائي وابن ماجه.
3 -
قسم أخرجه للضدية وأبان عن علته ولم يغفله.
4 -
وقسم رابع أبان هو عنه؛ فقال: ما أخرجت في كتابي إلا حديثًا قد عمل به بعض الفقهاء. اهـ. انظر "شروط الأئمة الستة" للسلفي ص 10 - 13.
(1)
سيأتي برقم (150)، باب: الاستنجاء بالماء.
(2)
"صحيح ابن حبان" 4/ 288 - 289 (1441).
أن يغتسلوا إثر الغائط والبول، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله
(1)
. ثم قَالَ: هذا حديث حسن صحيح.
وفي "صحيح ابن حبان" أيضًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى حاجته
(2)
، ثمَّ استنجى من تور.
وفي كتاب ابن بطال أن مالكًا روى في "موطئه" عن عمر: أنه كان يتوضأ بالماء وضوءًا لما تحت إزاره. قَالَ مالك: يريد الاستنجاء بالماء
(3)
.
الثانية: خدمة العالم ومراعاته حتَّى حال دخوله الخلاء والتقرب بخدمته.
الثالثة: الدعاء مكافأة لمن منه إحسان أو معروف، فإنه صلى الله عليه وسلم سر بابن عباس بتنبهه إلى ذَلِكَ. وقال الداودي: فيه دلالة عَلَى أنه ربما لا يستنجي عندما يأتي الخلاء؛ لئلا يكون ذَلِكَ سنة، لأنه لم يأمر بوضع الماء، قد اتبعه عمر بالماء فقال:"لو استنجيت كلما أتيت الخلاء لكان سنة"
(4)
وفيما ذكره نظر، وما استشهد به حديث ضعيف
(5)
.
(1)
"سنن الترمذي"(19).
وأحمد 6/ 95، والنسائي في "الكبرى" 1/ 73. وقال الألباني في "صحيح الترمذي": صحيح.
(2)
"صحيح ابن حبان" 4/ 251 (1405). ورواه أبو داود (45). وابن ماجه (358).
وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 77 (35): حسن.
(3)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 242، وانظر:"موطأ مالك" 1/ 22 (47).
(4)
لم أقف عليه.
(5)
ورد بهامش (س) ما نصه: آخر الجزء الخامس من الجزء الثاني من تجزئة المصنف.
11 - باب لَا تُسْتَقْبَلُ القِبْلَهُ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ إِلَّا عِنْدَ البِنَاءِ جِدَارٍ أَوْ نَحْوِهِ
144 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أَبي ذِئبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلَا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا". [394 - مسلم: 264 - فتح: 1/ 245]
حَدَّثنَا آدَمُ ثنَا ابن أَبِي ذِئْبٍ ثنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلَا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها: في التعريف برواته.
أما أبو أيوب فهو خالد (ع) بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم الأنصاري النجاري، شهد بدرًا والمشاهد، والعقبة الثانية، وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة شهرًا، وهو من نجباء الصحابة، له مائة وخمسون حديثًا، اتفقا منها عَلَى سبعة.
وانفرد البخاري بحديث: وفد عَلَيَّ ابن عباس البصرة فقال: إني أخرج عن مسكني كما خرجت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه ما أغلق عليه، ولما قفل أعطاه عشرين ألفًا وأربعين عبدًا
(1)
، ومناقبه جمة.
ولما مرض قَالَ: احملوني فإذا صففتم العدو فارموني تحت
(1)
رواه الطبراني 4/ 125 (3876)، والحاكم 3/ 461 - 462، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وذكره الهيثمي في "المجمع" 9/ 323، وقال: رجال الإسناد رجال الصحيح إلا أن حبيب بن ثابت لم يسمع من أبي أيوب.
أرجلكم
(1)
؛ فقبره مع سور القسطنطينة يتبرك به ويستشفي
(2)
. مات سنة
(1)
رواه ابن سعد 3/ 484 - 485، وابن أبي شيبة 4/ 222، والطبراني 4/ 118 (3847).
(2)
قلت: هذا الكلام مردود شرعًا عند أهل السنة والجماعة؛ لأنه من البدع الدخيلة على دين الله، فإن زيارة القبور بنية التبرك هي زيارة بدعية شركية.
قال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" ص 400 - 401: غلب في عرف كثير من الناس استعمال لفظ: (زرنا) في زيارة قبور الأنبياء والصالحين على استعمال لفظ زيارة القبور في الزيارة البدعية الشركية لا في الزيارة الشرعية. ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبر مخصوص، ولا روى في ذلك شيئًا، لا أهل الصحيح ولا السنن، ولا الأئمة المصنفون في المسند كالإمام أحمد وغيره، وإنما روى ذلك من جمع الموضوع وغيره. وأجل حديث روي في ذلك ما رواه الدارقطني، وهو ضعيف باتفاق أهل العلم بالأحاديث المروية في زيارة قبره، كقوله:"من زارني، وزار أبي إبراهيم الخليل في عام واحد ضمنت له على الله الجنة". و: "من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي". و: "من حج ولم يزرني فقد جفاني" ونحو هذِه الأحاديث؛ كلها مكذوبة موضوعة لكن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور مطلقًا، بعد أن كان قد نهى عنها، كما ثبت عنه في "الصحيح" أنه قال:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"، وفي "الصحيح" عنه أنه قال:"استأذنت ربي في أن استغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنت في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة" فهذِه زيارة لأجل تذكرة الآخرة. ولهذا يجوز زيارة قبر الكافر لأجل ذلك. اهـ.
وزاد رحمه الله في "مجموع الفتاوى" 11/ 115: فمن ظن أن الميت يدفع عن الحي مع كون الحي عاملًا بمعصية الله فهو غالط؛ وكذلك إذا ظن أن بركة الشخص تعود على من أشرك به وخرج عن طاعة الله ورسوله، مثل أن يظن أن بركة السجود لغيره، وتقبيل الأرض عنده، ونحو ذلك يحصل له السعادة، وإن لم يعمل بطاعة الله ورسوله؛ وكذلك إذا اعتقد أن ذلك الشخص يشفع له، ويدخله الجنة بمجرد محبته، وانتسابه إليه، فهذِه الأمور ونحوها مما فيه مخالفة الكتاب والسنة، فهو من أحوال المشركين، وأهل البدع. باطل لا يجوز اعتقاده ولا اعتماده. والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.
هذا في حق التبرك بقبور الأنبياء والصالحين. أما عن الاستشفاء الذي ذكره =
خمسين، وقيل: إحدى وخمسين، وقيل غير ذَلِكَ
(1)
.
فائدة: أبو أيوب في الصحابة ثلاثة: هذا أجلهم، وثانيهم: يماني له رواية
(2)
، وثالثهم: روى عن علي بن مسهر، عن الأوزاعي، عن أبيه، عن أبي أيوب فلعله الأول
(3)
.
ثانية: (أيوب) يشتبه بأثوب -بالمثلثة- بن عتبة صحابي، ذكره ابن قانع والمديني
(4)
. والحارث بن أثوب تابعي كذا قاله عبد الغني، والصواب: ثوب بوزن صوغ، وأثوب بن أزهر زوج قيلة بنت مخرمة الصحابية
(5)
.
= المصنف غفر الله له فهذا شرك أكبر. قال في "فتح المجيد" ص 196 - 197: الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق، فيما لا يقدر عليه إلا الله، كالاستغاثة والاستعانة بالأموات، والاستغاثة بالأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء المرضى وتفريج الكربات ودفع الضر، فهذا النوع غير جائز، وهو شرك أكبر، وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله"، وكره صلى الله عليه وسلم أن يستعمل هذا اللفظ في حقه، وإن كان مما يقدر عليه في حياته، حماية لجناب التوحيد وسدًّا لذرائع الشرك، وأدبًا وتواضعًا لربه، وتحذيزًا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال؛ فإذا كان هذا فيما يقدر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فكيف يستغاث به بعد مماته، وتطلب منه أمور لا يقدر عليها إلا الله، وإذا كان هذا لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم فغيره من باب أولى.
(1)
انظر ترجمته: في "معرفة الصحابة" 2/ 933 - 938 (799)، "الاستيعاب" 2/ 9 - 11 (618)، "أسد الغابة" 2/ 94 - 96 (1361)، و"الإصابة" 1/ 405 (2163).
(2)
كذا في الأصل وها (اليماني) وما في المصادر أبو أيوب (اليمامي). "أسد الغابة" 6/ 26 (7868)، "الإنابة" 2/ 262 (1135)، و"الإصابة" 4/ 12 (78).
(3)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة" 6/ 26 (5709).
(4)
"معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 59 (55).
(5)
انظر: "الإكمال" 1/ 117، "تهذيب مستمر الأوهام" ص 83.
وأما (عطاء) فهو أبو يزيد عطاء (ع) بن يزيد الليثي ثمَّ الجندعي المديني ويقال: الشامي التابعي، سمع أبا أيوب وغيره. وعنه الزهري وغيره، مات سنة سبع، وقيل: خمس ومائة عن اثنتين وثمانين سنة
(1)
.
وأما (الزهري) فهو الإمام محمد بن مسلم، سلف قريبًا.
وأما (ابن أبي ذئب) فهو أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام المدني العامري، روى عن نافع وخلق. وعنه ابن المبارك وخلق، وكان كبير الشأن. ولد سنة ثمانين، ومات بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة
(2)
.
وأما (آدم) فقد سلف.
فائدة:
[هذا الإسناد على شرط الستة إلا الأخير فإنه من رجال البخاري وباقي السنن خلا أبي داود.
فائدة ثانية]
(3)
:
هذا الإسناد كلهم مدنيون، وقد دخل (آدم) إليها أيضًا.
(1)
هو أبو محمد. قال علي بن المديني: سكن الرملة، وكان ثقة. وقال النسائي: عطاء بن يزيد، أبو زيد شامي ثقة وقال العجلي: مدني تابعي ثقة. انظر: "التاريخ الكبير" 6/ 459 (299)، "معرفة الثقات" 2/ 138 (1244)، "الجرح والتعديل" 6/ 338 (1866)، "الثقات" 5/ 200، "تهذيب الكمال" 20/ 123 (3945).
(2)
محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة. ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة وقال: كان ثقة قليل الحديث. وقال النسائي: ثقة.
انظر: "الطبقات" 5/ 209، "التاريخ الكبير" 1/ 145 (436)، "الجرح والتعديل" 7/ 313 (1699)، "تهذيب الكمال" 25/ 598 (5394)، "الكاشف" 2/ 194 (5001).
(3)
ما بين المعقوفين سقط من (ج).
الوجه الثاني:
الحديث ليس مطابقًا لما بوب له، بل راويه فهم عموم النهي في الصحراء والبنيان، فإنه قَالَ: قدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو القبلة فننحرف عنها، ونستغفر الله عز وجل. ذكره في باب: قبلة أهل المدينة
(1)
كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
لا جرم تعقبه الإسماعيلي فقال: ليس في الحديث الذي أورده دلالة عَلَى الاستثناء الذي ذكره، إلا أن يريد أن في نفس الخبر الذهاب إلى الغائط، وذلك في التبرز في الصحراء.
وأجاب ابن بطال عن ذَلِكَ فقال: هذا الاستثناء ليس مأخوذًا من الحديث ولكن لما علم في حديث ابن عمر استثناء البيوت بوب عليه؛ لأن حديثه صلى الله عليه وسلم كله كأنه شيء واحد، وإن اختلف طرقه، كما أن القرآن كله كالآية الواحدة وإن كثر. وتبعه ابن التين في "شرحه" وزاد: فإن البخاري عقبه به، وهو جواب حسن
(2)
.
الوجه الثالث:
(الغائط): المكان المطمئن من الأرض كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة، ثمَّ استعمل للخارج وغلب عَلَى الحقيقة الوضعية فصار حقيقة عرفية، لكن لا يقصد به إلا الخارج من الدبر فقط لتفرقته في الحديث الآخر بينهما في قوله: "لغائط (أو)
(3)
بول"
(4)
، وقد يقصد به ما يخرج من القبل أيضًا، فإن الحكم عام.
(1)
سيأتي برقم (394) كتاب: الصلاة.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 236.
(3)
في الأصل: (ولا)، والمثبت من (ج).
(4)
رواه مسلم (262) كتاب: الطهارة، باب: الاستطابة.
الوجه الرابع: في أحكامه:
وهو دال عَلَى المنع من استقبال القبلة واستدبارها.
وحاصل ما للعلماء في ذَلِكَ أربعة مذاهب:
أحدها: المنع المطلق في البنيان والصحراء، وهو قول أبي أيوب الأنصاري راوي الحديث وجماعة منهم: أحمد في رواية، وحكاه ابن التين في "شرحه" عن أبي حنيفة، وهؤلاء حملوا النهي عَلَى العموم، وجعلوا العلة فيه التعظيم والاحترام للقبلة، فإن موضعها الصلاة والدعاء ونحوهما من أمور البر والخير، وهو معنى مناسب ورد النهي عَلَى وفقه فيكون علة له
(1)
.
وقد روي: في حديث ضعيف التعليل به، فلا فرق فيه بين البنيان والصحراء، ولو كان الحائل كافيًا في جوازه في البنيان لكان في الصحراء من الجبال والأودية ما هو أكفي، وورد من قول الشعبي أنه علل ذَلِكَ بأن لله خلقًا من عباده يصلون في الصحراء فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم وينبني عَلَى العلتين ما إِذَا كان بالصحراء وتستَّر بشيء.
المذهب الثاني: أنهما جائزان مطلقًا، وهو قول عروة بن الزبير، وربيعة الرأي، وداود
(2)
. ورأى هؤلاء أن حديث أبي أيوب منسوخ، وزعموا أن ناسخه حديث مجاهد، عن جابر. نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة أو نستدبرها ببول، ثمَّ رأيته قبل أن يقبض بعام
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 70، "عيون المجالس" 1/ 125، "المغني" 1/ 220 - 221.
(2)
انظر: "المحلى" 1/ 194، "عيون المجالس" 1/ 126.
يستقبلها
(1)
، حسنه الترمذي مع الغرابة، وصححه البخاري وغيره،
واستدلالهم بالنسخ ضعيف
(2)
؛ لأنه لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع
(1)
رواه أبوداود (13)، والترمذي (9)، وابن ماجه (325) قال الترمذي: حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب. وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(9).
(2)
قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله في "مختصر سنن أبي داود" 1/ 22 - 23 بعد قول الحافظ زكي الدين: (وقال الترمذي: حديث غريب): وقال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: حديث صحيح. وقد أعل ابن حزم حديث جابر بأنه عن أبان بن صالح، وهو مجهول، ولا يحتج برواية مجهول. قال ابن مفوز: أبان بن صالح مشهور ثقة صاحب حديث. وهو أبان بن صالح بن عمير، أبو محمد القرشي، مولى لهم، المكي، روى عنه ابن جريج، وابن عجلان، وابن إسحاق، وعبيد الله بن أبي جعفر، استشهد بروايته البخاري في "صحيحه" عن مجاهد والحسن بن مسلم وعطاء، وثقه يحيى بن معين، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان والنسائي. وأما الحديث فإنه أنفرد به محمد بن إسحاق، وليس هو ممن يحتج به في الأحكام، فكيف أن يعارض بحديثه الأحاديث الصحاح، أو ينسخ به السنن الثابتة مع أن التأويل في حديثه ممكن، والمخرج منه معرض. تم كلامه. وهو -لو صح- حكاية فعل لا عموم لها، ولا يعلم هل كان في فضاء أو بنيان؟ وهل كان لعذر: من ضيق مكان ونحوه، أو اختيارًا؟ فكيف يقدم على النصوص الصحيحة الصريحة بالمنع؟
فإن قيل: فهب أن هذا الحديث معلول، فما يقولون في حديث عراك عن عائشة: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسًا يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو قد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدتي القبلة؟ ".
فالجواب: أن هذا حديث لا يصح، وإنما هو موقوف على عائشة. حكاه الترمذي في كتاب:"العلل" عن البخاري. وقال بعض الحفاظ: هذا حديث لا يصح، وله علة لا يدركها إلا المعتنون بالصناعة، المعانون عليها. وذلك أن خالد بن أبي الصلت لم يحفظ متنه، ولا أقام إسناده. خالفه فيه الثقة الثبت صاحب عراك بن مالك المختص به، الضابط لحديثه: جعفر بن ربيعة الفقيه، فرواه عن عراك عن عروة عن عائشة، أنها كانت تنكر ذلك. فبين أن الحديث لعراك عن عروة، ولم =
وهو ممكن كما ستعلمه.
المذهب الثالث: أنه لا يجوز الاستقبال فيهما، ويجوز الاستدبار فيهما، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، ويرده حديث أبي أيوب هذا
(1)
.
الرابع: وهو قول الجمهور، وبه قَالَ مالك والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء دون البنيان، وهو مروي عن العباس وابن عمر
(2)
، ورأى هؤلاء الجمع بين الأحاديث ورد النسخ، إذ لا يصار إليه إلا بالتصريح به أو بمعرفة تاريخه، والجمع ولو من وجه أولى إذ في تركه إلغاء للبعض، واستدلوا بحديث ابن عمر الآتي عَلَى الأثر وبأحاديث أخر، ولما في المنع في البنيان من المشقة والتكلف لترك القبلة بخلاف الصحراء، ويتعلق بالمسألة فروع محل الخوض فيها كتب الفروع وقد
= يرفعه، ولا يجاوز به عائشة. وجعفر بن ربيعة هو الحجة في عراك بن مالك. مع صحة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهرتها بخلاف ذلك. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب "المراسيل" عن الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله، وذكر حديث خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فقال: مرسل. فقلت له: عراك بن مالك قال: سمعت عائشة؟ فأنكره وقال: عراك بن مالك من أين سمع عائشة؟ ماله ولعائشة؟ إنما يرويه عن عروة، هذا خطأ، قال لي: من روى هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، قال: رواه غير واحد عن خالد الحذاء، وليس فيه: سمعت، وقال غير واحد أيضًا عن حماد بن سلمة، ليس فيه: سمعت.
فإن قيل: قد روى مسلم في "صحيحه" حديثًا عن عراك عن عائشة، قيل:
الجواب: أن أحمد وغيره خالفه في ذلك، وبينوا أنه لم يسمع منها.
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 70.
(2)
انظر: "المحلى" 1/ 194، "عيون المجالس" 126/ 1.
بسطناها فيها، فلا حاجة إلى التطويل بها؛ لئلا نخرج عن موضوع الشرح.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "شرقوا أو غربوا" هو خطاب لأهل المدينة ومن في معناهم كأهل الشام واليمن وغيرهم ممن قبلته عَلَى هذا السمت، فأما من كانت قبلته من جهة المشرق أو المغرب، فإنه يتيامن أو يتشأم.
قَالَ الداودي: واحتج قوم في أمر القبلة بهذا الحديث وقالوا: إن ما بين المشرق والمغرب مما يحاذي الكعبة أنه يصلي (إليه)
(1)
من جهتين ولا يشرق ولا يغرب، وقد أسلفنا أن الحديث ليس مطلقًا بل محمول عَلَى قوم، واستنبط ابن التين من الحديث منع استقبال النيرين في حالة الغائط والبول وقال: إن الحديث يدل له. وكأنه قاسه عَلَى استقبال القبلة وليس الإلحاق بظاهر.
(1)
في (ج): إليها.
12 - باب مَنْ تَبَرَّزَ عَلَى لَبِنَتَين
145 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يحيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ غمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ، فَلَا تَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ الَمقْدِسِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَقَدِ ارْتَقَيتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الَمقْدِسِ لَحِاجَتِهِ. وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ. فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي والله. قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي الذِي يُصَلِّي وَلَا يَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ، يَسْجدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالأَرْضِ. [148، 149، 3102 - مسلم 266 - فتح: 246/ 1]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أنا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَي بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ، فَلَا تَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ المَقْدِسِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَقَدِ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ المَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ. وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ (القوم)
(1)
الذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ. فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي والله. قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي الذِي يُصَلِّي وَلَا يَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ، يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالأَرْضِ.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: في التعريف برواته غير من سلف.
أما واسع (ع) فهو ابن حبَّان -بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة- الأنصاري النجاري المازني الثقة، والد حبان بن واسع بن حبان. روى عن ابن عمر وغيره، وعنه ابنه حبان، وابن أخيه محمد بن
(1)
فوقها في الأصل علامة أنها نسخة.
يحيى بن حبان، وحَبَّان نسبة لعدة أسماء ذكرتهم في مقدمات هذا الشرح
(1)
.
وأما الراوي عنه فهو أبو عبد الله المازني الفقيه الثقة محمد (ع) بن يحيى بن حبان، كان صاحب حلقة بالمدينة، روى عن أبيه، وعمه واسع، وأنس، وعنه الزهري وربيعة، ومالك، مات سنة إحدى وعشرين ومائة
(2)
. وباقي الإسناد سلف.
فائدة:
هذا الإسناد كله عَلَى شرط الشيخين وباقي الستة إلا عبد الله بن يوسف فإنه من رجال البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي، وكلهم مدنيون سواه، فإنه مصري تنيسي بكسر المثناة فوق.
وفي هذا الإسناد طرفة أخرى وهي رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض: يحيى بن سعيد، ومحمد بن يحيى، وواسع بن حبان.
(1)
واسع بن حبان بن منقذ بن عمرو بن مالك.
قال عنه أبو زرعة: مدني ثقة. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات"، وقال العجلي: ثقة، وكذا قال: الذهبي.
انظر: "التاريخ الكبير" 8/ 190 (2655)، "معرفة الثقات" 338/ 2 (1925)، "تهذيب الكمال" 30/ 396 (6660)، "الكاشف" 2/ 346 (6026).
(2)
محمد بن يحيى بن حبان أبو عبد الله المازني الفقية.
قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، وأبو حاتم والنسائي: ثقة. ذكره ابن حبان في كتاب "الثقات"، وقال الواقدي: كانت له حلقة في مسجد الرسول، وكان يفتي وكان ثقة، كثير الحديث.
انظر: "التاريخ الكبير" 1/ 265 (848)، "الجرح والتعديل" 8/ 122 (549)، "الثقات" 5/ 376، "تهذيب الكمال" 26/ 605 (5681)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 186 (66).
الوجه الثاني:
هذا الاطلاع من ابن عمر رضي الله عنهما لم يكن تجسسًا وإنما كان اتفاقيًّا من غير قصد، ولم ير إلا أعاليه فقط، ويحتمل كما أبداه القاضي أن يكون عن قصد التعلم مع أمنه من الاطلاع عَلَى ما لا يجوز الاطلاع عليه
(1)
، لكن قد يبعده رواية البخاري الآتية قريبًا: ارتقيت فوق بيت حفصة لبعض حاجتي
(2)
. ويجمع بين قوله: (بيت لنا) و (بيت حفصة) بأن بيت حفصة بيته، أو بأنه كان لها بيت في بيت عمر يعرف بها أو صار إليها بعد.
الثالث:
قوله: (فرأيته عَلَى لَبِنَتَيْنِ): يحتمل كما قَالَ القاضي أن يكونا مبنيتين فيكون حجة لمن قَالَ: إنه لا يكلف الانحراف في الكنف المبنية إلى القبلة، خلافًا لما ذهب إليه أبو أيوب كما سلف في الحديث قبله. وفي رواية صحيحة لابن حزم: رأيته يقضي حاجته محجر عليه باللبن
(3)
.
وفي رواية للبزار: رأيته في كنيف مستقبل القبلة. ثم قَالَ: لا نعلم رواها عن نافع إلا عيسى الحناط
(4)
، وهو ضعيف
(5)
.
(1)
انظر: "إكمال المعلم" 2/ 73.
(2)
سيأتي برقم (148) كتاب: الوضوء، باب: التبرز في البيوت.
(3)
"المحلي" 1/ 195.
(4)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: عيسى حناط وخيَّاط وصباغ الخَبَط.
(5)
"مسند البزار" 12/ 208 (5893)، ورواه ابن ماجه (323) قال الحافظ البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 47: إسناده ضعيف لضعف عيسى الحناط. وقال الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه"(67) ضعيف جدًّا.
الرابع:
قوله: (فرأيته مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ المَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ) كذا هنا، وسيأتي قريبًا مستقبل الشام مستدبر القبلة
(1)
. ووقع في "صحيح ابن حبان": مستقبل القبلة مستدبر الشام؛ وكأنه. مقلوب
(2)
.
الخامس:
اختلف العلماء في كيفية العمل بهذا الحديث، فمنهم من رأه ناسخًا لحديث أبي أيوب السالف
(3)
، واعتقد الإباحة مطلقًا، وقاس الاستقبال عَلَى الاستدبار، وطرح حكم تخصيصه بالبنيان، ورأى أنه وصف مُلْغَى الاعتبار فيه، ومنهم من رأى العمل بحديث أبي أيوب وما في معناه واعتقد هذا خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ومنهم من جمع بينهما وأعملهما كما سلف في الحديث قبله، ومنهم من توقف في المسألة، ولمن خصه بالشارع أن يستدل بأن نظر ابن عمر كان اتفاقيًّا كما سلف، وكذا جلوسه صلى الله عليه وسلم من غير (قصد)
(4)
لبيان حكم؛ لأنه لو كان ذَلِكَ حكمًا عامًّا لبينه بالقول كغيره من الأحكام، فلما لم يقع ذَلِكَ دل عَلَى الخصوص، وفيه بحث.
السادس:
يؤخذ منه تتبع أحواله كلها صلى الله عليه وسلم ونقلها، وأنها كلها أحكام شرعية.
(1)
سيأتي برقم (148) كتاب: الوضوء، باب: التبرز في البيوت.
(2)
"صحبح ابن حبان" 4/ 266 - 267 (1418).
(3)
سلف برقم (144) باب: لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء، جدار ..
(4)
بياض في (س)، والمثبت من (ج).
السابع:
جواز استقبال القبلة في البنيان وأنه (مخصص)
(1)
لعموم النهي وقد سلف
(2)
.
الثامن:
استعمال الكناية بالحاجة عن البول والغائط، وجواز الإخبار عن مثل ذَلِكَ للاقتداء والعمل.
التاسع:
من استقبل بيت المقدس، وهو بالمدينة فقد استدبر الكعبة، وقد أسلفنا أنه جاء في رواية أخرى: مستقبل الشام مستدبر القبلة.
قَالَ الخطابي: وقد يتوهم السامع من قول ابن عمر: (أن ناسًا يقولون .. إلى آخره) أنه يريد إنكار ما روي في النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة نسخًا لما حكاه من رؤيته صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر القبلة وليس الأمر في ذَلِكَ عَلَى ما يتوهم؛ لأن المشهور من مذهبه أنه لا يجوز الاستقبال والاستدبار في الصحراء ويجيزهما في البنيان، وإنما أنكر قول من يزعم أن الاستقبال في البنيان غير جائز، ولذلك مثل بما شاهد من قعوده في الأبنية، ويشبه أن يكون بلغه قول أبي أيوب، فإنه كان يرى عموم النهي كما سلف، وإليه كان مذهب سفيان الثوري
(3)
.
(1)
بياض في (س)، والمثبت من (ج).
(2)
سلف برقم (144).
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 241.
العاشر:
جاء في "مسند الإمام أحمد"، و"سنن أبي داود"، وابن ماجه من حديث معقل بن أبي معقل الأسدي رضي الله عنه قَالَ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستقبل القبلتين ببول أو غائط
(1)
. سكت عليه أبو داود وضعفه ابن حزم، وأجاب أصحابنا عنه بجوابين:
(أحدهما)
(2)
: أنه نهى عن استقبال بيت المقدس حين كان قبلة ثم نهى عن الكعبة حين صارت قبلة فجمع الراوي بينهما.
(وثانيهما)
(3)
: أنه المراد بالنهي أهل المدينة؛ لأن من استقبل بيت المقدس وهو في المدينة استدبر الكعبة وإن استدبره استقبلها، والمراد بالنهي عن استقبالها النهي عن استقبال الكعبة واستدبارها، وفي كل من التأويلين نظر كما نبه عليه النووي في "شرح المهذب".
والظاهر المختار أن النهي وقع في وقت واحد، وأنه عام لكلتيهما في كل مكان، ولكنه في الكعبة نهي تحريم في بعض الأحوال، وفي بيت المقدس نهي تنزيه، ولا يمتنع جمعهما في النهي وإن اختلف معناه، وسبب النهي عن بيت المقدس كونه كان قبلة فبقيت له حرمة دون حرمة الكعبة، وقد اختار الخطابي هذا التأويل
(4)
، وقد صرح أصحابنا بعدم الحرمة وأنه يكره، لهذا قَالَ: وإنما حملنا النهي على التنزيه للإجماع فلا نعلم من يُعَتدُّ به حرَّمه.
(1)
"سنن أبي داود"(10)، "سنن ابن ماجه"(319)، "مسند أحمد" 4/ 210.
وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" 9/ 11 (2): منكر، وأبو زيد ليس بالمعروف، وقال في "ضعيف ابن ماجه" (66): ضعيف.
(2)
من (س).
(3)
من (س).
(4)
انظر: "المجموع" 2/ 95.
قُلْتُ: قد حكى ابن أبي الدم
(1)
الشافعي وجهًا أن النهي للتحريم، فأين الإجماع؟
وقال ابن بطال: لم يقل بحديث معقل السالف أحد من الفقهاء إلا النخعي وابن سيرين ومجاهد، فإنهم كرهوا استقبال القبلتين واستدبارهما ببول أو غائط، وهؤلاء غاب عنهم حديث ابن عمر، وهو يدل عَلَى أن النهي إنما أريد به الصحراء لا البيوت، وقال أحمد: حديث ابن عمر ناسخ للنهي عن استقبال بيت المقدس واستدباره بغائط وبول، والدليل عَلَى هذا ما روى مروان الأصفر عن ابن عمر أنه أناخ راحلته مستقبل بيت المقدس، ثمَّ جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أليس قد نهي عن هذا؟ قَالَ: إنما نهي عن هذا في الفضاء، وأما إِذَا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس
(2)
.
(1)
هو العلامة شهاب الدين إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن علي بن أبي الدم الحموي الشافعي. حدث بمصر ودمشق وحماة "بجزء الغطريف". وولي القضاء بحماة وترسل عن ملكها وصنف "أدب القضاة" و"مشكل الوسيط" وجمع تاريخًا وألف في الفرق الإسلامية، وغير ذلك، وله نظم جيد وفضائل وشهرة. توفي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وله ستون سنة.
انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 23/ 125 - 126 (96)، "الوافي بالوفيات" 6/ 33 - 34 (2465)، "طبقات الشافعية" للسبكي 5/ 47، "طبقات الشافعية" للإسنوي 1/ 546 - 547 (504)، "شذرات الذهب" 5/ 213.
(2)
حديث ابن عمر رواه أبو داود (11)، وابن خزيمة 1/ 35 (60)، والحاكم 1/ 154، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، فقد احتج بالحسن بن ذكوان ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (8): إسناده حسن. انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 237.
الحادي عشر:
في قوله: (إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: كذا) دلالة على أن الصحابة كانوا يختلفون في معاني السنن وكان كل واحد منهم يستعمل ما سمع عَلَى عمومه، فمن هنا وقع بينهم الاختلاف.
الثاني عشر:
قوله: (لَعَلَّكَ مِنَ الذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ) قد فسره مالك كما سلف، فيؤخذ منه اشتراط ارتفاع الأسافل عَلَى الأعالي وهو الأصح عندنا
(1)
.
(1)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: ثم بلغ في الأربعين كتبه مؤلفه غفر الله له.
13 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى البَرَازِ
146 -
حَدَّثَنَا يحيى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الَمنَاصِعِ -وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ- فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: احْجُبْ نِسَاءَكَ. فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ -زَوْجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً، وَكَانَتِ اَمْرَأةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلَا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ. حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الِحجَابُ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الِحجَابِ. [147، 4795، 5237، 6240 - مسلم: 2170 - فتح: 1/ 248]
147 -
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَدْ أُذِنَ أَنْ تَخْرُجْنَ فِي حَاجَتِكنَّ". قَالَ هِشَامٌ: يَعْنِي: البَرَازَ. [انظر: 146 - مسلم: 2170 - فتح: 1/ 249]
حَدَّثنَا يَحْيَ بْنُ بُكَيْرٍ، ثنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى المَنَاصِعِ -وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ- فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: احْجُبْ نِسَاءَكَ. فَلَمْ يَكُنْ النبي صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ -زَوْجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلَا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ. حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللهُ آية الحِجَابِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها: في التعريف برواته: وقد سلف مفرقًا.
ثانيها:
معنى (تبرزن): خرجن إلى البراز للبول والغائط.
و (المناصع): المواضع التي يتخلى فيها للحاجة، واحدها منصع قَالَ الزبيدي والأزهري: أراها مواضع خارج المدينة
(1)
. وقال الداودي: هي التي يؤتى ذَلِكَ فيها فيضع الإنسان ويذهب عنه فعل ذَلِكَ. وعبارة ابن الجوزي في "غريبه" ومن خطه نقلت: هي المواضع التي يتخلى فيها للحاجة، وكان صعيدًا أفيح خارج المدينة يقال لَهُ: المناصع
(2)
.
وهو بمعنى ما سلف.
و (الصعيد): وجه الأرض.
و (الأفيح): المتسع، ودارًا فيحاء: واسعة
(3)
.
و (البراز) في ترجمة البخاري بفتح الباء وهو لغة -ما برز من الأرض واتسع، كنى به عن الحدث كما كنى بالغائط وهو المطمئن من الأرض.
وفي "سنن أبي داود"، وابن ماجه من حديث أبي هريرة مرفوعًا:
"اتقوا الملاعن الثلاث"
(4)
، وعُدَّ منها البراز في الموارد، قَالَ الخطابي: هو بفتح الباء وغلط من رواه بكسرها
(5)
، ولا يسلم له.
(1)
"تهذيب اللغة" 4/ 3586، مادة:(نصع).
(2)
"غريب الحديث" 2/ 412.
(3)
انظر: "أعلام الحديث" 1/ 243.
(4)
رواه مسلم (269) كتاب: الطهارة، باب: النهي عن التخلي في الطرق والظلال، وأبي داود (25)، وأحمد 2/ 372، وأبو عوانة 1/ 166 (486)، وابن حبان 4/ 262 (1415)، والحاكم 1/ 185 - 186، والبيهقي 1/ 97 كلهم عن أبي هريرة بلفظ:"اتقوا اللاعنين" عدا أبي عوانة فلفظه: "اجتنبوا .. " أمَّا لفظ المصنف: "اتقوا الملاعن الثلاث" فقد روي مرفوعًا عن معاذ بن جبل عند أبي داود برقم (26)، وابن ماجه برقم (328) وفي الباب عن ابن عباس رواه أحمد 1/ 299.
(5)
"غريب الحديث" 1/ 107، "لسان العرب" 1/ 255. مادة:(برز).
الوجه الثالث: في فوائده:
الأولى: مراجعة الأدنى للأعلى في الشيء المتبين.
الثانية: فضل المراجعة إِذَا لم يقصد بها التعنت؛ فإنه قد تبين فيها من العلم ما خفي، فإن نزول الآية وهي قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} الآية [الأحزاب: 59] الآية، كان سبب المراجعة.
الثالثة: فضل عمر، فإن الله أيد به الدين، وهذِه إحدى ما وافق فيها ربه.
وثانيها: في قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} [التحريم: 5].
وثالثها: قوله: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى.
وهذِه الثلاثة ثابتة في الصحيح كما ستعلمه في الصلاة
(1)
.
ورابعها: موافقته في أسرى بدر
(2)
.
خامسها: في منع الصلاة عَلَى المنافقين. وهاتان في "صحيح مسلم"
(3)
.
سادسها: موافقته في آية المؤمنين؛ روينا في "مسند أبي داود الطيالسي" من حديث علي بن زيد: وافقت ربي لما نزلت {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] فقلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين.
فنزلت
(4)
.
(1)
سيأتي برقم (402) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القبلة ومن لم ير الإعادة على من سها.
(2)
يشير المصنف إلى ما كان سببًا في نزول قول الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]. فقد رواه الحاكم 2/ 329 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فقال: صحيح على شرط مسلم.
(3)
مسلم (2399، 2400) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر رضي الله عنه.
(4)
رواه أبو داود الطيالسي 1/ 46 - 47 (41). قلت: والحديث أصله في الصحيحين =
سابعها: موافقته في تحريم الخمر، كما ستعلمه إن شاء الله في موضعه
(1)
.
ثامنها: موافقته في قوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ} الآية [البقرة: 98]. ذكره الزمخشري
(2)
، وقال ابن العربي: قدمنا في الكتاب الكبير أنه وافق ربه تعالى تلاوة ومعنى في أحد عشر موضعًا، وهذا من النفائس
(3)
.
وفي "جامع الترمذي" مصححًا عن ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال عمر فيه إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قَالَ عمر
(4)
.
الرابعة:
كلام الرجال مع النساء في الطريق.
الخامسة:
جواز وعظ الإنسان أمه في البر؛ لأن سودة من أمهات المؤمنين.
= من حديث أنس عن عمر دون {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] عند البخاري برقم (402) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القبلة ومن لم ير الإعادة، ومسلم (2399) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل عمر.
(1)
يشير المصنف إلى حديث عمر بن الخطاب: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فقد رواه أبوداود (3670)، والترمذي (3049)، والنسائي 8/ 286، وأحمد 1/ 53، والحاكم 2/ 278، والبيهقي 8/ 285. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
(2)
"الكشاف" 1/ 84.
(3)
"عارضة الأحوذي" 13/ 142 - 143.
(4)
رواه الترمذي (3682)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1736).
السادسة:
جواز الإغلاظ في القول والعتاب إِذَا كان قصده الخير، فإن عمر قَالَ: قد عرفناك يا سودة؛ وكان شديد الغيرة لاسيما في أمهات المؤمنين.
السابعة:
التزام النصيحة لله ولرسوله في قول عمر: احجب نساءك.
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أن حجبهن خير من غيره، لكنه كان يترقب الوحي، بدليل أنه لم يوافق عمر حين أشار بذلك، وكان عدمه من عادة العرب.
قَالَ القاضي عياض: والحجاب الذي خص به أمهات المؤمنين هو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذَلِكَ لشهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخصهن إِذَا خرجن، كما فعلت حفصة يوم مات أبوها، ستر شخصها حين خرجت، وزينب عمل لها قبة لما توفيت قَالَ تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]
(1)
.
فائدة:
كان الحجاب في السنة الخامسة في قول قتادة. وقال أبو عبيدة: في الثالثة. وقال ابن إسحاق: بعد أم سلمة. وعند ابن سعد: في الرابعة في ذي القعدة؛ وذلك لما تزوج زينب بنت جحش أولم عليها، وأكل جماعة وهي مولية بوجهها إلى الحائط ولم يخرجوا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرجوا وعاد فلم يخرجوا فنزلت آية الحجاب
(2)
.
(1)
انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" 7/ 57.
(2)
انظر: "الطبقات الكبرى" 1/ 174.
الثامنة:
جواز تصرف النساء في ما بهن حاجة إليه.
ثم قال البخاري رحمه- الله: حَدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ ثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَام ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَدْ أُذِنَ أَنْ
(1)
تَخْرُجْنَ فِي حَاجَتِكُنَّ". قَالَ هِشَامٌ: يَعْنِي: البَرَازَ.
أما رجاله فسلف التعريف بهم.
وأما فقهه فخروجهن إلى البراز ومثله ما بهن حاجة إليه وقد أمرن بالخروج إلى العيدين كما سيأتي
(2)
.
و (الْبَرَازَ) بفتح الباء كما سلف. قَالَ الداودي: وقوله: "قَدْ أُذَنَ أَنْ تَخْرُجْنَ" دال على أنه لم يرد هنا حجاب البيوت -فإن ذَلِكَ وجه آخر- إنما أراد أن يستنزن بالجلباب حتَّى لا يبدو منهن إلا العين.
قالت عائشة: كنا نتأذى بالكنف وكنا نخرج إلى المناصع
(3)
.
(1)
في الهامش كتب: (لكن) ورمز فوقها أنها نسخة.
(2)
سيأتي برقم (974) كتاب: العيدين، باب: خروج النساء والحيض إلى المصُلى، ومسلم (890) كتاب: صلاة العيدين.
(3)
سيأتي برقم (4141) كتاب: المغازي، باب: حديث الإفك.
14 -
باب
التَّبُّرزِ فِي البُيُوتِ
148 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْنُ الُمنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ القِبْلَةِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ. [انظر: 145 - مسلم: 266 - فتح: 1/ 250]
- باب
149 -
حَدَّثَنَا يعقوب بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يِحْيَى بْنِ حَبَّانَ، أَنَّ عَمَّهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ: لَقَدْ ظَهَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ، مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الَمقْدِسِ. [انظر: 145 - مسلم 266 - فتح: 1/ 250]
حَدَّثَني إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْييَ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ القِبْلَةِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ.
حَدَّثنَا
(1)
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْييَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْييَ بْنِ حَبَّانَ، أَنَّ عَمهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ: لَقَدْ ظَهَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ، مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ المَقْدِسِ.
(1)
كتب في هامش الأصل قبالة هذِه الكلمة (باب) وأشار إلى أنها نسخة.
[قلت: أثبتت في المتن بين معقوفتين].
هذا الحديث بطريقيه سلف الكلام عليه قريبًا
(1)
.
وكذا رجاله خلا أنس (ع) بن عياض
(2)
وهو ليثي مدني ثقة عالم.
روى عن ربيعة (وعدة)
(3)
. وعنه أحمد وأمم. مات سنة مائتين عن ست وتسعين سنة، وهو من الأفراد، وليس في الكتب الستة أنس بن عياض سواه، وكنيته أبو ضمرة.
وعبيد الله (ع) هو أبو عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري الفقيه. روى عن أبيه والقاسم وسالم وعدة. ويقال: إنه أدرك أم خالد بنت خالد. وعنه خلق آخرهم عبد الرزاق. مات سنة سبع وأربعين ومائة
(4)
.
ويزيد (ع) بن هارون هو الحافظ المتقن أحد الأعلام السلمي. وعنه الذهلي وخلق.
(1)
سلف برقم (145) كتاب: الوضوء، باب: من تبرز على لبنتين.
(2)
أنس بن عياض بن ضمرة. قال عباس الدوري، عن يحيى: ثقة. وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى: صويلح، وقال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال أبو زرعة والنسائي: لا بأس به.، وقال ابن حجر في التقريب: ثقة. انظر: "التاريخ الكبير" 2/ 33 (1591)، "الجرح والتعديل" 2/ 289 (1055)، "الثقات" 6/ 76، "تهذيب الكمال" 3/ 349 (567)، "تقريب التهذيب"(564).
(3)
في (ج): وغيره.
(4)
عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال يحيى بن معين: عبيد الله بن عمر من الثقات. قال أحمد بن صالح: عبيد الله بن عمر أحب إلي من مالك في حديث نافع.
انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 395 (1273)، "معرفة الثقات" 2/ 113 (1166)، "الجرح والتعديل" 5/ 326 (1545)، "سير أعلام النبلاء" 6/ 304 (129)، "تهذيب الكمال" 19/ 124 (3668).
كان يصلي الضحى ست عشرة ركعة؛ وقد عمي. مات سنة ست ومائتين بواسط عن ثمان وثمانين سنة، وليس في الستة مشارك له في اسمه واسم أبيه
(1)
.
(1)
يزيد بن هارون بن زاذي ويقال: ابن زاذان، قال إسحاق بن منصورِ، عن يحيى بن معين: ثقة.
قال علي بن المديني: هو من الثقات، وقال في موضع آخر: ما رأيت رجلًا قط أحفظ من يزيد بن هارون. وقال أبو حاتم: ثقة، إمام صدوق، لا يسأل عن مثله.
انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 314، "التاريخ الكبير" 8/ 368 (3354)، "معرفة الثقات" 2/ 368 (2039)، "تهذيب الكمال" 32/ 261 (7061).
15 - باب: الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ
150 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الَملِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ -وَاسْمُهُ عطًاءُ بْنُ أَبِي مَيْمونَةَ- قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكِ يَقُول: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ لَحِاجَتِهِ أَجِيءُ أَنَا وَغُلام مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ. يَعْنِي: يَسْتَنْجِي بِهِ. [151، 152، 217، 500 - مسلم 271 - فتح: 1/ 250]
حَدَّثنَا أَبُو الوَليدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ قَالَ: حَدَّثنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ -وَاسْمُهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ- قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَجِيءُ أَنَا وَغُلَامٌ مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ. يَعْنِي: يَسْتَنْجِي بِهِ.
الكلام عليه من أوجه:
ولنقدم عليها أن الاستنجاء مأخوذ من النجو وهو القطع. وقيل: من الارتفاع. وقيل: من طلب النجاة، وهو الخلاص، حكاها القاضي عياض في "تنبيهاته".
الأول: في التعريف برواته:
وقد سلف التعريف بهم خلا عطاء (خ. م. د. س. ق) بن أبي ميمونة وهو بصري تابعي مولى أنس، وقيل مولى عمران بن حصين مات بعد الثلاثين ومائة، وكان يرى القدر
(1)
.
(1)
عطاء بن أبي ميمونة واسمه منيع البصري. قال أبو حاتم: صالح لا يحتج بحديثه، وكان قدريًا، قال أبو أحمد بن عدي: ومن يروي عنه يكنيه بأبي معاذ، وفي أحاديثه بعض ما ينكر عليه. قال البخاري: قال يحيى القطان: مات بعد الطاعون.
وقال ابن حجر: احتج به الجماعة سوى الترمذي وليس له في البخاري سوى حديثه عن أنس في الاستنجاء. =
ومن طُرف هذا الإسناد أنهم كلهم بصريون، وكلهم من فرسان الصحيحين وباقي الستة إلا عطاء (فلم)
(1)
يخرج له الترمذي.
الثاني: في بيان ألفاظه:
(الغلام) هو الذي طرَّ شاربه. وقيل: هو من حين يولد إلى أن يشب، وقد أوضحته بمتعلقاته في "شرح العمدة"
(2)
فراجعه منه.
و (الإداوة) بكسر الهمزة: إناء صغير من جلد يتخذ للماء كالسطيحة
(3)
ونحوها، والجمع: أداوى، قَالَ الجوهري: الإداوة: المِطْهَرَة، والجمع: الأداوى
(4)
.
و (الحاجة) هنا: الغائط أو البول. وهذا الغلام من الأنصار كما سيأتي
(5)
.
الثالث: في فوائده:
الأولى: خدمة الصالحين وأهل الفضل والتبرك بذلك
(6)
، وتفقد حاجاتهم خصوصًا المتعلقة بالطهارة.
الثانية: استخدام الرجل الفاضل بعض أتباعه الأحرار خصوصًا إِذَا أرصدوا لذلك، والاستعانة في مثل هذا فيحصل الشرف لهم بذلك.
= انظر: "التاريخ الكبير" 6/ 469 (3012)، "تهذيب الكمال" 20/ 117 (3942)، "مقدمة فتح الباري" ص 425.
(1)
في (ج): فإنه لم.
(2)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 475.
(3)
"لسان العرب" 4/ 2006. مادة: (أدا).
(4)
"الصحاح" 6/ 2266.
(5)
سيأتي برقم (151) كتاب: الوضوء، باب: الاستنجاء بالماء.
(6)
خدمة الصالحين مندوبة، أما التبرك بذلك فهو من خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته دون موته، وسيأتي الكلام على ذلك باستفاضة في تعليقنا على حديث (194).
وقد صرح الروياني
(1)
من أصحابنا بأنه يجوز أن يعير ولده الصغير، ليخدم من يتعلم منه، وخالف صاحب "العدة" فقال: ليس للأب أن يعير ولده الصغير لمن يخدمه؛ لأن ذَلِكَ هبة لمنافعه فأشبه إعارة ماله
(2)
، وأوله النووي في "الروضة" فقال: هذا محمول عَلَى خدمة تقابل بأجرة، أما ما كان محتقرًا لا يقابل بها فالظاهر والذي تقتضيه أفعال السلف أن لا منع منه، إِذَا لم يضر بالصبي
(3)
.
وقال غيره من المتأخرين: ينبغي تقييد المنع بما إِذَا انتفت المصلحة، أما إِذَا وجدت كما لو قَالَ لولده الصغير: اخدم هذا الرجل في كذا؛ ليتمرن عَلَى التواضع ومكارم الأخلاق فلا منع منه، وهو حسن بالغ
(4)
.
الثالثة: التباعد لقضاء الحاجة عن الناس، وقد اشتهر ذَلِكَ من فعله صلى الله عليه وسلم.
الرابعة: جواز الاستعانة في أسباب الوضوء.
الخامسة: جواز الاستنجاء بالماء كما ترجم عليه البخاري
(5)
.
واعترضه الأصيلي فقال: استدلاله به ليس بالبين؛ لأن قوله: (يستنجي به) ليس من قول أنس، إنما هو من قول أبي الوليد، وقد رواه سليمان بن حرب، عن شعبة، (لم يذكر يستنجي به، كما
(1)
تقدمت ترجمته في حديث رقم (1).
(2)
انظر "أسنى المطالب" 2/ 325، "الفتاوى الهندية" 4/ 372، و"مغني المحتاج" 2/ 265.
(3)
"روضة الطالبين" 4/ 426.
(4)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 482 - 483.
(5)
سيأتي برقم (150) كتاب: الوضوء، باب: الاستنجاء بالماء.
سيأتي
(1)
، فيحتمل أن يكون الماء لطهوره أو لوضوئه. وقال أبو عبد الله بن أبي صفرة
(2)
: قد تابع أبا الوليد النضر وشاذان، عن شعبة)
(3)
وقالا: يستنجى بالماء.
قَالَ: وتواترت الآثار عن أبي هريرة
(4)
وأسامة وغيرهما من الصحابة عَلَى الحجارة
(5)
. وقال ابن التين في "شرحه" مثله، وزاد عن أبي
(1)
سيأتي برقم (151) كتاب: الوضوء، باب: من حمل معه الماء لطهوره.
(2)
المهلب بن أحمد بن أبي صفرة أسيد بن عبد الله الأسدي الأندلسي المربي مصنف "شرح صحيح البخاري". وكان أحد الأئمة الفصحاء، الموصوفين بالذكاء. أخذ عن أبي محمد الأصيلي، وفي الرحلة عن أبي الحسن القابسي، وأبي الحسن علي بن بندار القزويني، وأبي ذر الحافظ.
روى عنه أبو عمر بن الحذاء، ووصفه بقوة الفهم وبراعة الذهن. وحدث عنه أيضًا أبو عبد الله بن عابد وحاتم بن محمد.
ولي قضاء المرية، توفي في شوال سنة خمس وثلاثين وأربعمائة.
انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" 17/ 579 (384)، "الوافي بالوفيات" 26/ 187، "كشف الظنون" 1/ 545، "شذرات الذهب" 3/ 255 - 256، "معجم المؤلفين" 3/ 927، "شجرة النور الزكية" 1/ 114 (311).
(3)
ما بين القوسين ساقط من (ج).
(4)
حديث أبي هريرة: رواه أبو داود (8)، والنسائي 1/ 38، وابن ماجه (313)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" 1/ 343 (846). قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (6): إسناده حسن، وقال في "صحيح سنن ابن ماجه" (252): حسن صحيح. وحديث أسامة لم أقف عليه.
(5)
وغيرهم مثل:
سلمان: رواه مسلم (262) كتاب: الطهارة، باب: الاستطابة.
وعائشة: رواه أبو داود (40)، والنسائي 1/ 41 - 42، وأحمد 6/ 108، والدارمي 1/ 530 - 531 (697)، والدارقطني 1/ 54، والبيهقي 1/ 103، قال الدارقطني: إسناده صحيح. وقال النووي في "المجموع" 2/ 93. صحيح وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود": حديث حسن، وخزيمة بن ثابت: =
عبد الملك أنه قول أبي معاذ الراوي، عن أنس. قَالَ: وذلك لأنه لم يصح أنه صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء.
وكذا نُقل عن أحمد أنه لم يصح به حديث؛ وأقول: قد ذكر البخاري من غير طريق أبي الوليد: (يستنجي بالماء) كما سيأتي بعد من طريق غندر
(1)
والنضر
(2)
وشاذان
(3)
.
وذكره أيضًا في باب غسل البول من غير طريقه بلفظ: كان صلى الله عليه وسلم إِذَا تبرز لحاجته أتيته بماء فتغسَّل به
(4)
.
وسيأتي في لفظ لمسلم: دخل حائطًا وتبعه غلام معه ميضأة فوضعها عند رأسه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا وقد استنجى بالماء
(5)
.
وسلف قريبًا حديث ابن عباس في وضعه الماء له ودعائه صلى الله عليه وسلم له
(6)
، وترجم عليه: وضع الماء عند الخلاء. وذكرنا هناك جملة من الأحاديث الصحيحة فيه.
وفي "صحيح ابن خزيمة" من حديث إبراهيم بن جرير، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته، فأتاه جرير بإداوة من ماء فاستنجى
= رواه أبو داود (41)، وابن ماجه (315)، وأحمد 5/ 213 - 215. قال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (32): حديث حسن أو صحيح، وهذِه الأحاديث كلها على أن الاستنجاء بثلاثة أحجار.
(1)
متابعة غندر ستأتي برقم (152) كتاب: الوضوء، باب: حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء.
(2)
متابعة النضر رواها النسائي 1/ 42.
(3)
متابعة شاذان ستأتي برقم (500) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة إلى العنزة.
(4)
سيأتي برقم (217) كتاب: الوضوء، باب: ما جاء في غسل البول.
(5)
"صحيح مسلم"(270) كتاب: الطهارة، باب: الاستنجاء بالماء من التبرز، من حديث أنس.
(6)
سبق برقم (143) كتاب: الوضوء، باب: وضع الماء عند الخلاء.
بها، ومسح يده بالتراب
(1)
.
وفي "صحيح مسلم" لما عد الفطرة عشرة عد منها انتقاص الماء
(2)
، وفُسِّر بالاستنجاء. وزعم ابن بطال أن حذيفة بن اليمان
(3)
وسعيد بن المسيب
(4)
كرها الاستنجاء بالماء، وكان المهاجرون يستحبون الاستنجاء بالأحجار، والأنصار بالماء
(5)
.
وفي "المصنف" أيضًا عن سعد بن أبي وقاص، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، ومجمع بن يزيد، وعروة بن الزبير، والحسن بن أبي الحسن، وعطاء؛ شيء من ذَلِكَ، والإجماع قاضٍ على قولهم، وكذا امتنان البارئ جل جلاله في كتابه بالتطهير به؛ ولأنه أبلغ في إزالة العين
(6)
.
(1)
انظر: "صحيح خزيمة" 1/ 47 (89) كتاب: الوضوء، باب: جماع أبواب الاستنجاء بالماء.
(2)
انظر: "صحيح مسلم"(261) كتاب: الطهارة، باب: خصال الفطرة.
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 142 (1635).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 142 (1637).
(5)
"شرح ابن بطال"1/ 241.
(6)
الآثار عن عمر وسعد بن أبي وقاص ومجمع بن يزيد وعروة بن الزبير والحسن بن أبي الحسن وعطاء إلى "المصنف" خطأ لأنني لم أقف عليها في المطبوع من "مصنف ابن أبي شيبة"، وما وقفت عليه هو أثر عبد الله بن الزبير، رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 142 (1641).
أمَّا غير ذلك مما ذكره المصنف فلا. والذي وقفت عليه أن بطال نقل في "شرحه على الصحيح" 1/ 241 أن المهاجرين كانوا يستنجون بالأحجار، وأنكر الاستنجاء بالماء سعد بن أبي وقاص، وحذيفة، وابن الزبير، وسعيد بن المسيب وقال: إنما ذلك وضوء النساء. وكان الحسن لا يغسل بالماء، وقال عطاء: غسل الدبر محدث. أهـ.
وفي "شرح الموطأ" لابن حبيب: حَدَّثنَا أسد بن موسى وغيره عن السدي بن يحيى، عن أبان بن أبي عياش أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ؟ "استنجوا بالماء، فإنه أطهر وأطيب"، وأبان هذا متروك.
وأجيب عن قول سعيد بن المسيب وقد سُئِلَ عن الاستنجاء بالماء أنه وضوء النساء
(1)
، وأنه لعل ذَلِكَ في مقابلة غلو من أنكر الاستنجاء بالأحجار، وبالغ في إنكاره بهذِه الصيغة لتمنعه من الغلو، وحمله ابن نافع
(2)
عَلَى أنه في حق النساء، وأما الرجال فيجمعون بينه وبين الأحجار، حكاه الباجي عنه
(3)
.
(1)
رواه مالك في "موطئه" ص 47 برواية يحيى.
(2)
هو عبد الله بن نافع الصائغ، من كبار فقهاء المدينة، حديثه مخرج في الكتب الستة سوى "صحيح البخاري"، وهو من موالي بني مخزوم، ولد سنة نيف وعشرين ومائة.
حدَّث عن: محمد بن عبد الله بن حسن الذي قام بالمدينة وقُتِل، وأسامة بن زيد الليثي، ومالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وسليمان بن يزيد الكعبي صاحب أنس، وكثير بن عبد الله بن عوف، وداود بن قيس الفراء، وخلق سواهم.
حدَّث عنه: محمد بن عبد الله بن نمير، وأحمد بن صالح، وسحنون بن سعيد، وسلمة بن شبيب، والحسن بن علي الخلال، وغيرهم. وليس هو بالمتوسع في الحديث جدًّا، بل كان بارعًا في الفقه. وثقه ابن معين، وقال البخاري: يعرف حفظه وينكر وكتابه أصح. وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب. وقال ابن سعد: كان قد لزم مالكًا لزومًا شديدًا. ثم قال: وهو دون معن، قال: وتوفي في شهر رمضان سنة ست ومائتين.
انظر ترجمته في "الطبقات الكبرى" 5/ 438، "التاريخ الكبير" 5/ 213 (687) وفيه (الصانع) بدل (الصائغ)، "الجرح والتعديل" 5/ 183 - 184 (856)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 371 - 374 (96)، "شذرات الذهب" 2/ 15، "شجرة النور الزكية" 1/ 55 (4).
(3)
انظر: "المنتقى" 1/ 73.
قَالَ القاضي: والعلة عند سعيد كونه وضوء النساء، معناه: أن الاستنجاء في حقهن بالحجارة متعذر. قَالَ الخطابي: وزعم بعض المتأخرين أن الماء مطعوم؛ فلهذا كره الاستنجاء به سعيد وموافقوه؛ وهذا قول باطل منابذ للأحاديث الصحيحة
(1)
.
وشذ ابن حبيب فقال: لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء
(2)
.
وحكاه القاضي أبو الطيب
(3)
، عن الزيدية والشيعة
(4)
، وغيرهما،
(1)
انظر: "معالم السنن" 1/ 25.
(2)
انظر: "عارضة الأحوذي" 1/ 33، "المنتقى" 1/ 73.
(3)
الإمام العلامة، شيخ الإسلام، القاضي أبو الطيب، طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر، الطبري الشافعي، فقيه بغداد. ولد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة بآمل.
سمع من أبي أحمد بن الغطريف، والدارقطني، وموسى بن عرفة، وعلي بن عمر السُكري، والمعافي الحريري، واستوطن بغداد، ودرس وأفتى وأفاد، وولي قضاء رُبع الكرخ بعد القاضي الصيمري.
قال الخطيب: كان شيخنا أبو الطيب ورعًا، عاقلًا، عارفًا بالأصول والفروع، محققًا، حسن الخلق، صحيح المذهب، اختلفت إليه، وعلقت عنه الفقه سنين.
حدَّث عنه: الخطيب، وأبو إسحاق، وابن بكران، وأبو محمد بن الأبنوسي، وأحمد بن الحسن الشيرازي. قال الخطيب: مات صحيح العقل ثابت الفهم في ربغ الأول سنة خمسين وأربعمائة وله مائة وسنتان، رحمه الله. انظر: ترجمته في: "تاريخ بغداد" 9/ 358 - 360، "الأنساب" 8/ 207، "المنتظم" 8/ 198، "اللباب" 2/ 274، "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 247، 248، "سير أعلام النبلاء" 17/ 668 - 671 (459)، "شذرات الذهب" 3/ 284، 285.
(4)
الشيعة: لغة: هم أنصار الرجل وأتباعه وكل قوم اجتمعوا على أمرٍ فهم شيعة، وكل من عاون إنسانًا وتحزب له فهو شيعة، وأصله من المشايعة وهي المطاوعة والمتابعة.
اصطلاحًا: الشيعة اسم لكل من فضل عليًّا على الخلفاء الراشدين قبله رضي الله عنهم =
والسنة قاضية عليهم، استعمل الشارع وأبو هريرة الأحجار (وهو معه)
(1)
ومعه إداوة من ماء.
ومذهب جمهور السلف والخلف والذي أجمع عليه أهل الفتوى من أهل الأمصار أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر فيقدم الحجر أولًا ثمَّ يستعمل الماء، فتخف النجاسة وتقل مباشرتها بيده، ويكون أبلغ في النظافة، فإن أراد الاقتصار عَلَى أحدهما فالماء أفضل؛ لكونه يزيل عين النجاسة وأثرها، والحجر يزيل العين دون الأثر، لكنه معفو عنه في حق نفسه وتصح الصلاة معه كسائر النجاسات المعفو عنها
(2)
.
الفائدة السادسة: اتخاذ آنية الوضوء كالإداوة ونحوها، وحمل الماء معه إلى الكنيف.
- جميعًا -ورأى أن أهل البيت أحق بالخلافه، وأن خلافة غيرهم باطلة.
الزيدية: هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي وهم من حيث اعتقادهم انقسموا إلى قسمين:
1 -
المتقدمون منهم: المتبعون لأقوال زيد وهؤلاء لا يعدون من الرافضة، ويعترفون بإمامة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
2 -
المتأخرون منهم: وهؤلاء يعدون من الرافضة، وهم يرفضون إمامة الشيخين ويسبونهما ويكفرون من يرى خلافتهما. اهـ. وقد استقر الاصطلاح في العصر الحديث إلى أن المقصود بالشيعة هم الرافضة مطلقًا.
انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 61، "تاج العروس" 5/ 405، "تاريخ المذاهب الإسلامية" 1/ 52 لأبي زهرة، "فرق معاصرة تنتسب للإسلام" 1/ 306، 334، 336 للدكتور/ غالب بن علي عواجي.
(1)
من (س).
(2)
انظر: "الإعلام" 1/ 487.
16 - باب مَنْ حُمِلَ مَعَهُ المَاءُ لِطُهُورِهِ
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَلَيْسَ فِيكمْ صَاحِب النَّعْلَيْنِ وَالطَّهُورِ وَالْوسَادِ؟
151 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْب قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أبي مُعَاذٍ -هُوَ عَطَاءُ بْنُ أبي مَيْمُونَةَ- قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ لَحِاجَتِهِ، تَبِعْتُهُ أَنَا وَغُلَامٌ مِنَّا مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءِ. [انظر: 150 - مسلم 271 - فتح: 1/ 251]
(وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِب النَّعْلَيْنِ وَالطَّهُورِ وَالْوِسَادِ؟): يعني به عبد الله بن مسعود وأراد بذلك الثناء عليه والمدح له والشرف بخدمته عليه السلام.
قال البخاري: حَدَّثنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْب، ثنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ عَطَاء .. الحديث كما سلف إلى قوله (وَغُلَامٌ مِنَّا مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ ماءٍ).
وقد سلف الكلام عليه قريبًا سندًا ومتنًا
(1)
، إلا سليمان بن حرب، وقد أسلفنا ترجمته في الإيمان
(2)
. ومن طُرف إسناده أنهم كلهم بصريون.
وفي هذِه الرواية بيان أن الغلام من الأنصار؛ لقوله: (وغلام منَّا)، وكذا أخرجه الإسماعيلي في "صحيحه" قَالَ: وروي (فأتبعه)
(3)
وأنا غلام. والصحيح: أنا وغلام.
(1)
انظر الحديث السابق.
(2)
تقدمت ترجمته في المقدمة.
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: لعله (فاتبعته).
17 - باب حَفلِ العَنَزَةِ مَعَ المَاءِ فِي الاسْتِنْجَاءِ
152 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمُّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أبَى مَيمُونَةَ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الَخلَاءَ، فَأَحْمِلُ أنَا وَغُلَامٌ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً يَسْتَنْجِي بِالَمْاءِ. تَابَعَهُ النَّضْرُ وَشَاذَانُ، عَنْ شُعْبَةَ. العَنَزَةُ عَصَا عَلَيْهِ زُجٌّ. [انظر: 150 - مسلم 271 - فتح: ا/ 252]
حَدَثنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الخَلَاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. تَابَعَهُ النَّضْرُ وَشَاذَانُ، عَنْ شُعْبَةَ.
هذا الحديث سلف الكلام عليه قريبًا سندًا ومتنًا
(1)
.
ومحمد (ع) بن بشار سلف في الإيمان
(2)
، ولقبه بندار؛ لأنه كان مكثرًا من الحديث، والبندار:(من)
(3)
يكون مكثرًا من شيء يشتريه منه من هو دونه ثم يبيعه، قاله أبو سعد السمعاني
(4)
.
و (محمد)(ع) بن جعفر هو غندر، وقد سلف
(5)
.
و (النضر)(ع) هو ابن شميل بن خرشة أبو الحسن المازني البصري الحافظ اللغوي عالم أهل مرو وقاضيها، كان أول من أظهر السنة بمرو بخراسان، ألف كتبًا لم يسبق إليها، روى عن شعبة وغيره، وعنه محمود بن غيلان وغيره. مات آخر سنة ثلاث أو أربع ومائتين، عن
(1)
انظر الحديث السابق برقم (150).
(2)
تقدمت ترجمته في حديث رقم (69).
(3)
في (ج): أن.
(4)
"الأنساب" 2/ 311.
(5)
تقدمت ترجمته في حديث رقم (34).
نيف وثمانين سنة
(1)
.
و (شاذان)(ع) لقب الأسود بن عامر الشامي البغدادي أبو عبد الرحمن، روى عن شعبة وخلق. وعنه الدارمي وخلق. مات سنة ثماني ومائتين وقيل: سنة سبع
(2)
.
فائدة:
شاذان أيضًا لقب عبد العزيز بن عثمان بن جبلة الأزدي
(3)
مولاهم المروزي، أخرج لَهُ البخاري والنسائي، وهو والد خلف بن شاذان
(4)
.
فائدة ثانية:
هذا الإسناد كلهم بصريون إلا شاذان فبغدادي.
(1)
سبقت ترجمته حديث رقم (27).
(2)
الأسود بن عامر شاذان أبو عبد الرحمن الشامي. قال حنبل بن إسحاق: سمعت أبا عبد الله يقول: أسود بن عامر ثقة قلت: ثقة. وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين: لا بأس به. قال أبو حاتم عن علي بن المديني: ثقة. قال محمد بن سعد: كان صالح الحديث.
انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 336، "التاريخ الكبير" 1/ 448 (1431)، "تهذيب الكمال" 3/ 226 (503)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 112 (10)، "شذرات الذهب" 2/ 20.
(3)
تحرفت في الأصل إلى (الأودي)؛ يراجع "تهذيب الكمال" 18/ 172.
(4)
عبد العزيز بن عثمان بن جبلة بن أبي رؤاد الأزدي، أبو الفضل المروزي. ذكره أبو حاتم بن حبان في "الثقات"، وقال: مولده سنة خمس وأربعين ومائة ومات سنة إحدى وعشرين ومائتين، وقيل: سنة خمس وعشرين ومئتين وقال أبو نصر الكلاباذي: ولد في المحرم سنة ثمان وأربعين ومائة بعد عبدان بثلاث سنين، ومات في المحرم سنة تسع وعثرين ومائتين بعد عبدان بثمان سنين روى له البخاري والنسائي.
انظر: "الثقات" 8/ 395، "تهذيب الكمال" 18/ 172 (3463)"الكاشف" 1/ 657 (3403)، "تقريب التهذيب" ص 358 (4112).
وقوله: (تابعه النضر وشاذان، عن شعبة) يعني: على لفظ (يستنجي به) وهذِه المتابعة أخرجها
(1)
.
و (العنزة) -بفتح العين والنون والزاي- عصا في أسلفها زج، وهل هي قصيرة أو طويلة فيه اضطراب لأهل اللغة، صحح الأول القاضي عياض
(2)
، والثاني النووي في "شرحه"
(3)
، وجزم القرطبي في باب: من قدم من سفر، بأنها عصا مثل نصف الرمح أو أكثر وفيها زج، ونقله عن أبي عبيد.
وفي "غريب ابن الجوزي": أنها مثل الحربة
(4)
. قَالَ الثعالبي: فإن طالت شيئًا فهي النيزك ومطرد، فإذا زاد طولها وفيها سنان عريض فهي آلة وحربة.
وقال ابن التين: العنزة: أطول من العصا وأقصر من الرمح، وفيه زج كزج الرمح، وعبارة الداودي: العنزة: العكاز أو الرمح أو الحربة أو نحوها يكون في أسفلها زج أو قرن.
فائدة:
هذِه العنزة أهداها له النجاشي رضي الله عنه، وكان صلى الله عليه وسلم يستصحبها معه ليصلي إليها في الفضاء، قيل: وليتقي بها كيد المنافقين واليهود، فإنهم كانوا يرومون قتله واغتياله بكل حالة، ومن أجل هذا اتخذ الأمراء المشي أمامهم بها.
(1)
ورد بهامش (س) تعليق ما نصه: ينظر من له حديث المتابعة، أخرج متابعة النصر النسائي ومتابعة شاذان أخرجها البخاري في الصلاة.
(2)
"مشارق الأنوار" 2/ 92.
(3)
"شرح النووي على مسلم" 3/ 163.
(4)
"غريب الحديث" 2/ 130.
وذكر بعض شراح "المصابيح" أن لها فوائد: دفع العدو، واتقاء السبع، ونبش الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة؛ خشية الرشاش، وتعليق الأمتعة بها، والتوكؤ عليها، والسترة بها في الصلاة، وفيها مآرب أخرى.
ويبعد أن يكون يستتر بها في قضاء الحاجة، وإن كان في تبويب البخاري ما قد يوهمه، فإن ضابط السترة ما يستر الأسافل
(1)
.
(1)
انظر: "الإعلام بفوائد الأحكام" 1/ 480 - 481.
18 - باب النَّهْيِ عَنْ الاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِيِن
153 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ -هُوَ الدَسْتَوَائِيُّ- عَنْ يحيى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَاَ أَتَى الخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِه". [154، 5630 - مسلم 267 - فتح: 1/ 253]
حدثنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، ثنَا هِشَامٌ -هُوَ الدَسْتَوَائِيُّ- عَنْ يَحْييَ بْنِ أَبِي كَثيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث قد ذكره بعد، وفي الأشربة أيضًا
(1)
، وأخرجه مسلم
(2)
أيضًا وباقي الجماعة، وفي "صحيح ابن خزيمة" التصريح لإخبار ابن أبي قتادة عن أبيه، وصح اتصاله وارتفع توهم من توهم تدليس يحيى فيه
(3)
.
ثانيها: في التعريف برواته:
أما (أبو قتادة) فهو الحارث وقيل: النعمان وقيل: عمرو بن ربعي بن بلذمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلِمة -بكسر اللام- السلَمي -بفتحها، ويجوز في لغة كسرها- المدني فارس
(1)
سيأتي برقم (5630) كتاب: الأشربة، باب: النهي عن التنفس في الإناء.
(2)
مسلم (267) كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الاستنجاء باليمين.
(3)
"سنن أبي داود"(3)، "سنن الترمذي"(15)، "سنن النسائي" 1/ 25، "سنن ابن ماجه"(310)، وانظر:"صحيح ابن خزيمة" 1/ 43 (79).
رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد أحدًا والخندق وما بعدها، والمشهور أنه لم يشهد بدرًا. روي له مائة حديث وسبعون حديثًا، انفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثمانية، واتففا عَلَى أحد عشر، ومناقبه جمة، مات بالمدينة وقيل: بالكوفة سنة أربع وخمسين على أحد الأقول عن سبعين سنة، ولا نعلم في الصحابة من يكنى بهذِه الكنية سواه
(1)
.
وأما ولده عبد الله (ع) فهو أبو إبراهيم السلمي. روى عن أبيه، وعنه يحيى وغيره. مات سنة خمس وسبعين
(2)
.
وأما (معاذ بن فضالة) فهو أبو زيد البصري، روى عن الثوري وغيره.
وعنه البخاري وغيره
(3)
. وباقي رجاله سلف التعريف به.
الوجه الثالث:
التنفس هنا خروج النفس من الفم يقال: تنفس الرجل وتنفس الصعداء، وكل ذي رئة يتنفس، (وذوات)
(4)
الماء لا رئات لها كما قاله الجوهري
(5)
.
(1)
انظر ترجمته في: "معجم ابن قانع" 1/ 169، "الاستيعاب" 1/ 353 (414)، "أسد الغابة" 1/ 391 (879)، "الإصابة" 7/ 155.
(2)
عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري السلمي أبو إبراهيم.
قال النسائي: ثقة. وقال الهيثم بن عدي: توفي بالمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك. انظر: "الجرح والتعديل" 5/ 32 (139)، "الثقات" 5/ 20، "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 283، "تهذيب الكمال" 15/ 440 (3487).
(3)
معاذ بن فضالة الزهراني، ويقال: الطفاوي. ويقال: القرشي. قال أبو حاتم: ثقة صدوق. وذكره ابن حبان في "الثقات"، قال أبو سعيد: توفي بعد سنة مائتين.
انظر: "التاريخ الكبير" 7/ 366 (1575)، "الثقات" 9/ 177، "المنتظم" 5/ 146، "تهذيب الكمال" 28/ 129 (6034).
(4)
كذا في الأصول، وفي "الصحاح":(ودواب).
(5)
انظر: "الصحاح" 3/ 984.
و (التمسح): الاستنجاء.
الوجه الرابع: في فوائده:
وهو حديث جامع لآداب نبوية.
الفائدة الأولى: كراهة التنفس في الإناء.
ووجهه: ما فيه من تقذير الماء والإناء بخروج شيء من (الفم أو الأنف بالنفس، والماء من ألطف المشارب وأقبلها للتغير بالريح، والنفس خارجه أحسن في الأدب وأبعد عن الشره وأخف)
(1)
للمعدة، وإذا تنفس فيه تكاثر الماء في حلقه وأثقل معدته، وربما شرق وآذى كبده، وهو فعل البهائم. وقد قيل: إن في القلب بابين يدخل النفس من أحدهما ويخرج من الآخر (فنقَّى)
(2)
ما على القلب من هم وقذى، ولذلك لو احتبس النفس ساعة هلك الآدمي، فكره التنفس في الإناء خشية أن يصحبه شيء مما (في)
(3)
القلب فيقع في الماء ثمَّ يشربه فقد يتأذى به. وقيل: علة الكراهة أن كل عبة شربة مستأنفة فيستحب الذكر في أولها والحمد في آخرها
(4)
فإذا وصل ولم يفصل بينهما فقد أخل بعدة سنن
(5)
.
(1)
ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(2)
كذا في (س) وفي (ج): فينقى.
(3)
في (ج): على.
(4)
ورد بها مش (س) تعليقًا: قوله: (فيستحب الذكر في أولها والحمد في آخرها)، روى الطبراني في "الأوسط" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب في ثلاث دفعات له فيها ثلاث تسبيحات، وفي أواخرها ثلاث تحميدات. ورجاله ثقات.
(5)
قال ابن القيم في "زاد المعاد" 4/ 235 - 236: وأما النفخ في الشراب، فإنه يُكسِبه من فم النافخ رائحة كريهة يُعاف لأجلها، ولا سيما إن كان متغير الفم. وبالجملة: فأنفاس النافخ تُخالطه، ولهذا جمع رسولُ الله (بين النهي عن التنفس في الإناء =
الثانية: الإبانة هنا مطلقة وثبت في الحديث الآخر موصوفة بالتثليث.
واختلف العلماء في أي هذِه الأنفاس الثلاثة أطول عَلَى قولين: أحدهما: الأول. والثاني: أن الأولى أقصر، والثانية أزيد منها، والثالثة أزيد منها؛ ليجمع بين السنة والطب؛ لأنه إِذَا شرب قليلًا قليلًا وصل إلى جوفه من غير إزعاج، ولهذا جاء في الحديث "مصوا الماء مصًّا ولا تعُبُّوه عبًّا فإنه أهنأ وأمرأ وأبرأ"
(1)
(2)
.
= والنفخ فيه في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:
نهى رسول الله (أن يُتنفس في الإناء أو ينفخ فيه.
فإن قيل: فما تصنعون بما في "الصحيحين" من حديث أنس، أن رسول الله (كان يتنفسُ في الإناء ثلاثا؟ قيل: نقابله بالقبول والتسليم، ولا مُعارضة بينه وبين الأول، فإن معناه أنه كان يتنفس في شربه ثلاثًا، وذكر الإناء لأنه آلة الشرب، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح: أن إبراهيم بن رسول الله (مات في الثدي، أي: في مدة الرضاع.
(1)
ورد بهامش (س) ما نصه: الذي وقفت عليه حديث: كان يمص الماء مصًّا ولا يعبه عبًّا. بلفظ الخبر عن الشارع لا أنه أمر (
…
) والطبراني (
…
) وابن منده (
…
) من حديثه (
…
) عرضًا وبه (
…
) من حديث (
…
) الشيخ من (
…
) اهـ.
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 5/ 115 (6009). وابن عدي في "الكامل" 3/ 448. وقال الألباني في "الضعيفة" (1428): ضعيف.
قال ابن القيم في "زاد المعاد" 4/ 230 - 232: وفي هذا الشرب حكم جمة، وفوائد مهمة، وقد نبه (على مجامعها بقوله:"إنه أروى وأمرأ وأبرأ" فأروى: أشد ريًا وأبلغه وأنفعه، وأبرأ: أفعل من البرء، وهو الشفاء، أي يُبرئ من شدة العطش ودائه لتردده على المعدة الملتهبة دفعات، فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه، والثالثة ما عجزت الثانية عنه، وأيضَا فإنه أسلمُ لحرارة المعدة، وأبقى عليها من أن يهجم عليها الباردُ وهلة واحدة ونهلة واحدة.
وأيضًا فإنه لا يروي لمصادفته لحرارة العطش لحظة، ثم يُقلع عنها ولما تُكسر =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سورتها وحدتها، وإن انكسرت لم تبطل بالكلية بخلاف كسرها على التمهل والتدريج. وأيضًا فإنه أسلم عاقبة، وآمن غائلة من تناول جميع ما يُروي دفعة واحدة، فإنه يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية بشدة برده، وكثرة كميته، أو يُضعفها فيؤدي ذلك إلى فساد مزاج المعدة والكبد وإلى أمراض رديئة، خصوصًا في سكان البلاد الحارة كالحجاز واليمن ونحوهما، أو في الأزمنة الحارة كشدة الصيف، فإن الشرب وهلة واحدة مخوف عليهم جدًا، فإن الحار الغريزي ضعيف في بواطن أهلها وفي تلك الأزمنة الحارة.
وقوله: "وأمرأ": هو أفعل من مري الطعام والشراب في بدنه؛ إذا دخله وخالطه بسهولة ولذة ونفع؛ ومنه: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]، هنيئًا في عاقبته، مريئًا في مذاقه. وقيل: معناه أنه أسرع انحدارًا عن المريء لسهولته وخفته عليه، بخلاف الكثير، فإنه لا يسهُل على المريء انحداره.
ومن آفات الشرب وهلة واحدة أنه يُخاف منه الشرق بأن ينسد مجرى الشراب لكثرة الوارد عليه، فيغص به، فإذا تنفس رويدًا ثم شرب أمن من ذلك.
ومن فوائده: أن الشارب إذا شرب أول مرة تصاعد البخارُ الدخاني الحارُّ الذي كان على القلب والكبد لورود الماء البارد عليه، فأخرجته الطبيعة عنها، فإذا شرب مرة واحدة، اتفق نزول الماء البارد وصعود البخار، فيتدافعان ويتعالجان، ومن ذلك يحدث الشرق والغصة، ولا يتهنأ الشارب بالماء، ولا يُمرئه ولا يتم ريه. وقد روى عبد الله بن المبارك والبيهقي وغيرهما عن النبى صلى الله عليه وسلم:"إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصًّا، ولا يعب عبًّا، فإنه من الكباد".
والكباد -بضم الكاف وتخفيف الباء - هو وجع الكبد، وقد علم بالتجربة أن ورود الماء جملة واحدة على الكبد يؤلمها ويضعف حرارتها، وسبب ذلك المضادة التي بين حرارتها وبين ما ورد عليها من كيفية المبرود وكميته، ولو ورد بالتدريج شيئًا فشيئًا، لم يضاد حرارتها ولم يضعفها، وهذا مثاله صب الماء البارد على القدر، وهي تفور، لا يضرها صبه قليلًا قليلًا. وقد روى الترمذي في "جامعه" عنه صلى الله عليه وسلم:"لا تشربوا نفسًا واحدًا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاث، وسموا إذا أنتم شربتم واحمدوا إذا أنتم فرغتم". =
الثالثة: لا يختص النهي المذكور بالشرب، بل الطعام مثله فيكره النفخ فيه، والتنفس في معنى النفخ
(1)
. وفي "جامع الترمذي" مصححًا عن أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب فقال رجل: القذاه أراها في الإناء؟ فقال: "أهرقها". قَالَ: فإني لا أروى من نفس واحد. قَالَ: "فأبن القدح إذًا عن فيك"
(2)
.
وأما حديث أنس الثابت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم: كان يتنفس في الشراب ثلاثًا
(3)
. فمعناه: خارج الإناء، أو فعله بيانًا للجواز، أو النهي خاص بغيره؛ لأن ما يتقذر من غيره يستطاب منه.
الرابعة: جواز الشرب من نفس واحد؛ لأنه إنما نهى عن التنفس في الإناء، والذي شرب في نفس واحد لم يتنفس فيه، فلا يكون مخالفًا للنهي، وكرهه جماعة وقالوا: هو شرب الشيطان. وفي الترمذي محسنًّا من حديث ابن عباس مرفوعًا: "لا تشربوا واحدًا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى وثلاثًا، وسموا إِذَا أنتم شربتم، واحمدوا إِذَا أنتم رفعتم"
(4)
.
الخامسة: النهي عن مس الذكر باليمين، وذلك لاحترامها وصيانتها.
= وللتسمية في أول الطعام والشراب وحمد الله في آخره تأثيره عجيب في نفعه واستمرائه ودفع مضرته.
قال الإمام أحمد: إذا جمع الطعام أربعًا فقد كمل: إذا ذُكر اسم الله في أوله، وحمد الله في آخره، وكثرت عليه الأيدي، وكان من حل.
(1)
انظر: "المعونة" 2/ 583.
(2)
"سنن الترمذي"(1887)، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(1538).
(3)
سيأتي برقم (5631) كتاب: الأشربة، باب: الشرب بنفسين أو ثلاث، ومسلم (2028) كتاب: الأشربة، باب: كراهية التنفس في نفس الإناء.
(4)
سنن الترمذي (1885)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(6233).
وهذا النهي للتنزيه عند الجمهور خلافًا للظاهرية حيث حرموا مس الإنسان ذكره فقط
(1)
.
السادسة: النهي عن الاستنجاء باليمين وخالف بعض الظاهرية فقال: لا يجزئ الاستنجاء به، وهو وجه لأصحاب الإمام أحمد، لاقتضاء النهي الفساد، وحكاه ابن بطال عن بعض الشافعية أيضًا
(2)
.
والذي قاله بعض الشافعية كصاحب "المهذب" وغيره التحريم فقط
(3)
.
وعن مالك: أنه يسيء ويجزئه. ومن العلماء من خص النهي عن مس الذكر باليمين بحالة البول آخذًا بالرواية الأخرى الآتية في تقييدها بذلك.
فرع:
إِذَا استنجى بالماء صبه بيمنه ومسح بيساره، وإذا استنجى بالحجر أمسك ذكره بيساره والحجر بيمينه وحرك اليسار ليخرج من النهيين.
فرع:
من كان في يده خاتم فيه اسم الله تعالى فلا يستنج وهو في يده؛ لأنه إِذَا نزهت اليمنى عن ذَلِكَ، فذكر الله أولى وأعظم، ورواية "العتبية" في ذَلِكَ منكرة لا يحل ذكرها.
السابعة: فضل التيامن.
(1)
"المحلى" 2/ 77.
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 244.
(3)
انظر: "المجموع" 2/ 126.
19 - باب لَا يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ إِذَا بَالَ
154 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذّا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الانَاءِ". [انظر: 153 - مسلم 267 - فتح: 1/ 254]
حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثنا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاء".
هذا الحديث قَدْ عرفت فقهه في الباب قبله.
ورجاله سلف التعريف بهم مفرقًا، وذكر بعض الحفاظ أن أبان بن يزيد تفرد عن يحيى دون أيوب وهشام والأوزاعي وشيبان وإبراهيم القناد بقوله:"وإذا شرب فلا يشرب نفسًا واحدًا"
(1)
. قَالَ: وإنما المعروف رواية هؤلاء: "ولا يتنفس في الإناء".
ووقع في مسلم عن يحيى، عن عبد الله، عن أبي قتادة، عن أبيه.
وصوابه إبدال (عن) بـ (ابن)، وفي بعض أصوله: عن ابن مهدي، عن همام، عن يحيى؛ وصوابه (هشام)
(2)
. كما قاله أبو مسعود وخلف.
(1)
رواه أبو داود (31) من حديث ابي قتادة: "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه .. "، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (24): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(2)
"صحيح مسلم"(267) كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الاستنجاء باليمين.
20 - باب الاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ
155 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَكِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يحيى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرُو المَكِّيُّ، عَنْ جدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ لَحِاجَتِهِ، فَكَانَ لَا يَلْتَفِتُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ:"ابْغني أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا -أَوْ نَحْوَهُ- وَلَا تأْتِنِي بِعَظْمِ وَلَا رَوْثٍ". فأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ بِطَرَفِ ثِيَابِي، فَوَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ وَأَعْرَضْتُ عَنْة، فَلَمَّاَ قَضَى أَتْبَعَة بِهِنَّ. [3860 - فتح: 1/ 255]
حَدَّثنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَكِّىُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو المَكِّيُّ، عَنْ جدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَكَانَ لَا يَلْتَفِتُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ:"ابْغِني أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا -أَوْ نَحْوَهُ- وَلَا تأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ". فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ بِطَرَفِ ثِيَابِي، فَوَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَضَىَ أَتْبَعَهُ بِهِنَّ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث من أفراد البخاري وذكره في ذكر الجن مطولًا
(1)
.
وأخرج مسلم
(2)
نحوه وكذا ابن ماجه والنسائي
(3)
.
ثانيها: في التعريف برواته:
أما أبو هريرة فسلف.
وأما (جد عمرو) فهو سعيد بن عمرو (خ. م. د. س. ق) بن سعيد ابن العاصي بن أبي أحيحة التابعي الكوفي الثقة. عن ابن عباس
(1)
سيأتي برقم (3860) كتاب: مناقب الأنصار، باب: ذكر الجن.
(2)
مسلم (262) كتاب: الطهارة، باب: الاستطابة عن سليمان.
(3)
"سنن النسائي" 1/ 38، "سنن ابن ماجه" (313). قال الألباني: حسن صحيح.
وغيره. وعنه ابناه إسحاق وخالد، وحفيده عمرو بن يحيى. أخرجوا له خلا الترمذي
(1)
.
وحفيده (عمرو) قرشي مكي صالح، روى عن أبيه وجده، وعنه سويد وغيره. روى له مع البخاري ابن ماجه فقط
(2)
.
وأما أحمد (خ) بن محمد فهو أبو الوليد الغساني الأزرقي المكي الثقة. عنه البخاري، وحفيده مؤرخ مكة محمد بن عبد الله، وأبو جعفر الترمذي، وطائفة. وروى عن مالك وغيره. مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين
(3)
.
(1)
هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشى، أبو عثمان، ويقال: أبو عنبسة، الأموي.
قال أبو زرعة: ثقة. وكذا النسائي. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال الزبير بن بكار: كان من علماء قريش بالكوفة وولده بها. وذكره ابن حبان في "الثقات". وانظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 4/ 49 (209)، "الثقات" 6/ 353، "تهذيب الكمال" 11/ 18 (2332)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 200 (75).
(2)
عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص.
قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: صالح. وذكره ابن حبان في "الثقات"، روى له ابن ماجه.
وقال ابن حجر: ثقة.
انظر: "التاريخ الكبير" 6/ 382 (2707)، "الجرح والتعديل" 6/ 269 (1448)، "الكامل" 6/ 216 (1288)، "تهذيب الكمال" 22/ 294 (4474)، "التقريب"(5138).
(3)
أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة الأزرق بن عمرو بن الحارث قال: أبو حاتم الرازي وأبو عوانة الإسفراييني: ثقة. وكذا قال ابن حجر.
انظر: "التاريخ الكبير" 2/ 3 (1492)، "الجرح والتعديل" 2/ 70 (128)، "الثقات" 8/ 7، "تهذيب الكمال" 1/ 480 (104)، "التقريب"(104).
ثالثها: في ألفاظه:
معنى (اتَّبَعْتُ)
(1)
: لحقت وهو رباعي يقال: أتبعته إِذَا سبقك فلحقته، وتبعته واتبعته إِذَا مشيت خلفه، أو مر بك فمضيت معه، كذا قاله ابن التين في "شرحه" وقال: يحتمل الحديث الوجهين. وتبعه شيخنا قطب الدين في "شرحه"، وهذا ما حكاه ابن سيده بعد أن قرر أن معنى تبعه واتبعه وأتبْعه: قفاه، قَالَ: وفي التنزيل: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)} [الكهف: 89] ومعناها: تبع وقرأ أبو عمرو (ثم اتَّبع)
(2)
أي لحق وأدرك، كذا حكاه عنه، وحكى القزاز عن الكسائي أنه كان يقرأ:(ثم اتبع سببا) يريد لحق وأدرك
(3)
، وحكي مثله عن أبي عمرو أنه قرأ:(ثم اتبع سببا)
(4)
.
وقال ابن طريف
(5)
في "أفعاله": المشهور: تبعته: سرت في أثره، واتبعته: لحقته. وكذلك فسر في التنزيل {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)} [الشعراء: 60]، أي: لحقوهم. وقَالَ الجوهري: تبعت القوم إِذَا مشيت أو مر بك فمضيت معهم. وقال الأخفش: تَبِعْتُه وأَتْبَعْتُه بمعنى
(6)
.
قوله: (وكان لا يلتفت) هذِه كانت عادة مشيه صلى الله عليه وسلم.
(1)
انظر: "الصحاح" 3/ 1190.
(2)
انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد ص 397، "الكوكب الدري" للنويري ص 482.
(3)
انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد ص 398.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
هو عبد الملك بن طريف القرطبي أبو مروان، نحوي لغوي، أخذ عن ابن القوطية وغيره، وتوفي في حدود سنة 400 هـ، من آثاره كتاب في الأفعال.
انظر ترجمته في "الوافي بالوفيات" 19/ 170 (157)، "كشف الظنون" 2/ 1394، "معجم المؤلفين" 2/ 317 - 318.
(6)
"الصحاح" 3/ 1189 - 1190، مادة:(تبع).
وقوله: (فدنوت منه) أي: لأستأنس به وأنظر حاجته، وقد جاء في رواية: فدنوت منه أستأنس وأتنحنح فقال: "من هذا؟ " فقلت: أبو هريرة
(1)
.
وقوله: ("ابغني أحجارًا") قَالَ ابن التين: رويناه بالوصل، (قال الخطابي
(2)
: معناه: اطلب لي، فإذا قطعت الألف فمعناه: أعني على الطلب. وقال الخطابي: معناه: اطلب لي. من قولك: بغيت الشيء: طلبته)
(3)
. وبغيتك الشيء: طلبته لك، وأبغيتك الشئ: جعلتك طالبًا له، قَالَ تعالى:{يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة: 47]، أي: يبغونها لكم.
وقوله: ("أستنفض بها") أي: أستنج بها وهو مأخوذ من النفض؛ لأن المستنجي ينفض عن نفسه أذى الحدث والاستمرار. قَالَ القزاز: كذا روي هذا الحرف كأنه استفعل من النفض وهذا موضع أستنظف.
أي: أنظف نفسي بها ولكن هكذا روي.
وقوله: (أو نحوه) الظاهر أنه أراد أو نحو هذا من الكلام.
وقوله: (بطرف ثيابي) جاء في "صحيح الإسماعيلي": في طرف ملائي.
رابعها: في فوائده:
الأولى: جواز الاستنجاء بالأحجار، وقد سلف ما فيه في باب: الاستنجاء بالماء.
الثانية: مشروعية الاستنجاء، وقد اختلف في وجوبه عَلَى قولين:
(1)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 124.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 246.
(3)
ساقط من (ج).
أحدهما: أنه واجب وشرط في صحة الصلاة، وبه قَالَ الشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود، وجمهور العلماء ومالك في رواية
(1)
.
وثانيهما: أنه سنة، وهو قول أبي حنيفة ورواية عن مالك، وحكي عن المزني أيضًا
(2)
، وجعل أبو حنيفة هذا أصلًا للنجاسة، فما كان منها قدر درهم بغلي عُفي عنه؛ وإن زاد فلا، وكذا عنده في الاستنجاء: إن زاد الخارج عَلَى درهم وجب وتعين الماء، ولا يجزئه الحجر.
ولا يجب عنده الاستنجاء بالحجر.
واحتجوا بحديث أبي هريرة المروي في "سنن أبي داود" وابن ماجه: "من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن؛ ومن لا فلا حرج"
(3)
؛ ولأنها نجاسة لا تجب إزالة أثرها فكذا عينها كدم البراغيث، ولأنه لا يجب إزالتها بالماء فلم يجب بغيره.
قَالَ المزني: ولأنا أجمعنا عَلَى جواز مسحها بالحجر فلم يجب إزالتها كالمني، واحتج أصحابنا بحديث أبي هريرة أيضًا الثابت:"وليستنج بثلاثة أحجار"
(4)
. رواه الشافعي؛ وقال: إنه حديث ثابت.
(1)
انظر: "الإفصاح" 1/ 127، "التحقيق" 1/ 181 - 187، "البيان" 1/ 213 - 214، "المغني" 1/ 206، "عيون المجالس" 1/ 128.
(2)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 127 - 129، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 156، "المنتقى" 1/ 41، "الهداية" 1/ 39.
(3)
رواه من حديث أبي هريرة أبو داود (35)، وابن ماجه (337)، والدارمي 1/ 524 (689)، وابن حبان 4/ (1410)، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(8).
(4)
رواه الشافعي في "مسنده" 1/ 163 (33)، النسائي 1/ 38، وابن ماجه (313).
والحميدي 2/ 204 (1018)، وابن خزيمة 1/ 43 (80)، وابن حبان 4/ 279 (1431)، 4/ 288 (1440)، قال الألباني في "صحيح ابن ماجه" (252): حسن صحيح.
ورواه الأربعة خلا الترمذي، وبحديث سلمان الثابت في "صحيح مسلم": نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار
(1)
. وبحديث عائشة الثابت في "مسند أحمد" و"سنن أبي داود" وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن، فإنها تجزئ عنه"
(2)
.
قَالَ الدارقطني بعد أن أخرجه: إسناده حسن صحيح.
ومنها حديث خزيمة: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال: "بثلالة أحجار ليس فيها رجيع" رواه أبو داود واللفظ له، وابن ماجه
(3)
، وفي الباب عن جابر في مسلم
(4)
، والسائب وأبي أيوب عند ابن عبد البر
(5)
، وأنس عند البيهقي
(6)
. وسهل
(7)
؛ وابن عباس عند الدارقطني
(8)
، وحسن الأول.
واحتج أصحابنا أيضًا بحديث ابن عباس الآتي "أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول"
(9)
وفي الاستدلال به وقفة؛ ولأنه نجاسة
(1)
انظر: "صحيح مسلم"(262) كتاب: الطهارة، باب: الاستطابة.
(2)
انظر: "سنن أبي داود"(40)، "مسند أحمد" 6/ 108، 133، "سنن الدارقطني" 1/ 54 - 55، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (30): حديث حسن.
(3)
"سنن أبي داود"(41)، "سنن ابن ماجه"(315)، "سنن الدارقطني" 1/ 56، "التمهيد" 22/ 930. قال الألباني في "صحيح أبي دواد" 1/ 72 (32): حديث حسن صحيح.
(4)
"صحيح مسلم "(263) كتاب: الطهارة، باب: الاستطابة.
(5)
"التمهيد" 22/ 312.
(6)
"سنن البيهقي" 1/ 112.
(7)
"سنن الدارقطني" 1/ 56.
(8)
"سنن الدارقطني" 1/ 57.
(9)
سيأتي برقم (218) كتاب: الوضوء.
لا تلحق المشقة في إزالتها غالبًا فلم تصح الصلاة دونه.
والجواب عن حديثهم بأن في إسناده مقالًا، ولئن سلمنا حسنه فالمراد: ولا حرج في ترك الإيتار أي: الزائد عَلَى ثلاثة أحجار جمعًا بينه وبين باقي الأحاديث كحديث سلمان وغيره.
وعن قياسهم (على)
(1)
دم البراغيث عظم المشقة بخلاف أصل الاستنجاء، ولهذا تظاهرت الأحاديث الصحيحة عَلَى الأمر بالاستنجاء، ولم يرد خبر بإزالة دم البراغيث.
وقياس غير المني عَلَى المني لا يصح لطهارته ونجاسة غيره
(2)
.
الفائدة الثالثة:
لا يتعين الحجر للاستنجاء بل يقوم مقامه كل جامد طاهر قالع غير محترم، وبه قَالَ العلماء كافة إلا ما حكي عن داود من تعيينه وأن غيره لا يجوز
(3)
، وإن أنكر القاضي أبو الطيب حكايته عنه وقال: إن مذهبه كمذهب الكافة.
حجة الكافة: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الروث والعظم، وهو دال عَلَى عدم تعيينه وأن غيره يقوم مقامه، وإلا لم يكن لتخصيصهما بالنهي معنى، وأما تنصيصه صلى الله عليه وسلم عَلَى الأحجار فلكونها الغالب المتيسر وجودها بلا مشقة فيها ولا كلفة في تحصيلها، ومنعه أصبغ
(4)
في الخرق واللحم
(1)
في (ج): في.
(2)
انظر: "المجموع" 2/ 111 - 112.
(3)
انظر: "المحلى" 1/ 97 - 98.
(4)
أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، الشيخ الإمام الكبير، مفتي الديار المصرية، وعالمها أبو عبد الله الأموي مولاهم المصري المالكي. مولده بعد الخمسين ومائة.
وطلب العلم وهو شاب كبير ففاته مالك والليث. فروى عن: عبد العزيز الدّراوردي، وأسامة بن زيد بن أسلم، وأخيه عبد الرحمن بن زيد، وحاتم بن =
ونحوهما مما هو طاهر ولا حرمة له ولا هو من أنواع الأرض وقال: يعيد إن فعل في الوقت
(1)
.
الرابعة: أنه لا يجوز الاستنجاء بنجس، وهو مذهب الجمهور، وجه الاستنباط منه أنه نبه بالروث على جنس النجس. وجوزه أبو حنيفة بالروث
(2)
، وحكاه ابن وهب عن مالك
(3)
.
وحديث الباب وغيره من الأحاديث الصحيحة يرد عليهما.
الخامسة: أنه لا يجوز الاستنجاء بعظم، وبه قَالَ الشافعي وأحمد وداود. وقال أبو حنيفة ومالك: يصح الاستنجاء به، وقال بعض الشافعية: إنه يجزئه إن كان طاهرًا لا زهومة عليه، لحصول المقصود؛ حجة الأولين أنه رخصة فلا تحصل بحرام
(4)
.
= إسماعيل، وعيسى بن يونس السبيعي، وعبد الله بن وهب، حدَّث عنه: البخاري، وأحمد بن الحسن الترمذي، ويحيى بن معين، وأحمد بن الفرات، والربيع بن سليمان الجيزي، وإسماعيل بن سمويه، وغيرهم كثير. وثقه العجلي وأبو حاتم وابن معين.
توفي لأربع بقين من شوال سنة خمس وعشرين ومائتين. انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 2/ 36 (1600)، "الجرح والتعديل" 2/ 321 (1219)، "وفيات الأعيان" 1/ 240 (101)، "سير أعلام النبلاء" 10/ 656 - 658 (237)، "شذرات الذهب" 2/ 56.
(1)
انظر: "الحاوي" 1/ 166 - 169، "المغني" 1/ 213 - 215، "المجموع" 2/ 130 - 131.
(2)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 18، "فتح القدير" 1/ 214 - 215.
(3)
انظر: "مواهب الجليل" 1/ 417.
(4)
انظر: "الهداية" 1/ 40، "المجموع" 2/ 135 - 136، "المعونة" 1/ 60، "المغني" 1/ 215 - 216، "الاختيار لتعليل المختار" 1/ 49.
فرع:
لو أحرق العظم الطاهر بالنار وخرج عن حال العظم فوجهان حكاهما الماوردي من أصحابنا:
أحدهما: يجوز الاستنجاء به؛ لأن النار أحالته.
والثاني: لا؛ لعموم النهي عن الرمة وهي: العظم البالي، ولا فرق بين البلى بالنار أو بمرور الزمان، وهذا أصح
(1)
.
فائدة:
الحكمة في النهي عن الاستنجاء بالعظم، أنه زاد إخواننا من الجن كما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث ابن مسعود "لا تستنجوا بالعظم والبعر، فإنهما طعام إخوانكم من الجن"
(2)
. وقد أخرجه البخاري في "صحيحه" في أثناء المناقب من حديث أبي هريرة ولفظه: فلما فرغ فقلت: ما بال العظم والروث؟ فقال: "هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين -ونعم الجن- يسألوني الزاد فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعامًا"
(3)
.
قُلْتُ: وقد يأكله بعض الناس؛ للضرورة. وقيل: نهى عنه؛ لأنه لزج لا يكاد يتماسك فيزيل الأذى إزالة تامة، والحكمة في النهي عن الروث ما ذكرناه أيضًا، ومر بي أنه زاد لدوابهم. وقيل: لأنه يزيد في نجاسة الموضع؛ لأنه يمد النجاسة ولا يزيلها.
(1)
انظر: "الحاوي" 1/ 174.
(2)
"صحيح مسلم"(450) كتاب: الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصحيح والقراءة على الجن.
(3)
سيأتي برقم (3680) كتاب: مناقب الأنصار، باب: ذكر الجن.
السادسة: أنه لا يجوز الاستنجاء بجميع المطعومات، فإنه صلى الله عليه وسلم نبه بالعظم عَلَى ذَلِكَ، ويلحق بها المحرمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذَلِكَ.
السابعة: إعداد الأحجار للاستنجاء؛ لئلا يحتاج إلى طلبها بعد قيامه فلا يأمن التلويث.
21 - باب لَا يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ
156 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالِ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، ولكن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ:"هذا رِكْسٌ". وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ. [فتح: 1/ 256]
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، ولكن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سمِعَ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ:"هذا رِكْسٌ". وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث من أفراد البخاري لم يخرجه مسلم، وأخرجه النسائي وابن ماجه
(1)
.
ثانيها:
هذا التبويب في بعض النسخ وفي بعضها حذفه، وذكر هذا الحديث مع حديث أبي هريرة.
وقوله: (قَالَ إبراهيم) إلى آخره، هو ثابت في بعض النسخ وذكره
(1)
رواه النسائي 1/ 39 - 40، وابن ماجه (314).
(أبو)
(1)
مسعود وخلف وغيرهما عن البخاري.
ثالثها: في التعريف برواته:
أما عبد الله
(2)
والأسود
(3)
فسلفا، وكذا أبو نعيم
(4)
، وزهير
(5)
، وأبو إسحاق
(6)
.
وأما عبد الرحمن بن الأسود فهو أبو حفص النخعي كوفي عالم عامل. روى عن أبيه وعائشة. وعنه الأعمش وغيره. مات سنة تسع وتسعين
(7)
.
فائدة:
في البخاري أيضا عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، زهري تابعي، وليس فيه غيرهما، ووقع في كتاب الداودي وابن التين أن عبد الرحمن الواقع في رواية البخاري هو ابن عبد يغوث، وهو وهم منهما فاجتنبه
(8)
.
(1)
في (ج): ابن.
(2)
سبقت ترجمته في حديثه رقم (32).
(3)
سبقت ترجمته في حديث رقم (126).
(4)
سبقت ترجمته في حديث رقم (52).
(5)
سبقت ترجمته في حديث رقم (40).
(6)
سبقت ترجمته في حديث رقم (40).
(7)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 252 (815)، "معرفة الثقات" 2/ 73 (1020)، "الجرح والتعديل" 5/ 209 (986)، "الثقات" 5/ 78، "تهذيب الكمال" 16/ 530 (3758).
(8)
قال العجلي: مدني، تابعي، ثقة، رجل صالح من كبار التابعين. قال الدارقطني: ثقة. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 253 (816)، "معرفة الثقات" 2/ 72 (1019)، "الجرح والتعديل" 5/ 209 (987)، "الثقات" 3/ 258، 5/ 76 "تهذيب الكمال" 16/ 525 (3756).
فائدة:
من شيوخ الترمذي والنسائي عبد الرحمن بن الأسود الوراق، وليس في هذِه الكتب عبد الرحمن بن الأسود غير هؤلاء
(1)
.
وأما أبو عبيدة (ع) فهو عامر بن عبد الله بن مسعود، وقيل: اسمه كنيته. وفي الترمذي هنا أنه لا يعرف اسمه وحكاه في "علله" عن البخاري
(2)
.
وما ذكرته من اسمه صرح به مسلم في "كناه"
(3)
وابن حبان في "ثقاته"
(4)
وأبو أحمد في "كناه" وغيرهم.
وهو هذلي كوفي، أخو عبد الرحمن، وكان يفضل عليه كما قاله أحمد، حدث عن عائشة وغيرها، وحدث عن أبيه في السنن. وعنه السبيعي وغيره؛ مات ليلة دجيل
(5)
(6)
.
(1)
عبد الرحمن بن الأسود بن المأمول القرشي: مات بعد الأربعين ومئتين.
انظر: "تهذيب الكمال" 16/ 529 (3757)، "الكاشف" 1/ 621 (3140)، "تهذيب التهذيب" 2/ 488.
(2)
انظر: "جامع الترمذي" 1/ 28، "علل الترمذي" 1/ 99 (8) بترتيب أبي طالب القاضي.
(3)
"الكنى الأسماء" 1/ 588 (2398).
(4)
"الثقات" 7/ 249.
(5)
عامر بن عبد الله بن مسعود الهذيلي: قال شعبة عن عمرو بن مرة: سألت أبا عبيدة بن عبد الله: هل تذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: لا.
قال أبو دواد في حديث ذكره: كان أبو عبيدة يوم مات أبوه ابن سبع سنين.
قال المفضل بن غسان الغلابي عن أحمد بن حنبل: كانوا يفضلون أبا عبيدة على عبد الرحمن. وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": كوفي ثقة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه. انظر:"طبقات ابن سعد" 6/ 210، "التاريخ الكبير" كتاب الكنى 8/ 51 (447)، "الجرح والتعديل" 9/ 403 (1335)، "تهذيب الكمال" 14/ 61 (3051)، "تقريب التهذيب" ص 656 (8231).
(6)
دجيل هو: اسم نهر في موضعين: أحدهما: مخرجه من أعلى بغداد بين تكريت =
ذكر أبو داود حديثًا فيه أن شعبة قَالَ: كان أبو عبيدة يوم مات أبوه ابن سبع سنين، وفي "شرح ابن التين": ابن خمس سنين، وأنه لم يسمع منه شيئًا. قَالَ: وأخوه عبد الرحمن سمع من أبيه حديثًا واحدًا: "محرم الحلال كمحلل الحرام"
(1)
، وصرح أبو حاتم وغيره بأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا
(2)
.
وروى شعبة عن عمرو بن مرة قَالَ: سألت أبا عبيدة: هل تذكر من عبد الله شيئًا؟ قَالَ: ما أذكر منه شيئا
(3)
.
وقد روى عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك الأشجعي عن أبي عبيدة قَالَ: خرجت مع أبي لصلاة الصبح. فضعف أبو حاتم هذِه الرواية
(4)
.
وفي "المعجم الأوسط" للطبراني من حديث زياد بن (سعد)
(5)
عن أبي الزبير قَالَ: حَدَّثَنِي يونس بن (خباب)
(6)
الكوفي: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر أنه سمع أباه يقول: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر
(7)
.. الحديث.
= وبينها مقابل القادسية دون سامرَّاء، فيسقي كورة واسعة وبلادًا كثيرة، منها أوانا وعكبرا والحظيرة وصريفين وغير ذلك، ثم تصب فضلته في دجلة.
انظر: "معجم البلدان" 2/ 443، "تاريخ الإسلام" 6/ 5.
(1)
رواه ابن الجعد 1/ 368 (2533)، والطبراني 9/ 172 (8852 - 8853)، والبيهقي 9/ 326. قال الهيثمي في (المجمع) 4/ 39: رجاله رجال الصحيح.
(2)
"المراسيل" ص 256 (953).
(3)
رواه ابن سعد في "الطبقات" 6/ 210.
(4)
"المراسيل" ص 256 (953).
(5)
في (ج): سعيد.
(6)
في الأصل عتاب، وما أثبتناه من "تهذيب الكمال" 32/ 503 (7174)، و"تهذيب التهذيب" 4/ 468.
(7)
قال الهيثمي في "المجمع" 9/ 9: في إسناده زمعة بن صالح، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله حديثهم، "المعجم الأوسط" 9/ 81 (9189)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن زياد بن سعد إلا زمعة، تفرد به أبو قرة.
ولما خرَّج الحاكم في "مستدركه" حديث أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه في ذكر يوسف عليه السلام صحح إسناده
(1)
، وحسن الترمذي عدة أحاديث رواها عن أبيه منها: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى
(2)
.
ومنها: كان في الركعتين الأوليين كأنه عَلَى الرضيف
(3)
. ومنها: قوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 169]
(4)
(5)
.
فائدة:
هذا الإسناد كله كوفيون، وفيه طرفة أخرى، وهي رواية جماعة من التابعين بعضهم عن بعض، فمن أبي إسحاق إلى أبي عبد الله كلهم تابعيون.
وأما إبراهيم ((ع) خلا (ق)) بن يوسف فهو سبيعي همداني كوفي، روى عن أبيه وجده، وعنه أبو غريب وجماعة، فيه لين، مات سنة ثمانٍ وسبعين ومائة، أخرجوا له خلا ابن ماجه
(6)
.
(1)
رواه الطبراني في "تفسيره" 7/ 170 (18930 - 18931)، والطبراني 9/ 220 (9068)، والحاكم 2/ 572، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
قال الهيثمي في "المجمع" 7/ 39: رجاله رجال الصحيح، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.
(2)
"سنن الترمذي"(1714).
(3)
"سنن الترمذي"(366)، وقال: هذا حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. قال الألباني في "ضعيف الترمذي": ضعيف.
(4)
"سنن الترمذي" بعد حديث (3011)، وقال: هذا حديث حسن. وقال الألباني في "ضعيف الترمذي": ضعيف الإسناد.
(5)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: ومنها حديث: أول ما دخل النقص على بني إسرائيل الحديث. وقال: حسن غريب -والله أعلم-. له في الترمذي حديث (
…
).
(6)
إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق: قال عباس الدوري عن يحيى بن معين: ليس بشيء. =
وأما والده يوسف (ع)
(1)
فهو كوفي حافظ، روى عن جده والشعبي، وعنه ابن عيينة وغيره، مات في زمن أبي جعفر
(2)
.
الوجه الرابع:
هذا الحديث مصرح بأن أبا إسحاق لم يأت فيه بسماع، وهو مدلس، وقد ذكر الحاكم أبو عبد الله عن علي بن المديني أنه قَالَ: كان زهير وإسرائيل يقولان عن أبي إسحاق أنه كان يقول: ليس أبو عبيدة ثنا ولكن عبد الرزاق، فذكر حديث الاستنجاء. قَالَ ابن الشاذكوني: ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفي. قَالَ: أبو عبيدة لم يحدثني، ولكن عبد الرحمن عن فلان عن فلان، ولم يقل: حَدَّثَنِي. فجاز الحديث وسار.
= قال النسائي: ليس بالقوي. قال أبو حاتم: حسن الحديث يكتب حديثه. قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: ضعيف الحديث. قال ابن حجر: هذا تضعيف نسبي، وهو إطلاق مردود. وقال النسائي: ليس بالقوي. احتج به الشيخان في أحاديث يسيرة وروى له الباقون سوى ابن ماجه.
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 2/ 148 (487)، "الثقات" 8/ 61، "الكامل" 1/ 384 (69)، "تهذيب الكمال" 2/ 249 (269)، "إكمال تهذيب الكمال" 1/ 326 (320)، "مقدمة فتح الباري" ص 338.
(1)
يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي: قال عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بن عيينه: لم يكن في ولد أبي إسحاق أحفظ منه. قال أبو حاتم: يكتب حديثه. ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان أحفظ ولد أبي إسحاق، مستقيم الحديث على قلته. روى له الجماعة.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 383 (3406)، "الجرح والتعديل" 9/ 217 (909)، "الكامل" 8/ 501 (2069)، "تهذيب الكمال" 32/ 411 (7127)، "سير أعلام النبلاء" 7/ 27 (11).
(2)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: (
…
) فيما ذكره المؤلف (
…
) الحديث (
…
) وقد أخرج له عن أبيه عدة أحاديث ليس فيها تحسين -والله أعلم-.
قُلْتُ: بل قَالَ: حَدَّثَني، كما رواه إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق عنه كما سلف من عند البخاري. وقال أبو زرعة فيما حكاه ابن أبي حاتم: اختلفوا في هذا الحديث، والصحيح عندي حديث أبي عبيدة عن أبيه. وزعم الترمذي أن أصح الروايات عنده حديث قيس بن الربيع وإسرائيل، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قَالَ: لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء، وتابعه عَلَى ذَلِكَ قيس وزهير، عن أبي إسحاق ليس بذاك؛ لأن سماعه منه بأخَرَهٍ، سمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إِذَا سمعت الحديث عن زائدة وزهير فلا تبالي أن لا تسمعه من غيرهما، إلا حديث أبي إسحاق.
ورواه زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله، وهذا حديث فيه اضطراب. قَالَ: وسألت الدارمي: أيُّ الروايات في هذا أصح عن أبي إسحاق؟ فلم يقض فيه بشيء.
قَالَ: وسالت محمد بن إسماعيل عن هذا فلم يقض فيه بشيء، وكأنه رأى حديث زهير أشبه.
ووضعه في "جامعه" وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ولا يعرف اسمه.
هذا آخر كلام الترمذي. وقد أسلفنا الخلف في سماعه منه ومعرفة اسمه أيضًا، وزهير لم يتفرد به بل تابعه يوسف بن إسحاق كما سلف من عند البخاري، وتابعه أيضًا أبو حماد الحنفي وأبو مريم وشريك وزكريا بن أبي زائدة فيما ذكره الدارقطني.
وقال الآجري: سجلت أبا داود عن زهير وإسرائيل في أبي إسحاق فقال: زهير فوق إسرائيل بكثير.
قُلْتُ: وقد اختلف عَلَى إسرائيل أيضًا دون زهير، فرواه كرواية زهير ورواه عباد القطواني وخالد العبد عنه، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله.
ورواه الحميدي عن ابن عيينة عنه، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد ذكره الدارقطني، ومتابعة قيس لا تجدي لضعفه الواهي.
ورواه الدارقطني من حديث يونس بن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة وأبي الأحوص، عن ابن مسعود
(1)
.
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث زياد بن الحسن بن فرات، عن أبيه، عن جده، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله قَالَ: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال: "ائتني بثلاثة أحجار" فوجدت له حجرين وروثة حمار، فأمسك الحجرين وطرح الروثة. وقال:"هي رجس"
(2)
.
ورواه الطبراني
(3)
في "أكبر معاجمه" من حديث شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود.
وقول الترمذي: ورواه زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله هو أحد الوجوه عنه وقيل: عن عبد الرحمن، عن أبيه. وقيل: عن أبي إسحاق، عن الأسود.
ورواه جماعات عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله. وقيل:
(1)
"الإلزامات والتتبع" ص 227 - 229 (94).
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 39 (70)، ورواه ابن ماجه (314)، وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه": صحيح.
(3)
"المعجم الكبير" 10/ 61 - 63 (9953 - 9956، 9958 - 9960).
الأسود بدل علقمة. وقيل: هبيرة بن يريم (بدلهما)
(1)
ذكره الدارقطني كله
(2)
. وقال: اختلف عليه اختلافًا شديدًا.
وقول أبي إسحاق: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه يحتمل أن يكون نفيًا لحديثه وإثباتًا لحديث عبد الرحمن ويحتمل أن يكون إثباتًا لحديثه أيضًا، وإن كان غالبًا يحدث به عن أبي عبيدة فقال يومًا: ليس هو حَدَّثَنِي وحده ولكن عبد الرحمن أيضًا.
وقال الكرابيسي في كتاب "المدلسين": أبو إسحاق يقول في هذا الحديث مرة: حدثني عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله. ومرة:(حدثني)
(3)
علقمة، عن عبد الله. ومرة: حَدَّثَنِي أبو عبيدة، عن عبد الله. ومرة يقول: ليس أبو عبيدة حدثنيه، حدثني عبد الرحمن، عن عبد الله.
الوجه الخامس: في أحكامه:
الأول: منع الاستنجاء بالروث، وقد سلف في الباب قبله، وقد أسلفنا عند ابن خزيمة أنها روثة حمار
(4)
. قَالَ: وفيه بيان أن أرواث الحمر نجسة، وإذا كانت نجسة كان حكم جميع أرواث ما لا يجوز أكل لحومها من ذوات الأربع مثل أرواث الحمر.
الثاني: منع الاستنجاء بالنجس فإن الركس هو النجس. وقد جاء في رواية أخرى سلفت: "إنها رجس". قال صاحب "المطالع": والمعنى
(1)
في (ج): بدل همام.
(2)
"الإلزامات والتتبع" ص 230 (94).
(3)
في (ج): حدثنا.
(4)
سبق تخريجه.
واحد. أي: قد أركست في النجاسة بعد الطهارة، وقد جاء الرجس بمعنى الإثم والكفر والشرك؛ لقوله تعالى:{فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: 125]، وقيل: نحوه في قوله تعالى: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33]، أي: يطهركم من جميع هذِه الخبائث.
وقد تجيء بمعنى العذاب والعمل الذي يوجبه كقوله: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس:100]، وقيل: بمعنى اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة، وقال ابن التين: الرجس، والركس في هذا الحديث قيل: النجس. وقيل: القذر.
وقال الخطابي: معنى الركس: الرجيع؛ أي: قد رد من حال الطهارة إلى حال النجاسة، ومنه قوله تعالى:{وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء: 88]، أي: ردُّوا إلى الركس والعذاب
(1)
، ومنه: ارتكس فلان.
وقال ابن بطال: يمكن أن يكون معنى ركس: رجس. قَالَ: ولم أجد لأهل اللغة شرح هذِه الكلمة، والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة باللغة
(2)
. وقال الداودي: يحتمل أن يريد بالرجس: النجس، ويحتمل أن يريد: لأنها طعام الجن.
الثالث: قد يستدل به من يقول: الواجب في الاستنجاء الإنقاء حتَّى لو حصل بحجر أجزأ، وهو قول مالك وداود، ووجهٌ للشافعية وحكاه العبدري عن عمر بن الخطاب، وبه قَالَ أبو حنيفة، حيث أوجب الاستنجاء، ومذهب الشافعي أن الواجب ثلاث مسحات وإن حصل
(1)
"أعلام الحديث" 1/ 250.
(2)
"صحيح البخاري بشرح ابن بطال" 1/ 248.
الانقاء بدونها، وهو مذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور، وأجابوا عن هذا الحديث بأنه يجوز أن يكون وجد ماءً أو كان أحد الحجرين له أحرف كما قاله الخطابي
(1)
.
وأحسن منهما بأنه جاء في "سنن الدارقطني": لما ألقى الروثة قَالَ: "ائتني بحجر" يعني ثالثًا. وفي رواية: "ائتني بغيره"
(2)
لكن رواهما من حديث أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله به، ثمَّ قَالَ: وهو منقطع فيما بين أبي إسحاق وعلقمة.
قُلْتُ: وقد أسلفنا من عند الكرابيسي التصريح بسماع أبي إسحاق منه.
وقال ابن القصار: إنه روي في بعض الآثار التي لا تصح أنه أتاه بثالث، ولعله لمح كلام الدارقطني ثمَّ قَالَ: وأي الأمرين كان، فالاستدلال لنا به صحيح؛ لأنه اقتصر للموضعين عَلَى ثلاثة أحجار فحصل لكل واحد منهما أقل من ثلاثة؛ لأنه لم يقتصر عَلَى الاستنجاء لأحد الموضعين ويترك الآخر، ورده ابن حزم بأن قَالَ: هذا باطل؛ لأن النص ورد في الاستنجاء، ومسح البول لا يسمى استنجاء
(3)
، وفيما قاله نظر
(4)
.
(1)
انظر: "الحاوي" 1/ 171، "المغني" 1/ 209، "الاختيار لتعليل المختار" 1/ 48، "الذخيرة" 1/ 210.
(2)
"سنن الدارقطني" 1/ 55 (5).
(3)
"المحلى" 1/ 97.
(4)
ورد بهامش (س) ما نصه: ثم بلغ في الحادي بعد الأربعين كتبه مؤلفه غفر الله له.
22 - باب الوُضوءِ مَرَّةً مَرَّةً
157 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطًاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً. [فتح:1/ 258]
حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً.
هذا الحديث مما انفرد به البخاري عن مسلم، وأخرجه أيضًا أصحاب السنن الأربعة
(1)
.
قَالَ الترمذي عقب إخراجه: وفي الباب عن عمر (ق) وجابر (م) وبريدة وأبي رافع وابن العالية
(2)
. قُلْتُ: وأُبي (ق) بن كعب وحديث ابن عباس أحسن شيء في الباب.
قُلْتُ: لا جرم اقتصر عليه البخاري.
قَالَ: وروى رشدين بن سعد وغيره هذا الحديث عن الضحاك بن شرحبيل، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر مرفوعًا به، وليس بشيء.
والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد، عن زيد، عن عطاء، عن ابن عباس، ورواه عن سفيان جماعات غير شيخ البخاري منهم وكيع.
(1)
"سنن أبي داود"(138)، "سنن الترمذي"(42)، "سنن النسائي" 1/ 62، "سنن ابن ماجه" (411). وقال أبو عيسى: حديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(127): صحيح على شرط البخاري.
(2)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: من خط المصنف في الهامش: أخرج حديث أبي رافع الدارقطني، وحديث ابن العالية -واسمه محبرة أبو القاسم البغوي.
ونبه الدارقطني أيضًا على أن ابن لهيعة ورشدين بن سعد روياه عن الضحاك أيضًا كما سلف، وأن عبد الله بن سنان خالفه فرواه عن زيد، عن عبد الله بن عمر قَالَ: وكلاهما وهم، والصواب: زيد، عن عطاء، عن ابن عباس.
وفي "مسند البزار" ما أتى هذا إلا من الضحاك، وقد أغفل في سنده قصد الصواب
(1)
.
ورجاله سلف التعريف بهم. وفقهه سلف أول الوضوء.
و (سفيان) هو الثوري كما صرح به أبو نعيم وغيره، وقد سلف أيضًا.
واستدل ابن التين بهذا الحديث على عدم إيجاب تخليل اللحية وهو لائح؛ لأنه إذا غسل وجهه مرة لا يبقى معه من الماء ما يخلل به. قَالَ: وفيه رد على من قَالَ: فرض مغسول الوضوء ثلاث.
(1)
"مسند البزار" 1/ 415 - 416 (292).
23 - باب الوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ
158 -
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدِ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ ابْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. [فتح: 1/ 258]
حَدَّثنَا الحُسَيْنُ بْنُ عِيسى، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْن عَمْرٍو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ.
هذا الحديث من أفراد البخاري، وأخرجه أبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة
(1)
وقال: حسن غريب. قَالَ: وفي الباب عن جابر (ق). وأغفل حديث زيد.
والتعريف بهم سلف خلا عبد الله (ع) بن أبي بكر
(2)
وهو ثقة حجة.
مات سنة خمس وثلاثين ومائة. ووالده سلف.
(1)
"سنن أبي داود"(136)، "سنن الترمذي" (43). وقال: هذا حديث حسن غريب. ورواه أحمد 2/ 288، وابن حبان في "صحيحه" 3/ 373 - 374 (1904).
ورواه الحاكم في "مستدركه" 1/ 150، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 231 (125): حسن صحيح.
(2)
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال عبد الرحمن بن القاسم عن مالك: كان كثير الأحاديث، وكان رجل صدق.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: حديثه شفاء. وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين وأبو حاتم: ثقة. وقال النسائي: ثقة ثبت.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 54 (119)، "معرفة الثقات" 2/ 23 (861)، "الجرح والتعديل" 5/ 17 (77)، "تهذيب الكمال" 14/ 349 (3190).
ويونس (ع) بن محمد
(1)
هو أبو محمد المؤدب المعلم، مات بعد المائتين سنة سبع أو ثمانٍ أو غير ذَلِكَ.
وشيخ البخاري هو أبو علي الطائي القومسي البسطامي الدامغانى
(2)
. عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة، ثقة من أئمة العربية. مات سنة سبع وأربعين ومائتين وهو من الأفراد، ليس في الصحيحين من اسمه الحسين بن عيسى غيره، وفي أبي داود وابن ماجه آخر حنفي كلوفي، أخو سليم القاري، ضعيف
(3)
.
وفقه سلف، وقد ذكر بعد بأبواب من حديث عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم غسل يديه مرتين ومضمض
(1)
يونس بن محمد بن مسلم البغدادي: قال عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين: ثقة. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثقة.
وقال أبو حاتم: صدوق. وقال أحمد بن الخليل البرجلاني: حدثنا يونس بن محمد الصدوق.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 410 (3517)، "الجرح والتعديل" 9/ 246 (1033)، "الثقات" 9/ 289، "تهذيب الكمال" 32/ 540 (7184).
(2)
الحسين بن عيسى بن حمران الطائي أبو علي الخرساني القومسي البسطامي.
قال أبو حاتم: صدوق. قال الحاكم أبو عبد الله: من كبار المحدثين وثقاتهم، من أئمة أصحاب العربية.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 393 (2893)، "الجرح والتعديل" 3/ 60 (271)، "تهذيب الكمال" 6/ 460 (1328).
(3)
الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي: قال أبو زرعة: منكر الحديث. قال أبو حاتم: ليس بالقوي، روى عن الحكم بن أبان أحاديث منكرة.
قال أبو أحمد بن عدي: له من الحديث شيء قليل، عامة حديثه غرائب، وفي بعض حديثه مناكير. وقال ابن حجر: ضعيف.
انظر ترجمته في: "الجرح التعديل" 3/ 60 (269)، "تهذيب الكمال" 6/ 463 (1329)، "التقريب"(1341).
واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وسيأتي
(1)
.
واعترض بعض من شرح البخاري ممن عاصرته وتأخر بأن قَالَ: الحديث واحد فلا يحسن استدلال البخاري به في هذا الباب، قَالَ: اللهم، إلا لو قَالَ: إن بعض وضوئه كان مرتين وبعضه ثلاثًا كان حسنًا، هذا لفظه، وهو اعتراض ساقط إذ لا يمتنع تعدد القصة، كيف والطريق إلى عبد الله بن زيد مختلف.
(1)
سيأتي برقم (185) كتاب: الوضوء، باب: مسح الرأس كله.
24 - باب الوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا
159 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأْوُيْسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ حُمْرَانَ -مَوْلَى عُثْمَانَ- أَخْبَرَهُ أنَهُ رَأى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى الِمرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". [160، 164، 1934، 6433 - مسلم: 226 - فتح: 1/ 259]
160 -
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: قَالَ ابن شِهَابٍ: ولكن عُرْوَةُ يُحَدِّثُ، عَنْ حُمْرَانَ، فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ قَالَ: ألَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا آيَةٌ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ، وَيُصَلِّي الصَّلَاةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَتّى يُصَلِّيَهَا". قَالَ عُرْوَةُ: الآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 159][انظر: 159 - مسلم: 227 - فتح 1/ 261]
حَدَثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَني إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ حُمْرَانَ -مَوْلَى عُثْمَانَ- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه".
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث رواه مسلم أيضًا
(1)
وأبو داود والنسائي في "سننهما"
(2)
، وكرره البخاري بعد، وفي الصوم
(3)
.
ثانيها: في التعريف برجاله غير من سلف:
أما راويه عثمان فهو ثالث الخلفاء ذو النورين أبو عمرو عثمان (ع) بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
أمه: أروى (بنت)
(4)
عمة رسول صلى الله عليه وسلم، وهو أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم.
روي له مائة حديث ونيف، وكثر المال في زمنه حتى أبيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف، ونخلة بألف درهم.
ذبح صبرًا في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين عن نيف وثمانين سنة، وليس في الصحابة من اسمه عثمان بن عفان غيره، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة.
وفي الترمذي: "لكل نبي رفيق ورفيقي في الجنة عثمان"
(5)
. وبويع له
بالخلافة بعد ثلاثة أيام من دفن عمر غرة المحرم سنة أربع وعشرين
(6)
.
(1)
مسلم (226) كتاب: الطهارة، باب: صفة الوضوء وكماله.
(2)
"سنن أبي داود"(106)، "سنن النسائي" 1/ 64، "الكبرى" 1/ 82 (91).
(3)
سيأتي برقم (1934) كتاب: الصوم، باب: سواك الرطب واليابس للصائم.
(4)
ورد بهامش (س): صوابه حذف (بنت).
(5)
"سنن الترمذي"(3698) كتاب: المناقب. وقال: هذا حديث غريب ليس إسناده بالقوي وهو منقطع؛ وقال الألباني في "الضعيفة"(2292): ضعيف.
(6)
انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 254، "معرفة الصحابة" 1/ 58 - 75، 4/ 1952، "الاستيعاب" 3/ 155 - 165، "أسد الغابة" 3/ 584 - 596.
وأما حمران فهو ابن أبان. وقيل: ابن أبّا. وقيل: أبي، مدني، قرشي مولاهم، كان من سبي عين التمر، وكان كاتب عثمان وحاجبه، وولي نيسابور زمن الحجاج، ذكره البخاري في "ضعفائه" واحتج به في "صحيحه". وكذا مسلم والباقون، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث لم أرهم يحتجون بحديثه. مات سنة خمس وسبعين. أغرمه الحجاج مائة ألف؛ لأجل الولاية السالفة ثم رد عليه ذَلِكَ بشفاعة عبد الملك
(1)
.
وأما عطاء بن يزيد فهو ليثي تابعي سلف
(2)
.
وكذا ابن شهاب: تابعي، فهؤلاء ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض
(3)
.
الثالث: في ألفاظه:
معنى (أفرغ): قلب وصبَّ
(4)
؛ لأجل الغسل.
و (الاستنثار): طلب دفع الماء؛ للخروج من الأنف، مأخوذ من النثرة وهي: طرف الأنف. وقال الخطابي: هي الأنف
(5)
.
ومنهم من جعله جذب الماء إلى الأنف وهو الاستنشاق، والصواب
(1)
حمران بن أبان، قال معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين في تسمية تابعي أهل المدينة ومحدثيهم: حمران بن أبان. وقال عمار بن الحسن الرازي، عن علوان: كان أول سبي دخل المدينة من قبل المشرق حمران بن أبان، وقال أبو سفيان الحميري، عن أيوب أبي العلاء، عن قتادة: إن حمران بن أبان كان يصلي مع عثمان بن عفان فإذا أخطأ فتح عليه.
انظر: "الطبقات الكبرى" 5/ 283، "التاريخ الكبير" 3/ 80 (287)، "تهذيب الكمال" 7/ 301 (1496).
(2)
سبقت ترجمته في حديث رقم (144).
(3)
سبقت ترجمته في حديث رقم (3).
(4)
"لسان العرب" 6/ 3396.
(5)
"غريب الحديث" 1/ 136.
الأول، ويدل (له)
(1)
حديث عثمان الآتي: ثم تمضمض واستنشق واستنثر؛ فجمع بينهما وذلك يقتضي التغاير، ومنهم من قَالَ: سُمِّي جذب الماء استنشاقًا بأول الفعل واستنثارًا بآخره.
فرع:
يكون الاستنثار باليسرى.
و (المَرْفِق): بفتح الميم وكسر الفاء وعكسه لغتان، والمراد به: موصل الذراع في العضد
(2)
.
الرابع: في أحكامه:
وهي نيف وعشرون:
أولها: جواز الاستعانة في إحضار الماء وهو إجماع من غير كراهة.
ثانيها: الإفراغ على اليدين معًا، وجاء في رواية أخرى: أفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما
(3)
. وهو قدر مشترك بين غسلهما معًا مجموعتين أو متفرقتين، والفقهاء اختلفوا في أيهما أفضل.
فرع: لم يذكر في هذا الحديث التسمية، وقد سلف ما فيها في بابها
(4)
.
ثالثها: التثليث في غسل الكفين، وهو إجماع.
رابعها: استحباب غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء في ابتداء الوضوء.
(1)
في (ج): عليه.
(2)
"لسان العرب" 3/ 1695، مادة:(رفق).
(3)
رواه أبو داود (109). وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(97): إسناده حسن صحيح.
(4)
سلف برقم (141) كتاب: الوضوء، باب: التسمية على كل حال وعند الوقاع.
خامسها: جواز إدخال اليدين الإناء بعد غسلهما، وأنه لا يفتقر إلى نية الاغتراف.
سادسها: الترتيب بين غسل اليدين والمضمضمة؛ لأجل الفاء المقتضية للتعقيب، والأصح عند أصحابنا أن ذَلِكَ على وجه الاشتراط، وكذا الترتيب بين المضمضة والاستنشاق أيضًا، وعبَّر الماوردي عن الخلاف بأن في وجوب الترتيب في المسنونات وجهين
(1)
.
سابعها: المضمضة أصلها مشعر بالتحريك، ومنه مضمض النعاس في عينه: إذا تحرك، واستعمل في المضمضمة؛ لتحريك الماء في الفم، والأصح عند أصحابنا أنه لا يشترط الإدارة ولا المج، ومن اشترط المج جرى على الأغلب، فإن العادة عدم ابتلاعه.
ثامنها: لم يذكر في هذِه الرواية الاستنشاق وذكرها بعد ذَلِكَ كما أسلفناه، وسيأتي.
وجمهور العلماء على أن المضمضة والاستنشاق سنة في الوضوء.
تاسعها: غسل الوجه، وأصله من المواجهة، وحده (ما بين)
(2)
منابت رأسه غالبًا ومنتهى لَحْيَيْهِ
(3)
وما بين أذنيه، وتفصيل القول في ذَلِكَ محله كتب الفروع، وقد (بسطناه)
(4)
فيها.
العاشر: تثليث غسل الوجه، والإجماع قائم على سنيته.
الحادي عشر: (ثم) هنا للترتيب بين المسنون والمفروض، وهما
(1)
"الحاوي" 1/ 138.
(2)
في (ج): من.
(3)
في (ج): لحيته.
(4)
في (ج): بسطتها.
المضمضة وغسل الوجه، وبعضهم رأى الترتيب في المفروض دون المسنون كما سلف، وهو مذهب مالك.
واختلف أصحاب مالك في الترتيب في الوضوء على ثلاثة أقوال: الوجوب، والندب -وهو المشهور عندهم-، والاستحباب.
ومذهب الشافعية وجوبه، وخالف المزني فقال: لا يجب، واختاره ابن المنذر والبندنيجي
(1)
، وحكاه البغوي عن أكثر العلماء، وحكاه الدزماري
(2)
قولًا عن القديم وعزاه إلى صاحب "التقريب". قَالَ إمام الحرمين: لم ينقل أحد قط أنه صلى الله عليه وسلم نكس وضوءه فاطرد الكتاب والسنة على وجوب الترتيب
(3)
.
(1)
هو الحافظ مفيد بغداد أبو العباس أحمد بن أحمد بن أحمد بن كرم البندنيجي ثم البغدادي الأزجي المعدل، أخو المحدث تميم. ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. وسمع من ابن الزاغوني، وأبي الوقت، وأبي محمد بن المادح وكتب العالي والنازل، وبالغ من غير إتقان. روى عنه ابن الدُّبيثي، وابن النجار، والزكي البرزالي، وآخرون. وله عناية بالأسماء، ونظرٌ في العربية، وكان فصيحًا طيب القراءة. مات شيخًا في رمضان سنة خمس عشرة وستمائة.
انظر ترجمته في: "التكملة لوفيات النقلة" 2/ 442 - 443 (1622)، "سير أعلام النبلاء" 22/ 64 - 65 (48)، "الوافي بالوفيات" 6/ 224 - 225 (2692)، "شذرات الذهب" 5/ 62.
(2)
أحمد بن كشاسب بن علي بن أحمد الإمام كمال الدين أبو العباس الدزماري، الفقيه الشافعي كان فقيهًا صالحًا، كثير الحج والخير، له من المؤلفات:"النكت على التنبيه"، "الفروق". توفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة.
انظر ترجمته في: "الوافي بالوفيات" 7/ 299، "طبقات الشافعية، للإسنوي 1/ 315 - 316 (289)، "معجم المؤلفين" 2/ 31.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 153، "الإفصاح" 1/ 105 - 106، "عيون المجالس" 1/ 111 - 112، "التحقيق" 1/ 271 - 280، "البيان" 1/ 135 - 136، "المغني" 1/ 189 - 190، "الذخيرة" 1/ 278 - 285.
الثاني عشر: قد أسلفنا أن المراد بالمرفق هنا موصل الذراع في العضد، لكن اختلف قول الشافعي هل هو اسم لإبرة الذراع أو لمجموع عظم رأس العضد مع الإبرة؟ على قولين، وبنى على ذَلِكَ أنه لو سُل الذراع من العضد، هل يجب غسل رأس العضد أم مستحب؟ وفيه قولان: أشهرهما وجوبه.
الثالث عشر: اختلف العلماء في وجوب إدخال المرفقين في الغسل على قولين، فذهبت الأئمة الأربعة كما عزاه ابن هُبَيْرَةَ إليهم
(1)
والجمهور إلى الوجوب، وذهب زُفر وأبو بكر بن داود إلى عدم الوجوب، ورواه أشهب، عن مالك، وزَّيفه القاضي عبد الوهاب
(2)
.
ومنشأ الخلاف أن كلمة (إلى) لانتهاء الغاية، وقد ترد بمعنى:(مع)، والأول هو المشهور، فمن قَالَ به لم يوجب إدخالهما في الغَسْلِ، ومن قَالَ بالثاني أوجب، لكن يلزم من قَالَ بالأول الوجوب، لا من هذِه الحيثية بل من حيث أْن السنة بينته.
وفرق بعضهم بين أن تكون الغاية من جنس ما قبلها أو لا، فإن كانت من الجنس دخلت كما في الوضوء وإن كان من غيره لم يدخل كما في آية الصوم.
ومنهم من قَالَ: إن كانت الغاية لإخراج ما دخل فيها لم يخرج، فإن اسم اليد يطلق عليها إلى المنكب؛ حتى قَالَ أصحابنا: لو طالت أظافيره ولم يغسلها وجب غسلها قطعًا؛ لاتصالها باليد ودخولها فيه، وكذلك لو نبت في محل الفرض يد أخرى أو سلعة وجب غسلها
(3)
.
(1)
انظر: "الإفصاح" 1/ 112.
(2)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 114، "بدائع الصنائع" 1/ 4.
(3)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 53.
فلو لم ترد هذِه الغاية لوجب غَسلٌ إلى المنكب، فلما دخلت أخرجت عن الغسل ما زاد على المرفقين، وانتهى الإخراج إلى المرفقين فدخلا في الغسل.
الرابع عشر: تثليث غسل اليدين، والإجماع قائم على أنه سنة.
الخامس عشر: ظاهر الحديث استيعاب الرأس بالمسح؛ لأن اسم الرأس حقيقة في العضو، لكن الاستيعاب هل هو على سبيل الوجوب أو الندب؟ فيه قولان للعلماء، ومذهب الشافعي أن الواجب ما يقع عليه الاسم ولو بعض شعره.
ومشهور مذهب مالك وأحمد: أن الواجب مسح الجميع. ومشهور مذهب أبي حنيفة أن الواجب ربع الرأس. وقد أوضحت مدرك الخلاف في "شرحي للعمدة" فراجعه منه
(1)
.
فرع: لم يذكر في الحديث هنا تثليث المسح، وقد ذكرت فيه حديثًا في أول الوضوء، والمسألة خلافية أيضًا، والمشهور عن الشافعي أنها كغيرها في الاستحباب خلافًا للأئمة الثلاثة
(2)
.
السادس عشر: فيه التصريح بغسل الرجلين، وفيه رد على من أوجب المسح.
السابع عشر: استحباب التثليث في غسل الرجلين، وبعضهم لا يراه، وعلقه بالإنقاء، والنص يرده.
الثامن عشر: إنما قَالَ صلى الله عليه وسلم: "نحو وضوئي". ولم يقل: مثله؛ لأن حقيقة مماثلته صلى الله عليه وسلم لا يقدر عليها غيره، كذا قاله النووي في
(1)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 337 - 344.
(2)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 345 - 346.
"شرح مسلم"
(1)
.
لكن صح لفظة "مثل" أيضًا، أخرجه البخاري في كتاب الرقاق من "صحيحه" كما سيأتي
(2)
.
التاسع عشر: فيه استحباب ركعتين بعد الوضوء، ويفعل في كل وقت حتى وقت النهي عند الشافعية، خلافًا للمالكية قالوا: وليست هذِه من السنن.
قالوا: وحديث بلال في البخاري: أنه كان متى توضأ صلَّى
(3)
.
وقال: إنه أرجى عمل له يجوز أن يخصّ بغير وقت النهي
(4)
.
فرع: هل تحصل هذِه الفضيلة بركعة؟
الظاهر المنع، وفي جريان الخلاف فيه في التحية ونظائره نظر.
العشرون: الثواب الموعود به مرتب على أمرين:
الأول: وضوؤه على النحو المذكور.
والثاني: صلاته ركعتين عقبه، بالوصف المذكور في الحديث، والمرتب على مجموع أمرين لا يلزم ترتبه على أحدهما إلا بدليل خارج، وقد يكون للشيء فضيلة بوجود أحد جزئيه، فيصح كلام من أدخل هذا الحديث في فضل الوضوء فقط؛ لحصول مطلق الثواب لا الثواب المخصوص على مجموع الوضوء على النحو المذكور، والصلاة الموصوفة بالوصف المذكور.
(1)
انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" 3/ 108.
(2)
سيأتي برقم (6433) كتاب: الرقاق، باب: قول الله تعالى: (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور .. ).
(3)
سيأتي برقم (1149) أبواب التهجد، باب: فضل الطهور بالليل والنهار.
(4)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 350 - 351.
الحادي بعد العشرين: إثبات حديث النفس، وهو مذهب أهل الحق، ثم حديث النفس قسمان: ما يهجم عليها ويتعذر دفعه عنها، وما يسترسل معها ويمكن قطعه، فيحمل الحديث عليه دون الأول؛ لعسر اعتباره. ولفظ الحديث بقوله:"لا يحدث" فإنه يشهد له بتكسبٍ وتَفعُّلٍ لحديث النفس؛ لأن الخواطر ليست من جنس مقدور العبد معفو عنها؛ فمن حصل له ذَلِكَ العمل حصل له ذَلِكَ الثواب، ومن لا فلا، ولا يكون ذَلِكَ من باب التكاليف حتى يلزم دفع العسر عنه.
نعم، لابد أن تكون الحالة المرتب عليها الثواب المخصوص ممكنة الحصول، وهي التجرد عن شواغل الدنيا، وغلبة ذكر الله تعالى على القلب وتعميره به، وذلك حاصل لأهل العناية ومحكي عنهم. ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن ما يكون من غير قصد يرجى أن تقبل معه الصلاة، ويكون ذَلِكَ صلاة من لم يحدث نفسه بشيء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما ضمن الغفران لمراعي ذَلِكَ؛ لأنه قل من تسلم صلاته من حديث النفس.
وإنما حصلت له هذِه المرتبة؛ لمجاهدته نفسه من خطرات الشيطان ونفيها عنه ومحافظته عليها حتى لم يشتغل عنها طرفة عين، وسلم من الشيطان باجتهاد وتفريغه قلبه
(1)
.
ولم يرتض النووي في "شرح مسلم" هذا بل قَالَ: الصواب حصول هذِه الفضيلة مع طرآن الخواطر العارضة غير المستقرة
(2)
.
(1)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 351 - 353.
(2)
انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" 3/ 108.
الثاني بعد العشرين: حديث النفس يعم الخواطر الدنيوية والأخروية، والحديث محمول على المتعلق بالدنيا فقط، فقد جاء في رواية خارج "الصحيح":"لا يحدِّث فيها نفسه بشيء من الدنيا، ثم دعا إلا استجيب له" ذكرها الحكيم الترمذي في كتاب "الصلاة" تأليفه
(1)
.
الثالث بعد العشرين: المراد بالغفران: الصغائر دون الكبائر، فإن الكبائر تكفر بالتوبة وفضل الكريم واسع وعطاؤه غير نافد
(2)
.
(1)
انظر: "الصلاة ومقاصدها" ص 77.
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر 1/ 260 - 261.
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 22/ 603 - 605 الوسواس لا يبطل الصلاة إذا كان قليلًا باتفاق أهل العلم، بل ينقص الأجر، كما قال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها.
وفي السنن عن النبي (أنه قال: "إن العبد لينصرف من صلاته، ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها، إلا سبعها، إلا ثمنها، إلا تُسعها، إلا عُشرها".
ويقال: إن النوافل شرعت لجبر النقص الحاصل في الفرائض، كما في السنن عن النبي (أنه قال:"أول ما يحاسب عليه العبد من عمله الصلاة، فإن أكملها، وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع، فإن كان له تطوع أكملت به الفريضة، ثم يصنع بسائر أعماله". وهذا الإكمال يتناول ما نقص مطلقًا.
وأما الوسواس الذي يكون غالبًا على الصلاة فقد قال طائفة منهم أبو عبد الله بن حامد، وأبو حامد الغزالي وغيرهما: إنه يوجب الإعادة أيضًا، لما أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (قال:"إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان، وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى التأذين أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه. فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم". وقد صح عن النبي (الصلاة مع الوسواس مطلقًا. ولم يفرق بين القليل والكثير.
ولا ريب أن الوسواس كلما قل في الصلاة كان أكمل، كما في الصحيحين من =
قَالَ البخاري رحمه الله:
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: قَالَ ابن شِهَابٍ: ولكن عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عَنْ حُمْرَانَ. فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا آيَةٌ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ. سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ، وَيُصَلِّي الصَّلَاةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا". قَالَ عُرْوَةُ: الآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 159].
الكلام على ذَلِكَ من أوجه
أحدها:
هذا الحديث علقه البخاري كما ترى، وأسنده مسلم عن زُهير
(1)
،
= حديث عثمان رضي الله عنه، عن النبي (أنه قال:"إن من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه". وكذلك في الصحيح أنه قال: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل عليهما بوجهه، وقلبه غفر له ما تقدم من ذنبه".
وما زال في المصلين من هو كذلك، كما قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: في ثلاث خصال، لو كنت في سائر أحوالي أكون فيهن: كنت أنا؛ إذا كنت في الصلاة لا أحدث نفسي بغير ما أنا فيه، وإذا سمعت من رسول الله (حديثًا لا يقع في قلبي ريب أنه الحق. وإذا كنت في جنازة لم أحدث نفسي بغير ما تقول، ويقال لها. وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد، فانهدم طائفة منه وقام الناس، وهو في الصلاة لم يشعر. وكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه يسجد. فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفع رأسه. وقالوا لعامر بن عبد القيس: أتحدث نفسك بشيء في الصلاة؟
فقال: أو شيء أحب إلي من الصلاة أحدث به نفسي؟ قالوا: إنا لنحدث أنفسنا في الصلاة، فقال: أبالجنة والحور ونحو ذلك؟ فقالوا: لا، ولكن بأهلينا وأموالنا، فقال: لأن تختلف الأسنة فيّ أحبُّ إلي وأمثال هذا متعدد.
(1)
انظر: "صحيح مسلم"(227) كتاب: الطهارة، باب: فضل الوضوء والصلاة عقبه.
ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي عن صالح به. قَالَ أبو نعيم الحافظ: لم يذكر البخاري شيخه فيه، ولا أدري هو معقب لحديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري نفسه أو أخرجه عن إبراهيم بلا سماع.
ثانيها:
إبراهيم هذا هو ابن سعد السالف، وباقي رواته سلف التعريف بهم خلا
(1)
عروة، وهو أبو عبد الله عروة (ع) بن الزبير القرشي الأسدي المدني
(2)
روى عن أبويه، وخالته، وعلي، وخلائق. وعنه أولاده: عبد الله، وعثمان، وهشام، ويحيى، ومحمد، والزهري وخلق.
قَالَ ابن سعد: كان فقيهًا عالمًا كثير الحديث ثبتًا مأمونًا. قَالَ هشام: صام أبي الدهر، ومات وهو صائم. مات قبيل المائة أو إحدى ومائة. قَالَ يحيى بن معين: استصغر يوم الجمل.
ثالثها:
من صالح إلى عثمان كلهم تابعيون مدنيون، وهو من طُرف الإسناد، وفيه طُرفهٌ أخرى وهي رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن صالحًا أكبر سنًّا من الزهري كما سلف.
رابعها: في ألفاظه:
قوله: (آية) هو بالياء ومد الألف. أي: لولا أن الله تعالى أوجب على من علم علمًا إبلاغه لما كنت حريصًا على تحديثكم. ووقع
(1)
ورد بهامش (ص): سلفت ترجمة عروة في أول الكلام على الحديث الثاني من أحاديث هذا الكتاب.
(2)
انظر ترجمته في: "الطبقات" 5/ 178، "التاريخ الكبير" 7/ 31 (138)، "تهذيب الكمال" 20/ 11 (3905)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 421 (168).
للباجي: (بالنون) يعني: لولا أن معنى ما أحدثكم به في كتاب الله ما حدثتكم؛ لئلا تتكلوا.
ويعضده ما في "الموطأ" قَالَ مالك: أراه يريد هذِه الآية {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}
(1)
الآية [هود: 114].
ومعنى إحسان الوضوء: الإتيان به تامًّا بصفته وآدابه.
ومعنى يصليها: حتى يفرغ منها.
خامسها: في فوائده:
الأولى:
وجوب تبليغ العالم ما عنده من العلم وبثه للناس؛ لأن الله تعالى توعد من كتمه باللعن من الله وعباده، وأخذ الميثاق على العلماء {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]، وهذِه الآية وإن كانت نزلت في أهل الكتاب فقد دخل فيها كل من علم علمًا تعبد الله العباد بمعرفته ولزمه من بثه وتبليغه ما لزم أهل الكتاب من ذَلِكَ؛ لأن فيها تنبيهًا وتحذيرًا لمن فعل فعلهم وسلك سبيلهم مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر
(2)
أن من كتم علمًا ألجم يوم القيامة بلجام من نار
(3)
.
(1)
انظر: "موطأ مالك" ص 45 برواية يحيى.
(2)
ورد بهامش (س) ما نصه: روى ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري بسند ضعيف: "من كتم علمًا نافعًا جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار".
(3)
"من سئل عن علم علمه ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار" من حديث أبي هريرة.
رواه أبو داود (3658)، والترمذي (2649) وقال: حديث أبي هريرة حديث حسن، وابن ماجه (266)، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (213): صحيح.
الثانية: ظاهر الحديث أن المغفرة المذكورة لا تحصل إلا بالوضوء وإحسانه والصلاة، وفي "الصحيح" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"إذا توضأ العبد المسلم خرجت خطاياه"
(1)
. ففيه أن الخطايا تخرج مع آخر الوضوء حتى يخرج من الوضوء نقيًّا من الذنوب، وليس فيه ذكر الصلاة، فيحتمل أن يحمل حديث أبي هريرة عليها، لكن يبعده أن في رواية لمسلم في حديث عثمان:"وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة"
(2)
.
ويحتمل أن يكون ذَلِكَ باختلاف الأشخاص، فشخص يحصل له ذَلِكَ عند الوضوء وآخر عند تمام الصلاة.
الثالثة: قد سلف أن المراد بهذا وأمثاله غفران الصغائر، وجاء في بعض الروايات:"وذلك الدهر كله"
(3)
أي: ذَلِكَ مستمر في جميع الأوقات. وجاء في "صحيح مسلم": "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة"
(4)
.
وفي الحديث الآخر " (الصلوات)
(5)
الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"
(6)
.
(1)
انظر: "صحيح مسلم"(244) كتاب: الطهارة، باب: خروج الخطايا مع ماء الوضوء.
(2)
انظر: "صحيح مسلم"(229) في الطهارة، باب: فضل الوضوء والصلاة عقبه.
(3)
رواه مسلم (228/ 7) الطهارة، باب: فضل الوضوء والصلاة عقبه.
(4)
السابق.
(5)
في (ج): فالصلوات.
(6)
مسلم (233/ 16) كتاب: الطهارة، باب: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر.
لا يقال: إذا كفَّر الوضوء فماذا تكفر الصلاة؟ وإذا كفرت الصلاة ماذا تكفر الجمعات ورمضان؟ وكذا صيام عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه؛ لأن المراد أن كل واحد من هذِه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره، وإن لم يصادف صغيرة كتبت له حسنات ورفعت له درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجا أن يخفف منها.
الرابعة: قَالَ (الداودي)
(1)
في "شرحه": المشهور في الرواية: "غفر له ما تقدم من ذنبه" يريد -والله أعلم- التي بينه وبين الله تعالى. قَالَ: وإن لم تكن رواية عروة محفوظة فيحتمل أن يكون غفران ما بينه وبين الصلاة كما يصليها.
قُلْتُ: هي محفوظة من غير شك كما سلف.
الخامسة: الحث على (الاعتناء)
(2)
بتعلم آداب الوضوء وشروطه، والعلم بذلك والاحتياط فيه، والحرص على أن يتوضأ على وجه يصح عند جميع العلماء ولا يترخص بالاختلاف فيعتني بالتسمية والنية والمضمضة والاستنشاق والاستنثار واستيعاب مسح الرأس والأذنين، ودَلْك الأعضاء، والتتابع في الوضوء، وغير ذَلِكَ من المختلف فيه، وتحصيل ماءِ طهور بالإجماع.
(1)
في (ج): الماوردي.
(2)
في (ج): الاعتبار.
25 - باب الاسْتِنْثَارِ فِي الوُضُوءِ
ذَكَرَهُ عُثْمَانُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
161 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ". [162 - مسلم: 237 - فتح: 1/ 262]
أما حديث عثمان فسلف في الباب قبله
(1)
.
وأما حديث عبد الله بن زيد فسيأتي في باب مسح الرأس
(2)
.
وأما حديث ابن عباس فسلف في باب غسل الوجه
(3)
على إحدى النسخ فيه، فإن في نسخة بدل (واستنشق) (واستنثر). ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بلفظ: واستنثر مرتين بالغتين أو ثلاثًا
(4)
.
ثم قَالَ البخاري:
حَدَّثنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ".
(1)
سبق برقم (159) كتاب: الوضوء، باب: الوضوء ثلاثًا ثلاثًا.
(2)
سيأتي برقم (185) كتاب: الوضوء، باب: مسح الرأس كله.
(3)
سبق برقم (140) كتاب: الوضوء، باب: غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة.
(4)
انظر: "سنن أبو داود"(141)، و"سنن ابن ماجه"(408)، "مسند أحمد" 1/ 228. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (240): إسناده صحيح.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم والنسائي وابن ماجه
(1)
ولما أخرجه الترمذي من حديث سلمة بن قيس مرفوعًا: "إذا توضَأْت فانثر، وإذا استجمرت فاوتر" وقال فيه: حديث حسن صحيح.
قَالَ: وفي الباب عن عثمان ولقيط بن صبرة وابن عباس والمقدام بن معدي كرب ووائل بن حجر وأبي هريرة
(2)
.
قُلْتُ: وفيه عن أبي سعيد وعلي في "صحيح ابن حبان"
(3)
، والبراء بن عازب في "الحلية" لأبي نُعيم
(4)
.
ثانيها:
هذا الحديث اشتهر من طريق أبي هريرة عن الزهري رواه عنه جماعة منهم مالك، وعن عبد الله بن المبارك. وأخطأ فيه كامل بن طلحة الجحدري فرواه عن مالك، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن أبي ثعلبة الخُشني كما نبه عليه أبو أحمد الحافظ.
قَالَ أبو عمر: وهم فيه عثمان الطرائفي فقال: ثنا مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة
(5)
.
(1)
انظر: "صحيح مسلم"(237/ 22) كتاب: الطهارة، باب: الإيتار في الاستنثار والاستجمار، "سنن النسائي" 1/ 66 - 67، و"سنن ابن ماجه"(409).
(2)
"سنن الترمذي"(27). وورد بهامش (س): أخرجه البزار.
[قلت: رواه البزار كما في "كشف الأستار" (239)].
(3)
"صحيح ابن حبان" 4/ 286 (1438).
(4)
"حلية الأولياء" 9/ 225.
(5)
انظر: "التمهيد" 11/ 12.
قَالَ الدارقطني: ولا يصح فيه عن مالك ولا عن الزهري غير حديث أبي إدريس، ورواه أسيد بن عاصم، عن بشر بن عمر، عن مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة وهو خطأ
(1)
.
ثالثها:
سلف التعريف برجاله، وعبد الله -هو ابن المبارك- سلف.
رابعها:
الانتثار (سلف)
(2)
بيانه في الباب قبله.
والاستجمار: مسح جميع محل البول والغائط بالجمار وهي الأحجار الصغار التي يُرمى بها في الحج. قَالَ ابن حبيب: وكان ابن عمر يتأول الاستجمار هنا على إجمار الثياب بالمجمر، ونحن نستحب الوتر في الوجهين جميعًا، أي: فإنه يقال في هذا: تجمر واستجمر، فيأخذ ثلاث قطع من الطيب، أو يتطيَّب مرات، واحدة بعد الأولى، وحكي عن مالك أيضًا، والأظهر الأول.
قَالَ ابن الأنباري: معنى أوتر عندهم أن يوتر من الجمار، وهي: الحجارة الصغار. يقال: قد تجمر الرجل يتجمر تجميرًا إذا رمى جمار مكة. والإيتار: أن يكون الاستجمار بوتر.
خامسها:
فيه مطلوبية الاستنثار في الوضوء، والإجماع قائم على عدم وجوبه، ومن يفسر الاستنثار بالاستنشاق قد يتمسك به من يرى الوجوب فيها.
(1)
انظر: "علل الدراقطني" 8/ 297 - 298 (1585).
(2)
في (ج): سبق.
ويجاب بحمل مخالفة الأمر على الاستحباب؛ عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "توضأ كما أمرك الله"
(1)
فأحاله على الآية وليس ذَلِكَ فيها.
سادسها:
مطلوبية الإيتار في الاستنجاء، ولا يجوز عند الشافعي بأقل من ثلاث وإن حصل الإنقاء بدونه؛ لأن الواجب عنده أمران: إزالة العين، واستيفاء ثلاث مسحات، فإن حصل الإنقاء بثلاث فلا زيادة، وإن لم يحصل وجبت
(2)
.
وهذا الحديث دال على وجوب الإيتار لكن بالثلاث من دليل آخر، وهو نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار
(3)
، ووافقنا أحمد (على)
(4)
وجوب استيفاء ثلاث مسحات وإن حصل الإنقاء بدونها، وبه قال بعض المالكية، وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن الواجب الإنقاء لا غير
(5)
.
(1)
سبق تخريجه في حديث رقم (141).
(2)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 69.
(3)
فيه حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه: نهانا- أي: النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم. رواه مسلم (262) كتاب: الطهارة، باب: الاستطابة.
(4)
في (ج): في.
(5)
من هنا يبدأ سقط كبير في (ج) سنشير إلى انتهائه، وتبقى نسخة (س) بمفردها.
26 - باب الاسْتِجْمَارِ وِتْرًا
162 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْثُرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئهِ، فَإِن أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ". [انظر: 161 - مسلم: 237، 278 - فتح: 1/ 263]
حَدَّثنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْثُرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وِإذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من طريق مالك
(1)
، وأخرجه مسلم من طريق آخر
(2)
.
ثانيها: في التعريف برواته: وقد سلف.
ثالثها: في بيان ألفاظه:
معنى "توضأ": أراد الوضوء.
وقوله: "فليجعل في أنفه" أي: ماءً، حذف للعلم به، فيؤخذ منه حذف المفعول إذا دل الكلام عليه، ومعنى "يجعل" هنا: يُلقي،
(1)
"سنن أبي داود"(140).
(2)
انظر: "صحيح مسلم"(278) كتاب: الطهارة، باب: كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثًا.
وقوله: "في وَضوئه" هو بفتح الواو.
رابعها: في أحكامه:
الأولى: مطلوبية الاستنثار، وقد سلف في الحديث قبله.
الثانية: الأمر بالإيتار. وقد سلف ما فيه أيضًا
(1)
، والمراد بالإيتار عندنا: أن يكون عدد المسحات ثلاثًا، أو خمسًا، أو فوق ذَلِكَ من الأوتار.
وقد أسلفنا أن الشافعي يرى سنيته في الزيادة على الثلاث إذا حصل الإنقاء بشَفْعٍ، ومن أصحابه من أوجبه مطلقًا عملًا بظاهر هذا الحديث.
وحجة الجمهور الحديث السالف: "من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج"
(2)
حملًا له على ما زاد على الثلاث جمعًا بينه وبين نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار.
الثالثة: مشروعيةُ غسل اليدين، وكراهةُ غمسها في الإناء في الوضوء ليس مختصًّا بنوم الليل، بل لا فرق بين نوم الليل والنهار؛ لإطلاقه صلى الله عليه وسلم النوم من غير تقييد، وخصها أحمد بنوم الليل؛ لقوله:"أين باتت يده" والمبيت لا يكون إلا ليلًا، ويؤيده رواية أبي داود، والترمذي وصححها:"إذا قام أحدكم من الليل"
(3)
وعنه رواية أخرى وافقه عليها داود أن كراهته إن كان من نوم الليل للتحريم، وإلا فللتنزيه.
(1)
سلف كما في الحديث السابق.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
انظر: "سنن أبي داود"(103)، "سنن الترمذي"(24)، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (92): صحيح.
وحمله غيرهما على أن ذكر الليل للغالب لا للتقييد ويرشد إلى ذَلِكَ أنه علله بأمر يقتضي الشك وهو: "فإنه لا يدري أين باتت يده" فدل على أن الليل والنوم ليس مقصودًا بالتقييد، ثم هذِه المشروعية -أعني: تقديم الغسل على الغمس- على وجه الندب عند الشافعي ومالك والجمهور، وعلى وجه الوجوب عند داود والطبري، فلو خالف وغمس يده لم ينجس الماء، خلافًا للحسن البصري وإسحاق وابن جرير ورواية عن أحمد، وهو بعيد؛ لأنه تنجيس بالشك، وفي رواية منكرة الأمر بإراقة ذَلِكَ الماء.
وقال بعض المالكية بمقتضاها استحبابًا، وقد بسطت الكلام على هذِه المسألة ومتعلقاتها في "شرح العمدة" فراجعه منه
(1)
.
الرابعة: فيه استعمال الكنايات فيما يستحى من التصريح به، فإنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يدري أين بات يده" ولم يقل: فلعل يده وقعت على دبره أو على ذكره أو على نجاسة، أو نحو ذَلِكَ، وإن كان مرادًا.
الخامسة: الفائدة في قوله: "من نومه": خروج الغفلة ونحوها، وفي إضافة النوم إلى ضمير أحدكم؛ ليخرج نومه صلى الله عليه وسلم، فإنه تنام عينه دون قلبه
(2)
.
السادسة: فيه دلالة على الفرق بين ورود النجاسة وورودها عليه، فإذا ورد عليها الماء أزالها، أذا وردت عليه نجسته إذا كان قليلًا؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إيرادها عليه؛ وأمره بإيراده عليها وذلك يقتضي أن
(1)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 249.
(2)
سيأتي برقم (3569) كتاب: المناقب، باب: كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه.
ملاقاة النجاسة إذا كان الماء واردًا عليها غير مفسدٍ له، وإلا لما حصل المقصود من التطهير.
السابعة: فيه أيضًا دلالة على أن الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة ووقوعها فيه، فإنه صلى الله عليه وسلم إذا منع من إدخال اليد فيه باحتمال النجاسة، فمن تيقنها أولى، وفيه بحث.
الثامنة: قوله: "قبل أن يدخلها في وضوئه" يشعر بأن السياق للماء، والحكم لا يختلف بينه وبين غيره في الأشياء الرطبة.
27 - باب غَسْلِ الرِّجْلَين، وَلَا يَمسَحُ عَلَى القَدَمَيِنْ
163 -
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنَّا فِي سَفرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا العَصْرَ، فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادى بِأَعْلَى صَوْتِهِ:"وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ". مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. [انظر 60 - مسلم: 241 - فتح: 1/ 265]
حدَثنَا مُوسَى، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو حديث:"وَيْلٌ لِلأعْقَابِ مِنَ النَّارِ".
وقد تقدم في باب: من رفع صوته بالعلم
(1)
واضحًا، وكذا في باب: من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم
(2)
، ورجاله أيضًا سلف التعريف بهم.
وموسى هو ابن إسماعيل التبوذكي سلف في الحديث الخامس أول الكتاب، وأحكامه سلفت هناك أيضًا.
(1)
سبق برقم (60) كتاب: العلم، باب: من رفع صوته بالعلم.
(2)
برقم (96) كتاب: العلم، باب: من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه.
28 - باب المَضْمَضَةِ فِي الوُضُوءِ
قَالَهُ ابن عَبَّاسِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زيدِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
164 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرنِى عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حُمْرَانَ -مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- أنَهُ رَأى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ إِلَى الِمرفَقَيْنِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، وَقَالَ:"مَنْ تَوَضأَ نَحْوَ وُضُوئي هذا، ثُمَّ صلَّى رَكعَتَيْنِ، لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه". [انظر: 159 - مسلم: 226 - فتح: 1/ 266]
وأما حديث ابن عباس فسلف في باب: غسل الوجه باليد
(1)
.
وأما حديث عبد الله بن زيد فقد سلف قريبًا ويأتي في الباب أيضًا
(2)
.
ثم قَالَ البخاري: حَدَّثنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حُمْرَانَ .. فذكر حديث عثمان بطوله كما سلف بنحوه.
ورجال إسناده سلف التعريف بهم، وكذا حكم المضمضة.
وحقيقتها: إدخال الماء في الفم، ولا يشترط عندنا مَجٌّ ولا إدارةٌ على الأصح. كما سلف، وفيه رواية حمصي عن حمصي وهما الأولان.
(1)
سبق برقم (140) كتاب: الوضوء، باب: غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة.
(2)
سيأتي برقم (185) كتاب: الوضوء، باب: مسح الرأس كله.
29 - باب غَسْلِ الأَعْقَابِ
وَكَانَ ابن سِيرِينَ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الخَاتَمِ إِذَا تَوَضَّأَ.
165 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَيادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالنَّاسُ يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الِمطْهَرَةِ- قَالَ: أَسْبِغُوا الوُضُوءَ، فَإِنَّ أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ". [مسلم 242 - فتح:1/ 267]
حَدَّثنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا شُعْبَةُ، ثنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالناسُ يَتَوَضَّئُونَ مِنَ المِطْهَرَةِ- قَالَ: أَسْبِغُوا الوُضُوءَ، فَإِن أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم قَال:"وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ".
أما أثر ابن سيرين فقد أسنده في "المصنف" بإسنادٍ صحيح عن هشيم، عن خالد عنه
(1)
. ووجه دخوله في الباب يحتمل أن يكون أراد بذلك أنه لو أدار الخاتم وهو في إصبعه لكان ذَلِكَ بمنزلة الممسوح، وفرض الإصبع الغسل فقاس المسح في الإصبع على مسح الرجلين، فإنه قد فهم من الحديث -على ما قدمناه- المسح، وبوب عليه كما سلف، وقد روي عن ابن سيرين أنه أدار الخاتم في إصبعه، فلعل ذَلِكَ حالة أخرى كان واسعًا يدخل الماء برقته إليه.
وبهذا التفصيل قَالَ الشافعي وأحمد. قَالَ ابن المنذر: وبه أقول. قَالَ: وكان ابن سيرين وعمرو بن دينار وعروة وعمر بن عبد العزيز والحسن وابن عيينة وأبو ثور يحركونه في الوضوء
(2)
.
قُلْتُ: وكذا أبو تميم الجيشاني وعبد الله بن هبيرة السبائي وميمون بن
(1)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 44 (424).
(2)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر 1/ 388.
مهران كما ذكره عنهم في "المصنف"
(1)
، وكان حماد يقول في الخاتم: أَزِله
(2)
.
قَالَ ابن المنذر: ورخص فيه مالك والأوزاعي، وروي ذَلِكَ عن سالم
(3)
.
وقد روى ابن ماجه حديثًا فيه ضعف، عن أبي رافع: كان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ حرك خاتمه
(4)
.
قَالَ البيهقي: والاعتماد في هذا الباب على الأثر عن علي أنه كان إذا توضأ حرك خاتمه. وحكى أيضًا عن ابن عمر وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص
(5)
.
وفي "غريب الحديث" لابن قتيبة من طريق ابن لهيعة، عن أبي بكر الصديق قَالَ لرجل يتوضأ: عليك بالمنْشَلة. قَالَ: يعني موضع الخاتم من الأصبع
(6)
.
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم
(7)
والنسائي والترمذي
(8)
، (واشتهر)
(9)
عن شعبة ورواه صالح بن ذكوان، عن أبي هريرة، فتابع
(1)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 44 (428).
(2)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 44 (428).
(3)
انظر: "الأوسط" 1/ 389.
(4)
"سنن ابن ماجه"(449)، قال البوصيري في "زوائده" ص 94 - 95: هذا إسناد ضعيف؛ وضعفه الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه"(100).
(5)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 57.
(6)
"غريب الحديث" 1/ 581.
(7)
مسلم (242) كتاب: الطهارة، باب: وجوب غسل الرجلين بكمالهما.
(8)
"سنن الترمذي"(41)، "سنن النسائي" 1/ 77 - 78.
(9)
الكلمة مكررة في (س).
محمد بن زياد، وسلف التعريف برواته خلا محمد بن زياد القرشي مولى عثمان بن مظعون، مدني الأصل، سكن البصرة
(1)
، ثقة تابعي.
وفقه الباب سلف في العلم.
(1)
محمد بن زياد القرشي الجمحي، قال أحمد بن حنبل: ثقة. وقال يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وهو أحب إلينا من محمد بن زياد الألهاني.
وقال الترمذي، والنسائي: ثقة.
انظر: "التاريخ الكبير" 1/ 82 (222)، "الجرح والتعديل" 7/ 257 (1407)، "الثقات" 5/ 372، "تهذيب الكمال" 25/ 217 (5222).
30 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ
166 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ الَمقْبُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا. قَالَ: وَمَا هِيَ يَا ابن جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الأرْكَانِ إِلَّا اليَمَانِيَيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أِهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الهِلَالَ، وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيةِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَمَّا الأرْكَانُ فَإِنّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمَسُّ إِلَّا اليَمَانِيَيْنِ، وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّهُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النَّعْلَ التِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا، وَأَمَّا الصّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِهَا، فأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا، وَأَمَّا الإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتهُ. [1514، 1552، 1609، 2865، 5851، 1554 - مسلم: 1187، 1267 - فتح: 1/ 268]
حدَثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُريِّ، عَنْ عُبَيْدِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابكَ يَصْنَعُهَا. قَالَ: وَمَا هِيَ يَا ابن جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الأًرْكَانِ إِلا اليَمَانِيَيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الهِلَالَ، وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيةِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَمَّا الأرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمَسُّ إِلَّا اليَمَانِيَيْنِ، وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأيْتُ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ النَّعْلَ التِي لَيْسَ فِيهَا شَعرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أحب أَنْ أَلْبَسَهَا، وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِهَا، فأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا، وَأَمَّا الإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس
(1)
.
وأخرجه مسلم
(2)
، وأبو داود في الحج، والترمذي في "شمائله"
(3)
.
وتابع عبد الله بن قسيط سعيدًا فرواه عن عبيد.
ثانيها: في التعريف برواته:
وقد سلف التعريف بهم خلا عبيد (خ. م. د. س. ق) بن جريج، وهو مدني ثقة مولى بني تيم كما قال البخاري، أو بني تميم كما قاله ابن إسحاق
(4)
.
ثالثها:
وجه مطابقة الحديث للترجمة أن ابن عمر حكى من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبس النعال ويتوضأ فيها، ويلزم منه عدم المسح عليها، وحقيقة الوضوء فيها أن يكون في حال كونه لابسها، وإن كان النووي في "شرح مسلم"
(1)
سيأتي برقم (5851) كتاب: اللباس، باب: النعال السبتية وغيرها.
(2)
مسلم (1187) كتاب: الحج، باب: الإهلال من حيث تنبعث الراحلة.
(3)
"سنن أبي داود"(1187)، "سنن أبي داود"(1772)، "شمائل الترمذي"(79).
(4)
عبيد بن جريج التيمي مولاهم المدني، قال أبو زرعة والنسائي: ثقة.
وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات"، روى له الجماعة، والترمذي في "الشمائل" حديثًا واحدًا -هو هذا- وهو من أهل المدينة وسمع عن أبي هريرة، وقال العجلي: مكي تابعي ثقة.
انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 444 (1446)، "الجرح والتعديل" 5/ 403 (1868)، "الثقات" 5/ 133، "تهذيب الكمال" 19/ 193 (3709).
قَالَ: معناه يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان
(1)
؛ لا جرم قَالَ الإسماعيلي فيما ذكره البخاري في النعلين والوضوء: فيها نظر، قَالَ السفاقسي
(2)
: وأراد البخاري الرد على من يجوز المسح على النعلين.
قُلْتُ: وأما ما رواه الثوري عن يحيى بن أبي حية، عن أبي الجلاس، عن ابن عمر، أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه
(3)
.
فهو وإن كان يدل على أن المراد في حديثه هذا أنه. كان يمسح رجليه في نعليه في الوضوء، لا أنه كان يغسلهما فهو غير صحيح عنه؛ لأجل يحيى هذا، فإنه ضعيف. والصحيح عنه -بنقل الأئمة- الغسل، رواه عنه مجاهد وابن دينار وغيرهما.
قَالَ الطحاوي: ونظرنا في اختلاف هذِه الآثار فرأينا الخفين اللذين جوز المسح عليهما إذا تخرقا حتى بدت القدمان منهما أو أكثرهما، فكلٌّ
(1)
انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" 8/ 95.
(2)
السفاقسي هو العدل المعمر المسند الفقيه شرف الدين أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد السلام بن عتيق بن محمد التيميمي السفاقسي المغربي ثم الإسكندراني المالكي الشاهد المعروف بابن المقدسية، ابن أخت الحافظ علي بن المفضل المقدسي.
ولد سنة ثلاثِ وسبعين وخمسمائة.
وسمع من أبي الفضل الحضرمي، وأبي القاسم البوصيري، وبهاء الدين بن عساكر، وحدَّث عنه: عبد الرحيم بن عثمان بن عوف، والشرف محمد، والوجيه عبد الوهاب، ابنا عبد الرحمن الشقيري، والفخر محمد والجلال يحيى ولدا محمد بن الحسين السفاقسي.
توفي في ثالث جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وستمائة، انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 23/ 295، 296 (202)، "الوافي بالوفيات" 2/ 352 (816)، "شذرات الذهب" 5/ 266.
(3)
رواه عبد الرزاق 1/ 199 (776).
قد أجمع أنه لا يمسح عليهما، فلما كان المسح على الخفين إنما يجوز إذا غيب القدمين، ويبطل إذا لم يغيبا وكانت النعلان غير مغيبة لهما حتى أنهما كالخفين اللذين لا يغيبان القدمين، فلا يجوز المسح عليهما
(1)
.
رابعها:
قوله: (رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا) يحتمل -كما قَالَ المازَري- أن يكون مراده: لا يصنعهن غيرك مجتمعة، وإن كان يصنع بعضها
(2)
.
خامسها:
(تمس): بفتح الميم. أي: تلمس بيدك، وَمسِستُ -بالكسر- أفصح من الفتح.
سادسها:
قوله: (إلا اليمانيين) هو بتخفيف الياء وحكي التشديد، وهما الركنُ الأسود والركن اليماني، وجاء في روايةٍ: لم يكن يستلم إلا الركن الأسود والذي يليه من نحو دور الجُمحيين، وإنما قيل لهذين الركنين: اليمانيين؛ للتغليب كالعُمرين ونحوه.
فإن قُلْتَ: فلم لم يعبر عنهما بالأسودين؟
وأجيب: بأنه لو عبر بذلك ربما اشتبه على بعض العوام أن في كل منهما الحجر الأسود بخلاف اليمانيين.
فائدة:
سميت يمنًا؛ لأنها عن يمين الكعبة. وقيل: سُميت بيمن بن
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 98.
(2)
"المعلم بفوائد مسلم" 1/ 331.
قحطان بن عابر، وهو هود عليه السلام، وهو أول من قَالَ الشعر ووزنه. وقيل: سمي؛ ليُمنِه. وقيل: لتيامنهم إليها
(1)
.
سابعها:
استلام هذين الركنين؛ لأنهما على قواعد إبراهيم، وإنما لم يستلم الآخران؛ لأنهما ليسا على قواعده، ولما ردهما ابن الزبير على القواعد استلمهما أيضًا، ولو بُني الآن كذلك لاستلمت كلها اقتداءً به صرح به القاضي عياض
(2)
، فركن الحجر الأسود خصّ بشيئين الاستلام والتقبيل والركن الآخر خصّ بالاستلام فقط، والآخران لا يقبلان ولا يستلمان، وكان بعض الصحابة والتابعين يمسحهما على وجه الاستحباب.
قَالَ ابن عبد البر: روي عن جابر وأنس وابن الزبير والحسن والحسين، أنهم كانوا يستلمون الأركان كلها
(3)
، وعن عروة مثل ذَلِكَ، واختلف عن معاوية وابن عباس في ذَلِكَ. وقال أحدهما: ليس من البيت شيء مهجور، والصحيح عن ابن عباس أنه كان يقول: إلا الركن الأسود واليماني، وهما المعروفان باليمانيين
(4)
.
ولما رأى عبيد بن جريج جماعة يفعلون على خلاف ابن عمر سأله عن ذَلِكَ.
ثامنها:
قوله: (وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتيَّةَ). تلبَس: -بفتح الباء- والسِّبتية
(1)
انظر: "معجم ما استعجم" 4/ 1401، "معجم البلدان" 5/ 447.
(2)
انظر: "إكمال المعلم" 4/ 183.
(3)
انظر: "التمهيد" 10/ 51.
(4)
سيأتي برقم (1608) كتاب: الحج، باب: من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين.
-مكسورة السين- معرب، وقد ذكر أنها التي لا شعر فيها، وهي مشتقة من السَّبت -بفتح السين- وهو: الحلق والإزالة، يقال ذَلِكَ لكل جلد مدبوغ أو غير مدبوغ، أو جلود البقر إذا دبغت -أو قال: لم تدبغ- أو سود لا شعر فيها، أو لا شعر فيها ولا تقيد بالسود، أو التي عليها شعر؛ أقوال
(1)
.
وعن الداودي أنها منسوبة إلى سوق السبت، وقيل: لأنها أنسبت بالدباغ، أي: لانت. وزعم قطرب أنه بضم السين قَالَ: وهو نبت.
وفي "المنتهى"(لأبي المعالي)
(2)
أن السبت -بكسر السين- جلد البقر المدبوغ بالقَرَظِ، وإنما اعترض عليه؛ لأنها نعال أهل النعمة والسعة وَلبس أشراف الناس وكانوا يتمدَّحون بلبسها.
قال أبو عمر: ولا أعلم خلافًا في جواز لبسها في غير المقابر؛ وحسبك أن ابن عمر يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبسها، وقد روي عنه أنه رأى رجلًا يلبسها في المقبرة فأمره بخلعها. ويجوز أن يكون لأذى رآه فيها أو لما شاء الله، فكرهها قوم لذلك بين القبور
(3)
.
بل قيل: بعدم الجواز
(4)
، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم لذلك الماشي بين المقابر:"ألق سِبْتِيَّتَيْك"
(5)
.
(1)
"الصحاح" 1/ 251، "لسان العرب" 4/ 1911، مادة:(سبت).
(2)
في (س): (أبي المعاني).
(3)
انظر: "التمهيد" 10/ 51.
(4)
ورد بهامش (س): وقد بوب الإمام على حديث الإلقاء ما يدل على أنه قائل بحمل ذلك.
(5)
رواه أبو داود (3230)، والنسائي 4/ 96، وابن ماجه (1568)، والبخاري في "الأدب المفرد"(775)، والحاكم 1/ 373؛ كلهم عن بشير بن نهيك. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه في النوع الذي لا يشتهر الصحابي إلا بتابعيين. وصححه الألباني في "الإرواء"(760).
وقال آخرون: لا بأس بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع الميت في قبره، إنه يسمع قرع نعالهم"
(1)
.
وذكر الترمذي الحكيم في "نوادره" أنه صلى الله عليه وسلم إنما قَالَ لذلك الرجل: "ألق سبتيتك" لأن الميت كان يسأل فلما صرّ نعل ذَلِكَ الرجل شغله عن جواب الملكين، فكاد يهلك لولا أن ثبته الله.
تاسعها:
تصبغ مثلث الباء قَالَ ابن سيده في "محكمه": صبغ الثوب والشيب ونحوهما يصبَغه وَيْصُبغهُ ويصبغُه -الكسر عن اللحياني- صبغًا وصبْغًا، وصَبَّغَه: لوَّنه. التثقيل عن أبي حنيفة
(2)
والضم
(3)
. قُلْتُ: والفتح مشهوران في أصبَغ أيضًا.
العاشر:
هل المراد هنا: صبغ الثياب أو الشعر؟ والأشبه والأظهر -كما قَالَ القاضي- الأول
(4)
؛ لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صبغ؛ ولم ينقل عنه أنه صبغ شعره، وإلا فقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته، واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالوَرْس والزعفران، أخرجه أبو داود
(5)
.
وذكر أيضًا في حديث آخر احتجاجه بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بهما ثيابه
(1)
سيأتي برقم (1338) كتاب: الجنائز، باب: الميت يسمع خفق النعال.
(2)
"المحكم" 5/ 253.
(3)
انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1975، "لسان العرب" 4/ 2395.
(4)
انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" 6/ 624 - 626.
(5)
"سنن أبي داود"(4210).
ورواه ابن أبي شيبة 5/ 186 (25038).
حتى عمامته
(1)
.
وكان أكثرهم يعني: الصحابة والتابعين تخضب بالصُّفرة: منهم أبو هريرة وآخرون، وروي ذَلِكَ عن علي رضي الله عنه
(2)
.
الحادي عشر:
الهلال هنا هو هلال ذي الحجة، ويوم التروية هو اليوم الثامن.
واختلف في سبب تسميته بذلك على قولين حكاهما الماوردي:
أحدهما: لأن الناس يروُون فيه الماء من زمزم؛ لأنه لم يكن بعرفة ولا بمنى ماء. وقال آخرون: لأنه اليوم الذي رأى فيه آدم حواء. وحكى قولًا ثالثًا: لأن جبريل أرى فيه إبراهيم أول المناسك.
وقال ابن عباس: سمي بذلك؛ لأن إبراهيم أتاه الوحي في منامه أن يذبح ابنه فروى في نفسه من الله هذا أم من الشيطان؟ فأصبح صائمًا، فلما كان ليلة عرفة أتاه الوحي فعرف أنه الحق من ربه فسميت عرفة، رواه البيهقي في "فضائل الأوقات" من رواية الكلبي، عن أبي صالح عنه، ثم قَالَ: هكذا قَالَ في هذِه الرواية
(3)
.
وروى أبو الطفيل، عن ابن عباس أن إبراهيم -لما أبتلي بذبح ابنه- أتاه جبريل فأراه مناسك الحج، ثم ذهب به إلى عرفة. قَالَ: وقال ابن عباس: سميت عرفة؛ لأن جبريل قَالَ لإبراهيم: هل عرفت؟ قَالَ: نعم. فمن ثم سميت عرفة.
(1)
"سنن أبي داود"(4064). ورواه النسائي 8/ 140.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 185.
(3)
"فضائل الأوقات" ص 389 - 390 (205 - 206).
الثاني عشر:
الإهلال: الإحرام. قَالَ صاحب "العين": يقال: أهل بعمرة أو بحجة أي: أحرم بها، وجرى على ألسنتهم؛ لأنهم أكثر ما كانوا يحجون إذا أهل الهلال
(1)
.
وقال صاحب "الموعب": كل شيء ارتفع صوته فقد استهل، ومنه الإهلال بالحج، إنما هو رفع الصوت بالتلبية، ومنه: أهل بالعمرة والحج.
وقال أبو الخطاب: كل متكلم رافع الصوت أو خافضه فهو مهل ومستهل، وفي "مجمع الغرائب": يقال: استهل وَأهَلَّ. وإجابة ابن عمر بالإهلال يوم التروية بنوع من القياس؛ لأنه قاس يوم التروية؛ لأنه اليوم الذي ينبعث فيه إلى الحج، كما أنه إذا استوت به راحلته أهل، فقاس عليه.
وبعض العلماء يرى أن يهل لاستقبال ذي الحجة، والأفضل عند الشافعي ومالك والجمهور أن الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته
(2)
.
وقال أبو حنيفة: يحرم عقب الصلاة وهو جالس قبل ركوب دابته وقبل قيامه
(3)
، وهو قول ضعيف للشافعي
(4)
. وفيه حديث من رواية ابن عباس لكنه ضعيف
(5)
.
(1)
"العين" 3/ 353، مادة:(هلل).
(2)
انظر: "المجموع" 7/ 235، "المعونة" 1/ 331 - 332.
(3)
"الهداية" 1/ 148.
(4)
"حلية العلماء" 3/ 235 - 236.
(5)
رواه أبو داود (1770). قال الحافظ المنذري في "مختصر سنن أبي داود" 2/ 298: في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني، وفي إسناده أيضًا محمد بن إسحاق، وقد تقدم الكلام عليه. وقال: الألباني في "ضعيف سنن أبي داود"(312): إسناده ضعيف، الجزري هذا ضعفه أحمد وغيره.
31 - باب التَّيَمُّنِ فيِ الوُضُوءِ وَالْغَسْلِ
167 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطَيَّةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُنَّ فِي غَسْلِ ابنتِهِ: "ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا". [1253، 1254، 1255، 1256، 1257، 1258، 1259، 1260، 1261، 1262، 1263 - مسلم: 939 - فتح: 1/ 269]
168 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ، فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. [426، 5380، 5854، 5926 - مسلم: 268 - فتح: 1/ 269]
حَدَّثنَا مُسَدَّدٌ، ثنا إِسْمَاعِيلُ، ثنا خَالِدٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُنَّ فِي غَسْلِ ابنتِهِ: "ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا".
حَدَثنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ، فِي شَأنِهِ كُلِّهِ.
أما حديث أم عطية أخرجه البخاري في الجنائز في تسعة مواضع
(1)
ستعلمها هناك إن شاء الله.
(1)
سيأتي في كتاب الجنائز، برقم (1253) باب: غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر. وبرقم (1254) باب: ما يستحب أن يغسل وترًا. وبرقم (1255) باب: يبدأ بميامن الميت. وبرقم (1256) باب: مواضع الوضوء من الميت. وبرقم (1257) باب: هل تكفن المرأة في إزار الرجل؟ وبرقم (1258، 1259) باب: يجعل الكافور في آخره. وبرقم (1260) كتاب: الجنائز، باب: نقض شعر المرأة. وبرقم (1261) باب: كيف الإشعار للميت؟ وبرقم (1262) باب: هل يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون؟
وأخرجه مسلم
(1)
والأربعة
(2)
في الجنائز. قَالَ الترمذي وفي الباب عن أم سليم.
وأما حديث عائشة فأخرجه هنا وفي الصلاة
(3)
والأطعمة
(4)
واللباس
(5)
في موضعين منه.
وأخرجه مسلم في الطهارة
(6)
، وكذا النسائي وابن ماجه، وأخرجه أبو داود في اللباس، والترمذي في آخر الصلاة وقال: حسن صحيح؛ وفي "الشمائل" أيضًا
(7)
.
الكلام على حديث أم عطية من أوجهٍ:
أحدها:
تابع محمد بن سيرين أخته حفصة على رواية هذا الحديث، واشتهر عنهما، وعن خالد الحذاء، وكذا عن إسماعيل بن عُلية، ورواه عن مسدد أبو خليفة.
وروى ابن عبد البر من طريق همام، عن قتادة، عن أنس أنه كان يأخذ ذَلِكَ عن أم عطية قالت: غسَّلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا أن نغسلها بالسدر ثلاثًا، فإن أَنْقت وإلا فخمسًا وإلا فأكثر من ذَلِكَ.
(1)
مسلم (939/ 42) كتاب: الجنائز، باب: في غسل الميت.
(2)
أبو داود (3142)، والترمذي (990)، والنسائي 4/ 28، وابن ماجه (1457).
(3)
سيأتي برقم (426) كتاب: الصلاة، باب: التيمن في دخول المسجد وغيره.
(4)
سيأتي برقم (5380) كتاب: الأطعمة، باب: التيمن في الأكل وغيره.
(5)
سيأتي برقم (5854) كتاب: اللباس، باب: يبدأ بالنعل اليمنى؛ وبرقم (5926) كتاب: اللباس، باب: الترجيل والتيمن فيه.
(6)
مسلم (268/ 67) كتاب: الطهارة، باب: التيمن في الطهور وغيره.
(7)
"سنن أبي داود"(4140)، "سنن الترمذي"(608)، وفي "الشمائل" ص 39 (8)، و"سنن النسائي" 8/ 133.
قَالَ؟ فأرينا أن أكثر من ذَلِكَ سبع
(1)
.
ثانيها في التعريف برواته غير من سلف:
أم عطية اسمها نُسيبة -بضم النون، وحكي فتحها مع كسر السين- بنت كعب، قاله جماعات منهم أحمد ويحيى واستشكله أبو عمر؛ لأنها أم عمارة، وهذِه بنت الحارث
(2)
.
وقال ابن طاهر: كل منهما بنت كعب. وأفاد ابن الجوزي أنها بضم النون.
قُلْتُ: هذِه وبنت رافع بن العلاء، وبنت بيان بن الحارث وبالفتح ثلاث: بنت ثابت بن عصمة، وبنت أسماء بن النعمان، وبنت كعب، وهي أم عمارة كذلك سماها الأكثرون، أعني أم عمارة منهم ابن ماكولا
(3)
.
وذكرها ابن إسحاق في "مغازيه" باللام المضمومة وبالنون، ووافقه الطبراني
(4)
، وبخط الصَّريفِيني
(5)
بالباء، وفي "صحيح أبي عوانة" في
(1)
انظر: "التمهيد" 1/ 373 - 374.
(2)
انظر: "الاستيعاب" 4/ 501 - 502 (3621).
(3)
"الإكمال" 7/ 338.
(4)
ما وجدته في "معجم الطبراني الكبير" نسيبة أم عطية نزلت البصرة.
انظر فيه 25/ 44.
(5)
ورد في هامش (س): الصريفيني: هو العالم الحافظ المتقن تقي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الأزهر بن أحمد العراقي، الحنبلي، نزيل دمشق ولد بصريفين سنة 581 هـ، وقرأ على أبيه القرآن، وعلى الشيخ عوض الصَّريفيني وتفقه على الشيخ عبد الله بن أحمد البوازيجي، وقرأ الأدب على هبة الله الدُّوري. وعني بالحديث فرحل إلى خراسان وأصبهان والشَّام والجزيرة وصحب الحافظ الرهاوي، تخرج به، وسمع ابن المؤيد الطوسي، وعبد المعز الهروي، وحنبل الرُّصافي، وابن طبرزد، والكندي، وابن الأخضر والطبقة. =
الزكاة بمثناة فوق، ثم تحت، ثم باء موحدة بالخط
(1)
.
وقيل: إنها نبيشة -بنون ثم باء ثم ياء ثم شين معجمة- حكاه القشيري في "شرحه" وهي نسيبة بنت سماك بن النعمان، أسلمت وبايعت قاله ابن سعد
(2)
.
ونُسيبة بنت أبي طلحة الخطيبة، ذكرها ابن سعد
(3)
، وفي:"تاريخ أبي حاتم الرازي" أن اسم أم عطية: حُقة
(4)
، وأم عطية هذِه لها صحبة ورواية، تعد في أهل البصرة، وكانت تغسل الموتى، وتغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، غزت معه سبع غزوات، وشهدت خيبر، وكان علي يقيل عندها، وكانت تنتف إبطه بورسة
(5)
.
= روى عنه: الضياء، وأبو المجدين العديم، والشيخ تاج الدين الفَزَاري، وأخوه وغيرهم- قَالَ المنذري: كان حافظًا، ثقة، صالحًا، له جموع حسنة لم يتمها.
وقال ابن الحاجب: إمام، ثبت، صدوق، واسع الرواية؛ سخيُّ النفس مع القلة، سافر الكثير وكتب وأفاد، وكان يرجع إلى فقه وورع، ولي مشيخة دار الحديث بمنبج، ثم تركها وسكن حلب، فولي مشيخة دار الحديث الشَّدَّادية. سألت الضياء عنه فقال: إمام حافظ ثقة حسن الصحبة له معرفة بالفقه. مات بدمشق في جُمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وستمائة، وله ستون سنة. انتهى.
أخبرني شيخنا مؤلف هذا الكتاب أن عنده بخط الصريفيني مؤلفه على الكتب الأحد عشر، ولعل ما نقله شيخنا منه، والله أعلم. [انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" 23/ 89، "تذكرة الحفاظ" 4/ 1433، "شذرات الذهب" 5/ 209].
(1)
"مستخرج أبي عوانة" 2/ 251 (2629)، ووقع فيه: لبيبة.
(2)
"الطبقات الكبرى" 8/ 348.
(3)
المصدر السابق 8/ 357.
(4)
انظر "الجرح والتعديل" 1/ 465 (2379).
(5)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 8/ 456، وأوردها الذهبي في "تاريخ الإسلام" 5/ 290.
قال الحافظ ابن حجر في "التقريب"(8738): أم شراحيل لا يعرف حالها.
لها أربعون حديثًا اتفقا على سبعة أو ستة وللبخاري حديث ولمسلم آخر
(1)
.
فائدة:
أم عطية في الصحابة ثلاث هذِه الغاسلة، والخاتنة ولعلها هي
(2)
والعَوْصية، والأكثر فيها أم عصمة امرأة من قيس
(3)
.
وأما حفصة بنت سيرين فهي: أم الهُذيل الأنصارية التابعية الثقة الحجة، وهي أكبر. ولد سيرين من الرجال والنساء.
قَالَ إياس بن معاوية: ما أدركت أحدًا أفضِّله عليها. قيل له: الحسن وابن سيرين؟ قَالَ: أما أنا فما أفضل عليها أحدًا، قرأت القرآن وهي بنت ثنتي عشرة سنة. وماتت عن سبعين سنة
(4)
.
(1)
انظر ترجمتها في:
"طبقات ابن سعد" 8/ 455، "معرفة الصحابة" 6/ 3455 (4030)، و"الاستيعاب" 4/ 501 - 502 (3621)، "أسد الغابة" 7/ 367 - 368 (7534)، "الإصابة" 4/ 476 - 477 (1415).
(2)
وكذا قال ابن الأثير في "أسد الغابة" 7/ 367 (7533). وابن حجر في "الإصابة" 4/ 477 (1416) حيث قال: أم عطية الأنصارية الخافضة أفردها ابن منده والمستغفري عن الأولى -أي أم عطية المشهورة- وجوز أبو موسى أنها هي التي قبلها.
(3)
انظر ترجمتها في: "معرفة الصحابة" 6/ 3540 (4147). و"أسد الغابة" 7/ 366 (7531). و"الإصابة" 42/ 476 (1413).
(4)
حفصة بنت سيرين. روت عن أنس بن مالك، روى عنها: أيوب السختياني، خالد الحذاء. قال أحمد بن عبد الله العجلي: بصرية، ثقة. قال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ثقة، حجة، وذكرها ابن حبان في كتاب "الثقات".
انظر: "معرفة الثقات" 2/ 450 (2328)، و"الثقات" 4/ 194، و"تهذيب الكمال" 35/ 151 (7815).
ثالثها:
هذِه الابنة المبهمة هي أم كلثوم زوج عثمان بن عفان غسلتها أسماء بنت عُميس وصفية بنت عبد المطلب، وشهدت أم عطية غسلها، وذكرت قوله وكيفية غسلها. ماتت سنة تسع، قاله أبو عُمر
(1)
.
وفي "صحيح مسلم" أنها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
، وماتت في السنة الثامنة. ولما نقل القاضي عياض عن بعض أهل السير أنها أم كلثوم قَالَ: الصواب زينب. كما صرح به مسلم في روايته، وقد يجمع بينهما بأنها غسلت زينب وحضرت غسل أم كلثوم.
وذكر المنذري في "حواشيه" أن أم كلثوم توفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر غائب. وغلط في ذَلِكَ، فتلك رقية، ولما دُفنت أم كلثوم قَالَ صلى الله عليه وسلم:"دفن البنات من المكرمات"
(3)
(4)
.
رابعها: في أحكامه:
الأول: استحباب الوضوء في أول غسل الميت؛ عملًا بقوله: "ومواضع الوضوء منها". وهو مذهب الشافعي، ونقل النووي عن أبي
(1)
انظر: "الاستيعاب" 4/ 502 (3621).
(2)
"صحيح مسلم" 40 (939) كتاب: الجنائز، باب: في غسل الميت.
قال ابن دقيق العيد في "الأحكام" ص 379: وهو المشهور.
(3)
في هامش (س): في "الكبير"، و"الأوسط" للطبراني من حديث ابن عباس قال: لما عزي النبي صلى الله عليه وسلم بابنته رقية قال: "الحمد لله، دفن البنات من المكرمات" رواه البزار، إلا أنه قال:"موت البنات" وفيه عثمان بن عطاء الخراساني، وفيه ضعف.
(4)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(790)، والطبراني في "الكبير" 11/ 366 - 367 (12035)، في "الأوسط" 2/ 372 (2263) وقال: لا يُرْوى هذا الحديث إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الله بن ذكوان الدمشقي.
وقال الألباني في "الضعيفة"(185): موضوع.
حنيفة عدم استحبابه، وليس كذلك ففي القدوري من كتبهم: أن الميت إذا أرادوا غسله وضَّئوه.
وفي "الهداية": لأن ذَلِكَ من سنة الغسل، غير أنه لا يمضمض ولا يُستنشق؛ لأن إخراج الماء من فمه متعذر
(1)
؛ لأن لأعضاء الوضوء فضلًا؛ فإن الغرة والتحجيل فيها.
وهل يوضأ في الغسلة الأولى أو الثانية أو فيهما؟ فيه خلاف للمالكية، كما حكاه القُرطبي
(2)
.
الثاني: استحباب تقديم الميامن في غسل الميت، ويلحق به سائر الطهارات وبه تشعر ترجمة البخاري، وكذا أنواع الفضائل والأحاديث فيه كثيرة، وبالاستحباب قَالَ أكثر العلماء، وقال ابن حزم: ولابد يبدأ بالميامن
(3)
.
وقال ابن سيرين: يبدأ بمواضع الوضوء ثم بالميامن
(4)
. وقال أبو قلابة: يبدأ بالرأس ثم اللحية ثم الميامن
(5)
.
الثالث: فضل اليمين على الشمال، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم حاكيًا عن ربه:"وكلتا يديه يمين"
(6)
. وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة: 19] وهم أهل الجنة.
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 97. و"المغني" 3/ 374.
(2)
"المفهم" 2/ 596.
(3)
"المحلى" 2/ 28.
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 449 (10898).
(5)
المصدر السابق 2/ 449 (10896).
(6)
جزء من حديث رواه مسلم (1827) كتاب: الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل، والنسائي 8/ 221. عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".
وإعجابه صلى الله عليه وسلم التيامنَ في شأنه كله لأنه كان يعجبه الفأل الحسن.
الرابع: أحقية النساء بغسل النساء حتى من الزوج، وبه قَالَ جماعة، وذهب الشعبي، والثوري، وأبو حنيفة إلى أنه لا يجوز له غسلها، وأجمعوا على غسل الزوجة زوجها، والجمهور على أنه أحق من الأولياء خلافًا لسُحنون حيث قَالَ: إنهم أحق
(1)
.
الخامس: أنه لا غُسل من غَسل الميت حيث لم ينبه الشارع أم عطية عليه، وهو مذهب الجمهور. قَالَ الخطابي: لا أعلم أحدًا قَالَ بوجوبه
(2)
.
قُلْتُ: حكي قول عندنا بوجوبه، وأوجب أحمد وإسحاق الوضوء منه
(3)
، وورد حديث الأمر بالغسل منه
(4)
، وفيه مقال.
(1)
انظر: "المعونة" 1/ 191 - 192، "بدائع الصنائع" 1/ 304، "المجموع" 5/ 113.
(2)
انظر: "معالم السنن" 1/ 267.
(3)
هو رواية عن أحمد، والمذهب عدم وجوب الغسل. انظر:"المغني" 1/ 278 - 279.
(4)
هذا الحديث أخرجه أبو داود (3161) عن أبي هريرة بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من غسل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ". ورواه الترمذي (993)، وابن ماجه (1463)، وأحمد 1/ 273، وعبد الرزاق 3/ 407 - 408 (6111). والبخاري في "التاريخ" موقوفًا 1/ 397 ترجمة (1162)، وابن حبان 3/ 435 - 436 (1161)، والطبراني 1/ 296 (985)، والبيهقي 1/ 300 - 303.
قال الترمذي: وفي الباب عن علي وعائشة، وحديث أبي هريرة حديث حسن وقد روي موقوفًا. وقال البخاري عن الموقوف على أبي هريرة: إنه أشبه. وسأله الترمذي في "علله" 1/ 402 - 403 عنه، فقال: روى بعضهم عن سهيل، عن أبي صالح، عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة موقوفًا. وقال: إن أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله قالا: لا يصح من هذا الباب شيء. وحديث عائشة في هذا الباب ليس بذاك.
وذكر البيهقي له طرقًا وضعفها ثم قال: والصحيح أنه موقوف.
وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" 1/ 136 - 137: قال الذهلي: لا أعلم فيه حديثًا ثابتًا ولو ثبت للزمنا استعماله. وقال ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 350: =
وأما حديث عائشة فتابع أبو الأحوص ومحمد بن بشر شعبةَ، فروياه عن أشعث، ورواه عن شعبة ثمانية أنفدس.
ثانيها: في التعريف برواته غير من سلف:
أبو أشعث هو أبو الشعثاء (ع) سليم بن الأسود بن حنظلة المحاربي تابعي، ثقة، مات سنة ثلاث ومائة. وقال خليفة: سنة اثنتين وثمانين بعد الجماجم
(1)
. روى له الجماعة.
ووقع في "الكمال" خلا الترمذي.
وولده أشعث (ع) ثقة. مات سنة خمس وعشرين ومائة
(2)
.
وحفص بن عمر هو أبو عمر الحوضي البصري، الثبت الحجة. عنه البخاري، وأبو داود، وغيرهما، وأخرج له النسائي أيضًا. قَالَ أحمد: لا يؤخذ عليه حرف. مات سنة خمس وعشرين ومائتين
(3)
، وليس في
= لا يرفعه الثقات. وقال الرافعي: لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئًا مرفوعًا. قلت -أي: ابن حجر-: قد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان.
وقال الذهبي في "المهذب في اختصار السنن" 1/ 301: قال البيهقي: الصحيح الموقوف والمرفوعات غير قوية لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم، فعقب عليه: بل هي غير بعيدة من القوة إذ ضم بعضها إلى بعض. وهي أقوى من أحاديث احتج بها فقهاء الحديث.
ثم قال ابن حجر: وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنًا.
(1)
"طبقات خليفة" ص 257، وورد بهامش (س): وعلى الثاني اقتصر الذهبي في "الكاشف".
(2)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 6/ 195، و"التاريخ الكبير" 4/ 120 (2176)، و"معرفة الثقات" 1/ 425 (659)، و"الجرح والتعديل" 5/ 211 (910)، و"تهذيب الكمال" 11/ 340 (2484).
(3)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 366 (2782)، "الجرح والتعديل" 3/ 182 (786)، "تهذيب الكمال" 7/ 26 (1397).
البخاري حفص بن عمر غيره، وفي السنن مفرقًا غيره جماعات
(1)
.
ثالثها:
التنعل: لُبس النعل. والترجل: تسريح الشعر. قَالَ الهروي: شعر رجِل. أي: مسرج.
وقوله: (وفي شأنه كله): عام يخصُّ منه دخول الخلاء، والخروج من المسجد يبدأ فيهما باليسار، وكذا ما شابههما.
رابعها: في أحكامه:
فيه: استحباب البداءة باليمين.
قَالَ ابن المنذر: أجمعوا على أن لا إعادة على من بدأه بيساره في الوضوء قبل يمينه، وروينا عن علي وابن مسعود أنهما قالا: لا تبالي بأي يد بدأت
(2)
.
زاد الدارقطني أبا هريرة
(3)
، ونقل المرتضى الشيعي
(4)
عن الشافعي
(1)
منهم: حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن، حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف القرشي. حفص بن عمر بن عبد الرحمن الرازي أبو عمر المهرقاني، حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهيب، حفص بن عمر بن أبي العطاف، حفص بن عمر بن مرة الشَّنِّي، حفص بن عمر بن ميمون العدني، حفص بن عمر أبو عمر الضرير، حفص بن عمر البزاز، حفص بن عمر أبو عمران الرازي.
وانظر تراجمهم في "التاريخ الكبير" 2/ 364 - 367 (2770 - 2788)، و"تهذيب الكمال" 7/ 29 - 51 (1398 - 1412).
(2)
انظر: "الأوسط" 1/ 387.
(3)
انظر: "سنن الدارقطني" 1/ 88 كتاب: الطهارة، باب: ما روي في جواز تقديم اليد اليسرى على اليمنى.
(4)
هو العلامة الشريف المرتضى، نقيب العلوية، أبو طالب علي بن حسين بن موسى، القرشي العلوي الحسيني الموسوي البغدادي، من ولد موسى الكاظم. ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. =
في القديم: وجوب تقديم اليمنى على اليسرى غريب. وعزاه الرافعي لأحمد وهو غريب.
وحكاه الدارمي عن أبي هريرة، وهو معروف عن الشيعة بالشين المعجمة، ووقع في "تجريد البندنيجي" و"البيان" عزوه إلى الفقهاء السبعة، وصوابه الشيعة.
فائدة:
عن ابن عمرو قال: خير المسجد المقام ثم ميامن المسجد
(1)
.
وكان سعيد بن المسيب يصلي في الشق الأيمن من المسجد
(2)
.
وكان إبراهيم يعجبه أن يقوم عن يمين الإمام
(3)
.
= وحدث عن سهل بن أحمد الديباجي، وأبي عبد الله المرزباني، وغيرهما. قال الخطيب: كتبت عنه.
وهو جامع كتاب "نهج البلاغة" المنسوب ألفاظه إلى الإمام علي رضي الله عنه، ولا أسانيد لذلك وبعضها باطل وفيه حق، ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام أن ينطق بها.
وله ديوان، وله من الكتب "الشافي في الإمامة"، "الذخيرة في الأصول"، وكتاب "التنزيه"، وكتاب في "إبطال القياس"، وكتاب في "الاختلاف في الفقه" وأشياء كثيرة.
وكان من الأذكياء المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر، لكنه إمامي جلد. نسأل الله العفو.
انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 313 - 316 (443)، "سير أعلام النبلاء" 17/ 588 - 589 (394)، "الوافي بالوفيات" 21/ 6 - 13 (2)، "شذارت الذهب" 3/ 256 - 258.
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 300 (3434).
(2)
المصدر السابق (3439).
(3)
المصدر السابق (3436).
وكان أنس يصلي في الشق الأيمن، وكذا عن الحسن وابن سيرين
(1)
(2)
.
(1)
ورد بهامش (س): ثم بلغ في الثاني بعد الأربعين كتبه مؤلفه غفر الله له.
وفي الناحية اليمنى من الصفحة: آخر الجزء السادس من الثاني من تجزئة المصنف:
سمع المجلس الثاني والأربعين على مؤلفه محمد بن محمد بن ميمون البلوى بقراءة الإمام العلامة برهان الدين الحلبي صاحب تصريح النسخة وكاتبها نفع الله به.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 300 (3437 - 3438) وما وجدته عن الحسن وابن سيرين أنهم كانوا يصلون عن يسار الإمام. وعن أنس أنه كان يصلي في الشق الأيسر من المسجد.
32 - باب التِمَاسِ الوَضُوءِ إِذَا حَانَتِ الصَّلَاةُ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتُمِسَ المَاءُ، فَلَمْ يُوجَدْ، فَنَزَلَ التيمُّمُ.
169 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ اِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أنهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَانَتْ صَلَاةُ العَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَاُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ. قَالَ: فَرَأَيْتُ الَماءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. [195، 200، 3573، 3574، 3575 - مسلم: 2279 - فتح: 1/ 271]
هكذا أخرجه هنا معلقًا، وقد أخرجه في مواضع من كتابه مختصرًا ومطولًا سنقف عليها في مواطنها من الشرح إن شاء الله
(1)
.
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وَحَانَتْ صَلَاةُ العَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ. قَالَ: فَرَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.
(1)
سيأتي برقم (334) كتاب: التيمم، وبرقم (336) كتاب: التيمم، باب: إذا لم يجد ماء ولا ترابا، وبرقم (3672) كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذًا خليلًا، وبرقم (3773) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل عائشة رضي الله عنها، وبرقم (4583) كتاب: التفسير، باب: قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} ، وبرقم (4607) كتاب: التفسير، باب: قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ، وبرقم (5164) كتاب: النكاح، باب: استعارة الثياب للعروس وغيرها، وبرقم (5882) كتاب: اللباس، باب: استعارة القلائد، وبرقم (6844) كتاب: الحدود، باب: من أدب أهله أو غيره دون السلطان.
الكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه أيضًا في علامات النبوة
(1)
، وأخرجه مسلم
(2)
والترمذي في الفضائل، والنسائي في الطهارة، ورواه عن أنس أيضًا قتادة - وقلت: وحميد- وذكر المهلب أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنس وعبد الله بن زيد قَالَ الترمذي: وفي الباب عن عمران بن حصين، وابن مسعود وجابر، وحديث أنس حسن صحيح
(3)
.
واشتهر عن مالك، ورواه عن التنيسي بكر بن سهل، ومحمد بن الجنيد.
وحديث عمران وابن مسعود وجابر ذكرهما البخاري في علامات النبوة كما ستعرفه هناك
(4)
.
ثانيها: في التعريف برواته:
وقد سلف التعريف بهم.
ثالثها:
موضع الترجمة من الفقهِ التنبيهُ على أن الوضوء لا يجب قبل دخول الوقت كما نبه عليه ابن المنير
(5)
؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم تأخير طلب الماء إلى حين وقت الصلاة فدل على جوازه.
وذكر ابن بطال أنه إجماع الأمة، وإن توضأ قبل الوقت فحسن،
(1)
سيأتي بالأرقام (3572 - 3575) كتاب: المناقب.
(2)
مسلم (2279/ 5) كتاب: الفضائل، باب: في معجزات النبى صلى الله عليه وسلم.
(3)
"سنن الترمذي"(3631)، "سنن النسائي" 1/ 60.
(4)
سيأتي برقم (3572 - 3575) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة.
(5)
انظر: "المتواري" ص 67.
ولا يجوز التيمم عند أهل الحجاز قبل دخول الوقت، وأجازه أهل العراق
(1)
.
رابعها:
قوله: (وحانت صلاة العصر) زاد قتادة: وهو بالزوراء، وهو سوق بالمدينة.
خامسها:
الوَضوء هنا بالفتح؛ لأنه الماء الذي يتوضأ به، وكذا قوله:(فأُتي بوضوء).
سادسها:
جاء هنا (فأُتي بوَضوء). وفي رواية ابن المبارك: فانطلق رجل من القوم، فجاء بقدح من ماء يسير
(2)
. وفي رواية: (رحراح) -أي
(3)
وهو القصير- فأخذ صلى الله عليه وسلم يتوضأ، ثم مد أصابعه على القدح فصغر أن يبسط كفه صلى الله عليه وسلم فيه، فضم أصابعه.
وروى المهلب أنه كان بمقدار وَضوء رجل واحد. قَالَ أبو حاتم بن حبان في "صحيحه": وهذا اتفق له صلى الله عليه وسلم في مواطن متعددة ففي بعضها: (أُتي بقدح رحراح) وفي بعضها: (زجاج) وفي بعضها: (جفنة)، وفي بعضها:(ركوة). وفي بعضها: (ميضأة). وفي بعضها: (مزادة).
وفي بعضها: (وكانوا خمس عشرة مائة). وفي بعضها: (ثمانمائة).
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 262 - 263.
(2)
سيأتي برقم (3574) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة.
ورواه مسلم (2279) كتاب: الفضائل، باب: في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
سيأتي برقم (200) كتاب: الوضوء، باب: الوضوء من التور.
وفي بعضها: (زهاء ثلاثمائة). وفي بعضها: (ثمانين). وفي بعضها: (سبعين)
(1)
.
سابعها:
هذِه المعجزة أعظم من تفجر الحجر بالماء؛ لأن ذَلِكَ من عادة الحجر، قَالَ تعالى:{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} [البقرة: 74] وأما من لحم ودم فلم يعهد من غيره صلى الله عليه وسلم
(2)
.
ثامنها: (ينبُع) بضم الباء وكسرها. وفي روايةٍ أخرى: (ينتبع) وفي لفظ: (يفور من بين أصابعه)، وفي أخرى:(يتفجر من أصابعه كأمثال العيون)، وفي أخرى: (سكب ماء في ركوةٍ، ووضع أصبعه وسطها
(1)
"صحيح ابن حبان" 14/ 480 - 484 (6542 - 6544، 6546 - 6547).
(2)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 359، وقال ابن حجر رحمه الله في "الفتح" 6/ 585: قال القرطبي: ولم يسمع بمثل هذِه المعجزة من غير نبينا صلى الله عليه وسلم حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه، وقد نقل ابن عبد البر عن المزني أنه قال: نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى بالعصا فتفجرت منه المياه، لأن خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم. انتهى. وظاهر كلامه أن الماء نبع من نفس اللحم الكائن في الأصابع، ويؤيده قوله في حديث جابر الآتي: فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه، وأوضح منه ما وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني: فجاءوا بشن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه ثم فرق أصابعه فنبع الماء من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عصا موسى، فإن الماء تفجر من نفس العصا. فتمسكه به يقتضي أن الماء تفجر من بين أصابعه، ويحتمل أن يكون أن الماء كان ينبع من أصابعه بالنسبة إلى رؤية الرائي، وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر وكفه صلى الله عليه وسلم في الماء، فرآه الرائي نابعًا من بين أصابعه، والأول أبلغ في المعجزة، وليس في الأخبار ما يرده وهو أولى.
غمسها في الماء).
قَالَ القاضي عياض: وهذِه القصة رواها الثقات من العدد الكثير عن الجماء الغفير، عن الكافة متصلًا عمن حدث بها من جملة الصحابة، وإخبارهم أن ذَلِكَ كان في مواطن اجتماع الكثير منهم من محافل المسلمين ومجمع العساكر، ولم يؤثر عن أحد من الصحابة مخالفة للراوي فيما حكاه، ولا إنكار عما ذكر عنهم أنهم رأوه كما رآه، فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق، إذ هم المنزهون عن السكوت على باطل والمداهنة في كذب، وليس هناك رغبة ولا رهبة تمنعهم، فهذا النوع كله يلحق بالقطعي من معجزاته صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وفيه رد على قول ابن بطال في "شرحه": إن هذا الحديث شهده جماعة كثيرة من الصحابة، إلا أنه لم يرو إلا من طريق أنس وذلك -والله أعلم- لطول عمره، ولطلب الناس لعلو السند
(2)
واستنبط المهلب منه أن الأملاك ترتفع عند الضرورة؛ لأنه إذا أُتي رسول الله بالماء لم يكن أحد أحق به من غيره بل كانوا فيه سواء ونوقش فيه، وإنما تجب المواساة عند الضرورة لمن كان في مائه فضل عن وضوئه.
(1)
انظر: "إكمال المعلم" 7/ 242. و"الشفا بتعريف حقوق المصطفي" 1/ 287.
(2)
"بشرح ابن بطال" 1/ 264.
33 - باب المَاءِ الذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَانِ
وَكَانَ عَطَاءٌ لَا يَرى بِهِ بَأسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الخُيُوطُ وَالْحِبَالُ، وَسُؤْرِ الكِلَابِ وَمَمَرِّهَا فِي المَسْجِدِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: هدا الفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:{فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ} [النساء: 43]، وهذا مَاءٌ، وَفِي النّفسِ مِنْهُ شَئءٌ، يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيتَيَمَّمُ. [فتح: 1/ 272]
170 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابن سِيرِينَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنسٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أهْلِ أَنَسٍ. فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. [171 - فتح: 1/ 273]
171 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنِ ابن عَوْنٍ، عَنِ ابن سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَّمَا حَلَقَ رَأْسَهُ، كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ. [انظر: 170 - مسلم: 1305 - فتح: 1/ 273]
ذكر البخاري رحمه الله شعر الإنسان، استطرد غيره فذكر ما ذكره عن عطاء أن الشعر ليس به بأس أن يتخذ منه الخيوط والحبال.
قَالَ الإسماعيلي: وقوله -يعني: البخاري- في الشعر فيه خلاف، فإن عطاء يروى عنه نجاسته، ورأى ابن المبارك رجلًا أخذ شعرة من لحيته، ثم جعلها في فيه. فقال له: مَهْ، أترد الميتة إلى فيك؟! ونقل ابن بطال عن المهلب بن أبي صفرة أن البخاري أراد بهذِه الترجمة رد قول الشافعي أن شعر الإنسان إذا فارق الجسد نجس، وإذا وقع في الماء نجسه -وذكر قول عطاء السالف- ولو كان نجسًا لما جاز
اتخاذه ولما جاز اتخاذ شعر النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به، علم أنه طاهر على قول عطاء وجمهور العلماء
(1)
، هذا كلامه.
وأقول الحكاية عن الشافعي بتنجيس شعر الآدمي المنفصل مرجوع عنه. فقد روى إبراهيم البكري، عن المزني، عن الشافعي أنه رجع عن تنجيس شعر الآدمي.
وحكاه أيضًا الماوردي عن ابن شريح، عن أبي القاسم الأنماطي
(2)
، عن المزني، عن الشافعي، وحكى الربيع الجيزي
(3)
، عن الشافعي أن الشعر تابع للجلد يطهر بطهارته وينجس بنجاسته.
وصرح القاضي أبو الطيب وآخرون بأن الشعر والصوف والوبر والعظم والقرن والظلف تحلها الحياة وتنجس بالموت، وهو المذهب، وهو الذي رواه المزني والبويطي والربيع المرادي وحرملة
(4)
.
(1)
"بشرح ابن بطال" 1/ 265.
(2)
هو الإمام العلامة شيخ الشافعية، أبو القاسم، عثمان بن سعيد بن بشار البغدادي، الفقيه الأنماطي، الأحول. ارتحل وتفقه على المزني، والربيع المرادي، وروى عنهما. ويعز وقوع شيء من حديثه؛ لأنه مات قبل أوان الرواية وعليه تفقه أبو العباس بن سُريج، وغيره. وكان السبب في نشاط الناس ببغداد لكتب فقه الشافعي وتحفظه. توفي في شوال سنة ثمان وثمانين ومائتين ببغداد. انظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 11/ 292 - 293 (6067)، "وفيات الأعيان" 3/ 241 (409)، "سير أعلام النبلاء" 13/ 429 - 430 (214)، "شذرات الذهب" 2/ 198.
(3)
هو الربيع بن سليمان الأزدي مولاهم المصري الجيزي الأعرج. سمع من ابن وهب، والشافعي أيضًا. روى عنه أبوداود، والنسائي، والطحاوي، وآخرون.
مات سنة ستٍ وخمسين ومائتين.
انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 2/ 292 - 294 (234)، "سير أعلام النبلاء" 12/ 591 - 592 (223)، "شذرات الذهب" 2/ 159، 160.
(4)
انظر: "الحاوي" 1/ 66 - 71، "البيان" 1/ 74 - 77.
ومذهب أبي حنيفة أن شعر الآدمي المنفصل طاهر، وكذا شعر الميتة والأجزاء الصلبة التي لا دم فيها كالقرن والعظم والسن والحافر والظلف والخف والشعر والوبر والصوف والعصب والريش والإنفحة الصلبة، قاله في "البدائع"
(1)
.
وكذا من الآدمي على الأصح ذكره في "المحيط" و"التحفة"
(2)
، وفي "قاضي خان"
(3)
: على الصحيح ليست بنجسة عندنا.
وقد وافق أبا حنيفة على صوفها وشعرها ووبرها وريشها مالكٌ وأحمد وإسحاق والمزني، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز والحسن وحماد وداود في العظم أيضًا
(4)
، ونقل في "الإشراف" عن أبي حنيفة وأبي يوسف: لا خير في شعور بني آدم ولا ينتفع بها، وحكى العبدري، عن الحسن وعطاء والأوزاعي والليث أنها تنجس بالموت، لكن يطهر بالغسل.
وأما شعر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمذهب الصحيح القطع بطهارته، وإن خالفنا في شعر غيره؛ لعظم مرتبته، ومن خالف فيه قَالَ: إنما قسم شعره صلى الله عليه وسلم للتبرك، ولا يتوقف التبرك على كونه طاهرًا، كذا قاله الماوردي وآخرون قالوا: ولأن القدر الذي أخذ كان يسيرًا معفوًّا عنه
(5)
.
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 63.
(2)
انظر: "تحفة الفقهاء" 1/ 52.
(3)
انظر: "الفتاوى الهندية" 1/ 20.
(4)
انظر: "الهداية" 1/ 22، "التحقيق" 1/ 133 - 141، "بداية المجتهد" 1/ 154 - 155، "المغني" 1/ 106 - 108.
(5)
انظر: "الحاوي" 1/ 67 - 68، "المجموع" 1/ 288.
فرع:
في بوله ودمه وجهان: والأليق الطهارة. وذكر القاضي حسين في العَذِرة وجهين. وأنكر بعضهم على الغزالي حكايتهما فيها، وزعم نجاستها بالاتفاق، وتخصيص الخلاف بالبول والدم، وليس كذلك فالخلاف فيها مشهور
(1)
، وقد بسطت ذَلِكَ في كتابنا "غاية السول في خصائص الرسول" فليراجع منه
(2)
.
قَالَ البخاري: وَسُؤْرِ الكِلَابِ وَمَمَرِّهَا فِي المَسْجِدِ وأكلها.
هو بالخفض عطفًا على باب. أي: باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، وباب: سؤر الكلاب.
وفي بعض النسخ جمعهما في موضع واحد وهذِه اللفظة وهي قوله: (وأكلها) ساقطة في بعض النسخ
(3)
، وقصد البخاري بذلك إثبات طهارة الكلب وطهارة. سؤره.
قَالَ الإسماعيلي: أراه نحا ذَلِكَ مما ذكره من الأخبار لكن في الاستدلال بها على طهارة الكلب نظرًا.
والسؤر: -مهموز على الأفصح- ما بقي من الشراب وغيره في الإناء.
قَالَ البخاري: وَقَالَ الزُّهْريُّ: إِذَا وَلَغَ فِي الإِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وضوء غيره يتوضأ به.
(1)
انظر: "المجموع" 1/ 288.
(2)
"غاية السول في خصائص الرسول" ص 196 - 197.
(3)
الرواية عند المصنف بإثبات كلمة: (وأكلها) والرواية الصحيحة في ذلك بحذف هذِه الكلمة وانظر: "اليونينية" 1/ 45، وأشار محققو "اليونينية" أنها نسخة لا يعرف صاحبها.
هذا قاله مالك أيضًا والأوزاعي، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى نجاسته وكذا الليث والشافعي وأحمد وأبو ثور
(1)
.
قَالَ سُفْيَانُ
(2)
: هذا هو الفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللهُ عز وجل {فَلَمْ تِجَدُوا مَآءً فَتَيمَمُواْ} [النساء: 43]، وهذا مَاءٌ، وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَئٌ، يَتَوَضأُ بِهِ وَيتَيَمَّمُ.
وافقه ابن مسلمة وابن الماجشون وجعلوه كالمشكوك فيه.
وحكى الطحاوي، عن الأوزاعي أن سؤر الكلب في الإناء نجس، وفي الماء المستنقع ليس بنجس
(3)
، وسيأتي الخوض في ذَلِكَ بعد.
ثم ذكر البخاري حديث الشعر، حدثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابن سِيرِينَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدة عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ. فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
وفي رواية للإسماعيلي: أحب إلي من كل صفراء وبيضاء.
والكلام عليه من وجهين:
أحدهما: في التعريف برواته:
غير من سلف. أما مالك فهو أبو غسان (ع) مالك بن إسماعيل النهدي الحافظ الحجة العابد القانت، عنه البخاري ومسلم والأربعة بواسطة. مات سنة تسع عشرة ومائتين
(4)
، وليس في الكتب الستة
(1)
انظر: "التحقيق" 1/ 89 - 94، "روضة الطالبين" 1/ 32، "الهداية"1/ 24.
(2)
ورد بهامش الأصل: من خط المصنف: يعني: الثوري.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 118.
(4)
مالك بن إسماعيل بن درهم، قال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل: إن سرَّك أن تكتب عن رجل ليس في قلبك منه شيء فاكتب عن أبي غسان. وقال أبو حاتم: قال =
مالك بن إسماعيل سواه.
وإسرائيل (ع) هو ابن يونس سلف
(1)
. وفي البخاري: إسرائيل (خ. د. ت. س) بن موسى
(2)
. عنه القطان وليس فيهما غيرهما.
وعاصم هو ابن سُليمان الأحول البصري الثقة الحافظ، مات سنة اثنتين وأربعين ومائة
(3)
.
وعبيدة هو (ع) السلماني ابن عمرو. وقيل: ابن قيس، وقد تقدم في المقدمات أنه بفتح العين، كوفي أسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر في الصحابة؛ لذلك قَالَ ابن عيينة: كان يوازي شريحًا في العلم والقضاء.
مات سنة اثنتين. وقيل: ثلاث وسبعين
(4)
.
ثانيهما: في فقهه:
وهو أنه لما جاز اتخاذ شعر النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به فهو طاهر. وقد
= يحيى بن معين: ليس بالكوفة أتقن منه. وقال غيره عن يحيى بن معين: وهو أجود كتابًا من أبي نعيم. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 7/ 315 (1342)، و"الجرح والتعديل" 8/ 206 (905)، و"الثقات" 9/ 164، و"تهذيب الكمال" 27/ 86 (5727).
(1)
سبقت ترجمته في حديث رقم (169).
(2)
إسرائيل بن موسى. قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، وأبو حاتم: ثقة.
زاد أبو حاتم: لا بأس به. وقال النسائي: ليس به بأس. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 56 (1668)، "الثقات" 6/ 79، "تهذيب الكمال" 2/ 514 (401)، "تهذيب التهذيب" 1/ 133.
(3)
وثقه سفيان وأحمد وابن مهدي، والعجلي، وأبو زرعة، ويحيى بن معين، وغيرهم، وقيل في وفاته غير ما ذكر المؤلف.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 256 - 319، "الثقات" 5/ 237، "تهذيب الكمال" 13/ 485 (3008).
(4)
سبقت ترجمته في المقدمة.
جعل خالد بن الوليد في قلنسوته من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يدخل بها في الحرب فسقطت يوم اليمامة، فاشتد عليها شدة، أنكر عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إني لم أفعل ذَلِكَ لقيمتها لكن كرهت أن تقع بإيدي المشركين وفيها من شعر الرسول صلى الله عليه وسلم
(1)
.
ثم ذكر البخاري حديثًا ثانيًا في الشعر فقال: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبَّادٌ، عَنِ ابن عَوْنٍ، عَنِ ابن سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ، كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها: في التعريف برواته غير من سلف:
فابن عون هو عبد الله (ع) بن عون، أبو عون مولى عبد الله بن المغفل المزني أحد الأعلام. مات
(2)
سنة إحدى وخمسين ومائة
(3)
.
(1)
انظر: "البداية والنهاية" 7/ 113 وليس فيها ذكر كراهته تلك وفيه: أنها ما كانت معي في موقف إلا نصرت بها.
(2)
ورد بهامش (س) ما نصه: (232) قاله في "الكاشف" أو (إحدى) قاله في "التهذيب".
(3)
عبد الله بن عون بن أرطبان المزني، البصري، رأى أنسًا ولم يثبت له منه سماع.
قال علي بن المديني: جُمع لابن عون من الإسناد ما لم يجمع لأصحابه. وقال شعبة: ما رأيت مثل أيوب ويونس وابن عون. وقال الثوري: ما رأيت أربعة اجتمعوا في مصرٍ مثل أربعة اجتمعوا بالبصرة: أيوب، ويونس، وسليمان التيمي، وعبد الله بن عون. وقال العجلي: أهل البصرة يفخرون بأربعة .. فذكره. ومثله عن الأصمعي.
وانظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 5/ 130 (605)، "تهذيب الكمال" 15/ 402 (3470)، "مغاني الأخيار" 2/ 536.
وفي مسلم والنسائي: عبد الله بن عون ابن أمير مصر أبي عون عبد الملك بن يزيد البغدادي، روى عن مالك. ثقة من الأبدال. مات بعد المائتين، وليس في هذِه ابن عون غيرهما
(1)
.
وعباد (ع) هو ابن العوام الواسطي، أبو سهل. مات سنة خمس وثمانين ومائة
(2)
.
وسعيد بن سليمان هو الضبي البزاز، أبو عثمان سعدويه الحافظ الواسطي
(3)
.
(1)
عبد الله بن عون بن أبي عون واسمه عبد الملك بن يزيد الهلالي.
قال أحمد بن حنبل: ما به بأس، أعرفه قديمًا، وجعل يقول فيه خيرًا. وقال علي بن الحسين بن الجنيد، عن يحيى بن معين: صدوق. وقال عبد الخالق بن منصور، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن معين، وأبو زرعة، وعلي بن الحسين بن الجنيد، وصالح بن محمد البغدادي الحافظ، والدارقطني: ثقة.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 375، "الجرح والتعديل" 5/ 131 (606)، "تهذيب الكمال" 15/ 402 (3470)
(2)
عباد بن العوام بن عمر بن عبد الله. قال الحسن بن عرفة: سمعت وكيعًا، وسألني عن عباد بن العوام، قال: يحدث؟ قلت: نعم. قال: ليس عندكم أحد يشبهه. وقال أبو بكر بن الأثرم، عن أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث.
وعن يحيى بن معين: ثقة. وقال ابن حجر: لم يخرج له البخاري من روايته عن سعيد شيئًا واحتج به هو والباقون.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 330، "تاريخ بغداد" 1/ 104، "تهذيب الكمال" 14/ 140 - 144 (3089)، "سير أعلام النبلاء" 8/ 511 - 512 (134).
(3)
سعيد بن سليمان الضبي. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي ذكر سعيد بن سليمان قال: كان صاحب تصحيف ما شئت. وقال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، عن يحيى بن معين: كان سعدويه قبل أن يحدث أكيس منه حين حدث. وقال عباس بن محمد الدوري: سئل يحيى بن معين، عن عمرو بن عون وسعدويه أكيسهما قلت له أنا: في جميع ما حدَّث؟ قال: نعم. وقال أبو حاتم: ثقة، =
روى عنه جماعة منهم البخاري، وأبو داود، حج ستين سنة، وكان يصحف. مات سنة خمس وعشرين ومائتين عن مائة.
ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة سلف.
ثانيها:
هذا الحديث رواه عن ابن سيرين أيضًا هشام بن حسان، ورواه عن سعيد هارون بن عبد الله. قَالَ الإسماعيلي: قَالَ: محمد بن إسماعيل، -يعني: البخاري-: وروى وهيب بن خالد، ثنا ابن عون، عن محمد بن سيرين أنه صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه قام أبو طلحة فأخذ من شعره، فقام الناس فأخذوا.
قَالَ أبو بكر: قُلْتُ لابن عون: عمن ذكر ابن سيرين؟ فقال: عن أنس بن مالك. قَالَ ابن عون: نبئت أنهم جعلوا شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في السُّك، فهي عند آل أنس وآل سيرين، أخبرنيه ابن ياسين، عن عبد الله بن محمد بن سنان السعدي البصري، ثنا عمار بن معمر بن عمرو، ووهيب بن خالد به، وعبد الله ليس من شرط هذا الكتاب ذكرناه استئناسًا.
ثالثها:
هذا الحلق كان بمنى يوم الأضحى، وكان الحالق فيما ذكره البخاري زعموا أنه معمر بن عبد الله. وقيل: اسمه خراش بن أمية بن ربيعة الكلبي، وصحح بعضهم أن خراشا حلق رأسه بالحديبية،
= مأمون، ولعله أوثق من عفان إن شاء الله. وقال ابن حجر: ثقة حافظ.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 340، "معرفة الثقات" 1/ 405 (596)، "الجرح والتعديل" 4/ 26 (107)، "تهذيب الكمال" 10/ 483 (2291)، "تقريب التهذيب"(2329).
ومعمرًا في حجة الوداع، وفي رواية قَالَ للحلاق:"ها هنا"
(1)
، وأشار إلى الجانب الأيمن، وفرق شعره بين من يليه، ثم أشار إلى الجانب الأيسر، فأعطاه أم سُلَيم. وفي رواية: فبدأ بالشق الأيمن ففرقه، الشعرة والشعرتين بين الناس، ثم قَالَ: بالأيسر، فدفعه إلى أبي طلحة.
[-
باب إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فيِ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَليَغْسِلْهُ سَبْعًا]
172 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ؛ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا". [مسلم: 279 - فتح: 1/ 274]
173 -
[حَدَّثَنَا إسحق، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الله ابْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَن رَجُلًا رَأى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرى مِنَ العَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ الله لَهُ فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ".][2363، 2466، 6009 - مسلم: 2244 - فتح: 1/ 278]
174 -
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ الكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الَمسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ [يَكُونُوا] يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. [فتح:1/ 278]
175 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابن أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كلْبَكَ المُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وِإذَا أكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّما أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ". قُلْتُ: أُرْسِلُ
(1)
رواه مسلم (1305/ 324) كتاب: الحج، باب: بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق.
كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قَالَ: "فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ". [2054، 5475، 5476، 5477، 5483، 5484، 5485، 5486، 5487، 7397 - مسلم 1929 - فتح:1/ 279]
ثم شرع البخاري في ذكر الأحاديث التي نحا بها إلى طهارة الكلب وطهارة سؤره فقال:
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ؛ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا".
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَنَّ رَجُلًا رَأى كلْبًا يَأْكُلُ الثَّرى مِنَ العَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فشَكَرَ اللهُ لَهُ فأَدْخَلَهُ الجَنَّة".
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: ثنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ الكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
حَدَّثنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنِ ابن أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كلْبَكَ المُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ على نَفْسِهِ". قُلْتُ: أرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قَالَ: "فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ على كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ على كَلْبٍ آخَرَ".
وأقول قد أسلفنا عن الإسماعيلي أنه قَالَ: أرى أبا عبد الله نحا نحو
تطهير الكلب حيًّا وإباحة سؤره بما ذكره من هذِه الأخبار وهي -لعمري- صحيحة، إلا أن في الاستدلال بها على طهارة الكلب نظرًا، وتبعه على ما نحاه البخاري ابن بطال في "شرحه" فقال: ذكر في الباب أربعة أحاديث في الكلب، وغرضه في ذلك إثبات طهارة الكلب وطهارة سؤره، ووجه النظر أن غسل الإناء من شربه يجوز أن يكون لنجاسته، وأن يكون تعبدًا
(1)
ويترجح الأول برواية مسلم: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" وهي على شرطه أيضًا، وروايته أيضًا:"إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات"
(2)
.
وأما غرف الماء فليس فيه أن الكلب شربه من الخف، أو قد يجمع بأن يكون غرفه به ثم صبه في مكان غيره، وعلى تقدير أن يكون شرب منه لا يلزمنا الأخذ به؛ إذ كان هذا في شريعة غيرنا على ما روي عن أبي هريرة، وشرعنا قتل الكلاب على خلاف فيه إلا ما رخِّص في إمساكه، ولا يلزم من إقبالها وإدبارها فيه طهارتها.
نعم؛ سيأتي فيه أنها كانت تبول فيه، وابن وهب يرى بطهارة بولها، وكأن الحديث إنما سيق لترددها فيه، ولم يغلق، وعساها كانت تبول ولم يعلم موضعه، ولو علم لأمر بصب الماء عليه، وقد أمر به في بول الأعرابي وبول ما سواه في حكم النجاسة واحد.
وأما حديث عدي فهو مسوق؛ لأن قتله ذكاة لا لنجاسة ولا طهارة، ألا تراه قَالَ:"فكله". ولم يقل: اغسل الدم، ويجوز أن يكون تركه اكتفاء
(1)
"بشرح ابن بطال" 1/ 265 - 266.
(2)
"صحيح مسلم"(279/ 89، 91) كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب.
بغسل الإناء من وُلوغه.
وذكر الإسماعيلي احتمالًا ثالثًا، وهو أن يكون قتله الصيد لما جعل ذكاة له انتفت النجاسة عن المذكي بما جعل ذكاة له، إذا ظهر لك ذَلِكَ فلنتكلم على كل حديث على العادة سندًا ومتنًا.
أما حديث أبي هريرة فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
طريق مالك هذِه أخرجه أبو داود في رواية ابن العبد، والنسائي وابن ماجه
(1)
، وأخرجه مسلم من حديث الأعرج عن أبي هريرة أيضًا
(2)
.
وأخرجه مسلم من حديث الأعمش، عن أبي رزين وأبي صالح؛ عن أبي هريرة بلفظ:"إذا ولغ" بدل "شرب"؛ ومن حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة:"طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب"
(3)
.
وأخرجها أبو داود والنسائي، وكذا الترمذي وقال: "أولاهن -أو أُخراهن
(4)
- بالتراب، وإذا ولغت فيه الهرة كسل مرة" ثم قَالَ: حديث حسن صحيح. وقال أبو داود: ذكر الهر موقوفة. وقال البيهقي: مدرج
(5)
.
قَالَ ابن عبد البر: كذا قَالَ مالك في هذا الحديث "شرب" أي على
(1)
رواه أبو داود (71)، والنسائى 1/ 52، وابن ماجه (364).
(2)
"صحيح مسلم"(279/ 90) كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب.
(3)
"صحيح مسلم"(279/ 89، 91) كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب.
(4)
"سنن أبي داود"(73)، "سنن الترمذي"(91)، "سنن النسائي" 1/ 53 - 54، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (66): إسناده صحيح على شرطهما.
(5)
"السنن الكبرى" 1/ 548.
خلاف عنه، وغيره من الرواة يقول:"إذا ولغ" وهو الذي يعرفه أهل اللغة
(1)
.
وكذا استغرب هذِه اللفظة الإسماعيلي وابن منده الحافظان، ولم
ينفرد بها مالك، بل توبع عليها كما أوضحته في كتابي "البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير" للرافعي رحمه الله
(2)
، وهو أيضًا أخص من الولوغ، إذ كل كلب إذا شرب فهو والغ ولا عكس.
ثانيها: في التعريف برواته، وقد سلف التعريف بهم.
ثالثها: في فقهه:
ظاهر الأمر بالغسل: التنجيس، ويؤيده الرواية السالفة "طهور" فإنها تستعمل عن الحدث تارة، وعن الخبث أخرى، ولا حدث على الإناء فتعين الخبث.
وأما الإمام مالك فحمله على التعبد لاعتقاده طهارة الماء والإناء، وربما رجحه أصحابه بذكر هذا العدد المخصوص، وهو السبع؛ لأنه لو كان للنجاسة لاكتفي بما دون السبع، فإنه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة، وقد اكتفى فيها بما دون السبع، وقد أمر بغسل الظاهر مرارًا لمعنى، كما في أعضاء الوضوء
(3)
والحمل على الأول وهو التنجيس أقوى؛ لأنه متى دار الحكم بين كونه تعبدًا، وبين كونه معقول المعنى فالثاني أولى؛ لندرة التعبد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى.
(1)
"التمهيد" 18/ 264.
(2)
"البدر المنير" 1/ 545.
(3)
انظر: "التفريع" 1/ 216، "الكافي" ص 17، "الذخيرة" 1/ 181.
وأما كونه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة فممنوع، ثم الذين عللوه قالوا: العلة النجاسة، وقيل: القذارة؛ لاستعماله النجاسات، وقيل: علته لأنهم نهوا عن اتخاذه فلم ينتهوا فغلظ عليهم بذلك.
ومنهم من قَالَ: إن ذَلِكَ معلل بما تبقَّى من كَلَب الكلب
(1)
. والعدد السبع قد جاء في مواضع من الشرع على جهة الطب والتداوي، وأورد على هذا أن الكلب المكلب لا يقرب الماء، على ذَلِكَ جماعة الأطباء.
ومن قَالَ بالتعبد يلزمه أن يقول بغسل جميع الإناء، ما لاقى الولوغ وما لم يلقه؛ عملًا بحقيقة لفظ الإناء.
ثم إن هذا الأمر وهو الأمر بالغسل ظاهره الوجوب، وعن مالك قول بحمله على الندب، وقد استدل بغسل الإناء على نجاسة عين الكلب؛ ولأنه إذا ثبت نجاسة فمه فبقية بدنه أولى؛ ولأنه إذا كان لعابه نجسًا وهو عرق فمه ففمه أولى، ثم هذا الإناء يغسل سواء أكان فيه طعام أو ماء للعموم، ولمالك قول أنه لا يغسل إلا إناء الماء دون إناء الطعام، وهو نص "المدونة"
(2)
؛ لأنه مصون، ولأن في الحديث الإراقة، وهي محرمة؛ لأنه إضاعة مالٍ.
والظاهري لا يرى بالغسل إذا وقع اللعاب في الإناء من غير ولوغ
(3)
.
ثم هذا الحديث نص في اعتبار السبع في عدد الغسلات.
ورواية التتريب قَالَ بها الشافعي وأصحاب الحديث وليست في
(1)
الكلب، بفتحات، شبه الجنون، وكَلِب الكلب، ضَرى وتعوَّد أكل الناس.
"المحكم" 7/ 35.
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 5.
(3)
انظر: "المحلى" 1/ 109 - 110.
رواية مالك فلم يقل بها، وقيل: لأنه مضطرب حيث ورد: "أولاهن" و"إحداهن"، وغير ذَلِكَ.
والحنفية لا يقولون بتعين السبع ويعتذرون عنه بأوجهٍ:
أحدها: أن أبا هريرة راويه كان يغسل ثلاثًا، وهذا على رأيهم أن العبرة بما رأى، وعندنا بما روى، بل ما صح عنه إلا السبع.
ثانيها: أنه روي من طريق أبى هريرة مرفوعًا التخيير بين الثلاث والخمس والسبع، فلو كان السبع واجبًا
(1)
لم يخير بينه وبين الباقي؛ لكنه ضعيف
(2)
كما نبه الدارقطني في "سننه"
(3)
، والبيهقي في "خلافياته"
(4)
.
ثالثها: أن هذا الأمر كان إِذْ أمرَ بقتل الكلاب، فلما نَهى عن قتلها نسخ ذَلِكَ.
رابعها: أن الأمر بالسبع محمول على من غلب على ظنه أن نجاسة الولوغ لا تزول بأقل منها، وعند الحسن البصري يغسل سبعًا، ويعفر الثامنة بالتراب
(5)
بحديث عبد الله بن مغفل
(6)
، وأجيب عنه؛ بأنه
(1)
ورد بهامش (س): نقل وجوب الغسل سبعًا عن أبي هريرة ابن المنذر، نقله عنه النووي.
(2)
ورد بهامش (س): قوله: "لكنه ضعيف" زاد النووي في "شرح المهذب" باتفاق الحفاظ: عبد الوهاب بن عطاء مجمع على ضعفه وتركه. انتهى. قال الذهبي في "الكاشف" عن أبي داود: إنه كان يضع.
(3)
"سنن الدارقطني" 1/ 65 وذلك بقوله: تفرد به عبد الوهاب عن إسماعيل (يعني: ابن عياش) وهو متروك، وهو الصواب.
(4)
"الخلافيات" 1/ 235 (280).
(5)
انظر: "البناية" 1/ 431 - 438.
(6)
رواه مسلم (280) كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب، وأبو داود (74)، والنسائي 1/ 54.
مضطرب. ثم ظاهر الحديث عام في جميع الكلاب، وفي مذهب مالك أربعة أقوال: طهارته، نجاسته، طهارة سؤر المأذون في اتخاذه دون غيره، رابعها لابن الماجشون: يفرق بين البدوي والحضري.
وفي "قنية المنية" من كتب الحنفية وهو جزآن: الذي صح عندي من الروايات في "النوادر" و"الأمالي" أن الكلب نجس العين عندهما، وعند أبي حنيفة ليس بنجس العين، وفائدته تظهر في كلب وقع في بئر وخرج حيًّا فأصاب ثوب إنسان، ينجس الماء والثوب عندهما خلافًا لأبي حنيفة.
ومتعلقات هذا الحديث وفروعه كثيرة، وقد استقصينا القول فيها في "شرح عمدة الأحكام" فليراجع منه
(1)
، ونحن في هذا الشرح ننبه بأدنى إشارة خوف الطول.
وتعلق برواية "وَلَغَ" أهل الظاهر، وقالوا: لو أدخل يده أو رجله في الإناء لا يسمى ولوغًا ولا يجري فيه حكمه؛ لأنه لا يقال: (ولغ) في شيء من جوارحه سوى لسانه، كما قال المطرز، لكن قال ابن جني في "شرح المتنبي": أصل الولوغ: شرب السباع بألسنتها الماء، ثم كثر فصار الشرب مطلقًا.
وأما حديث أبي هريرة الثاني فأخرجه البخاري في عدة مواضع: في الشرب
(2)
، والمظالم
(3)
، والأدب
(4)
. وأخرجه مسلم أيضًا
(5)
.
(1)
انظر: "الإعلام" 1/ 296 - 299.
(2)
سيأتي برقم (2363) باب: فضل سقي الماء.
(3)
سيأتي برقم (2466) باب: الآبار على الطرق إذا لم يُتأذَّ بها.
(4)
سيأتي برقم (6009) باب: رحمة النَّاس والبهائم.
(5)
مسلم (2244) كتاب: السلام، باب: فضل المحترمة البهائم المحترمة وإطعامها.
وأخرجه أبو داود في الجهاد من طريق مالك، عن سُمي، عن أبي صالح
(1)
.
وأخرجه البخاري أيضًا من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة أن امرأة بغيًّا رأت كلبًا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت مُوقها فُغفر لها
(2)
. وفي رواية "بغي من بغايا بني إسرائيل" ذكره في ذكر بني إسرائيل
(3)
، وفي بعض طرق الخبر زيادة: قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قَالَ: "في كل كبدة رطبةٍ
(4)
- وفي رواية: حرى- أجر"
(5)
.
ثانيها:
هذا الحديث اشتهر عن أبي هريرة، وعن أبي صالح عنه، واشتهر عن عبد الصمد بن عبد الوارث، فرواه عنه جماعات منهم إسحاق هذا، واختلف فيه فقال أبو نعيم الأصبهاني: هو ابن منصور الكوسج.
وأما الكلاباذي والجياني
(6)
فذكرا أن إسحاق بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم يرويان عن عبد الصمد
(7)
.
(1)
"سنن أبي داود"(2550).
(2)
لم أجده في البخاري بهذا اللفظ، وإنما هذا لفظ مسلم رواه برقم (2245/ 154) عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وأما حديث ابن سيرين عند البخاري يأتي برقم (3321) بغير هذا اللفظ.
(3)
سيأتي برقم (3467) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل.
(4)
سيأتي برقم (2363) كتاب: المساقاة، باب: فضل سقي الماء.
(5)
رواه ابن ماجه (3686)، وأحمد 2/ 222.
(6)
انظر: "تقييد المهمل" 3/ 967 وعزا هذا القول لأبي نصر الكلاباذي.
(7)
ورد بهامش الأصل: سنة 229 قاله في "الكاشف".
ثالثها: في التعريف برواته غير من سلف:
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار من أفراد البخاري عن مسلم، وأخرج له أبو داود والترمذي والنسائي، وفيه لين
(1)
.
ووالده (ع) عبد الله -هو مولى ابن عمر- التابعي وليس في الستة سواه
(2)
، نعم، في ابن ماجه: عبد الله (ق) بن دينار الحمصي، وهو ليس بقوي
(3)
.
رابعها:
الثرى: التراب الندي. قاله الجوهري
(4)
، وصاحب "الغريبين"،
(1)
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار القرشي العدوي. قال عمرو بن علي: لم أسمع عبد الرحمن يحدث عنه بشيء قط. وقال أبو حاتم: فيه لين، يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أبو أحمد بن عدي: وبعض ما يرويه منكر، لا يتابع عليه، وهو جملة من يكتب حديثه من الضعفاء. وقال ابن حجر: احتج به البخاري كما قال الدارقطني.
انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 316 (999)، "الجرح والتعديل" 5/ 254 (1204)، "المجروحين" لابن حبان 2/ 51، "الكامل في ضعفاء الرجال" 5/ 485 (1126)، "تهذيب الكمال" 17/ 208 (3866)، "مقدمة الفتح" ص 417.
(2)
عبد الله هو ابن دينار. قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ثقة مستقيم الحديث. وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، ومحمد بن سعد، والنسائي: ثقة. زاد ابن سعد: كثير الحديث. ومات سنة سبع وعشرين ومائة.
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 5/ 46 (217)، "الثقات" 5/ 10، "تهذيب الكمال" 14/ 471 (3251).
(3)
عبد الله بن دينار الحمصي، قال عنه يحيى بن معين: شامي ضعيف. وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالقوي في الحديث. وقال الدارقطني: لا يعتبر به. وذكره ابن حبان في "الثقات" 7/ 33. انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 81 (222)، "الجرح والتعديل" 5/ 47 (218)، "تهذيب الكمال" 14/ 474 (3252).
(4)
انظر: "الصحاح" مادة (ثرا) 6/ 2291.
وقال "صاحب المحكم": الثرى: التراب. وقيل: هو التراب الذي إذا بُل لم يصر طينًا لازبًا، والجمع أثراء
(1)
، وفي "مجمع الغرائب": أصل الثرى: الندى، ولذلك قيل للعرق: ثرى.
خامسها:
فيه: الإحسان إلى كل حيوان حي بسقيه ونحوه، وهذا في الحيوان المحترم، وهو ما لا يؤمر بقتله، ولا يناقض هذا ما أمرنا بقتله أو أبيح قتله، فإن ذَلِكَ إنما شرع لمصلحة راجحة، ومع ذَلِكَ فقد أمرنا بإحسان القِتلة.
وفيه أيضًا: حُرمة الإساءة إليه، وإثم فاعله، فإنه ضد الإحسان المؤجر عليه، وقد دخلت تلك المرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت
(2)
.
وفيه أيضًا: وجوب نفقة البهائم المملوكة على مالكها وهو إجماع.
وأما الحديث الثالث:
فالبخاري ذكره معلقًا عن شيخه أحمد بن شبيب، والإسماعيلي وصله فقال: حَدَّثنَا أبو يعلى، ثنا هارون بن معروف، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، حَدَّثَني حمزة بلفظ: وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر. ورواه أبو داود عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب
(3)
.
ورواه أبو نعيم، عن أبي إسحاق، عن إسحاق بن محمد، ثنا
(1)
"المحكم" 11/ 168.
(2)
حديثها سيأتي برقم (3338) كتاب: بدء الخلق، باب: خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم.
(3)
انظر: "سنن أبي داود"(382). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 2/ 233: إسناده صحيح على شرط البخاري.
موسى بن سعيد، عن أحمد بن شبيب؛ وقال: رواه البخاري بلا سماع.
وقال الإسماعيلي: ليس في حديث البخاري، تبول وهو كما قَالَ. وإن كان وقع في بعض نسخ البخاري.
إذا عرفت ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها: في التعريف بمن بقي من رواته:
حمزة بن عبد الله هو ابن عمر تابعي ثقة إمام
(1)
.
وأحمد بن شبيب
(2)
شيخ البخاري، ولم يخرج له غيره، وهو بصري نزل مكة. مات بعد المائتين
(3)
.
ووالده (خ. س) خرج له النسائي أيضًا، وهو صدوق
(4)
.
(1)
حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: مدني تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات". قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن علي بن المديني. سمعت يحيى بن سعيد يقول: فقهاء أهل المدينة اثنا عشر، فذكره فيهم. انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 3/ 47 (178)، "معرفة الثقات" 1/ 322 (358)، "الجرح والتعديل" 3/ 212 (930)، "تهذيب الكمال" 7/ 330 (1507).
(2)
أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي.
قال أبو حاتم: ثقة صدوق. وروى له أبو داود في كتاب "الناسخ والمنسوخ"، وفي "حديث مالك"، والنسائي. انظر:"الجرح والتعديل" 2/ 54 (70)، "تهذيب الكمال" 1/ 327 (47)، "إكمال تهذيب الكمال" 1/ 54 (53).
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: سنة 229 قاله في "الكاشف".
ثم بلغ في الثالث والأربعين له مؤلفه.
(4)
شبيب بن سعيد التميمي الحبطي: أبو سعيد البصري.
روى عن أبان بن تغلب، وشعبة بن الحجاج. وروى عنه: ابنه أحمد بن شبيب، وعبد الله بن وهب. قال علي بن المديني: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به. وقال النسائي: ليس به بأس. =
ثانيها:
قَالَ ابن بطال: فيه أن الكلب طاهر؛ لأن إقبالها وإدبارها في الأغلب أن تجر فيه أنوفها وتلحس فيه الماء وفُتات الطعام؛ لأنه كان مبيت الغرباء والوفود وكانوا يأكلون فيه، وكان مسكن أهل الصفة، ولو كان الكلب نجسًا لمنع من دخول المسجد؛ لاتفاق المسلمين على أن الأنجاس تجنب المساجد، قَالَ تعالى:{إِنَّمَا اَلمُشْركُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقرَبُراْ المَسجِدَ اَلحَرَامَ} [التوبة: 28].
قَالَ: وقوله: (تقبل وتدبر) يدل على تكررها على ذَلِكَ، وتركهم لها يدل على أن لا نجاسة فيها؛ لأنه ليس في حي نجاسة، هذا كلامه
(1)
، وقد سلف الجواب عنه.
ثالثها:
قوله: (فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.) يريد -كما قَالَ ابن التين- أن الرش طهور لما يشك فيه، وإذ لم يرشوا دل على أنه غير نجس.
وأما الداودي فإنه أورد هذا الحديث في "شرحه" بلفظ: (يرتقبون) بدل (يرشون) ثم فسره بأن معناه: لا يخافون ولا يختشون. قال: ومنه قوله تعالى: {خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص: 18]، ونقله عنه ابن التين ولم يعترض عليه وهو غريب، والظاهر أنه تحريف وما أحسن قول المنذري: إن المعنى أنها كانت تبول خارج المسجد من
= روى له البخاري وأبو داود في "الناسخ والمنسوخ". وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "التاريخ الكبير" 4/ 233 (2628)، "الجرح والتعديل" 4/ 359 (1572)، "الثقات" 8/ 310، "الكامل في ضعفاء الرجال" 5/ 47 (891)، "تهذيب الكمال" 12/ 360 - 362 (2690)، "تهذيب التهذيب" 2/ 150 - 151.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 268.
مواطنها وتقبل وتدبر في المسجد عابرة، إذ لا يجوز أن تترك الكلاب تقتات في المسجد حتى تمتهنه وتبول فيه وإنما كان إقبالها وإدبارها في أوقات ما ولم يكن على المسجد أبواب تمنع من العبور فيه.
وأما الحديث الرابع -وهو حديث عدي- فالكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في البيوع
(1)
والصيد والذبائح
(2)
. وأخرجه مسلم والجماعة في الصيد
(3)
، واشتهر عن عدي، وعن عامر الشعبي.
وابن أبي السفر اسمه عبد الله بن أبي السَّفَر -بفتح السين والفاء- سعيد بن يُحْمد. ويقال: أحمد الهمداني الكوفي.
قَالَ أحمد وابن معين: ثقة، أخرجوا له خلا الترمذي
(4)
.
ثانيها:
سؤال عدي رضي الله عنه يحتمل أن يكون لطلب معرفة الحكم قبل الإقدام
(1)
سيأتي برقم (2054).
(2)
سيأتي برقم (5475 - 5477) ورقم (5483 - 5487).
(3)
"صحيح مسلم"(1929) باب: الصيد بالكلاب المعلمة، "سنن أبي داود"(2847 - 2851)، "سنن الترمذي"(1465)، (1470)، "سنن النسائي" 7/ 189 - 181، "سنن ابن ماجه"(3208).
(4)
عبد الله بن أبي السفر، واسمه سعيد بن يحمد، ويقال: ابن أحمد.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، وإسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة. وكذلك قال النسائي. وذكره ابن حبان في كتاب: "الثقات".
انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 105 (306)، "الثقات" لابن حبان 2/ 32 (896)، "تهذيب الكمال" 15/ 41 (3308).
عليه، ولا شك أنه لا يجوز الإقدام على الفعل إلا بعد معرفة الجواز، ويحتمل أن يكون علم أصل الإباحة، فسأل عن أمور اقتضت عنده الشك في بعض الصور، أو قام مانع من الإباحة التي علم أصلها.
ثالثها:
لم يذكر في هذِه الرواية ما سأل عنه، لكن سياق الجواب دال أنه سأل عن صيد الكلب.
رابعها:
في جواز الاصطياد بالكلب المعلم، ولا نعلم فيه خلافًا، ولم يذكر حكم غير المعلم؛ لأنه لم يسأله عدي عنه وإن كان يوجد من تقييده صلى الله عليه وسلم بالمعلم نفي الحكم عن غيره.
خامسها:
يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك" مطلق الكلاب، واستثنى الإمام أحمد الكلب الأسود من الجواز، ونحوه عن الحسن البصري وإسحاق وقتادة والفارسي
(1)
من أصحابنا
(2)
.
سادسها:
لم يذكر فيه التسمية وهي في طريق آخر من حديث عدي، وإن كانت في آخره مذكورة.
وقد اختلف العلماء في شرطها، ومذهبنا أنها سنة؛ خلافًا للظاهرية، وهو الصحيح عن أحمد، وقال أبو حنيفة ومالك والثوري
(1)
ورد بهامش (س): يعني: أبا علي.
(2)
انظر: "المغني" 13/ 267.
وجماعة: إن تركها سهوًا حلت الذبيحة، وإن تركها عمدًا فلا
(1)
.
سابعها:
مقتضى الحديث عدم الفرق بين كون المعلم تحل ذكاته أم لا، وذكر ابن حزم في "محلاه"
(2)
عن قوم اشتراط كونه ممن تحل ذكاته فقال: وقال قوم: لا يؤكل صيد جارح علمه من لا يحل أكل ما ذكى.
وروي في ذَلِكَ آثارًا منها: عن يحيى بن عاصم، عن علي أنه كره صيد باز المجوسي وصقره وصيده. ومنها: عن أبي الزبير، عن جابر قَالَ: لا نأكل صيد المجوسي ولا ما أصاب سهمه. ومنها عن خصيف قَالَ: قَالَ ابن عباس: لا تأكل ما صدت بكلب المجوسي، وإن سميت؛ فإنه من تعليم المجوسي قَالَ تعالى:{تُعَلِّمُونَهُنَّ مَّمِا عَلَّمَكُمُ اللهُ} [المائدة: 4]، وجاء هذا القول عن عطاء ومجاهد والنخعي ومحمد بن علي، وهو قول سفيان الثوري
(3)
.
ثامنها:
الحديث ظاهر في اشتراط الإرسال حتى لو استرسل بنفسه يمتنع من أكل صيده، ولو أرسل كلبًا حيث لا صيد فاعترض صيدٌ فأخذه لم يحل على المشهور عندنا، وقيل: يحل
(4)
.
فرع: الصيد حقيقة في المتوحش، فلو استأنس ففيه خلاف للعلماء.
(1)
"حلية العلماء" 3/ 367، "تقويم النظر" 5/ 19، "المعونة" 1/ 460، "الهداية" 4/ 394، "المغني" 13/ 290.
(2)
"المحلى" 7/ 476.
(3)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 4/ 243 (19615) كتاب: الصيد، باب: في صيد كلب المشرك والمجوسي واليهودي والنصراني.
(4)
انظر: "حلية العلماء" 3/ 373 - 374، "البيان" 4/ 554.
تاسعها:
يؤخذ من الحديث أن من غصب كلبًا واصطاد به أن الصيد للغاصب لا له؛ لأنه لم يرسل كلبه. وقد يستدل به من يقول أن له عملًا بالإضافة
(1)
.
عاشرها:
أجمع المسلمون عَلَى إباحة الاصطياد للاكتساب والحاجة والانتفاع به بالأكل وغيره. واختلفوا فيمن اصطاده للهو فإن فعله ليذكيه، فكرهه مالك، وأجازه الليث وابن عبد الحكم، وإن فعله من غير نية التذكية فهو حرام؛ لأنه فساد في الأرض وإتلاف نفس عبثًا.
الحادي عشر:
قوله: "وإذا أكل فلا تأكل" صريح في منع ما أكل منه الكلب.
وفي حديث أبي ثعلبة الخشني في "سنن أبي داود" بإسناد حسن: "كل وإن أكل منه الكلب"
(2)
وسيأتي -إن شاء الله- الجمع بينهما في بابه
(3)
.
(1)
انظر: "الذخيرة" 4/ 174.
(2)
"سنن أبي داود"(2852)، والحديث ضعفه البيهقي في "السنن" 9/ 238. وقال: إن صح وهو في الصحيحين وليس فيه ذكر الأكل. وقال الذهبي في "الميزان" 2/ 208: وهذا حديث منكر. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" 10/ 385: إسناده ضعيف ومتنه منكر.
(3)
سيأتي برقم (5475 - 5477) كتاب: الذبائح والصيد.
34 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِنَ المَخْرَجَيْنِ، مِنَ القُبُلِ وَالدُّبُرِ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَاْلَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6]، وَقَالَ عَطَاءٌ: فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ، أَوْ مِنْ ذَكَرِهِ نَحْوُ القَمْلَةِ يُعِيدُ الوُضُوءَ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُعِدِ الوُضُوءَ. وَقَالَ الحَسَنُ: إِنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ؛ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ. وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ وَسَجَدَ، وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ. وَقَالَ الحَسَنُ: مَا زَالَ المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ. وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ وَعَطَاءٌ وَأَهْلُ الحِجَازِ: لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ. وَعَصَرَ ابن عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَبَزَقَ ابن أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ. وَقَالَ ابن عُمَرَ وَالْحَسَنُ، فِيمَنْ يَحْتَجِمُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا غَسْلُ مَحَاجِمِهِ.
176 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْن أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الَمقْبرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ العَبْدُ فِي صلَاةٍ مَا كَانَ فِي المَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، مَا لَمْ يُحْدِثْ". فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ: مَا الَحدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: الصَّوْتُ. يَعْنِي: الضَّرْطَةَ [445، 477، 647، 648، 659، 2119، 3229، 4717 - مسلم: 362 - فتح: 1/ 282]
177 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ،
عَنْ عَمِّهِ، عَنِ النَّبيِّ، قَالَ:"لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا". [انظر: 137 - مسلم: 361 - فتح: 1/ 283]
178 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الثّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَدٍ ابن الَحنَفِيَّةِ قَالَ: قَالَ عَليٌّ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَاسْتَحْيَيتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأَمَرْتُ الِمقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلهُ، فَقَالَ:"فِيهِ الوُضُوءُ". وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ. [انظر: 132 - مسلم: 303 - فتح: 1/ 283]
179 -
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، أنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ. قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنهم، فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ. [292 - مسلم: 347 - فتح: 1/ 283]
180 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الَحكَمِ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيد الُخدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَاءَ وَرَأْسهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ؟ ". فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ قُحِطْتَ فَعَلَيْكَ الوُضُوءُ". تَابَعَهُ وَهْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَلَمْ يَقُلْ غُنْدَرٌ وَيَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ:"الْوُضُوءُ". [مسلم: 345 - فتح: 1/ 284]
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِنكُم مِّنَ اَلْغَائِطِ} قد أسلفنا في باب: لا تستقبل القبلة بغائط ولا بول
(1)
، أن الغائط أصله المكان المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، ثم استعمل للخارج وغلب على الحقيقة الوضعية فصار حقيقة عرفية، لكن لا يقصد به
(1)
سلف برقم (144).
إلا الخارج من الدبر فقط، وقد يقصد به ما يخرج من القبل أيضًا، وقد قام الإجماع على إلحاقه بالغائط في النقض، والريح ملحق بهما بالأحاديث الصحيحة، منها: حديث عبد الله بن زيد: "حتى تسمع صوتًا أو تجد ريحًا"
(1)
.
قَالَ ابن المنذر: أجمعوا أنه ينقض خروج الغائط من الدبر، والبول من القبل، والريح من الدبر، والذي. قَالَ: ودم الاستحاضة ينقض في قول عامة العلماء الأربعة
(2)
.
قَالَ: واختلفوا في الدود يخرج من الدبر، فكان عطاء بن أبي رباح والحسن وحماد بن أبي سليمان وأبو مجلز والحكم وسفيان الثوري والأوزاعي وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور يرون منه الوضوء
(3)
.
وقال قتادة ومالك: لا وضوء فيه
(4)
. وروي ذَلِكَ عن النخعي
(5)
.
وقال مالك: لا وضوء في الدم يخرج من الدبر
(6)
. هذا آخر كلامه.
ونقل أصحابنا عن مالك: أن النادر لا ينقض، والنادر كالمذي يدوم لا بشهوة، فإن كان بها فليس بنادر
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (177) كتاب: الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر.
(2)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر ص 29 - 30.
(3)
انظر: "البيان" 1/ 72 - "المغني" 1/ 230.
(4)
انظر: "المصنف" لعبد الرزاق 1/ 162 (629)، "المدونة" 1/ 10.
(5)
رواه عبد الرزاق 1/ 163 (630)، ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 43 (417).
(6)
"الموطأ" 1/ 240 باب: وضوء النائم.
(7)
انظر: "المدونة" 1/ 11 - "المعونة" 1/ 45 - "الكافي" ص 10.
وكذا نقله ابن بطال عنه؛ فقال: وعند مالك أن ما خرج من المخرجين معتادًا ناقض، وما خرج نادرًا على وجه المرض لا ينقض الوضوء، كالاستحاضة وسلس البول والمذي والحجر والدود والدم
(1)
.
وقال أبو محمد بن حزم: المذي والبول والغائط من أي موضع خرجوا من الدبر والإحليل والمثانة أو البطن، وغير ذَلِكَ من الجسد أو من الفم ناقض للوضوء؛ لعموم أمره صلى الله عليه وسلم بالوضوء منها ولم يخص موضعًا دون موضع، وبه قَالَ أبو حنيفة وأصحابه: قَالَ تعالى: {أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ اَلْغَآئطِ} [المائدة: 6]، وقد يكون خروج الغائط والبول من غير المخرجين. وقال داود: لا ينقض النادر وإن دام إلا المذي للحديث
(2)
.
واحتج لمن قَالَ: (لا ينقض النادر) بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح"
(3)
حديث صحيح، صححه الترمذي من طريق أبي هريرة، وبحديث صفوان بن عسال الصحيح، لكن من غائط وبول ونوم
(4)
، ولأنه نادر فلم ينقض كالقيء وكالمذي.
واحتج أصحابنا بحديث علي الآتي في الباب في المذي
(5)
.
(1)
انظر: "بشرح ابن بطال" 1/ 273.
(2)
انظر: "المحلى" 1/ 232، "البناية" 1/ 194 - 197.
(3)
"سنن الترمذي"(74). وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال الألباني في "صحيح الترمذي": صحيح.
(4)
رواه الترمذي (3535). وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي 1/ 98، والحميدي 2/ 130 (905)، وأبو نعيم 7/ 308، وابن حبان 4/ 149 - 150 (1321)، والبيهقي في "المعرفة" 2/ 109 - 110 (1999). وقال الألباني في صحيحي الترمذي والنسائي: حسن.
(5)
سيأتي برقم (178) كتاب: الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.
وعن ابن مسعود وابن عباس قالا: في الودي الوضوء. رواه البخاري
(1)
؛ ولأنه خارج من السبيل فنقض كالريح والغائط؛ ولأنه إذا وجب الوضوء بالمعتاد الذي تعم به البلوى فغيره أولى.
والجواب عن حديث: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح" أنا أجمعنا على أنه ليس المراد به حصر ناقض الوضوء في ذَلِكَ، بل المراد نفي وجوب الوضوء بالشك في خروج الريح.
وأما حديث صفوان فيبينُ فيه جواز المسح ونقض ما يمسح بسببه، ولم يقصد بيان جميع النواقض، ولهذا لم يستوفها، ألا تراه لم يذكر الريح وزوال العقل وهما مما ينقض بالإجماع.
وأما القيء فلأنه من غير السبيل فلم ينقض كالريح.
وأما سلس المذي فللضرورة، ولهذا نقول: هو محدث، ولا يجمع بين فرضين، ولا يتوضأ قبل الوقت.
واحتج بعض أصحابنا بحديث: "الوضوء مما خرج" وهو خبر رواه البيهقي عن علي وابن عباس، وروي مرفوعًا، ولا يثبت
(2)
.
وقال أبو حنيفة: لا ينقض خروج الريح من قبل الرجل والمرأة
(3)
.
ووافقنا أحمد على النقض به.
قَالَ البخاري: وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ، أَوْ مِنْ ذَكَرِهِ
(1)
لم أجده عند البخاري لكن رواه عبد الرزاق 1/ 159 (160)، وابن المنذر في "الأوسط" 1/ 135، البيهقي 1/ 115 عن ابن عباس، ورواه البيهقي 1/ 115 عن ابن مسعود.
(2)
"السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 116 (568) كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من الريح يخرج من أحد السبيلين.
(3)
انظر: "البناية" 1/ 194.
نَحْوُ القَمْلَةِ: يُعِيدُ الوُضُوءَ.
هذا أسنده ابن أبي شيبة في "مصنفه" بإسناده الصحيح فقال: حَدَّثنَا
حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن عطاء فذكره
(1)
، وقد أسلفناه عن حكاية ابن المنذر أيضًا
(2)
.
قَالَ البخاري: (وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُعِدِ الوُضُوءَ).
وهذا الأثر رواه البيهقي في "المعرفة" من حديث إبراهيم بن عبد الله، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي سفيان: سئل جابر، فذكره.
قَالَ: ورواه أبو شيبة قاضي واسط، عن يزيد أبي خالد، عن أبي سفيان مرفوعًا.
واختلف عليه في متنه، والموقوف هو الصحيح ورفعه ضعيف
(3)
.
قُلْتُ: لا جرم، اقتصر البخاري على الوقف، وكذا قَالَ الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري: هذا حديث منكر، والصحيح عن جابر خلافه، وفي لفظ عن جابر: لا يقطع التبسم الصلاة حتى يقرقر
(4)
.
قَالَ البيهقي: وروينا عن عبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وأبي أمامة الباهلي ما يدل على ذَلِكَ، وهو قول الفقهاء
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 43 (412) كتاب: الطهارات، باب: في إنسان يخرج من دبره الدود.
(2)
"الإجماع" لابن المنذر ص 29 - 30.
(3)
"معرفة السنن والآثار" 1/ 431 (1220، 1222 - 1223) كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من الكلام والضحك في الصلاة.
(4)
"سنن الدارقطني" 1/ 172، 1/ 174.
السبعة وقول الشعبي وعطاء والزهري
(1)
.
وهو إجماع فيما ذكره ابن بطال وغيره
(2)
، وإنما الخلاف في نقض الوضوء به، فذهب مالك والليث والشافعى إلى أنه لا ينقض الوضوء.
وذهب النخعي والحسن إلى أنه نقض
(3)
.
وبه قَالَ أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي.
وحجة من لم يره حَدَثًا أنه لما لم يكن حدثًا في غير الصلاة لم يكن حدثًا فيها
(4)
.
وحديث أبي المليح، عن أبيه وأنس وعمران وأبي هريرة ضعفها كلها الدارقطني، وقال: إنه يدور على أبي العالية -يعني مرسلًا
(5)
- وهو الصواب.
قال البخاري: (وَقَالَ الحَسَنُ: إِذا أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ أُو أَظْفَارِهِ أَوْ خَلَعَ خُفيْهِ؛ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ).
هذا أسنده ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن هشيم، نا يونس عنه وذكره أيضًا عن الحكم وعطاء وسعيد بن جبير وأبي وائل وابن عمر، وعن علي ومجاهد وحماد: يعيد الوضوء
(6)
.
وعن إبراهيم: يجري عليه الماء
(7)
.
(1)
"معرفة السنن والآثار" 1/ 431 (1224).
(2)
انظر: "بشرح ابن بطال" 1/ 274.
(3)
انظر: "الأوسط" 1/ 226.
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 161 - 162، "الإفصاح" 1/ 145، "بدائع الصنائع" 1/ 32، "المجموع" 2/ 70 - 71.
(5)
"سنن الدارقطني" 1/ 162 - 165 (462، 11، 12).
(6)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 171.
(7)
رواه عبد الرزاق 1/ 126 (463)، "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 170 (1963).
قَالَ ابن بطال: ما ذكره عن الحسن هو قول أهل الحجاز والعراق، وروي عن أبي العالية والحكم وحماد ومجاهد إيجاب الوضوء في ذَلِكَ
(1)
.
وقال عطاء والشافعي والنخعي: يمسه الماء
(2)
.
وأما من خلع نعليه بعد المسح عليهما ففيه أربعة أقوال:
أحدها: استئناف الوضوء من أوله، وبه قَالَ مكحول وابن أبي ليلى والزهري
(3)
والأوزاعي وأحمد وإسحاق والشافعي في القديم
(4)
.
ثانيها: يغسل رجليه مكانه، فإن لم يفعل استانف الوضوء. وبه قَالَ مالك والليث.
ثالثها: يغسلهما إذا أراد الوضوء. وبه قَالَ الثوري وأبو حنيفة والشافعي في الجديد والمزني وأبو ثور
(5)
.
رابعها: لا شيء عليه يصلي كما هو. وهو قول الحسن
(6)
وقتادة،
(1)
انظر: "بشرح ابن بطال" 1/ 275.
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 1/ 126، "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 170 (1960).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 170 (1962).
(4)
انظر "المغني" 1/ 367.
(5)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 140.
(6)
ورد تعليقًا بهامش الأصل: قول الحسن ومن معه هو الذي أجازه النووي في "شرح المهذب"، وهو وجه حكاه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في مصنف له في أصول الفقه كذا كلام في رأيته المؤلف قَالَ: وهو غريب نقلًا فجاز دليلًا. انتهى.
وقد رأيت حديثا في "أحكام عبد الحق" ولعلها الوسطى عن عبد الرزاق في "مصنفه"، ثنا معمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي ظبيان الجنبي قال: رأيت عليًّا بال قائمًا حتى أرغى، ثم توضأ ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه وجعلهما في كمه، ثم صلى. قال معمر: وأخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل صنيعه هذا. اهـ. و [انظر:"المجموع" 1/ 577، =
وروي مثله عن النخعي
(1)
.
قَالَ البخاري: (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ).
قد أسلفه مرفوعًا بنحوه من حديثه في باب: لا تقبل صلاة بغير طهور
(2)
، وحديثه السالف قريبًا:"لا وضوء إلا من صوت أو ريح" بمعناه ورواه أبو عبيد في كتاب "الطهور" بلفظ: "لا وضوء إلا من حَدَثٍ أو صوتٍ أو ريحٍ"
(3)
.
قَالَ البخاري: (وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ وَسَجَدَ، وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ).
وهذا قد أسنده أبو داود، وصححه ابن حبان من حديث ابن إسحاق قَالَ: حَدَّثَني صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر، عن أبيه جابر به مطولًا
(4)
.
والرجل الذي نزفه الدم عباد بن بشر، والنائم المذكور فيه هو عمار بن ياسر، والسورة التي قَالَ:(لم أقطعها): الكهف، كما ذكره ابن بشكوال وغيره. وقيل: الأنصاري: عمارة بن حزم، والمشهور أنه عباد، حكى ذلك المنذري بزيادة أنه جهر بالسورة، عن البيهقي.
= "المصنف"، لعبد الرزاق 1/ 201].
(1)
انظر: "مصنف عبد الرزاق" 1/ 126، "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 171.
(2)
سبق برقم (135) كتاب: الوضوء، باب: لا تقبل صلاة بغير طهور.
(3)
انظر: "الطهور" لأبي عبيد ص 404 (404) باب: الانصراف في الصلاة للمحدث ووقت وجوبه.
(4)
"سنن أبي داود"(198)، "صحيح ابن حبان" 3/ 375 (1096). وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 357 (193): إسناده حسن.
وقوله: (فنزفه الدم). أي: سال دمه كله. قَالَ ابن التين: كذا رويناه، والذي عند أهل اللغة نُزِفَ دَمُهُ، أي: سال كله، على ما لم يسم فاعله، وضبط هذا في بعض الكتب بفتح الزاي والنون. كذا ذكره.
وفي "المحكم": أَنْزَفَتْ هي: نُزِحت، يعني: البئر
(1)
. وقال ابن جني: نَزَفْتُ البئر وأَنَزفَت هي. جاء مخالفًا للعادة. وقال ابن طريف: تميم تقول: أنزفت، وقيس: نزفت: رجع، ونَزَفه الحجام يَنزِفُهُ وَينْزُفُه: أخرج دمه كله. والنُّزْفُ: الضعف الحادث عن ذَلِكَ. ونَزَفَهُ الدَّمُ، وإن شئتَ قُلْتَ: أنزفه.
وحكى الفراء: أنزفت البئر: ذهب ماؤها. وفي "الصحاح": ينزفه الدم: إذا خرج منه دم كثير حتى يضعف فهو نزيف ومنزوف
(2)
.
فائدة:
غزوة ذات الرقاع كانت في الثانية من سني الهجرة، وذكرها البخاري بعد خيبر مستدلًا بحضور أبي موسى فيها
(3)
، وأنهم لما نقبت أقدامهم لفوا عليها خرقًا؛ فسميت ذات الرقاع. وسيأتي بسط ذَلِكَ في موضعه.
قَالَ البخاري: (وَقَالَ الحَسَنُ: مَا زَالَ المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ).
روى ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن يونس، عن الحسن أنه كان
(1)
"المحكم" 9/ 51.
(2)
"الصحاح" 4/ 1431، مادة (نزف).
(3)
ورد بهامش (س): وجه استدلال البخاري بحضور أبي موسى؛ لأن أبا موسى جاء وأصحاب الشعبي وجعفر وأصحابه وهم وصلوا بعد الانصراف من خيبر، وكان قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، وأسلم ثم هاجر إلى الحبشة.
لا يرى الوضوء من الدم إلا ما كان سائلًا
(1)
.
قَالَ البخاري: وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٌ وَأَهْلُ الحِجَازِ: لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ.
وهذا رواه ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى، عن حنظلة، عن
طاوس أنه كان لا يرى في الدم السائل وضوءًا يغسل عنه الدم ثم حسبه.
وحكي نحو هذا عن سعيد بن المسيب، وكذا عن أبي قلابة وسعيد بن جبير وجابر وأبي هريرة
(2)
.
قَالَ ابن بطال: حديث جابر السالف يَدُل على أن الرعاف والدم لا ينقضان الوضوء، وهو قول أهل الحجاز، ورد على أبي حنيفة، وفي الحجامة عند أبي حنيفة وأصحابه الوضوء، وهو قول أحمد بن حنبل.
وعند ربيعة ومالك والليث وأهل المدينة: لا وضوء عن الحجامة، وهو قول الشافعي، وأبي ثور، وقالوا: ليس في الحجامة إلا غسل مواضعها فقط
(3)
.
وقال الليث: يجزئ أن يمسحه ويصلي ولا يغسله.
وسائر ما ذكره البخاري في الباب من أقوال الصحابة والتابعين، أنه لا وضوء في الدم والحجامة؛ مطابق للترجمة أنه لا وضوء في غير
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 127 (1459).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 127 (1464)، 1/ 128 (1465 - 1466، 1470، 1471، 1474).
(3)
انظر: "المبسوط" 1/ 76 - 77، "مختصر خلافيات البيهقي" 1/ 298 - 316، "البناية" 1/ 197 - 201، "المغني" 1/ 247 - 249، "الذخيرة" 1/ 236، "البيان" 1/ 192 - 193.
المخرجين، وكذلك أحاديث الباب حجة فيه أيضًا
(1)
.
قُلْتُ: فإن كان الدم يسيرًا غير خارج ولا سائل فلا ينقض عند جميعهم، وانفرد مجاهد بالإيجاب من يسير الدم.
قَالَ البخاري: (وَعَصَرَ ابن عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ).
وهذا الأثر أسنده ابن أبي شيبة في "مصنفه" بإسناده الصحيح عن عبد الوهاب، ثنا سليمان التيمي عن بكر قَالَ: رأيت ابن عمر عصر بثرة في وجهه، فخرج منها شيء من دم فحكه بين إصبعيه، ثم صلى ولم يتوضأ. ثم روى بإسناده عن سعيد بن المسيب أنه أدخل أصابعه في أنفه فخرج منه دم، فمسحه وصلى ولم يتوضأ
(2)
.
وعن أبي هريرة أنه كان لا يرى بالقطرة والقطرتين من الدم في الصلاة بأسًا. وعن أبي قلابة أنه كان لا يرى بأسًا به، إلا أن يسيل أو يقطر. وعن جابر وأبي سوار العدوي نحوه
(3)
.
وحديث: "الوضوء من كل دم سائل" له طرق لا يصح منها شيء
(4)
.
(1)
انظر: "بشرح ابن بطال" 1/ 275 - 276.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 128 (1469).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 127 - 128.
(4)
رواه الدارقطني 1/ 156 من طريق يزيد بن خالد، عن يزيد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن تميم الداري. وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 134 (220) من طريق الدارقطني، به. قال الدارقطني: عمر بن عبد العزيز لم يسمع من تميم الداري، ويزيد بن خالد ويزيد بن محمد مجهولان. ورواه ابن عدي في "الكامل" 1/ 313 (ترجمة أحمد بن الفرج) من حديث زيد بن ثابت. قال ابن عدي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أحمد هذا. وقال ابن حجر في "الدراية" 1/ 30: حديث تميم الداري فيه ضعف وانقطاع. وقال الألباني في "الضعيفة"(470): ضعيف.
قَالَ ابن الحصَّار
(1)
في "تقريب المدارك": لا يصح في الوضوء من الدم شيء إلا وضوء المستحاضة.
فائدة:
البثرة: خراج صغير. وجمعه بثر. وفي "الصحاح" بثر وجهه بالضم والكسر والفتح ثلاث لغات
(2)
. قَالَ ابن طريف
(3)
: والكسر أفصح.
قَالَ البخاري: وَبَزَقَ ابن أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ.
وهذا رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" بإسناده الصحيح، عن عبد الوهاب الثقفي، عن عطاء بن السائب قَالَ: رأيت ابن أبي أوفي بزق دمًا وهو يصلى ثم مضى في صلاته. وعند أبي موسى بزق علقة، ثم روي عن الحسن في رجل بزق فرأى في بُزاقه دمًا، أنه لم ير ذَلِكَ شيئًا حتى يكون عبيطًا.
وعن ابن سيرين: ربما بزق، فيقول لرجل انظر هل تغير الريق؟ فإن قَالَ تغير، بزق الثانية، فإن كان في الثالثة متغيرًا، فإنه يتوضأ، وإن لم يكن في الثالثة متغيرًا لم ير وضوءًا، وعن إبراهيم والحارث العلكي: إذا غلبت الحمرة البياض توضأ، وعكسه لا يتوضأ. وبزق سالم دمًا أحمر ثم مضمض ولم يتوضأ وصلى.
(1)
هو العلامة قاضي الجماعة، أبو المطرف، عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن محمد بن بشر بن غرسيه، القرطبي المالكي، ابن الحصار. تفقه بأبي عمر الإشبيلي، وروى عن أبيه والإمام أبي محمد الأصيلي. ولي قرطبه سنة سبع وأربعمائة، فأحسن السيرة، لقد كان عالمًا بمذهب مالك مع قوته في علم اللغة والنحو، توفي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة. انظر:"الصلة" 2/ 326 - 327، "سير أعلام النبلاء" 17/ 474 - 475.
(2)
"الصحاح" 2/ 584، مادة:"بثر".
(3)
سبق ترجمته في حديث رقم (155).
وعن حماد: في الرجل يكون على وضوء فيرى الصفرة في البزاق فقال: ليس بشيء إلا أن يكون دمًا سائلًا. وعن سالم والقاسم وسئلا عن الصفرة في البزاق فقالا: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. وعن عامر الشعبي: لا يضره
(1)
.
قَالَ البخاري: وَقَالَ ابن عُمَرَ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ احتَجِم: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا غَسْلُ مَحَاجِمِهِ.
وهذان رواهما ابن أبي شيبة، قَالَ في "مصنفه": حَدَّثنَا ابن نمير، ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا احتجم غسل أثر محاجمه
(2)
-وفي "المحلى": غسله بحصاة
(3)
فقط- وحَدَّثنَا حفص، عن أشعث، عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يقولان: يغسل أثر المحاجم.
وحَدَّثنَا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن ومحمد أنهما كانا يقولان في الرجل يحتجم: يتوضأ ويغسل أثر المحاجم. وحَدَثَنَا عبد الأعلى عن يونس، عن الحسن أنه سئل عن الرجل يحتجم ماذا عليه؟ قَالَ: يغسل أثر محاجمه
(4)
.
ولما ذكر ابن بطال في "شرحه" أثر ابن عمر والحسن قَالَ: هكذا رواه المستملي وحده بإثبات (إلا)
(5)
، ورواه الكشميهني وأكثر الرواة بغير (إلا)، قَالَ: والمعروف عن ابن عمر والحسن أن عليًّا غسل محاجمه، ذكره ابن المنذر
(6)
.
(1)
انظر هذِه الآثار في "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 116 - 117 (1329 - 1336).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 59.
(3)
"المحلى"1/ 255.
(4)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 47.
(5)
انظر: "اليونينية" 1/ 46.
(6)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر 1/ 180.
فرواية المستملي هي الصواب
(1)
.
قَالَ البخاري رحمه الله:
حَدَّثنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ العَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي المَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، مَا لَمْ يُحْدِثْ". فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ: مَا الحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: الصَّوْتُ. يَعْنِي: الضَّرْطَةَ.
وهذا الحديث رجاله سلف التعريف بهم
(2)
.
وفيه: فضل انتظار الصلاة فإنه في صلاة، وأن من تعاطى أسباب الصلاة يسمى مصليًّا. والبخاري ساقه؛ لأجل تفسير أبى هريرة الحدث بالضرطة، وهو إجماع.
(1)
انظر: "شرح ابن بطَّال" 1/ 272، قلت: قال ابن حجر في "الفتح" 1/ 282: وقع في رواية الأصيلي وغيره: ليس عليه غسل محاجمه بإسقاط أداة الاستثناء، وهو الذي ذكره الإسماعيلي، وهي في نسختي ثابتة من رواية أبي ذر. وقال الكرماني في "شرحه" 3/ 15: فُقِد لفظ (إلا) والنسخة الواجدة هي الصحيحة.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "منحة الباري" 1/ 467: في نسخة: ليس عليه غسل محاجمه. بإسقاط (إلا). والأولى هي الشائعة.
وقال العيني في "عمدة القاري" 2/ 354: ومقصود ابن بطال والكرماني من تصحيح هذِه الرواية إلزام الحنفية، ولا يصعد ذلك معهم؛ لأن جماعة من الصحابة رأوا وفيه الغسل منهم: ابن عباس وعبد الله بن عمرو وعلي بن أبي طالب، وروته عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وواضح من كلام المصنف في تخريج التعليق المذكور يؤيد ثبوت إلا في النص. وهذا التعليق وصله أيضًا البيهقي في "السنن" 1/ 140 عن ابن عمر، وسنده صحيح كما قال الألباني في "مختصر صحيح البخاري" 1/ 80. اهـ.
(2)
تقدم برقم (10).
ثم قَالَ البخاري رحمه الله:
حَدَّثنَا أَبُو الوَليدِ، ثنا ابن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا".
وهذا الحديث ساقه البخاري أيضًا؛ ليبين أن الحدث الصوت أو الريح، وهو إجماع ايضًا وسلف الكلام عليه في باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن
(1)
.
وأبو الوليد: هو هشام بن عبد الملك الطيالسي سلف.
وعم عباد: هو عبد الله بن زيد بن عاصم كما سلف
(2)
.
ثم قَالَ البخاري:
حَدَّثنَا قُتَيْبَةُ، ثنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ ابن الحَنَفِيَّةِ قَالَ: قَالَ عَلِىٌّ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْاَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:"فِيهِ الوُضُوءُ". وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ.
وهذا الحديث ساقه البخاري للدلالة على نقض الوضوء بالمذي، وهو مذهب الجمهور، وحكي الإجماع فيه أيضًا، وطريق شعبة هذِه أخرجها النسائي عن محمد بن عبد الأعلى، عن خالد عنه، عن الأعمش به
(3)
.
(1)
سبق برقم (137).
(2)
تقدمت ترجمته في حديث (137).
(3)
انظر: "السنن" 1/ 97.
ثم الكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
جرير (ع): هو ابن عبد الحميد الضبي الثقة ذو التصانيف، وقد سلف
(1)
.
ومنذر بن يعلى كوفي ثقة
(2)
.
ومحمد بن الحنفية: هو ابن على بن أبى طالب
(3)
. والحنفية أمه كما سلف في كتاب العلم
(4)
.
ثانيها:
(كنتُ) هذِه تحتمل أن تكون على بابها. والظاهر أن هذِه حالة مستدامة له.
ومعنى (مذاء): كثير المَذّي، وهو بفتح الميم وتشديد الذال المعجمة على الأفصح، وبالمد صيغة مبالغة.
ثالثها:
قوله: (فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ) كذا هو في "صحيح البخاري" ومسلم
(5)
.
(1)
سبقت ترجمته في حديث (70).
(2)
المنذر بن يعلى الثوري. ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثالثة من أهل الكوفة وقال: كان ثقة، قليل الحديث. وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: ثقة. وكذلك قال العجلي، وابن فراس.
انظر: "الطبقات الكبرى" 6/ 310، "التاريخ الكبير" 7/ 357 (1540)، "الجرح والتعديل" 8/ 242 (1093)، "تهذيب الكمال" 28/ 515 (6187).
(3)
سبقت ترجمته في حديث (132).
(4)
سبق برقم (132) باب: من استحيا فأمر غيره بالسؤال.
(5)
سبق برقم (132) كتاب: العلم، باب: من استحيا فأمر غيره بالسؤال وانظر: "صحيح مسلم"(303) كتاب: الحيض، باب: المذي.
وفي رواية للبخاري: فأمرت رجلًا
(1)
. وفي النسائي: فأمرت عمار بن ياسر
(2)
. وفي "صحيح ابن خزيمة" أن عليًّا سأل
(3)
.
فيحتمل المجاز ويحتمل الحقيقة، وأن كلًّا سأل، وقد بسطنا الكلام عليه في آخر كتاب العلم في باب: من استحيا فأمر غيره بالسؤال
(4)
.
ثم قَالَ البخاري رحمه الله:
حَدَّثنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، ثنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ. قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنهم، فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ.
والكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
هذِه الزيادة وهي قوله: (فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ .. ) إلى آخره. من أفراد البخاري عن مسلم
(5)
، وأخرجه البخاري في الغسل من حديث عبد الوارث، عن الحسين قَالَ يحيى: وأخبرني أبو سلمة به. وفي آخره: فأخبرني أبو سلمة أن عروة أخبره أن أبا أيوب أخبره أنه سمع ذَلِكَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (269) كتاب: الغسل، باب: غسل المذي والوضوء منه.
(2)
"سنن النسائي" 1/ 96 - 97 وقال الألباني في "ضعيف النسائي": منكر بذكر عمار.
(3)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 15 (20).
(4)
سبق برقم (132).
(5)
ورد بهامش (س) ما نصه: من خط المصنف، أخرجه مسلم في الطهارة.
(6)
سيأتي برقم (292) كتاب: الغسل، باب: غسل ما يصيب من فرج المرأة.
وفي هذا رد على قول الدارقطني: لم يسمعه أبو أيوب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما سمعه من أُبي بن كعب
(1)
. سيأتي الكلام على طريق الحسين هذا، والرد على من طعن فيه هناك إن شاء الله.
ثانيها:
سعد (خ) هذا هو الطلحي الضخم. مات سنة خمس عشرة ومائتين.
ولم يرو عنه غير البخاري من الكتب الستة، وهو من أفراده، وفي النسائي: سعيد بن حفص بزيادة (ياء)، النفيلي مات سنة سبع وثلاثين ومائتين
(2)
.
ثالثها:
يُمْن: بضم أوله وإسكان ثانيه وهو الأفصح وبه جاءت الرواية، وفيه لغة ثانية: فتح الياء، وثالثة: ضمها مع فتح الميم وتشديد النون.
رابعها:
في الحديث تقديم وتأخير تقديره: يغسل ذكره ويتوضأ، وإن كانت الواو لا تدل على الترتيب، وإنما تدل على الجمع المطلق.
خامسها:
هذا كان في أول الإسلام وهو منسوخ بقوله: "إذا جلس بين شعبها الأربع .. "
(3)
. وغيره كما ستعلمه في موضعه.
(1)
انظر: "العلل" 3/ 32، 33 (267).
(2)
سعد بن حفص الطلحي. روى عنه: حفص بن عمر بن الصباح الرقي. ذكره ابن حبان في "الثقات". روى له النسائي في "اليوم والليلة".
انظر: "التاريخ الكبير" 4/ 55 (1942)، "الجرح والتعديل" 4/ 82 (356)، "تهذيب الكمال" 10/ 260 (2206).
(3)
سيأتي برقم (291) كتاب: الغسل، باب: إذا التقى الختانان.
ثم قال البخاري:
حَدَّثنَا إِسْحَاقُ: ثنا النَّضْرُ، عن شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ؟ ". فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: "إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ قُحِطْتَ فَعَلَيْكَ الوُضُوءُ". تَابَعَة وَهْبٌ، ثنَا شعْبَةُ. وَلَمْ يَقُلْ غُنْدَرٌ وَيَحْيَى، عَنْ شعْبَةَ:"الْوُضُوءُ".
والكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
هذا الحديث والذي قبله وجه سياق البخاري لهما هنا، أن أقل أحوالهما حصول الذي لمن جامع ولم يُمْن هما في معنى حديث المقداد من وجهٍ؛ إلا أن جماعة العلماء وأئمة الفتوى مجمعون على الغسل من مجاوزة الختان لأمر الشارع بذلك، وهو زيادة على ما في هذين الحديثين يجب الأخذ بها، إذ الأغلب في ذَلِكَ سبق الماء للمولج وهو لا يشعر به، لمغيب العضو إذ ذَلِكَ بدءًا للذة وأول العسيلة فلزم الغسل من مغيبها إلا من شذ كما ستعلمه.
ثانيها:
هذا الحديث أخرجه مسلم وابن ماجه أيضًا في الطهارة من حديث غندر، عن شعبة وهو مشهور من حديث أبي سعيد، رواه عنه ولده عبد الرحمن وأبو صالح، واشتهر عن شعبة، عن الحكم، رواه عنه النضر بن شميل وغيره
(1)
.
(1)
"صحيح مسلم"(345) كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء، "سنن ابن ماجه"(606).
ثالثها:
إسحاق شيخ البخاري مشهور، فرواه له أبو نعيم الأصبهاني في "المستخرج" من طريقه. وقال إسحاق بن إبراهيم: أنا النضر. ورواه من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن النضر.
وقال في آخره: أخرجه -يعني: البخاري- عن إسحاق الكوسج، عن النضر. فهذا يدل على أن الإسحاقين روياه عن النضر، وأن إسحاق الذي روى عنه البخاري الكوسج كما صرح به أبو نعيم، ولم يقل أنه الذي رواه من طريقه، ويؤيد ذَلِكَ ما ذكره الجَيَّاني أن في نسخة الأصيلي في هذا السند: حَدَّثنَا إسحاق بن منصور، أنا النضر، فذكره
(1)
.
وذكر الكلاباذي أن النضر روى عنه إسحاق بن إبراهيم، وإسحاق بن منصور
(2)
.
رابعها:
هذا الرجل من الأنصار هو عتبان بن مالك الأنصاري الخزرجي السالمي البدري، وإن لم يذكره ابن إسحاق فيهم، كما جاء في رواية مسلم.
وأغرب ابن بشكوال
(3)
، فذكر أنه صالح الأنصاري السالمي، وساقه أبو نعيم بإسناده، وحكى قولًا آخر: أنه رافع بن خديج. وقيل: هو ابن عتبان، وهو غلط كما نبه عليه النووي. والصواب عتبان، كما سلف.
(1)
"تقييد المهمل" 3/ 965.
(2)
"الجمع بين رجال الصحيحين" 2/ 530.
(3)
ورد بهامش (س): اعلم أن ابن بشكوال بدأ في "مصنفه" بأن الرجل عتبان بن مالك، وثنى برافع بن خديج، وثلث بصالح، وساق لكل من الأقوال شاهدًا.
خامسها:
"أُعجِلت -بضم الهمزة وكسر الجيم- أو قحطت" كذا رأيناه في البخاري بالألف، وذكره ابن بطال بحذفها، ثم قَالَ: كذا وقع في الأمهات
(1)
.
وذكر صاحب "الأفعال" أنه يقال: أقحط الرجل: إذا أكسل في الجماع عن الإنزال
(2)
ولم يذكر قحط.
وقال ابن الجوزي: أصحاب الحديث يقولون: قَحطت بفتح القاف، وقال لنا عبد الله بن أحمد النحوي: الصواب ضم القاف، وفي مسلم: أَقحطت بفتح الهمزة والحاء
(3)
، وعند ابن بشار بضم الهمزة وكسر الحاء كأُعجلت. والروايتان صحيحتان، ومعنى الإقحاط هنا: عدم إنزال المني، وهو استعارة من قحوط المطر وهو: انحباسه، وقحوط الأرض: وهو عدم إخراجها النبات.
وحكى الفراء قحط المطر بالكسر. وأصله بالفتح، وفي "المحكم" الفتح أعلى، وقحِط الناس بالكسر لا غير، وأقحطوا، وكرهها بعضهم ولا يقال: قُحطوا ولا أُقحطوا. وقال أبو حنيفة: قَحِط القوم
(4)
. وقال ابن الأعرابي: قِحِط الناس بالكسر. وفي "أمالي الهجري": أقحط الناس.
(1)
"بشرح ابن بطال" 1/ 277.
(2)
"الأفعال" لابن القوطية ص 55.
(3)
"صحيح مسلم"(345) كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء.
(4)
"المحكم" 2/ 395، حفظ، مقلوبة.
سادسها:
قوله: "فعليك الوضوء" هو منسوخ كما سلف، ولم يقل بعدم نسخه إلا ما روي عن هشام بن عروة والأعمش وابن عيينة وداود
(1)
، وادعى القاضي عياض أنه لا يعلم من قَالَ به بعد خلاف الصحابة إلا الأعمش ثم داود
(2)
.
(1)
ورد بهامش (س): من خط المصنف في الهامش حكاه في "شرح الهداية".
(2)
انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" 2/ 196.
35 - باب الرَّجُلِ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ
181 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ- عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَّمَا أفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ عَدَلَ إِلَى الشِّعْبِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ. قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيهِ وَيَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أتصَلِّى؟ فَقَالَ:"الْمُصَلَّى أَمَامَكَ". [انظر: 139 - مسلم 1280 - فتح: 1/ 285]
182 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبدُ الوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخبَرَهُ، أنهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الُمغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ، عَنِ الُمغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، وَأَنَّهُ ذَهَبَ لَحِاجَةٍ لَهُ، وَأَنَّ مُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ الَماءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الُخفَّيْنِ. [203، 206، 363، 388، 2918، 4421، 5798، 5799 - مسلم: 274 - فتح: 1/ 285]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُوسَى ابْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ- عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ عَدَلَ إِلَى الشِّعْبِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ. قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ: فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلِّي؟ فَقَالَ:"الْمُصَلَّى أَمَامَكَ".
هذا الحديث سلف الكلام عليه في باب إسباغ الوضوء
(1)
، واشتهر عن يحيى بن سعيد، فرواه عنه يزيد وحماد بن زيد والليث، ورواه عن يزيد محمد بن سلام وغيره.
وقوله: (فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيتَوَضَّأُ) هو موضع الترجمة، وهو قول
(1)
سلف برقم (139) كتاب: الوضوء، باب: إسباغ الوضوء.
جماعة العلماء، كما نقله عنهم ابن بطال
(1)
، وهو رد لما روي عن ابن عمر وعلي أنهما نهيا أن يُسْتَقى لهما الماء لوضوئهما، وقالا: نكره أن يشركنا في الوضوء (أحدٌ)
(2)
، وروَيا ذَلِكَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وروي عن ابن عمرة ما أبالي أعانني رجل على طهوري أو على ركوعي وسجودي
(4)
.
قَالَ الطبري: وقد صح عن ابن عمر أن ابن عباس صب على يدي عمر الوضوء بطريق مكة، حين سأله عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت عن ابن عمر خلاف ما ذكر عنه
(5)
.
روى شعبة، عن أبي بشير، عن مجاهد أنه كان يسكب على ابن عمر الماء ويغسل رجليه
(6)
، وهذا أصح مما خالفه عن ابن عمر؛ لأن راويه أيفع وهو مجهول
(7)
.
(1)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 278.
(2)
في الأصل: أحدًا، ووجهه الرفع؛ إلا أن يكون أتي به منصوبًا اكتفاءً بالقرينة المعنوية. انظر:"شرح ابن عقيل" 1/ 485.
(3)
رواه أبو يعلى 1/ 200 (231)، والبزار (260) من طريق النضر بن منصور، ثنا أبو الجنوب، عن علي مرفوعًا. قال النووي في "المجموع" 1/ 382: هذا حديث باطل لا أصل له. وذكره ابن حجر في "تلخيص الحبير" 1/ 97 وقال: قال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: النضر بن منصور، عن أبي الجنوب وعنه ابن أبي معشر تعرفه؟ قال: هؤلاء حمالة الحطب.
(4)
انظر: "التاريخ الكبير" 2/ 63 (1696).
(5)
انظر: "تفسير الطبري" 12/ 153 (34413).
(6)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 26 (190).
(7)
ضعفه النسائي، والذهبي، وابن حجر. انظر:"التاريخ الكبير" 2/ 63 - 64 (1696)، "تهذيب الكمال" 3/ 442 (596)، "الكاشف" 1/ 259، "التقريب" (594) وفي هامش الأصل: حاشية بترت من التصوير.
والحديث عن علي لا يصح؛ لأن رواية النضر بن منصور
(1)
، عن أبي الجنوب
(2)
، عن علي، وهما غير حجة في الدين فلا يعتد بنقلهما، ولو صح ذَلِكَ عن عمر لم يكن بالذي يبيح لابن عباس صب الماء على يديه للوضوء إذ ذاك أقرب للمعونة من استقاء الماء له.
ومحال أن يمنع عمر استقاء الماء له ويبيح صب الماء عليه للوضوء، مع سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهية لذلك، وممن كان يستعين على وضوئه بغيره من السلف.
قَالَ الحسن: رأيت عثمان أمير المؤمنين يُصب عليه من إبريق
(3)
، وفعله عبد الرحمن بن أبزى والضحاك بن مُزاحم. وقال أبو الضحى: لا بأس للمريض أن توضئه الحائض
(4)
.
قَالَ غيره: واستدل البخاري من صب الماء عليه عند الوضوء أنه يجوز للرجل أن يوضئه غيره؛ لأنه لما لزم المتوضئ اغتراف الماء من الإناء لأعضائه، وجاز له أن يكفيه ذَلِكَ غيره؛ بدليل صب أسامة
(1)
النضر بن منصور الباهلي، روى عن أبي الجنوب، روى عنه بشر بن معاذ العقدي، قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 91 (2302)، "ضعفاء النسائي"(596)، "تهذيب الكمال" 29/ 405 - 406 (6436) في هامش الأصل حاشية بترت من المصورة.
(2)
هو عقبة بن علقمة اليشكري، أبو الجنوب الكوفي روى عن علي بن أبي طالب، وروى عنه النضر بن منصور، ضعفه أبو حاتم ويحيى بن معين، قال ابن حجر: ضعيف. انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 6/ 313 (1743)، "تهذيب الكمال" 2/ 213 (3983)، "التقريب"(4646) وفي هامش الأصل حاشية بترت من المصورة، مفادها ترجمة له.
(3)
انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 157، "مصنف ابن أبي شيبة" 7/ 35، "موضح أوهام الجمع والتفريق" 2/ 122 (210).
(4)
لم أجده إلا عن إبراهيم، انظر:"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 184 (2113).
الماء على الشارع لوضوئه، والاغترافُ بعضُ عمل الوضوء، فكذلك يجوز سائر الوضوء.
وهذا من باب القربات التي يجوز أن يعملها الرجل عن غيره بخلاف الصلاة، ولما أجمعوا على أنه جائز للمريض الاستعانة في الوضوء والتيمم إذا لم يستطع، ولا يجوز أن يصلى عنه إذا لم يستطع، دل على أن حكم الوضوء بخلاف حكم الصلاة
(1)
.
قُلْتُ: وأصرح في الدلالة من حديث أسامة؛ لأنه ليس فيه استدعاء صب، إنما فيه إقراره عليه ما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث ابن عقيل، عن الربيع بنت معوذ قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة؛ فقال: "اسكبي"
(2)
فسكبت فذكرت وضوءه.
وأخرجه الحاكم في "مستدركه"، وقال: الشيخان لم يحتجا بابن عقيل، وهو مستقيم الحديث، مقدم في الشرف
(3)
.
وجزم بذلك ابن المنير فقال في كلامه على أبواب البخاري: (قَاس)
(4)
البخاري توضئة الغير له على صبه عليه لاجتماعهما في معنى الإعانة على أداء الطاعة
(5)
.
ثم ذكر البخاري حديث المغيرة في الصب أيضًا فقال:
حَدَّثنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، ثنا عَبْدُ الوَهَّابِ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ
(1)
انظر: "بشرح ابن بطال" 1/ 278 - 279.
(2)
انظر: "سنن الترمذي"(33)، وقال الألباني في "صحيح الترمذي": حسن.
(3)
"المستدرك" 1/ 152.
(4)
تحرفت في (س) إلى (قال). والمثبت من "المتواري" لابن المنير.
(5)
"المتواري" ص 68.
عُرْوَةَ بْنَ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ كَانَ مَع رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، وَأَنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجةٍ لَهُ، وَأَنَّ مُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ المَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ.
والكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
هذا الحديث ذكره في المسح على الخفين
(1)
، والمغازي
(2)
أيضًا كما ستعلمه.
وأخرجه مسلم
(3)
، وأبو داود
(4)
، والنسائي
(5)
، وابن ماجه
(6)
في الطهارة أيضًا، وهو مشهور من حديث المغيرة، رواه عنه ولداه عروة وحمزة، وغيرهما، واشتهر عن عروة أيضًا فمن دونه.
ثانيها:
فيه من لطائف الإسناد رواية أربعة من التابعين بعضهم عن بعض من يحيى إلى عروة
(7)
.
ثالثها:
المغيرة (ع) هذا أمير الكوفة مرات، ثقفي شهد الحديبية. عنه: بنوه،
(1)
سيأتي برقم (203) كتاب: الوضوء، باب: المسح على الخفين.
(2)
سيأتي برقم (4421) كتاب: المغازي.
(3)
"صحيح مسلم"(274) كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين.
(4)
"سنن أبي داود"(149 - 150).
(5)
"سنن النسائي" 1/ 82 - 83.
(6)
"سنن ابن ماجه"(545).
(7)
ورد بهامش (س) ما نصه: عروة من جملة التابعين الأربعة.
أحصن خلقًا من النساء ثلثمائة
(1)
أو ألف امرأة، وبرأيه ودهائه يضرب المثل، وهو من الأفراد، مات سنة خمسين عن سبعين سنة.
وولده عروة (ع) ولي الكوفة عن أبيه
(2)
.
ونافع (ع) شريف مفتي، مات سنة تسع وتسعين
(3)
.
وسعد (ع) بن إبراهيم هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة، ثقة، إمام، يصوم الدهر ويختم كل يوم. مات سنة خمس وعشرين ومائة
(4)
.
(1)
ورد بهامش (س) ما نصه: وإن كان [
…
] كونه أحصن ثلاثمائة أو ألفًا. نقله النووي عن ابن الأثير بصيغة (قيل)، وقد اقتصر الذهبي في "الكاشف" على سبعين، فاعلمه.
(2)
عروة بن المغيرة بن شعبة الثقفي. قال البخاري: قال الشعبي: كان خير أهل بيته.
وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة. وقال خليفة بن خياط: قدم الحجاج يعني الكوفة سنة خمس وسبعين فولاها الحجاج عروة بن المغيرة بن شعبة.
انظر: "التاريخ الكبير" 7/ 32 (139)، "معرفة الثقات" 2/ 134 (1230)، "الثقات" 5/ 195، "تهذيب الكمال" 20/ 37 (3913).
(3)
نافع بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل. قال العجلي: مدني، تابعي، ثقة. وقال أبو زرعة: ثقة.
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ثقة مشهور. وقال في موضع آخر: أحد الأئمة.
"التاريخ الكبير" 8/ 82 (2257)، "معرفة الثقات" 2/ 308 (1832)، "الجرح والتعديل" 8/ 451 (2069).
(4)
سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
قال أحمد بن عبد الله العجلي، وأبو حاتم والنسائي، وغير واحد من العلماء: ثقة.
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني، وقيل له: سعد بن إبراهيم سمع من عبد الله بن جعفر؟ قال: ليس فيه سماع. ثم قال علي: لم يلق سعد بن إبراهيم أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. =
ويحيى سلف التعريف به
(1)
.
وعبد الوهاب (ع) هو ابن عبد المجيد الثقفي الحافظ، أحد أشراف البصرة، وثقه ابن معين، وقال: اختلط بأخرة. ولد سنة ثمان ومائة، ومات سنة أربع وتسعين.
وعمرو (ع) بن علي هو الفلاس أحد الأعلام الحفاظ، مات سنة تسع وأربعين ومائتين
(2)
.
رابعها:
فقهه ظاهر لما ترجم له، وقد علمت ما فيه في الحديث قبله، وسيأتي في المسح على الخفين إن شاء الله
(3)
.
= قال أحمد بن حنبل، عن سفيان بن عيينة: لما عُزل سعد بن إبراهيم عن القضاء كان يُتَّقى كما يُتَّقى وهو قاض.
انظر: "التاريخ الكبير" 4/ 51 (1928)، "معرفة الثقات" 1/ 388 (557)، "تهذيب الكمال" 10/ 240 (2199).
(1)
تقدم ترجمته في حديث (1).
(2)
عمرو بن علي بن بحر بن كنيز الباهلي.
قال أبو حاتم: كان أرشق من علي بن المديني وهو بصري صدوق.
قال حجاج بن الشاعر: لا يبالي أحدث من حفظه عمرو بن علي أو من كتابه قال النسائي: ثقة، صاحب حديث، حافظ.
انظر: "التاريخ الكبير" 6/ 355 (2617)، "الجرح والتعديل" 6/ 249 (1375)"الثقات" 8/ 487، "تهذيب الكمال" 22/ 162 (4416)
(3)
سيأتي برقم (202).
36 - باب قِرَاءَةِ القُرْآنِ بَعْدَ الحَدَثِ وَغَيِرْهِ
وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الحَمَّامِ، وَبِكَتْبِ الرِّسَالَةِ على غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَالَ حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ إِزَارٌ فَسَلِّمْ، وَإِلَّا فَلَا تُسَلِّمْ.
183 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أنَهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ -زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ خَالَتُهُ -فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلِ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الَخوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إلى شَنٍّ مُعَلَقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِى اليُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضطَجَعَ، حَتَّى أَتَاهُ الُمؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 1/ 287]
ما حكاه عن إبراهيم هو ما حكاه ابن المنذر عنه
(1)
، لكن في "مسند الدارمي" عنه الكراهة
(2)
. أعني: القراءة في الحمام فتكون عنه خلاف.
وحكاها أصحابنا عن أبي حنيفة
(3)
، ونقلت عن أبي وائل شقيق بن سلمة التابعي الجليل والشعبي ومكحول والحسن وقبيصة بن ذؤيب
(4)
.
(1)
"الأوسط" 2/ 125.
(2)
"مسند الدارمي" 1/ 680 (1033) باب: الحائض تذكر الله ولا تقرأ القرآن.
(3)
انظر: "المجموع" 2/ 189، وانظر:"بدائع الصنائع" 1/ 38.
(4)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر 2/ 124.
وقال محمد بن الحسن بعدم الكراهة
(1)
. ونقله صاحبا "العدة"، و"البيان"
(2)
من أصحابنا. وبه قَالَ مالك
(3)
. ووجهه عدم ورود الشرع بها فلم تكره كسائر المواضع.
فائدة:
حماد هذا الراوي عن إبراهيم: هو ابن أبي سليمان مسلم، الأشعري مولاهم
(4)
.
فرع:
كره جمهور العلماء مس المصحف على غير وضوء كما نقله عنهم ابن بطال
(5)
، وأجازه الشعبي ومحمد بن سيرين
(6)
. وسيأتي الخلاف في قراءة الجنب له.
(1)
انظر المصدرين السابقين.
(2)
انظر: "المجموع" 2/ 189، وانظر:"بدائع الصنائع" 1/ 38.
(3)
انظر: "المغني" 1/ 308، "كشاف القناع" 1/ 160.
(4)
حماد بن أبي سليمان واسمه مسلم. روى عن إبراهيم النخعي. روى عنه ابنه إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان.
قال النسائي: ثقة إلا أن مرجئ. قال أبو أحمد بن عدي: حماد كثير الرواية خاصة عن إبراهيم، ويقع في حديثه أفراد وغرائب، وهو متماسك في الحديث لا بأس به، ويحدث عن أبي وائل وغيره بحديث صالح.
وقال ابن حجر: فقيه صدوق له أوهام انظر: "الطبقات الكبرى" 6/ 332 - 333، "التاريخ الكبير" 3/ 18 - 19 (75)، "الجرح والتعديل" 3/ 146 (642)، "الكامل" 3/ 295 (413)، "تهذيب الكمال" 7/ 269 (1438)، "تقريب التهذيب"(1500).
(5)
انظر: "بشرح ابن بطال" 1/ 280.
(6)
انظر: "الإفصاح"، "البيان" 1/ 201 - 202، "المغني" 1/ 202 - 203، "المحلى" 1/ 77 - 78، "بدائع الصنائع" 1/ 33، "عيون المجالس" 1/ 121 - 122.
ثم قَالَ البخاري رحمه الله:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثنا مَالِكٌ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ- أَنَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ - زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ خَالَتُهُ -فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمِّ قَامَ يُصَلِّي. قَالَ ابن عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي اليُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، حَتَّى أَتَاهُ المُؤَذنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.
والكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
هذا الحديث سلف الكلام عليه في باب السمر في العلم
(1)
، وسيأتي -إن شاء الله- في الصلاة في الإمامة والتوبة والتفسير
(2)
.
وأخرجه مسلم في الصلاة
(3)
، والأربعة، وأبو داود
(4)
، والترمذي
(1)
سبق برقم (117) كتاب: العلم.
(2)
سيأتي بالأرقام الآتية (697، 698، 699، 726، 728، 859) كتاب: الأذان. (4569) باب: قوله: {إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاَوَاتِ وَالْأرْضِ} .
(3)
مسلم (763) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
(4)
"سنن أبي داود"(1353).
في "شمائله"
(1)
، والنسائي فيه وفي التفسير
(2)
، وابن ماجه في الطهارة
(3)
.
ثانيها:
مخرمة هذا أسدي والبي مدني ثقة، قتل بقديد
(4)
سنة ثلاثين ومائة عن سبعين سنة. وليس في الكتب الستة مخرمة غيره
(5)
.
نعم، في مسلم وأبي داود والنسائي مخرمة بن بكير الأشج مختلف فيه
(6)
.
(1)
"الشمائل" ص 118 (226).
(2)
"سنن النسائي" 3/ 211، وفي "الكبرى" 6/ 318 (11087).
(3)
"سنن ابن ماجه"(508).
(4)
قديد بضم أوله على لفظ التصغير: قرية جامعة، مذكورة في رسم الفرع، وفي رسم العقيق، وهي كثيرة المياه والبساتين. وسميت قديدًا لتقدد السيول بها، وهي لخزاعة. انظر:"معجم ما استعجم" 3/ 1054، "معجم البلدان" 4/ 313.
(5)
مخرمة بن سليمان الأسدي الوالبي.
قال عباس الدوري عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات".
انظر: "التاريخ الكبير" 8/ 15 (1983)، "الجرح والتعديل" 8/ 363 (1659)، "تهذيب الكمال " 27/ 328 (5830)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 417 (183).
(6)
مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج القرشي.
روى عن أبيه بكير بن عبد الله. روى عنه: حماد بن خالد الخياط.
قال زيد بن بشر عن ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: حدثني مخرمة بن بكير، وكان رجلًا صالحًا. وقال أبو حاتم: سألت إسماعيل بن أبي أويس قلت: هذا الذي يقول مالك بن أنس حدثني الثقة من هو؟ قال: مخرمة بن بكير.
وقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن مخرمة بن بكير: هو ثقة، ولم يسمع من أبيه شيئًا، إنما يروي من كتاب أبيه وقال ابن حجر: صدوق.
انظر: "التاريخ الكبير" 8/ 16 (1984)، "الجرح والتعديل" 8/ 363 (1660)، "تهذيب الكمال" 27/ 324 (5829)، "تقريب التهذيب" ص 523 (6526).
ثالثها:
عَرض الوسادة -بفتح العين- قَالَ ابن التين: ضمها غير صحيح ورويناه بفتحها عن جماعة. وقال ابن عبد الملك: روي بفتح العين وهو ضد الطول، وبالضم الجانب، والفتح أكثر.
وقال الداودي: عُرضها بضم العين. وأنكره أبو الوليد، وقال صاحب "المطالع"
(1)
: الفتح أكثر عند مشايخنا، ووقع لجماعة الضم والأول أظهر.
رابعها:
الوِسادة بكسر الواو: المتكأ وجمعها وسائد، والوساد: ما يتوسد عند المنام، والجمع وُسُد، وقد توسد ووسده إياه، وفي "الصحاح" أنها المخدة
(2)
.
وقال ابن التين: إنها الفراش الذي ينام عليه.
قَالَ أبو الوليد: وكان اضطجاع ابن عباس في عرضها عند رءوسهما أو أرجلهما، قَالَ: والظاهر أنه لم يكن عندها فراش غيره، فلذلك ناموا جميعًا، وفيه عند أبي داود: كانت أدمًا حشوها ليف
(3)
.
خامسها:
فيه دلالة لما ترجم به البخاري من قراءة القرآن على غير وضوء، وهو راد على من كرهه، ووجهه قراءته عليه السلام العشر الآيات من آخر آل
(1)
لمؤلفه أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم الحمزي المعروف بابن قرقول، المتوفي سنة (569) يوجد مخطوطًا بدار الكتب المصرية وفي مكتبة القرويين بفاس.
(2)
انظر: "الصحاح" 2/ 550، مادة: وسد.
(3)
"سنن أبي داود"(4146 - 4147).
عمران بعد قيامه من نومه قبل وضوئه.
وقد قَالَ عمر رضي الله عنه لأبي مريم الحنفي حين قَالَ له: أتقرأ يا أمير المؤمنين على غير وضوء؟! فقال له عمر: من أفتاك بهذا، أمسيلمة؟ وحسبك بعمر في جماعة الصحابة
(1)
.
ومن الحجة أيضًا أنه تعالى لم يوجب فرض الطهارة على عباده إلا إذا قاموا إلى الصلاة، وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فأُتي بطعام، فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: "أريد أن أصلي فأتوضأ؟ "
(2)
.
فرأى صلى الله عليه وسلم تأخير الطهارة بعد الحدث إلى إرادته الصلاة.
ثم الإجماع قائم على ذَلِكَ -أعني: جواز قراءة القرآن للمحدث الحدث الأصغر- نعم؛ الأفضل أن يتوضأ لها.
قَالَ إمام الحرمين وغيره: ولا يقال قراءة المحدث مكروهة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ مع الحدث.
فرع:
المستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر كالمحدث.
سادسها:
اختلف في فتله صلى الله عليه وسلم أذن ابن عباس على أقوال حكاها ابن التين: أحدها: فعله تأنيسًا. ثانيها: لاستيقاظه. ثالثها: ليدور. رابعها: للتأدب وليكون أذكر للقصة، قَالَ بعضهم: المتعلم إذا تُعهِّدَ بفتلِ أذنِه كان أذكر لفهمه. خامسها: لينفي عنه العين لما أعجبه قيامه معه.
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 98 (1106).
(2)
رواه مسلم (374/ 118) كتاب: الحيض، باب: جواز أكل الحدث الطعام وأنه لا كراهة في ذلك، وأن الوضوء ليس على الفور.
سابعها:
إدارته إياه من ورائه؛ لكي لا يتقدم على إمامه، كما نبه عليه البيهقي
(1)
، أو لأجل المرور بين يديه.
ثامنها:
فيه رد على من قَالَ لا يجوز للمصلي أن يؤم أحدًا إلا أن ينوي الإمامة مع الإحرام، وفيه غير ذَلِكَ مما سلف في الباب السالف.
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 99.
37 - باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ إِلَّا مِنَ الغَشيِ المُثقِلِ
184 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ: أَيْ نَعَمْ. فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلانَّي الغَشْيُ، وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي مَاءً، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَمِدَ اللهَ وَأثَنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"مَا مِنْ شَيءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هذا حَتَّى الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مِثْلَ -أوْ- قَرِيب مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ- لَا أَدْرِي أَيَ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بهذا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ- أَوِ المُوقِنُ. لَا أدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا. وَأَمَّا المُنَافِقُ -أَوِ المُرْتَابُ. لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ". [انظر: 86 - مسلم: 905 - فتح: 1/ 288]
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ .. الحديث.
وقد سلف في العلم في باب: من أجاب الفتيا بالإشارة مطولًا
(1)
، وبينَّا هناك المواضع التي أخرجه البخاري فيها، ومنها الكسوف وغيره كما سيأتي
(2)
.
(1)
سبق برقم (86).
(2)
سيأتي برقم (1053، 1054، 1061)، وسيأتي أيضًا بالأرقام الآتية:(1235، 1373، 2519، 7287).
وقولها: (وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأسِي مَاءً) إنما فعلت ذَلِكَ ليزول الغشي، ولا ينقض -أعني: الغشي الخفيف- وضوءها، ولو كان كثيرًا لنقض، وهذا موضع الترجمة؛ لأن قوله: المثقل حتى يخرج هذا؛ لأنه يصير والحالة هذِه كالإغماء، وهو ناقض بالإجماع.
والغشي: مرض يعرض من طول التعب والوقوف، يقال منه غشي عليه وهو ضرب من الإغماء، إلا أنه أخف منه
(1)
. وقال صاحب "العين": غشي عليه: ذهب عقله، وفي القرآن:{كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 19]، وقال تعالى:{فَأَغشَينَاهُم فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}
(2)
[يس: 9].
(1)
انظر: "لسان العرب" 6/ 3261، مادة: غشي.
(2)
ورد بهامش (س) ما نصه: ثم بلغ في الرابع والثلاثين كتبه مؤلفه، غفر الله له.
38 - باب مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ
لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاَمسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. وَقَالَ ابن المُسَيَّب: المَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تَمْسَحُ على رَأسِهَا.
وَسئِلَ مَالِكٌ: أَيُجْزِئُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْضَ الرَّأسِ؟ فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدٍ.
185 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عن عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الَمازِنِّي، عَنْ أَبِيهِ، أَن رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ -وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بنِ يَحْيَى-: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ. فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَ [يَدَهُ] مَرَّتَينِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرتَينِ إِلَى الِمرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الَمكَانِ الذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيهِ. [186، 191، 192، 197، 199 - مسلم: 235 - فتح: 1/ 289]
(لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]. وَقَالَ ابن المُسَيبِ: المَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تَمْسَحُ عَلَى رَأسِهَا). هذا رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح فقال: حَدَّثَنَا وكيع، عن سفيان، عن عبد الكريم يعني: -ابن مالك-، عن سعيد بن المسيب: المرأة والرجل في مسح الرأس سواء
(1)
.
ثم قَالَ البخاري: (وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَيُجْزِيُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ؟ فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدِ).
قَالَ ابن التين: قرأناه غير مهموز وضبط في بعض الكتب بالهمز،
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 30 (241).
وضم الياء على أنه رباعي من أجزأ، ومراده بحديث عبد الله بن زيد الذي ساقه فقال:
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أنا مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ -وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْييَ-: أَتَسْتَطِيِعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ: نعَمْ. فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَفْرَغَ على يَدَيْهِ، فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى المَكَانِ الذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.
والكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري هنا، وسيأتي قريبًا في مواضع عقبه
(1)
، وفي المضمضة
(2)
، ومسح الرأس مرة
(3)
، والوضوء منَ المخضب
(4)
ومن التور
(5)
.
وأخرجه مسلم
(6)
وباقي الجماعة في الطهارة أيضًا
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (186) باب: غسل الرجلين إلى الكعبين.
(2)
سيأتي برقم (191).
(3)
سيأتي برقم (192).
(4)
سيأتي برقم (197).
(5)
سيأتي برقم (199).
(6)
مسلم (235) كتاب: الطهارة، باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
(7)
"سنن أبي داود"(118)، "سنن الترمذي"(28)، "سنن النسائي" 1/ 71 - 72، "سنن ابن ماجه"(405).
ثانيها:
فيه سؤال المتعلم ممن لديه علم.
ثالثها:
هذا الإناء الذي أفرغ منه كان تورًا كما سيأتي في بابه
(1)
.
ومعنى (أفرغ): قلب.
رابعها: فيه الإفراغ على اليدين معًا، وقد سلف الكلام عليه في حديث عثمان في باب: الوضوء ثلاثًا ثلاثًا
(2)
.
خامسها:
فيه تثنية غسل اليد، وسيأتي عنه في باب: مسح الرأس مرة
(3)
التثليث، وكلاهما سائغ.
سادسها:
فيه استحباب غسل اليد قبل إدخالها الإناء في ابتداء الوضوء.
سابعها:
جواز إدخال اليدين الإناء بعد غسلهما، وأنه لا يفتقر إلى نية الاغتراف.
ثامنها:
الترتيب بين غسل اليدين والمضمضة، وقد سلف في حديث عثمان، وسلف فيه أيضًا الكلام على المضمضة
(4)
.
(1)
سيأتي برقم (199) باب: الوضوء من التور.
(2)
سبق برقم (159).
(3)
سيأتي برقم (192).
(4)
سبق برقم (159).
تاسعها:
لم يذكر هنا (الاستنشاق) وذكر بدلها (الاستنثار)، وقد قيل: إنه هو، لكن الأصح التغاير كما سلف، وقد ذكر الثلاثة في باب: مسح الرأس مرة، كما ستعلمه
(1)
.
عاشرها:
فيه تثليث المضمضة والاستنثار، وذلك سنة، والأصح الجمع في المضمضة ثلاث غرف، وورد الفصل أيضًا بغرفتين وصُحح، لكن الأصح الأول.
حادي عشرها:
فيه تثليث غسل الوجه، وقام الإجماع على سنية ذَلِكَ.
الثاني عشر:
فيه تثنية غسل اليدين إلى المرفقين، وهو جائز، والأفضل ثلاثًا كما مر، وقد سلف الكلام على المرفق وإدخاله في حديث عثمان السالف، وكذا على مسح الرأس وغسل الرجلين
(2)
.
الثالث عشر:
فيه استيعاب الرأس بالمسح، والإجماع قائم على مطلوبيته، لكن هل ذَلِكَ على وجه الوجوب أو الندب؟ فيه خلاف أسلفته هناك، والكيفية المذكورة في هذا الحديث هي المشهورة في الحديث.
وقد ذكرت في "شرح العمدة" في معنى: أقبل وأدبر، ثلاثة مذاهب فراجعها منه، ووجهين آخرين أيضًا
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (192).
(2)
سبق برقم (159).
(3)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 380 - 384.
ومما احتج به على عدم وجوب الاستيعاب حديث المغيرة بن شعبة أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى عمامته
(1)
.
وأجاب ابن القصار
(2)
عنه بأنه يحتمل أيضًا إرادة الكل كقوله تعالى: {فَيُؤْخَذُ باَلَنَّوَاصِى وَاْلَأَقْدَامِ} [الرحمن: 41]، فإنها هنا الرءوس ولا يراد بعضها. ثم أَعَلَّ حديث المغيرة بمعقل بن مسلم قَالَ: وصحيحه مرسل عن المغيرة.
قَالَ: ولو صح فلا حجة فيه؛ لأنه لم يقتصر عليها بل على العمامة أيضًا، ويصرف مسحه عليها للعذر، وفي الحديث جواز غسل بعض أعضاء الوضوء مرة وبعضها أكثر من ذَلِكَ.
وادعى ابن بطال أن قوله في الحديث جميعه: (ثم) لم يُرد بها المهلة، وإنما أراد بها الإخبار عن صفة الغسل، وأن (ثم) هنا بمعنى الواو، ولا يسلم له ذَلِكَ
(3)
.
(1)
رواه مسلم (274/ 83) كتاب: الطهارة، باب: المسح على الناصية والعمامة.
(2)
هو علي بن عمر بن أحمد البغدادي المعروف بابن القصار، أبو الحسن، فقيه، أصولي، ولي قصاء بغداد، من أثاره "عيون الأدلة"، و"إيضاح الملة في الخلافيات". ووثقه الخطيب، مات سنة سبع وتسعين وثلاثمائة.
انظر: "تاريخ بغداد" 12/ 41، "سير أعلام النبلاء" 17/ 107، "شذرات الذهب" 3/ 149.
(3)
انظر: "بشرح ابن بطال" 1/ 285.
39 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْن إِلَى الكَعْبَيْنِ
186 -
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ، عَنْ وُضُوءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الِمرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةَ وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ. [انظر: 185 - مسلم: 235 - فتح: 1/ 294]
حَدثَني مُوسَى، ثنا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أبِيهِ، شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ الله بْنَ زَيْدٍ، عَنْ وُضُوءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا بِتَورٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَكْفَاَ عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُئم أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأسَهُ، فَأقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ.
الكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
(عمرو بن أبي حسن) ذكره أبو موسى في "الصحابة".
و (عمرو بن يحيى) ثقة. مات بعد المائة
(1)
. ووالده ثقة أيضًا
(2)
.
(1)
تقدمت ترجمته في حديث (21، 22).
(2)
يحيى بن عمارة بن أبي حسن. قال محمد بن إسحاق بن يسار: كان ثقة. وقال النسائي، وابن خراش: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "التاريخ الكبير" 8/ 295 (3058)، "الجرح والتعديل" 9/ 175 (725)، "الثقات" 5/ 522، "تهذيب الكمال" 31/ 474 (6889)
ورواه البخاري في باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة بإسقاط: (عمرو بن أبي حسن)
(1)
.
و (وهيب): هو ابن خالد.
و (موسى): هو ابن إسماعيل التبوذكي.
ثانيها:
الوُضوء بضم الواو على المعروف.
والتور: بمثناة فوق ضبه الطست.
وأكفأ: أمال وصب، وهو مهموز.
ثالثها: في فقهه:
وقد سلف في الباب قبله
(2)
، وفي باب: من رفع صوته بالعلم
(3)
ومذهب جمهور العلماء دخول المرفقين في غسل اليد في الوضوء، وخالف فيه زُفرُ أصحابَهُ
(4)
.
والخلاف جار أيضًا في دخول الكعبين في غسل الرجلين، وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، خلافًا لمن شذ وقال: إنه مجمع الشراك. ونقله ابن بطال
(5)
عن أبي حنيفة
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (191) كتاب: الوضوء، باب: من مضمض واستنشق من غرفة واحدة.
(2)
باب: مسح الرأس كله.
(3)
سبق برقم (60).
(4)
انظر: "الإيضاح" 1/ 112.
(5)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 288.
(6)
انظر: "البناية" 1/ 106 - 111.
40 - باب اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ
وَأَمَرَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أهْلَهُ أَنْ يَتَوَضَّئُوا بِفَضْلِ سِوَاكِهِ.
187 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الَحكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُول: خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَاجِرَةِ، فَأُتى بِوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. [376، 495، 499، 501، 633، 634، 3553، 3566، 5786، 5859 - مسلم: 503 - فتح: 1/ 294]
188 -
وَقَالَ أبُو مُوسَى: دَعَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا:"اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا". [196، 4328 - مسلم: 2497 - فتح: 1/ 295]
189 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ. قَالَ: وَهُوَ الذِي مَجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ، وَهْوَ غُلَامٌ مِنْ بِئْرِهِمْ. وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنِ الِمسْوَرِ وَغَيْرِهِ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَة: وِإذَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَادُوا يَقْتَتِلُونَ على وَضُوئِهِ. [انظر: 77 - فتح: 1/ 295]
وهذا أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" بإسناد جيد عن وكيع، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير قَالَ: وأخبرنا هشيم عن ابن عون، عن إبراهيم أنه كان لا يرى بأسًا بالوضوء من فضل السواك
(1)
.
ثم ذكر البخاري بعده عدة أحاديث، وكلها دالة على ما ترجم له، وهو طهارة الماء المستعمل في رفع الحدث المنفصل عنه.
وفضل السواك: هو الماء الذي ينقع فيه السواك ليلين. وسواكه
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 158 (1817 - 1818).
الآراك وهو لا يغير الماء. فأراد البخاري أن يعرفك أن كل ما لا يتغير فإنه يجوز الطهارة به، والماء المستعمل غير متغير هو طاهر، وأن مَنِ ادعى نجاسة الماء المستعمل فهو مردود عليه، وأنه ماء الخطايا.
ولا خلاف عند الشافعية في طهارته، ووافقهم مالك وأحمد، وعن أبي حنيفة رواية: أنه طاهر، وأخرى: أنه نجس نجاسة مخففة، وثالثة: أنه نجس نجاسة مغلظة.
واختلف قول الشافعي في طهوريته فقال في الجديد: إنه غير طهور لسلب الفرض طهوريته؛ وبه قَالَ أبو حنيفة وأحمد، وقال في القديم: إنه طهور؛ وبه قَالَ مالك
(1)
.
ومحل الخوض في ذَلِكَ كتب الخلاف فلا نطول به، ومحل تفاريعه كتب الفروع، وقد بسطناها فيها ولله الحمد.
الحديث الأول:
حَدَّثنَا آدَمُ، ثنَا شُعْبَةُ، عن الحَكَم سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ.
وهذا الحديث متفق على صحته، روي عن أبي جحيفة مختصرًا ومطولًا، وقد ذكره البخاري هنا وفي الصلاة من طريق الحكم
(2)
، وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(1)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 162 - 166، "المنتقى" 1/ 57، "الهداية" 1/ 20 - 21، "روضة الطالبين" 1/ 7، "الوسيط" 1/ 42 - 43، "المغني" 1/ 31 - 35.
(2)
سيأتي برقم (501) باب: السترة بمكة وغيرها.
(3)
سيأتي برقم (3566) كتاب: المناقب.
وأخرجه مسلم
(1)
والنسائي في الصلاة
(2)
.
رواه عن أبي جحيفة ولدُه عون والحكم بن عتيبة، واشتهر عن شعبة. قيل: إن الحكم لم يسمع من أحد من الصحابة إلا من أبي جحيفة خاصة، لكن روى عن أبي أوفي أيضًا.
و (أبو جحيفة) اسمه وهب بن عبد الله
(3)
.
والهاجرة والهجير: اشتداد الحر نصف النهار.
قَالَ ابن سيده: عند زوال الشمس مع الظهر. وقيل: عند الزوال إلى العصر. وقيل في كل ذَلِكَ: إنه شدة الحر
(4)
، وفي "الأنواء الكبير" لأبي حنيفة
(5)
: الهاجرة بالصيف: قبل الظهيرة بقليل، وبعدها بقليل والهويجرة: قبل العصر بقليل، وسميت الهاجرة؛ لهرب كل شيء منها
(6)
.
ولم يسمع بالهاجرة في غير الصيف إلا في بيت للعجاج. وقال صاحب "المغيث": الهاجرة: بمعنى المهجورة؛ لأن السير يهجر فيها كدافق يعني: مدفوق
(7)
.
وأما حديث: "فالمهجر كالمهدي بدنة"
(8)
فالمراد التبكير، قَالَ
(1)
مسلم (503) كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي.
(2)
"سنن النسائي" 1/ 235.
(3)
سبقت ترجمته في الحديث (117).
(4)
"المخصص" 2/ 393 - 394 باب: صفة النهار وأسماؤه.
(5)
سبقت ترجمته في الحديث (21، 22).
(6)
انظر: "المخصص" 2/ 394.
(7)
"المجموع المغيث" 3/ 478، وقد صدرها (بقيل).
(8)
سيأتي برقم (929) كتاب: الجمعة، باب: الاستماع إلى الخطبة.
الخليل: وهي لغة حجازية
(1)
، وكان خروجه صلى الله عليه وسلم هذا من قبة حمراء من أدم بالأبطح بمكة، كما صرح به في رواية أخرى
(2)
.
و (الوَضوء) بفتح الواو على المعروف.
وقوله: (فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ) هو موضع الترجمة، وفيه: التبرك بآثار الصالحين سيما سيد الصالحين، واستعمال فضل طهورهم وطعامهم وشرابهم
(3)
.
وقال الإسماعيلي: يحتمل أن يكون أخذهم الماء الباقي في الإناء الذي كان يتوضأ منه تبركًا منهم بما وصلت إليه يده منه.
قُلْتُ: ذاك أبلغ.
وقوله: (فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ). فيه: قصر الرباعية، وإن كان بقرب البلد. والعنزة تقدم بيانها.
الحديث الثاني:
وقال البخاري: وَقَالَ أَبُو مُوسَى: دَعَا النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقدحِ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا:"اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكمَا".
وهذا الحديث علقه البخاري هنا، وقد أسنده في باب: الغسل والوضوء في المخضب مختصرًا كما سيأتي قريبًا
(4)
، وفي كتاب المغازي، في غزوة الطائف مطولًا عن أبي موسى
(5)
.
(1)
"العين" 3/ 387 مادة: هجر.
(2)
ستأتي برقم (376).
(3)
حمل العلماء التبرك على الخصوصية برسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره دون غيره، وانظر بسطنا لهذِه المسألة في تعليقنا على حديث رقم (194).
(4)
سيأتي برقم (196).
(5)
سيأتي برقم (4328).
وقوله: (قَالَ لَهُمَا: "اشْرَبَا"): يعني: أبا موسى الراوي وبلالًا؛ فإنه كان معه كما ساقه البخاري في المغازي، وفيه: فنادتهما أم (سلمة)
(1)
من وراء الستر: أفضلا لأمكما. فأفضلا لها
(2)
.
ويحتمل أمره بالشرب والإفراغ من أجل مرض أو شيء أصابهما.
قَالَ الإسماعيلي: وليس هذا من الوضوء في شيء، فإنما هو في مثل من استشفي بالغسل له فغسل.
قَالَ المهلب: وفي أحاديث الباب دلالة على طهارة لعاب الآدمي وبقية السؤر، والنهي عن النفخ في الطعام والشراب، إنما هو لاستقذار ما تطاير فيه من اللعاب لا للنجاسة، وهذا التقدير مرتفع عن الشارع.
قيل: كانت نخامته أطيب من المسك عندهم؛ لأنهم كانوا يتدافعون عليها ويدلكون بها وجوههم لبركتها وطيبها، وأنها مخالفة لخلوف أفواه البشر، وذلك لمناجاته الملائكة يطيب الله لهم نكهته وخلوف فيه وجميع رائحته
(3)
.
الحديث الثالث:
قَالَ البخاري: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ سَعْدٍ، ثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ ابْنُ الرَّبِيعِ، وَهُوَ الذِي مَجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ، وَهْوَ غُلَامٌ مِنْ بِئْرِهِمْ.
(1)
جاءت في (س): سليم وهو خطأ.
(2)
سيأتي برقم (4328).
(3)
"رح ابن بطال" 1/ 291 - 292.
هذا الحديث سلف بيانه في كتاب: العلم، في باب: متى يصح سماع الصغير
(1)
.
قَالَ الإسماعيلي: رواه الناس عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري نفسه إلا يعقوب، وفيه ممازحة الطفل بما قد يصعب عليه؛ لأن مج الماء قد يصعب عليه وإن كان قد يستلذه.
الحديث الرابع:
قَالَ البخاري: (وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنِ المِسْوَرِ وَغَيْرِهِ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ: وإِذَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَادُوا يَقْتَتِلُونَ على وَضُوئِهِ).
هذا الحديث كذا ذكره هنا معلقًا، وقد أسنده بعد في الجهاد، وصلح الحديبية كما ستعلمه، إن شاء الله وقدره
(2)
.
وأراد بقوله: (وغَيْرِهِ). مروان بن الحكم كما صرح به هناك، وذكر ابن طاهر أن هذا الحديث معلول، وذلك أن المسور ومروان
(3)
لم يدركا هذِه القصة التي بالحديبية سنة ستٍّ؛ لأن مولدهما كان بعد الهجرة بسنتين
(4)
. على ذَلِكَ اتفق المؤرخون، وإنما يرويانها عمن شاهدها.
وأما ما في "صحيح مسلم" عن المسور قَالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على المنبر وأنا يومئذ محتلم
(5)
. فيحتاج إلى تأويل، فقد
(1)
سبق برقم (77).
(2)
سيأتي برقم (2731) كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد. وبرقم (4178 - 4179) كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية.
(3)
ستأتي ترجمتهما في حديث (241).
(4)
"الجمع بين رجال الصحيحين" 2/ 501، 516.
(5)
"صحيح مسلم"(2449) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
يؤول الاحتلام على أنه كان يعقل أو كان سمينًا غير مهزول، وهو احتمال لغوي.
قَالَ صاحب "الأفعال": حلم حلمًا إذا عقل
(1)
. وقال غيره: يحلم الغلام صار سمينًا، ذكره القرطبي، وهو معدود في صغار الصحابة، مات سنة أربع وستين.
[باب]
190 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْن إسماعيل، عَنِ الجَعْدِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسولَ الله، إِنَّ ابن أُخْتِي وَجِعٌ. فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلِ زِرِّ المجلَةِ. [3540، 3541، 5670، 6352 - مسلم: 2345 - فتح: 1/ 216]
الحديث الخامس:
قَالَ البخاري: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ، ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الجَعْدِ، سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ ابن أُخْتِي وَقِعٌ فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلِ زِرِّ الحَجَلَةِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في صفة النبي صلى الله عليه وسلم،
(1)
"الأفعال" لابن القطاع 1/ 234.
والدعوات وغيرهما
(1)
. وأخرجه مسلم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
، والترمذي في المناقب
(3)
.
ثانيها: السائب هذا ولد في السنة الثانية من الهجرة، وشهد حجة الوداع، وخرج مع الصبيان إلى ثنية الوداع يتلقى النبي صلى الله عليه وسلم مقدِمَه من تبوك. مات سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة سِّت وثمانين. وجعلهما ابن منده اثنين وهما واحد
(4)
.
وخالته: لا يحضرني اسمها وهي مذكورة في الصحابة.
والجعد (خ، م، د، ت، س): هو ابن عبد الرحمن، ويقال: الجعيد. ثقة أخرجوا له خلا ابن ماجه
(5)
.
وحاتم (ع) ثقة مات سنة سبع وثمانين ومائة
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (3541) كتاب: المناقب، باب: خاتم النبوة، وبرقم (5670) كتاب: المرضى، باب: من ذهب بالصبي المريض ليدعى له. وبرقم (6352) كتاب: الدعوات، باب: الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم.
(2)
مسلم (2345) كتاب: الفضائل، باب: إثبات خاتم النبوة وصفته.
(3)
"سنن الترمذي"(3643).
(4)
انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 3/ 1376 (1265)، و"الاستيعاب" 2/ 144 (907)، و"أسد الغابة" 2/ 321 (1926)، و"الإصابة" 2/ 120 (3735).
(5)
الجعد بن عبد الرحمن بن أوس ويقال: ابن أويس الكندي. قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: ثقة.
وكذلك قال النسائي. قال البخاري: وقال مكي بن إبراهيم: سمعت من الجعيد، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وهاشم بن هاشم سنة أربع وأربعين ومائة.
انظر: "التاريخ الكبير" 2/ 240 (2318)، "الجرح والتعديل" 2/ 529 (2196)، "تهذيب الكمال" 4/ 561 (927).
(6)
حاتم بن إسماعيل المدني. روى عن: أسامة بن زيد الليثي. روي عنه: إبراهيم بن حمزة الزبيري. قال أبو بكر الأثرم، عن أحمد بن حنبل: حاتم بن إسماعيل أحب إليَّ من الدراوردي، زعموا أن حاتمًا كان فيه غفلة، إلا أن كتابه صالح. =
وعبد الرحمن: هو المستملي البغدادي لا الرقي، صدوق، وعنه البخاري فقط. مات سنة أربع وعشرين ومائتين
(1)
.
ثالثها: قوله: (وَقِعٌ) كذا رواه ابن السكن. وقال الإسماعيلي، كذا هو في البخاري، والأكثرون يقولون:(وَجِع)
(2)
، وفي رواية أبي ذر الهروي: وقع على لفظ الماضي
(3)
.
وقال ابن بطال: قوله: (وقع) معناه: وقع في المرض. قَالَ: وإن
= وقال أبو حاتم: هو أحب إليّ من سعيد بن سالم. وقال النسائي: ليس به بأس.
انظر: "التاريخ الكبير" 3/ 77 (278)، "الجرح والتعديل" 3/ 258 (1154)، "تهذيب الكمال" 5/ 187 (992).
(1)
عبد الرحمن بن يونس بن هاشم الرومي. قال أبو حاتم: صدوق.
وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان صاعقة لا يحمد أمره.
وقال محمد بن إسحاق الثقفي: سألت أبا يحيى محمد بن عبد الرحيم عن أبي مسلم فلم يرضه، أراد أن يتكلم فيه، ثم قال: أستغفر الله، فقلت له: في الحديث؟ فقال: نعم، وشيئًا آخر؛ ولم يرضه. وقال ابن حجر: صدوق طعنوا فيه للرأي.
انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 369 (1166)، "الجرح والتعديل" 5/ 303 (1438)، "الثقات" 8/ 379، "تهذيب الكمال" 18/ 23 (3999)، "تقريب التهذيب"(4048)
(2)
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "منحة الباري" 1/ 486: وَجعٌ بفتح الواو، وكسر الجيم وبالتنوين. وقال الزركشي في "التنقيح" 1/ 98: وَجِع كذا لأكثر الرواة وفي رواية ابن السكن وقع بالقاف.
(3)
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 1/ 296: وقِعٌ بكسر القاف والتنوين.
وللكشميهني: وقع بلفظ الماضي، وفي رواية كريمة: وجع بالجيم والتنوين. وقال الكرماني في "شرحه" 3/ 36: وقع بلفظ الماضي وفي بعضها وقع بكسر القاف والتنوين.
وقال القاضي عياض في "مشارق الأنوار" 2/ 293: وقع بكسر القاف أي: مريض.
كان روي بكسر القاف فأهل اللغة يقولون: وقِع الرجل إذا اشتكى لحم قدمه. قَالَ الراجز:
كل الحذاء يحتذي الحافي الوَقِع
قَالَ: والمعروف عندنا (وقَع). بفتح القاف والعين
(1)
.
قُلْتُ: وكذا في ابن سيده: وقع الرجل والفرس وقعًا فهو وقِع: إذا حفي من الحجارة أو الشوك، وقد وقعه الحجر، وحافر وقيع: وقعته الحجارة فقصت منه
(2)
، ثم ذكر بيت الراجز، ثم قَالَ: واستُعير للمشتكي المريض، والعرب تسمي كل مرض وجعًا، وفي "الجامع": وقع الرجل يوقع إذا حفي من مشيه عَلَى الحجارة، وقيل: هو أن يشتكي لحم رجليه من الحفاء.
رابعها: فيه بركة الاسترقاء، وأما الخاتم فسيأتي الكلام عليه -إن شاء الله تعالى- في صفته عليه أفضل الصلاة والسلام فيه برواياته المتنوعة الزائدة على العشرة
(3)
.
(1)
انظر: "بشرح ابن بطال" 1/ 292.
(2)
"المخصص" 2/ 87 كتاب: الخيل، صفات الحوافر.
(3)
سيأتي في كتاب: المناقب، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
41 - باب مَنْ تمضمض وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ
191 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَفْرَغَ مِنَ الإِنَاءِ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ -أَوْ مَضْمَضَ- وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَغَسَلَ يَدَيْهِ الَى الِمرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا وُضوءُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 185 - مسلم: 235 - فتح: 1/ 297]
حَدثنَا مُسَدَّدٌ، ثنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ثنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أفْرَغَ مِنَ الإِنَاءِ على يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ -أَوْ مَضْمَضَ- وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَعَل ذَلِكَ ثَلَاثًا .. الحديث
ثم ذكر بعده:
42 - باب مَسْحِ الرَّأسِ مَرَّةً واحدة
192 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبِ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنِ، سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ، فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الِمرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا، ثمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ.
ثم قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: مَسَحَ رَأْسَة مَرَّةً. [انظر: 185 - مسلم 235 - فتح 1/ 297]
حَدَّثنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنَا وُهَيْبٌ، ثنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنِ، سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ .. فذكر الحديث.
ثم قال: حَدَّثنَا مُوسَى، ثنا وُهَيْبٌ وقَالَ: مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةَ.
وقد سلف الحديث قريبًا
(1)
، ونتكلم هنا على موضعين:
الأول: قوله: (من كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ): قَالَ ابن التين: هو بفتح الكاف، أي: غَرْفة. فاشْتُق ذَلِكَ من اسم الكف، سمَّى الشيء باسم ما كان فيه.
قَالَ بعضهم: ولا يعرف في كلام العرب إلحاق هاء التأنيث في الكف، ولا يبعد أن يكون منزلًا منزلة الغرفة، فتكون الكَفَّة بمعنى فعلة، أي: كف كفة لما كان يتناولها بكفه، ودخلت الهاء كما تقول: ضربت ضربة، وكأنه أشار بقوله:(وقال بعضهم) إلى ابن بطال فإنه قَالَ ذَلِكَ، وقال: أراد غرفة واحدة أو حفنة واحدة
(2)
.
(1)
سلف برقم (185).
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 294.
وقال ابن قُرْقُول: هي بالضم والفتح مثل: غُرفة وغَرفة، أي: ملأ كفَّه من ماء.
الثاني: مسح الرأس مرة، والصحيح من مذهبنا التثليث
(1)
، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد مسحها مرة
(2)
، واختاره ابن المنذر
(3)
، ويعضد مذهبنا عدة أحاديث من طرق أوضحتها في تخريجي لأحاديث الرافعي فسارع إليه
(4)
.
نعم، قَالَ الترمذي لما ذكر المسح مرة، إن العمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم
(5)
، وأغرب من أوجب الثلاث.
تنبيه
(6)
: ترتيب البخاري رحمه الله في هذِه الأبواب كأنه غير جيد؛ فإنه بدأ بغسل الوجه، ثم بالتسمية، ثم بما يقال عند الخلاء، ثم ذكر أحكام الخلاء، ثم رجع فترجم الوضوء مرة فأكثر، ثم ذكر الاستنثار في الوضوء، ثم ذكر الاستجمار وترًا، ثم ذكر غسل الرجلين، ثم ذكر المضمضة، ثم الأعقاب، ثم التيمن، ثم التماس الطهور، ثم أحكام المياه، ثم النواقض، ثم الاستعانة، ثم القراءة محدثًا، ثم مسح الرأس كله، ثم غسل الرجلين، ثم طهارة المستعمل، ثم المضمضة والاستنشاق من غرفة، ثم مسح الرأس، ثم ذكر بعد ذَلِكَ النواقض، ولو جمع كل شيء إلى جنسه لكان أولى.
(1)
انظر: "المجموع" 1/ 461 - 462.
(2)
انظر: "الهداية" 1/ 14، "عيون المجالس" 1/ 106 - 108، "المغني" 1/ 178 - 180.
(3)
"الأوسط" 1/ 397.
(4)
"البدر المنير" 2/ 171 - 185.
(5)
"جامع الترمذي"(34).
(6)
جاء بهامش الأصل ما نصه: بخط المصنف في الهامش: حكاه شيخنا في شرحه.
43 - باب وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَفَضْلِ وَضُوءِ المَرْأَةِ
وَتَوَضَّأ عُمَرُ بِالْحَمِيمِ مِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةً.
193 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ في زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعًا. [فتح: 1/ 298].
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أنا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعًا.
أما أثر عمر فأخرجه الشافعي في "الأم"
(1)
، والبيهقي بإسناده إليه: أخبرنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر توضأ من ماء نصرانية في جرة نصرانية.
ثم ساقه البيهقي من حديث سعدان بن نصر، ثنا سفيان حدثونا عن زيد بن أسلم ولم أسمعه عن أبيه قَالَ: لما كنا بالشام أتيت عمر بماء فتوضأ منه، وقال: من أين جئت بهذا، فما رأيت ماء عِدٍّ
(2)
ولا ماء سماء أطيب منه. قُلْتُ: من بيت هذِه العجوز النصرانية، فلما توضأ أتاها وإذا رأسها كالثغامة. فعرض عليها الإسلام فقالت: أنا أموت الآن، فقال عمر: اللهم اشهد
(3)
.
(1)
"الأم" 1/ 7.
(2)
العِدُّ: مجتمع الماء، جمعه أعداد، وهو ما يَعِدُّه الناس، فالماء عَدُّ، وموضع مجتمعه عِدُّ. قاله الخليل "العين" 1/ 79.
وقال أبو منصور الثعالبي في "فقه اللغة وأسرار العربية" ص 279: إذا كان الماء دائمًا لا ينقطع ولا ينزح في عين أو بئر فهو عِدّ.
(3)
"السنن الكبرى" 1/ 32، "معرفة السنن" 1/ 252 (563).
وروي: نصراني بالتذكير، وهو ما في "المهذب" للشيخ أبي إسحاق الشيرازي
(1)
.
قَالَ الحازمي: رواه خلاد بن أسلم، عن سفيان بسنده، فقال: ماء نصراني -بالتذكير- قَالَ: والمحفوظ رواية الشافعي: نصرانية بالتأنيث.
ووقع في "المهذب" جَرّ نصراني، والصحيح: جرة بالهاء في آخره، كما سلف في رواية الشافعي.
وذكر ابن فارس
(2)
في كتاب "حلية العلماء": أن الجر هنا: سُلاخة
(3)
عرقوب البعير يجعل وعاء للماء.
إذا تقرر ذَلِكَ فالحميم: الماء المسخن. فعيل بمعنى: مفعول، ومنه سمي الحمام حمامًا؛ لإسخانه مَنْ دَخَلَهُ. وقيل: للمحموم محمومًا؛ لسخونة جسده بالحرارة. ومنه قوله تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)} [الرحمن: 44]، مراده: ماء قد أسخن
(4)
، فآنَّ حرُّهُ واشتدَّ حتى انتهى إلى غايته.
(1)
"المهذب" 1/ 65.
(2)
هو أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي، كان من أئمة أهل اللغة في وقته، من شيوخه: أحمد بن طاهر المنجم. ومن تلاميذه: بديع الزمان الهمذاني، وقد لقب ابن فارس بألقاب كثيرة منها ما يعود إلى البلدان التي أقام فيها، ومنها ما يرجع إلى العلوم التي برع فيها، فلقبوه بالرازي والقزويني، واللغوي، والنحوي، وأخيرًا المالكي. وله من التصانيف: كتاب "المجمل"، "حلية الفقهاء"، "ذخائر الكلمات" وغيرها من التصانيف المفيدة والنافعة، توفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.
انظر: "معجم الأدباء" 1/ 533، "المنتظم" 7/ 103 (137)، "سير أعلام النبلاء" 17/ 103 - 106.
(3)
قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" 467:
السين واللام والخاء أصل واحد، وهو إخراج الشيء عن جلده ثم يحمل عليه.
(4)
انظر: "تفسير الطبري" 11/ 600.
قَالَ ابن السكيت: الحميمة: الماء يسخن، يقال: أحم لنا الماء
(1)
.
وروى ابن أبي شيبة، عن عبد العزيز بن محمد ووكيع
(2)
، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر كان له قمقم يسخن له فيه الماء. ورواه أيضًا عن ابنه عبد الله ويحيى بن يعمر وعبد الله بن عباس والحسن بن أبي الحسن وسلمة بن الأكوع. وروى عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر كان يغتسل بالماء الحميم
(3)
. ورواه أيضًا عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن زيد به
(4)
.
فائدة:
القمقم: رومي معرب، قاله الأصمعي.
قَالَ ابن المنذر: أجمع أهل الحجاز والعراق جميعًا على الوضوء بالماء المسخن، غير مجاهد فإنه كرهه
(5)
.
ووضوؤه من بيت نصرانية فيه دلالة على جواز استعمال مياههم.
نعم، يكره استعمال أوانيهم وثيابهم، سواء فيه أهل الكتاب وغيرهم
(1)
"إصلاح المنطق" ص 356.
(2)
كذا في الأصل: ووكيع، وليس بصواب؛ فإن وكيعًا رواه عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم كما سوف يأتي، فلعله من انتقال النظر.
(3)
ظاهر صنيع المصنف يوهم أن هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة عن معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه، وليس بصواب؛ لأن ابن أبي شيبة لا يروي عن معمر، فإن معمرًا توفي سنة أربع وخمسين ومائة، وقيل ثلاث وخمسين ومائة، وقيل اثنتين وخمسين ومائة؛ وأما ابن أبي شيبة فقد ولد سنة تسع وخمسين ومائة كما في "تاريخ بغداد" 10/ 66.
وهذا الأثر رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 175 (675).
(4)
"المصنف" 1/ 31 - 32.
(5)
"الأوسط" 1/ 252.
والمُدَيّن بالنجاسة وغيره. قَالَ أصحابنا: وأوانيهم المستعملة في الماء أخف كراهة.
فإن تيقن طهارة أوانيهم أو ثيابهم فلا كراهة إذًا في استعمالها، ولا نعلم فيه خلافًا، وإذا تطهر من إناء كافر ولم يتيقن طهارته ولا نجاسته، فإن كان من قوم لا يتدينون باستعمالها صحت طهارته قطعًا، وإن كان من قوم يتدينون باستعمالها
(1)
-وهم طائفة من المجوس والبراهمة أيضًا - فوجهان:
أصحهما: الصحة، والثاني: المنع
(2)
.
ووضوء عمر منها دال على طهارة سؤرها، وهو مراد البخاري بإيراده في الباب. وممن كان لا يرى به بأسًا: الأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وأصحابهما. قَالَ ابن المنذر: ولا أعلم أحدًا كرهه إلا أحمد وإسحاق
(3)
.
قُلْتُ: وتبعهما أهل الظاهر، واختلف قول مالك في ذَلِكَ، ففي "المدونة": لا يتوضأ بسؤر النصراني، ولا بماء أدخل يده فيه
(4)
. وفي "العتبية": أجازه مرة وكرهه أخرى
(5)
.
وأما حديث ابن عمر فهو من أفراد البخاري، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث مالك
(6)
.
(1)
المتدينون باستعمال النجاسة هم الذين يعتقدون ذلك دينًا وفضيلة، فيتطهرن بالبول ويتقربون بأرواث البقر وأحشائها.
(2)
انظر هذا الكلام في "المجموع" 1/ 319 - 310.
(3)
"الأوسط" 1/ 314.
(4)
انظر: "المدونة" 1/ 122.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 69 - 70.
(6)
أبو داود (79)، والنسائي 1/ 57، وابن ماجة (381).
قَالَ الدارقطني: ورواه محمد بن النعمان، عن مالك بلفظ من الميضأة. وفي رواية القعنبي، وابن وهب عنه: كانوا يتوضئون زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإناء الواحد
(1)
. وأخرجه أبو داود أيضًا من حديث أيوب، عن نافع، وفيه: من الإناء الواحد جميعًا. ومن حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قَالَ: كنا نتوضأ نحن والنساء من إناء واحد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ندلي فيه أيدينا
(2)
.
وأما فقه الباب:
فالإجماع قائم على جواز وضوء الرجل والمرأة بفضل الرجل، وأما فضل المرأة فيجوز عند الشافعي الوضوء به أيضًا للرجل، سواء أَخَلَتْ به أم لا
(3)
.
قَالَ البغوي وغيره: ولا كراهة فيه للأحاديث الصحيحة فيه، وبهذا قَالَ مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء، وقال أحمد وداود: لا يجوز إذا خلت به، وروي هذا عن عبد الله بن سرجس
(4)
والحسن البصري
(5)
، وروي عن أحمد كمذهبنا، وعن ابن المسيب والحسن كراهة فضلها مطلقًا
(6)
.
(1)
"الموطأ" برواية القعنبي ص 99 (33).
(2)
أبو داود (79، 80)، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 140 (72): إسناده صحيح على شرط البخاري إلا الزيادة، زيادة من الإناء الواحد.
(3)
انظر: "مسلم بشرح النووي" 4/ 2.
(4)
رواه ابن ماجه (374).
(5)
رواه عبد الرزاق 1/ 106 (376) وابن أبي شيبة 1/ 39 (358).
(6)
انظر هذِه المسألة في "تبيين الحقائق" 1/ 31، "عيون المجالس" 1/ 158 - 159، "البيان" 1/ 259، "الإفصاح" 1/ 98 - 99، "المغني" 1/ 282 - 286.
وحكى أبو عمر فيه خمسة مذاهب:
أحدها: أنه لا بأس أن يغتسل الرجل بفضلها ما لم تكن جنبا أو حائضًا.
ثانيها: يكره أن يتوضأ بفضلها وعكسه.
ثالثها: كراهة فضلها له والرخصة في عكسه.
رابعها: لا بأس بشروعهما معًا، ولا خير في فضلها وهو قول أحمد.
خامسها: لا بأس بفضل كل منهما شرعا جميعًا أو خلا كل واحد منهما به. وعليه فقهاء الأمصار، والأخبار في معناه متواترة
(1)
.
احتج لأحمد ومن وافقه بحديث شعبة، عن عاصم الأحول، عن أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة.
رواه أبو داود والترمذي والنسائي وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان وابن حزم
(2)
ورجحه ابن ماجه على حديث ابن سرجس
(3)
.
واحتج أصحابنا بحديث ميمونة رضي الله عنها قالت: أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه.
فقُلْتُ: إني اغتسلت منه. فقال: "الماء ليس عليه جنابة" واغتسل منه.
(1)
"الاستذكار" 2/ 128 - 129.
(2)
أبو داود (82)، الترمذي (64)، النسائي 1/ 179، ابن ماجه (373)، "صحيح ابن حبان" 4/ 71 (1260)"المحلى" 1/ 212، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 141 (75): صحيح.
(3)
"سنن ابن ماجه" عقب حديث (374).
حديث صحيح أخرجه الدارقطني، كذلك من حديث سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن ميمونة
(1)
وأخرجه الأربعة بمعناه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من غير تسمية، قَالَ الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان، والحاكم، وقال: لا يحفظ له علة
(2)
.
قَالَ البيهقي: وروي مرسلًا، ومن أسنده أحفظ ولا عبرة بتوهين ابن حزم له
(3)
، وإذا ثبت اغتسالهما معًا، وكل منهما مستعمل فضل الآخر فلا تأثير للخلوة.
والجواب عن حديث الحكم من أوجه:
أحدها: جواب البيهقي وغيره ضعفه، قَالَ البخاري لما سأله عنه الترمذي في "علله": ليس بصحيح. قَالَ: وحديث ابن سرجس الصحيح أنه موقوف عليه، ومن رفعه فقد أخطأ
(4)
، وكذا قَالَ الدارقطني: وقفه أولى بالصواب من رفعه
(5)
.
وروي حديث الحكم أيضًا موقوفًا عليه، وقال ابن منده في كتاب "الطهارة": حديث الحكم لا يثبت من جهة السند.
وقال أبو عمر: الآثار في هذا الباب مضطربة ولا تقوم بها حجة
(6)
.
(1)
"سنن الدارقطني" 1/ 52 (3).
(2)
أبو داود (68)، الترمذي (65)، النسائي 1/ 173، ابن ماجه (370)، ابن خزيمة (91)، (109)، ابن حبان (1242، 1248، 1261)، الحاكم 1/ 159.
(3)
"المحلى" 1/ 214.
(4)
"علل الترمذي" 1/ 134.
(5)
"سنن الدارقطني" 1/ 117.
(6)
"الاستذكار" 2/ 129.
وقال الميمونى: قُلْتُ لأبي عبد الله: يسنده أحد غير عاصم؟ قَالَ: لا، ويضطربون فيه عن شعبة، وليس هو في كتاب غندر، بعضهم يقول عن فضل سؤر المرأة، وبعضهم يقول عن فضل المرأة، ولا يتفقون عليه.
ورواه التيمي إلا أنه لم يسمه، قَالَ: عن رجل من الصحابة. والآثار الصحاح واردة بالإباحة.
قُلْتُ: ولما أخرجه الطبرانى في "أكبر معاجمه" قَالَ: عن رجل من غفار
(1)
، والحكم غفاري.
ثانيها: على تسليم صحته، أن أحاديث الرخصة أصح، فالعمل بها أولى.
ثالثها: جواب الخطابي أن النهي عن فضل أعضائها، وهو ما سال عنها
(2)
.
رابعها: أن النهي للتنزيه جمعًا بين الأحاديث.
وأما حديث داود بن عبد الله الأودي، عن حميد الحميري قَالَ: لقيت رجلًا صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة قَالَ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة أو تغتسل المرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعا
(3)
، حسن أحمد إسناده فيما ذكره الأثرم، وصححه ابن القطان
(4)
.
(1)
"المعجم الكبير" 3/ 210 (3154).
(2)
"معالم السنن" 1/ 36.
(3)
رواه أبو داود (81)، والنسائي 1/ 130، وأحمد 4/ 111، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام"(9)، والألباني في "صحيح أبي داود"(74).
(4)
"بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" 2/ 103 (72).
وقال أبو داود في "التفرد" الذي تفرد به من هذا الحديث قوله: أن تغتسل المرأة من فضل الرجل. وأما ابن منده وابن حزم فقالا: لا يثبت من جهة سنده
(1)
.
وقال البيهقي: هو مرسل جيد لولا مخالفة الأحاديث الثابتة الموصولة
(2)
.
وزعم ابن القطان أن المبهم ههنا قيل: هو عبد الله بن مغفل، وقيل: ابن سرجس
(3)
، وقطع ابن حزم بأن حكم الإباحة منسوخ، وهذا الباب وما فيه ناسخ
(4)
، وأباه ابن العربي، وزعم أن الناسخ حديث ميمونة
(5)
، ومال إليه الخطابي
(6)
.
(1)
"المحلى" 1/ 214.
(2)
"السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 190.
(3)
"بيان الوهم والإيهام" 5/ 277.
(4)
المحلى" 1/ 215.
(5)
"عارضة الأحوذي" 1/ 82.
(6)
"أعلام الحديث" 1/ 299.
44 - باب صَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وضُوءَهُ عَلَى المُغْمَى عَلَيْهِ
194 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن مُحَمَّدِ بْنِ الُمنكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُول: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنىِ وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمِنِ الِميرَاثُ؟ إنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ. فَنَزَلَث آيَةُ الفَرَائِضِ. [4577، 5651، 5664، 5676، 6723، 6743، 7309 - مسلم: 1616 - فتح: 1/ 301]
حَدَثنَا أَبُو الوَليدِ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَنِ المِيرَاثُ؟ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ. فَنَزَلَتْ آيَةُ الفَرَائِضِ.
الكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه في التفسير
(1)
والفرائض
(2)
والطب
(3)
والاعتصام
(4)
، وأخرجه الباقون في الفرائض
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (4577) باب: قوله: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} .
(2)
سيأتي برقم (6723) باب: وقول الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} .
(3)
سيأتي برقم (5651) باب: عيادة المغمى عليه.
(4)
سيأتي برقم (7309) باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحي
…
(5)
"صحيح مسلم"(1616) كتاب: الفرائض، باب: ميراث الكلالة، "سنن أبي داود"(2886)، "سنن الترمذي"(2096)، "السنن الكبرى" للنسائي 4/ 69 (6324)، "سنن ابن ماجه"(2728).
وأخرجه الترمذي والنسائي في التفسير
(1)
. والنسائي في الطهارة
(2)
.
وابن ماجه في الجنائز
(3)
. واشتهر عن ابن المنكدر، وعن ابن جريج. وفي بعض طرقه: عادني رسول الله وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، ذكره في التفسير
(4)
وفي بعضها: ما تأمرني أن أصنع في مالي؟
(5)
.
وفي أخرى: كيف أقضي في مالي؟
(6)
.
وفي أخرى: إنما يرثني سبع أخوات
(7)
.
وفي أخرى: تسع
(8)
.
وفي أخرى: فنزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ} .. الآية
(9)
[النساء: 176].
وفي أخرى في التفسير فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}
(10)
[النساء: 11].
ثانيها:
في الكلالة أقوال، أصحها: ما عدا الوالد والولد
(11)
، وفيه حديث
(1)
"سنن الترمذي"(3015)، "السنن الكبرى" للنسائي 6/ 320 (11091).
(2)
"المجتبى" 1/ 87.
(3)
"سنن ابن ماجه"(1436).
(4)
سيأتي برقم (4577).
(5)
التخريج السابق.
(6)
سيأتي برقم (6723).
(7)
رواه أبو داود (2887)، وأحمد 3/ 372، والنسائي في "الكبرى" 4/ 69 (6324) كلهم بلفظ: اشتكيت وعندي سبع أخوات لي.
(8)
رواه الترمذي (2097).
(9)
مسلم (1616/ 8) كتاب: الفرائض، باب: ميراث الكلالة.
(10)
سيأتي برقم (4577) باب: قوله: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} .
(11)
"تفسير الطبري" 4/ 378، وقال ابن كثير في "تفسيره" 4/ 402: وهذا الذي قاله الصديق -أي: ما عدا الولد والوالد- عليه جمهور الصحابة والتابعين والأئمة في قديم الزمان وحديثه، وهو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، وقول علماء الأمصار قاطبة، وهو الذي يدل عليه القرآن كما أرشد الله أنه قد بين ذلك ووضحه في قوله:{يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
صحيح من طريق البراء بن عازب
(1)
. وقيل: ماعدا الولد خاصة. وقيل: الإخوة للأم. وقيل: بنو العم ومن أشبههم. وقيل: العصبات كلهم وإن بعدوا. ثم قيل: للورثة. وقيل: للميت. وقيل: لهما. وقيل: للمال الموروث. وقد أوضحت ذَلِكَ في "شرح فرائض الوسيط"، ويأتي مبسوطًا في موضعه إن قدر الله الوصول إليه.
ثالثها:
لعل المراد بآية الفرائض آية الكلالة، كما صرح به في الرواية الأخرى
(2)
، فإنها نزلت بعد {يوُصِيكُمُ اللهُ} وأما {يوُصِيكُمُ} الآية [النساء: 11]، فقد سلف أنها نزلت فيه أيضًا.
لكن روى جابر أنها نزلت في ابنتي سعد بن الربيع، قتل أبوهما يوم أحد وأخذ عمهما مالهما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عقيل عنه
(3)
، ووالد جابر توفي بعد أحد
(4)
، فإن جابرًا قَالَ: ولا يرثني إلا كلالة، وقد قيل في سبب نزولها غير ذَلِكَ.
رابعها: في أحكامه:
فيه: استحباب العيادة، واستحباب المشي لها، وفي روايةٍ: ليس براكب بغل ولا برذون.
وفيه: جواز عيادة المغمى عليه، وهذا إذا كان عند المريض من
(1)
رواه البخاري (4605) كتاب: التفسير، باب:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ} ، ومسلم (1618) كتاب: الفرائض، باب: آخر آية انزلت آية الكلالة.
(2)
ستأتي برقم (5676) كتاب: المرضى.
(3)
"سنن أبي داود"(2892)، "سنن الترمذي"(2092)، "سنن ابن ماجه"(2720).
(4)
ورد في هامش الأصل ما نصه: إنما قتل بأحد شهيدًا، قتله أسامة الأعور بن عبيد، وقيل: بل قتله سفيان بن عبد شمس أبو الأعور السلمي. انتهى انظر: "أسد الغابة" 3/ 348.
يراعي حاله لئلا ينكشف. وقيل: إن كان صالحًا فله ذَلِكَ، وإن كان غيره فيكره، إلا أن يكون ثَمّ من يراعي حاله، حكاه المنذري
(1)
.
وفيه: التبرك بآثار الصالحين لا سيما سيد الصالحين؛ فإنه صب على جابر من وضوئه المبارك
(2)
.
وفيه: بركة ما باشروه أو لمسوه.
(1)
"مختصر سنن أبي داود" 4/ 161.
(2)
قال العلامة الألباني رحمه الله: ولا بد من الإشارة إلى أننا نؤمن بجواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم ولا ننكره، ولكن لهذا التبرك شروطًا منها: الإيمان الشرعي المقبول عند الله، فمن لم يكن مسلمًا صادق الإسلام فلن يحقق الله له أي خير بتبركه هذا، كما يشترط للراغب في التبرك أن يكون حاصلا على أثر من آثاره صلى الله عليه وسلم ويستعمله، ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين، وإذا كان الأمر كذلك فإن التبرك بهذِه الآثار يصبح أمرًا غير ذي موضع في زماننا هذا، ويكون أمرًا نظريًّا محضًا، فلا ينبغي إطالة القول فيه، ولكن ثمة أمر يجب تبيانه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن أقر الصحابة في غزوة الحديبية وغيرها على التبرك بآثاره والتمسح بها، وذلك لغرض مهم وخاصة في تلك المناسبة، وذلك الغرض هو إرهاب كفار قريش وإظهار مدى تعلق المسلمين بنبيهم، وحبهم له، وتفانيهم في خدمته وتعظيم شأنه، إلا أن الذي لا يجوز التغافل عنه ولا كتمانه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد تلك الغزوة رغّب المسلمين بأسلوب حكيم وطريقة لطيفة عن هذا التبرك وصرفهم عنه، وأرشدهم إلى أعمال صالحة خير لهم منه عند الله عز وجل وأجدى. اهـ. انظر:"التوسل أنواعه وأحكامها" ص 144 - 145.
وقال الشيخ صالح بن فوزان: من البدع المحدثة التبرك بالمخلوقين، وهو لون من ألوان الوثنية، وشبكة يصطاد بها المرتزقة أموال السذج من الناس، والتبرك طلب البركة وهي ثبوت الخير في الشيء وزيادتَه، وطلبُ ثبوت الخير وزيادته إنما يكونُ ممن يَملكُ ذلك ويقدر عليه، وهو الله سبحانه، فهو الذي ينزل البركة ويثبتها، أما المخلوق فإنه لا يقدر على منح البركة وإيجادها، ولا على إبقائها وتثبيتها، فالتبرك بالأماكن والآثار والأشخاص -أحياءً وأمواتًا- لا يجوز؛ لأنه إما شرك، إن اعتقد أنَّ ذلك الشيء يمنحُ البركة، أو وسيلة إلى الشرك إن اعتقد أن زيارته =
وفيه: دليل على طهارة الماء المستعمل، فإنه لا يتبرك بغيره، لا يقال: إن هذا يختص بوضوئه، فإنه صلى الله عليه وسلم أمر الذي عان سهلًا أن يتوضأ له ويغسل داخلة إزاره ويصبه عليه ليحل عنه شر العين، ولم يأمر سهلًا أن يغتسل منه
(1)
.
وفيه: جواز الوصية للمريض وإن بلغ هذا الحد وفارقه عقله في بعض الأحيان، إذا كان عاقلًا عند الوصية.
وفيه: أنه لا يقضى بالاجتهاد مادام يجد سبيلًا إلى النص.
= وملامسته والتمسح به، سبب لحصولها من الله.
وأما ما كان الصحابة يفعلونه من التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وريقه وما انفصل من جسمه، خاصة كما تقدَّم؛ فذلك خاص به صلى الله عليه وسلم ولم يكن الصحابة يتبركون بحجرته وقبره بعد موته، ولا كانوا يقصدون الأماكن التي صلى فيها أو جلس فيها؛ ليتبركوا بها، وكذلك مقامات الأولياء من باب أولى، ولم يكونوا يتبركون بالأشخاص الصالحين، كأبي بكر وعمر وغيرهما من أفاضل الصحابة، لا في الحياة ولا بعد الموت، ولم يكونوا يذهبون إلى غار حراء ليصلوا فيه أو يدعوا، ولم يكونوا يذهبون إلى الطور الذي كَلَّم الله عليه موسى ليصلوا فيه ويدعوا، أو إلى غير هذِه الأمكنة من الجبال التي يُقالُ إنَّ فيها مقامات الأنبياء أو غيرهم، ولا إلى مشهد مبني على أثر نبي من الأنبياء.
وأيضًا فإن المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه بالمدينة النبوية دائمًا لم يكن أحد من السلف يستلمه ولا يُقبلُه، ولا الموضع الذي صلى فيه بمكة وغيرها، فإذا كان الموضع الذي كان يطؤه صلى الله عليه وسلم بقدميه الكريمتين، ويُصلي عليه لم يشرع لأمته التمسح به ولا تقبيله، فكيف بما يقال إن غيره صلى فيه أو نام عليه؟ فتقبيل شيء من ذلك والتمسح به قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا ليس من شريعته صلى الله عليه وسلم. انظر:"عقيدة التوحيد" ص 234 - 236.
(1)
رواه ابن ماجه (3509)، ومالك في "الموطأ" ص 583 رواية يحيى، وأحمد 3/ 486 - 487، والنسائي في "الكبرى" 4/ 381 (7617، 7619)، وابن حبان في "صحيحه" 13/ 469 (6105). وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه" (2828): صحيح.
45 - باب الغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي المِخْضَبِ وَالْقَدَحِ وَالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ
195 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرِ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ، وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةِ فِيهِ مَاءٌ، فَصَغُرَ الِمخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَتَوَضَّأَ القَوْمُ كُلُّهُمْ. قُلْنَا: كَمْ كُنْتمْ؟ قَالَ: ثَمَانِينَ وَزِيَادَةً. [انظر: 169 - مسلم: 2279 - فتح: 1/ 301]
196 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَن بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أبي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ. [انظر: 188 - مسلم: 2497 - فتح: 1/ 302]
197 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأقبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. [انظر: 185 - مسلم: 235 - فتح: 1/ 302]
198 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَّمَا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم واشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَاْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الأرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ: "هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ، لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ، لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ". وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لَحِفْصَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ. [664، 665، 679، 683، 687، 712، 713، 716، 2588، 3099، 3384، 4442، 4445، 5714، 7303 - مسلم: 418 - فتح: 1/ 302]
وذكر فيه أربعة أحاديث:
الأول: حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ بَكْرٍ، ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إلى أَهْلِهِ، وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَصَغُرَ المِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَتَوَضَّأَ القَوْمُ كُلُّهُمْ. قُلْنَا: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَمَانِيينَ وَزِيَادَةً.
الكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
هذا الحديث ذكره البخاري أيضًا في علامات النبوة عن ابن منير، عن يزيد بن هارون وهو في البخاري خاصة
(1)
.
ثانيها:
عبد الله (خ. ت. س) بن منير هذا هو الحافظ الزاهد
(2)
.
وعبد الله بن بكر هو السهمي الحافظ الثقة، مات سنة ثمان ومائتين
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (3575) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
(2)
عبد الله بن منير أبو عبد الرحمن المروزي، قال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال محمد بن يوسف الفربري: سمعت بعض أصحابنا يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل يقول: حدثنا عبد الله بن منير، ولم أر مثله. وقال ابن حجر: ثقة، وكان زاهدًا عابدًا.
انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 212 (683)، "الجرح والتعديل" 5/ 181 (842)، "تهذيب الكمال" 16/ 178 (9593)، "تقريب التهذيب" ص 325 (3641).
(3)
عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي الباهلي، أبو وهب البصري، سكن بغداد.
قال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل، وعثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين والعجلي: ثقة. قال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، وأبو حاتم: =
ثالثها:
المِخْضَب: -بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمة-: إجّانة تغسل فيها الثياب. ويقال له المِركنُ
(1)
. قَالَ القزاز: يكون عودًا ومن فخار.
وقال ابن بطال: ويكون من حجارة ومن صفر
(2)
. وقد سلف أنه من حجارة وأنه صغير، وسيأتي من حديث عائشة أنه أُجلس في مخضب
(3)
، وهو دال على كبره.
رابعها:
مراد البخاري رحمه الله بهذا الحديث وبما ساقه من الأحاديث أن الأواني كلها من جواهر الأرض ونباتها، طاهرة فإنه لا كراهة في استعمالها.
خامسها:
هذِه الصلاة قد جاء في البخاري فيما سيأتي من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عَنْ أَنَس قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحَانَتْ صَلَاةُ العَصْرِ، فَالْتمسَ الناس الوَضُوءُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ، وأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ
(4)
.
= صالح. انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 295، "التاريخ الكبير" 5/ 52 (114)، "الجرح والتعديل" 5/ 16 (72)، "تهذيب الكمال" 14/ 340 (3185).
(1)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 39.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 298.
(3)
سيأتي برقم (198)
(4)
سيأتي برقم (3573) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة.
سادسها:
قوله: (فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إلى أَهْلِهِ) جاء في البخاري فيما سيأتي من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس قَالَ: أتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء فتوضأ القوم، وكانوا زهاء ثلائمائة
(1)
.
ولمسلم: كان وأصحابه بالزوراء -والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فيما ثمة- دعا بقدح فيه ماء فوضع كفه فيه، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قَالَ: قُلْتُ لأنس: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قَالَ: كانوا زهاء الثلاثمائة
(2)
.
سابعها:
جاء هنا: (أتي: بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ) وجاء في الباب الآتي بعد هذا: (فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ)
(3)
.
وفيه في موضع آخر من رواية الحسن، عن أنس: فانطلق رجل من القوم، فجاء بقدح فيه ماء يسير، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ، ثم مد أصابعه الأربع عَلَى القدح ثم قَالَ:"توضئوا". فتوضأ القوم حتى بلغوا ما يريدون من الوضوء وكانوا سبعين أو نحوه
(4)
، والظاهر أنها كانت أحوالًا.
(1)
سيأتي برقم (3572) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة.
(2)
مسلم (2279/ 6) كتاب: الفضائل، باب: في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
سيأتي برقم (200).
(4)
سيأتي برقم (3574) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة.
ثامنها:
فيه علم من أعلام النبوة، وهو تكثير القليل، توضؤ الرجال من فضل بعضهم من بعض، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثره وتكثير الطعام معجزات وجدت في مواطن مختلفة وأحوال متقاربة بلغ مجموعها التواتر، وقد صح تكثير الماء من حديث ابن مسعود أيضًا وجابر وعمران
(1)
.
قَالَ الداودي: وفي الحديث مع بقية أحاديث الباب جواز التوضؤ بماء قد توضئ به.
الحديث الثاني:
قَالَ البخاري رحمه الله: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ.
هذا الحديث أخرجه البخاري هنا مختصرًا، وأخرجه في غزوة الطائف مطولًا
(2)
.
وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن العلاء، وعبد الله بن براد كلاهما عن أبي أسامة
(3)
.
وذكره البخاري معلقًا في باب: استعمال فضل وضوء الناس، وقد
(1)
حديث ابن مسعود سيأتي برقم (3579) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة، وحديث جابر سيأتي برقم (3576)، وحديث عمران سيأتي برقم (3571).
(2)
سيأتي برقم (4328) كتاب: المغازي، باب: غزوة الطائف.
(3)
مسلم (2497) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين.
سلف
(1)
، وفيه كما قَالَ الداودي في "شرحه": جواز الوضوء بماء قد مج فيه.
الحديث الثالث:
قَالَ البخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن زيدٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ.
هذا الحديث سلف الكلام عليه في باب: مسح الرأس كله
(2)
.
والتور -بالتاء المثناة فوق- وهو شبه الطست، فارسي معرب مذكر، وحكي تأنيثه.
وقال ابن قرقول: هو مثل قدح من الحجارة، والصُّفر -بضم الصاد وشذ كسرها-: النحاس، سمي بذلك لصفرته، يقال له: الشبه؛ لأنه يشبه الذهب. وقال القزاز: هو النحاس الجيد.
قَالَ ابن المنذر: روي عن علي بن أبى طالب أنه توضأ في طست، وعن أنس مثله.
وقال الحسن البصري: رأيت عثمان يصب عليه من أبريق -يعني: نحاسًا- وهو يتوضأ
(3)
.
وفي "الطهور" لأبي عبيد، عن ابن سيرين: كانت الخلفاء يتوضئون في الطست، قَالَ أبو عبيد: وعلى هذا أمر الناس في الرخصة والتوسعة
(1)
سبق برقم (188) كتاب: الوضوء.
(2)
سبق برقم (185) كتاب: الوضوء.
(3)
"الأوسط" 1/ 315 - 316.
في الوضوء في آنية النحاس وأشباهه من الجواهر، إلا شيئًا يروى عن ابن عمر من الكراهة
(1)
.
قُلْتُ: قد روى ابن أبي شيبة عن يحيى بن سليم، عن ابن جريج، قَالَ: قَالَ معاوية: نُهيت أن أتوضأ في النحاس
(2)
. وحكاه ابن بطال عنه
(3)
.
قَالَ ابن المنذر في "إشرافه": رخص كثير من أهل العلم في ذَلِكَ،
وبه قَالَ الثوري وابن المبارك والشافعي وأبو ثور. وما علمت أني رأيت أحدًا كره الوضوء في آنية الصُفر والنحاس والرصاص وشبهه، والأشياء على الإباحة وليس يحرم ما هو مباح بموقوف ابن عمر
(4)
. أي: حيث كره الوضوء في الصُفر وكان يتوضأ في حجر أو خشب أو أدم.
قَالَ ابن بطال: وقد وجدت عن ابن عمر أنه توضأ فيه، وهذِه الرواية أشبه بالصواب، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والحجة البالغة
(5)
.
قُلْتُ: وفي "مسند أحمد" بإسناد جيد عن زينب بنت جحش: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في مخضب من صفر
(6)
.
وفي "سنن أبي داود" بإسناد ضعيف عن عائشة: كنت أغتسل أنا
(1)
الطهور" ص 195 (128).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 42 (402).
(3)
"صحيح البخاري بشرح ابن بطال" 1/ 299.
(4)
رواه عبد الرزاق 1/ 58 - 59 (171 - 172، 176)، وابن أبي شيبة 1/ 42 (404).
(5)
"صحيح البخاري بشرح ابن بطال" 1/ 299.
(6)
"المسند" 6/ 324.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تور من شبه
(1)
.
وقال ابن جريج: ذكرت لعطاء كراهية ابن عمر للصُفر فقال: أنا أتوضأ بالنحاس، وما يكره منه شيء إلا رائحته فقط
(2)
.
وقال بعضهم: يحتمل كراهية ابن عمر له، لما كان جوهرًا مستخرجًا من معادن الأرض، شبهه بالذهب والفضة فكرهه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الفضة
(3)
، وقد روي عن جماعة من العلماء أنهم أجازوا الوضوء في آنية الفضة، وهم يكرهون الأكل والشرب فيها.
ولما نقل ابن قدامة، عن ابن عمر كراهة الوضوء في الصُفر والنحاس والرصاص وما أشبه ذَلِكَ، نقل كراهته عن اختيار الشيخ أبي الفرج المقدسي؛ معللًا بأن الماء يتغير فيها. قَالَ: وروي أن الملائكة تكره ريح النحاس
(4)
.
(1)
رواه أبو داود (98) من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد، أخبرني صاحب لي، عن هشام بن عروة، عن عائشة. قال الألباني في "صحيح أبي داود" 1/ 166 (88) وهذا سند ضعيف؛ لجهالة صاحب حماد، وللانقطاع بين هشام بن عروة وعائشة، فإنه لم يدركها. لكن وصله المصنف بعدُ من طريق إسحاق بن منصور، عن حماد بن سلمة، عن رجل عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي
…
وفيه الرجل الذي لم يسمه. أخرجه عن شيخه محمد بن العلاء -وهو أبو غريب- عنه. وقصر به الحسين بن محمد بن زياد، فرواه عن أبي كريب
…
به، إلا أنه أسقط الرجل بين حماد وهشام، فصار ظاهر إسناده الصحة.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 42 (398) بمعناه.
(3)
سيأتي برقم (5426) كتاب: الأطعمة، باب: الأكل في إناء مفضض، ورواه مسلم (2067) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة
…
(4)
"المغني" 1/ 105 - 106. وورد بهامش الأصل ما نصه: بخط المصنف
…
أصحاب أحمد
…
في صحة الوضوء منها.
الحديث الرابع:
قَالَ البخاري رحمه الله: حَدَّثنَا أَبُو اليَمَانِ، أنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالتْ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَأذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ عِبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَأخْبَرْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ. وَكَانَتْ عَائِشَةٌ رضي الله عنها تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ: "هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعٍ قِرَبٍ، لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ، لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ". وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَة - زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ.
الكلام عليه من وجوهٍ:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري في ممبعة مواضع: هنا، وفي الصلاة في موضعين في: حد المريض أن يشهد الجماعة، وفي: إنما جعل الإمام ليؤتم به مختصرًا، والهبة، والخمس، وآخر المغازي في باب: مرضه صلى الله عليه وسلم، والطب
(1)
. وأخرجه مسلم في الصلاة
(2)
.
(1)
سيأتي برقم (665) كتاب: الأذان، باب: حد المريض أن يشهد الجماعة، وبرقم (687) في الأذان، باب: إنما جعل الامام ليؤتم به، وبرقم (2588) في الهبة، باب: هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها، وبرقم (3099) كتاب فرض الخمس، باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وبرقم (4442) كتاب المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وبرقم (5714) كتاب: الطب، باب:22.
(2)
"صحيح مسلم"(418) كتاب: الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما.
ثانيها:
ثَقل -بفتح الثاء المثلثة ثم قاف- أي: اشتد مرضه. وقد قَالَ بعده: واشتدَّ وجعه.
ثالثها:
هذا الاستئذان كان بالتعريض لا بالتصريح؛ لأنه جاء أنه كان يقول: "أين أنا اليوم؟ أين أنا غدًا؟ " يعرض لهن بذلك، نبه عليه الداودى.
رابعها:
قد يَسْتدل به من يرى وجوب القسم عليه؛ لأجل الاستئذان، وفيه خلاف لأصحابنا
(1)
، ومن يقول باستحبابه يقول: فعل ذَلِكَ للأفضل، وقد حكي خلاف أيضًا في أن المريض إذا لم يقدر على الدوران على نسائه هل يكون تمريضه عند إحداهن راجع إلى اختياره أو حق لهن فيقرع بينهن؟
خامسها:
اختياره تمريضه في بيت عائشة دالُ على فَضْلِها.
سادسها:
معنى (تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الأَرْضِ): لا يستطيع رفعهما ووضعهما والاعتماد عليهما.
سابعها:
قوله: (بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ) قد سلف أن الآخر علي بن أبي
(1)
قال النووي في "روضة الطالبين" 7/ 10: وفي وجوب القسم بين زوجاته وجهان:
قال الاصطخري: لا، والأصح عند الشيخ أبي حامد والعراقيين والبغوي الوجوب.
طالب، وقد جاء في رواية: بين الفضل بن عباس
(1)
. وفي أخرى: بين رجلين أحدهما أسامة.
وطريق الجمع أنهم كانوا يتنابون الأخذ بيده الكريمة -شرفها الله- تارة هذا وتارة هذا، وكان العباس أكثرهم أخذًا ليده الكريمة، أو أدومهم لها إكرامًا له واختصاصًا به، وعليّ وأسامة والفضل يتناوبون اليد الأخرى، ولهذا صرحت بالعباس وأبهمت غيره، ويجوز أن يكون عدم تصريحها به لأنه كان بينهما شيء.
ثامنها:
قوله: ("هريقوا علي") كذا في الرواية: "هريقوا" وذكره ابن التين بلفظ: "أهريقوا" ثم قَالَ: صوابه: أريقوا أو هريقوا، على أن يبدل من الهمزة هاء، فأما الجمع بينهما ففيه بُعد، وإنما يجتمعان في الفعل المستقبل.
وقال الجوهري: هراق الماء يهريقه هراقة أي: صبه، وأصله: أراق يريق إراقة، وإنما قالوا: أنا أهريقه ولا يقولون: أنا أُأَريقه لاستثقالة الهمزتين، وقد زال ذَلِكَ بعد الإبدال، ثم حكى لغتين أخريين فيه: أهرق يهرق، وأهراق: يُهْريق
(2)
.
تاسعها:
إنما أمر -والله أعلم- بأن يُهراق عليه من سبع قرب على وجه التداوي، كما صب صلى الله عليه وسلم وضوءه على المغمى عليه، وكما أمر المَعِين
(1)
رواه مسلم (418/ 91) كتاب: الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما.
(2)
"الصحاح" 4/ 1569 - 1570، مادة:(هرق).
أن يغتسل به، وليس كما ظن من غلط وزعم أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل من إغمائه، نبه على ذَلِكَ المهلب، وعن الحسن أن الغسل واجب على المغمى عليه، وعن ابن حبيب: عليه إن طال ذَلِكَ به، والعلماء متفقون غير هؤلاء أن من أغمي عليه فلا غسل عليه إلا أن يجنب
(1)
.
عاشرها:
فيه: إجازة الرُقَى والتداوي للعليل، وإنما يكره ذَلِكَ لمن ليست به علة أن يتخذ التمائم ويستعمل الرقى، وعليه يحمل حديث "لا يسترقون"
(2)
قاله الداودي في "شرحه"، ومن كره التداوي فإنما كرهه خوف اعتقاد أنها نافعة بطبعها، كما يقوله الطبائعيون.
حادي عشرها.
قصده إلى سبع قرب تبركًا بهذا العدد؛ لأن الله تعالى خلق كثيرًا من مخلوقاته سبعًا، وقد أفرده بعض المتأخرين بالتأليف.
الثاني عشر:
قوله: ("لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ") تحتمل ثلاثة أشياء كما نبه عليه ابن الجوزي: التبرك عند ذكر الله عند شدّها وحلّها، وطهارة الماء إذا لم تمسه يد قبل حل الوكاء فيكون أطيب للنفس، وبرده إذ لم يسخن بحرارة الهواء.
الثالث عشر:
قوله: ("لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ") أي: لعله يَخِفُّ عني ما أجد،
(1)
انظر، "المجموع" 2/ 62، "الذخيرة" 1/ 233، "المغني" 1/ 279 - 280.
(2)
سيأتي برقم (5705) كتاب: الطب، باب: من اكتوى أو كوى غيره، وبرقم (5752) كتاب: الطب، باب: من لم يرق.
وأُخْبِرُ الناس بشيء يعملون عليه.
الرابع عشر:
قولها: (وَأجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ) جاء أنه من نحاس. رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة -أو عمرة-، عن عائشة
(1)
وفي هذِه الرواية: "لعلي أستريح فأعهد إلى الناس"
(2)
وهو مؤيد ما أسلفناه.
وقال الداودي: المخضب: شيء كانوا يستعلمونه من حجارة كالطست الكبير أو كالجفنة. وهو كما قَالَ، لكنه هنا من نحاس كما سلف فاستفده.
الخامس عشر:
قولها: (ثم طفقنا) أي: جعلنا. يقال: طفق إذا شرع في فعل الشيء، ومنه قوله تعالى:{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا} [الأعراف: 22].
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: حاشية: رأيته في "المصنف" في الطهارة لكن عن عمرة، عن عائشة بغير شك. انتهى.
[قلت: ووقع في المطبوع من "مصنف عبد الرزاق" 1/ 60 (179 كتاب الطهارة/ عن عروة عن عائشة، وليس عن عمرة عن عائشة، هذا أولًا.
ثانيًا: كأن سبط بن العجمي لم يقف على الرواية الأخرى في "مصنف عبد الرزاق" 5/ 430 من كتاب المغازي، فهي مراد المصنف، وفيها نَصّ الرواية].
(2)
الذي في المطبوع من "مصنف عبد الرزاق" 5/ 430: عن عروة عن غيره عن عائشة. كذا ولعله تحريف.
ورواه إسحاق بن راهويه (645)، وأحمد 6/ 151، وابن خزيمة 1/ 127 (258)، وابن حبان 14/ 561 (6596، 6600)، والبيهقي 1/ 31 كللهم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة أو عمرة عن عائشة به.
ورواه النسائي في "الكبرى"(7082)، وابن خزيمة 1/ 64 (123)، والحاكم 1/ 144 - 145 كلهم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة به.
السادس عشر:
فيه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يشتد به المرض ليعظم الله له الأجر، وفي الحديث الآخر:"إني أوعك كما يوعك رجلان منكم"
(1)
وسيأتي في موضعه.
وفيه: أن المريض تسكن نفسه لبعض أهله دون بعض.
وفيه: الاغتسال بالماء؛ لما جعل الله فيه من البركة وجعل منه حياة كل شيء.
وفيه: استعمال ما لم تمسه الأيدي؛ لأنه أعزم لبركته.
وفيه: استعمال السبع لما يرجى من خفة المرض.
وفيه: الأخذ بالإشارة. وقولها: (أن قد فعلتنّ)، يعني: أن قد أتيتنّ على ما أريد من ذَلِكَ.
(1)
سيأتي برقم (5648) كتاب: المرضى، باب: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول، وبرقم (5660) كتاب: المرضى، باب: وضع اليد على المريض.
46 - باب الوُضُوءِ مِنَ التَّوْرِ
199 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بن مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بن يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنَ الوُضُوءِ، قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ: أَخْبِرْنِي كَيْفَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاغْتَرَفَ بِهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الِمرْفَقَينِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً، فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَدْبَرَ بِهِ وَأَقْبَلَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ. [انظر: 185 - مسلم: 235 - فتح: 3/ 301]
200 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَن أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا بإنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ. قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الَماءِ يَنْبُعُ مِنْ بَينِ أَصَابِعِهِ. قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثُّمَانِينَ. [انظر: 169 - مسلم: 2279 - فتح: 1/ 304]
حَدُّثنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْييَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنَ الوُضُوءِ، قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ: أَخْبِرْنِي كَيْفَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأ؟ .. الحديث.
وقد سلف
(1)
في موضعه، وعمه هو عمرو بن أبي حسن. وفي هذا الحديث أنه تمضمض واستنثر ثلاث مرات من غرفة واحدة.
وقوله: (فأدبر بيديه وأقبل)، احتج به الحسن بن حي على البداءة بمؤخر الرأس
(2)
، وعنها أجوبة:
أحدها: أن الواو لا تدل على الترتيب.
(1)
سبق برقم (185) كتاب: الوضوء، باب: مسح الرأس كله.
(2)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 136.
ثانيها: أن الإقبال من جهة الشعر من جهة القفا والإدبار إليه.
ثالثها: أن المراد إقبال الفعل لا غير، وقد أوضحت ذَلِكَ مع زيادة عليه في "شرح العمدة"
(1)
.
ثم قَالَ البخاري رحمه الله: حَدَّثنَا مُسَدَّد، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيءٌ مِنْ مَاءٍ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ. قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى المَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَينَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(2)
والرَّحْرَاح -بفتح الراء وإسكان الحاء المهملة-: القصير الجدار القريب القعر. وفي رواية: بقدح واسمع الفم، وقال ابن قتيبة: يقال: إناء رحراح ورحرح إذا كان واسعًا
(3)
. قَالَ الحربي: ومنه الرحرح في حافر الفرس وهو أن يتسع حافره ويقل عمقه
(4)
. قَالَ الأصمعي: ويكره في الخيل.
وقوله: (شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ) يعني: شيئًا قليلًا. و (ينبع) باؤه مثلثة.
(1)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 380 - 384.
(2)
"صحيح مسلم"(2279) كتاب: الفضائل، باب: معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 381.
(4)
ورد بهامش الأصل: الرحح محركة سعة في الحافر، وهو محمود، كذا قال في "القاموس" وتبعه غيره. وفي "الجمهرة": الرحح: اتساع الحافر وهو عيب.
[انظر: "القاموس المحيط" ص 219، "الجمهرة" 2/ 1004].
47 - باب الوُضُوءِ بِالمُدِّ
201 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ -أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ- بِالصَّاعِ إِلَى خَسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضأ بِالُمْدِّ. [مسلم: 325 - فتح: 1/ 304]
حَدَّثنَا أَبُو نُعَيْم ثنا مِسْعَرٌ، حَدَّثنِي ابن جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ -أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ- بِالصَّاعِ إلى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، ويتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ.
الكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا، وأبو داود، والنسائي
(1)
.
ثانيها:
مسعر هو ابن كدام الكوفي. مات بعد الخمسين ومائة
(2)
، وليس في الصحيحين سواه.
(1)
مسلم (325/ 51) كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء من غسل الجنابة، وأبو داود (95)، والنسائي 1/ 179.
(2)
هو مسعر بن كدام بن ظهير بن عبيدة بن الحارث، الإمام الثبت، شيخ العراق، أبو سلمة الهلالي الكوفي، الأحول، الحافظ.
قال يحيى بن سعيد: ما رأيت أحدًا أثبت من مِسْعَر.
وقال أحمد بن حنبل: الثقة كشعبة ومسعر.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: شك مسعر كيقين رجل.
ووثقة يحيى بن معين وأبو زرعة، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة.
وانظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 6/ 364، "الجرح والتعديل" 8/ 368 (1685)، "تهذيب الكمال " 27/ 461 (5906).
وفي أبي داود مسعر بن حبيب الجرمي الثقة
(1)
.
وابن جبر هو عبد الله بن عبد الله بن جبر. وقيل: جابر بن عتيك الأنصاري
(2)
، وقال البخاري في "تاريخه": لا يصح جبر، إنما هو جابر
(3)
، كذا قَالَ، وقد سلف في إسناده جبر. وقال ابن منجويه: أهل المدينة يقولون: جابر، والعراقيون يقولون: جبر، ولا يصح جبر إنما هو جابر
(4)
.
قَالَ أبو داود: ورواه سفيان عن عبد الله بن عيسى، حَدَّثَني جبر بن عبد الله، فقلبه
(5)
.
ثالثها:
عند أبي داود من طريق عبد الله بن عيسى، عن عبد الله بن جبر، عن
(1)
مسعر بن حبيب الجرمي، أبو الحارث البصري، قال إسحاق بن منصور، وإبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن يحيى بن معين: ثقة. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات".
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 13 (1970)، "الجرح والتعديل" 8/ 368 (1684)، "الثقات" 5/ 451، "تهذيب الكمال" 27/ 460 (5905).
(2)
هو عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك وقيل: جبر الأنصاري المدني من بني معاوية وقيل: إنهما اثنان.
قال إسحاق بن منصور وعباس الدوري عن يحيى بن معين: ثقة، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات".
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 126 (374)، "ثقات ابن حبان" 5/ 29، "تهذيب الكمال" 15/ 171 (3362)، "تهذيب التهذيب" 2/ 367.
(3)
عزاه ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 2/ 367 إلى ابن منجويه وقال: نقله من كلام البخاري في "تاريخه".
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 126.
(4)
انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 172.
(5)
"سنن أبي داود" عقب الرواية (95).
أنس: كان يتوضأ بإناء يسع رطلين ويغتسل بالصاع. وعند مسلم: يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمس مكالي. وفي لفظ: مكاكيك
(1)
.
وللبخاري من حديث عائشة نحو من صاع
(2)
. وفي لفظ: من قدح يقال له: الفَرَق
(3)
. أي: بفتح الراء، وهو أفصح من سكونها. وقيل: بالفتح ثلاثة آصع أو نحوها، وبالسكون مائة وعشرون رطلًا
(4)
.
رابعها:
الصاع: مكيال يسع أربعة أمداد، يذكر ويؤنث. المد: رطل وثلث.
وعند أهل العراق رطلان
(5)
. وفيه حديث عن أنس
(6)
، وقال به بعض أصحابنا في مُدِّ الوضوء دون مُدِّ الزكاة.
فائدة:
يطلق الصاع أيضًا على المطمئن من الأرض، وعلى وجه الأرض
(7)
.
(1)
مكاكيك، جمع مكوك وهو مكيال لأهل العراق. انظر:"تهذيب اللغة" 4/ 3435.
وروايتا مسلم وأبي داود سبق تخريجهما في أول الكلام على الحديث.
(2)
سيأتي برقم (251) كتاب: الغسل، باب: غسل الرجل مع امرأته.
(3)
سيأتي برقم (250) كتاب: الغسل، باب: الغسل بالصاع ونحوه.
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 437.
(5)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 60.
(6)
رواه الترمذي (609)، وأحمد 3/ 179 عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يجزئ في الوضوء رطلان من ماء.
ورواه أبو داود (95) من فعله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بإناء يسع رطلين ويغتسل بالصاع.
قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك على هذا اللفظ.
وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود"(14).
(7)
انظر: "الصحاح" 3/ 1247، "التهذيب" 2/ 1961.
خامسها:
قوله: (يَغْسِلُ- أَوْ يَغْتَسِلُ). الظاهر أن هذا الشك من البخاري؛ لأن الطرق إلى ابن جبر ليس فيها ذَلِكَ.
وقد رواه مسلم عن قُتيبة، عن وكيع، عن مسعر
(1)
. وعن أبي نعيم عبد الله بن محمد الطحان وغيره، ويجوز أن يكون رواه أبو نعيم للبخاري على الشك ولغيره بدونه.
سادسها:
الإجماع قائم على أن ماء الوضوء والغسل غير مقدر، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا أسبغ وعَمَّ. قَالَ الشافعي: وقد يرفق الفقيه بالقليل فيكفي، ويخرق الأخرق بالكثير فلا يكفي
(2)
. واستحب العلماء أن لا ينقص في الغسل والوضوء عما ذكر في الحديث. وأبعد بعض المالكية فقال: لا يجزئ أقل من ذَلِكَ، حكي عن ابن شعبان
(3)
القرطي
(4)
. وعن محمد بن الحسن أن المغتسل لا يمكن أن يعم
(1)
"صحيح مسلم"(325/ 51) كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.
(2)
"الأم" 1/ 27.
(3)
هو محمد بن القاسم بن شعبان بن محمد بن ربيعة العمّاري المصري، من ولد عمار بن ياسر، ويعرف بابن القرطي نسبة إلى بيع القرط، روى عنه خلف بن القاسم بن سهلون، وعبد الرحمن بن يحيى العطار، وآخرون. قال القاضي عياض: كان ابن شعبان رأس المالكية بمصر وأحفظهم للمذهب مع التفنن لكن لم يكن له بصر بالنحو. له التصانيف البديعة منها كتاب "الزاهي" في الفقه وكتاب "أحكام القرآن". مات في جمادى الأولى سنة خمسٍ وخمسين وثلاثمائة. انظر: "اللباب" 3/ 26، "سير أعلام النبلاء" 16/ 78 - 79.
(4)
انظر: "مواهب الجليل" 1/ 370.
جسده بأقل من مد.
وتصرف الشيخ عز الدين بن عبد السلام
(1)
فجعل للمتوضئ والمغتسل ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون معتدل الخلق كاعتدال خلقه صلى الله عليه وسلم يقتدي به في اجتناب التنقص عن المد والصاع.
الثانية: أن يكون ضئيلًا ونحيف الخلق بحيث يعادل جسده جسده صلى الله عليه وسلم فيستحب له أن يستعمل من الماء ما يكون نسبته إلى جسده كنسبة المد والصاع إلى جسده صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: أن يكون متفاحمش الخلق طولًا وعرضًا وعظم البطن ونحافة الأعضاء فيستحب أن لا ينقص عن مقدار يكون بالنسبة إلى بدنه كنسبة المد والصاع إلى بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والإباضية
(2)
زعموا أن قليل الماء لا يجزئ. والشريعة المطهرة
(1)
سبقت ترجمته في مقدمة الكتاب.
(2)
الإباضية فرقة من فرق الخوارج، فهم ينتسبون في مذهبهم -حسبما تذكر مصادرهم- إلى جابر بن زيد الأزدي الذي يقدمونه على كل أحد ويروون عنه مذهبهم، وهو من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنه، وقد نُسِبوا إلى عبد الله بن إباض لشهرة مواقفه مع الحكام، وهي تنقسم إلى فرق، منها ما يعترف به سائر الإباضية ومنها ما ينكرونها ويشنعون على من ينسبها إليهم، ومن تلك الفرق:
1 -
الحفصية: أتباع حفص بن أبي المقدام.
2 -
اليزيدية: أتباع يزيد بن أنيسه.
3 -
الحارثية: أتباع حارث بن يزيد الإباضي.
4 -
أصحاب طاعة لا يراد بها الله.
موقف الإباضية من الصحابة: من الأمور المتفق عليها عندهم الترضي التام والولاء والاحترام لأبي بكر وعمر رضوان الله عليهما، أما بالنسبة لعثمان بن عفان =
حجة على من خالف
(1)
.
= وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقد هلكوا فيهما وذموهما مما برأهما الله.
عقائد الإباضية: لا يسعنا هنا ذكر جميع مبادئ فرقة الإباضية العقدية والفقهية، والذي نود الإشارة إليه هنا أن للإباضية أفكارًا وافقوا فيها أهل الحق، وعقائد أخرى جانبوا فيها الصواب فعلى سبيل المثال:
1 -
ما يتعلق بصفات الله تعالى فإن مذهب الإباضية فيها أنهما انقسموا إلى فريقين: فريق نفي الصفات نفيًا باتًا، خوفًا من التشبيه بزعمهم، وفريق منهم يرجعون الصفات إلى الذات.
2 -
ذهبت الإباضية في باب رؤية الله تعالى إلى إنكار وقوعها.
3 -
أنكر الإباضية الميزان والصراط.
4 -
وافق -معظم الإباضية- السلف في حقيقة الإيمان من أنه قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان.
(1)
جاء بالهامش: آخر الجزء السابع من الجزء الثاني من تجزئة المصنف.
48 - باب المَسْحِ عَلَى الخُفَّيِنْ
202 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ الِمصْرِيُّ، عَنِ ابن وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرٌو، حَدَّثَنِي أَبُو النُّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْدٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ سَعْدًا، فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللهِ نَحْوَهُ. [فتح: 1/ 305]
203 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الَحرَّانُّى قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الُمغِيرَةِ، عن أَبِيهِ الُمغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَرَجَ لَحِاجَتِهِ، فَاتَّبَعَهُ الُمغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءً، فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الُخفَّيْنِ. [انظر: 182 - مسلم: 274 - فتح:1/ 306]
204 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرٍ ابْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ. وَتَابَعَهُ حَرْبُ بْنُ شَدَّادِ، وَأَبَانُ، عَنْ يَحْيَى. [205 - فتح: 1/ 308]
205 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِي، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ. وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عن يَحْيَى، عَنْ أبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 204 - فتح: 1/ 308]
حَدثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الفَرَجِ المِصْرِيُّ، عَنِ ابن وَهْبٍ، حَدثَنِي عَمْرٌو، حَدَثَنِي أَبُو النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ، وَأَنَّ ابن عُمَرَ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْدٌ
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ سَعْدًا، فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الله نَحْوَهُ.
حَدَثنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الحَرَّانِيُّ، ثنا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْييَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ المُغِيرَةِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَاتَّبَعَهُ المُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ، فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَتَوَضَّأ وَمَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ.
حَدَّثنَا أَبُو نُعَيْم، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مسح عَلَى الخُفَّيْنِ.
وَتَابَعَهُ حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، وَأَبَانُ، عَنْ يَحْييَ.
وحَدَّثنَا عَبْدَانُ ثنا عَبْدُ اللهِ أنا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ. وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرٍو: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
الكلام على هذِه القطعة من أوجهٍ:
أحدها:
أما حديث سعد فجعله أصحاب الأطراف من مسند سعد، ويحتمل أن يكون من مسند عمر أيضًا؛ قد قَالَ الدارقطني: رواه أبو أيوب الأفريقي، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر عن عمر وسعد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وطرقه الدارقطني ثم قَالَ: والصواب قول عمرو بن الحارث، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر،
عن سعد
(1)
. وحديث سعد من أفراد البخاري. ولم يخرج مسلم في المسح شيئًا إلا لعمر بن الخطاب.
وقول موسى: أخبرني أبو النضر. ذكره البخاري لفائدة تصريح إخبار أبي سلمة لأبي النضر.
وقد أخرجه النسائي عن سليمان بن داود وغيره عن ابن وهب. وعن قتيبة، عن إسماعيل بن جعفر، عن موسى
(2)
. ورواه أبو نعيم من حديث وهيب بن خالد، عن موسى. ورواه الإسماعيلي في "صحيحه" عن أبي يعلى ثنا إبراهيم بن الحجاج، ثنا وهيب، عن موسى، عن عروة بن الزبير أن سعدًا وابن عمر اختلفا في المسح على الخفين فلما اجتمعا عند عمر قَالَ سعد لابن عمر: سل أباك عما أنكرت علي. فسأله، فقال عمر: نعم وإن ذهبت إلى الغائط. وأخبرني سالم أبو النضر، عن أبي سلمة بنحو من هذا عن سعد وابن عمر وعمر.
قَالَ الإسماعيلي: ورواية عروة وأبي سلمة، عن سعد وابن عمر في حياة عمر مرسلة.
وقال الترمذي في "علله" عن البخاري: حديث أبي سلمة، عن ابن عمر في المسح صحيح. قَالَ: وسألت البخاري عن حديث ابن عمر في المسح مرفوعًا؟ فلم يعرفه
(3)
.
وقال الميموني: سألت أحمد عنه فقال: ليس بصحيح، ابن عمر ينكر على سعد المسح؟!
(1)
"علل الدارقطني" 4/ 307 - 309 (582).
(2)
"المجتبى" 1/ 82.
(3)
"علل الترمذي" 1/ 170 - 171.
قُلْتُ: إنما أنكر عليه مسحه في الحضر كما هو مبين في بعض الروايات. وأما السفر فقد كان ابن عمر يعلمه ويرويه مرفوعًا، كما رواه ابن أبي شيبة وغيره
(1)
.
وأما حديث المغيرة فأخرجه مسلم أيضًا
(2)
. وذكر الدارقطني في "تتبعه" أن الصواب قول من قَالَ: حمزة بن المغيرة لا عروة بن المغيرة
(3)
، وفي "الموطأ": عباد بن زياد من ولد المغيرة
(4)
عن المغيرة، وعُد من أفراده، لكن تابعه عمرو بن الحارث ويونس بن يزيد فروياه عن الزهري كذلك.
قَالَ البزار: حديث المغيرة هذا يروى عنه من ستين طريقًا.
وأما حديث عمرو بن أمية فهو من أفراد البخاري عن مسلم. ومتابعة حرب رواها النسائي من حديث عباس العنبري، عن عبد الرحمن، عن حرب
(5)
. ومتابعة أبان أخرجها الطبراني في "أكبر معاجمه" من حديث موسى بن إسماعيل عنه
(6)
.
(1)
ابن أبي شيبة 1/ 163 (1873) عن ابن عمر عن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين بالماء في السفر.
(2)
مسلم (274) كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين.
(3)
"الإلزامات والتتبع" ص 215 (82).
(4)
"الموطأ" ص 48 برواية يحيى.
ووقع في المطبوع منه:
من ولد المغيرة بن شعبة عن أبيه عن المغيرة بن شعبة، وهو خطأ، وقد جاء على الصواب في رواية أبي مصعب 1/ 39 (48)، وفي كتاب "الإيماء إلى أطراف أحاديث الموطأ" 2/ 242 لأحمد بن طاهر الداني (532 هـ).
(5)
"سنن النسائي" 1/ 81.
(6)
لم أقف عليها في المطبوع من "المعجم الكبير"، وهو عند أحمد 4/ 179.
وذكر ابن أبي خيثمة، عن ابن معين أنه قَالَ: حديث عمرو بن أمية مرسل.
وقال ابن حزم: ليس كذلك؛ لأن أبا سلمة سمعه من عمرو سماعًا وسمعه من جعفر ابنه عنه
(1)
.
وقال الأصيلي: ذكر العمامة فيه خطأ، أخطأ فيه الأوزاعي؛ لأن شيبان رواه عن يحيى ولم يذكرها وتابعه حرب وأبان فهؤلاء ثلاثة خالفوه، فوجب تغليب الجماعة على الواحد.
وأما متابعة عمرو له فمرسلة وليس فيها ذكر العمامة ورواه عبد الرزاق عن معمر بدونها
(2)
.
الوجه الثاني:
مسح الخفين ثابت بالنصوص الصريحة الصحيحة وقد رواه الجم الغفير من الصحابة، وقد ذكرت في تخريجي لأحاديث الرافعي عدة من رواه من الصحابة فوصلتهم إلى ثمانين صحابيًّا، وهو من المهمات فسارع إليه، منهم العشرة المشهود لهم بالجنة رضوان الله عليهم
(3)
، ولا ينكره إلا مبتدع، والذي استقر عليه مذهب مالك جوازه، وإن حكي عنه روايات في ذَلِكَ
(4)
.
(1)
"المحلى" 2/ 59.
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 1/ 191 (746).
(3)
"البدر المنير" 3/ 5 - 54.
(4)
انظر: "عارضة الأحوذي" 1/ 140 - 141، "الذخيرة" 1/ 321 - 322، وقد ذكرها العمراني صاحب كتاب "البيان" 1/ 147 فقال: ورُوِيَ عَنْ مالكٍ في ذلكَ رواياتٌ:
إحداهُنَّ: يجوزُ المسحُ عليه مؤقَّتًا، كقولِ الشافعىِّ الجديدِ.
الثانيةُ: أنَّهُ أجازَ المسحَ عليهِ أبدًا، كقول الشافعيِّ القديمِ. =
وحديث المغيرة كان في غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة، وآية المائدة نزلت قبل ذَلِكَ، وقد كان يعجبهم حديث جرير في المسح
(1)
؛ لأن إسلامه كان بعد نزولها، وقراءة الخفض في قوله تعالى:{وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] إما أن تحمل على أنه أراد إذا كانتا في الخف، أو أنه من باب عطف الجوار، وما روي عن بعض الصحابة خلاف ذَلِكَ فلم يصح، وقد روي عنه أيضًا موافقة الجماعة.
ثم غسل الرجلين عندنا أفضل من المسح على الخفين، بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة، ولا شكَّا في جوازه، وهو قول عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة، وبه قَالَ أبو حنيفة
(2)
، وعن أحمد روايتان:
إحداهما: أنهما سواء، وبها قَالَ ابن المنذر
(3)
. والثانية: أن المسح أفضل منه
(4)
.
الوجه الثالث:
حديث المغيرة سلف في باب الرجل يوضئ صاحبه
(5)
.
= الثالثةُ: أنَّه يَمسحُ عليه في الحَضَرِ دونَ السفرِ.
الرابعةُ: أنَّه يَمسحُ عليه في السفَرِ دونَ الحَضَرِ، وهيَ الصحيحةُ عنهُ.
والخامسةُ: أنَّهُ كَرِهَ المسحَ على الخُفينِ.
السادسةُ: روايةٌ رواها ابن أبي ذئبٍ عنهُ: أنَّهُ أبطلَ المسحَ في آخِرِ أيَّامِهِ، كقولِ الشيعَةِ.
(1)
سيأتي برقم (387) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في الخفاف.
(2)
انظر: "البناية" 148/ 1، "المجموع" 1/ 502 - 503.
(3)
"الأوسط" 1/ 439 - 440.
(4)
انظر: "المغني" 1/ 360 - 361.
(5)
سبق برقم (182) كتاب: الوضوء.
والإداوة -بكسر الهمزة- المطهرة، والجمع الأداوى.
الوجه الرابع:
اختلف العلماء في المسح على العمامة
(1)
عن الرأس على قولين، وقال بكل منهما جماعة من الصحابة.
وممن كان يراه أحمد وأبو ثور
(2)
، وممن كان لا يراه مالك
(3)
وأبو حنيفة
(4)
والشافعي
(5)
؛ لأنها لا تسمى رأسًا، واشترط أحمد وضعها على طهارة، وأن يكون محنكًا بها، فإن لم يكن محنكًا بها وكان لها ذؤابة فوجهان لأصحاب أحمد
(6)
وفي مسح المرأة على مقنعتها روايتان عندهم
(7)
وعند الشافعية أنه إذا مسح الواجب كمل عَلَى العمامة لرواية المغيرة في "صحيح مسلم": توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بناصيته وعلى عمامته
(8)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه:
قال ابن حزم: سِتٍّ من الصحابة رووا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد لا معارض لها، ولا مطعن فيها -يعني: الاقتصار- على العمامة: المغيرة، وبلال، وعمرو بن أمية، وسلمان، وكعب بن عجرة، وأبو ذر، وبهذا يقول جمهور الصحابة والتابعين، وقد قال الشافعي: إن صح الخبر فبه أقول، وقد صح فهو قوله. انتهى.
انظر: "المحلى" 2/ 60 - 61.
(2)
انظر "الأوسط" لابن المنذر 1/ 468، "المغني" 1/ 379.
(3)
"الموطأ" ص 47.
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 145.
(5)
"الأم" 1/ 26، "الأوسط" 1/ 470.
(6)
"المغني" 1/ 381.
(7)
انظر: "المغني" 1/ 384.
(8)
"صحيح مسلم"(274/ 83) كتاب: الطهارة، باب: المسح على الناصية والعمامة. وانظر: "المهذب" 1/ 79.
49 - باب إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ
206 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الُمغِيرَة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْت لأنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ:"دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ". فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. [انظر: 182 - مسلم: 274 - فتح: 1/ 309]
حَدَّثنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزعَ خُفيْهِ، فَقَالَ:"دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ". فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث رواه عن عروة نافع بن جبير كما سلف في الباب قبله، وابن عون وعامر الشعبي
(1)
، واشتهر عن عامر فرواه عنه زكريا بن أبي زائدة وغيره. وعنه أبو نعيم الفضل بن دكين وغيره. وأخرجه أبو داود عن مسدد، عن عيسى بن يونس، عن أبيه، عن الشعبي وابن عون
(2)
.
ثانيها:
هذِه السفرة هي غزوة تبوك كما ورد مبينًا في رواية أخرى في الصحيح، وكانت في رجب سنة تسع
(3)
.
(1)
ظاهر صنيع المصنف يوهم أن ابن عون وعامر الشعبي قد روياه عن نافع بن جبير، وليس كذلك بالنسبة لابن عون، بل قد رواه ابن عون عن عامر الشعبي كما عند النسائي 1/ 63، وأحمد 4/ 251.
(2)
أبو داود (151) وليس فيه ذكر ابن عون، ورواه النسائي 1/ 63، وأحمد 4/ 251 من طريق ابن عون، عن الشعبي به.
(3)
سيأتي برقم (4421) كتاب: المغازي، باب: نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر. =
ثالثها:
لأنزع هو بكسر الزاي.
والضمير في قوله: "دعهما" للخفين، وفي "أدخلتهما" للرِّجْلين فالضميران مختلفان.
ومعنى "طاهرتين" أي: تطهير الوضوء؛ إذ ذاك من شرط صحة المسح عليهما كما ستعلمه.
وقوله: (فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا). فيه إضمار، تقديره: فأحدث فمسح عليهما؛ لأن وقت جواز المسح بعد الحدث ولا يجوز قبله؛ لأنه على طهارة الغسل.
رابعها: في أحكامه:
الأول: جواز المسح على الخفين، وقد سلف في الباب قبله.
الثاني: اشتراط الطهارة في اللبس وبه قَالَ الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق
(1)
، وخالف فيه أبو حنيفة وأبو ثور والمزني، وأبعد داود فقال بالجواز إذا كانتا طاهرتين، وإن لم يستبح الصلاة
(2)
. والمسألة مبسوطة في شرحي للعمدة فلتراجع منه
(3)
.
واستدل بعضهم بقوله: فمسح عليهما على أن المشروع هو مسح
= ورواه مسلم برقم (274) كتاب: الصلاة، باب: تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ..
(1)
انظر: "البيان" 1/ 160، "الذخيرة" 1/ 324، "المغني" 1/ 361، "الإقناع" 1/ 52، "التمهيد" 11/ 157.
(2)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 21، "منية المصلي" 83، وهو رواية عن أحمد رواها أبو طالب عنه، انظر:"المغني" 1/ 362، "التمهيد"، 11/ 158.
(3)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 618.
الأعلى؛ لأن لفظ على ظاهر في ذَلِكَ.
وفيه: تعليم السبب المبيح للمسح على الخف.
وفيه -كما قَالَ المهلب-: المسح في السفر من غير توقيت، وهو مذهب الليث في حقه وحق المقيم، وروي عن جماعة من الصحابة، وحكي عن مالك أيضًا، وقال الكوفيون والشافعي وأحمد: يمسح المقيم يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وهو مشهور مذهب مالك، وعنه رواية أنه مؤقت للحاضر دون المسافر، والثابت في السنة التوقيت، وما قابله فمستضعف، وما حكي عن عبد الرحمن بن مهدي من قوله: حديثان لا أصل لهما التوقيت في المسح، والتسليمتان، عجيب
(1)
.
وفيه أيضا: خدمة العالم وأن للخادم أن يقصد إلى ما يعرف من خدمته. دون أن يؤمر بها.
وفيه أيضًا: الفهم بالإشارة ورد الجواب عنها؛ لأن المغيرة لما أهوى للنزع فهم منه صلى الله عليه وسلم ما أراد فأفتاه بإجزاء المسح.
(1)
"بدائع الصنائع" 1/ 8، "المجموع" 1/ 508 - 510، "المغني" 1/ 365.
50 - باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيقِ
وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهم لَحْمًا، فَلَمْ يَتَوَضَّئُوا.
207 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [5404، 5405 - مسلم: 354 - فتح:1/ 310].
208 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بكيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ أَبَاة أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِن كَتِفِ شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَألْقَى السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [675، 2923، 5408، 5422، 5462 - مسلم: 355 - فتح: 1/ 311]
يجوز في من لم يتوضأ روايتان إثبات الهمزة وسكونها علامة الجزم وهو الأشهر في اللغة، وحذف الألف علامة الجزم مثل لم يخش.
قَالَ البخاري: وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهم لَحْمًا، فَلَمْ يَتَوَضَّئُوا.
وهذا أسنده ابن أبي شيبة
(1)
والترمذي
(2)
وابن حبان
(3)
وشيخه ابن خزيمة
(4)
.
وأسنده قبلهم مالك في "موطئه"
(5)
.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أنا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ ابْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ
(1)
"المصنف" 1/ 51 (521).
(2)
"سنن الترمذي"(80).
(3)
"صحيح ابن حبان" 3/ 415 (1130).
(4)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 28 (43).
(5)
"الموطأ" ص (42).
صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأُ.
حَدَّثنَا يَحْيَي بْنُ بُكَيْرٍ، ثنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأى رَسُوَل اللهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَلْقَى السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأُ
(1)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في الخامس بعد الأربعين كتبه مؤلفه غفر الله له. انتهى.
[قلت: كلام المصنف على هذين الحديثين سيأتي في الباب التالي].
51 - باب مَنْ مَضمَضَ مِنَ السَّوِيقِ وَلَم يَتَوَضَّأْ
209 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ -مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ- أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أنَة خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ -وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ- فَصَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الَمغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلم يَتَوَضَّأْ. [215، 2981، 4175، 4195، 5384، 5390، 5454، 5455 - فتح: 1/ 312]
210 -
وَحَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرْو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا، ثُمَّ صَلًّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [مسلم: 356 - فتح:1/ 312]
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أنا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ ابْنِ يَسَارٍ -مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ- أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ -وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ- فَصَلَّي العَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى المَغْربِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، أنا ابن وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
الكلام عليهما من أوجه:
أحدها:
حديث
(1)
ابن عباس السالف أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، وفي مسند إسماعيل القاضي أن ذَلِكَ كان في بنت ضباعة بنت الحارث. وقال يزيد بن هارون: بنت الزبير.
وحديث عمرو بن أمية أخرجه هنا، وفي الصلاة في باب: إذا دُعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل
(3)
. وفي الجهاد في باب: ما يذكر في السكين
(4)
. وفي الأطعمة أيضًا
(5)
. وأخرجه مسلم أيضًا
(6)
.
وحديث سويد
(7)
سيأتي قريبًا أيضًا
(8)
، وأخرجه في المغازي في موضعين
(9)
، وفي الأطعمة في ثلاثة مواضع
(10)
، وهو من أفراد البخاري، بل لم يخرج مسلم عن سويد هذا في "صحيحه" شيئًا.
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: من خط الشيخ أخرجه ابن ماجه هنا والترمذي في الأطعمة، والنسائي في الوليمة.
(2)
مسلم (354) كتاب: الحيض، باب: نسخ الوضوء مما مست النار.
(3)
سيأتي برقم (675) كتاب: الأذان.
(4)
سيأتي برقم (2923).
(5)
برقم (5408) كتاب: الأطعمة، باب: قطع اللحم بالسكين، وبرقم (5422) كتاب: الأطعمة، باب: شاة مسموطة والكتف والجنب، وبرقم (5462) كتاب: الأطعمة، باب: إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه.
(6)
مسلم (355) كتاب: الحيض، باب: نسخ الوضوء مما مست النار.
(7)
في هامش الأصل: من خط الشيخ أخرجه أيضًا ابن ماجه والنسائي.
(8)
سيأتي برقم (215) باب: الوضوء من غير حدث.
(9)
سيأتي برقم (4175) باب: غزوة الحديبية، وبرقم (4195) كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر.
(10)
سيأتي برقم (5384) باب: ليس على الأعمى حرج، وبرقم (5390) كتاب: الأطعمة، باب: السويق وبرقم (5454، 5455) باب: المضمضمة بعد الطعام.
وحديث ميمونة أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، ولم يذكر السويق فيه، فليس مطابقًا لما ترجم له، ولم يذكر السويق أيضًا في أحاديث الباب الأول مع أنه ترجم له، وكأنه أراد أن يستنبطه منه، ولو جمعهما في باب واحد كان أولى، وقد وجد كذلك في بعض النسخ.
ثانيها: عُقيل بضم أوله -وبُشير بن يسار بضم الباء الموحدة، وهو تابعي
(2)
، وليس في الكتب الستة بُشير بن يسار غيره، وسويد هذا صحابي أوسي ممن بايع تحت الشجرة، وليس في الصحابة سويد بن النعمان سواه
(3)
.
ثالثها: (يحتز) أي: يقطع. و (السكين): تذكر وتؤنث، سميت بذلك؛ لتسكينها حركة المذبوح.
و (خيبر) كانت في جمادى الأولى سنة سبع، قاله ابن سعد
(4)
.
وقال ابن إسحاق: خرج صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم
(5)
، ولم يبق من السنة السادسة إلا شهر وأيام. وسميت باسم رجل من العماليق نزلها واسمه
(1)
مسلم (356) كتاب: الحيض، باب: الوضوء مما مست النار.
(2)
بُشَير بن يسار الحارثي الأنصاري، مولاهم المدني، وكنيته أبو كيسان، قال عباس الدوري عن يحيى بن معين: ثقة. وقال محمد بن سعد: كان شيخًا كبيرًا فقيهًا وكان قد أدرك عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قليل الحديث، وقال النسائي: ثقة.
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 5/ 303، "الجرح والتعديل" 2/ 394 (1540)، "تهذيب الكمال" 4/ 187 (734).
(3)
سويد بن النعمان بن مالك، الأنصاري الأوسي الحارثي، شهد أحدًا وما بعدها من المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 2/ 239 (1129)، "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 3/ 1393 (1294)، "أسد الغابة" 2/ 494 (2360).
(4)
"طبقات ابن سعد" 2/ 106.
(5)
انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 378، "البداية والنهاية" 4/ 570.
خيبر بن قابية بن مهلابيل وبينها وبين المدينة ثمانية بُرد
(1)
.
قَالَ أبو عبيد
(2)
: وكان عثمان مصَّرها
(3)
. واختلفوا -كما قَالَ القاضي عياض- هل فتحت صلحًا أو عَنْوة؟ أو جلا أهلها عنها بغير قتال؟ أو بعضها صلحًا وبعضها عنوة وبعضها جلا أهلها عنها بغير قتال؟
(4)
وعلى كل ذَلِكَ تدل الأحاديث الواردة.
والصهباء
(5)
: موضع على روحة من خيبر، كما ذكره البخاري في موضع آخر
(6)
، وفي رواية له:(وهي أدنى خيبر). وقال البكري: على بريد، على لفظ تأنيث أصهب
(7)
.
السويق: معروف والصاد فيه لغة، كما قاله صاحب "المحكم"
(8)
، سمي بذلك لانسياقه في الحلق.
وقوله: (فثري) أي: صب عليه ماء ثم لُتّ، وفعل به ذَلِكَ لما لحقه
(1)
ويطلق هذا الاسم على ولاية تشتمل على سبعة حصون ومزارع ونخل كثير، فتحت سنة سبع وقيل: ثمانٍ للهجرة، انظر:"معجم ما استعجم" 2/ 521 - 523، "معجم البلدان" 2/ 409 - 410.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: يعني: البكري، قال ذلك في "معجم ما استعجم".
(3)
"معجم ما استعجم" 2/ 521.
(4)
"إكمال المعلم" 5/ 209، وتمام كلامه:
وهذا أصح الأقاويل، وهي رواية مالك، ومن تابعه، وقول ابن عقبة، وفي كل وجه ترمز فيه رواية مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر لله ولرسوله وللمسلمين، يدل ظاهره على العنوة.
(5)
انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 844، "معجم البلدان" 3/ 435.
(6)
سيأتي برقم (5384) كتاب: الأطعمة، باب:{لَّيْسَ عَلَىَ الأَعمَى حَرَجٌ} .
(7)
"معجم ما استعجم" 3/ 894.
(8)
"المحكم" 6/ 326، وورد بهامش الأصل ما نصه: قال في "المطالع": قال ابن دريد: وبنو العنبر، يقولونه بالضاد.
من اليبس والقدم.
ووجه المضمضة منه أنه ربما احتبس في الأسنان ونواحي الفم، فربما شغل المصلي بما يتتبعه بلسانه.
رابعها: وهو مقصود البابين، أنه لا وضوء مما مست النار، وقد صح في عدة أحاديث كثيرة الوضوء منه، وهو عند الجمهور من الصحابة والتابعين منسوخ، وبه قَالَ الأئمة الأربعة وأنه آخر الأمر، وقد كان فيه خلاف لبعضهم في الصدر الأول، ثم وقع الإجماع على خلافه، وحمل بعضهم الوضوء على اللغوي وهو غسل الفم والكفين، دون الشرعي، وصح الأمر بالوضوء من لحوم الإبل من حديث البراء وجابر بن سمرة
(1)
.
(1)
أما حديث البراء بن عازب.
فرواه أبو داود (184) عن البراء بن عازب، قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال:"توضئوا منها" وسئل عن لحوم الغنم فقال: "لا توضَّئوا منها"، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال:"لا تُصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين" وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: "صلوا فيها فإنها بَركة".
ورواه أيضًا الترمذي (81) كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل، وابن ماجه (494) كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل، وأحمد 4/ 288، وابن الجارود 1/ 34 (26) كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من لحوم الابل، وابن خزيمة في "صحيحه" 1/ 21 - 22 (32) كتاب: الوضوء، باب: الأمر بالوضوء من أكل لحوم الابل، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 384.
وقال الترمذي: وفي الباب عن جابر بن سمرة، وأسيد بن حُضير، وقال: وقد روى الحجاج بن أرطاة هذا الحديث عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير، والصحيح حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، وهو قول أحمد وإسحاق.
وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" 178: صحيح. =
وقال به أحمد وجماعة أهل الحديث، وعامة الفقهاء على خلافه، وأن المراد به النظافة ونفي الزهومة
(1)
.
إذا عرفت ذَلِكَ ففي أحاديث الباب أحكام أخر:
الأول: إباحة الزاد في السفر خلافًا لمن تنطع في ذَلِكَ.
الثاني: نظر الإمام لأهل العسكر عند قلة الأزواد وجمعها؛ ليقوت من لا زاد معه من أصحابه.
الثالث: أن القوم إذا فني أكثر زادِهم فواجب أن يتواسوا في زاد من بقي من زاده شيء.
الرابع: أن للسلطان أن يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام إلى الأسواق عند قلته، فيبيعوه من أهل الحاجة بسعر ذَلِكَ اليوم.
الخامس: جواز قطع اللحم بالسكين؛ لدعاء الحاجة إليه لصلابة اللحم وكبر القطعة. نعم، يكره من غير حاجة. قال
(2)
ابن التين: وإنما نهى عن قطع الخبز بالسكين. قاله الخطابي
(3)
.
= وأما حديث جابر بن سمرة: فرواه مسلم (360) كتاب: الحيض، باب: الوضوء من لحوم الإبل.
(1)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 151، "اختلاف الفقهاء" ص 100 - 101، "عارضة الأحوذي" 1/ 110 - 112، "بدائع الصنائع" 1/ 32 - 33، "المجموع" 2/ 65 - 69، "المغني" 1/ 250 - 254، "الإقناع" 1/ 60، "نيل الأوطار" 1/ 312 - 315.
(2)
كذا في الأصل، ولعلها: قاله.
(3)
الذي في "معالم السنن" 1/ 60: وفيه جواز قطع اللحم بالسكين، وقد جاء النهي عنه في بعض الحديث ورويت الكراهة فيه وأمر بالنهي ويشبه أن يكون المعنى في ذلك كراهية زي العجم واستعمال عادتهم في الأكل بالأخلة والبارجين على مذهب النخوة والترفع عن مس الأصابع الشفتين والفم، وليس يضيق قطعه =
السادس: جواز بل استحباب استدعاء الأئمة للصلاة إذا حضر وقتها.
السابع: قبول الشهادة على النفي إذا كان المنفي محصورًا مثل هذا.
أعني: قوله: (ولم يتوضأ).
= بالسكين وإصلاحه به والحز منه اذا كان اللحم طابقًا أو عضوًا كبيرًا كالجنب ونحوه فإذا كان عراقًا ونحوه، فنهشه مستحب على مذهب التواضع وطرح الكبر، وقطعه بالسكين مباح عند الحاجة إليه غير ضيق.
52 - باب هَلْ يُمَضْمِضُ مِنَ اللَّبَنِ
؟
211 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ وَقُتَيْبَةُ قَالَا: حَدَّثَنَا اللُّيْثُ، عن عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا، فَمَضْمَضَ وَقَالَ:"إِنَّ لَهُ دَسَمًا". تَابَعَهُ يُونُسُ وَصَالِحُ بن كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. [5609 - مسلم:358 - فتح 1/ 313]
حَدَّثنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَقُتَيْبَةُ قَالًا: ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا، فَمَضْمَضَ وَقَالَ:"إِنَّ لَهُ دَسَمًا". تَابَعَهُ يُونُسُ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
هذا الحديث أخرجه البخاري
(1)
أيضًا في الأشربة
(2)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
، ومتابعة يونس أخرجها مسلم عن حرملة، عن ابن وهب، ثنا يونس، عن ابن شهاب به، وتابعه أيضًا الأوزاعي
(4)
وعمرو بن الحارث
(5)
، وذكر ابن جرير الطبري فيه اضطرابًا حيث روي عن الزهري، عن ابن عباس، وعنه عن عبيد الله بحذف ابن عباس، وذلك غير قادح.
وفيه: استحباب المضمضة من شرب اللبن، ويلحق به غيره من المأكول والمشروب، كما نص عليه العلماء؛ لئلا يبقى منه بقايا
(1)
في الأصل فوقها: الأربعة.
(2)
سيأتي برقم (5609) باب: شرب اللبن.
(3)
مسلم (358) كتاب: الحيض، باب: نسخ الوضوء مما مست النار.
(4)
في الأصل فوقها: أبو داود.
(5)
الموضع السابق.
يبتلعها حال صلاته، ولتقطع لُزوجته ودسمه ويتطهر فمه.
واختلف العلماء في غسل اليد قبل الطعام وبعده، والأظهر استحبابه أولًا إلا أن يتيقن نظافة اليد من الوسخ والأنجاس، وبعد الفراغ إلا أن لا يبقى على اليد أثر للطعام بأن كان يابسًا أو لم يمسه بها.
وقال مالك: لا يستحب غسل اليد للطعام، إلا أن يكون على اليد أولًا قذر أو يبقى عليها بعد الفراغ رائحة
(1)
.
قَالَ المهلب: وقوله: "إن له دسمًا" بيان العلة التي من أجلها أُمروا بالوضوء مما مست النار في أول الإسلام، وذلك -والله أعلم- على ما كانوا عليه من قلة التنظيف في الجاهلية. فلما تقررت النظافة وشاعت في الإسلام نُسِخَ الوضوء تيسيرًا على المؤمنين
(2)
.
وقال ابن جرير الطبري في "تهذيبه": ليس في الخبر إيجاب المضمضة ولا الوضوء إذ كانت أفعاله غير لازمةٍ لأمته العمل بها إذا لم تكن بيانًا عن جملة فرض في تنزيله.
قُلْتُ:
لكن في "سنن أبي داود" من حديث ابن عباس أيضًا مرفوعًا: "مضمضوا من اللبن فإن له دسمًا"
(3)
وكذا من طريقين آخرين
(4)
.
(1)
انظر: "المنتقى" 7/ 247.
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 318.
(3)
"سنن أبي داود"(196).
وقال الألباني في: "صحيح أبي داود"(191): إسناده على شرط الشيخين وقد أخرجاه.
(4)
رواهما ابن ماجه في "سننه"(499، 500) من حديث أم سلمة، وسهل بن سعد مثله.
لكن فيه من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم شرب لبنًا فلم يمضمض ولم يتوضأ وصلى
(1)
. واستدل به أبو حفص البغدادي على نسخ المضمضة فيه.
نعم، روي عن أنس أنه كان يمضمض منه ثلاثًا
(2)
وكذا أبو موسى الحارث الهمداني، رواه ابن أبي شيبة
(3)
. وكان يرى الوضوء منه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة قالا: لا وضوء إلا من اللبن.
وعن ابن عون: سألت القاسم عن المضمضة أو الوضوء من اللبن فقال: لا أعلم به بأسًا. وحكي أيضًا عن حذيفة وغيره
(4)
وفي "سنن ابن ماجه" من طريقين: "توضؤا من ألبان الإبل، ولا توضؤا من ألبان الغنم". وإسنادهما فيه ضعف
(5)
.
(1)
"سنن أبي داود"(197).
(2)
رواه عبد الرزاق 1/ 177 - 178 (688)، وابن أبي شيبة 1/ 60 (631).
(3)
ابن أبي شيبة 1/ 60.
(4)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 1/ 60.
(5)
ابن ماجه (496) من حديث أسيد بن حضير، و (497) من حديث عبد الله بن عمر، وضعفهما البوصيري في "زوائد ابن ماجه" ص 102 - 103، وضعفهما أيضا الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(109، 110).
53 - باب الوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ، وَمَن لَمْ يَرَ مِنَ النَّعْسَةِ وَالنَّعْسَتَيْنِ أَوِ الخَفْقَةِ وُضُوءًا
212 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلَّي، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ، فَيَسُبَّ نَفْسَهُ". [مسلم:786]
213 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتًّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ". [فتح: 1/ 315]
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ أنا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ، فَيَسُبَّ نَفْسَهُ".
حَدَثنَا أَبُو مَعْمَرٍ، ثنا عَبْدُ الوَارِثِ، ثنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأ".
الكلام على ذَلِكَ من أوجه:
أحدها:
حديث عائشة أخرجه مسلم
(1)
، وللدارقطني من حديث عبد الوهاب بن عطاء، عن مالك:"لعله يريد أن يستغفر فيدعو على نفسه". وحديث أنس
(1)
مسلم (786) كتاب: الصلاة، باب: أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد.
انفرد به البخاري، وانفرد مسلم عنه من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع"
(1)
وسيأتي حديث أنس عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وحبل ممدود فقال: "ما هذا؟ " فقالوا: حمنة بنت جحش تصلي فإذا عجزت تعلقت به فقال: "ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليرقد"
(2)
.
قَالَ الإسماعيلي في حديث أنس: ورواه حماد بن زيد، عن أيوب فوقفه. ورواه عبد الوهاب، عن أيوب، فلم يجاوز أبا قلابة، ووافق عبد الوارث وهيب والطفاوي.
فائدة:
أبو معمر هذا المقْعَد وهو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري
(3)
، وفي الصحيحين أبو معمر اثنان آخران:
(1)
"صحيح مسلم"(787/ 223) كتاب: صلاة المسافرين، باب: أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد.
(2)
سيأتي عند البخاري برقم (1150) أبواب: التهجد، باب: ما يكره من التشديد في العبادة، وفيه حمنة مكان زينب، والحديث أيضًا عند مسلم برقم (784) وفيه أيضًا: زينب. وليس حمنة. وسيأتي عندما يتعرض المصنف لشرح هذِه الرواية ذكر الخلاف في تسميتها.
(3)
هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج واسمه ميسرة التميمي المنقري المقعد البصري قال يحيى بن معين: ثقة ثبت. نبيل عاقل، وقال يعقوب بن أبي شيبة: ثقة ثبت، وقال العجلي: ثقة. وكان يرى القدر ولكن قال أبو داود: كان لا يتكلم فيه. وقال أبو حاتم: صدوق متقن قوي الحديث، غير أنه لم يكن يحفظ وكان له قدر عند أهل العلم. مات سنة أربع وعشرين ومائتين.
وانظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 5/ 119 (549)، "تاريخ بغداد" 10/ 25 (5143)، "تهذيب الكمال" 15/ 353 (3449).
أحدهما: عبد الله بن سخبرة الأزدي تابعي
(1)
.
وثانيهما: إسماعيل بن إبراهيم الهذلي شيخه وشيخ مسلم
(2)
.
ثانيها:
وجه مطابقة الحديثين لما بوب عليه، فإن ظاهره النهي عن الصلاة مع النعاس فقط، لا عدم الوضوء من النعاس الخفيف. إن مفهوم تعليل النهي عن الصلاة معه بذهاب العقل المؤدي إلى أن يعكس الأمر، يريد أن يدعو فيسب نفسه، أنه إذا لم يبلغ هذا المبلغ صلى به، أو أنه إذا بدأ به النعاس وهو في النافلة يقتصر على إتمام ما هو فيه ولا يستأنف أخرى، فتماديه على حالته دال على أن النعاس الكثير لا ينافي الطهارة، ويحتمل قطع الصلاة التي هو فيها، إذ لا يستأنف غيرها.
ثالثها:
النَعْسة -بفتح النون-: السِّنة. بخلاف النوم فإنه: الغلبة على العقل، وسقوط حاسة البصر وغيرها من الحواس، والنعاس بغير الحواس من
(1)
هو أبو معمر الكوفي من أزد شنوءة روى عن خباب بن الأرت وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب وعلقمة بن قيس، وروى عنه إبراهيم النخعي وعمارة بن عمير وغيرهما. قال يحيى بن معين: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال محمد بن سعد: توفي في ولاية عبيد الله بن زياد. روى له الجماعة.
وانظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 6/ 103، "الجرح والتعديل" 5/ 68 (321)، "الثقات" 5/ 25، "تهذيب الكمال" 15/ 6 (3291).
(2)
هو إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن الهذلي، أبو معمر القطيعي الهروي، نزيل بغداد، وقال ابن حجر في "التقريب": ثقة مأمون من العشرة، مات سنة ست وثلاثين ومائتين، انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 2/ 157 (527)، "تهذيب الكمال" 3/ 19 (416)، "التقريب" ص 105 (415).
غير سقوطها. وفي كتاب "العين" النعاس: النوم
(1)
. وقيل: مقاربته. وفي "المحكم": النعاس: النوم. وقيل: ثقلته
(2)
. قَالَ ابن دريد: وخفق خفقة: نعس نعسة ثم انتبه
(3)
. وقال أبو زيد: خفق برأسه من النعاس: أماله
(4)
.
وقوله: نَعَس هو بفتح العين، والعامة يضمها، وهو خطأ كما قاله أبو حاتم ومضارعه ينعُس. وحكئ صاحب "الموعب" عن بعض بني عامر فتح العين من المضارع.
رابعها:
فيه: الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط.
وأمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النُعاس، وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل والنهار، وهذا مذهب الشافعي والجمهور، لكن لا يخرج الفريضة عن وقتها، وحمله مالك وجماعة كما قَالَ القاضي
(5)
على نفل الليل؛ لأنها محل النوم غالبًا
(6)
.
وقد ذكر صلى الله عليه وسلم العلة، وهي (
…
)
(7)
الاستغفار بالسب، ومن صار في مثل هذِه الحالة من ثقل النوم أدى إلى نقض طهارته وبطلان صلاته،
(1)
"العين" 1/ 338 مادة: (نعس).
(2)
"المحكم" 1/ 308 مادة [نعس].
(3)
"الجمهرة" 1/ 614.
(4)
انظر: "الصحاح" 3/ 983، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 81، "لسان العرب" 7/ 4473.
(5)
"إكمال المعلم" 3/ 151.
(6)
انظر: "المنتقى" 1/ 212، "طرح التثريب" 3/ 90 - 91، "حاشية الطحطاوي" ص 227.
(7)
كلمة مطموسة بالأصل ولعلها (إبدال).
وادعى المهلب قيام الإجماع على بطلان طهارة وصلاة من انتهى إلى هذِه الحالة. قَالَ: فأشبه من نهاه الله عن مقاربة الصلاة في حال السكر بقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] على أنّ الضَّحَّاك أَوَّلَ السكرَ بالنوم في الآية
(1)
والأكثر على أنها نزلت في سكر الخمر.
وقد دل حديث عائشة وأنس على أن من قد يقع منه ذَلِكَ فقد حصل من فَقْدِ (العقل)
(2)
في منزلةِ من لا يعلم ما يقول، كما في السكر، ومن كان كذلك فلا تجوز صلاته، ودل القرآن على ما دلت عليه السنة، أنه لا ينبغي للمصلى أن يقرب الصلاة مع شاغل يشغله عنها.
خامسها:
معنى يستغفر هنا يدعو كما قاله القاضي عياض
(3)
، والرواية التي أسلفناها:"لعله يريد أن يستغفر فيدعو على نفسه" دالة على ذَلِكَ.
فإن قُلْتَ: فقد جاء في حديث ابن عباس في نومه صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة: فجعلت إذا غفيت يأخذ بشحمة أذني
(4)
. ولم يأمره بالنوم.
قُلْتُ: لأنه جاء تلك الليلة؛ للتعلم منه ففعل ذَلِكَ؛ ليكون أثبت له.
سادسها:
وهو مقصود الباب، أن النوم اليسير لا ينقض، وهو إجماع كما قاله ابن بطال إلا المزني وحده قَالَ: وخرق الإجماع قَالَ: وأجمعوا على
(1)
روى ذلك الأثر الطبري في: "تفسيره" 4/ 99 (9535 - 9536)، وابن أبي حاتم في:"تفسيره" 3/ 959 (5356).
(2)
في الأصل: العلم، والمثبت هو الصواب كما في "شرح ابن بطال" 1/ 319.
(3)
"إكمال المعلم" 3/ 151.
(4)
رواه مسلم (763/ 185) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل.
النقض بالاضطجاع، واختلفوا في هيئات النائمين: فقال مالك: إن نام قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا فعليه الوضوء
(1)
قَالَ: وفرَّق الشافعي بين نومه في الصلاة وغيرها، فقال: إن كان في الصلاة لا ينقض كما لا ينقض نوم القاعد.
قَالَ: وله قول آخر كمذهب مالك.
قُلْتُ: وهما خلاف مشهور مذهبه كما ستعلمه، وعند الثوري وأبي حنيفة: لا ينقض إلا نوم المضطجع فقط
(2)
. وفيه حديث عن ابن عباس مرفوعًا
(3)
وهو معلول. والقائم والراكع والساجد يمكن خروج الريح
(1)
انظر: "المدونة" 1/ 9 - 10، "عارضة الأحوذي" 1/ 104 - 108، "الذخيرة" 1/ 320 - 232.
(2)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 30 - 31، "تبيين الحقائق" 1/ 9 - 10.
(3)
رواه أبو داود (202) بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الوضوء على من نام مضطجعًا". والترمذي (77)، وفي "العلل الكبير" 1/ 148 (28)، وأحمد 1/ 256، وأبو يعلي 4/ 369 (2487)، والطبراني 12/ 157، والبيهقي 1/ 121.
قال أبو داود: قوله: "الوضوء على من نام مضطجعًا" هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة وروى أوله جماعة عن ابن عباس، ولم يذكروا شيئًا من هذا.
ثم قال: وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهزني استعظامًا له وقال: ما ليزيد الدالاني يُدْخل على أصحاب قتادة ولم يعبأ بالحديث.
وقال البيهقي: فأما هذا الحديث فإنه قد أنكره على أبي خالد الدالاني جميع الحفاظ، وأنكر سماعه من قتادة أحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما، وقال الترمذي في "علله" 1/ 149:
سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هذا لا شيء. رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية ولا أعرف لأبي خالد الدالاني سماعًا من قتادة. قلت: أبو خالد كيف هو؟ قال: صدوق وإنما يهم في الشيء، قال محمد: وعبد السلام بن حرب صدوق.
منه؛ لانفراج موضع الحدث منه، ولا يشبه القاعد المنضم الأطراف إلا أن يطول نومه جدًّا في حال قعوده، فعليه الوضوء عند مالك والأوزاعي وأحمد
(1)
ولم يفرق أبو حنيفة والشافعي بين نوم الجالس في القلة والكثرة، وقالا: لا ينتقض وضوؤه وإن طال
(2)
.
وحاصل المذاهب في النوم تسعة:
أحدها: أنه غير ناقض بحال، وهو محكي عن أبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب، وأبي مجلز وحميد بن عبد الرحمن الأعرج والشيعة
(3)
، وروى ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد، عن طارق: حدثتني منيعة
(4)
بنت وقاص، عن أبيها أن أبا موسى: كان ينام بينهن حتى يغط فتنبهه فيقول: هل سمعتموني أحدثت، فنقول: لا. فيقوم فيصلي
(5)
.
قَالَ ابن حزم: وإليه ذهب الأوزاعي، وهو قول صحيح عن جماعة من الصحابة وغيرهم ومنهم مكحول وعبيدة السلماني، قَالَ: وادعى بعضهم الإجماع على خلافه جهلًا وجرأة
(6)
ثم ساق من حديث أنس
(1)
انظر: "المدونة" 1/ 9 - 10، "التحقيق" لابن الجوزي 1/ 309، "الكافي" لابن قدامة 1/ 92، 93.
(2)
"بدائع الصنائع" 1/ 31، "البيان" 1/ 178.
(3)
انظر: "البيان" 1/ 175، "المغني" 1/ 234، "نيل الأوطار" 1/ 297.
(4)
ورد بهامش الأصل: منيعة كذا في "ثقات ابن حبان". بنت وقاص، ولفظه: وقاص شيخ يروي عن أبي موسى الأشعري، تروي عنه ابنته منيعة لا أدري من هو. انتهى.
وقد ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ولم يذكر فيه شيئًا لا جرحًا ولا تعديلًا.
(5)
"المصنف" 1/ 124 (1415).
(6)
"المحلى" 1/ 224.
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام، ثم يقومون إلى الصلاة. وإسناده صحيح.
وفي مسلم من هذا الوجه: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون
(1)
. وعند البزار: يضعون جنوبهم فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ
(2)
.
ولما ذكره الأثرم للإمام أحمد تبسم. وقال: هذا مرة يضعون جنوبهم. زاد أحمد بن عبيد
(3)
في "مسنده": على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعند البيهقي: كان الصحابة يوقظون للصلاة، وإني لأسمع لأحدهم غطيطًا ثم يصلون ولا يتوضئون.
قَالَ ابن المبارك: هذا عندنا، وهم جلوس. قَالَ البيهقي: وعلى هذا حمله ابن مهدي والشافعي
(4)
.
قُلْتُ: وهشيم، كذا أفاده الطبري في "تهذيبه"، وما أسلفناه يخالفه.
المذهب الثاني: أنه ناقض مطلقًا، وهو مذهب الحسن البصري والمزني وأبي عبيد القاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه، وحُكي عن الشافعي أيضًا وهو غريب، قَالَ ابن المنذر: وبه أقول، قَالَ: وروي معناه عن ابن عباس وأنس وأبي هريرة
(5)
.
(1)
مسلم (376/ 125) كتاب: الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء.
(2)
رواه البزار كما في "كشف الأستار" 1/ 147 (282).
(3)
"السنن الكبرى" 1/ 120.
(4)
"الأوسط" 1/ 146، 147.
(5)
هو أحمد بن عبيد بن إسماعيل الصفار، كان ثقة ثبتًا، صنف "المسند" وجوده.
انظر "سير أعلام النبلاء" 15/ 438.
وقال ابن حزم: النوم في ذاته حدث ينقض الوضوء سواء قل أو كثر، قاعدًا أو قائمًا، في صلاة أو غيرها، أو راكعًا أو ساجدًا أو متكئًا أو مضطجعًا، أيقن من حواليه أنه لم يحدث أو لم يوقنوا، برهان ذَلِكَ حديث صفوان بن عسال:"لكن من غائط وبول ونوم"
(1)
.
أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما
(2)
.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وإنما لم يخرجاه؛ لتفرد عاصم به عن زر، عن صفوان
(3)
.
قُلْتُ: تابعه المنهال بن عمرو فيما ذكره ابن السكن، وحبيب بن أبي ثابت عند الطبراني
(4)
.
قَالَ ابن حزم: وهو قول أبي هريرة وأبي رافع وعروة وعطاء والحسن وابن المسيب وعكرمة ومحمد بن شهاب في آخرين
(5)
.
وفيه حديث علي: "العينان وكاء السَهِ، فمن نام فليتوضأ"
(6)
وفيه
(1)
"المحلى" 1/ 222، 223.
(2)
ابن خزيمة 1/ 13 - 14 (17)، "صحيح ابن حبان" 1/ 381 - 382 (1100)، 4/ 149 - 150، (1231).
(3)
"المستدرك" 1/ 100 كتاب: العلم.
وقال الذهبي: إسناده صحيح.
(4)
"المعجم الكبير" 8/ 55.
(5)
"المحلى" 1/ 233.
(6)
رواه أبو داود (203)، وابن ماجه (477)، والطبراني في "مسند الشاميين" 1/ 371، 379، والبيهقي 1/ 118، والدراقطني 1/ 161، والضياء في "المختارة" 2/ 255 (632).
قال النووي في "المجموع" 2/ 20: حسن.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(199): إسناده حسن وكذا قال النووي، وحسنه المنذري وابن الصلاح. اهـ.
مقال، ومعاوية مرفوعًا
(1)
مثله
(2)
.
الثالث: أنه لا ينقض إلا نوم المضطجع فقط. قَالَ ابن حزم: وبه قَالَ داود. وروي عن عمر وابن عباس ولم يصح عنهما، وعن ابن عمر وصح عنه وصح عن النخعي وعطاء والليث والثوري والحسن بن حي
(3)
.
وقال الترمذي: رأى أكثرهم أنه لا يجب الوضوء إذا نام قائمًا أو قاعدًا حتى ينام مضطجعًا. قَالَ: وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد
(4)
.
الرابع: أن كثيره ينقض مطلقًا دون قليله؛ للحرج، وهو مذهب
(1)
رواه أحمد 4/ 96، 97 عن معاوية مرفوعًا بلفظ:"إن العينين وكاء السَّهِ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء". والدارمي 1/ 562 (749)، وأبو يعلى 13/ 362 (7372)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 9/ 57، 58 (3434)، والطبراني 19/ 372، 373 (875)، وفي "مسند الشاميين" 2/ 358 - 359 (1494)، والدارقطني 1/ 160، والبيهقي 1/ 118، وفيه أبو بكر بن أبي مريم سئل أبو حاتم عنه فقال: ليس بقوي. "علل ابن أبي حاتم" 1/ 47 (106)، وقال الذهبي في:"مهذب السنن" 1/ 29 (510): أبو بكر ضعيف، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/ 247: فيه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف؛ لاختلاطه.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: أشار البيهقي إلى ترجيح وقفه على معاوية ورواه أبو داود، وابن ماجه من رواية عبد الرحمن بن عائذ، وادعى ابن القطان جهالته وليس بجيد فقد رفعه النسائي وغيره بل اختلف في صحبته، والصحيح أنه لم يصحب، وقد حسن الحديث ابن الصلاح والنووي والزكي وفيه نظر، لأنه منقطع، قال أبو زرعة: عبد الرحمن عن علي مرسل، ووافقه على ذلك آخرون، لا جرم. قال أبو عمر في "استذكاره": فيه ضعيفان لا حجة فيه من جهة النقل، وأما ابن السكن فذكرهما في سننه الصحاح. ملخص من كلام شيخنا ابن الملقن ["خلاصة البدر المنير"] 1/ 52 - 53].
(3)
"المحلى" 1/ 244.
(4)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (78).
الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك في إحدى الروايتين
(1)
.
وقال الترمذي عن بعضهم: إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء وبه يقول إسحاق
(2)
.
قال ابن قدامة الحنبلي: واختلف أصحابنا في تحديد الكثير من النوم الذي ينقض الوضوء. فقال القاضي: ليس للقليل حد يرجع إليه وهو على ما جرت به العادة. وقيل: حد الكثير ما يتغير به النائم عن هيئته مثل أن يسقط على الأرض أو يرى حلمًا، والصحيح أنه لا حد له
(3)
.
الخامس: إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه، سواء أكان في الصلاة أم لم يكن، فإن نام مضطجعًا أو مستلقيًا على قفاه انتقض، وهو قول أبي حنيفة
(4)
، وحكاه النووي في "شرح مسلم" عن داود، وحُكي عن الشافعي أيضًا وهو غريب
(5)
، وقاله أيضًا حماد بن أبي سليمان وسفيان، وفيه حديث عن ابن عباس لا يثبت
(6)
.
السادس: لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد، روي عن أحمد
(7)
.
السابع: لا ينقض إلا نوم الساجد، روي أيضًا عن أحمد.
(1)
انظر: "المدونة" 1/ 119. وذكره ابن المنذر في: "الأوسط" 1/ 148.
(2)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (78).
(3)
"المغنى" 1/ 237.
(4)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 31.
(5)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 4/ 73.
(6)
سبق تخريجه، ونصه:
…
إنما الوضوء على من نام مضطجًا.
(7)
انظر: "المغني" 1/ 236 وورد بهامش الأصل حاشية: حكاه ابن التين عن أحمد.
الثامن: أن النوم في الصلاة غير ناقض، وخارجها ناقض وحكي عن الشافعي.
التاسع: أنه إن نام ساجدًا في مصلاه فليس عليه وضوء، وإن نام ساجدًا في غير صلاةٍ توضأ، فإن تعمد النوم ساجدًا في الصلاة فعليه الوضوء
(1)
، وهو قول ابن المبارك، وقد حكى (عن)
(2)
الترمذي
(3)
عنه في المذهب الثالث ما يخالفه.
العاشر: إن نام جالسًا ممكنًا مقعدته من الأرض فلا ينقض، وإلا نقض قلّ أو كَثر في الصلاة أو خارجها، وهو الصحيح من مذهب الشافعي، وعنده أن النوم ليس حدثًا في نفسه، وإنما هو دليل على خروج الريح، فإذا نام غير ممكن غلب على الظن خروجه، فجعل الشرع هذا الغالب كالمحقق، وأما إذا كان ممكنًا فلا يغلب على الظن الخروج، والأصل بقاء الطهارة
(4)
.
وقال ابن العربي: تتبع علماؤنا مسائل النوم المتعلقة بالأحاديث الجامعة لتعارضها. فوجدوها أحد عشر حالًا: أن ينام ماشيًا قائمًا مستندًا راكعًا ساجدًا قاعدًا متربعًا محتبيًا متكئًا راكبًا مضطجعًا مستثفرًا
(5)
.
(1)
انظر: "عارضة الأحوذي" 1/ 107 - 108، "المجموع" 2/ 20، "نيل الأوطار" 1/ 298.
(2)
كذا بالأصل، والكلام يستقيم بدونها.
(3)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (78).
(4)
"المجموع" 2/ 16.
(5)
"عارضة الأحوذي" 1/ 106 - 108، وفيه: مستقرًا بدلا من مستثفرًا والاستثفار: أن يدخل الإنسان إزاره بين فخذيه ملويًا ثم يخرجه. انظر: "النهاية" 1/ 214، "لسان العرب" 1/ 488. مادة:(فرا).
فرع:
هذا كله في حقنا، فأا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خصائصه أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم مطلقًا؛ لحديث ابن عباس: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه، وصلى ولم يتوضأ
(1)
. وقد سلف في موضعه
(2)
ويأتي أيضًا.
(1)
سيأتي برقم (697) كتاب: الأذان.
(2)
سلف برقم (138).
54 - باب الوُضُوءِ مِن غَيْرِ حَدَثٍ
214 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعتُ أَنَسًا ح. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضُّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَنَا الوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. [فتح: 1/ 315]
215 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: أَخبَرَنِي سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ، صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم العَصْرَ، فَلَمَّا صَلَّى دَعَا بِالأَطْعِمَةِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيق، فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الَمغْرِبِ فَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا الَمغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [انظر: 209 - فتح: 1/ 316]
حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا ح. وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدثَنِي عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَنَا الوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ.
حَدَّثنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ، أَخْبَرَنِي سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ .. الحديث
وقد سلف في باب: من مضمض من السويق
(1)
.
وإنما ساق البخاري هذا الحديث عقب الأول؛ لينبه على أنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بالأفضل في تجديد الوضوء من غير حدث، لا أنه واجب عليه بدليل حديث سويد وكلاهما من أفراد البخاري.
(1)
سبق برقم (209) كتاب: الوضوء، باب: من مضمض من السويق ولم يتوضأ.
وسفيان المذكور في الإسناد هو الثوري
(1)
.
والراوي عنه هو محمد بن يوسف الفريابي
(2)
، ولم يعلم أن ابن عيينة روى عن عمرو بن عامر، وأتى به ثانيًا نازلًا؛ لتصريح سفيان بالتحديث فيه.
ورواه الترمذي من حديث حميد أيضًا عن أنس ثم قَالَ: حسن غريب. والمشهور عند أهل الحديث حديث عمرو
(3)
قال: ولم يعرفه البخاري من هذا الوجه وجَهَّل راويه
(4)
.
وفي "صحيح ابن خزيمة" من حديث عامر الغَسِيل أنه صلى الله عليه وسلم أُمِر بالوضوء عند كل صلاة طاهرًا أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه، أُمر بالسواك عند كل صلاة، وَوُضِع عنه الوضوء إلا من حدث. فكان ابن عمريرى أن به قوة على ذَلِكَ ففعله حتى مات
(5)
.
(1)
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، ولد في خلافة سليمان بن عبد الملك. وكان إمامًا من أئمة المسلمين وعلمًا من أعلام الدين، مجمعًا على إمامته، بحيث يستغني عن تزكيته مع الإتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد. قال شعبة وسفيان بن عيينة وأبو عاصم النبيل ويحيى بن معين وغير واحد: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال عبد الله بن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان. اجتمعوا على أنه توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة. وانظر ترجمته في:"طبقات ابن سعد" 6/ 371. "الثقات" للعجلي 1/ 407 (625). "الجرح والتعديل" 4/ 222 (972). "تاريخ بغداد" 9/ 151 (763). "الكمال" 11/ 154 (2407).
(2)
سبقت ترجمته في حديث (68).
(3)
الترمذي (58).
(4)
انظر: "العلل الكبير" 1/ 128.
(5)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 11 (15)، ورواه الحاكم 1/ 156، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
قُلْتُ: وهو أيضًا راوي الحديث الضعيف: "من توضأ على طهر، كتب له عشر حسنات"
(1)
. قَالَ عن نفسه: وإنما رغبت في الحسنات، وقد كان شديد الاتباع للآثار.
وفي أفراد مسلم من حديث بريدة بن الحصيب أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر: صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه، فقال:"عمدًا صنعته يا عمر"
(2)
.
وقد أسلفنا في أول باب الوضوء أن جماعة من السلف ذهبوا إلى إيجاب الوضوء لكل صلاة فرض، وأن قومًا ادعوا نسخه يوم الفتح.
وحديث بريدة هذا دال له، وكذا حديث عامر وأن الإجماع استقر على أنه يصلي به ما شاء، وأن تجديده لكل صلاة مندوب، ويحتمل أن يكون ذَلِكَ من خصائصه.
قَالَ ابن شاهين: ولم يبلغنا أن أحدًا من الصحابة والتابعين كانوا
يتعمدون الوضوء لكل صلاة
(3)
، يعني إلا ابن عمر، كذا قَالَ.
(1)
رواه أبو داود (62)، والترمذي (59)، وابن ماجه (512)، وابن أبي شيبة 1/ 16 (53)، وعبد بن حميد 2/ 55 - 56 (857)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 42، والعقيلي في "ضعفائه" 2/ 332 (927)، وابن عبد البر في "التمهيد" 18/ 240 - 241.
قال أبو عيسى: إسناده ضعيف.
وقال النووي في "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" ص 190: ضعيف، في إسناده ضعيفان: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وأبو غطيف وهو مجهول لا يعرفون حاله ولا اسمه اهـ.
(2)
"صحيح مسلم"(277/ 86) كتاب: الطهارة، باب: جواز الصلوات كلها بوضوء واحد.
(3)
"ناسخ الحديث ومنسوخه" ص 88.
وروى ابن أبي شيبة عن وكيع، عن ابن عون، عن ابن سيرين: كان الخلفاء يتوضئون لكل صلاة
(1)
. وفي لفظ: كان أبو بكر وعمر وعثمان يتوضئون لكل صلاة، فإذا كانوا في المسجد دعوا بالطست
(2)
.
وقال علي: قَالَ تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}
(3)
[المائدة: 6].
وقال ابن عمر: كان فرضًا ثم نسخ بالتخفيف
(4)
.
وقول أنس: يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث. دال على أن الوضوء من غير حدث غير واجب، ويشهد له حديث سويد الذي بعده، وفعل ذَلِكَ ليُرِي أمته أن ما يلتزمه في خاصته من الوضوء لكل صلاة غير لازم كما سلف.
واختلف أصحابنا متى يستحب التجديد على أوجه:
أصحها عندهم: أنه إنما يستحب إذا صلى بالأول صلاة ما، ولو نفلًا دون ما إذا مس به مصحفًا أو سجد لتلاوة ونحوها
(5)
. والمسألة بسطتها في كتب الفروع.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 35 (302).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 35 (303).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 35 (301).
(4)
ذكره ابن عبد البر في: "التمهيد" 18/ 328.
(5)
انظر: "المجموع" 1/ 494.
55 - باب مِنَ الكَبَائِرِ أَنْ لَا يَسْتَتَرِ مِنْ بَوْلِهِ
216 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الَمدِينَةِ -أَوْ مَكَّةَ- فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذُّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ". ثُمَّ قَالَ: "بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ". ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَينِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسرَةٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هذا؟ قَالَ:"لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا" أَوْ "إلى أَنْ يَيْبَسَا". [218، 1361، 1378، 6052، 6055 - مسلم: 292 - فتح: 1/ 317]
حَدَّثنَا عُثْمَانُ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ -أَوْ مَكةَ- فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ:"يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كبِيرٍ". ثُمَّ قَالَ: "بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ". ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هذا؟ قَالَ:"لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا" أَوْ "إلى أَنْ يَيْبَسَا".
هذا حديث صحيح متفق على صحته والكلام عليه من أوجه، وقد أوضحت الكلام عليه في "شرح العمدة"
(1)
في نحو كراسة فليراجع منه.
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع هنا وفي موضعين إثره
(2)
،
(1)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 504.
(2)
سيأتي معلقًا في الباب بعده، ثم بعده بباب مسندًا برقم (218).
وفي الجنائز
(1)
والحج
(2)
وفي الأدب في موضعين
(3)
.
وأخرجه مسلم
(4)
والأربعة هنا
(5)
، والنسائي في الجنائز
(6)
، وذكره البخاري قريبًا من حديث الأعمش عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس به
(7)
، وهو أصح من الطريق الأولى كما قاله الترمذي ونقله عن البخاري أيضًا
(8)
، واقتصر عليه مسلم.
وقال ابن حبان في "صحيحه": هما محفوظان
(9)
. وقد رواه شعبة، عن الأعمش كرواية منصور فأسقط طاوسًا.
ثانيها:
وجه مطابقة الحديث للترجمة أنه كبيرة؛ كونه عذب عليه.
وقد قَالَ ابن عباس: ما عصي الله به فهو كبيرة
(10)
.
(1)
سيأتي برقم (1361) باب: الجريد على القبر، وبرقم (1378) باب: التعوذ من عذاب القبر.
(2)
كذا في الأصل، وقد تابع المصنفُ المزىَّ في عزوه هذا الحديث إلى كتاب الحج من "صحيح البخاري" كما في "التحفة"(5747)، وليس كذلك، وقد تعقب وليّ الدين العراقي في كتابه "الإطراف بأوهام الأطراف" ص 119 المزي بقوله: قلت: قد نظرت كتاب الحج من "صحيح البخاري" من أوله إلى آخره فلم أره فيه فليراجع. اهـ.
(3)
سيأتي برقم (6052) باب: الغيبة، وبرقم (6055) باب: النميمة من الكبائر.
(4)
مسلم (292) كتاب: الطهارة، باب: الدليل على نجاسة البول
…
(5)
أبو داود (20)، الترمذي (70)، النسائي 1/ 28 - 30، ابن ماجه (347).
(6)
"سنن النسائي" 4/ 106.
(7)
سيأتي برقم (218).
(8)
"العلل الكبير" 1/ 139، 140.
(9)
"صحيح ابن حبان" 7/ 400.
(10)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 273 (292) بلفظ: كل ما نهى الله عنه كبيرة.
ورواه بلفظ: كل ما عصي الله به .. عن ابن سيرين عن عبيدة برقم (293).
وللعلماء في ضابط الكبيرة اختلاف، لعلنا نذكره إن شاء الله في موضعه.
ثالثها: في ألفاظه:
قوله: (بحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ) كذا ذكره هنا على الشك، وذكره في كتاب الأدب على الصواب
(1)
فقال: بالمدينة
(2)
.
وقوله: "يستتر" هو بتائين مثناتين من فوق من السترة. وروي: "لا يستبرئ "
(3)
. وروي: "لا يستنزه"
(4)
، وهذِه الثلاث في "صحيح البخاري" وغيره. وروي أيضًا:"لا يستنتر". والنميمة: نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد. والجريدة: السعفة. كما جاء في بعض الروايات عن أنس، وجمعها جريد.
وقوله: (فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ) أي: قطعتين.
وقوله: "وما يعذبان في كبير" أي: عندهما وهو عند الله كبير، وإليه يرشد قوله:( .. )
(5)
"بلى" أي في أنه كبير عند الله وفي هذا حسب، وهو حجة على من أنكر حجيتها له.
(1)
سيأتي برقم (6055) باب: النميمة من الكبائر.
(2)
في هامش الأصل: وبخط المصنف: روي من حديث أنس: مرَّ بقبرين من بني النجار
…
وهو يوضح هذا.
(3)
أخرجه النسائي في "السنن" 4/ 106، وفي "الكبرى" 1/ 664 (2196)، وابن الجارود في "المنتقى" 1/ 42 (130)، وهذِه الرواية جاءت في أحد نسخ البخاري. ورواها ابن أبي شيبة 3/ 54 (12037) كتاب: الجنائز، باب: في عذاب القبر ومم هو؟
(4)
رواها مسلم برقم (292) كتاب: الطهارة، باب: الاستبراء من البول، وابن حبان 7/ 398، 399 (3128).
(5)
كلمة غير واضحة.
وقوله: "لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا أو إلى أن ييبسا".
الظاهر أنه شك من الراوي، و (ييبسا) مفتوح الباء ويجوز كسرها، وقد حصل ما ترجاه في الحال فأورقا في ساعته، ففرح بذلك.
وقال: "رفع عنهما العذاب بشفاعتي" وأبعد من قال: إن صاحب هذين القبرين كانا من غير أهل القبلة، وعين بعضهم صاحب أحد القبرين بما لا أوثر ذكره، وإن ذكره القرطبي في "تذكرته" حكاية ووهاه
(1)
.
رابعها: في فوائده مختصرة:
الأولى: إثبات عذاب القبر ولا عبرة بمن أنكره.
الثانية: وجوب الاستنجاء
(2)
، وهو المراد بعدم الاستتار من البول. فلا يجعل بينه وبينه حجابًا من ماء أو حجر، ويبعد أن يكون المراد الاستتار عن الأعين.
الثالثة: نجاسة الأبوال، إذ روي أيضًا:"من البول". وسواء قليلها وكثيرها، وهو مذهب العامة، وسهل فيه الشعبي وغيره، وعفا أبو حنيفة عن قدر الدرهم الكبير
(3)
، ورخص الكوفيون في مثل رءوس الإبر منه.
(1)
من قوله: وقوله: وما يعذبان
…
لحق استدركه الناسخ في هذا الموضع ولعله قد التبس عليه، واللائق بالسياق أن تكون بعد قوله: فقال بالمدينة.
(2)
وهو ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية وذهب الحنفية إلى أنه مستحب، واختلف المالكية على قولين: الأول أن الاستنجاء سنة، والثاني: أنه واجب، وهو الراجح عندهم.
انظر: "التحقيق" 1/ 181، 182، "المنتقى" 1/ 41، "الحاوي" 1/ 163، "عارضة الأحوذي" 1/ 33.
(3)
انظر: "شرح فتح القدير" 1/ 202، "البناية" 2/ 733، 736.
الرابعة: حرمة النميمة وهو إجماع.
الخامسة: التسبب إلى تحصيل ما يخفف عن الميت، فإن وضعه صلى الله عليه وسلم الجريدة على القبر؛ لشفاعته لهما بالتخفيف ولتسبيحهما ما دامت رطبة
(1)
، ومن هذا استحب العلماء قراءة القرآن عند القبر
(2)
.
(1)
الصحيح أن حديث وضع الجريدة على القبر من خصائصه صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يجر العمل به عند السلف، كما أن التخفيف لم يكن من أجل نداوة شقها لعدة أمور:
1 -
حديث جابر عند مسلم وفيه: "فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين" فهذا صريح في أن رفع العذاب إنما بسبب شفاعته صلى الله عليه وسلم ودعائه، لا بسبب النداوة، وسواء اتحدت قصة ابن عباس مع جابر، أو تعددت، فإنه على كلا الاحتمالين فالعلة واحدة في القصتين للتشابه الموجود بينهما، ولأن كون النداوة سببًا لتخفيف العذاب عن الميت مما لا يعرف شرعًا ولا عقلًا، ولو كانت النداوة سببًا لتخفيف العذاب عن ذلك لكان أخف الناس عذابًا في قبورهم الكفار الذين يدفنون في مقابر أشبه ما تكون بالجنان.
2 -
قولهم: إن سبب تأثير الندواة في التخفيف كونها تسبح الله، فإذا يبست انقطع تسبيحها، فإن هذا التعليل مخالف لعموم قوله تبارك وتعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44].
3 -
في حديث ابن عباس نفسه ما يشير إلى أن السر ليس في النداوة، وبالأحرى ليست هي السبب في تخفيف العذاب، وذلك قوله: ثم دعا بعسيب فشقة اثنين. يعني: طولًا، فإنه من المعلوم أن شقه سبب لذهاب النداوة من الشق ويُبْسه بسرعة فتكون مدة التخفيف أقل مما لو لم يشق.
4 -
لو كانت النداوة مقصودة بالذات، لفهم ذلك السلف الصالح، ولعملوا بمقتضاه، ولوضعوا الجريد والآس ونحو ذلك على القبور عند زيارتها، ولو فُعِل ذلك لاشتُهِر عنهم ثم نقله الثقات إلينا.
"أحكام الجنائز" للألباني ص 253 - 256.
(2)
قال الألباني رحمه الله: قراءة القرآن عند زيارة القبور مما لا أصل له في السنة، بل الأحاديث المذكورة في المسألة السابقة تشعر بعدم مشروعيتها؛ إذ لو كانت مشروعة لفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمها أصحابه، لاسيما وقد سألته عائشة رضي =
وقد روى البيهقي في أواخر "دلائله" في باب: ما جاء في سماع يعلى بن مرة ضغطة في قبر من حديثه أنه صلى الله عليه وسلم أمره أن يضع إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه. وقال: "فلعله أن يُرَفَّه أو يخفف عنه ما لم ييبسا"
(1)
.
= الله عنها وهي من أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم عما تقول إذا زارت القبور، فعلمها السلام والدعاء، ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن، فلو كانت القراءة مشروعة لما كتم ذلك عنها.
ومما يقوي عدم المشروعية الأحاديث الآتية: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقُرأ فيه سورة البقرة". أخرجه مسلم، ففي هذا الحديث إشارة إلى أن المقابر ليست موضعًا للقراءة شرعًا، فلذلك حض على قراءة القرآن في البيوت، ونهى عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأ فيها كما أشار في الحديث الآخر أنها ليست موضعًا للصلاة أيضًا وهو قوله:"صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا" ولذلك كان مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم كراهة القراءة عند القبور، وهو قول الإمام أحمد، قال أبو داود في "مسائله" ص 158: سمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا.
فائدة: حديث: "من مر بالمقابر فقرأ: {قُلْ هُوَ اَللَهُ أَحَدُ (1)} إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات"، فهو حديث باطل موضوع أهـ، "أحكام الجنائز" ص 241 - 242، 245.
(1)
"دلائل النبوة" للبيهقي 7/ 42.
56 - باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ البَوْلِ
وَقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبِ القَبْرِ: "كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ". وَلَمْ يَذْكُرْ سِوى بَوْلِ النَّاسِ.
217 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَوْحُ بْن القَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنِي عطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَبَرَّزَ لَحِاجَتِهِ أَتَيتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ. [انظر: 150 - مسلم: 271 - فتح: 1/ 321]
هذا الحديث قد فرغنا من الكلام عليه آنفًا، وأراد البخاري بقوله:
(وَلَمْ يَذْكُرْ سِوى بَوْلِ النَّاسِ) أن يبين أن معنى روايته في هذا الباب "أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ" أن المراد: بول الناس لا بول سائر الحيوان؛ لأنه قد روى الحديث في الباب قبل هذا وغيره "لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ" فلا تعلق في حديث هذا الباب لمن احتج به في نجاسة بول سائر الحيوان، كذا قاله ابن بطال في "شرحه"، وقال في أوله: أجمع الفقهاء على نجاسة البول والتنزه عنه.
قَالَ: وقوله: "كان لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ" يعني أنه كان لا يستر جسده ولا ثيابه من مماسة البول، فلما عذب على استخفافه بغسله والتحرز منه، دل أنه مَنْ ترك البول في مخرجه ولم يغسله أنه حقيق بالعذاب.
واختلف الفقهاء في إزالة النجاسة من الأبدان والثياب، فقال مالك: إزالتها ليست بفرض. وقال بعض أصحابه: إزالتها فرض
(1)
، وهو قول الشافعي
(2)
، وأبي حنيفة، إلا أنه يعتبر في النجاسات ما زاد على قدر
(1)
انظر: "الذخيرة" 1/ 193 - 194، "مواهب الجليل" 1/ 28.
(2)
انظر: "الوسيط" 1/ 58، "روضة الطالبين" 1/ 28.
الدرهم
(1)
. وحجة من أوجب الإزالة هذا الحديث، وهو وعيد عظيم وتحذير.
واحتج ابن القصار بقول مالك فقال: يحتمل أنه عذب؛ لأنه كان يدع البول يسيل عليه فيصلي بغير طهور، فيحتمل أن يكون عمدًا. قَالَ: وعندنا أن من ترك السنة بغير عذر ولا تأويل، أنه مأثوم، فإن تركها متأولًا أو لعذر فصلاته تامة
(2)
.
ثم قَالَ البخاري حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ القَاسِمِ، حَدَّثَني عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ، فَيَغْسِلُ بِهِ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم
(3)
أيضًا.
ومعنى (تبرز): خرج إلى البراز، وهو الفضاء الواسع.
وقوله: (فيغسل به) صريح في الاستنجاء بالماء، فنقل ابن التين عن بعضهم أن هذا محمول على المعنى وإلا فقد قَالَ مالك: لم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء عمره كله. وهذا قد أوضحنا الكلام فيه في باب: الاستنجاء بالماء.
فائدة: رَوح بن القاسم هذا بفتح الراء قطعًا لا نعلم فيه خلافًا.
وقال ابن التين في "شرحه": روح هذا ذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه ليس في المحدثين رُوح بالضم، وذكر أن روحًا هذا قرئ بالضم، ورويناه بالفتح. قُلْتُ: وهذا غريب.
(1)
"الهداية" 1/ 37، "بدائع الصنائع" 1/ 19.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 325، 326.
(3)
"صحيح مسلم"(271) كتاب: الطهارة، باب: الاستنجاء بالماء من التبرز.
باب
218 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الُمثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ-: مَرَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَينِ فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ". ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرِ وَاحِدَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمِ فَعَلْتَ هذا؟ قَالَ:"لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا". قَالَ ابن الُمثَنَّى: وَحَدَّثَنَا وَكيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا مِثلَهُ: "يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ". [انظر: 216 - مسلم: 292 - فتح: 1/ 322]
حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، ثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بقَبْرَيْن .. وساق الحديث. وقد سلف ما فيه.
و (خازم) بالخاء المعجمة كما سلف في المقدمات
(1)
.
(1)
سلفت ترجمته في الحديث رقم (10).
57 - باب تَرْكِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسِ الأَعْرَابِيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ فيِ المَسْجِدِ
219 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ أَنَسٍ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَأى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الَمسْجِدِ، فَقَالَ:"دَعُوهُ". حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ. [221، 6025 - مسلم: 284 - 285 - فتح: 1/ 322]
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا هَمَّامٌ، أَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَأى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ:"دَعُوهُ". حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ.
58 - باب صَبِّ المَاءِ عَلَى البَوْلِ فِي المَسْجِدِ
220 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ ابْن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِىٌّ فَبَالَ فِي الَمسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النُّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ -أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ- فَإنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ". [6128 - فتح: 1/ 324]
221 -
حَدَّثَنَا عَبدَانُ قَالَ: أَخبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. [مسلم: 284 - فتح: 1/ 324]
ثم ساق بإسناده حديث أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فِي المَسْجِدِ فبال، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ -أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ- فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ".
حَدَّثنَا عَبْدَانُ، أَنَا عَبْدُ الله، أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عن أنس به.
باب يُهَرِيقُ المَاءَ عَلَى البَوْلِ
221 -
حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ أَعرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الَمسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى بَولَهُ أَمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَيهِ. [انظر 219 - مسلم 284، 285 - فتح: 1/ 324]
ثم ساق من حديث سُلَيْمَانَ -وهو ابن بلال- عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عن أنس: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ.
والكلام على ذَلِكَ من أوجه:
أحدها:
حديث أنس أخرجه مسلم من طريق عكرمة بن عمار، عن إسحاق، وهو ابن عبد الله بن أبي طلحة
(1)
، ومن طريق يحيى القطان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس
(2)
.
وأخرجه النسائي من طريق [ابن]
(3)
المبارك عن يحيى الأنصاري
(4)
، ورواه البخاري ومسلم من حديث حماد بن زيد، عن ثابت، عنه
(5)
. وشيخ عبدان هو عبد الله بن المبارك.
(1)
مسلم (285) كتاب: الطهارة، باب: وجوب غسل البول.
(2)
مسلم (284/ 99) كتاب: الطهارة، باب: وجوب غسل البول.
(3)
ساقطة من الأصل.
(4)
"سنن النسائي" 1/ 48.
(5)
سيأتي برقم (6025) كتاب: الأدب، باب: الرفق في الأمر كله، ورواه مسلم (284/ 98) كتاب: الطهارة، باب: وجوب غسل البول.
وأما حديث أبي هريرة فمن أفراده عن مسلم، وأخرجه أيضًا في الأدب
(1)
.
ثانيها:
هذا الأعرابي هو ذو الخويصرة اليمانى، كما ساقه أبو موسى المديني في "معرفة الصحابة" فاستفده
(2)
.
ثالثها: في ألفاظه:
الأعرابي: هو الذي يسكن البادية وإن لم يكن من العرب.
والمسجِد بكسر الجيم ويجوز فتحها.
والسَجْل -بفتح السين المهملة وسكون الجيم- الدلو الضخمة المملوءة مذكر. قَالَ ابن سيده: وقيل: هو ملؤها والجمع سجال وسجول. ولا يقال لها فارغة: سَجل، ولكن دلو
(3)
.
وعند أبي منصور الثعالبي: حتى يكون فيها ماء قل أو كثر بخلاف الذَّنوب، فإنها لا تسمى بذلك إلا إذا كانت ملأى
(4)
.
والذنوب -بفتح الذال المعجمة- يذكر ويؤنث.
(1)
سيأتي برقم (6128) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا".
(2)
ذكره ابن الأثير في "أسد الغابة" 2/ 173 ولم يذكر في ترجمته سوى حديث بوله في المسجد وعزاه لأبي موسى المديني. وكذا ذكره ابن حجر في "الإصابة" 1/ 485 (2451).
وورد بهامش الأصل ما نصه: وقال الذهبي في ترجمة ذي الخويصرة: الذي يروى في حديث مرسل هو الذي بال في المسجد وقد رأيت بخط بعض الفضلاء أنه عيينة بن حصن، ونقله عن أمالي أحمد بن فارس اللغوي.
(3)
"المحكم" 7/ 194.
(4)
انظر: "الصحاح" 5/ 1725، "غريب الحديث والأثر" 2/ 343، 344، "لسان العرب" 4/ 1945.
وقوله: (فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ). قَالَ ابن التين: هذا إنما يصح على ما قاله سيبويه؛ لأنه فعل ماض وهاؤه ساكنة، وأما على الأصل فلا تجتمع الهمزة والهاء في الماضي. قَالَ: ورويناه بفتح الهاء، ولا أعلم لذلك وجهًا.
وقوله: (فَصَبَّهُ عَلَيْهِ). كذا في هذِه الرواية، وفي بعض طرق مسلم: فشنه
(1)
بالشين المعجمة، وروي بالمهملة وهو: الصب. وفرق بعضهم بينهما فقال: بالمهملة: الصب في سهولة. وبالمعجمة: التفريق في الصب.
رابعها: في أحكامه وفوائده:
الأولى: نجاسة بول الآدمي وهو إجماع، وسواء الكبير والصغير بإجماع من يعتد به، لكن بول الصغير يكفي فيه النضح كما ستعلمه في الباب بعده
(2)
.
الثانية: طهارة الأرض بصب الماء عليها. ولا يشترط حفرها، وهو
مذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا تطهر إلا بحفرها
(3)
، وفيه حديث مرسل
(4)
، ولا يكفي مرور الشمس عليها، ولا الجفاف عند أحمد
(1)
"صحيح مسلم"(285) كتاب: الطهارة، باب: وجوب غسل البول.
(2)
سيأتي في باب بول الصبيان حديث رقم (223).
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 133 - 134.
(4)
رواه أبو داود (381) عن موسى بن إسماعيل، عن جرير بن حازم، عن عبد الملك ابن عمير، عن عبد الله بن معقل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه
…
"، وقال أبو داود: هو مرسل، ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم. ومن طريقه أخرجه الدارقطني في "سننه" 1/ 132، وقال: عبد الله بن معقل تابعي، وهو مرسل. وأخرجه البيهقي أيضا من طريق أبي داود 1/ 428.
ومن طريق الدارقطني أخرجه ابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 77 - 78 وقال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال أحمد: هذا حديث منكر. وقال أبو داود السجستاني: وقد روي مرفوعًا ولا يصح.
وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 325: بعدما ذكر مرسل ابن معقل ومرسل طاوس: ورواتها ثقات، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(407) واعتمد على تقوية الحافظ له وعلى الشاهد، وهو المرسل الثاني الذي روي عن طاوس كما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 425 (1662) عن معمر، عن ابن طاوس، عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أيضًا عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس به.
وأخرجه أيضًا الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 14 من طريق ابن عيينة به، وعزاه الحافظ في "التلخيص" 1/ 37 لسعيد بن منصور، وقد أشار الحافظ في "الفتح" 1/ 325 لصحة إسناده. وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (407): وهذا مرسل صحيح الإسناد أيضًا.
وقد روي موصولًا عن عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع، أما حديث ابن مسعود فرواه أبو يعلى في "مسنده" 6/ 310 (3626) من طريق أبي بكر بن عياش، عن سمعان بن مالك المالكي، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 14 (13) من طريق يحيى بن عبد الحميد، عن أبي بكر بن عياش به، والدارقطني في "سننه" 1/ 131 - 132 من طريق أبي هشام الرفاعي، عن أبي بكر بن عياش به، وقال: سمعان مجهول. وقال في "العلل" 5/ 80: يرويه أبو بكر بن عياش واختلف عنه، فرواه يوسف الصفار وأبو كريب وحسين بن عبد الأول عن أبي بكر بن عياش، عن سمعان المالكي.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة ويحيى الحماني، وسليمان بن داود الهاشمي وأبو هشام الرفاعي، عن أبي بكر، عن سمعان بن مالك، وقال أحمد بن محمد بن أيوب، عن أبي بكر، عن المعلى بن سمعان الأسدي. قال أحمد بن يونس، عن أبي بكر، عن المعلى المالكي، ويقال: إن الصواب المعلى بن سمعان والله أعلم. اهـ. ورواه ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" بإسناده إلى الدارقطني 1/ 78 وقال: قلت: وأبو هشام الرفاعي ضعيف.
قال البخاري: رأيتهم أجمعوا على ضعفه، وقال ابن أبي حاتم في "الجرح =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والتعديل" 4/ 316: سمعت أبا زرعة يقول: إنه حديث منكر، وسمعان ليس بالقوي، وقال في "العلل": سمعت أبا زرعة يقول في حديث سمعان في بول الأعرابي: هذا حديث ليس بالقوي.
وقال ابن حجر في "الفتح" 1/ 325: أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف، قاله أحمد وغيره. وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 286: رواه أبو يعلى، وفيه: سمعان بن مالك، قال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال ابن خراش: مجهول، وبقية رجاله رجال الصحيح.
أما حديث أنس فرواه أبو يعلى في "مسنده" 6/ 311 (3627) قال: حدثنا أبو هشام، حدثنا أبو بكر، حدثنا منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس بمثل حديث ابن مسعود.
وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 286: إسناده رجاله رجال الصحيح. وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 334، "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 78: رواه أبو داود محمد بن صاعد، عن عبد الجبار بن العلاء، عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس به، ثم قال: قال الدارقطني: وهم عبد الجبار على ابن عيينة؛ لأن أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه عن يحيى بن سعيد، فلم يذكر أحدهم الحفر.
إنما روى ابن عيينة هذا عن عمرو بن دينار، عن طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"احفروا مكانه" مرسلًا واختلط على عبد الجبار المتنان.
وأما حديث واثلة فقد عزاه الحافظ في "التلخيص" 1/ 37 إلى أحمد والطبراني.
وقال: وفيه عبيد الله بن حميد الهذلي، وهو منكر الحديث، قاله البخاري وأبو حاتم. اهـ.
ولم أجده في "المسند" وما في الطبراني فهو من رواية أنس التي ليس فيها الحفر كما في "المعجم الكبير" 22/ 77 (192)، وقد وجدت كلامًا للألباني في "صحيح أبي داود" 2/ 407 - 408 يصرح فيه بعدم وجود الحديث في "المسند" وكذا قال محقق "المطالب العالية".
وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 37: إلا أن هذِه الطريق المرسلة -طريق ابن معقل- مع صحة إسنادها إذا ضمت إلى أحاديث الباب أخذت قوة.
والشافعي خلافًا لأبي حنيفة
(1)
.
الثالثة: إن غسالة النجاسة طاهرة، وهو أصح الأقوال عندنا، إن طهر المحل ولم تنفصل متغيرة
(2)
، فإن اختل شرط فهي نجسة
(3)
.
الرابعة: الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعسف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة استخفافًا أو عنادًا، فإنه صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم، وبالمؤمنين رءوف رحيم.
الخامسة: دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما لقوله: "دعوه". وفي رواية أخرى في مسلم: "لا تزرموه"
(4)
أي: لا تقطعوا عليه بوله فإنه لو قطع عليه بوله لتضرر، وأصل التنجيس قد حصل فلا يزاد.
السادسة: قوة الوارد، وأنه يطهر إذا غلب ولم يغير.
السابعة: تطهير المساجد من النجاسات وتنزيهها عن الأقذار.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 133 - 134، "روضة الطالبين" 1/ 28، "الكافي " لابن قدامة 1/ 191.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ولم تزد وزنًا.
(3)
"البيان" 1/ 49، 50.
(4)
انظر: "مسلم" برقم (285).
59 - باب بَوْلِ الصِّبْيَانِ
222 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الُمؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ. [5468، 6002، 6355 - مسلم: 286 - فتح: 1/ 235]
223 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أُمّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ على ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. [5693 - مسلم: 287 - فتح: 1/ 326]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ، فَبَالَ على ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيِّاهُ.
أخبرنا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ، أنَا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ.
الكلام عليهما من أوجه:
أحدها:
حديث عائشة أخرجه البخاري هنا وفي الدعوات
(1)
والعقيقة
(2)
والأدب
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (6355) باب: الدعاء للصبيان بالبركة.
(2)
سيأتي برقم (5468) باب: تسمية المولود.
(3)
سيأتي برقم (6002) باب: وضع الصبي في الحجر.
وأخرجه مسلم هنا
(1)
وفي الاستئذان
(2)
، وحديث أم قيس أخرجه مسلم هنا وفي الطب
(3)
، والأربعة
(4)
، وذكر الترمذي له طرقًا
(5)
وأهمل طريق أم كرز في أحمد وابن ماجه
(6)
.
وقال الأصيلي فيما حكاه ابن بطال
(7)
: انتهى آخر حديث أم قيس إلى قوله: (فنضحه)، وقوله:(ولم يغسله)، من قول ابن شهاب، وقد رواه معمر، عن ابن شهاب فقال: فنضحه ولم يزد
(8)
.
(1)
مسلم (286) كتاب: الطهارة، باب: حكم بول الطفل
…
(2)
مسلم (2147) كتاب: الأدب، باب: استحباب تحنيك المولود عند ولادته بنحوه.
وورد بهامش الأصل: من خط المصنف، النسائي وابن ماجه هنا وأبو داود في الأدب وأهمله ابن عساكر.
(3)
"صحيح مسلم"(287) كتاب: الطهارة، باب: حكم بول الطفل الرضيع، و (287/ 86) كتاب: السلام، باب: التداوي بالعود الهندي.
(4)
أبو داود (374)، الترمذي (71)، النسائي 1/ 157، ابن ماجه (524).
(5)
وفي الباب عن علي وعائشة وزينب ولبابة بنت الحارث وأبي السمح، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو وأبي ليلى.
(6)
ابن ماجه (527)، وأحمد 6/ 422 (27370). ومن طريقه الطبراني في "الكبير 25/ 168 (408) وعبد الكريم القزويني في "تدوينه" 2/ 354، وابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 105. كلهم من طريق أبو بكر الحنفي، عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أم كرز الخزاعية به. وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 76 - 77: هذا إسناد منقطع عمرو بن شعيب لم يسمع من أم كرز وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب رواه أبو داود، والترمذي وقال: وفي الباب عن أم قيس وعائشة وزينب ولبابة بنت الحارث وأبي السمح وغيرهم. وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (426) بما قبله، ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص 1/ 251 (824). وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 285: رواه الطبراني في "الأوسط" وإسناده حسن.
(7)
"شرح ابن بطال" 1/ 332.
(8)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 379 - 380 (1485)، ومن طريقه أحمد في =
ورواه ابن عيينة، عن ابن شهاب، فقال فيه: فَرَشَّه ولم يزد، رواه ابن أبي شيبة
(1)
.
قُلْتُ: ولا يقدح في رواية مالك لصحتها وللمتابعة عليها
(2)
.
ثانيها:
الصبي المذكور في حديث عائشة يحتمل أن يكون عبد الله بن الزبير
= "مسنده" 6/ 356 (27000)، وأبو عوانة 1/ 173 (521).
(1)
"المصنف" 1/ 113 (1287) كتاب: الطهارات، باب: في بول الصبي الصغير .. والحديث رواه مسلم إثر حديث (287) كتاب: الطهارة، باب: حكم بول الطفل الرضيع
…
والترمذي (71)، وابن ما جه (524)، والحميدي (346)، وأحمد 6/ 355، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 6/ 51 (3253)، وابن الجارود (139)، وابن خزيمة 4/ 141 (285)، وأبو عوانة 1/ 172 - 173 (519)، والبيهقي في "سننه" 2/ 414.
(2)
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 327 قوله: (ولم يغسله) ادعى الأصيلي أن هذِه الجملة من كلام ابن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند قوله: "فنضحه"
قال: وكذلك روى معمر، عن ابن شهاب، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال:"فرشه" لم يزد على ذلك انتهى.
وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج، وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك لكنه لم يقل:"ولم يغسله" وقد قالها مع مالك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب، أخرجه بن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم، وهو لمسلم عن يونس وحده. نعم زاد معمر في روايته قال: قال ابن شهاب: فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية، فلو كانت هذِه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج، لكنها غيرها فلا إدراج.
وأما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك، فإن ذلك لفظ رواية ابن عيينة، عن ابن شهاب، وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبينا أنها غير مخالفة لرواية مالك والله أعلم.
أو الحسن أو الحسين، لروايات في ذَلِكَ سقتها في تخريجي لأحاديث الرافعي فليراجع منه
(1)
.
ثالثها:
أم قيس اسمها آمنة بنت وهب بن محصن، قاله السهيلي
(2)
. وقال أبو عمر: اسمها جذامة
(3)
.
رابعها:
الصبي جمعه صبيان -بضم الصاد وكسرها- الغلام من حين يولد إلى أن يبلغ
(4)
.
خامسها:
معنى (فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ): رشَّه. وفي أخرى: فنضحه. والمعنى واحد.
سادسها:
الابن في حديث أم قيس لا يقع إلا على الذكر خاصة، بخلاف الولد فإنه يقع عليه وعلى الأنثى.
سابعها:
قولها: (لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ). هو في موضع خفض صفة لابن.
والطعام: ما يؤكل اقتياتًا، فيخرج ما يحنك به عند الولادة، وربما خص الطعام بالبُر، كما في حديث أبي سعيد في الفطرة. ومعنى لم يأكله: لم يستعن به ويصير له غذاء عوضًا عن الإرضاع، لا أنه لم يدخل جوفه شيء قط، فإن الصحابة كانوا يأتون بأبنائهم ليدعُوَ لهم.
(1)
"البدر المنير" 1/ 543.
(2)
"الروض الأنف" 2/ 196.
(3)
"التمهيد" 9/ 108.
(4)
"لسان العرب" 7/ 2397 مادة: صبا.
والحجر -بفتح الحاء وكسرها- لغتان مشهورتان
(1)
.
ثامنها:
النضح هو: إصابة الماء جميع موضع البول، وكذا غلبة الماء على الأصح عند أصحابنا، ولا يشترط أن ينزل عنه، ويدل عليه قولها:(فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ)، والغسل أن يغمره وينزل عنه، ولا يشترط العصر هنا.
وهل النضح بالمهملة كالمعجمة أو بينهما فُرقان؟ فيه اختلاف ذكرته في "شرح العمدة" فراجعه
(2)
.
تاسعها: في أحكامه وفوائده:
وأهمها: الاكتفاء بالنضح في بول الصبي، وهو مخالف للجارية في ذَلِكَ، وهو الصحيح عند أصحابنا
(3)
، وبه قَالَ أحمد
(4)
.
وخالف أبو حنيفة ومالك في المشهور عنهما، فقالا: لابد من غسلهما تسوية بينهما
(5)
، وربما حملوا النضح على الغسل، وهو ضعيف؛ لنفي الغسل والتفرقة بينهما في الحديث، وعندنا وجه أنه يكفي النضح في الجارية أيضًا
(6)
وهو مصادم للنص، وهو حديث
(1)
انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 747، "لسان العرب" 2/ 782، "صحيح مسلم بشرح النووي" 3/ 194.
(2)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 677.
(3)
انظر: "المجموع" 2/ 607، 608، "مغني المحتاج" 1/ 84، 85.
(4)
انظر: "الكافي" 1/ 192، 193، "الإقناع" 1/ 94.
(5)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 69، 70، "المدونة" 1/ 27، "عارضة الأحوذي" 1/ 93، 94.
(6)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 31، "المجموع" 2/ 608.
علي
(1)
في الفرق بينهما في السُنن.
واختلف في السر في الفرق بينهما على أقوال كثيرة، ومنها ما ذكره ابن ماجه بإسناده إلى الشافعي أن بول الغلام
(2)
من الماء والطين، وبولها من اللحم والدم
(3)
.
وفي الحديث أيضًا: التبرك بأهل الصلاح والخير وإحضار الصبيان لهم، وسواء فيه وقت الولادة وبعدها
(4)
، وأن قليل الماء لا ينجسه قليل
(1)
رواه أبو داود (378) كتاب: الطهارة، باب: بول الصبي يصيب الثوب.
بلفظ: "يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام".
ورواه الترمذي (610)، وابن ماجه (525)، وابن خزيمة 1/ 143، 144 (284)، وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(403): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: يغسل من بول الجارية ويرش من بول غلام رووه خلا النسائي وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي من رواية أبي السمح مالك وقيل: إياد والحاكم وقال صحيح وقال [ .... ] انتهى -يعني: كلام المصنف- في تخريج أحاديث الرافعي له.
(3)
"سنن ابن ماجه" عقب حديث (525).
وقال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" 2/ 78، 79:
والفرق بين الصبي والصبية من ثلاثة أوجه:
أحدها: كثرة حمل الرجال والنساء للذكر، فتعم البلوى ببوله، فيشق عليه غسله.
والثاني: أن بوله لا ينزل في مكان واحد، بل ينزل متفرقًا ها هنا وها هنا، فيشق غسل ما أصابه كله، بخلاف بول الأنثى.
الثالث: أن بول الأنثى أخبث وأنتن من بول الذكر، وسببه حرارة الذكر ورطوبة الأنثى؛ فالحرارة تخفف من نتن البول وتذيب منها ما لا يحصل مع الرطوبة، وهذِه معان مؤثرة يحسن اعتبارها في الفرق.
(4)
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في "تيسير العزيز الحميد" 1/ 153 - 154. =
النجاسة إذا غلب عليها، وأن التطهير لا يفتقر إلى إمرار اليد، وإنما المقصود الإزالة ووجوب غسل بول الصبي إذا طعم، ولا خلاف فيه، والندب إلى حمل الآدمي وما يعرض لبنيه، وجبر قلوب الكبار بإكرام أطفالهم وإجلاسهم في الحجر وعلى الركبة ونحو ذلك.
= تنبيه: ذكر بعض المتأخرين أن التبرك بآثار الصالحين مستحب كشرب سؤرهم، والتمسح بهم أو بثيابهم، وحمل المولود إلى أحد منهم ليحنكه بتمرة حتى يكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين، والتبرك بعرقهم ونحو ذلك.
وقد أكثر من ذلك أبو زكريا النووي في "شرح مسلم" في الأحاديث التي فيها أن الصحابة فعلوا شيئًا من ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم، وظن أن بقية الصالحين في ذلك كالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خطأ صريح لوجوه:
منها عدم المقارنة فضلًا عن المساواة للنبي صلى الله عليه وسلم في الفضل والبركة. ومنها عدم تحقق الصلاح، فإنه لا يتحقق إلا بصلاح القلب، وهذا أمر لا يمكن الإطلاع عليه إلا بنص كالصحابة الذين أثنى الله عليهم ورسوله، أو أئمة التابعين، أو من شهر بصلاح ودين كالأئمة الأربعة ونحوهم الذين تشهد لهم الأمة بالصلاح، وقد عدم أولئك، أما غيرهم فغاية الأمر أن نظن أنهم صالحون فنرجو لهم.
ومنها أنا لو ظننا صلاح شخص فلا نأمن أن يختم الله له بخاتمة سوء، والأعمال بالخواتيم فلا يكون أهلًا للتبرك بآثاره.
ومنها أن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك مع غيره لا في حياته، ولا بعد موته، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه فلا فعلوه مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ونحوهم من الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكذلك التابعون فهلَّا فعلوه مع سعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين وأويس القرني، والحسن البصري، ونحوهم ممن يقطع بصلاحهم. فدل أن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها أن فعل هذا مع غيره صلى الله عليه وسلم، لا يؤمن أن يفتنه، وتعجبه فسه فيورثه العجب والكبر والرياء، فيكون هذا كالمدح في الوجه بل أعظم. اهـ.
60 - باب البَول قَائِمًا وَقَاعِدًا
224 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِل، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ. [225، 226، 2471 - مسلم: 273 - فتح: 1/ 328]
حَدَّثَنَا آدَمُ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ به.
كذا ترجم على القاعد والقائم ولم يذكر إلا القائم، وكأنه يقول: إذا جاز قائمًا فقاعدًا أجوز لأنه أمكن. ثم قَالَ:
61 - باب البَوْلِ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَالتَّسَتُّرِ بِالْحَائِطِ
225 -
حَدَّثَنَا عُثْمَان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُنِي أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَتَمَاشَى، فأاَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ. [انظر: 224 - مسلم: 273 - فتح: 1/ 329]
حَدَّثنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَأَيْتُنِي أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نتَمَاشَى، فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ.
62 - باب البَوْلِ عِنْدَ سُبَاطَةِ قَوْمٍ
226 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ يُشَدِّدُ فِي البَوْلِ، ويَقُولُ: إِنَّ بَنِي اِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَيْتَهُ أَمْسَكَ، أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا. [انظر: 224 - مسلم:273 - فتح: 1/ 239]
حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، ثنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ يُشَدِّدُ فِي البَوْلِ، وَيَقُولُ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَيْتَهُ أَمْسَكَ، أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا.
الكلام على ذَلِكَ من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه في المظالم
(1)
، وأخرجه مسلم
(2)
والأربعة هنا أيضًا
(3)
.
وأبو وائل اسمه شقيق بن سلمة أسدي مشهور، وانفرد أبو داود
(4)
(1)
سيأتي برقم (2471) الوقوف والبول عند سباطة قوم.
(2)
"صحيح مسلم"(273) كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين.
(3)
أبو داود (23)، الترمذي (13)، النسائي 1/ 19، ابن ماجه (305).
(4)
قلت: بل أخرج له أيضًا الترمذي وابن ماجه كما ذكره المزي في "تهذيب الكمال" 14/ 323 - 324 في ترجمة عبد الله بن بحير. وقد وقفت له على حديثين في الترمذي برقم (2308)، (3333) وعند ابن ماجه وقفت على حديث له برقم (4267) وننبه بأن بعض طبعات "جامع الترمذي" جعلته عبد الله بن بُجَير وهو خطأ: إذ أن عبد الله بن بجير لم يروي له إلا أبو داود في "المراسيل". وقد ذكر ابن الملقن مرة أخرى أن أبا داود انفرد بأبي وائل عبد الله بن بحير عند شرحه لحديث (297).
بأبي وائل القاص عبد الله بن بَحير
(1)
وليس في الكتب الستة غير هذين بهذِه الكنية، وصرح الحميدي في "مسنده" سماع الأعمش إياه من أبي وائل
(2)
، وكذا أحمد بن حنبل
(3)
.
وقال الدارقطني: رواه عاصم بن بَهْدَلة وحماد بن أبي سليمان، عن أبي وائل، عن المغيرة وهو خطأ
(4)
.
وقال الترمذي وجماعة من الحفاظ فيما حكاه البيهقي: حديث الأعمش ومنصور، عن أبي وائل، عن حذيفة أصح من رواية عاصم وحماد
(5)
.
وجمع ابن خزيمة بينهما في الحديث، وساق حديث حماد وعاصم
(6)
، ورواه ابن ماجه من حديث عاصم، عن أبي وائل، عن المغيرة
(7)
، وعن عاصم عن المغيرة بإسقاط أبي وائل
(8)
.
(1)
عبد الله بن بحير بن ريسان المراداي أبو وائل القاص اليماني الصنعاني والد يحيى بن عبد الله. وثقه بن معين. وقال على بن المديني: سمعت هشام بن يوسف وسئل عن عبد الله بن بحير القاص الذي روى عن هانئ مولى عثمان. فقال: كان يتقن ما يسمع. وذكره ابن حبان في "الثقات" روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. وانظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 5/ 15 (69). و"ثقات ابن حبان" 8/ 331. و"تهذيب الكمال" 14/ 323 (3174).
(2)
"مسند الحميدي" 1/ 409 (447). وإسناده: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الأعمش، قال سمعت أبا وائل يقول: سمعت حذيفة
(3)
"مسند أحمد" 5/ 382. وإسناده: ثنا سفيان ثنا الأعمش، ثنا شقيق عن حذيفة، 5/ 402 وإسناده: ثنا يحيى بن سعيد، عن الأعمش حدثني شقيق عن حذيفة.
(4)
"علل الدارقطني" 7/ 95 (1234).
(5)
"سنن الترمذي"(13)، "سنن البيهقي الكبرى" 1/ 101.
(6)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 37 (63).
(7)
"سنن ابن ماجه"(306).
(8)
لم أقف على هذِه الطريق عند ابن ماجه ولم يذكرها المزي في "تحفة الأشراف".
ثانيها:
السُّباطة -بضم السين وفتح الباء الموحدة
(1)
-: الموضع الذي يرمى فيه التراب ونحوه يكون بفناء الدور مرفقًا لأهلها، ويكون ذَلِكَ في الغالب سهلًا فلا يرد على بائله. وقيل: إنها الكناسة نفسها
(2)
.
ثالثها:
كانت هذِه السباطة بالمدينة كما ذكره محمد بن طلحة بن مصرف عن الأعمش.
رابعها:
بوله صلى الله عليه وسلم في هذِه السباطة يحتمل أوجهًا:
أظهرها: أنهم كانوا يؤثرون ذَلِكَ، ولا يكرهونه بل يفرحون به، ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه والأكل من طعامه، بل كانوا يستشفون به، بل ورد أن الأرض تبتلع ما يخرج منه ويفوح له رائحة طيبة
(3)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: لا حاجة إلى تقييد الباء بالفتح لأنه لا يكون قبل الألف إلا مفتوح.
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 2/ 335، "مسلم بشرح النووي" 3/ 165، "لسان العرب" 4/ 1922 مادة:(سبط).
(3)
روى هذا الخبر ابن سعد في "الطبقات" 1/ 170 - 171 من طريق الفضل بن إسماعيل، عن عنبسة، عن محمد بن زاذان، عن أم سعد، عن عائشة: بلفظ: "قلت يا رسول الله تأتي الخلاء منك شيء من الأذى! فقال: "أوما علمت يا عائشه أن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء فلا يرى منه شيء"
ومن نفس الطريق أخرجه الطبراني في "الأوسط" 8/ 21 (7835)، وأبو نعيم في "دلائل النبوة"(364) بنحوه.
ومن طريق ليلى مولاة عائشة عنها، أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 176 بنحو ما أخرجه ابن سعد وبزيادة "وأجد رائحة المسك". =
ثانيها: أنها كانت مواتًا مباحة لا اختصاص لهم بها، وكانت بفناء دورهم للناس كلهم، فأضيفت إليهم؛ لقربها منهم، فإضافتها إضافة اختصاص لا ملك.
ثالثها: أن يكونوا أذنوا في ذَلِكَ إما صريحًا أو دلالة.
خامسها:
روى وكيع، عن زائدة، عن زكريا، عن عبد العزيز أبي عبد الله، عن مجاهد: ما بال صلى الله عليه وسلم قائمًا إلا مرة واحدة في كثيب أعجبه
(1)
. وهذا الحديث يرده.
سادسها:
المعروف من عادته عليه أفضل الصلاة والسلام البعد في المذهب. وأما بوله في هذِه السباطة؛ فلأنه صلى الله عليه وسلم كان من الشغل بأمور المسلمين
= ومن طريق حسين بن علوان، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة. وقال: صلى الله عليه وسلم لهذِه الأحاديث كلها أصول -يقصد أحاديث حسين بن علوان- إلا حديث السخاء، فإنه يعرف من حديث الأعرج، عن أبي هريرة. ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" 6/ 70 وقال: فهذا من موضوعات الحسين بن علوان لا ينبغي ذكره ففي الأحاديث الصحيحة والمشهورة في معجزاته كفاية عن كذب ابن علوان.
ورواه أيضًا الخطيب في "تاريخ بغداد" 8/ 62 ونقل تضعيف أئمة الجرح والتعديل للحسين بن علوان. وأخرجه ابن الجوزي في "العلل" من طريقين عن هشام بن عروة وقال: هذا لا يصح.
أما الطريق الأول: ففيه الحسين بن علوان كذبه أحمد ويحيى، وقال النسائي وأبو حاتم والدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن عدي: كان يضع الحديث.
وأما الطريق الثاني: فقال الدارقطني: تفرد به محمد بن حسان، قال أبو حاتم الرازي: كان كذابًا.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 116 (1320). وفيه: وكيع عن زكريا عن عبد العزيز
…
والنظر في مصالحهم بالمحل المعروف، فلعله طال عليه المجلس حتى حضره البول فلم يمكن التباعد، ولو أبعد لتضرر، وارتاد السباطة لدمثها، وقام حذيفة بقربه؛ ليستره عن الناس.
سابعها:
في سبب بوله صلى الله عليه وسلم قائمًا أوجه:
أحدها: أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب به، فلعل ذَلِكَ كان به
(1)
.
ثانيها: أنه فعل ذلك لجرح كان بمأبضه، والمأبض باطن الركبة.
ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: رواته كلهم ثقات
(2)
. وفيه نظر لا جرم ضعفه البيهقي وغيره
(3)
.
ثالثها: أنه لم يجد مكانًا للقعود فاضطر إلى القيام؛ لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليًا مرتفعًا.
رابعها: أنه فعل ذَلِكَ؛ لأنها حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر، بخلاف القعود.
ومنه قول عمر رضي الله عنه: البول قائما أحصن للدبر
(4)
.
(1)
حكاه البيهقي 1/ 101 عن الشافعى.
(2)
"المستدرك" 1/ 182 عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائمًا من جرح كان بمأبضه ثم قال: هذا حديث صحيح تفرد به حماد بن غسان ورواته كلهم ثقات. وتعقبه الذهبي بقوله: في إسناده حماد ضعفه الدارقطني. اهـ بتصرف.
(3)
"سنن البيهقي الكبرى" 1/ 101. حيث قال: حديث لا يثبت مثله. وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" 3/ 165: ضعيف. وقد رواه الخطابي في "معالم السنن" 1/ 18. وقال الذهبي في "المهذب" 1/ 110: قلت: هذا منكر.
(4)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 1/ 322. والبيهقي في "سننه" 1/ 102. وعزاه الحافظ في "الفتح" 1/ 330، والهندي في "كنز العمال"(27244) لعبد الرزاق.
خامسها: أنه فعله لبيان الجواز، وعادته المستمرة القعود، دليله حديث عائشة: من حدثكم أنه صلى الله عليه وسلم كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا. رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد جيد، لا جرم صححه ابن حبان والحاكم وقال: على شرط البخاري ومسلم.
وقال الترمذي: إنه أحسن شيء في الباب وأصح
(1)
.
سادسها: لعله كانت في السباطة نجاسات رطبة، وهي رخوة،
(1)
رواه الترمذي (12)، وقال: حديث عائشة أحسن شيء في هذا الباب، والنسائي 1/ 26، وابن ماجه (307)، وأحمد 6/ 136، وابن حبان 4/ 278 (1430)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 185، وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وكأنهما تركاه لما رأياه معارضًا لخبر حذيفة. ووافقه الذهبي، وقال في "المهذب" 1/ 111: سنده صحيح، ورواه أيضًا أبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 296، والبيهقي في "سننه" 1/ 101 - 102.
وقال السيوطي في "شرحه لسنن النسائي" 1/ 26 - 27 وكذا السندي في "حاشيته" 1/ 26 - 27. أخرجه الترمذي وقال: أنه أحسن شيء في هذا الباب وأصح، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وقال الشيخ ولي الدين: هذا الحديث فيه لين؛ لأن فيه شريكًا القاضي، وهو متكلم فيه بسوء الحفظ، وقول الترمذي أنه أصح شيء في الباب لا يعني تصحيحه، ولذلك قال ابن القطان: إنه لا يقال فيه صحيح، وتساهل الحاكم في التصحيح معروف، وكيف يكون على شرطهما مع أن البخاري لم يخرج لشريك بالكلية، ومسلم خرج له استشهادًا لا احتجاجًا وحديث حذيفة أصح منه؟. اهـ.
وقال أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه" 4/ 278: هذا الخبر يوهم غير المتبحر في صناعة الحديث أنه مضاد لخبر حذيفة وليس كذلك.
وقد صحح الحديث الألباني في "السلسلة الصحيحة"(201) بمتابعة سفيان الثوري لشريك، عن المقدام كما عند أبي عوانة والبيهقي وأحمد وغيرهم وأشار إلى وهم العراقي، ومن بعده السيوطي والسندي وغيرهم.
فخشي أن يتطاير عليه، أبداه المنذري.
وقد يقال: القائم أجدر بهذِه الخشية من القاعد، واعلم أن بعضهم ادعى نسخ حديث حذيفة بعائشة.
قَالَ أبو عوانة في "صحيحه" بعد أن أخرجه بلفظ: ما بال قائمًا منذ أنزل عليه القرآن. حديث حذيفة منسوخ بهذا
(1)
.
وقال الحاكم في "مستدركه" بعد أن أخرجه بلفظ: ما رأى أحد النبي صلى الله عليه وسلم يبول قائمًا منذ أنزل عليه القرآن: الذي عندي أنهما لما اتفقا على حديث حذيفة وجدا حديث عائشة معارضًا له تركاه
(2)
-ولك أن تقول: إنه غير معارض؛ لأن عائشة أخبرت بما شاهدت ونفت ما علمت وذلك الأغلب من حاله، ثم المثبت مقدم على النافي
(3)
، ثم حذيفة من الأحدثين، فكيف يتجه النسخ؟!
ثامنها:
روي في النهي عن البول قائمًا أحاديث لا تثبت، وحديث عائشة السالف ثابت.
ومن الأحاديث الضعيفة حديث جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل أن يبول قائمًا
(4)
. وسبب ضعفه عدي بن الفضل راويه.
(1)
"مسند أبي عوانة" 1/ 196 (504).
(2)
"المستدرك" 1/ 185.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: من خط المصنف، وروى ابن ماجه، عن سفيان بن سعيد: الرجل أعلم بهذا من المرأة.
(4)
رواه ابن ماجه (309)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 94 ترجمة (1540)، وابن شاهين في "ناسخه"(385)، والبيهقي 1/ 102. وقال البوصيري: في "مصباح الزجاجة" 1/ 45: إسناد جابر ضعيف لاتفاقهم على ضعف عدي بن الفضل، وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (64): ضعيف جدًا.
وحديث بريدة مرفوعًا: "ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا" الحديث. قَالَ الترمذي: غير محفوظ
(1)
. لكن البزار أخرجه بسند جيد
(2)
.
وحديث عمر: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائمًا فقال: "يا عمر، لاتبل قائمًا" فما بلت قائمًا بعد
(3)
.
قَالَ الترمذي: إنما رفعه عبد الكريم، وهو ضعيف.
وروى عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قَالَ: قَالَ عمر: ما بلت قائمًا منذ أسلمت
(4)
.
(1)
ذكره عقب الرواية (12) كتاب: الطهارة، باب: البول قاعدًا.
(2)
رواه البزار كما في "كشف الأستار" 1/ 266 (547)، والطبراني في "الأوسط" 6/ 129 (5998). وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 3/ 495، 496 ترجمة (1654) بلفظ: "أربع من الجفاء
…
".
(3)
رواه ابن ماجه (308)، والحاكم 1/ 185، والبيهقي 1/ 102.
وقال البوصيري في "الزوائد" 1/ 45: عبد الكريم مجمع على تضعيفه، وفد تفرد بهذا الخبر وعارضه خبر عبيد الله بن عمر العمري الثقة المأمون المجمع على تثبته، ولا يغتر بتصحيح ابن حبان لهذا الخبر من طريق هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر فإنه قال بعده: أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمعه من نافع، وقد صح ظنه فإن ابن جريج إنما سمعه من ابن أبي المخارق كما ثبت في رواية ابن ماجه هذِه ورواية الحاكم في "المستدرك" واعتذر عن تخريجه أئمة إنما أخرجه في المتابعات.
وحديث عبيد الله العمري أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" والبزار في "مسنده" وحديث بريدة أخرجه البخاري في "تاريخه" والبزار في "مسنده" ورجاله رجال ثقات إلا أنه معلول. اهـ.
وقال ابن المنذر في "الأوسط": لا يثبت لأن الذي رواه عبد الكريم أبو أمية، قال يحيى بن معين: عبد الكريم البصري ضعيف
…
إلخ. 1/ 337 - 338، وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (63): ضعيف.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 116 (1324)، والبزار كما في "كشف الأستار" 1/ 130 (244)، وقال الهيثمي: في "مجمع الزوائد" 1/ 206: رواه البزار ورجاله ثقات.
وهذا أصح منه
(1)
.
وأما ابن حبان فأخرجه في "صحيحه" وقال: أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمعه من نافع
(2)
.
وقال الكرابيسي في كتاب "المدلسين": روى الأعمش، عن زيد بن وهب، أنه رأى عمر بال قائمًا، فخالف رواية الحجازيين.
وقال ابن المنذر: ثبت أن عمر
(3)
وابنه
(4)
وزيد بن ثابت
(5)
وسهل بن سعد
(6)
بالوا قيامًا. قَالَ: وروي ذَلِكَ عن علي
(7)
(1)
"جامع الترمذي" عقب حديث (12).
(2)
"صحيح ابن حبان" 4/ 271، 272 عقب الرواية (1423).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 115 (1310)، وابن المنذر في "الأوسط" 1/ 334.
(4)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 64 برواية يحيى، وابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 115 (1313)، وابن المنذر في "الأوسط" 1/ 335.
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 115 (1312)، وابن المنذر في:"الأوسط" 1/ 335.
(6)
رواه ابن أبي شيبة في "مسنده" 1/ 95 (112)، والروياني في "مسنده" 2/ 194 (1025)، وابن خزيمة في "صحيحه" 1/ 36، ورواه الطبراني 6/ 147 (5801)، 6/ 153 (5822)، 6/ 171 (5895) من طرق عن أبي حازم به، ورواه ابن السكن في "الحروف" وكذا القاضي أبو الطاهر الذهلي كما في "الإمام" لابن دقيق العيد 2/ 121 وقال ابن دقيق العيد: وهذا إسناد على شرط الشيخين، فيعقوب الدورقي وعبد العزيز وأبوه مخرج لهم في الصحيحين، وشيوخ ابن السكن فيهم غير واحد من الثقات أو كلهم ثقات. اهـ. ثم حسن طريق أبي الطاهر الذهلي. وقال البوصيري في "الإتحاف" 1/ 277: إسناد صحيح رجاله ثقات، وقال ابن حجر في "المطالب العالية" 2/ 176: إسناده صحيح.
(7)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 201 بلفظ: "رأيت عليًّا بال وهو قائم حتى أرغى
…
"، ومسدد في "مسنده" كما في "الإتحاف" 1/ 277، "المطالب العالية" 2/ 173، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 115 (1311)، وابن المنذر في =
وأنس
(1)
وأبي هريرة
(2)
.
وفعل ذَلِكَ ابن سيرين وعروة بن الزبير
(3)
.
وكرهه ابن مسعود، والشعبي وإبراهيم بن سعد، وكان ابن سعد لا يجيز شهادة من بال قائمًا
(4)
، ولم يبلغه الحديث، كما قَالَ الداودي في "شرحه".
قَالَ: وفيه قول ثالث أنه إن كان في مكان يتطاير إليه من البول شيء فمكروه، وإن كان لا يتطاير فلا بأس به، وهذا قول مالك
(5)
.
قَالَ ابن المنذر: والبول جالسًا أحب إليَّ، وقائمًا مباح، وكل ذَلِكَ ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
(6)
.
= "الأوسط" 1/ 335، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 268، والبيهقي في "سننه" 1/ 288، وابن دقيق العيد في "الإمام" 2/ 209، وقال البوصيري في "الإتحاف" 1/ 277: هذا إسناد حسن. ورواه ابن سعد في "الطبقات" 6/ 241 دون لفظة: "قائم" وكذا الخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" 2/ 373. كلهم عن أبي ظبيان يقول: "رأيت عليًّا يبول قائمًا
…
". ورواه ابن سعد أيضًا في "الطبقات" 6/ 241 عن مالك بن الجون قال: "رأيت عليًّا جالسًا فبال .. ".
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المسند" كما في "المطالب العالية" 1/ 175 بلفظ: "أن أنسًا صلى الله عليه وسلم أتى المهراس فبال قائمًا ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم توجه إلى المسجد
…
". والبخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 67 - 68 مختصرًا، والضياء في "المختارة" 6/ 144 (2139).
(2)
رواه مسدد كما في "الإتحاف" 1/ 276، قال: ثنا يحيى، عن عمران بن حدير، عن رجل من أخوال المحرر بن أبي هريرة: أنه رأى أبا هريرة بال قائمًا، وعليه موردتان، فدعا بماء فغسل ما هنالك، وابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 115 (1314). قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حدير به. وقال البوصيري في "الإتحاف" 1/ 276 - 277: هذا إسناد ضعيف لجهالة تابعيه.
(3)
"الأوسط" 1/ 333، 334.
(4)
"الأوسط" 1/ 335، 336.
(5)
انظر: "المدونة" 1/ 338.
(6)
"الأوسط" 1/ 338.
وقال أصحابنا: يكره قائما كراهة تنزيه دون عذر
(1)
.
تاسعها:
قوله: (ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ). فيه جواز الاستعانة في العبادات.
وقوله: (فَتَوَضَّأَ به). إن كان المراد به الوضوء الشرعي ففيه الاستعانة بإحضار الماء للطهارة، ومطلوبية الوضوء عقب الحدث حتى يكون على طهارة، وإن كان المراد بالوضوء الاستنجاء ففيه رد على من منعه بالماء، وقد سلف ما فيه.
عاشرها:
معنى (انْتَبَذْتُ مِنْهُ) تأخرت عنه بعيدًا، وفَعَل حذيفة ذَلِكَ تأدبًا معه، لأنها حالة تخفِّي ويستحَيى منها.
حادي عشرها:
قوله: (فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ). وفي رواية فقال: "ادنه"
(2)
. قد يستدل به على جواز التكلم عند قضاء الحاجة، إلا أن يئول القول على الإشارة، إنما اسْتَدْنَاه ليستتر به عن أعين الناس، ولكونها حالة يستخفي فيها ويُسْتَحَى منها عادة كما سلف، وكلانت الحاجة بولًا يؤمن معه من الحدث الآخر، فلهذا استدناه.
وجاء في حديث آخر أنه قَالَ: "تنح" لكونه كان قاعدًا ويحتاج إلى الحدثين جميعًا.
ولهذا قَالَ بعض العلماء في هذا الحديث: من السنة القرب من البائل إذا كان قائمًا، وإن كان قاعدًا فالسنة الإبعاد عنه، وقال
(1)
انظر: "البيان" 1/ 209، "المجموع" 2/ 100.
(2)
رواها مسلم (273) كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين.
إسحاق بن راهويه: لا ينبغي لأحد يتقرب من الرجل يتغوط أو يبول جالسًا، لقوله:"تنح فإن كل بائلة تفيخ" ويروى: تفيس
(1)
.
ثاني عشرها:
مقصود حذيفة بقوله: (لَيْتَهُ أَمْسَكَ). أنَّ هذا التشديد خلاف السنة، فإنه صلى الله عليه وسلم بال قائمًا، ولا شك في كون القائم يتعرض للرشاش فلم يتكلف إلى هذا الاحتمال، ولا تكلف البول في قارورة، كما كان يفعله أبو موسى
(2)
.
ثالث عشرها:
قوله: (كَانَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ). وفي رواية: إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه
(3)
-يعني: بالجلد التي كانوا يلبسونها، كما قاله القرطبي.
قال وحمله بعض مشايخنا على ظاهره، وأن ذَلِكَ من الإصر الذي حملوه. وقرضه: أي: قطعه
(4)
.
رابع عشرها: في فوائده مختصرة:
فيه: جواز البول قائمًا، وقرب الإنسان من البائل، وطلب البائل من صاحبه الذي يسدل عليه القرب منه؛ ليستره، واستحباب التستر، وجواز البول بقرب الديار والاستعانة كما سلف، وكراهة مدافعة البول إذا قلنا إن البول في السباطة لذلك، وكراهة الوسوسة، وتقديم أعظم المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين، وخدمة العَالِم، والتسهيل على هذِه الأمة،
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 335.
(2)
رواها مسلم (273).
(3)
التخريج السابق.
(4)
"المفهم" 1/ 525.
والرخصة في يسير البول، لأن المعهود ممن بال قائمًا أن يتطاير إليه مثل رءوس الإبر، وهو مذهب الكوفيين خلافًا لمالك والشافعي، وقال الثوري: كانوا يرخصون في القليل من البول
(1)
.
(1)
انظر: "الأصل" 1/ 68، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 176، "المدونة" 1/ 27، "الأم" 1/ 55.
وورد بهامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في السادس بعد الأربعين كتبه مؤلفه.
63 - باب غَسْلِ الدَّمِ
227 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ الُمثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ:"تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلَّي فِيهِ". [307 - مسلم:291 - فتح: 1/ 330]
228 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابنةُ أَبِي حُبَيشِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي اَمْرَأةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلَّي". قَالَ: وَقَالَ أَبِي: "ثُمَّ تَوَضَّئي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ". [306، 320، 325، 331 - مسلم: 333 - فتح 14/ 331]
ذكر فيه حديثين فقال: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى
(1)
قَالَ: حَدَّثنَا يَحْييَ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ:"تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلّي فِيهِ".
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه في الحيض من حديث مالك، عن هشام
(2)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: في أصلنا المصري والدمشقي محمد بن المثنى، وكذا طرقه المزي، والظاهر أن يحيى تصحيف من مثنى، والله أعلم.
["تحفة الأشراف" (15743)].
(2)
سيأتي برقم (307) كتاب: الحيض، باب: غسل دم المحيض.
وأخرجه مسلم والأربعة
(1)
ولأبي داود: "تنظر فإن رأت فيه دما، فلتقرصه بشيء من ماء، ولتنضح ما لم تر"
(2)
.
وقال في كتاب "التفرد": تفرد به أهل المدينة. وللترمذي: "اقرصيه بماء ثم رشيه"
(3)
. ولابن خزيمة: "فلتحكه ثم لتقرصه بشيء من ماءٍ، وتنضح في سائر الثوب بماء وتصلي فيه"
(4)
.
ثانيها:
يَحْيَى هذا هو القطان. وفاطمة هي بنت المنذر. وأسماء هي الصديقة بنت الصديق.
ثالثها:
روى الشافعي أن هذِه المرأة السائلة هي أسماء نفسها
(5)
، وضعفه النووي
(6)
، وليس كما ذكر كما أوضحته في تخريج أحاديث الرافعي
(7)
.
رابعها:
"تحتُّه" -هو بالمثناة فوق، ثم حاء مهملة، ثم مثناة فوق أيضًا- وهو الحَكُّ، كما جاء في رواية ابن خزيمة
(8)
، والقشر والفرك أيضًا.
"وتَقْرُصه" بفتح أوله وإسكان ثانيه وضم ثالثه، ويجوز ضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه.
(1)
مسلم (291) كتاب: الطهارة، باب: نجاسة الدم وكيفية غسله، أبو داود (360، 361)، الترمذي (138)، النسائن 1/ 155، ابن ماجه (629).
(2)
أبو داود (360).
(3)
الترمذي (138).
(4)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 140 (276).
(5)
"مسند الشافعي" 1/ 24 (46)، "الأم" 1/ 5، 15.
(6)
"المجموع" 1/ 138.
(7)
"البدر المنير" 1/ 512.
(8)
سبق تخريجها.
قال القاضي عياض: رويناه بهما جميعًا، والصاد مهملة، وهو الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره
(1)
.
"وتنضِحه" بكسر الضاد المعجمة، أي: تغسله.
خامسها: في أحكامه:
وهو أصل في غسل النجاسات من الثياب.
الأول: نجاسة الدم، وهو إجماع.
ثانيها: وجوب غسل قليله وكثيره. وقال ابن بطال: إنه محمول عند العلماء على الدم الكثير؛ لأن الله تعالى شرط في نجاسته أن يكون مسفوحًا، وعني به الكثير الجاري، وعند أهل الكوفة أن القليل منه وفي سائر النجاسات دون الدرهم
(2)
.
ثالثها: تعين الماء في إزالة النجاسة، وبه قَالَ مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وزُفَر وعامة الفقهاء، وخالف أبو حنيفة وأبو يوسف فجوزا إزالتها بكل مائع طاهر يمكن إزالتها به، والمسألة مبسوطة في الخلافيات
(3)
.
وحديث مجاهد عن عائشة في البخاري: ما كان لإحدانا إلا ثوب
واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فمصعته
(4)
(1)
"إكمال المعلم" 2/ 117.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 338، 339.
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 83، 87، "التفريع" 1/ 199، "المجموع" 1/ 142، 143، "المغني" 1/ 142، 143.
(4)
مصعته: أي حركته وفركته. انظر: "لسان العرب" مادة: مصع.
بظفرها
(1)
. أي: عركته. قد أنكر أحمد وجماعة سماع مجاهد منها. نعم، أثبته الشيخان
(2)
، وفي البخاري من حديث القاسم عنها: ثم تقرص الدم من ثوبها عند طهرها فتغسله وتنضح على سائره ثم تصلي فيه
(3)
.
رابعها: عدم اشتراط العدد في إزالة النجاسة والواجب فيها الإنقاء، فإن بقي من أثرها شيء يشق إزالته عفي عنه، فمان كانت النجاسة حكمية كفي فيها جري الماء وندب فيها التثليث.
وعند أبي حنيفة أنها تغسل إلى أن يغلب على الظن طهرها من غير عدد مسنون، فإن كانت عينية فلابد من إزالة عينها، وندب ثانية وثالثة بعدها، ولا يشترط عصر الثوب على الأصح، فإن عسر إزالة اللون لم يضر بقاؤه، وكذا الريح، فإن اجتمعا ضَّر على الصحيح، وإن بقي الطعم وحده ضر
(4)
.
وكان ابن عمر إذا شق عليه إزالة الأثر في الثوب قطعه
(5)
.
خامسها: الأمر بالحت والقرص، وهو أمر استحباب عند فقهاء الأمصار، وأوجبه بعض أهل الظاهر وبعض الشافعية
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (312) كتاب: الحيض، باب: هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه.
(2)
قال يحيى بن سعيد: لم يسمع مجاهد من عائشة، وسمعت شعبة ينكر أن يكون سمع منها، وتبعهما على ذلك يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي.
انظر: "جامع التحصيل" 273، "تحفة التحصيل" ص 294.
(3)
سيأتي برقم (308) كتاب: الحيض، باب: غسل دم الحيض.
(4)
انظر: "الوسيط" 1/ 59، "روضة الطالبين" 1/ 28.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 180 (2073) عن نافع عن ابن عمر أنه رأى في ثوبه دمًا فغسله فبقي أثره أسود فدعى بمقص فقصه فقرضه.
(6)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 28.
الحديث الثاني:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عْرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بنت أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي". قَالَ: وَقَالَ أَبِي: "تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث سيأتي قريبًا في الاستحاضة
(1)
، وقد أخرجه مسلم
(2)
والأربعة
(3)
، وهو حديث متفق على صحته، وأخرجه أبو داود والنسائي من مسند فاطمة هذِه
(4)
.
ثانيها:
محمد هذا شيخ البخاري، هو ابن سلام كما جاء في بعض نسخه، وكذا نسبه ابن السكن والمهلب وصرح به البخاري في النكاح، فقال: حَدَّثنَا محمد بن سلام، ثنا أبو معاوية
(5)
.
وذكر الكلاباذي أن البخاري روى عن محمد بن المثنى، عن أبى معاوية. وعن محمد بن سلام، عن أبي معاوية.
(1)
سيأتي برقم (306) كتاب: الحيض، باب: الاستحاضة.
(2)
مسلم (333) كتاب: الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها.
(3)
أبو داود (282)، والترمذي (125)، والنسائي 1/ 122، وابن ماجه (621).
(4)
أبو داود (280)، والنسائي 1/ 121، وهو أيضًا عند ابن ماجه برقم (620).
(5)
سيأتي برقم (5206) باب: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا} .
ورواه أبو نعيم الأصبهاني من طريق إسحاق بن إبراهيم عن أبي معاوية، وذكر أن البخاري رواه عن محمد بن المثنى، عن أبي معاوية.
ثالثها:
والد فاطمة هذِه هو قيس بن المطلب، ووقع في أكثر نسخ مسلم: عبد المطلب. وهو غلط، ووقع في "مبهمات الخطيب" أنها أنصارية
(1)
، وهي غير فاطمة بنت قيس المذكورة في النكاح، ولا يعرف للمذكورة هنا -أعني: في باب الحيض- غير هذا الحديث.
وذكر الحربي أن فاطمة
(2)
هذِه تزوجت بعبد الله بن جحش، فولدت له محمدًا، وهو صحابي، هاجرت رضي الله عنها، وهي إحدى المستحاضات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عددتهم في "شرح العمدة" فبلغن نحو العشرة، فراجع ذَلِكَ منه
(3)
.
رابعها: في ألفاظه:
الاستحاضة: جريان الدم في غير أوقاته. وقولها: (فلا أطهر) أي: لا أنْظُف من الدم.
والعِرق بكسر العين. ويقال له: العاذل بذال معجمة، وحكي إهمالها، وبدل اللام راء، وهذا العرق فمه في أدنى الرحم.
وقوله: ("فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ") يجوز فيه فتح الحاء وكسرها، وهو بالفتح: الحيض، وبالكسر الحالة.
(1)
"الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ص 254.
(2)
هي فاطمة بنت أبي حُبيش بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن فقصي القرشية الأسدية. انظر: "معرفة الصحابة" 6/ 3413 (3975، "الاستيعاب" 4/ 447 (3489)، "أسد الغابة" 7/ 218 (7171)، "الإصابة" 4/ 381 (835).
(3)
"الإعلام" 2/ 177، 180.
والإدبار: الانقطاع.
خامسها: في فوائده:
وقد وصلتها في "شرح العمدة"
(1)
إلى نيف وعشرين فائدة، ونذكر منها عشرة:
الأولى: أن المستحاضة تصلي أبدًا إلا في الزمن المحكوم بأنه حيض، وهو إجماع.
ثانيها: نجاسة الدم، وهو إجماع كما سلف في الحديث قبله إلا من شذ.
ثالثها: استفتاء المرأة وسماع صوتها عند الحاجة.
رابعها: الأمر بإزالة النجاسة.
خامسها: وجوب الصلاة بمجرد الانقطاع.
سادسها: إن الصلاة لا يتركها من عليه دم كما فعل عمر رضي الله عنه حيث صلى وهو يثعَبُ دمًا
(2)
.
سابعها: ترك الحائض الصلاة، وهو إجماع لم يخالف فيه إلا الخوارج.
ثامنها: الرد إلى العادة أو التمييز.
تاسعها: عدم وجوب الغسل لكل صلاة.
(1)
"الإعلام" 2/ 183، 191.
(2)
رواه مالك ص 50، وعبد الرزاق 1/ 150 (579)، وابن أبي شيبة 6/ 164 (30352)، والدارقطني في 1/ 224، واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة" 4/ 906 (1528)، والبيهقي 1/ 357.
العاشرة: إثبات الاستحاضة، فإن حكم دمها غير حكم دم الحيض، ومحل الخوض في أقسامها كتب الفروع، وقد أوضحناه فيها، ولم يذكر هنا الاغتسال من دم الحيض، وإن كان ورد في رواية أخرى؛ لأن الغسل من دم الحيض معلوم، وإنما إجابتها عما سألته، وهو حكم الاستحاضة.
64 - باب غَسْلِ المَنِيِّ وَفَرْكِهِ، وَغَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنَ المَرْأَةِ
229 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ الجَزَرِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ، وإِنَّ بُقَعَ الَماءِ فِي ثَوْبِهِ. [230، 231، 232 - مسلم: 289 - فتح 1/ 332]
230 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ح. وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَألتُ عَائِشَةَ عَنِ الَمنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ، فَقَالَتْ: كنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأثَرُ الغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ الَماءِ. [انظر: 229 - مسلم: 289 - فتح: 1/ 332]
حَدَّثنَا عَبْدَانُ، أنَا عَبْدُ اللهِ، أنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِنَّ بُقَع المَاءِ فِي ثَوْبِهِ.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا عَمْرٌو، عَنْ سُلَيْمَانَ بن يسار سَمِعْتُ عَائِشَةَ. وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا عَبْدُ الوهاب
(1)
ثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ المَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَثَرُ الغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ المَاءِ.
(1)
ورد بهامش الأصل: صوابه: عبد الواحد.
65 - باب إِذَا غَسَلَ الجَنَابَةَ أَوْ غَيَرْهَا فَلَم يَذْهَبْ أَثَرُهُ
231 -
حَدَّثَنَا موسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ: حَدُّثَنَا عَمْرُو بْن مَيْمُونٍ قَالَ: سَأَلْتُ سلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ فِي الثَّوبِ تُصِيبُهُ الجَنَابَة؟ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كنْتُ أَغسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَخْرج إِلَى الصَّلَاةِ وَأَثَرُ الغَسْلِ فِيهِ بقَعُ الَماءِ. [انظر: 229 - مسلم: 289 - فتح: 1/ 334]
232 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بن خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بن مَيمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عن سُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عن عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَغسِلُ الَمنِىَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقعَةَ أَوْ بُقَعًا بنحوه. [انظر: 229 - مسلم: 289 - فتح: 1/ 335]
حَدَّثنَا مُوسَى بن إسماعيل، ثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، ثنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ سمعت سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ فِي الثَّوْبِ تُصِيبُهُ الجَنَابَةُ؟ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ.
ثم ساقه أيضا من حديث عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، ثنَا زُهَيْرٌ، ثنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنهَا كَانَتْ تَغْسِلُ المَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا بنحوه.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث متفق على صحته، أخرجه مع البخاري مسلم والأربعة
(1)
.
(1)
رواه مسلم (289) كتاب: الطهارة، باب: حكم المني، وأبو داود (373)، والترمذي (117)، والنسائي 1/ 156، وابن ماجه (536).
ثانيها:
اختلف في يزيد هذا الراوي عن عمرو، هل هو يزيد بن هارون
(1)
أو يزيد بن زريع
(2)
، فقال أبو مسعود الدمشقي: يقال: هو ابن هارون لا ابن زريع وهما جميعًا قد روياه. وأقره الحافظ شرف الدين الدمياطي، ورواه الإسماعيلي من طريق جماعة عن يزيد بن هارون، وكذا رواه أبو نعيم وأبو نصر السجزي في "فوائده"، وقال: خرجه البخاري من حديثه، والحديث محفوظ لابن هارون، وكذا ساقه الجياني من حديثه أيضًا. وقال الحافظ جمال الدين المزي: الصحيح أنه يزيد بن زريع، فإن قتيبة مشهور بالرواية عن ابن زُريع دون يزيد بن هارون. قُلْتُ: وكذا نسبه ابن السكن فقال: يزيد يعني: ابن هارون
(3)
، وأشار إليه الكلاباذي.
ثالثها:
لم يذكر البخاري الفرك في طريق من هذِه الطرق مع أنه ترجم له، وقد أخرجه مسلم من حديث الأسود وهمام عن عائشة: كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
سبقت ترجمته في حديث رقم (149).
(2)
هو يزيد بن زريع العيشي، أبو معاوية البصري، من بكر بن وائل، وقيل: التيمي من تيم من بني عبس، ويقال: من تيم اللات بن ثعلبة.
قال يحيى بن سعيد القطان: لم يكن ها هنا أحد أثبت من يزيد بن زريع. وقال أحمد بن حنبل: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة. وقال أبو حاتم: ثقة. وروى له الجماعة. قال محمد بن سعد: توفي بالبصرة، مات سنة اثنتين وثمانين ومائة.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 289، "الجرح والتعديل" 9/ 263 (1113)، "تهذيب الكمال" 32/ 124 (6987).
(3)
في هامش الأصل ما نصه: صوابه زريع، وكذا عزاه الجياني أبو علي.
(4)
"صحيح مسلم"(288) كتاب: الطهارة، باب: حكم المني.
قَالَ أبو عمر: وحديث همام والأسود في الفرك أثبت من جهة الإسناد
(1)
.
رابعها:
إتيان البخاري بتصريح التحديث من عائشة لسليمان
(2)
، وكذا هو في "صحيح مسلم"، فيه رد على ما قاله أحمد والبزار، إنما روي الغسل عن عائشة من وجهٍ واحد، رواه عنه عمرو بن ميمون عن سليمان، ولم يسمع من عائشة
(3)
.
قَالَ البزار: فلا يكون معارضًا للأحاديث التى فيها الفرك.
قُلْتُ: قد روي عنها الفرك في حالةٍ والغسل في أخرى مع الدارقطني و"صحيح أبي عوانة" من حديث عمرة عنها: كنت أفرك المني من ثوبه إذا كان يابسًا، وأغسله إذا كان رطبًا
(4)
.
(1)
"الاستذكار" 3/ 112.
(2)
هو: سليمان بن يسار الهلالي أبو أيوب، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عبد الله، المدني مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن سعد: ويقال: إن سليمان نفسه كان مكاتبًا لأم سلمة. قال الزهري: كان من العلماء. وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: سليمان بن يسار ثقة.
وقال أبو زرعة: ثقة مأمون فاضل عابد، وقال النسائي: أحد الأئمة، وقال محمد بن سعد: كان ثقة عالمًا رفيعًا فقيهًا كثير الحديث. روى له الجماعة. وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" روى عن ميمونة، وأم سلمة، وعائشة.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 174، "الجرح والتعديل" 4/ 149 (643)، "تهذيب الكمال" 12/ 100 (2574)، "تهذيب التهذيب" 2/ 112.
(3)
نقل هذا القول ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 2/ 113، ثم قال: هو مردود، فقد ثبت سماعه منها في "صحيح البخاري".
(4)
الدارقطني 1/ 125، وأبو عوانة 1/ 174 (527). وصححه الألباني في "الإرواء"(180).
خامسها: ترجم البخاري أيضًا لغسل ما يصيب من المرأة، ووجه استنباطه مما ذكره أن منيه صلى الله عليه وسلم إنما كان من جماع، لأن الاحتلام ممتنع في حقه، وإذا كان من جماع فلابد أن يكون قد خالط الذكر الذي خرج منه المني شيئًا من رُطوبة فرج المرأة، وكذا مراده بقوله: أو غيرها. في الترجمة الثانية: رطوبة فرج المرأة.
سادسها:
قوله في الترجمة: (فلم يذهب أثره) ظاهر إيراده أن المراد: أثر المني؛ ولهذا أورد عقبه الحديث أن عائشة كانت تغسل من ثوب رسول الله ثم أراه فيه بقعة أو بقعًا.
ورجحه ابن بطال، إذ قَالَ: قوله: وأثر الغسل. يحتمل أن يكون معناه بلل الماء الذي غسل به الثوب، والضمير راجع فيه إلى أثر الماء، فكأنه قَالَ: وأثر الغسل بالماء بقع الماء فيه، يعني: لا بقع الجنابة. ويحتمل أن يكون معناه: وأثر الغسل يعني: أثر الجنابة التي غسلت بالماء فيه بقع الماء الذي غسلت به الجنابة، والضمير فيه راجع إلى أثر الجنابة لا إلى أثر الماء، وكلا الوجهين جائز.
لكن قوله في الحديث الآخر: أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أراه فيه بقعة أو بقعًا. يدل على أن تلك البقع كانت بقع المني وطبعه لا محالة؛ لأن العرب أبدًا ترد الضمير إلى أقرب مذكور، وضمير المني في الحديث الآخر أقرب من ضمير الغسل
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 344، 345.
سابعها:
المراد بالجنابة هنا: المني، من باب تسمية الشيء باسم سببه؛ فإن وجوده سبب لبعده عن الصلاة ونحوها.
ثامنها: في فوائده:
الأولى: ذهب الأكثرون من أهل العلم إلى طهارة مني الآدمي، وهو الأصح عن الشافعي
(1)
وأحمد
(2)
، وخالف مالك وأبو حنيفة فقالا بنجاسته. قَالَ مالك: فيغسل رطبًا ويابسًا
(3)
، وقال أبو حنيفة: يفرك يابسًا ويكفي في تطهيره
(4)
.
وسواء في الخلاف الرجل والمرأة، وأغرب من نجسه منها دونه، والفرك دال على الطهارة، إذ لو كان نجسًا لم يكتف به. وفركه تنزهًا، وكذا الغسل، هذا حظ الحديثي من المسألة، وأما الجدلي فمحل الخوض معه كتب الخلافيات
(5)
.
الثانية: خدمة المرأة لزوجها في غسل ثيابه وشبهه، خصوصًا إذا كان من أمر يتعلق بها، وهو من حسن العشرة وجميل الصحبة.
الثالثة: نقل أحوال المقتدى به وإن كان يُستحى من ذكرها عادة للاقتداء.
الرابعة: طهارة رطوبة الفرج، وقد سلف.
(1)
انظر: "الأم" 1/ 55، "البيان" 1/ 419، 421، "المجموع" 2/ 574.
(2)
انظر: "التحقيق" 1/ 156، "الإفصاح" 1/ 153، "إكشاف القناع" 1/ 224.
(3)
انظر: "المدونة" 1/ 36، "عيون المجالس" 1/ 201.
(4)
انظر: "الأصل" 1/ 61، "مختصر الطحاوي" 31، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 133.
(5)
انظر: "الأوسط" 2/ 160.
الخامسة: إن الأثر الباقي بعد الغسل]
(1)
لا يضر، وقد قاس البخاري سائر النجاسات على الجنابة.
السادسة: الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه والخروج به إلى المسجد قبل جفافه.
(1)
هنا انتهى السقط من (ج) وذلك من حديث (160 - 233).
66 - باب أَبْوَالِ الإِبِلِ وَالدَّوَابّ وَالْغَنَمِ وَمَرَابِضِهَا
وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دَارِ البَرِيدِ وَالسِّرْقِينِ وَالْبَرِّيَّةُ إلى جَنْبِهِ، فَقَالَ: هَا هُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ.
233 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ أُنَاسٌ مِن عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوُا الَمدِينَةَ، فَأَمَرَهُم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فجاءَ الخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِي الَحرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ. قَالَ أَبُو قِلَأبَةَ: فهؤلاء سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ. [1501، 3018، 4192، 4193، 4610، 5685، 5686، 5727، 6802، 6803، 6804، 6805، 6899 - مسلم: 1671 - فتح: 1/ 335]
234 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الَمسْجِدُ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ. [428، 429، 1868، 2106، 2771، 2774، 2779، 3932 - مسلم: 524 - فتح: 1/ 341]
وهذا الأثر أسنده ابن أبي شيبة في "مصنفه" فقال: حَدَّثنَا وكيع، ثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبيه قَالَ: كنا مع أبي موسى في دار البريد، فحضرت الصلاة فصلى بنا على روث (وتبن)
(1)
فقلنا له:
(ها هنا تصلي)
(2)
والبرية إلى جنبك. فقال: البرية وها هنا سواء
(3)
.
وأسنده أبو نعيم في كتاب الصلاة عن الأعمش بلفظ: صلى بنا
أبو موسى في دار البريد، وثم السرقين الدواب وتبن، والبرية على
(1)
كذا بالأصل، وفي المطبوع من "مصنف ابن أبي شيبة": نتن.
(2)
في (ج): تصلي ها هنا.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 172 (7753).
الباب فقالوا: لو صليت على الباب؟ فقال: ها هنا وثم سواء. وقال ابن حزم: روينا من طريق شعبة وسفيان كلاهما، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبيه قَالَ: صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين. وهذا لفظ سفيان، وقال شعبة: روث الدواب.
قَالَ: ورويناه من طريق غيرهما: والصحراء أمامه. وقال: (ها هنا)
(1)
وهناك سواء
(2)
.
واعلم أن البخاري قاس بول غير المأكول على المأكول فيما ترجم له، واستشهد بفعل أبي موسى؛ ليدل على أرواث الإبل وأبوالها، وليس ذَلِكَ بلازم؛ لاحتماله بحائل وهو جائز إذ ذاك. نعم الأصل عدمه.
فائدة:
دار البريد: الموضع الذي ينزل فيه البريد، ومواضعها يكون فيه روث الدواب غالبًا.
والسِرقين -بكسر السين وفتحها حكاهما ابن سيده
(3)
: الزبل وبالجيم أيضًا فارسي، وكان الفارسي ينطق بها بين القاف والجيم، واقتصر القاضي وغيره على الكسر
(4)
.
والبرية: الصحراء، والجمع البراري.
ثم ذكر البخاري في الباب حديثين:
أحدهما: حديث أنس فقال: حَدَّثنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عن حَمَّادِ بْنِ
(1)
كذا بالأصل، وفي المطبوع من "المحلى": هنا.
(2)
"المحلى" 1/ 170.
(3)
"المخصص" 3/ 95 بنحوه.
(4)
انظر: "مشارق الأنوار" 2/ 213، "لسان العرب" 4/ 1999.
زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ ناس مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمُ النِّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بقطع أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِي الحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: فهؤلاء سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ.
والكلام عليه من وجوه:
أحدها:
أنه حديث صحيح متفق على صحته، أخرجه البخاري في عدة مواضع منها المغازي
(1)
، والجهاد
(2)
، والتفسير
(3)
، والحدود
(4)
، وذكر أنهم كانوا في الصفة -يعني: أولًا- ولما خرجه في الزكاة من حديث قتادة، عن أنس
(5)
، قَالَ آخره: تابعه أبو قلابة وحميد وثابت، عن أنس. وحديث أبي قلابة عَلِمْتَه، وحديث حميد أخرجه مسلم
(6)
، وثابت أخرجه أبو داود
(7)
.
وأخرجه مسلم في الحدود، وأدخل بين أيوب وأبي قلابة أبا رجاء
(1)
سيأتي برقم (4192) باب: قصة عكل وعرينة.
(2)
سيأتي برقم (3018) باب: إذا حرّق المشرك المسلم هل يحرقه.
(3)
سيأتي برقم (4610) باب: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} .
(4)
سيأتي برقم (6803) باب: المحاربين من أهل الكفر والردة، وكرره بعده مبوبًا عليه عدة أبواب.
(5)
سيأتي برقم (1501) باب: استعمال إبل الصدقة
…
(6)
مسلم برقم (1671/ 9) كتاب: القسامة، باب: حكم المحاربين والمرتدين.
(7)
أبو داود (4367).
مولى أبي قلابة
(1)
، وذكر الدارقطني أن رواية حماد إنما هي عن أيوب، عن أبي رجاء، عن أبي قلابة قَالَ: وسقوط أبي رجاء وثبوته صواب، ويشبه أن يكون أيوب سمع من أبي قلابة، عن أنس قصة العُرنيين مجردة، وسمع من أبي رجاء، عن أبي قلابة حديثه مع عمر بن عبد العزيز، وفي آخرها قصة العُرنيين، فحفظ عنه حماد بن زيد القصتين، عن أبي رجاء، عن أبي قلابة، وحفظ الآخرون عنه، عن أبي قلابة، عن أنس قصة العُرنيين حسب.
قَالَ: ورواه صالح بن كيسان، عن أيوب، عن أبي قلابة مرسلًا
(2)
.
ثانيها:
هذِه القصة كانت في شوال سنة ستٍّ، ورواها ابن جرير الطبري
(3)
من حديث جرير
(4)
، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم بعثه في أثرهم. وفيه نظر، لأن إسلامه كان في السنة العاشرة على المشهور، وعلى قول ابن قانع وغيره، أنه أسلم قديمًا يزول الإشكال
(5)
.
ثالثها:
عُكْل -بضم العين المهملة وإسكان الكاف، ثم لام- قبيلة نسبت
(1)
مسلم (1671/ 11) كتاب: القسامة، باب: حكم المحاربين والمرتدين، ولم أجده في الحدود.
(2)
"العلل" 12/ 239 (2666).
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: تخريج أحاديث الوسيط للمؤلف ما لفظه: وروى محمد بن الفضل الطبراني من حديث جرير أنه عليه السلام بعثه في أثرهم. [كذا في هامش الأصل: الطبراني، والصحيح الطبري كما في "الإعلام" 9/ 138].
(4)
"تفسير الطبري" 4/ 548 (11815)، أشار إليه ابن حجر في "تهذيب التهذيب"، وقال: لا يصح؛ لأنه من رواية موسى بن عبيدة الرَّبذي، وهو ضعيف جدًّا.
(5)
سبقت ترجمة جرير في حديث رقم (57).
إلى عكل امرأة حضنت ولد عوف بن إياس بن قيس بن عوف بن عبد مناة بن أُد بن طابخة فغلبت عليهم ونسبوا إليها، وزعم السمعاني أنهم بطن من تميم، ورده عليه ابن الأثير
(1)
.
وعُرَينة -بضم العين المهملة، وفتح الراء- بطن من بجيلة، وهو ابن بدير أو ابن عزيز بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن طيء بن أدد، وأم عبقر بجيلة، قاله الرشاطي، ووقع في "شرح الداودي" أن قوله: عُكْل أو عُرَينة من شك الراوي، قَالَ: وعُكْل هم عرينة. وهو عجيب
(2)
.
فائدة:
عُكْل اشتقاق من عكلت الشيء إذا جمعته، قاله ابن دريد
(3)
، وقال غيره: هو من عكل يعكل، إذ قَالَ برأيه، ورجل عكلي أي: أحمق.
منهم جماعة من الصحابة: خزيمة بن عاصم بن قطن بن عبد الله بن عبادة بن سعد بن عوف، أهمله أبو عمر.
والعرن في اللغة: حلة تصيبِ الفرس أو البعير في القوائم
(4)
.
رابعها:
كان عدد العرنيين ثمانية. وقيل: كانوا سبعة، أربعة من عرينة وثلاثة من عُكْل، فقيل: العرنيون؛ لأن أكثرهم كان من عُرينة، زعم الرشاطي أنهم من غير عرينة التي في قضاعة.
(1)
"اللباب في تهذيب الأنساب" 2/ 351، 352، وانظر:"معجم البلدان" 4/ 134.
(2)
انظر: "معجم البلدان" 4/ 115.
(3)
"الجمهرة" 2/ 946، مادة:(عكل).
(4)
انظر: "صحاح الجوهري" 6/ 2163، "لسان العرب" 5/ 2915.
خامسها:
(اجتووا) -بجيم ثم بمثناة فوق- استوخموها، كما جاء مصرحًا به في الرواية الأخرى
(1)
.
وقال ابن قتيبة: اجتويت البلاد إذا كرهتها، وإن كانت موافقة لك في بدنك، واستوبلتها
(2)
إذا لم توافقك في بدنك وإن أحببتها، والأول أشبه
(3)
.
واللقاح: ذوات الألبان من الإبل، واحدها لِقحة بكسر اللام وفتحها، وأبوال الإبل التي ترعى الشيح والقيصوم، وألبانها تدخل في علاج نوع من أنواع الاستسقاء.
سادسها:
هذِه اللقاح كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في "الصحيح"، وثبت فيه أيضًا أنها إبل الصدقة، ولعل اللقاح كانت له، والإبل للصدقة، وكانت ترعى معها فاستاقوا الجميع، وإنما أذن في شرب لبنها على هذِه الرواية؛ لأنها كانت للمحتاجين، وقد ترجم عليه البخاري في كتاب الزكاة، استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل
(4)
.
قَالَ ابن بطال: وغرضه بهذا التبويب إثبات دفع الصدقة في صنف واحد ممن ذكر في آيات الصدقة خلافًا للشافعي، قَالَ: والحجة به قاطعة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أفرد أبناء السبيل بالصدقة دون غيرهم
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (4192) كتاب: المغازي، باب: قصة عكل وعرينة.
(2)
في الأصل: (استوبيتها)، والصواب ما أثبتناه كما في "غريب الحديث" لابن قتيبة 2/ 410، "غريب الحديث" لابن الجوزي 1/ 179.
(3)
"غريب الحديث" لابن قتيبة 2/ 410، وقد عزاه لأبي زيد.
(4)
سيأتي برقم (1501).
(5)
"شرح ابن بطال" 3/ 558.
قُلْتُ: للإمام ذَلِكَ وليس محل النزاع فاعلمه.
سابعها:
عدد هذِه اللقاح خمس عشرة غرًا
(1)
ذكره ابن سعد في "طبقاته" قَالَ: وفقد منها واحدة
(2)
. وكانت ترعى بذي الجَدْر: ناحية قباء قريبًا من عَيْر على ستة أميال من المدينة
(3)
.
ثامنها:
اسم هذا الراعي يسار -بمثناة تحت في أوله- وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نوبيًّا فأعتقه.
تاسعها:
استاقوا: حملوا، وهو من السوق، وهو السير السريع العنيف.
والنعم -بفتح النون والعين المهملة، يذكر ويؤنث على الأصح؛ سميت بذلك لنعومة بطنها، وهي الإبل. قيل: والبقر. قيل: والغنم. وأما الأنعام فيطلق على الكل.
عاشرها:
بعث في آثارهم كُرْز بن جابر الفهري ومعه عشرون فارسًا، قاله ابن سعد في "طبقاته"
(4)
. وفي "صحيح مسلم" وعنده شباب من الأنصار قريب من العشرين، فأرسل إليهم وبعث معهم قاصًّا يقص أثرهم
(5)
.
وقال موسى بن عقبة: كان أمير السرية سعيد بن زيد، وقد أسلفنا أنه
(1)
ذكر في هامش الأصل ما نصه: لعله غزارًا.
(2)
"طبقات ابن سعد" 2/ 93.
(3)
انظر: "معجم البلدان" 2/ 114.
(4)
2/ 93.
(5)
مسلم (1671/ 13) كتاب: القسامة، باب: حكم المحاربين والمرتدين.
بعث جريرًا أيضًا واستشكلناه.
الحادي عشر:
سمرت -بالميم المخففة وقد تشدد- أي: كحلت محماة، وفي البخاري في موضع آخر: ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها
(1)
، وفي معظم نسخ مسلم: فسمل باللام وتخفيف الميم، أي: فقأها، وقيل: بحديدة محماة.
وقيل: إن اللام والراء بمعنى، وإنما سمل أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة كما ثبت في "صحيح مسلم"
(2)
.
الثاني عشر:
الحرة: أرض تركبها
(3)
حجارة سود
(4)
. قَالَ عبد الملك: تبعد من مسجد رسول الله.
الثالث عشر: في أحكامه وفوائده مختصرة:
الأولى: قدوم القبائل والغرباء على الإمام.
الثانية: نظر الإمام في مصالحهم، وأمره لهم بما يناسب حالهم وإصلاح أبدانهم.
الثالثة: طهارة بول ما يؤكل لحمه، وهو مذهب مالك وأحمد وقول
(1)
ستأتي هذِه الرواية برقم (3018) كتاب: الجهاد، باب: إذا حرق المشرك المسلم.
(2)
"صحيح مسلم"(1671/ 14) كتاب: القسامة، باب: حكم المحاربين والمرتدين. وورد بهامش الأصل ما نصه: في أبي داود أيضًا والنسائي.
(3)
كذا بالأصل، وفي "أعلام بفوائد عمدة الأحكام" 9/ 139.
(4)
انظر: "صحاح الجوهري" 2/ 626، "معجم البلدان" 2/ 245، "النهاية في غريب الحديث" 1/ 365، "لسان العرب" 2/ 828.
الإصطخري وابن خزيمة والروياني من الشافعية
(1)
، وقيد ذَلِكَ المالكية بما إذا كانت لا تستعمل النجاسة، فإن كانت تستعملها، فإنه نجس على المشهور، وأجاب المخالفون وهم الحنفية، وجمهور الشافعية القائلون بنجاسة بوله وروثه: بأن شربهم الأبوال كان للتداوي، وهو جائز بكل النجاسات سوى الخمر والمسكرات
(2)
.
واعترض عليهم: بأنها لو كانت نجسة محرمة الشرب ما جاز التداوي بها؛ لأن الله تعالى لم يجعل شفاء هذِه الأمة فيما حرم عليها
(3)
، وقد يجاب عن ذَلِكَ: بأن الضرورة جوزته.
وفي المسألة قول ثالث: أن بول كل حيوان وإن كان لا يؤكل لحمه طاهر غير بول ابن آدم، وهو قول ابن علية وأهل الظاهر
(4)
وروي مثله عن الشعبي، ورواية عن الحسن.
وظاهر إيراد البخاري يوافقه حيث ذكر الدواب مع الإبل والغنم.
وأما حديث جابر والبراء مرفوعًا: "ما أكل لحمه، فلا بأس ببوله"
(1)
انظر: "صحيح ابن خزيمة" 1/ 60، "عارضة الأحوذي" 1/ 96، 97، "عيون المجالس" 1/ 201، "المجموع" 2/ 567، 568، "الكافي" 1/ 184، "كشاف القناع" 1/ 547، 548.
(2)
انظر: "اختلاف الفقهاء" للمروزي ص 102، 103، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 125، 126، "بدائع الصنائع" 1/ 80، 81، "روضة الطالبين" 1/ 16، "تبيين الحقائق" 1/ 27، 28.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم". رواه البيهقي من رواية أم سلمة وصححه ابن حبان، وهو في البخاري
…
موقوف على ابن مسعود
…
مسلم
…
عليه السلام قال: "إنه ليس بدواء ولكنها داء". من رواية طارق وسويد
…
"إنما ذلك داء وليس بشفاء". رواه أبو داود وابن ماجه.
(4)
انظر: "المجموع" 2/ 567.
فضعيفان كما بينه الدارقطني وغيره
(1)
.
وأما الحديث في غزوة تبوك، فكان الرجل ينحر بعيره، فيعصر فرثه، فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده
(2)
، وإسناده على شرط الصحيح، كما قاله الضياء، قَالَ ابن خزيمة: لو كان الفرث إذا عصره نجسًا لم يجز للمرء أن يجعله على كبده.
قُلْتُ: قد يقال: إنه فعل للتداوي. وأما حديث ابن مسعود الآتي في باب إذا ألقي على ظهر المصلى قذرًا أو جيفة لم تفسد عليه صلاته
(3)
، لا حجة فيه كما قَالَه ابن حزم، لأنه بمكة قبل ورود الحكم بتحريم النَّجو
(1)
حديث جابر رواه ابن عدي في "الكامل" 9/ 26، والدارقطني 1/ 128، وقال: لا يثبت، عمرو بن الحصين، ويحيى بن العلاء ضعيفان، وسوار بن مصعب أيضًا متروك، واختلف عنه، فقيل عنه: ما أكل لحمه فلا بأس بسؤره، والبيهقي في "الكبرى" 2/ 413، وضعفه أيضًا، وابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 101 (85)، وحديث البراء رواه الدارقطني 1/ 128، وقال: إن فيه سوار بن مصعب فقلب اسمه وسماه: مصعب بن سوار، والبيهقي 2/ 413، ابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 101 (84). ولفظ الدارقطني من حديث البراء "لا بأس بسؤره". قال ابن الجوزي بعد ذكره لهذين الحديثين: فيهما مقال. وذكرهما ابن حجر في "التلخيص" 1/ 43 (37)، وقال: إسناد كل منهما ضعيف جدًا.
(2)
رواه من حديث عمر بن الخطاب البزار 1/ 331 (214)، والفريابي في "دلائل النبوة"(42)، والطبري في "تفسيره" 6/ 502 (17443، 17444)، وابن خزيمة 1/ 52 - 53 (101)، وابن حبان 4/ 223 (1383)، والطبراني في "المعجم الأوسط" 3/ 323 - 324 (3292)، والحاكم 1/ 159، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
والبيهقي 9/ 357، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" 1/ 160 - 161، والضياء في "المختارة" 1/ 278 - 280 (168 - 169).
(3)
سيأتي برقم (240) كتاب: الوضوء، باب: إذا أُلقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد صلاته.
والدم، قَالَ: فسار منسوخًا بلا شك.
وأما حديث ابن عمر: كانت الكلاب تقبل وتدبر (وتبول)
(1)
في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئًا من ذَلِكَ
(2)
. فأجاب ابن حزم عنه: بأنه غير مسند؛ لأنه ليس فيه أنه صلى الله عليه وسلم عرف ببول الكلاب في المسجد وأقره، فسقط الاحتجاج به
(3)
.
وأما حديث سويد بن طارق أنه سأل رسول الله
(4)
[صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه، ثم سأله، فنهاه فقال: يا نبي الله إنها دواء فقال: "لا، ولكنها داء"
(5)
.
وحديث أم سلمة مرفوعًا: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم
(1)
ساقطة من (ج).
(2)
سبق برقم (174) كتاب: الوضوء، باب: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا.
(3)
"المحلى" 1/ 171.
(4)
هنا بداية سقط كبير من النسخة (ج) سنشير إلى انتهائه والمعتمد لدينا النسخة الأصل.
(5)
رواه مسلم (1984) كتاب: الاشربة، باب: تحريم التداوي بالخمر.
وأبو داود (3873)، والترمذي (2046)، وابن ماجه (3500)، وعبد الرزاق 9/ 251 (17100)، وأحمد 4/ 311، وأبو عوانة 5/ 107 (7979)، 7980)، (7982)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 108، وابن حبان في "صحيحه" 4/ 231، 232 (1389)، ورواه أيضًا 13/ 429، 430 (6065)، والطبراني 8/ 323 (8212)، والدارقطني 4/ 265، والبيهقي 10/ 4، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 2/ 236، 237 ترجمة (1122) وقال: هكذا قال شعبة سويد بن طارق أو طارق بن سويد على الشك وقال حماد بن سلمة، عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن طارق بن سويد ولم يشك ولم يقل: عن أبيه. وقال الحافظ في "التلخيص" 4/ 74 - 75، صححه ابن عبد البر.
عليكم"
(1)
. قَالَ ابن حزم: لا حجة فيه؛ لأن في الأول: سماك بن حرب، وهو يقبل التلقين، شهد عليه بذلك شعبة وغيره، ولو صح لم يكن فيه حجة؛ لأن فيه أن الخمر ليست بدواء، ولا خلاف بيننا في أن ما ليس دواء فلا يحل تناوله.
وفي الثاني: سلمان الشيباني، وهو مجهول
(2)
، هذا لفظه، وليس كما ذكر فيهما.
أما الأول: فأخرجه مسلم في "صحيحه"، وكذا ابن حبان والحاكم.
والثاني: أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، ودعواه أن المذكور في إسناده سلمان وهم وإنما هو سليمان بزيادة ياء، وهو أحد الثقات، أكثر عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
الرابعة: ثبوت أحكام المحاربة في الصحراء، فإنه صلى الله عليه وسلم بعث في طلبهم لما بلغه فعلهم بالرعاء. واختلف العلماء في ثبوت أحكامها في الأمصار، فنفاه أبو حنيفة وأثبته مالك والشافعي
(3)
.
الخامسة: شرعية المماثلة في القصاص، والنهي عن المثلة محمول على من وجب عليه القتل، لا على طريق المكافأة.
(1)
رواه أبو يعلى 12/ 402 (6966)، وأحمد في "الأشربة" 1/ 32 (159)، وابن أبي الدنيا في "ذم المسكر" 1/ 22 (12)، وابن حبان في "صحيحه" 4/ 233 (1391)، والطبراني 23/ 326، 327 (749)، والبيهقي 10/ 5 وقال الذهبي في "المهذب" 8/ 3966: إسناده صويلح، وقال الهيثمي في "المجمع" 5/ 86: ورجال أبي يعلى رجال الصحيح خلا حسان بن مخارق وقد وثقه ابن حبان. وقال ابن حجر في "المطالب العالية" 11/ 204 (2500): صححه ابن حبان.
(2)
"المحلى" 1/ 175، 176.
(3)
"الجامع لأحكام القرآن" 6/ 151، "البيان" 12/ 501، "الكافي " 5/ 339.
وقال محمد بن سيرين: إن ذَلِكَ قبل أن تنزل الحدود
(1)
ذكره البخاري في حديث أنس، أي: وقبل أن تنزل آية المحاربة
(2)
، والنهي عن المثلة
(3)
.
وفي البخاري أيضًا عن قتادة أنه قَالَ: بلغنا أنه صلى الله عليه وسلم بعد ذَلِكَ كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة
(4)
، لا جرم ادعى الشافعي نسخه، وكذا ابن شاهين
(5)
والداودي، وتوقف فيه ابن الجوزي في "إعلامه" وقال: ادعاء النسخ يحتاج إلى التأريخ، والنهي عن المُثْلَة كان في أُحد سنة ثلاث.
السادسة: إن فعل الإمام بهم ذَلِكَ ليس من عدم الرحمة بل هو رحمة؛ لما فيه من كف اليد العادية عن الخلق.
السابعة: عقوبة المحاربين، وهو موافق لقوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33]، وهل (أو) فيها للتخيير أو للتنويع؟ قولان، وبالثاني قَالَ الشافعي، ومحل الخوض في ذَلِكَ كتب الفروع.
الثامنة: جواز التطبب وأن يطب كل جسم بما اعتاد، وقد أدخله البخاري في الطب
(6)
، وترجم عليه باب الدواء بألبان الإبل وأبوالها.
(1)
سيأتي برقم (5686) كتاب: الطب، باب: الدواء بأبوال الإبل.
(2)
المائدة: 33: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} .
(3)
النمل: 126: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاِقبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبتْمُ بِهِ} .
(4)
سيأتي برقم (4192) كتاب: المغازي، باب: قصة عكل وعرينة.
(5)
"الناسخ والمنسوخ" ص 420.
(6)
سيأتي برقم (5686) كتاب: الطب، باب: الدواء بأبوال الإبل.
التاسعة: قتل المرتد من غير استتابة، وفي كونها واجبة
(1)
أو مستحبة خلاف مشهور، ورأيت من يجيب عن الحديث بأن هؤلاء حاربوا، والمرتد إذا حارب لا يستتاب؛ لأنه يجب قتله، فلا معنى لها
(2)
.
العاشرة: قتل الجماعة بالواحد سواء قتلوه غيلة أو حرابة، وبه قَالَ الشافعي ومالك وجماعة، وخالف فيه أبو حنيفة، ولابد من اعتراف القاتلين أو الشهادة عليهم
(3)
.
الحادية عشرة: سماهم أبو قِلابة سُرَّاقًا؛ لأنهم أخذوا النعم من حرز مثلها، وهو وجود الراعي معها ويراها أجمع، وإنما هم محاربون.
وقيل: كان هذا حكم من حارب حتى أنزل الله فيهم آية المحاربة، وهو يلزم مالكًا في مشهور قوله: إنه إذا قتل المحارب يتحتم قتله. ووقع له في "المختصر": إذا أخذهم وقد قتلوا ولم يدر من قتله فالإمام مخير إن شاء قتلهم أو صلبهم
(4)
.
الثانية عشرة: قام الإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى الماء، أنه لا يُمْنع منه؛ لئلا يجتمع عليه عذابان، وإنما لم يسقوا هنا معاقبة لجفائهم وكفرهم سَقْيِهم ألبان تلك الإبل، فعوقبوا بذلك فلم يسقوا؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال:"عَطّش الله من عَطّش آل محمد الليلة" أخرجه النسائي
(5)
فأجيب دعاؤه، وأيضًا هؤلاء ارتدوا
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: الصحيح من مذهب الشافعى وجوبها.
(2)
انظر: "البيان" 12/ 47، "الهداية" 4/ 458، "الإقناع" 4/ 219.
(3)
انظر: "البيان" 1/ 326، 327، "الإقناع" 4/ 94.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 14/ 462.
(5)
النسائي 7/ 97، 99، وقال الألباني في "ضعيف سنن النسائي" 1/ 160: ضعيف الإسناد.
فلا حرمة لهم.
ثم اعلم أن البخاري أيضًا ذكر هذا الحديث في باب: إذا حرق المشرك هل يحرق؟
(1)
ووجهه أنه صلى الله عليه وسلم لما سمل أعينهم، وهو تحريق بالنار، استدل به البخاري من أنه لما جاز تحريق أعينهم بالنار -ولو كانوا لم يحرقوا أعين الرعاة- أنه أولى بالجواز بتحريق المشرك إذا أحرق المسلم.
قَالَ ابن المنير: وكأن البخاري جمع بين حديث "لا تعذبوا بعذاب الله"
(2)
وبين هذا، بحمل الأول على غير سبب، والثاني على مقابلة السبب بمثلها من الجهة العامة، وإن لم يكن من نوعها الخاص، وإلا فما في هذا الحديث أن العُرنيين فعلوا ذَلِكَ بالرعاة
(3)
.
قُلْتُ: قد أسلفنا من عند مسلم
(4)
أنهم فعلوا ذَلِكَ، وادعى المهلب أن البخاري لم يذكره، لأنه ليس من شرطه.
وفي الحديث أيضًا طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به، فإنه من طاعة الله تعالى، فإنه لما بعث في آثارهم سارعوا إليه، وكذا القطع والسمر فطاعة الإمام العدل واجبة، ولا يحتاج إلى التوقف على الموجب لذلك. وسئل مالك عن القسامة في القتل فضعفها، وقال: لم يتقدم الفعل بها، ثم ذكر الحديث في الحرابة.
(1)
سيأتي برقم (3018) كتاب: الجهاد والسير.
(2)
سيأتي برقم (3017) كتاب: الجهاد والسير، باب: لا يعذب بعذاب الله.
(3)
"المتواري" 169 - 170.
(4)
مسلم (1671/ 14) كتاب: القسامة والمحاربين، باب: حكم المحاربين والمرتدين.
الحديث الثاني:
حَدَّثنَا آدَمُ، ثنَا شُعْبَةُ، ثنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ. ثم سمعته بَعْدُ يقول: كان يصلي قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم.
هذا الحديث أخرجه في باب الصلاة في مرابض الغنم أيضًا
(1)
، وأخرجه مسلم هناك
(2)
.
ومرابض الغنم: مباركها ومواضع مبيتها، ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة. قَالَ ابن دريد: ويقال ذَلِكَ أيضًا لكل دابة من ذوات الحافر والسباع
(3)
. وقال ابن سيده: هو كالبروك للإبل والأصل للغنم
(4)
.
وقد يستدل به من يقول بطهارة بول المأكول وروثه، وقد ينازع فيه. نعم، فيه الصلاة في مرابض الغنم ولا كراهة فيها بخلاف أعطان الإبل، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم:"إن لم تجدوا إلا مرابض الغنم وأعطان الإبل، فصلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل".
رواه الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعًا. وقال: حسن صحيح
(5)
.
وقال البيهقي: وقفه أصح
(6)
.
وللحاكم في: "تاريخ نيسابور" من حديث أبي حيان، عن أبي
(1)
سيأتي برقم (429) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في مرابض الغنم.
(2)
"صحيح مسلم" برقم (524) كتاب: المساجد، باب: ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وورد بهامش الأصل ما نصه: من خط المصنف: وكذا الترمذي وقال: حسن صحيح.
(3)
"الجمهرة" 1/ 314.
(4)
"المحكم" 8/ 131، 132، مادة:(ربض).
(5)
"سنن الترمذي"(348). قال: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
(6)
"السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 449، 450.
زرعة، عن أبي هريرة مرفوعًا:"الغنم من دواب الجنة، فامسحوا رغامها، وصلُّوا في مرابضها"، وللبزار في "مسنده":"أحسنوا إليها وأميطوا عنها الأذى"
(1)
.
وفي حديث عبد الله بن المغفل
(2)
: "صلُّوا في مرابض الغنم، ولا تصلُّوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين"
(3)
وفي لفظ: "فإنها جن خلقت من جن، ألا ترى أنها إذا نفرت كيف تشمخ
(1)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(1329). قال البزار: لا نعلم رواه بهذا الإسناد إلا سعيد بن محمد ولم يتابع عليه. وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 66: رواه البزار وأعله بسعيد بن محمد ولعله الوراق، فإن كان هو الوراق فهو ضعيف.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: حديث ابن مغفل في النسائي، وابن ماجه وهو في "المسند" مطولًا.
(3)
أخرجه النسائي مختصرًا 2/ 56، وابن ماجه (769)، وأحمد 4/ 85، والشافعي في "مسنده" 1/ 67، والطيالسي 2/ 230 (955)، وعبد الرزاق "مصنفه" 1/ 409 (1602)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 337 (3877)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 450 (500)، والروياني في "مسنده" 2/ 98 - 99 (898)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 384، وابن حبان في "صحيحه" 4/ 601 (1702)، وابن عبد البر في "التمهيد" 5/ 302 - 303، من طرق عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل.
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" 2/ 333: حديث عبد الله بن مغفل متواتر، رواه نحو خمسة عشر رجلًا عن الحسن، وسماع الحسن من عبد الله بن مغفل صحيح.
وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 26: رواه أحمد والطبراني، وقد رواه ابن ماجه
والنسائي باختصار، ورجال أحمد ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بقوله: حدثنا.
وقال البوصيري في "زوائده" 131: رواه أبو داود من حديث البراء بن عازب وإسناد ابن ماجه فيه مقال وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل" 1/ 45 (151): حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال: قال أبي: سمع الحسن من ابن مغفل -يعني: عبد الله بن مغفل-.
وقال الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 317: إسناده صحيح.
بأنفها"
(1)
، وقال في الغنم:"فإنها سكينة وبركة"
(2)
.
وروي الفرق بينهما من حديث جماعة من الصحابة أيضًا، وفي "الصحيح" في حديث رافع بن خديج:"إن لهذِه الابل أوابد كأوابد الوحش"
(3)
.
قَالَ ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم، على إباحة الصلاة في مرابض الغنم، إلا الشافعي فإنه قَالَ: لا أكره الصلاة في مرابض الغنم إذا كان سليمًا من أبعارها وأبوالها، وممن روينا عنه إجازة ذَلِكَ، وفعله ابن عمر
(4)
وجابر
(5)
وأبو ذر
(6)
و (ابن الزبير)
(7)
والحسن
(1)
رواه الشافعي في "مسنده" 1/ 67، والبيهقي في "سننه" 2/ 449.
(2)
رواه الشافعي في "مسنده" 1/ 67، والبيهقي في "سننه" 2/ 449.
(3)
سيأتي برقم (5503) كتاب: الذبائح والصيد، باب: ما أنهر الدم
…
، ورواه مسلم برقم (1968) كتاب: الأضاحي، باب: جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام.
(4)
روي عن ابن عمر كما عند ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 338 (3886) لكنه في المطبوع بدار الكتب العلمية عن عمر وهو غير صحيح. ورواه ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 188. من طريق ابن أبي شيبة عن ابن عمر.
(5)
روي عن جابر هو ابن سمرة كما عند ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 338 (3882) ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 188، وروي عنه مرفوعًا كما عند مسلم (360) كتاب: الحيض، باب: الوضوء من لحوم الإبل مطولًا، وابن ماجه (495) مختصرًا، وأحمد 5/ 86، والطيالسي بنحوه 2/ 126 (803)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 129 (1455، 1456، 1457)، وابن الجارود (25)، وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 186 - 187، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 383، وابن خزيمة 1/ 21، كلهم عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر.
(6)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 338 (3883)، ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 188.
(7)
في الأصل: الزبير، والصواب ابن الزبير كما رواه ابن أبي شيبة 1/ 338، وابن المنذر 2/ 188.
وابن سيرين
(1)
والنخعي
(2)
وعطاء
(3)
.
وقال ابن بطال: حديث الباب حجة على الشافعي؛ لأن الحديث ليس فيه تخصيص موضع من آخر، ومعلوم أن مرابضها لا تسلم من البعر. والبول، فدل على الإباحة وعلى طهارة البول والبعر
(4)
.
قُلْتُ: الشارع قد علل عدم الكراهة فيها بغير ذَلِكَ كما سلف، إذ أعطان الإبل غالبًا لا تسلم من ذَلِكَ والكراهة باقية.
فرع:
قَالَ ابن المنذر: تجوز الصلاة أيضًا في مراح البقر؛ لعموم قوله: "أينما أدركتك الصلاة فصلِّ"
(5)
وهو قول عطاء
(6)
ومالك
(7)
.
قُلْتُ: قد ورد ذَلِكَ مصرحًا به، ففي "مسند عبد الله بن وهب المصري" عن سعيد بن أبي أيوب، عن رجل حدثه، عن ابن المغفل: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى في معاطن الإبل، وأمر أن يصلى في مراح البقر والغنم
(8)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 338 (3888).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 338 (3889).
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 407 (1594) وانظر: "الأوسط" 2/ 187.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 83.
(5)
سيأتي برقم (3366) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب:(10).
(6)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 410 (1605).
(7)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 223.
(8)
ورد بهامش الأصل ما نصه: في سنده مجهول وفي "المسند" ثنا حسن، ثنا ابن لهيعة، عن حي بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن الحبلي حدثه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابد الغنم ولا يصلي في مرابد الإبل والبقر. [المسند: 2/ 178].
67 - باب مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فيِ السَّمْنِ وَالْمَاءِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ لَوْنٌ. وَقَالَ حَمَّادٌ: لَا بَأْسَ بِرِيشِ المَيْتَةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي عِظَامِ المَوْتَى نَحْوَ الفِيلِ وَغَيْرِهِ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ سَلَفِ العُلَمَاءِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا، وَيَدَّهِنُونَ فِيهَا، لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا. وقَالَ ابن سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ: وَلَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ العَاجِ. [فتح: 1/ 342]
235 -
حَدَّثَنَا اِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ:"ألقُوهَا، وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمْنكُمْ". [236، 5538، 5539، 5540 - فتح: 1/ 343]
236 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ:"خذُوهَا، وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ". قَالَ مَعْنٌ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ مَا لَا أُحْصِيهِ يَقُولُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ. [انظر: 235 - فتح: 1/ 343]
237 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ محَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عن هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللهِ يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ، تَفَجَّرُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالْعَرْفُ عَرْفُ المِسْكِ". [2803، 5523 - مسلم: 1876 - فتح: 1/ 343]
(وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ لَوْنٌ).
وهذا رواه عنه عبد الله بن وهب في "جامعه" فيما حكاه ابن عبد البر يونس عنه
(1)
، وإنما ذكره البخاري من قول هذا الإمام؛ لأنه روي في حديث أبي أمامة الباهلي وغيره، وإسناده ضعيف
(2)
. نعم، هو إجماع
(1)
"التمهيد" 1/ 327.
(2)
روي هذا الحديث من طريقين: أحدهما: عن أبي أمامة، والثانية: عن ثوبان، أما طريق أبي أمامة فقد وردت من طريقين أيضًا: أحدهما: مسندة، رواه ابن ماجه (521) من طريق مروان بن محمد عن رشدين، عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة مرفوعًا: قال: "إن الماء لا ينجسه شئ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه".
والطبراني في "الكبير" 8/ 104 (7503) من طريق مروان بن محمد به مثله دون قوله "لونه"، وفي "الأوسط" 1/ 226 (744) من طريق محمد بن يوسف، عن رشدين به سواء، وقال: لم يرو هذا الحديث عن معاوية بن صالح إلا رشدين، تفرد به محمد بن يوسف، قلت: بل تابعه مروان بن محمد، عن رشدين كما عند ابن ماجه والطبراني كما سبق ذكره أنفًا.
ورواه الدارقطني في "سننه" 1/ 29 من طريق محمد بن يوسف عن رشدين به، وقال لم يرفعه غير رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح وليس بالقوي، والصواب في قول راشد، ورواه البيهقي 1/ 259، 260 أيضًا من طريق مروان بن محمد، عن رشدين به دون لفظ "لونه" رواه بلفظ:"إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء" من طريق آخر عن مروان بن محمد.
ثم رواه من طريق بقية بن الوليد وحفص بن عمر، عن ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة بمثل حديث ابن ماجه، ثم وجدته عند ابن عدي في "الكامل" 3/ 286 - 287 من طريق حفص بن عمر، عن ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة به دون قوله:"لونه". وقال: هذا الحديث ليس يوصله عن ثور إلا حفص بن عمرو، ورواه الأحوص بن حكيم مع ضعفه عن راشد بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا ولم يذكر أبا أمامة. اهـ.
قلت: أما قوله ليس يوصله عن ثور إلا حفص بن عمرو فغير صحيح، فقد رواه البيهقي كما سبق من طريق بقية بن الوليد، عن ثور بن يزيد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 41 من طريق الدارقطني وأشار إلى ضعفه.
وذكره النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 69 تحت الضعيف في أحاديث الباب، وقال: والضعيف في أحاديث الباب، وقال: الضعف في الاستثناء فقط، وأوله صحيح. وقال في "المجموع" 1/ 160: وأما الحديث الذي ذكره المصنف -يقصد حديث أبي أمامة- فضعيف لا يصح الاحتجاج به، وقد رواه ابن ماجه والبيهقي من رواية أبي أمامة وذكرا فيه طعمه أو ريحه أو لونه واتفقوا على ضعفه ونقل الإمام الشافعي رحمه الله تضعيفه عن أهل العلم بالحديث وبَيّن البيهقي ضعفه، وهذا الضعف في آخره وهو الاستثناء.
وقال ابن الملقن في " البدر المنير" 1/ 401: فتلخص أن الاستثناء المذكور ضعيف لا يحل الاحتجاج به؛ لأنه ما بين مرسل وضعيف. وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 77: رواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف.
ثانيها: مرسلة. رواها عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 80 (264) من طريق الأحوص بن حكيم، عن عامر بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وقوله عامر بن سعد. مخالف لباقي الروايات الأخرى فقد جاء عن راشد بن سعد كما في الحديث الموصول عن أبي أمامة. وهو عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 16، والدارقطني في "سننه" 1/ 28، وقال: مرسل، ووقفه أبو أسامة على راشد.
ورواه أيضًا من طريق آخر 1/ 27. وقال: لم يجاوز به راشدًا، وقال البيهقي في "سننه" 1/ 260: ورواه عيسى بن يونس، عن الأحوص بن حكيم، عن راشد بن سعد مرسلًا، ورواه أبو أسامة عن الأحوص، عن ابن عون، وراشد من قولهما والحديث غير قوي ثم ذكر بإسناده إلى الشافعي تضعيفه للحديث.
وقال ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 44: سألت أبي عن حديث رواه عيسى بن يونس، عن الأحوص بن حكيم، عن راشد بن سعد فقال أبي: يوصله رشدين بن سعد. يقول عن أبي أسامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ورشدين ليس بالقوي والصحيح مرسل.
ورواه ابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 41 من طريق الدارقطني به سواء، وقال: هذا لا يصح.
وقال الألباني في "الضعيفة"(2644): وبالجملة فالحديث ضعيف؛ لعدم وجود =
كما نقله الإمام الشافعي، حيث قَالَ: وما قُلْتُ من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه ولونه
(1)
كان نجسًا، فيروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهٍ لا يُثبت أهل الحديث مثله، وهو قول العامة، لا أعلم بينهم فيه خلافًا
(2)
.
قَالَ ابن بطال: وقول الزهري هو قول الحسن والنخعي والأوزاعي، ومذهب أهل المدينة، وهي رواية أبي مصعب، عن مالك، وروي عن ابن القاسم: أن قليل الماء ينجس بقليل النجاسة، وإن لم يظهر فيه
(3)
، وهو قول الشافعي.
قَالَ المهلب: وهذا عند أصحاب مالك على سبيل الاستحسان والكراهية لعين النجاسة وإن قلَّت
(4)
.
قَالَ البخاري: وَقَالَ حَمَّادٌ: لَا بَأْسَ بِرِيشِ المَيْتَةِ.
= شاهد معتبر له تطمئن النفس إليه، فإن مدار الحديث على راشد بن سعد كما رأيت، وقد اختلف عليه، فمنهم من رفعه عنه، ومنهم من أوقفه عليه، وكل من المسند والمرسل ضعيف لا يحتج بحديثه، على أنه لو كان المرسل ثقة، لكان أرجح من المسند ولكان علة قادحة في الحديث، فكيف ومرسله ضعيف؟!
أما طريق ثوبان فأخرجه الدارقطني في "سننه" 1/ 27 من طريق مروان بن محمد عن رشدين بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو على طعمه".
وضعفه ابن الملقن في "البدر المنير" 1/ 398 - 399، وقال الألباني في "الضعيفة" (2644): حديث ثوبان لا يصح جعله شاهدًا لحديث أبي أمامة؛ لأن مدارهما على رشدين كما عرفت، وهو من ضعفه جعله مرة من حديث هذا ومرة من حديث هذا.
(1)
كذا بالأصل، وصوابه كما في "اختلاف الحديث" وغيره من الكتب: إذا تغير طعم الماء أو ريحه أو لونه.
(2)
"اختلاف الحديث" ص 74.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 77.
(4)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 349.
وهذا رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، عن معمر، عن حماد بن أبي سليمان أنه قَالَ: لا بأس بصوف الميتة، ولكنه يغسل، ولا بأس بريش الميتة
(1)
.
وهذا مذهب أبي حنيفة أيضًا؛ لقوله في عظام الفيل بناء على أصله أن لا روح فيها، وعند مالك والشافعي نجسة.
وقال ابن حبيب: لا خير في ريش الميتة؛ لأنه له سَنَخ، أما ما لا سنخ له مثل الزغب وشبهه، فلا بأس به إذا غسل
(2)
.
قَالَ ابن المنير: ومقصود البخاري بما ترجم له أن المعتبر في النجاسات الصفات، فلما كان ريش الميتة لا يتغير بتغيرها؛ لأنه لا تحله الحياة طَهُر، وكذلك العظام، وكذا الماء إذا خالطه نجاسة ولم تغيره، وكذلك السمن البعيد عن موضع الفأرة، إذا لم يتغير
(3)
، كما ساقه البخاري بعد.
وقال ابن بطال: رواية ابن القاسم، عن مالك أن قليل الماء ينجس وإن لم يتغير؛ يستنبط من حديث الفأرة فإنه صلى الله عليه وسلم منع من أكل السمن لما خشى أن يكون سرى فيه من الميتة المحرمة، وإن لم يتغير لون السمن أو ريحه أو طعمه بموت الفأرة فيه
(4)
.
قَالَ البخاري: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي عِظَامِ المَوْتَى نَحْوَ الفِيلِ وَغَيْرِهِ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ سَلَفِ العُلَمَاءِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا، وَيَدَّهِنُونَ فِيهَا، لَا يَرَوْنَ به بَأْسًا.
(1)
"مصنف عبد الرزاق" 1/ 67 (206).
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 350 - 351.
(3)
"المتواري" ص 72، 73.
(4)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 349.
هو مذهب أبي حنيفة -أعني: في عظم الفيل ونحوه-، وخالف مالك والشافعي فقالا بنجاسته لا يدهن فيه ولا يمتشط، إلا أن مالكًا وأبا حنيفة
(1)
قَالَ: إذا ذكي الفيل فعظمه طاهر
(2)
. وخالف الشافعي فقال: الذكاة لا تعمل في السباع
(3)
.
وروى الشافعي عن إبراهيم بن محمد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أنه كان يكره أن يدهن في مدهن من عظام الفيل؛ لأنه ميتة.
وفي لفظ: إنه كان يكره عظام الفيل
(4)
-يعني: مطلقًا-، وفي "المصنف": وكرهه عمر بن عبد العزيز وعطاء وطاوس
(5)
.
وأما حديث ابن عباس الموقوف: إنما حرم من الميتة ما يؤكل منها وهو اللحم، فأما الجلد والسن والعظم والشعر والصوف فهو حلال
(6)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: المعروف عن مالك هذا فقط، وأبو حنيفة لم يوافقه على هذا، وكذا حكاه النووي عن مالك وحده.
(2)
كذا وقع في الأصل، وهو خطأ كما قال الناسخ، وقد جاءت هذِه الفقرة على الصواب عند ابن بطال 1/ 350 فقال: وأما ريش الميتة وعظام الفيل ونحوه فهو طاهر عند أبي حنيفة، نجس عند مالك والشافعي، لا يدهن ولا يمتشط إلا أن مالكًا قال: إذا ذكي الفيل فعظمه طاهر، والشافعي يقول: إن الذكاة لا تعمل في السباع.
ثم كررها ابن بطال 1/ 351 على الخطأ فقال: وقال مالك وأبو حنيفة: إن ذكي الفيل فعظمه طاهر، والشافعي يقول: إن الذكاة لا تعمل في السباع.
فلعل المصنف قد نقلها من ابن بطال أو ممن نقل عن ابن بطال.
(3)
انظر "بدائع الصنائع" 1/ 63، "المجموع" 1/ 291، "المغني" 1/ 97، 98، "الذخيرة" 1/ 183، 184.
(4)
رواه عن الشافعي البيهقي في "السنن" 1/ 26.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 232، 233 (25544 - 25547).
(6)
رواه الدارقطني في "سننه" 1/ 47 - 48، والبيهقي في "سننه" 1/ 23، وابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 90. وقال الدارقطني: عبد الجبار ضعيف. =
فتفرد به أبو بكر الهذلي، عن الزهري كما قَالَ يحيى بن معين وليس بشيء، قَالَ البيهقي: وقد روى عبد الجبار بن مسلم -وهو ضعيف- عن الزهري شيئًا معناه
(1)
.
وحديث أم سلمة مرفوعًا: "لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ، ولا بشعرها إذا غسل بالماء"
(2)
إنما رواه يوسف بن السفر، وهو متروك، وقال ابن المواز: نهى مالك عن الانتفاع بعظم الميتة والفيل ولم يطلق تحريمهما؛ لأن عروة وابن شهاب وربيعة أجازوا الامتشاط بها.
قَالَ ابن حبيب: وأجاز الليث وابن الماجشون وابن وهب ومطرف وأصبغ الامتشاط بها والادهان فيها، فأما بيعها فلم يرخص فيه إلا ابن وهب، قَالَ: إذا غليت جاز بيعها، وجعله كالدباغ لجلد الميتة يدبغ أنه يباع.
= وقال البيهقي أيضًا عقب حديث ابن عباس الذي في الصحيحين: "إنما حرم أكلها": وقد روى أبو بكر الهذلي، عن الزهري في هذا الحديث زيادة لم يتابعه عليها ثقة. وقد روى هذِه الزيادة الدارقطني في "سننه" 1/ 48، ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 90.
وقال الدارقطني: أبو بكر الهذلي متروك، ورواه البيهقي في "سننه" أيضًا 1/ 23، وروى البيهقي بإسناده إلى يحيى بن معين. قال: أبو بكر الهذلي ليس بشيء.
(1)
"السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 23 - 24.
(2)
رواه الدارقطني 1/ 47، والطبراني في "الكبير" 23/ 258 (538) مختصرًا، والبيهقي 1/ 24، وابن الجوزي في "تحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 90، 91، وقال الدراقطني: لم يأت به غير يوسف بن السفر، وهو متروك يكذب. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/ 218: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه يوسف بن السفر، وقد أجمعوا على ضعفه.
وقال الليث وابن وهب: إن غلي العظم في ماء سخن وطبخ، جاز الادهان به والامتشاط
(1)
.
فائدة:
قول الزهري: يُدْهنون يجوز في قراءته ثلاثة أوجهٍ: ضم الياء وإسكان الدال، أي: يُدهنون رءوسهم ولحاهم ونحو ذَلِكَ.
وثانيها: تشديد الدال وفتح الهاء وتشديدها.
ثالثها: فتح الدال وتشديدها وكسر الهاء من ادَّهن افتعل. قَالَ
السفاقسي: وهو ما رويناه وقدم الأول وقال: الآخران جائزان.
قَالَ البخاري: وَقَالَ ابن سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ العَاجِ.
وهذا التعليق عن ابن سيرين أسنده عبد الرزاق في "مصنفه" فقَالَ: حَدَّثنَا الثوري عن هشام، عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بالتجارة بالعاج بأسًا
(2)
، وهذا إسناد صحيح، ورخص في بيعه عروة وابن وهب
(3)
.
قَالَ ابن بطال: ومن أجازه فهو عنده طاهر
(4)
.
قَالَ ابن سيده: والعاج: أنياب الفِيَلَة. ولا يسمى غير الناب عاجًا
(5)
. وقال القزاز: أنكر الخليل أن يسمى غيره عاجًا وذكر غيرهما أن الذبل يسمى عاجًا، وممن صرح به الخطابي، حيث قَالَ:
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 350 - 351.
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 1/ 68 (211).
(3)
"مصنف عبد الرزاق" 1/ 69 (214)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 232 (25541، 25542، 25543).
(4)
"شرح ابن بطال" 1/ 351.
(5)
"المحكم" 2/ 204.
العاج: الذبل
(1)
. وأنكر عليه
(2)
، وفي "الصحاح" و"المجمل": العاج: عظم الفيل
(3)
. وفي "الصحاح" أيضًا: المسك: السوار من عاج أو ذبل
(4)
فغاير بينهما.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم امتشط بمشط من عاج
(5)
.
(1)
"معالم السنن" 4/ 197 وتتمة كلامه: فأما العاج الذي تعرفه العامة فهو عظم أنياب الفيلة.
(2)
قلت: قد أنكر على الخطابي قوله هذا غيرُ واحد من العلماء، منهم التوربشتي فيما نقله عنه شمس الحق العظيم آبادي في "عون المعبود" 11/ 270 قال: قال التوربشتي بعدما نقل عبارة الخطابي هذِه: من العجيب العدول عن اللغة المشهورة إلى ما لم يشتهر بين أهل اللسان، والمشهور أن العاج عظم أنياب الفيلة وعلى هذا يفسره الناس أولهم وآخرهم. اهـ.
وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 343: وفي كلام الخطابي نظر. وكذا قال الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 120.
وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي" 1/ 27: كان الواجب عليه اتباع الحديث وترك رأيه ولم يفعل كذلك، بل رد الحديث إلى رأيه وأوهم بقوله: الذي تعرفه العامة. أنه ليس من صحيح لغة العربي وليس كذلك.
(3)
"الصحاح" 1/ 332، "المجمل" 2/ 641.
(4)
"الصحاح" 4/ 1608.
(5)
رواه البيهقي في "سننه" 1/ 26، وضعفه وقال الذهبي في "المهذب" 1/ 27: وهذا لا يصح.
وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي" 1/ 27: وقال في "الخلافيات": عمرو بن خالد الواسطي. ضعيف، والمفهوم من كلامه ها هنا أن الواسطي مجهول، وهو ليس كذلك.
وقال الألباني في "الضعيفة" 10/ 411: وأنا أظن أنه عمرو بن خالد القرشي أبو خالد الكوفي نزيل واسط، وهو مشهور بالكذب والوضع. ولذا ضعفه في "الضعيفة" برقم (4846).
وروى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لثوبان: "اشتر لفاطمة سوارين من عاج"
(1)
لكنهما ضعيفان، ثم العاج هو: الذبل كما قدمناه، وهو بذال معجمة، ثم باء موحدة، ثم لام، وهو عظم ظهر السلحفاة البحرية، صرح به الأصمعي وابن قتيبة وغيرهما من أهل اللغة. وقال أبو علي البغدادي
(2)
: العرب تسمي كل عظم عاجًا.
(1)
أبو داود (4213)، ورواه أحمد 5/ 275، والطبراني 2/ 103 (1453)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 70 - 71 الترجمة (434). وقال: وحميد الشامي هذا إنما أنكر عليه هذا الحديث، وهو حديثه ولم أعلم له غيره، والبيهقي في "سننه" 1/ 26، "شعب الإيمان"(5659) مختصرًا. وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 315 (1336)، وفي "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 92 - 93، والمزي في "تهذيب الكمال" 7/ 413 - 414، و 12/ 111 - 112.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي في "تاريخه"(268): قلت: فحميد الشامي كيف حديثه الذي يروي حديث ثوبان، عن سليمان المنبهي؟ فقال: ما أعرفهما.
وقال ابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 93: هذا الحديث لا يصح. حميد وسليمان مجهولان. قال أحمد: لا أعرف حميدًا. وقال الذهبي في "المغني"(1789):
روى عنه ابن جحادة خبرًا منكرًا في ذكر فاطمة، لا يعرف، ولينه بعضهم، وقال في "التنقيح" 1/ 140: فحميد وشيخه مجهولان. وقال الألباني في "المشكاة"(4471): وإسناده ضعيف.
(2)
هو أبو علي، إسماعيل بن القاسم بن هارون بن عيدون البغدادي القالي العلامة اللغوي، صاحب كتاب "الأمالي" في الأدب أخذ العربية عن ابن دريد، وأبي بكر بن الأنباري، وابن درستويه، وأقام بالموصل لسماع الحديث من أبي يعلى، ودخل بغداد في 305 هـ، وأقام بها إلى سنة 328 هـ وكتب بها الحديث، ثم خرج من بغداد قاصدًا الأندلس. له كتاب "المقصور والممدود"، "الإبل ونتاجها وجميع أحوالها"، "أفعل من كذا"، "البارع في اللغة"، "البارع في غريب الحديث"، "تفسير غريب أبي تمام"، "الخيل"، "تبويب لحن العامة للسجستاني". وانظر:"سير أعلام النبلاء" 16/ 45، "تاريخ الإسلام" 26/ 138 - 139، "وفيات الأعيان" 1/ 226، "شذرات الذهب" 3/ 18.
قُلْتُ: فلا يكون العظم -أعني: عظم الفيل- هنا مرادًا؛ لأنه ميتة فلا تستعمل، وواحدة العاج عاجة.
ثم ذكر البخاري في الباب حديث ميمونة وحديث أبي هريرة.
أما حديث ميمونة فقال فيه:
حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَن ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ:"أَلْقُوهَا، وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمْنكُمْ".
حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، "ثَنَا مَعْنٌ، ثنَا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: "خُذُوهَا، وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ". قَالَ مَعْنٌ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ لَا أُحْصِيهِ يَقُولُ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ.
وهذا الحديث أخرجه في الذبائح
(1)
أيضًا وهو من أفراده عن مسلم، وأخرجه أبو داود والترمذي في الأطعمة
(2)
والنسائي في الذبائح
(3)
، وأفاد البخاري بالطريق الثاني، -وإن كان نازلًا- متابعة إسماعيل وقول معن السالف.
وفي إسناده اختلاف كثير بينه الدارقطني، حيث روي تارة بإسقاط ميمونة من حديث الزهري ومالك، وتارة بإسقاط ابن عباس، وتارة
(1)
سيأتي برقم (5538، 5540) كتاب: الذبائح والصيد، باب: إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب.
(2)
"سنن أبي داود"(3841)، "سنن الترمذي"(1798).
(3)
"سنن النسائي" 7/ 178.
من حديث ابن مسعود، وتارة من حديث سالم، عن أبيه قَالَ: وهو وهم
(1)
. وقال أبو عمر: هذا اضطراب شديد من مالك
(2)
.
ورواه أبو داود من حديث أبي هريرة
(3)
وقال الإسماعيلي: الحديث معلول، وفي رواية سئل الزهري عن الدابة تموت في الزيت والسمن، وهو جامد أو غير جامد تقع فيه الفأرة أو غيرها فقال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قَرُب منها فطرح، ثم أكل
(4)
.
وفي سنن أبي داود: "إن كان مائعًا فلا تقربوه"
(5)
.
إذا تقرر ذَلِكَ فالإجماع قائم كما نقله ابن عبد البر على أن الفأرة وشبهها من الحيوان تموت في سمن جامد أو ما كان مثله من الجامدات، أنها تطرح وما حولها من ذلك الجامد ويؤكل سائره، إذا استوثق أن الميتة لا تصل إليه.
وكذا أجمعوا أن السمن وما كان مثله إذا كان مائعًا ذائبًا، فماتت فيه فأرة أو وقعت فيه وهي ميتة، أنه نجس كله، وسواء وقعت فيه ميتة أو حية، فماتت ينجس بذلك قليلًا كان أو كثيرًا، هذا قول جمهور
(1)
"علل الدارقطني" 7/ 285، 287 (1357).
(2)
"التمهيد" 9/ 34.
(3)
"سنن أبي داود"(3842). قال الألباني في "ضعيف أبي داود": شاذ.
(4)
سيأتي برقم (5539) كتاب: الذبائح والصيد، باب: إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب.
(5)
"سنن أبي داود"(3842)، ورواه أحمد 2/ 265، وابن حبان في "صحيحه" 4/ 237 (1393)، والبيهقي 9/ 353، والبغوي في "شرح السنة" 257/ 11 (2812). قال الترمذي: في "العلل" 2/ 759: ليس له أصل، وقال أبو حاتم في:"العلل" 2/ 12: وهم.
الفقهاء وجماعة العلماء، وقد شذ قوم
(1)
فجعلوا المائع كله كالجامد، ولا وجه للاشتغال بشذوذهم، ولا هم عند أهل العلم ممن يُعد لهم خلاف.
وسلك ابن علي
(2)
في ذَلِكَ مسلكهم، إلا في السمن الجامد والذائب، فإنه يتبع ظاهر هذا الحديث، وخالف معناه في العسل والخل، وسائر المائعات، فجعلها كلها في لحوق النجاسة إياها بما ظهر فيها، فشذ أيضًا، ويلزمه ألا يتعدى الفأرة كما لا يتعدى السمن.
قَالَ: واختلف العلماء في الاستصباح به بعد إجماعهم على نجاسته.
فقالت طائفة من العلماء: لا يستصبح به ولا ينتفع بشيء منه، وممن قَالَ ذَلِكَ: الحسن بن صالح، وأحمد بن حنبل، محتجين بالرواية السالفة:"وإن كان مائعًا فلا تقربوه" ولعموم النهي عن الميتة في الكتاب العزيز.
وقال آخرون بجواز الاستصباح به والانتفاع في كل شيء إلا الأكل والبيع، وهو قول مالك والشافعي وأصحابهما والثوري، أما الأكل فمجمع على تحريمه، إلا الشذوذ الذي ذكرناه، كما نبه عليه ابن عبد البر
(3)
.
وأما الاستصباح فروي عن علي
(4)
وابن عمر
(5)
أنهما أجازا ذَلِكَ، ومن حجتهم في تحريم بيعها قوله: "لعن الله اليهود، حرمت عليهم
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: [
…
] ذهب إليه البخاري في الصحيح وهو مذهب غيره أيضًا.
(2)
ورد في هامش الأصل ما نصه: يعني: داود الظاهري.
(3)
"التمهيد" 9/ 40 - 41، 42.
(4)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 285.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 5/ 127 (24387)، وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 286.
الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها، إن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه"
(1)
.
وقال آخرون: ينتفع به وجائز أن يبيعه ويبِّين ولا يأكله، وممن قَالَ ذَلِكَ أبو حنيفة وأصحابه، والليث بن سعد، وقد روي عن أبي موسى الأشعري
(2)
والقاسم وسالم محتجين بالرواية الأخرى، "وإن كان مائعًا، فاستصبحوا به وانتفعوا" والبيع من باب الانتفاع
(3)
.
وأما قوله في حديث عبد الرزاق: "وإن كان مائعًا، فلا تقربوه" يحتمل أن يريد به الأكل. وقد أجرى صلى الله عليه وسلم التحريم في شحوم الميتة في كل وجه، ومنع الانتفاع بشيء منها، وقد أباح في السمن يقع فيه الميتة الانتفاع به، فدل على جواز وجوه سائر الانتفاع غير الأكل، ومن جهة النظر أن شحوم الميتة محرمة العين والذات.
وأما الزيت يقع فيه الميتة، فإنها تنجس بالمجاورة، وما ينجس بالمجاورة فبيعه جائز، كالثوب تصيبه النجاسة من الدم وغيره.
وأما قوله: "إن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه". فإنما خرج على شحوم الميتة التي حرم أكلها، ولم يبح الانتفاع بشيء منها، وكذلك الخمر، وأجاز عبد الله بن نافع غسل الزيت وشبهه تقع فيه الميتة،
(1)
الحديث بهذا اللفظ رواه أحمد في "المسند" 1/ 247 من حديث ابن عباس، ورواه أبو داود (3488)، وكذا البيهقي 6/ 13 بزيادة لفظ "ثلاثًا" فقال:"لعن الله اليهود ثلاثًا" والحديث عند البخاري من حديث جابر بن عبد الله (2236) في البيوع، باب: بيع الميتة والأصنام، ومسلم (1581) في المساقاة، باب: تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. بلفظ: "قاتل الله اليهود، إن الله لمَّا حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه" وفي الباب عن عمر بن الخطاب.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 87 (293)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 127 (24385)، وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 286.
(3)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 286، 287.
وروي عن مالك أيضًا
(1)
، وصفته: أن تَعْمُد إلى ثلاث آوان أو أكثر، فيجعل الزيت النجس في واحدة منها، حتى يكون نصفها أو نحوه، ثم يصب عليه الماء حتى يمتلئ، ثم يؤخذ الزيت من على الماء، ثم يجعل في آخر ويعمل به كذلك، ثم في آخر. وهو قول ليس لقائله سلف، ولا تسكن إليه النفس؛ لأنه لو كان جائزًا لما خفي على المتقدمين.
وقد روي عن عطاء قولُ تفرد به، روى عبد الرزاق، عن ابن جريج عنه، قَالَ: ذكروا أنه يدهن به السفن ولا يمس، ولكن يؤخذ بعود. قُلْتُ: يدهن به غير السفن؟ قَالَ: لم أعلم. قُلْتُ: وأين يدهن به من السفن؟ قَالَ: ظهورها ولا يدهن بطونها. قُلْتُ: فلابد أن تمس؟ قَالَ: تغسل اليد من مسه
(2)
.
وقد روي من حديث جابر المنعُ من الدهن به
(3)
، وعند سحنون أن موتها في الزيت الكثير غير ضار، وليس الزيت كالماء، وعن عبد الملك: إذا وقعت فأرة أو دجاجة في زيت أو بئر، فإن لم يتغير طعمه ولا ريحه أزيل ذَلِكَ منه ولم ينجس، وإن ماتت فيه ينجس وإن كثر
(4)
.
ووقع في كلام ابن العربي أن الفأرة عند مالك طاهرة خلافًا لأبي حنيفة والشافعي
(5)
، ولا نعلم عندنا خلافًا في طهارتها في حال حياتها
(6)
.
(1)
الذي في "النوادر والزيادات" 1/ 142: وروى ابن رشيد عن ابن نافع عن مالك في الزيت إذا أصابته النجاسة أنه يغسل.
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 1/ 67 (208).
(3)
سيأتي برقم (2236) كتاب: البيوع، باب: بيع الميتة والأصنام.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 4/ 380، "المنتقى" 7/ 292.
(5)
"عارضة الأحوذي" 7/ 300.
(6)
انظر: "الوسيط" 1/ 47، "روضة الطالبين" 1/ 13.
وحاصل الحديث فوائد: إلقاء ما نجس من الطعام مع العين النجسة، وأكل ما لم يصبه، وأن هذا حكم الجامد
(1)
.
أما المائع فمخالف له كما سلف في الرواية الأخرى "وإن كان مائعًا، فلا تقربوه" جمعًا بين الروايتين، وعن سحنون: أنه إذا طال مكث الميتة يطرح السمن كله؛ أي: لأنه قد يذوب في بعض تلك الأحوال، فتخالطه النجاسة، حكاه الداودي في "شرحه".
الحديث الثاني:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنَا عَبْدُ اللهِ، أنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كُلُّ كَلْم يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللهِ يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ، تَفَجَّرُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالْعَرْفُ عَرْفُ المِسْكِ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
عبد الله هو ابن المبارك وقد سلف. وأحمد شيخ البخاري فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه أحمد بن محمد بن موسى عُرف بمِرْدويه، قاله الحاكم أبو عبد الله، والكلاباذي، والإمام أبو نصر
(2)
حامد بن محمود بن علي
(1)
انظر: "المغني" 1/ 53.
(2)
هو أبو نصر حامد بن محمود بن عليّ بن عبد الصمد الرازي من أهل الري فقيه فاضل مناظر حسن السيرة جميل الأمر تفقه بنيسابور وببخارى وبرع في الفقه وكان راغبًا في سماع الحديث حريصًا على كتابته.
تنبيه: في الأصل: الفزاري، ولعل الصواب الرازي كما في مصادر الترجمة.
انظر ترجمته في: "التحبير في المعجم الكبير" ص 243، "التدوين في أخبار قزوين" 1/ 343، 2/ 467.
الفزاري في كتابه "مختصر البخاري"، وأخرج له مع البخاري أبو داود، والنسائي، وقال: لا بأس به، وهو المروزي السمسار، قدم بغداد، وأغفله الخطيب. مات سنة خمس وثلاثين ومائتين
(1)
.
ثانيها: أنه أحمد بن محمد بن ثابت الخزاعي المروزي الماخواني -قرية من قرى مرو- عرف بشبويه، قاله الدارقطني، وهذا روى عنه أبو داود، ومات سنة تسع وعشرين -أو ثلاثين- ومائتين
(2)
.
ثالثها: أنه لا يعرف، قَالَ أبو أحمد بن عدي: أحمد بن محمد، عن عبد الله، عن معمر لا يعرف
(3)
.
(1)
هو أحمد بن محمد بن موسى المروزي، أبو العباس السمسار المعروف بمردويه، وربما نسب إلى جده. ذكره أبو بكر بن أبي خيثمة فيمن قدم بغداد، ولم يذكره الخطيب في "تاريخه". وفي كتاب:"الزهرة" كان فقيهًا ويعرف بصاحب ابن المبارك، روى عنه -يعني: البخاري- اثني عشر حديثًا. وقال ابن وضاح: ابن مردويه خرساني ثقة ثبت.
انظر ترجمته في: "تهذيب الكمال" 1/ 473 (100). و"إكمال مغلطاي" 1/ 139 (146)، و"تهذيب التهذيب" 1/ 45.
(2)
هو: أحمد بن محمد بن ثابت بن عثمان بن مسعود بن يزيد الخزاعي، أبو الحسن ابن شبويه المروزي الماخواتي. وهو والد عبد الله بن أحمد بن شبويه.
قال النسائي: ثقة، وقال العجلي: أحمد شبويه ثقة.
روى البخاري في الوضوء، والأضاحي، والجهاد عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن المبارك، فقال الدارقطني: إنه أحمد بن محمد بن ثابت بن شبويه هذا، وقال أبو نصر الكلاباذي، وغير واحد: إنه أحمد بن محمد بن موسى مردويه المروزي السمسار، فأيهما كان، فهو ثقة. وجزم ابن حجر في "الفتح" 1/ 344 أنه ابن مردويه.
انظر: ترجمته في: "معرفة الثقات" 1/ 192 (4)، "الجرح والتعديل" 2/ 55 (71)، "تهذيب الكمال" 1/ 433 (94)، "إكمال مغلطاي" 1/ 112 (142).
(3)
"أسامي من روى عنهم البخاري" ص 86 (22).
ثانيها:
هذا الحديث أخرجه مسلم في الجهاد
(1)
.
ثالثها:
الكَلم -بفتح الكاف- الجرح. ويكْلمه بإسكان الكاف. والعرف -بفتح العين- الرائحة.
رابعها:
مجيئه يوم القيامة كهيئتها تفجر له فوائد:
الأولى: ليشهد على ظالمه بالقتل شهادة ظاهرة، والدم في الفصل شاهد عجب.
الثانية: ليظهر شرفه لأهل الموقف، بانتشار رائحة المسك من جرحه الشاهد له ببذل نفسه في ذات الله تعالى.
الثالثة: أن هذا الدم خلعة خلعها الله عليه في الحقيقة أكرمه بها في الدنيا، فناسب أن يأتي بها يوم القيامة.
أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به
…
يوم التزاور في الثوب الذي خلعًا
(2)
(1)
مسلم (1876/ 106) كتاب: الإمارة، باب: فضل الجهاد والخروج في سبيل الله.
(2)
قال أبو نعيم في "الحلية" 10/ 373:
أنشدني منصور بن محمد المفري قال: أنشدني أحمد بن نصر بن منصور الشاذابي المقري قال قيل لأبي بكر الشبلي: مزقت وأبليت كل ملبوسك والعيد قد أقبل والناس يتزينون وأنت هكذا؟ فأنشأ يقول:
قالوا أتى العيد ماذا أنت لابسه
…
فقلت خلعة ساق حبه جزعا
فقر وصبر هما ثوباي تحتهما
…
لب يرى إلفَهُ الأعياد والجمعا
الدهر لي مأتم إن غبت يا أملي
…
والعيد ما كنت لي مرءًا ومستمعًا
أحرى الملابس ما تلقى الحبيب به
…
يوم التزاور في الثوب الذي خلعا
خامسها:
الحديث سبق لفضل المطعون في سبيل الله، وقد استنبطوا منه أشياء فيها تكلف منها: أن المراعى في الماء تغير لونه دون تغيير رائحته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سمى هذا الخارج من جرح الشهيد دمًا، وإن كان الريح ريح مسك، ولم يقل مسكًا، فغلب المسك؛ للونه على رائحته، فكذلك الماء ما لم يتغير طعمه، لم يلتفت إلى تغير رائحته.
وفيه نظر؛ لأنه ذكر وصفين من غير تغليب لأحدهما على الآخر.
ومنها: ما ترجم له البخاري، ويحتمل أن حجته فيه الرخصة كما سلف، أو التغليظ بعكس الاستدلال الأول، فإن الدم لما انتقل بطيب رائحته من حكم النجاسة إلى الطهارة، ومن حكم القذارة إلى التطيب بتغير رائحته، وحكم له بحكم المسك والطيب للشهيد، فكذلك الماء ينتقل إلى العكس، بخبث الرائحة وتغير أحد أوصافه من الطهارة إلى النجاسة، على أن القيامة ليست دار أعمال ولا أحكام، وإنما لما عظم الدم بحيلولة صفته إلى ما هو مستطابُ معظمُ عادة، علمنا أن المعتبر الصفات لا الذوات، ولما كانت الأحاديث في باب نجاسة الماء ليست على شرطه، استدل على حكم الماء المائع بحكم الدم المائع، وذلك المعنى الجامع بينهما.
فإن قُلْتَ: لما حَكَمَ للدم بالطهارة بتغير رائحته إلى الطيب، وبقي فيه اللون والطعم، ولم يذكر تغيرهما إلى الطيب، وجب أن يكون الماء إذا تغير منه وصفان بالنجاسة وبقي وصف واحد طاهر أن يجوز الطهور به؟
فالجواب: أنه ليس كما توهمت؛ لأن ريح المسك حكم للدم بالطهارة، فكان اللون والطعم تبعًا للطاهر، وهو الريح التي انقلب ريح مسك، فكذلك الماء إذا تغير منه وصف واحد بنجاسة حلت فيه، كان الوصفان الباقيان تبعًا للنجاسة، وكان الماء بذلك خارجًا عن حد الطهارة؛ لخروجه عن صفة الماء الذي جعله الله طهورًا، وهو الماء الذي لا يخالطه شيء.
ومنها: أن أبا حنيفة يحتج بهذا الحديث على جواز استعمال الماء المضاف المتغيرة أوصافه، بإطلاق اسم الماء عليه، كما انطلق على هذا اسم الدم، وإن تغيرت أوصافه إلى الطيب
(1)
، ولا يخفي ما في ذَلِكَ.
سادسها:
فيه أيضًا من الفوائد: فضل الجراحة في سبيل الله، وأن الشهيد لا يُزال عنه الدم بغسل ولا غيره؛ للحكمة التي ذكرناها، وإليه يشير قوله:"كهيئتها إذ طعنت" وكان الحسن وابن سيرين يقولان: يغسل كل مسلم، وأن كل ميت يُجنب
(2)
، وأن أحكام الآخرة وصفاتها غير أحكام الدنيا وذواتها، فإن الدم في الآخرة يتغير حكمه من النجاسة والرائحة الخبيثة التي في الدنيا إلى الطهارة والرائحة الطيبة يوم القيامة، وبذلك يقع الإكرام له والتشريف.
ولا يلزم من كونه لون الدم أن يكون دمًا نجسًا حقيقة، كما لا يلزم من كون ريحه ريح مسك أن يكون مسكًا حقيقة، بل يجعله الله شيئًا يشْبه هذا، ويُشبه هذا بأشياء عما فارق الدنيا عليه، كما أن إعادة الأجسام لما
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 19.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 458 عن سعيد بن المسيب والحسن.
كانت عليه في الدنيا وإن اتصفت بصفات أخر من البقاء والدوام بعد أن كانت غير دائمة ولا باقية، ولهذا يأتون في طول واحد، وسن واحد جُردًا مُردًا غير مختونين، فعلمنا أن الإعادة حق، وإن اكتسبت أوصافًا لم تكن، ليس حكمه حكمها، ولا فضله فضلها.
وكذلك أهل الوضوء يبعثون يوم القيامة غرًا محجلين من آثاره إكرامًا لهم، وشهادة لهم تثبت عملهم في الدنيا ليتميزوا به.
وفيه أيضًا: أن الشهيد يبعث على حالته التي خرج عليها من الدنيا.
قَالَ الداودي: ويؤخذ من كون الدم طاهرًا يوم القيامة أنه إذا طُعن في الدنيا، ولم يرفأ الدم يصلي كذلك كما فعل عمر رضي الله عنه.
68 - باب البَوْلِ فِي المَاءِ الدَّائِمِ
238 -
حَدَّثَنَا أَبُوِ اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: أَخبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابقُونَ". [876، 816، 2956، 3486، 6624، 6887، 7036، 7495 - مسلم: 855 - فتح: 1/ 345]
239 -
وَبِإسْنَادِهِ قَالَ: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ". [مسلم: 282 - فتح: 1/ 346]
حَدَّثنَا أَبُو اليَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ، أَنا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يقول: إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ".
وَبِإسْنَادِهِ قَالَ: "لَا يَبُولَن أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث -أعني: حديث "لَا يَبُولَنَّ"- صحيح متفق على صحته، أخرجه مع البخاري مسلم والأربعة، ولفظة:"فيه" من أفراد البخاري. ولمسلم: "منه"
(1)
، وله:"لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" فقيل: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قَالَ: يتناوله تناولًا
(2)
.
ثانيها:
وجه إدخال البخاري رحمه الله الحديث الأول في هذا الباب،
(1)
مسلم (282) كتاب: الطهارة، باب: النهي عن البول في الماء الراكد.
(2)
مسلم (283) كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الاغتسال في الماء الراكد.
وهو حديث "نحن الآخرون .. " إلى آخره. أن أبا هريرة رواه كذلك، وذكر مثل ذَلِكَ في كتاب الجهاد
(1)
والمغازي
(2)
والأيمان والنذور
(3)
وقصص الأنبياء
(4)
والاعتصام
(5)
ذكر في أوائلها كلها "نحن الآخرون السابقون".
قَالَ ابن بطال في "شرحه": ويمكن أن يكون همام فعل ذَلِكَ؛ لأنه سمع من أبي هريرة أحاديث ليست بكثيرة، وفي أوائلها "نحن الآخرون السابقون" فذكرها على الرتبة التي سمعها من أبي هريرة، ويمكن -والله أعلم- أن يكون سمع أبو هريرة ذَلِكَ في نسق واحد، فحدث بهما جميعًا كما سمعهما
(6)
.
قُلْتُ: البخاري ساق الحديث من طريق الأعرج، عن أبي هريرة كما ذكرته لك، لا من حديث همام عنه، وتلك تعرف بصحيفة همام، وعادة مسلم يقول فيها، فذكر أحاديث، ومنها كذا، وهذِه أيضًا صحيفة رواها بشر بن شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عنه، عن أبي هريرة، وأحاديثها تقرب من صحيفة همام وأولها "نحن الآخرون السابقون" وفيها حديث البول في الماء الدائم.
وقوله: إن همامًا سمع من أبي هريرة أحاديث ليست بكثيرة، ليس بجيد؛ لأن الدارقطني جمعها في جزءٍ مفرد، فبلغت فوق المائة.
(1)
سيأتي برقم (2956) باب: يقاتل من وراء الإمام ..
(2)
لم نقف عليه.
(3)
سيأتي برقم (6624) باب: قول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ} .
(4)
سيأتي برقم (3486) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب:54.
(5)
سيأتي برقم (7495) في كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللهِ} .
(6)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 353.
وقوله: ويمكن أن يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسق فيه بعد، وقد وقع لمالك في "موطئه" مثل هذا في موضعين:
أحدهما: لما ذكر حديث: "وإن مما أدركت الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"
(1)
. وذكر إثره حديث: ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، فحدث بهما جميعًا كما سمعهما.
والثاني: حديث الغُصن الشوك وذكر معه "الشهداء خمسة"
(2)
.
وقال ابن المنير: إن قُلْتَ: كيف طابق هذا مقصود الترجمة؟ وهل ذَلِكَ لما قيل: إن همامًا راويه روى جملة أحاديث عن أبي هريرة، استفتحها له أبو هريرة بذلك، فصار همام مهما حدث عن أبي هريرة ذكر الجملة من أولها واتبعه البخاري في ذَلِكَ، أو يظهر مطابقة معنوية؟ قُلْتُ: على المطابقة، وتحقيقها أن السر في اجتماع الآخر في الوجود والسبق في البعث لهذِه الأمة، مثلها للمؤمن مثل السجن، وقد أدخل الله فيه الأولين والأخرين على ترتيب.
فمقتضى ذَلِكَ أن الآخر في الدخول أول في الخروج، كالوعاء إذا ملأته بأشياء وضع بعضها فوق بعض ثم استخرجتها، فإنما يخرج أولًا ما أدخله آخرًا، فهذا هو السر في كون هذِه الأمة آخرًا في الوجود الأول أولًا في الوجود الثاني، ولها في ذَلِكَ من المصلحة، فله بقاؤها في سجن الدنيا وفي أطباق البلاء بما خصها الله تعالى به من قصر الأعمار، ومن السبق إلى المعاد، فإذا فهمت هذِه الحقيقة تصور الفطن معناها عامًا.
(1)
"الموطأ" ص 116.
(2)
"الموطأ" ص 100.
فكيف يليق بلبيب أن يعمد إلى ما يتطهر من النجاسة ومما هو أيسر منها من الغبرات والقترات، فيبول في ماء راكد، ثم يتوضأ منه، فأول ما يلاقيه بوله الذي عزم على التطهر منه، وهو عكس للحقائق، وإخلال بالمقاصد، لا يتعاطاه أريب ولا يفعله لبيب، والحق واحد وإن تباعد ما بين طرفه، وسيأتي للبخاري ذكر حديث:"نحن الآخرون السابقون" في ترجمة قوله: "الإمام جنة يتقى به ويقاتل من ورائه"
(1)
أي: هو أولٌ آخرٌ، هو أول في إسناد الهمم والعزائم إلى وجوده، وهو آخر في (صور)
(2)
وقوفه فلا ينبغي لأجناده إذا قاتلوا بين يديه أن يظنوا أنهم حموه، بل هو حماهم وصان بتدبيره حماهم هو، وإن كان خلف الصف، إلا أنه في الحقيقة جنة أمام الصف، وحق الإمام أن يكون محله من الحقيقة الأمام
(3)
. هذا آخر كلامه، وفيه أمران:
أولهما: قوله: كما قيل: أن همامًا راويه تبع فيه ابن بطال
(4)
، وقد سلف رده.
ثانيهما: ما ذكره من المطابقة من أن الشيء إذا أدخلته آخرًا يخرج أولًا، إنما يأتي في الأشياء الكثيفة الأجرام أما المائع، فإنه سريع الاختلاط، ودخول بعضه في بعض.
ثالثها:
معنى "نحن الآخرون": آخر الأمم، "والسابقون": إلى الجنة يوم القيامة.
(1)
سيأتي برقم (2957) في الجهاد والسير، باب: يقاتل من وراء الإمام ويتقي به.
(2)
هكذا في الأصل، وفي "المتواري": أنها (صورة).
(3)
"المتواري" ص 73، 74.
(4)
"شرح ابن بطال" 1/ 353.
رابعها:
"الدَّائِم": الراكد كما جاء في رواية أخرى.
وقوله: ("الَّذِي لَا يَجْرِي") تأكيد لمعناه وتفسير له، وقيل:
للاحتراز عن راكد لا يجري بعضه، كالبرك ونحوها، والألف واللام في "الماء" لبيان حقيقة الجنس أو للمعهود الذهني.
خامسها:
قوله: ("ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ") الرواية بالرفع، وجوَّز ابن مالك جزمه على النهي، ونصبه على تقدير أن
(1)
، ومنعهما غيره، وقد أوضحت ذَلِكَ في "شرح العمدة"
(2)
.
سادسها:
هذا النهي للتحريم إن كان قليلًا؛ لأنه ينجسه ويقذره على غيره، وللتنزيه إن كان كثيرًا هذا هو الذي يظهر، وإن أطلق جماعة من أصحابنا الكراهة في الأول، والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح، وكذا إذا بال في إناء ثم صبه فيه، أو بال بقُرْبه فوصل إليه، وأبعد الظاهري فيهما، وقال: يحرم عليه إذا بال فيه، ولو كان الماء كثيرًا دون غيره، وقد أوضحت فساده في "شرح العمدة" أيضًا
(3)
.
سابعها:
استدل به أبو حنيفة على تنجيس الغدير الذي يتحرك طرفه بتحرك الآخر بوقوع النجاسة فيه؛ فإن الصيغة صيغة عموم
(4)
، وهو عند
(1)
"شواهد التوضيح" ص 220.
(2)
انظر: "الإعلام" 1/ 272.
(3)
"الإعلام" 1/ 277، 278.
(4)
انظر: "الهداية" 1/ 19، 20.
الشافعية وغيرهم مخصوص، والنهي محمول على ما دون القلتين جمعًا بين الحديثين
(1)
، وهما هذا الحديث وحديث:"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا"، وقد صححه ابن معين وابن حبان وابن خزيمة والحاكم وغيرهم
(2)
.
وعند أحمد أن بول الآدمي وما في معناه ينجس الماء، وإن كان كثيرًا اللهم إلا أن يكون كثيرًا جدًّا، كالمصانع التي بطريق مكة وغيره من النجاسات يعتبر فيه القلتان.
وكأنه رأى أن الخبث المذكور في حديث القلتين عام بالنسبة إلى الأنجاس الواقعة في الماء الكثير، ويخرج بول الآدمي وما في معناه من جملة النجاسات الواقعة في القلتين مخصوصة، فينجس الماء دون غيره من النجاسات، ويلحق بالبول المنصوص عليه، ما هو في معناه
(3)
.
ومالك حمل النهي على التنزيه مطلقًا؛ لاعتقاده أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير بالنجاسة، فلا بد من التخصص أو التقييد
(4)
.
ثامنها:
حرمة الوضوء بالماء النجس والتأدب بالتنزه عن البول في الماء الراكد؛ لعموم الحاجة إليه
(5)
.
(1)
انظر: "المجموع" 1/ 168.
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 49 (92)، "صحيح ابن حبان" 4/ 57 (1249). ورواه الأربعة: أبو داود (63)، والترمذي (67)، والنسائي 1/ 46، وابن ماجه (517).
(3)
انظر: "المغني" 1/ 55 - 56.
(4)
انظر: "التفريع" 1/ 216، "الكافي" ص 15، "بداية المجتهد" 1/ 52، 57.
(5)
ورد بهامش الأصل ما نصه: آخر الثامن من الجزء الثاني من تجزئة المصنف.
69 - باب إِذَا أُلْقِيَ عَلَى ظَهْرِ المُصَلِّي قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌّ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ
وَكَانَ ابن عُمَرَ إِذَا رَأى فِي ثَوْبِهِ دَمًا وَهُوَ يُصَلِّي وَضَعَهُ وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ. وَقَالَ ابن المُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ: إِذَا صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ دَمٌ أَوْ جَنَابَةٌ أَوْ لِغَيْرِ القِبْلَةِ أَوْ تَيَمَّمَ، فَصَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ المَاءَ فِي وَقْتِهِ، لَا يُعِيدُ. [فتح: 1/ 438]
240 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ ح. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَحمَدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبرَاهِيمُ بن يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيمُونٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلِ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورٍ بَنِي فُلَانٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَد؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وضَعَهُ على ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ، لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنْعَةٌ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ، وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَة ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ". ثَلَاثَ مَرَّاتِ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ- قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ -ثُمَّ سَمَّى: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ". وَعَدَّ السَّابعَ فَلَمْ يحْفَظْهُ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَرْعَى فِي القَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ [520، 2134، 3185، 3854، 3960 - مسلم: 1794 - فتح: 1/ 341]
قال البخاري: وَكَانَ ابن عُمَرَ إِذَا رَأى فِي ثَوْبِهِ دَمًا وَهْوَ يُصَلِّي وَضَعَهُ وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ.
وهذا رواه في "المصنف" بنحوه عن وكيع، عن حسين بن جعفر، حَدَّثَني سليط بن عبد الله بن يسار: رأيت ابن عمر رأى في (جُربائه)
(1)
دمًا فبزق فيه ثم دلكه
(2)
. قَالَ: وحَدَّثَنَا ابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع عنه أنه رأى في ثوبه دمًا فغسله، فبقي أثره أسود، فدعا بمقص فقرضه
(3)
.
قَالَ البخاري: وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ المُسَيِّب: إِذَا صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ دَمٌ أَوْ جَنَابَةٌ أَوْ لِغَيْرِ القِبْلَةِ أَوْ تيَمَّمَ، فَصَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ المَاءَ فِي وَقْتِهِ، لَا يُعِيدُ.
أي: في واحدة من هؤلاء، ونقله ابن بطال -أعني: عدم الإعادة- عن ابن مسعود
(4)
..
(1)
ورد بهامش (س) ما نصه: وجُرُبَّاء القميص بالكسر والضم جيبه.
(2)
"مصنف أبي شيبة" 1/ 180 (2070).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 180 (2073).
(4)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(606) من طريق أبي حمزة عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه فخلع مَن خلفه، فقال:"ما حملكم أن خلعتم نعالكم؟ " قالوا: رأيناك خلعت، فخلعنا، قال:"إن جبريل أخبرني أن فيهما قذرًا فخلعتهما لذلك، فلا تخلعوا نعالكم". ورواه بنحوه ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 164 (733) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله بنحوه. ورواه الطبراني 10/ 68 (9972)، وفي "الأوسط" 5/ 183 (5017) من طريق أبي حمزة. وقال البزار: لا نعلم رواه هكذا إلا أبو حمزة. وقال الهيثمي 2/ 56: أبو حمزة هو ميمون الأعور ضعيف.
وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 344 (3954) من طريق ابن الجزار أنه صلى وعلى بطنه فرث ودم، قال: فلم يعد الصلاة.
وابن عمر
(1)
وسالم وعطاء
(2)
والنخعي
(3)
ومجاهد
(4)
والزهري وطاوس
(5)
فيما إذا صلى في ثوب نجس، ثم علم به بعد الصلاة، وحكاه عن الشعبي
(6)
وابن المسيب أيضًا، وهو قول إسحاق والأوزاعي وأبي ثور، وعن ربيعة ومالك: يعيد في الوقت
(7)
. وقال الشافعي وأحمد: يعيد أبدًا. وقال أهل الكوفة: من صلى بثوب نجس وأمكنه طرحه في الصلاة يتمادى في صلاته ولا يقطعها، وهي رواية عن مالك رواها ابن وهب عنه
(8)
.
وروي عن أبي مجلز أنه سئل عن الدم يكون في الثوب، فقال: إذا كبَّرت ودخلت في الصلاة ولم تر شيئًا، ثم رأيته بعد، فأتم الصلاة. وعن
(1)
جاء فيه عن ابن عمر أثران: أحدهما: ما علقه البخاري في هذا الباب، ووصله ابن أبي شيبة 1/ 180 (2070)، ولم يذكر فيه الإعادة. ثانيهما: ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 372 (1453)، وذكر عدم الإعادة عليه. ورواه أيضًا ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 163 (731).
(2)
روى عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 375 - 376 (1469) عن معمر، عن عطاء الخرساني. قال: قال لي عطاء: لقد صليت في ثوبي هذا مرارًا فيه دم فنسيت أن أغسله. وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 345 (3968) أن عطاء لم يكن يرى في الدم والمني في الثوب أن تعاد منه الصلاة.
(3)
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 346 عن إبراهيم قوله: إذا وجد في ثوبه دمًا أو منيًا غسله ولم يعد الصلاة.
(4)
روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 344 (3959) عن أبي الربيع قال: رأيت مجاهدًا في ثوبه دم يصلي فيه أيامًا.
(5)
روى عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 374 (1465) عن ابن طاوس، عن أبيه أنه كان إذا صلى في ثوب وفيه دم لم يعد الصلاة.
(6)
روى ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 344 (3960) عن الشعبي في رجل صلى وفي ثوبه دم قال: لا يعيد.
(7)
انظر: "المدونة الكبرى" 1/ 38، "النوادر والزيادات" 1/ 87.
(8)
السابق.
أبي جعفر مثله.
ومن تعمد الصلاة بالنجاسة أعاد أبدًا عند مالك وكثير من العلماء؛ لاستخفافه بالصلاة، إلا أشهب
(1)
فقال: لا يعيد المتعمد إلا في الوقت فقط
(2)
.
ثم قَالَ البخاري رحمه الله: حَدَّثنَا عَبْدَانُ، أخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّ (أبا)
(3)
مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانِ فَيَضَعُهُ على ظَهْرِ مُحَمْدِ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بهِ، فَنَظَرَ حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ على ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أنْظُرُ، لَا أغَيِّرُ شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنْعَةٌ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ، وُيحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأسَهُ ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ". ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ -قَالَ: وَكَانُوا يرَوْنَ أَنَّ الدعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ -ثُمَّ سَمَّى: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ ابْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ". وَعَدَّ السَّابعَ فَلَمْ
(1)
"النوادر والزيادات" 1/ 87.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 356 - 357.
(3)
كذا بالأصل، وبهامشه: صوابه ابن.
نَحْفَظْهُ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَرْعَى فِي القَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ.
والكلام على هذا الحديث في مواضع:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري في أربعة مواضع أخر: في الصلاة، في باب المرأة تطرح عن المصلئ شيئًا من الأذى
(1)
، والمبعث
(2)
، والجهاد
(3)
، والجزية
(4)
.
وأخرجه مسلم في المغازي
(5)
، والنسائي هنا وفي السير
(6)
.
ثانيها:
أبو إسحاق هذا: هو السبيعي، وقد ذكره في الطريق الثاني من رواية ابن ابنه، عن أبيه عنه، ورواه النسائي من طريق أحمد بن عثمان، شيخ البخاري عن خالد بن مخلد، عن علي بن صالح، عن أبي إسحاق
(7)
، فرواه أحمد هذا عن خالد، وعن شريح، وقدم البخاري سند عبدان على سند أحمد بن عثمان؛ لعلوه ولثقة رواته، فإن إبراهيم (خ، م، د، ت، س) بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، فيه لين، وإن كان من فرسان الصحيحين.
(1)
سيأتي برقم (520).
(2)
لم نقف عليه.
(3)
سيأتي برقم (2934) باب: الدعاء على المشركين ..
(4)
سيأتي برقم (3185) باب: طرح جيف المشركين ..
(5)
مسلم (1794) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.
(6)
"سنن النسائي" 1/ 161، 162، "السنن الكبرى" 5/ 203 (8668).
(7)
"سنن النسائي" 1/ 161، 162.
ووالد عبدان هو: عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد ميمون. وقيل: أيمن المروزي. مات بالكوفة سنة خمس وستين ومائتين، عن خمس وسبعين سنة
(1)
.
وأحمد بن عثمان، شيخ البخاري: هو ابن حَكيم -بفتح الحاء المهملة- ابن ذُبيان -بكسر الذال وضمها- كوفي ثقة. مات سنة إحدى وستين ومائتين
(2)
.
وشريح -بالشين المعجمة- ابن مسلمة، كوفي أيضًا
(3)
، وذكر عبد الغني في "الكمال" أن مسلمًا روى له ولم يذكر البخاري، والصواب العكس.
(1)
هو عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد العتكي مولاهم، المروزي، والد عديان بن عثمان، وشاذان بن عثمان وابن أخي عبد العزيز بن أبي روَّاد وعثمان بن أبي روَّاد.
قال أبو حاتم: كان شريكًا لشعبة، وهو ثقة صدوق. وقال أبو أحمد بن عدي: قيل لعثمان بن جبلة: من أين لك هذِه الأحاديث الغرائب عن شبعة؟ قال: كنت شريكًا لشعبة وكان يخصني بها. وقال ابن حجر: ثقة.
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 6/ 146 (795)، "تهذيب الكمال" 19/ 344، 345 (3795)، "تقريب التهذيب"(4452).
(2)
هو أحمد بن عثمان بن حكيم بن ذبيان الأودي، أبو عبد الله الكوفي، ابن أخي علي بن حكيم الأودي.
قال النسائي: ثقة، وقال ابن حراش: كان ثقة عدلًا، وقال أبو حاتم: صدوق.
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 2/ 63 (105). و"تهذيب الكمال" 1/ 404، 406 (80)، "تهذيب التهذيب" 1/ 37.
(3)
هو شريح بن مسلمة التنوخي الكوفي. قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 4/ 230 (2619)، "الجرح والتعديل" 4/ 335 (1469)، "تهذيب الكمال" 12/ 448 (2727).
وعمرو بن ميمون هو الأودي، الذي رجم القردة، كما ذكره البخاري
(1)
في بعض نسخه وهي منكرة
(2)
وهو جاهلي، حج مائة حجة، وقيل: سبعين، وهو معدود من كبار التابعين، ووهم من ذكره في الصحابة، مات بعد السبعين سنة خمس أو أربع
(3)
.
ثالثها:
أبو جهل اسمه: عمرو بن هشام بن المغيرة، كانت قريش تكنيه أبا الحكم، وكناه الشارع أبا جهل. وقال ابن الحذاء: كان يكنى أبا الوليد، وكان يعرف بابن الحنظلية، وكان أحول، وفي "المحبر": وكان مأبونًا، وفي "الوشاح" لابن دريد: هو أول من جز رأسه، فلما رآه الشارع قَالَ:"هذا فرعون هذِه الأمة" قتل يوم بدر كافرًا
(4)
.
رابعها:
قوله: (وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ) يحتمل أن يكونوا من ذكر في آخر الحديث المدعُو عليهم.
وقوله: (إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ) جاء في رواية أخرى: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي في ظل الكعبة وجمع من قريش في مجالسهم، إذ قَالَ
(1)
سيأتي برقم (3849) كتاب: مناقب الأنصار، باب: القسامة في الجاهلية.
(2)
انظر: "الفتح" 7/ 160.
(3)
هو عمرو بن ميمون الأودي، أبو عبد الله، ويقال: أبو يحيى الكوفي من أود بن صعب ابن سعد العشيرة من مذجح، أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم. قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، وكذلك النسائي: ثقة. وقال العجلي: كوفي، تابعي، ثقة جاهلي. انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 6/ 367 (2659)، "معرفة الثقات" 2/ 186 (1412)، "الثقات" 5/ 166، "تهذيب الكمال" 22/ 261، 263 (4458).
(4)
رواه الطبراني في "الكبير" 9/ 82 (8469)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 208.
قائل منهم: ألا تنظروا إلى هذا المرائي
(1)
. وفي أخرى ولقد نُحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلى جزور بني فلان؟
(2)
.
خامسها:
السَلَى -بفتح السين وتخفيف اللام مقصور- الجلد الذي يكون فيه الوَلد كاللفافة، يقال لها من سائر البهائم: سلى، ومن بني آدم المشيمة، حكاه في "المخصص" عن الأصمعي
(3)
وقال في "المحكم": السلى: الجلدة التي يكون فيها الولد، ويكون ذَلِكَ للناس والخيل والإبل
(4)
.
وقال الجوهري: هي جلدة رقيقة يكون فيها الولد -مقصور- إن نزعت عن وجه الفصيل ساعة يولد وإلا قتلته، وكذلك إذا انقطع السلى في البطن
(5)
.
والجزور: ما يجزر أي: يقطع من الإبل والشاة.
سادسها:
قوله: (فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْم فَجَاءَ بِه) هو: عقبة بن أبي مُعَيط، كما صُرح به في "صحيح مسلم"
(6)
، وكذا هو في "صحيح الإسماعيلي"
(1)
سيأتي برقم (520) كتاب: الصلاة، باب: المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى.
(2)
مسلم (1794/ 107) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.
(3)
"المخصص" 1/ 50.
(4)
"المحكم" 3/ 381.
(5)
"الصحاح" 6/ 2381، مادة:(سلا).
(6)
مسلم (1794/ 108) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.
أيضًا، وحكاه المهلب عن شعبة، وقال السفاقسي، عن الداودي: إنه أبو جهل؛ ورأيته في "شرحه" فقال: انبعث أشقاها يعني: أبا جهل هو أشقى القوم وأعتاهم، وكذلك عقبة بن أبي مُعَيط، ولم يكن عقبة من أنفس قريش، إنما كان ملصقًا بهم، وكان عقبة أقل القوم أذى، إلا أنه سبق عليه الكتاب، وحمله الحسد لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أن مات كافرًا.
سابعها:
المنعة، بفتح النون، وحكي إسكانها قَالَ النووي: وهو شاذ ضعيف
(1)
، وخالف القرطبي فقال: المنْعة -بسكون النون- قَالَ: وروي بفتحها جمع مانع
(2)
.
وحكي في "المحكم" فيها لغات: منَعة، ومَنْعة، ومِنْعة
(3)
، وقدم القزاز وصاحب "الغريبين" الإسكان على الفتح، وعكس يعقوب في "ألفاظه"، وكذا ابن القوطية
(4)
، وابن طريف. والمراد بها الامتناع من العدو والقوة عليها، ولم يكن لابن مسعود عشيرة منهم؛ لأنه من هُذيل.
ثامنها:
قوله: (فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ) أي: استهزاءَ -قاتلهم الله-، وجاء في رواية: حتى مال بعضهم على بعض من الضحك
(5)
.
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 12/ 152.
(2)
"المفهم" 3/ 652.
(3)
"المحكم" 2/ 145 - 146.
(4)
"الأفعال" 1/ 297.
(5)
سيأتي برقم (520) كتاب: الصلاة، باب: المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى.
وقوله: (وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) كذا هو بالحاء المهملة في نسخ البخاري. قَالَ ابن بطال: يعني ينسب ذَلِكَ بعضهم إلى بعض من قولك أحلت الغريم، إذا جعلت له أن يتقاضى ما له عليك من غيرك. قَالَ: ويحتمل أن يكون من قول العرب حال الرجل على ظهر الدابة حولًا وأحال: وثب
(1)
.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لما صَبح خيبر غُدوة، فرآه أهلها أحالوا إلى الحصن
(2)
أي: وثبوا إليه. وقال ابن الأثير: ويحيل بعضهم على بعض، أي: يقبل عليه ويحيل إليه
(3)
.
وجاء في بعض الروايات: وجعل بعضهم يميل إلى بعض
(4)
، وكذا أورده شيخنا في "شرحه" بلفظ: ويميل بعضهم إلى بعض، وكذا جاء في كتاب الصلاة في باب المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى، ولفظه: حتى مال بعضهم على بعض
(5)
.
تاسعها:
قوله: (حَتَّى جاءت فَاطِمَةُ) سيأتي في الباب المذكور أنه انطلق إليها منطلق وهي جويرية، فأقبلت تسعى، وثبتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (ساجدًا)
(6)
حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم
(7)
، وهذا دال على قوة نفسها من صغرها وكيف لا؟!
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 358.
(2)
سيأتي (3647).
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 1/ 463.
(4)
مسلم (1794/ 107) بلفظ: "يميل بعضهم إلى بعض".
(5)
سيأتي (520) كتاب: الصلاة.
(6)
كذا في "صحيح البخاري" وفي المخطوط (جالسًا) والمثبت أنسب في المعنى.
(7)
سيأتي برقم (520) كتاب: الصلاة، باب: المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى.
عاشرها:
دعاؤه عليهم ثلاثًا؛ لأن هذا كان دأبه، وشق ذَلِكَ عليهم، لما ذكر في الحديث، أنهم كانوا يرون أن الدعوة في ذَلِكَ البلد مستجابة، وفي رواية أبي نعيم في "مستخرجه": أن الدعوة في الثالثة مستجابة، وذلك دال على علمهم بفضله، وعلو مكانته عند ربه، بحيث يجيبه إذا دعاه، ولكن لم ينتفعوا بذلك؛ للحسد والشقوة الغالبة عليهم.
الحادي عشر:
قوله: ("اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ") قد أسلفنا اسمه، وقد صرح به البخاري في الباب المذكور، فقال:"اللهم عليك بعمرو بن هشام"
(1)
.
و ("عتبة") بالمثناة فوق- قتله حمزة يوم بدر كافرًا.
و ("شيبة بن ربيعة") هو ابن عبد شمس بن عبد مناف، كان من سادات قريش، قتله علي يوم بدر مبارزة. وقيل: حمزة، وهو كافر.
ووالد الوليد: هو عتبة بالتاء، ووقع في بعض نسخ مسلم بالقاف
(2)
، وهو خطأ، والصواب الأول، والوليد بن عتبة قتل يوم بدر كافرًا قتله عبيدة بن الحارث.
وقيل: علي، وقيل: حمزة. وقيل: اشتركا في قتله. والوليد بن
(1)
سيأتي برقم (520) كتاب: الصلاة، باب: المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى.
(2)
مسلم (1794/ 107) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.
قلت: ليس في نسخة كما قد يُتَوهم، وإنما هي رواية ثابتة فيه، وقد أفاد أحد رواة هذا الحديث في مسلم أنه غلط من الرواة، ثم ساقه مسلم على الصواب من رواية ابن أبي شيبة.
عقبة بن أبى معيط لم يكن ذَلِكَ الوقت موجودًا، أو كان طفلًا صغرًا جدًّا، وقد أُتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وقد ناهز الاحتلام، ليمسح رأسه وكان متضمخًا بالخلوق فلم يمسح رأسه من أجله
(1)
، في حديث منكر مضطرب لا يصح، وفيه جهالة كما قاله أبو عمر
(2)
.
ولا يمكن أن يكون بعث مصدقًا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيًّا يوم الفتح، ويوضح فساده أن الزبير وغيره من أهل العلم بالسير والخبر ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجا ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة، وكانت هجرتها في الهدنة، ومن كان غلامًا قد ناهز الاحتلام لا يتأتى منه فعل هذا، ولا خلاف أن قوله تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} الآية [الحجرات: 6] نزلت فيه، وذلك أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقًا إلى بني المصطلق، فأخبر عنهم بأنهم ارتدوا وأبوا من أداء الصدقة، فأرسل إليهم خالد بن الوليد فأخبر أنهم مستمسكون بالإسلام، ونزلت الآية
(3)
.
(1)
رواه أبو داود (4181)، وأحمد 4/ 32، والطحاوي في "المشكل" 5/ 603 (3713)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 319، والطبراني 22/ 150 (406)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 100، والبيهقي في "السنن" 9/ 55
قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" 4/ 14 في ترجمة الوليد بن عقبة: وقالوا: وأبو موسى هذا مجهول، والحديث منكر مضطرب لا يصح ولا يمكن أن يكون من بعث مصدقًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صبيًا يوم الفتح. ثم قال: وله أخبار فيها نكارة وشناعة تقطع على سوء حاله وقبح أفعاله -أي: الوليد بن عقبة- وقال المنذري في "مختصره" 6/ 94: وهذا حديث مضطرب الإسناد. ولا يستقيم عن أصحاب التواريخ ..
(2)
"الاستيعاب" 4/ 114.
(3)
"الاستيعاب" 4/ 114.
الثاني عشر:
أمية بن خلف: هو ابن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حُذافة بن جمح القرشي الجمحي، واختلف المؤرخون في قاتله، فذكر موسى بن عقبة أنه رجل من الأنصار من بني مازن، وفي "السيرة" لابن إسحاق: أن معاذ بن عفراء، وخارجة بن زيد، وخبيب بن إساف اشتركوا في قتله
(1)
.
وذكر ابن عبد البر وغيره: أن أمية بن خلف كان ممن يُعذبُ بلالًا، وتوالى عليه بالعذاب والمكروه، وكان من قدر الله أن قتله بلال يوم بدر
(2)
، وقال الصديق فيه أبياتًا منها:
هنيئًا زادك الرحمن خيرًا
…
فقد أدركت ثأرك يا بلال
وفي "صحيح البخاري" من حديث ابن مسعود أن سعد بن معاذ قَالَ له:
إني سمعت محمدًا يزعم أنه قاتلك، وساق الخبر إلى أن ذكر أنه قتل يوم بدر
(3)
، فادعى ابن الجوزي أن ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي قتله.
وفيه
(4)
، وفي السير أيضًا من حديث عبد الرحمن بن عوف أن بلالًا خرج إليه ومعه نفر من الأنصار فقتلوه، وكان بدينًا، فلما قتل انتفخ فألقوا عليه التراب حتى غيبه، ثم جر إلى القليب فتقطع
(5)
قبل وصوله، وكان
(1)
كما في "سيرة ابن هشام" 2/ 361.
(2)
"الاستيعاب" 1/ 261 (214).
(3)
سيأتي برقم (3632) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
وبرقم (3950) كتاب: المغازي، باب: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر.
(4)
ورد بهامش (س) ما نصه: في الوكالة.
(5)
ورد بهامش (س) ما نصه: من خط الشيخ وقع في "الغربيين" أن هذا وقع للوليد بن عقبة، وهو وهم.
من المستهزئين، وفيه نزل قوله تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)} ؛ لأنه كان إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه
(1)
.
وفي "مسند أحمد": ثم سحبوا إلى القليب غير أُبي بن خلف، أو أمية بن خلف
(2)
. هكذا على الشك، وهو من الراوي، وإنما هو أمية بلا شك، فإن أُبي بن خلف لم يقتل يوم بدر، وإنما أسر وفدى نفسه وعاد إلى مكة، ثم جاء يوم أحد فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يومئذ.
الثالث عشر:
عقبة بن أبي معيط، هو بالقاف واسم أبي معيط: أبان بن أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس، قتل يوم بدر كافرًا. فقيل: قتله علي. وقيل: عاصم بن ثابت صبرًا. وقيل: أسره عبد الله بن مسلمة، وقتله عاصم بن ثابت صبرًا، وكان قتله بعرق الظبية
(3)
، وهي من الروحاء على ثلاثة أميال من المدينة
(4)
فقيل: إنه قَالَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتقتلني من بين سائر قريش؟ قَالَ: "نعم". ثم قَالَ: "بينا أنا ساجد بفناء الكعبة وأنا خلف المقام إذ أخذ بمنكبي فلف ثوبه في عُنقي، فخنقني خنقًا شديدًا، ثم جاء مرة أخرى بسلى جزور بني فلان" فذكر الحديث، وكان عقبة من المستهزئين أيضًا، وذكر محمد بن حبيب أنه من زنادقة قريش.
(1)
انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 272، 273. و"البداية والنهاية" 3/ 303.
(2)
"المسند" 1/ 417 وجاءت رواية الشك، عند البخاري (3854) كتاب: مناقب الأنصار، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة، ومسلم (1794) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين.
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: مضى كلام البكري أن عرق الظبية بفتح الظاء، قال: وغير ابن إسحاق يقوله بالضم.
(4)
انظر: "معجم استعجم" 2/ 681. و"معجم البلدان" 3/ 76.
الرابع عشر:
قوله: (وَعَدَّ السَّابعَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ) هذا من قول أبي
(1)
إسحاق فيما ذكره القرطبي
(2)
، وقد ذكر البخاري في الصلاة: أنه عمارة بن الوليد بن أبي المغيرة
(3)
، وذكره البرقاني أيضًا وغيره، وكان من أجمل الناس، وله قصة طويلة مع النجاشي مشهورة في السيرة
(4)
.
الخامس عشر:
قوله: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَرْعَى فِي القَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرِ). أي: رأى أكثرهم؛ لأن عقبة بن أبي معيط لم يقتل ببدر، بل حمل منها أسيرًا، وقتل بعرق الظبية، كما سلف. وعمارة قصته مع النجاشي مشهورة، وأنه سحر فصار متوحشًا، وذلك بأرض الحبشة زمن عمر بن الخطاب، وروى ثابت، عن أنس، عن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم أراهم مصارع أهل بدر بالأمس فيقول: "هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله"
(5)
قَالَ عمر: فوالذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا في بئر بعضهم على بعض
(6)
. وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثًا، ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم
(7)
. وفي رواية قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة قَالَ:
(1)
ورد بهامش (س) ما نصه: حذف أبي هو الصواب.
(2)
"المفهم" 3/ 653.
(3)
سيأتي برقم (520) كتاب: الصلاة، باب: المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى.
(4)
ذكره ابن إسحاق في "سيرته" ص 148، 149.
(5)
رواه مسلم (2873) كتاب: الجنة ونعيمها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه. والنسائي 4/ 109.
(6)
مسلم (2873) كتاب: الجنة ونعيمها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة
…
(7)
السابق.
لما كان يوم بدر، وظهر عليهم نبي الله، أمر ببضعة وعشرين رجلًا
(1)
، -وفي رواية: بأربعة وعشرين رجلًا- من صناديد قريش، فألقوا في طوى من أطواء بدر
(2)
.
السادس عشر:
القليب: البئر الذي لم تطو، فإذا طويت فهي الطوى، وذكر ابن سيده: أنها البئر ما كانت، قَالَ: وقيل: هي قبل أن تطوى. وقيل: هي العادية القديمة التي لا يعلم بها رب ولا حافر تكون بالبراري، تذكر وتؤنث. وقال ابن الأعرابي: القليب: ما كان فيه عين وإلا فلا، والجمع أقلبة وقلب، وقيل: قلب في لغة من أنث، وأقلِبة وقلُبِ جمعًا في لغة مَنْ ذَكَرَ
(3)
.
السابع عشر:
إلقاؤهم في القليب، كان تحقيًا لهم، ولئلا يتأذى الناس برائحتهم، وليس دفنًا فإن الحربي لا يجب دفنه بل يترك في الصحراء، إلا أن يتأذى منه.
وفي "سنن الدارقطني" أن من سنته صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بدفنه، لا يسأل عنه مؤمنًا كان أو كافرًا
(4)
، فإلقاؤهم في القليب من هذا الباب، غير أنه كره أن يشق على أصحابه؛ لكثرة جيف الكفار أن
(1)
رواه مسلم (2875) كتاب: الجنة ونعيمها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه. وأبو نعيم في "دلائل النبوة" 2/ 478 (412).
(2)
سيأتي برقم (3976) كتاب: المغازي، باب: قتل أبي جهل، ومسلم (2875) كتاب: الجنة ونعيمها، باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار.
(3)
"المحكم" 6/ 260.
(4)
"سنن الدارقطني" 4/ 116 من حديث يعلى بن مرة.
يأمرهم بدفنهم، فكان جرهم إليه أيسر عليهم.
ووافق أنها كان حفرها رجل من بني النار، اسمه بدر بن قريش بن الحارث بن مخلد بن النضر، من كنانة الذي سميت قريش به على أحد الأقوال، وكان فألًا مقدمًا لهم.
الثامن عشر: في فوائده:
الأولى: بركة دعوته صلى الله عليه وسلم وأنها أجيبت فيمن دعا عليه وكيف لا؟!
الثاني: أن من أوذي له أن يدعو على من آذاه، وحمله ابن بطال على ما إذا كان المؤذي كافرًا، قَالَ: فإن كان مسلمًا، فالأحسن أن لا يَدْعُوَ عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة حين دعت على السارق:"لا تُسَبِّخِي عنه بدعائك عليه"
(1)
ومعنى لا تسبخي: لا تخففي، والتسبيخ التخفيف
(1)
رواه أبو داود (1497)، وأحمد 6/ 45، وابن أبي شيبة في "المصنف" 6/ 75 (29568)، وابن راهويه في "المسند"(1222) 3/ 639، والنسائي في "الكبرى" 4/ 327، والطبراني في "الأوسط" 4/ 184 (3925)، وقد ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(263) ثم أشار إلى ناشر الكتاب بنقله إلى "الصحيح" ولكنه فاته أن يفعل ذلك فأنظر تعليقه عليه في "ضعيف أبي داود" 10/ 90. وصححه الألباني "صحيح الترغيب" (2468)، وقال في "الصحيحة" (3413): لقد رمى ابن خزيمة وابن حبان (حبيب بن أبي ثابت) بالتدليس، وقال الحافظ في "التقريب": ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس. اهـ
قلت: ولم يعرج الحافظ الذهبي فيما بين أيدينا من كتبه التي ترجم له فيها على وصفه بالتدليس، مثل:"تذكرة الحفاظ"، "سير أعلام النبلاء"، "تاريخ الإسلام"، "الكاشف"، وغيرها، ولما أورده في "الميزان"؛ وصفه بقوله: من ثقات التابعين، وثقه ابن معين وجماعة، واحتج به كل من أفراد الصحاح لا تردد. اهـ ثم اعتذر عن إيراده فيه بقوله: ول ولا أن الدولابي وغيره ذكروه؛ لما ذكرته. اهـ
فلعل إعراض الذهبي عن وصفه بالتدليس؛ لقلته في جملة ما روى من الأحاديث، فمثله مما يغض النظر عن عنعنته عند العلماء؛ إلا إذا ظهر أن في حديثه شيئًا =
قاله صاحب "العين"
(1)
.
الثالثة: وهي المقصودة من الباب أنه صلى الله عليه وسلم كيف استمر في الصلاة مع وجود هذا الذي أُلقي عليه وتحزب العلماء للجواب عن ذَلِكَ على آراء:
أحدها: أن هذا السلى لم يكن فيه نجاسة محققة، فهو كعضو من أعضائها، قَالَ القاضي عياض: السلى ليس بنجس؛ لأن الفرث ورطوبة البدن طاهران، والسلى من ذَلِكَ، وإنما النجس الدم، وهذا ماش على مذهب مالك ومن وافقه في أنَّ روث ما يؤكل لحمه طاهر
(2)
.
وهو ضعيف؛ لأمرين: أحدهما: أن هذا السلى يتضمن النجاسة من حيث إنه لا ينفك من الدم عادة، وقد روى البخاري في كتاب الصلاة: فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فانبعث أشقى القوم وذكر الحديث
(3)
.
ثانيهما: أنه ميتة؛ لأنه ذبحه عبدة الأوثان، فهو نجس، وكذا اللحم وجميع أجزاء هذا الجزور، وقد أجيب عن هذا بأنه كان قبل تحريم ذبيحة الوثنيين، كما كانت تجوز مناكحتهم، ثم حرمت بعد، حكاه الخطابي
(4)
.
= يستدعي رده من نكارة أو شذوذ أو مخالفة، أو على الأقل يقتضي التوقف عن تصحيح حديثه.
ولعل هذا هو السبب في أن ابن حبان وشيخه قد أخرجا له في صحيحهما بعض الأحاديث معنعنة، كالحديث الآتي بعد هذا وغيره، فانظر "صحيح ابن حبان"(375، 420)، و"صحيح ابن خزيمة"(23 و 1172 و 1684)، وهو السبب أيضًا في تحسين المنذري حديثه هذا كما تقدم. والله أعلم.
(1)
"العين" 4/ 204 مادة: (سبخ).
(2)
"إكمال المعلم" 6/ 166.
(3)
سيأتي برقم (520) في الصلاة، باب: المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى.
(4)
"أعلام الحديث" 1/ 291.
ثانيها: أن هذا قبل ورود الأحكام، وأنه لم يكن تعبد بتحريمه إذ ذاك كالخمر، حكاه الخطابي
(1)
، وهذا قد أسلفناه في أواخر غسل المني وفركه.
ثالثها: سلمنا نجاسته كما هو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وآخرين، فإزالة النجاسة ليست واجبة، وقد قَالَ به أشهب والأوزاعي وجماعة من التابعين تنزلنا وسلمنا أيضًا، فقد فرَّق بين ابتداء الصلاة بها، فلا يجوز وبين طروئها على المصلي في نفس الصلاة فيطرحها عنه، وتصح صلاته، حكاه القرطبي
(2)
ومشهور مذهب مالك قطع طروئها للصلاة إذا لم يمكن طرحها بناء على أن إزالتها واجبة. وروى ابن وهب عن مالك أنه إذا أمكن طرح الثوب النجس في الصلاة يتمادى في صلاته ولا يقطعها
(3)
، وقد أسلفنا هذا في أول الباب عنه.
رابعها: وهو ما ارتضاه النووي رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم ما وضع على ظهره، فاستمر في سجوده استصحابًا للطهارة، وما ندري هل كانت هذِه الصلاة فريضة، فتجب إعادتها على الصحيح عندنا، أم غيرها، فلا يجب؟ فإن وجبت الإعادة فالوقت موسع لها، وإن كان يبعد ألا يحس ما وضع على ظهره، ولئن أحس به فما تحقق نجاسته
(4)
.
قَالَ ابن بطال: ولا شك أن هذا كان بعد نزول قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4]، لأن هذِه الآية أول -أي: من أول- ما نزل عليه
(1)
السابق.
(2)
"المفهم" 3/ 653.
(3)
انظر: "الذخيرة" 1/ 194.
(4)
"شرح مسلم" 12/ 151.
من القرآن قبل كل صلاة، فريضة كانت أو نافلة، وتأولها جمهور السلف أنها في غير الثياب، وأن المراد بها طهارة القلب ونزاهة النفس عن الدناءة والآثام، قالوا: وقول ابن سيرين أنه أراد الثياب، شذوذ لم يقله غيره
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 356.
70 - باب البُزَاقِ وَالْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ فِي الثَّوْبِ
قَالَ عُرْوَةُ، عَنِ المِسْوَرِ وَمَرْوَانَ: خَرَج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ حُدَيْبِيَةَ. فَذَكَرَ الحَدِيثَ. وَمَا تَنَخَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ. [انظر: 1694، 1695]
241 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيدٍ، عن أَنَسٍ قَالَ: بَزَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ثَوْبِهِ. طَوَّلَهُ ابن أَبي مَرَيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. [405، 412، 417، 531، 532، 1214 - مسلم: 551 - فتح:3/ 351]
(قَالَ عُرْوَةُ، عَنِ المِسْوَرِ وَمَرْوَانَ: خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ حُدَيْبِيَةَ. فَذَكَرَ الحَدِيثَ. وَمَا تَنَخَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ) هذِه قطعة من حديث طويل ساقه البخاري بطوله في صلح الحديبية والشروط في الجهاد، عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة به
(1)
.
قال البخاري: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَزَقَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ثَوْبِهِ.
ثم قال البخاري: طَوَّلَهُ ابن أَبِي مَرْيَمَ، أنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ: سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في الصلاة من حديث زهير، عن حميد، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، وفيه: فأخذ
(1)
سيأتي برقم (2731 - 2732) كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد.
طرف ردائه فبصق فيه، وردّ بعضه على بعض
(1)
.
وأخرجه أبو داود في الطهارة من حديث حماد بن سلمة، عن حميد، ومن حديث حماد، عن ثابت، عن أبي نضرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم: أنه بزق في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض، وهذا مرسل
(2)
.
وقال الدارقطني عن يحيى القطان: كان حماد بن سلمة يقول: حديث حميد، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق في ثوبه، وإنما رواه حميد، عن ثابت، عن أبي نضرة، قَالَ يحيى: ولم يقل شيئًا؛ لأن هذا قد رواه قتادة، عن أنس.
قَالَ الدارقطني: والقول عندنا قول حماد بن سلمة، لأن الذي رواه عن قتادة، عن أنس غير هذا، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها"
(3)
.
إذا تقرر لك؛ ذَلِكَ فالكلام على هذا الحديث من أوجه:
أحدها:
عروة (ع) السالف في الحديث الأول: هو ابن الزبير، الفقيه العالم الثبت المأمون، صائم الدهر، ومات وهو صائم، مات بعد التسعين
(4)
.
والمِسْور (ع): هو ابن مخرمة بن نوفل بن أُهيب الزهري، صحابي صغير. مات سنة أربع وستين
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (417) كتاب: الصلاة، باب: إذا بدره البزاق فليأخذ بطرف ثوبه.
(2)
"سنن أبي داود"(389، 390) ولفظه: وحك بعضه على بعض.
(3)
"علل الدارقطني" 12/ 47، والحديث سيأتي برقم (415) كتاب: الصلاة، باب: كفارة البزاق في المسجد.
(4)
سبقت ترجمته في شرح حديث (160).
(5)
انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 5/ 2547 (2718)، "الاستيعاب" =
ومروان (خ، والأربعة) هو: ابن الحكم الأموي، ولد سنة اثنتين، ولم يصح له سماع وله عن عثمان وبُسْرة، دولته تسعة أشهر وأيام. مات سنة خمس وستين
(1)
.
ومحمد (ع) بن يوسف في السند الثاني هو الفريابي، فإن أبا نعيم رواه عن الطبراني، عن ابن أبي مريم، ثنا الفريابي، ثنا سفيان قَالَ: رواه -يعني: البخاري- عن الفريابي، وكذا صرح به خلف في "أطرافه".
وسفيان هذا: هو ابن سعيد الثوري، كما صرح به الدارقطني
(2)
، فإنه لما ذكر رواة هذا الحديث قَالَ: رواه سفيان بن سعيد، عن حميد ولم يذكر ابن عيينة فيهم، والفريابي كثير الملازمة له أيضًا، ولما ذكر الجياني
(3)
وغيره، ما رواه محمد بن يوسف البَيْكَنْدِي عن ابن عيينة لم يذكروا هذا الحديث منها، وابن عيينة مقل في حميد، حتى إن البخاري لم يُخَرِّج له إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث النواة في الصداق، فيما ذكره شيخنا قطب الدين في "شرحه"
(4)
.
وقال الإسماعيلي: رواه معاوية بن هشام، وعفيف بن سالم، وأيوب بن سعيد، وهؤلاء رووا عن الثوري.
وحميد: هو الطويل
(5)
، وإن كان حُميد بن هلال في طبقته؛ لأن
= 3/ 455 (2400)، "أسد الغابة" 5/ 175 (4919).
(1)
انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 2632/ 5 (2814)، و"الاستيعاب" 3/ 444 (2399)، و"أسد الغابة" 5/ 144 (4841).
(2)
"العلل" 12/ 47.
(3)
انظر: "تقييد المهمل" 2/ 537 - 538.
(4)
ورد بهامش الأصل: كذا ذكره الشيخ قطب الدين: (
…
) المزي لم يذكر في "أطرافه" سفيان (
…
) حميد، عن أنس في الحديث المشار إليه.
(5)
سلف في حديث (49).
السفيانين لم يرويا عن حميد بن هلال شيئًا.
وابن أبي مريم (ع): هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم المصري الحافظ، روى عنه البخاري، وله "موطأ" رواه عن مالك، وهو ثقة. مات سنة أربع وعشرين ومائتين
(1)
.
ويحيى (ع) بن أيوب: هو الغافقي المصري مولى عمر بن الحكم بن مروان أبو العباس. مات سنة ثمان وستين ومائة، وفيه لين.
قَالَ أبو حاتم: لا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي
(2)
. وحديثه المطول قد ذكرنا أن البخاري أخرجه في الصلاة، ذكره في باب حك البزاق من المسجد
(3)
.
الوجه الثاني:
النُخَامة: ما يخرج من الفم، بخلاف النخاعة: فإنها ما تخرج من الحلق، كذا قاله النووي
(4)
، لكن في "الصحاح" و"المجمل":
(1)
سبق حديث (103).
(2)
هو: يحيى بن أيوب الغافقي، أبو العباس المصري.
قال أبو سعيد بن يونس: نسبوه في موالي عمر بن مروان بن الحكم، وقال النسائي في موضع آخر: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في كتاب:"الثقات". قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: سيء الحفظ، وهو دون حيوة وسعيد بن أبي أيوب في الحديث. وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: صالح، وقال مرة: ثقة. قال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 260 (2919)، "معرفة الثقات" 2/ 347 (1962)، "الجرح والتعديل" 9/ 127 (542)، "تهذيب الكمال" 31/ 233 (6792)، "تقريب التهذيب"(7511).
(3)
سيأتي برقم (405) من طريق قتيبة، عن إسماعيل بن جعفر، عن حميد به.
(4)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 5/ 38 - 39.
النخامة -بالضم- النخاعة
(1)
، وفي "المغيث"، و"المغرب" للمطرزي: هي ما يخرج من الخيشوم
(2)
. وفي "المحكم" لابن سيده: يقال: نخم الرجل نُخمًا ونَخمًا، وتنخم: دفع بشيء من صدره أو أنفه
(3)
.
والبزاق: بالزاي والسين والصاد، والسين أضعفها، ولم يذكرها في "المخصص".
الوجه الثالث: في فقه الباب:
وهو دال على ما ترجم له من طهارة البُزاق والمخاط وهو [أمر مجمع عليه لا أعلم فيه اختلافا]
(4)
، إلا ما روي عن سلمان [الفارسي]
(5)
أنه جعله غير طاهر
(6)
وأن الحسن بن حيّ كرهه في الثوب، وذكر الطحاوي، عن الأوزاعي أنه كره أن يدخل سواكه في وضوئه.
قُلْتُ: وذكر ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن النخعي، أنه ليس بطهور
(7)
.
وقال ابن حزم: لما عدد أقوالًا غريبة صحت عن بعض السلف يدعي قوم في خلافها الإجماع، صح عن سلمان الفارسي وإبراهيم النخعي أن اللعاب نجس إذا فارق الفم، ثم قَالَ: رويناه من طريق الثوري في حديثه المجموع
(8)
.
(1)
"صحاح الجوهري" 5/ 2040، "المجمل" ص 861.
(2)
"المجموع المغيث" 3/ 276، "المغرب" 2/ 294.
(3)
"المحكم" 5/ 137، مادة:(نخم).
(4)
ما بين المعقوفين طمس في الأصل، والمثبت من ابن بطال 1/ 359.
(5)
كلمة غير واضحة بالأصل، والمثبت من ابن بطال.
(6)
"رواه ابن أبي شيبة" 1/ 129 (1489).
(7)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 130 (1490).
(8)
"المحلى" 1/ 139.
قُلْتُ: وما ثبت عن الشارع من خلافهم هو المتبع، والحجة البالغة، فلا معنى لقول من خالف، وقد أمر الشارع المصلي أن يبزق عن يساره أو تحت قدمه، وبزق الشارع في طرف ردائه، ثم رد بعضه على بعض، وقال:"أو تفعل هكذا"
(1)
، وهذا ظاهر في طهارته؛ لأنه لا يجوز أن يقوم المصلي على نجاسة، ولا أنْ يصلي وفي ثوبه نجاسة.
وفيه أيضًا التبرك ببزاق الشارع ونخامته، وذلك وجوههم بها تبركًا وتوقيرًا له وتعظيما.
(1)
سيأتي برقم (405) كتاب: الصلاة، باب: حك البزاق باليد من المسجد.
71 - باب: لَا يَجُوزُ الوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ وَلَا المُسْكِرِ
وَكَرِهَهُ الحَسَنُ وَأَبُو العَالِيَةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ. [فتح: 1/ 353]
242 -
حَدَّثَنَا علَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدُّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ". [5585، 5586 - مسلم: 2001 - فتح: 1/ 354]
قال البخاري: وَكَرِهَهُ الحَسَنُ وَأَبُو العَاليَةِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ.
أما أثر الحسن فرواه عبد الرزاق في "مصنفه"، عن الثوري، عن إسماعيل بن مسلم -يعني: المكي- عن الحسن قَالَ: لا توضأ بلبن ولا نبيذ
(1)
.
وأما أثر أبي العالية: وهو رفيع بن مهران فرواه ابن أبي شيبة، عن مروان بن معاوية، عن أبي خلدة، عنه أنه كره أن يغتسل بالنبيذ
(2)
.
ورواه الدارقطني في "سننه" بإسناد جيد عن أبي خلدة، قُلْتُ لأبي العالية: رجل ليس عنده ماء وعنده نبيذ، يغتسل به من الجنابة؟ قَالَ: لا. فذكرت له ليلة الجن، فقال: أنْبِذَتُكُم هذِه الخبيثة، إنما كان زبيبًا
(3)
.
وذكر أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قَالَ: ركبت في البحر مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففني ماؤهم، فكرهوا الوضوء من ماء البحر، فتوضئوا بالنبيذ، وحكاه ابن حزم عن بعضهم
(1)
المصنف" له 1/ 179 (694).
(2)
المصنف" له 1/ 32 (266).
(3)
"سنن الدارقطني" 1/ 78.
ولم يسمه، قَالَ: وهو مخالف لفعل أصحابهم؛ لأنهم لا يجيزون الوضوء بالنبيذ مادام يوجد ماء البحر
(1)
، وقال الداودي في "شرحه" في قول الحسن وأبي العالية، لو ذكرا أنه التيمم قالا بالتحريم، وما كان حرامًا فهو نجس.
وعطاء -السالف- هو ابن أبي رباح.
صرح به ابن حزم حيث قَالَ: لا يجوز الوضوء بغير الماء، وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وداود وغيرهم، وقال به الحسن وعطاء بن أبي رباح والثوري وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور وغيرهم
(2)
.
وعن أبي حنيفة ثلاث روايات، حكاها عنه الرازي في "أحكامه" وأشهرها: يتوضأ به، ويشترط فيه النية، ولا يتيمم، قَالَ قاضي خان
(3)
: هي قوله الأول، وبها قَالَ زفر.
والثانية: يتيمم ولا يتوضأ، رواها عنه جماعة، قال قاضي خان: وهي الصحيحة عنه وقوله الآخر والذي رجع إليها، وبها قال أبو يوسف وأكثر العلماء واختيار الطحاوي
(4)
.
والثالثة: روي عنه الجمع بينهما، وهذا قول محمد، فقيل: استحبابًا، وقيل: وجوبًا.
(1)
"المحلى" 1/ 203 - 204.
(2)
"المحلى" 1/ 202.
(3)
هو العلامة شيخ الحنفية، أبو المحاسن حسن بن منصور بن محمود البخاري الحنفي، الأوزجندي، صاحب التصانيف. سمع من الإمام ظهير الدين الحسن بن علي بن عبد العزيز، وطائفة. روى عنه العلامة جمال الدين محمود بن أحمد الحصيري. انظر ترجمته في:"سير أعلام النبلاء" 21/ 231 (117)، "كشف الظنون" 1/ 165، "شذرات الذهب" 4/ 308، "معجم المؤلفين" 1/ 594.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 96.
وعنه رواية رابعة: في جوازه بالمطبوخ منه في السفر إذا عدم فيه الماء، وعن الأوزاعي الوضوء بكل نبيذ، وحكى الترمذي عن سفيان الوضوء بالنبيذ
(1)
.
ونقل ابن بطال إجماع العلماء على أنه لا يتوضأ به مع وجود الماء، لأنه ليس بماء، قال: فلما كان خارجًا من حكم المياه في حال وجود الماء كان خارجًا من حكمها في حال عدمه
(2)
، وقد سلف عن ابن حزم ذَلِكَ أيضًا.
واستدل للرواية الأولى بحديث أبي فزارة، عن أبي زيد، عن عبد الله بن مسعود قَالَ: سألني النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن "ما في إدواتك؟ " قُلْتُ: نبيذ، قَالَ:"ثمرة طيبة وماء طهور"
(3)
وفي لفظ: "فتوضأ به، وصلى الفجر". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه. قَالَ الترمذي: إنما روي عن أبي زيد، عن عبد الله مرفوعًا. وأبو زيد رجل مجهول، لا يعرف له رواية غير هذا الحديث، هذا كلامه
(4)
.
وقد أعل بوجوه: أحدها: جهالة أبي زيد هذا، وتشكك شريك فيه، حيث قَالَ: أبو زيد أو زيد
(5)
. قَالَ ابن أبي حاتم في "علله": سمعت أبا زرعة يقول: أبو زيد رجل مجهول
(6)
.
(1)
"سنن الترمذي" 1/ 148 عقب حديث (88).
(2)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 361.
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: من خط الشيخ روي من حديث أبي أمامة أيضًا وهو غريب.
(4)
رواه أبو داود (84)، والترمذي (88)، وابن ماجه (384)، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (11): ضعيف.
(5)
ورد بهامش (س) ما نصه: لعله يزيد.
(6)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 17 رقم (14).
وذكر ذَلِكَ ابن عدي، عن البخاري، وزاد لا يعرف بصحبة ابن مسعود
(1)
، وكذا نص على جهالته غير [واحد]
(2)
وإن قَالَ ابن العربي: إنه عمرو بن حريث، وعنه: راشد بن كيسان وأبو روق
(3)
.
وأما أبو فزارة الراوي عنه: فهو راشد بن كيسان
(4)
، روى عنه جماعة، وهو ثقة. وقيل: إنهما اثنان. وراوي هذا الحديث مجهول، ليس هو ابن كيسان. قَالَ أحمد: أبو فزارة راوي هذا الحديث رجل مجهول، وذكر البخاري أبا فزارة العبسي، راشد بن كيسان، وأبا فزارة العبسي غير مسمى، فجعلهما اثنين.
ورواه عن عبد الله جماعات غير أبي زيد متكلم في أكثرهم، ولقد أنصف الطحاوي الذاب عنهم، فقال في أول كتابه: إنما ذهب أبو حنيفة ومحمد إلى الوضوء بالنبيذ؛ اعتمادًا على حديث ابن مسعود
(5)
، ولا أصل له، ولا معنى لتطويل كتابي بشيء منه.
الثاني: أن عبد الله ما شهد ليلة الجن، كما جاء في "صحيح"
(1)
"الكامل لابن عدي" 9/ 190 - 191.
(2)
رطوبة بالأصل.
(3)
هكذا قال المصنف، والذي في "عارضة الأحوذي" 1/ 128: وقال غيره: أبو زيد مولى عمرو بن حريث، روى عنه راشد بن كيسان وأبو روق. اهـ قلت: فلعله في إحدى نسخه أو تصرف من محققه.
(4)
رجح ابن حجر في "تهذيبه" أنه راشد بن كيسان العبسي أبو فزارة الكوفي، وقال: وثقه ابن معين، والدارقطني، وقال ابن حبان: مستقيم الحديث إذا كان فوقه ودونه ثقة، فأما مثل أبي زيد مولى عمرو بن حُرَيث الذي لا يعرفه أهل العلم فلا.
وفي "علل الخلَّال": قال أحمد: أبو فَزَارة في حديث عبد الله مجهول. وتعقبه ابن عبد الهادي فقال: هذا النقل عن أحمد غلط من بعض الرواة عنه، وكأنه اشتبه عليه أبو زيد بأبي فزارة. انظر:"تهذيب التهذيب" 1/ 584.
(5)
"شرح معاني الآثار" 1/ 95 (607).
مسلم "
(1)
من قول علقمة عنه، وإن كان شهد أولها واستوقفه وبعد عنه ثم عاد إليه.
الثالث: أنه منسوخ على تقدير صحته؛ لأنه كان بمكة، ونزول آية التيمم بالمدينة، وفيه نظر.
الرابع: أنه مخالف للأصول، فلا يحتج به عندهم.
الخامس: أنهم شرطوا لصحة الوضوء به السفر، والشارع إنما كان في شعاب مكة، كما ثبت في "صحيح مسلم"
(2)
.
السادس: أن المراد بالنبيذ: ما نبذت فيه تمرات، لتعذب، ولم يكن متغيرًا، وقد وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه طهور، ثم هذا إذا لم يشتد ولم يسكر، فإن اشتد حرم شربه، فكيف الوضوء به؟ كما صرح به في "المبسوط" عندهم، فإن كان مطبوخًا فالصحيح عندهم أنه لا يتوضأ به.
وقال صاحب "المفيد": إذا ألقي فيه تمرات فحلا ولم يزل عنه اسم الماء وهو رقيق يجوز الوضوء به، بلا خلاف بين أصحابنا، ولا يجوز الاغتسال به، خلاف ما في "المبسوط" من جوازه، ووجه الأول أن الجنابة أغلظ الحدثين، والضرورة فيه دون الوضوء، فلا يقاس عليه.
وقال الكرخي: المطبوخ أدنى طبخة يجوز الوضوء به، حلوًا كان أو مسكرًا، إلا عند محمد في المسكر.
وقال أبو طاهر الدباس: لا يجوز، وصححه في "المحيط"، كمرق الباقلاء.
(1)
كما جاء في حديث رقم (450) من طريق علقمة عن عبد الله، قال: لم أكن ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووددت أني كنت معه.
(2)
انظر التخريج السابق.
ثم قَالَ البخاري رحمه الله: حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ".
هذا حديث متفق على صحته، أخرجه البخاري هنا، وفي الأشربة
(1)
، وأخرجه مسلم والأربعة هناك
(2)
.
وسفيان هذا هو ابن عيينة.
وعلي هو ابن المديني.
وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
ووجه إيراد البخاري هذا الحديث هنا، أن المسكر واجب الاجتناب؛ لنجاسته، حرام استعماله في كل حال، ومن جملة ذَلِكَ الوضوء، وما يحرم شربه يحرم الوضوء به؛ لخروجه عن اسم الماء لغة وشرعًا، وكذلك النبيذ أيضًا غير المسكر هو في معنى المسكر من جهة أنه لا يقع عليه اسم الماء، ولو جاز أن يسمى النبيذ ماء؛ لأن فيه ماءً جاز أن يسمى الخل ماء لأن فيه ماء.
وفيه أيضًا تصريح بتحريم جميع ما أسكر سواء أكان خمرًا أو نبيذًا، وأكثر العلماء على تسمية جميع الأنبذة خمرًا، لكن قَالَ أكثرهم: هو مجاز، وهو حقيقة في عصير العنب. وقال جماعة: هو حقيقة لظاهر الأحاديث الواردة في ذَلِكَ، وسيأتي إيضاح ذَلِكَ في كتاب الأشربة، إن قدر الله الوصول إليه، اللهم افعله.
(1)
سيأتي برقم (5585) كتاب: الأشربة، باب: الخمر من العسل وهو: البتع.
(2)
مسلم (2001) كتاب: الأشربة، باب: أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام، وأبو داود (3682)، والترمذي (1863)، والنسائي 8/ 298، وابن ماجه (3386).
72 - باب غَسْلِ المَرْأَةِ (أَبَاهَا الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ)
(1)
وَقَالَ أَبُو العَاليَةِ: امْسَحُوا عَلَى رِجْلِي فَإِنَّهَا مَرِيضَةٌ.
243 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدِ السَّاعِدِيَّ، وَسَأَلهُ النَّاسُ -وَمَا بَيْنِي وَبَينَهُ أَحَدٌ -: بِأَيِّ شَيءٍ دُووِيَ جُرْحُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَ عَلِيٌّ يَجِيءُ بِتُرْسِهِ فِيهِ مَاءٌ، وَفَاطِمَةُ تَغسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَأُحْرِقَ، فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ. [2903، 2911، 3037، 4075، 5248، 5722 - مسلم: 1790 - فتح: 1/ 354]
هذا رواه ابن أبي شيبة، عن أبي معاوية، عن عاصم، وداود، عن أبي العالية أنه اشتكى رجله فعصبها وتوضأ ومسح عليها، وقال: إنها مريضة
(2)
. وينبغي أن يقرأ (مُسِحَ) بضم الميم؛ ليوافق ما رواه البخاري.
ثم قَالَ البخاري: حَدَّثنَا مُحَمَّدٌ، أنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدِ السَّاعِدِيَّ، وَسَأَلَهُ النَّاسُ -وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَحَدٌ-: بِأَيِّ شَيءٍ (دُووِيَ)
(3)
جُرْحُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَ عَلِيٌّ يَجِيءُ بِتُرْسِهِ فِيهِ مَاءٌ، وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَأُحْرِقَ، فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الجهاد والنكاح
(4)
، وأخرجه مسلم في المغازي
(5)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: (وجه أبيها من الدم). وعلم عليها أنها نسخة.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 5/ 125 - 126 (1437).
(3)
كتبت في الأصل بواو واحدة والصواب أنها بواوين، على ما يأتي قريبا.
(4)
سيأتي برقم (2903) باب: المجن ومن يترس بترس صاحبه، (5248) باب:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} .
(5)
رواه مسلم (1790) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة أحد.
ثم الكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
محمد هذا: هو ابن سلام البيكندي، كذا جاء في بعض نُسَخِهِ، ورواه ابن ماجه عن محمد بن الصباح وهشام بن عمار، عن سفيان
(1)
.
ورواه الإسماعيلي أيضًا عن محمد بن الصباح، عن سفيان به.
وادعى ابن عساكر أن ابن ماجه رواه من حديث سفيان، عن أبي حازم، والذي في نسخة منه عن سفيان، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، وأبو حازم بالحاء المهملة [والزاي]
(2)
المعجمة اسمه: سلمة بن دينار الأعرج، أحد الأعلام. مات بعد الثلاثين ومائة
(3)
.
وسهل بن سعد: هو الساعدي (الأنصاري)
(4)
مات سنة ثمان وثمانين، أو سنة إحدى وتسعين.
ثانيها:
(دووي) بواوين، ووقع في بعض النسخ بواحدة، وتكون الأخرى محذوفة كما حذفت من داود.
ثالثها:
قول سهل: (ما بقي أحد أعلم به مني). إنما قَالَ ذَلِكَ؛ لأن وفاته
(1)
في المطبوع من "سنن ابن ماجه"(3464) حدثنا هشام بن عمار ومحمد بن الصَّباح قالا: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد. ولكنَّ المزي ذكر مكان عبد العزيز سفيانَ بنَ عيينة انظر:"التحفة" 4/ 107 (4688).
(2)
ضربت عليه الرطوبة في الأصل، والسياق يقتضيها.
(3)
سلفت ترجمته في حديث (102).
(4)
ضربت عليه الرطوبة في الأصل، والمثبت من "تهذيب الكمال" 18/ 440.
تأخرت عن [الواقعة]
(1)
فوق ثمانين سنة؛ لأنها كانت بأُحد، كما سيأتي، وهي في الثالثة؛ لأنه آخر من مات من الصحابة بالمدينة في قول ابن سعد (
…
)
(2)
وقال ابن الحذاء: بمصر. والترس: الجحفة.
رابعها:
هذِه الواقعة كانت بأحد، وزعم ابن سعد أن (عتبة)
(3)
بن أبي وقاص شج النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وأصاب رباعيته، فكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كيف يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم
(4)
، فأنزل الله تعالى:{ليَس لَكَ مِنَ اَلْأَمْرِ شَئٌ} الآية [آل عمران: 128] وساقه من حديث محمد بن حميد العبدي، ثنا معمر، عن قتادة، وزعم السهيلي أن عبد الله بن قميئة هو الذي جرح وجهه صلى الله عليه وسلم
(5)
.
خامسها: في أحكامه:
الأول: غسل الدم من الجسد، وهو إجماع.
الثاني: جواز مباشرة المرأة أباها وذَوِي محارمها وإلطافها إياهم، ومداواة أمراضهم. قَالَ المهلب: ولذلك قَالَ أبو العالية لأهله: (امسحوا على رجلي فإنها مريضة) ولم يخص بعضهم دون بعض؛ بل عمهم جميعًا.
(1)
ضربت عليه الرطوبة، ولعل المثبت الأنسب للسياق.
(2)
ضربت عليه الرطوبة.
(3)
ضربت عليه الرطوبة، والمثبت من "طبقات ابن سعد" 2/ 45.
(4)
انظر: "طبقات ابن سعد" 2/ 45.
(5)
ورد بهامش (س): (
…
). أبو الفتح اليعمري في (
…
) أن الذي توقى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ثلاثة (
…
) وابن قميئة وعبد الله بن شهاب (
…
).
الثالث: إباحة التداوي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد داوى جرحه بالحصير المحرق، وقد جاء في رواية أخرى، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها فاستمسك الدم، وكسرت رباعيته يومئذ، وجرح وجهه وكسرت البيضة على رأسه
(1)
.
(1)
سيأتي برقم (4075) كتاب: المغازي، باب: ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد.
73 - باب: السِّوَاكِ
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: بِتُّ عِنْدَ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ.
244 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْتُهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكِ بِيَدِهِ، يَقُولُ:"أُعْ أُعْ". وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ، كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ. [مسلم: 254 - فتح: 1/ 355]
245 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. [889، 1136 - مسلم 255 - فتح: 1/ 356]
هذا قطعة من حديث طويل في مبيته عند ميمونة، وقد سلف بعضه ويأتي أيضًا. ومعنى استن: استاك.
ثم قَالَ البخاري: حَدَّثنَا أَبُو النُّعْمَانِ، ثنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْتُهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكِ بِيَدِهِ، يَقُولُ:"أُعْ أُعْ". وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ، كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ.
والكلام عليه من أوجهٍ:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم
(1)
أيضًا، لكن قوله:"أع أع" إلى آخره من أفراد البخاري كما بينه الحميدي في "جمعه"
(2)
، وفي لفظ: دخلنا عليه نستحمله.
ثانيها:
أبو النعمان (ع) هذا: هو محمد بن الفضل السدوسي عارم.
(1)
مسلم (254) كتاب: الطهارة، باب: السواك.
(2)
"الجمع بين الصحيحين" 1/ 300.
وغيلان بالمعجمة. وأبو بردة: هو ابن أبي موسى الفقيه قاضي الكوفة، اسمه الحارث أو عامر، من نبلاء العلماء. مات سنة أربع ومائة. ووالده عبد الله بن قيس الأشعري الأمير. مات سنة أربع وأربعين.
ثالثها:
الضمير في: "يقول" عائد إلى رسول الله، ويبعد عوده إلى السواك؛ لأنه ليس له صوت يسمع، ولا قرينة حال تشعر به.
رابعها:
"أُع أُع" بضم الهمزة وفتحها وسكون العين المهملة، وفي النسائي وابن خزيمة وابن حبان "عَأْعَأْ"
(1)
وفي "صحيح الجوزقي""إخ إخ". -بكسر الهمزة وخاء معجمة- وفي "سنن أبي داود""أُه أُه"
(2)
بهمزة مضمومة، وقيل: مفتوحة والهاء ساكنة، وكلها عبارة عن إبلاغ السواك إلى أقاصي الحلق.
خامسها:
قوله: (كَأَّنَّة يَتَهَوَّعُ). أي: يتقيأ. أي: له صوت كصوته.
سادسها:
فيه الاستياك على اللسان، وقد رواه أحمد في "مسنده" مصرحًا به
(3)
. وفيه استياك الإمام بحضرة رعيته.
(1)
"سنن النسائي" 1/ 9، "ابن خزيمة" 1/ 73 (141)، "ابن حبان" 5/ 355 (1073).
(2)
"سنن أبي داود"(49).
(3)
4/ 417 عن أبي موسى رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستاك، وهو واضع طرف السواك على لسانه يستن إلى فوق.
ثم ذكر البخاري حديثًا ثالثًا فقال: حَدَّثنَا عُثْمَانُ بن أبي شيبة، حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري في الصلاة في موضعين، وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
(2)
.
ثانيها:
أبو وائل اسمه: شقيق بن سلمة. وحذيفة (ع) هو -بالذال المعجمة- ابن اليمان حِسْل الأشهلي صاحب السر. مات سنة ست وثلاثين.
ومنصور: هو ابن المعتمر الكوفي الإمام. وجرير: هو ابن عبد الحميد الضبي.
ثالثها:
(كان)، هذِه دالة على الملازمة والاستمرار
(3)
، وظاهر قوله:(إذا قام من الليل). تعلق الحكم بمجرد القيام، ويحتمل أن المراد إذا قام من الليل للصلاة، ويؤيده رواية الصحيحين الأخرى: إذا قام ليتهجد
(4)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: من خط الشيخ: وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه هنا.
(2)
سيأتي برقم (889) كتاب: الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة، و (1136) كتاب: أبواب التهجد، باب: طول القيام في صلاة الليل، ورواه مسلم (255) كتاب: الطهارة، باب: السواك.
(3)
ورد بهامش (س): إن كان لا يدل على التكرار ولا المداومة.
(4)
سيأتي رقم (1136) كتاب: التهجد، باب: طول القيام في صلاة الليل، ورواه مسلم (255) كتاب: الطهارة، باب: السواك.
و (من) هنا بمعنى (في) وهو نظير قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] أي: فيه.
رابعها:
(يَشُوصُ) -بفتح أوله وضم ثانيه، وهو بشين معجمة، وفي آخره صادٌ مهملة- وتحصل لي في تفسيره خمسة أقوال متقاربة: الغسل والتنقية والدلك والحك وأنه بالأصبع، وأنه يغني عن السواك لكن يرده قوله في الحديث: بالسواك. والثالث: أقواها.
خامسها:
فيه استحباب السواك عند القيام من النوم، وفي معناه: كل حال يتغير فيه الفم، وهو أحد الحالات المتأكد فيها، وحاصل ما ذكره البخاري رحمه الله أن السواك سنة متأكدة؛ لإقباله عليه السلام عليه ليلًا ونهارًا، وقام الإجماع على كونه مندوبًا حتى قَالَ الأوزاعي: هو شطر الوضوء
(1)
. وما نقل عن أهل الظاهر من وجوبه غير صحيح، وكذا ما نقل عن إسحاق من بطلان الصلاة عند عمد الترك أيضًا. نعم، قَالَ ابن حزم: إنه يوم الجمعة فرض لازم
(2)
.
(1)
روى ذلك ابن أبي شيبة مرسلًا 1/ 156 - 157 (1803) عن وكيع، عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوضوء شطر الإيمان والسوك شطر الوضوء .. ". وذكره الذهبي في "اللسان" 4/ 320 في ترجمة عبد الرحمن بن يحيى العذري، وقال: ذكره الأزدي فقال: متروك لا يحتج بحديثه، رَوى عن الأوزاعي عن حسان بن عطية، عن شداد بن أوس رفعه:"الوضوء شطر الإيمان، والسوك شطر الوضوء" وهي زيادة منكرة. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4762).
(2)
"المحلى" 2/ 9.
74 - باب دَفعِ السِّوَاكِ إِلَى الأَكْبِرَ
246 -
وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاك، فَجَاءَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ. فَدَفَعْتُهُ إِلَى أَكبَرُ مِنْهُمَا". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: اخْتَصَرَهُ نُعَيْمٌ، عَنِ ابن الُمبَارَكِ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ.
[مسلم: 2271، 3003 - فتح: 1/ 356]
وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ. فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ مِنْهُمَا". قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: اخْتَصَرَهُ نُعَيْمٌ، عَنِ ابن المُبَارَكِ، عَنْ أسَامَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ.
أما حديث عفان فعلقه البخاري هنا
(1)
، وأخرجه مسلم في الرؤيا في آخر الكتاب
(2)
عن نصر بن علي، عن أبيه، عن صخر
(3)
، وأخرجه الإسماعيلي من حديث وهب بن جرير، وشعيب بن حرب، قالا: ثنا صخر به. وأخرجه أبو نعيم، عن أبي أحمد، موسى بن العباس الجويني، ثنا محمد بن يحيى، ثنا عفان. وثنا أبو إسحاق بن حمزة،
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: اعلم أن ما عزاه البخاري إلى بعض شيوخه بصيغة الجزم، كقوله: قال: فلان، وزاد فلان ونحو ذلك، فليس حكمه حكم التعليق غير شيوخ شيوخه ومن فوقهم، بل حكمه حكم الإسناد المصرح به، وحكمه الاتصال بشرط ثبوت اللقاء والسماع.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: حاشية: في الأطراف في الرؤيا في آخر الكتاب.
(3)
مسلم (2271) باب: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، و (3003) كتاب: الزهد، والرقائق، باب: مناولة الأكبر.
ثنا عبد الله قَحْطبة، ثنا نصر بن علي، ثنا أبي، قالا: ثنا صخر به.
وأما حديث نعيم فرواه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا، ثنا الحسن بن عيسى، ثنا ابن المبارك ولفظه: كان صلى الله عليه وسلم يستن، فأعطاه أكبر القوم، وقال:"أمرني جبريل أن أكبر" قَالَ: وحَدَّثنَا الحسن، ثنا حبان، أنا ابن المبارك، وفيه قَالَ:"إن جبريل أمرني أن أدفع إلى أكبرهم".
إذا عرفت ذَلِكَ؛ فعفان (ع) وهو: ابن مسلم الصفار، شيخ البخاري في الأصول، وهو حافظ من حكام الجرح والتعديل، مات سنة عشرين ومائتين
(1)
.
ونعيم (خ قرنه. د. ت. ق): هو ابن حماد الخزاعي الحافظ الأعور، ذو التصانيف، قرنه البخاري بغيره، وهو مختلف فيه، امتحن وقيد فمات بسامراء
(2)
محبوسًا سنة تسع وعشرين ومائتين
(3)
.
(1)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 298، "التاريخ الكبير" 7/ 72 (331)، "الجرح والتعديل" 7/ 30 (165)، "تهذيب الكمال" 20/ 160 (3964).
(2)
سامراء: مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة وقد خربت. انظر: "معجم البلدان" 3/ 173.
(3)
هو نُعيم بن حَمَّاد بن معاوية بن الحارث بن همام بن سلمة بن مالك الخزاعي، أبو عبد الله المرْوَزي الفارِض الأعور، سكن مصر. رأى الحسين بن واقد.
قال الحسن الميموني، عن أحمد بن حنبل: أول من عرفناه يكتب المسند نعيم بن حماد. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: يُقال: إن أول من جمع المُسند وصنفه نعيم بن حماد. وقال أحمد بن حنبل عن نعيم بن حماد: لقد كان من الثقات.
وقال أحمد بن ثابت أبو يحيى، قال: سمعت أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين يقولان: نعيم بن حماد معروف بالطلب، ثم ذمه يحيى، فقال: إنه يروي عن غير الثقات. وقال صاحب "التقريب": صدوق يخطئ كثيرًا، فقيه عارف بالفرائض، من العاشرة، مات سنة ثمان وعشرين على الصحيح، وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ =
وصخر (خ. م. د. س. ق) بن جويرية تابعي
(1)
.
والحديث ظاهر لما ترجم له، وهو تقديم ذوي السن في السواك، وكذا ينبغي تقديم ذوي السن في الطعام والشراب والكلام والمشي والكتاب، وكل منزلة قياسًا على السواك، واستدلالًا من قوله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة "كبر كبر"
(2)
يريد ليتكلم الأكبر، وهذا من باب أدب الإسلام.
وقال المهلب: تقديم ذوي السن أولى في كل شيء، ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة تقديم الأيمن فالأيمن، من الرئيس أو العالم على ما جاء في حديث شرب اللبن.
وفيه أيضًا: فضل السواك.
= فيه، وقال: باقي حديثه مستقيم. انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 519، و "الجرح والتعديل" 8/ 463 (2125)، و"تهذيب الكمال" 29/ 466 (6451)، و "تقريب التهذيب"(7166).
(1)
هو صخر بن جويرية البصري، أبو نافع مولى بني تميم، ويقال: مولى بني هلال بن عامر.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: صخر بن جويرية شيخ ثقة ثقة.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: صالح. وقال غيره عن يحيى: ذهب كتابه، فبعث إليه من المدينة. وقال محمد بن سعد، عن عمرو بن عاصم: كان مولى لبني تميم، وكان ثقة ثبتًا.
وقال أيضًا عن عفان بن مسلم: كان صخر بن جويرية أثبت في الحديث، وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: لا بأس به. وقال أبو داود: تُكُلِّم فيه، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" 6/ 473.
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 275، "التاريخ الكبير" 4/ 312 (2951)، "تهذيب الكمال" 13/ 116 (2854)، "تقريب التهذيب"(2904).
(2)
سيأتي برقم (3173) كتاب: الجزية والموادعة، باب: الموادعة ..
75 - باب فَضْلِ مَنْ بَاتَ عَلَى الوُضُوءِ
247 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَألجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمنْتُ بِكِتَابِكَ الذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تتَكَلَّمُ بِهِ". قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا بَلَغْتُ: "اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذِي أَنْزَلْتَ". قُلْتُ: وَرَسُولِكَ. قَالَ: "لَا، وَنَبيِّكَ الذِي أَرْسَلْتَ". [6311، 6313، 6315، 7488 - مسلم: 2710 - فتح: 1/ 375]
حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أنا عَبْدُ اللهِ، أنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِب قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجًعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ .. " الحديث.
الكلام عليه من وجوه.
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الدعوات
(1)
، ومسلم
(2)
هناك، والترمذي
(3)
فيه، وقال: لا نعلم في شيء من الروايات ذكر الوضوء إلا في هذا الحديث، وأبو داود
(4)
في الأدب، والنسائي في
(1)
سيأتي برقم (6311) باب: إذا بات طاهرًا.
(2)
رواه مسلم (2710) كتاب: الذكر والدعاء، باب: ما يقول عند النوم وأخذ المضجع.
(3)
الترمذي (3574).
(4)
أبو داود (5046).
"اليوم والليلة"
(1)
.
ثانيها:
عبد الله: هو ابن المبارك
(2)
ومحمد بن مقاتل
(3)
: هو المروزي الثقة. مات سنة ست وعشرين ومائتين، ومات بعده محمد بن مقاتل العباداني بعشر سنين، ومحمد بن مقاتل الفقيه الرازي بعشرين.
وسفيان: هو الثوري، كما صرح به أبو العباس أحمد بن ثابت الطَرقي، وإن كان ابن عيينة روى عن منصور، وعنه ابن المبارك؛ لاشتهار الثوري بمنصور، وهو أثبت الناس فيه.
ومنصور: هو ابن المعتمر. وسعد
(4)
: سلمي تابعي ثقة. وعُبيدة بضم العين، وليس في الستة سعد بن عبيدة سواه.
(1)
النسائي في "الكبرى" 6/ 195 (10618).
(2)
سبق في حديث (6).
(3)
محمد بن مقاتل المَرْوَزيَّ، أبو الحسن الكسائي، لقبه رُخ، سكن بغداد، وانتقل بأَخَرَة إلى مكة فجاور بها حتى مات.
قال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو بكر الخطيب: كان ثقة. وذكره ابن حبان في كتاب: "الثقات" وقال: كان مُتْقِنًا. قال البخاري: مات سنة ست وعشرين ومائتين في آخرها. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 242 (767). و"الجرح والتعديل" 8/ 105 (448). و"الثقات" 9/ 81. و"تهذيب الكمال" 26/ 491 (5626)
(4)
سعد بن عُبيدة السُّلَمِيّ، أبو حمزة الكوفي، ختن أبي عبد الرحمن السلمي على ابنته. قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: ثقة. وكذلك قال النسائي. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، كان يرى رأي الخوارج ثم تركه.
ذكره ابن حبان في كتاب "الثقات".
روى له أبو داود والترمذي والنسائي هذا الحديث الواحد. وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 6/ 298، "التاريخ الكبير" 4/ 60 (1962)، "الجرح والتعديل" 4/ 89 (388)، "تهذيب الكمال" 10/ 290 (2220)
وخالف إبراهيم بن طهمان أصحاب منصور، فأدخل بين منصور وسعد الحكم بن عتيبة. وانفرد الفريابي بإدخال الأعمش بين الثوري ومنصور.
ثالثها:
معنى: ("إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ") أردت النوم، وهو بفتح الجيم، وعن القرطبي كسرها أيضًا كالمطلع وهو موضع الضجع.
رابعها:
قوله: ("فَتَوَضَّأْ") هو للندب؛ لأن النوم وفاة، وربما يكون موتًا، فقد تقبض روحه في نومه، فيكون ختم عمله بالوضوء، فينبغي أن يحافظ على ذَلِكَ ولا يفوته.
وفيه سر آخر، وهو أنه أصدق لرؤياه، وأبعد من لعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه، وما أحسن هذِه الخاتمة والدعاء عقبها الذي هو أفضل الأعمال؛ ولذلك كان ابن عمر يجعل آخر عمله الوضوء والدعاء، فإذا تكلم بعد ذَلِكَ استأنفها ثم ينام على ذَلِكَ، اقتداء بالشارع في قوله:"واجعلهن آخر ما تكلم به".
فرع: هذا الوضوء يتأكد في حق الجنب أيضًا عند نومه، ولعله ينشط للغسل، وفي "سنن أبي داود" من حديث أبي ظَبْيَة، عن معاذ مرفوعًا: "ما من مسلم يبيت على ذكرٍ (طاهرًا)
(1)
، فيتعار من الليل، فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه"
(2)
.
(1)
وقع في الأصل: طهارة، والمثبت من "سنن أبي داود".
(2)
"سنن أبي داود"(5042)، والحديث صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير"(5754).
خامسها:
قوله: ("ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ") هذا أيضًا من سنن النوم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب التيامن، ولأن النوم بمنزلة الموت، فِيستعد له بالهيئة التي يكون عليها في قبره. وقيل الحكمة فيه: أن يتعلق القلب على الجانب الأيمن، فلا يثقل النوم، فيكون أسرع إلى الانتباه.
قَالَ ابن الجوزي: وهذا هو المصلحة في النوم عند الأطباء أيضًا، فإنهم يقولون: ينبغي أن يضطجع على الجانب الأيمن ساعة، ثم ينقلب إلى الأيسر فينام، فإن النوم على اليمين سبب انحدار الطعام؛ لأن قصبة المعدة تقتضي ذَلِكَ، والنوم عَلَى اليسار يهضم، لاشتمال الكبد على المعدة.
سادسها:
قوله: ("اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ") جاء في رواية أخرى: "أسلمت نفسي إليك"
(1)
والوجه والنفس هنا بمعنى الذات كلها، كما نقله النووي عن العلماء
(2)
.
وقال ابن الجوزي: يحتمل أن يراد به الوجه حقيقة، ويحتمل أن يراد به القصد، فكأنه يقول قصدتك في طلب سلامي. وقال القرطبي: قيل: إن معنى الوجه: القصد والعمل الصالح
(3)
، ولذلك جاء في رواية:"أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك"
(4)
فجمع بينهما، فدل على تغايرهما.
(1)
سيأتي برقم (6311).
(2)
انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" 17/ 3.
(3)
"المفهم" 7/ 38.
(4)
سيأتي برقم (6315) في الدعوات، باب: النوم على الشق الأيمن، ورواه مسلم (2710) (57) كتاب: الذكر والدعاء، باب: ما يقول عند النوم وأخذ المضجع.
ومعنى أسلمت: سلمت واستسلمت، أي: سلمتها لك إذ لا قدرة ولا تدبير بجلب نفع ولا دفع ضر، فأمرها مُسَلَّم إليك تفعل فيها ما تريد واستسلمت لما نفعل، فلا اعتراض عليك فيه.
سابعها:
قوله: ("وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ") أي: رددت أمري إليك، وبرئت من الحول والقوة إلا بك، فاكفني همه وتولَّ إصلاحه.
وقوله: ("وَأَلْجَاْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ") أي: أسندته وأملته، يقال: لجأ فلان إلى كذا: مال إليه، فمن استند إلى شيء قوي إليك واستعان، وأنت الملجأ والمستعان.
ثامنها:
قوله: ("رَغْبَةً وَرَهْبَةً") أي: رغبة في رفدك وثوابك، وخوفًا منك ومن أليم عقابك، وأسقط من الرهبة لفظة منك وأعمل لفظة الرغبة بقوله:"إليك" على عادة العرب في أشعارهم.
وزججن الحواجب والعيونا
والعيون لا تزجج، ولكنه لما جمعهما في النظم حمل أحدهما على حكم الآخر في اللفظ، نبه عليه ابن الجوزي.
تاسعها:
"لَا مَلْجَأ" هو مهموز من ألجأت "وَلَا مَنْجَا" هو غير مهموز من النجاة. و"كتابك" هنا القرآن، وقَالَ الداودي في "شرحه": المراد كتبه كلها. "وبنبيك": هو محمد صلى الله عليه وسلم. والفطرة: دين الإسلام، كما في الحديث "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"
(1)
.
(1)
رواه أبو داود (1616) وأحمد 5/ 233. والحاكم 1/ 351 وقال: هذا حديث =
قَالَ القرطبي: كذا قاله الشيوخ في هذا الحديث. وفيه نظر؛ لأنه إذا كان قائل هذِه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرناها من التوحيد والتسليم والرضى إلى أن يموت على الفطرة، كما تقول: من مات وآخر كلامه: لا إله إلا الله على الفطرة وإن لم يخطر له شيء من تلك الأمور، فأين فائدة تلك الكلمات والمقامات الشريفة، ثم أجاب بأن كلًّا منهما وإن مات على الفطرة، فبين الفطرتين ما بين الحالتين، ففطرة الطائفة الأولى، فطرة المقربين، وفطرة الثانية فطرة أصحاب اليمين
(1)
.
عاشرها:
قوله: (فَلَمَّا بَلَغْتُ: "آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذِي أَنْزَلْتَ". قُلْتُ: وَرَسُولِكَ. قَالَ: "لَا، وَنَبِيِّكَ").
فيه دلالة لمن لم يجوز الحديث بالمعنى، وهو الصحيح من مذهب مالك، ولا شك في أن لفظة النبوة من النبأ وهو: الخبر. فالنبوة أعم والرسالة أخص؛ لأنها أمر زائد عليها، فلما اجتمعا في الشارع أراد أن يجمع بينهما في اللفظ؛ حتى يفهم منه موضوع كل واحد، وليخرج عما يُشبه تكرارًا بغير فائدة؛ لأنه إذا قَالَ: ورسولك الذي أرسلت. فالرسالة فهمت من الأول، فالثانى كالحشو، بخلاف ما إذا قَالَ: ونبيك الذي أرسلت، وأيضًا فالملائكة يطلق عليهم اسم الرسل، قَالَ تعالى:{اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}
= صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه. والحديث حسنه الألباني في "الإرواء"(687).
(1)
"المفهم" 7/ 39.
[الحج: 75] فإذا قَالَ ذَلِكَ زال ذَلِكَ اللبس، فالمراد هنا التصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالكتاب، وإن كان غيره من رسل الله أيضًا واجب الإيمان بهم.
آخر الوضوء ومتعلقاته بحمد الله ومنِّه.
5
كِتابُ الغُسْلِ
بسم الله الرحمن الرحيم
5 - كِتابُ الغُسْلِ
هو بالفتح؛ لأنه المصدر، أما الضم فالماء، والكسر فما يغسل به من خطمي ونحوه. وأما صاحب "المحكم" فقال: غَسلَ الشيءَ يَغسلُه غَسْلًا وغُسْلًا. وقيل: الغَسل المصدر، والغسل الاسم
(1)
.
ثم استفتح البخاري رحمه الله الباب بقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ}
ومناسبتهما ظاهرة للباب؛ إذ فيهما الغسل من الجنابة مع زيادات.
واللمس في الآيتين عند الشافعي التقاء البشرتين
(2)
، وعند غيره الجماع. وقرئ في السبعة:(لمستم) بغير ألف، وهي قراءة الأخوين
(3)
، ولامستم قراءة الباقين
(4)
.
(1)
"المحكم" 5/ 256.
(2)
انظر: "الحاوي" 1/ 84، "أحكام القرآن" للشافعي 1/ 46.
(3)
هما حمزة والكسائي.
(4)
انظر: "الحجة للقراء السبعة" 3/ 163 - 164، "الكشف عن وجوه القراءات السبع" 1/ 391 - 392.
1 - باب الوُضُوءِ قَبْلَ الغُسْلِ
248 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عن أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الَجنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمُّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الَماءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الَماءَ على جِلْدِهِ كُلهِ. [262، 272 - مسلم 316 - فتح: 1/ 360]
249 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيمُونَةَ- زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ، وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الأذَى، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الَماءَ، ثمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، هذِه غُسْلُهُ مِنَ الَجنَابَةِ. [257، 259، 260، 265، 266، 274، 276، 281 - مسلم: 317 - فتح: 1/ 361]
ذكر فيه حديث عائشة وميمونة:
أما حديث عائشة فرواه عن عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ، عن مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - زَوْج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي المَاءِ .. الحديث.
وأما حديث ميمونة فأخرجه عن مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاس، عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ، وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الأَذى، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ، ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا. هذِه غُسْلُهُ مِنَ الجَنَابَةِ.
الكلام عليهما من وجهين:
أحدهما:
حديث عائشة قد أخرجه البخاري من حديث مالك كما ترى، وأخرجه مسلم من حديث أبي معاوية عن هشام فذكره، وفي آخره: ثم غسل رجليه قَالَ: ورواه جماعة عن هشام وليس في حديثهم غسل الرجلين
(1)
.
وحديث ميمونة أخرجه مسلم أيضًا وباقي الستة
(2)
.
ومحمد بن يوسف: هو الفريابي، كما صرح به أبو نعيم. وسفيان هو الثوري.
وذكره البخاري في باب الغسل مرة واحدة كما ستعلمه
(3)
، وفي باب التستر فيه أيضًا
(4)
. ثم قَالَ: تابعه أبو عوانة، وابن فضيل في التستر، أي: تابعا سفيان الثوري، وحديث أبي عوانة أسنده في باب من أفرغ بيمنه على شماله في الغسل
(5)
.
وابن فضيل اسمه: محمد بن فضيل.
ثانيهما: في فوائدهما:
(كان) في حديث عائشة تدل على الملازمة والتكرار
(6)
، كقول ابن
(1)
مسلم (316) كتاب: الحيض، باب: صفة غسل الجنابة.
(2)
مسلم (317) كتاب: الحيض، باب: صفة غسل الجنابة، وأبو داود (245)، والترمذي (103)، والنسائي 1/ 137 - 138، وابن ماجه (573).
(3)
البخاري (257) كتاب: الغسل.
(4)
سيأتي برقم (281) كتاب: الغسل، باب: التستر في الغسل عند الناس.
(5)
سيأتي برقم (266) كتاب: الغسل.
(6)
ورد بهامش (س) ما نصه: الصحيح من القولين أن كان لا تدل على ملازمة ولا تكرار.
عباس: (كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير). ويقال: كان فلان يقري الضيف.
وقولها: (إِذَا اغْتَسَلَ) يحتمل أن يكون المراد: إذا أراده، ويحتمل أن يكون المراد: شرع فيه.
وقولها: (فَغَسَلَ يَدَيْهِ)، أي: قبل إدخالهما الإناء، كما جاء مصرحًا به في بعض الروايات
(1)
، ولا خلاف في مشروعية ذَلِكَ، وإنما الخلاف في الوجوب.
وقولها: (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَلَاةِ). يؤخذ منه استحباب تقديم أعضاء الوضوء في الغسل، والظاهر أنه وضوء حقيقة، وإن كان يحتمل أن المراد تقديم غسل هذِه الأعضاء على غيرها على ترتيب الوضوء، وقُدِّمَتْ على بقية الجسد تكريمًا لها، وبالثاني صرح ابن داود من أصحابنا في "شرح المختصر"، وإذا قلنا بالأول فظاهره إكمال الوضوء، وهو أصح قولي الشافعي رحمه الله، وله قول آخر: إنه يؤخر غسل رجليه عملًا بظاهر حديث ميمونة
(2)
، والخلاف عند مالك أيضًا
(3)
، وله قول ثالث: إنه إن كان الموضع نظيفًا فلا يؤخر، وإن كان وسخًا أو الماء قليلًا أُخر جمعًا بين الأحاديث.
وأجاز (أبو)
(4)
حنيفة التأخير
(5)
، وفصل صاحب "المبسوط"
(1)
من ذلك ما رواه مسلم (316) كتاب: الحيض، باب: صفة غسل الجنابة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخل يده في الإناء، ثم توضأ مثل وضوئه للصلاة.
(2)
انظر: "المجموع" 2/ 211.
(3)
انظر: "المنتقى" 1/ 93، "إكمال المعلم" 2/ 157.
(4)
في الأصل: (أبي)، والصحيح ما أثبتناه.
(5)
انظر: "الهداية" 1/ 17.
التفصيل السابق عن مالك، وادعى أبو ثور وأهل الظاهر وجوب هذا الوضوء، وأوجبه بعض أصحابنا إذا كان محدثًا مع الجنابة
(1)
.
أما الوضوء بعد الغسل: فعنه: مشروع إذا لم يحصل منه حدث، وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعده كما رواه الترمذي والحاكم وصححاه
(2)
، وما روي عن أبي البحتري عن علي: أنه كان يتوضأ بعد الغسل
(3)
؛ فمنقطع، ومحمول على أنه عرض عارض يوجبه.
وأما حديث عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة توضأ وضوءه للصلاة. فالمراد -والله أعلم- كان إذا أراد الاغتسال. وأما ابن شاهين، فقال: حديث غريب صحيح. ثم زعم أنه منسوخ
(4)
، ولا حاجة إلى ادعاء ذَلِكَ، ونقل ابن بطال في باب من توضأ من الجنابة الإجماع على عدم وجوب الوضوء في الغسل
(5)
.
وقولها: (كَمَا كان يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ). لعله احتراز من الوضوء اللغوي الذي هو غسل اليدين. وروى الحسن عن أبي حنيفة: أنه لا يمسح رأسه في هذا الوضوء. والصحيح يمسحها، كما قَالَ في "المبسوط"
(6)
؛ لأنه أتم للغسل.
وقولها: (ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي المَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ الشعر). فيه
(1)
انظر: "المجموع" 2/ 215 - 216.
(2)
رواه الترمذي (107). وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم 1/ 153.
وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن عائشة رضي الله عنها، وقال الألباني في "صحيح الترمذي" (93): صحيح.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 69.
(4)
"ناسخ الحديث ومنسوخه" لابن شاهين ص 65.
(5)
"شرح ابن بطال" 1/ 378.
(6)
"المبسوط" 1/ 44.
استحباب ذَلِكَ وحكمته سهولة إدخال الماء إلى أصل الشعر أو الاستئناس به حتى لا يجد من صب الماء الكثير نفرة، ثم هذا التخليل عام لشعر الرأس واللحية، فقيل: واجب. وقيل: سنة. وقيل: واجب في الرأس، وفي اللحية قولان للمالكية: روى ابن القاسم عدم الوجوب، وروى أشهب الوجوب، وأوجب ذَلِكَ أبو حنيفة في الغسل دون الوضوء
(1)
، وقد ورد في عدة أحاديث أن "تحت كل شعرة جنابة
(2)
فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر"
(3)
؛ وفيها مقال.
ونقل ابن بطال في باب: تخليل الشعر الإجماع على تخليل شعر الرأس، وقاسوا اللحية عليها
(4)
.
وقولها: (ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأسِهِ ثَلَاثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ). فيه استحباب ذَلِكَ في الرأس، وباقي الجسد مثله، وخالف الماوردي من أصحابنا
(5)
، والقرطبي من المالكية فقالا: لا يستحب التثليث في الغسل.
قَالَ القرطبي: لا يفهم من هذِه الثلاث، أنه غسل رأسه ثلاث
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 135، "المبسوط" 1/ 44، "المنتقى" 1/ 94.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: تحت كل شعرة جنابة في الترمذي، وأبي داود، وابن ماجه، وهو ضعيف.
(3)
رواه أبوداود (248)، والترمذي (106)، وابن ماجه (597).
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وعلة ضعفه الحارث بن وجيه كما قال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر، وهو ضعيف.
وقال الترمذي: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه.
وضعفه النووي في "المجموع" 2/ 213، "الخلاصة" 1/ 197، وكذا الألباني في "ضعيف أبي داود" برقم (37).
(4)
"شرح ابن بطال" 1/ 386.
(5)
"الحاوي" 1/ 221.
مرات؛ لأن التكرار في الغسل غير مشروع لما في ذَلِكَ من المشقة، وإنما كان ذَلِكَ العدد؛ لأنه بدأ بجانب رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم على وسط رأسه، كما جاء في حديث عائشة
(1)
.
وقولها: (ثُمَّ يُفِيضُ المَاءَ عَلَى جسده كُلِّهِ). هذا بقية الغسل ولم يذكر فيه الدلك، وهو مستحب عندنا وعند أحمد وبعض المالكية وأهل الكوفة، وخالف مالك والمزني فذهبا إلى وجوبه
(2)
.
وقولها: (وَغَسَلَ فَرْجَهُ، وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الأَذى). فيه مشروعية ذَلِكَ قبل الغسل، والواو هنا للجمع لا للترتيب، إذ المراد غسل فرجه ثم توضأ، كما جاء مبينًا في بعض الطرق
(3)
.
وقولها: (ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا عن الجنابة). فعل ذَلِكَ ليقع الاختتام بأعضاء الوضوء، كما وقع الابتداء بها، واستدل به من يرى التفريق بغير عذر.
(1)
"المفهم" 1/ 576 - 577.
(2)
انظر: "المبسوط" 1/ 44 - 45، "المدونة" 1/ 30، "إكمال المعلم" 2/ 157، "المغني" 1/ 290.
(3)
منها ما سيأتي برقم (260).
2 - باب: غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ
250 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ، يُقَالُ لَة: الفَرَقُ [261، 263، 273، 299، 5956، 7339 - مسلم: 319 - فتح: 1/ 363]
حَدَّثنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنَا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ، يُقَالُ لَهُ: الفَرَقُ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
و (ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب.
وهذا الإناء كان من شبه، وهو ضرب من النحاس، كما نبه عليه ابن التين.
والفرَق: بفتح الراء أفصح من سكونها، وادعى الباجي أنه الصواب. وقال ابن الأثير: هو بالفتح مكيال يسع ستة عشر رطلًا، وهي اثنا عشر مُدًا وثلاثة آصع، عند أهل الحجاز. وقيل: الفرق: خمسة أقساط، وكل قسط نصف صاع. وأما بالسكون فمائة وعشرون رطلًا
(2)
.
وأما فقه الباب فقد سلف في باب وضوء الرجل مع امرأته
(3)
مع الجواب عما عارضه، والإجماع قائم على تطهر الرجل والمرأة من
(1)
مسلم (319) كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة وغسل أحدهما بفضل الآخر.
(2)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 437.
(3)
سبق برقم (193) كتاب: الوضوء.
إناء واحد، وعلى تطهر المرأة بفضل الرجل، والخلاف في عكسه، كما سلف هناك.
وذكر ابن أبي شيبة عن أبي هريرة أنه كان ينهى أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد
(1)
، وغاب عنه هذا الحديث، والسنة قاضية عليه.
وفيه أيضًا طهارة فضل الجنب والحائض. قَالَ الداودي: وفيه جواز نظرهما إلى عُريةِ بعض.
(1)
"المصنف" 1/ 41 (384).
3 - باب الغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ
251 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلهَا أَخُوهَا عَنْ غَسْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَتْ بِإنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ، فَاغْتَسَلَتْ وَأفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ يَزِيد بْنُ هَارُونَ وَبَهْزٌ وَالْجُدِّيُّ، عَنْ شُعْبَةَ: قَدْرِ صَاعٍ. [مسلم: 320 - فتح: 1/ 364]
252 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ هُوَ وَأَبُوهُ، وَعِنْدَهُ قَوْمُ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الغُسْلِ، فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِينِي. فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا، وَخَيْرٌ مِنْكَ، ثمَّ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ. [255، 256 - مسلم: 329 - فتح: 1/ 365]
253 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَبَهْز وَالجُدِّيُّ، عَنْ شُعْبَةَ: قَدْرِ صَاعٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ ابن عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَخِيرًا عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمونَةَ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوى أَبُو نُعَيْمٍ. [مسلم: 322 - فتح: 1/ 366]
ذكر فيه- رحمه الله ثلاثة أحاديث:
أحدهَا: عن عائشة:
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثنا شعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ، فَسَألَهَا أَخُوهَا عَنْ غَسْلِ النِّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ، فَاغْتَسَلَتْ وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأسِهَا، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ. قَالَ يَزيدُ بْنُ هَارُونَ وَبَهْزٌ وَالْجُدِّيُّ، عَنْ شُعْبَةَ: قَدْرِ صَاعٍ.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم
(1)
أيضًا هنا.
واسم أبي بكر: عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، مدني ثقة
(2)
.
وأبو سلمة
(3)
: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، أحد الأئمة، وهو ابن أختها من الرضاعة، أرضعته أم كلثوم بنت الصديق.
ثانيها:
أخو عائشة هو أخوها من الرضاعة، كما جاء مصرحًا به في "صحيح مسلم"، واسمه فيما قيل: عبد الله بن يزيد، أفاده النووي
(4)
. وقال مسلم في "الطبقات": عبد الله بن يزيد رضيع عائشة، وقال الداودي في "شرحه" فيما رأيته إنه أخوها عبد الرحمن. وهذا وهم منه.
ثالثها:
اسم الجُدي عبد الملك (خ قرنه، د، ت، س) بن إبراهيم، حجازي
(1)
مسلم (320) كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة، وغسل أحدهما بفضل الآخر.
(2)
مشهور بكنيته، مجمع على ثقته، فقد وثقه النسائي وابن حبان، والعجلي وقال ابن عبد البر قيل: كان اسمه كنيته، وكان من أهل العلم والثقة، أجمعوا على ذلك.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 76 (200)، "الجرح والتعديل" 5/ 36 (157)، "الثقات" لابن حبان 5/ 12 "تهذيب الكمال" 14/ 423 (3228)، "تهذيب التهذيب" 2/ 322.
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: (
…
) الفقهاء السبعة على قول (
…
) كما قاله الحاكم.
(4)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 4/ 4.
ثقة، وهو بضم الجيم نسبة إلى جُدة، روى له البخاري مقرونًا بغيره، وأبو داود والترمذي والنسائي. مات سنة أربع أو خمس ومائتين
(1)
.
وطريق يزيد رواها أبو نعيم، عن أبي بكر بن خلاد، عن الحارث بن محمد عنه.
وطريق بهز رواها الإسماعيلي، عن المنيعي، عن يعقوب وأحمد بن إبراهيم قالا: ثنا بهز بن أسد به.
وقوله: (بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ). ظاهره كما قَالَ القاضي: أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل لذوي المحارم النظر إليه من ذات المحرم، ولولا أنهما شاهدا ذَلِكَ ورأياه، لم يكن لاستدعائها الماء وطهارتها بحضرتهما معنى، إذ لو فعلت ذَلِكَ كله في سترة عنهما لاكتفت تعليمهما بالقول، وإنما فعلت الستر ليستر أسافل البدن، وما لا يحل للمحرم نظره
(2)
.
الحديث الثاني
(3)
:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ هُوَ وَأَبُوهُ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الغُسْلِ، فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِينِي. فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا، وَخَيْرٌ مِنْكَ. ثُمَّ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ.
(1)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 406 (1313)، و"الجرح والتعديل" 5/ 342 (1617)، و"الثقات" لابن حبان 8/ 387، و"تهذيب الكمال" 18/ 280 (3513).
(2)
"إكمال المعلم بفوائد مسلم" 2/ 163.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في الثامن والأربعين كتبه مؤلفه، غفر الله له.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
وأبو جعفر: هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي. مدنى تابعي جليل، ويعرف بالباقر؛ لأنه بقر العلم -أي: شقه- فَعَرِفَ أصله، أمه بنت السيد الحسن. وعنه ابنه جعفر الصادق وغيره. مات سنة أربع عشرة ومائة، على أحد الأقوال
(2)
. وكان مولده سنة ست وخمسين. ووالده: هو علي بن الحسين زين العابدين التابعي الثقة
(3)
.
ثانيها:
الرجل الذي قَالَ: (ما يكفيني)
(4)
. هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب
(5)
، أبوه ابن الحنفية. مات سنة مائة أو نحوها
(6)
. والحنفية اسمها: خولة بنت جعفر
(7)
.
(1)
مسلم (329) كتاب: الحيض، باب: استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثًا.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: صحح الذهبي في "الكاشف" أنه توفي 118 هـ، ولم يذكر غيره.
(3)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 183 (564)، "الجرح والتعديل" 8/ 26 (117)، "تهذيب الكمال" 26/ 136 - 139 (5478).
(4)
ورد بهامش الأصل: الرجل المبهم كما قال المصنف، وابنه مسمى في "جامع النووي".
(5)
سيأتي برقم (256).
(6)
ورد في (س) بين السطور في "الكاشف" سنة 95، ولم يذكر غيره، وكذا أرخه في "التذهيب" .. قال: وقيل بعد ذلك وفي "تهذيب النووي" سنة مائة أو تسع وتسعين.
(7)
انظر ترجمتها في: "التاريخ الكبير" للبخاري 2/ 305 (2560).
ثالثها:
(يَكفي) بفتح أوله فقط.
و (أوفي) يحتمل أن تكون بمعنى أطول، فيرجع إلى الصفة. ويحتمل أن تكون بمعنى أكثر، فيرجع إلى الكمية، ويقال: إن هذا الرجل كان تامًا عظيم الخلق كثير الشعر.
وقوله: (وخيرًا منك) هو بالنصب عطفًا على
(1)
مفعول (مَنْ) الذي هو مفعول يكفي. ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والمراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِيِني) ظاهره أنه غير السائل؛ إذ لو كان هو لقال: ما يكفيني
(2)
.
وقوله: (وَعِنْدَهُ قَوْمٌ). جاء في أخرى: وعنده قومه، وهي ما ذكرها عبد الحق في "جمعه"، وصاحب "العمدة"
(3)
.
فقوله: (يَكْفِيكَ صَاعٌ) هو بلفظ الخطاب للواحد، فيحتمل أنهم سألوه عن أشياء وأنواع الغسل وأحكامه، فسأله بعضهم عن صفته وبعضهم في أحكام مائه، فاشتركوا في السؤال فأضيف إليهم، فنقل الراوي جواب مقدار الماء فقط، ويحتمل أنهم اشتركوا في السؤال عن مقدار الماء، فأجابهم بلفظ الواحد كأنه قَالَ: يكفي أحدكم صاع.
وقوله: (ثُمَّ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ). لا خلاف في مقتضاه فإن الصلاة فيه جائزة وإن كان إمامًا.
(1)
ورد بهامش (س): كذا، صوابه: عطفًا على (من) الذي هو مفعول يكفي.
(2)
أي: دون أن يقول: فقال رجل.
(3)
"العمدة" كما في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 94.
الحديث الثالث:
حَدَّثنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَبَهْزُ وَالجُدِّيُّ، عَنْ شُعْبَةَ: قَدْرِ صَاعٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ ابن عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَخِيرًا عَن ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوى أَبُو نُعَيْمٍ.
هكذا هو في أكثر النسخ عقب هذا، وسقط في بعضها.
وقد رواه مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه من مسند ميمونة
(1)
، ورجح الدارقطني إسقاطها وقال: إنه أشبه.
ووجه إدخال البخاري هذا الحديث هنا، أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وعائشة من الفرق، وقد سلف أنه ثلاثة آصع، وإذا كان كذلك فنصفه صاع ونصف، وذلك ثمانية أرطال، وذلك زائد على الصاع بقليل.
وأما فقه هذِه الأحاديث، فقد سلف في باب الوضوء بالمد
(2)
، والاختلاف في قدره وقدر الصاع، فراجعه منه.
وفيه أيضًا: عدم الإسراف في الماء.
وفيه أيضًا: صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان كثير الشعر.
(1)
مسلم (322/ 47)، والترمذي (62)، والنسائي 1/ 129، وابن ماجه (377).
(2)
إلى هنا انتهى السقط من (ج) وهو من حديث (233 - 254).
4 - باب مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا
254 -
حَدَّثَنَا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ ابْن صُرَدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا أنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلًاثا". وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيهِمَا. [مسلم: 327 - فتح: 1/ 367]
255 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مِخْوَلِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُفْرِغُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا. [انظر: 252 - مسلم: 329 - فتح: 1/ 367]
256 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بن يَحْيَى بْنِ سَامٍ، حَدَّثَنِي ابو جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ لِي جَابِرٌ: وَأَتَانيِ ابن عَمِّكَ يُعَرِّضُ بِالَحْسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ ابن الَحنَفِيَّةِ، قَالَ: كَيْفَ الغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ؟ فَقُلْتُ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَكُفٍّ وَيُفِيضُهَا على رَأْسِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ. فَقَالَ لِي الَحسَنُ: إِنِّي رَجُلٌ كَثِيرُ الشَّعَرِ. فَفلْتُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْكَ شَعَرًا. [انظر: 252 - مسلم: 329 - فتح: 1/ 368]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث سليمان بن صُرد، عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ مرفوعًا:"أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلًاثا". وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كلتاهما.
وقد أخرجه مسلم
(1)
أيضًا.
وسليمان بن صرد صحابي أيضًا، قتل سنة خمس وستين، وهو من الأفراد
(2)
، وكان أحد العباد
(3)
.
(1)
مسلم (327) في الحيض، باب: استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثًا.
(2)
كذا في الأصل، وسليمان بن صرد روى له الجماعة، كما في "تهذيب الكمال" 11/ 454، والحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، كما في "تحفة الأشراف"(3186).
(3)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري 4/ 15 (1752)، "أسد الغابة" =
وقوله: (كلتاهما). كذا في بعض النسخ، وفي بعضها: كلتيهما، ووجه الأول على من يراهما تثنية، ويرى أن التثنية لا تتغير؛ كقوله:
إن أباها وأبا أباها
…
قد بلغا في المجد غايتاها
(1)
ثانيها: حديث جَابِرٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُفْرغُ عَلَى رَأسِهِ ثَلَاثًا.
ثالثها: حديثه أيضًا: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأُخُذُ ثَلَاثَةَ أَكُفِّ وَيُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ. وفي آخره: كان صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ شَعَرًا مِنْكَ.
وقد سلف في الباب قبله
(2)
، وفي إسناد الأول مخول
(3)
بن راشد، وهو النهدي مولاهم. وفي الثاني مَعْمَر بن يحيى بن سام، وهو بالتشديد وقيل: بالتخفيف، وليس له في الصحيح غير هذا الحديث، وهو عزيز، وانفرد به البخاري. وقال أبو زرعة في حقه: ثقة. وقال البخاري: روى عنه وكيع مراسيل
(4)
.
وأما فقه الباب:
ففيه إفاضة الماء على الرأس ثلاثًا، واستحبابه متفق عليه، وألحق به أصحابنا سائر الجسد؛ قياسًا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء، وهو أولى بالثلاث من الوضوء، فإن الوضوء مبني على التخفيف مع تكراره، فإذا استحب فيه الثلاث فالغسل أولى.
= 2/ 449، "السير" 3/ 394 (61)، "تهذيب الكمال" 11/ 454 (2531).
(1)
ورد أعلاها في الأصل: كلمة: الشاهد.
(2)
سلف برقم (252) كتاب: الغسل، باب: بصاع أو نحوه.
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: مخول بتشديد الواو المفتوحة وضم الميم وفتح الخاء المعجمة، كذا ضبطه الكافة، وذكره (
…
) والحاكم، وضبطه الأصيلي بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة. معنى كلام (
…
).
(4)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري 7/ 377 (1625)، "الجرح والتعديل" 8/ 258 (1167)، "تهذيب الكمال" 28/ 323 - 324 (6109).
قَالَ النووي: ولا نعلم فيه خلافًا إلا ما تفرد به الماوردي، حيث قَالَ: لا يستحب التكرار في الغسل، وهو شاذ متروك
(1)
.
قُلْتُ: قد قاله أيضًا الشيخ أبو علي السِّنجي
(2)
في "شرح الفروع" فلم يتفرد به.
ونقل ابن التين عن العلماء أنه يحتمل أن يكون هذا على ما شرع في الطهارة من التكرار، وأن يكون لتمام الطهارة؛ ولأن الغسلة الواحدة لا تجزئ في استيعاب غسل الرأس، قَالَ: وقيل: ذَلِكَ مستحب، وما أسبغ أجزأ، وكذا قَالَ ابن بطال: العدد في ذَلِكَ مستحب عند العلماء، وما عم وأسبغ أجزأ.
قَالَ: وليس في أحاديث الباب الوضوء في الغسل، ولذلك قَالَ جماعة الفقهاء: إنه من سننه
(3)
.
وفيه: أن الغرفة باليدين جميعًا، وعليه يحمل ما في حديث جابر: يأخذ ثلاثة أكف.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ("أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلًاثا"). الظاهر أنه رد به على قوم يفعلون أكثر من ذَلِكَ، ولنا فيه أسوة حسنة.
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 4/ 9.
(2)
هو الحسين بن شعيب بن محمد، أبو علي السنجي، من قرية سنج، فقيه العصر، وعالم خراسان، وأول من جمع بين طريقتي العراق وخراسان، وهو والقاضي حسين أنجب تلامذة القفال.
من تصانيفه: "شرح المختصر"، "شرح تلخيص ابن القاص"، "شرح فروع ابن الحداد". توفي سنة ثلاثين وأربعمائة.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعيه الكبرى" 4/ 344 - 348.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 373.
5 - باب: الغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً
257 -
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِى الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَاءً لِلْغسْلِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْن -أَوْ ثَلَاثًا- ثمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِالأرضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيدَيْهِ، ثُمَّ أفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. [انظر: 249 - مسلم: 317، 337 - فتح: 1/ 368]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ لي مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاءً لِلْغُسْلِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ -أَوْ ثَلَاثًا- ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيدَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ.
وهو حديث صحيح، أخرجه مع البخاري مسلم وباقي الستة
(1)
، وقد سلف أول الغسل
(2)
.
والمذاكير: جمع ذكر، على غير قياس، كأنهم فرقوا بين الذكر الذي هو الفحل وبين الذكر الذي هو العضو، فجمعوا الذكر الفحل على ذكور وذكران وذكارة مثل: حجارة.
وقال الأخفش: مذاكير من الجمع الذي ليس له واحد، مثل: الأبابيل، حكاه ابن التين، وموضع الترجمة من الباب قوله: ثم أفاض على جسده ولم يذكر مرة ولا مرتين، فحمل على أقل ما يسمى غسلًا وهو مرة واحدة، والعلماء مجمعون على أنه الشرط فيه التعميم لا العدد.
(1)
مسلم (317، 337)، وأبو داود (245)، والترمذي (103)، والنسائي 1/ 137 - 138، وابن ماجه (573).
(2)
سبق برقم (249) كتاب: الغسل، باب: الوضوء قبل الغسل.
وفيه: الوضوء في الغسل من الجنابة ولم يذكر فيه مسح الرأس، وقد أسلفنا أنه رواية الحسن عن أبي حنيفة.
وفيه: أن الدلك سنة وليس بواجب عملًا بقولها: (ثم أفاض على جسده).
6 - باب: مَنْ بَدَأَ بِالْحِلَابِ أَوِ الطِّيبِ
(1)
عِنْدَ الغُسْلِ
258 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الُمثَنُّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عن حَنْظَلَةَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الِحلَابِ، فَأَخَذ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأيسَرِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ. [مسلم: 318 - فتح: 1/ 369]
حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثنَّى، ثنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ دَعَا بِشَئءٍ نَحْوَ الحِلَاب، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِق رَأْسِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأَسِهِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا وأبو داود والنسائي عن محمد بن المثنى أيضًا
(2)
.
والقاسم: هو ابن محمد الفقيه، وعائشة عمته، مات سنة سبع ومائة
(3)
.
وحنظلة الراوي عنه: هو ابن أبي سفيان ثبت. مات سنة إحدى وخمسين ومائة
(4)
.
(1)
بهامش الأصل إشارة إلى أنه في نسخة: التطيب.
(2)
مسلم (318) كتاب: الحيض، باب: صفة غسل الجنابة، وأبو داود (240)، والنسائي 1/ 206 - 207.
(3)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري 7/ 157 (705)، "الجرح والتعديل" 7/ 118 (675)، "تهذيب الكمال" 23/ 427 - 432 (4819).
(4)
سبق في حديث (8).
ثانيها:
الحِلاب -بكسر الحاء المهملة- وهو: إناء يسع حلبة ناقة، وهو: المِحلب -بكسر الميم. فأما المَحلب بفتح الميم، فهو: الحب الطيب الرائحة. والبخاري جعل الحلاب في هذِه الترجمة ضربًا من الطيب، وصرح به الداودي في "شرحه"، وليس كما فعلا، وإنما هو الإناء الذي كان فيه طيبه صلى الله عليه وسلم الذي كان يستعمله عند الغسل، وقد نص غير واحد على وهم البخاري في ذَلِكَ.
قَالَ الحميدي: جمع مسلم هذا الحديث مع حديث الفَرَق وحديث قدر الصاع في موضع واحد، وتأولها على الإناء، وفي البخاري ما ربما ظن ظان أنه قد تأوله على أنه نوع من الطيب، يكون قبل الغسل، لأنه ترجم الباب بذلك الحلاب أو الطيب، وفي بعضها والطيب، ولم يذكر غيره، وقد ذكر الهروي في باب الحاء المهملة الحِلاب والمحلب: الإناء الذي تُحْلب فيه ذوات الألبان.
وقال الخطابي
(1)
: إنه إناء، وذكره البخاري في كتابه، وتأوله على استعمال الطيب في الطهور، وأحسبه توهم أنه أُريد به المحلب الذي يستعمل في غسل الأيدي، وليس هذا من الباب
(2)
في شيء، وإنما هو ما فسرت لك
(3)
.
وعند الإسماعيلي دعا بشيء نحو الحلاب. وفي رواية: كان يغتسل من حِلاب
(4)
، وهو إشارة إلى إناء لا إلى طيب.
(1)
"أعلام الحديث" 1/ 302.
(2)
كذا في الأصل، وفي "الجمع بين الصحيحين": الطيب.
(3)
"الجمع بين الصحيحين" 4/ 37 - 38.
(4)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه" 1/ 122.
وفي حديث مكي، عن القاسم أنه سئل: كم يكفي من غسل الجنابة؟ فأشار إلى القدح أو الحلاب، ففيه بيان مقدار ما يحتمل من الماء لا الطيب (أو)
(1)
التطيب.
وقال ابن الجوزي: غلط جماعة في تفسير الحلاب، منهم البخاري، فإنه ظن أن الحلاب شيء من الطيب، وكأنه توهم أن الحلاب المحلب الذي يستعمل في غسل الأيدي، وليس هذا مكانه
(2)
.
وصحف آخرون لفظه منهم الأزهري، فإنه ضبطه بالجيم وتشديد اللام، ثم فسره بأنه ماء الورد، فارسي معرب
(3)
، حكاه عنه الحميدي، وقرأناه على شيخنا أبي منصور اللغوي، وقال أراد بالجلاب ماء الورد فارسي معرب، وكذا ذكره أبو عبيد الهروي في باب الجيم، إلا أنه لم ينصره. وهؤلاء عن معرفة الحديث بمعزل، إنما البخاري أعجب حالًا؛ لأن لفظ الحديث: دعا بشيء نحو الحلاب. فلو كان دعا بالحلاب كان ربما يشكل، ونحو الشيء: غيره. على أن في بعض الألفاظ: دعا بإناء مثل الحلاب.
وقال ابن قرقول: الحلاب إناء وهو المحلب، وترجم البخاري عليه باب: الطيب عند الغسل، يدل على أنه عنده ضرب من الطيب، وهذا لا يعرف، وإنما المعروف حب المحلب نوع يقع في الطيب.
وقال ابن الأثير في "نهايته": لما ذكر الحلاب بالحاء، قَالَ: وقد رويت بالجيم، ويحتمل أن البخاري أراده؛ ولهذا ترجم به وبالطيب، لكن الذي يروى في كتابه، إنما هو بالحاء، وهو بها أشبه؛ لأن
(1)
في (ج): و.
(2)
"غريب الحديث" 1/ 233.
(3)
"تهذيب اللغة" 1/ 626 مادة: (جلب).
الطيب لمن يغتسل بعد الغسل أليق به من قبله وأولى؛ لأنه إذا بدأ به، ثم اغتسل أذهبه الماء
(1)
.
وقال ابن بطال: أظن البخاري جعله ضربًا من الطيب، فإن كان ظن ذَلِكَ، فهو وهم ثم قال: وفي الحديث الحض على استعمال الطيب عند الغسل تأسيًا بالشارع
(2)
.
قُلْتُ: وفي كتاب "التطيب" للفضل بن سلمة أنه يقال: اغتسلت المرأة بالطيب.
ثالثها:
(وَسَط رأسه). هو بالفتح، كما قَالَ ابن التين؛ لأنه اسم. قَالَ الجوهري: كل موضع صلح فيه (بَيْنَ) فهو ساكن، وعكسه محرك وربما سُكِّنَ، وليس بالوجه
(3)
.
رابعها:
إنما بدأ بشق رأسه الأيمن؛ لأنه كان يحب التيامن في طُهوره.
وقوله: (فقال بهما على وسط رأسه). يعني: بيديه.
(1)
"النهاية في غريب الحديث" 1/ 422 مادة (حلب).
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 374 - 375.
(3)
"الصحاح" 3/ 1168.
7 - باب المَضمَضَةِ وَالاِسْتِنشَاقِ فيِ الجَنَابَةِ
259 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْن حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَتْنَا مَيْمُونَةُ قَالَتْ: صَبَبْتُ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم غُسْلًا، فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَة، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأرضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَأفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتَيِ بِمِنْدِيل، فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا. [انظر: 249 - مسلم: 317 - فتح:1/ 317].
ساق فيه حديث ميمونة قَالَتْ: صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غُسْلًا، فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَد الأَرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُرَاب، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَأَفَاضَ عَلَى رَأَسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ، فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا.
وقد سلف الحديث قريبًا
(1)
، ثم ها هنا أمور:
أحدها: عند أبي حنيفة أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل دون الوضوء، وعند الشافعي أنهما سنتان عنهما
(2)
.
وقال ابن بطال: وقام الإجماع
(3)
على سقوط الوضوء في غسل الجنابة
(4)
، وهما سنتان في الوضوء، فإذا سقط فرض الوضوء فيه سقطت توابعه، فدل على أن ما روته ميمونة في غسله سنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم
(1)
سلف برقم (249) كتاب: الغسل، باب: الوضوء قبل الغسل.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 135، "الأم" 1/ 21.
(3)
ورد بهامش الأصل: ما ادعاه ابن بطال من الإجماع فيه نظر إذ قد أخذ بوجوب الوضوء في الغسل أبو ثور وأهل الظاهر، وقال بعض أصحابه به إذا كان عليه حدث أصغر، ولا ينقض عليه في دعوى الإجماع إلا أبو ثور، هذا إن كان لا يعد أهل الظاهر خارقين، فإن عدهم فيردون عليه.
(4)
"شرح ابن بطال" 1/ 387.
كان يلتزم الكمال، والأفضل في جميع عباداته.
ثانيها: الغُسل -بضم العين- هو ما يغتسل به، وهو بالفتح المصدر كما سلف.
ثالثها: قوله: (ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ إلى الأَرْضَ). سمي الفعل قولًا، كما سمي القول فعلًا في حديث "لا حسد إلا في اثنتين"
(1)
وفي قوله في الذي يتلو القرآن: "لو أتيت مثل ما أوتي لفعلت مثل ما يفعل".
وفيه: أن الإشارة باليد، والعمل قد يسمى قولًا تقول العرب: قل لي برأسك، أي: أمله، وقالت الناقة، وقال البعير، وقال الحائط وكله مجاز.
رابعها: مسحها بالتراب؛ لعله -والله أعلم-.
[
(2)
لأذى كان فيها، وإلا لكان يكفي بالماء وحده.
خامسها: تركه للمنديل، أراد به -والله أعلم- إبقاء بركة الماء، والتواضع بذلك؛ لأن فعله عادة المترفين، وإن كان يحتمل أن يكون لشيء رآه به، أو لاستعجاله إلى الصلاة.
قَالَ ابن المنذر: أخذ المنديل بعد الوضوء عثمان والحسن بن علي وأنس وبشير بن أبي مسعود، ورخص فيه الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود ومسروق والضحاك، وكان مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي لا يرون به بأسًا، وكرهه عبد الرحمن بن أبي ليلى والنخعي وابن المسيب ومجاهد وأبو العالية، وعن ابن عباس كراهته
(1)
سيأتي برقم (5026) كتاب: فضائل القرآن، باب: اغتباط صاحب القرآن. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
بداية سقط من (ج) وهو من حديث (259 - 292).
في الوضوء دون الغسل من الجنابة، ورخص فيهما آخرون
(1)
.
قَالَ الترمذي: إنما كرهه من كرهه من قِبَلِ أنه قيل: إن الوضوء يوزن، روي ذَلِكَ عن ابن المسيب والزهري
(2)
.
ولأصحابنا فيه أوجه:
أشهرها: المستحب تركه، و (لا يقَال)
(3)
: فعله مكروه.
ثانيها: كراهته.
ثالثها: إباحته سواء فعله وتركه، وهو المختار.
رابعها: استحبابه لما فيه من الاحتراز عن الأوساخ.
خامسها: يكره في الصيف دون الشتاء
(4)
، وسيأتي في حديث ميمونة أنه نفض يديه
(5)
، وهو دال على أن النفض مباح، فالتنشيف مثله وأولى؛ لاشتراكهما في إزالة الماء، وفعل التنشيف قد رواه جماعة من الصحابة من أوجه، لكن أسانيدها ضعيفة.
قَالَ الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم
(6)
.
فائدة:
المِنديل-بكسر الميم، قَالَ ابن فارس: لعله من النَّدْل وهو النقل
(7)
.
وقال غيره: مأخوذ من الندل وهو: الوسخ؛ لأنه يندل به.
(1)
"الأوسط" 1/ 415 - 419.
(2)
الترمذي عقب الرواية رقم (54) كتاب: الطهارة، باب: المنديل بعد الوضوء.
(3)
في الأصل: إلا قال، والمثبت "شرح مسلم" للنووي.
(4)
انظر: "شرح مسلم للنووي 3/ 231.
(5)
سيأتي برقم (274) باب: من توضأ في الجنابة، ثم غسل سائر جسده.
(6)
"سنن الترمذي" 1/ 74 عقب حديث عائشة (53).
(7)
"المجمل" 4/ 862 مادة: (ندل).
8 - باب مَسْحِ اليَدِين بِالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى
260 -
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عن سَالِمِ بْنِ أَبِي الَجعْدِ، عن كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الَحائِطَ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَوَضأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْليْهِ. [انظر: 249 - مسلم: 317 - فتح: 1/ 372]
ساق فيه حديث ميمونة: أنه عليه السلام اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الحَائِطَ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.
وقد سلف شرحه.
9 - باب هَلْ يُدْخِلُ الجُنُبُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ قَبْلَ أَن يَغْسِلَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرٌ غَيْرُ الجَنَابَةِ
؟
وَأَدْخَلَ ابن عُمَرَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ فِي الطَّهُورِ، وَلَمْ يَغْسِلْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ. وَلَمْ يَرَ ابن عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بَأْسًا بِمَا يَنْتَضِحُ مِنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ. [فتح: 1/ 372]
261 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَفْلَحُ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءِ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ. [انظر: 250 - مسلم: 319، 321 - فتح: 1/ 373]
262 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَهُ. [انظر: 248 - مسلم: 316 - فتح: 1/ 374]
263 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ مِثلَهُ. [انظر: 250 - مسلم: 319 - فتح: 1/ 374]
264 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالَمْرْأَةَ مِنْ نِسَائِه يَغتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. زَادَ مُسْلِمٌ وَوَهْبٌ، عن شُعْبَةَ: مِنَ الجَنَابَةِ. [فتح: 1/ 374]
مراده: إذا كانت يده طاهرة من النجاسات وهو جنب، فجائز له إدخال يده في الإناء قبل غسلها، فليس شيء من أعضائه نجسًا بسببها فالمؤمن لا ينجس.
قَالَ البخاري: وَأَدْخَلَ ابن عُمَرَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ فِي الطَّهُورِ، وَلَمْ يَغْسِلْهَا.
قُلْتُ: وكذا سعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وابن سيرين وعطاء وسالم، وقال الشعبي: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون أيديهم الماء قبل أن يغسلوها وهم جنب، وكذلك النساء، ولا يفسد ذَلِكَ بعضهم على بعض، ذكره كله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق
(1)
.
وأما ما رواه ابن أبي شيبة، عن ابن عمر قَالَ: من اغترف من ماء وهو جنب فما بقي منه نجس
(2)
، فمحمول على أنه كان في يده قذر غير الجنابة، وإلا فهو معارض لما رواه البخاري عن ابن عمر.
ونقل ابن التين، عن الحسن أنه قَالَ: إن كانت جنابته من وطءٍ ويده نظيفة فلا بأس بها، وإن كانت من احتلام هراقه ليلًا، فإنه لا يدري أين باتت يده فيصيبه.
وقال ابن حبيب: من أدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها ساهيًا أو عامدًا فلا شيء عليه، إلا أن يكون بات جنبًا، فلا يدري ما أصاب يده من جنابته، فإنه إن أدخلها قبل الغسل نجس الماء
(3)
.
قَالَ البخاري:
وَلَمْ يَرَ ابن عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بَأسًا بِمَا يَنْتَضِحُ مِنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ. يريد بالماء: الذي يغتسل به.
أما أثر ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة عن حفص، عن العلاء بن المسيب، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن عباس في الرجل يغتسل
(1)
ابن أبي شيبة 1/ 81 (893 - 896)، وعبد الرزاق 1/ 91 - 92 (310).
(2)
"المصنف" 1/ 81 (892).
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 16.
من الجنابة فينتضح في إنائه من غسله، فقال: لا بأس به
(1)
، وهو منقطع فيما بين إبراهيم، وابن عباس، ورُوي مثله عن أبي هريرة وابن سيرين والنخعي والحسن
(2)
، فيما حكاه ابن بطال
(3)
وابن التين عنهم.
وقال الحسن: ومن يملك انتشار الماء، فإنا لنرجو من رحمة الله ما هو أوسع من هذا
(4)
.
ثم ذكر البخاري أربعة أحاديث:
أحدها:
حديث أفْلَحَ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ.
وأخرجه مسلم أيضًا عن شيخ البخاري، وهو عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن أفلح
(5)
. ورواه عن أفلح أيضًا جماعة منهم: عبد الله بن وهب، وفيه: تختلف أيدينا فيه وتلتقي
(6)
. وفي رواية: يعني: حتى تلتقي وفي بعض طرقه أنه سمع القاسم قَالَ: سمعت عائشة
(7)
.
وأفلح (خ. م. د. س. ق) هذا: هو ابن حميد الأنصاري الصدوق، ليس في البخاري غيره، وأخرج له النسائي وأبو داود وابن ماجه
(8)
، وفي
(1)
"المصنف" 1/ 72 (784).
(2)
روى هذا كله ابن أبي شيبة 1/ 73 (785 - 787).
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 378.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 72 (791) والمقطع الأخير (فإنا لنرجو). وما بعده -من كلام ابن سيرين وليس الحسن.
(5)
مسلم (321/ 45) في الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.
(6)
رواه أبو عوانة (1/ 239)(812)، وابن حبان 3/ 395 (1111).
(7)
المصدر السابق.
(8)
وثقه ابن معين، وأبو حاتم، وقال أحمد بن حنبل وابن عدي: صالح وقال النسائي: =
مسلم أفلح بن سعيد
(1)
، ..
وأفلح عن مولاه أبي أيوب
(2)
، وفي النسائي أفلح الهمداني، عن ابن زرير والأصح: أبو أفلح
(3)
، وأفلح (م. س) بن سعيد السابق، وليس في هذِه الكتب سواهم.
الحديث الثاني:
حديثها أيضًا من طريق هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْها: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَهُ.
= لا بأس به، وفي رواية عن أحمد أنه أنكر عليه حديثين، ولم يخرج له البخاري له شيئًا منهما. وقال الواقدي: مات سنة ثمان وخمسين ومائة. وقال غيره: سنة ست وخمسين. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري 2/ 53 (1655)، "تهذيب الكمال" 3/ 321 (547)، "هدي الساري" ص 391.
(1)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" القسم المتمم ص 428، "التاريخ الكبير"(2/ 52 (1654)، و"تهذيب الكمال" 3/ 323 (548)، و"ميزان الاعتدال"(1/ 274)(1023).
(2)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير"(2/ 52 (1653)، و"تهذيب الكمال"(3/ 325)(549)، و"الثقات" لابن حبان (4/ 58).
(3)
قالوا: صوابه أبو أفلح وذكره المزي في "تهذيب الكمال"(3/ 326)(550) تحت اسم (أفلح) وقال: والمحفوظ: أبو أفلح. ثم ترجم له تحت اسم -أبو أفلح 33/ 47 (7212). وترجم له الذهبي في موضعين، موضع: أفلح، والثاني: أبو أفلح "الميزان" 1/ 275 (1024)، 6/ 167 (9972) وقال في الموضع الأول: لا يدري من هو. وفي الثاني: قال ابن القطان: مجهول. وذكره العجلي في "معرفة الثقات"(2/ 384) وعنده: أبو أفلح، وقال: بصري ثقة.
وحديثه عند النسائي (8/ 160) في تحريم الذهب على الرجال من حديث علي رضي الله عنه، ورواه النسائي في عدة طرق وقع فيها: أبو أفلح إلا طريق ابن المبارك وقع: أفلح، وقال النسائي بعده: وحديث ابن المبارك أولى بالصواب إلا قوله: أفلح، فإن أبا أفلح أشبه. ورواه أبو داود (4057)، وابن ماجه (3595) وغيرهم، ووقع عندهم: أبو أفلح، مما يؤكد أن أبا أفلح هو الصواب والله أعلم.
هذا الحديث أخرجه هكذا مختصرًا، وأخرجه أبو داود مطولًا
(1)
، وعزاه أبو مسعود الدمشقي إلى البخاري بإسناده المذكور فيه بلفظ: كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد. والذي فيه ما قدمناه، وقد نبه عليه الحميدي أيضًا
(2)
.
الحديث الثالث:
حَدَّثنَا أَبُو الوَليدِ، ثنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ.
ذكر أصحاب الأطراف أن حديث عبد الرحمن هذا رواه البخاري، عن أبي الوليد، عن شعبة، عن عبد الرحمن
(3)
، ورواه النسائي عن محمد بن عبد الأعلى، عن خالد بن الحارث، عن شعبة، عن عبد الرحمن
(4)
.
ورواه أبو نعيم من طريق أبي خليفة، ثنا أبو الوليد، ثنا شعبة، عن عبد الرحمن به، بمثل حديث أبي بكر بن حفص، ثم قَالَ: رواه البخاري، عن أبي الوليد حديث عبد الرحمن، وأبي بكر جميعًا، وصرح بذلك أبو مسعود أيضًا.
(1)
"سنن أبي داود"(242).
(2)
"الجمع بين الصحيحين" 4/ 41 - 42.
(3)
قلت: يقصدون هذا الموضع. فإن البخاري يقصد: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا شعبة عن أبي بكر
…
وعن عبد الرحمن
…
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 374: قوله (وعن عبد الرحمن بن القاسم). هو معطوف على قوله (شعبة عن أبي بكر بن حفص) فلشعبة فيه إسنادان عن عائشة
…
وقد وهم من زعم أن رواية عبد الرحمن معلقة.
(4)
النسائي 1/ 128 - 129.
الحديث الرابع:
حَدَّثنَا أَبُو الوَلِيدِ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ جَبْرٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلَانِ مِنْ إِنَاءً وَاحِدٍ. قال: وزَادَ مُسْلِمٌ وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ: مِنَ الجَنَابَةِ.
هذا الحديث من أفراده، ولم يخرج مسلم عن أنس في هذا شيئًا، ومسلم: هو ابن إبراهيم الأزدي، الحافظ الثقة المأمون. مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين
(1)
، وأسقطه أبو مسعود وخلف في أطرافهما، واقتصرا على وهب وحده.
ثم هذِه الزيادة التي زادها وهب
(2)
وهي: من الجنابة، لم يذكرها الإسماعيلي من طريقه، فإنه قَالَ: أخبرني ابن ناجية، حَدَّثَني زيد بن أخزم، ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة، وقال: لم يذكر من الجنابة، وذلك بعد أن أخرجه بغير هذِه الزيادة أيضًا من طريق ابن مهدي وبهز.
إذا تقرر ذَلِكَ فأين موضع الترجمة التي ذكرها البخاري، وأكثرها لا ذكر فيه لغسل اليد، وإنما جاء ذكر اليد في حديث هشام، عن أبيه، عن عائشة؟ والجواب من وجوه:
أحدها: وهو ما اقتصر عليه ابن بطال أن حديث هشام مفسر لمعنى الباب، وذلك أنه حمل غسل اليد قبل إدخالها الإناء، الذي رواه هشام إذا خشي أن يكون قد [علق]
(3)
بها شيء من أذى الجنابة أو غيرها، وما لا ذكر فيه لغسلها من الأحاديث حملها على حال يقين طهارة
(1)
انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" للبخاري 8/ 180 - 181 (788)، "تهذيب الكمال" 27/ 487.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: مسلم أيضًا زادها.
(3)
في الأصل: علم، والمثبت من "شرح ابن بطال" 1/ 377.
اليد، فاستعمل من اختلاف الأحاديث فائدتين جمع بهما بين معانيها وانتفي بذلك التعارض عنها، وقد رُوي هذا المعنى عن ابن عمر كما سلف
(1)
.
ثانيها: جواب أبي العباس ابن المنير، وهو أنه لما علم أن الغسل إما لحدث حكمي، أو لحادث عيني، (وقد فرض الكلام فيمن ليس على يده حادث بقي الحدث المانع من إدخالها الإناء)
(2)
، لكن الحدث ليس بمانع؛ لأن الجنابة لو كانت تتصل بالماء حكمًا لما جاز للجنب أن يدخل يده في الإناء حتى يكمل طهارته ويزول حدث الجنابة عنه، فلما تحقق جواز إدخالها في الإناء في أثناء الغسل، علم أن الجنابة ليست مؤثرة في منع مباشرة الماء باليد، فلا مانع إذًا من إدخالها أولًا كإدخالها وسطًا، وحقق ذلك أن الذي ينتضح من بدن الجنب طاهر لا تضر مخالطته لماء الغسل.
قَالَ: والشارح -يعني: ابن بطال- أبعد عن مقصوده
(3)
.
الثالث: أن الحديث الثاني ظاهر فيه، وأما الحديث الأول فقولها:(تختلف أيدينا فيه). إذ لو غسلا أيديهما قبل إدخالها في الإناء لقالت: (تختلف أيدينا منه)، أو بينت أن في البعض:(تختلف أيدينا فيه).
وفي البعض: (تختلف أيدينا منه). وباقي الباب مستطرد لبقية أسانيد الحديث.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 377 - 378.
(2)
تصرف المصنف في النقل من "المتواري" فأغمض المعنى، وننقل عبارة ابن المنير فهي أوضح قال:"وقد فرض الكلام فيمن ليس على يده حادث نجاسة ولا قذر، بقي أن يكون بيده حدث حكمي يمنع إدخالها الإناء". وباقي النقل تام.
(3)
"المتواري" ص 76.
الرابع: أنه يحتمل أنه لما ذكر جل الأحاديث بدون غسل اليد علم أن تركه كاف في الغسل، إذ لو لم يكن كافيًا لذكره في كلها.
وتحتمل خامسًا: وهو أن البخاري لما ذكر في بعض طرق حديث عائشة غسل اليد، ولم يذكرها في الباقي جريًا على عادته في الأصل، ذكر الحديث وترك اللفظ المستنبط منه المعنى المحتاج إليه منه، ويكون مراده تبحر المستنبط من طرق الحديث، واستخراج المقصود منه، وقد روى مسلم من حديث أبي سلمة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلهما .. وفي آخره: (وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد)
(1)
.
(1)
مسلم (321/ 43) كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة.
10 - باب مَنْ أَفرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الغُسْلِ
266 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عن سَالِمِ بْنِ أَبِى الَجعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ- عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الَحارِثِ قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غُسْلًا وَسَتَزتُهُ، فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ، فَغَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ -قَالَ سُلَيمَانُ: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لَا -ثُمَ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأْرْضِ -أَوْ بِالَحْائِطِ- ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَغَسَلَ رَأْسَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَمْ يُرِدْهَا. [انظر: 249 - مسلم: 317 - فتح: 1/ 375]
ثم ساق حديث ميمونة: قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غُسْلًا وَسَتَرْتُهُ، فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ، فَغَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ -قَالَ سُلَيْمَانُ يعني الأعمش أحد رواته: لَا أَدْرِي أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لَا -ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ -أَوْ بِالْحَائِطِ- ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَغَسَلَ رَأْسَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَمْ يُرِدْهَا.
وهو ظاهر فيما ترجم له، والحديث محمول على أنه كان في يده أو في فرجه جنابة أو أذى، فلذلك دَلَك يده بالأرض وغسلها قبل إدخالها في وَضُوئه، على ما سلف في الباب قبله.
وفيه إباحة النفض وعدم التنشيف على ما سلف. وفيه غير ذَلِكَ مما سلف.
وقولها: (غُسلًا) هو: [بالضم: ماءٌ]
(1)
يغتسل به كما صرح به في الرواية الآتية في الباب بعده.
(1)
مطموسة في الأصل، ولعل الصواب ما أثبتناه.
11 - باب تَفْرِيقِ الغُسْلِ وَالْوُضُوءِ
وَيُذْكَرُ عَنِ ابن عُمَرَ أَنَهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَضُوءُهُ.
265 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أبِي الَجعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ- عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَاءً يَغْتَسِل بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ -أَوْ ثَلَاثًا- ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأرضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. [انظر: 249 - مسلم: 317 - فتح: 1/ 375]
هذا الباب يقع في بعض النسخ قبل الباب الذي قبله، وفي بعضها بعده، والشراح أيضًا اختلفوا كذلك على حسب النسخ.
قَالَ البخاري: وَيُذْكَرُ عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَضُوءُه.
وهذا رواه بنحوه الشافعي، عن مالك، عن نافع، عنه أنه توضأ بالسوق، فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ثم دعي لجنازة، فدخل المسجد ليصلي عليها، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها
(1)
.
قَالَ الشافعي: وأحب أن يتابع الوضوء ولا يفرقه، وإن قطعه فأحب أن يستأنف وضوءه. ولا يتبين لي أن يكون عليه استئناف وضوء
(2)
.
قَالَ البيهقي: وقد روينا في حديث ابن عمر جواز التفريق
(3)
، وهو
(1)
"الأم" 1/ 32 ورواه مالك في "الموطأ" ص 48.
(2)
"الأم" 1/ 26.
(3)
"السنن الكبرى" 1/ 312.
مذهب أبي حنيفة والشافعي في الجديد، وهو قول ابن عمر وابن المسيب وعطاء وطاوس والنخعي والحسن وسفيان بن سعيد ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم.
وعن الشافعي: لا يجزئه ناسيًا كان أو عامدًا، وهو قول عمر بن الخطاب، وبه قَالَ قتادة وربيعة والأوزاعي والليث وابن وهب، وذلك إذا فرقه حتى جف، وهو ظاهر مذهب مالك، وإن فرقه يسيرًا جاز. وإن كان ناسيًا، فقال ابن القاسم: يجزئه.
وقال ابن حبيب عن مالك: يجزئه في الممسوح دون المغسول. وعن ابن أبي زيد: يجزئه في الرأس خاصة. وقال ابن مسلمة في "المبسوط": يجزئه في الممسوح رأسًا كان أو خفًّا
(1)
.
ثم ذكر البخاري حديث ميمونة:
عن مُحَمَّدِ بْنِ مَحْبُوبٍ، ثنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، ثنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ مَيْمُونَة: وَضَعْتُ للنبي صلى الله عليه وسلم مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ -أَوْ ثَلَاثًا- .. الحديث.
وقد سلف أيضًا
(2)
.
ومحمد (خ. د. س) هذا: بصري ثقة من أفراد البخاري
(3)
. مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين
(4)
.
(1)
انظر "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 153.
(2)
سلف برقم (249) كتاب: الغسل، باب: الوضوء قبل الغسل.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: يعني عن مسلم وإلا فقد اشترك في الأخذ عنه أبو داود مع البخاري، وأخرج له النسائي، فاعلمه.
(4)
انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" للبخاري 1/ 245 (775)، "الجرح والتعديل" 8/ 102 (440)، "تهذيب الكمال" 26/ 370 (5582).
وعبد الواحد: هو ابن زياد العبدي، مولاهم البصري. مات سنة ست وسبعين ومائة، قَالَ النسائي: ليس به بأس
(1)
.
وجه الدلالة لما ذكره البخاري أنه صلى الله عليه وسلم تنحى عن مقامه فغسل قدميه. فدل على عدم وجوبه، وكذا فعل ابن عمر، واحتج غيره بأن الله تبارك وتعالى أمر المتوضى بغسل الأعضاء، فمن أتى ما أمر به متفرقًا، فقد أدى ما أمر به، وجفوف الوضوء ليس بحدث، فكذا جفوف أعضائه.
وأجاب من أوجبه: بأن التنحي في حديث ميمونة كان قريبًا، وهذا وإن قرب في حديث ميمونة، فيبعد في فعل ابن عمر. ومحل بسط المسألة كتب الخلاف.
(1)
أبو بشر، وقيل: أبو عبيدة البصري، وثقه ابن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم. انظر ترجمته في "الطبقات" 7/ 289. و"التاريخ الكبير" 6/ 59 (1706). و"الجرح والتعديل" 6/ 20 - 21 (108). و"تهذيب الكمال" 18/ 450 - 454 (3585).
12 - باب من جَامَعَ ثُمَّ عَادَ، وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ
267 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أَبِي عَدِىٍّ، وَيَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الُمنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا. [270 - مسلم: 1192 - فتح: 1/ 376]
268 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدى عَشْرَةَ. قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَوَ كَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ. وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ تِسْعُ نِسْوَةٍ. [284، 5068، 5215 - مسلم: 309 - فتح: 1/ 377]
حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشارٍ، ثنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدى عَشْرَةَ. قُلْتُ لأَنَسٍ: أَوَ كَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ. وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: إِن أَنَسًا حَدَّثَهُمْ تِسْعُ نِسْوَةٍ.
سعيد هذا: هو ابن أبي عَرُوبة
(1)
، وقد ذكر البخاري حديثه في باب
(1)
واسم أبي عروبة: مهران العدوي، أبو النضر البصري، مولى بني عدي بن يشكر، أحد الأئمة الحفاظ، وكان أحد أحفظ أهل زمانه، كما قال أبو عوانة، أثبت الناس في قتادة كما قال ابن معين والطيالسي وثقه يحيى بن معين والنسائي وأبو زرعة وزاد: مأمون. ومات سنة ست وخمسين ومائة، وقيل: سنة سبع وخمسين. وروى له الجماعة. "الطبقات" 7/ 273. "التاريخ الكبير" للبخاري 3/ 504 (1679). و"تهذيب الكمال" 11/ 5 (2327)
الجنب يخرج ويمشي في السوق
(1)
، وكذا في النكاح
(2)
، وزعم الجياني أن في نسخة الأصيلي (شعبة) بدل (سعيد) قَالَ الأصيلي: وفي عرضنا على أبي زيد بمكة: سعيد، وكذا رواه ابن السكن وغيره، قَالَ أبو علي: وهو الصواب
(3)
.
ثم قَالَ البخاري: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنَا ابن أَبِي عَدِيٍّ، وَيَحْيَى ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا.
أما حديث أنس فالكلام عليه من وجوه:
أحدها:
نسخ البخاري مختلفة في تقديم حديث أنس على حديث عائشة وعكسه، وتقديم حديث عائشة هو ما مشى عليه الشراح: الداودي، وابن بطال، وبعض شيوخنا في شرحه.
وحديث أنس أخرجه مسلم من حديث هشام بن زيد، عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد
(4)
.
وهو مطابق لتبويب البخاري دون ما ذكره، وأخرجه أبو داود والنسائي من حديث حميد عنه
(5)
، وابن خزيمة في "صحيحه" من
(1)
سيأتي برقم (284).
(2)
سيأتي برقم (5068) باب: كثرة النساء.
(3)
"تقييد المهمل" 2/ 579.
(4)
مسلم (309) كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له، وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع.
(5)
أبو داود (218)، والنسائي 1/ 143، وأحمد 3/ 189. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (212): إسناده صحيح على شرط البخاري.
حديث ثابت عنه، وقال: غريب والمشهور عن قتادة عنه
(1)
.
ولما خرجه الترمذي من حديث قتادة عنه، قال: وفي الباب عن أبي رافع
(2)
. كذا قال، وحديث أبي رافع معارض لهذا، أخرجه أبو داود بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذِه وعند هذِه، فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلًا واحدًا؟ قَالَ:"هذا أزكى وأطيب وأطهر"
(3)
.
وأخرجه النسائي وابن ماجه
(4)
، قَالَ أبو داود: حديث أنس أصح من هذا، وضعفه ابن القطان
(5)
، وأما ابن حزم فصححه
(6)
.
(1)
ابن خزيمة 1/ 115 (229).
(2)
الترمذي (140).
(3)
أبو داود (219)، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(216).
(4)
رواه النسائي في "الكبرى" 5/ 329 (9035)، وابن ماجه (590).
(5)
قال في كتاب: "الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" 4/ 126 (1570) معقبًا على هذا الحديث قائلًا: وسكت عنه، وهو لا يصح، فإنه عند النسائي من رواية حبان عن حماد بن سلمة، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن فلان بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع
ويختلف في عبد الرحمن هذا، فمنهم من يقول ما ذكرناه، ومنهم من يقول:
عبد الرحمن بن أبي رافع، كذلك ذكره أبو داود من رواية موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، وموسى أصحب الناس لحماد وأعرفهم بحديثه وأقعدهم به، وهكذا ذكره البخاري في "تاريخه" قال: عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته، عن أبي رافع: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه في ليلة. قاله شهاب عن حماد بن سلمة.
(6)
"المحلى" 10/ 68 - 69 وساقه بسنده، ثم قال: ولو لم يأت هذا الخبر لكان الغسل بين كل اثنتين منهن حسنًا؛ لأنه لم يأت عن ذلك نهي.
ثانيها:
قوله: (يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ). وفي رواية سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة: في الليلة الواحدة، كما سيأتي في بابه
(1)
.
ثالثها:
دورانه صلى الله عليه وسلم عليهن في ذَلِكَ يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون ذَلِكَ عند إقبالهِ من سفره: حيث لا قَسم ملزم؛ لأنه كان إذا سافر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها سافر بها، فإذا انصرف استأنف القسم بعد ذَلِكَ، ولم تكن واحدة منهن أولى من صاحبتها بالبداءة، فلما استوت حقوقهن جمعهن كلهن في وقت، ثم استانف القسم بعد ذَلِكَ.
ثانيها: أن ذَلِكَ كان بإذنهن ورضاهن، أو بإذن صاحبة النوبة ورضاها. كنحو استئنذانه لهن أن يُمرَّض في بيت عائشة، قاله أبو عبيد.
ثالثها: للمهلب أن ذَلِكَ كان في يوم فراغه من القسم منهن، فيفرغ في هذا اليوم لهن أجمع، ثم يستأنف بعد ذَلِكَ
(2)
، وهذِه التأويل إنما يحتاج إليها من يقول بوجوب القسم عليه صلى الله عليه وسلم في الدوام كما يجب علينا، وهم الأكثرون. وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل، وهو رأي الإصطخري من أصحابنا.
وذكر ابن العربي المالكي أن الله خص نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام بأشياء في النكاح منها: أنه أعطاه ساعة لا تكون لأزواجه
(1)
سيأتي برقم (5068) كتاب: النكاح، باب: كثرة النساء.
(2)
انظر "شرح ابن بطال" 1/ 382.
فيها حق، يدخل فيها على جميع أزواجه فيفعل ما يريد بهن، ثم يدخل عند التي يكون الدور لها.
وفي كتاب مسلم عن ابن عباس أن تلك الساعة كانت بعد العصر، فلو اشتغل عنها لكانت بعد المغرب أو غيره؛ فلذلك قَالَ في الحديث: في الساعة الواحدة من ليل أو نهار
(1)
.
رابعها:
فيه أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة، وهو إجماع، نعم، هل وجب بالتقاء الختانين وإنزال المني أو بالقيام إلى الصلاة أو بالمجموع؟ فيه أوجه لأصحابنا، محل إيضاحها كتب الفروع.
خامسها:
فيه طهارة بدن الجنب وعرقه.
سادسها:
قوله: (وَهُنَّ إِحْدى عَشْرَةَ). قَالَ ابن خزيمة: لم يقل أحد من أصحاب قتادة إحدى عشرة، إلا معاذ بن هشام، عن أبيه
(2)
.
وقد ذكر البخاري الرواية الأخرى عن أنس تسع نسوة. وجُمع بينهما بأن أزواجه كن تسعًا في هذا الوقت، كما في رواية سعيد، وسريتاه مارية وريحانة، على رواية من روى أن ريحانة كانت أمة، وروى بعضهم أنها كانت زوجة، وروى أبو عبيد أنه كان مع ريحانة فاطمة بنت شريح.
(1)
"عارضة الأحوذي" 1/ 231.
(2)
ابن خزيمة 1/ 115 - 116 (231) ولم أقف على كلامه المشار إليه.
قَالَ ابن حبان: حكى أنس هذا الفعل منه في أول قدومه المدينة، حيث كان تحته تسع نسوة؛ لأن هذا الفعل كان منه مرارًا لا مرة واحدة
(1)
.
ولا نعلم أنه تزوج نساءه كلهن في وقت واحد، ولا يستقيم هذا إلا في آخر أمره، حيث اجتمع عنده تسع نسوة وجاريتان، ولا نعلم أنه اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة بالتزويج، فإنه تزوج بإحدى عشرة، أولهن خديجة، ولم يتزوج عليها حتى ماتت. ووقع في "شرح ابن بطال" أنه صلى الله عليه وسلم لا يحل له من الحرائر غير تسع
(2)
.
والأصح عندنا أنه يحل له ما شاء من غير حصر.
سابعها:
قول أنس: (كُنَّا نتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ). كذا جاء هنا، وفي "صحيح الإسماعيلي" من حديث أبي يعلى، عن أبي موسى، عن معاذ: قوة أربعين. وفي "الحلية" لأبي نعيم، عن مجاهد: أعطي قوة أربعين رجلًا كل رجل من رجال أهل الجنة
(3)
.
وذكر ابن العربي أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم القوة الظاهرة على الخلق في الوطء، كما في هذا الحديث، وكان له في الأكل القناعة؛ ليجمع الله
(1)
ذكره ابن حبان في "صحيحه" 4/ 10 - 11.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 382.
(3)
لم أقف عليه في "الحلية" عن مجاهد، غير أن الحافظ عزاه في "الفتح" 1/ 378 لأبي نعيم في "صفة الجنة". وهو في "الطبقات" 1/ 374، والذي في "الحلية" 8/ 376 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل بقدر يقال له الكفيت، فأكلت منها أكلة فأعطيت قوة أربعين رجلًا في الجماع". وقال أبو نعيم: غريب، وقال الألباني عنه في "الضعيفة": باطل.
له الفضلين في الأمور الاعتيادية، كما جمع له الفضيلتين في الأمور الشرعية حتى يكون حاله كاملًا في الدارين
(1)
.
ثامنها:
فيه جواز الجمع بين الزوجات والسراري -كما قررناه- بغسل واحد، لكن الغسل بعد كل وطء أكمل، وهو حجة لمالك في قوله
(2)
: إن من ظاهر من أمته لزمه الظهار؛ لأنها من نسائه، واحتج بظاهر قوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226]، وخالف أبو حنيفة والشافعي في ذَلِكَ
(3)
.
تاسعها:
ثبت في "صحيح مسلم" من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ"
(4)
وفي رواية لابن خزيمة "وضوءه للصلاة" وفي أخرى له: "فهو أنشط للعود"
(5)
. ولما خرج الحاكم لفظة "وضوءه للصلاة" وصححها قال: هذِه لفظة تفرد بها شعبة، عن عاصم، والتفرد من مثله مقبول عندهما
(6)
.
وفي رواية لابن حزم: "فلا يعود حتى يتوضأ" وصححها، ثم قَالَ: لم نجد لهذا الخبر ما يخصصه ولا ما يخرجه إلى الندب إلا خبرًا ضعيفًا، رواه يحيى بن أيوب، عن موسى بن عقبة، عن أبي إسحاق،
(1)
"عارضة الأحوذي" 1/ 231.
(2)
"المدونة"2/ 325.
(3)
انظر "المبسوط" 7/ 31، و"الأم" 5/ 262.
(4)
مسلم (308) كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع.
(5)
ابن خزيمة 1/ 109 - 110 (220، 221).
(6)
"المستدرك" 1/ 152.
عن الأسود، عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ، وينام ولا يغتسل. وقال بإيجاب الوضوء بقول عطاء وإبراهيم وعكرمة وابن سيرين والحسن
(1)
.
قُلْتُ: وفي "المصنف" عن ابن عمر: إذا أردت أن تعود توضأ.
وروي بإسناده عن الحسن أنه كان لا يرى بأسًا أن يجامع ثم يعود قبل أن يتوضأ، قَالَ: وكان ابن سيرين يقول: لا أعلم بذلك بأسًا، إنما قيل ذَلِكَ؛ لأنه أحرى قبل أن يعود
(2)
، وهذ خلاف ما نقله ابن حزم عنهما
(3)
.
وقال أبو عمر: ما أعلم أحدًا من أهل العلم أوجبه، إلا طائفة من أهل الظاهر. وأما سائر الفقهاء بالأمصار فلا يوجبونه، وأكثرهم يأمرون به ويستحبونه خلاف الحائض
(4)
.
قُلْتُ: ونقل النووي عن ابن حبيب المالكي وجوبه
(5)
. وقال أبو عوانة في "صحيحه": يعارض هذا الخبر حديث ابن عباس مرفوعًا: "إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة"
(6)
إن كان صحيحًا عند أهل الحديث. وقال الطحاوي: حديث الأسود السالف هو المعمول به.
وقال الضياء المقدسي والثقفي في "نصرة الصحاح": هذا كله مشروع جائز، من شاء أخذ بهذا ومن شاء أخذ بالآخر.
(1)
"المحلى" 1/ 88.
(2)
ابن أبي شيبة 1/ 79 (872، 873).
(3)
"المحلى" 1/ 88.
(4)
"التمهيد" 17/ 34.
(5)
"شرح مسلم" 1/ 217.
(6)
قاله في "مسنده" 1/ 236 عقب رواية أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد، وأما حديث ابن عباس فقد رواه أبو داود (3760)، والترمذي =
قُلْتُ: ولا يمكن حمل حديث أبي سعيد على غَسْلِ الفرج، وإن كان روي "إذا أتى أحدكم أهله فأراد أن يعود فليغسل فرجه" قَالَ الترمذي، عن البخاري: الصحيح موقوف على عمر
(1)
، ولا شك في تأكد غسل الفرج، لاسيما إذا أراد جماع من لم يجامعها.
وأما حديث عائشة
(2)
: فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه قريبًا أيضًا كما ستعلمه
(3)
، وأخرجه مسلم في المناسك
(4)
.
= (1847)، والنسائي 1/ 85 - 86، وأحمد 1/ 282، وابن خزيمة 1/ 23 (35)، وأبو عوانة 1/ 236 (799)، والطبراني 11/ 122 (11241)، والبيهقي 1/ 348 (1636)، والبغوي في "شرح السنة" 11/ 283 (2830).
وصححه الألباني في "صحيح الجامع": (2337)، وقال:(هذا حديث حسن صحيح).
(1)
رواه الترمذي (141) من طريق عاصم الأحول عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ وضوءًا".
قال: وفي الباب عن عمر، ثم قال: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح، وهو قول عمر بن الخطاب.
أما حديث عمر فقد رواه مرفوعًا في "العلل" 1/ 196 - 197 (44).
من طريق أبي المستهل عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم أهله وأراد أن يعود فليغسل فرجه".
ثم قال سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو خطأ، لا أدري من أبو المستهل، وإنما روى عاصم عن أبي عثمان عن سليمان بن ربيعة عن عمر قوله وهو الصحيح، وروى عاصم عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: من خط الشيخ أخرجه النسائي أيضًا.
(3)
سيأتي برقم (270) باب: من تطيب، ثم اغتسل وبقي أثر الطيب.
(4)
مسلم (1192) كتاب: الحج، باب: الطيب للمحرم عند الإحرام.
وإبراهيم بن محمد بن المنتشر، راويه: همداني ثقة قلت: ثقة نبيل. ووالده (ع): تابعي ثقة
(1)
.
وابن أبي عدي (ع): هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي البصري ثقة. مات سنة أربع وتسعين ومائة
(2)
.
ثانيها:
في بعض طرق الحديث عن محمد بن المنتشر قَالَ: سألت ابن عمر
عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرمًا. فقال: ما أحب أن أصبح محرمًا أنضخ طيبًا؛ لأن أطَّلِيَ بقطران أحبُّ إليَّ من أن أفعل ذَلِكَ. فدخلت على عائشة فأخبرتها بما قَالَ ابن عمر، فقالت عائشة الحديث
(3)
.
وهو مبين لرواية البخاري هنا، وقد ذكر بعد ذَلِكَ قريبًا منها
(4)
.
ثالثها:
قولها: (ينضخ طيبًا) هو بالخاء المعجمة، أي: يفور. ومنه قوله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَاخَتَانِ} [الرحمن: 66] وهذا هو المشهور، وضبطه بعضهم بالحاء بالمهملة، قَالَ الإسماعيلي: وكذا ضبطه عامة
(1)
روى عن أنس، وابيه، وعنه أبو حنيفة النعمان وأبو عوانة. وثقه النسائي، وقال أحمد وأبو حاتم: ثقة صدوق. وزاد أبو حاتم: صالح. روى له الجماعة كلهم.
"التاريخ الكبير" 1/ 320 (1002)، و"الجرح والتعديل" 2/ 124 (383)، و"الثقات" لابن حبان 6/ 14، و"تهذيب الكمال" 2/ 183 (235).
(2)
أبو عمرو البصري، السلمي مولاهم، ويقال له: القسملي؛ لأنه نزل في القساملة، وثقه أبو حاتم والنسائي وابن سعد. روى له الجماعة انظر ترجمته في:"الطبقات الكبرى" 7/ 292، و"الجرح والتعديل" 7/ 186 (1058)، و"تهذيب الكمال" 24/ 321 (5029)
(3)
روى هذا الطريق مسلم (1192) في الحج، باب: الطيب للمحرم عند الإحرام.
(4)
سيأتي برقم (270) باب: من تطيب، ثم اغتسل وبقي أثر الطيب.
من حدثنا، وهما متقاربان في المعنى.
قَالَ ابن الأثير: وقد اختلف في أيهما أكثر، والأكثر بالمعجمة أقل من المهملة، وقيل: المعجمة: الأثر يبقى في الثوب والجسد، وبالمهملة الفعل نفسه، وقيل: بالمعجمة: ما فعل متعمدًا وبالمهملة: من غير تعمد
(1)
.
وذكر صاحب "المطالع" عن ابن كيسان أنه بالمهملة لما رَقَّ كالماء، وبالمعجمة: لما ثخن كالطيب، وقال النووي: هو بالمعجمة أقل من المهملة، وقيل عكسه
(2)
.
وقال ابن بطال: من رواه بالخاء، فالنضخ عند العرب كاللطخ، يقال: نضخ ثوبه بالطيب، هذا قول الخليل. وفي كتاب "الأفعال": نضخت العين بالماء نضخًا إذا فارت، واحتج بقوله تعالى:{عَيْنَانِ نَضَاخَتَانِ} [الرحمن: 66]، ومن رواه بالحاء فقال صاحب "العين": نضحت العين بالماء إذا رأيتها تفور
(3)
. وكذلك العين الناظرة إذا رأيتها تغرورق
(4)
.
رابعها:
قولها (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، فيه دلالة على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام، وأنه لا بأس باستدامته بعد الإحرام، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام، وهذا مذهب الشافعي
(5)
.
(1)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 70.
(2)
"مسلم بشرح النووي" 8/ 103.
(3)
"العين" 3/ 106 مادة: نضح.
(4)
"شرح ابن بطال" 1/ 383.
(5)
"الأم" 2/ 129.
وبه قَالَ جماعة من الصحابة والتابعين وجماهير المحدثين والفقهاء منهم: سعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن الزبير ومعاوية وعائشة وأم حبيبة
(1)
وأبو حنيفة والثوري وأبو يوسف وأحمد بن حنبل وداود وغيرهم
(2)
.
وقال آخرون بمنعه، منهم: الزهري ومالك ومحمد بن الحسن، وحكي عن جماعة من الصحابة والتابعين، وادعى بعضهم أن هذا التطيب كان للنساء لا للإحرام، وادعى أن في هذِه الرواية تقديمًا وتأخيرًا، التقدير: فيطوف على نسائه ينضخ طيبًا ثم يصبح محرمًا، وجاء ذَلِكَ في بعض الروايات.
والطيب يزول بالغسل لاسيما أنه ورد أنه كان يغتسل عند كل واحدة منهن، وكان هذا الطيب ذريرةً، كما أخرجه البخاري في اللباس
(3)
، ومسلم أيضًا
(4)
، وهو مما يذهبه الغسل.
ويرد هذا رواية البخاري الآتية قريبًا: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح محرمًا
(5)
. وروايته الآتية: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرقه وهو محرم
(6)
، وفي بعض الروايات: بعد ثلاث.
(1)
روى ذلك عنهم ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/ 198 - 200 والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 130 - 132.
(2)
انظر "المبسوط" 4/ 123.
(3)
سيأتي برقم (5930) كتاب: اللباس، باب: الذريرة.
(4)
مسلم (1189) كتاب: الحج، باب: الطيب للمحرم عند الإحرام.
(5)
ستأتي رقم (270) باب: من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب.
(6)
ستأتي رقم (271) باب: من تطيب ثم اغتسل وبقي أثر الطيب.
وقال القرطبي: هذا الطيب كان دهنًا له أثر فيه مسك، فزال وبقيت رائحته
(1)
.
ورواية الوبيص ترد ما ذكره، وادعى بعضهم خصوصية ذَلِكَ بالشارع، فإنه، أمر صاحب الجُبَّة بغسله.
وقَالَ المهلب: السنة اتخاذ الطيب للنساء والرجال عند الجماع، فكان صلى الله عليه وسلم أملك لإربه من سائر أمته؛ ولذلك - كان لا يتجنب الطيب في الإحرام، ونهانا عنه؛ لضعفنا عن ملك الشهوات، إذ الطيب من أسباب الجماع ودواعيه، والجماع يفسد الحج، فمنع فيه الطيب لسد الذريعة
(2)
.
خامسها:
قولها: (فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ)، هو كناية عن الجماع، وإن كان يحتمل أن يكون لتفقد حالهن، لاسيما وكان في أهبة الخروج للسفر، وظاهره أنه كان في ليلة واحدة، ويحمل على رضاهن، أو على أنه لم يكن القسم واجب عليه. كما سلف.
سادسها:
قد يجتج به من لا يوجب الدلك في الغسل؟؛ لأنه لو تدلك لم ينضخ منه الطيب، ويجوز أن يكون دلكه لكنه بقي وبيصه، والطيب إذا كان كثيرًا ربما غسله فذهب وبقي وبيصه.
(1)
"المفهم" 3/ 274.
(2)
انظر "شرح ابن بطال" 1/ 385.
13 - باب غَسْلِ المَذْيِ وَالْوُضُوءِ مِنْهُ
269 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ رَجُلًا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمِكَانِ ابنتِهِ، فَسَأَلَ، فَقَالَ:"تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ". [انظر: 132 - مسلم 303 - فتح: 1/ 379]
ذكر فيه حديث علي، وقد سلف في كتاب العلم بفوائده
(1)
، فراجعه منه. وأبو حَصين (ع) المذكور في إسناده بفتح الحاء، واسمه عثمان بن عاصم الأسدي، ثقة ثبت، صاحب سنة
(2)
.
وأبو عبد الرحمن (ع) راويه عن علي: هو عبد الله بن حبيب السلمي مقرئ الكوفة، مات مع ابن الزبير
(3)
.
(1)
سبق رقم (132) باب: من استحيا فأمر غيره بالسؤال.
(2)
ويقال: عثمان بن عاصم بن زيد بن كثير بن زيد بن مرة، أبو حصين الأسدي الكوفي، من أثبت أهل الكوفة، قال ابن مهدي: أربعة بالكوفة لا يختلف في حديثهم فمن اختلف عليهم فهو مخطئ، ليس هم منهم: أبو حصين الأسدي. ووثقه العجلي، وابن معين، وأبو حاتم، ويعقوب بن شيبة والنسائي وابن خراش، مات سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: ثمان وعشرين، وقيل: تسع وعشرين، وقيل: اثنين وثلاثين ومائة.
"التاريخ الكبير" 6/ 240 (2277). و"معرفة الثقات" 2/ 129 (1213). و"الجرح والتعديل" 6/ 160 (883). و"تهذيب الكمال" 19/ 401 - 405 (3828).
(3)
هو: عبد الله بن حبيب بن ربيعة -بالتصغير- أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي القارئ، ولأبيه صحبة. كان يقرأ القرآن بالكوفة من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج. قال العجلي: وأبو عبد الرحمن السلمي الضرير المقرئ كوفي تابعي ثقة. وقال أبو داود: كان أعمى، وقال النسائي: ثقة.
انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 72 (188)، و"معرفة الثقات" 2/ 26 (870)، و"الجرح والتعديل" 5/ 37 (164)، و"الثقات" 5/ 9، و"تهذيب الكمال" 14/ 408 - 410 (3222).
14 - باب مَنْ تَطَيَّبَ، ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أَثَرُ الطِّيبِ
270 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الُمنْتَشِرِ عن أَبِيهِ قَالَ: سَألتُ عَائِشَةَ، فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابن عُمَرَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ، ثمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا. [انظر: 267 - مسلم: 1192 - فتح: 1/ 381]
271 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، قال: حدَّثَنَا شُعْبَةُ، قال: حدَّثَنَا الَحكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسوَدِ، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهوَ مُحْرِمٌ. [1538، 5918، 5923 - مسلم: 1190 - فتح: 1/ 381]
حَدَّثنَا أَبُو النُّعْمَانِ، ثنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ المُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابن عُمَرَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.
هذا الحديث سلف قريبًا من حديث شعبة، عن إبراهيم واضحًا
(1)
.
ثم قَالَ البخاري: حَدَّثنَا آدَمُ، ثَنَا شُعْبَةُ، ثَنَا الحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُحْرِم.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس
(2)
، وأخرجه مسلم في الحج
(3)
.
والوبيص -بالصاد المهملة -: البريق واللمعان
(4)
، وقال الإسماعيلي:
(1)
سلف برقم (267) كتاب: الغسل، باب: إذا جامع ثم عاد.
(2)
سيأتي برقم (5918) باب: الفرق.
(3)
مسلم (1190) باب: الطيب للمحرم عند الإحرام.
(4)
"النهاية في غريب الحديث" 5/ 146.
وبيصه: تلألؤه، وذلك لعين قائمة لا لريح فقط، وقال ابن التين: هو مصدر وبص يبص وبيصًا.
قَالَ: وقال أبو سليمان -يعني الخطابي- في "أعلامه": وبض
(1)
مثله
(2)
، ولم يذكره أحد غيره فيما علمت بالضاد المعجمة، والحديثان ظاهران فيما ترجم لهما.
(1)
ورد بهامش الأصل: كذا رأيته في أصل المؤلف شيخنا وكذا قرأته عليه، والظاهر أنه بمهملة، ورأيته بغير نقطة في "الأعلام" للخطابي.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 305.
15 - باب تَخْلِيلِ الشَّعَرِ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ
272 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثمَّ اغْتَسَلَ، ثُّمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنْ قَدْ أَرْوى بَشَرَتَهُ، أفَاضَ عَلَيْهِ الَماءَ ثَلَاثَ مَرَّاتِ، ثمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. [انظر: 248 - مسلم: 316 - فتح: 1/ 382]
273 -
وَقَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا. [انظر: 250 - مسلم: 319 - فتح: 1/ 382]
ثم ساق حديث عائشة فيه. وقد سلف من حديث مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة في أول الغسل بفوائده فراجعه
(1)
.
(1)
سبق برقم (248) باب: الوضوء قبل الغسل.
16 - باب مَنْ تَوَضَّأَ فِي الجَنَابَةِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ، وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ الوُضُوءِ مَرَّةً أُخْرى
274 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ- عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَضُوءًا لِجَنَابَةِ، فَأكفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوِ الَحائِطِ مَرَّتَيْنِ -أَوْ ثَلَاثًا- ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ الَماءَ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. قَالَتْ: فَأَتَيتُهُ بِخِرْقَةٍ، فَلَمْ يُرِدْهَا، فَجَعَلَ يَنْفُضُ بِيَدِهِ. [انظر: 249 - مسلم: 317 - فتح: 1/ 382]
ثم ساق حديث ميمونة قَالَتْ: وُضِعَ لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وضوءه للجنابة.
الحديث. وقد سلف أيضًا
(1)
.
والكلام عليه من وجوه:
أحدها:
الفضل (ع) بن موسى المذكور في إسناده هو السيناني. مات سنة اثنتين وتسعين ومائة
(2)
.
(1)
سلف برقم (249) كتاب: الغسل، باب: الوضوء قبل الغسل.
(2)
أبو عبد الله المروزي، مولى بني قطيعة من بني زبيد من مذحج، وسينان قرية من قرى مرو، قال أبو حاتم: صدوق صالح، وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو عبد الله الديناري عن أبي نعيم: هو أثبت من ابن المبارك، وذكره ابن حبان في "الثقات". انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 7/ 117 (523)، "الجرح والتعديل" 7/ 68 (390)، "الثقات" لابن حبان 7/ 319، "تهذيب الكمال" 23/ 254 - 258 (4750).
وشيخ البخاري فيه يوسف (خ. م. ت. س) بن عيسى هو الزهري المروزي، مات سنة تسع وأربعين ومائتين
(1)
.
ثانيها:
قَالَ الإسماعيلي: بيّن زائدة أن قوله: (للجنابة) من قول سالم الراوي عن كريب، لا من قول ابن عباس، ولا من قول ميمونة. وفي حديث زائدة زيادة ذكر: سترته حتى اغتسل.
ثالثها:
كيف تستفاد الترجمة من الحديث، وإنما قالت بعد غسل وجهه وذراعيه:(ثم أفاض على رأسه، ثم غسل جسده). فدخل في قولها: (ثم غسل جسده)، الأعضاء التي تقدم عليها؛ لأنها من جملة الجسد.
ووجه استفادتها مع بعده لغة واحتماله عرفًا أنه لم يذكر إعادة غسلها، وذكر الجسد بعد ذكر الأعضاء المعينة يفهم عرفًا بقيته لا جملة، وظن الشارح -أعني: ابن بطال- أن لفظ الحديث في الطريق المتقدمة على الترجمة أبعد بهذِه الترجمة، فإنها قالت فيه: ثم غسل سائر جسده. أي: باقيه. إلا أن يؤول سائر بمعنى: جميع
(2)
.
رابعها:
لما نقل ابن بطال الإجماع على سنية الوضوء في غسل الجنابة، شرع يستنبط منه، فقال: لما ناب غسل مواضع الوضوء وهي سنة في الجنابة عن غسلها في الجنابة، وغسل الجنابة فريضة، صح بذلك
(1)
أبو يعقوب المروزي. قال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات" انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 9/ 227 (954)، و"الثقات" 9/ 281، و"تهذيب الكمال" 32/ 449 - 450 (7148)
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 389.
قول أشهب وجماعة عن مالك أن غسل الجمعة يجزئه عن الجنابة، وهو خلاف رواية ابن القاسم
(1)
.
ووجهه المهلب: بأن الشارع لما اجتزأ بغسل أعضاء الوضوء عن أن يغسلها مرة أخرى عن الجنابة دل أن الطهارة إذا نُوي بها رفع الحدث أجزأت عن كل معنى يراد به الاستباحة.
ولهذا الحديث -والله أعلم- قَالَ عطاء: إذا غسلت كفيَّ قبل إدخالهما الإناء لم أغسلهما مع الذراعين في الوضوء.
قَالَ: وفي هذا الحديث أيضًا حجة لأحد قولي مالك في رجل توضأ للظهر وصلى، وأراد أن يجدد الوضوء للعصر، فلما صلاها تذكر أن الوضوء الأول قد انتقض، فقال مالك: تجزئه صلاته. وهو الصواب؛ لأن الوضوء عنده للسنن يجزئ به صلوات الفرائض، وقال مرة: لا يجزئه.
ومثل هذِه المسألة اختلاف ابن القاسم وابن الماجشون فيمن صلى في بيته، ثم صلى تلك الصلاة في المسجد، فذكر أنه كان في الأولى على غير وضوء، فقال ابن القاسم: يجزئه.
وقال ابن الماجشون: لا يجزئه. والصواب الأول
(2)
، بدليل هذا الحديث؛ لأنه وإن كان صلاها على طريق الفضيلة فإنه نوى بها تلك الصلاة بعينها، والقربة إلى الله تعالى بتأديتها، كما نوى بغسل مواضع الوضوء القربة إلى الله تعالى، ولم يحتج إلى إعادتها في الغسل من الجنابة.
(1)
"المنتقى" 1/ 50.
(2)
انظر "النوادر والزيادات" 1/ 327.
وقد قَالَ ابن عمر للذي سأله عن الذي يصلي في بيته، ثم يصليها في المسجد، أيهما أجعل صلاتي؟ قَالَ: أو ذاك إليك؟! ذاك إلى الله تعالى يجعل أيتهما شاء
(1)
(2)
.
(1)
رواه مالك في "الموطأ" ص 102.
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 387 - 389.
17 - باب إِذَا ذَكَرَ فِي المَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ يَخرُجُ كَمَا هُوَ وَلَا يَتَيَمَّمُ
275 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا:"مَكَانَكُمْ". ثُمُّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَينَا وَرَأسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ فَصَلَّينَا مَعَهُ. تَابَعَهُ عَبْدُ الأعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَاهُ الأوزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ [639، 640 - مسلم: 605 - فتح: 1/ 383]
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أنَا يُونُسُ، عَنِ ابن شهاب، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا:"مَكَانَكُمْ". ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُهْرِيِّ.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
حديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم أيضًا في الصلاة
(1)
، وأما حديث معمر فأخرجه أبو داود، عن (مخلد بن خالد)
(2)
، عن إبراهيم بن خالد -إمام مسجد صنعاء- عن رباح بن زيد، عنه
(3)
.
(1)
مسلم (605) كتاب: المساجد، باب: متى يقوم الناس للصلاة؟
(2)
وقع في الأصل: خالد بن مخلد، والصواب ما أثبتناه كما في "سنن أبي داود"(235).
(3)
أبو داود (235).
وأما حديث الأوزاعي فذكره مسندًا في الصلاة في باب إذا قَالَ الإمام: مكانكم. عن إسحاق، عن محمد بن يوسف، عنه
(1)
.
وأخرجه مسلم عن زهير بن حرب
(2)
. وأبو داود عن المؤمل بن الفضل، كلاهما عن الوليد بن مسلم، عنه
(3)
.
قلتُ: وتابعه الزُبيدي، وصالح بن كيسان، وابن عيينة كلهم عن الزهري. رواه أبو داود والنسائي عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن حرب، عن الزبيدي
(4)
. ورواه البخاري في الصلاة، في باب: هل يخرج من المسجد لعلة، من حديث إبراهيم بن سعد، عن صالح
(5)
. ومتابعة ابن عيينة ذكرها الإسماعيلي.
ثانيها:
عبد الله (خ. ت) بن محمد: هو: المسنَدِي الحافظ، مات بعد المائتين
(6)
.
وعثمان (ع) بن عمر: هو العبدي البصري صالح ثقة. مات سنة تسع ومائتين
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (640) كتاب: الأذان.
(2)
مسلم (605) كتاب: المساجد، باب: متى يقوم الناس للصلاة؟
(3)
أبو داود (235).
(4)
أبو داود (235) والنسائي 2/ 81.
(5)
سيأتي برقم (639) كتاب: الآذان، باب: هل يخرج من المسجد لعلة؟
(6)
سبق ترجمته في حديث (9).
(7)
هو عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط العبدي، أبو محمد، وقيل: أبو عدي، وقيل: أبو عبد الله، البصري. يقال: أصله من بخارى. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: رجل صالح ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق، وكان يحيى بن سعيد لا يرضاه. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: أصله بخارىٌّ.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 240 (2274)، و"معرفة الثقات" 2/ 130 =
ويونس: هو ابن يزيد سلف، وكذا باقي الإسناد.
ثالثها:
قوله: (أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ). وفي رواية: فعدِّلت الصفوف، قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
. فيه تعديل الصفوف، وهو إجماع، وقال ابن حزم: فرض على المأمومين تعديل الصفوف، الأول فالأول، والتراص فيها
(2)
، والمحاذاة بالمناكب والأرجل.
رابعها:
قوله: (فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) هو موافق لرواية: أقيمت الصلاة، فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج. وأما حديث:"إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني"
(3)
.
فوجهه أن بلالًا كان يراقب خروجه من حيث لا يراه غيره، أو إلا القليل، فعند أول خروجه يقيم، فلا يقوم الناس حتى يروه، ولا يقوم مقامه حتى يعدل الصفوف، وأخذ المصاف قبل الخروج لعله كان مرة أو مرتين ونحوهما لبيان الجواز، أو لعذر.
ولعل قوله: "فلا تقوموا حتى تروني" بعد ذلك، والنهي عن القيام قبل أن يروه لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه.
= (1216)، و"الجرح والتعديل" 6/ 159 (877)، و"الثقات" 8/ 451، و"تهذيب الكمال" 19/ 461 - 463 (3848).
(1)
رواها النسائي 2/ 89.
(2)
"المحلى" 4/ 52.
(3)
سيأتي برقم (637) كتاب: الأذان، باب: متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟
وقد اختلف العلماء من السلف فمن بعدهم متى يقوم الناس إلى الصلاة؟ ومتى يكبر الإمام؟ فذهب الشافعي وطائفة إلى أنه يستحب أن لا يقوم أحد حتى يفرغ المؤذن من الإقامة، وكان أنس يقوم إذا قَالَ المؤذن: قد قامت الصلاةُ. وبه قَالَ أحمد.
وقال أبو حنيفة والكوفيون: يقومون في الصف إذا قَالَ: حي على الصلاة، فإذا قَالَ: قد قامت الصلاة. كبر الإمام
(1)
، وحكاه ابن أبي شيبة، عن سويد بن غفلة، وقيس بن أبي سلمة، وحماد
(2)
، وقال جمهور العلماء من السلف والخلف: لا يكبر الإمام حتى يفرغ المؤذن من الإقامة.
خامسها:
قوله: (فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ). وفي رواية: قبل أن يكبر
(3)
. وفي رواية أخرى في البخاري: وانتظرنا تكبيره
(4)
.
ولابن ماجه: قام إلى الصلاة وكبر، ثم أشار إليهم فمكثوا، ثم انطلق فاغتسل، وكان رأسه يقطر ماء فصلى بهم، فلما انصرف قَالَ:"إنِّي خرجت إليكم جنبًا، وإني أنسيت حتى قمت في الصلاة"
(5)
.
وفي رواية للدارقطني من حديث أنس: دخل في صلاة فكبر وكبرنا معه، ثم أشار إلى القوم. "كما أنتم"
(6)
. وفي رواية لأحمد من حديث
(1)
انظر "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 196 - 197، "المجموع" 3/ 233، "المغني" 2/ 123.
(2)
"المصنف" 355/ 1 (4085، 4086، 4088).
(3)
رواه مسلم برقم (605) كتاب: المساجد، متى يقوم الناس للصلاة؟
(4)
سيأتي برقم (639) كتاب: الأذان، باب: هل يخرج من المسجد لعلة؟
(5)
ابن ماجه (1220).
(6)
الدارقطني 1/ 362.
علي: كان قائمًا يصلي بهم، إذ انصرف
(1)
.
وفي رواية لأبي داود من حديث أبي بكرة: دخل في صلاةِ الفجر، فأومأ بيده أن: مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطر، فصلى بهم
(2)
، وفي أخرى له مرسلة: فكبر ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا. وفي مرسل ابن سيرين وعطاء والربيع بن أنس: كبر ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا.
واختلف في الجمع بين هذِه الروايات، فقيل: أراد بقوله: (كبر): أراد أن يكبر، عملًا بالرواية السالفة: وانتظرنا تكبيره.
وقيل: إنهما قضيتا، أبداه القرطبي احتمالًا
(3)
، وقال النووي: إنه الأظهر
(4)
.
وأبداه ابن حبان في "صحيحه" فقال بعد أن أخرج الروايتين من حديث أبي هريرة وحديث أبي بكرة: هذان فعلان في موضعين متباينين، خرج صلى الله عليه وسلم مرة فكبر، ثم ذكر أنه جنب، فانصرف فاغتسل، ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة، وجاء مرة أخرى: فلما وقف ليكبر ذى أنه جنب قبل أن يكبر، فذهب فاغتسل، ثم رجع فأقام بهم الصلاة، من غير أن يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر
(5)
قَالَ: وقول أبي بكرة: فصلى بهم، أراد بدأ بتكبير محدث، لا أنه رجع فبنى على صلاته، إذ محالٌ أن يذهب صلى الله عليه وسلم ليغتسل ويبقى الناس كلهم قيامًا على حالتهم من غير إمام إلى أن يرجع
(6)
.
(1)
"المسند" 1/ 88، 99.
(2)
أبو داود (233).
(3)
"المفهم" 2/ 228.
(4)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 5/ 103.
(5)
"صحيح ابن حبان" 6/ 8 عقب الرواية (2236).
(6)
المصدر السابق 6/ 6 عقب الرواية (2235).
سادسها:
يستفاد من رواية الإيماء والإشارة؛ أن الإمام إذا طرأ له ما يمنعه من التمادي استخلف بالإشارة لا بالكلام، وهو أحد القولين لأصحاب مالك، كما حكاه القرطبي، وجواز البنَاء في الحدث، وهو قول أبي حنيفة، لكن إنما يتم ذلك إذا ثبت فعلًا أنه لم يكبر حين رجوعه، بل الذي في الصحيحين أنه كبر بعدما اغتسل عند رجوعه.
قَالَ القرطبي: والمشكل على هذِه الرواية إنما هو وقوع العمل الكثير وانتظارهم له هذا الزمان الطويل بعد أن كبروا.
قَالَ: وإنما قلنا: إنهم كبّروا؛ لأن العادة جارية بأن تكبير المأموم يقع عقب تكبير إمامه، ولا يؤخر عن ذلك إلا القليل من أهل الغلو والوسوسة. ولما رأى مالك هذا الحديث مخالفًا لأصل الصلاة قَالَ: إنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قَالَ: وروى عنه بعض أصحابنا أن هذا العمل من قبل اليسير، فيجوز مثله. وقال ابن نافع: إن المأموم إذا كان في الصلاة فأشار إليه إمامه بالمكث، فإنه يجب عليه انتظاره حتى يأتي فيتم بهم أخذًا بهذا الحدث
(1)
.
قَالَ: والصحيح من حديث أبي هريرة في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم ذكر قبل أن يكبر وقبل أن يدخل في الصلاة، وعلى هذا فلا إشكال في الحديث، وأقصى ما فيه أن يقال: لم أشار إليهم ولم يتكلم؟ ولم انتظروه قيامًا؟
والجواب أنه لا نسلم أنه لم يتكلم، بل قد جاء في هذِه الرواية أنه
(1)
"المفهم" 2/ 230.
قَالَ لهم: "مكانكم" وفي أخرى: أنه أومأ إليهم. فيجمع بينهما بأنه جمع بين القول والإشارة؛ تأكيدًا لملازمة القيام، أو روى الراوي أحدهما بالمعنى.
وملازمتهم القيام امتثال لأمره، وأمرهم بذلك ليشعر بسرعة رجوعه؛ حتى لا يتفرقوا ولا يزيلوا ما كانوا شرعوا فيه من القيام للقربة، ولما رجع بَنَى على الإقامة الأولى، أو استأنف إقامة أخرى لم يصح فيه نقل.
والظاهر أنه لو وقعت إقامة أخرى لنقلت، وحينئذ يحتج به من يرى أن التفريق بين الإقامة والصلاة لا يقطع الإقامة وإن طال
(1)
.
سابعها:
فيه جواز النسيان في العبادات على الأنبياء، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم:"إني لأنسى-أو أنسَّى- لأسُنَّ"
(2)
.
ثامنها:
فيه -كما قَالَ ابن بطال- حجة لمالك وأبي حنيفة أن تكبير المأموم يقع بعد تكبير الإمام، وهو قول عامة الفقهاء
(3)
.
قَالَ: والشافعي أجاز تكبير المأموم قبل إمامه، أي: فيما إذا أحرم
منفردًا، ثم نوى الاقتداء في أثناء صلاة؛ لأنه روى حديث أبي هريرة على ما رواه مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عطاء بن يسار
(1)
انظر: "المفهم" 2/ 229 - 230.
(2)
ذكره مالك في "الموطأ" ص 83. قال ابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 375 أما هذا الحديث بهذا اللفظ، فلا أعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه مسندًا ولا مقطوعًا من غير هذا الوجه -والله أعلم- وهو أحد الأحاديث الأربعة في "الموطأ" التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة -والله أعلم- ومعناه صحيح في الأصول.
(3)
"المدونة" 1/ 67.
أنه صلى الله عليه وسلم كبر في صلاةٍ من الصلوات، ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا، فلما قدم كبر
(1)
.
والشافعي لا يقول بالمرسل، ومالك الذي رواه لم يعمل به؛ لأنه صح عنده أنه لم يكبر
(2)
.
وزعم ابن حبيب أن هذا خاص به صلى الله عليه وسلم، ولعله أمرهم بنقض إحرامهم الأول، وابتدأ الإحرام بعد إحرامه الثاني، وهكذا فسره مطّرِف وابن الماجشون وغيرهما، وهو قول مالك أيضًا.
تاسعها:
زعم بعض التابعين أن الجنب إذا نسي فدخل المسجد وذكر أنه جنب يتيمم ثم يخرج، وهو قول الثوري وإسحاق
(3)
.
والحديث يرد عليهما، وكذا قول أبي حنيفة
(4)
في الجنب المسافر يمر على مسجد فيه عين ماء، فإنه يتيمم ويدخل المسجد فيستقي، ثم يخرج الماء من المسجد، والحديث يدل على خلاف قوله؛ لأنه لما لم يلزمه التيمم للخروج.
وكذا من اضطر إلى المرور فيه جنبًا لا يحتاج إلى التيمم؛ لأن الحديث فيه الخروج لا الدخول، وفي "نوادر ابن دريد" عن بعض أصحابه فيما حكاه ابن التين: من نام في المسجد ثم احتلم ينبغي أن يتيمم لخروجه، وهذا الحديث يرد عليه.
(1)
"الموطأ" ص 55، ونصه: كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار إليهم أن امكثوا فذهب، ثم رجع وعلى جلده أثر الماء.
(2)
"شرح ابن بطال" 266/ 2.
(3)
"المغني" 1/ 200.
(4)
"المبسوط" 1/ 118.
وقد اختلف العلماء في مرور الجنب في المسجد، فرخص فيه جماعة من الصحابة: علي
(1)
وابن مسعود وابن عباس، وقال جابر: كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب
(2)
.
وممن روي عنه إجازة دخوله عابر سبيل ابن المسيب وعطاء والحسن
(3)
وسعيد بن جبير، وهو قول الشافعي
(4)
، ورخصت طائفة للجنب أن يدخل المسجد ويقعد فيه، قَالَ زيد بن أسلم: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتبون في المسجد وهم جنب
(5)
.
وروى سعيد بن منصور في "سننه" بسند جيد عن عطاء: رأيت رجالًا من الصحابة يجلسون في المسجد وعليهم الجنابة إذا توضئوا للصلاة
(6)
.
وكان أحمد بن حنبل يقول: يجلس الجنب فيه ويمر فيه إذا توضأ، ذكره ابن المنذر، وقال مالك والكوفيون: لا يدخل فيه الجنب [إلا]
(7)
عابر سبيل
(8)
.
وروي عن ابن مسعود أيضًا أنه كره ذلك للجنب، وقال المزني وداود: يجوز له المكث فيه مطلقًا، فالمسلم لا ينجس، واعتبروه بالمشرك.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 35 (1551).
(2)
رواه ابن خزيمة 2/ 286 (1331)، والبيهقي 2/ 443.
(3)
رواه عنهم ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 135 (1555، 1558، 1560).
(4)
"الأم" 1/ 46.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 135 (1557)، ولفظه: كان الرجل منهم يجنب ثم يدخل المسجد فيحدث فيه.
(6)
"سنن سعيد بن منصور" 4/ 1275 (646).
(7)
في الأصل: ولا، والمثبت من "الأوسط".
(8)
"الأوسط" 2/ 107.
وفي الصحيح "إن حيضتك ليست في يدك"
(1)
وحديث الوليدة التي كان لها حِفشٌ في المسجد
(2)
، وحديث تمريض سعد فيه، وسيلان دمه فيه
(3)
. وحديث وفد ثقيف من "صحيح ابن خزيمة"، وإنزالهم المسجد
(4)
، وكان أهل المسجد وغيرهم يبيتون في المسجد.
واحتج من أباح العبور بقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ} [النساء: 43] أي: لا تقربوا مواضعها.
ووردت أحاديث تمنع الجنب منه، وكلها متكلم فيها. وأجاب من منع: بأن المراد بالآية نفس الصلاة، وحملها على مكانها مجازًا، وحملها على عمومها، أي: لا تقربوا الصلاة ولا مكانها على هذِه الحال، إلا أن تكونوا مسافرين فتيمموا واقربوا ذلك وصلّوا.
وقد نقل الرازي عن ابن عمر وابن عباس أن المراد بعابر السبيل: المسافر يعدم الماء، يتيمم ويصلي، والتيمم لا يرفع الجنابة، فأبيح لهم الصلاة به تخفيفًا.
قَالَ ابن بطال: ويمكن أن يستدل من هذِه الآية لقول الثوري
(1)
رواه مسلم (298) كتاب: الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجليه، وأبو داود (261).
والترمذي (134)، والنسائي 1/ 146، وأحمد 6/ 45.
(2)
سيأتي برقم (439) كتاب: الصلاة، باب: نوم المرأة في المسجد.
(3)
سيأتي برقم (463) كتاب: الصلاة، باب: الخمية في المسجد للمرضى وغيرهم.
(4)
"صحيح ابن خزيمة" 2/ 285 (1328) عن عثمان بن أبي العاص: أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد حتى يكون أرق لقلوبهم. قال الألباني في تعليقه على "صحيح ابن خزيمة": إسناده ضعيف، فيه عنعنه الحسن. ورواه أبو داود (3026)، وأحمد 4/ 218.
وإسحاق السالف، وذلك أن المسافر إذا عدم الماء منع دخول المسجد والصلاة فيه، إلا بالتيمم، وذلك لضرورة وأنه لا يقدر على ماء، فكذلك الذي يجنب في المسجد لا يخرج إلا بعد التيمم؛ لأنه مضطر لا ماء معه، فأشبه المسافر العابر سبيل المذكور في الآية لولا ما يعارضه من حديث أبي هريرة المفسر لمعنى الآية لجواز خروجه من المسجد دون تيمم، ولا قياس لأحد مع مجيء السنن، وإنما يفزع إلى القياس عند عدمها
(1)
.
عاشرها:
فيه طهارة الماء المستعمل؛ لأنه خرج ورأسه يقطر. وفي روايةٍ أخرى: ينطف
(2)
، وهي بمعناها
(3)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 390 - 391.
(2)
سيأتي برقم (639) كتاب: الأذان، باب: هل يخرج من المسجد؟
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: 9 من 2 من تجزئة المصنف.
18 - باب نَفْضِ اليَدِ مِن غسلِ الجَنَابَةِ
276 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غُسْلًا، فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الأرضَ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيهِ، فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا فَلَمْ يَأخُذهُ، فَانْطَلَقَ وَهْوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ. [انظر: 249 - مسلم: 317، 337 - فتح: 1/ 384]
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، ثنَا أَبُو حَمْزَةَ سَمِعْتُ الأَعْمَشَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ فذكر حديث ميمونة. وفي آخره: فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا فَلَمْ يَأُخُذْهُ، فَانْطَلَقَ وَهْوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ.
وقد سلف واضحًا بالكلام عليه. وأبو حمزة: هو محمد بن ميمون السكري
(1)
.
ومقصوده بالترجمة ألا يتخيل أن مثل هذا الفعل لإطراح العبادة ونقض له، فنبه أن هذا جائز، ونبه أيضًا على بطلان قول من زعم أن تركه المنديل من قبل إبقاء أثر العبادة عليه وأن لا يمسحها.
وقد ظن المهلب هذا احتمالًا، والترجمة تأباه وتبين أن هذا ليس مغزاه، وإنما ترك المنديل -والله أعلم- خوفًا من فعل المترفين
(2)
.
(1)
روى عن إبراهيم بن ميمون الصائغ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السُّدي، وثقه عباس الدُّوري والنَّسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات سنة ثمان وستين ومائةٍ، وهو من أهل مرو، يقال: سُمي بالسكري؛ لحلاوة كلامِه. وانظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 7/ 371، "التاريخ الكبير" 1/ 234 (737)، "الجرح والتعديل" 8/ 81 (338)، "ثقات ابن حبان" 7/ 420، "تهذيب الكمال" 26/ 544 (5652).
(2)
انظر "شرح ابن بطال" 1/ 391 - 392.
19 - باب مَنْ بَدَأَ بِشِقِّ رأسِهِ الأَيْمَنِ فيِ الغُسْلِ
277 -
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِبرَاهِيمُ بن نَافِعٍ، عَنِ الَحسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ، أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا ثَلَاثًا فَوْقَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ بِيَدِهَا عَلَى شِقهَا الأَيْمَنِ، وَبِيَدِهَا الأُخْرى عَلَى شِقِّهَا الأَيْسَرِ. [فتح: 1/ 384]
حَدَّثنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، ثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ، أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا ثَلَاثًا فَوْقَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ بِيَدِهَا عَلَى شِقِّهَا الأَيْمَنِ، وَبِيَدِهَا الأُخْرى عَلَى شِقِّهَا الأَيْسَرِ.
هذا الحديث من أفراد البخاري بهذا اللفظ، وقد سلف فقهه
(1)
، وأن البداءة بالأيمن في الغسل مطلوبة.
وصفية (ع) هذِه: بنت شيبة حاجب البيت ابن عثمان بن أبي طلحة العبدري، يقال: لها رؤية، وحديثها عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنن خلا الترمذي.
وذكرها ابن عبد البر وابن السكن في الصحابة، وخرج لها البخاري في "صحيحه"
(2)
في الجنائز عن النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
. ماتت في خلافة الوليد
(4)
.
(1)
سلف في الحديث رقم (258) باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل.
(2)
ورد بهامش الأصل: وقال: أبان بن صالح، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
(3)
سيأتي حديثها بعد حديث رقم (1349) باب: الإذخر والحشيش في القبر. تعليقًا.
(4)
انظر ترجمتها في: "الاستيعاب" 4/ 427 (3441)، "أسد الغابة" 7/ 172 (7058)، "الإصابة" 4/ 348 (653).
والحسن (خ، م، د، س، ق) بن مسلم هو ابن ينَّاق، ثقة. مات قبل طاوس
(1)
. وإبراهيم بن نافع: هو المكي المخزومي ثقة ثبت
(2)
. وخلاد سلمي كوفي ثقة. مات سنة سبع عشرة ومائتين
(3)
(4)
.
(1)
المكيُّ الثقة، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث روى له الجماعة سوى الترمذي. انظر ترجمته في "الطبقات" 5/ 479، "التاريخ الكبير" 2/ 306 (2565)، "الجرح والتعديل" 3/ 36 (155)، "تهذيب الكمال" 6/ 325 (1275).
(2)
أبو إسحاق المكيُّ، قال ابن عيينة: كان حافظًا، وقال ابن مهدي: كان أوثق شيخ بمكة ووثَّقه ابن معين. روى له الجماعة. "التاريخ الكبير" 1/ 332 (1047)، "ثقات ابن حبان" 6/ 5، "تهذيب الكمال" 2/ 227 (260).
(3)
أبو محمد الكوفيُّ، سكن مكة، وثَّقه أحمد بن حنبل، ولكن كان يرى شيئًا من الإرجاء، وقال محمد بن عبد الله بن نمير: صدوق إلا أن في حديثه غَلَطًا قليلًا، وقال أبو حاتم: ليس بذاك المعروف، محلُّه الصِّدق، وقال أبو داود: ليس به بأس.
وقال ابن حجر في "التقريب": نزيل مكة، صدوق رمي بالإرجاء، وهو من كبار شيوخ البخاري، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة، وقيل سنة سبع عشرة. انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 3/ 189 (638)، "الجرح والتعديل" 3/ 368 (1675)، "تهذيب الكمال" 8/ 359 (1741)، "التقريب" ص 196 (1766)
(4)
بهامش الأصل: ثم بلغ في التاسع بعد الأربعين كتبه مؤلفه غفر الله له.
20 - باب مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الخَلْوَةِ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ
وَقَالَ بَهْزٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"اللهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ".
278 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: والله مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ. فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ. حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إلَى مُوسَى، فَقَالُوا: والله مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ. وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا". فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: والله إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالَحْجَرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَربًا بِالَحْجَرِ. [3404، 4799 - مسلم: 339 - فتح: 1/ 385]
279 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، ولكن لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ".
وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا". [3391، 7493 - فتح:1/ 387]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث بهز، وذكره معلقًا فقال: وَقَالَ بَهْزٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"اللهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ".
ثانيها وثالثها:
حديث أبي هريرة أن موسى وأيوب صلوات الله وسلامه عليهما كانا يغتسلان عراة، لكن كانا يستتران عن أعين الناس.
وهما دليلان لقوله: (مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانَا وَحْدَهُ فِي الخَلْوَةِ)، ولا خلاف أن التستر أفضل كما قاله.
وبجواز الغسل عريانًا في الخلوة قَالَ مالك والشافعي وجمهور العلماء
(1)
ومنعه ابن أبي ليلى
(2)
، وحكاه الماوردي وجهًا لأصحابنا، فيما إذا نزل في الماء عريانًا بغير مئزر، واحتج بحديث ضعيف لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تدخلوا الماء إلا بمئزر، فإن للماء عامرًا"
(3)
.
وروى ابن وهب عن ابن مهدي، عن خالد بن حميد عن بعض أهل الشام أن ابن عباس لم يكن يغتسل في بحر ولا نهر إلا وعليه إزار، فإذا سئل عن ذلك قَالَ: إنَّ له عامرًا، وروى برد عن مكحول، عن عطية مرفوعًا:"من اغتسل بليل في فضاء فليتحاذر على عورته، ومن لم يفعل ذلك، فأصابه لمم فلا يلومن إلا نفسه"
(4)
.
(1)
انظر "النوادر والزيادات" 1/ 65، "المجموع" 2/ 227، "المغني" 1/ 306 - 307.
(2)
انظر "المجموع" 2/ 228.
(3)
من حديث جابر رواه ابن خزيمة 1/ 124 (249)، وأبو يعلى في "مسنده" 3/ 343 (1807)، والعقيلي في "الضعفاء" 1/ 312 وقال بعد أن رواه من طريق حماد بن شعيب: ولا يتابعه عليه إلا من هو دونه ومثله، وابن عدي في "الكامل" 3/ 16، 163، والحاكم 1/ 162 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بأنه على شرط مسلم. وقال الألباني في "الضعيفة"(1504): بل هو ضعيف الإسناد، لأن الهمداني هذا لم يخرج له مسلم، وهو مختلف فيه، قال الحافظ: صدوق يخطئ. وأبو الزبير -وإن أخرج له مسلم- فهو مدلس، وقد عنعنه.
(4)
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول". انظر: "ضعيف الجامع"(1565).
وفي مرسلات الزهري فيما رواه أبو داود في: "مراسيله" عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تغتسلوا في الصحراء إلا أن تجدوا متوارى، فإن لم تجدوا متوارى، فليخط أحدكم كالدائرة، ثم يسمي الله تعالى ويغتسل فيها"
(1)
.
وفي "سنن أبي داود" من حديث يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يغتسل بالبَراز، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ:"إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" وأخرجه النسائي
(2)
، ونص أحمد فيما حكاه ابن تيمية على كراهة دخول الماء بغير إزار
(3)
.
وقال إسحاق: هو بالإزار أفضل، لقول الحسن والحسين رضي الله عنهما، وقد قيل لهما وقد دخلا الماء عليهما بُردان، فقالا: إن للماء سكانًا.
قال إسحاق: ولو تجردا رجونا ألا يكون إثمًا، واحتج بتجرد موسى عليه السلام.
فأما حديث بهز فهو بعض حديث طويل أخرجه أصحاب السنن الأربعة: أبو داود في الحمام، والترمذي في الاستئذان في موضعين، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجه في النكاح من حديث بهز، عن أبيه، عن جده. وهو ابن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري له صحبة، قلتُ: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قَالَ:
(1)
"المراسيل" ص 329 (472).
(2)
أبو داود (4012)، والنسائي 1/ 200، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1756).
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى" 21/ 339.
"احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك" قَالَ: قلتُ: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض قَالَ:"إن استطعت أن لا تريها أحد فلا تريها" قَالَ: قلتُ: يا رسول الله، فإذا كان أحدنا خاليًا، قَالَ:"فالله أحق أن يستحيى منه من الناس"
(1)
.
قَالَ الترمذي: حسن.
قَالَ أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التين: يريد بقوله: "فالله أحق أن يستحيى منه من الناس". أن لا يغتسل أحد في الفلاة، وهذا حرج.
وحديث أيوب أسمح وأثبت وأحسن، ولعله يريد بقوله:"أحق أن يستحيى منه" بمعنى: أن لا يعصى حياء منه.
وقال ابن بطال: الحديث محمول عند الفقهاء على الندب والاستحباب للتستر في الخلوة لا على الإيجاب
(2)
.
فرع:
حكى الماوردي خلافًا للناس في أن ستر العورة واجب بالعقل أم بالشرع؟ وعلى الأول: المعتزلة، وعلى الثاني: أهل السنة، ولا شك أن جبلة الشخص كارهة لذلك، لكن الشرع هو الحاكم.
فائدة:
بهز هذا قد عرفت والده وجده مما ذكرته لك، وقد وثقه جماعة، وقال ابن عدي: لم أرَ له حديثًا منكرًا
(3)
.
(1)
رواه أبو داود (4017)، والترمذي (2769)، (2794)، والنسائي في "الكبرى" 5/ 313 (8972)، وابن ماجه (1920).
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 395.
(3)
"الكامل في ضعفاء الرجال" 2/ 254.
ووالده حكيم، قَالَ النسائي: ليس به بأس
(1)
.
وجده معاوية له صحبة كما سلف.
وأما حديث أبي هريرة الأول فقال البخارج: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، ثنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: والله مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ. فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَجَمَحَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ. حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، فَقَالُوا: والله مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ. وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بالْحَجَرِ ضَرْبًا". فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: والله إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ.
والكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق
(2)
،
(1)
بَهْز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، روى عن أبيه عن جده، وعن زرارة بن أوفي، روى عنه إسماعيل ابن علية وأصبغ وغيره. وثقه ابن معين وابن المديني والنسائي، وقال أبو زرعة: صالح، ولكنه ليس بالمشهور. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال الحاكم أبو عبد الله: كان من الثقات، ممن يجمع حديثه، وإنما أسقط من الصحيح روايته عن أبيه عن جده؛ لأنها شاذة لا متابع له فيها، "التاريخ الكبير" 2/ 142 (1982)، "الجرح والتعديل" 2/ 430 (1714)، "تهذيب الكمال" 4/ 259 (775).
(2)
مسلم (339/ 75) كتاب: الحيض، باب: جواز الاغتسال عريانًا في الخلوة، وبرقم (339/ 155) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل موسى عليه السلام.
وأخرجه البخاري بمعناه في أحاديث الأنبياء والتفسير
(1)
، ويأتي -إن شاء الله- من طريق محمد بن سيرين والحسن، وخلاس بن عمرو، عن أبي هريرة
(2)
.
وكذلك مسلم من طريق عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة
(3)
.
ثانيها:
إسحاق هذا: هو ابن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري، نسبه البخاري إلى جده. مات بعد المائتين
(4)
، كان ينزل ببني سعد، وقيل: كان ينزل بالمدينة بباب بني سعد
(5)
، وعن المنذري أنه ضبطه بضم السين والغين المعجمة، ونقله عن بعض علماء (
…
)
(6)
.
ثالثها:
قوله: ("كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ") أي: جماعتهم، وكذلك أدخل عليهم التأنيث مثل قوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} [الحجرات: 14].
رابعها:
قوله: ("يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ") يحتمل أن هذا
(1)
سيأتي برقم (3404) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: حديث الخضر مع موسى عليهما السلام. وبرقم (4799) كتاب: التفسير، باب: قوله: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} .
(2)
سيأتي برقم (3404) كتاب: أحاديث الأنبياء.
(3)
"صحيح مسلم"(339/ 156) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل موسى عليه السلام.
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: سنة اثنتين وثلاثين.
(5)
قال عنه ابن حجر: صدوق من الحادية عثرة. وانظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 1/ 380 (1212)، و"تهذيب الكمال" 2/ 388 (333)، و"تقريب التهذيب"(333).
(6)
طمس في الأصل.
كان جائزًا في شرعهم، وكان موسى يتركه تنزهًا واستحبابًا وحياء ومروءة.
ويحتمل أنه كان حرامًا في شرعهم، كما هو حرام في شرعنا، وكانوا يتساهلون فيه، كما يتساهل فيه كثير من أهل شرعنا.
وجزم الشارح -أعني ابن بطال-: بهذا، فقال: هذا يدل على أنهم عصاة له، وسالكون غير سنته، إذ كان هو يغتسل حيث لا يراه أحد، ويطلب الخلوة، فكان الواجب عليهم الاقتداء، ولو كان اغتسالهم عراة في غير الخلوة عن علم موسى وإقراره لذلك لم يلزم فعله
(1)
؛ لأن شرعنا يخالفه ولو كانوا أهلَ توفيق اتبعوه.
ثم لم تكفهم المخالفة حتى أذوه، فنسبوا إليه ما نسبوا، فأظهر الله براءته من ذلك بطريق خارق للعادة، زيادة في دلالة صدقه ومبالغة في قيام الحجة عليهم.
خامسها:
"آدَر" -بهمزة مفتوحة ممدودة، ثم دال مهملة مفتوحة ثم راء- عظيم الخُصْيتين، وهي: الأُدْرة بضم الهمزة وفتحها مع إسكان الدال بفتحها
(2)
، ولا يقال: امرأة أدراء.
سادسها:
قوله: ("فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ") وضعه عليه السلام ثوبه ودخوله الماء عريانًا دليل على جواز ذلك.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 394.
(2)
انظر: "الصحاح" 2/ 577، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 31.
وجاء في "صحيح مسلم ": "أنه اغتسل عند مُوَيْه"
(1)
بضم الميم وفتح الواو وإسكان الياء، تصغير ماء، وأصله: موه، والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها، هكذا هو في معظم نسخ مسلم، روى ذلك العذري والباجي.
وفي بعض نسخ مسلم "مَشْربة" -بفتح الميم وإسكان الشين المعجمة، ثم راء- وهي: حفرة في أصل النخلة، يجمع الماء فيها ليسقيها. قَالَ القاضي عياض: وأظن الأول تصحيفًا
(2)
.
سابعها:
قوله: ("فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ") هذِه آية ومعجزة لموسى عليه أفضل الصلاة والسلام، لمشي الحجر بثوبه إلى ملأ من بني إسرائيل.
ثامنها:
قوله: ("فجمح موسى") أي: أسرع إسراعًا في مشيه خلف الحجر، ليأخذ ثوبه لا يرده شيء، وكل شيء مضى لوجهه على أمر فقد جمح، قَالَ تعالى:{لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: 57].
قَالَ ابن سيده: جمح الفرس بصاحبه جمحًا وجماحًا: ذهب يجري جريًا غالبًا، وكل شيء مضى لشيء على وجهه فقد جمح
(3)
.
وقال الأزهري في "تهذيبه": فرس جموح: إذا ركب رأسه فلم يرده اللجام، وهذا ذم، وفرس جموح، أي: سريع، وهذا مدح
(4)
.
(1)
مسلم (339/ 156) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل موسى.
(2)
"إكمال المعلم" 7/ 350.
(3)
"المخصص" 2/ 100.
(4)
"تهذيب اللغة"(1/ 645) مادة: جمح.
تاسعها:
قوله: ("فِي إِثْرِهِ") هو بتثليث الهمزة وإسكان الثاء، ورابعة فتحهما بمعنى، حكاهن كراع، وذكر الثلاث الأول في:"المنتخب"، وفي "المثلث" لابن السيد: الأثر -بالضم- أثر الجرح
(1)
. وفي "الواعي" الأثر: -محرك- ما يؤثر الرجل بقدمه في الأرض.
عاشرها:
قوله: ("ثَوْبِي يَا حَجَرُ") هو منصوب بفعل مضمر تقديره: أعطني ثوبي يا حجر، أو اترك ثوبي، فحذف الفعل لدلالة الحال عليه، وفي "مسلم":"ثوبي حجر" مرتين
(2)
بإسقاط حرف النداء، وإنما نادى موسى الحجر نداء من يعقل؛ لأنه صدر عن الحجر فعل من يعقل، وقال ذلك استعظامًا لكشف عورته، فسبقه الحجر إلى أن وصل إلى جمع بني إسرائيل، فنظروا إلى موسى ليبرئه مما قالوا.
الحادي عشر:
قوله: ("حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى") إنما مشى عليه السلام بينهم مكشوف العورة، لأنه إنما نزل إلى الماء مؤتزرًا، فلما خرج يتبع الحجر، والمئزر مبتل بالماء علموا عند رؤيته أنه ليس بآدر؛ لأن الأدرة تتبين تحت الثوب المبلول بالماء، وهذا هو ما أجاب به الحسن بن أبي بكر النيسابوري فيما حكاه ابن الجوزي عنه سماعًا
(3)
.
(1)
"المثلث" 1/ 321.
(2)
مسلم (339) كتاب: الحيض، باب: جواز الاغتسال عريانًا. و (2371) كتاب: الفضائل، باب: فضائل موسى عليه السلام.
(3)
انظر "كشف المشكل" 3/ 496، وذكره ابن حجر في "الفتح" 1/ 386 عن ابن الجوزي وقال: وفيه نظر. اهـ.
وفي "مسند أحمد" من حديث علي بن زيد، عن أنس مرفوعًا:"أن موسى عليه السلام كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يُلْقِ ثوبَهْ حتى يواري عورته في الماء"
(1)
وأجاب -أعني ابن الجوزي
(2)
- بجواب آخر، وهو أن موسى كان في خلوة كما بين في الحديث، فلما تبع الحجر لم يكن عنده أحد، فاتفق أنه جاز على قوم فرأوه، وجوانب الأنهار وإن خلت لا يؤمن وجود قوم قريب منها فنسي موسى الأمر على ألَّا يراه أحد على ما رأى من خلاء المكان فاتفق من رآه.
وأما الشارح -يعني ابن بطال- فقال: إن في الحديث دليلًا على النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية إلى ذلك من مداواة أو براءة مما رمي به من العيوب كالبرص وغيره من الأدواء التي يتحاكم الناس فيها مما لابد فيها من رؤية أهل النظر بها، فلا بأس برؤية العورات للبراءة من ذلك أو لإثبات العيوب فيه والمعالجة
(3)
.
الثاني عشر:
فيه ما يدل على أن الله تعالى كمَّل أنبياءه خَلْقًا وخُلُقا، ونزههم عن المعايب والنقائص والسلامة من العاهات والمعايب، وعورض ما وقع ليعقوب وأيوب صلوات الله وسلامه عليهما، فللتأسي بهما ورفع درجاتهما، وقد زال عنهما.
(1)
أحمد 3/ 262.
(2)
المرجع السابق.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 393 - 394.
الثالث عشر:
قوله: ("فَطَفِقَ") هو بكسر الفاء وفتحها، أي: جعل وأقبل وصار ملتزمًا لذلك، وهي من أفعال المقاربة.
والنَدَب -بفتح النون والدال- أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، فشبه به أثر الضرب في الحجر، وقال الأصمعي: هو الجرح إذا بقي منه أثر مشرف، يقال: ضربه حتى أندبه. ونقل ابن بطال عن صاحب "العين"، أنه أثر الجرح
(1)
، واقتصر عليه، وهذِه معجزة لموسى، وتمييز الجمادات.
وفيه: ما غلب على موسى من البشرية من ضرب الحجر، وهذا الضرب من موسى عليه السلام، يجوز أن يكون أراد به إظهار معجزته لقومه بأثر الضرب في الحجر، ويحتمل أن يكون أوحي إليه بذلك لإظهار معجزته.
وفيه أيضًا: إجراء خلق الإنسان عند الضجر على (من)
(2)
لا يعقل أيضًا، فإذا كان الحجر أعطاه الله قوة مشى بها أمكن أن يحس به أيضًا، ألا ترى قول أبي هريرة:(والله إنه لندب بالحجر). يعني: أثار ضربه بقيت فيه آية له. ويؤخذ من ذلك جواز الحلف على الإخبار.
وفيه: وفي حديث أيوب الآتي دليل على إباحة التعري في الخلوة
للغسل وغيره، بحيث يأمن أعين الناس، لأنهما من الذين أمرنا أن نقتدي بهداهم، ألا ترى أن الله تعالى عاتب أيوب على جمع الجراد كما سيأتي ولم يعاتبه على اغتساله عُريانًا، ولو كلفنا بالاستتار في
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 394.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: الأكثر استعمال ما لما لا يعقل.
الخلوة لحصل لنا الحرج والضيق؛ إذ لا نجد بدًا منه، والباري تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة كانوا أو مكتسين، وسيأتي شيء من هذا المعنى في باب كراهية التعري في الصلاة
(1)
وغيرها إن شاء الله.
نعم، الاستتار من حسن الأدب.
خاتمة:
إن قوله تعالى: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} الآية [الأحزاب: 69] نزلت في ذلك. قَالَ الطحاوي فيما روي عن أبي هريرة في هذِه الآية {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} الآية: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن موسى كان رجلًا حيِيًّا سِتيرًا لا يكاد أن يرى من جلده -يعني: استحياء منه- فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، وقالوا: ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده، إما برص وإما أذرة هكذا قَالَ لنا بعض رواة الحديث.
وأهل اللغة يقولون: أدرة، لأنها آدر بمعنى: آدم، وإن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا، وأنه خلا يومًا وحده فوضع ثوبه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ من غسله أقبل إلى ثوبه ليأخذه، وأن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عليه السلام عصاه وطلب الحجر
(2)
. الحديث بطوله.
قَالَ: ومما روي عن علي بن أبي طالب في الآية مما نعلم أنه ليس من رأيه؛ لأنه إخبار عن مراد الله، قَالَ: صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته، كان ألين لنا منك وأشد حياء. فآذوه بذلك، فأمر الله الملائكة فحملته وتكلمت بموته، حتى عرفت بنو إسرائيل أنه قد مات فدفنوه، فلم يعرف موضع قبره
(1)
برقم (364).
(2)
رواه الطحاوي في "مشكل الآثار" كما في "تحفة الأخيار" 8/ 480 - 481 (6157).
إلا الرخم
(1)
، فإن الله جعله أبكم أصم، ولا تعارض بينهما، فإنه يجوز أن يكون آذوه بكل ذلك، فبرأه الله منهما
(2)
.
وأما حديث أبي هريرة الآخر، فقال البخاري: وقال أبو هريرة
(3)
:
إن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فجَعَل أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثوْبِهِ، فنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، ألَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، ولكن لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكتِكَ". وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بن طهمان، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا".
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
حديث أبي هريرة هذا معطوف على سند حديث أبي هريرة الأول، وقد صرح به أبو مسعود وخلف، فقالا في أطرافهما: إن البخاري رواه هنا عن إسحاق بن نصر، وفي أحاديث الأنبياء عن عبد الله بن محمد الجعفي كلاهما عن عبد الرزاق
(4)
.
ورواه أبو نعيم الأصبهاني، عن أبي أحمد بن شبرويه، ثنا إسحاق، ثنا عبد الرزاق فذكره، وذكر أن البخاري رواه عن إسحاق بن نصر، عن عبد الرزاق.
وأورد الإسماعيلي حديث عبد الرزاق، عن معمر، ثم لما فرع منه،
(1)
الرخم: طائر غزير الريش، أبيض اللون، يشبه النسر في الخلقة.
(2)
انظر المصدر السابق 8/ 481 - 482 (6158).
(3)
كذا في الأصل، وجاء في الهامش: في نسخة: عن أبي هريرة.
(4)
سيأتي برقم (2391) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} .
وقال: عن أبي هريرة قَالَ: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أيوب يغتسل .. " الحديث.
وأما قوله: (رواه إبراهيم .. إلى آخره)، قَالَ الحُميدي لما ذكرها قَالَ عطاء تعليقًا عن أبي هريرة فذكره، ثم قَالَ: لم يرد -يعني: البخاري- على هذا من رواية عطاء، وقد أخرجه بطوله بالإسناد من حديث همام، عن أبي هريرة
(1)
. وكذا ساقه أبو نعيم الأصبهاني، عن البخاري كما سلف.
ثم قَالَ: لم يذكر البخاري اسم شيخه وأرسله، ورواه الإسماعيلي، فقال: حدثناه أبو بكر بن عبيدة الشعراني وأبو عمرو أحمد بن محمد الحيري، قالا: ثنا أحمد بن حفص، حَدَّثَني أبي، حَدَّثَني إبراهيم، عن موسى بن عقبة. وأخرجه النسائي في الطهارة عن أحمد بن حفص، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان
(2)
.
ثانيها:
أيوب صلى الله عليه وسلم هو من ذرية عيصو بن إسحاق، وعاش ثلاثًا وتسعين سنة، وكان ببلاد حوران
(3)
، وقبره مشهور عندهم بقرية بقرب نوى
(4)
عليه مشهد
(5)
، وهناك قدم في حجر يقولون: إنها أثر قدمه، وهناك عين يتبرك بها ويزعم أنها المذكورة في القرآن العظيم، وكانت شريعته
(1)
انظر: "الجمع بين الصحيحين"(3/ 242) رقم (2515).
(2)
"سنن النسائي" 1/ 200 - 201.
(3)
انظر: "معجم البلدان" 2/ 180.
(4)
انظر: "معجم البلدان" 5/ 306.
(5)
لا يجوز البناء على القبور أو رفعها، وما ذكره المؤلف من الروايات فلعله لا يعتبر مدحًا وإنما إخبار عن حقيقة الواقع.
التوحيد وإصلاح ذات البين، وإذا طلب من الله حاجة خر له ساجدًا ثم طلب، وكان أعبد أهل زمانه وأكثرهم مالًا، وكان لا يشبع حَتَّى يشبع الجائع، ولا يلبس حَتَّى يلبس العاري. وأمه بنت لوط عليه السلام.
ثالثها:
عطاء بن يسار سلف حاله فيما مضى.
وصفوان (ع): هو ابن سليم الزُهري مولاهم المدني التابعي الإمام القدوة، ممن يستسقى بذكره، يقال: إنه لم يضع جنبه إلى الأرض أربعين سنة، وأن جبهته نَقِبَتْ من كثرة السجود، وكان لا يقبل جوائز السلطان، ومناقبه جمة. مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ومولده سنة ستين
(1)
.
وموسى (ع) بن عقبة الثقة المفتي. مات سنة اثنتين وأربعين ومائة
(2)
.
وإبراهيم (ع) بن طهمان أحد أئمة الإسلام الثقات، فيه إرجاء، مات سنة بضع وستين ومائة
(3)
.
(1)
صفوان بن سليم المدني، أبو عبد الله، وقيل: أبو الحارث، القرشي، الزهري، الفقيه، وأبوه سليم مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ثقة من خيار عباد الله الصالحين. وقال أحمد بن عبد الله العجلي، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة. ووثقه يعقوب بن شيبة، وزاد: ثبتًا مشهورًا بالعبادة. وروى له الجماعة.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 4/ 307 (2930)، و"معرفة الثقات" 1/ 467 (762)، و"الجرح والتعديل" 4/ 423 (1858)، و"تهذيب الكمال" 13/ 184 (2882).
(2)
سبق ترجمته في حديث (3).
(3)
إبراهيم بن طهمان بن شعبة الخرساني، أبو سعيد الهروي، ولد بهراة، وسكن نيسابور، وقدم بغداد، وحدث بها، ثم سكن مكة حتى مات بها. انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 1/ 294 (945)، "معرفة الثقات" 1/ 211 (47)، "الجرح والتعديل" 2/ 107 (307)، "تهذيب الكمال" 2/ 108 (186).
رابعها:
("بينا") سلف الكلام عليها في الحديث الرابع من باب بدء الوحي.
وقوله: ("عريانًا") هو مصروف؛ لأنه فُعلان بالضم بخلاف فَعلان إذا كانت الألف والنون زائدتين مثل حمران وسكران.
("والجراد") جمع جرادة، والجرادة تقع على الذكر والأنثى، قاله الجوهري
(1)
. وليس الجراد تذكيرًا للجرادة، إنما هو اسم جنس كالبقر والبقرة، فحق مذكره ألا يكون مؤنثه من لفظه؛ لئلا يلتبس الواحد المذكر بالجمع، وقيل: الجراد الذكر، والجرادة الأنثى، حكاه ابن سيده
(2)
.
سميّ جرادًا؛ لأنه يجرد الأرض فيأكل ما عليها، وله قبل أسماء أن يصير جرادًا، ذكرها ابن سيده
(3)
وغيره. وفي رواية للبخاري في كتاب التوحيد "رجل جراد"
(4)
، أي: جماعة من جراد. والرِّجل -بالكسر- الجراد الكثير، وهو من أسماء الجماعات التي لا واحد لها من لفظها، يقال: رِجل من جرادٍ، وسرب من ظباء، وخبط من نعام، وعانة من الحمير.
وقوله: ("فَجَعَلَ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ") ذكر أهل اللغة أن الحثية باليدين جميعًا، قَالَ ابن سيده: الحثي: ما رفعت به يديك، يقال: حثى يحثي ويحثو، والياء أعلى
(5)
، وزعم ابن قرقول أنه يكون باليد الواحدة أيضًا.
(1)
"الصحاح" 2/ 456.
(2)
"المحكم" 7/ 223 مادة: جرد.
(3)
"المخصص" 2/ 351.
(4)
سيأتي برقم (7493) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللهِ} .
(5)
"المحكم" 3/ 331 - 332، 384.
وقوله: ("فَنَادَاهُ رَبُّهُ") يحتمل أن يكون كلمه كما كلم موسى، وهو أولى بظاهر اللفظ، ويحتمل أن يرسل إليه ملكًا فسمي منادى بذلك، وقد حكاهما على وجه الاحتمال الداودي في "شرحه"، وكذا ابن التين.
والغنى -مقصور- اليسار، وبالمد الصوت.
خامسها: في فوائده:
الأولى: جواز الاغتسال عُريانًا في الخلوة وقد سلف.
الثانية: جواز الحرص على الحلال وفضل الغنى؛ لأنه سماه بركة.
الثالثة: جواز اليمين بصفة من صفات الله تعالى.
21 - باب التَّسَتّر فِي الغُسْلِ عِنْدَ النَّاسِ
280 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النُّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- أَنَّ أَبَا مُرَّةَ -مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ، فَقَالَ:"مَنْ هذِه؟ ". فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ. [357، 3171، 6158 - مسلم: 336 - فتح: 1/ 387]
281 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخبَرَنَا عَبدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنْ مَيمُونَةَ قَالَت: سَتَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى الَحائِطِ -أَوِ الأرَضِ- ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ الَماءَ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ فُضَيْلِ فِي السَّتْرِ. [انظر: 249 - مسلم: 317، 337 - فتح: 1/ 387]
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- أَنَّ أَبَا مُرَّةَ -مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ، فَقَالَ:"مَنْ هذِه؟ ". فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ.
الكلام عليه من وجهين:
أحدهما:
هذا الحديث أخرجه البخاري في أربعة مواضع أخر في صلاة التطوع في السفر
(1)
، وفي الأدب
(2)
، والجزية
(3)
، والمغازي
(4)
،
(1)
سيأتي برقم (1103) كتاب: الصلاة، باب: من تطوع في السفر.
(2)
سيأتي برقم (6158) باب: ما جاء في زعموا.
(3)
سيأتي برقم (3171) باب: أمان النساء وجوارهن.
(4)
سيأتي برقم (4292) باب: منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح.
واختصره هنا وطوَّله في غيره.
وأخرجه مسلم في الطهارة
(1)
والصلاة
(2)
، وأخرجه أبو داود
(3)
والترمذي في الصلاة والاستئذان وصححه
(4)
.
ثانيها:
(أم)
(5)
هانئ بالهمز في آخره، واسمها فاختة أو هند أو فاطمة أو عاتكة أو جمانة أو رملة، أقوال أشهرها أولها، أسلمت عام الفتح
(6)
.
وأبو مرة (ع) مولاها اسمه يزيد
(7)
.
وأبو النضر (ع) اسمه سالم بن أمية مدني مشهور
(8)
، وباقي الإسناد سلف.
(1)
مسلم (336) كتاب: الحيض، باب: تستر المغتسل بثوب ونحوه.
(2)
المصدر السابق (336) كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان.
(3)
أبو داود (1291).
(4)
الترمذي (474، 2734).
(5)
ساقطة من الأصل.
(6)
انظر ترجمتها في: "معرفة الصحابة" 6/ 3574 (4197)، "الاستيعاب" 4/ 517 (3656)، "الإصابة" 4/ 503 (1533).
(7)
هو يزيد، أبو مرة مولى عقيل بن أبي طالب، ويقال: مولى أخت أم هانئ بنت أبي طالب، حجازي مشهور بكنيته، رأى الزبير بن العوام. قال الواقدي: وكان شيخًا قديمًا. روى له الجماعة. وقال ابن حجر: مدني مشهور بكنيته، ثقة. وقال محمد بن سعد: وكان ثقة قليل الحديث. انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 5/ 177، "الجرح والتعديل" 9/ 299 (1277)، "تهذيب الكمال" 32/ 290 (7068)، "تقريب التهذيب" 606 (7797).
(8)
سالم بن أبي أمية القرشي، التيمي، أبو النضر المدني، مولى عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، والد بردان بن أبي النضر. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، وإسحاق بن منصور عن يحيى بن معين، وأحمد بن عبد الله العجلي، والنسائي: =
ثم قَالَ البخاري: حَدَّثنَا عَبْدَانُ. وساق حديث ميمونة، وفيه: سَتَرْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ .. الحديث.
ثم قَالَ: تَابَعَهُ
(1)
أَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ فُضَيْلٍ فِي السَّتْرِ.
وقد سلف كل ذلك أول الغسل
(2)
.
والإجماع قائم على وجوب ستر العورة عن أعين الناظرين، وأصل هذين الحديثين ومصداقهما في كتاب الله تعالى، قَالَ تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} [النور: 58] الآية، ثم قَالَ تعالى:{ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاح} [النور: 58] فالجناح إذًا غير مرفوع عنهن.
وقوله: {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} أي: إن هذِه الأوقات أكثر ما يخلو فيها الرجل بأهله للجماع، وتحظير ذلك على الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا جرت عليهم الأقلام، يدل على أنه أوجب على غيرهم من الرجال والنساء التستر الذي أراده الله تعالى، وقد قَالَ تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} [الأعراف: 26] فعد علينا نعمته في ذلك.
= ثقة. وزاد العجلي: رجل صالح.
وقال أبو حاتم: صالح، ثقة، حسن الحديث. مات سنة تسع وعشرين ومائة. انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 4/ 11 (2139)، "معرفة الثقات" 1/ 384 (546)، "الجرح والتعديل" 4/ 179 (779)، "تهذيب الكمال" 10/ 127 (2141)
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: حاشية: الضمير في (تابعه) يعود على سفيان، قال المزي في "الأطراف": تابعه أبو عوانة وابن فضيل يعني عن الأعمش في السَّتْرِ.
(2)
انظر الأحاديث (249، 257، 259، 260، 265).
وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] فقرن غض الأبصار عن العورات بحفظ الفروج. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يطوف بالبيت عريان"
(1)
.
فكما لا يحل لأحد أن يبدي عن فرجه لأحد من غير ضرورة مضطرة له إلى ذلك، فكذلك لا يجوز له أن ينظر إلى فرج أحد من غير ضرورة، واتفق أئمة الفتوى -كما نقله ابن بطال- على أن من دخل الحمام بغير مئزر أنه تسقط شهادته بذلك، وهذا قول مالك والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي.
واختلفوا إذا نزع مئزره ودخل الحوض، وبدت عورته عند دخوله، فقال مالك والشافعي: تسقط شهادته بذلك أيضًا
(2)
.
وقال أبو حنيفة والثوري: لا تسقط شهادته بذلك، وهذا يعذر به؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، قَالَ: وأجمع العلماء على أن للرجل أن يرى عورة أهله وترى عورته
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (369) كتاب: الصلاة، باب: ما يستر من العورة.
ورواه مسلم (1347) كتاب: الحج، باب: لا يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحج الأكبر.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: المعروف عن الشافعية أن كشف العورة في الحمام صغيرة، وإذا كان كذلك فلا تُرد بها الشهادة، إلا إذا تكررت ثلاثا على قاعدتهم .. الاتفاق.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 396.
22 - باب: إِذَا احْتَلَمَتِ المَرْأَةُ
282 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الُمؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيمٍ -امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ- إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الَحقِّ، هَلْ عَلَى الَمرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ". [انظر: 130 - مسلم: 313 - فتح: 1/ 388]
ذكر فيه حديث أم سلمة، وقد سلف في باب الحياء في العلم
(1)
، فراجعه منه.
والإجماع قائم على أن النساء إذا احتلمن ورأين المني عليهن الغسل، وحكمهن حكم الرجال في ذلك، وكذا هو قائم على أن الرجل إذا رأى في منامه أنه احتلم أو جامع ولم يجد بللًا لا غسل عليه.
واختلفوا فيمن رأى بللًا ولم يذكر احتلامًا، فقالت طائفة: يغتسل.
روي عن ابن عباس والشعبي وسعيد بن جبير والنخعي
(2)
، وقال أحمد: أحب إلي أن يغتسل إلا رجل به إِبْرِدَة
(3)
.
وقال إسحاق: يغتسل إذا كانت بلة نطفة. وعن الحسن أنه قَالَ: إذا كان انتشر إلى أهله من أول الليل فوجد من ذلك بلة
(4)
فلا غسل عليه، وإن لم يكن كذلك اغتسل
(5)
.
(1)
سلف برقم (130) كتاب: العلم، باب: الحياء في العلم.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 77 - 78 (849، 851، 853، 857).
(3)
انظر "المغني" 1/ 269 - 270، وورد بهامش الأصل: الإبردة بالكسر: برد في الجوف.
(4)
بهامش الأصل: البلة بالكسر: الندوة.
(5)
"مصنف عبد الرزاق" 1/ 253 (972) ونصه: عن الحسن في الرجل يستيقظ فيجد البلة قالا: يغسل فرجه ويتوضأ.
وفيه قول ثالث: وهو أنه لا يغتسل حَتَّى يوقن بالماء الدافق، هكذا قَالَ مجاهد، وهو قول قتادة
(1)
، وقال مالك والشافعي وأبو يوسف: يغتسل إذا علم بالماء الدافق
(2)
.
وقال الخطابي: ظاهره يوجب الاغتسال إذا رأى البِلَّة، وإن لم يتيقن أنه الماء الدافق، وروي هذا القول عن جماعة من التابعين. وقال أكثر أهل العلم: لا يجب عليه حَتَّى يعلم أنه بلل الماء الدافق
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 87 (856)، (860).
(2)
انظر "الهداية" 1/ 17، "النوادر والزيادات" 1/ 59، "المجموع" 1/ 158.
(3)
"معالم السنن" 1/ 68.
23 - باب: عَرَقِ الجُنُبِ، وَأَنَّ المُسْلِم لَا يَنْجُسُ
283 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا حمَيْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَهُ في بَعْضِ طَرِيقِ الَمدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْة، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ:"أَيْنَ كنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ ". قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. فَقَالَ:"سُبحَانَ اللهِ! إِنَّ المؤمن لَا يَنْجُسُ". [285 - مسلم: 371 - فتح: 1/ 390]
حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثنَا يَحْييَ، ثَنَا حُمَيْدٌ، ثَنَا بَكْرٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ:"أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ ". قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. فَقَالَ:"سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ المؤمن لَا يَنْجُسُ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم
(1)
أيضًا والأربعة
(2)
، وأسقط مسلم في أكثر نسخه بَكْرًا، وعزاه أبو مسعود وخلف إليه بإثباته، وكذا البغوي في "شرح السنة"
(3)
، واعلم أنه وقع لحذيفة رضي الله عنه كما وقع لأبي هريرة أخرجه مسلم منفردًا به
(4)
، وكذا لابن مسعود كما سيأتي، وأغفله أصحاب الأطراف.
(1)
مسلم (371) كتاب: الحيض، باب: الدليل على أن المسلم لا ينجس.
(2)
أبو داود (231)، الترمذي (121)، والنسائي 1/ 145 - 146، وابن ماجه (534).
(3)
"شرح السنة" 2/ 30 (261).
(4)
مسلم (372) كتاب: الحيض، باب: الدليل على أن المسلم لا ينجس.
وورد بهامش الأصل ما نصه: من خط الشيخ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
ثانيها:
أبو رافع (ع) اسمه نفيع الصائغ مدني بصري ثقة نبيل أدرك الجاهلية
(1)
.
وبكر (ع): هو ابن عبد الله المزني تابعي ثقة إمام. مات سنة ثمان ومائة
(2)
.
وحميد: هو الطويل. ويحيى: هو ابن سعيد القطان
(3)
.
ثالثها:
قوله: (وَهْوَ جُنُبٌ). أي: مبعد؛ لأن الجنابة دال على معنى البعد، ومنه قوله تعالى:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] وعن الشافعي: إنما سمي جنبًا من المخالطة، ومن كلام العرب: أجنب الرجل إذا خالط امرأته
(4)
، أي: فمخالطتها مؤدية إلى الجنابة التي معناها البعد.
(1)
نفيع أبو رافع، نزيل البصرة، مولى ابنة عمر بن الخطاب، وقيل: مولى ليلى بنت العجماء، لم ير النبي صلى الله عليه وسلم.
قال العجلي: بصري، تابعي، ثقة من كبار التابعين. وقال أبو حاتم: ليس به بأس.
روى له الجماعة.
انظر: "الطبقات" 7/ 122. و"معرفة الثقات" 2/ 319 (1866).
و"الجرح والتعديل" 8/ 489 (2242). و"تهذيب الكمال" 30/ 14 (6467).
(2)
أبو عبد الله البصري. قال يحيى بن معين وأبو زرعة والنسائي: ثقة، وزاد أبو زرعة: مأمون. وقال العجلي: بصري ثقة تابعي. روى له الجماعة. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 90 (1795)، "معرفة الثقات" 1/ 251 (170)، "الجرح والتعديل" 2/ 388 (1507)، "تهذيب الكمال" 4/ 216 (747).
(3)
سبق ترجمته في حديث (13).
(4)
انظر "الأم" 1/ 31.
رابعها:
(انْخَنَسْتُ) -هو بالخاء المعجمة ثم نون ثم سين مهملة- أي:
تأخرت ورجعت وانقبضت، وهو لازم ومتعد، وفيه سبع روايات أخر: انبجستُ، انْتجسْتُ، انْبَخَسْتُ، اختسنت، انبجشت، انتجشت، احتلست.
وكلها راجعة إلى الانفصال والمزايلة على وجه التعظيم له، وقد أوضحتها بشواهدها في "شرح العمدة" فليراجع منه
(1)
، وذكر المنذري أن الثانية لفظ البخاري والترمذي
(2)
.
وقال ابن بطال: الواقع فيه انبخست -بالخاء- ولا معنى له، ولابن السكن: انبجست. قَالَ: والأشبه: فانخنستُ
(3)
.
فائدة:
سبب انخناس أبي هريرة عنه أنه كان إذا لقي أحدًا من أصحابه ماسحه ودعا له، كما أخرجه ابن حبان من حديث حذيفة
(4)
، وفي النسائي من حديث أبي وائل، عن عبد الله -يعني: ابن مسعود- قَالَ: لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأهوى إليّ، فقلت: إني جنب. فقال: "إن المؤمن لا ينجس"
(5)
.
(1)
"الإعلام" 2/ 9 - 12.
(2)
"مختصر سنن أبي داود"(1/ 157).
والذي فيه: (وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، وفي لفظ البخاري والترمذي:"فانسللت" وفي لفظ للبخاري: "فانخنست" وفي لفظ: "فانسللت". وفي لفظ مسلم والنسائي وابن ماجه: "فانسل". اهـ.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 398.
(4)
"صحيح ابن حبان" 4/ 205 (1370).
(5)
النسائي 1/ 145، وهو من حديث حذيفة أيضًا وليس عبد الله بن مسعود.
خامسها:
قوله: (كُنْتُ جُنُبًا). أي: ذا جنابة، يقال: جنب الرجل وأجنب إذا أصابته الجنابة.
سادسها:
قوله صلى الله عليه وسلم: ("سُبْحَانَ اللهِ! ") المراد بها التعجب من أن أبا هريرة اعتقد نجاسة نفسه؛ بسبب الجنابة، وهذِه اللفظة من المصادر اللازمة للنصب. ومعناه: تنزيه الله وبراءته عن النقصان الذي لا يليق بجلاله.
سابعها:
قوله: ("إِنَّ المؤمن لَا يَنْجُسُ") هو بفتح الجيم وضمها بناءً على أن ماضيه نجس بالفتح أو بالضم.
ثامنها: في أحكامه:
الأول: استحباب الطهارة عند مجالسة العلماء وأهل الفضل؛ ليكون على أكمل الحالات.
الثاني: أن العالم إذا رأى مِنْ تابعه أمرًا يخاف عليه فيه خلاف الصواب سأله عنه، وقال له صوابه وبين له حكمه.
الثالث: جواز التعجب بسبحان الله.
الرابع: تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه، وجواز انصرافه في حوائجه قبله.
الخامس: طهارة المسلم حيًّا وميتًا، أما الحيُّ فإجماع، وأما الميت فهو الأصح من قول الشافعي
(1)
، وصححه القاضي عياض أيضًا
(2)
،
(1)
انظر "المجموع" 5/ 143.
(2)
"إكمال المعلم" 2/ 226.
وسيأتي تعليق البخاري عن ابن عباس: المسلم لا ينجس حيًّا ولا ميتًا
(1)
.
والحاكم صححه على شرط الشيخين
(2)
.
وسواء في جريان الخلاف المسلم والكافر، وخص المؤمن بالذكر؛ لشرفه، وذهب بعض أهل الظاهر إلى نجاسته في حياته أخذًا بقوله تعالى:{إِنَمَا اَلُمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، وعزاه القرطبي في "الجنائز" إلى الشافعي فأغرب.
ونقل ابن العربي
(3)
الاتفاق على طهارة الشهيد بعد الموت، والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أحياء في قبورهم، فاعلمه.
وأجيب عن الآية السالفة بأنهم نجسوا الأفعال والاعتقاد لا الأعضاء، أو أن الغالب عليهم النجاسة، فإنهم لا يتحفظون منها غالبًا.
السادس: طهارة بدن الجنب وعرقه، وهو إجماع كما حكاه ابن المنذر، قَالَ: وعرق الذمي عندي طاهر
(4)
، وخالف ابن حزم فجعله نجسًا من المشرك
(5)
، لكن الباري تعالى أباح نكاح أهل الكتاب منهن، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، والإجماع قائم على أن لا غسل عليه من الكتابية إلا كما عليه من المسلمة.
وفي "المدونة" على ما نقله ابن التين أن المريض إذا صلى لا يستند
(1)
سيأتي قبل الرواية (1253) كتاب: الجنائز، باب: غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر.
(2)
"المستدرك"(1/ 385) وسيأتي الكلام عليه في موضعه في الجنائز إن شاء الله.
(3)
"عارضة الأحوذي" 1/ 186.
(4)
"الأوسط" 2/ 177 - 178.
(5)
"المحلى" 1/ 129.
بحائض ولا جنب
(1)
. وأجازه أشهب، قَالَ الشيخ أبو محمد: لأن ثيابهما لا تكاد تسلم من النجاسة. وقال غيره: لأجل أعينهما لا لثيابهما.
وفي "صحيح ابن خزيمة": عن القاسم بن محمد، قَالَ: سألت عائشة عن الرجل يأتي أهله ثم يلبس الثوب فيعرق فيه، أنجسًا ذلك؟
فقالت: قد كانت المرأة تُعِد خرقة أو خرقًا، فإذا كان ذلك مسح الرجل بها الأذى عنه، ولم ير أن ذلك ينجسه. وفي لفظ: ثم صليا في ثوبيهما
(2)
.
وفي الدارقطني من حديث عائشة: كان صلى الله عليه وسلم لا يرى على البدن جنابة، ولا على الأرض جنابة، ولا يجنب الرجلُ الرجلَ
(3)
.
وقال البغوي: معنى قول ابن عباس: أربع لا يجنبن: الإنسان والثوب والماء والأرض. يريد: الإنسان لا يجنب بنجاسة الجنب، ولا الثوب إذا لبسه الجنب، ولا الأرض إذا أفضى إليها الجنب، ولا الماء إذا غمس الجنب يده فيه
(4)
.
السابع: أن النجاسة إذا لم تكن عينًا في الأجسام لا يضر ما يطرأ عليها في وصفها، فإن المؤمن طاهر الأعضاء فإنه يحافظ على الطهارة والنظافة بخلاف الكافر كما سلف، فحملت كل طائفة على عادتها، فابن آدم ليس بنجس في ذاته ما لم تعرض له نجاسة تحل به.
الثامن: فيه أيضًا مواساة الفقراء، وائتلاف قلوب المؤمنين، والتواضع لله، واتباع أمر الله، قَالَ تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ اَلَّذِينَ يَدْعُونَ
(1)
"المدونة" 1/ 78.
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 142 (279، 280).
(3)
"سنن الدارقطني" 1/ 125.
(4)
"شرح السنة" 2/ 31.
رَبَّهُم بِاَلَغَدَوةِ وَاَلْعَشِيِّ يُرِيدونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] وملازمة أبي هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسؤاله عمن غاب من أصحابه، وأنه كما وصفه الله تعالى:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
وطهارة المؤمن حيًّا وميتًا كما سلف. وأما الغسل في حق الميت فهو كالوضوء في حق الحي؛ للتأهب عند القيام واللقاء، فالباري أحق من تُجُمِّل له، وفيه غير ذلك مما سيأتي في حديثه بعد، إن شاء الله تعالى.
24 - باب الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيرْهِ
وَقَالَ عَطَاءٌ: يَحْتَجِمُ الجُنُبُ، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيحْلِقُ رَأسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ.
284 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ. [انظر: 268 - مسلم: 309 - فتح: 1/ 391]
285 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعَلَى، حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ:"أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟ " فَقُلْتُ لَهُ. فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ! يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ". [انظر: 283 - مسلم: 371 - فتح: 1/ 391]
ثم ذكر حديث أنس في طوافه على نسائه، وقد سلف.
ثم ذكر حديث أبي هريرة: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ:"أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟ " فَقُلْتُ لَهُ. فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ! يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ".
أراد البخاري رحمه الله مما ذكره أن الجنب لا ينجس بالسنة
الصريحة فيه، وأنه يجوز له التصرف في أموره كلها قبل الغسل، ويرد قول طائفة من السلف أوجبت [عليه]
(1)
الوضوء. روي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان إذا أجنب لا يخرج لحاجته حَتَّى يتوضأ وضوءه
(1)
طمسٌ بالأصل ولعل المثبت المناسب للسياق.
للصلاة
(1)
، وعن ابن عباس مثله، وبه قَالَ عطاء والحسن
(2)
.
وقال علي وابن عمر وابن عمرو: لا يأكل ولا يشرب حَتَّى يتوضأ، وحكاه ابن أبي شيبة أيضًا عن عائشة وشداد بن أوس وسعيد بن المسيب ومجاهد وابن سيرين والزهري ومحمد بن علي والنخعي
(3)
واستدل لهم بحديث عائشة: كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام أو يأكل توضأ وضوءه، أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه
(4)
.
وفي أبي داود من حديث عمار بن ياسر أنه صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ
(5)
، والذي عليه الناس في ذلك ما روي عن أبي الضحى أنه سئل أيأكل الجنب؟ قَالَ: نعم، ويمشي في الأسواق
(6)
. ولم يذكر الوضوء قبله، وهو قول مالك وأكثر الفقهاء: أن الوضوء ليس بواجب عليه إذا أراد الخروج في حاجاته، وليس في حديث أنس السالف أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ حين كان يطوف على كل امرأة من نسائه، ولا في حديث أبي هريرة.
وممن قَالَ: لا وضوء عليه إذا أراد أن يطعم. مالك والكوفيون والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق
(7)
. وفي حديث أبي هريرة جواز أخذ الإمام والعالم بيد تلميذه ومن هو دونه، ومشيه معه معتمدًا عليه ومرتفقًا به.
(1)
رواه عبد الرزاق 1/ 28 (1090). وابن أبي شيبة 1/ 75 (823).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 75 (820 - 822).
(3)
"المصنف" 1/ 62 - 63 (659 - 675).
(4)
"صحيح مسلم"(305) كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب، والنسائي 1/ 138، وابن ماجه (584)، وفي النسائي وابن ماجه بدون لفظة: أو يأكل.
(5)
"سنن أبي داود"(225)، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(29).
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 62 (662).
(7)
"المدونة" 1/ 34.
وفيه: أن من حسن الأدب لمن مشى مع معلمه أو رئيسه ألا ينصرف عنه ولا يفارقه حَتَّى يعلمه بذلك، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة حين انصرف إليه:"أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ " فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم استحب له ألا يفارقه حَتَّى ينصرف معه، وأخذُه صلى الله عليه وسلم بيد أبي هريرة دال على طهارة بدن الجنب.
فائدة:
الرحل المذكور في حديث أبي هريرة: المنزل والمأوى، مأخوذ من رحل البعير الذي يقعد عليه على الدابة.
فائدة أخرى:
قوله: ("يَا أَبَا هِرٍّ؟ ") هو ترخيم هريرة.
فائدة ثالثة:
عياش شيخ البخاري في حديث أبي هريرة -هو بالمثناة تحت وشين معجمة في آخره - هو ابن الوليد أبو الوليد البصري
(1)
.
(1)
أبو الوليد عياش بن الوليد الرَّقّام القطان، البصري. قال أبو حاتم: هو من الثقات.
وقال أبو داود: صدوق.
وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات". مات سنة ست وعشرين ومائتين.
انظر: "التاريخ الكبير" 7/ 48 (216)، "الجرح والتعديل" 7/ 6 (30)، "الثقات" 8/ 509، "تهذيب الكمال" 22/ 562 (4603).
25 - باب: كيْنُونَةِ الجُنُبِ فِي البَيْتِ إِذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ
286 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشَيبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَهً قَالَ: سَألتُ عَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يرْقُدُ وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَت: نَعَمْ، وَيَتَوَضَّأُ. [288 - مسلم: 305 - فتح: 1/ 392]
حَدَّثنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنَا هِشَامٌ وَشَيْبَانُ، عَنْ يَحْييَ، عَنْ أِبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرْقُدُ وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَتْ: نعَمْ، ويتَوَضَّأ.
26 - باب: نَوْمِ الجُنُبِ
287 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الَخطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيَرْقدُ أَحَدُنَا وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ". [289، 290 - مسلم: 306 - فتح: 1/ 392]
حَدَّثنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ".
27 - باب: الجُنُبِ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَنَامُ
288 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهْوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ. [انظر: 286 - مسلم: 305 - فتح: 1/ 393]
289 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرَيةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ". [انظر: 287 - مسلم: 306 - فتح: 1/ 393]
290 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بن الَخطَّابِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تُصِيبُهُ الجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ". [انظر: 287 - مسلم: 306 - فتح: 1/ 393]
حَدَّثنَا يَحْييَ بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهْوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهْوَ جُنُبٌ؟ قالَ: "نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ".
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تُصِيبُهُ الجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ".
الكلام على ذلك من وجوه:
أحدها:
شيبان في السند الأول: هو ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب
صاحب حروف وقراءات. مات سنة أربع وستين ومائة
(1)
.
ويحيى: هو ابن أبي كثير، سلف.
وعبيد الله (ع) بن أبي جعفر في السند الثاني: هو المصري الفقيه أحد الأعلام، مات سنة ست وثلاثين ومائة
(2)
.
ومحمد (ع) بن عبد الرحمن: هو الأسدي، يتيم عروة، وثقه أبو حاتم، ومات بعد الثلاثين ومائة
(3)
.
وموسى بن إسماعيل: هو التبوذكي، سلف.
وجويرية: هو -بالجيم- ابن أسماء ثقة، وباقيهم سلف.
ثانيها:
هذِه الأحاديث أخرجها مسلم أيضًا، أعني: حديث عمر
(4)
وعائشة
(5)
، وزاد في حديث عائشة الأكل مع النوم أيضًا.
(1)
سبق ترجمته في حديث (10).
(2)
هو أبو بكر مولى بني كنانة، ويقال: مولى بني أمية. قال أحمد بن حنبل: كان يتفقه، ليس به بأس. وقال أبو حاتم: ثقة. وقال النسائي: ثقة. وقال أبو سعيد بن يونس: كان عالمًا عابدًا زاهدًا. وانظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 7/ 514، "الجرح والتعديل" 5/ 310 (1478)، "تهذيب الكمال" 19/ 18 (3625).
(3)
هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود، أبو الأسود، قال أبو حاتم: ثقة. ووثقه النسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات". انظر ترجمته في:"الجرح والتعديل" 7/ 321 (1735)، "الثقات" 7/ 364، "تهذيب الكمال" 25/ 645 (5411).
(4)
مسلم (306) كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب.
(5)
مسلم (305) كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب.
ثالثها:
قوله: ("تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ") هو من باب التقديم والتأخير، وقوله:("ثم نم") أمر إباحة.
رابعها:
هذِه الأحاديث دالة لمن يقول بوجوب الوضوء للجنب عند النوم، وهو قول كثير من أهل الظاهر، ورواية عن مالك، وأغرب ابن العربي فحكاه عن الشافعي، والجمهور على الندب
(1)
، إذ في السنن الأربعة من حديث عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء
(2)
. نعم، قَالَ البيهقي: طعن فيه الحفاظ.
وأجاب هو وقبله ابن سريج بأن المراد: لا يمس ماء للغسل
(3)
، وقال الداودي: تركه لعدم وجدانه أو تيمم لفقده. قلتُ: ولم لا يقال: تركه لبيان الجواز لا جرم قَالَ الشيخ تقي الدين القشيري: هذا الأمر ليس للوجوب ولا للاستحباب، فإن النوم من حيث هو نوم لا يتعلق به وجوب ولا استحباب، وإنما هو للإباحة، فتتوقف الإباحة على
(1)
انظر: "عارضة الأحوذي" 1/ 182 - 183، "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 48 - 49، "المغني" 1/ 303 - 304، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 174 - 176، "فتح الباري" لابن حجر 1/ 394 - 395.
(2)
رواه أبو داود (228)، والترمذي (118)، والنسائي في "الكبرى" 5/ 332 (9052 - 9053)، وابن ماجه (581).
قال الترمذي: روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق.
وقال البيهقي (1/ 202): صحيح من جهة الرواية.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(224): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(3)
انظر: "السنن الكبرى" 1/ 202.
الوضوء، وذلك هو المطلوب
(1)
.
واختلف في علة هذا الوضوء، فقيل: تعبد. وقيل: لعله ينشط للغسل.
وقيل: ليبيت على إحدى الطهارتين خشية الموت في المنام
(2)
.
فعلى هذا تتوضأ الحائض، ولا تتوضأ على الأول، وهذا الخلاف عند المالكية
(3)
، وأما أصحابنا فاستحبوه لها عند انقطاع دمها، وعند المالكية خلاف: هل يترك في وضوئه هذا غسل الرجلين أم لا؟ فذهب عمر بن الخطاب إلى جواز ذلك، ولم يره مالك، ووسع فيه ابن حبيب، وظاهر (قولها)
(4)
(وتوضأ للصلاة) أنه أكمله.
واختلفوا هل ينقض وضوء الجنب بالحدث الأصغر؟ فعن مالك: لا. وقال اللخمي: نعم
(5)
.
واختلفوا في الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب، هل يؤمر بالوضوء أم لا؟ فقال ابن عمر: نعم. وهو ظاهر رواية مسلم السالفة، وقال مالك: إنما يؤمر بغسل يده فقط
(6)
.
خامسها:
فيه السؤال عن المهمات وعدم الحياء منه.
(1)
انظر: "إحكام الأحكام" ص 141.
(2)
انظر: "عارضة الأحوذي" 1/ 183، "إحكام الأحكام" ص 141، "فتح الباري" لابن حجر 1/ 394 - 395.
(3)
انظر: "إحكام الأحكام" ص 141، "الذخيرة" 1/ 300.
(4)
في الأصل: قوله. وما أثبتناه يقتضيه السياق، حيث القائل السيدة عائشة.
(5)
انظر: "الذخيرة" 1/ 300.
(6)
"المدونة" 1/ 34.
28 - باب: إِذَا التَقَى الخِتَانَانِ
291 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ ح. وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الَحسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُريرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الغَسْلُ". تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَهُ. وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَخْبَرَنَا الَحسَنُ مِثْلَهُ. [مسلم: 348 - فتح: 1/ 395]
حَدَّثنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، ثنَا هِشَامٌ ح. وثنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الغَسْلُ". تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَهُ. وَقَالَ مُوسَى: ثنَا أَبَانُ، ثنَا قَتَادَةُ، أَنَا الحَسَنُ مِثْلَهُ
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم
(1)
وأبو داود والترمذي وابن ماجه
(2)
أيضًا، ومتابعة عمرو أخرجها مسلم
(3)
.
(1)
مسلم (348) كتاب: الحيض، باب: نسخ "الماء من الماء".
(2)
أبو داود (216)، وابن ماجه (610) ولم أجده في الترمذي وإنما وجدته عند النسائي (1/ 110 - 111).
(3)
لم أقف على هذِه المتابعة في مسلم. وقال ابن حجر في الفتح 1/ 396: وقرأت بخط الشيخ مغلطاي أن رواية عمرو بن مرزوق هذِه عند مسلم عن محمد بن عمرو بن جبلة عن وهب بن جرير وابن أبي عدي، كلاهما عن عمرو بن مرزوق عن شعبة وتبعه بعض الشراح على ذلك وهو غلط، فإن ذكر عمرو بن مرزوق في إسناد مسلم زيادة، بل لم يخرج مسلم لعمرو بن مرزوق شيئا. اهـ
ومتابعة موسى أخرجها البيهقي من حديث عفان بن مسلم وهمام بن يحيى عنه به بلفظ: "ثم أجهد نفسه فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل"
(1)
.
وذكر الدارقطني اختلافًا في إسناده، ثم قَالَ: والصواب عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة
(2)
، أي كما ذكره البخاري.
ثانيها:
الضمير المستتر في ("جلس")، والضمير البارز والمستتر في ("جهدها") للرجل والمرأة، وإن لم يجر لهما ذكر فهو من المضمر الذي يفسره سياق الكلام كقوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالحِجَابِ} [ص: 32] وكذا قوله: ("بين شعبها") من هذا الباب أيضًا.
ثالثها:
الشعب جمع شعبة، ورواية النسائي "أشعبها" هو جمع شعبة، وفي المراد بها خمسة أقوال ذكرتها في "شرح العمدة"
(3)
.
(1)
"السنن الكبرى" 1/ 163، وليس كما قال المصنف، وإنما هو من رواية عفان عن أبان بن يزيد العطار وهمام بن يحيى جميعًا عن قتادة عن الحسن. وليس فيه موسى.
قال ابن حجر في "الفتح" 1/ 396: قرأت بخط مغلطاي أيضًا أن رواية موسى هذِه عند البيهقي أخرجها من طريق عفان وهمام، كلاهما عن موسى عن أبان، وهو تخليط تبعه عليه أيضًا بعض الشراح، وإنما أخرجها البيهقي من طريق عفان عن همام وأبان جميعًا عن قتادة، فهمام شيخ عفان لا رفيقه وأبان رفيق همام لاشيخ شيخه، ولا ذكر لموسى فيه أصلا، بل عفان رواه عن أبان كما رواه عنه موسى فهو رفيقه لا شيخه، والله الهادي إلى الصواب. اهـ.
(2)
"العلل " 8/ 257 - 260.
(3)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 85.
والمختار منها أن المراد: نواحي الفرج الأربع، والشعب: النواحي، والأقرب عند الشيخ تقي الدين أن المراد: اليدين والرجلين، أو الرجلين والفخذين، فيكون الجماع مكنيا عنه بذلك، واكتفي بما ذكر عن التصريح
(1)
.
رابعها:
قوله: ("ثُمَّ جَهَدَهَا") هو: بفتح الجيم والهاء، أي: بلغ جهده منها، وقيل: حفزها أي: كدها بحركته. وقيل: بلغ مشقتها.
خامسها: في حكمه:
وهو أن إيجاب الغسل لا يتوقف على إنزال المني، بل متى غابت الحشفة في الفرج وجب الغسل على الرجل والمرأة، ولهذا جاء في رواية أخرى في الصحيح:"وإن لم ينزل"
(2)
.
فيكون قوله: "جلس .. " إلى آخره خرج مخرج الغالب، لا أن الجلوس بين شعبها وجهدها شرط لوجوب الغسل، وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد كان فيه خلاف لبعض الصحابة: كعثمان وأُبي ومن بعدهم كالأعمش وداود، ثم انعقد الإجماع على ما ذكرنا، وخالف بعض الظاهرية داود ووافق الجماعة
(3)
، ومستند داود هو حديث:"إنما الماء من الماء"
(4)
.
(1)
"إحكام الأحكام" ص 147.
(2)
مسلم (348).
(3)
انظر: "المحلى" 2/ 2 - 4.
(4)
رواه مسلم برقم (343) كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء، وأبو داود (217)، وأحمد 3/ 29، 36. وأبو يعلى 2/ 432 (1236)، وابن خزيمة 1/ 117 (233)، وأبو عوانة في "مسنده" 1/ 240 (815)، والطحاوي في "شرح معاني =
وقد جاء في الحديث: إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نسخ. رواه الترمذي وصححه
(1)
؛ فزال ما استندوا إليه، وذهب ابن عباس وغيره أنه ليس بمنسوخ، بل المراد به: نفي وجوب الغسل بالرؤية]
(2)
في النوم إذا لم ينزل.
وحديث أُبي الآتي في الباب بعده
(3)
عنه جوابان:
أحدهما: نسخه.
ثانيهما: أنه محمول على ما إذا باشرها فيما سوى الفرج.
وقال ابن العربي: قد روى جماعة من الصحابة المنع ثم رجعوا، حَتَّى روي عن عمر أنه قَالَ: من خالف في ذلك جعلته نكالًا
(4)
.
وانعقد الإجماع على ذلك، ولا يعبأ بخلاف داود في ذلك، فإنه لولا خلافه ما عرف، وإنما الأمر الصعب خلاف البخاري في ذلك، وحكمه بأن الغسل (أحوط)
(5)
، أي: كما سيأتي عنه وهو أحد علماء الدين، والعجب منه أنه يساوي بين حديث عائشة في وجوب الغسل بالتقاء الختانين، وبين حديث عثمان وأُبي في نفيه إلا بالإنزال، وحديث عثمان ضعيف، ثم أعله بعلل ستعرفها في الباب بعده مع الجواب عنها.
= الآثار" 1/ 54، وابن حبان 3/ 443 (1168)، والبيهقي 1/ 167. جميعهم عن أبي سعيد الخدري.
(1)
الترمذي (110)، (111)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(96).
(2)
هنا انتهى سقط (ج).
(3)
سيأتي برقم (293) كتاب: الغسل، باب: غسل ما يصيب من فرج المرأة.
(4)
بمعناه رواه ابن أبي شيبة عن عمر في "مصنفه" 1/ 85 (947).
(5)
في "العارضة": مستحب.
قَالَ: وحديث أُبي يصعب التعلق به؛ لأنه قد صح رجوعه عما روى لما سمع وعلم ما كان أقوى منه. ويحتمل قول البخاري الغسل أحوط -يعني في الدين- وهو باب مشهور في الأصول وهو الأشبه بإمامة الرجل وعلمه
(1)
.
(1)
"عارضة الأحوذي" 1/ 169 - 170.
29 - باب: غَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنْ فَرْجِ المَرْأَة
292 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ الُحسَيْنِ، قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ، أنَهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، وَيغْسِلُ ذَكَرَهُ. قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِى طَالِبِ، وَالزُّبَيرَ بْنَ العَوَّامِ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبِ رضي الله عنهم، فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ. قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا أيُّوبَ أَخْبَرَهُ، أنَهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [: 179 - مسلم: 347 - فتح: 1/ 396]
293 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الَمرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ؟ قَالَ:"يَغْسِلُ مَا مَسَّ المَرْأةَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّيَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: الغَسْلُ أَحْوَطُ، وَذَاكَ الآخِرُ، وَإِنَّمَا بَيَّنَّا لاِختِلَافِهِم. [مسلم: 346 - فتح: 1/ 398]
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ يَحْييَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الجُهَنِىَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّاُ لِلصَّلَاةِ، وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ. قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبِ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ العَوّامٍ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنهم، فَأَمَرُوهُ بِذلِكَ. قَالَ يَحْييَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، أَلتَ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
حَدَّثنَا مُسَدَّدٌ، ثنَا يَحْييَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو أَيُّوبَ،
أَخْبَرَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْب أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ؟ قَالَ:"يَغْسِلُ مَا مَسَّ المَرْأةَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: الغَسْلُ أَحْوَطُ، وذلك الآخِرُ، إِنَّمَا بَيَّنَّا اختلافهم.
الكلام عليهما من أوجه:
أحدها:
الحديث الأول أخرجه مسلم أيضًا دون قوله: فسألتُ عن ذلك عليًّا
…
إلى آخره
(1)
.
والظاهر أنه منهم فتوى لا رواية، لكن رواه الإسماعيلي مرة بما ظاهره أنه رواية، وصرح به أخرى ولم يذكر عليًّا ثم ذكر بعد ذلك روايات، وقال: لم يقل أحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم غير الحماني، إنما قالوا مثل ذلك، وليس الحماني من شرط هذا الكتاب.
وقوله: (عن الحسين): هو ابن ذكوان، قَالَ يحيى: كذا وقع هنا، ووقع في مسلم بدل (قَالَ)(عن). وقال أبو مسعود، وخلف في أطرافهما: روياه من طريق حسين عن يحيى.
وقوله: (قَالَ يحيى)، و (أخبرني) إلى آخره هو معطوف على الإسناد الأول، وقال الدارقطني: فيه وهم؛ لأن أبا أيوب لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما سمعه من أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ ذلك هشام، عن أبيه، عن أبي أيوب، عن أبي
(2)
.
وأعله ابن العربي فقال: حديث ضعيف؛ لأن مرجعه إلى الحسين بن ذكوان المعلم، والحسين لم يسمعه من يحيى، وإنما نقله له يحيى،
(1)
مسلم (347) كتاب: الحيض، باب:"إنما الماء من الماء".
(2)
"العلل" 3/ 33.
وكذلك أدخله البخاري عنه بصيغة المقطوع، قَالَ: وهذِه علة، وقد خولف حسين فيه عن يحيى، فرواه عنه غيره موقوفًا على عثمان، ولم يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذِه علة ثانية.
وقد خولف فيه أيضا أبو سلمة فرواه زيد بن أسلم، عن عطاء، عن زيد بن خالد أنه سأل خمسة أو أربعة من الصحابة فأمروه بذلك ولم يرفعه، وهذِه ثالثة، وكم من حديث ترك البخاري إدخاله بواحدة من هذِه العلل الثلاث، فكيف بحديث اجتمعت فيه؟!
(1)
. هذا كلامه.
وقد أخرج البخاري حديث عثمان من غير طريق الحسين بن ذكوان، رواه عن سعد بن حفص، عن شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عطاء، عن زيد، كما سلف في باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين
(2)
.
وقال الدارقطني: حدث به عن يحيى حسين المعلم وشيبان، وهو صحيح عنهما
(3)
. ورواه ابن شاهين من حديث معاوية بن سلام عن يحيى به. وقد تابعه اثنان، ثم الحسين بن ذكوان ثقة مشهور، أخرج له الستة، وأما العقيلي فضعفه
(4)
بلا حجة.
وقوله: إن البخاري رواه بصيغة المقطوع. لا يُسلَّم له، وقد أسلفنا أن مسلمًا أتى بـ (عَنْ) موضع (قَالَ). وقال ابن طاهر: سمع الحسين من يحيى
(5)
. وقد رواه مصرحًا بالسماع منه ابن خزيمة في "صحيحه"،
(1)
"عارضة الأحوذي" 1/ 170.
(2)
سبق رقم (179) كتاب: الطهارة، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.
(3)
"العلل" 3/ 31.
(4)
"ضعفاء العقيلي" 1/ 250 (299).
(5)
"الجمع بين رجال الصحيحين" 1/ 86.
والبيهقي في "سننه" وغيرهما
(1)
.
وقوله: إن أبا سلمة خالفه زيد بن أسلم. لا يضره لأن أبا سلمة إمام حافظ، وقد زاد فيقبل؛ ولأن الراوي قد ينشط فيرفع.
وقال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل عن حديث عطاء بن يسار عن زيد بن خالد قَالَ: سألتُ خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عثمان، وعليًّا، وطلحة، والزبير، وأبي بن كعب، فقالوا: الماء من الماء. فيه علة؟ قَالَ: نعم، ما يروى من خلافه عنهم
(2)
.
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني وسئل عن هذا الحديث، فقال: إسناد حسن، ولكنه شاذ
(3)
.
ثانيها:
الحديث الثاني أخرجه مسلم أيضًا هنا عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد بن زيد، وعن أبي غريب عن أبي معاوية، وعن أبي موسى، عن غندر، وعن شعبة ثلاثتهم عن هشام
(4)
.
وفي حديث شعبة، عن هشام، عن أبيه، عن المليء -يعني أبا أيوب- عن أبي. رواه أبو سلمة، عن عروة، عن أبي أيوب مرفوعًا.
ثالثها:
قوله: (وَذَلكَ الآخر) -بفتح الخاء كما قال ابن التين- رويناه به، وقَالَ: وضبط في بعض الكتب بكسرها، كأنه يقول: هذا الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم فهو ناسخ لما قبله.
(1)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 112 (224)، و"السنن الكبرى" 1/ 164.
(2)
انظر: "التمهيد" 23/ 111.
(3)
انظر: " التمهيد" 23/ 110.
(4)
مسلم (346) كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء.
رابعها:
قوله: (فلم يُمْنِ) -هو بضم الياء وإسكان الميم- هذا أفصح اللغات. ثانيها: فتح الياء. ثالثها: ضم الياء مع فتح الميم وتشديد النون، يقال: أمنى الرجل يمني: إذا أنزل المني، ومنه قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)} [الواقعة: 58].
خامسها: في حكمه:
وقد سلف في الباب الذي قبله، وقد نقل ابن حزم عن خلق من الصحابة أن لا وجوب إلا بالإنزال، فقال: وممن رأى أن لا غسل من الإيلاج في الفرج إن لم يكن أنزل عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، ورافع بن خديج، وأبو سعيد الخدري، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري، وابن عباس، والنعمان بن بشير، وزيد بن ثابت، وجمهرة الأنصار رضي الله عنهم، وعطاء بن أبي رباح، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وهشام بن عروة، وبعض أصحاب الظاهر
(1)
، وما نقله عنهم قد روي عن بعضهم ما يخالفه، وقد سلف بعضه.
وروى مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة أم المؤمنين كانوا يقولون: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل
(2)
. وفي كتاب ابن بطال أنه روي عن عثمان وعلي وأُبي بأسانيد حسان أنهم أفتوا بخلافه
(3)
.
(1)
انظر: "المحلى" 2/ 4.
(2)
"الموطأ" ص 53.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 404.
وقال ابن رشد في "قواعده": لما وقع الإجماع أن مجاوزة الختانين يوجب الحد، وجب أن يكون هو الموجب للطهر
(1)
. وحكوا أن هذا القياس مأخوذ من الخلفاء الأربعة.
وروى البيهقي بإسناده إلى علي رضي الله عنه أنه كان يقول: ما أوجب الحد أوجب الغسل
(2)
.
وروى ابن بطال عن أُبي رجوعه عنه قبل موته
(3)
.
(1)
"بداية المجتهد" 1/ 98.
(2)
"السنن الكبرى" 1/ 166.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 405.