الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
6 - كِتابُ الحَيْضِ
قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} الآية [البقرة: 222].
الحيض: أصله السيلان. يقال: حاض الوادي: إذا سال. وقال ثعلب: من الحوض لاجتماعه، فأبدلت واوه ياء؛ كقولهم في حثوة: حثية، وله عدة أسماء ذكرتها في شرح كتب الفروع، واستفتحه البخاري رحمه الله بهذِه الآية.
والمحيض الأول: هو الحيض بإجماع العلماء. والثاني: دم الحيض. وقيل: زمانه. وقيل: مكانه وهو الفرج.
وهذا قول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وجمهور المفسرين، ويؤيده ما في "صحيح مسلم" من حديث أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت. (فسأل)
(1)
أصحاب
(1)
كذا في (س)، وفي (ج): قال.
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اصنعوا كل شيء إلا النكاح"
(1)
وهذا السائل هو أبو الدحداح، قاله الواحدي
(2)
.
وفي مسلم أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر قالا بعد ذلك: أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث
(3)
.
وهذا بيان للأذي المذكور في الآية، وهو اعتزال الفرج دون سائر البدن، وإن كان الأصح عند أصحابنا أنه يعتزل ما بين السرة والركبة؛ لأنه (حرم)
(4)
الفرج
(5)
، و"من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه"
(6)
.
والإجماع قائم على جواز مؤاكلتها ومضاجعتها وقبلتها، إلا ما شذ به عبيدة السلماني فيما حكاه ابن جرير، وقال به بعض أصحابنا وهو واهٍ جدًّا.
واختلف العلماء في جواز وطئها إذا انقطع حيضها قبل أن تغتسل، فحرمه مالك، والليث، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والشعبي، ومجاهد، والحسن، ومكحول، وسليمان بن يسار، وعكرمة
(7)
.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن انقطع دمها بعد عشرة أيام -الذي هو عنده أكثر الحيض- جاز له أن يطأها قبل الغسل، فإن انقطع دمها قبل
(1)
مسلم (302) كتاب: الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله.
(2)
"أسباب النزول" ص 77.
(3)
"صحيح مسلم"(302).
(4)
كذا في (س)، وفي (ج): حريم.
(5)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 136.
(6)
قطعة من حديث مر برقم (52).
(7)
انظر: "الذخيرة" 1/ 377، "البيان" 1/ 343، "المغني" 1/ 419 - 420.
العشر لم يجز حتى تغتسل أوْ يمر عليها وقت صلاة؛ لأن الصلاة تجب عنده بآخر الوقت، فإذا مضى عليها آخر الوقت ووجبت عليها الصلاة عُلم أن الحيض قد زال؛ لأن الحائض لا صلاة عليها
(1)
.
وقال الأوزاعي: إن غسلت فرجها جاز وطؤها، وإلا فلا. وبه قالت طائفة من أهل الحديث
(2)
.
ورُوي مثله عن عطاء، وطاوس، وقتادة، ووجه هذا قوله تعالى:{حَتَّى يَطْهُرْنَ} أي: ينقطع دمهن. فجعل ذلك غاية لمنع قربانها.
وأجاب عنه الأولون فقالوا: المراد بالآية: التطهر بالماء، فإنه قال تعالى:{فَإِذَا تَطَهَّرنَ} فأضاف الفعل إليهن، وانقطاع الدم لا فعل لهن فيه، فالتقدير: فلا تقربوهن حتى يطهرن ويتطهرن، فعلقه بوجودهما فلا يحل إلا بهما وقد يقع التحريم بشيء، فلا يزول بزواله لعلة أخرى، كقوله تعالى في المبتوتة:{فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] أي: وتنقضي عدتها.
قال ابن بطال: وقول أبي حنيفة لا وجه له، وقد حكم أبو حنيفة وأصحابه للحائض بعد الانقطاع بحكم الحائض في العدة، وقالوا: لزوجها عليها الرجعة ما لم تغتسل. فقياسه هنا يوقف الحِلَّ على الغسل. قال إسماعيل بن اسحاق: ولا أعلم أحدًا ممن رُوي عنهم العلمُ من التابعين ذكر في ذلك وقت صلاة
(3)
.
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 33.
(2)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 254.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 410.
1 - باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الحَيْضِ
؟
وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "هذا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ".
وقًالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ. [فتح: 1/ 400]
أي: فإنه عام في جميع بنات آدم، فهذِه المقالة عن بعضهم مردودة بذلك.
قال المهلب: الحديث يدل على أن الحيض مكتوب على بنات آدم فمن بعدهن من البنات، وهو من أصل خلقتهن الذي فيه صلاحهن، قال تعالى في زكريا صلى الله عليه وسلم:{وَأَصْلَحْنَا لهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90].
قال أهل التأويل يعني: رد الله إليها حيضها لتحمل، وهو من حكمة الباري تعالى الذي جعله سببًا للنسل (الإنسي)
(1)
أن المرأة إذا ارتفع حيضها لم تحمل عادة. قال ابن بطال: وقال غيره ليس فيما أتى به حجة؛ لأن زكريا من أولاد بني إسرائيل، والحجة القاطعة في ذلك قوله تعالى:{فَضَحِكَتْ} [هود: 71] في قصة إبراهيم.
قال قتادة: يعني: حاضت
(2)
. وهذا معروف في اللغة يقال: ضحكت المرأة: إذا حاضت، وكذلك الأرنب والضبع والخفاش.
وإبراهيم صلى الله عليه وسلم هو جد إسرائيل؛ لأن اسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن
(1)
كذا في (س) وفي (ج): الأبوي.
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 72 (18334) عن مجاهد، وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 3/ 616. ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 6/ 2055 (11021) عن ابن عباس، وكذا عزاه أيضًا السيوطي 3/ 616. وأورده السيوطي أيضًا 3/ 616 عن عكرمة، وعزاه لأبي الشيخ.
إبراهيم، ولم ينزل على بني إسرائيل كتاب إلا على موسى، فدل ذلك على أن الحيض كان قبل بني إسرائيل، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يشهد لهذا التأويل وصحته
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 411 - 412.
[باب الأَمْرِ بِالنُّفَسَاءِ إِذَا نُفِسْنَ]
294 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ القَاسِمِ، قَالَ: سَمِعْتُ القَاسِمَ يَقُولُ: سمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: خَرَجْنَا لَا نَرى إِلَّا الَحجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، قَالَ:"مَا لَكِ أَنُفِسْتِ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "إِنَّ هذا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ". قَالَتْ: وَضَحَّى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ. [305، 316، 317، 319، 328، 1516، 1518، 1556، 1560، 1561، 1562، 1638، 1650، 1709، 1720، 1733، 1757، 1762، 1771، 1772، 1783، 1786، 1787، 1788، 2952، 2984، 4395، 4401، 4408، 5329، 5548، 5559، 6157، 7229 - مسلم: 1211 - فتح: 1/ 400]
ثم ساق البخاري الحديث الأول الذي ذكره معلقًا فقال:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ -وهو ابن المديني- ثَنَا سُفْيَانُ، هو ابن عيينة، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ القَاسِمِ، قَالَ: سَمِعْتُ القَاسِمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: خَرَجْنَا لَا نَرى إِلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فقَالَ:"مَا لَكِ أَنُفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "إِنَّ هذا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ". قَالَتْ: وَضَحَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الحج والأضاحي
(1)
،
(1)
سيأتي برقم (1560) كتاب: الحج، باب: قول الله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، =
وأخرجه مسلم أيضًا في الحج
(1)
(2)
.
ثانيها:
قوله: (لَا نَرى إِلَّا الحَجَّ). أي: لا نعتقد أنا نحرم إلا به، لأنا كنا نظن امتناع العمرة في أشهر الحج، فأخبرت عن اعتقادها، أو عن الغالب من حال الناس، أو من حال الشارع، أما هي فقد قالت أفها لم تحرم إلا بعمرة.
ثالثها:
سَرِف -بفتح السين المهملة وكسر الراء ثم فاء-: موضع قريب من مكة على أميال منها، قيل: ستة، أو سبعة، أو تسعة، أو عشرة، أو اثنا عشر
(3)
.
رابعها:
قوله: ("أَنَفِسْتِ؟ "). يصح بكسر الفاء، وفتح النون، وضمها لغتان مشهورتان:
أفصحهما: الفتح أي: حضت، ويقال في النفاس الذي هو الولادة: نفست بضم النون وفتحها أيضًا، ونفي الثاني النووي فقال: إنه بالضم لاغير
(4)
.
= وبرقم (5548) كتاب: الأضاحي، باب: الأضحية للمسافر والنساء، وبرقم (5559) كتاب: الأضاحى، باب: من ذبح ضحية غيره.
(1)
"صحيح مسلم"(1211/ 119 - 120) كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام.
(2)
جاء في هامش (س) ما نصه: من خط الشيخ: وابن ماجه في الحج، وأبو داود فيه، والنسائي فيه والطهارة.
(3)
انظر: "معجم ما استعجم": 3/ 735، "معجم البلدان": 3/ 212.
(4)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 8/ 146.
وليس كما قال فقد حكاهما فيه صاحب "الأفعال"
(1)
.
واقتصر الخطابي على الفتح في الحيض، والضم في النفاس
(2)
.
وهو المشهور فيهما، وقيل بالوجهين في النفاس، وفي الحيض: بالفتح لا غير. ومشى عليه ابن الأثير
(3)
.
خامسها:
قوله: ("إِنَّ هذا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ") أي: قضى به عليهن، وهذا تسلية وتأنيس لها وتخفيف لهمِّها، ومعناه: إنكِ لست مختصة به.
سادسها:
قوله: ("فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ").
معنى "اقضي": افعلي، وهو دال على أن الحائض ومثلها النفساء، والجنب، والمحدث يصح منهم جميع أفعال الحج وأقواله وهيئاته إلا الطواف، فإنه يشترط فيه الطهارة، وهذا مذهب الجمهور
(4)
وصححه أبو حنيفة
(5)
، وداود، واختلف عن أحمد في طواف المحدث والنجس، فروي عنه عدم الصحة، والصحة مع لزوم دم
(6)
. كقول أبي حنيفة، حكاه ابن الجوزي.
(1)
"الأفعال" لابن القوطية ص 114.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 313.
(3)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 95.
(4)
انظر: "المعونة" 1/ 369 - 370، "روضة الطالبين" 3/ 79.
(5)
أي صحة طواف المحدث وغيره، وفيه نظر، لأن الطهارة في الطواف عند الأحناف ليست بشرط ولا ركن بل واجبة على الصحيح، وقيل: سنة. فعليه: إن طاف طواف القدوم محدثًا فعليه صدقة، وهي نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر، وإن طاف طواف الزيارة محدثًا فعليه شاة، لأن طواف الزيارة ركن.
انظر: "الهداية" 1/ 178 - 179، "بدائع الصنائع" 2/ 129.
(6)
انظر: "الكافي" 2/ 412.
واعتذروا عن الحديث بأن أمره لها باجتناب الطواف؛ لأجل المسجد واللبث فيه، وجوابه أنه لو أراد ذلك لقال لها: لا تدخلي المسجد، ولما قال لها:"لا تطوفي" كان ذلك دليلًا على المنع في حق الطواف نفسه، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم:"الطواف بالبيت صلاة"
(1)
؟! والصلاة الطهارة شرط فيها بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"
(2)
.
سابعها:
قولها: (وَضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ). هو محمول على استئذانه لهن في ذلك، فإن التضحية عن الغير لا تجوز إلا بإذنه، وفي رواية أخرى: وأهدى عن نسائه البقر
(3)
.
وهي دالة على أن البقر مما يهدى، وأنه يجوز إهداء الرجل عن غيره، وإن لم يعلمه، ولا أذن له، وكان هذا الهدي -والله أعلم- تطوعًا.
واستدل به مالك على أن التضحية بالبقر أفضل من البدن
(4)
،
(1)
رواه الدارمي 2/ 1165 (1889)، وأبو يعلى 4/ 467 (2599)، وا بن الجارود في "المنتقى" 2/ 87 - 88 (461)، وابن خزيمة 4/ 222 (2739)، وابن حبان 9/ 143 - 144 (3836)، والحاكم 1/ 459، والبيهقي 5/ 85 من حديث ابن عباس مرفوعًا، قال النووي في "المجموع" 2/ 77: إسناده ضعيف، والصحيح عندهم أنه موقوف على ابن عباس. قال الذهبي في "التلخيص" 1/ 459: صحيح وقفه جماعة، وصححه الألباني في "الإرواء"(121).
(2)
رواه مسلم (224) كتاب: الطهارة، باب: وجوب الطهارة للصلاة، من حديث ابن عمر.
(3)
رواه مسلم (1211/ 120) كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام.
(4)
انظر: "المعونة" 1/ 435.
ولا دلالة فيه؛ لأنها قضية عين محتملة، ولا حجة فيها، فالشافعي والأكثرون ذهبوا إلى أن التضحية بالبدن أفضل من البقر
(1)
؛ لتقديم البدنة على البقرة في حديث ساعة الجمعة
(2)
.
(1)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 301، "روضة الطالبين" 3/ 197.
(2)
سيأتي برقم (881) كتاب: الجمعة، باب: فضل الجمعة، ورواه مسلم (850) كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة.
2 - باب غَسْلِ الحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ
295 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا حَائِضٌ. [296، 301، 2028، 2029، 2031، 2046، 5925 - مسلم: 297 - فتح: 1/ 401]
296 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْن يُوسُفَ، أَنَّ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ سُئِلَ أَتَخْذمُنِي الَحائِضُ أَوْ تَدْنُو مِنِّي الَمرْأَةُ وَهْيَ جُنُبٌ؟ فَقَالَ عُرْوَة: كُلُّ ذَلِكَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، وَكلُّ ذَلِكَ تَخْدُمُنِي، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ، أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ ترَجِّلُ -تَعْنِي:- رَأْسَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ، وَرَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ فِي الَمسْجِدِ، يُدْنِي لَهَا رَأْسَهُ وَهْيَ فِي حُجْرَتِهَا، فَتُرَجِّلُهُ وَهْيَ حَائِضٌ. [انظر: 295 - مسلم: 297 - فتح: 1/ 401]
أي: تسريح شعر رأسه، والترجيل: التسريح.
ذكر فيه حديث عائشة من طريق هشام
(1)
عَنْ أَبِيهِ، عَنْها: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا حَائِضٌ.
وهو مطابق لما ترجم له، ولا خلاف بين العلماء في ذلك إلا شيء رُوي عن ابن عباس في ذلك.
قال ابن أبي شيبة: حدثنا ابن عيينة، عن ميمون، عن أمه قالت: دخل ابن عباس على ميمونة فقالت: أي بني ما لي أراك شعثًا رأسُك؟ قال: إن أم عمار مرجلتي وهي الآن حائض، فقالت: أي بني وأين الحيضة من اليد؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في حجر إحدانا
(1)
جاء في هامش (س): بخط الشيخ: أخرجه من حديث هشام الجماعة إلا مسلم، وأخرجه الأربعة، والبخاري، ومسلم من حديث الزهري، عن عروة، وغيره عنها. ويأتي في الاعتكاف.
وهي حائض
(1)
.
ثم ذكر البخاري أيضًا حديثًا ثانيًا فقال:
حَدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى نَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ أَخْبَرَنِي هِشَامٌ بن عروة، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ سُئِلَ أَتَخْدُمُنِي الحَائِضُ أَوْ تَدنُو مِنِّي المَرْأَةُ وَهْيَ جُنُبٌ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: كُلُّ ذَلِكَ هَيِّنٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْدُمُنِي، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ، أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حَائِضٌ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ فِي المَسْجِدِ مُجَاوِرٌ، يُدْنِي لَهَا رَأْسَهُ وَهْيَ فِي حُجْرَتِهَا، فَتُرَجِّلُهُ وَهْيَ حَائِضٌ.
وهشام هذا هو الصنعاني قاضيها مات نحو المائتين
(2)
(3)
.
وإبراهيم هو الرازي الفراء الحافظ شيخ (البخاري ومسلم وأبي داود)، ومن بقي بواسطة
(4)
.
(1)
"المصنف" 1/ 184 (1212) ووقع فيه: عن منبوذ، عن أمه، بدل ميمون، وكذا وقع أيضًا في "شرح ابن بطال" 1/ 412، "عمدة القاري" 1/ 157 منبوذ، وهو الصواب، ففي "تهذيب الكمال" 11/ 177 - 182 أن سفيان بن عيينة يروي عن منبوذ بن أبي سليمان المكي، وليس له رواية عن راوٍ يسمى ميمون، وفي ترجمة منبوذ هذا في "تهذيب الكمال" 28/ 488. قال المزي: روى عن أمه عن ميمونة. ورواه مسلم (297/ 10) عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة.
(2)
قال ابن معين: لم يكن به بأس، وقال العجلي: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة متقن.
انظر تمام ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 5/ 548، "التاريخ الكبير" 8/ 194 (2675)، "ثقات العجلي" 2/ 333 (1911)، "الجرح والتعديل" 9/ 70 (271)، "تهذيب الكمال" 30/ 265 (6592).
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: في "الكاشف" سنة 197 هـ.
(4)
يقصد المصنف أن البخاري ومسلم وأبا داود يروون عن إبراهيم بن موسى مباشرة بدون واسطة، كما هو حديث الباب، ومن بقي، أي من أصحاب الكتب الستة، وهم الترمذي والنسائي وابن ماجه، يروون عنه بواسطة.
قال أبو زرعة: كتبت عنه مائة ألف حديث، وهو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة
(1)
.
واستدلال عروة في ذلك حسن كاستدلال ميمونة السالف، وَهو حجة في طهارة بدن الحائض سوى موضع الأذى وعرقها، وجواز مباشرتها.
وفيه دليل على أن المباشرة المنهي عنها للمعتكف لم يرد بها كل ما وقع عليه اسم لمس، وإنما أراد بها تعالى الجماع وما دونه من المقدمات، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم كان معتكفًا في المسجد ويدني رأسه ترجله.
والجوار: هو الاعتكاف. فقولها: (مجاور). أي: معتكف.
وفيه: ترجيل الشعر للرجال وما في معناه للزينة.
وفيه: خدمة الحائض زوجها وتنظيفها له، وقد قال صلى الله عليه وسلم حين طلب منها الخُمرة:"إن حيضتك ليست في يدك"
(2)
.
قال ابن بطال: وفيه حجة على الشافعي في أن المباشرة الحقيقية مثل ما في الحديث لا تنقض الوضوء
(3)
.
قلت: إنما يرد عليه ذلك بمقدمات حتى يثبت.
(1)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 327 (1028)، "الجرح والتعديل" 2/ 137 (436)، "تهذيب الكمال" 9/ 212 (254)، "سير أعلام النبلاء" 11/ 140 (51)، "تذكرة الحفاظ" 2/ 449.
(2)
رواه مسلم (298) كتاب: الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 413.
وفيه: استخدام الزوجة برضاها، وعليه تظاهر دلائل السنة وعمل السلف وإجماع الأمة، أما بغير رضاها فلا يجوز؛ لأن الواجب عليها تمكين الزوج من نفسها وملازمة بيته فقط.
وفيه: أن الحائض لا تدخل المسجد؛ تنزيهًا له وتعظيمًا، وهو مشهور مذهب مالك أيضًا، وعن ابن مسلمة: أنها تدخل هي والجنب
(1)
. وروي عنه الفرق (لأنه)
(2)
لا يأمن أن يخرج منها ما ينزه المسجد عنه بخلاف الجنب.
وفيه: دلالة على أنه إذا خرج بعض بدن المعتكف من المسجد كيده ورأسه ورجله لا يبطل اعتكافه، وأن من حلف لا يدخل دارًا أو لا يخرج منها فأدخل أو أخرج بعضه لا يحنث.
فائدة:
روُي أن امرأة وقفت على قوم منهم: يحيى بن معين، وأبو حنيفة
(3)
، وخلف بن سالم وجماعة يتدارسون الحديث، فسألتهم عن الحائض تغسل الموتى، وكانت غاسلة، فلم يجبها أحد منهم، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض، فأقبل أبو ثور فقالوا لها: عليك بهذا المقبل. فسألته، فقال: يجوز لها ذلك لحديث عائشة: "إن حيضتك ليست في يدك"، فإذا غسلت رأس الحي فالميت أولى.
(1)
انظر: "الذخيرة" 1/ 379.
(2)
في (ج): فإنه.
(3)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: وأين أبو حنيفة وهؤلاء ولا دليل، وذكر أبي حنيفة هنا خطأ إذ قد توفي أبو حنيفة 150 هـ، ويحيى بن معين، ولد في آخر سنة 198 هـ. وخلف بن سالم، وإن لم أقف على مولده، لكنه توفي سنة 221 هـ ويبعد أن يكون عالمًا في زمن أبي حنيفة يذاكر، وأما أبو ثور، فإنه توفي في صفر سنة 240 هـ، وأبو ثور كان من أصحاب أصحاب أبي حنيفة.
فقالوا: هذا حديث رواه فلان عن فلان وحدث به فلان فتحدثوا في إسناده. فقال لهم: أين كنتم إلى الآن
(1)
.
(1)
روى هذِه القصة بسنده الرامهرمزي في "المحدث الفاصل"(157)، ومن طريقه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 6/ 66 - 67، وفي "نصيحة أهل الحديث" (16) عن أحمد بن محمد بن سهيل قال: حدثني رجل -ذكره- من أهل العلم، وأنسيت أنا اسمه وأحسبه يوسف بن الصاد قال: وقفت امرأة
…
وعند الخطيب رواه عن أحمد بن محمد بن سهيل، ابن خلاد، وهو الذي قال: وأنسيت أنا اسمه.
وتعليق الناسخ صحيح فإنه ليس أبا حنيفة، بل هو أبو خيثمة، زهير بن حرب النسائي ثقة، ثبت، محدث بغداد في عصره، روى عنه الإمام مسلم أكثر من ألف حديث، توفي سنة 234 هـ. انظر:"تهذيب الكمال" 9/ 402 (2010). والحكاية منكرة جدًّا؛ فيها ذلك المجهول شيخ شيخ الرامهرمزي، وابن معين وأبو خيثمة أجل في العلم من أن لا يعرفا جواب مثل هذِه المسألة.
3 - باب قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حَضرِ امْرَأَتِهِ وَفيَ حَائِضٌ
وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وَهْيَ حَائِضٌ إلَى أَبِي رَزِينٍ، فَتَأتِيهِ بِالْمُصْحَفِ فَتُمْسِكُهُ بِعِلَاقَتِهِ.
297 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، سَمِعَ زُهَيْرًا، عَنْ مَنْصُورٍ ابن صَفِيَّةَ، أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثمَّ يَقْرَأُ القُرْآنَ. [7549 - مسلم: 301 - فتح: 1/ 401]
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، سَمِعَ زُهَيْرًا، عَنْ مَنْصُورٍ ابن صفِيَّةَ، أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ القُرْآنَ.
والكلام على ذلك من أوجه:
أحدها:
ما ذكره أولا معلقًا ذكره ابن أبى شيبة فقال: حدثنا جرير عن مغيرة: كان أبو وائل، فذكره
(1)
.
ثانيها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد
(2)
، وأخرجه مسلم أيضًا (وأبو داود والنسائي وابن ماجه)
(3)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 142 (7421) كتاب: الصلوات، في الرجل على غير وضوء والحائض يمسّان المصحف.
(2)
سيأتي برقم (7549) كتاب: التوحيد، باب: قول النبي "الماهر بالقرآن مع الكرام البررة".
(3)
رواه مسلم (301/ 15) كتاب: الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، وأبو داود (260)، والنسائي 1/ 147، وابن ماجه (634).
ثالثها:
أبو وائل اسمه: شقيق بن سلمة الأسدي تابعي سلف
(1)
، وفي أبي داود آخر كنيته كذلك واسمه: عبد الله بن بحير الصنعاني
(2)
ولا ثالث لهما في الكتب الستة.
وأبو رزين اسمه: مسعود (م. الأربعة) بن مالك هو مولى أبي وائل تابعي أيضًا
(3)
.
ومنصور بن صفية هو ابن عبد الرحمن بن طلحة العبدري الحجبي المكي الخاشع البكاء، صالح الحديث، مات سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائة
(4)
، ووالدته لها رؤية، سلفت
(5)
، ووالدها شيبة العبدري حاجب البيت.
(1)
سلفت ترجمته في حديث (48).
(2)
هو عبد الله بن بحير بن ريسان المرادي، أبو وائل القاص اليماني الصنعاني، قال ابن المديني: سمعت هشام بن يوسف، وسئل عن عبد الله بن بحير، فقال: كان يتقن ما سمع. انظر تمام ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 49 (106)، "الجرح والتعديل" 5/ 15 (69)، "تهذيب الكمال" 14/ 323 (3174)، "تهذيب التهذيب" 2/ 305.
(3)
قال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عنه، فقال: ثقة. انظر تمام ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 6/ 180، "التاريخ الكبير" 7/ 423 (1855)، "الجرح والتعديل" 8/ 282 (1295)، "تهذيب الكمال" 27/ 477 (5912).
(4)
قال أبو حاتم: صالح. ووثقه النسائي، وقال الحميدي: عن ابن عيينة: كان يبكي في وقت كل صلاة.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 7/ 344 (1487)، "الجرح والتعديل " 8/ 174 (771)، "تهذيب الكمال" 28/ 538 (6197).
(5)
سلفت ترجمتها عند حديث (277).
رابعها:
قولها: (في حجري). هو بفتح الحاء وكسرها، ووقع للعذري في مسلم (حجرتي) بمثناة فوق قبل الياء، وهو وهم، ووقع لبعض رواة مسلم (وأنا حائضة)، والأفصح: حائض. وللنحاة في الأولى وجهان:
أحدهما: أن حائض وطالق مما لا شركة فيه للمذكر، فاستغنى عن العلامة.
وأصحهما: أن ذلك على طريق النسب إلى ذات حيض وذات طلاق.
ومعنى (يتكئ): يميل بإحدى شقيه كما سلف.
خامسها:
وجه مناسبة
(1)
[ذكر البخاري ما ذكر عن أبي وائل في هذا الباب، أنه لما ذكر جواز حمل الحائض العلاقة التي فيها المصحف نظرها بمن يحفظ القرآن، فهو حامله؛ لأنه في جوفه لما روي عن ابن المسيب وابن جبير
(2)
، وعن ابن عباس أنه كان يقرأ ورده وهو جنب
(3)
، فقال: في جوفي أكثر من ذلك.
ووجه مناسبته إدخال حديث عائشة فيه أن ثيابها بمنزلة العلاقة،
والشارع بمنزلة المصحف؛ لأنه في جوفه وحامله، إذ غرض البخاري بهذا الباب الدلالة على جواز حمل الحائض المصحف، وقراءتها القرآن، فالمؤمن الحافظ له أكبر أوعيته، وها هو صلى الله عليه وسلم أفضل
(1)
من هنا بدأ سقط طويل في (ج).
(2)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر 2/ 98 - 99.
(3)
رواه ابن المنذر 2/ 98 (624).
المؤمنين؛ لعموم رسالته، وحرمة ما أودع من طيب كلامه -في حجر حائض تاليا للقرآن .. إلخ
قولها: (فيقرأ القرآن) قد يقال: فيه إشارة إلى المنع؛ لأنه إنما يحسن التنصيص عليه إذا كان ثم ما يوهم منعه، ولو كانت جائزة لكان هذا الوهم منطقيا، وقد اختلف العلماء في ذلك، فمن رخص للحائض والجنب في حمل المصحف بعلاقته: الحكم بن عتيبة، وعطاء، وسعيد بن جبير، وحماد بن أبي سليمان، والحسن، ومجاهد، وطاوس، وأبو وائل، وأبو رزين
(1)
، وهو قول أهل الظاهر.
وقال جمهور العلماء: لا يمسه حائض ولا جنب، ولا يحمله إلا طاهر غير محدث وروي ذلك عن ابن عمر
(2)
، وهو قول مالك، والأوزاعي، والثوري، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، والشعبي، القاسم بن محمد وأجاز محمد بن سيرين والشعبي مسَّه من غير وضوء
(3)
.
ومنع الحكم مسه بباطن الكف خاصة كذا نقل عنه، وفيه مخالفة لما مضى، حجة من أجاز الحديث السالف:"إن المؤمن لا ينجس"
(4)
، وكتب صلى الله عليه وسلم إلى هرقل آية من القرآن
(5)
، ولو كان حرامًا ما كتبها إليه؛
(1)
روى بعضها ابن أبي شيبة 2/ 142 (7421 - 7424).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 142 (7427)، وابن المنذر 2/ 101 (629).
(3)
رواهما ابن أبي شيبة 2/ 142 (7425، 7429).
(4)
سلف برقم (283) كتاب الغسل، باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس، ورواه مسلم (371) كتاب الحيض، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس.
(5)
كتب له قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية [آل عمران: 64] وهو حديث سلف مطولًا برقم (7) كتاب: بدء الوحي بابٌ، ورواه مسلم (1773) كتاب: الجهاد والسير، باب: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام.
لأنه يمسونه بأيديهم، وذكر ابن أبي شيبة أن سعيد بن جبير دفع المصحف بعلاقته إلى غلام له مجوسي
(1)
.
واحتج الجمهور بقوله تعالى {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79] وبحديث عمرو بن حزم مرفوعًا: "لا يمس القرآن إلا طاهر" وهو حديث جيد
(2)
.
وبأن عائشة رضي الله عنها كانت تقرأ القرآن وهي حائض، ويمسك لها المصحف، ولا تمسكه هي.
والجواب عن بعثه هرقل أنه رخص في ذلك لمصلحة الإبلاغ والإنذار، ولم يقصد به التلاوة [
…
]
(3)
البسملة والحمدلة على قطعة [
…
]
(4)
.
اعترض الأولون بأن المراد بالمطهرين الملائكة، كما قاله قتادة، والربيع بن أنس، وأنس بن مالك ومجاهد بن جبر وغيرهم
(5)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 142 (7423).
(2)
سيأتي تخريجه مفصلًا.
(3)
ما بين المعقوفتين ملحق غير واضح بهامش (س).
(4)
ما بين المعقوفتين ملحق غير واضح بهامش (س).
(5)
رواه عن قتادة الطبري 11/ 611 (33548 - 33549)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 232 لعبد بن حميد والطبري. ورواه عن الربيع بن أنس، عبد بن حميد وابن المنذر كما عزاه السيوطي 6/ 232. ورواه عن أنس بن مالك سعيد بن منصور وابن المنذر كما عزاه السيوطي 6/ 232. ورواه عن مجاهد بن جبر الطبري 11/ 660 (33543)، وعزاه السيوطي 6/ 232 لآدم ابن أبي إياس وعبد بن حميد والطبري وابن المنذر والبيهقي في "المعرفة".
وهو أيضًا قول ابن عباس وسعيد بن جبير -كما سيذكره المصنف- وجابر بن زيد وأبي نهيك وعكرمة وأبي العالية، رواه عنهم الطبري 11/ 659 - 660 (33537 - 33542 - 33544). وانظر:"الدر المنثور" 6/ 232 - 233.
ونقله السهيلي عن مالك قال: ويؤكده أنه تعالى لم يقل: المتطهرين، وفرق ما بين المتطهر والمطهر، وذلك أن المتطهر من فعل الطهور، وأدخل نفسه فيه كالمنفعة، كذلك المنفصل في أكثر الكلام واستبعده بعضهم؛ لأنهم كلهم مطهرون، ومسه والاطلاع عليه إنما هو لبعضهم؛ ولأن تخصيص الملائكة من بين سائر المتطهرين على خلاف الأصل.
وقال أبو محمد ابن حزم: قراءة القرآن والسجود به، ومس المصحف، وذكر الله تعالى جائز كل ذلك بوضوء وبلا وضوء للجنب والحائض، وهو قول ربيعة وسعيد بن المسيب، وابن جبير وابن عباس وداود وجميع أصحابنا.
قال: والآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه، فلا يصح منها شيء؛ لأنها إما مرسلة، وإما صحيفة لا تسند، وإما عن مجهول، وإما عن ضعيف، والصحيح حديث ابن عباس، عن أبي سفيان حديث هرقل الذي فيه: و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} الآية [آل عمران: 64]، فهذا الشارع قد بعث كتابًا فيه قرآن إلى النصارى، وقد أيقن أنهم يمسونه
(1)
.
وقد أسلفنا الجواب عن هذا، قال: فإن ذكروا حديث ابن عمر:
نهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو
(2)
.
قلنا: هذا حق يلزم اتباعه، وليس فيه لا يمس المصحف جنب ولا كافر، وإنما فيه أن لا ينال أهل الحرب القرآن فقط.
فإن قالوا: إنما بعث إلى هرقل بآية واحدة.
(1)
"المحلى" 1/ 77 - 83.
(2)
رواه مسلم (1869) كتاب: الإمارة، باب: النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم.
قيل لهم: ولا يمنع من غيرها وأنتم أهل قياس فقيسوا، فإن لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها، فلا تقيسوا على هذِه الآية غيرها، فإن ذكروا قوله عز وجل:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79]
قلنا: لا حجة فيه؛ لأنه ليس أمرًا، وإنما هو خبر، والرب تعالى لا يقول إلا حقًّا، ولا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جليٍّ أو إجماع متيقن، فلما رأينا المصحف يمسه الطاهر وغيره علمنا أنه لم يعن المصحف، وإنما عنى كتابًا آخر عنده كما جاء، عن سعيد بن جبير في هذِه الآية، هم الملائكة الذين في السماء
(1)
، وعن سلمان أنه الذكر في السماء لا يمسه إلا الملائكة
(2)
.
وكان علقمة إذا أراد أن يتخذ مصحفًا أمر نصرانيًّا فنسخه له
(3)
.
ثم نقل عن أبي حنيفة أنه لا بأس أن يحمل الجنب المصحف بعلاقته، وغير المتوضئ عنده كذلك
(4)
، وأبى ذلك مالك إلا إن كان في خرج أو تابوت، فلا بأس أن يحمله الجنب واليهودي والنصراني
(5)
.
(1)
رواه الطبري 11/ 659 (33538 - 33540)، وابن أبي داود في "المصاحف" ص 215، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 232 لعبد بن حميد وابن أبي داود في "المصاحف" وابن المنذر.
(2)
عزاه السيوطي 6/ 232 لعبد الرزاق وابن المنذر.
(3)
رواه ابن حزم 1/ 84.
(4)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 34، "تبيين الحقائق" 1/ 57، "الهداية" 1/ 33.
(5)
انظر: "التفريع" 1/ 212، "الاستذكار" 8/ 11 (10333 - 10334)، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 50. قال ابن عبد البر: يريد أن يكون المصحف في وعاء قد جمع أشياء منها المصحف فلم يقصد حامل ذلك الوعاء إلى حمل المصحف خاصة، وأما إذا كان المصحف وحده في أي شيء كان وقصد إليه حامله وهو غير طاهر لم يجز.
قال: وهذِه تفاريق لا دليل على صحتها. هذا آخر كلامه
(1)
وفيه نظر، فقد صح فيها حديث عمرو بن حزم السالف صححه ابن حبان، والحاكم
(2)
.
(1)
"المحلى 1/ 83 - 84.
(2)
ابن حبان 14/ 501 - 515 (6559)، والحاكم 1/ 395 - 397، وهو جزء من حديث روياه مطولًا. ورواه أيضًا الدارمي 3/ 1455 (2312)، والطبراني في "الأحاديث الطوال"(56)، والدارقطني 1/ 122، و 2/ 285، واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(571 - 572)، والبيهقي في "سننه" 1/ 87 - 88، و 1/ 309، و 4/ 89 - 90، وفي "الشعب" 2/ 380 (2111)، وابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 397، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 22/ 305 - 308، و 45/ 481 - 483، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 165 (160)، والمزي في "تهذيب الكمال" 11/ 419 - 422 جميعًا من طريق يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جده، مرفوعًا به.
واختلف في ام سليمان هذا، هل هو ابن داود أم غيره؟
قال الدارمي: أحسبه كاتبًا من كتاب عمر بن عبد العزيز، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي، قلت له: من سليمان هذا؟ قال أبي: من الناس من يقول: سليمان بن أرقم، وقد كان قدم يحيى بن حمزة العراق، فيرون أن الأرقم لقب، وأن الاسم داود، ومنهم من يقول: سليمان بن داود الدمشقي، شيخ ليحيى بن حمزة، لا بأس به، فلا أدري أيهما هو، وما أظن أنه هذا الدمشقي، ويقال: إنهم أصابوا هذا الحديث بالعراق من حديث سليمان بن أرقم. اهـ. "العلل" 1/ 222 (644) بتصرف.
والحديث رواه النسائي 8/ 59 عن محمد بن بكار بن بلال، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سليمان بن أرقم. قال: حدثني الزهري
…
به. لكن ليس فيه قوله: "لا يمس القرآن إلا طاهر"، ثم قال: وهذا أشبه بالصواب والله أعلم. وسليمان بن أرقم متروك الحديث.
قلت: فهذا تصريح بأنه سليمان بن أرقم. وأغرب ابن حبان فقال: سليمان بن داود هذا هو الخولاني، من أهل دمشق، ثقة مأمون، وسليمان بن داود اليمامي لا شيء، وجميعًا يرويان عن الزهري. وترجم ابن عدي لسليمان بن داود الخولاني هذا في "الكامل" 4/ 268 - 270 (747). وروى عن ابن معين أنه سئل عن حديث =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سليمان بن داود هذا، فقال: سليمان بن داود ليس يعرف ولا يصح هذا الحديث.
ثم روى عن أبي زرعة الدمشقي قال: عرضت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل حديث يحيى بن حمزة الطويل، فقال: هذا رجل من أهل الجزيرة، يقال له: سليمان بن أبي داود ليس بشيء، فحدثت أنه وجد في أصل يحيى بن حمزة، عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، ولكن الحكم بن موسى لم يضبط. ثم اعترض ابن عدي على هذا الكلام وأنكره، وقال إنه سليمان بن داود.
قال أبو داود: رواه يحيى بن حمزة، عن سيلمان بن أرقم، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده. حدثنا أبو هبيرة. قال: قرأته في أصل يحيى بن حمزة: حدثني سليمان بن أرقم، والذي قال: سليمان بن داود، وهم فيه. اهـ. "مراسيل أبي داود" ص 213 بتصرف. وانظر:"تهذيب الكمال" 11/ 416 - 419، "تحفة الأشراف" 8/ 147.
والحديث روي مرسلًا. رواه مالك في "الموطأ" 1/ 90 (234) عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: "أن لا يمس القرآن إلا طاهر".
ومن طريقه أبو داود في "المراسيل"(93)، والبغوي في "معالم التنزيل" 8/ 23.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 341 - 342 (1328) عن معمر، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه قال:
…
الحديث.
ومن طريقه الدارقطني 1/ 121، والبيهقي 1/ 78، وابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 396 - 397.
ورواه أيضًا عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 221 (3150)، عن معمر، عن عبد الله ومحمد ابني أبي بكر بن حزم، عن أبيهما
…
الحديث. ومن طريقه الدارقطني 1/ 121 - 122.
ورواه إسحاق بن راهويه كما في "المطالب العالية" 2/ 283 (89)، وأبو داود في "المراسيل"(92)، والفاكهي في "أخبار مكة" 5/ 107 (2917) من طريق محمد بن عمارة، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، به.
والحديث ضعف بعضهم المسند منه، وبعضهم ضعفه جملة، وبعضهم أطلق تصحيحه. قال أبو داود في "مراسيله" ص 122: روي الحديث مسندًا ولا يصح، =
وحديث ابن عمر مرفوعًا: "لا يمس القرآن إلا طاهر" رواه الدارقطني بإسناد جيد
(1)
، فقالت أخت عمر له: إنك رجس ولا يمسه
= وقال النووي في "المجموع" 2/ 78: إسناده ضعيف، رواه مالك في "الموطأ" مرسلًا، وأطلق القول بضعفه في "الخلاصة" 1/ 208 (536)، وقال الألباني في "الإرواء" 1/ 158: حديث عمرو بن حزم، هو ضعيف؛ فيه سليمان بن أرقم، وهو ضعيف جدًّا، وقد أخطأ بعض الرواة فسماه سليمان بن داود، وهو الخولاني، وهو ثقة، وبناء عليه توهم بعض العلماء صحته، والصواب فيه أنه من رواية أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مرسلًا، وهو ضعيف أيضًا لإرساله.
وقال ابن عدي 4/ 269: سمعت عبد الله بن محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن هذا الحديث: أصحيح هو؟ فقال: أرجو أن يكون صحيحًا. اهـ. بتصرف يسير.
وأشار ابن عبد البر أيضًا لصحته انظر: "التمهيد" 17/ 396 - 397، وانتصر المصنف لصحته في "البدر المنير" 2/ 500 - 501، وكذا في كتابنا هذا قبل قليل، فقال: هو حديث جيد.
(1)
الدارقطني 1/ 121 من طريق أبي عاصم، ثنا ابن جريج، عن سليمان بن موسى، قال: سمعت سالمًا يحدث عن أبيه. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهرًا".
ومن هذا الطريق رواه الطبراني في "الكبير" 12/ 313 - 314 (13217)، و"الصغير" 2/ 277 (1162)، واللالكائي (573)، والبيهقي 1/ 588، والجورقاني في "الأباطيل" 1/ 371 - 372 (361)، وقال: هذا حديث مشهور، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 276: رجاله موثقون، ونقل المصنف في "البدر" 2/ 503 عن عبد الحق الإشبيلي قال: صحيح، رجاله ثقات، وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 131: إسناده لا بأس به. وأطلق القول بضعف الحديث النووي في "الخلاصة" 1/ 209 (537)، وقال الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 198: سليمان بن موسى الأشدق مختلف فيه، فوثقه بعضهم، وقال البخاري: عنده مناكير. وقال النسائي: ليس بالقوي. قلت: قال عنه الحافظ في "التقريب"(2616): صدوق فقيه في حديثه بعض لين، وخولط قبل موته بقليل. وكلام الألباني في "الإرواء" 1/ 159 - 160 يشعر بتضعيف الحديث.
إلا المطهرون، وهو مروي في السير وقد أسنده الدارقطني والبيهقي في "دلائله"
(1)
.
ورواه الدارقطني أيضًا من حديث حكيم بن حزام
(2)
، وأمر به سعد بن أبي وقاص كما رواه مالك
(3)
. وقاله سلمان أيضًا
(4)
.
(1)
الدارقطني 1/ 123، "دلائل البيهقي" 2/ 219 - 220 من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق، قال: حدثنا القاسم بن عثمان البصري، عن أنس بن مالك به. وهو عند البيهقي مطولًا. ورواه من هذا الطريق ابن سعد 3/ 267 - 269، والحاكم 4/ 59، والبيهقي في "سننه" 1/ 88، وابن عساكر 44/ 34.
قال الطبراني: القاسم بن عثمان ليس بالقوي، وترجم العقيلي للقاسم 3/ 480 (1538). وقال: عن أنس، لا يتابع على حديثه، حدث عنه إسحاق الأزرق أحاديث لا يتابع منها على شيء، وترجم له الذهبي في "الميزان" 4/ 295 (6825) وقال: حدث عنه إسحاق الأزرق، بمتن محفوظ، وبقصة إسلام عمر، وهي منكرة جدًّا، وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 132: في إسناده مقال.
(2)
الدارقطني 1/ 122 من طريق مطر الوراق، عن حسان بن بلال عن حكيم بن حزام مرفوعًا:"لا تمس القرآن إلا وأنت على طهر" ومن هذا الطريق رواه الطبراني 3/ 205 (3135)، والحاكم 3/ 485، واللالكائي (574). قال الدارقطني: قال لنا ابن مخلد: سمعت جعفرًا يقول: سمع حسان بن بلال من عائشة، وعمار قيل له: سمع مطر من حسان؟ فقال: نعم. وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه: وقال المصنف في "البدر" 2/ 499: عن الدارقطني أنه قال: هذا الحديث رواته كلهم ثقات. وأطلق النووي القول بضعفه في "الخلاصة" 1/ 209 (538)، ورد عليه المصنف في "البدر" 2/ 500 - 501 بما يوجب تصحيح الحديث، والحديث ضعفه الألباني في "الإرواء" 1/ 159.
(3)
"الموطأ" ص 51 عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت. فقال سعد: لعلك مسست ذكرك؟ قال: فقلت: نعم. فقال: قم فتوضأ. فقمت فتوضأت ثم رجعت. وبنحوه رواه ابن أبي شيبة 1/ 150 (1731)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 76، والبيهقي 1/ 88.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 98 (1100)، والدارقطني 1/ 123 - 124، والحاكم 1/ 183 =
وله شاهد من حديث عثمان بن أبي العاص
(1)
، ومعاذ
(2)
، وثوبان
= و 2/ 477، واللالكائي (575)، وابن حزم 1/ 83 - 84، والبيهقي 1/ 88 و 90 من طرق عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن يزيد، به. قال الدارقطني: رواته ثقات، وكلها صحاح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(1)
رواه الطبراني 9/ 44 (8336) من طريق عن المغيرة بن شعبة قال: قال عثمان بن أبي العاص
…
الحديث.
ورواه ابن أبي داود في "المصاحف" ص 212 من طريق عن القاسم بن أبي بزة عنه.
وأورد الهيثمي حديث الطبراني وقال: فيه إسماعيل بن رافع، ضعفه يحيى بن معين والنسائي، وقال البخاري: ثقة مقارب الحديث. "المجمع" 1/ 277. وأورده المصنف في "البدر" 2/ 504 حديث ابن أبي داود. وقال: هو منقطع؛ لأن القاسم لم يدرك عثمان، وضعيف؛ لأن في إسناده إسماعيل بن مسلم المكي، وقد ضعفوه وتركه جماعة.
وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 131: في إسناد ابن أبي داود انقطاع، وفي رواية الطبري من لا يعرف.
(2)
أورده السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 233، والشوكاني في "فتح القدير" 5/ 231 وعزواه لابن مردويه. ووقفت على حديث آخر رواه ابن عدي في "الكامل" 1/ 511، والجورقاني في "الأباطيل" 1/ 369 (358)، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 362 (939) من طريق إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن نور، عن خالد بن معدان، عن معاذ قال: قلنا: يا رسول الله، أنمس القرآن على غير وضوء؟ قال:"نعم، إلا أن نكون على الجنابة". قال: قلنا: يا رسول الله، فقوله:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} قال: "يعني: لا يمس ثوابه إلا المؤمنون". قال: قلنا فقوله: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)} قال: "مكنون من الشرك ومن الشياطين". وهذا الحديث ضعيف جدًّا، بل موضوع. قال ابن عدي: إسماعيل بن أبي زياد هذا، عامة ما يرويه لا يتابعه أحد عليه إما إسنادًا وإما متنًا. وقال الجورقاني: حديث موضوع باطل لا أصل له، لم يروه عند نور غير إسماعيل بن أبي زياد وهو متروك الحديث. وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بارك الله فيمن وضعه، فما أقبح هذا الوضع.
فاعتضد وقوي
(1)
.
قال ابن حزم: وقد جاءت أحاديث في نهي الجنب ومن ليس على طهر من أن يقرأ القرآن، ولا يصح منها شيء
(2)
.
قلت: قد روي في ذلك أحاديث منها: حديث عبد الله بن رواحة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب
(3)
.
قال ابن عبد البر: رويناه من وجوه صحاح.
ومنها: حديث علي مرفوعًا: "لا يحجبه عن القرآن إلا الجنابة" صححه الترمذي وغيره
(4)
.
(1)
رواه علي بن عبد العزيز في "منتخبه" كما في "بيان الوهم والإيهام" 3/ 465 (1227) عن إسحاق بن إسماعيل، قال: حدثنا مسعدة البصري، عن خصيب بن جحدر، عن النضر بن شفي، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان مرفوعًا: "لا يمس القرآن إلا طاهر
…
" الحديث. قال عبد الحق في "أحكامه" 2/ 315: إسناده ضعيف، وقال ابن القطان 3/ 466: إسناده في غاية الضعف، وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 132: في إسناده خصيب بن جحدر، وهو متروك، وقال في "الدراية" 1/ 87: إسناده ضعيف. والحديث في الجملة صححه البعض، قال ابن المنذر: قال إسحاق: لما صح قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر". "الأوسط" 2/ 102، وصححه الألباني رحمه الله بمجموع طرق في "الإرواء" (122).
(2)
"المحلى" 1/ 78.
(3)
رواه الدارقطني 1/ 120 - 121 من طرق عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس عنه، وعن عكرمة عنه. قال الدارقطني بعد حديث ابن عباس عنه: إسناده صالح، وغيره لا يذكر: عن ابن عباس.
وقال البيهقي في "خلافياته" 2/ 38: وروى عن إسماعيل بن عياش عن زمعة كذلك موصولًا وليس بالقوي. وقال عبد الحق في "أحكامه" 1/ 205: لا يروى من وجه صحيح؛ لأنه منقطع وضعيف، وأقره ابن القطان في "بيانه" 3/ 10.
(4)
الترمذي (146) من طريق عبد الله بن سلمة، عن علي، به.
وكذا رواه أبو داود (229)، والنسائي 1/ 144، وابن ماجه (594)، وأحمد 1/ 84 و 107 و 124، وابن الجارود (94)، وأبو يعلى 1/ 247 (287) و 1/ 326 - =
ومنها: حديث عائشة مرفوعًا: "لا يقرأ الجنب والحائض شيئًا من القرآن". رواه الحاكم في "تاريخ نيسابور".
ومنها: حديث ابن عمر مرفوعًا مثله، رواه الدارقطني والبيهقي، ولم ينفرد به إسماعيل بن عياش بل توبع
(1)
.
= 327 (406 - 407)، وابن خزيمة 1/ 104 (208)، وابن حبان 3/ 79 - 80 (799 - 800)، والدارقطني 1/ 119، والحاكم 1/ 152 و 4/ 107، والبيهقي في "سننه" 1/ 89 - 90، وفي "المعرفة" 1/ 322 (774)، وابن عبد البر في "الاستذكار" 8/ 16 (10350)، والبغوي في "شرح السنة" 2/ 41 (273) من طرق عن الأعمش وابن أبي ليلى وشعبة ومسعر بن كدام، عن عمرو بن مرة. والحديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح: وكذا صححه عبد الحق في "أحكامه" 1/ 204، وقال الحاكم في الموضع الأول: حديث صحيح الإسناد، والشيخان لم يحتجا بعبد الله بن سلمة، فمدار الحديث عليه، وعبد الله بن سلمة غير مطعون فيه. وقال في الموضع الثاني: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال المصنف في "البدر المنير" 2/ 551: حديث جيد، وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 408: ضعف بعضهم بعض رواته، والحق أنه من قبيل الحسن، يصلح للحجة، وأشار الشيخ أحمد شاكر في "تعليقه على الترمذي" 1/ 274 - 275 إلى تصحيح الحديث.
وأما من ضعف الحديث، فقال الخطابي: كان أحمد بن حنبل يوهن حديث علي هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة. اهـ. "معالم السنن" 1/ 66. وقال البيهقي في "المعرفة" 1/ 323: قال الشافعي: لم يكن أهل الحديث يثبتون هذا الحديث.
ثم قال: وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث؛ لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي، وكان قد كبر، وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة. وإنما روى هذا الحديث بعدما كبر، قاله شعبة. اهـ. والحديث ضعفه أيضًا الألباني في "ضعيف أبي داود"(31) وله فيه تفصيل رائع ورد على من صححه فليراجع لزامًا.
(1)
الدارقطني 1/ 117، البيهقي 1/ 89.
ورواه أيضًا الترمذي (131)، وابن ماجه (595)، وعبد الله بن أحمد في "العلل" =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 3/ 381، والعقيلي في "الضعفاء" 1/ 90، وابن عدي في "الكامل" 1/ 483 و 5/ 112، والبيهقي أيضًا في "المعرفة" 1/ 325 (786)، وفي "الشعب" 2/ 379 - 380 (2110)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 145، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 166 (161)، وابن دقيق العيد في "الإمام" 3/ 69، وشيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" 18/ 109 - 110، والذهبي في "السير" 6/ 117 - 118 و 8/ 322، وفي "تذكرة الحفاظ" 4/ 1495 من طرق عن إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر به.
وزاد بعضهم عبيد الله بن عمر مع موسى بن عقبة في روايته عن نافع، قال ابن عدي 1/ 484: ليس لهذا الحديث أصل من حديث عبيد الله ا. هـ.
والحديث مداره على إسماعيل بن عياش، وإنما أتى الحديث من قبله، قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن هذا الحديث، فقال أبي: هذا باطل أنكره على إسماعيل بن عياش، يعني: أنه وهم من إسماعيل بن عياش. وقال الترمذي: حديث ابن عمر لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر. ثم قال: وسمعت البخاري يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكيره كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به، وقال: إنما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام. اهـ.
وقال ابن عدي 1/ 483: هذا الحديث بهذا الإسناد لا يرويه غير ابن عياش!
وقال عبد الحق في "أحكامه" 1/ 205: هذا يرويه إسماعيل بن عياش من حديث أهل الحجاز، ولا يؤخذ من حديثه إلا ما كان عن أهل الشام، ذكر ذلك ابن معين وغيره.
وقال الذهبي 6/ 118: هذا حديث لين الإسناد من قبل إسماعيل، إذ روايته عن الحجازين مضعفة، وضعفه الحافظ في "الدراية" 1/ 80 - 86.
وقول البخاري الذي نقله الترمذي، أنه تفرد به إسماعيل بن عياش. وهو أيضًا قول البزار كما نقله عنه المصنف في "البدر المنير" 2/ 544، وهذا القول فيه نظر، فإن إسماعيل بن عياش قد تابعه على رواية هذا الحديث اثنان.
الأول: المغيرة بن عبد الرحمن، رواه الدارقطني 1/ 117 من طريق عبد الملك بن مسلمة حدثني المغيرة بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة به. =
ومنها: حديث جابر مرفوعًا مثله رواه الدارقطني أيضًا
(1)
.
وصح عن عمر أنه كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب، كما قال البيهقي
(2)
وفي لفظ كذلك والحائض
(3)
ورفعه ضعيف.
= قال الدارقطني: عبد الملك هذا كان بمصر، وهذا غريب عن مغيرة بن عبد الرحمن وهو ثقة.
الثاني: أبو معشر، رواه الدارقطني 1/ 118 عن رجل عن أبي معشر، عن موسى بن عقة به.
وهما أيضًا ضعيفان، كذا قال البيهقي في "سننه" وفي "المعرفة" وعبد الحق وابن الجوزي وابن دقيق العيد.
والحديث في الجملة ضعيف، قال المصنف في "البدر" 2/ 543: حديث فيه مقال، وضعفه الألباني في "الإرواء"(192).
فائدة: للمصنف رحمه الله "تخريج أحاديث المهذب"، كذا ذكره في تخريج الحديث السابق في "البدر المنير" وذكر أنه قد روى فيه حديث ابن عمر هذا بسنده، يسر الله العثور على هذا الكتاب وطبعه.
(1)
الدارقطني 2/ 87، ورواه أيضًا ابن عدي 7/ 357، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 22.
وهو حديث ضعيف أيضًا، قال: عبد الحق 1/ 206: هذا يرويه محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك عند الجميع، وصف بالكذب. وقال المصنف في "البدر" 2/ 550: محمد هذا متروك ونسب إلى الوضع. ووالده ثقة. وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 86: فيه محمد بن الفضل وهو ضعيف.
ووراه الدارقطني 1/ 121 عن جابر موقوفًا. وفيه يحيى بن أنيسة، قال الدارقطني: ضعيف، وقال البيهقي 1/ 89: هذا الأثر ليس بالقوي. والحديث ضعفه مرفوعًا وموقوفًا الحافظ في "التلخيص" 1/ 138، والألباني في "الإرواء"(192).
(2)
رواه البيهقي في "الخلافيات" 2/ 38 (325).
(3)
رواه البيهقي 1/ 89، وفي "الخلافيات" 2/ 39 (326) من طريق عن الحكم، عن إبراهيم أن عمر كان يكره أن يقرأ الجنب. قال شعبة: وجدت في صحيفتي: والحائض.
قال البيهقي في "السنن" 1/ 89: وهذا مرسل، وقال ابن دقيق العيد في "الإمام" 3/ 76: إبراهيم، عن عمر منقطع.
ومنها: حديث علي مرفوعًا: "يا على لا تقرأ القرآن وأنت جنب" رواه الدارقطني
(1)
.
وقال ابن مسعود: وكان يُقرئ رجلًا فكف عنه. قال له: مَالَكَ؟ قال: إنك بلت. أي: لست بجنب
(2)
.
وبه قال الشعبي، والأسود، وإبراهيم، وأبو وائل، وروي عن عمر، وعلي، والحسن، وقتادة
(3)
.
وهو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم كما نقله البغوي في "شرح السنة"
(4)
.
وبه قال أبو حنيفة
(5)
، والشافعي
(6)
وأحمد
(7)
، وأجاز مالك للحائض القراءة القليلة استحسانًا لطول مقامها
(8)
وعنه الإباحة مطلقًا
(9)
، وأباحَهُ قوم، وكان ابن عباس لا يرى بالقراءة للجنب بأسًا كما سيأتي عن البخاري
(10)
.
(1)
الدارقطني 1/ 118 - 119. قال الزبيدي في "إتحاف السادة" 3/ 97: فيه أبو نعيم النخعي وهو كذاب. ترجمه الحافظ في "التقريب"(4032) فقال: صدوق له أغلاط، أفرط ابن معين فكذبه، وقال البخاري: هو في الأصل صدوق. وشيخه أيضًا أبو مالك النخعي ضعيف، قال الحافظ في "التقريب" (8337): متروك.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 197 (1081).
(3)
انظر هذِه الآثار في "المصنف" 1/ 97 (1080، 1082، 1087).
(4)
"شرح السنة" 2/ 43.
(5)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 172، "البناية" 1/ 646 - 647.
(6)
"الشرح الكبير" 1/ 293، "المجموع" 2/ 187.
(7)
"المغني" 1/ 199 - 200.
(8)
"التفريع" 1/ 212 - 213، "المنتقى" 1/ 345، "بداية المجتهد" 1/ 101 - 102.
(9)
"النوادر والزيادات" 1/ 123، "المنتقى" 1/ 345.
(10)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر 2/ 99.
وقال إبراهيم النخعي: لا بأس أن يقرأ الجنب والحائض الآية ونحوها
(1)
وأجاز عكرمة للجنب أن يقرأ، وليس له أن يتم سورة كاملة
(2)
ذكره الطبري، وقال الأوزاعي: لا يقرأ إلا آية الركوب وآية النزول
(3)
.
فروع غريبة:
المتيمم يمس المصحف خلافًا للأوزاعي
(4)
، وقال أبو يوسف: لا يمسه الكافر. وخالف محمد، فقال: لا بأس به إذا اغتسل
(5)
.
ولا بأس بتعليم المعلم الصبيان حرفًا حرفًا للحاجة، كما قال بعض الحنفية. قال: ولا تكره قراءة المُبْدَل من التوراة والإنجيل والزبور، ولا تكره قراءة القنوت في ظاهر الرواية، وكرهها محمد لشبه القرآن؛ لأن أُبيًّا كتبه في مصحفه بثلثين، ولا فرق بين الآية فما دونها في رواية الكرخي، وفي رواية الطحاوي مباح لهما ما دون الآية
(6)
، وهو عن أحمد
(7)
.
ونقل ابن حزم عن مالك أن الجنب يقرأ الآيتين ونحوهما، وأن الحائض تقرأ ما شاءت
(8)
.
(1)
يأتي معلقًا في باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. ورواه الحافظ بسنده في "التغليق" 2/ 171.
(2)
سيأتي معلقًا في الباب السالف، ورواه ابن أبي شيبة 1/ 98 (1097)، ورواه الحافظ في "التغليق" 2/ 171.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 97 (1089)، والحافظ في "التغليق" 2/ 171.
(4)
انظر: "المجموع" 2/ 84، "المغني" 1/ 351.
(5)
"بدائع الصنائع" 1/ 37.
(6)
"تبيين الحقائق" 1/ 57.
(7)
"المغني" 1/ 200.
(8)
"المحلى" 1/ 78.
4 - باب مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا
298 -
حَدَّثَنَا الَمكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ زَيْنَبَ ابنةَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعَةً فِي خَميصَةٍ إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي قَالَ:"أَنُفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانى فَاضْطَجَعْتُ مَعَة في الَخمِيلَةِ. [322، 323، 1929 - مسلم:296 - فتح:1/ 402]
حَدَّثنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْييَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ زينَبَ بنت أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعَةً فِي خَمِيصَةٍ إِذْ حِضتُ، فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فقَالَ:"نفسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
وجه مطابقة الحديث ما ترجم له، فإن فيه تسمية الحيض نفاسًا لا عكسه لما قال لها صلى الله عليه وسلم:"أنفست؟ " أجابت بنعم، وكانت حائضًا، فقد جعلت النفاس حيضًا، وفي ابن ماجه: فقال: "أنفست؟ " قلت: وجدت ما تجد النساء من الحيضة .. الحديث
(1)
.
أو أنه نبَّه على إلحاق النفاس بالحيض في منافاة الصلاة ونحوها؛ لأنه لم يجد حديثًا على شرطه في حكم النفاس، فاستنبط من الحديث أن حكمهما واحد، وإن كان في الباب حديث أم سلمة: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا. وثق البخاري بعض
(1)
ابن ماجه (637).
رجاله كما نقله الترمذي
(1)
وقال الحاكم: صحيح الإسناد
(2)
.
(1)
"سنن الترمذي" 1/ 256، "العلل الكبير" 1/ 193 - 194.
(2)
"المستدرك" 1/ 175.
والحديث رواه أبوداود (311)، والترمذي (139)، وابن ماجه (648)، وأحمد 6/ 300 و 303 و 304 و 309 - 310، والدارمي 1/ 666 (995)، وأبو يعلى 12/ 452 (7023)، وابن حبان في "المجروحين" 2/ 224 - 225، والدارقطني 1/ 221 - 222، والبيهقي 1/ 341، والبغوي في "شرح السنة" 2/ 136 (322)، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 268 (308)، والمزي في "تهذيب الكمال" 35/ 305 - 307 جميعًا من طريق أبي سهيل- كثير بن زياد البرساني عن مسة الأزدية، عن أم سلمة وهذا الحديث أعل بعلتين:
أحدهما: بالطعن في أبي سهل، قال البيهقي في "خلافياته" 3/ 407: كثير بن زياد -أبو سهل- ليس له ذكر في الصحيحين، وكذا ذكره ابن حبان في "المجروحين" وقد سبق.
وجواب ذلك أن أبا سهل هذا وثقه من هو أعلم وأجل ممن ضعفه، فوثقه البخاري وابن معين وأبو حاتم الرازي والنسائي. انظر:"تهذيب الكمال" 24/ 112 - 113.
ثانيها: الطعن في مُسَّة، قال ابن حزم في "المحلى" 2/ 204: مجهولة، وقال ابن القطان في "بيانه" 3/ 329: مسة المذكورة، لا يعرف حالها ولا عينها، فخبرها هذا ضعيف الإسناد ومنكر المتن. اهـ. بتصرف.
وجواب ذلك، قال المصنف في "البدر المنير" 3/ 141: لا نسلم لابن حزم وابن القطان دعوى جهالة عينها، فإنه قد روى عنها جماعات: كثير بن زياد، والحكم بن عتيبة، وزيد بن علي بن الحسين، والحسن، فهؤلاء أربعة رووا عنها فارتفعت جهالة عينها.
وأما جهالة حالها، فهي مرتفعة ببناء البخاري على حديثها وتصحيح الحاكم لإسناده، فأقل أحواله أن يكون حسنًا. قلت: وقد أطلق القول بصحة الحديث أيضًا غير واحد. فحسنه عبد الحق في "أحكام" 1/ 218، وكذا حسنه النووي في "المجموع" 2/ 541، وقال في "الخلاصة" 1/ 241: أما قول جماعة من مصنفي الفقهاء إنه حديث ضعيف فمردود عليهم.
وقال المصنف في "البدر" 3/ 137: حديث جيد، وقال في "خلاصة البدر" 1/ 3 =
وظن المهلب ومن معه أنه يلزم من تسمية الحيض نفاسًا تسمية النفاس حيضًا، وليس كذلك؛ لجواز أن يكون بينهما عموم كالإنسان والحيوان، وإنما أخذه البخاري من غير هذا، وهو أن الموجب لتسمية الحيض نفاسًا أنه دم، والنفس الدم، فلما اشتركا في المعنى الذي لأجله سمي النفاس نفاسًا، وجب جواز تسمية الحيض نفاسًا، وفهم أنه دم واحد، وهو الحق، فإن الحمل يمنع خروج الدم المعتاد، فإذا وضعت خرج دفعة، وهذا ينبني على أن تسمية النفاس لم يكن لخروج النفس التي هي النسمة، وإنما هو لخروج الدم.
ثانيها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في النوم مع الحائض وهي في ثيابها، وممن أخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر، كما سيمر بك قريبًا
(1)
، وأخرجه في الصوم أيضًا
(2)
، وأخرجه مسلم في الطهارة
(3)
.
ثالثها:
الخميصة -بفتح الخاء المعجمة- كساء مربع له علمان، وقيل: من خز ثخين أسود وأحمر له أعلام ثخان، قاله ابن سيده
(4)
.
= (256): صححه ابن السكن، وخالف ابن حزم وابن القطان وضعفاه، والحق صحته.
وحسنه الألباني في "الإرواء"(201)، وقال في "صحيح أبي داود" (330): إسناده حسن صحيح، وقال في "الثمر المستطاب" 1/ 46: للحديث شواهد كثيرة لا ينزل بها عن مرتبة الحسن لغيره.
(1)
سيأتي برقم (322 - 323) كتاب الحيض، باب: النوم مع الحائض وهي في ثيابها وباب: من اتخذ ثياب الحيض سوى ثباب الطهر.
(2)
سيأتي برقم (1929) باب: القبلة للصائم.
(3)
مسلم (296) كتاب: الحيض، باب: الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد.
(4)
"المحكم" 5/ 43.
وقال الجوهري: كساء أسود مربع، وإن لم يكن معلمًا فليس بخميصة
(1)
.
رابعها:
الخميلة -بالخاء المعجمة- ثوب له خمل من أي لون كان، وقيل: الخميل: الأسود من كل الثياب، ثم قيل: هي القطيفة، وقيل: هي هي، وبه جزم ابن منده.
والخمل: هُدْب القطيفة ونحوها مما ينسج وتفضل له فضول، وفي "الصحاح": هي الطنفسة
(2)
.
خامسها:
قولها: (فَانْسَلَلْتُ)، أي: ذهبت في خفية خوفًا من وصول شيء من دمها إليه، أو قذرت نفسها ولم ترتضها لمضاجعته، أو خافت نزول الوحي فانسلت؛ لئلا يشغله حركتها عما هو من الوحي أو غيره.
سادسها:
قولها: (فَأخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي) بكسر الحاء، أي: التي أحيض فيها، وقوله:("أنفست") أي: حضت، وهو بفتح النون على الأصح كما سلف أول الحيض.
سابعها:
فيه جواز النوم مع الحائض والاضطجاع معها وهو إجماع.
(1)
"الصحاح" 3/ 1038.
(2)
"الصحاح" 4/ 1689.
5 - باب مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ
299 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأسوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، كِلَانَا جُنُبٌ. [انظر: 250 - مسلم: 319 - فتح: 1/ 403]
300 -
وَكَانَ يَأْمُرُنِى فَأتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ [302، 2030 - مسلم 293 - فتح: 1/ 403]
301 -
وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. [انظر: 295 - مسلم: 297 - فتح: 1/ 403]
302 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَليُّ بْن مُسْهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ -هُوَ الشَّيْبَانُّي- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأسوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا، أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟ [انظر: 300 - مسلم: 293 - فتح: 1/ 403].
تَابَعَهُ خَالِدٌ وَجَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِّىِ.
303 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأة مِنْ نِسَائِهِ أمَرَهَا، فَاتَّزَرَتْ وَهْيَ حَائِضٌ. وَرَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنِ الشَّيْبَانِّي. [مسلم: 294 - فتح: 1/ 405]
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، كِلَانَا جُنُبٌ. وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ. وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم
(1)
(2)
، وسلف في باب: هل يدخل الجنب يده في الإناء من حديث القاسم عنها بدون الزيادة الأخيرة
(3)
.
وسفيان: هو الثوري.
ثم قال البخاري: حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، وأَرَادَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا، أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟ تَابَعَهُ
(4)
خَالِدٌ وَجَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِّي.
أما حديث علي بن مُسْهر فأخرجه مسلم أيضًا
(5)
.
وأما متابعة جرير بن عبد الحميد فأخرجها أبو داود عن عثمان عنه، وأخرجها ابن ماجه
(6)
أيضًا
(7)
، وتابعه أيضًا محمد بن إسحاق أخرجها ابن ماجه
(8)
.
والشيباني: هو سليمان بن فيروز، كوفي
(9)
، وإسماعيل شيخ
(1)
ورد بهامش (س) ما نصه من خط الشيخ: أبو داود والنسائي.
(2)
مسلم (319) كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة
…
(3)
سلف برقم (261) كتاب: الغسل.
(4)
ورد بهامش (س) ما نصه: من خط الشيخ: يعني: تابع علي بن مسهر.
(5)
مسلم (293/ 2) كتاب الحيض باب: مباشرة الحائض فوق الإزار.
(6)
ورد بهامش (س) ما نصه من خط الشيخ: لم يخرجها ابن ماجه.
(7)
أبو داود (273)، وابن ماجه (636).
(8)
ابن ماجه (635).
(9)
هو سليمان بن أبي سليمان -واسمه فيروز، ويقال: خاقان، ويقال: عمرو- أبو إسحاق الشيباني الكوفي، مولى بني شيبان، وقيل: مولى عبد الله بن عباس، والصحيح الأول. وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي. =
البخاري ومسلم خزاز ثقة، مات سنة خمس وعشرين ومائتين
(1)
.
ثم قال البخاري: حَدَّثنَا أَبُو النُّعْمَانِ ثنَا عَبْدُ الوَاحِدِ ثنَا الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا، فَاتَّزَرَتْ وَهْيَ حَائِضٌ. وَرَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ.
أما حديث عبد الواحد فأخرجه مسلم
(2)
. وتابع ميمونة مولاتها ندبة أو بدية، رواه ابن ماجه
(3)
.
ومتابعة سفيان في أبي داود نحوها، فإن لفظه: أنه صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط، وعلى بعض أزواجه منه، وهي حائض
(4)
.
إذا عرفت ذلك فالكلام على هذِه الأحاديث في ألفاظها، ثم حكمها.
فـ (فَوْرِ حَيْضَتِهَا): بالفاء وهو غليانه، وقيل: ابتداء أمره، ويقويه حديث أم حبيبة: كانت إحدانا في فورها أول ما تحيض تشد عليها إزارًا إلى أنصاف فخذيها، ثم تضطجع معه صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن ماجه بسند جيد
(5)
.
= انظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" 6/ 345، "التاريخ الكبير" 4/ 16 (1808)، "الجرح والتعديل" 4/ 135 (592)، "تهذيب الكمال" 11/ 444 (2525).
(1)
هو إسماعيل بن الخليل الخزاز، أبو عبد الله الكوفي. وثقه أبو حاتم ومحمد بن عبد الله الحضرمي. انظر تمام ترجمته في:"تهذيب الكمال" 3/ 83 (441).
(2)
مسلم (294) كتاب: الحيض، باب: مباشرة الحائض فوق الإزار.
(3)
لم أجده عند ابن ماجه، وإنما رواه أبو داود (267)، والنسائي 1/ 151 - 152 و 189 - 190، وأحمد 6/ 332 و 336.
(4)
أبو داود (369).
(5)
ابن ماجه (638). قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه"(214): إسناده ضعيف، =
والإرب: الحاجة، قال الخطابي: أكثر الرواة يكسرون الهمز فيه، أي: عضوه، وإنما هو مفتوح الراء، وهو الوطر وحاجة النفس، وقد يكون الإرب: الحاجة أيضًا، والأول أبين
(1)
رأيًا، حكاه صاحب "الواعي".
وأما ابن سيده، فقال: الإرب -بكسر الهمزة- جمع إربة، وهي الحاجة
(2)
وكذا قال أبو جعفر النحاس: أخطأ من رواه بكسر الهمز، وإنما هو بفتحها، وقال عبد الغافر في "مجمع الغرائب": الأرب والإربة بمعنى الحاجة.
وأما حكمها فهو صريح في جواز مباشرة الحائض فيما فوق الإزار وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وجماعات قبلهم، وقال أحمد وإسحاق وداود وبعض الشافعية والحنفية والمالكية: يستمتع بها ما دون الفرج
(3)
.
وهو قول على وابن عباس وأبي طلحة وخلق، وفيه قوة للحديث السالف أول الباب:"اصنعوا كل شيء إلا النكاح" لكن أشار الشافعي إلى تضعيفه، وزعم أهل الظاهر أن وطأها فيما دون الفرج حرام خشية الوطء، وعن بعض الشافعية: أن من ضبط نفسه عن الوطء لقوة ورع أو ضعف شهوة جاز له المباشرة، أو غيره فلا.
= فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس، وقد رواه بالعنعنة فيتوقف فيه. اهـ وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه" فوافق المصنف.
(1)
"إصلاح خطأ المحدثين" ص 55.
(2)
" المحكم" 11/ 254 مادة: (أرب).
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 173، "التمهيد" 3/ 169 - 170، "المجموع" 2/ 396 - 400، "المغني" 1/ 414 - 415، "المحلى" 2/ 176.
فرع:
الوطء في الحيض حرام بالإجماع
(1)
، ونص الشافعي على أنه كبيرة
(2)
.
قال الماوردي: ويكفر مستحله ويندب أن يتصدق بدينار إن وطئ أول الدم، وهو قوته، وبنصفه إن وطئ الحرة، وقيل: يجب
(3)
، وفيه حديث له طرق، صحح الحاكم إسناده
(4)
.
والجمهور على الأول، وقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في رواية، وفي قول قديم أنه يجب عتق رقبة؛ لأثرٍ فيه عن عمر، وبه قال الحسن وسعيد، ونقل عن الحسن: يعتق رقبة أو عشرين صاعًا لأربعين مسكينًا، وعن قتادة: إن كان واحدًا فدينار، وإن لم يجد فنصف دينار على الزوج دون الزوجة
(5)
.
(1)
انظر: "مراتب الإجماع" ص 45.
(2)
"الأم" 1/ 50 - 51.
(3)
"الحاوي" 1/ 385 - 386.
(4)
رواه أبو داود (264)، والترمذي (136)، والنسائي 1/ 153، وابن ماجه (640)، وأحمد 1/ 272، والحاكم 1/ 272 كلهم عن ابن عباس. وقال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار وربما لم يرفعه شعبة.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، فقد احتجا جميعًا بمقسم بن نجدة، فأما عبد الحميد بن عبد الرحمن، فإنه أبو الحسن عبد الحميد بن عبد الرحمن الجزري: ثقة مأمون. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(257).
(5)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 173 - 174، "التمهيد" 3/ 175 - 176، "المجموع" 3/ 399 - 400، "المغني" 1/ 416 - 417.
6 - باب تَرْكِ الحَائِضِ الصَّوْمَ
304 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْن أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ -هُوَ ابن أَسْلَمَ- عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَضْحَى-أَوْ فِطْرٍ- إِلَى الُمصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ". فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ". فلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أليْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ ". قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: "فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَليْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ ". قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: "فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا". [1462، 1951، 2658 - مسلم 80 - فتح: 1/ 405]
حَدَّثنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، ثنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ -هُوَ ابن أَسْلَمَ- عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ الخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَضْحَى -أوْ فِطْرٍ- إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ". فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمٍ مِنْ إِحْدَاكُنَّ". قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ عَقْلِنَا ودِينِنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ ". قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: "فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ ". قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: "فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا".
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في العيدين
(1)
، والزكاة
(2)
، والصوم
(3)
مقطَّعًا.
وأخرجه مسلم في الإيمان
(4)
، ورواه الشافعي، عن إبراهيم بن محمد، عن بن عجلان، عن عياض.
ثانيها:
عياض هذا عامري تابعي ثقة، مات بمكة. ومحمد بن جعفر: مدني ثقة
(5)
.
ثالثها:
فيه الخروج إلى المصلى، وعليه عمل الناس في معظم الأمصار.
وأما أهل مكة فلا يصلونها إلا في المسجد من الزمن الأول، وألحق جماعة من أصحابنا مسجد الأقصى به، وأما غيرهم فالأصح عندنا أن
(1)
سيأتي برقم (956) باب: الخروج إلى المصلى بغير منبر.
(2)
سيأتي برقم (1462) باب: الزكاة على الأقارب.
(3)
سيأتي برقم (1951) باب: الحائض تترك الصوم والصلاة.
(4)
"صحيح مسلم"(179/ 32).
(5)
هو عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ابن الحارث بن حبيب القرشي العامري.
روى عن: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي سعيد الخدري، وروى عنه: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وإسماعيل بن أمية، وبكير بن عبد الله بن الأشج وغيرهم. روى له الجماعة وثقه ابن معين، والنسائي، وابن حبَّان مات بمكة. انظر ترجمته في:"الطبقات الكبرى" 5/ 242، "التاريخ الكبير" 7/ 21 (94)، "معرفة الثقات" 2/ 198 (1457)، "تهذيب الكمال" 22/ 567 - 569 (4607)، "الكاشف" 2/ 107 (4358).
المسجد أفضل إلا أن يضيق على الناس، وخروج الشارع للمصلى لضيق مسجده.
رابعها:
المعشر: الجماعة أمرهم واحد، لا واحد له من لفظه، وفي "التهذيب" عن أحمد بن يحيى أنه للرجال دون النساء، ثم قال: وعن الليث: المعشر: كل جماعة أمرهم واحد
(1)
.
قلت: وهو المناسب للحديث، ونقله النووي عن أهل اللغة والجمع معاشر
(2)
.
خامسها:
فيه تخصيص النساء بالموعظة والتذكير في مجلس غير مجلس
الرجال إذا لم يترتب عليه مفسدة، وهو حق على الإمام أن يفعله كما قاله عطاء
(3)
، وهو السنة، وإن أنكره عليه القاضي
(4)
.
سادسها:
فيه أيضًا حضور النساء في صلاة العيد، وكان هذا في زمنه صلى الله عليه وسلم سواء المخبأة وغيرها، وأما اليوم فلا تخرج الشابة ذات الهيئة، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل
(5)
.
(1)
"التهذيب" 3/ 2447 مادة: عشر.
(2)
"مسلم بشرح النووي" 2/ 66.
(3)
سيأتي برقم (978) كتاب: العيدين، باب: موعظة الإمام النساء يوم العيد، ورواه مسلم (885) كتاب: صلاة العيدين.
(4)
"إكمال المعلم" 3/ 290 - 291.
(5)
سلف برقم (869) كتاب: الأذان، باب: انتظار الناس قيام الإمام العالم، ومسلم =
واختلف العلماء من السلف في خروجهن للعيد، فرأى جماعة ذلك حقًّا عليهن، منهم: أبو بكر، وعلي، وابن عمر
(1)
، وغيرهم
(2)
.
ومنهم من منعهن ذلك، منهم: عروة، والقاسم
(3)
، ويحيى بن سعيد الأنصاري
(4)
، ومالك
(5)
، وأبو يوسف
(6)
، وأجازه أبو حنيفة مرة
(7)
، ومنعهُ أخرى، ومنع بعضهم في الشابة دون غيرها، وهو مذهب مالك
(8)
، وأبي يوسف
(9)
.
قال الطحاوي: كان الأمر بخروجهن أول الإسلام، لتكثير المسلمين في أعين العدو
(10)
.
سابعها:
فيه الأمر بالصدقة لأهل المعاصي والمخالفات، فإنها من دوافع عذاب جهنم.
= (445) كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة.
(1)
انظر: "المصنف" 2/ 3 (5784، 5785، 5786).
(2)
وممن روى عنهم ذلك أيضًا ابن عباس، وعائشة، وأم عطية، وإبراهيم. انظر:"المصنف" 2/ 3 (5783، 5787، 5791، 5792).
(3)
انظر: "المصنف" 2/ 4 (5795، 5796).
(4)
انظر: "الأوسط" 4/ 263.
(5)
انظر: "المدونة" 1/ 155، "مواهب الجليل" 2/ 578، 579.
(6)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 275، "الفتاوى التتارخانية" 2/ 90.
(7)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 4/ 229.
(8)
انظر: "مواهب الجليل" 2/ 578، 579.
(9)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 275.
(10)
أورده ابن الملقن في "الإعلام" 4/ 229.
ثامنها:
فيه إشارة إلى الإغلاظ في النصح بالعلة التي تبعث على إزالة العيب أو الذنب الذي يتصف بهما الإنسان، والعناية بذكر ما تشتد الحاجة إليه للمخاطبين، وبذل النصيحة لمن يحتاج إليها، والسعي إليه فيها، ولا يخاطب بها واحدًا بعينه، فإن في الشمول تسلية وتسهيلًا.
تاسعها:
جواز الشفاعة للمساكين وأن يسأل لهم، وهو حجة على من كره السؤال لغيره.
عاشرها:
فيه أن اللعن من المعاصي، فإن داوم عليه صار كبيرة، وفي رواية أخرى في "الصحيح":"تكثرن الشكاة"
(1)
.
الحادي عشر:
العشير هنا: الزوج، وقيل: كل مخالط، ومعنى الكفر هنا جحد الإحسان، فإنه قوام عليها فتجحده؛ لضعف عقلها وقلة معرفتها.
ففيه: أن الكفر يطلق على كفر النعمة، وقد سلف في الإيمان.
الثاني عشر:
"أكثر"، هو بنصب الراء، على أن أريت يتعدى إلى مفعولين، أو على الحال إذا قلنا أن أفعل لا يتعرف بالإضافة، كما صار إليه الفارسي وغيره. وقيل: إنه بدل من الكاف في (أُريتكن) قيل: ولعلهن أكثر قبل الشفاعة، فإن لكل رجل زوجتان
(2)
من الآدميين.
(1)
"مسند أحمد" 3/ 318 من حديث جابر وبلفظه رواه مسلم (885) كتاب: صلاة العيدين.
(2)
كذا في (س) ولعله أتى بها لغة من يلزم المثنى الألف.
الثالث عشر:
اللب: العقل، والحازم المحترز في الأمور المستظهر فيها
(1)
.
الرابع عشر:
نبه صلى الله عليه وسلم بقوله: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ " على ما نبه عليه عز وجل في كتابه بقوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] أي: إنهن قليلات الضبط، كان كان بعض أفرادهن يخرجن عن ذلك، فإنه نادر قليل كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم"
(2)
وفي رواية أخرى: "أربع"
(3)
.
الخامس عشر:
العقل: أصله المنع، وهو صفة يميز بها بين من الحسن والقبيح، ومحله عند الأكثرين في القلب، وقيل: في الرأس، وقيل: مشترك، وأغرب بعضهم، فقال: نقص العقل أي: في الدية فإنها على النصف من دية الرجل حكاه ابن التين، وظاهر الحديث يأباه.
السادس عشر:
وصف نقصان دينهن لتركهن الصوم والصلاة، ووجهه ظاهر، فإن
(1)
"النهاية في غريب الحديث" 1/ 379 مادة: حزم.
(2)
سيأتي برقم (3411) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} إلى قوله: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 11 - 12]، ومسلم (2432) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
(3)
"الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين" لابن عساكر 1/ 57، وعزاه إلى ابن رزين في "مجموع الصحاح".
من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، لكنها مأمورة بالترك فهي معذورة إذن، ولا يلزم من هذا ثوابها (
…
)
(1)
الترك.
نعم عدم الأهلية بخلاف المسافر والمريض، فإن نيتهما الفعل لولا العذر، وليس نقصان ذلك في حقهن ذمًّا لهن، قال ذلك على معنى التعجب، بأنهن على هذِه الحالة، وهن يفعلن بالحازم ما ذكره، كما نبه عليه القرطبي.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على إسقاط فرض الصلاة عن الحائض، وعلى عدم وجوب القضاء عليها
(2)
إلا من شذ، وكذا النفساء بخلاف الصوم، فإن عليها قضاءه، ولا يجوز صومها في حال حيضها، وهذا ما ترجم عليه البخاري.
السابع عشر:
فيه: ترك العنت على الرجل إن تغلب محبة أهله عليه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عذره، فإذا كن يغلبن الحازم فغيره أولى.
(1)
كلمة غير واضحة بالأصل ولعلها: (وعليها).
(2)
"الإجماع" ص 40 (67).
7 - باب تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الآيَةَ [انظر: 324] وَلَمْ يَرَ ابن عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْسًا. وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ. وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ الحُيَّضُ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ، أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَاب النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأ، فَإِذَا فِيهِ:"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} ". الآيَةَ [آل عمران: 64]. [انظر: 7] وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ: حَاضَتْ عَائِشَةُ فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَا تُصَلِّي [انظر: 1557] وَقَالَ الحَكَمُ: إِنِّي لأَذْبَحُ وَأَنَا جُنُبٌ. وَقَالَ اللهُ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]
305 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَذْكُرُ إِلَّا الَحجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ:"مَا يُبْكِيكِ؟ ". قُلْتُ: لَوَدِدْتُ والله أَنِّي لَمْ أَحُجَّ العَامَ. قَالَ: "لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي". [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 1/ 407]
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَذْكُرُ إِلَّا الحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا
أَبْكِي، فَقَالَ:"مَا يُبْكِيكِ؟ ". قُلْتُ: لَوَدِدْتُ والله أَنِّي لَمْ أَحُجَّ العَامَ. قَالَ: "لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ كتَبَهُ اللهُ على بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي".
الشرح:
مقصود البخاري رحمه الله بما اشتملت عليه جميع هذا المذكور في الترجمة أن هذا الحدث الأكبر وما في معناه من الجنابة لا ينافي كل عبادة، بل صحت معه عبادات بدنية من أذكار وتلاوة وغيرهما، فمناسك الحج من جملة ما لا ينافيه الحدث الأكبر إلا الطواف فقط، وقد سلف -في باب: قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض- اختلاف العلماء في جواز قراءة القرآن للحائض والجنب واضحًا فراجعه منه.
قال المهلب: في شهود الحائض المناسك كلها وتكبيرها في العيدين دليل على جواز قراءتها القرآن؛ لأن من السنة ذكر الله في المناسك، وفي كتابه إلى هرقل بآية دليل على ذلك وعلى جواز حمل الحائض والجنب القرآن؛ لأنه لو كان حرامًا لم يكتبه إليهم. وهو يعلم أنهم يمسونه بأيديهم.
لكن القرآن وإن كان لا يلحقه أذى، ولا تناله نجاسة فالواجب تنزيهه، وترفيعه عن من لم يكن على أكمل أحوال الطهارة؛ لقوله تعالى:{فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)} [عبس: 13 - 14] وقد سلف الجواب عن ذلك في الباب المشار إليه، وما حكاه البخاري عن إبراهيم -وهو النخعي- لا بأس أن تقرأ الآية، روى عنه ابن أبي شيبة عن وكيع، عن مغيرة عنه قال: تقرأ ما دون الآية، ولا تقرأ آية تامة
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 98 (1097).
وروي عن أبي خالد الأحمر، عن حجاج، عن عطاء، وعن حماد عنه، وعن سعيد بن جبير: في الحائض والجنب يستفتحون رأس الآية ولا يتمون آخرها
(1)
.
قال: وحدثنا وكيع عن شعبة، عن حماد أن سعيد بن المسيب قال: يقرأ الجُنب القرآن. قال: فذكرته لإبراهيم فكرهه
(2)
.
وحدثنا وكيع [عن سفيان]
(3)
، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان يقال: أقرأ القرآن ما لم تكن جنبًا
(4)
.
وحدثنا وكيع، عن شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، عن عمر، قال: لا تقرأ الحائض القرآن
(5)
.
وأما أثر ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة، عن الثقفي، عن خالد، عن عكرمة، عنه: أنه كان لا يرى بأسًا أن يقرأ الجنب الآية أو الآيتين
(6)
.
وأما حديث: (يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) فأخرجه مسلم
(7)
من حديث عائشة
(8)
.
قال الطبري في "تهذيبه": الصواب أن ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من ذكر الله على كل أحيانه، وأنه كان يقرأ ما لم يكن جنبًا، أن قراءته طاهرًا اختيارًا
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 97 (1090).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 98 (1094).
(3)
سقط من الأصل، والمثبت من "مصنف ابن أبى شيبة" 1/ 99 (1115).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"1/ 99 (1115).
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 98 (1098).
(6)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 97 (1089) عن عكرمة بنفس الإسناد.
(7)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: من خط الشيخ: أبو داود والترمذي والنسائي، ورواه الأخير في الجزء التاسع بلفظ: أحواله.
(8)
مسلم (373) كتاب: الحيض، باب: ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها.
منه لأفضل الحالتين، والحالة الأخرى، أراد تعليم الأمة وإن ذلك جائز لهم غير محظور عليهم الذكر وقراءة القرآن.
وقال غيره: هو أصل في جواز الذكر بالتسبيح والتهليل وشبههما من الأذكار، وكأنه إجماع، إنما الخلاف في القراءة، فيكون الحديث مخصوصًا بما سوى هذِه الأحوال.
وحديث أم عطية سيأتي مسندًا قريبًا
(1)
، وفي الصلاة
(2)
، وحديث أبى سفيان سبق مسندًا
(3)
.
وحديث جابر سيأتي مسندًا في المناسك
(4)
غير قوله: (ولا يصلي)، فإنه يحتمل أن يكون من كلام عطاء، أو من كلام البخاري، وحديث عائشة سلف في أول الحيض واضحًا.
(1)
سيأتي برقم (324) كتاب: الحيض، باب: شهود الحائض العيدين.
(2)
سيأتي برقم (351) كتاب: الصلاة، باب: وجوب الصلاة في الثياب.
(3)
سبق برقم (7) كتاب: بدء الوحي.
(4)
سيأتي برقم (1651) كتاب: الحج، باب: تقضي الحائض المناسك كُلها.
8 - باب الاسْتِحَاضَةِ
306 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِك، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَة بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَا أَطْهُرُ، أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصلِّي". [انظر: 228 - مسلم: 333 - فتح: 1/ 409]
ذكر فيه حديث عائشة. وقد سلف في باب: غسل الدم - واضحًا
(1)
، ولفظه هنا:"فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي" وهو بإسكان الدال المهملة، أي: قدر وقتها، وصحَّف من قرأه بالذال المعجمة المفتوحة، وترده الرواية الأخرى الثابتة في "الصحيح":"ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها"
(2)
.
(1)
سلف برقم (228) كتاب: الوضوء.
(2)
سيأتي برقم (325) باب: إذا حاضت في شهر ثلاث حيض.
9 - باب غَسْلِ دَمِ المَحِيضِ
307 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الُمنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلتِ امْرَأه رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الَحيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ، فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ". [انظر: 227 - مسلم: 291 - فتح: 1/ 410]
308 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الَحارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ، ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ، وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ. [فتح: 1/ 410]
ذكر فيه حديث أسماء. وقد سلف في باب غسل الدم
(1)
.
ثم ذكر حديثًا آخر فقال: حَدَّثنَا أَصْبَغُ، أنا ابن وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ، ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ، وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ.
وهذا الحديث انفرد به البخاري عن مسلم، وأخرجه ابن ماجه، عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب
(2)
فساوى فيه البخاري. وقال ابن عساكر في "أطرافه": موقوف.
وأصبغ: هو ابن الفرج المصري الفقيه
(3)
، وابن وهب هو
(1)
سلف برقم (227) كتاب: الوضوء.
(2)
"سنن ابن ماجه"(630).
(3)
سبقت ترجمته في حديث رقم (155).
الإمام
(1)
، وعمرو بن الحارث أحد الأعلام مصري، له غرائب، مات سنة ثمان وأربعين ومائة
(2)
.
وسلف معنى القرص هناك، ونضحت ما لا دم فيه؛ دفعًا للوسوسة، فإنه طهور لما يشك فيه، وأردف الشيخ هذا الحديث بحديث أسماء؛ لأن في حديث أسماء:"ثم لتنضحه بماء" فتبين بحديث عائشة أن المراد به الغسل، وكل ذلك دال على أنه ليس على الحائض غسل ثوبها كله، وإنما تغسل ما تحققت نجاسته منه.
(1)
سبقت ترجمته في حديث رقم (71).
(2)
عمرو بن الحارث بن يعقوب بن عبد الله الأنصاري، أبو أمية المصري مدني الأصل. مولى قيس بن عبادة. كان قارئًا فقيهًا مفتيًا، روى عن: إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري المصري، وأيوب بن موسى القرشي، وبكر بن سوادة الجذامي، وبكير بن عبد الله الأشج وغيرهم.
وروى عنه: أسامة بن زيد الليثي، وبكر بن مضر، وبكير الأشج وهو من شيوخه، ورشدين بن سعد، وصالح بن كيسان وهو أكبر منه، وعبد الله بن وهب وهو راويته، وغيرهم كثير، وثقه ابن سعد، وأبو داود، ويحيى بن معين، وأبو زرعة والعجلي والنسائي. مات سنة ثمان وأربعين ومائة.
انظر: ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 515، "طبقات خليفة" ص 296، "التاريخ الكبير" 6/ 320 - 321 (2521)، "معرفة الثقات" 2/ 173 (1371)، "تهذيب الكمال" 21/ 570 - 578 (4341).
10 - باب الاعْتِكَافِ لِلمُسْتَحَاضَةِ
309 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاق قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهْيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرى الدَّمَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ. وَزَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مَاءَ العُصْفُرِ، فَقَالَتْ: كَأَنَّ هذا شَيء كَانَتْ فُلَانَةُ تَجِدُهُ. [310، 311، 2037 - فتح: 1/ 411]
310 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيد بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ، وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهْيَ تُصَلِّي. [انظر: 309 - فتح: 1/ 411]
311 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ الُمؤْمِنِينَ اعْتَكَفَتْ وَهْيَ مُسْتَحَاضَةٌ. [انظر: 309 - فتح: 1/ 411]
حَدَّثنَا إِسْحَاقُ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهْيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرى الدَّمَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ. وَزَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مَاءَ العُصْفُرِ، فَقَالَتْ: كَأَنَّ هذا شَيءٌ كَانَتْ فُلَانَةُ تَجِدُهُ.
خالد الأول هو الطحان
(1)
.
(1)
خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان، أبو الهيثم، ويقال: أبو محمد، المزني -مولاهم- الواسطي. يقال: إنه مولى النعمان بن مقرن المزني.
روى عن: إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، وإسماعيل بن أبي خالد، وأفلح بن حميد المدني، وأبي بشر بيان بن بشر وغيرهم.
وعنه: إبراهيم بن موسى الرازي، وإسحاق بن شاهين الواسطي، وأبو عمر حفص بن عمر الحوضي، وخلف بن هشام البزَّار وغيرهم.
وثقه محمد بن سعد وأبو زرعة، وأبو حاتم، والترمذي، والنسائي، وأبو داود، مات سنة اثنتين وثمانين ومائة. =
والثاني هو الحذاء
(1)
.
وإسحاق: هو ابن شاهين صدوق، جاوز المائة، روى له مع البخاري النسائي
(2)
.
ثم قال البخاري: حَدَّثنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، عَنْ خَالِدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ، وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهْيَ تُصَلَّي.
وأخرجه في الاعتكاف أيضًا
(3)
، وذكر الدارقطني اختلافًا في إسناده، ووِهم مَن رواه عن عكرمة، عن ابن عباس.
ثم قال البخاري: حَدَّثنَا مُسَدَّدٌ، ثنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ اعْتَكَفَتْ وَهْيَ مُسْتَحَاضَةٌ.
وخالد هذا: هو الحذاء، وكذا في الإسناد قبله، ومداره عليه، فتارة رواه عنه خالد الطحان، وتارة رواه يزيد بن زريع، وتارة رواه معتمر.
= انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 7/ 313، "طبقات خليفة" ص 326، "التاريخ الكبير" 3/ 160 (550)، " أسماء الدارقطني"(276)، "تاريخ بغداد" 8/ 295، "تهذيب الكمال" 8/ 99 - 104 (1625).
(1)
سبقت ترجمته في حديث رقم (75).
(2)
إسحاق بن شاهين بن الحارث الواسطي، أبو بشر بن أبي عمران. روى عن: بشر بن مبشر، وحسَّان بن إبراهيم الكرماني، والحكم بن ظهير، وخالد بن عبد الله الواسطي، وسفيان بن عيينة، وعبد الحكم بن منصور وغيرهم. روى عنه: البخاري، والنسائي، وأحمد بن الخليل القطيعي البِّيعُ، وغيرهم.
قال النسائي: لا بأس به، وقال الحافظ ابن حجر: صدوق. مات بعد الخمسين وقد جاز المائة.
انظر ترجمته في "الثقات" 8/ 117، "تهذيب الكمال" 2/ 434، 435 (358)، "التقريب"(359).
(3)
سيأتي برقم (2037) باب: اعتكاف المستحاضة.
وفقه الباب:
أن حال المستحاضة حال الطاهر، وأنها تعتكف، وأنها تضع الطست لئلا يصيب ثيابها أو المسجد، وأنها لا تترك الاعتكاف كالصلاة، وأن دم الاستحاضة دقيق ليس كدم الحيضة.
ونقل ابن بطال وابن التين الإجماع على أن الحائض لا تدخل المسجد
(1)
، ولعله لم ير ما ذكر عن ابن مسلمة أنها تدخله.
ولا ينبغي لها ذلك خشية أن يخرج منها ما ينزه المسجد عنه، ويلحق بالمستحاضة ما في معناها من سلس البول، والمذي، والودي، ومن به جرح يسيل في جواز الاعتكاف.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 437.
11 - باب هَلْ تُصَلِّي المَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حَاضَتْ فِيهِ
؟
312 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ ابن أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا كَانَ لإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ، قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا. [فتح: 1/ 412]
حَدَّثنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا كَانَ لإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَىْءٌ مِنْ دَمٍ، قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا.
هذا الحديث انفرد به البخاري عن مسلم، وأخرجه أبو داود بلفظ: بلته بريقها، ثم قصعته بريقها
(1)
.
واختلف على ابن نافع هذا فرواه أبو نعيم وغيره كما ساقه البخاري
(2)
، ورواه أبو داود عن محمد بن كثير، عنه، عن الحسن بن مسلم بن يَنَّاق، عن مجاهد به، ورواه الإسماعيلي كذلك، ويحتمل أن يكون سمعه منهما، فإنه حافظ ثقة.
ثم اعلم بعد ذلك أنه اختلف في سماع مجاهد من عائشة، فقال يحيى بن معين، وأبو حاتم، ويحيى بن سعيد القطان، وشعبة، وأحمد، والبرديجي: لم يسمع منها
(3)
.
(1)
"سنن أبي داود"(358). وصحح إسناده الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(390).
(2)
"سنن البيهقي" 1/ 14 وسنده: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو، ثنا محمد بن غالب، ثنا موسى بن مسعود، ثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم بن يناق به.
(3)
انظر: "المراسيل"(752)، "تهذيب الكمال" 27/ 232 - 233، "سير أعلام النبلاء" 4/ 451، "جامع التحصيل" ص 273 (736).
وسيأتي في كتاب الحج
(1)
والمغازي
(2)
من "الصحيح" ما يدل على سماعه منها، وفي الصحيحين عن مجاهد عنها عدة أحاديث
(3)
وهو رأي ابن المديني وابن حبان
(4)
.
ومصعته بالصاد والعين المهملتين، أي: حركته وفركته بظفرها، وأصل المصع التحريك وقال أبو سليمان: أصله الضرب الشديد، فيكون المعنى المبالغة في حكه، وهو بمعنى رواية أبي داود قصعته، والقصع: الدلك والمعالجة.
واقتصارها على ذلك يجوز أن يكون لقلته والعفو عنه، ويجوز أن تكون غسلته بعد ذلك، ولم تنص عليه للعلم به عندهم، وقد نصت عليه في الحديث السالف في قولها:(فَتَغْسِلُهُ، وَتَنْضَحُ على سَائِرِهِ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ).
وقولها: (مَا كَانَ لإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ) لا يعارضه الحديث السالف من حديث أم سلمة. (فأخذت ثياب حيضتي). إذ يجوز أن يكون هذا في أول الحال، والآخر بعد فتح الفتوح واتساع الحال.
(1)
سيأتي برقم (1775، 1776)، باب: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
سيأتي برقم (4253) باب: غزوة زيد بن حارثة.
(3)
ستأتي برقم (1393) كتاب: الجنائز، باب: ما ينهى من سب الأموات، و (6516) كتاب: الرقاق، باب: سكرات الموت وسلف بعضها. وفي "صحيح مسلم"(1211/ 133) كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام، (1255) كتاب: الحج، باب: بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن.
(4)
انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 232 - 233، "سير أعلام النبلاء" 4/ 451.
واعلم أن البخاري لم يذكر في الحديث أنها كانت تصلي فيه ليطابق ما ترجم له، والجواب أن من لم يكن لها إلا ثوب واحد تحيض فيه فمن المعلوم أنها تصلي فيه عند الانقطاع وتطهيره أو يكون، أحال البخاري على أصل حديثها؛ إذ في حديثها السالف:"ثم تصلي فيه".
12 - باب الطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ
(1)
313 -
حَدَّثَنَا عَبْدِ اللهِ بْن عَبْدِ الوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ -قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَوْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ- عَن أُمّ عَطِيَّةَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتِ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا نَكْتَحِلَ وَلَا نَتَطَيَّبَ وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخَّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اَتِّبَاعِ الَجنَائِزِ. قَالَ: رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [1278، 1279، 5340، 5341، 5342، 5343 - مسلم: 938 - فتح: 1/ 413]
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّاب، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ -قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَوْ هِشَامَ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ- عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا نَكْتَحِلَ وَلَا نَتَطَيَّبَ وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتبَاعِ الجَنَائِزِ. قَالَ: رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هدا الحديث أخرجه البخاري هنا مطولًا، وفي الجنائز
(2)
، والطلاق مختصرًا
(3)
، وأخرجه مسلم
(4)
، وأبو داود والنسائي وابن
(1)
ورد بهامش (س) تعليق: ثم بلغ في الحادي بعد الستين له مؤلفه سامحه الله.
(2)
سيأتي برقم (1278) باب: اتباع النساء الجنائز.
(3)
سيأتي برقم (5340) باب: الكحل للحادة.
(4)
مسلم (938) كتاب: الجنائز، باب: نهي النساء عن اتباع الجنائز.
ماجه أيضًا
(1)
.
ثانيها:
وقع في بعض النسخ حديث هشام أولًا، وفي بعضها تأخيره كما سقناه، وقال في كتاب الطلاق: وقال الأنصاري: حدثنا هشام به، وقال مسلم: حدثنا حسن بن الربيع، ثنا ابن إدريس، نا هشام عن حفصة به.
والفائدة فيه: أن أم عطية أسندته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحًا، وكذا هو في كتاب أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث هشام مسندًا
(2)
.
وساقه البخاري في الجنائز من حديث ابن سيرين، قال: توفي ابن لأم عطية، فلما كان يوم الثالث دعت بصفرة، فتمسحت به، وقالت:(نهينا أن نحد أكثر من ثلاث إلا لزوج)
(3)
.
ثالثها:
نحد بضم أوله، وكسر ثانيه، وبفتح أوله وضم ثانيه، رباعيًّا وثلاثيًّا يقال: أحدَّت وحدَّت، حدادًا، وإحدادًا، فهي حادٌّ، ومحدٌّ، والثاني أكثر في كلام العرب، والأول كان الأولون من النحويين يؤثرونه.
قال الفراء في "مصادره": وأبى الأصمعي إلا أحدَّت ولم يعرف حدَّت، حكاه في "المحكم"، وهو المنع من الزينة، وأصل هذِه الكلمة المنع، ومنه قيل للبواب: حدَّادًا؛ لأنه يمنع الدخول والخروج، وأغرب بعضهم فحكاه بالجيم من جددت الشيء إذا
(1)
أبو داود (1139)، وابن ماجه (1577)، والنسائي في "الكبرى" 1/ 542 - 543 (1757 - 1759).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
سيأتي برقم (1279) باب: حد المرأة على غير زوجها.
قطعته، فكأنها قد انقطعت عن الزينة، وعما كانت عليه قبل ذلك
(1)
.
رابعها:
ظاهر الحديث، وجوب الإحداد على كل من هي ذات زوج، سواء فيه المدخول بها وغيرها، والصغيرة والكبيرة، والبكر والثيب، والحرة والأمة، وقال أبو حنيفة: لا إحداد على الصغيرة، ولا على الزوجة الأمة
(2)
.
وأجمعوا على أنه لا إحداد على أم الولد والأمة إذا توفي عنها سيدها، ولا على الرجعية
(3)
.
وفي المطلقة ثلاثًا قولان. وقال الحكم، وأبو حنيفة وأصحابه، وأبو ثور، وأبو عبيد: عليها الإحداد
(4)
.
وهو قول ضعيف للشافعي، وقال عطاء، وربيعة، ومالك، والليث، والشافعي، وابن المنذر بالمنع، وحكي عن الحسن البصري أنه لا يجب الإحداد على المطلقة ولا على المتوفي عنها، وهو شاذ
(5)
.
خامسها:
ظاهر الحديث عدم وجوبه على الكتابية المتوفي عنها زوجها المسلم، وهو أحد قولي مالك، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور، والكوفيون، وابن كنانة وابن نافع وأشهب، وقال الشافعي وعامة أصحاب مالك: عليها الإحداد. واختلف عند المالكية في امرأة
(1)
انظر: "لسان العرب" 2/ 799 - 802، "المحكم" 2/ 352 - 356 مادة حدَّ.
(2)
انظر: "بداية المبتدئ" 1/ 86.
(3)
انظر: "التمهيد" 17/ 321.
(4)
انظر: "عون المعبود" 6/ 286، "التمهيد" 17/ 321.
(5)
انظر: "الإشراف على مذاهب أهل العلم" 1/ 269 - 270.
المفقود، والتي تتزوج في المرض والنكاح الفاسد
(1)
.
سادسها:
قولها: (فَوْقَ ثَلَاثٍ)، تعني به: الليالي مع أيامها؛ ولذلك أنثت العدد، ويستفاد منه أن المرأة إذا مات حميمها فلها أن تمتنع من الزينة ثلاثة أيام متتابعة، تبدأ بالعدد من الليلة التي تستقبلها إلى آخر ثالثها، فإن مات حميمها في بقية يوم أو ليلة ألقتها وحسبت من الليلة المستقبلة المستأنفة.
سابعها:
قولها: (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)، أربعة منصوب على الظرف، والعامل فيه تحد، وعشرًا معطوف عليه، وخص بأربعة أشهر وعشر؛ لأن الغالب تبين حركة الحمل في تلك المدة، (وأنث العشر)
(2)
؛ لأنه أراد الأيام بلياليها، كما سلف.
وهو مذهب العلماء كافة، إلا ما حكي عن يحيى بن أبي كثير والأوزاعي أنه أراد أربعة أشهر وعشر ليالٍ، وأنها تحل في اليوم العاشر. وعند الجمهور: لا تحل حتى تدخل ليلة الحادي عشر، وهذا خرج على الغالب في المعتدات أنها تعتد بالأشهر.
أما إذا كانت حاملًا فعدتها بالحمل، ويلزمها الإحداد في جميع المدة حتى تضع، سواءً قصرت المدة أم طالت، فإذا وضعت فلا إحداد بعده، وقال بعض العلماء: لا يلزمها الإحداد بعد أربعة أشهر وعشر، وإن لم تضع الحمل.
(1)
انظر: "التمهيد" 17/ 316 - 317، "الإشراف" لابن المنذر 1/ 269 - 270.
(2)
كذا في (س) وفي متن الحديث مذكرة ولعله وقع وهم في إعرابها.
ثامنها:
قولها: (وَلَا نَكْتَحِلَ)، فيه دلالة على تحريم الكحل على الحاد
(1)
سواء احتاجت إليه أم لا.
وجاء في "الموطأ" وغيره من حديث أم سلمة: "اجعليه بالليل
وامسحيه بالنهار"
(2)
فهو محمول على الحاجة إليه، والأولى تركه؛ لحديث: أن ابنتي اشتكت عينها، أفنكحلها؟ قال:"لا"
(3)
.
ولعله محمول على ما إذا لم تبلغ الحاجة، وجوزه مالك فيما حكاه الخطابي: تكتحل بغير تطيب
(4)
، وعمم غيره، فإن دعت حاجة إلى استعماله نهارًا أجاز، والمراد بالكحل: الأسود والأصفر، أما الأبيض كالتوتيا ونحوه فلا تحريم فيه عند أصحابنا؛ إذ لا زينة فيه، وحرمه بعضهم على الشعثاء البيضاء حيث تتزين به
(5)
.
تاسعها:
قولها: (وَلَا نَتَطَيَّبَ)، فيه صراحة بتحريمه عليها، وهو ما حرم عليها في حال الإحرام وسواء ثوبها وبدنها.
فرع:
يحرم عليها أكل طعام فيه طيب.
(1)
في الأصل: الحادة، وفي هامشه: الصواب الحاد بغير التاء، ومنه صححنا. والله أعلم.
(2)
رواه مالك ص 371 برواية يحيى، والبيهقي 7/ 440.
(3)
سيأتي برقم (5336) كتاب: الطلاق، باب: تحد المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا، ومسلم (1488) كتاب: الطلاق، باب: وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام.
(4)
"معالم السنن" 3/ 248.
(5)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 8/ 405.
عاشرها:
قولها: (وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ) هو بفتح العين وإسكان الصاد المهملتين، وهي برود اليمن يعصب غزله، أي: يجمع ويشد، ثم ينسج، فيأتي موشيًّا؛ لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ، وقيل: هي برود مخططة.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للحادة لُبْس الثياب المعصفرة والمصبغة إلا ما صبغ بسواد، فرخص فيه عروة ومالك والشافعي، وكرهه الزهري، وكره عروة العصب، وأجازه الزهري، وأجاز مالك تخليطه، وصحح الشافعية تحريم البرود مطلقًا
(1)
.
وهذا الحديث حجة لمن أجازه، نعم أجازوا ما إذا كان الصبغ لا يقصد به الزينة، بل يعمل للمصيبة، واحتمال الوسخ كالأسود والكحلي بل هو أبلغ في الحداد، بل حكى الماوردي وجهًا أنه يلزمها لبسه في الحداد، أعني: السواد، وروي عن عمر أنه أراد أن ينهى عن عصب اليمن، وقال: نبئت أنه يصبغ بالبول، ثم قال: نهينا عن التعمق
(2)
.
الحادي عشر
(3)
:
النبذة بضم النون: القطعة والشيء اليسير، والكُسْت: بضم الكاف وتاء مثناة فوق في آخره، وروي بالطاء أيضًا، كما حكاه ابن الأثير
(4)
.
(1)
"الإجماع" ص 88 (458)، "الإشراف على مذاهب العلماء" 4/ 295.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 383 (1494).
(3)
في (س)(الحادي عشرة)، والصحيح (الحادي عشر) بدون التاء؛ لأن الجزأين يوافقان المعدود.
(4)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/ 172.
وفي مسلم: (قسط)
(1)
، بالقاف والطاء، وحكاها الفضل بن سلمة في "كتاب الطيب" ثلاث لغات، قال: وهو من طيب الأعراب، وحكاها ابن الجوزي في "غريبه" ومن خطه نقلت؛ لكنه قال بدل:(كست)(كسط) وأعجم السين، وصحح على الطاء، وذكر في باب الكاف أما الكست: القسط الهندي، فتحصل فيه إذن أربع لغات
(2)
وأما [ما]
(3)
رواه البخاري قسط ظفار، فقال ابن بطال وابن التين: كذا وقع فيه، وصوابه: كست ظفار، نسبة إلى ظفار، ساحل من سواحل عدن
(4)
.
وقال القرطبي: ظفار: مدينة باليمن
(5)
. وعلى هذا ينبغي أن لا تصرف للتعريب والتأنيث، والذي في مسلم:"قسط أو أظفار"
(6)
وهو أحسن فإنهما نوعان، قيل: هو شيء من العطر أسود، والقطعة منه شبيهة بالظفر، وهو بخور رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع فيه أثر الدم.
وقال البكري: ظفار بفتح أوله وكسر آخره، مبني على الكسر: مدينة باليمن، وبها قصر المملكة، ويقال: إن الجن بنتها
(7)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
في هامش (س) أي: أربع كست، وقست، وقسط، وكشط.
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
(4)
"شرح ابن بطال" 1/ 438. وقد وقع في مطبوعه التصويب لقوله: كست أظفار بالسابق، أما الذي هنا فبالقاف والسين والطاء كما ترى، ولعل مقصد المؤلف تصويب قوله: أظفار، ولكنك كذلك تجدها هنا بدون الهمز!!
(5)
"المفهم" 4/ 290.
(6)
سبق تخريجه.
(7)
"معجم ما استعجم" 3/ 904 - 905.
وعن الصغاني: ظفار في اليمن أربعة مواضع: مدينتان وحصنان، أما المدينتان: فظفار الحقل، كان ينزلها التبابعة، وهي على مرحلتين من صنعاء، وإليها ينسب الجزع. وظفار الساحل قرب مرباط، وإليها نسب القسط يجلب إليها من الهند.
والحصنان: أحدهما: في مباني صنعاء، على مرحلتين، ويسمى ظفار الواديين.
والثاني: من بلاد همدان، ويسمى ظفار الظاهر.
وقال ابن سيده: الظفر ضرب من العطر أسود مغلف، من أصله على شكل ظفر الإنسان يوضع في الدخنة، والجمع أظفار وأظافير، وقال صاحب "العين": لا واحد له، وظفَّر ثوبه طيبه بالظفر
(1)
.
وفي "الجامع": الأظفار: شيء من العطر، يشبه الأظفار يتخذ منها مع أخلاط، ولا يفرد واحدها، وإن أفرد فهو إظفارة، وفي كتاب أبي موسى المديني عن الأزهري: واحده ظفر
(2)
.
الثاني عشر:
قولها (وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّباعِ الجَنَائِزِ) سيأتي الكلام عليه في بابه إن شاء الله. ووجه مناسبة الحديث لما ترجم له ظاهر.
قال المهلب: أبيح للحائض محدًّا كانت أو غير محد عند غسلها من المحيض أن تدرأ رائحة الدم عن نفسها بالبخور بالقسط ونحوه، لما هي مستقبلة من الصلاة ومجالسة الملائكة؛ لئلا تؤذيهم برائحة الدم.
(1)
"المحكم" 11/ 20 مادة: ظفر.
(2)
"تهذيب اللغة" 3/ 2241 - 2242 مادة: ظفر.
13 - باب دَلْكِ المَرْأَةِ نَفْسَهَا إِذَا تَطَهَّرَتْ مِنَ المَحِيضِ، وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ، وَتَأْخُد فِرْصَةً مُمَسَّكةً فَتَتَّبِعُ [بِهَا] أَثَرَ الدَّمِ
314 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورِ ابن صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أمْرَأَةً سَأَلتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الَمحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، قَالَ:"خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟ قَالَ: "تَطَهَّرِي بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِي". فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أثَرَ الدَّمِ. [315، 7353 - مسلم: 332 - فتح: 1/ 414]
حَدَّثنَا يَحْييَ، ثَنَا ابن عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورِ ابن صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَن امْرَأَةَ سَألَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، قَالَ:"خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟ قَالَ: "تَطَهَّرِي بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: "سُبْحَانَ اللهِ! تَطَهَّرِي". فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: هذا الحديث أخرجه عقب ذلك وبوب عليه:
14 - باب غَسْلِ المَحيضِ
315 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ امْرَأةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنَ الَمحِيضِ؟ قَالَ: "خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فَتَوَضَّئي ثَلًاثا". ثُمُّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَحْيَا فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ، أَوْ قَالَ:"تَوَضَّئي بِهَا". فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 314 - مسلم: 332 - فتح:1/ 416]
قال: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، ثنَا وُهَيْبٌ، ثنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ امْرَأَةَ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنَ المَحِيضِ؟ قَالَ: "خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فَتَوَضَّئِي ثَلَاثًا". ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَحْيَا فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ، أَوْ قَالَ:"تَوَضَّئِي بِهَا". فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه في كتاب الاعتصام، عن يحيى أيضًا، ومن تراجمه عليه باب: الأحكام التي تعرف بالدلائل، وأخرجه مسلم
(1)
أيضًا.
وتابع منصورًا إبراهيم بن مهاجر في مسلم
(2)
، وتابع ابن عيينة وهيب. كما سلف. وفضيل بن سلمان، وتابع يحيى جماعات منهم الحميدي
(3)
. ويحيى هذا هو ابن موسى البلخي السجستاني الثقة، يقال له: خت
(4)
وبخط بعض الحفاظ المتأخرين أنه لقب موسى، وبه
(1)
مسلم (332) كتاب: الحيض، باب: استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم، وفوقها في الأصل:(د. س. ق). انظر أبي داود 315، 316، والنسائي 1/ 135 - 137، 207 - 208، وابن ماجه (642).
(2)
مسلم (332/ 61).
(3)
"مسند الحميدي" 1/ 243 (167).
(4)
بهامش (س): خت بفتح الخاء المعجمة كذا مقتضى كلام الذهبي في "المشتبه".
صرح الجياني
(1)
، مات بعد الأربعين ومائتين أو قبلها
(2)
، قال الجياني: إذا نسب ابن السكن يحيى هذا، فقال: ابن موسى، ولم ينسب الذي في الاعتصام
(3)
، والبخاري قال هناك: حدثنا يحيى، ثنا ابن عيينة
(4)
كما ذكر هنا قال: وذكر أبو نصر أنه يحيى بن جعفر، يروي عن ابن عيينة، ووقع في شرح بعض شيوخنا حدثنا يحيى -يعني: ابن معاوية بن أعين-، ولا أعلم في البخاري من اسمه كذلك.
ثانيها:
أغرب ابن حزم فطعن في "محلاه"، في رواية:"فتطهري بها"، وفي رواية:"فتوخي بها" بأن قال: لم تسند هذِه اللفظة إلا من طريق إبراهيم بن مهاجر، وهو ضعيف، ومن طريق منصور ابن صفية وقد ضُعِّف. وليس مما يحتج براويته
(5)
، هذا كلامه، وإبراهيم هذا قد احتج به مسلم، ووثقه أحمد والنسائي وغيرهما، وضعفه ابن معين بحضرة عبد الرحمن بن مهدي، فغضب عبد الرحمن وكره ما قال.
(1)
"تقييد المهمل" 3/ 1060.
(2)
يحيى بن موسى بن عبد ربه بن سالم الحُداني، أبو زكريا البلخي السختياني المعروف بخت، كوفي الأصل.
روى عن إبراهيم بن عيينة، وإبراهيم بن موسى الرازي، وأبي ضمرة أنس بن عياض الليثي، وغيرهم، وروى عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وإسحاق بن إبراهيم القاضي. وثقه أبو زرعة والنسائي والثقفي، والدارقطني. مات سنة إحدى وأربعين ومائتين.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 307 (3114)، "التاريخ الصغير" 2/ 362، "الأنساب" 5/ 49، "اللباب" 1/ 423، "تهذيب الكمال" 32/ 6 - 9 (6930).
(3)
"تقييد المهمل" 3/ 1060 - 1061.
(4)
انظر: "الجمع بين رجال الصحيحين" لابن القيراني 2/ 567.
(5)
"المحلى" 1/ 104.
نعم، قال يحيى بن سعيد: ليس بالقوي ويضعفه أيضًا منصور ابن صفية من أفراده، وقد أخرج الشيخان الحديث من حديثه، ووثقه الناس: أحمد، وابن عيينة، وغيرهما.
ثالثها:
لما ساق مسلم الحديث بسياقه بزيادة: وسألته عن غسل الجنابة، فذكره، قال: وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن أبي الأحوص، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية، وساق الحديث
(1)
، وقال: ولم يذكر فيه غسل الجنابة كما قال، وقد ساقه ابن ماجه من حديث شعبة عن إبراهيم
(2)
وفيه غسل الجنابة، وكذا أبو داود
(3)
فاستفده.
رابعها:
هذِه السائلة هي أسماء بنت شكل، كذا ثبت في "صحيح مسلم"
(4)
والكاف مفتوحة وحكي إسكانها.
وتبعه على ذلك جماعات منهم: ابن طاهر وأبو موسى في كتابه "معرفة الصحابة" وقال الخطيب في "مبهماته": إنها أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء، وروى حديثًا كذلك
(5)
وبه جزم ابن الجوزي في "تلقيحه" لكنه جزم بالأول في "مشكل الصحيحين"، وصوبه بعض الحفاظ المتأخرين؛ لأنه ليس في الأنصار من اسمه شكل، ويجوز
(1)
مسلم (332) كتاب: الطهارة، باب: صفة غسل المرأة من الحيض.
(2)
ابن ماجه (642).
(3)
أبو داود (315).
(4)
مسلم (332/ 61).
(5)
"المبهمات" ص 29.
تعدد الواقعة، ويؤيده تفريق ابن منده بين الترجمتين، وأن ابن سعد والطبراني وغيرهما لم يذكروا هذا الحديث في ترجمة بنت يزيد، ولم ينفرد مسلم في ذلك، فقد أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" وأبو نعيم في "مستخرجه"
(1)
كما ذكره مسلم سواء.
خامسها:
ترجم البخاري على هذا الحديث دلك المرأة نفسها، ولم يذكره فيه وكأنه أراد أصل الحديث، إذ في مسلم: ثم تصب على رأسها، فتدلكه دلكًا شديدًا، حتى تبلغ شئون رأسها. أو يكون فهم من قولها:(تتبعي بها أثر الدم): الدلك، وقد قيل، وترجم عليه أيضًا غسل المحيض، ولم يذكر فيه إلا التطيب، وقد ذكره مسلم في حديثه مطولًا كما أشرنا إليه، فكأنه أراد أصل الحديث.
سادسها:
المحيض هنا: الحيض، ويؤخذ منه، أنه لا عار على من سأل عن أمر دينه.
سابعها:
الفرصة -مثلثة الفاء كما حكاه ابن سيده، والكسر أشهرها: القطعة من القطن أو الصوف
(2)
.
وفي أبي داود عن أبي الأحوص أنه كان يقول: قرصة -أي: بالقاف- أي: شيئًا يسيرًا مثل القرصة بطرف الإصبعين
(3)
.
(1)
1/ 378 (742).
(2)
"المحكم" 8/ 206 مادة: (فرص).
(3)
سبق تخريجه.
وقال أبو عبيد وابن قتيبة: إنما هو قرضة بالقاف المضمومة والضاد المعجمة
(1)
، وتدل عليه الرواية السالفة:(فرصة ممسكة).
ثامنها:
المسك -بكسر الميم- يذكر ويؤنث وهو المعروف، (وممسكة) في الرواية الأخرى بتشديد السين، أي: مطيبة بالمسك، وأبعد من خفف السين، وفتحها أو كسرها، أي: من الإمساك.
وادعى القاضي عياض أن الفتح في المسك رواية الأكثرين
(2)
وهو الجلد، أي: عليه منه شعر، وبه جزم ابن قتيبة، وأن معناه الإمساك؛ لأنه لم يكن للقوم وسع في المال بحيث يستعملون الطيب في مثل هذا.
وقال الزمخشري: ممسكة، أي: خَلِقًا فإنه أصلح لذلك، ولا يستعمل الجديدة للارتفاق به، وذلك غريب منهما، وكيف يصح أن يقال: خذي قطعة من إمساك، والمسك عند أهل الحجاز كثير.
ولما ذكر الخطابي قول ابن قتيبة أن المسك لم يكن عندهم ممتهنًا، قال: الذي قاله أشبه، فلما ذكر قوله: قطعة قطن أو صوف مطيبة بمسك قال: فيه بُعُد
(3)
.
تاسعها:
"سُبْحَانَ اللهِ! "، هنا المراد بها: التعجب، أي: كيف يخفن مثل هذا الظاهر، وقولها:(تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ) يعني: الفرج، وأغرب المحاملي، فقال في "مقدمته": كل موضع أصابه الدم من بدنها، ومعنى:"توضيء بها": تنظفي بها.
(1)
"غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 45 - 46.
(2)
"إكمال المعلم" 2/ 171.
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 322.
عاشرها: في أحكامه:
فيه: استحباب تطييب فرج المرأة، تأخذ قطعة من صوف ونحوها، وتجعل عليها مسكًا أو نحوه، وتدخله في فرجها بعد الغسل على الصواب، والنفساء مثلها.
وفيه: استعمال الكنايات فيما يتعلق بالعورات، وقول: سبحان الله عند التعجب، وأن للسائل أن يتفهم السؤال إذا لم يفهم أولًا، وتكرير الجواب، واستعمال الحياء والإعراض بالوجه، وأن السائل إذا لم يتفهم فهمه بعض من في المجلس والعالم يسمع، إن ذلك سماع من العالم يجوز أن يقول فيه: حدثني وأخبرني.
ثم اعلم أن غسل المرأة من الحيض كغسلها من الجنابة سواء، وتزيد على ذلك استعمال الطيب.
15 - باب امْتِشَاطِ المَرْأَةِ عِنْدَ غَسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ
316 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّن تَمَتَّعَ، وَلَمْ يَسُقِ الهَدْيَ. فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ، وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هذِه لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وإِنَّمَا كنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرةٍ. فَقَالَ لَهَا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:"انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ". فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الَحجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الَحصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنَ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي التِي نَسَكْتُ. [انظر: 294 - مسلم:1211 - فتح: 1/ 417]
حَدَّثنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ، ثَنَا ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاع، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَعَ، وَلَمْ يَسُقِ الهَدْيَ. فَزَعَمَتْ أَنهَا حَاضَتْ، وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هذِه لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَة. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ". فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنَ التَنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي التِي نَسَكْتُ.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
اعترض الداودي في "شرحه"، فقال: ليس فيما أتى به حجة على ما ترجم له؛ لأن عائشة إنما أمرت أن تمتشط بالإهلال بالحج وهي حينئذ حائض، ليس عند غسلها منه، قلت: لكن إذا شرع في المسنون فالواجب أولى ولعل هذا هو الذي لمحه البخاري.
ثانيها:
ظاهر حديث عائشة هذا أنها أحرمت بعمرة أولًا، وهو صريح حديثها الآتي في الباب بعده، لكن قولها في الحديث السالف:
(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج).
وقد اختلفت الروايات عن عائشة فيما أحرمت به اختلافًا كثيرًا كما ذكره القاضي عياض، ففي رواية عروة عنها:(فأهللنا بعمرة)، وفي رواية أخرى:(ولم أهل إلا بعمرة)، وفي أخرى:(لا نذكر إلا الحج) وفي أخرى: (لا نرى إلا الحج)، وفي رواية القاسم عنها:(لبينا بالحج)، وله:(مهلين بالحج).
واختلف العلماء في ذلك، فمنهم من رجح روايات الحج وغلط رواية العمرة، وإليه ذهب إسماعيل القاضي
(1)
، ومنهم من جمع لثقة رواتها بأنها أحرمت أولًا بالحج ولم تسق الهدي، فلما أمر الشارع من لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة إن شاء فسخت فيمن فسخ وجعلته عمرة، وأهلت بها، ثم إنها لم تحل منها، حتى حاضت تعذر عليها إتمامها والتحلل منها، فأمرها أن تحرم بالحج، فأحرمت فصارت قارنةً، ووقفت وهي حائض، ثم طهرت يوم النحر فأفاضت.
وذكر ابن حزم أنه صلى الله عليه وسلم خيرهم بسرف بين فسخه إلى العمرة أو التمادي عليه، وأنه بمكة أوجب عليهم التحلل فرضًا إلا من معه الهدي
(2)
.
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 230 - 231.
(2)
"المحلى" 7/ 105.
وفي "الصحيح" أنها حاضت بسرف أو قريب منها، فلما قدمنا مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"اجعلوها عمرة"
(1)
.
ثالثها:
قولها: (يَا رَسُولَ اللهِ، هذِه لَيْلَةُ عَرَفَة
…
إلى آخره) ظاهره أنه أمرها برفض عمرتها، وأن تخرج منها قبل إتمامها، وبه قال الكوفيون في المرأة تحيض قبل الطواف وتخشى فوت الحج أنها ترفض العمرة.
وقال الجمهور: إنها تردف الحج، وتكون قارنة، وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأبو ثور، وحمله بعض المالكية على أنه صلى الله عليه وسلم أمرها بالإرداف لا بنقض العمرة
(2)
؛ لأن الحج والعمرة لا يأتي الخروج منهما شرعًا إلا بإتمامها، واعتذروا عن هذِه الألفاظ بتأويلات:
أحدها: أنها كانت مضطرة إلى ذلك فرخص لها كما رخص لكعب بن عُجْرة في الحلق للأذى.
ثانيها: أنه خاص بها.
ثالثها: أن المراد بالنقض والامتشاط: تسريح الشعر لغسل الإهلال بالحج، ولعلها كانت لبَّدت رأسها، ولا يتأتى إيصال الماء إلى البشرة مع التلبيد إلا بحل الضفر والتسريح.
وقد اختلف العلماء في نقض المرأة شعرها عند الاغتسال، فأمر به
(1)
رواه مسلم (11/ 12) كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام وأنَّهُ يجوز إفراد الحج والتمتع.
(2)
انظر: "الهداية" 1/ 33، "عيون المجالس" 2/ 898 - 899، "البيان" 4/ 308، "المغني" 5/ 108 - 109.
ابن عمرو
(1)
والنخعي
(2)
، ووافقهما طاوس في الحيض دون الجنابة، ولا يتبين بينهما فرق، ولم توجبه عليها فيهما عائشة، وأم سلمة
(3)
وابن عمر وجابر
(4)
وبه قال مالك والكوفيون والشافعي وعامة الفقهاء
(5)
، والعبرة بالوصول، فإن لم يصل تنقض.
رابعها:
قوله: "وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ" أي: عن إتمامها، يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"يسعك طوافك لحجك وعمرتك"
(6)
.
خامسها:
عبد الرحمن: هو أخوها، والحصبة: بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملتين، أي: ليلة نزول المحصب، وهو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى، وهو خيف بني كنانة، ربما سمي الأبطح والبطحاء لقربه منه، نزله الشارع بعد النفر من منى؛ لأنه بعث لخروجه، وبعث عائشة مع أخيها عبد الرحمن إلى التنعيم لتعتمر وتكمل أفعال عمرتها وتوافيه به، وطاف هو للوداع ووافاها في الطواف.
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 73 (793).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 73 (794).
(3)
انظر: "المصنف" 1/ 73 (792، 795).
(4)
انظر: "المصنف" 1/ 74 (802، 805).
(5)
انظر: "البناية" 1/ 262 - 263، "التمهيد" 22/ 98 - 99، "المغني" 1/ 298 - 299، "نيل الأوطار" 1/ 378 - 379.
(6)
رواه مسلم (1211/ 132) كتاب: الحج، باب: إحرام النفساء، واستحباب اغتسالها للإحرام، وكذا الحائض.
سادسها:
قولها: (مَكَانَ عُمْرَتِي التِي نَسَكْتُ) كذا هو في روايتنا، ووقع عند الشيخ أبي الحسن كما نقله ابن التين: شكيت. قال: وإنما وجه الكلام شكوت.
قلت: والياء لغة، قال: والذي رويناه سكنت من السكون، أي: سكنت عنها، وتركت التمادي عليها، قال: وروي أنها شكت بسرف، وروي بعرفة، وروي بمكة، قال: والمعنى أنها أعادت الكلام وكررته في كل موضع.
16 - باب نَقْضِ المَرْأَةِ شَعَرَهَا عِنْدَ غَسْلِ المَحِيضِ
317 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَت: خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الِحجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ، فَإِنِّي لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ". فَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ". فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِحَجٍّ". فَفَعَلْتُ، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الَحصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةِ مَكَانَ عُمْرَتِي. قَالَ هِشَام: وَلَمْ يَكنْ فِي شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا صَدَقَةٌ. [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 1/ 417]
حَدَّثنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ .. " الحديث
وقد سلف الكلام عليه في الباب قبله مع الترجمة أيضًا فيه، وأبو أسامة (ع) اسمه: حماد بن أسامة الكوفي الحافظ الحجة الإخباري، عنده ستمائة حديث عن هشام، عاش ثمانين سنة، ومات سنة إحدى ومائتين
(1)
، وعبيد (خ) هَبَّاري من أفراد البخاري، مات سنة ثنتين ومائتين.
(1)
حمَّاد بن أسامة بن زيد القرشي، أبو أسامة الكوفي، مولى بني هاشم. روى عن: أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري، والأجلح بن عبد الله الكندي، والأحوص بن حكيم الشامي، وإدريس بن يزيد الأودي، وأسامة بن زيد الليثي وغيرهم.
روى عنه: إبراهيم بن سعيد الجوهري، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وأحمد بن =
وفتح الحاء من ذي الحجة أشهر من كسرها، ومعنى: موافين: مشرفين، يقال: أوفي على كذا، أي: أشرف، ولا يلزم الدخول فيه.
وقولها: (خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الحِجَّةِ) وجاء في رواية أخرى: (لخمس بقين من ذي القعدة وقدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة لأربع أو خمس من ذي الحجة فأقام في طريقه إلى مكة تسعة أيام أو عشرة).
وقوله: (قَالَ هِشَام: وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا صَدَقَةٌ). ظاهره مشكل، فإنها إن كانت قارنة فعليها هدي للقران عند كافة العلماء إلا داود، وإن كانت متمتعة فكذلك؛ لكنها كانت فاسخة كما سلف، ولم تكن قارنة ولا متمتعة، وإنما أحرمت بالحج، ثم نوت فسخه في عمرة، فلما حاضت ولم يتم لها ذلك رجعت إلى حجها، فلما أكملته اعتمرت عمرة مستبدأة، نبه عليه القاضي
(1)
.
لكن يعكر عليه قولها: (وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَل بِعُمْرَةٍ)، وقولها:(ولم أهل إلا بعمرة)، ويجاب: بأن هشامًا لما لم يبلغه شيء من ذلك أخبر بنفيه، ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر، ويحتمل أن يكون لم يأمر به؛ بل نوى أنه يقوم به عنها، بل روى جابر أنه صلى الله عليه وسلم أهدى عن عائشة بقرة
(2)
.
= أبي رجاء الهروي، وأحمد بن سنان بن القطان الواسطي. وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، روى له الجماعة.
مات في ذي القعدة سنة إحدى ومائتين، وهو ابن ثمانين سنة.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 6/ 394، "تاريخ يحيى برواية الدارمي"(242)، "التاريخ الكبير" 3/ 28 (113)، "معرفة الثقات" 1/ 318 (352)، "ذكر أسماء التابعين" 1/ 110 (229)، "تهذيب الكمال" 7/ 217 - 224 (1471).
(1)
"إكمال المعلم" 4/ 231.
(2)
رواه مسلم (1319) كتاب: الحج، باب: الاشتراك في الهدي، وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما، عن سبعة.
خاتمة:
اختلف العلماء في فسخ الحج إلى العمرة، وهو تحويل النية من الإحرام بالحج إلى العمرة؛ فجمهور العلماء على المنع من ذلك
(1)
، وذهب ابن عباس إلى جوازه
(2)
، وبه قال أحمد
(3)
وداود
(4)
وكلهم متفقون: أن الشارع أمر أصحابه عام حجَّ بفسخ الحج إلى العمرة.
وأجاب الجمهور عنه: بأن ذلك كان خاصًّا بهم، وقد روى ربيعة عن الحارث بن بلال، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، الفسخ لنا خاصة أو لمن بعدنا؟ قال:"لنا خاصة" أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه
(5)
.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 101، "النوادر والزيادات" 331/ 2، "عيون المجالس" 2/ 833، "البيان" 4/ 71، "المغني" 5/ 95.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 3/ 425 (15779).
(3)
"المغني" 5/ 95 - 96.
(4)
"المحلى" 7/ 103.
(5)
أبو داود (1808)، والنسائي 5/ 179، وابن ماجه (2984)، ورواه أحمد 3/ 496.
قال ابن القيم في "زاد المعاد" 2/ 192 قال عبد الله: فقلت لأبي: فحديث بلال بن الحارث في فسخ الحج، يعني قوله: لا أقولُ بهن لا يُعرف هذا الرجل، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف، ليس حديث بلال بن الحارث عندي يثبت. هذا لفظه.
ثم قال ابن القيم: وممَّا يدلُّ على صحة قول الإمام أحمد، وأنَّ هذا الحديث لا يَصِحُّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن تلك المتعة التي أمرهم أن يفسخوا حجهم إليها أنَّها لأبد الأبد، فكيف يثبت عنه بعد هذا أنَّها لهم خاصة؟ هذا من أمحل المحال. وكيف يأمرهم بالفسخ ويقول:"دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، ثم يثبت عنه أنَّ ذلك مختص بالصحابة دون من بعدهم: فنحن نشهد بالله أنَّ حديث بلال بن =
17 - باب كَيْفَ تُهِلُّ الحَائِضُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
؟
(1)
319 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجِّ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدى فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ". قَالَتْ: فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِحَجٍّ، وَأَتْرُكَ العُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي، فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أبي بَكْرٍ، وَأَمَرَنِى أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِى مِنَ التَّنْعِيمِ. [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 1/ 419]
حَدَّثَنَا يَحْييَ بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ .. الحديث.
وقد سلف الكلام عليه، أخرجه مسلم في المناسك
(2)
، ويأتي بزيادة
في الحج إن شاء الله
(3)
، وهذا الحديث كذا هو في "شرح ابن بطال"
= الحارث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلط عليه، وكيف تقدم رواية بلال بن الحارث على رواية الثقات الأثبات، حملة العلم الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف روايته، ثم كيف يكون هذا ثابتًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عباس يفتي بخلافه، ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، ولا يقول له رجلٌ واحد منهم: هذا كان مختصًا بنا، ليس لغيرنا حتى يظهر بعد موت الصحابة، أنَّ أبا ذر كان يرى اختصاص ذلك بهم. اهـ. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(1003).
(1)
سيأتي باب 17 وفيه حديث (318) بعد هذا الباب.
(2)
مسلم (1211) باب إحرام النفساء واستحباب اغتسالها للإحرام، وكذا الحائض.
(3)
سيأتي برقم (1556) باب: كيف تهل الحائض والنفساء.
هنا
(1)
ووقع في روايتنا ذكره له بعد الباب الآتي، والأمر فيه قريب.
وفيه: أن الحائض تهل بالحج والعمرة، وتبقى على حكم إحرامها، وتفعل فعل الحاج كله غير الطواف بالبيت
(2)
، كما سلف في حديث عائشة: فإذا طهرت واغتسلت فعلته
(3)
(4)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 442 - 443.
(2)
المصدر السابق.
(3)
سلف برقم (316) باب: امتشاط المرأة عند غُسلها من المحيض.
(4)
في هامش (س): آخره (10) من تجزئه المصنف وبه كمل الجزء الثاني.
18 - باب {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج 5]
318 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللهَ عز وجل وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَارَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ. فَإذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ: أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ وَالأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أمِّهِ". [3333، 6595 - مسلم: 2646 - فتح: 1/ 418]
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا حَمَّاد، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِنَّ اللهَ عز وجل وَكلَّ بِالرَّحِم مَلَكًا يَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ أنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ: أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ وَالأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ".
هذا الحديث أخرجه في الاعتصام أيضًا
(1)
، وأخرجه مسلم في القدر
(2)
.
وعبيد الله (ع) هذا روى عن جده أنس، وقيل: روى عن أبيه عن جده، وهو ثقة صالح
(3)
.
(1)
لم أقف عليه في كتاب: الاعتصام، ولكن سيأتي برقم (3333) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: خلق آدم وذريته، وسيأتي أيضًا برقم (6595) كتاب: القدر.
(2)
مسلم (2646) باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته.
(3)
عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك الأنصاري، أبو معاذ البصري. روى عن: جده أنس بن مالك.
روى عنه: أشعث بن سوار، وأخوه بكر بن أبي بكر بن أنس بن مالك، وحمَّاد بن زيد، وحماد بن سلمة، وشدَّاد بن سعيد أبو طلحة الراسبي، وشعبة بن الحجاج. وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو داود والنسائي. روى له الجماعة.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 375 (1191)، "الثقات" 5/ 65، "الثقات" لابن شاهين ص 165 (956، 962)، "تهذيب الكمال" 19/ 15 - 16 (3623).
والنطفة: جمعها نطف، وكل منى نطفة، والعلقة: الدم الجامد الغليظ؛ سميت بذلك لرطوبتها وتعلقها بما تمر به، والمضغة: قطعة لحم قدر ما يمضغه الماضغ.
وفقه الحديث:
أن الله تعالى علم أحوال خلقه قبل خلقهم، ووقت أرزاقهم وآجالهم وسعادتهم وشقاوتهم، فأراد البخاري بهذا التبويب معنى ما روي عن علقمة: إذا وقعت النطفة في الرحم قال الملك: مخلقة أو غير مخلقة، فإن قال: غير مخلقة مجَّت الرحم دما، وإن قال: مخلقة، قال: أذكر أم أنثى؟
ويحتمل أن يكون المراد ما فسره في الحديث: إذا أراد خلقه قال: مخلقة، وإن لم يرد قال: غير مخلقة.
ويحتمل أن يكون أراد الآية الكريمة {مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5]، والحديث عليها، ويحتمل أن يكون المراد بالآية أنها تكون غير مخلقة في الحالة الثانية، ثم تخلق بعد ذلك، والواو لا توجب ترتيبًا.
وغرض البخاري بهذا الباب -والله تعالى أعلم- أن الحامل لا تحيض، وهو قول أبي حنيفة (والكوفيين)
(1)
والأوزاعي وأحد قولي الشافعي
(2)
؛ لأن اشتمال الرحم على الولد يمنع الخروج.
وقال مالك، والشافعي في أظهر قوليه أنها تحيض
(3)
، وحكي عن
(1)
ذكرت في الأصل: الكوفي، ولعل المثبت هو المناسب للسياق.
(2)
انظر: "المبسوط" 2/ 20، "التمهيد" 16/ 87، "روضة الطالبين" 8/ 375، "المغني" 1/ 443 - 444.
(3)
انظر: "التمهيد" 16/ 87، "روضة الطالبين" 8/ 375.
بعض المالكية: إن كان في آخر الحمل فليس بحيض
(1)
.
وذكر الداودي أن الاحتياط أن تصوم وتصلي ثم تقضي الصوم ولا يأتيها زوجها، وعن قتادة: تامة أو غير تامة، وعن الشعبي: النطفة والعلقة والمضغة إذا كسيت في الخلق الرابع كانت مخلقة، وإذا قذيتها قبل ذلك كانت غير مخلقة
(2)
، وعن أبي العالية: المخلقة: الصورة وغيرها السقط
(3)
.
وقام الإجماع على مصير الأمة أم ولد مما أسقطته من ولد تام الخلق
(4)
.
ووقع الخلاف بينهم فيمن لم يتم خلقه من العلقة والمضغة، فقال مالك والأوزاعي وجماعة: تكون أم ولد بالمضغة مخلقة وغيرها، وتنقضي بها العدة
(5)
، وعن ابن القاسم: تكون أم ولد بالدم المجتمع
(6)
، وعن أشهب: لا تكون أم ولد به، وتكون كالمضغة والعلقة
(7)
.
وقال أبو حنيفة، والشافعي، وجماعة: إن كان قد تبين في المضغة شيء من الخلق؛ أصبع أو عين غير ذلك فهي أم ولد
(8)
، وعلى مثل هذا انقضاء العدة.
(1)
انظر: "التمهيد" 16/ 87.
(2)
رواه الطبري في "التفسير" 9/ 110 (24923).
(3)
رواه الطبري في "التفسير" 9/ 111 (24929).
(4)
انظر: "المغني" 14/ 596، "مراتب الإجماع" ص 262.
(5)
انظر: "تفسير القرطبي" 12/ 9.
(6)
انظر: "الذخيرة" 11/ 339.
(7)
المصدر السابق.
(8)
انظر: "تفسير القرطبي" 12/ 9.
ثم اعلم أنه ثبت في "الصحيح" من حديث ابن مسعود: "إِنَّ خلق أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويكتب رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ"
(1)
.
وظاهره أن إرسال الملك بعد الأربعين الرابعة، وفي رواية:"يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة، فيقول: يا رب أشقي أم سعيد؟ ".
وفي أخرى: "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكًا، فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها"
(2)
.
وفي رواية حذيفة بن أسيد: "إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم (يتسور)
(3)
عليها الملك"
(4)
. وفي أخرى: "أن ملكًا وكل بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئًا يأذن له لبضع وأربعين ليلة"
(5)
.
وجمع العلماء بين ذلك أن الملائكة لازمة ومراعية بحال النطفة في أوقاتها؛ فإنه يقول: يا رب هذِه نطفة، هذِه علقة، هذِه مضغة في أوقاتها، وكل وقت يقول فيه ما صارت إليه بأمر الله تعالى وهو أعلم.
(1)
سيأتي برقم (3208) كتاب: بدء الخلق، ذكر الملائكة، ومسلم (2643) كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته.
(2)
مسلم (2645) كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي
…
(3)
في "صحيح مسلم" يتصور بالصاد المهملة، وقال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي:
هكذا في جميع نسخ بلادنا، يتصور بالصاد. وذكر القاضي عياض: يتسور بالسين. اهـ 4/ 2038.
(4)
مسلم (2645) كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي ....
(5)
تقدم تخريجه.
ولكلام الملك وتصرفه أوقات:
أحدها: حين يكون نطفة ثم ينقلها علقة، وهو أول علم الملك أنه ولد إذ ليس كل نطفة تصير ولدًا وذلك عقب الأربعين الأولى، وحينئذ يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم للملك عندئذ تصرف آخر، وهو تصويره وخلق سمعه وبصره وكونه ذكرًا أو أنثى، وذلك إنما يكون في الأربعين الثالثة وهي مدة المضغة، وقبل انقضاء هذِه الأربعين وقبل نفخ الروح، لأن النفخ لا يكون إلا بعد تمام صورته.
والرواية السالفة: "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة" فليست على ظاهرها كما قال عياض
(1)
وغيره، بل المراد بتصويرها وخلق سمعها .. إلى آخره: أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر؛ لأن التصوير عقب الأربعين الأولى غير موجود في العادة، وإنما يقع في الأربعين الثالثة، وهي النطفة وهي مدة المضغة، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ} الآية [المؤمنون: 12] ثم يكون للملك فيه تصرف آخر، وهو وقت نفخ الروح، عقب الأربعين الثالثة حتى يكمل له أربعة أشهر.
واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر
(2)
، ووقع في رواية البخاري "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين، ثم يكون علقة مثله، ثم مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك، فيؤذن بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح"
(3)
وأتي فيه بـ (ثم) التي هي مقتضية للتراخي في الكتب إلى ما بعد الأربعين الثالثة.
(1)
"إكمال المعلم" 8/ 126 - 127.
(2)
انظر: "تفسير القرطبي" 12/ 8.
(3)
سبق تخريجه.
والأحاديث الباقية تقتضي الكَتْب عقب الأربعين الأولى.
وجوابه: لأن قوله: "ثم يبعث إليه الملك فيؤذن فيكتب" معطوف على قوله: "يجمع في بطن أمه" ومتعلق به لا بما قبله، وهو:"ثم يكون مضغة مثله".
قوله: "ثم يكون علقة مثله") معترضًا بين المعطوف والمعطوف عليه، وذلك جائز موجود في القرآن والحديث الصحيح وكلام العرب.
قال القاضي وغيره: والمراد بإرسال الملك في هذِه الأشياء أمره بها والتصرف فيها بهذِه الأفعال، وإلا فقد صرح في الحديث بأنه موكل بالرحم، وأنه يقول:"يا رب نطفة، يا رب علقة"
(1)
.
وقوله في حديث أنس "وإذا أراد الله أن يقضي خلقًا قال: يا رب أذكر أم أنثى" لا يخالف ما قدمناه، ولا يلزم منه أن يقول ذلك بعد المضغة، بل هو ابتداء كلام وإخبار عن حالة أخرى، فأخبر أولًا بحال الملك مع النطفة، ثم أخبر أن الله تعالى إذا أراد خلق النطفة علقة كان كذا وكذا، ثم المراد بجميع ما ذكر من الرزق والأجل والشقاء والسعادة، والعمل والذكورة والأنوثة أنه يظهر ذلك للملك ويأمره بإنقاذه، وكتابته، وإلا فقضاء الله وعلمه وإرادته سابق على ذلك.
قال القاضي عياض: ولم يختلف أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يومًا، وذلك تمام أربعة أشهر، ودخوله في الخامسة وهذا موجود بالمشاهدة، وعليه يعول فيما يحتاج إليه في الأحكام في الاستلحاق ووجوب النفقات، وذلك للثقة بحركة الجنين في الجوف.
(1)
"إكمال المعلم بفوائد مسلم" 8/ 128.
وقيل إن الحكمة في عدتها عن الوفاة بأربعة أشهر والدخول في الخامس تحقق براءة الرحم ببلوغ هذِه المدة
(1)
إذا لم يظهر حمل، ونفخ الملك في الصورة سبب لخلق الله عنده فيها الروح والحياة؛ لأن النفخ المعتاد فيه إنما هو إخراج ريح من النافخ فيصل بالمنفوخ فيه، فإن قدر حدوث شيء عند ذلك النفخ، فذلك بإحداث الله تعالى لا بالنفخ، وغاية النفخ أن يكون (معدًا)
(2)
عادة لا موجبًا عقلًا، وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة.
وقوله: "فيكتب في بطن أمه" يعني أن الملك يكتب من اللوح المحفوظ، كما رواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة من حديث ابن مسعود مرفوعًا:"إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها الملك بكفه، قال: أي ربِّ، أذكر أم أنثى، شقي أم سعيد، ما الأثر بأي أرض تموت؟ فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب، فإنك تجد قصة هذِه النطفة، فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب"
(3)
.
(1)
"إكمال المعلم بفوائد مسلم" 8/ 123 - 124.
(2)
كلمة غير واضحة بالأصل، ولعلها ما أثبتناه.
(3)
رواه الطبري في "التفسير" 9/ 110 (24922).
19 - باب إِقْبَالِ المَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ
وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الحَيْضَةِ
(1)
.
هذا الأثر ذكره مالك في "الموطأ"، فقال: عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة عائشة أنها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القّصَّة البيضاء. تريد الطهر من الحيضة
(2)
.
قال أبو محمد بن حزم: خولفت أم علقمة بما هو أقوى من روايتها
(3)
.
قلت: وأم علقمة اسمها مرجانة، كذا سماها ابن حبان في "ثقاته"
(4)
، وقال العجلي: مدنية تابعية ثقة
(5)
.
والدرجة: بضم الدال المهملة وسكون الراء، وقيل: بكسر الدال وفتح الراء، وعند الباجي بفتحهما
(6)
، وهي بعيدة عن الصواب كما قاله صاحب "المطالع".
وقال ابن بطال: رواية أصحاب الحديث الثاني يعنون بذلك جمع (دِرَج)، وهو الذي يجعل فيه النساء الطيب، وأهل اللغة ينكرون ذلك
(1)
سيأتي باقي التعليق بعد صفحتين، وبعده حديث الباب.
(2)
رواه مالك ص 60 برواية يحيى.
(3)
"المحلى" 2/ 166.
(4)
"الثقات" لابن حبان 5/ 466.
(5)
"معرفة الثقات" للعجلي 2/ 461 (2364).
(6)
"المنتقى" 1/ 188.
ويقولون: أما الذي كنَّ يبعثن به الخرق فيها القطن، كنَّ يمتحنَّ بها أمر طهرهن. واحدتها دُرْجة بضم الدال وسكون الراء
(1)
.
والكُرسُف بضم السين مع الكاف: القطن، ويقال له: الكرفس، على القلب.
واختير القطن لبياضه، ولأنه ينشف الرطوبة، فيظهر فيه من آثار الدم ما لا يظهر من غيره.
والقَصَّة -بفتح القاف، وحكى القزاز كسرها، والصاد المهملة -: الجص.
ومعناه هنا أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها كأنها جصة لا تخالطها صفرة. وقيل: هو ماء أبيض يخرج آخر الحيض مثل الخيط، وفي "محيط" الحنفية: القَصَّة: الطين الذي يغسل به الرأس، وهو أبيض يضرب إلى الصفرة.
وفسر مالك، القَصَّة بقوله: تريد بذلك الطهر
(2)
كما وقع في البخاري
(3)
.
وقال الخطابي: تريد النقاء التام
(4)
. وقال ابن وهب في "تفسيره": رأت الأبيض -القطن-
(5)
كأنه هو، وقال ابن أبي سلمة: إذا كان ذلك نظرت المرأة إلى مثل ريقها في اللون. وقال مالك: سألت النساء عن القصة البيضاء، فإذا ذلك أمر معلوم عند النساء يرينه عند الطهر.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 447.
(2)
"الموطأ" ص 60 برواية يحيى.
(3)
معلقًا قبل حديث (320) كتاب الحيض، باب: إقبال المحيض وإدباره.
(4)
"أعلام الحديث" 1/ 325.
(5)
في "عمدة القاري" 3/ 204: القطن الأبيض؛ ليعلم.
وروى البيهقي من حديث ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن فاطمة بنت محمد -وكانت في حجر عمرة- قالت: أرسلت امرأة من قريش إلى عمرة كُرسُف قطن فيها -أظنه أراد الصفرة- تسألها: إذا لم تر المرأة من الحيضة إلا هذا طهرت؟ قال: فقالت: لا، حتى ترى البياض خالصًا
(1)
.
قال البخاري: وَبَلَغَ ابنةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ، فَقَالَتْ: مَا كَانَ النسَاءُ يَصْنَعْنَ هذا. وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ.
هذا رواه مالك في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمته، عن ابنة زيد بن ثابت أنه بلغها .. الحديث
(2)
.
عمة ابن أبي بكر اسمها عمرة بنت حزم. قال ابن الحذاء: وإن كانت عمة جده فهي عمة له أيضًا ويشبه أن تكون لها صحبة؛ لأن أخاها عمرو بن حزم له صحبة، وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا ذكرها ابن عبد البر في "استيعابه"
(3)
.
وابنة زيد هذِه يشبه أن تكون أم سعد، ذكرها ابن عبد البر في الصحابيات أيضًا
(4)
، وذكر الحافظ أبو محمد الدمياطي شيخ شيوخنا أن له من البنات أم إسحاق، وحسنة، وعمرة، وأم حسن، وقُريبة، وأم محمد.
(1)
البيهقي في "السنن" 1/ 497 كتاب: الحيض، باب: الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض.
(2)
"الموطأ" ص 61 كتاب: الطهارة، باب: طهر الحائض.
(3)
"الاستيعاب" 4/ 440 (3473)، وانظر تمام ترجمتها في:"أسد الغابة" 7/ 201 (7116)، "الإصابة" 4/ 266 (743).
(4)
"الاستيعاب" 4/ 492 (3590).
وروى البيهقي أيضًا من حديث عباد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة أنها كانت تنهى النساء أن ينظرن إلى أنفسهن ليلًا في الحيض، وتقول: إنها قد تكون الصفرة والكدرة
(1)
.
وعن مالك: لا يعجبني ذلك، ولم يكن للناس مصابيح
(2)
. وروى ابن القاسم عنه أنهن كنَّ لا يقمن بالليل
(3)
.
320 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنتَ أَبِي حُبَيشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالْحَيضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي". [انظر: 228 - مسلم: 333 - فتح: 1/ 421]
قال البخاري:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي".
وهذا الحديث سلف في باب: غسل الدم
(4)
، وسفيان هذا هو ابن عيينة، وإن كان الثوري رواه عن هشام أيضًا؛ لأن عبد الله بن محمد المسندي لم يرو عن الثوري شيئًا، وهذا الحديث من طريق ابن عيينة في البخاري خاصة.
إذا تقرر ذلك كله فإقبال المحيض هو الدفعة من الدم، وتمسك عند
(1)
"سنن البيهقي" 1/ 336.
(2)
انظر: "المنتقى" 1/ 120.
(3)
انظر. "النوادر والزيادات" 1/ 128.
(4)
سلف برقم (288) في كتاب: الوضوء.
رؤيتها عن الصلاة بالإجماع، إن كانت لا تحسب قرءًا، وأما إدباره فهو إقبال الطهر، وله علامتان: القَصَّة البيضاء، والجفوف، وهو أن تدخل الخرقة، فتخرجها جافة.
واختلف الفقهاء كما قال ابن رشد في علامة الطهر، فرأى قوم أن علامته القّصَّة البيضاء أو الجفوف
(1)
، وبه قال ابن حبيب، وسواء كانت عادتها القَصَّة أو الجفوف، أيُّ ذلك رأته طهرت، وفرق قوم فقالوا: إن كان المرأة ممن ترى القصَّة البيضاء، فلا تطهر حتى تراها، وإن كانت ممن لا تراها فطهرها الجفوف. واختلف أصحاب مالك فيه كما حكاه ابن بطال في أيها أبلغ براءة في الرحم من الحيض، فروى ابن القاسم عن مالك: إذا كانت ممن ترى القصَّة البيضاء، فلا تطهر حتى تراها، وإن كانت ممن لا تراها فطهرها الجفوف. وبه قال عيسى بن دينار أن القصَّة أبلغ من الجفوف، وروي ذلك عن أسماء بنت الصديق ومكحول.
وذكر ابن عبد الحكم، عن مالك أنها تطهر بالجفوف وإن كانت ممن ترى القصَّة البيضاء؛ لأن أول الحيض دم، ثم صفرة، ثم كدرة، ثم يكون رقيقًا، فالقصَّة، ثم ينقطع، فإذا انقطع قبل هذِه المنازل، فقد برئت الرحم من الحيض؛ لأنه ليس بعد الجفوف انتظار شيء، وممن قال أن الجفوف أبلغ عمر وعطاء بن أبي رباح، وهو قول عائشة السالف: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ.
فدل أنها آخر ما يكون من علامات الطهر وأنه لا علامة بعدها أبلغ منها، ولو كانت علامة أبلغ منها لقالت حتى ترين القصَّة أو الجفوف.
وفي قولها: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ. دلالة أن الصفرة
(1)
انظر: "بداية المجتهد" 1/ 111.
والكدرة في أيام الحيض حيض؛ لأنها في حكم الحائض حتى ترى القصَّة البيضاء، وقد ترى قبلها صفرة وكدرة، وهو الصحيح عند الشافعية وقول باقي الأئمة الأربعة، وعن أبي يوسف: إن رأت الصفرة ابتداءً فليس بحيض حتى يتقدمه دم. وخالفوه وقالوا: إنه حيض
(1)
.
وفيه من الفقه أن العبادات الرافعة للحرج هي السنة ومن خالفها فهو مذموم كما ذمته ابنة زيد بن ثابت، وإنما أنكرت افتقاد دم الحيض في غير أوقات الصلوات؛ لأن جوف الليل ليس بوقت صلاة وإنما على النساء افتقاد أحوالهن للصلاة، وإن كنَّ قد طهرن تأهبن للغسل لها
(2)
.
واختلف الفقهاء في الحائض تطهر قبل الفجر ولا تغتسل حتى يطلع، فقال مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: هي بمنزلة الجنب تغتسل وتصوم ويجزئها صوم ذلك اليوم، وقال الأوزاعي: تصومه وتقضيه، وقال أبو حنيفة: إن كانت أيامها أقل من عشرة صامته وقضته، فإن كانت أكثر منها صامته ولا قضاء، وعن عبد الملك بن الماجشون يومها ذلك يوم فطر، ولا أرى إن كان يرى صومه أم لا، فإن كان لا يراه فهو شذوذ، ولا يعرج عليه، ولا معنى لمن اعتل به من أن الحيض ينقض الصوم والاحتلام لا ينقضه، لأن من طهرت من حيضتها ليست بحائض، والغسل إنما يجب عليها إذا طهرت، ولا يجب الغسل على حائض
(3)
(4)
.
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 39، "المنتقى" 1/ 119، "المجموع" 1/ 124 - 422، "المغني" 1/ 413 - 414.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 128، "بداية المجتهد" 1/ 111.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 2/ 34، "المغني" 1/ 393.
(4)
ورد بهامش (س) ما نصه: ثم بلغ في الثاني بعد الخمسين له مؤلفه.
20 - باب لَا تَقْضِي الحَائِضُ الصَّلَاةَ
وَقَالَ جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"تَدَعُ الصَّلَاةَ". [انظر: 304 - 1557]
321 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ، أَنَّ امْرَأةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ: أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلَاتَهَا إِذَا طَهُرَتْ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَأْمُرُنَا بِهِ. أَوْ قَالَتْ: فَلَا نَفْعَلُهُ. [مسلم: 335 - فتح: 1/ 421]
أما حديث أبي سعيد فسلف قريبًا في باب ترك الحائض الصوم، ولفظه:"أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ " قلن: بلى
(1)
، وسيأتي أيضًا
(2)
.
وأما حديث جابر، فلا يحضرني من أسنده
(3)
، وأخرجه مسلم في كتاب: الإيمان من حديث ابن عمر ونبه على حديث أبي سعيد ولم يذكر لفظه وذكر سنده خاصة، ثم ذكر عن المقبري، عن أبي هريرة
(1)
سلف برقم (304) باب: ترك الحائض الصوم.
(2)
وسيأتي برقم (1462) كتاب: الزكاة، باب: الزكاة على الأقارب، وبرقم (1951) كتاب: الصوم، باب: الحائض تترك الصوم والصلاة، وبرقم (2658) كتاب: الشهادات، باب: شهادة النساء.
(3)
قال الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" 2/ 177: هذا التعليق عن هذين الصحابيين ذكرهُ المؤلف هنا بالمعنى عنهما، ولم أجده عن واحد منهما بهذا اللفظ. وقال في "الفتح" 1/ 421 هذا التعليق عن هذين الصحابيين ذكره المؤلف بالمعنى، فأمَّا حديث جابر فأشار به إلى ما أخرجه في كتاب: الأحكام من طريق حبيب، عن عطاء، عن جابر في قصة حيض عائشة في الحج وفيه:"غير أنَّها لا تطوف ولا تصلي". اهـ.
وسيأتي برقم (7230) كتاب: التمني، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت".
مرفوعًا بمثل حديث ابن عمر
(1)
.
ثم قال البخاري رحمه الله:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيلَ، ثنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ، أَنَّ امْرَأَةَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ: أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلَاتَهَا إِذَا طَهُرَتْ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَأْمُرُنَا بِهِ. أَوْ قَالَتْ: فَلَا نَفْعَلُهُ.
وهذا الحديث أخرجه مع البخاري مسلم والأربعة
(2)
، وعند مسلم ما يرجح أن معاذة السائلة نفسها إذ فيه: عن معاذة قالت: سألت عائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسال. قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة
(3)
، وفي لفظ آخر: قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تؤمر بقضاء
(4)
. وفي لفظ آخر: قد كن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضن أفأمرهن أن يجزين؟ قال محمد بن جعفر: تعني: يقضين
(5)
.
(1)
رواه مسلم (80) باب: بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاف لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق.
(2)
مسلم (335) كتاب: الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، وأبوداود (262)، والترمذي (787)، والنسائي 1/ 191 - 192، وابن ماجه (631).
(3)
مسلم (335/ 69) كتاب: الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة.
(4)
مسلم (335/ 67) كتاب: الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة.
(5)
مسلم (335/ 68) كتاب: الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة.
ثانيها:
معاذة هذِه بنت عبد الله عابدة تابعية ثقة وفي هذِه الرواية -أعني: رواية البخاري-
(1)
تصريح سماع قتادة من معاذة، وهو رد على ما ذكره شعبة وأحمد ويحيى بن معين وغيرهم لم يسمع منها
(2)
.
ثالثها:
قولها (أتجزي) أي: أتقضي كما قد جاء في رواية أخرى، (وصلاتها) بالنصب؛ لأنه مفعول يقضي (وإحدانا) فاعله.
رابعهًا:
قولها (أحرورية أنت؟) هو بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى نسبة إلى حروراء يمد ويقصر قرية على ميلين من الكوفة، كان اجتماع الخوارج به وتعاهدوا هناك، ثم استعمل حتى كثر استعماله في كل خارج، وهذِه الطائفة أنكروا على علي تحكيمه أبا موسى الأشعري في أمر معاوية وقالوا: شككت في أمر الله وحكمت عدوك.
وطالت خصومتهم، ثم أصبحوا يومًا وقد خرجوا وهم ثمانية آلاف
(1)
ورد بهامش (س) ما نصه: فعل ذلك البخاري في مناسكه عن يحيى القطان ولم يتعقبه.
(2)
معاذة بنت عبد الله العدوية، أم الصهباء البصرية، امرأة صلة بن أشيم، وكانت من العابدات.
روت عن: علي بن أبي طالب، وهشام بن عامر الأنصاري، وعائشة أم المؤمنين، وأم عمرو بنت عبد الله بن الزبير. روى عنها: إسحاق بن سويد، وأوفى بن دلهم العدويان، وأيوب السختياني، وجعفر بن كيسان العدوي، وقتادة بن دعامة وغيرهم. قال يحيى بن معين: ثقة حجة. روى لها الجماعة.
انظر ترجمتها في: "تهذيب الكمال" 35/ 308 - 309 (7932)، "الكاشف" 2/ 517 (7079)، "تهذيب التهذيب" 4/ 88، "تقريب التهذيب"(8684).
وليهم ابن الكواء عبد الله، فبعث إليهم عليٌّ ابن عباس، فناظرهم فرجع منهم ألفان وبقي ستة آلاف، فخرج إليهم عليٌّ، فقاتلهم وكانوا يشددون في الدين.
وفيه: قضاء الصلاة على الحائض؛ إذ لم تسقط في كتاب الله عنها
على أصلهم في رد السنة على خلاف بينهم في المسألة، وقد أجمع المسلمون على ضلالهم كما سلف، وأنه لا صلاة تلزمها ولا قضاء عليها، إنما قالت عائشة لها ذلك لمخالفتهم السنة وخروجهم عن الجماعة، فخافت عليها وقالت ذلك؛ لأن السنة خلاف ما سألت.
ثم إن معاذة أوردت السؤال على غير جهة السؤال المجرد، بل صنيعها يشعر بإنكار أو تعجب؛ فلذلك أجابتها عائشة بذلك، فقالت: لا، ولكني أسأل، أي: أسأل سؤالًا مجردًا عن ذلك لطلب مجرد العلم والحكم، فأجابتها بالنص ولم تتعرض للمعنى؛ لأنه أبلغ وأقوى في الردع عن مذهب الخوارج وأنفع لمن يعارض بخلاف المعاني المناسبة، فإنها عرضة للمعارضة واكتفت عائشة في ذلك بكون (لم نؤمر) فيحتمل أن يكون أخذت إسقاط القضاء من سقوط الأداء، ويكون مجرد ذلك دليلًا على سقوطه إلا أن يوجد معارض، وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم.
والأقرب أن يكون السبب في ذلك، أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم، فإن الحيض يتكرر، فلو وجب القضاء، لوجب بيانه وحيث لم يتبين دل على عدم الوجوب، لاسيما وقد اقترن بذلك قرينة أخرى وهي الأمر بقضاء الصوم وتخصيص الحكم به. قال الأصحاب: كل صلاة تفوت في زمن الحيض لا تقضي إلا ركعتي الطواف.
ثم الجمهور على أنها كانت مخاطبة بالصوم في زمن الحيض، وإنما يجب عليها القضاء بأمر جديد، وهو قول بعض الحنفية وعامتهم أنه يجب بالأمر الأول وهو قول أحمد ووجه لأصحابنا، وحكى القرطبي عن سمرة أنه كان يأمر النساء بقضاء صلاة الحائض
(1)
، فأنكرت ذلك أم سلمة وكان قوم من فقهاء السلف يأمرونها أن تتوضأ عند أوقات الصلاة، وتذكر الله وتستقبل القبلة جالسة
(2)
.
ونُقل ذلك عن عقبة بن عامر ومكحول، وعن "منية المفتي" أنه يستحب لها عند وقت كل صلاة أن تتوضأ وتجلس في مسجد بيتها تسبح وتهلل مقدار أداء الصلاة، لو كانت طاهرة؛ حتى لا تبطل عادتها.
(1)
انظر: "المجموع" 1/ 386، "المغني" 4/ 389.
(2)
"المفهم" 1/ 595.
21 - باب النَّوْمِ مَعَ الحَائِضِ وَهْيَ فِي ثِيَابِهَا
322 -
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابنةِ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: حِضْتُ وَأَنَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الخَمِيلَةِ، فَانْسَلَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنْهَا، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَلَبِسْتُهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أنفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ فِي الَخمِيلَةِ. قَالَتْ: وَحَدَّثَتْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ الجَنَابَةِ. [انظر: 298 - مسلم: 296، 324، 1108 - فتح: 1/ 422]
ذكر فيه حديث أم سلمة السالف في باب: من سمّى النفاس حيضًا.
وفيه زيادة القبلة للصائم، وسيأتي الكلام عليه في الصوم
(1)
إن شاء الله.
وفيه: اغتسالههما من إناء واحد، وقد سلف ما فيه.
(1)
سيأتي برقم (1929) باب: القبلة للصائم.
22 - باب مَنِ أخَذَ ثِيَابَ الحَيضِ سِوى ثِيَابِ الطُّهْرِ
323 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابنةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: بَينَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعَةً فِي خَمِيلَةٍ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، فَقَالَ:"أَنُفِسْت؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي، فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الَخمِيلَةِ. [انظر: 298 - مسلم: 296 - فتح: 423]
ذكر فيه الحديث المذكور أيضًا.
قال ابن بطال: إن قيل هذا الحديث يعارض قول عائشة رضي الله عنها: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه.
قيل: لا تعارض بين حديث عائشة في بدء الإسلام؛ لقيام الشدة والقلة إذن قبل فتح الفتوح والغنائم، فلما فُتح عليهم اتسعت حالهم واتخذ النساء ثيابًا للحيض سوى ثياب لباسهن، فأخبرت أم سلمة عن
ذلك الوقت
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 499.
23 - باب شُهُودِ الحَائِضِ العِيدَيْنِ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلْنَ المُصَلَّى
324 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -هُوَ ابن سَلَامٍ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي العِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأة فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا، وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَني عَشَرَةَ، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ. قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى الَمرْضَى، فَسَأَلتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرجَ؟ قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ". فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَألتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: بِأَبِي نَعَمْ -وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُهُ إِلَّا قَالَتْ: بِأَبِي- سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَخْرُجُ العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ -أَوِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ وَالْحُيَّضُ- وَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ، وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى". قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ: الُحيَّضُ! فَقَالَتْ: أَليسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا؟ [351، 171، 974، 180، 181، 1652 - مسلم: 890 - فتح: 1/ 423]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -هُوَ ابن سَلَامٍ- ثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي العِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا، وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَي عَشَرَةَ، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ. قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى المَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ؟ قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ". فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: بِأَبِي نَعَمْ -وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُهُ إِلا قَالَتْ: بِأَبِي- سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَخْرُجُ العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ - أَوِ
العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ وَالْحُيَّضُ- وَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ، وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى". قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ: الحُيَّضُ! فَقَالَتْ: أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا؟
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري في ثلاثة مواضع أُخَر أول كتاب الصلاة
(1)
، وصلاة العيدين
(2)
، والحج
(3)
وأخرجه مسلم في الصلاة
(4)
.
ثانيها:
هذِه الأخت هي أم عطية الأنصارية، ورواه أبو داود والترمذي في الصلاة
(5)
، والنسائي وابن ماجه في الطهارة
(6)
،
وفي الباب عن ابن عباس وجابر، وأورده الإسماعيلي من حديث حفصة عن أم عطية، وعن امرأة أخرى وقدومها كان بالبصرة؛ كذا جاء مبينًا في رواية: وقصر بني خلف بالبصرة ينسب إلى خلف جد طلحة الطلحات بن عبد الله بن خلف الخزاعي.
وقولها: (في ست) أي: ست غزوات، وروى الطبراني أنها غزت معه سبعًا
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (351) باب: وجوب الصلاة في الثياب.
(2)
سيأتي برقم (971) باب: التكبير أيام منى وإذا غدا إلي عرفة.
(3)
سيأتي برقم (1652) باب: تقضي الحائض المناسك كلها.
(4)
مسلم (890) باب: ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصُلَّى.
(5)
أبو داود (1136)، والترمذي (539).
(6)
النسائي 1/ 193 - 194، وابن ماجه (1307).
(7)
"المعجم الكبير" 25/ 55 (121).
ثالثها:
(العواتق) جمع عاتق: الجارية البالغة، وعتقت: بلغت، وقيل: التي قاربت البلوغ. وقيل: هي التي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس ما لم تتزوج.
والتعنيس: طول المقام في بيت أبيها بلا زواج حتى تطعن في السن.
سميت عاتقًا؛ لأنها عتقت من أبيها امتهانها في الخدمة والخروج في الحوائج. وقيل: لأنها قاربت أن تتزوج، فتعتق من أسر أبويها وأهلها، وتشتغل في بيت زوجها.
وقيل: من العتق الكريم، فإنها أكرم ما تكون عند أهلها.
رابعها:
الكلمى: جمع كليم، وهو الجريح، فعيل بمعنى مفعول.
(والجلباب): الإزار أو الملحفة أو الخمار أو أقصوصة وأعرض، وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها أقوال. وقيل: ثوب واسع دون الرداء تغطي به المرأة ظهرها وصدرها. وقال في "المحكم": الجلباب: القميص
(1)
.
وقوله: (من جلبابها): قيل: أراد به الجنس. أي: تعيرها من جلابيبها كما روي، وعلى إرادة المواساة فيه، وأنه واحد ويشهد له رواية:"تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها" أو يكون على طريق المبالغة أن يخرجن ولو اثنتان في جلباب.
خامسها:
قولها: (بأبي) الباء متعلقة بمحذوف، قيل: هو اسم. فيكون ما بعدها
(1)
"المحكم" 7/ 306 مادة: جلب.
مرفوعًا. تقديره: أنت مفدى بأبي وأمي. وقيل: هو فعل وما بعده منصوب، أي: فديتك بأمي وأمي، وحذف هذا المقدر تخفيفًا لكثرة الاستعمال، وعلم المخاطب به.
وقد روي: بأبأه. وأصله بأبي. هو كما قال ابن الأثير، قال: ويقال: بَأْبَأْتُ الصبيَّ. إذا قلت: بأبي أنت وأمي، فلما سكنت الياء قلبت ألفًا
(1)
.
وزعم ابن التين أن (بأبأ) معناه بأبي، وهما لغتان صحيحتان، والمعنى: فداك أبي، وجاء في رواية البخاري في الحج: بِيَبَا. وفي الطبراني: بأبي هو وأمي
(2)
. وفي لفظ. بأبأ
(3)
.
وقال ابن بطال: قولها: (بأبأ) تريد بأبي، وهي لغة لبعض العرب.
قال
(4)
: ويجوز بيبا بياء مخلصة، يريد: أبا، ثم يخفف الهمزة ويحذفها، وتلقى فتحتها على الياء
(5)
.
سادسها:
(الخدور) بالخاء المعجمة: جمع خدر، ستر في ناحية البيت، وأبعد من قال: البيوت أو البيت. تجمع البكر وغيرها، ولا يعنون بذوات الخدور إلا الأبكار، فأمر الملازمات للبيوت المحجبات بالبروز إلى العيد بخلاف قول المرجئة، وقيل: إنه السرير الذي يكون عليه قبة، وأصله الهودج.
(1)
"النهاية" 1/ 19.
(2)
"المعجم الكبير" 25/ (123).
(3)
هذِه الرواية لم أعثر عليها.
(4)
هذا القول نسبه ابن بطال لابن جني، وسبق قلم المصنف فعزاه لابن بطال كما ترى، ويراجع.
(5)
"شرح ابن بطال" 1/ 451.
سابعها:
الحديث دال على خروج النساء إلى صلاة العيد، واستثنى أصحابنا من ذلك ذوات الهيئات والمستحسنات، وأجابوا عن هذا الحديث بأن المفسدة في ذلك الزمن كانت مأمونة بخلاف اليوم، فقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل
(1)
.
قال القاضي عياض: وقد اختلف السلف في خروجهن للعيدين، فرأى جماعة ذلك حقا عليهن، منهم: أبو بكر، وعلي، وابن عمر
(2)
(في آخرين)
(3)
.
ومنهم من منعهن ذلك، منهم: عروة، والقاسم
(4)
، ويحيى بن سعيد، ومالك، وأبو يوسف
(5)
، وأجازه أبو حنيفة مرة ومنعه أخرى
(6)
.
وفي الترمذي عن ابن المبارك: أكره الآن خروجهن في العيدين، فإن أبت ذلك فللزوج أن يمنعها
(7)
. ويروى عن الثوري أنه كره اليوم خروجهن
(8)
.
(1)
سيأتي برقم (869) كتاب: الأذان، باب: خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس، ورواه مسلم (445) كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة.
(2)
انظر: "المصنف" 2/ 3 (5784 - 5786).
(3)
كذا في (س) ولعله: وآخرون.
(4)
انظر: "المصنف" 2/ 4 (5795، 5796).
(5)
انظر: "المحيط البرهاني" 2/ 485 - 486، "التمهيد" 23/ 401 - 402، "المغني" 3/ 264 - 265.
(6)
انظر: "المحيط البرهاني" 2/ 485 - 486.
(7)
"سنن الترمذي" 2/ 420.
(8)
انظر: "التمهيد" 23/ 402.
وحكى القرطبي عن قوم منع الشابة دون غيرها، منهم: عروة، والقاسم في رواية أخرى لهما
(1)
.
ثامنها:
منع الحائض المصلى للتنزيه والصيانة والخلطة بالرجال من غير حاجة، وفيه وجه بعيد أنه للتحريم، والصواب الأول.
تاسعها:
لا يصح الاستدلال بهذا الأمر على وجوب صلاة العيدين والخروج إليها؛ لأنه إنما يوجه إلى من ليس بمكلف بالصلاة باتفاق، وإنما قصد به التدرب على الصلاة والمشاركة في الخير وإظهار جمال الإسلام لقلته إذ ذاك.
عاشرها:
فيه جواز استعارة الثياب للخروج إلى الطاعات، وغزو النساء المتجالات ومداوتهن لغير ذوي المحارم، وقبول خبر المرأة، وجواز النقل عما لا يعرف اسمه من الصحابة خاصة إذا بين مسكنه ودل عليه، وغير ذلك من الفوائد التي بسطتها في شرح "العمدة"
(2)
.
(1)
"المفهم" 2/ 525.
(2)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 4/ 247 - 263.
24 - باب إِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ
وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِي الحَيْضِ وَالْحَمْلِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنَ الحَيْضِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]. وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ: إِنِ امْرَأَة جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثًا فِي شَهْرٍ، صُدِّقَتْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ. وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الحَيْضُ يَوْمٌ إلَى خَمْسَ عَشْرَةَ. وَقَالَ مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبيهِ: سَأَلْتُ ابن سِيرِينَ عَنِ المَرْأَةِ تَرى الدَّمَ بَعْدَ قَرْئِهَا بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ؟ قَالَ: النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. [فتح: 1/ 424]
325 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: إِنِّى أُستَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفاَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ:"لَا، إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، ولكن دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ التِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي". [انظر: 228 - مسلم: 333 - فتح: 1/ 425]
ثم ساق حديث فاطمة بنت أبي حبيش السالف.
وحاصل ما ذكر خلافًا في أقل مدة الحيض وأكثره ووجه إيراد حديث فاطمة هنا أن قوله في الحديث: "دير الصلاة قدر الأيام التي كنتِ تحيضين فيها" فوكل ذلك إلى أمانتها وعادتها وقدر الأيام قد يقل وقد يكثر، على قدر أحوال النساء في أسنانهن وبلدانهن.
وما ذكره عن علي وشريح
(1)
هو طبق ما ذكره في الترجمة، وحكاه
(1)
والقصة التي وردت في طلاق الرجل لزوجته التي حاضت في شهرها ثلاث مرات، وقضى بينهما القاضي شريح بحضرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. رواها =
ابن بطال عن مالك
(1)
وهو قول أحمد
(2)
وأسنده ابن حزم، فقال: روينا عن هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أن عليًّا أتي برجل طلق امرأته فحاضت ثلاث حيض في شهر أو خمس وثلاثين ليلة، فقال عليٌّ لشريح: اقض فيها، فقال: إنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث، وتغتسل عند كل قرء وتصلي، فقد انقضت عدتها وإلا فهي كاذبة. فقال عليٌّ: قالون. ومعناها: أصبت.
قال ابن حزم: وهذا نص قولنا انتهى
(3)
.
واختلف في سماع الشعبي من عليٍّ، وقال الدارقطني: لم يسمع منه إلا حرفًا ما سمع غيره
(4)
، وقال الحازمي: لم يثبت أئمة الحديث سماعه منه، وقال ابن القطان: منهم من يدخل بينهما عبد الرحمن بن أبي ليلى، وسنه محتملة لإدراك عليٍّ.
وفسر إسماعيل بن إسحاق قول عليٍّ وشريح بتفسير آخر قال: وليس قولهما عندنا إن جاءت ببينة من بطانة أهلها أنها هي قد حاضت هذا الحيض، وإنما هو فيما يُرى -والله أعلم- أن يشهد نساء من نسائها أن هذا يكون وقد كان في نسائهن، فإنه أحرى أن يوجد فيهن مثل ما فيها، وإن تقارب حيضهن وحيضها، وإنه إن لم يوجد ما قالت من الحيض في نسائها كانت هي منه أبعد، فعلى هذا معنى هذا الحديث وهو يقوي مذهب أهل المدينة أن العدة إنما تحمل على المعروف من حيض النساء، لا على المرأة والمرأتين الذي لا يكاد يوجد ولا يعرف.
= الدارمي 1/ 630 (883)، وابن حزم في "المحلى" 10/ 272، والبيهقي 7/ 418 - 419.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 454 - 455.
(2)
انظر: "المغني" 1/ 390 - 391.
(3)
"المحلى" 10/ 272.
(4)
"علل الدارقطني" 4/ 97.
قال غيره: والأشبه -يعني: ما أراد عليّ وشريح والله أعلم- أن تكون حاضت؛ لقولهما: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها أنها حاضت، ولم يقولا أن غيرها من النساء حاض، كذلك قال إسماعيل، وفي قول عليّ وشريح أن أقل الطهر لا يكون خمسة عشر يومًا، وأن أقل الحيض لا يكون ثلاثة كما قال أبو حنيفة وأصحابه
(1)
وليس فيه بيان لأقل الطهر وأقل الحيض كم هو؟ غير أن فيه بيانًا أنهما لم ينكرا ما عرفه النساء من ذلك.
وقال الداودي في "شرحه": قول عليّ وشريح إن جاءت ببينة -يعني- أن مثل ذلك يكون ليس عليها أن تكلف البينة في نفسها وما ذكره عن عطاء من أن أقراءها ما كانت، وبه قال ابراهيم لعطاء، هذا هو ابن أبي رباح، وإبراهيم هو النخعي.
وما ذكره ثانيًا عنه من أن الحيض يوم إلى خمس عشرة فأخرجه الدارقطني بإسناده إلى ابن جريج عنه: الحيض خمس عشرة
(2)
، ومن طريق الربيع بن صبيح عنه مثله (2).
ومن طريق أشعث عنه: أكثر الحيض خمس عشرة (2). زاد البيهقي من طريق الربيع: فإن زاد فهي مستحاضة
(3)
.
وروى الدارقطني من طريق معقل بن عبد الله
(4)
: أدنى وقت الحيض يوم، قال أبو إبراهيم شيخ شيخ معقل: إلى هذين الحديثين كان يذهب أحمد بن حنبل وكان يحتج بهما
(5)
.
(1)
"الهداية" 1/ 32، "بدائع الصنائع" 1/ 39 - 40.
(2)
"سنن الدارقطني" 1/ 207.
(3)
"السنن الكبرى" 1/ 321.
(4)
القول الآتي من قول عطاء، "عمدة القاري" 3/ 214.
(5)
"السنن" للدارقطني 1/ 207 - 208.
وما ذكره عن ابن سيرين دال على أن القرء: الحيض، وهو قول أبي حنيفة
(1)
، ونقله ابن التين عن عطاء أيضا
(2)
.
قال: وقال به أحد عشر صحابيًّا والخلفاء الأربعة
(3)
وابن عباس
(4)
وابن مسعود
(5)
ومعاذ وقتادة
(6)
وأبو الدرداء
(7)
وأبو موسى
(8)
وأنس وابن المسيب
(9)
وابن جبير
(10)
وطاوس والضحاك والحسن
(11)
والشعبي والثوري والأوزاعي إسحاق وأبو عبيد، واحتجوا له بقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة:"دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها"
(12)
.
فالواو هنا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "دعى الصلاة أيام أقرائك" ولا يجوز أن تؤمر بترك الصلاة أيام طهرها، وإنما أمرها أن تتركها أيام حيضها.
والجواب: أن المراد: دعي الصلاة الأيام التي كانت تحيضها من أقرائك، وهذا شائع في كلام العرب لأن القرء عندهم اسم للطهر والحيض.
(1)
انظر: "المحيط الأعظم" 1/ 393.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 4/ 149 (18738).
(3)
ما وقفت عليه عن ثلاثة من الخلفاء الأربعة هم: عمر وعثمان وعلي في "تفسير الطبري". أما أثر عمر فرواه الطبري في "التفسير" 2/ 452 (4679). وأما أثر عثمان فرواه الطبري في "التفسير" 2/ 454 (4698). وأما أثر علي فرواه الطبري في "التفسير" 2/ 454 (4697). وروى الطبري بسنده عن عمر بن دينار الأقراء: الحيض، عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 10/ 452 (4675).
(4)
رواه الطبري في "التفسير" 2/ 452 (4674).
(5)
المصدر السابق 2/ 453 (4680).
(6)
المصدر السابق 2/ 455 (4699).
(7)
المصدر السابق 2/ 452 (4672).
(8)
رواه البيهقي 7/ 418.
(9)
رواه الطبري في "التفسير" 2/ 455 (4702) عن سعيد بن المسيب عن علي به.
(10)
المصدر السابق 2/ 454 (4694).
(11)
رواه الطبري في "التفسير" 2/ 454 (4691).
(12)
سبق برقم (325) باب: إذا حاضت في شهر ثلاث حيض.
فائدة:
القرء بفتح القاف وضمها، يطلق على الحيض وعلى الطهر، وسنبسط الكلام عليه في العِدَدِ إن شاء الله وقدره.
وقد اختلف العلماء في أقل مدة الحيض وأكثره على خمسة أقوال:
أحدها: أن أقله دفعة، وهو مذهب الأوزاعي وداود وأصحابه، ومذهب مالك أيضًا خلا العدد فأقله ثلاثة أيام
(1)
وحكي أيضًا عن الشافعي أن أقله دفعة وهو غريب حكاه المرعشي في "أقسامه"
(2)
وابن حزم عنه وعن مالك لا حد لأقله، وقد يكون دفعة واحدة.
ثانيها: أن أقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر، وهذا مشهور مذهب الشافعي ونقله ابن المنذر عن عطاء وأحمد وأبي ثور
(3)
، وادعى (ابن داود)
(4)
في شرح البخاري الإجماع على أن الحيض لا يجاوز خمسة عشر؛ لأن المرأة لا تترك الصلاة أكثر من نصف شهر، ولا نعلم امرأة جاوزت ذلك إلا نساء آل الماجشون، كن يحضن سبعة عشر يومًا فلم يلتفت العلماء إلى ذلك؛ لأنه أمر شاذ
(5)
.
ثالثها: وأن أقله ثلاثة أيام، وما نقص عن ذلك استحاضة، وأكثره
عشرة، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وبه قال محمد بن مسلمة في أقل الحيض، وقال أكثره خمس عشرة
(6)
(7)
.
(1)
أشار المؤلف إلى سقط ولكنه مطموس بالهامش.
(2)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 40، "مختصر الطحاوي" ص 22 - 23، "المعونة" 1/ 71، "روضة الطالبين" 1/ 134، "المغني" 1/ 388 - 389.
(3)
"الأوسط" 2/ 227.
(4)
هو الداودي.
(5)
المصدر السابق 2/ 228.
(6)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 22 - 23، "المغني" 1/ 388 - 389.
(7)
كذا في (ص) ولعلَّ الصواب: خمسة عشر.
رابعها: أن أقله يومان وأكثر الثالث، وهو ثلاث عشرة ساعة، حكي عن أبي يوسف
(1)
.
خامسها: أن أقله ثلاثة أيام وما يتخلله من الليالي وهو ليلتان.
سادسها: أكثره سبع
(2)
عشرة، قال ابن المنذر: بلغني عن نساء الماجشون أنهن كن يحضن سبع عشرة، قال أحمد: أكثر ما سمعنا سبع عشرة، وحكي عن مالك، وعنه أيضًا أن أكثره خمس عشرة، وعنه ثالثة أنه غير محدود إلا ما بينه النساء
(3)
، وقيل: إنه المشهور.
سابعها: ليس لأقله حد ولا لأكثره بالأيام، نقله ابن المنذر عن طائفة، بل الحيض إقبال الدم المنفصل عن دم الاستحاضة، والطهر إدباره
(4)
.
ثامنها: أن أكثره سبعة أيام، قاله مكحول.
تاسعها: أقله خمسة، روي عن مالك، إلا أنه قال: لا يكون هذا في حيض واحد
(5)
، وقال الأوزاعي: عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية
(6)
، وقال: يرون أنه حيض تدع له الصلاة.
وعن أحمد: حيض النساء ست أو سبع، واستدل بحديث أم حبيبة وحمنة
(7)
في ذلك
(8)
، فضعفهما ابن حزم، ولا نسلم له في الثاني وقال
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 40.
(2)
في هامش (س) ما نصه: من خط الشيخ وقع في "شرح الهداية" للسروجي: عشرون.
(3)
"الأوسط" 2/ 228، "المعونة" 1/ 71.
(4)
"الأوسط" 2/ 228 - 229.
(5)
انظر: "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 71.
(6)
رواه الدارقطني 1/ 208.
(7)
رواه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (622). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(110).
(8)
انظر: "المغني" 1/ 388 - 389.
ابن حزم: أقله دفعة إذا رأت الأسود
(1)
. فإذا: رأته أحمر أو كغسالة اللحم أو الصفرة أو الكدرة أو البياض أو الجفوف التام فقد طهرت، وهكذا أبدًا إذا رأته أسود فهو حيض، فإن رأت غيره فهو طهر، وتعتد بذلك من الطلاق فإن تمادى الأسود فهو حيض إلى تمام سبعة عشر يومًا، وذكر القاضي أبو الطيب في تعليقه أن امرأة أخبرته عن أختها أنها تحيض في كل سنة يومًا وليلة وهي صحيحة تحمل وتلد، ونفاسها أربعون يومًا.
احتج من قال: أقله ثلاثة أيام، بحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته فاطمة بنت أبي حبيش، فقالت: إني أستحاض، فقال:"ليس ذلك الحيض إنما هو عرق، لتقعد أيام أقرائها ثم لتغستل ولتصل" رواه أحمد
(2)
.
قالوا: وأقل الأيام ثلاثة وأكثرها عشرة، وبحديث واثلة بن الأسقع مرفوعًا:" أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة أيام" رواه الدارقطني
(3)
، وعن أبي أمامة مرفوعًا:"لا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام، ولا أقل من ثلاثة"
(4)
، وعن أنس مرفوعًا قال:"الحيض ثلاث أربع خمس ست سبع ثمان تسع عشر"
(5)
.
قالوا: ولأن هذا تقدير ولا يصح إلا بتوقيف أو اتفاق، وقد حصل الاتفاق على ثلاث، والجواب عن حديث أم سلمة على تقدير ثبوته أنه ليس المراد بالأيام الجمع بل الوقت.
(1)
"المحلى" 10/ 268.
(2)
في "مسنده" 6/ 304، ورواه الطبراني 23/ (559)، والبيهقي 1/ 335.
(3)
في "سننه" 1/ 219. وقال: ابن منهال مجهول، ومحمد بن أحمد بن أنس ضعيف.
(4)
"سنن الدارقطني" 1/ 218.
(5)
رواه الدارقطني 1/ 209.
وأيضًا فهي مستحاضة معتادة ردت إلى الأيام التي اعتادتها، ولا يلزم من هذا أن كل حيض لا ينقص عن ثلاثة أيام، وعن حديث واثلة وأبي أمامة وأنس أنها كلها ضعيفة، كما بينه الدارقطني والبيهقي وغيرهما.
وقولهم: الضعيف مقدم على القياس عندنا وعند أحمد، فكيف في المقدرات التي لا يعقل معناها لا نسلمه، وقولهم: التقدير لا يصح إلا بتوقيف.
جوابه: أن التوقيف ثبت في أقل من ذلك؛ لأن مداره على الوجود، وقد ثبت، وحديث:"دم الحيض أسود" يعرف الباب في "سنن أبي داود" وغيره ذاك لمن قال بالوجود، والأحاديث وإن كانت مطلقة فتحمل على الوجود.
وقولهم: هذِه حكايات مروية عن نساء (مجهولين)
(1)
لا يؤمن؛ لاحتمال أن يكون ذلك استحاضة أو دم فساد، لا نسلمه، وأما ما حكاه إسحاق بن راهويه عن بعضهم أن امرأة من نساء الماجشون حاضت عشرين يومًا، وأن ميمون بن مهران كانت تحته بنت سعيد بن جبير، وكانت تحيض من السنة شهرين فواهيان، فيهما مجهول وقد أنكر الأول مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة.
واختلف العلماء في العدة التي تصدق فيها المرأة إذا ادعتها. فروي عن شريح وعلي ما سلف، وهو قول أحمد أيضًا ومالك.
وقالت طائفة: لا تصدق إذا ادعت أن عدتها انقضت في أقل من شهرين، إذا كانت من ذوات الحيض؛ لأنه ليس في العادة أن تكون امرأة على أقل الطهر وأقل الحيض؛ لأنه إذا كثر الحيض قل الطهر،
(1)
كذا وردت بالأصل، والصواب: مجهولات.
وإذا قل الطهر كثر الحيض، وهذا قول أبي حنيفة.
وقالت طائفة: لا تصدق في أقل من تسعة وثلاثين يومًا، وهو قول الثوري وأبي يوسف ومحمد، وذلك لأن أقل الحيض عندهما ثلاثة أيام وأقل الطهر خمسة عشر يومًا، وحكى ابن حزم عن محمد بن الحسن: أربعة وخمسين يومًا
(1)
.
وفيه: قول رابع وهو قول أبي ثور: أن أقل ما يكون في ذلك إذا طلقها في أول الطهر سبعة وأربعون يومًا، وذلك لأن أقل الطهر خمسة عشر يومًا وأقل الحيض يوم
(2)
.
وفيه: قول خامس: أن أقلها أربعون ليلة، حكاه ابن أبي زيد عن سحنون
(3)
.
وفيه: قول سادس: أن أقلها اثنان وثلاثون يومًا؛ بأن تطلق في آخر الطهر، ثم تحيض يومًا وليلة وتطهر خمسة عشر، ثم تحيض يومًا وليلة وتطهر خمسة عشر، ثم تطعن في الثالثة، وهو قول الشافعي
(4)
، وحكى ابن حزم عنه ثلاثة وثلاثون يومًا وتوبع، وهو غريب
(5)
.
وفيه: قول سابع، وهو قول لأبي إسحاق
(6)
وأبي عبيد: أنها إن كانت أقراؤها معلومة قبل أن تبتلى حتى عرفها بطانة أهلها ممن يرضى دينهن، فإنها تصدق وإن لم تعرف ذلك، وكانت أول ما رأت
(1)
"المحلى" 10/ 267 - 268.
(2)
"شرح فتح القدير" 4/ 187.
(3)
"النوادر والزيادات" 1/ 126.
(4)
انظر: "البيان" 11/ 19.
(5)
"المحلى" 2/ 202.
(6)
في "شرح فتح القدير" 4/ 187، إسحاق بن راهويه.
الحيض أو الطهر، فإنها لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر؛ لأن الله تعالى جعل بدل كل حيضة شهرًا في اللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن، فإذا أشكل على مسلم انقضاء عدة امرأة ردها إلى الكتاب والسنة
(1)
.
ووجه الموافقة أنه ليس في العادة أن تكون امرأة على أقل الطهر وأقل الحيض؛ لأنه إذا كثر الحيض قل الطهر، وإذا قل الحيض كثر الطهر، فجعل لما تحيضه الأكثر ولما لا تحيضه الأقل وبدأ بالحيض، والشارع في حديث فاطمة بنت أبي حبيش وكل ذلك إلى أمانتها وعادتها، وقدر الأيام قد يقل وقد يكثر على قدر أحوال النساء في أسنانهن وبلدانهن، إلا أنها إذا أدعت ما لا يكاد يعرف لم يقبل قولها إلا ببينة، مال إسماعيل بن إسحاق الأسدي إلى قول عليّ وشريح في ذلك، ولو كان عندهما أن ثلاث حيض لا تكون في شهر لما قبل قول نسائها، وهو معنى قول عطاء وإبراهيم، وقد أسلفنا تفسير إسماعيل قولهما.
فرع: قد عرفت اختلاف العلماء في أقل الحيض وأكثره وعرفت من هنا اختلافهم في أقل الطهر وأكثره، فأقله عند الشافعي خمسة عشر يومًا ولا حد لأكثره.
(1)
"شرح فتح القدير" 4/ 187.
25 - باب الصُّفْرَةِ وَالكُدْرَةِ فِي غَيِرْ أَيَّامِ الحَيْضِ
326 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عن أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطَيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيئًا. [فتح 1/ 426]
حَدَّثنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا.
ما ترجم عليه البخاري ذهب إليه الجمهور وقالوا: إن الصفرة والكدرة حيض في أيام المحيض خاصة، وبعده ليس بشيء، كذا حكاه عنهم ابن بطال في "شرحه" وقال: إنه روي عن عليّ بن أبي طالب
(1)
وسعيد بن المسيب
(2)
وعطاء
(3)
والحسن
(4)
وابن سيرين
(5)
وربيعة والثوري
(6)
والأوزاعي
(7)
والليث وأبي حنيفة ومحمد والشافعي وأحمد وإسحاق.
وفيه قول ثان: أنهما ليسا بحيض قبل الحيض وهما في آخره حيض، وبه. قال أبو يوسف وأبو ثور
(8)
قالوا: وهو ظاهر الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة"
(9)
.
(1)
رواه الدارمي 1/ 636 (898)، 1/ 638 - 639 (902 - 903)، وعبد الرزاق 1/ 302 (1161)، وابن أبي شيبة 1/ 89 (993 - 994)، وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 236.
(2)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 237.
(3)
رواه الدارمي (899، 904، 907)، عبد الرزاق 1/ 302 (1160)، ابن أبي شيبة 1/ 90 (1001).
(4)
رواه الدارمي (892 - 897)، وابن أبى شيبة 1/ 90 (1002).
(5)
رواه الدارمي 1/ 635 (895)، وابن أبى شيبة 1/ 90 (999).
(6)
رواه الدرامي 1/ 632 (887).
(7)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 237.
(8)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر 2/ 237.
(9)
سبق برقم (320) كتاب: الحيض، باب: إقبال المحيض وإدباره.
والكدرة والصفرة في آخر أيام الدم من الدم، حتى ترى النقاء.
وفيها قول ثالث لمالك في "المدونة"
(1)
: أنهما حيض مطلقا أيام الحيض وغيرها، وهذا مخالف للحديث، ولا يوجد في فتوى مالك أنهما ليسا بشيء على ما جاء في الحديث إلا التي انطبق دم حيضها مع دم استحاضتها ولم تميزه، فقال: إذا رأت دمًا أسود فهو حيض، وإن رأت صفرة أو كدرة أو دمًا أحمر، فهو طهر تصلي له وتصوم بعد أن تغتسل، ولعله لم يبلغه الحديث. وحجة القول أن قول أم عطية: كنَّا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا، لا يجوز أن يكون عامًّا في أيام الحيض وغيرها؛ لما قالته عائشة: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء
(2)
.
ومعلوم أن هؤلاء النساء كن يرين عند إدبار المحيض صفرة وكدرة، فأخبرتهن أنهما من بقايا الحيض، فإن حكمهما حكم الحيض، فلم يبق لحديث أم عطية معنى إلا أنا لا نعدهما شيئًا في غير أيام المحيض.
وقد جاء هذا المعنى مكشوفًا عنه فروى حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أم الهذيل، عن أم عطية أنها قالت: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الغسل شيئًا
(3)
.
قلت: وفي "سنن أبي داود" و"صحيح الحاكم" على شرطهما: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا
(4)
. وعند الإسماعيلي: كنا لا نعد
(1)
"المدونة" 1/ 55.
(2)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 65 (163)، وقد سبق معلقًا قبل حديث (320) باب: إقبال المحيض وإدباره.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 456 - 457.
(4)
"سنن أبي داود"(307)، "المستدرك" 1/ 174، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(199).
الصفرة والكدرة شيئًا، تعني: في الحيض، وقال ابن عساكر: هذا موقوف، وعند الدارقطني: كنا لا نرى الترية بعد الطهر شيئًا
(1)
.
ولما رواه أبو نعيم في "مستخرجه" من حديث أيوب، عن حفصة، عن أم عطية قال: أخرجه -يعني: البخاري-، عن قتيبة، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب؛ ولعل مراده أصله، فإنه لم يخرجه من حديث حفصة، وإنما أخرجه من حديث أخيها محمد بن سيرين، وقد أخرجه أبو داود عنهما
(2)
وكذا ابن ماجه، لكن نقل عن محمد بن يحيى أنه قال: خبر حفصة أولاهما عندنا
(3)
.
فيحتمل أن البخاري خالفه، ويحتمل أنه لم يتصل له حديثها، وفي البيهقي بإسناد لا يسعني ذكره عن عائشة أنها قالت: ما كنا نعد الكدرة والصفرة شيئًا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وقد روي معناه من حديث عائشة بسند أمثل من هذا وهو أنها قالت: إذا رأت المرأة الدم فلتمسك عن الصلاة حتى تراه أبيض كالقصة، فإذا رأت ذلك فلتغتسل ولتصل، فإذا رأت بعد ذلك صفرة أو كدرة فلتتوضأ ولتصل، فإذا رأت ماءً أحمر فلتغتسل ولتصل
(4)
.
وحديث عائشة: ما كنا نعد الصفرة والكدرة حيضًا، أخرجه ابن حزم بسند واه
(5)
، لأجل أبي بكر (الهذلي)
(6)
الكذاب
(7)
، ووقع في
(1)
الدارقطني 1/ 219.
(2)
أبو داود (307).
(3)
ابن ماجه (647).
(4)
البيهقي 1/ 337.
(5)
" المحلى" 2/ 166.
(6)
في الأصل: النهشلي، والصواب ما أثبتناه.
(7)
وقع في هامش (س) ما نصه: من خط الشيخ: وهم بعض الشراح حيث قال: إن ابن حزم قال فيه: إنه في غاية الجلالة فذاك إنما قاله في حديث ابن عياش، فاعلمه.
"وسيط الغزالي"
(1)
ذكره له من حديث زينب ولا يعرف. وحاصل ما في المسألة لأصحابنا سبعة أوجه ذكرتها في "شرح المنهاج" وأصحها، أنها حيض
(2)
، والرافعي ادعى أن محلهما في غير أيام العادة، أما إذا رأتهما في أيام العادة فهما حيض قطعًا
(3)
، وتابعه في "الروضة"
(4)
ولم يسلم له ذلك في "شرح المهذب"، ثم قال الجمهور: لا فرق في جريان الخلاف بين المبتدئة والمعتادة. وفي وجه: أن حكم مرد المبتدأة حكم أيام العادة، والأصح أن حكمها حكم ما وراء العادة
(5)
.
(1)
"الوسيط" 1/ 438.
(2)
انظر: "عجالة المحتاج" 1/ 154.
(3)
"الشرح الكبير" 1/ 322.
(4)
"روضة الطالبين" 1/ 152.
(5)
"المجموع" 2/ 419.
26 - باب عِرْقِ الاسْتِحَاضَةِ
327 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن الُمنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن أَبي ذِئْبٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَت سَبْعَ سِنِينَ، فَسَألَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فَقَالَ:"هذا عِرْقٌ". فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةِ. [مسلم: 334 - فتح: 1/ 426]
حَدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِر، ثنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فَقَالَ:"هذا عِرْقٌ". فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ.
هذا حديث أخرجه مع البخاري مسلم والأربعة
(1)
.
والكلام عليه من وجوه:
أحدها:
أم حبيبة هذِه إحدى المستحاضات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال لها: أم حبيب بلا هاء، وصححه الحربي والدارقطني، وصحح إثباتها الغساني، ونقله الحميدي عن سفيان
(2)
وابن الأثير عن الأكثر
(3)
، قال أبو عمر: والصحيح أنها وأختها زينب مستحاضات
(4)
، ووهاه ابن العربي
(5)
.
(1)
مسلم (334) كتاب: الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها، وأبو داود (285)، والترمذي (129)، والنسائي 1/ 117 - 118، وابن ماجه (626).
(2)
"مسند الحميدي" 1/ 241 (160).
(3)
"أسد الغابة" 7/ 314.
(4)
"الاستيعاب" 4/ 482.
(5)
"عارضة الأحوذي" 1/ 200.
وحكى القاضي عن بعضهم أن بنات جحش الثلاث كل منهن اسمها زينب، ولقب إحداهن حمنة، وكنية الأخرى أم حبيبة، وإذا كان هكذا فقد سلم مالك من الخطأ في تسمية أم حبيبة زينب
(1)
، وأم حبيبة هذِه حضرت أحدًا تسقي العطش وتداوي الجرحى
(2)
.
ثانيها:
غسلها لكل صلاة لم يكن، بأمره صلى الله عليه وسلم كما قاله الزهري وغيره
(3)
، وإنما هو شيء فعلته، والواجب عليها الغسل مرة واحدة عند انقطاع حيضها، فقولها إذن: فكانت تغتسل لكل صلاة. ليس مرفوعًا، وروى ابن إسحاق عن الزهري: فأمرها أن تغتسل لكل صلاة
(4)
.
ولم يتابعه عليه أصحاب الزهري. نعم في أبي داود والبيهقي من طرق أنه أمرها بذلك
(5)
؛ لكنها ضعيفة.
(1)
"إكمال المعلم" 2/ 179، والقائل هو أبو عمر.
(2)
هي أم حبيبة بنت جحش بن رئاب الأسدية، كانت تحت عبد الرحمن بن عوف.
انظر ترجمتها في: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 6/ 3484 (4072)، "الاستيعاب" 4/ 482 - 483 (3569)، "أسد الغابة" 7/ 314 - 315 (7400)، "الإصابة" 4/ 440 - 441 (1210).
(3)
رواه مسلم (334).
(4)
رواه أبو داود (292)، وأحمد 6/ 237، والدارمي 1/ 603 - 604 (810)، والبيهقي 1/ 350. وصحح إسناده الألباني في "صحيح أبي داود" (301).
(5)
رواه أبو داود (293) ومن طريقه البيهقي 1/ 351 من طريق أبي سلمة، عن زينب بنت أبي سلمة. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (303): إسناده مرسل صحيح. ورواه البيهقي 1/ 349 من طريق يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن محمد، عن عمرة، عن عائشة.
وقال: قال بعض مشائخنا: خبر ابن الهاد غير محفوظ. ورد كلامه ابن التركماني في "الجوهر النقي"، وانظر:"صحيح أبي داود" 2/ 79.
وقال المهلب: قوله: ("هذا عرق") يدل على أن المستحاضة لا تغتسل لكل صلاة كما زعم من أوجب ذلك، واحتج بهذا الحديث؛ لأن دم العرق لا يوجب غسالًا.
وقوله: (فكانت تغتسل لكل صلاة). يريد تغتسل من الدم الذي كان يصيب الفرج؛ لأن المشهور من قول عائشة أنها لا ترى الغسل لكل صلاة، كذا قال الليث، لم يذكر ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة به لكل صلاة.
وقال غيره: ومن ذكر أنه أمرها فليس بحجة على من سكت عنه؛ لأن الحفاظ من أصحاب الزهري لا يذكرونه، والإيجاب لا يثبت إلا بسنة أو إجماع، وليس ذلك هذا، وإنما الإجماع في إيجابه من الحيض.
قال الطحاوي: وقد قيل: إنه منسوخ بحديث فاطمة
(1)
؛ لأن عائشة أفتت بحديث فاطمة بعده صلى الله عليه وسلم وخالفت حديث أم حبيبة، ويؤيده أن عبد الحق قال: حديث فاطمة أصح حديث يروى في الاستحاضة.
ثالثها:
قوله: (إن أم حبيبة استحيضت سبع سنين) به حجه لابن القاسم في قوله: أن من استحيضت، فتركت الصلاة جاهلة أو ظنته حيضًا أنه لا إعادة عليها، ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بإعادة صلوات السبعة الأعوام.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 101، وحديث فاطمة سبق برقم (228) كتاب: الوضوء، باب: غسل الدم، ورواه مسلم (333) كتاب: الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها.
ووجه ذلك أنها لما سألته فأمرها بالغسل علم أنها لم تغتسل قبل، ولو اغتسلت لقالت: إني قد اغتسلت. فعلم أن في تلك المدة كانت عند نفسها حائضًا، فأمرها بالغسل من ذلك الحيض، ولم يأمرها بإعادة صلوات من تلك المدة.
27 - باب المَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإِفَاضَةِ
328 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ صَفِيُّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَعَلَهَا تَحْبِسُنَا، أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ؟ ". فَقَالُوا: بَلَى. قَالَ: "فَاخْرُجِي". [انظر: 294 - مسلم: 1211 - فتح: 1/ 428]
329 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا حَاضَتْ. [1755، 1760 - مسلم: 1328 - فتح: 1/ 428]
330 -
وَكَانَ ابن عُمَرَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ: إِنَّهَا لَا تَنْفِرُ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: تَنْفِرُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لَهُنُّ. [1761 - فتح: 1/ 428]
ذكر فيه حديث عائشة أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ قَدْ حَاضَتْ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا، ألَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ؟ ". فَقَالُوا: بَلَى. قَالَ: "فَأخْرُجِي".
ثم ذكر حديث ابن عباس: رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا حَاضَتْ.
وَكَانَ ابن عُمَرَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ: إِنَّهَا لَا تَنْفِرُ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: تَنْفِرُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم -رَخَّصَ لَهُنَّ.
معنى قوله: (ألم تكن طافت معكن) -يعنى: يوم النحر- وهو طواف الإفاضة، الركن في الحج، فيؤخذ منه أن طواف الإفاضة يغني عن طواف الوداع؛ لأنه غير واجب، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل: أطافت القدوم؟ وإنما سأل عن طواف يوم النحر هكذا، يغني طواف الإفاضة عن كل طواف قبله، كذلك يغني عن كل طواف بعده، فدل
هذا على الإنسان في حجه كله طوافًا واحدًا فقط وهو طواف الإفاضة.
وقول ابن عباس: رخص للحائض أن تنفر، يعني: إذا طافت طواف الإفاضة، فإن لم تطفه فلا تنفر ولا حج لها، وسيأتي بيان هذا كله -إن شاء الله تعالى- واضحًا في الحج.
28 - باب إِذَا رَأَتِ المُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ
قَالَ ابن عَبَّاسٍ: تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَوْ سَاعَةَ، وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتْ، الصَّلَاةُ أَعْظَمُ.
331 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي". [انظر: 228 - مسلم: 333 - فتح: 1/ 428]
هذا التعليق رواه أبو بكر، عن ابن علية، عن خالد، عن أنس بن سيرين عنه
(1)
.
قال الداودي: معناه إذا رأت الطهر ساعة ثم عاودها دم، فإنها تغتسل وتصلي حتى ترى الطهر ما كانت في وقته من الصلوات. ونقله عن مالك (2).
وقال ابن بطال: قوله: إذا رأت المستحاضة الطهر. يريد إذا أقبل دم الاستحاضة الذي هو دم عرق الذي يوجب الغسل والصلاة وميزته من دم حيضها فهو طهر من الحيض، فاستدل من هذا أن لزوجها وطأها، وجمهور الفقهاء وعامة العلماء (بالحجاز)
(3)
والعراق على جواز وطء المستحاضة.
ومنع من ذلك قوم، رُوي ذلك عن عائشة قالت: المستحاضة لا يأتيها زوجها
(4)
.
(1)
ابن أبي شيبة 1/ 120 (1367).
(2)
انظر لقول مالك "المدونة" 1/ 55.
(3)
في الأصل (الحجاز)، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(4)
رواه الدارمي 1/ 621 (857)، وابن أبي شيبة 3/ 537 (16954)، والدارقطني 1/ 219، والبيهقي 1/ 329.
وهو قول النخعي
(1)
، والحكم
(2)
، وابن سيرين
(3)
، وسليمان بن يسار
(4)
، والزهري، قال الزهري: إنما سمعنا بالرخصة في الصلاة
(5)
.
وحجة الجماعة: أن دم الاستحاضة ليس بأذى يمنع الصلاة والصوم؛ فوجب أن لا يمنع الوطء.
وقول ابن عباس: الصلاة أعظم، أي: من الجماع. من أبين الحجة في ذلك. وقد نزع بمثلها سعيد بن جبير
(6)
، ولا يحتاج إلى غير ما في الباب
(7)
. وحديثه تقدم.
(1)
رواه الدارمي 1/ 621 - 622 (856، 858)، وعبد الرزاق 1/ 311 (1192 - 1193).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 3/ 537 (16956).
(3)
رواه الدارمي 1/ 620 - 621 (855)، وابن أبي شيبة 3/ 537 (16955).
(4)
رواه عبد الرزاق 1/ 311 (1191)، وابن أبي شيبة 3/ 537 (16958).
(5)
رواه عبد الرزاق 1/ 311 (1191) عن سليمان بن يسار، وروى ابن أبي شيبة 3/ 537 (16963) عن الزهري قال: يغشاها زوجها إن شاء.
(6)
رواه الدارمي 1/ 617 - 618 (845)، وعبد الرزاق 1/ 310 (1187)، وابن أبي شيبة 3/ 538 (16965).
(7)
"شرح ابن بطال" 1/ 461.
29 - باب الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا
332 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا شعْبَةُ، عَنْ حُسَيْنٍ الُمعَلِّمِ، عَنِ ابن بُريدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ فِي بَطْنِ، فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ وَسَطَهَا. [1331، 1332 - مسلم: 964 - فتح: 1/ 429]
حَدَّثنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، أنَا شَبَابَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّمِ، عَنِ ابن بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ امْرَأَةَ مَاتَتْ فِي بَطْنٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فقَامَ وَسَطَهَا.
هذا حديث أخرجه مع البخاري مسلم والأربعة
(1)
، وعند مسلم قال سمرة: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم على أم كعب ماتت وهي نفساء، وهذِه الرواية فيها بيان المبهم في رواية الكتاب، وهي أنصارية كما قاله ابن الأثير
(2)
.
وابن بريدة: هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب أخو سليمان
(3)
.
وقوله: (وسطها) -هو بالسين الساكنة- وحكى بعضهم فتحها، وقد سلف الكلام على هذِه المادة، وقصد البخاري بهذا الباب يحتمل -كما قال ابن بطال وابن التين- أن النفساء وإن كانت لا تصلي، فهي طاهر، لها
(1)
مسلم (964) كتاب: الجنائز، باب: أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه، وأبو داود (3195)، والترمذي (1035)، والنسائي 4/ 72، وابن ماجه (1493).
(2)
"أسد الغابة" 7/ 383 (7571).
(3)
عبد الله بن بريدة، روى عن أنس وسمرة ومعاوية، وروى عنه حماد بن أبي سلمة والشعبي، وعامر الأحول. وثقه أبو حاتم والعجلي ويحيى بن معين، وابن حبان.
انظر-: "التاريخ الكبير" 5/ 51 (110)، "معرفة الثقات" للعجلي 2/ 22 (857)، "الجرح والتعديل" 5/ 13 (61)، "الثقات" لابن حبان 5/ 16، "تهذيب الكمال" 14/ 328 - 332 (3179).
حكم غيرها من النساء ممن ليست نفساء]
(1)
؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى عليها أوجب لها حكم الصلاة، وليس لون الدم موجودًا بها أن تكون نجسة، وامتناعها من الصلاة ما دام بها الدم عبادة، وهذا يُرد على من زعم أن الآدمي ينجس بموته؛ لأن هذِه النفساء جمعت الموت وحمل النجاسة بالدم اللازم لها، فلمَّا صلى عليها وأبان سنته فيها كان الميت الطاهر الذي لا تسيل منه نجاسة أولى بإيقاع اسم الطهارة عليه
(2)
.
وصوب ابن القصار القول بطهارة ميتة الآدمي، ونقله عن بعض أصحابهم، والصلاة عليه بعد موته تكرمة له وتعظيم.
وقال ابن المنير: ظنّ الشارح -يعني ابن بطال- وذكر ما أسلفناه عنه، قال: وذلك أجنبي عن مقصوده، وإنما قصده أنها وإن ورد أنها من الشهداء فهي ممن يصلى عليها.
ثم قال: أو أراد التنبيه على أنها ليست بنجسة العين لا لأنه صلى عليها وأن هذا من خصائصه، بل لأن الصلاة على الميت في الجملة تزكية له، ولو كان جسد المؤمن نجسًا لكان حكمه أن يطرح اطراح الجيفة، ويبعّدُ ولا يوقر بالغسل والصلاة (وغيرهما)
(3)
(4)
.
وهذا هو عين ما أسلفناه عن ابن بطال، والذي ذكره أولًا مدخل له في كتاب الطهارة، وتأول بعضهم كما قال القرطبي: صلاته وسطها من أجل جنينها حتى يكون أمامه
(5)
. وسيأتي بسط الكلام فيه في الجنائز إن شاء الله فإنه أليق.
(1)
هنا انتهى السقط من (ج).
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 462.
(3)
في (ج): وغيرها.
(4)
"المتواري" ص 82، 83.
(5)
"المفهم" 2/ 616.
30 - باب
333 -
حَدَّثَنَا الَحسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ -اسْمُهُ الوَضَّاحُ- مِنْ كِتَابِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيمَانُ الشُّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي، وَهْيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهْوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ. [379، 381، 517، 518 - مسلم: 513 - فتح: 1/ 430]
حَدَّثنَا الحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، ثنَا يَحْييَ بْنُ حَمَّادٍ، ثنَا أَبُو عَوَانَةَ -اسْمُهُ الوَضَّاحُ- مِنْ كِتَابِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِىُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلَّي، وَهْيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَني بَعْضُ ثَوْبِهِ.
وهذا الباب كالذي قبله يدل أن الحائض ليست بنجس؛ لأنها لو كانت نجسًا لما وقع ثوبه عليها وهو يصلي، ولا قربت من موضع مصلاه.
وفيه: أن الحائض تقرب من المصلى، ولا يضر ذلك صلاته ولا يقطعها؛ لأنها كانت بقرب قبلته؛ لأنه لا يصيبها بثوبه عند سجوده إلا وهي قريبة منه، وأقوى ما نستدل به على طهارة الحائض كما قال ابن بطال: مباشرته صلى الله عليه وسلم لأزواجه وهن حيض فيما فوق المئزر، إلا أنها وإن كانت طاهرًا، فإنه لا يجوز لها دخول المسجد بإجماع؛ لأمره صلى الله عليه وسلم في العيدين باعتزال الحيض المصلى
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 463.
والخمرة: -بضم الخاء المعجمة- حصير صغير من سعف، سميت بذلك؛ لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها، والجمع: خمر. فإن كبرت عن ذلك فهي حصير.
7
كِتابْ التَّيَمُمْ
بسم الله الرحمن الرحيم
7 - كِتابُ التَّيمُمْ
(1)
قَولُ اللهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]
1 - [باب]
334 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَهً -زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ -أَوْ بِذَاتِ الَجيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى التِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءِ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلا تَرى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي، قَدْ نَامَ، فَقَاج: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي
(1)
جاء بجانب الباب: ثم بلغ الثالث بعد الخمسين كتبه مؤلفه غفر الله له.
خَاصِرَتِي، فَلَا يَمنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ الله آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الُحضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ. [336، 3672، 3773، 4583، 4607، 4608، 5164، 5250، 5882، 6844، 6845 - مسلم: 367 - فتح: 1/ 431]
335 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ح. قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ -هُوَ ابن صُهَيبٍ الفَقِيرُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْن عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّة". [438، 3122 - مسلم: 521 - فتح: 1/ 435]
هو في اللغة: القصد والتعمد، وهو ما ذكره البخاري في التفسير في سورة المائدة. أعني: التعمد
(1)
، ورواه ابن أبي حاتم
(2)
وابن المنذر عن سفيان
(3)
.
وهو في الشرع: إيصال التراب للوجه واليدين بشرائط مخصوصة، والأصل فيه من الكتاب قوله تعالى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] وهو ما استفتح به البخاري كتابه حيث قَالَ: وقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] الآية.
(1)
سيأتي قبل الرواية (46107) باب: قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} .
(2)
"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 962 (5370).
(3)
"الوسيط في تفسير القرآن المجيد" لابن المنذر 2/ 58.
ومن السنة أحاديث الباب وغيره، وقام الإجماع عَلَى جواز التيمم للحدث الأصغر، وفي الجنابة أيضًا، وخالف فيه عمر بن الخطاب، وابن مسعود، والنخعي، والأسود
(1)
كما نقله ابن حزم
(2)
.
وقد ذكروا رجوع عمر، وابن مسعود
(3)
، وفي "المصنف": أفتى أبو عطية بأنه لا يصلى بالتيمم
(4)
. وهو رخصة، وفضيلة خصت بها هذِه الأمة دون غيرها من الأمم
(5)
.
(1)
روى ابن أبي شيبة عنهم آثارًا دالة على ذلك 1/ 145 (1667 - 1671).
(2)
"المحلى" 2/ 144.
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى" 21/ 351.
(4)
"المصنف" 1/ 145 (1670).
(5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وهذا التيمم المأمور به في الآية هو من خصائص المسلمين، ومما فضلهم الله به على غيرهم من الأمم. ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أعطيت خمسًا لم يعطهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا. فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة" وهذا لفظ البخاري.
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون".
ولمسلم أيضًا عن حذيفة بين اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء". وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت: وكان من قبلي يعظمون ذلك، إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم". "مجموع الفتاوى" 21/ 347 - 348.
والصعيد هو: التراب كما قَالَ ابن عباس
(1)
، والطيب: الطاهر، وقيل: الحلال.
ثم ساق البخاري رحمه الله حديثين:
أولهما: حديث عائشة: قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ -أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي .. الحديث بطوله.
وفيه: فأنزل الله آية التيمم.
وهو حديثٌ عظيمٌ أخرجه البخاريّ في أربعة مواضع أخر: في التفسير
(2)
، وفضائل أبي بكر
(3)
، والنكاح
(4)
، والمحاربين
(5)
.
وأخرجه مسلمٌ في الطهارة، وعنده: فأرسل ناسًا من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاةُ فصلَّوا بغير وضوءٍ، فلمَّا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا ذَلِكَ إليه، فنزلت آيةُ التيمم
(6)
وللنسائي: سقطت لي قلادةٌ بالبيداء ونحن داخلون المدينة
(7)
.
وفي رواية له: عرس صلى الله عليه وسلم بأولات الجيش. قال عمَّارُ: فانقطع عقد عائشة
(8)
.
(1)
روى عبد الرزاق 1/ 221 (814)، وابن أبي شيبة 1/ 148 (1702)، والبيهقي 1/ 214. عن ابن عباس أنه قال: أطيب الصعيد أرض الحرث.
(2)
سيأتي برقم (4607) باب: قوله {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} .
(3)
سيأتي برقم (3672) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "لو كنت متخذًا خليلًا".
(4)
سيأتي برقم (5250) باب: قول الرجل لصاحبه: هل أعرستم الليلة؟
(5)
سيأتي برقم (6844) كتاب: الحدود، باب: من أدب أهله أو غيره دون السلطان.
(6)
"صحيح مسلم"(367/ 109) كتاب: الحيض، باب: التيمم.
(7)
"سنن النسائي" 1/ 172.
(8)
"سنن النسائي" 1/ 67، قال الألباني في "صحيح النسائي": صحيح.
وعند أبي داود: بعث أسيد بن حضير وأناسًا معه، فحضرت الصلاة، فصلَّوا بغيرِ وضوءٍ. قَالَ أبو داود في كتاب التفرد الذي تفرَّد به من هذا الحديث: أنهم لم يتركوا الصلاة حين لم يجدوا الماءَ، فصلَّوا بغير وضوءٍ؛ لأنَّ بعض الناس يقول: إذا لم يجد الماء لا يصلِّي
(1)
.
وعند الترمذي من طريق هشام، عن أبيه، عن عائشة أنَّ قلادَتها سقطت ليلةَ الأبواءِ
(2)
. يعني في صفر سنة اثنتين من الهجرةِ. ولابن ماجه من حديث عمَّار قَالَ: فانطلق أبو بكر إلى عائشة لما نزلت الرخصةُ، فقال: ما علمتُ أنك لمباركة
(3)
.
ولأبي محمد إسحاق بن إبراهيم البُستي في "تفسيره" من حديث ابن أبي ملكية عنها أن القائل له: ما كان أعظم بركة قلادتِك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وللطبراني من حديث الزُّبير، عن عائشةَ: قالت: لما كان من أمرِ عقدي ما كان، وقال أهلُ الإفك ما قالوا خرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ أخرى، فسقط أيضًا عقدي حَتَّى حبس الناس عَلَى التماسه وطلع الفجرُ، فلقيتُ من أبي بكرٍ ما شاءَ اللهُ وقال: يا بنية، في كل سفرٍ تكونين عناءً وبلاءً، ليس مع الناسِ ماءٌ. فأنزل اللهُ تعالى الرخصةَ في التيمم، فقال أبو بكر: إنك ما علمتُ لمباركة
(4)
.
وفي بعض ألفاظِ "الصحيحِ": أنه ضاع عقدها في غزوةِ المريسيع
(1)
"سنن أبي داود"(317).
(2)
لم أقف عليها عن الترمذي في "سننه"، ورواه الحميدي في "مسنده" 1/ 243 (165) وقد عزاه ابن حجر في "فتح الباري" 1/ 432، للحميدي في "مسنده".
(3)
"سنن ابن ماجه"(565)، قال الألباني في:"صحيح ابن ماجه": صحيح.
(4)
"المعجم الكبير" 23/ 121 - 122 (159).
التي كان فيها قصة الإفكِ
(1)
. وقال أبو عبيد البكري: وفي حديث الإفك: فاأنقطع عقدٌ لها من جزع ظفار، فحبسَ الناسَ ابتغاؤه
(2)
.
قال ابن سعدٍ: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع يومَ الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس
(3)
. ورجحه الحاكمُ في "إكليله". وقال البخاري، عن ابن إسحاق: سنة ستٍّ
(4)
. وروى يونسُ عنه في "مغازيه" أن ذَلِكَ في شعبانَ. قَالَ البخاريُّ: وقال موسى بن عقبةَ: سنة أربع
(5)
.
إذا عرفتَ ذَلِكَ فلنتكلم عليه من وجوهٍ:
أحدها:
أجمعَ أهلُ السِّيرِ أن قصةَ الإفكِ كانت في غزوة المريسيعِ، وهي غزوةُ بني المصطلق. وفي "الصحيح" أنه ضاع عقدُها في هذِه الغزوةِ كما سلف. وقد اختُلف في تاريخ خروجِه صلى الله عليه وسلم إلى هذِه الغزوةِ عَلَى أقوال ثلاث: سنة أربعٍ، خمسٍ، ستٍّ، وقد حكيناها لك آنفًا.
ثم اختلفوا متى فرض التيمم؟ عَلَى قولين:
أحدهما: في المريسيع سنة ستٍّ، قاله ابن التين وابنُ بزيزة في "شرح الأحكام الصغرى".
(1)
سيأتي برقم (2661) كتاب: الشهادات، باب: تعديل النساء بعضهن بعضًا، أنه ضاع عقدها في قصة الإفك. ورواه مسلم أيضا (2770) كتاب: التوبة، باب: في حديث الإفك.
(2)
"معجم ما استعجم" 3/ 905.
(3)
"الطبقات الكبرى" 2/ 63.
(4)
سيأتي قبل الرواية (4138) كتاب: المغازي، باب: غزوة بني المصطلق من خزاعة.
(5)
انظر الموضع السابق.
ثانيهما: سنة أربعٍ. قَالَ ابن الجوزي: زعمَ ابن حبيب أنَّ عقدَها سقط في الرابعة في غزوة ذاتِ الرقاعِ، وفي غزوة بني المصطلق سنة ستٍّ قصة الإفك. قلتُ: يرد هذا روايةُ الطبراني السالفة: أن الإفك قبل التيمم.
ثانيها:
البيداء: الشرف الذي قُدَّام ذي الحليفة في طريق مكةَ كما قاله البكري
(1)
، وزعم أنَّ سقوطَه كان بمكان يقال له: الضُّلضُل، بمعجمتين. قَالَ: وهو الصحيح. وأما الجوهري
(2)
فذكرهُ بمهملتين. وذات الجيش من المدينةِ عَلَى بريد، ذكره أبو عبيد عن القتبي
(3)
.
ثالثها:
قولها: (انقطعَ عِقد لي). هو بكسر العين، ثم قاف: كل ما يُعقد ويعلق في العنق، ويقال له: قِلادة كما سلفَ، وسلف أيضًا أنه من جزع ظفار. وفي رواية أنها استعارت قِلادةً من أسماءَ فهلكت
(4)
.
فإنْ قلتَ: ظاهرُ الحديث أنهما قصتان في حالين. قلتُ: بل كانت واحدة، وإنما الرواية تختصر وتخالف بين العباراتِ، فإنَّ القلادة كانت لأسماء واستعارتها منها عائشةُ فأضافتها إليها بقولها: ضاعَ عِقدي.
قلت: رواية الطبراني السالفة تخالف هذا، ويقويه رواية الترمذي
(1)
"معجم ما استعجم" 2/ 409.
(2)
ورد في هامش (س) ما نصه: ولم أره في الكتاب المذكور.
(3)
"معجم ما استعجم" 2/ 409.
(4)
سيأتي برقم (336) كتاب: التيم، باب: إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا، ومسلم (367/ 109) كتاب: الحيض، باب: التيمم.
السالفة أنه كان سنة اثنين
(1)
، فيجوز أن يقال بالتعددِ، وأنَّ في واحدة سقط عِقدُها، وفي أخرى: سقط عقد أختِها.
فائدةٌ:
هذا العِقد وردَ في خبرٍ أنَّ ثمنه اثنا عشر درهمًا، ذكره ابن بطال
(2)
. وقيل: كان ثمنُه يسيرًا، حكاه ابن التين.
رابعها:
قولها: (فجعل يَطْعُنني). هو بضم العين، وحكى صاحب "المطالع" فتحها
(3)
. وفي "المجمل": الفتح بالقولِ، والضم بالرمحِ
(4)
. وقيل: كلاهما بالضمِّ، حكاه في "الجامع".
والخاصرة معروفةٌ، وهي: منقطعُ الأضلاع إلى الحجَبَةِ، كما قَالَه صاحبُ "المحكمِ"
(5)
.
خامسها:
قولها: (فأنزل الله آية التيمم). أي: التي في المائدةِ التي تلاها البخاريُّ. وكذا رواه الحميديُّ في الجمع من حديث عمرو بن الحارث، عن عبد الرحمن بن القاسمِ، عن أبيه، عن عائشة، فذكر الحديثَ، وفيه: فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ
(1)
تقدم أنها عند الحميدي في "مسنده".
(2)
"شرح ابن بطال" 1/ 468.
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: ولم أره في نسخة بـ "المطالع" لكن في "الصحاح" هو (
…
) الضم والفتح.
(4)
"المجمل" 2/ 583 مادة: طعن.
(5)
قال ابن سيده في "المحكم" 9/ 169 مادة: أطل: الإطل: منقطع الأضلاع من الحجبة، وقيل: هو الخاصرة كلها.
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية إلى قوله {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6]
(1)
.
وأما الواحديُّ فذكرها في سورةِ النساءِ، فقال: قوله تعالى من سورة النساء: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ثم ساق حديثَ البخاريِّ، ثم ساقه من حديثِ عمَّار، وفيه: فأنزل اللهُ رخصةَ التطهير بالصعيدِ الطيبِ، فقامَ المسلمون فضرَبوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم، ولم يقبضوا من التراب شيئًا، ثم ذكر كيفية التيمم
(2)
.
وقال أبو بكرِ بن العربي: هذِه معضلةٌ ما وجدتُ لدائها من دواءٍ، آيتانِ فيهما ذكر التيمم، في النساء والمائدة، ولا نعلم أيتهما عنت عائشةُ بقولها: فانزلت آية التيمم
(3)
.
وقال ابن بطَّال: هي آية المائدةِ وآية النساءِ؛ لأن الوضوءَ كان لازمًا لهم قبل ذَلِكَ، والآيتان مدنيتان، ولم تكن صلاةٌ قبل إلا بوضوءٍ، فلما نزلت آية التيمم لم يُذكر الوضوء، لأنه
(4)
متقدمًا (قالوا)
(5)
؛ لأن حكم التيمم هو الطارئُ عَلَى الوضوء، وقيل: يحتمل أن يكون أولًا نزل أول الآية، وهو فرضُ الوضوءِ، ثم نزل عند هذِه الواقعةِ آيةُ التيمم، وهو تمام الآية، وهو:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} {المائدة: 6} أَو يحتمل أن الوضوء كان بالسنة لا بالقرآن ثم أنزلا معًا، فعَّبرت عائشةُ بالتيمم إذ كان هو (الأصل)
(6)
المقصود
(7)
.
(1)
"الجمع بين الصحيحين" 4/ 17.
(2)
"أسباب النزول" ص 158 (317).
(3)
"أحكام القرآن" لابن العربي 2/ 441.
(4)
ورد بهامش (س): لعله سقط: كان.
(5)
في (ج): متلوًا.
(6)
ساقطة من (ج).
(7)
"شرح ابن بطال" 1/ 468.
وجزم القرطبيُّ وغيرُه بأنها عنت بذلك آيةَ النساءِ؛ لأنَّ آيةَ المائدةِ ذُكر فيها الوضوءُ بالماءِ والتيممُ، وغُسل الجنابةِ، وفي النساءِ لم يذكر الوضوء، وإنما ذكر التيمم عند عدم الماءِ بغير ذكر الأسباب التي كانت معروفة عندهم، فكانت النساءُ أخصُّ بها من المائدة
(1)
.
(1)
"الجامع لأحكام القرآن" 5/ 233.
وقال ابن رجب رحمه الله:
والآية التي نزلت بسبب هذِه القصة كانت آية المائدة، فإن البخاري خرَّج هذا الحديث في "التفسير" من كتابه هذا من حديث ابن وهب، عن عبد الرحمن بن القاسم وقال في حديثه: فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] هذِه الآية.
وهذا السفر الذي سقط فيه قلادة عائشة أو عقدها كان لغزوة المريسيع إلى بني المصطلق من خزاعة سنة ست، وقيل: سنة خمس، وهو الذي ذكره ابن سعد عن جماعة من العلماء قالوا: وفي هذِه الغزوة كان حديث الإفك. وقد ذكر الشافعي أن قصة التيمم كانت في غزوة بني المصطلق، وقال: أخبرني بذلك عددٌ من قريشٍ من أهل العلمِ بالمغازي وغيرهم.
فإن قيل: فقد ذكر غير واحدٍ منهم ابن عبد البر أنَّه يحتملُ أن يكونَ الذي نزلَ بسببِ عائشة الآية في سورة النِّساء، فإنَّها نزلتْ قبل سورة المائدة بيقين، وسورة المائدة من أواخر ما نزل من القرآن حتَّى قيل: إنها نزلت كلُّها أو غالبها في حجَّة الوداع، وآية النساء نزولها متقدمٌ.
وفي "صحيح مسلم" من حديث سعد بن أبي وقاص أنَّها نزلت فيه لمَّا ضربه رجلٌ قد سكر بلحي بعير ففزر أنفه.
وفي "سنن أبي داود"، والنسائي، وابن ماجه، عن عليٍّ أنَّ رجلًا صلَّى وقد شرب الخمر فخلطَ في قراءته فنزلتْ آيةُ النساء.
فقد تبيَّنَ بهذا أنَّ الآية التي في سورة النساء نزلتْ قبل تحريم الخمر، والخمر حرمت بعد غزوة أحد، ويقال: إنَّها حُرِّمتْ في محاصرةِ بني النضير بعد أحدٍ بيسيرٍ، وآية النساء فيها ذكر التيمم، فلو كانت قد نزلت قبل قصة عائشة فدل على أن قصة عائشة، لما توقفوا حينئذٍ في التيمم، ولا اتظروا نزول آية أخرى فيه. =
سادسها:
قولها: (فقال أُسيد بن حُضير). هو -بضم الهمزة والحاء المهملة وبالضاد المعجمة المفتوحة وآخره راء مهملة- ابن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئِ القيسِ، كذا ذكره ابن عبد البر
(1)
، وصوابه حذف رافع بينهما، وكان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وهو صاحبُ الظِّلةِ التي رآها وهو يقرأ سورةَ الكهفِ، وفسَّرها صلى الله عليه وسلم بالملائكةِ دنت لصوتِه، ولو قرأ حَتَّى أصبحَ لرآهم الناسُ، وهو صاحبُ العصا التي أوقدت مع عباد بن بشر، مات بالمدينةِ سنة عشرين
(2)
.
سابعها:
قولها: (فبعثنا البعيرَ الذي كنتُ عليه، فأصبنا العِقدَ تحته). وفي الروايةِ التي تأتي في الباب بعده: فبعث رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلًا فوجدها.
وفي روايةٍ أخرى: بعث أسيد بن حُضير وأناسًا معه في طلبها
(3)
. زعم الداودي أنَّ هذا مما لا يُشك في تضاده.
= قيل: هذا لا يصح لوجوه: أحدها: أن سبب نزول آية النساء قد صح أنه كان ما ينشأ من شرب الخمر من المفاسد في الصلاة وغيرها، وهذا غير السبب الذي اتفقت الروايات عليه في قصة عائشة نزل بسببها آيةٌ غير آية النساء، وليس سوى آية المائدة.
والثاني: أنَّ آية النِّساء لم تحرم الخمر مطلقًا، بل عند حضور الصَّلاةِ، وهذا كان قبل أحُدٍ وقصة عائشة كانت بعد غزوة أحد بغيرِ خلاف، وليسَ في قصتها ما يناسب النَّهي عن قربانِ الصَّلاةِ مع السكر حتى تُصدَّر به الآية. "فتح الباري" لابن رجب 2/ 198 - 200.
(1)
"الاستيعاب" 1/ 185 (54).
(2)
انظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 1/ 258 (116)، و"الاستيعاب" 1/ 185 (54)، و"أسد الغابة" 1/ 111 (170)، و"الإصابة" 1/ 49 (185).
(3)
رواها أبو داود (317).
قَالَ: ولا أرى الوهمَ إلا في رواية ابن نمير. يعني الثانيةَ. قَالَ: وحملَ إسماعيلُ بن إسحاقَ على رواية ابن نمير، وجعله مناقضًا لحديثِ مالكٍ.
ورد ذَلِكَ ابن أبي صفرةَ بأنه يحتمل أن يكونَ المبعوث أُسيدًا فوجدها بعد رجوعه من طلبها، ويحتمل أن يكون الشارع وجدها عند إثارة البعير بعد انصرافِ المبعوثين إليها، فلا تعارضَ إذن.
وهذا كله إنما يأتي إذا قلنا باتحاد الواقعة، فإن قلنا بتعددها كما سلف فلا. ويحتمل أنْ يعني بالرجل الأمير عَلَى جماعةٍ، وعينه بعضهم بأُسيدٍ وأصحابِه، واقتصر عليه بعضهم.
ثامنها: في فوائده:
الأولى: ابتداء مشروعية التيمم، وذكر البرقي في "معرفة الصحابة" أن الأسلعَ قَالَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم يومًا: إني جُنبٌ وليس عندي ماءٌ. فأنزل اللهُ آيةَ التيمم
(1)
، وحكاه الجاحظ في "برهانِه" قولًا، وهو غريب.
وفي "المصنف" عن عباد بن العوَّامِ، عن برد، عن سليمانَ بن موسى، عن أبي هريرةَ: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع، فأتيتُ النَّبيَ صلى الله عليه وسلم، فضرب بيده ضربةً إلى الأرض فمسح وجهَهُ وكفيه
(2)
، وهو مشكل إذ التيمم كان قبل إسلامِه.
ثانيها: حرمة الأموالِ الحلال، ولا تضيع وإن قلَّتْ.
ثالثها: جواز حفظ الأموال، وإن أدى إلى عدمِ الماء (في الوقت،
(1)
رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 356 (1092 - 1094) ترجمة (246).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 147 (1689) كتاب: الطهارات، باب: في التيمم كيف هو؟
قاله ابن مسلمة المالكي في "مبسوطه" وعلى هذا يجوز للإنسان سلوك طريق يتيقن فيه عدم الماء)
(1)
طلبًا للمال.
رابعها: شكوى المرأة إلى والدها، وإن كان لها زوجٌ.
خامسها: خروج النساء مع الرِّجالِ في الأسفارِ والغزواتِ، وذلك مباح إذا كان العسكرُ (كثيرًا)
(2)
يؤمن عليه الغلبة.
سادسها: الإقامة (على)
(3)
موضعٍ لا ماءَ فيه للمصلحةِ، إذ في الحديث: وليسوا عَلَى ماءِ.
سابعها: جواز القلادة للنساءِ.
ثامنها: جواز السَّفرِ بها بإذن الغير.
تاسعها: جواز وضعِ الرجل رأسَه عَلَى فخذِ زوجتِه.
عاشرها: جواز دخول والد الزوجة إلى بيتها وإن كان زوجها نائمًا بغيرِ إذنه والإنصاف منها بغيرِ إذنه.
الحادية عشرة: تأديبُ الرجلِ ولدَه بالقولِ والفعلِ والضربِ، وإنْ كان كبيرًا خارجًا عن بيته متزوجًا.
الثانية عشرة: احتمالُ المشقةِ لأجل المصلحة؛ لقولها: ولا يمنعني من التحركِ إلا مكان رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى فخذي.
الثالثة عشرة: معاتبة من نسب إلى ذنبٍ أو جريمةٍ كما عاتب الصديق ابنتَهُ عَلَى حبسِ الجيش بسببها.
الرابعة عشرة: نسبةُ الفعلِ إلى من هو سببه وإن لم يفعله؛ لقولهم: ألا ترى ما صنعتْ عائشةُ. إلى آخره، فنُسبَ الفعلُ إليها إذ كانت سببه.
(1)
ما بين القوسين ليست في (ج).
(2)
في (ج): قليلًا.
(3)
في (ج): في.
الحديث الثاني:
حديث يزيد الفقير عن جابر مرفوعًا: "أُعْطِيتُ خَمْسًا .. " الحديث.
والكلامُ عليه من وجوهٍ:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه أيضًا في الصلاةِ
(1)
، وبعضه في فرضِ الخُمسِ
(2)
، وأخرجه مسلمٌ في الصلاةِ، والنسائي في الطهارةِ
(3)
.
ويزيد هذا ليس فقيرًا، وإنما لُقِّب بذلك؛ لأنه كان مكسورَ فقار ظهره. قَالَ في "المحكمِ": رجل فقير وفقِّير: مكسور فقار الظهر
(4)
.
ثانيها:
عدَّ كون الأرضِ مسجدًا وطهورًا خصلةً واحدة، وإلا كانت ستًّا.
وفي مسلمِ من حديث أبي هريرةَ: "فُضِّلتُ عَلَى الأنبياء بستٍّ، وأعطيتُ جوامعَ الكَلمِ، وخُتم بي النبيون"
(5)
وعنده أيضًا من حديث حذيفة: "فُضِّلنا عَلَى الناس بثلاثٍ: جُعلتْ صفوفُنا كصفوفِ الملائكةِ، وجعلت لنا الأرضُ كلها مسجدًا، وتربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماءَ"
(6)
وللدارقطني: "وترابها" بدل "وتربتها"
(7)
ولا تعارض بينها، والأعداد لا تدل عَلَى الحصر، ويجوز أن يكون أعلمه اللهُ تعالى أولًا
(1)
سيأتي برقم (438) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "جعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا".
(2)
سيأتي برقم (3122) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحلت لكم الغنائم".
(3)
"صحيح مسلم"(521) كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، "سنن النسائي" 1/ 209.
(4)
"المحكم" 6/ 231 مادة: فقر، وفيه: رجل مَفْقور، وفَقِير.
(5)
"صحيح مسلم"(523) كتاب: المساجد ومواضع الصلاة.
(6)
"صحيح مسلم"(522) كتاب: المساجد ومواضع الصلاة.
(7)
"سنن الدارقطني" 1/ 175.
بالقليلِ ثم بالكثيرِ
(1)
.
ثالثها:
قولها: "لم يُعطهُنَّ أحدٌ قبلي" أي: لم تجمع لأحدٍ قبله.
رابعها:
النصر: العون. والرعب: الخوف والوجل. والشفاعة: الطلب أو الدعاء. والمسجد: بفتح الجيم وكسرها، والمراد به هنا: موضع السجود.
وقوله: "فأيُّما رجل" ما زائدة؛ لتوكيد الشرط، والفاء في "فليصل" جواب الشرط، والطهور هو المطهر. وفيه: إظهار كرامة الآدمي؛ لأنه خُلق من ماءٍ وترابٍ، فجعلهما اللهُ طهورين لهذا
(2)
.
(1)
وقد جمع ابن حجر في "الفتح" الروايات والأحاديث التي فيها الخصال التي اختص بها النبي فبلغ بها سبع عشرة خصلة، ثم قال: ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع، ثم قال: وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب "شرف المصطفى" أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة. "فتح الباري" 1/ 439.
(2)
قال ابن القيم رحمه الله:
ومما يظن أنه على خلاف القياس باب التيمم، قالوا: إنه على خلاف القياس من وجهين:
أحدهما: أن التراب ملوث لا يزيل درنًا ولا وسخا ولا يطهر البدن، كما لا يطهر الثوب.
والثاني: أنه شرع في عضوين من أعضاء الوضوء دون بقيتها، وهذا خروج عن القياس الصحيح. ولعمر الله إنه خروج عن القياس الباطل المضاد للدين، وهو على وفق القياس الصحيح، فإن الله سبحانه جعل من الماء كل شيء حي، وخلقنا من التراب، فلنا مادتان: الماء والتراب، فجعل منهما نشأتنا وأقواتنا، وبهما تطهرنا وتعبدنا، فالتراب أصل ما خلق منه الناس والماء حياة كل شيء، وهما =
خامسها:
استدل به من جَوَّز التيمم بجميع أجزاء الأرض، وبه قَالَ أبو حنيفةَ ومالكٌ، حَتَى جوازه بصخرةٍ مغسولة
(1)
، وفيه نظرٌ؛ لأن (من) الدالة عَلَى التبعيض في الآيةِ تقتضي أن يمسحَ بشيءٍ يحصل عَلَى الوجهِ واليدين بعضه.
وقد أنصف الزمخشريُّ وهو من الحنفيةِ، فإنه أبرز ما ذكرناه في صورةِ سؤالٍ يدل عَلَى المنعِ بالحجرِ ونحوه، وأجابَ بقوله: قلت: هو كما نقول الحقُ أحق من المراءِ
(2)
. وأبعد ابن كيسانَ، وابن عليَّةَ فقالا بجوازه بالمسكِ والزعفرانِ، نقله عنهما النَّقاشُ في "تفسيره"
(3)
.
= الأصل في الطبائع التي ركب الله عليهما هذا العالم، وجعل قوامه بهما.
ثم قال: وأما كونه في عضوين ففي غاية الموافقة للقياس والحكمة، فإن وضع التراب على الرؤوس مكروه في العادات، وإنما يفعل عند المصائب والنوائب. والرجلان محل ملابسة التراب في أغلب الأحوال، وفي تتريب الوجه من الخضوع والتعظيم لله والذل له والانكسار لله ما هو من أحب العبادات إليه وأنفعها للعبد
ثم قال: وأما جمعها بين الماء والتراب في التطهير فلله ما أحسنه من جمع! وألطفه وألصقه بالعقول السليمة والفطر المستقيمة! وقد عقد الله سبحانه الإخاء بين الماء والتراب قدرًا وشرعًا: فجمعهما الله عز وجل وخلق آدم وذريته، فكانا أبوين اثنين لأبوينا وأولادهما، وجعل منهما حياة كل حيوان، وأخرج منهما أقوات الدواب والناس والأنعام، وكانا أعم الأشياء وجودًا، وأسهلها تناولًا، وكان تعفير الوجه في التراب قدرًا من أحب الأشياء إليه، ولما كان عقدُ هذِه الأخوة بينهما قدرًا أحكم عقدٍ وأقواه كان عقد الأخوة بينهما شرعًا أحسن عقدٍ وأصحه، فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، وله الكبرياء في السموات والأرض، وهو العزيز الحكيم. "إعلام الموقعين" 2/ 17 - 18، 174 - 175.
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 27، "الذخيرة" 1/ 346 - 347.
(2)
"الكشاف" 1/ 449.
(3)
وانظر: "مجموع الفتاوى" 21/ 364 - 366.
سادسها:
قوله: "فأيما رجلٌ من أمتي أدركته الصلاةُ فليصل " هذا عام إلا ما خرج بدليلٍ، كالمكان المغصوب ونحوه، وتُكره الصلاة في مواطن كالحمَّام، وغيره مما هو مبسوطٌ في الفروع. ولم يأت في أثرٍ، كما قَالَ ابن بطَّالٍ، عن المهلب: أنَّ الأرضَ منعت من غيرِه صلى الله عليه وسلم مسجدًا، وقد كان عيسى عليه السلام يسيح في الأرضِ ويصلي حيث أدركته الصلاةُ فالمجموع ثبت، وغيره لم تجعل له طهورًا
(1)
.
سابعها:
قد يُؤخذ من هذا أنه لا يجوز التيمم إلا بعد دخول الوقت كما هو مذهبُ الجمهورِ، وقد يؤخذ منه أيضًا تيممُ الحضريُّ إذا عدِمَ الماء وخافَ فوتَ الصلاةِ
(2)
.
ثامنها:
الغنائم: جمع غنيمة، وكانت قبلنا ممن له الجهاد إذا حصَّلوها جاءت نارٌ فأحرقتها، فأباحها اللهُ لنا
(3)
(1)
"شرح ابن بطال" 1/ 469.
(2)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 220، "الكافي " ص 29، "البيان" 1/ 286، "بدائع الصنائع" 1/ 54، "المغني" 1/ 313، "الإعلام" 2/ 164.
(3)
قال ابن رجب رحمه الله: وأمَّا إحلالُ الغنائمِ له ولأُمَّتِه خاصة: فقد روي أن من كان قبلنا من الأنبياء كانوا يحرقون الغنائم. وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لم تحلَّ الغنائمَ فجاءتْ نارٌ لتأكلَها فلم تَطْعَمْها فقال: إِنَّ فيكم غلولا فَلْيُبَايعْني من كلِّ قبيلة رجلٌ، فلزقتْ يدُ رجل بيده فقال: فيكم الغلول، فجاءوا برأسٍ مثل رأس بقرةٍ من الذهب فوضعوها فجاءت النَّارُ فأَكَلتها، ثم أحلَّ اللهُ لنا الغنائم رأى ضعفنا وعجزنا فأحلَّها لنا".
وفي "الترمذي" عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لم تحلَّ الغنائم لأحدٍ سود الرءوس قبلكم، كانت تنزل نارٌ فتأكلها". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وفي كتاب "السيرة" لسليمان التيمىِّ: إِنَّ من قبلنا من الأمم كانوا إذا أصابوا شيئًا من عدوهم جمعوه فأحرقوه وقتلوا كلَّ نفسٍ من إنسانٍ أو دابَّةٍ.
وفي صحة هذا نظرٌ، والظاهر أن ذوات الأرواح لم تكن محرمة عليهم، إنما كان يحرم عليهم ما تأكله النار.
وقد ذهب طائفةٌ من العلماء -منهم الإمام أحمد- إلى أنَّ الغالَّ من الغنيمة يحرق رحله كله إلا ما له حرمةٌ من حيوانٍ أو مصحف، وورد في ذلك أحاديث تذكر في موضع آخر إن شاء الله سبحانه وتعالى.
وقد قالت طائفة من العلماء: إنَّ المحرم على من كان قبلنا هو المنقولات دون ذوات الأرواح، واستدلُّوا بأن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كانت له هاجر أمة، والإماء إنما يكتسبن من المغانم. ذكر هذا ابن عقيل وغيره.
وفي هذا نظرٌ، فإن هاجر وهبها الجبار لسارة فوهبتها لإبراهيم ويجوز أن يكون في شرع من قبلنا جواز تملك ما يملكه الكفار باختيارهم دون ما يغنم منهم.
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أنَّ الكافر إذا أهدى إلى آحاد المسلمين هديةً فله أن يتملكها منه ويختص بها دون غيره من المسلمين. وقال القاضي إسماعيل المالكىُّ: إنما اختصت هذِه الأمة بإباحة المنقولات من الغنائم، فأما الأرض فأنها فيء وكانت مباحة لمن قبلنا، فإن الله تعالى أورث بني إسرائيل فرعون، وهذا بناء على أن الأرض المأخوذة من الكفار تكون فيئًا سواء أخذت بقتال أو غيره، وهو قولُ أبي حنيفة، ومالك، وأحمد في المشهور عنه.
ومن الناس من يقول: إنما حرم على من كان قبلنا الغنائم المأخوذة بقتال دون الفيء المأخوذ بغير قتال، قالوا: وهاجر كانت فيئًا لا غنيمة، لأن الجبار الكافر وهبها لسارة باختياره. وقد قال طائفةٌ من العلماء: إن ما وهبه الحربي لمسلبم يكون فيئًا، وزعم بعضهم أنَّ المحرم على من كان قبلنا كان خمس الغنيمة خاصَّةً كانت النار تأكله وتقسم أربعة أخماسه بين الغانمين -وهذا بعيدٌ جدًا- واستدلوا بما خرجه البزارُ من رواية سالم أبي حماد، عن السديِّ، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"أعطيت خمسًا لم يعطها أحدٌ قبلي" فذكر الحديث وقال فيه: "وكانت الأنبياء يعزلون الخمس فتجيء النار فتأكله، وأمرت أنا أن أقسمه في فقراء أمتي". "فتح الباري" لابن رجب 2/ 211 - 214.
تاسعها:
الألفُ واللام في الشفاعةِ للعهدِ، وهي العظمى المختصة به، وله صلى الله عليه وسلم سبعُ شفاعاتٍ أخر ذكرتها في "غاية السول في خصائصِ الرسولِ" فراجعها منه
(1)
، وقد أوضحت الكلامَ على هذا الحديث في "شرح
(1)
قال المصنف رحمه الله في "خصائص النبي" ص 181 - 184:
أولاهن: الشفاعة العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يفزعون إليه بعد الأنبياء كما ثبت في الصحيح في حديث الشفاعة.
والثانية: في جماعة يدخلون الجنة بغير حساب.
والثالثة: في ناس استحقوا دخول الجنة.
والرابعة: في ناس دخلوا النار فيخرجون.
والخامسة: في رفع درجات ناس في الجنة.
والأولى: مختصة به وكذا الثانية، قال النووي في "الروضة": ويجوز أن تكون الثالثة والخامسة أيضًا، أي: والرابعة يشاركه فيها غيره من الأنبياء والعلماء والأولياء وقال القاضي عياض: إن شفاعته لإخراج من في قلبه مثقال حبة من إيمان مختصة به إذ لم تأت شفاعة لغيره إلا قبل هذِه.
وأهمل النووي شفاعة سادسة: وهي: تخفيف العذاب على من استحق الخلود فيها كما في حق أبي طالب في إخراجه من غمرات النار إلى ضحضاحها.
وسابعة: وهي شفاعته لمن مات بالمدينة لما روى الترمذي وصححه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإني أشفع لمن مات بها" نبه على هذِه والتي قبلها القاضي عياض في "الأكمال".
وفي "صحيح مسلم" من حديث سعد بن أبي وقاص رفعه: "لا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة" فهذِه شفاعة أخرى خاصة بأهل المدينة وكذلك الشهادة زائدة على شهادته للأمة، وقد قال عيَنِ في شهداء أحد:"أنا شهيد على هؤلاء".
وفي "العروة الوثقى" للقزويني: إن من شفاعته شفاعته لجماعة من صلحاء المؤمنين ليتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات، وأطلق الرافعي أن من خصائصه: شفاعته في أهل الكبائر، وفي ذلك نظرح فإن المختصة به ليست في مطلق أهل الكبائر.
العمدة"
(1)
، ومن ذَلِكَ بعثه إلى الناسِ عامة. وفي هذا دلالةٌ على أن الحجة تلزم بالخبر كما تلزم بالمشاهدة، وذلك أنَّ الآيةَ المعجزة باقيةٌ -وهي القرآن- قائمةً بما فيه؛ لبقاء دعوته، ووجوبِها عَلَى من بلغته إلى آخرِ الزمانِ.
(1)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 153.
2 - باب إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا
336 -
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا، فَوَجَدَهَا فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ الله ذَلِكِ لَكِ وَللْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا. [انظر: 334 - مسلم: 367 - فتح: 1/ 440]
ساق فيه حديثَ عائشةَ أيضًا في قلادتها.
وقد سلفَ فقهه، وسلف الخلاف في صلاةِ فاقدِ الطهورين في بابِ: لا تقبل صلاة بغير طهور، والمذاهب الخمسة فيها.
وقوله: (فصلَّوا). أي: بغير وضوء، كما جاء في روايةٍ أخرى في "الصحيح"
(1)
، وهو إذًا مطابق لما ترجم له.
(1)
ستأتي برقم (3773) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل عائشة رضي الله عنها.
3 - باب التَّيَمُّمِ فِي الحَضَرِ إِذَا لَمْ يَجِدِ المَاءَ، وَخَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَقَالَ الحَسَنُ فِي المَرِيضِ عِنْدَهُ المَاءُ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ: يَتَيَمَّمُ. وَأَقْبَلَ ابن عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَحَضَرَتِ العَصْرُ بِمَرْبَدِ النَّعَمِ فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ المَدِينَةَ وَالشَمْسُ مُرْتَفِعَة فَلَمْ يُعِدْ.
337 -
حَدُّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأعرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرًا -مَوْلَى ابن عَبَّاسٍ- قَالَ: أقبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَسَارٍ -مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الَحارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ أَبُو الجُهَيْمِ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَحْوِ بِئْرٍ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الِجدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عليه السلام[مسلم: 369 - فتح: 1/ 441]
(وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ) هو ابن أبي رباح. وقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفهِ" عن عمرَ، عن ابن جريجٍ عنه قَالَ: إذا كنتَ في الحضرِ وحضرت الصلاةُ وليس عندك ماءٌ فانتظر الماءَ، فإن خشيت فوتَ الصلاةِ تيمم وصلِّ
(1)
.
ثم قَالَ البخاري: وَقَالَ الحَسَنُ فِي المَرِيضِ عِنْدَهُ المَاءُ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ: يَتيمَّمُ. والحسن هذا هو البصري.
ثم قال: وَأَقْبَلَ ابن عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَحَضَرَتِ العَصْرُ بِمَرْبَدِ النَّعَمِ فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ المَدِينَةَ وَالشَمْسُ مُرْتَفِعَة فَلَمْ يُعِدْ.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 148 (1701).
وهذا رواه مالكٌ، عن نافع عنه مطولًا، ورواه الشافعيُّ أيضًا، ثم قَالَ: والجُرُف: قريب من المدينة
(1)
. وروي أيضًا مرفوعًا، والمحفوظ الأول كما نبه عليه البيهقي
(2)
.
والجُرُف: بضم الجيم والراء، وقد علمته. وقال الزبير: إنه عَلَى ميلٍ منها. وقال ابن إسحاق: عَلَى فرسخٍ، وهناك كان المسلمون يعسكرون إذا أرادوا الغزوَ
(3)
.
وقال صاحب "المطالع": هو عَلَى ثلاثة أميال إلى جهةِ الشام، به
مالُ عمرَ وأموالُ أهلِ المدينةِ، ويعرف ببئر جشم وبئر جمل
(4)
.
والمِرْبَد: بكسر الميم وفتح الباء من ربد بالمكان: إذا أقام به، بينه وبين المدينةِ ميلان
(5)
، قاله صاحب "المطالع".
وقال غيره: ميل أو ميلان. وقال ابن التين: رويناه بفتح الميم، وهو في اللغةِ بكسرها.
قَالَ ابن سيده: والمِربَد: محبس الإبلِ. وقيل: هي خشبةٌ أو عصى تعترض صدورَ الإبلِ تمنعها عن الخروجِ، ومربد البصرة من ذَلِكَ؛ لأنهم كانوا يحبسون فيه الإبل. والمِرْبَد: فضاءٌ وراء البيوتِ ترتفق به. والمربد: كالحجرة في الدار. ومربد التمر: جرينه الذي يوضع فيه بعد الجذاذ لييبس.
قَالَ سيبويه: هو اسم كالمطبخ، وإنما مثله به؛ لأن المطبخَ ييبس
(6)
.
(1)
"الموطأ" 1/ 62 (153) كتاب: الطهارة، باب: العمل في التيمم، "الأم" 1/ 39.
(2)
"السنن الكبرى" 1/ 213 - 233.
(3)
انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 377.
(4)
انظر: "معجم البلدان" 2/ 128.
(5)
انظر: "معجم البلدان" 5/ 97 - 98.
(6)
"المحكم" 10/ 40 مادة: (ر ب د).
وقال السهيلي: المِرْبَد والجرين والمسطح والبيدر والأندر والجرجان لغات بمعنى واحدٍ.
وهذا الأثر دالٌّ على جوازِ التيمم بقرب الحضرِ عَلَى من خاف الفوت. قَالَ محمدُ بن مسلمةَ: إنما تيمم؛ لأنه خاف الفوت
(1)
. أي: فوت الوقت المستحب، وهو أن تصفرَّ الشمس. وارتفاعها يحتمل أن يكونَ عن الأفقِ مع دخول الصفرة فيها، ويحتمل أن ابن عمرَ رأى أن من رجا إدراك الماءِ في آخرِ الوقت وتيمم في أوله يجزئه ويعيد في الوقت استحبابًا، وهو قولُ ابن القاسمِ
(2)
.
وقال سحنونُ في "شرح الموطأ": كان ابن عمرَ عَلَى وضوءٍ؛ لأنه كان يتوضأ لكل صلاةٍ، فجعل التيمم عند عدم الماء عوضًا من الوضوء.
وقيل: كان يرى أن الوقت إذا دخل حلَّ التيمم، وليس عليه التأخير.
ثم ساق البخاريُّ حديثَ أبي جُهيم: أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُد عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ معلقًا حيث قَالَ: وروى الليث، فذكره
(3)
.
والبخاريُّ وصله فرواه عن يحيى بن بكير عنه. ووصله أيضًا أبو داود والنسائي
(4)
، ووقع في مسلم: عبد الرحمن بن يسار، والصواب: عبد الله كما وقع في البخاري، مولى ميمونةَ.
(1)
انظر: "التمهيد" 19/ 293.
(2)
"المدونة" 1/ 46.
(3)
"صحيح مسلم"(369) كتاب: الحيض، باب: التيمم.
(4)
"سنن أبي داود"(329)، "سنن النسائي" 1/ 165.
ووقع فيه أيضًا: أبو الجهمِ مكبرًا، وإنما هو مصغر كما ساقه البخاريُّ. وقد ذكره مسلمٌ عَلَى الصوابِ في حديثِ المرورِ
(1)
.
وسمَّاه أبو نعيم وابن منده: عبد الله بن جهيم، وجعلاهما واحدًا
(2)
.
ورجَّح ابن الأثير كونهما اثنين
(3)
.
وفي الدارقطني أنه الذي سلَّم. أعني: أبا الجهيم
(4)
وهو يبين المجهولَ في روايةِ البخاري: فلقيه رجل فسلم عليه. ورواه الشافعىُّ عن شيخِه إبراهيم، عن أبي الحويرث، عن الأعرج، عن أبي جُهيم، الحديث
(5)
.
وحسَّنه البغويُ في "شرحِ السُّنَّةِ"
(6)
، وهو منقطع بين الأعرج وأبي جهيم عمير مولى ابن عباس كما ساقه البخاريُّ. ورواه أبو داود والبزَّار من حديث ابن عمرَ مرفوعًا
(7)
، وروي موقوفًا.
ورواه أيضًا جابر بن سَمُرة والبراء، أخرجهما الطبرانيُّ
(8)
، وعبدُ الله
(1)
مسلم (507) كتاب: الصلاة، باب: منع المار بين يدي المصلي.
(2)
"معرفة الصحابة" 5/ 2850 (3144).
(3)
"أسد الغابة" 6/ 60 - 61 ترجمة (5776).
(4)
"سنن الدارقطني" 1/ 176.
(5)
"مسند الشافعي" 1/ 44 (130، 131).
(6)
"شرح السنة" 2/ 114، 115 (310).
(7)
"سنن أبي داود"(331)، والبزار كما في "كشف الأستار"(312).
(8)
رواه الطبراني في "الكبير" 2/ 228 (1945)، وفي "الأوسط" 5/ 310 (5402) عن جابر بن سمرة، وقال: تفرد به الفضل بن أبي حسان، قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 276: ولم أجده من ذكره.
وأما حديث البراء، فرواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 353 (7706). وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 276: وفيه من لم أعرفه.
ابن حنظلةَ أخرجه أحمدُ
(1)
، والمهاجر بن قنفذ أخرجه الحاكم
(2)
، وأبو هريرة أخرجه ابن ماجه
(3)
، وغيرهم، وبعضها يشد بعضًا.
وبئر جمل، بجيم مفتوحةٍ، وللنسائي: الجمل -بالألف واللام
(4)
-
وهو موضعٌ بقربِ المدينةِ فيه مالٌ من أموالها، ذكره أبو عبيد
(5)
.
إذا تقرَّر لك ذَلِكَ فأصلُ المسألةِ التي بوَّب البخاري لها الباب، وهو من كان في الحضرِ وخاف فوتَ الصلاة، وفقدَ الماءَ إذ ذاك، هل له أن يتيمم، وفيه قولان حكاهما ابن بزيزةَ، والذي عليه الجمهور أنه يتيمم (قال مالك: إذا خاف الفوت إن عالج الماء يتيمم ويصلي ولا يعيد، وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومحمد، وعن مالك أنه يصلي بالتيمم)
(6)
ويعيد، وهو قول الليثُ والشافعيُّ
(7)
.
وروي عن ماللكٍ أنه يعالج الماءَ وإن طلعت الشمس
(8)
، وهو قولُ أبي يوسف وزفر قالا: لا يصلِّي أصلًا، والفرض في ذمته إلى أن يقدر عَلَى الماءِ؛ لأنه لا يجوز عندهما التيمم في الحضر، واحتجا بأنَّ الله تعالى جعلَ التيممَ رخصةً للمريض والمسافر، ولم يبحه إلا بشرط المرض والسفر، فلا دخولَ للحاضرِ ولا للصحيح في ذَلِكَ؛ لخروجهما من شرطِه تعالى
(9)
.
(1)
"مسند أحمد" 5/ 225، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 276: فيه رجل لم يسم.
(2)
"المستدرك" 1/ 167 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ.
(3)
"سنن ابن ماجه"(351).
(4)
"سنن النسائي" 1/ 165.
(5)
انظر: "معجم ما استعجم" 4/ 1153، و"معجم البلدان" 1/ 163.
(6)
سقط من (ج).
(7)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 122.
(8)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 221 - 223، "الذخيرة" 1/ 345.
(9)
انظر: "التمهيد" 19/ 293.
واحتج من قَالَ: يتيمم ويصلي ويعيد قَالَ: إنا قد رأينا من يفعل ما أمر به، ولا يسقط عنه بالإعادةِ وهو واقع موقع فساد، مثل من أفسد حجَّه وصومَه الفرضُ عليه، فإنه مأمورٌ بالمضي فيه فرض عليه، ومع هذا فعليه الإعادة، وأيضًا فإنَّ المسافرَ والمريضَ قد أُبيح لهما الفطرُ في رمضان مع القضاءِ، فكذا هذا الحاضر.
واحتج من قَالَ بعدم الإعادة، بأن الفطرَ رخصةٌ لهما ولم يفعلا الصوم، والمتيمم فعلَ الواجبَ وفعل الصلاة، فلو رُخص له في الخروج منها كما رخص للمسافر في الفطرِ لوجب عليه القضاءُ.
وأمَّا من أفسد حجه وصومه فإنما أمر بالمضي فيه عقوبةً لإفساده له، ثم وجبَ عليه قضاؤه ليؤدي الفرضَ كما أمر به، والحاضر عند التَّعذرِ والخوفِ مطيعٌ بالتيمم والصلاة ابتداء ولم يفسدْ شيئًا يجب معه القضاء.
وحجة من لم يعد أثر البخاريِّ عن ابن عمرَ، فإنه تيمم بمربد النعم وهو في طرفِ المدينة؛ لأنه خشي فوتَ الوقتِ الفاضلِ، ولم يجدْ ماءً، ثم صلَّى، فهو حجة (الحاضر)
(1)
عند الخوفِ في الإقدام عَلَى التيمم؛ لأنه إذا فعلَ ذَلِكَ مع سعة الوقت فخوف فوته أولى.
وأما حديث أبي جُهيم فإن فيه التيممَ في الحضر إلا أنه لا دليل فيه لرفع الحدث به؛ لأنه أراد أن يجعله تحية لرد السلام، فإنه كره أن يذكر اللهَ عَلَى غير طهارةٍ، كما رواه حماد بن سلمةَ في "مصنفه" في هذا الحديث، كذا قاله المهلبُ، وهو مع ذَلِكَ دالٌ عَلَى التيمم في الحضرِ عند خوفِ الفوات؛ لأنه كما يتيمم في الحضر لرد السلام -وكان له صلى الله عليه وسلم أن يردَّه قبل تيممه -دلَّ عَلَى التيمم في الحضر عند خوف
(1)
في (ج): للحاضر.
الفوات، بل أولى؛ لأن الطهارةَ فيها شرطٌ بخلاف السلام.
وأيضًا فإن التيممَ إنما ورد في المسافرين والمرضى لإدراكِ الوقت وخوفِ فواته، فإذا كان حاضرًا وخاف فوته جاز.
واحتج الطحاويُّ بهذا الحديث عَلَى جواز التيمم للجنازة عند خوفِ فواتها، وهو قول الكوفيين والليث والأوزاعي
(1)
؛ لأنه صلى الله عليه وسلم تيمم لرد السلام في الحضر لأجل فور الرد، وإن كانت ليست شرطًا، ومنع مالك والشافعي وأحمد ذَلِكَ
(2)
.
قَالَ الداوديُّ: والدليل عَلَى سنيَّة ذَلِكَ قوله لأبي هريرة: "المؤمن لا ينجس"
(3)
قَالَ: ويحتمل أنه فعل ذَلِكَ قبل أن يخبر. قلت: فيه بعدٌ، وسيأتي.
قَالَ ابن القصار: وفي تيممه صلى الله عليه وسلم بالجدار ردٌ عَلَى أبي يوسفَ والشافعي في اشتراطهما التراب في صحةِ التيمم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم تيمم بالجدارِ. قَالَ: ومعلومٌ أنه لم يعلق بيده منه ترابٌ، إذ لا تراب عَلَى الجدارِ.
قلت: ورواية الشافعي السالفة ترده إذ فيها: عن أبي جهيم قَالَ: مررتُ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلَّمت عليه، فلم يرد عليَّ حَتَّى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه، ثم وضع يَدهُ عَلَى الجدارِ فمسح وجهَهُ وذراعيه ثم رد عليَّ
(4)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 86، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 148.
(2)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 223 - 224، "البيان" 1/ 288، "المغني" 1/ 345.
(3)
سبق برقم (285) كتاب: الغسل، باب: عرق الجنب، وأن المسلم لا ينجس.
(4)
"الأم" 1/ 44.
وبهذه الرواية يرد أيضًا عَلَى من استدل من الحنفية بهذا الحديث عَلَى جوازِ التيمم عَلَى الحجر. قَالَ: لأن حيطانَ المدينة مبنية بحجارةٍ سودٍ.
فرع متعلق بالباب:
لو تيقن وجود الماء آخر الوقت فانتظاره أفضل، وإن ظنه فقولان للشافعي أظهرهما: أن تعجيل الصلاة بالتيمم أفضل، وقال أبو حنيفةَ: في الرجاء التأخير أفضل. وعنه أنه حتمٌ
(1)
.
قَالَ ابن حزم: وبه قَالَ الثوريُّ وأحمدُ وعطاءُ. وقال مالك: لا يعجل ولا يؤخر، ولكن في وسط الوقت.
وقال مرةً: إن أيقنَ بوجودِ الماءِ قبل خروج الوقت أخَّره إلى آخره، فإن وجده وإلا تيمم، وإن كان طامعًا بوجودِه قبله أخَّره إلى وسطِ الوقتِ، وإن تيقن عدمه تيمم وصلى
(2)
. وعن الأوزاعي: كل ذَلِكَ سواء.
وفي "المدونة" حكاية قولين فيما إذا وجد الحاضرُ الماءَ في الوقتِ هل يعيد أم لا
(3)
؟ وقيل: إنه يعيد أبدًا.
وفي أبي داودَ من حديث أبي سعيد الخدري في السفرِ لما أعاد أحدُهما عند وجودِ الماءِ قَالَ له صلى الله عليه وسلم: "لك الأجر مرتين" وصححه الحاكم عَلَى شرطهما
(4)
.
(1)
"الهداية" 1/ 28.
(2)
"المحلى" 2/ 120.
(3)
انظر: "المدونة" 1/ 146.
(4)
أبو داود (338)، والحاكم 1/ 187 - 179، ورواه أيضا النسائي 1/ 213، والدارمي 1/ 576 (771)، والدارقطني 1/ 188 - 189، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(366).
فائدة تنعطف عَلَى ما مضى:
قد أسلفنا أنَّ تيممه لردِّ السلام إنما كان عَلَى وجهِ الأكمل. قَالَ ابن الجوزي: كره أنْ يردَّه؛ لأنه اسمٌ من أسماءِ الله تعالى، أو يكون هذا في أوَّلِ الأمر، ثم استقر الأمر عَلَى غير ذلك.
وقد رأى الأوزاعيُّ أنّ الجنبَ إذا خافَ إن اشتغلَ بالغسلِ طلعتْ الشمسُ (تيمم وصلى)
(1)
قبل فوتِ الوقت. قَالَ الخطَّابىُّ: وبه قَالَ مالك في بعض الروايات
(2)
.
وعند الحنفية: إذا خاف فوتَ الصلاةِ عَلَى الجنازةِ والعيدين تيمم.
ومسألة الجنازةِ أسلفناها عنهم.
وعندنا وجهٌ أنه إذا خاف فوتَ الفريضةِ لضيق الوقت صلُّاها بالتيمم ثم قضاها
(3)
.
وفي "شرحِ الآثارِ" للطحاوي: حديث المنع من ردِّ السلامِ منسوخٌ بآيةِ الوضوءِ
(4)
، وقيل: بحديث عائشةَ: كان يذكر اللهَ تعالى عَلَى كلِّ أحيانهِ
(5)
.
وقد جاء ذَلِكَ مصرحًا به (في)
(6)
حديثٍ رواه جابر الجعفي، عن عبد الله [عن]
(7)
أبي بكر بن محمد بن حزم، عن عبدِ اللهِ بن علقمةَ بن
(1)
في (ج): يتيمم ويصلي.
(2)
"معالم السنن" 1/ 90.
(3)
قال النووي: وفي "التهذيب" وجه شاذ أنه يتيمم ويصلي في الوقت، ثم يتوضأ ويعيد، وليس بشيء أ. هـ. "روضة الطالبين" 1/ 93.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 88 - 89.
(5)
رواه مسلم (373) كتاب: الحيض، باب: ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها.
(6)
في (ج): من.
(7)
في الأصل (بن)، والصواب (عن).
الفغواء، عن أبيه قَالَ: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أرادَ الماءَ نكلِّمه فلا يكلِّمنا، ونسلم عليه فلا يسلم علينا، حَتَّى نزلت آيةُ الرخصة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}
(1)
[المائدة: 6].
وزعم الحسنُ أنه ليس منسوخًا، وتمسك بمقتضاه، فأوجب الطهارة للذكرِ ومنعه للمحدثِ، ثم ناقض بإيجابه التَّسمية للطهارتين، فإنه مستلزم لإيقاع الذِّكرِ حالة الحدثِ. وروي عن عمرَ إيجابُ الطهارةِ للذِّكر. وقيل: يتأوَّل الخبر عَلَى الاستحباب؛ لأن ابن عمرَ راويه رأى ذَلِكَ
(2)
، والراوي الصحابي أعلم بالمقصود، وهو حسنٌ إن لم يثبت حديث الجعفي لتضمنه الجمع بين الأدلةِ. قلت: وأنَّى له بالثبوت وحالته ظاهرة؟
تنبيهات:
أحدها: كيف يتيمم بالجدارِ بغير إذن مالكه؟
والجواب: أنه كان مباحًا أو مملوكًا لمن يعرفه ولا يكره ذَلِكَ منه.
ثانيها: كيف يتيمم في الحضر؟
والجواب: أن هذا كان في أول الأمر ثم استقر الأمر عَلَى غيره، وأيضًا فهو تشبيه بالطاهرين وإن لم يصح كما في حق الممسك في رمضان، ذكرهما ابن الجوزي، لكن الطحاوي استدل عَلَى ثبوت الطهارة به وإلا لم يفعله.
(1)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 88، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 286 ترجمة (818)، والطبراني 18/ 6 (3)، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 1/ 276، قال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه: جابر الجعفي وهو ضعيف.
(2)
ذكر المتقي الهندي في "كنز العمال" 2/ 247 (3940) عن ابن عمر قال: إن استطعت ألا تذكر الله إلا وأنت طاهر فافعل. وعزاه لابن جرير في "تهذيب الآثار".
ثالثها فيه دلالة عَلَى جواز التيمم للنوافل كالفرائض، وأبعد من خصه من أصحابنا بالفرض، وهو واه.
رابعها: أطلق اليد في الحديث ولم يقيدها، ومشهور مذهب الشافعي مسحها إلى المرفقين كالوضوء
(1)
، ومحل الخوض فيها الخلافيات، وكذا هل هو بضربة أو (بضربتين)
(2)
؟ وسيأتي أيضًا، ورواية ضربة أصح من ضربتين
(3)
، وأبعد من قَالَ: بثلاث وأربع، ثنتان للوجه ولكل يد واحدة، حكاه ابن بزيزة.
(1)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 112.
(2)
في (ج): ضربتين.
(3)
انظر: "المجموع" 2/ 243.
4 - باب: [الْمُتَيَمِّمُ]
(1)
هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا
338 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الَحكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الَخطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْت فَلَمْ أُصِبِ الَماءَ. فَقَالَ عَمَّارُ بْن يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أنَا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْت ذلك لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا". فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكفَّيْهِ الأرضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. [339، 340، 342، 343، 345، 346، 347 - مسلم 368 - فتح 1/ 343]
ذكر فيه حديث عمار لعمر: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذلك لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا". فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.
هذا الحديث ذكره البخاري في الباب الذي يليه معلقًا ومسندًا من طرق، وأخرجه مسلم أيضًا والأربعة
(2)
، ولا نطول بذكر طرقه فإن محلها الأطراف، وذكر ابن أبي حاتم طرفًا منه
(3)
.
ثُم الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
عمار بن ياسر كنيته أبو اليقظان مذحجي ثم عنسي أحد السابقين
(1)
ليست بالمخطوط: (س، ج).
(2)
"صحيح مسلم"(368) كتاب: الحيض، باب: التيمم، و"سنن أبي داود"(324)، "سنن الترمذي"(144)، "سنن النسائي" 1/ 165، 166 "سنن ابن ماجه"(569).
(3)
"علل الحديث" لابن أبي حاتم 1/ 11 (2).
الأولين، وهو من الأفراد، أحد من عذب هو وأمه في الله
(1)
.
وذكر ابن الجوزي أن الكفار أحرقوه بالنار ليرجع عن دينه، فكان صلى الله عليه وسلم يمر به، فيمر يده عَلَى رأسه ويقول:"يا نار كوني بردًا وسلامًا عَلَى عمار كما كنت بردًا وسلامًا عَلَى إبراهيم"
(2)
.
ثانيها:
فيه نفخ التراب، وهو تخفيف له، ومحله عند الكثرة وضابطه أن يبقى منه قدر الحاجة.
قَالَ ابن بطال: وقد اختلف العلماء في نفض اليدين فيه، فكان الشعبي يقول به، وهو قول الكوفيين، وقال مالك: نفضًا خفيفًا. وقال الشافعي: لا بأس أن ينفضهما إذا بقي في يديه غبار يُمس، وهو قول إسحاق. وقال أحمد: لا يضر فعل أو لم يفعل. وكان ابن عمر لا ينفض يده
(3)
.
ثالثها:
أن المتأول لا إعادة عليه ولا لوم؛ لأن عمارًا تأول أن التيمم لا يكفي لوجهه ويديه في الجنابة كما يجزئه في الوضوء؛ فلم يأمره الشارع بالإعادة؛ لأنه زاد عَلَى الواجب.
رابعها:
ذكر البخاري في أواخر التيمم مسح الكف قبل مسح الوجه، أتى فيه
(1)
سبقت ترجمته في الحديث رقم (28).
(2)
"صفة الصفوة" 1/ 230.
(3)
"شرح ابن بطال" 1/ 477 أما أثر ابن عمر فقد أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 211 - 212 (817)، والدارقطني 1/ 182، وقال العظيم أبادي في "التعليق المغني" 1/ 183: إسناده صحيح موقوف.
بلفظ (ثم)، وبها قَالَ الأوزاعي وأبو حنيفة، وخالف الشافعي
(1)
.
خامسها:
اقتصر هنا عَلَى ذكر الكف، وبه قَالَ أحمد، وهو قول قديم للشافعي قوي في الدليل
(2)
، قَالَ البيهقي: ولعل حديث ابن عمر وذراعيه بعده، وجاء في رواية: إلى المناكب. وفي أخرى: إلى نصف الذراع
(3)
.
قَالَ ابن عبد البر في "تمهيده": كل ما يروى عن عمار في هذا مضطرب مُخْتَلفٌ فيه، وأكثر الآثار المرفوعة عنه ضربة واحدة للوجه واليدين
(4)
.
(1)
انظر: "الحاوي" 1/ 249.
(2)
انظر: "المجموع" 2/ 243، "المغني" 1/ 333.
(3)
"السنن الكبرى" 1/ 211 كتاب: الطهارة، باب: ذكر الروايات في كيفية التيمم عن عمار بن ياسر.
(4)
انظر: "التمهيد" 2/ 358.
5 - باب التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّين
339 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي الَحكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ عَمَّارٌ بهذا. وَضَرَبَ شُعْبَة بِيَدَيْهِ الأرضَ، ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.
وَقَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شعْبَة، عَنِ الَحكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ ذَرٍّ يَقُولُ: عَنِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى قَالَ الَحكَمُ: وَقَدْ سَمِعْتُة مِنِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ. [انظر: 338 - مسلم: 368 - فتح: 1/ 444]
340 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الَحكَمِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ، وَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا. وَقَالَ: تَفَلَ فِيهِمَا. [انظر: 338 - مسلم: 368 - فتح: 1/ 444]
341 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَة، عَنِ الَحكَمِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ: تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"يَكْفِيكَ الوَجْهَ وَالْكَفينِ". [انظر: 338 - مسلم: 368 - فتح: 1/ 445]
342 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الَحكَمِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ. وَسَاقَ الَحدِيثَ. [انظر: 338 - مسلم: 368 - فتح: 1/ 446]
343 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الَحكَمِ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الأرْضَ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. [انظر: 338 - مسلم: 368 - فتح: 1/ 446]
ذكر فيه حديث عمار من طرق:
في بعضها: وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. وفي بعضها: وَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: كُنَّا فِي سَرِيَّةِ فَأَجْنَبْنَا. وَقَالَ: تَفَلَ فِيهِمَا.
وفي بعضها: "يَكْفِيكَ الوَجْهُ وَالْكَفَّانِ".
وكلها دالة عَلَى الاقتصار عَلَى الكوعين؛ إذ هو حقيقة الكف، وهو قول علي، وسعيد بن المسيب، والأعمش، وعطاء، والأوزاعي، وأحمد، وإسحق
(1)
.
وروى ابن القاسم عن مالك أنه إن تيمم إلى الكوعين أعاد في الوقت، وهذا يدل عَلَى أن التيمم عنده إلى المرفقين مستحب.
وممن ذهب إلى التيمم إلى المرفقين ابن عمر، وجابر، والنخعي، وا لحسن، ومالك، وأبو حنيفة، والثوري، والليث، والشافعي
(2)
.
وأبعد الزهري فقال: إلى الآباط
(3)
. والسنة الصريحة عاضدة للأول.
ورواية: المرفقين في تصحيحها نظر، وإن صححها الحاكم
(4)
.
ورواية: إلى المناكب نحوها، ثم إنه من فعلهم وليس من أمره صلى الله عليه وسلم.
ومعنى (تفل فيهما): نفخ.
(1)
قول علي وعطاء رواهما عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 211، 213 (824، 816). وانظر: "الأوسط" لابن المنذر 2/ 50 - 51.
(2)
رواها عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 211 - 212 (817)، (820)، (821)، (822) كتاب: الطهارة، باب: كم التيمم من ضربة، وابن أبي شيبة 1/ 145 - 147 (1673)، (1675)، (1680)، (1683)، (1688) كتاب: الطهارات، باب: في التيمم كيف هو، وانظر:"الأوسط" 2/ 48 - 49، "عيون المجالس" 1/ 213، "بدائع الصنائع" 1/ 46، "روضة الطالبين" 1/ 112، "فتح الباري" لابن رجب 2/ 253.
(3)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 47.
(4)
"المستدرك" 1/ 180.
6 - باب الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ يَكْفِيهِ مِنَ المَاءِ
وَقَالَ الحَسَنُ: يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَأَمَّ ابن عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ. وَقَالَ يَحْييَ بْنُ سَعِيدِ: لَا بَأسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا. [فتح: 1/ 466]
344 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -وإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى [إِذَا] كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةَ وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الُمسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيقَظَ فلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ -يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ، فَنَسِيَ عَوْفٌ- ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الَخطَّابِ الرَّابعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيقَظَ عُمَرُ، وَرَأى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا، فَكَبر وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكبِيرِ، فَمَا زَالَ يكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اسْتَيقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الذِي أَصَابَهُمْ، قَالَ:"لَا ضَيْرَ -أَوْ لَا يَضِيرُ- ارْتَحِلُوا". فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضوءِ فَتَوَضّأَ، وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ القَوْمِ، قَالَ:"مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ؟ ". قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ. قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ". ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فاشْتَكَى إِلَيهِ النَّاسُ مِنَ العَطَشِ، فَنَزَلَ فَدَعَا فلَانًا -كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ، نَسِيَهُ عَوْفٌ- وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ:"اذْهَبَا فَابْتَغِيَا المَاءَ". فَانْطَلَقَا فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ -أَوْ سَطِيحَتَيْنِ- مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالَا لَهَا: أَيْنَ الَماءُ؟ قَالَتْ: عَهْدِي بِالَمْاءِ أَمْسِ هذِه السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفًا. قَالَا لَهَا: انْطَلِقِي إِذًا. قَالَتْ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَا: إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتِ: الذِي يقَالُ لَهُ: الصَّابِئُ. قَالَا: هُوَ الذِي تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي. فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحَدَّثَاهُ الَحدِيثَ، قَالَ: فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا، وَدَعَا النَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم بإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أفوَاهِ الَمزَادَتَيْنِ -أَوِ [الـ] سَّطِيحَتَيْنِ- وَأَوْكَاَ أفوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ العَزَالِيَ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا. فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطى الذِي أَصَابَتْهُ الجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، قَالَ:"اذْهَبْ فَأَفرِغْهُ عَلَيْكَ". وَهْيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وإنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أنَّهَا أَشَدُّ مِلأةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اجْمَعُوا لَهَا". فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْها، قَالَ لَهَا:"تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، ولكن اللهَ هُوَ الذِي أَسْقَانَا". فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ، قَالُوا: مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ؟ قَالَتِ: العَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلَانِ فَذَهَبَا بِي إلَى هذا الذِي يُقَالُ لَهُ: الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللهِ إِنَّهُ لأسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هذِه وِهذِه -وَقَالَتْ بإصْبَعَيْهَا الوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ، تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأرْضَ -أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ حَقًّا. فَكَانَ الُمسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الُمشْرِكِينَ، وَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: مَا أُرى أَنَّ هؤلاء القَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلَامِ؟ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلَامِ. [قَالَ أبُو عَبْدِ اللهِ: صَبَا: خَرَجَ مِنْ دينٍ إِلَى غَيْرِه. وقال أبُو العَاليَة: الصَّابِئينَ -وفي نُسْخَةٍ: الصَّابِئُونَ- فِرقَةٌ مِن أهلِ الكِتَابِ يَقْرءُوْنَ الزَّبُورَ]. [348، 357 - مسلم: 682 - فتح: 1/ 447]
(وَقَالَ الحَسَنُ: يُجْزِئُهُ التَيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ) قلت: أسنده ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن يونس، عنه: لا ينقض التيمم إلا الحدث
(1)
.
وقال ابن حزم: روينا عن حماد بن سلمة -يعني في "مصنفه"- عن يونس (عن)
(2)
عبيد، عنه: يصلي الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم يحدث.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 147 (1693) كتاب: الطهارات، باب: في التيمم كم يصلي به من صلاة.
(2)
في (ج): بن.
وحكاه أيضًا عن إبراهيم وعطاء
(1)
. وذكره ابن المنذر
(2)
عن ابن المسيب، والزهري، والثوري، وابن عباس، وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، والليث، والحسن بن حي، وداود، وابن حزم
(3)
، والمزني، وهو قول أبي حنيفة والكوفيين
(4)
.
وقال مالك: لا يصلي صلاتا فرض بتيمم واحد، فإن تيمم وتطوع فلابد له من تيمم آخر للفريضة، فلو تيمم ثم صلى الفريضة جاز له أن يتنفل بعدها بذَلِكَ التيمم
(5)
.
وقال الشافعي: يتيممُ لكل صلاة فرض، وله أن يتنفلَ قبلها وبعدها بذلك التيمم
(6)
.
وقال شريك: يتيمم لكل صلاة. وروي مثله عن إبراهيم النخعي، وقتادة، وربيعة، ويحيى بن سعيد الأنصاري
(7)
، وهو قول الليث، وأحمد، وإسحاق
(8)
.
وقال أبو ثور: يتيمم لكل وقت صلاة فرض، إلا أنه يصلي الفوائت من الفروض كلها بتيمم واحد
(9)
.
وذكره البيهقي من طريق ابن عباس، وابن عمر من طريق ضعيف،
(1)
"المحلى" 2/ 128.
(2)
انظر: "الأوسط" 2/ 58.
(3)
"المحلى"2/ 128.
(4)
انظر: "الهداية" 1/ 28.
(5)
انظر: "المدونة" 1/ 52.
(6)
انظر: "الحاوي" 1/ 257 - 260.
(7)
روى عبد الرزاق عن إبراهيم وقتادة 1/ 215 (832 - 833) كتاب: الطهارة، باب: كم يصلي بتيمم واحد، وروى ابن أبي شيبة عن قتادة 1/ 147 (1695)، (1697) كتاب: الطهارات، باب: في التيمم كم يصلي به من صلاة. وانظر: "الأوسط" 2/ 56 - 57.
(8)
انظر: "المغني" 1/ 341.
(9)
"الأوسط" 2/ 58، "البيان" 1/ 314.
ومن طريق قتادة عن عمرو بن العاصي، والحارث عن علي
(1)
.
قَالَ ابن حزم: الرواية عن ابن عباس ساقطة وبيَّنها. قَالَ: وقد روي نحو قولنا عن ابن عباس أيضًا. قَالَ: والرواية عن علي. وابن عمر لا تصح. قَالَ: وحديث عمرو رواه عنه قتادة، وقتادة لم يولد إلا بعد موته
(2)
.
قلت: وحاصل الأقوال ثلاثة:
أحدها: أنه يصلي به ما لم يحدث.
ثانيها: أنه يصلي به فرضًا واحدًا.
ثالثها: كذلك إلا الفوائت. وقد أسلفناه عن أبي ثور، وحكي أيضًا عن مالك. احتج الأول بالقياس عَلَى الوضوء.
والثاني بأنه طهارة ضرورة، بدليل نقضه برؤية الماء، وأيضًا لا يصح قبل وقته بخلافه. فإذا لم يجز التيمم للعصر قبل وقته وجب أن لا يجزئ لما بعده إذ العلة واحدة. لكن جماعات خالفوا في هذا وقالوا: إنه يصح التيمم للفرض قبل وقته، منهم: الليث، وابن شعبان المالكي، وأهل الظاهر، والمزني
(3)
.
قَالَ ابن رشد في "قواعده": واشتراط دخول الوقت ضعيف، فإن التأقيت في العبادة لا يكون إلا بدليل سمعي، ويلزم من ذَلِكَ أنه لا يجوز إلا آخر الوقت
(4)
.
(1)
"السنن الكبرى" 1/ 221 - 222 كتاب: الطهارة، باب: التيمم لكل فريضة.
(2)
"المحلى" 2/ 131 - 132.
(3)
"المنتقى" 1/ 111، "البيان" 1/ 314، "المحلى" 1/ 133.
(4)
"بداية المجتهد" 1/ 134 - 135.
وأما حديث أبي ذر مرفوعًا: "الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين" رواه الترمذي، وابن حبان، والحاكم وصححوه
(1)
. وخالف ابن القطان فأعله
(2)
، وصحح حديث أبي هريرة عند البزار مثله
(3)
، فهو ظاهر للقول الأول، لكن للقائل الثاني أن يقول: إنما سماه وضوءًا؛ لقيامه مقامه، ولا يلزم من ذَلِكَ أن يقوم مقامه من كل وجه.
وأما حديث عمران الآتي: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك" فيحتمل أن يكون المراد -والله أعلم- أنه كافيك ما لم تحدث إذا لم تجد ما يكفيك للوضوء. وإنما قالوا: إنه يتيمم لكل صلاة خوف أن يضيع طلب الماء، ويتكل عَلَى التيمم، ويأنسوا إلى الأخف.
ويحتمل أنه كان كان فيك لتلك الصلاة وحدها؛ لأنها هي التي استباح فيها خوف فوات وقتها. والأول هو ظاهر تبويب البخاري له.
قَالَ ابن حزم: قول مالك لا متعلق له بحجة، ولا يخلو التيمم إما أن يكون طهارة أم لا. فإن كان طهارة فيصلي به ما لم يوجب نقضها قرآن أو سنة، وإلا فلا يجوز له أن يصلي بغير طهارة. وقال بعضهم: ليس طهارة تامة، ولكنه استباحة للصلاة. قَالَ: وهو باطل من وجوه:
أحدها: أنه قول بلا برهان.
(1)
"سنن الترمذي"(124) كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء، قال: هذا حديث حسن صحيح، و"صحيح ابن حبان" 4/ 135 - 136 (1311)، 4/ 140 (1313) كتاب: الطهارة، باب: التيمم، و"المستدرك" 1/ 176 - 177، قال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. قال الألباني في "صحيح الترمذي": صحيح.
(2)
انظر: "بيان الوهم والإيهام" 3/ 327 - 328 (1073).
(3)
انظر: "كشف الأستار" 1/ 157 (310) كتاب: الطهارة، باب: التيمم.
ثانيها: أن الله سماه طهارة بقوله: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6].
ثالثها: أنه تناقض منهم؛ لأنهم قالوا: ليس طهارة تامة، ولكنه استباحة: للصلاة. وهذا كلام ينقض أوله آخره؛ لأن الاستباحة لا تكون إلا بطهارة، فهو إذا طهارة لا طهارة.
رابعها: هب أنهم قالوا استباحة، فمن أين لهم أن لا يستبيحوا به فريضة أخرى كالأولى. وفي "الموطأ": ليس المتوضئ بأطهر من المتيمم
(1)
. ومن تيمم فقد فعل ما أمر الله تعالى.
وقالوا في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ][المائدة: 6] الآية. أوجب الوضوء عَلَى كل قائم إلى الصلاة. فلما صلى صلى الله عليه وسلم الصلوات بوضوء واحد خرج الوضوء بذلك عن حكم الآية بقي التيمم على وجوبه عَلَى كل قائم إلى الصلاة، وليس كما قالوا لاسيما من أباح القيام للنافلة بعد الفريضة بغير تيمم، وهم الشافعية والمالكية، ولا متعلق لهما بشيء من ذَلِكَ، فإن الآية لا توجب شيئًا من ذَلِكَ، ولو أوجبت ذَلِكَ لأوجبت غسل الجنابة عَلَى كل قائم إلى الصلاة أبدًا. وإنما حكم الآية في إيجاب الله تعالى الوضوء والتيمم والغسل عَلَى المحدثين والمجنبين فقط
(2)
.
ثم قَالَ البخاري رحمه الله: وَأَمَّ ابن عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ.
وهذا من البخاري بيان أنه كالوضوء، فكما أن المتوضئ يؤم كذلك المتيمم، وهو داخل في قوله: الصعيد الطيب.
وهذِه المسألة خلافية، وهو إمامة المتيمم للمتوضئين، أجازه مالك، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وزفر، والثوري، والشافعي،
(1)
"الموطأ" 1/ 61 (151) كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في التيمم.
(2)
"المحلى" 2/ 129 - 132.
وأحمد، وإسحاق، وأهل الظاهر، وأبو ثور
(1)
.
قال ابن حزم: وروي ذَلِكَ عن ابن عباس، وعمار، وجماعة من الصحابة
(2)
. وهو قول سعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، والزهري، وحماد.
ومنعه الأوزاعي ومحمد بن الحسن. وحكي عن علي والنخعي والحسن بن حي أيضًا
(3)
. وكرهه مالك
(4)
وعبد الله بن الحسن مع الإجزاء.
وقال ربيعة: لا يؤم المتيمم من جنابة إلا من هو مثله. وبه قَالَ يحيى بن سعيد الأنصاري
(5)
. ونقل ابن حزم عن الأوزاعي أنه لا يؤمهم إلا إن كان أميرًا
(6)
، وهو مخالف لما نقله ابن بطال
(7)
، وابن التين عنه من المنع، وقد سلف.
واحتج الأولون بأنه مطيع لله تعالى، وليس الذي وجد الماء بأطهر منه ولا أتم صلاة؛ لأنهما أُمِرا جميعًا، فكلٌ عمل بالمأمور. احتج مقابله بأن شأن الإمامة الكمال، ومعلوم أن الطهارة بالصعيد ضرورة، فأشبهت صلاة القاعد المريض يؤم قيامًا والأُمِّي يؤم من يحسن القراءة.
(1)
ذكر أغلب هذِه الآثار ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 67، وذكر البيهقي في "السنن" 1/ 234 عن ابن المسيب والحسن وعطاء والزهري 1/ 234. وانظر:"عيون المجالس" 1/ 219 - 220، "بدائع الصنائع" 1/ 56، "البيان" 2/ 403، "المحلى" 2/ 143، "فتح الباري" لابن رجب 2/ 264 - 267.
(2)
"المحلى" 2/ 143.
(3)
ذكرها ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 68 - 69.
(4)
انظر: "المدونة" 1/ 52.
(5)
انظر: "الأوسط" 2/ 68، "عيون المجالس" 1/ 220، "المحلى" 2/ 143.
(6)
"المحلى" 2/ 143.
(7)
"شرح ابن بطال" 1/ 484 - 485.
وللأول أن ينازعه في صلاة المريض ويقول: لا نقص فيها، فإنه أمر كذلك. قَالَ أبو طالب: سألت أبا عبد الله عن الجنب يؤم المتوضئين؟ قَالَ: نعم، قد أمَّ ابن عباس أصحابه وفيهم عمار بن ياسر وهو جنب فتيمم
(1)
. وعمرو بن العاص صلى بأصحابه وهو جنب، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فتبسم
(2)
.
قلت: حسان بن عطية سمع من عمرو بن العاص. قَالَ: ولكن يقوى بحديث ابن عباس
(3)
.
قلت: وأما حديث جابر المرفوع: "لا يؤم المتيمم المتوضئين"
وحديث علي الموقوف: لا يؤم المتيمم المتوضئين ولا المقيد المطلقين. فضعيفان، ضعفهما الدارقطني وابن حزم وغيرهما
(4)
.
(1)
رواه البيهقي في "السنن" 1/ 234 من طريق يحيى بن يحيى، عن جرير، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، قال: كان ابن عباس في سفر ..
(2)
رواه أبو داود (334، 335)، وأحمد 4/ 203 - 204، والحاكم 1/ 177، والحديث علقه البخاري في "صحيحه" بعد رقم (344) كتاب: التيمم، باب: إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت. وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 454: وإسناده قوي، وقال النووي في "الخلاصة" كما في "نصب الراية" 1/ 107: إن الحديث حسن أو صحيح. والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" 2/ 154 - 158.
(3)
رواه أبو داود (337)، وابن ماجه 1/ 189 (572)، وأحمد 1/ 380، والحديث حسنه الألباني. انظر:"صحيح أبي داود" 2/ 161 - 165.
(4)
روى الدارقطني في "السنن" 1/ 185 حديث جابر من طريق إسماعيل الكوفي، عن صالح بن بيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر. وأخرجه البيهقي في "السنن" 1/ 234، وابن الجوزي في "العلل" 1/ 379 - 380 (636) كلاهما من طريق الدارقطني. وقال ابن الجوزي؛ صالح بن بيان متروك. أما حديث علي فرواه الدارقطني في "السنن" 1/ 185 ومسدد في "مسنده" كما في "المطالب العالية" 1/ 121. ومن طريق البيهقي في "السنن" 1/ 234.
وأغرب ابن شاهين فذكر حديث عمر مرفوعًا: "لا يؤم المتيمم المتوضئين" في "ناسخه ومنسوخه"، ثم ذكر بعده حديث عمرو بن العاص. ثم قَالَ: يحتمل أن يكون هذا الحديث ناسخًا للأول. قَالَ: وهذا الحديث أجود إسنادًا من حديث الزهري
(1)
.
وإن صح فيحتمل أن يكون النهي في ذَلِكَ لضرورة وقعت في وجود الماء. فإن قيل: يكون هذا رخصة لعمرو إذ لم ينهه ولم يأمره بالإعادة.
قيل له: لو كان رخصة له دون غيره لم يقل له: "أحسنت" وضحك في وجهه، ولقال له كما قَالَ لأبي بردة بن دينار.
ثم قَالَ البخاري رحمه الله: وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا.
والتيمم بها هو مذهب جميع العلماء خلافًا لإسحاق بن راهويه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"
(2)
يدخل فيه السبخة وغيرها، كيف والمدينة سبخة؟! والسبخة واحد السباخ، وهو بفتح السين والباء، قاله ابن التين. وقال ابن سيده: هي أرض ذات ملح ونز
(3)
.
وقال صاحب "المطالع": هي الأرض المالحة، وجمعها سباخ، فإذا وصفت بها الأرض قلت: سبخة بالكسر.
وقال ابن الأثير: هي الأرض التي تعلوها الملوحة، ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر
(4)
.
(1)
"ناسخ الحديث ومنسوخه" ص 134 - 137.
(2)
سلف هذا الحديث برقم (335) كتاب: التيمم.
(3)
"المحكم" 5/ 56 مادة: سبخ.
(4)
"النهاية في غريب الحديث" 2/ 333.
ثم ساق البخاري حديث عمران بن الحصين بطوله.
وأخرجه أيضًا في أول علامات النبوة
(1)
، ومختصرًا في آخر التيمم
(2)
. وأخرجه مسلم في الطهارة
(3)
.
وهذِه القصة رواها جماعة من الصحابة غير عمران منهم أبو قتادة، وسيأتي في الصلاة
(4)
، وأبو هريرة (م. د. ت. س)
(5)
، وعمرو بن أمية الضمري
(6)
، وذو مخبر (د) الحبشي
(7)
، وعبد الله (د) بن مسعود
(8)
، وعقبة بن عامر
(9)
، وسيأتي في الأذان
(10)
، وابن عباس (س)
(11)
، وجبير (س) بن مطعم
(12)
، ومالك (س) بن ربيعة
(13)
، وأبو جحيفة (ت)
(14)
، وأنس
(15)
.
(1)
برقم (3571) كتاب: المناقب.
(2)
برقم (348) باب: التيمم ضربة.
(3)
لم أقف عليه في الطهارة، وقد رواه في كتاب المساجد برقم (682) باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها. انظر: "تحفة الأشراف"(10875).
(4)
برقم (595) باب: الأذان بعد ذهاب الوقت.
(5)
رواه مسلم (680) كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.
(6)
رواه أبو داود (444).
(7)
أبو داود (445).
(8)
النسائي في "السنن الكبرى" 5/ 286 (8853)، وأحمد 1/ 387، 1/ 391، 1/ 450، وأبو يعلى في "مسنده" 9/ 187، 188 (5285)، وابن حبان في "صحيحه" 4/ 449، 450 (1580).
(9)
رواه البيهقي بمعناه مطولًا في "دلائل النبوة" 5/ 241 - 242.
(10)
لم أقف عليه فيه.
(11)
رواه النسائي 1/ 298، 299، وأحمد 1/ 259.
(12)
رواه النسائي 1/ 298.
(13)
رواه النسائي 1/ 297. وفي "الكبرى" برقم (1587) 1/ 494، 495.
(14)
رواه أبو يعلى 2/ 192 (895)، والطبراني 22/ 107 (268).
(15)
رواه البزار كما في "كشف الأستار" 1/ 200 (396).
قال ابن العربي: ثبت في "الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم النوم عن الصلاة ثلاث مرات:
إحداها: رواية أبي قتادة، ولم يحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر.
ثانيها: رواية عمران بن الحصين، حضراها.
ثالثها: رواية أبي هريرة، حضرها أبو بكر وبلال
(1)
، وسيأتي ما فيه.
ووقع في أبي داود في حديث أبي قتادة. بحث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء فذكره
(2)
. وَهَو وهم؛ لأن جيش الأمراء كان في مؤتة
(3)
: وهي سرية لم يشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا تقرر ذَلِكَ، فالكلام عَلَى حديث -عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي، الكعبي، القاضي، المجاب الدعوة، تسلم عليه الملائكة، أبي نجيد، أسلم عام خيبر
(4)
- من وجوه:
أحدها:
قوله: (كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم). هذا السفر اختلف في تعيينه. ففي مسلم من طريق أبي هريرة حين قفل من غزوة خيبر -بالخاء المعجمة-
(5)
.
ورواه الأصيلي حنين، بالحاء المهملة.
(1)
"عارضة الأحوذي" 1/ 290.
(2)
أبو داود (438).
(3)
ورد في هامش (س): مؤته في السنة الثامنة.
(4)
انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 253، 254 (768)، "معرفة الصحابة" 4/ 2108: 2111 (2204)، "الاستيعاب" 3/ 284، 285 (1992)، "أسد الغابة" 4/ 281، 282 (4042).
(5)
مسلم (680) باب: قضاء الصلاة الفائتة.
قَالَ: والأول غلط، وذكر أنه وقع لما قفل من حنين. وذكر الباجي وابن عبد البر أن قول من قال: خيبر أصح، وأنه قول أهل السير
(1)
.
وفي حديث ابن مسعود أن نومه ذَلِكَ كان في عام الحديبية، وذلك في زمن خيبر. قَالَ الباجي: وعليه يدل حديث أبي قتادة
(2)
.
قَالَ القاضي عياض عن أبي عمران في هذِه الأخبار أن نومه كان مرة واحدة
(3)
.
وقد أسلفنا عن ابن العربي أنه كان ثلاث مرات. ومن تأمل الأحاديث السالفة وجدها أكثر من ذَلِكَ. قَالَ القاضي: حديث أبي قتادة غير حديث أبي هريرة، وكذا حديث عمران
(4)
.
ومن الدليل على أن ذَلِكَ وقع مرتين؛ لأنه قد روى أن ذَلِكَ كان زمن الحديبية
(5)
، وفي رواية: بطريق مكة
(6)
.
والحديبية كانت في السادسة، وإسلام عمران وأبي هريرة الراوي حديث: حين قفل من خيبر، كان في السابعة بعد الحديبية، وهما كانا حاضرين الواقعة.
قلت: وذكر ابن سعد، والطبراني، وغرهما أن إسلام عمران كان بمكة، شرفها الله تعالى
(7)
.
(1)
"التمهيد" 1/ 216، "المنتقى" 1/ 27.
(2)
"المنتقى" 1/ 27.
(3)
"إكمال المعلم" 2/ 665.
(4)
المصدر السابق.
(5)
رواه أبو داود من حديث ابن مسعود (447).
(6)
رواه مالك من حديث زيد بن أسلم في "الموطأ" ص 35.
(7)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 4/ 287 و 7/ 9، "المعجم الكبير" 18/ 103، "أسد الغابة" 4/ 281 - 282 (4042)، "الإصابة" 3/ 26 - 27 (6010).
وقد روى البيهقي في "دلائله" من حديث عقبة بن عامر قَالَ: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في (غزوة)
(1)
تبوك، فاسترقد لما كان فيها عَلَى ليلة، فلم يستيقظ حَتَّى كانت الشمس قدر رمح، فقال:"ألم أقل لك يا بلال .. " الحديث. وفي آخره: فانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذَلِكَ المنزل غير بعيد، ثم صلى، ثم هدر بقية يومه وليلته فأصبح بتبوك
(2)
.
ففي هذِه الرواية أن ذَلِكَ وقع بتبوك قبل أن يصل إليها. وفي رواية أبي هريرة حين قفل.
وقال النووي: هذِه الأحاديث جرت في سفرتين، أو أسفار، لا في سفرة واحدة، وظاهر ألفاظها يقتضي ذلك
(3)
.
ثانيها:
قوله: (وَإِنَّا أَسْرَيْنَا). يقال: سرى وأسرى لغتان: سائر الليل عامته.
وقيل: كله، يذكر ويؤنث. ولم يعرف اللحياني إلا التأنيث، والاسم السرية
(4)
.
ثالثها:
قوله: (وَقَعْنَا وَقْعَةً، وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ المُسَافِرِ مِنْهَا) أي: لأنهم أكدهم السير والسهر والتعب، فاستلذوا النوم لذلك.
رابعها:
الاستيقاظ: الانتباه من النوم.
(1)
في (ج): غزاة.
(2)
"دلائل النبوة" 5/ 241.
(3)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 5/ 193.
(4)
انظر: "الصحاح" 6/ 2376، "لسان العرب" 4/ 2003، مادة:(سرا).
الخامس:
قوله: (وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ) يسميهم أبو رجاء، فنسي عوف -أي: الراوي عنه، ثم عمر الرابع. جاء في رواية سليم بن زرير عن أبي رجاء، قَالَ: أول من استيقظ أبو بكر، ثم عمر
(1)
. وفي رواية سعيد عن أبي هريرة: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظًا
(2)
. وهذا دال عَلَى أن ذَلِكَ وقع أكثر من مرة.
السادس:
قوله: (وكان صلى الله عليه وسلم إِذَا نَامَ لَمْ نوقظه
(3)
؛ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ). يؤخذ منه أن الأمور يحكم لها بالأعم؛ لأنهم لم يوقظوه خشية ما يحدث من وحي كما حكم عَلَى النائم بحكم الحدث، وقد لا يحصل، ومع هذا فات الوقت. والآحاد ينهون عند الخوف. ونومه صلى الله عليه وسلم كنوم البشر في بعض الأوقات كما ستعلمه، إلا أنه لا يجوز عليه الأضغاث؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي.
السابع:
الجليد: القوي، يقال للرجل إذا كان قوي الجسم أو القلب: إنه لجليد وجلد، فعمر أجلد المسلمين وأصلبهم في أمر الله.
الثامن:
فيه الرحلة عن الوادي للصلاة خارجة، لكنه واد خاص فلا يقاس به
(1)
ستأتي برقم (3571) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
(2)
هذِه الرواية في "مسلم" من حديث أبي هريرة (680) باب: قضاء الصلاة الفائتة.
(3)
كذا في رواية المصنف، وفي "اليونينية" (1/ 64): لم يوقظ. وفي هامشها مصححا أنها رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت ونسخة لم يعلم صاحبها.
غيره، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم:"فحيثما أدركتك الصلاة فصل"
(1)
والشارع يطلعه الله عَلَى أمر يغيب عنا.
التاسع:
قوله: (فما زال يكبر حَتَّى استيقظ لصوته
(2)
رسول الله)، فيه التأدب في إيقاظ السيد كما فعل عمر؛ لأنه لم يوقظه بالنداء بل أيقظه بذكر الله، إذ علم عمر أن (أمر)
(3)
الله يحثه عَلَى القيام.
العاشر:
معنى: "لا ضير" أي: ما جرى لا يضر، وشكواهم هو فوتهم الصلاة.
الحادي عشر:
إن قلت: كيف نام صلى الله عليه وسلم في الوادي عن صلاة الصبح حَتَّى طلعت الشمس مع إخباره بنوم عينه دون قلبه؟
(4)
قلت: لا تنافي بينهما؛ لأن الشمس تدرك بحاسة البصر لا بالقلب، وأبعد من قَالَ: إن ذَلِكَ باعتبار الغالب، وقد يندر منه غير ذَلِكَ، وأراد الله تعالى بذلك إبراز حكم وتقرير شرع، وإنما لم ينم قلبه؛ لأجل ما يوحى إليه، فقد كان يُسمع غطيطه ثم يصلي ولا يتوضأ.
فإن قلت: لولا عادته الاستغراق في النوم؛ لما قَالَ لبلال: "اكلأ لنا الصبح" قلت: لعله لأجل التغليس، فإنه كان من شأنه، ومراعاة أول
(1)
سلف هذا الحديث برقم (335) كتاب: التيمم.
(2)
كذا في رواية المصنف وفي "اليونينية"(1/ 64): بصوته. وفي هامشها مصححا أنها رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت ونسخة لم يعلم صاحبها.
(3)
ورد في هامش (س) ما نصه: لعله: ذكر.
(4)
سلف الحديث الدال على ذلك برقم (138) كتاب: الوضوء، باب: التخفيف في الوضوء.
الفجر إنما يدرك بالمراقبة بالجوارح الظاهرة.
الثاني عشر:
ارتحالهم إنما كان؛ لأجل الشيطان أو الغفلة، كما ورد في الحديث، لا لأن القضاء لا يشرع عند الطلوع كما تعلق به بعض الحنفية، ويوهنه أنه لم يوقظهم إلا حر الشمس، وهذا وقت يسوغ فيه القضاء بالإجماع، وصار هذا كنهيه عن الصلاة بأرض بابل
(1)
، والوضوء من بئر ثمود إلا بئر الناقة
(2)
.
وأبعد من ادعى نسخه بقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]، وقوله:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"
(3)
فإن الآية مكية، وهذِه القصة بعد الهجرة، بل روى ابن أبي شيبة، عن عطاء بن أبي رباح أنه صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين في معرسه ثم سار
(4)
، وكذا ذكره ذو مخبر أيضًا في حديثه
(5)
، وكل وقت جاز للنافلة فالفريضة أجوز بالإجماع.
(1)
حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بأرض بابل رواه أبو داود من حديث علي (490)، وهذِه الرواية ضعفها الألباني في "ضعيف أبي داود"(76).
(2)
سيأتي الحديث الدال على هذا من حديث عبد الله بن عمر برقم (3379) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الة تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} . مع العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث نهاهم عن استخدام آبارها في السقي أو العجن وأمرهم أن يهريقوا الماء ولم يذكر عدم استخدامها لوضوء.
(3)
سيأتي برقم (597) باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، ورواه مسلم (684) كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.
(4)
لم أقف عليه في المطبوع، وقد رواه في "مصنفه" 1/ 425 (4890) عن عطاء بن يسار بلفظ: صلى صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر بعدما جاز الوادي، ثم أمر بلالًا فأذن فأقام، ثم صلى الفريضة. ورواه عبد الرزاق 1/ 588 (2238) عن عطاء بن أبى رباح بلفظ المصنف.
(5)
رواية ذي مخبر سلف تخريجها.
الثالث عشر:
قضاء الفائتة بعذر عندنا عَلَى التراخي وبغيره عَلَى الفور
(1)
، فتأخيره صلى الله عليه وسلم القضاء لعذر المكان كما سلف.
الرابع عشر:
فيه كما قَالَ المهلب: أن من حلت به فتنة في بلد فليخرج عنه، وليهرب من الفتنة بدينه، كما فعل الشارع بارتحاله عن بطن الوادي الذي تشاءم به لأجل الشيطان
(2)
.
الخامس عشر:
فيه أيضًا أن من ذكر صلاة له أن يأخذ فيما يصلحه لصلاته، من طهور ووضوء وانتقاء البقعة التي تطيب عليها نفسه للصلاة، كما فعل الشارع بعد أن ذكر الفائتة، فارتحل بعد الذكر ثم توضأ وتوضأ الناس، وهذا لا يتم إلا في مهلة، ثم أذَّن واجتمع الناس وصلوا.
السادس عشر:
أن من فاته صلاة وتأخر البدار المذكور إليها لا يخرجه عن كونه ذاكرًا لها.
السابع عشر:
في مسلم من حديث أبي قتادة: فنزلوا وتوضئوا وأذن بلال، فصلوا ركعتي الفجر، ثم صلوا الفجر
(3)
، وكذا جاء في حديث عمران وعمرو بن أمية
(4)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: حاشية: على الصحيح فيهما.
(2)
انظر "شرح ابن بطال" 1/ 485.
(3)
"صحيح مسلم"(681) كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة.
(4)
سبق تخريجهما.
ففيه: الأذان للفائتة وقضاء السنن الفوائت والجماعة في الفوائت؛ لقوله: فصلى بالناس.
الثامن عشر:
قوله: (إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ .. ) الحديث، قد سلف تعيين هذا المبهم
(1)
.
وقوله: ("عليك بالصعيد فإنه يكفيك") هو موضع الترجمة.
التاسع عشر:
قوله: (فَدَعَا فُلَانًا- كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ، نَسِيَهُ عَوْفٌ) هو عمران بن حصين، كما جاء في رواية سلم بن زرير، وسيره مع علي وغيرهما.
وفيه: طلب الماء للشرب والوضوء، والبعثة فيه.
العشرون:
قوله: ("فَابْتَغِيَا المَاءَ")، أي: اطلباه، يقال: بغيت الشيء طلبته، وبغيتك الشيء
(2)
طلبته لك.
الحادي بعد العشرين:
المزادة: بفتح الميم أكبر من القربة، والميم زائدة، قَالَ أبو عبيد: ولا تكون إلا من جلد
(3)
يقام بجلد ثالث بينهما، سميت مزادة؛ لأنه يزاد فيها جلد من غيرها؛ لتكبر به، مفعلة من ذَلِكَ
(4)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: حاشية: لم أره، فلينقب عنه.
(2)
في الأصول: بغيت، والمثبت كما جاء في "لسان العرب" 14/ 95 مادة (بغا).
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: لعلها جلدين.
(4)
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 148، "الصحاح" 2/ 482، "لسان العرب" 3/ 1897 - 1898، مادة:(زيَدَ).
الثاني بعد العشرين:
السطيحة: المزادة، قاله ابن الأعرابي.
قَالَ ابن سيده: هي التي من أديمين قوبل أحدهما بالآخر
(1)
، وفي "الجامع": هي إداوة من جلدين وهي أجبر من القربة.
الثالث بعد العشرين:
قولها: (وَنَفَرُنَا خُلُوفًا) أما النفر فبالتحريك: يقع عَلَى جماعة من الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة، ولا واحد له من لفظه.
قاله الخطابي
(2)
. سموا بذلك من النفر؛ لأنه إذا حزبهم أمر اجتمعوا، ثم نفروا إلى عدوهم
(3)
.
قَالَ في "الواعي": ولا يقولون: عشرون نفرًا، ولا ثلاثون نفرًا، والخلوف: بضم الخاءة الغيَّب، يقال: حي خلوف: إذا غاب رجالهم وبقي نساؤهم، وقال الخطابي: الذين خرجوا للاستسقاء وخلفوا النساء والأثقال
(4)
.
وحُكي أيضًا الخلوف: الذين غابوا وخلفوا أثقالهم، وخرجوا إلى رعي أو سقي، قَالَ تعالى:{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: 87] أي: النساء، وقال أبو عبيد: الحي خلوف حضور وغُيَّب، ومنه هذِه الآية، وقال الداودي: خلوف. أي: متعاقبون.
الرابع بعد العشرين:
الصابئ: قَالَ أبو سليمان: كل من خرج من دين إلى غيره، سمى
(1)
"المحكم" 3/ 126.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 341، 342.
(3)
انظر: "الصحاح" 2/ 833، "لسان العرب" 8/ 4498 - 4499، مادة (نفر).
(4)
"أعلام الحديث" 1/ 342.
صابئًا مهموز، يقال: صبأ الرجل: إذا فعل ذلك. فأما الصابي -بلا همز- فهو الذي يميل إلى اللهو، يقال صبا يصبو فهو صابٍ
(1)
.
وفي بعض نسخِ البخاري في آخر الحديث: قَالَ أبُو عَبْدِ اللهِ: صَبَا: خَرَجَ مِنْ دينٍ إِلَى غيْرِه.
وقال أبُو العَاليَة: الصَّابِئينَ: فِرقَةٌ مِن أهلِ الكِتَابِ يَقْرءُوْنَ الزَّبُورَ.
وهذا أسنده ابن جرير في "تفسيره"
(2)
.
وحكى خلافًا كثيرًا فيمن يلزمه هذا الاسم، ومحل الخوض فيه كتب التفسير. وفي كتاب الرشاطي: الصابئ نسبة إلى صابئ بن متوشلخ وكان عَلَى الحنيفية الأولى، وقيل: هي نسبة إلى صابئ بن مارى، وكان في عصر إبراهيم الخليل.
الخامس بعد العشرين:
قوله: (فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ المَزَادَتَيْنِ) الفم: هو الأعلى من المزادة، وأوكأ:(سد)
(3)
.
والعَزَالِي: بفتح العين المهملة ثم زاي مفتوحة أيضًا
(4)
: (مصب)
(5)
الماء من الراوية والقربة، جمع عزلاء، وفي "الجامع": عزلاء القربة: عصب يجعل في إحدى يديها يستفرغ منه ما فيها، وسميت عزالي السحاب تشبيهًا بهذا.
(1)
المصدر السابق.
(2)
"تفسير الطبري" 1/ 361 (1110).
(3)
في (ج): شدَّ.
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وكسر اللام
…
(5)
في (ج): منصب.
قَالَ ابن التين: وإن شئت مثل الصحارى والعذارى، قَالَ: وبالفتح رويناه، وهو أفواه المزادة السفلى. وقال الداودي: العزالي الجوانب الخارجة كرجلي الزق الذي يرسل منها الماء.
قَالَ الداودي: وليس في أكثر الروايات الفتح ولا إطلاق العزالي، وإنما سقوا المزادتين، ومعنى صبوا منهما: أنه قَالَ فيه ثم أعاده فيهما إن كان هو المحفوظ، كذا قَالَ.
السادس بعد العشرين:
قوله: (وَايْمُ اللهِ) هو قسم ويقال: ايمن الله بزيادة نون، وألفه ألف وصل في الأسماء مفتوحًا، وحذفت النون استخفافًا، فقالوا: وايم الله. وبالكسر أيضًا.
وقال ابن كيسان وابن درستويه: ألف (ايمن) ألف قطع -جمع يمين- وإنما خففت همزتها وطرحت في الوصل لكثرة استعمالهم لها.
السابع بعد العشرين:
قوله: (وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا) معناه: أن فيها من الماء فيما يظهر لنا أكثر مما كان، وفي ذلك معجزة ظاهرة باهرة، وهو أن القومَ أسقوا واستقوا وشربوا -وكانوا عطاشًا- واغتسل الجنب، وبقيت المزادتان مملوئتين ببركته وعظيم برهانه. وفي طريق سَلْمُ بن زرير أنهم كانوا أربعين، وأنهم ملئوا كل قربة معهم وإداوة
(1)
، وذلك ببركته صلى الله عليه وسلم.
قَالَ القاضي عياض: وظاهر هذِه الرواية أن جملة من حضر هذِه القصة كانوا أربعين، ولا نعلم مخرجًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في هذا العدد، فلعل الركب الذين عجلهم بين يديه لطلب الماء، وأنهم
(1)
سيأتي برقم (3571).
وجدوا المرأة، وأنهم استقوا لرسول الله قبل الناس، وشربوا ثم شرب الناس بعدهم
(1)
.
الثامن بعد العشرين:
إن قلت: كيف استباحوا أخذ الماء الذي مع المرأة؟ قلت: لأوجهٍ:
أحدها: لكفرها.
ثانيها: عَلَى تقدير أن لو كانت مسلمة فداء نفس الشارع بالنفس واجب.
ثالثها: لضرورة العطش، فإنها تبيح للإنسان الماء المملوك لغيره عَلَى عوض يعطيه.
رابعها: أن الماء لم ينقص شيئًا، ذكرها ابن الجوزي.
التاسع بعد العشرين:
قوله: ("اجْمَعُوا لَهَا") إنما فعل ذَلِكَ تألفًا لها ولقومها عَلَى الإسلام. والعجوة: نوع من تمر المدينة أكبر من الصيحاني، وتسمى اللينة، وهي من أجود تمر المدينة.
الثلاثون:
قوله: (وَدَقِيقَةٍ)
(2)
. يجوز فيه ضم الدال وفتحها. قَالَ ابن التين: وهما روايتان.
وقوله: (وسويِّقة). هو بتشديد الياء.
قوله: (تعلمين). أي: اعلمي.
(1)
"إكمال المعلم" 2/ 677.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: في نسخة الدمياطي (
…
): دقيقة وسويقة بضم الدال والسين مشدد الياء فيهما.
وقوله: ما (رزئنا). أي: نقصنا. قَالَ ابن التين: ورويناه بكسر الزاي وفتحها. ولم يذكر ابن قرقول غير الكسر، قَالَ: وقال أبو زيد الأنصاري: رزأته أرزأه رزءًا إذا أصبت منه. وذكر ابن الأثير أن ما نقصنا منه شيئًا ولا أخذنا
(1)
.
وقوله: ("هُوَ الذِي أَسْقَانَا"). أي: جعل لنا سقيًا، يقال: سقى وأسقى بمعنى، وقيل باختلاف.
والصِرم -بكسر الصاد المهملة وسكون الراء-: الجماعة ينزلون بإبلهم (ناحية)
(2)
عَلَى ماءٍ، والجمع: أصرام. فأما الصرمه -بالهاء-: فالقطعة من الإبل نحو الثلاثين.
وقال ابن سيده: الصِرم: الأبيات المجتمعة المنقطعة من الناس، والصِرم أيضًا: الجماعة من ذلك
(3)
.
وفيه: مراعاة ذمام الكافر والمحافظة به، كما حفظ النبي صلى الله عليه وسلم هذِه المرأة في قومها وبلادها، فراعى في قومها ذمامها وإن كانت من صميمهم، فهي من أدناهم، وكان ترك الغارة
(4)
عَلَى قومها سببًا لإسلامها وإسلامهم وسعادتهم.
وفيه: بيان مقدار الانتفاع بالاستئلاف عَلَى الإسلام؛ لأن قعودهم عن الغارةِ عَلَى قومها كان استئلافًا لهم، فعلم القومُ قدر ذَلِكَ وبادروا إلى الإسلام رعايةً لذلك الحق.
(1)
"النهاية في غريب الحديث" 2/ 218.
(2)
ساقطة من (ج).
(3)
"المحكم" 8/ 213.
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: اللغة الفصحى (
…
).
7 - باب إِذَا خَافَ الجُنُبُ عَلَى نَفسِهِ المَرَضَ أَوِ المَوْتَ أَوْ خَافَ العَطَشَ، تَيَمَّمَ
وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ العَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلَا: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُعَنِّفْ.
345 -
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -هُوَ غُنْدَرٌ- عَنْ شعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الَماءَ لَا يُصَلِّي. قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِي هذا، كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ البَرْدَ قَالَ هَكَذَا -يَعْنِي تَيَمَّمَ وَصَلَّى- قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَوْلِ عَمَّار. [انظر: 338 - مسلم: 368 - فتح: 1/ 455]
346 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَي قَالَ: حَدَّثَنَا الأعمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الَماءَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارِ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كَانَ يَكْفِيكَ"؟ قَالَ: أَلمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارِ، كَيْفَ تَصْنَعُ بهذِه الآيَةِ؟ فَمَا دَرى عَبْدُ اللهِ مَا يَقُولُ، فَقَالَ: إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هذا لأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُ الَماءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيتَيَمَّمَ. فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ: فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللهِ لهذا؟ قَالَ: نَعَمْ. [انظر: 338 - مسلم: 368 - فتح: 1/ 455].
وهذا الحديث أسنده أبو داود مطولًا وفيه أن ذَلِكَ كان في غزوة السلاسل
(1)
. وفي أخرى له: فغسل مَغابِنَه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم، ولم يذكر التيمم
(2)
.
(1)
يعني حديث التعليق. أبو داود (334)
(2)
أبو داود (335).
وروى هذِه أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه"
(1)
، والحاكمُ في "مستدركه"، ثم قَالَ: صحيح عَلَى شرط الشيخين. قَالَ: والذي عندي أنهما لم يخرجاه لحديث جرير -يعني: الرواية الأولى- ثم ساقها، ثم قَالَ: هذا لا يعلل الآخر، فإن أهل مصر أعرف بحديثهم من أهلِ البصرة
(2)
. يعني: أن رواية الوضوء يرويها مصري عن مصري، ورواية التيمم يرويها بصري عن مصري.
قَالَ البيهقي: ويحتمل أن يكون فعل ما نقل في الروايتين جميعًا، فغسل ما أمكنه وتيمم للباقي
(3)
.
ثم ذكر البخاري حديث عمَّار من طريقيه بطولهما.
ولا شك أن من خاف التلف من استعمال الماء أبيح له التيمم مع وجوده، وهو إجماع
(4)
. وهل يلحق به خوف الزيادة فيه فقط؟ فيه قولان للعلماء والشافعي، والأصح عنده: نعم
(5)
، وبه قَالَ مالك وأبو حنيفة والثوري
(6)
.
وعن مالك رواية أخرى بالمنع
(7)
. وقال عطاء والحسن البصري في رواية: لا يستباح التيمم بالمرض أصلًا
(8)
.
(1)
"صحيح ابن حبان" 4/ 142 (1315).
(2)
"المستدرك" 1/ 177.
(3)
"السنن الكبرى" 1/ 226.
(4)
انظر: "الإقناع في مسائل الإجماع" 1/ 239 (368).
(5)
"الأم" 1/ 40، "روضة الطالبين" 1/ 98.
(6)
انظر: "الهداية" 1/ 26، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 150، "التفريع" 1/ 202، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 58.
(7)
"البيان والتحصيل" 1/ 69، "النوادر والزيادات" 1/ 110.
(8)
رواه عن عطاء عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 226 (875)، وحكاه عن الحسن القرطبي في "تفسيره" 5/ 216، وابن قدامة في "المغني" 1/ 261.
وكرهه طاوس
(1)
. وإنما يجوز له التيمم عند عدم الماءِ، فأما مع وجوده فلا، وهو قول أبي يوسف ومحمد
(2)
.
والدليل عَلَى أن من خاف الزيادة في المرض يباح له التيمم ما احتج به أبو موسى عَلَى ابن مسعود من الآية، ولم يفرق بين مرض يخاف منه التلف أو الزيادة، فهو عام في كل مرض، وقياسًا عَلَى سائر الرخص كالفطر وترك القيام والاضطرار، فإنه لا يعتبر فيها خوف التلف بل الجزع الشديد كاف.
وحديث عمرو دال لجواز التيمم للخائف من استعمال الماء وللجنب، خلاف ما روي عن (عمر)
(3)
وابن مسعود، ولأجل البرد المفضي إلى محذور، وأن المتيمم يصلي بالمتطهرين، وأنه لا إعادة عليه إذ لم يذكر.
وفيه خلاف للشافعي والسلف، والأصح: وجوبه
(4)
، وقام الإجماع عَلَى أن المسافر إذا كان معه ماءٌ وخاف العطش أنه يتيمم ويشربه
(5)
، وأن الجنب يجوز له التيمم، إلا ما ذكر عن عمر وابن مسعود، فإنهما منعاه له
(6)
؛ لقوله تعالى: {وَإِن كنُتُمْ جُنُبًا فَأطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وقوله: {وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ} [النساء: 43].
(1)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 224 (868).
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 150، "المبسوط" 1/ 112.
(3)
في (ج): عمرو.
(4)
"الأم" 1/ 40.
(5)
انظر: "الإجماع" ص 34.
(6)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 145 (1667)، (1668).
وقد روي مثل هذا عن ابن عمر، واختلف فيه عن عليٍّ
(1)
، وخفيت عليهم السُّنَّة في ذَلِكَ من رواية عمار وعمران بن الحصين، وإنما استراب عمر عمارًا في ذَلِكَ؛ لأنه كان حاضرًا معه، فلم يذكر القصة وأنسيها، فارتاب ولم يقنع بقوله.
وكان عمر وابن مسعود لما كان من رأيهما أن الملامسة في الآية هي ما دون الجماع، وكان التيمم في الآية يعقب الملامسة منعا الجنب التيمم، ورأيا أن التيمم إنما جعل بدلًا من الوضوء، (ولم)
(2)
يجعل بدلًا من الغسل، فكان من رأي ابن عباس وأبي موسى الجماع وأجاز للجنب التيمم، ألا ترى أن أبا موسى حاج ابن مسعود بالآية التي في سورة النساء، فإن الملامسة فيها الجماع، فلم يدفعه ابن مسعود عن ذَلِكَ، ولا قدر أن يخالفه في تأويله للآية، فلجأ إلى قوله: إنه لو رخص لهم في هذا كان أحدهم إذا برد عليه الماء يتيمم.
وقد ذكر ابن أبي شيبة قَالَ: حَدَّثنَا سفيان بن عيينة، عن أبي سنان، عن الضحاك قَالَ: رجع عبد الله عن قوله في تيمم الجنب
(3)
. ولم يتعلق أحد من فقهاء الأمصار -من قَالَ بأن الملامسة: الجماع، ومن قَالَ بأنها دونه- بقول عمر وابن مسعود، وصاروا إلى حديثِ عمَّارٍ وعمران بن الحصين في ذَلِكَ.
إلا أنهم اختلفوا ثم أجازوا للجنب التيمم، فمن قَالَ: الملامسة: الجماع، أوجب التيمم بالقرآن، وهو قول الكوفيين، ومن قَالَ: إنها ما دون الجماع. أوجبه بحديث عمار وعمران، وهو قول مالك.
(1)
"السابق" 1/ 148 (1699).
(2)
في (ج): ولا.
(3)
"المصنف" 1/ 145 (1669).
قَالَ المهلب: وفي قول أبي موسى لابن مسعود: (فدعنا من قول عمَّار، كيف تصنع بهذِه الآية؟) فيه: الانتقال في الحجاج مما فيه الخلاف إلى ما عليه الاتفاق، وذلك أنه يجوز للمتناظرين عند تعجيل القطع والإفحام للخصم، ألا ترى أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم إذ قَالَ:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258]، قَالَ له النمرود:{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258] لم يحتج أن يوقفه عَلَى كيفية إحيائه وإماتته، بل انتقل إلى مسكت من الحجاج فقال:{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: 258]
(1)
.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 1/ 492.
8 - باب التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ
347 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأعمَشِ، عن شَقِيقٍ قَالَ: كنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى الأشعَرِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ، فَلَمْ يَجِدِ الَماءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بهذِه الآيَةِ فِي سُورَةِ الَمائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هذا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الَماءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ. قُلْت: وِإنَّمَا كَرِهْتُمْ هذا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: ألَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةِ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ الَماءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابّهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا". فَضَرَبَ بِكفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأرضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟ وَزَادَ يَعْلَى، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: ألِمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي أَنَا وَأَنْتَ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ، فَأَتَيْنَا رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ:"إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا". وَمَسَحَ وَجْهَة وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً؟ [انظر: 338 - مسلم: 368 - فتح: 1/ 455]
ذكر فيه حديث أبي موسى مع عبد الله، وقوله: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ. إلى قوله: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا". فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ .. الحديث. وقد سلف فقهه فيما مضى.
وقوله: (زَادَ يَعْلَى عَنِ الأَعْمَشِ) إلى آخره. هذا وصله الإسماعيلي عن ابن زيدان عن أحمد بن حازم عن يعلى به.
واختلف العلماء في صفة التيمم عَلَى أقوالٍ:
أحدها: أنه ضربةٌ واحدة، وعليه بوب البخاري، وهو أصح من رواية ضربتين كما سلف.
وثانيها: أنه ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، روي هذا عن ابن عمر والشعبي والحسن
(1)
وهو قول مالك والثوري والليث وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي
(2)
، وذكره الطحاوي عن الأوزاعي
(3)
.
وهؤلاء كلهم لا يجزئه عندهم المسح دون المرفقين إلا مالكًا، فإن الفرض عنده إلى الكوعين
(4)
. وروي عن عليٍّ مثل هذا: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى الكوعين
(5)
، وهذا قولٌ ثالث.
وفيه قول رابع: أنه ضربتان يمسح بكل ضربة منهما وجهه وذراعيه إلى مرفقيه، وهذا قول ابن أبي ليلى والحسن بن حي
(6)
.
وفيه قول خامس: أنه ضربة واحدة للوجه والكفين إلى الكوعين، روي هذا عن عطاء
(7)
ومكحول
(8)
، ورواية عن الشعبي
(9)
، وهو قول
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 211 - 213 (817، 820، 826)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 141 - 146 (1673، 1675، 1676).
(2)
انظر: "الهداية" 1/ 26، "المبسوط" 1/ 121، "المنتقى" 1/ 114، "الذخيرة" 1/ 352، "الأم" 1/ 42.
(3)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 46.
(4)
"المنتقى" 1/ 114.
(5)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 213 (824)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 212.
(6)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 147.
(7)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 211 (816).
(8)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 147 (1696).
(9)
رواها عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 213 (826).
الأوزاعي وأحمد وإسحاق، واختاره ابن المنذر
(1)
. وروى ابن القاسم عن مالك: إن مسح وجهه ويديه بضربة واحدة أرجو أن تجزئه، ولا إعادة عليه. والاختيار عنده ضربتان
(2)
.
وحجة من جعله إلى المرفقين القياس عَلَى الوضوء، وابتغوا فعل ابن عمر، وقد روي من حديث ابن عمر أيضًا مرفوعًا، صححه الحاكم
(3)
.
وقالوا: لما كان غسل الوجه بالماءِ غير غسل اليدين، فكذلك يجب أن تكون الضربة للوجه في التيمم غير الضربة لليدين.
والقول الرابع شاذٌ لا سلف له فيه، وأصح ما في حديث عمار أنه ضرب ضربة واحدة لكفيه ووجهه. رواه الثوري وأبو معاوية وجماعة عن الأعمش عن أبي وائل. وسائر أحاديث عمَّار مختلف فيها.
واحتج لهذا القول أيضًا بأنه إذا ضرب يديه إلى الأرض، فبدأ بمسح وجهه فإلى أن يبلغ في حد الذقن لا يبقى في يديه شيء من التراب، فإذا جاز في بعض الوجه ذَلِكَ ولم يحتج أن يعيد ضرب يديه عَلَى الأرض لم يحتج أن يضرب بيديه ليديه؛ لأنه ليس كالماء الذي من شرطه أن يماس كل جزء من الأعضاء.
وفي المسألة قول سادس غريب: أنه يضرب أربع ضربات: ضربتان للوجه، وضربتان لليدين، حكاه ابن بزيزة في "شرح أحكام عبد الحق" ثم قَالَ: وليس له أصل في السنة، وما أقصر في ذَلِكَ، ثم قَالَ: وقال
(1)
"الأوسط" 2/ 37.
(2)
انظر: "الذخيرة" 1/ 352.
(3)
"المستدرك" 1/ 179، 180.
بعض العلماء: يتيمم الجنب إلى المنكبين. وغيره إلى الكوعين. ثم قَالَ وهو قول ضعيف. وهو كما قَالَ أيضًا.
وفي "قواعد ابن رشد" رُوِي عن مالك الاستحباب إلى ثلاث، والفرض اثنتان
(1)
. وقال ابن سيرين: ثلاث ضربات، الثالثة لهما جميعًا. وفي رواية عنه: ضربة للوجه، وضربة للكف، وضربة للذراعين
(2)
.
(1)
لم أقف عليه في المطبوع.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: آخر الجزء الأول من الثالث من تجزئة المصنف.
9 - باب
348 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ الُخزَاعِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلًا مُغتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ فِي القَوْمِ، فَقَالَ:"يَا فُلَانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي القَوْمِ؟ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ. قَالَ:"عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ". [انظر: 344 - مسلم: 682 - فتح: 1/ 457]
ذكر فيه حديث عمران بن الحصين، وقد سلف الكلام عليه آخر الوضوء، ولله الحمد والمنة.
8
كِتابُ الصَّلَاةِ
8 - كِتابُ الصَّلَاةِ
(1)
الصلاة في اللغة: الدعاء والاستغفار. وقيل فيه أقوال أخر منها: التعظيم، واللزوم، والرحمة، والتقرب، والاستقامة.
وفي الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة.
1 - باب كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلَوَاتُ فيِ الإِسْرَاءِ
.
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ فَقَالَ: يَأْمُرُنَا -يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم- بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ. [انظر: 7]
349 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في الرابع بعد الخمسين قراءة عليَّ ومقابلة عليَّ كتبه مؤلفه.
بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هذا؟ قَالَ: هذا جِبْرِيلُ. قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هذا؟ قَالَ: هذا آدَمُ. وهذِه الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ التي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ. فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ فَفَتَحَ". قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ وإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أنَهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بإِدْرِيسُ قَالَ: "مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأخِ الصَّالِحِ. فَقُلْتُ: مَنْ هذا؟ قَالَ: هذا إِدْرِيسُ. ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هذا؟ قَالَ: هذا مُوسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هذا؟ قَالَ: هذا عِيسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هذا؟ قَالَ: هذا إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم". قَالَ ابن شِهَاب: فَأَخْبَرَنِي ابن حَزْمٍ، أَنَّ ابن عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأنصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوى أَسْمَعُ فِيهِ صَريفَ الأَقْلَامِ". قَالَ ابن حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَفَرَضَ اللهُ عَلَى أَمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ: فَارْجِعْ إلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَاجَعَني فَوَضَعَ شَطْرَهَا،
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا. فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ. فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي. ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإذَا تُرَابُهَا المِسْكُ". [1636، 3342 - مسلم: 163 - فتح: 1/ 458].
350 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -أُمِّ الُمؤْمِنِينَ- قَالَتْ: فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الَحضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الَحضَرِ. [1090، 3935 - مسلم: 685 - فتح: 1/ 464]
وهذا التعليق ساقه البخاري مسندًا كما سلف في الوحي
(1)
. وتقدم هناك الكلام عليه واضحًا.
ثم ساق البخاري حديث الزهري، عن أنس، عن أبي ذر في الإسراء بطوله.
وقد أخرجه هنا، وفي الحج
(2)
، وأحاديث الأنبياء
(3)
، وذكر بني إسرائيل
(4)
. وأخرجه مسلم في الإيمان
(5)
.
(1)
سلف برقم (7) كتاب: بدء الوحي.
(2)
سيأتي برقم (1636)، باب: ما جاء في زمزم.
(3)
سيأتي برقم (3342)، باب: ذكر إدريس عليه السلام.
(4)
ليس فيه. ولعل المصنف أخطأ تبعًا لصاحب "التحفة"(11901) حيث جاء فيها: وفي ذكر بني إسرائيل (أحاديث الأنبياء) عن أحمد بن صالح
…
وعلق ابن حجر علهيا بقوله: قلتُ: بل هي في ذكر إدريس في أحاديث الأنبياء. وقول ابن حجر هو الصواب.
(5)
مسلم (163) باب: بَدْء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الدارقطني: ورواه الزهري -يعني مرة عن أبي، وأحسبه سقط عليه ذر، فجعله أبي بن كعب، ووهم فيه. ورواه قتادة عن أنس، عن مالك بن أبي صعصعة بطوله، وروى بعضه شعبة، عن قتادة، عن أنس مرفوعًا قصة النهرين، ويشبه أن تكون الأقاويل كلها صحاحا؛ لأن الرواة أثبات.
وروى قتادة عن أنس مرفوعًا: "فُرض عليَّ الصلاة" وهو (صحيح)
(1)
عنه
(2)
.
وقال الحاكم في "الإكليل": حديث المعراج صحيح، صح سنده بلا خلاف بين الأئمة، نقله العدل عن العدل. ومدار الروايات الصحيحة فيه عَلَى أنس. وقد سمع بعضه من النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضه من أبي ذر، وبعضه من مالك، وبعضه من أبي هريرة.
وقال ابن الجوزي: روى حديث المعراج والإسراء جماعة منهم علي، وابن مسعود، وأُبي، وحذيفة، وأبو سعيد، وجابر، وأبو هريرة، وابن عباس، وأم هانئ.
ثم متى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
روى الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" من حديث أسامة، عن أبيه زيد أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه، فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة فنضح بها (فرجه)
(3)
(4)
.
(1)
من (ج).
(2)
"العلل" 6/ 233 - 235.
(3)
في (ج): وجهه.
(4)
"بغية الباحث"(67).
ورواه ابن ماجه بلفظ: "علمني جبريل الوضوء، وأمرني أن أنضح تحت ثوبي"
(1)
.
وفي "صحيح مسلم" من حديث قتادة، عن زرارة: أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو .. الحديث. وفيه أنه سأل عائشة عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ألست تقرأ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} ؟ [المزمل: 1] قلت: بلى. قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذِه السورة، فقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولًا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء حَتَّى أنزل في آخرها التخفيف، فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة
(2)
.
وذكر الحربي أن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس، وصلاة قبل طلوعها. ويشهد لذلك قوله تعالى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55].
ولا خلاف -كما قاله عياض وغيره- أن خديجة صلت مع الشارع بعد فرض الصلاة، وأنها توفيت قبل الهجرة بمدة، قيل:(بثلاث)
(3)
سنين، وقيل: بخمس
(4)
، وقيل: بأربع.
واستشكله بعضهم بأن الزبير بن بكار روى في "أنسابه" من حديث عائشة، قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة
(5)
.
(1)
"سنن ابن ماجه"(462) قال البوصيري في "زوائده" ص 97: إسناد حديث ابن ماجه ضعيف لضعف ابن لهيعة. وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه"(375): حسن دون الأمر.
(2)
"صحيح مسلم"(746) باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض.
(3)
في (ج): ثلاث.
(4)
"إكمال المعلم" 1/ 497 - 498.
(5)
رواه الطبراني في "الكبير" 22/ 451 (1099)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" =
وأجيب: لعلها أرادت قبل فرضها ليلة الإسراء. وعن مقاتل بن سليمان: فرض الله الصلاة في أول الإسلام ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي، ثم فرض الخمس ليلة المعواج
(1)
. قلت: وإلى ذَلِكَ الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى البردين دخل الجنة"
(2)
وقد جاء في حديث أنه صلى عند الزوال من أول النبوة. وفي "الصحيح" من حديث عائشة: فرضت الصلاة بمكة ركعتين ركعتين، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضت أربعًا، وتركت صلاة السفر عَلَى الأولى، وسيأتي
(3)
. وفي رواية: بعد الهجرة بسنة.
وقال القزاز: فرضت أولًا ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي، إلى ليلة الإسراء فرضت عليه الخمس بغير أوقات، فكان الرجل يصليها في وقت واحد إن شاء، وإن شاء فرقها. ثم لما هاجر صلاها بأوقات ركعتين ركعتين. ثم زيد في صلاة الحضر، وفرض الوضوء والغسل. ولم أره لغيره.
وقال أبو عمر: روي عن ابن عباس أن الصلاة فرضت في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين. وكذلك قَالَ نافع بن جبير، والحسن، وهو قول ابن جريج، وروي مرفوعًا من حديث العنبري
(4)
وغيره ما يدل على ذلك
(5)
.
= 9/ 220: وفيه محمد بن الحسن بن زبالة، وهو ضعيف. اهـ.
(1)
ذكره ابن سيد الناس في "عيون الأثر" 1/ 91.
(2)
يأتي برقم (574) باب: فضل صلاة الفجر.
(3)
برقم (3935) كتاب: مناقب الأنصار، باب: التاريخ، من أين أرخوا التاريخ؟
(4)
في "التمهيد": القشيري.
(5)
"التمهيد" 8/ 33 - 34.
وقال أبو محمد بن حزم: لم يأت قط أثر -يعني: صحيحًا- أن الوضوء كان فرضًا بمكة
(1)
.
وقام الإجماع عَلَى أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء
(2)
. وفي "مسند أحمد": فرضت ركعتان ركعتان إلا المغرب فإنها كانت ثلاثًا
(3)
.
وأول أبو عمر قول عائشة: فرضت: تقدرت. والفرض لغة: التقدير
(4)
.
وزعم السهيلي أن الزيادة تسمى نسخًا؛ لأنه رفع الحكم، وقد ارتفع، وإنما الزيادة في العدد حَتَّى كملت خمسًا بعد أن كانت اثنتين، فيسمى نسخًا عند الحنفية
(5)
.
واختلف العلماء -فيما حكاه الدمياطي- في الإسراء والمعراج هل (كانا)
(6)
في ليلة واحدة أو كان المعراج مرة أو مرات؟ وهل كان المعراج قبل الإسراء؟
وظاهر إيراد البخاري يدل عَلَى اتحاد المعراج والإسراء؛ لأنه قَالَ أولًا كيف فرضت الصلاة في الإسراء؟ ثم أورد الحديث، وفيه:"ثم عرج بي إلى السماء".
قَالَ ابن قتيبة: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سنة ونصف من رجوعه -يعني: من الطائف إلى مكة- ثم قَالَ: إن الإسراء والمعراج كانا في ليلة
(1)
"المحلى" 1/ 204.
(2)
انظر: "تفسير القرطبي" 10/ 208.
(3)
"مسند أحمد" 6/ 272.
(4)
"التمهيد" 16/ 293 - 295.
(5)
"الروض الأنف" 1/ 283.
(6)
في (ج): كانتا.
واحدة. قَالَ: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، وعرج به من بيت المقدس إلى السماء.
وروى الواقدي قَالَ: كان صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار. فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته ظهرًا
(1)
أتاه جبريل وميكائيل وقالا: انطلق إلى ما سألت، فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرًا، فعرجا به إلى السموات سماء سماء، فلقي فيهن الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى، ورأى الجنة والنار، وفرض عليه الخمس، ونزل جبريل فصلى برسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات في مواقيتها
(2)
.
قَالَ ابن فارس: وكان سِنّهُ إذ ذاك إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر، وعن الحربي أن الإسراء كان ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة، وقيل: في ربيع الأول.
وذكر القرطبي أنه كان قبلُ في رجب، وبه جزم النووي في "الروضة" فقال في كتاب السير: فرض الله تعالى من قيام الليل ما ذكره في أول سورة المزمل، ثم (نسخه)
(3)
بما في أواخرها، ثم نسخه بإيجاب الصلوات الخمس ليلة الإسراء بمكة بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب
(4)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ينظر هذا الكلام، فإنه متنافٍ، ولعله انتقل نظره من قول إلى قول. [قلت: كذا رواه ابن سعد عنه بلفظه].
(2)
انظر: "الطبقات الكبرى" 1/ 213.
(3)
في (ج): نسخها.
(4)
"روضة الطالبين" 10/ 206.
وخالف في "فتاويه" فقال: إنها ليلة السابع والعشرين من ربيع الأول، قَالَ: وكان الإسراء سنة خمس أو ست من النبوة، وقيل: غير ذَلِكَ
(1)
.
وخالف في "شرح مسلم" فجزم بأنها ليلة السابع والعشرين من ربيع الآخر تبعًا للقاضي عياض
(2)
والله أعلم، وقد قيل: إنه كان في رمضان أيضًا، إذا تقرر ذَلِكَ.
فالكلام عليه من وجوه:
أحدها:
معنى "فُرِجَ عن سَقْفِ بَيْتِي": شق، وكذا "فرج عن صدري": شق، كما جاء في رواية أخرى.
وأخرى: شرح، وأصله: التوسعة، ومنه: شرح الله صدره. وفي البخاري في كتاب الحج "ثم غسله بماء زمزم"
(3)
، وهو مخفف الراءِ، ويجوز تشديدها للمبالغة في الشق. يعني: أن الملائكة لم يدخلوا من باب بل من وسط السقف؛ ليكون أوقع في القلب صدق ما جاءوا به، وغسل؛ لأن الطهور شطر الإيمان.
الثاني:
الطست هو -بسين مهملة- وهو فارسي كما نقله الجواليقي عن أبي عبيد.
وقال الفراء: طيء تقول: طست، وغيرهم يقول: طس، وهم الذين
(1)
"فتاوى الإمام النووي" ص 27.
(2)
"إكمال المعلم" 1/ 497، 498، و"صحيح مسلم بشرح النووي" 2/ 209، 210.
(3)
سيأتي برقم (1636) باب: ما جاء في زمزم.
يقولون للصّ: لصت، وجمعهما طسوت ولصوت عندهم
(1)
.
وقال ابن سيده: الطس والطسّه معروف، وجمع الطس: أطساس وطسوس وطسيس، وجمع الطسّه: طساس، ولا يمتنع أن تجمع طسة عَلَى طسس بل ذَلِكَ قياسه
(2)
.
وحكى ابن دحية عن الفراء: الطسة أكثر كلام العرب والطس، ولم يسمع من العرب الطست، وحكى ابن الأنباري: الطست- بفتح الطاء وكسرها- وحكاهما صاحب "المطالع" في الطسّ، قَالَ: والفتح أفصح وهي مؤنثة، وخص الطست بذلك دون بقية الأواني؛ لأنه آلة الغسل عرفًا.
الثالث:
قوله: ("مِنْ ذَهَبٍ") ليس فيه ما يوهم استعمال أواني الذهب لنا، فإن هذا فعل الملائكة واستعمالهم، وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا، ولأن ذَلِكَ كان أول الأمر قبل تحريم استعمال الأواني من النقدين، وإنما كان من ذهب؛ لأنه أغلى أواني الجنة وهو رأس الأثمان، فالدنيا آلة الدين، فإنها مطية الآخرة، وله خواص:
منها: أنه لا تأكله النار في حال التعليق، ولا تأكله الأرض ولا تغيره، وهو أنقى شيء وأصفاه، يقال في المَثَل: أنقى من الذهب، وهو أثقل الأشياء، ويجعل في الزئبق الذي هو أثقل الأشياء فيرسب، وهو موافق لثقل الوحي، وعزة الذهب، وبه يتم الملك، وينال المطلب، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
(1)
انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2190، "لسان العرب" 5/ 2670 - 2671.
(2)
"المحكم" 8/ 265.
الرابع:
أخذ السهيلي
(1)
من هذا جواز تحلية المصحف
(2)
.
الخامس:
قوله: ("مُمْتَلِئٍ") هو عَلَى معنى الطست، وهو الإناء، لا عَلَى لفظها، فإنها مؤنثة، وقال ابن دحية: قد تؤنث؛ لأنه يقال في تصغيرها طسيسة.
السادس:
إن قلتَ: كيف مُلئ
(3)
الطست وليس بجسم؟
(4)
قلتُ: هذا ضرب مثل ليكتشف بالمحسوس ما هو معقول، كما نبه عليه ابن الجوزي.
وقال النووي: معناه -والله أعلم- أن الطست كان فيها شيء يحصل
به كمال الإيمان والحكمة وزيادة لهذا فسمي إيمانًا وحكمة
(5)
سببًا لهما.
قَالَ: والحكمة فيها أقوال كثيرة مضطربة، وقد صفي لنا منها أنها: عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتملة عَلَى المعرفة بالله تعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق والعمل به، والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذَلِكَ كله
(6)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: نقله السهيلي في "روضه" عن بعض الفقهاء واستحسنه ..
(2)
"الروض الأنف" 1/ 191.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: يعني بالحكمة والإيمان.
(4)
"صحيح مسلم بشرح النووي " 2/ 218.
(5)
"شرح مسلم" 2/ 218.
(6)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 2/ 33.
وقال ابن دريد: كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم
(1)
.
وقال صاحب "المطالع": ما منع من الجهل، والحاكم هو المانع من الظلم والعداء، وذكر أن الحكمة قيل: هي النبوة، وقيل: الفهم عن الله، وقال أيضًا: الحكمة: إشارة إلى الفضل. وقال ابن سيده: القرآن وكفي به حكمة؛ لأن الأئمة صارت به علماء بعد جهالات
(2)
.
السابع:
فيه: دلالة أن شرح صدره صلى الله عليه وسلم كان ليلة المعراج، وفعل به ذَلِكَ لزيادة الطمأنينة لما يرى من عظم الملكوت وصلاته بالملائكة.
وفي "سيرة ابن إسحاق" أن هذا الشق حين كان مسترضعًا في بني سعد
(3)
.
وذكر عياض والسُهيلي
(4)
: أن الشق لم يعرض له إلا في الموضع المذكور، وكان من النحر إلى مراق البطن، وهو ما سفل منه. قَالَ أنس: كنت أرى أثر المخيط في صدره
(5)
أي: أثر الإبرة.
وفي "دلائل أبي نعيم" و"الأحاديث الجياد" للضياء محمد بن عبد الواحد: أن صدره صلى الله عليه وسلم شق وعمره عشر سنين
(6)
.
(1)
"جمهرة اللغة" 1/ 564 مادة (حكم).
(2)
"المحكم" 3/ 36.
(3)
"سيرة ابن إسحاق" ص 27، 28 (32).
(4)
"إكمال المعلم" 1/ 498، و"الروض الأنف" 1/ 191.
(5)
هذا اللفظ عند مسلم برقم (162) كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات.
(6)
"دلائل النبوة" 1/ 219 - 220 (66)، "أحاديث الجياد المختارة" 4/ 39 (1264).
وقال ابن أبي صفرة في "شرح مختصر البخاري" وارتضاه ابن دحية: أنه كان مرتين، وبه يتفق الجمع بين الروايات.
الأولى: في حال الطفولية؛ ليطهر من كل خلق ذميم، وحتى لا يكون في قلبه إلا التوحيد، ولذلك قَالَ صلى الله عليه وسلم:"فوليا عني -يعني: الملكين- وكأني أعاين الأمر معاينة"
(1)
.
الثانية: عند الإسراء بعدما نبئ؛ لتفرض عليه الصلاة ويصلي بالملائكة، من شأن الصلاة الطهور فقد بين ظاهرًا وباطنًا، وغُسل بماء زمزم، وفي الأولى بالثلج؛ ليثلج اليقين إلى قلبه، وهذِه لدخول الحضرة المقدسة؛ فلذلك غُسل بهزمة جبريل لأبيه إسماعيل، وقيل: فعل به ذَلِكَ في حال صغره؛ ليصير قلبه مثل قلوب الأنبياء في الانشراح، والثانية ليصير حاله مثل حال الملائكة.
الثامن:
معنى: ("أَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ
(2)
أَطْبَقَهُ" أفرغ الإيمان والحكمة الذي في الطست. قَالَ ابن سَبُع: ولما فُعِلَ به ذَلِكَ ختم عليه كما يختم عَلَى الوعاء المملوء، فجمع الله له أجزاء النبوة، وختمها، فهو خاتم النبيين، وختم عليه فلم يجد عدوه سبيلًا إليه من أجل ذَلِكَ؛ لأن الشيء المختوم محروس.
(1)
رواه البزار في "مسنده" 9/ 436، 437 (4048)، وقال: وهذا الكلام لا نعمله يروى عن أبي ذر من هذا الوجه ولا نعلم سمع عروة من أبي ذر.
قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 255: فيه جعفر بن عبد الله بن عثمان بن كثير وثقه أبو حاتم الرازي وابن حبان وتكلم فيه العقيلي وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح.
(2)
في (ج): أي. ولعله يقصد أي التفسيرية التي هي بعد النص.
وقد جاء أنه "استخرج منه علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك"
(1)
، وذكر عياض أن موضع الخاتم إنما هو شق الملكين بين كتفيه
(2)
، ووهاه القرطبي، وقال: هذِه غفلة؛ لأن الشق إنما كان في الصدر، وأثره خطًّا واضحًا، ولم يبلغ بالشقُّ حَتَّى نفذ إلى ظهره
(3)
.
وروى أبو داود الطيالسي والبزار وغيرهما من حديث عروة عن أبي ذر -ولم يسمع منه- في حديث الملكين "قَالَ أحدهما لصاحبه اغسل بطنه غسل الاناء، واغسل قلبه غسل المُلاء، ثم خاط بطني، وجعل الخاتم بين كتفيّ كما هو الآن"
(4)
.
وهو دال مع حديث البخاري لما نبه عليه القرطبي وأنه في الصدر دون الظهر
(5)
، وإنما كان الخاتم في ظهره؛ ليدل على ختم النبوة به وأنه لا نبي بعده، وكان تحت نغض كتفه؛ لأن ذَلِكَ الموضع منه يوسوس الشيطان.
فائدة: البداءة بالإفراج ثم بالإفراغ، فيه: إبانة طريق السلوك لنا، وانظر إلى استخراج العلقة وقول الملك:"هذا حظ الشيطان منك" مع قوله بعد: "إن الله أعانني عليه فأسلم"
(6)
بالرفع، فيا ترى كيف حال اللعين معنا؟ نعتصم بالله منه.
(1)
رواه مسلم برقم (162) كتاب الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات.
(2)
"إكمال المعلم" 1/ 314.
(3)
"المفهم" 6/ 137.
(4)
"مسند الطيالسي" 3/ 125 - 126 (1643) بهذا السند: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرني أبو عمران الجونيُّ عن رجل، عن عائشة به.
فالسند ضعيف؛ لأن فيه من لم يسم. وطريق البزار سبق تخريجه.
(5)
"المفهم" 6/ 137.
(6)
رواه مسلم برقم (2814) كتاب: الجنة والنار، باب: تحريش الشيطان.
التاسع:
معنى "عرج": صعد، والعروج: الصعود، يقال: عرج يعرج عروجًا، والمِعراج: مِفعال بكسر الميم من العروج، أي: الصعود فإنه آلة له، وحكى ابن سيده الكسر والضم في يعرج، قَالَ: ويقال: عرج في الشيء، وعليه رقى، وعرج الشيء وهو عريج ارتفع وعلا، والمعراج شبه سُلم تعرج عليه الأرواح. وقيل: هو حيث تصعد أعمال بني آدم
(1)
، كذا ذكره بعض شيوخنا في شرحه.
العاشر:
السماء: يذكر ويؤنث، قَالَ ابن حزم: لم يرها أحد من البشر غير الأنبياء، وفي "صحيح ابن حبان" من حديث أبي سعيد مرفوعًا:"بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة"
(2)
وفي كتاب "العظمة" لأبي سعيد بن الأعرابي عن عبد الله بن مسعود قَالَ: ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة، [وبين السماء إلى السماء التي تليها مثل ذلك وما بين السماء السابعة إلى الكرسي كذلك والماء على الكرسي، والعرش على الماء. وفي كتاب "العرش" تأليف أبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة من حديث العباس مرفوعًا: "هل تدرون كم بين السماء والأرض"، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "بينهما مسيرة خمسمائة سنة]
(3)
وكذلك كل سماء خمسمائة سنة،
(1)
"المحكم"(1/ 187 - 188) مادة: (عرج).
(2)
"صحيح ابن حبان" 16/ 418 (7405)، ورواه الترمذي (2540) وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، وضعفه الألباني في "الضعيفة"(1885).
(3)
ما بين المعقوفين سقط من (ج).
وفوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض"
(1)
ومن حديث أبي ذر مرفوعًا مثله
(2)
.
وفي أبي داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حسن غريب من حديث العباس: إن بعد ما بين السماء والأرض إما واحدة أو اثنان أو ثلاث وسبعون سنة، ثم السماء فوقها كذلك حَتَّى عد سبع سماوات
(3)
.
وفي الترمذي من حديث ابن عمرو مرفوعًا: "لو أن رصاصة مثل هذِه" وأشار إلى مثل الجمجمة "أرسلت من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل"، ثم قَالَ: إسناد صحيح
(4)
.
فائدة: ذكر ابن حبيب أن بين السماء والأرض بحرًا يسمى البحر
(1)
رواه ابن خزيمة في "التوحيد" 1/ 244 (150)، وأبو الشيخ في "العظمة" ص 107 (205)، والطبراني 9/ 202 (8987)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 2/ 290 - 291 (851).
قال الهيثمي في "المجمع"(1/ 86) رجاله رجال الصحيح.
(2)
رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" ص 105 - 106 (201)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 2/ 289 (850)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 11، 12 (7)، والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 7/ 748.
قال ابن الجوزي: هذا حديث منكر، رواه عن الأعمش محاضر فخالف فيه أبا معاوية فقال: عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي نصر. وكان الأعمش يروي عن الضعفاء ويدلس.
قال الذهبي: وأبو نصر لا يعرف، والخبر منكر.
(3)
"سنن أبي داود"(4723 - 4725)، "سنن الترمذي"(3320)، "سنن ابن ماجه"(193)، أحمد 1/ 206، وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" 7/ 92: في إسناده الوليد بن أبي ثور ولا يحتج بحديثه. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(1247).
(4)
"سنن الترمذي"(2588)، ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(2149).
المكفوف
(1)
، تكون بحار الأرض بالنسبة إليه كالقطرة بالنسبة إلى البحر المحيط. فعلى هذا يكون ذَلِكَ البحر افلق لنبينا حَتَّى جاوزه، وذلك أعظم من افلاق البحر لموسى
(2)
.
الحادي عشر:
اختلف العلماء هل أسري بروحه أو بجسده الكريم؟
عَلَى مذاهب:
أحدها: أن الإسراء كان بروحه من غير أن يفارق شخصه مضجعه، وكانت رؤيا رأى فيها الحقائق، ورؤيا الأنبياء حق، وذهب إلى هذا معاوية وعائشة.
ثانيها: أن الإسراء كان بالجسد إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح.
ثالثها: وإليه ذهب معظم السلف وعامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين إلى أنه كان إسراء بالجسد، وفي اليقظة، وأنه ركب البراق بمكة، ووصل إلى بيت المقدس، وصلى ثم أُسري بجسده. وذكر المهلب بن أبي صفرة عن طائفة من العلماء، وإليه ذهب ابن العربي أن الإسراء كان مرتين إحدهما: في نومه؛ توطئة له وتيسيرًا عليه كما كان بدوء نبوته الرؤيا الصادقة فجاءه بعد ذَلِكَ في اليقظة والثانية: بجسده، والأحاديث الصحيحة دالة على عروجه بجسده يقظة، يدل عليه قوله:"قَالَ جبريل لخازن السماء افتح" فلو لم يكن بجسده لما استفتح.
(1)
انظر: "الفواكه الدواني" 1/ 323.
(2)
قلت: هذا الأمر من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله، ولم يأت عليها دليل صحيح من النقل، ولذلك لا يجوز لنا إعمال العقل فيها، والصواب هو التوقف. اهـ.
وقال ابن العربي في "العارضة" في قوله: "تجلى لي بيت المقدس" يحتمل ثلاث معان:
أحدها: أن يكون خلق الله له الإدراك مع البعد المفرط، إذ ليس من شرط الإدراك عندنا وعدمه قرب ولا بعد.
ويحتمل أن يكون اطلع عَلَى مثالها، وعليه يَدُل قوله صلى الله عليه وسلم:"فجلَّى الله لي بيت المقدس عند دار أبي معهم بالبلاط".
ويحتمل أن يكون خلق الله له العلم بها دون مثال ولا رؤية
(1)
.
الثاني عشر:
قوله: ("فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا") سميت هذِه بالدنيا، لقربها من ساكني الأرض، وروي سماء الدنيا على الإضافة. فيه: أن للسماء بوابًا حقيقة، وحفظة موكلين بها، وإثبات الاستئذان، وأنها فتحت لأجله، وذلك من باب التكريم والتعظيم.
الثالث عشر: قوله: "قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ".
الرابع عشر: قوله: "جبريل" فيه من الأدب أن من استاذن يدق الباب أن يقول فلان باسمه، ولا يقول: أنا. فقد جاء في الحديث النهي عنه
(2)
؛ ولأنه لا فائدة فيه، لأنه إذا تعين مظهره أفاد وصار أعرف المعارف.
الخامس عشر:
قوله: (أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ) يحتمل هذا الاستفهام وجهين:
(1)
"عارضة الأحوذي" 11/ 293 - 294.
(2)
سيأتي الحديث الدال على هذا برقم (6250) كتاب: الاستئذان، باب: إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا.
أحدهما: أن يكون خفي عليهم إرساله لشغلهم بالعبادة حَتَّى قيل: إن أحدهم لا يعرف مَنْ إلى جانبه.
ثانيهما: أن يكون المعنى: أرسل إليه للعروج إلى السماء؛ لأن بعثته استفاضت بين الملائكة، وهو الأصح.
السادس عشر:
"الأَسْوِدَةُ": جمع سواد، كقذال وأقذلة، وتجمع الأسودة أيضًا عَلَى أساود.
وفي "المحكم": السواد، والأسودات، والأساود: جماعة من الناس. وقيل: هم الضروب المتفرقون. والسواد: الشخص؛ لأنه يرى من بعيد أسود. وصرح أبو عبيد
(1)
بأنه شخص كل شيء من متاع أو غيره، والجمع: أسودة، وأساود جمع الجمع
(2)
.
السابع عشر:
النسم، والنسمة نفس الروح، وما بها: نسمة، أي: نفس، والجمع: نسم، قَالَه ابن سيده
(3)
. وقال الخطابي: هي النفس، والمراد أرواح بني آدم
(4)
. وقال ابن التين: ورويناه نسيم
(5)
بني آدم، والأول أشبه.
(1)
"غريب الحديث" 2/ 238.
(2)
"المحكم"(8/ 397). مادة: (سود).
(3)
"المحكم" 8/ 350.
(4)
"أعلام الحديث" 1/ 347.
(5)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وقال ابن قرقول: نسم
…
وعند .... نسيم يعني
…
قال: وهو تصحيف.
الثامن عشر:
فيه دلالة -كما قَالَ القاضي- أن نسم بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء، وقد جاء أن أرواح الكفار في سجين، قيل: في الأرض السابعة. وقيل: تحتها. وقيل: في سجن. ويقال: إنه واد في جهنم. حكاه ابن سيده
(1)
.
وأن أرواح المؤمنين منحمة في الجنة، فيحتمل أنها تعرض عَلَى آدم أوقاتًا، فوافق وقت عرضها مروره صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن كونهم في النار والجنة إنما هو في أوقات دون أوقات، بدليل قوله:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46].
ويحتمل أن تكون الجنة كانت في جهة يمين آدم، والنار [كانت]
(2)
في جهة شماله، وكلاهما حيث شاء الله
(3)
.
وضحكه وبكاؤه شفقة الوالد عَلَى ولده، وسروره لحسن حاله، وحزنه وبكاؤه لسوء حاله.
التاسع عشر:
آدم صلى الله عليه وسلم كنيته أبو البشر، وقيل: أبو محمد. وروى ابن عساكر من حديث علي مرفوعًا: "أهل الجنة ليس لهم كنى إلا آدم، فإنه يكنى أبا محمد"
(4)
.
ومن حديث كعب الأحبار: ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم، فإن له لحية سوداء إلى سرته؛ وذلك لأنه لم يكن له في الدنيا لحية، وإنما
(1)
"المحكم"(7/ 196) مادة: سجن.
(2)
من (ج).
(3)
"إكمال المعلم" 1/ 503.
(4)
"تاريخ دمشق" 7/ 388.
كانت اللحى بعد آدم. وليس أحد في الجنة يكنى إلا آدم، ويكنى في الدنيا أبا البشر، وفي الجنة أبا محمد
(1)
.
ثم قيل: إن آدم اسم سرياني. وقيل: مشتق، فقيل: أفعل من الأدمة.
وقيل: من لفظ الأديم؛ لأنه خلق من أديم الأرض. وقال النضر بن شميل: سمي آدم لبياضه. وذكر محمد بن علي أن الآدم من الظباء: الطويل القوائم. وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: "خلق الله آدم عَلَى صورته طوله ستون ذراعًا، فكل من يدخل الجنة عَلَى صورته، وطوله، وولد لآدم أربعون ولدًا في عشرين بطنًا
(2)
).
وروي أن آدم لما رأى داود قَالَ: يا رب، ما عمره؟ قَالَ: ستون، قَالَ: رب زد في عمره. قَالَ: لا، إلا أن يزيد من عمرك. قَالَ: وما عمري؟ قَالَ: ألف سنة. قَالَ آدم: وهبته أربعين سنة
(3)
.
فعلى هذِه الرواية عاش آدم ألف سنة إلا أربعين (عامًا)
(4)
. وقيل: بل أكمل ألفًا. وقال ابن قتيبة: ألف سنة إلا سبعين سنة. ولما أهبط من الجنة هبط بسرنديب من الهند بجبل يقال له: بُوذ.
ولما حضرته الوفاة اشتهى قطف عنب، فانطلق بنوه ليطلبوه، فلقيتهم الملائكة، فقالوا: أين تريدون؟ قالوا: إن أبانا اشتهى قطفًا.
قالوا: ارجعوا فقد كفيتموه. فرجعوا فوجدوه قد قبض، فغسلوه
(1)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/ 389.
(2)
سيأتي برقم (3326) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: خلق آدم وذريته.
(3)
رواه الترمذي (3076) كتاب: التفسير، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الألباني في "صحيح الجامع" (5208): صحيح.
(4)
في (ج): سنة.
وحنطوه وكفنوه، وصلى عليه جبريل، والملائكة خلفه، وبنوه خلفهم، ودفنوه، وقالوا: هذِه سنتكم في موتاكم.
ودفن في غار يقال له: غار الكنز في أبي قبيس، فاستخرجه نوح في الطوفان، وأخذه وجعله في تابوت سمسار معه في السفينة، فلما نضب الماء رده نوح إلى مكانه
(1)
.
العشرون:
معنى: "مرحبًا": أصبت رحبًا وسهلًا، فاستأنس ولا تستوحش، والصالح: هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد، وخصوه بذلك؛ لشموله عَلَى سائر الخلال المحمودة الممدوحة من الصدق والأمانة والعفاف والصلة والفضل.
ولم يقل له أحد: مرحبًا بالنبي الصادق والأمين؛ لشمول الصلاح سائر خلال الخير، ففيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب والكلام الحسن والدعاء لهم، وإن كانوا أفضل من الداعي، وجواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة.
الحادي بعد العشرين:
قوله: (قَالَ أنس فذكر أنه) -يعني: أبا ذر- أنه يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يُثْبِتْ كيْفَ مَنَازِلُهُمْ) -يعني: أن أبا ذر لم يثبت غير أنه ذكر أنه (وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ) - وفي الصحيحين من حديث أنس عن مالك بن صعصعة أنه وجد في السماء الدنيا آدم كما سلف في حديث أبي ذر، وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة: يوسف، وفي الرابعة:
(1)
انظر: "المعارف" ص 19.
إدريس، وفي الخامسة: هارون، وفي السادسة: موسى، وفي السابعة: إبراهيم
(1)
، وهو مخالف لرواية أنس عن أبي ذر أنه وجد إبراهيم في السادسة.
وكذا جاء في "صحيح مسلم" وأجيب: بأن الإسراء إن كان مرتين، فيكون رأى إبراهيم في إحداهما، في إحدى السماءين، ويكون استقراره بها ووطنه، والثانية في سماء غير وطنه. وإن كان مرة فيكون أولًا رآه في السادسة، ثم ارتقى معه إلى السابعة.
الثاني بعد العشرين:
قَالَ ابن الجوزي في "مشكله": إن قلتَ: كيف رأى الأنبياء في السماء ومدفنهم في الأرض؟ أجاب عنه ابن عقيل فقال: شكَّل الله أرواحهم عَلَى هيئة صور أجسادهم.
ومثله ذكر ابن التين، وقال: وإنما تعود الأرواح -يعني: إلى الأجساد- يوم البعث إلا عيسى عليه السلام فإنه حي لم يمت، وهو ينزل إلى الأرض.
قلت: الأنبياء أحياء، فلا يبعد أن نراهم حقيقة، وقد مر عَلَى موسى عليه أفضل الصلاة والسلام وهو قائم يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة.
الثالث بعد العشرين:
إدريس سمي بذلك؛ لدرسه الصحف الثلاثين التي أنزلت عليه،
(1)
يأتي برقم (3207) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، وهو في مسلم برقم (164) كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات.
فقيل: إنه حنوخ، ويقال: أحنوخ، ويقال: أحنخ. ويقال: أهيخ بن يرد بن مهليل بن قنين بن يانش بن شيث بن آدم.
قَالَ الجوَّاني: أمه
(1)
تدعى برة، وخنوخ سرياني وتفسيره بالعربي إدريس. قَالَ وهب: هو جد نوح. قَالَ ابن إسحاق: وهو أول بني آدم أعطي النبوة. وفي حديث أبي ذر مرفوعًا: "أول من كتب بالقلم إدريس"
(2)
.
وقد قيل: أنه إلياس، وأنه ليس بجد نوح، ولا هو في عمود هذا النسب. ونقله السهيلي
(3)
عن ابن العربي ويستشهد بحديث الإسراء، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كلما لقى نبيًّا من الأنبياء في تلك الليلة قَالَ: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح. وقال في آدم: بالابن الصالح. وكذا قَالَ في إبراهيم. وقال إدريس: والأخ الصالح. ولو كان في عمود نسبه لقال له كما قَالَ له إبراهيم وأبوه آدم، ويخاطبه بالبنوة ولم يخاطبه بالإخوة. وذكر بعضهم أن إدريس كان نبيًّا في بني إسرائيل
(4)
، فإن كان كذلك فلا اعتراض.
وأجاب النووي: بأنه يحتمل أنه قَالَه تلطفًا وتأدبًا، وهو أخ وإن كان
(1)
تكررت كلمة (أمه) في (س)، (ج).
(2)
جزء من حديث رواه ابن حبان (2/ 76 - 79 (361)، والطبرانى (2/ 157 - 158)(1651)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 166 - 168).
قال الهيثمي في "المجمع" 4/ 216: فيه: إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وأبو زرعة.
قال الألباني في "ضعيف الجامع"(2127): ضعيف جدًا.
(3)
"الروض الأنف" 2/ 162.
(4)
وهذا لا يصح؛ لأن يعقوب هو إسرائيل وهو حفيد إبراهيم وإدريس قبل إبراهيم عليهم السلام.
ابنا، والأبناء إخوة والمؤمنون إخوة
(1)
.
وقال أبو العباس بن المنير: أكثر الطرق عَلَى أنه خاطبه بالأخ الصالح. قَالَ: وقال لي ابن أبي الفضل: صحت لي طريق أنه خاطبه فيها بالابن الصالح.
وقال المازري: ذكر المؤرخون أن إدريس جد نوح، فإن قام دليل عَلَى أن إدريس أرسل لم يصح قول النسابين أنه قبل نوح؛ لإخبار نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض"
(2)
وإن لم يقم دليل جاز ما قال. وصح أن إدريس كان نبيًّا ولم يرسل
(3)
.
قَالَ السهيلي: وحديث أبي ذر الطويل يدل عَلَى أن آدم وإدريس رسولان
(4)
. قلت: أخرجه بطوله ابن حبان
(5)
.
وكان إدريس رجلًا طوالًا أبيض ضخم البطن عريض الصدر، وإحدى أذنيه -وقيل: عينيه- أعظم من الأخرى، وكان في خده نكتة بيضاء من غير برص، رفع إلى السماء الرابعة، ورآه صلى الله عليه وسلم فيها، وأول من خاط الثياب ولبسها وكان من قبله يلبسون الجلود، ورفع وهو ابن ثلثماثة وخمس وستين سنة.
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 2/ 120.
(2)
سيأتي برقم (4476) كتاب: التفسير، باب: قول الله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} .
ورواه مسلم (193) كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها.
(3)
انظر: "المعلم بفوائد مسلم" 1/ 105.
(4)
"الروض الأنف" 2/ 162.
(5)
"صحيح ابن حبان" 16/ 419 - 421 (7406).
الرابع بعد العشرين:
موسى: هو ابن عمران بن قاهث بن يصهر بن لاوى بن يعقوب.
سمي موسى؛ لأنه وجد في ماءٍ وشجر، والماء بلغتهم مو، والشجر شا بالمعجمة، فعرب بالمهملة، والصحيح أنه وجده في السماء السادسة.
وفي البخاري في كتاب بدء الخلق في صفته أنه جعد آدم طوال كأنه من رجال شنوءة
(1)
واختلف الرواة هل هو جعد أو سبط؟ وهل هو نحيف أو جسيم؟
الخامس بعد العشرين:
عيسى: هو ابن مريم عبد الله ورسوله وكلمته وروح منه. رآه في السماء مع ابن خالته يحيى بن زكريا. ونعته بأنه: ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس -يعني: حمَّامًا- وكان ابن عمر يحلف أنه صلى الله عليه وسلم يقله، ووصف بأنه آدم كأحسن ما رأى من أُدم الرجال. وفي بدء الخلق في البخاري: ورأيت عيسى رجلًا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس
(2)
.
قَالَ الداودي: ما أراه بمحفوظ؛ لأنه في رواية مالك: رجل آدم كأحسن ما أنت راءٍ
(3)
.
واختلف في مدة حمله عَلَى أقوال: أغربها: ساعة، وقيل: العادة ووضعته عند الزوال وهي بنت عشر أو ثلاث عشرة أو خمس عشرة، وكانت حاضت قبله حيضتين. وكلَّم الناسَ وهو ابن أربعين يومًا، ثم
(1)
سيأتي برقم (3239) باب: إذا قال أحدكم آمين.
(2)
سيأتي برقم (3239) باب: إذا قال أحدكم آمين
(3)
سيأتي برقم (5902)، كتاب: اللباس، باب: الجعد.
لم يتكلم بعدها حَتَّى بلغ زمن كلام الصبيان، وكان زاهدًا عابدًا سيَّاحًا يمشي عَلَى الماءِ، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، وكان قوته يومًا بيوم، وله حواريون، وعدتهم اثنا عشر رجلًا، كانوا أولاد قصارين أو صيادين أو ملاحين، وكان يقرأ التوراة والإنجيل حفظًا، رفعه الله إلى السماء، وينزل عَلَى المنارة البيضاء شرقي دمشق، ويقتل الدجال بباب لُدٍّ، وينزل حكمًا عدلًا، ويتزوج بعد نزوله ويولد له، ويدفن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء ذَلِكَ في حديث من طريق عائشة، أخرجه ابن الأبار
(1)
في "صلة الصلة" في باب: الأحمدين. واسم عيسى عبراني، وقيل: سرياني.
السادس بعد العشرين:
إبراهيم خليل الرحمن، ومعناه: أب راحم، وكنيته: أبو الضيفان.
وسأل جبريل عليه السلام: لم اتخذني ربي خليلًا؟ قَالَ: إنك تعطي الناس وتسد خلتهم ولا تسألهم. قيل: ولد بغوطة دمشق ببرزة في جبل قاسيون، والصحيح كما قَالَ ابن عساكر: أنه ولد بكوثى من إقليم بابل من العراق، وكان بينه وبين نوح عدة قرون. قيل: ولد عَلَى رأس ألفي سنة من خلق آدم
(2)
.
وذكر الطبري: أن إبراهيم إنما نطق بالعبرانية حين عبر النهر فارًا من النمرود، وقال نمرود للذين أرسلهم في طلبه: إذا وجدتم فتى يتكلم بالسريانية فردوه. فلما أدركوا إبراهيم استنطقوه، فحرَّك الله لسانه عبرانيًا، وذلك حين عبر النهر
(3)
.
(1)
انظر: "سير أعلام النبلاء" 23/ 336.
(2)
"تاريخ دمشق" 6/ 164.
(3)
"تاريخ الطبري" 1/ 185.
فسميت العبرانية بذلك، ودخل مصر وبها جبار من الجبابرة، قيل: اسمه سنان بن علوان، أخو الضحاك. وقيل: اسمه عمرو بن امرئ القيس بن بابلون بن سبأ بن يشجب بن يعرب، وكان عَلَى مصر، وكان مع إبراهيم زوجته سارة فأرادها الجبار، وقصتها معه مشهورة، (فأهدتها)
(1)
هاجر.
وبلغ عُمرُ إبراهيم مائتي سنة، وقيل: ينقص خمسة وعشرين، ودفن بالأرض المقدسة، وقبره معروف بالبلدة المعروفة بالخليل، وكان الوزغ ينفخ النار عَلَى إبراهيم لما ألقي في النار، فلذلك أمر بقتله
(2)
، كما أخرج في "الصحيح" من حديث أم شريك، كما سيأتي في الحج وغيره
(3)
.
ووجده النبي صلى الله عليه وسلم في السماء مسندًا ظهره إلى البيت المعمور.
السابع بعد العشرين:
قوله: (قَالَ ابن شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي ابن حَزْمٍ، أَنَّ ابن عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلَامِ")
قَالَ خلف في "أطرافه": حديث أبي حبَّة الأنصاري في المعراج أخرجه البخاري عن ابن بكير، عن الليث
(4)
، وعن عبدان، عن ابن المبارك
(5)
،
(1)
في (ج): فأخذتها.
(2)
انظر: "قصص الأنبياء" 1/ 223 - 302.
(3)
سيأتي برقم (1831) كتاب: جزاء الصيد، باب: ما يقتل المحرم من الدواب، و (3307) كتاب: بدء الخلق، باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، و (3359) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب:{وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} .
(4)
وهو رواية الباب.
(5)
سيأتي برقم (1636)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في زمزم.
وعن أحمد بن صالح، عن عنبسة
(1)
؛ كلهم عن يونس، وأخرجه مسلم عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس
(2)
.
وروى الطبراني هذِه القطعة، عن هارون بن كامل، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يونس، عن الزهري، وعن ابن السرح، عن محمد بن عزيز، عن سلامة بن روح، عن عقيل، عن الزهري
(3)
.
قَالَ الدمياطى
(4)
: ورواية أبي بكر عن أبي حبَّة منقطعة؛ لأنه قتل يوم أحد كما سيأتي.
وابن حزم: هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، بخاري، قاضي المدينة زمن سليمان بن عبد الملك، وابن عمه عمر مات سنة عشرين ومائة عن أربع وثمانين سنة، وقتل أبوه يوم الحرة
(5)
.
الثامن بعد العشرين:
أبو حبَّة بالباء، وقيل: بالمثناة تحت، وليس بشيء كما قاله القاضي عياض
(6)
، وأما صاحب "المطالع" فقال: الأكثر عَلَى الثاني
(7)
. وذكره الواقدي وغيره بالنون، وسموه مالك بن (عمرو)
(8)
، وقيل: عامر.
(1)
سيأتي برقم (3342) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ذكر إدريس عليه السلام.
(2)
سلف تخريجه.
(3)
"المعجم الكبير" 22/ (822).
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ومثل ما قال الدمياطي قال الرشيد العطار سليمان بن عبد الملك، في الأحاديث المقطوعة التي في مسلم.
(5)
انظر ترجمته في: "تهذيب الأسماء واللغات" 2/ 196 - 197 (229)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 313 - 314 (150)، "تهذيب التهذيب" 4/ 494 - 495.
(6)
"مشارق الأنوار" 2/ 223.
(7)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في الخامس بعد الخمسين كتبه مؤلفه.
(8)
في (ج): عمر.
وقيل: عمرو، وقيل: ثابت بن النعمان، وهو بدري بالاتفاق. كما قاله النووي
(1)
، واستشهد بأحد
(2)
.
واختلف أصحاب المغازي في أبي حبَّة الأنصاري وأبي حبَّة البدري، هل هما واحد أو اثنان، وهل هما بالباء أو النون؟
التاسع بعد العشرين:
معنى "ظهرت": علوت وارتفعتُ، ومنه قوله:"والشمس في حجرتها قبل أن تظهر"
(3)
. وقال تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33] أي: يعليه عَلَى الأديان كلها.
الثلاثون:
المستوى -بفتح الواو- المصعد، وهو المكان العالي، يقال: استوى إلى الشيء وعليه إذا علا عليه، وقيل: هو عبارة عن فضاء فيه استواء.
الحادي بعد الثلاثين:
"صَرِيفَ الأقلَامِ" -بالصاد المهملة- صوت حركتها وجريانها عَلَى المخطوط فيه مما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى، نسخًا من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله تعالى من أمره وتدبيره، ومنه صريف الباب.
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 2/ 221.
(2)
انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 4/ 164 (2937)، "أسد الغابة" 6/ 65 (5788)، "الإصابة" 4/ 41 (248).
(3)
جاءت هذِه الرواية في "صحيح مسلم"(611) كتاب: المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس.
قَالَ القاضي عياض: قد يكون مستوي حيث يظهر عدل الله و (حكمه)
(1)
لعباده هنالك، يقال للعدل: سواء مفتوح ممدود، وسوى مقصور مكسور، وقيل ذَلِكَ في قوله تعالى:{سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64]
(2)
.
وقال بعضهم: صرير -بالراء- هو الأشهر في اللغة، حكاه عبد الغافر الفارسي في ("مفهمه")
(3)
، ولا نسلم له.
الثاني بعد الثلاثين:
فيه دليل عَلَى أن الأشياء كالمقادير والوحي وغير ذَلِكَ مما شاء الله تكتب بالأقلام لا بقلم واحد.
الثالث بعد الثلاثين:
في هذا حجة لمذهب أهل السنة في الإيمان بصحة كتابة الوحي والمقادير في كتاب الله تعالى من اللوح المحفوظ، وما شاء بالأقلام الذي هو تعالى يعلم كيفيتها عَلَى ما جاءت به الآيات من كتاب الله والأحاديث الصحيحة، وأن ما جاء من ذَلِكَ عَلَى ظاهره، لكن كيفية ذَلِكَ وجنسه وصورته مما لا يعلمه إلا الله ومن أطلعه الله عَلَى غيبه من ذَلِكَ من ملك أو رسول.
الرابع بعد الثلاثين:
قوله: (قَالَ ابن حَزْم وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَفَرَضَ اللهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً") هو معطوف عَلَى الإسناد قبله فيما ذكره
(1)
في (ج): حكمته.
(2)
"إكمال المعلم" 1/ 510.
(3)
ليست في (ج).
أبو نعيم
(1)
والإسماعيلي وخلف.
الخامس بعد الثلاثين:
قوله: ("ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ") إلى قوله: ("فَرَاجَعْتُهُ") المراد: أن مكان سؤاله غير مكان سؤال موسى عليه السلام، فهو رجوع من مكان إلى مكان؛ لاستحالة المكان على من تفرد بالإمكان.
السادس بعد الثلاثين:
قوله: ("فَوَضَعَ شَطْرَهَا") كذا هنا، وفي رواية مالك بن صعصعة: فوضع في كل مرة عشرا، وفي الخامسة فأمر بخمس
(2)
.
وفي حديث آخر: كلما عاد وضع خمسًا
(3)
. والشطر هنا: الجزء، كما قاله عياض وغيره لا النصف
(4)
، فحط في مرات بمراجعات. وهذا الحديث مختصر لم تذكر فيه كرات المراجعة.
السابع بعد الثلاثين:
اختلف في هذا النقص من الفريضة، هل هو نسخ أم لا؟ عَلَى قولين:
أحدهما: أنه نسخ للعبادة قبل العمل بها، وأنكره النحاس؛ لأن مذهبه: أن العبادة لا يجوز نسخها قبل العمل بها؛ لأن ذَلِكَ عنده من البداء، وهو محال عَلَى الله؛ ولأنه نسخ قبل الوصول إلى المكلفين.
قَالَ: وإنما ادعى النسخ في ذَلِكَ القاشاني ليصحح بذلك مذهبه؛ أن البيان لا يتأخر، وإنما هي شفاعة شفعها لأمته.
(1)
"المستخرج على صحيح مسلم"(1/ 232 - 234)(420).
(2)
ستأتي برقم (3207) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة.
(3)
رواه الطبراني في "الكبير" 19 (270).
(4)
"إكمال المعلم" 1/ 504.
ووهى قوله السهيلي قَالَ: بل هو نسخ للتبليغ، وليس ببداء، والشفاعة لا تنافي النسخ، فإن النسخ قد يكون عن سبب معلوم، فشفاعته كانت سببًا للنسخ لا مبطلة لحقيقته، والمنسوخ حكم التبليغ الواجب عليه قبل النسخ. وأما أمته فلا نسخ في حقهم؛ لعدم وصوله إليهم، ثم هذا خبر فلا يدخله نسخ، فأخبر الرب تعالى أن عَلَى أمته خمسين صلاة، ومعناه أنها في اللوح المحفوظ خمسون، فأولها صلى الله عليه وسلم عَلَى أنها خمسون بالفعل، فتبين أنها في الثواب لا في العمل
(1)
.
فإن قلتَ: فما معنى نقصها عشرًا بعد عشر؟ فالجواب: أنه ليس كل الخلق يحضر قلبه في الصلاة من أولها إلى آخرها، وقد جاء أنه يكتب له ما حضر قلبه منها، وأنه يصلي فيكتب له نصفها، ربعها، حَتُّى انتهى إلى عشرها ووقف، فهي خمس في حق من يكتب له عشرها، وعشر في حق من كتب له أكثر من ذَلِكَ، وخمسون في حق من كملت صلاته مما يلزمه من تمام خشوعها، وكمال سجودها وركوعها. نبه عليه السهيلي
(2)
.
وفي كتاب الحكيم الترمذي: قَالَ الله تعالى: "قد فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة يوم خلقت السموات والأرض، فقم بها أنت وهم. فلم أزل أراجعه حَتَّى قيل: خمس بخمسين، فعلمت أنها عزيمة من ربي عز وجل"
(3)
. وللنسائي معناه من حديث أنس
(4)
.
الثامن بعد الثلاثين:
إنما اعتنى موسى عليه السلام بهذِه الأمة، وألح عَلَى نبيها أن يشفع لها،
(1)
انظر كلام النحاس والسهيلي في "الروض الأنف" 2/ 159.
(2)
"الروض الأنف" 2/ 160.
(3)
"الصلاة ومقاصدها" للحكيم الترمذي ص 48.
(4)
"سنن النسائي" 1/ 221.
وسأل التخفيف عنها؛ لأنه عليه السلام -والله أعلم- حين قضي إليه بالجانب الغربي، ورأى صفات أمة محمد في الألواح جعل يقول: إني أجد في الألواح أمة صفتهم كذا، اللَّهُمَّ اجعلهم أمتي، فيقال له: تلك أمة أحمد، حَتَّى قَالَ اجعلني من أمة أحمد.
وهو حديث مشهور في التفسير
(1)
. وكان إشفاقه عليهم، واعتناؤه بأمرهم كما يعتني بالقوم من هو منهم. وكانت أمة موسى كلفت من الصلاة ما لم يكلف غيرها، فثقلت عليهم، فخاف عَلَى أمة محمد مثل ذَلِكَ.
التاسع بعد الثلاثين:
السدر: شجر النبق، واحدتها سِدرة، وجمعها: سِدَر وسدور، الأخيرة نادرة. ويجمع في القليل عَلَى سِدَرات وسدْرات كما ذكر أبو حنيفة، ويجوز سِدِرات بكسر الدال أيضًا، ذكره النووي قَالَ: وكذلك تجمع كِسرة وما أشبهها
(2)
.
قَالَ أبو حنيفة: وأجود نبق يعلم بأرض
(3)
العرب بهجر.
فإن قلت: لم اختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر؟ قيل: لأن السدرة تختص بثلاثة أوصاف: ظل مديد، وطعام لذيذ، ورائحة ذكية، فشابهت الإيمان الذي يجمع قولًا وعملًا ونية، فظلها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النية لكمونه، ورائحتها بمنزلة القول لطهوره.
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 6/ 66 (15142).
(2)
"تهذيب الأسماء واللغات" 3/ 146.
(3)
ليست في (ج).
الأربعون:
سدرة المنتهى فوق السماء السابعة. وقال الخليل: في السابعة، قد أظلت السموات والجنة
(1)
.
وجاء في رواية أنها في السماء السادسة، والأول عليه الأكثرون، وهو الذي يقتضيه المعنى. ويحتمل أن يجمع بينها، فيكون أصلها في السادسة
(2)
، ومعظمها في السابعة يخرج من أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان وهما: السلسبيل والكوثر، ونهران ظاهران وهما: النيل والفرات.
وذكر عياض أن أصل سدرة المنتهي في الأرض لخروج النيل والفرات من أصلها
(3)
.
واعترض عليه: بأنه لا يلزم ذَلِكَ، بل معناه أن الأنهار تخرج من أصلها، ثم تسير حيث أراد الله تعالى حَتَّى تخرج من الأرض وتسير فيها، وهو ظاهر الحديث.
وعن ابن عباس أنها عن يمين العرش
(4)
. وقال صاحب "المطالع": إنها أسفل العرش لا يجاوزها ملك ولا نبي. وفي الأثر: إليها ينتهي ما يعرج من الأرض وما ينزل من السماء فيقبض منها
(5)
.
وقيل لها: سدرة المنتهى؛ لانتهاء ما يخرج من تحتها وما أهبط من فوقها. وقال كعب: لأنه ينتهي إليها علم كل ملك مقرب، ونبي مرسل.
(1)
"معجم العين"(7/ 224) مادة: سدر.
(2)
هذِه الرواية عند مسلم (173) كتاب: الإيمان، باب: في ذكر سدرة المنتهى.
(3)
"إكمال المعلم" 1/ 503.
(4)
رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 517 (32510).
(5)
السابق 11/ 514، 515 (32492) عن عبد الله.
قَالَ: وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله
(1)
.
وقيل: تنتهي إليها أرواح الشهداء. وقيل: لأن روح المؤمن تنتهي به إليها، فيصلي عليه هنالك الملائكة المقربون، قاله ابن سلام في تفسير:(عليين).
وفي "مسند الحارث بن أبي أسامة": "لو غطيت بورقة من ورقها هذِه الأمة لغطتهم"
(2)
. وجاء أن ورقها كآذان الفيلة، ونبقها كقلال هجر
(3)
.
الحادي بعد الأربعين:
قوله: ("وغشيها ألوان لا أدري ما هي") هي أصناف من النور، ومن الملائكة.
وقوله: ("ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ") فيه: ما قد يدل عَلَى أن السدرة ليست في الجنة. وقال ابن دحية: "ثم" في هذا الحديث في مواضع ليست للترتيب كما في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17] إنما هي مثل الواو للجمع والاشتراك، فهي بذلك خارجة عن أصلها.
الثاني بعد الأربعين:
قوله: ("فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ")، هكذا الرواية هنا بحاء مهملة، ثم باءموحدة، ثم ألف، ثم ياء مثناة تحت ثم لام.
(1)
السابق 11/ 514 (32490).
(2)
"بغية الباحث"(22).
قلت في سنده: أبو حمزة ميمون الأعور، قال الذهبي في "الميزان" (5/ 359) قال أحمد: متروك الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال النسائي: ليس بثقة.
(3)
رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 517 (32509) عن قتادة.
وذكره البخاري في كتاب الأنبياء "جنابذ" بجيم، ثم نون، ثم ألف، ثم باء موحدة، ثم ذال معجمة
(1)
، كما وقع في مسلم
(2)
عَلَى الصواب، جمع جنبذة، وهو ما ارتفع من البناء، كما سيأتي.
قَالَ ابن التين: قيل: إن الغلط في حبائل إنما جاء من قبل الليث عن يونس، وهو تصحيف. والجنابذ: شبه القباب. وقال يعقوب: هو ما ارتفع من البناء، وقد وقع هذا المعنى مفسرًا بالقباب من رواية محمد بن جرير الطبري:"فإذا هو بنهر بجنبتيه قباب اللؤلؤ"
(3)
.
وقال ابن الأثير: إن صحت رواية حبائل، فيكون أراد به مواضع مرتفعة كحبال الرمل، كأنه جمع حبالة وحبالة: جمع حبل على غير قياس
(4)
.
وفي رواية الأصيلي عن الزهري: "دخلت الجنة فرأيت فيها جنابذ من اللؤلؤ، وترابها المسك، فقلت: لمن هذا يا جبريل؟ قَالَ: للمؤذنين والأئمة من أمتك". وقال صاحب "المطالع": كذا لجميعهم في البخاري حبائل، ومن ذهب إلى صحة الرواية قَالَ: إن الحبائل: القلائد والعقود، أو يكون من حبال الرمل، أي: فيها اللؤلؤ كحبال الرمل أو من الحبلة، وهو ضرب من الحلي معروف. قَالَ: وهذا كله بحبل ضعيف، بل هو بلا شك تصحيف من الكاتب، والحبائل إنما تكون جمع حبالة أو حبيلة.
(1)
سيأتي برقم (3342) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ذكر إدريس عليه السلام.
(2)
مسلم (163) كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات.
(3)
"تاريخ الطبري" 1/ 536.
(4)
"النهاية"(1/ 333) مادة: حبل.
وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل": جنابذ اللؤلؤ: قبابه، واحدها جنبذة: وهي القبة. قَالَ: وقد وقع في بعض النسخ حبائل بالحاء المهملة، وفي نسخة: بالمعجمة، وكله تصحيف، والصحيح: جنابذ (اللؤلؤ)
(1)
. قَالَ ابن دحية في "الابتهاج": فهي كلمة فارسية معربة.
واعلم أن الأئمة رضي الله عنهم اعتنوا بالإسراء، وأفردوه بالتأليف، منهم: أبو شامة، وابن المنير في مجلد ضخم، وابن دحية، فلنلخص من كلامهم فوائد:
الأولى:
لا بد لك عند مرورك بهذا الحديث بطرقه عندما يتصور فيه وهمك من استحضار قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وتنفي الجهة والجسمية والتكلم بحرف أو صوت تعالى الله عن ذَلِكَ، وفوض علم ذَلِكَ إلى الرب جل جلاله، أو أوله عَلَى ما يليق به مع التنزيه، فالحجب للمخلوق لا للخالق، وحي ربك قدسه هناك، واجعل العرش قبلتك في المناجاة بعيدًا
(2)
.
(1)
من (ج).
(2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 5/ 262 - 263:
أما من اعتقد الجهة، فإن كان يعتقد أن الله في داخل المخلوقات تحويه المصنوعات، وتحصره السموات، ويكون بعض المخلوقات فوقه، وبعضها تحته، فهذا مبتدع ضال.
وكذلك إن كان يعتقد أن الله يفتقر إلى شيء يحمله -إلى العرش، أو غيره- فهو أيضًا مبتدع ضال، وكذلك إن جعل صفات الله مثل صفات المخلوقين، فيقول: استواء الله كاستواء المخلوق، أو نزوله كنزول المخلوق، ونحو ذلك، فهذا مبتدع ضال، فإن الكتاب والسنة مع العقل دلت على أن الله لا تماثله المخلوقات في شيء من الأشياء، ودلت على أن الله غني عن كل شيء، ودلت على أن الله مباين للمخلوقات عال عليها. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وإن كان يعتقد أن الخالق تعالى بائن عن المخلوقات، وأنه فوق سمواته على عرشه بائن من مخلوقاته، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، وأن الله غني عن العرش وعن كل ما سواه، لا يفتقر إلى شيء من المخلوقات، بل هو مع استوائه على عرشه يحمل العرش وحملة العرش، بقدرته، ولا يمثل استواء الله باستواء المخلوقين، بل يثبث لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وينفي عنهن مماثلة المخلوقات، ويعلم أن الله ليس كمثله شيء: لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا أفعاله. فهذا مصيب في اعتقاده موافق لسلف الأمة وأئمتها.
فإن مذهبهم أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فيعلمون أن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش. وأنه كلم موسى تكليمًا وتجلى للجبل فجعله دكًا هشيمًا.
ويعلمون أن الله ليس كمثله شيء في جميع ما وصف به نفسه، وينزهون الله عن صفات النقص والعيب، ويثبتون له صفات الكمال، ويعلمون أنه ليس له كفوًا أحد في شيء من صفات الكمال، قال نعيم بن حماد الخزاعي: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهًا. والله أعلم. اهـ.
وقد أجاب شيخ الإسلام على قول من قال: هل كلام الله هو حرف وصوت أم لا؟
في "مجموع الفتاوى" 12/ 243 - 244.
فقال: إطلاق الجواب في هذِه المسألة نفيًا وإثباتًا خطأ. وهي من البدع المولدة، الحادثة بعد المائة الثالثة، لما قال قوم من متكلمة الصفاتية: إن كلام الله الذي أنزل على أنبيائه -كالتوراة، والإنجيل، والقرآن، والذي لم ينزله، والكلمات التي كون بها الكائنات، والكلمات المشتملة على أمره ونهيه وخبره، ليست إلا مجرد معنى واحد. هو صفة واحدة قامت بالله، إن عبر عنها بالعبرانية كانت التوراة، وإن عبر عنها بالعربية كانت القرآن، وأن الأمر والنهي والخبر صفات لها. لا أقسام لها، وأن حروف القرآن مخلوقة، خلقها الله ولم يتكلم بها، وليست من كلامه، إذ كلامه لا يكون بحرف وصوت. =
وما أحسن قوله كليم: "لا تفضلوني عَلَى أخي يونس"
(1)
فإنه نهى عن تفضيل مقيد بالمكان لا مطلقه. وقال مالك: خص به للتنبيه عَلَى التنزيه؛ لأن نبينا رفع إلى العرش، ويونس هبط إلى قاموس البحر، ونسبتهما من جنب الجهة إلى الحق واحدة، وإلا فنبينا أقرب منه.
الثانية:
الباء في قوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} ؟ [الإسراء: 1] تفيد المصاحبة
= عارضهم آخرون من المثبتة فقالوا: بل القرآن هو الحروف والأصوات، وتوهم قوم أنهم يعنون بالحروف المداد، وبالأصوات أصوات العباد، وهذا لم يقله عالم.
والصواب الذي عليه سلف الأمة -كالأمام أحمد والبخاري صاحب الصحيح، في "كتاب خلق أفعال العباد" وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم- أتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة، وهو أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره، ولكن أنزله على رسوله، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعنى، ولا لمجرد الحرف، بل لمجموعهما، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط، ولا المعاني فقط، كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح، ولا مجرد الجسد، بل مجموعهما، وأن الله تعالى يتكلم بصوت، كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك كأصوات العباد، لا صوت القارئ ولا غيره، وأن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته، فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوق، ولا معانيه تشبه معانيه، ولا حروفه يشبه حروفه، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد، فمن شبه الله بخلقه فقد ألحد في أسمائه وآياته، ومن جحد ما وصف به نفسه فقد ألحد في أسمائه وآياته.
(1)
سيأتي برقم (3395) بلفظ: "لاينبغي بعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى" كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15)} من حديث ابن عباس، رواه مسلم (2377) كتاب: الفضائل، باب: في ذكر يونس عليه السلام.
بالإلطاف والعناية والإسعاف، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم:"أنت الصاحب في السفر"
(1)
. ولذلك يظهر الفرق بين قوله: لله على أن أحج بفلان أو أحج فلانًا. وانظر إلى هذا مع قوله تعالى: {يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22]، يظهر لك خصوصية للحق دون عموم الخلق.
الثالثة:
كان الإسراء ليلًا لوجوه:
أحدها: أنه وقت الخلوة والاختصاص ومجالسة الملوك، وهو أشرف من مجالستهم نهارًا، فهو وقت تناجي الأحبة، ووقت مجيء الطيف: وهو الخيال، فخص بوصف الكمال.
ثانيها: أن الله أكرم قومًا من أنبيائه بأنواع الكرامات ليلًا، قَالَ تعالى في قصة إبراهيم:{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام: 6]، فوجودها دال عَلَى وجوب وجود صانعها ومدبرها. وقال تعالى في قصة لوط:{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81]، وقال:{نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34]، وقال في يعقوب:{سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: 98] أخَّر دعاءه إلى وقت السحر من ليلة الجمعة. وقرب موسى نجيًا ليلًا. وذلك قوله: {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} [القصص: 29] وواعده أربعين ليلة. وقال لما أمره بالخروج من مصر ببني إسرائيل: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)} [الدخان: 23].
ثالثها: أن الله تعالى أكرمه ليلًا بأمور منها انشقاق القمر
(2)
، وإيمان الجن به
(3)
. ورأى الصحابة آثار نيرانهم عَلَى ما ثبت في "صحيح
(1)
رواه مسلم (1342) كتابك الحج، باب: ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره.
(2)
سيأتي برقم (4867) كتاب: التفسير، باب:{وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} .
(3)
سيأتي برقم (4921) من كتاب: أحاديث الأنبياء.
مسلم"
(1)
. وخرج إلى الغار ليلًا عَلَى مائة من قريش عَلَى بابه ينتظرونه ليقتلوه بزعمهم، قَالَ تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية [الأنفال: 3].
رابعها: أن الله تعالى قدم ذكره عَلَى النهار في غير ما آية، فقال:{وجَعَلْنَا اْلَّيْلَ وَاَلنَهَارَءَايَتَيْنِ} [الإسراء: 12]، وقوله:{وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس:40] أي: بل له حد محدود إذا ذهب سلطانه جاء سلطان النهار. وليلة النحر تغني عن الوقوف نهارًا عَلَى الصحيح؛ لحديث عروة بن مضرس
(2)
[الصحيح]
(3)
.
خامسها: أن الليل كالأصل، ولهذا كان أول الشهور، ومن آياته أن سواده يجمع منتشر ضوء البصر، ويحد كليل النظر، ويستلذ فيه بالسمر، واجتلاء وجه القمر، وفيه تخلو الأحباب بالأحباب، ويتصل الوصل بينهم ما انقطع من الأسباب.
سادسها: أنه لا ليل إلا ومعه نهار، وقد يكون نهار بلا ليل، وهو يوم القيامة الذي مقداره خمسون ألف سنة.
سابعها: أنه الليل محل استجابة الدعاء والغفران والعطاء، وإن ورد
(1)
"صحيح مسلم"(450) كتاب: الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح.
(2)
عن عروة بن مضرس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف، يعني: لجمع، قلت: جئت يا رسول الله من جبل طي، أكللت مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جَبْل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أدرك معنا هذِه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه"، رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي 5/ 263 - 264، وفي "الكبرى" 2/ 431 (4046)، وابن ماجه (3016) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (1704): إسناده صحيح.
(3)
ساقطة من (ج).
الحديث: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة أو يوم الجمعة"
(1)
فذاك بالنسبة إلى الأيام، فليلة القدر خير من ألف شهر، وقد دخل في هذِه الليلة أربعة آلاف جمعة بالحساب الجملي، فتأمل هذا الفضل الخفي.
ثامنها: أن أكثر أسفاره صلى الله عليه وسلم كان ليلًا، ومن ذَلِكَ حديث الوادي، وأمر أمته بسيره، فقَالَ:"عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل"
(2)
.
تاسعها: لينفي عنه ما ادعته النصارى في عيسى بن مريم لما رفع إلى (السماء)
(3)
نهارًا، وادعوا فيه البنوة تعالى الله عن ذَلِكَ.
عاشرها: لأنه وقت الاجتهاد للعبادة منه صلى الله عليه وسلم، فقد قام حَتَّى تورمت قدماه
(4)
. وكان قيام الليل في حقه واجبًا، وقال في حقه:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)} [المزمل: 1، 2]، فلما كانت عبادته ليلًا أكثر أُكْرِمَ بالإسراء فيه، وأمره بقوله:{وَمِنَ اَلَّيلِ فَتَهَجَّدْ} الآية [الإسراء: 79].
الحادي عشر: ليكون أجر (المصدق)
(5)
به أكثر ليدخل فيمن آمن بالغيب دون من عاينه نهارًا، وفيه إبطال للتنويه أن الظلمة شأنها الإهانة والشر، والنور من شأنه الإكرام والخير.
(1)
رواه مسلم (854) كتاب: الجمعة، باب: فضل يوم الجمعة، من حديث أبي هريرة.
(2)
رواه أبوداود (2571)، وابن خزيمة (2555)، والحاكم (1/ 445) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "الصحيحة"(681)، وفي "صحيح سنن أبي داود"(2317).
(3)
من (ج).
(4)
سيأتي برقم (4836) من حديث المغيرة، كتاب: التفسير، باب:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} .
(5)
في الأصول: المتصدق، والمثبت من عمدة القاري، ولعله الصواب.
الرابعة:
إن قلت: قد قررت سر الإسراء ليلًا، وضد ذَلِكَ إغراق فرعون نهارًا، وإبراز جثته، ولا شك أن ظهور الآيات نهارًا أظهر. قلت: ذا في حقه إهانة، وذاك في حق نبينا كرامة، وشتان ما بينهما.
الخامسة:
كان الإسراء في حق نبينا عَلَى وجه المفأجاة، والتكليم في حق موسى عن ميعاد وموافاة، دل عَلَى الأول: "بينا أنا
…
إذ فرج سقف بيتي" فحمل عنه ألم الانتظار كما حمل عنه ألم الاعتذار، فشتان ما بين المقامين، وكم بين مُريد ومُراد، وبين من كُلم عَلَى الطور، وبين من دعي إلى أعلى أعالي البيت المعمور، وبين من سخرت له الريح (مسيرة شهر)
(1)
بمسألته، وبين من ارتقى من الفرش إلى العرش في ساعة زمانية، وأقل مسافته آلاف لمكالمته، وأعار من المستوى إلى الرفوف فذاك لا يحصى أمده ولا يستقصى.
السادسة:
ثبت بالتواتر أنه صلى الله عليه وسلم عرج به عَلَى دابة يقال له البراق
(2)
، ووصف خلقها؛ وسمي براقًا لسرعة سيره، تشبيهًا ببرق السحاب، وعرج به عليه إظهارًا لكرامته؛ لكرامة الراكب عَلَى غيره، ولذلك لم ينزل عنه لما جاء في حديث حذيفة: ما زايل ظهر البراق حَتَّى
(1)
في (ج): مرةً شهرًا.
(2)
سيأتي برقم (3883) كتاب: مناقب الأنصار، باب: حديث الإسراء.
ورواه مسلم (162) كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات.
رجع
(1)
، وإنما لم يذكر في الرجوع للعلم به؛ لقرينة الصعود ويتعلق بالبراق مسائل:
إحداها: جاء أن البراق استصعب له وما ذاك إلا تيهًا وزهوًا بركوبه، وقول جبريل "أبمحمد تستصعب؟! " تحقيق الحال، وقد أرفض عرقًا من تيه الجمال، وقد قيل: إنه ركبه الأنبياء قبله، أيضًا، وقيل: إن جبريل ركب معه.
ثانيها: رفعه عَلَى البراق للتأنيس بالمعتاد، وإلا فالرب تعالى قادر عَلَى رفعه في أقل من طرفة عين، فإنه مطلوب مراد.
ثالثها: كان البراق كشكل البغل؛ لأن الركوب في سِلْمِ وأمن لا في حرب وخوف، ولإسراعها عادة، وركب صلى الله عليه وسلم بغلته في الحرب في قصة حنين؛ لتحقيق ثبوته في مواطن الحرب، وإلا فركوبها موضع الأمن والطمأنينة، فالحرب عنده كالسلم، وركوب الملائكة الخيل في الحرب؛ لأنها المعهودة فيها، وما لطف من البغال واستدار أحمد وأحسن بخلاف الخيل، وكانت بغلته بيضاء -أي: شهباء، وكذا كان البراق.
السابعة:
قد سلف في الوجه الحادي والعشرين اختلاف الروايات في ترتيب الأنبياء في السماوات، فمنهم من توقف عن الخوض في سر ذَلِكَ، ومنهم من باح به، ثم اختلفوا، فمنهم من قَالَ: إنما اختص من
(1)
رواه الترمذي (3147)، وأحمد 5/ 392، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" "تحفة" 5/ 578 - 479 (3690). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني في "الإسراء"(6)، وفي "الصحيحة"(874).
اختص منهم بلقاء الرسول صلى الله عليه وسلم عَلَى عرف الناس إذا تلقوا الغائب مبتدرين له، فلابد غالبًا أن يسبق بعضهم بعضًا، ويصادف بعضهم اللقاء ولا يصادفه بعضهم، وهذِه طريقة ابن بطال
(1)
.
وذهب غيره من شيوخ الأندلس إلى أن ذَلِكَ تنبيه عَلَى الحالة الخاصة بهؤلاء الأنبياء عليهم السلام، وتمثيل لما سيتفق للرسول صلى الله عليه وسلم مما اتفق لهم مما قصه الله عليهم في كتابه، وهذا يرجع إلى فن التعبير، فمن رأى في منامه نبيًا من الأنبياء كان ذَلِكَ دليلًا عَلَى حالة عرفت بذلك الشيء ينال الرائي أو أهل زمانه منها طرقًا.
قَالَ: فآدم عليه السلام تنبيه عَلَى الهجرة؛ لأن آدم خرج من الجنة بعداوة إبليس له وتحيليه عَلَى ذَلِكَ، فنظيره خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة بأذى قومه له وللمسلمين، وعيسى ويحيى دليل عَلَى ما سيلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى اليهود؛ لأنهم قتلوا يحيى، وراموا قتل عيسى فرفعه الله إليه.
وكذلك فعلت اليهود برسول صلى الله عليه وسلم، داروا حول قتله حَتَّى سموا له الشاة، وأكل منها، فأخبرته الكتف بما صنعوا، وأقرت المرأة بذلك، وعفا عنها صلى الله عليه وسلم، وقال في مرض موته:"ما زالت أكلة خيبر تعاودني، فهذا أوان قطعت أبهري"
(2)
ويوسف عليه السلام دليل عَلَى ظفره صلى الله عليه وسلم بقومه، وإحسانه إليهم. وقد ظفر بطائفة من أهله في غزوة بدر كالعباس عمه، وعقيل ابن عمه، وذلك قبل أن يسلما، فعفا عنهما، وفداهما، وقال يوم فتح مكة لما عفا عن قريش: "أقول كما قَالَ أخي يوسف: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 12.
(2)
سيأتي برقم (4428) كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92]
(1)
.
ونظير ذَلِكَ حال يوسف مع إخوته، وهارون عليه السلام دليل عَلَى أن قومه سيحبونه، وينقلب بغضاؤهم ودادا. وكذلك صنع الله لنبيه. وقد كان هارون عليه السلام محببًا (إلى)
(2)
قومه بني إسرائيل، وكانوا يؤثرونه عَلَى موسى.
قَالَ: وإدريس دليل ما اتفق من كتاب الرسول إلى الآفاق؛ فإن إدريس كان يخط، وهو أول من كتب بالقلم. ونظير حال موسى عليه السلام فيما آل إليه أمره من لقاء الجبابرة، وإخراجهم من الأرض المقدسة حال رسول الله صلى الله عليه وسلم (في)
(3)
فتح مكة وقهره للمستهزئين المتكبرين من قريش.
ونظير حال إبراهيم عليه السلام في إسناده ظهره إلى البيت المعمور، حال الرسول صلى الله عليه وسلم في حجه البيت، واختتام عمره بذلك، نظير لقاء إبراهيم آخر السموات، ولا بأس بذلك، ولكن يحتاج إلى تنبيهات:
منها: إجراؤه لذكر التعبير، فإن ذَلِكَ يوهم أن قصة الإسراء كانت منامًا، وقد صححنا أنها يقظة.
والذي يرفع الإشكال أن الفأل في اليقظة نظير الأحلام. وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن
(4)
. وهذا القدر كافٍ لئلا نخرج إلى حد السآمة.
(1)
رواه أبو الشيخ في "أخلاق النبي" 1/ 260 (80) من حديث عمر بن الخطاب، وفي سنده ضعف لجهالة حال بعض آل عمر.
(2)
في (ج): في قومه.
(3)
في (ج): على.
(4)
روى الحاكم بسنده إلى أبي بردة بن أبي موسى قال: أتيت عائشة فقلت: يا أماه، حدثيني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الطير تجري =
وحينئذ نرجع إلى ما نحن بصدده فنقول:
قال البخاري:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ قَالَتْ:"فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ حيِنَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الحَضَرِ".
وهذا الحديث أخرجه مسلم (د. س) أيضًا هنا
(1)
. وفي البيهقي من حديث داود ابن أبي هند، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة قَالَت: إن أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن، زاد ركعتين غير المغرب؛ لأنها وتر غير صلاة الغداة. قالت: وكان إذا سافر صلى صلاته الأولى
(2)
.
وما ذكره عبد الملك بن حبيب في "شرح الموطأ" ثنا أسد بن موسى، ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن: من صلاته عليه السلام صبيحة الإسراء: الظهر والعصر أربعًا، والمغرب ثلاثًا، والعشاء أربعًا فلا يقاوم هذا. وقوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101] فلا يعارض ما نحن فيه؛ لجواز أن يكون (ذكر)
(3)
ذَلِكَ بعد زيادة
= بقدر" وكان يعجبه الفأل الحسن. ثمَّ قال: قد احتج الشيخان برواة هذا الحديث على آخرهم غير يوسف بن أبي بردة، والذي عندي أنهما لم يهملاه بجرح ولا بضعف، بل لقلة حديثه فإنه عزيز الحديث جدًّا. اهـ. "المستدرك" 1/ 32 كتاب: الإيمان، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4985).
(1)
مسلم (685) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها.
(2)
"السنن الكبرى" 1/ 363 كتاب: الصلاة، باب: عدد ركعات الصلوات الخمس.
(3)
سقط من (ج).
ركعتين في الحضر. وزعم ابن عباس، ونافع بن جبير بن مطعم، والحسن، وابن جريج أن الصلاة فرضت أولًا أربعًا، وفي السفر ركعتين ركعتين: فقولها: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين. يجوز أن يكون قبل الإسراء إن عني بذلك قيام الليل، أو صلاة الغداة والعشي، فإنها كانت ركعتين ركعتين، وإليه الإشارة بقوله:(من صلى البردين دخل الجنة)
(1)
، كما سلف، والزيادة عند الإكمال، لكن الظاهر أن المراد حين فرضها ليلة الإسراء، ففي حديث معمر، عن، الزهري، عن عروة، عن عائشة: فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، ففرضت أربعًا، وتركت صلاة السفر على الأولى، وذكر ابن عبد البر، عن الحسن والشعبي في صلاة الحضر كانت بعد الهجرة بعام أو نحوه
(2)
. وأدعى بعضهم فيما حكاه المنذري أنه يحتمل أن يكون المراد، ففرضها ركعتين إن اختار المسافر ذلك فعل وجهها في المقدار لا في الإيجاب، والذي عليه الجمهور [ما]
(3)
، على حكاه ابن بطال في حديث عائشة في الكتاب، كما أنها أفتت بخلاف ذلك، وأنها كانت تتم في السفر، لكنها قضت أن القصر ليس على الإيجاب، فلذلك أتمت
(4)
.
فائدة: زيادة ركعتين على ركعتين نسخ للأول لا زيادة صلاة خلافًا، كما نبه عليه السهيلي
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (574) كتاب مواقيت الصلاة، باب: فضل صلاة الفجر.
ورواه مسلم برقم (635) كتاب: المساجد، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر.
(2)
"التمهيد" 8/ 43.
(3)
ليست في الأصل، والسياق يقتضيها.
(4)
"شرح ابن بطال " 2/ 8، 10.
(5)
"الروض الأنف" 1/ 283.
2 - باب وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ
وقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ". فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذى، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. [فتح: 1/ 465]
351 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلاَّهُنَّ. قَالَتِ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ، إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا".
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطَيَّةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بهذا. [324 - مسلم 890 - فتح: 1/ 466]
ما ترجم عليه هو مذهب الثلاثة: الشافعي
(1)
وأحمد
(2)
وأبي حنيفة
(3)
، وعامة الفقهاء وأهل الحديث أن ستر العورة شرط في صحة الصلاة، فرضها ونفلها، وظاهر مذهب مالك كما قال ابن رشد في "قواعده" بعد أن قال: اتفق العلماء على أنها فرض بإطلاق: إنها من سنن الصلاة
(4)
.
(1)
"الأم" 1/ 77، "الحاوي" 2/ 165، "أسنى المطالب" 1/ 170، "روضة الطالبين" 1/ 284، "مغني المحتاج" 1/ 184.
(2)
"الإفصاح" 1/ 254، "المغني" 2/ 283، "الممتع" 1/ 353، "المبدع" 1/ 359.
(3)
"تحفة الفقهاء" 2/ 95، "بدائع الصنائع" 1/ 106، "فتح القدير" 1/ 256.
(4)
انظر: "بداية المجتهد" 1/ 222.
وعن بعضهم أنه شرط عند الذكر دون النسيان، فإن قلت: هل يستدل للقول الثاني بحديث عمرو بن سلمة لما تقلصت بردته، فقالت امرأة: غطوا عنا إست قارئكم
(1)
.
قلت: لا. لأنه كان فاقدًا لها، وأيضًا كان ذلك في أول الإسلام، وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا:"لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة"
(2)
.
ومن حديث المسور أنه صلى الله عليه وسلم قال له: "ارجع إلى ثوبك فخذه، ولا تمشوا عراة"
(3)
.
وفي "صحيح ابن خزيمة" من حديث عائشة مرفوعًا: "لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار"
(4)
.
وهو المراد برواية أبي داود: صلاة حائض. والترمذي: صلاة الحائض
(5)
.
وسيأتي في "صحيح البخاري" من حديث أبي سعيد الخدري النهي عن الاحتباء في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء
(6)
.
ثم قال البخاري: وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} .
وكأنه رحمه الله فهم أن المراد بها الثياب، ولذلك ساقه بعد أن بوب
(1)
سيأتي برقم (4302) كتاب: المغازي، باب: من شهد الفتح.
(2)
مسلم (338) كتاب: الحيض، باب: تحريم النظر إلى العورات.
(3)
(341) كتاب: الحيض، باب: تحريم الاعتضاد بحفظ العورة.
(4)
ابن خزيمة 1/ 380 (775).
(5)
أبو داود (196)، والترمذي (377) وقال: حسن، وصححه الألباني في "الإرواء"(196).
(6)
سيأتي برقم (367) كتاب: الصلاة، باب: ما يستر من العورة.
بذلك، وهو ما رواه البيهقى عن طاوس، وقال مجاهد: فيها وارِ عوزتك ولو بعباءة
(1)
.
وقال أبو محمد بن حزم: اتفقوا على أنه ستر العورة
(2)
.
وقال ابن بطال: أجمع أهل التأويل على أنها نزلت في الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة؛ ولذلك أمر أن لا يطوف بالبيت عريان
(3)
.
وقال ابن رشد: من حمل {خُذُوا} على الندب قال: المراد بذلك الزينة الظاهرة من الرداء وغيره من الملابس التي هي زينة، مستدلًّا لذلك بما في الحديث أنه كان رجال يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان
(4)
.
ومن يحمله على الوجوب استدل بحديث مسلم عن ابن عباس: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة فتقول: من يعيرني تطوافا. وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله
…
وما بدا منه فلا أحله
فنزلت الآية السالفة
(5)
، وفي رواية وهب بن جرير: كانت المرأة إذا طافت بالبيت تخرج صدرها وما هناك، فأنزل الله الآية
(6)
.
وعند الواحدي كان أناس من العرب يطوفون بالبيت عراة، حتى إن كانت المرأة لتعلق على أسفلها سيورًا مثل هذِه السيور التي تكون على وجه الحمر من الذباب وهي تقول: اليوم يبدو. وفي لفظ: وعلى فرجها خرقة
(7)
.
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 223.
(2)
"المحلى" 3/ 209.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 15.
(4)
"بداية المجتهد" 1/ 223.
(5)
مسلم (3028) كتاب: التفسير، باب:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} .
(6)
رواه الطبري في "التفسير" 5/ 469 (14512)، والبيهقي في "سننه" 2/ 223.
(7)
"أسباب نزول القرآن" ص 228 - 229.
وقال ابن عباس: المراد بالمسجد المسجد الحرام خاصة؛ تعظيمًا له، فإن النساء يطفن حول البيت عراة في الجاهلية ليلًا، فإذا أرادته نهارًا استعارت ثيابًا من ثياب أهل الحرم، فتطوف بها، فأقبلت امرأة ذات جمال، فأبوا أن يعيروها ثوبًا وقالوا: حتى ننظر إلى خلقها. فطافت عريانة وقالت:
اليوم يبدو بعضه أو كله
…
....................
وجاء أنها ضباعة بنت عامر لما أرادت فراق ابن جدعان تخيل أنها تتزوج بالوليد بن المغيرة، فقال: إن تزوجت به تطوفين بالبيت نهارًا عريانة، ففعلته أسبوعًا.
وفي "تفسير الثعالبي"
(1)
أن بني عامر كانوا يطوفون في الجاهلية عراة، الرجال نهارًا، والنساء ليلًا.
وفي الآية أقوال أُخر غريبة:
أحدها: أن الزينة: المشط، قاله عطية وأبو روق
(2)
.
ثانيها: رفع اليدين في الصلاة، قاله القاضي التنوخي.
ثالثها: الصلاة بالنعلين، ورد في حديث مرفوع من طريق أبي جريرة، لكن وهاه العقيلي
(3)
، والواجب من اللباس في الصلاة ما تستر به العورة وما زاد فحسن.
(1)
2/ 116.
(2)
انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي 3/ 187، "تفسير الماوردي" 2/ 218.
(3)
حديث أبي هريرة المشار إليه رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" 4/ 212 من طريق مسلمة بن علي، عن ابن عجلان، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا زينتكم في الصلاة"، قلنا: يا رسول الله وما هو؟ قال: "البسوا نعالكم". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال العقيلي ولا يتابع عليه وذكر بأسانيده إلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري تضعيفهم لمحمد بن سلمة هذا.
ورواه أيضًا ابن عدي في "الكامل" 6/ 213 من طريق بقية عن علي القرشي، عن ابن عجلان عن صالح، عن أبي هريرة به.
وقال: وهذِه الأحاديث التي أمليتها يرويها علي بن أبي علي وهو مجهول يحدث عُن بقية بغير ما ذكرت.
ثم رواه من طريق محمد بن الفضل، عن كرز بن وبرة، عن عطاء، عن أبي هريرة به 7/ 354، ومن طريقه الجرجاني في "تاريخ جرجان" 1/ 399، وأخرجه أبو نعيم أيضًا من طريق محمد بن الفضل به 5/ 83، وأخرجه أيضًا الجوزي في "الموضوعات" 2/ 384 (961) وقال: قال أحمد بن حنبل: محمد بن الفضل ليس بشيء، حديثه حديث أهل الكذب.
وقال ابن أبي حاتم في "العلل" 1/ 149: سألت أبي عن حديث رواه محمد بن المصفي، عن بقية، عن ابن عجلان، عن صالح، عن أبي هريرة به. قال أبي: هذا حديث منكر.
وقال أيضًا 1/ 155: سألت أبي عن حديث رواه بقية، عن علي القرشي، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة بمثله، قال أبي: هذا حديث منكر وعلي القرشي مجهول.
وقال الدارقطني في "العلل" 9/ 25، 26: يرويه بقية واختلف عنه فرواه ابن المصفي، عن بقية، عن ابن عجلان، عن صالح، عن أبي هريرة وغيره يرويه عن بقية، عن علي القرشي، عن ابن عجلان، عن صالح، عن أبي هريرة وهو أشبه.
وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" 1/ 23 - 24: رواه ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعًا. وفي إسناده: محمد بن الفضل كذاب، وقد رواه أبو الشيخ من طريق أخرى. ورواه العقيلي من طريق عباد، عن جويرية، وهو كذاب، ورواه الخطيب وابن مردويه من غير طريق هذين الكذابين، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن أكثر من ثلاثين صحابيًا في الصلاة في النعال ما لا يحتاج معه إلى أحاديث الكذابين.
ثم قال البخاري: وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ". قال البخاري: وفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ
(1)
.
هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد العزيز بن محمد، عن موسى بن إبراهيم، عن سلمة بن الأكوع، قلت: يا رسول الله، إني رجل أصيد فأصلي في القميص الواحد؟ قال:"نعم، وأزره ولو بشوكة"
(2)
، وفي رواية: إني أكون في الصيد وأصلي ليس علي
(1)
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 465 - 466: (ويذكر عن سلمة) قد بين السبب في ترك جزمه به بقوله: (وفي إسناده نظر). وقد وصله المصنف في "تاريخه" وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان واللفظ له من طريق الدراوردي عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة، عن سلمة بن الأكوع قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رجل أتصيد، أفأصلي في القميص الواحد؟ قال:" ".
ورواه البخاري أيضًا عن إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه، عن موسى بن إبراهيم، عن أبيه، عن سلمة زاد في الإسناد رجلا، ورواه أيضًا عن مالك بن إسماعيل، عن عطاف بن خالد قال: حدثنا موسى بن إبراهيم. قال حدثنا سلمة، فصرح بالتحديث بين موسى وسلمة، فاحتمل أن يكون رواية أبي أويس من المزيد في متصل الأسانيد، أو يتكون التصريح في رواية عطاف وهمًا.
فهذا وجه النظر في إسناده، وأما من صححه فاعتمد رواية الدراوردي وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها، وطريق عطاف أخرجها أيضًا أحمد والنسائي، وأما قول ابن القطان: إن موسى هو ابن محمد بن إبراهيم التيمي المضعف عند البخاري وأبي حاتم وأبي داود وأنه نسب هنا إلى جده فليس بمستقيم؛ لأنه نسب في رواية البخاري وغيره مخزوميًا وهو غير التيمي بلا تردد. نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم، فإن كان محفوظًا فيحتمل على بعد أن كان يكونا جميعًا رويا الحديث وحمله عنهما الدراوردي، وإلا فذكر محمد فيه شاذ، والله أعلم.
(2)
أبو داود (632)، والنسائي 2/ 70، وصححه ابن خزيمة 1/ 381 (778)، ابن حبان 6/ 71 (2294)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 250. وقال صحيح ووافقه الذهبي. وقال النووي في "خلاصة الأحكام " (967) 1/ 327 - 328: إسناده حسن، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(643).
إلا قميص واحد، قال:"فزره، وإن لم تجد إلا شوكة"
(1)
.
وموسى هذا، قال ابن القطان: إنه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وهو منكر الحديث
(2)
.
ولعل هذا هو الذي أشار إليه البخاري بالنظر السالف، وقد قال في حقه في كتاب "الضعفاء": موسى بن إبراهيم
(3)
في حديثه مناكير
(4)
، لكن أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" عن نصر بن علي، عن عبد العزيز، عن موسى بن إبراهيم، قال: سمعت سلمة. وفي رواية: وليس علي إلا قميص واحد أو جبة واحد فأزره؟ قال: "نعم، ولو بشوكة"
(5)
ورواه ابن حبان أيضًا في "صحيحه" عن إسحاق بن إبراهيم ثنا ابن أبي عمر، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة، عن سلمة بن الأكوع، قلت: يا رسول الله إني أكون في الصيد وليس علي إلا قميص واحد؟ قال: "فأزره ولو بشوكة"
(6)
(1)
هذا الرواية بهذِه اللفظة عند الطبرانى في "الكبير" 7/ 29 (6279) ونحوها عند أحمد 4/ 49.
(2)
"بيان الوهم والإيهام" 5/ 537.
(3)
لم أجد هذا القول في موسى بن إبراهيم، لكن قوله: في حديثه مناكير قبل في موسى بن محمد بن إبراهيم.
(4)
"الضعفاء الصغير" ص 107 (347) ووقع فيه موسى بن محمد بن إبراهيم وليس موسى بن إبراهيم.
(5)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 381 (777، 778).
(6)
"صحيح ابن حبان" 6/ 71 (2294).
ورواه الحاكم أيضًا في "مستدركه" وقال: هذا حديث مدني صحيح
(1)
.
قلت: وظهر بهذِه الرواية أن موسى
(2)
هذا غير السالف الذي ظنه ابن القطان، وفيه ضعف أيضًا ولكنه دون ذاك، وقد قيل: عن موسى بن محمد
(3)
بن إبراهيم، عن أبيه، عن سلمة ذكره ابن بطال في "شرحه"
(4)
، فهذا اختلاف آخر.
وقوله: (يأزره ولو بشوكة) أي: يجمع بين طرفيه بشوكة، فيقوم ذلك مقام الأزرار إذا شدها، يقال: زررت له القميص أزره -بالضم- زرًا إذا شددت أزراره، وأزررت القميص إذا جعلت له أزرارًا.
وقال ابن سيده: الزر: الذي يوضع في القميص، والجمع أزرار وزرور وأزر القميص جعل له زرًا، وأزره: شد عليه أزراره، وقال ابن الأعرابي: زر القميص إذا كان محلولًا، فشده وأزره لم يكن له زر فجعل له، وزر الرجل: شد زره، عن اللحياني
(5)
.
(1)
المستدرك " 1/ 250.
(2)
هو موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، ذكره ابن حبان في "الثقات". قال ابن المديني: موسى بن إبراهيم وسط. قال أبو حاتم: موسى بن إبراهيم هذا غير موسى بن محمد بن إبراهيم، ذاك ضعيف. وقد فرق البخاري بينهما أيضًا. انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 7/ 279 (1184)، "الجرح والتعديل" 8/ 133 (603)، "الثقات" لابن حبان 5/ 402، "تهذيب الكمال" 29/ 18 (6233).
(3)
في الأصل: محمد بن محمد بن إبراهيم، جاءت هكذا مكررة، والصواب ما أثبتناه.
(4)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 17.
(5)
"المحكم" 9/ 7، مادة:(زرر).
وفي "الفصيح": أزرر عليك قميصك وزره مثلث الراء
(1)
. وأورد البخاري هذا الحديث؛ ليدل على وجوب ستر العورة، إذ لو كان سنة لما قال له ذلك، ورخص مالك في الصلاة في القميص محلول الأزرار ليس عليه سراويل ولا رداء
(2)
، وهو قول الشافعي والكوفيين وأبي ثور، إلا أنه إن رأى من عيب عورته أعاد الصلاة عندهم
(3)
.
ثم قال البخاري رحمه الله: وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذى.
وهذا منه دال على الاكتفاء بالظن فيما يصلي فيه، لا القطع، وقد روى أبو داود بإسناد جيد من حديث أم حبيبة وقد سألها أخوها معاوية: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى
(4)
.
ثم قال البخاري رحمه الله: وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ
(5)
.
يريد بذلك نداء علي رضي الله عنه في الحج لما أرسله لينبذ إلى كل ذي عهد عهده، وكأن البخاري أخذ اشتراط ستر العورة في الصلاة منه؛ لأنه لما كان في الطواف صلاة وقد أمر بالستر فالصلاة أولى؛ لذا خطر لي في استنباطه كما خطر لي في استنباط ما قبله، ثم رأيت ابن المنير لما ذكر قوله: ومن صلى في الثوب الذي يجامع فيه إلى آخره.
(1)
"فصيح ثعلب" ص 11.
(2)
"المدونة" 1/ 95.
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 377 - 380، "المجموع" 3/ 179 - 180، "المغني" 2/ 295.
(4)
"سنن أبي داود"(366)، ورواه ابن خزيمة (776)، وابن حبان 6/ 101 (2331)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" الألباني (392).
(5)
سيأتي برقم (369) باب: ما يستر من العورة.
قال: ذكر فيه حديث أم عطية: أمرنا أن نخرج الحيض. وليس فيه ما يدل على الصلاة الذي يجامع منه، لكن في أبي داود، ثم ذكر حديث أم حبيبة السالف، وقد علمت أن وجه الاستنباط منه، وحديث أم عطية ذكره لفائدة أخرى سأبديها.
ثم ساق البخاري رحمه الله حديث أم عطية. وفيه: قَالَتِ أمْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ:"لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا".
وهذِه المرأة هي أم عطية، وكنت بها عن نفسها في رواية، قلت: يا رسول الله، إحدانا
…
الحديث.
وذكر البخاري بعضه معلقًا في كتاب الحيض
(1)
، وسيأتي بطوله في العيدين
(2)
إن شاء الله.
ثم قال البخاري: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ.
وعبد الله هذا هو الغُداني نسبة إلى غدان بن يربوع بن حنظلة
(3)
(1)
سبق في باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. قبل حديث رقم (305) وقد ساقه البخاري أيضًا مسندًا في نفس الكتاب -الحيض- برقم (324) باب: شهود الحائض العيدين
…
(2)
سيأتي فيه مترجمًا عليه في أكثر من موضع بأرقام (971، 974، 980، 981).
(3)
هو عبد الله بن رجاء الغداني البصري، روى عن إسحاق بن يزيد الكوفي، وعمران بن دوار القطان، وجرير بن أيوب البجلي، روى عنه البخاري، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، وروى الدارمي، عن يحيى بن معين: كان شيخًا صدوقًا لا بأس به، وسُئل أبو زرعة عنه فجعل يثني عليه وقال: حسن الحديث عن إسرائيل، وقال عمرو بن علي: صدوق كثير الغلط والتصحيف ليس بحجة، وقال النسائي: عبد الله بن رجاء المكي والبصري كلاهما ليس بهما بأس، وذكره ابن حبان =
ووهم من جعل أنه المكي
(1)
، وعمران هو ابن داور
(2)
، الراء في آخره، وفيه ضعف. استشهد به البخاري هنا وفي غزوة ذات الرقاع
(3)
، فروي له في كتاب "الأدب"
(4)
والأربعة
(5)
.
= في "الثقات"، وقال عنه يعقوب بن سفيان: ثقة، وروى الدوري عن يحيى بن معين أنه ليس من أصحاب الحديث، وقال أبو حاتم: كان ثقة، وقال عنه الذهبي: من ثقات البصريين ومسنديهم، وقال عنه ابن حجر: صدوق يهم قليلًا.
انظر: "تاريخ الدارمي" ص 181 (652)، "الجرح والتعديل" 5/ 55 (255)، "الثقات" لابن حبان 8/ 352، "تهذيب الكمال" 14/ 495 (3262)، "ميزان الاعتدال" 3/ 135 (4309)، "تهذيب التهذيب" 2/ 332، "تقريب التهذيب"(3312).
(1)
هو عبد الله بن رجاء المكي أبو عمران، روى عن سفيان الثوري، وروى عنه أحمد بن حنبل وحسنه ووثقه ابن معين وقال: أبو حاتم صدوق، وقال أبو زرعة: شيخ صالح، ووثقه ابن حبان، ومحمد بن سعد، وقال الذهبي: كان صدوقًا محدثًا، وقال ابن حجر: ثقة تغير حفظه قليلًا.
انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 5/ 500. "الثقات" لابن حبان 8/ 339، "تهذيب الكمال " 14/ 500، "ميزان الاعتدال" 3/ 135 (4308)، "تقريب التهذيب " ص 302 (3313).
(2)
هو عمران بن داور القطان، روى عن بكر بن عبد الله المزني، والحسن البصري، روى عنه عبد الله بن رجاء الغدائي وأبو علي الحنفي، قال أحمد بن حنبل: أرجو أن يكون صالح الحديث، وقال يحيى بن معين: ليس بالقوي. وقال النسائي: ضعيف. ووثقه ابن حبان، وقال ابن حجر: صدوق يهم. وذكره العقيلي في "الضعفاء". وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه انظر: "الضعفاء الكبير" 3/ 300 (1309)، "تهذيب التهذيب" ص 429 (5154)، "الكامل" 6/ 162 (1265)، "تهذيب الكمال" 22/ 328.
(3)
سيأتي برقم (4125).
(4)
"الأدب المفرد"(825).
(5)
"سنن أبي داود"(1136)، "سنن الترمذي"(539)، "سنن النسائي" 1/ 193، 194، "سنن ابن ماجه"(1307).
وهذا الأثر وصله الطبراني في "معجمه الكبير" فقال: حدثنا على بن عبد العزيز، عن عبد الله بن رجاء فذكره
(1)
، وساق البخاري هذا التصريح بسماع ابن سيرين من أم عطية وروي ذلك عن أختها حفصة، وصحح الدارقطني رواية ابن سيرين عن أم عطية
(2)
.
والجلباب كالملاءة، وكأن البخاري ساق حديث أم عطية في الباب لأن الشارع صلى الله عليه وسلم أمر بإلباس الجلباب، وما ذاك إلا أنه يوم زينة، وإذا كان كذلك فالمصلي أحق بالبر؛ لأنه يناجي ربه، كذا خطر لي فيه.
(1)
"المعجم الكبير" 25/ 50.
(2)
"علل الدارقطني" 15/ 373 (4079).
3 - باب عَقْدِ الإِزَارِ عَلَى القَفَا فِي الصَّلَاةِ
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ: صَلَّوْا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ.
352 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِى وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: صَلَّى جَابِرٌ فِى إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ، وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: تُصَلِّى فِى إِزَارٍ وَاحِدٍ؟! فَقَالَ: إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِى أَحْمَقُ مِثْلُكَ، وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [353، 361، 370 - مسلم 3008 - فتح: 1/ 467]
353 -
حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَقَالَ رَأَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِى ثَوْبٍ. [انظر: 352 - مسلم: 518 - فتح: 1/ 468]
هذا التعليق خرجه مسندًا في باب: إذا كان الثوب ضيقًا
(1)
كما ستعلمه قريبًا بزيادة، والإزار يذكر ويؤنث، سمِّي إزارًا؛ لأنه يشد به الظهر، قال تعالى:{فَأَزَرَهُ} نبه عليه الداودي، وفي "المحكم"
(2)
أنه الملحفة، ويقال: فيه مئزر. عن اللحياني.
ثم ساق حديث واقد بن محمد عن محمد بن المنكدر قَالَ: صَلَّى جَابِرٌ فِى إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ، وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: تُصَلِّي فِى إِزَارٍ وَاحِدٍ؟! فَقَالَ: إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ، وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وهذا الطريق انفرد به البخاري، وفي مسلم أن القائل فيه عبادة بن
(1)
سيأتي برقم (361).
(2)
"المحكم" 9/ 64.
الوليد بن عبادة بن الصامت
(1)
.
ثم ساق من حديث محمد أيضًا قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ واحد.
والمشجب -بكسر الميم- أعواد متداخلة يجعل عليها الثياب، ويؤخذ من فعل جابر أن العالم يأخذ بأيسر الشيء مع قدرته على أكثر منه، توسعة على العامة، وليقتدي به، ألا ترى أنه صلى في ثوب واحد وثيابه على الشجب، ففي ذلك جواز الصلاة في الثوب الواحد لمن يقدر على أكثر منه، وهو قول عامة الفقهاء، إلا أنه قد روي عن ابن عمر خلاف ذلك، وروي عن ابن مسعود مثل قول ابن عمر، روى ابن أبي شيبة عنه: لا يصلين في ثوب وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض
(2)
.
وروي عن مجاهد: لا يُصلى في ثوب واحد إلا أن لا يجد غيره
(3)
.
وقول ابن بطال: إن ابن عمر لم يتابع على قوله
(4)
. فيه نظر إذن، نعم عامة الفقهاء على خلافه، وفيه الأحاديث الصحيحة عن جماعة من الصحابة: جابر، وأبي هريرة، وعمر بن أبي سلمة، وسلمة بن الأكوع
(5)
.
(1)
مسلم (3008) كتاب: الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر.
(2)
"المصنف" 1/ 279 (3205).
(3)
السابق.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 19.
(5)
هذِه الأحاديث بجملتها في الصحيح وسيتعرض المصنف لها بالشرح والتعليق في هذا الباب وفي الباب بعده.
وعقد الإزار على القفا في الصلاة إذا لم يكن مع الإزار سراويل ولا مئزر، ومعنى الحديث السالف في الباب قبله:"يزره ولو بشوكة". وهو باليد في ستر العورة في الصلاة؛ لأنه إذا عقد إزاره في قفاه وركع لم تبد عورته؛ فلذلك كانت الصحابة تعقد من أزرهم في الصلاة إذا لم يكن تحتها ثوب آخر.
نعم، في "صحيح ابن حبان" من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعًا:"إذا صلى أحدكم فليتزر وليرتدِ"
(1)
، ولابن القطان صحيحًا:"إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبه فالله أحق أن يزين له، فمن لم يكن له ثوبان فليتزر ولا يشتمل"
(2)
.
والمراد بالأحمق في حديث جابر: الجاهل كما سيأتي في باب الصلاة بغير رداء، لا بأس للعالم أن يصف بالحمق من جهل دينه، وأنكر على العلماء ما غاب عنه علمه من السنة.
(1)
ابن حبان 4/ 613 (1713).
(2)
"بيان الوهم والإيهام" 5/ 283.
4 - باب الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ مُلْتَحِفًا بِهِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: المُلْتَحِفُ: المُتَوَشِّحُ، وَهْوَ المُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَهْوَ الاشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ. قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: التَحَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبٍ، وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.
354 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ. [355، 356 - مسلم: 517 - فتح: 1/ 468]
355 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَدْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ. [انظر: 354 - مسلم: 517 - فتح: 1/ 469]
356 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ. [انظر: 354 - مسلم: 517 - فتح: 1/ 469]
357 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ- أَنَّ أَبَا مُرَّةَ -مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:«مَنْ هَذِهِ؟» . فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ» . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ بْنَ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» . قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى. [انظر: 280 - مسلم 336 - فتح: 1/ 469]
358 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الُمسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَوَلكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟ ". [365 - مسلم: 515 - فتح: 1/ 470]
وهذا ذكره بعد مسندًا
(1)
، والعاتق: يذكر ويؤنث.
ثم ساق من حديث عمر بن أبي سلمة أنه صلى الله عليه وسلم صَلّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ.
ثم ساق من حديثه أيضًا أنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمّ سَلَمَةَ، قَدْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.
ثم ساق حديثه أيضا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.
ثم ساق حديث أبي مُرَّةَ -مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَابٍ- عن أُمِّ هَانِئٍ أنها ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابنتُهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:"مَنْ هذِه؟ ". فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالبٍ. فَقَالَ: "مَرْحَبًا يا أمَّ هَانِئٍ". فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ ابن أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ بْنَ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ". ثم قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَلكَ ضُحًى.
ثم ساق من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَوَلكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟ ".
(1)
سيأتي برقم (357).
أما حديث عمر بن أبي سلمة فخرجه مسلم أيضًا في الصلاة
(1)
والأربعة
(2)
وأما حديث أم هانئ: فسلف في الغسل مختصرًا
(3)
.
وأما حديث أبو هريرة: فأخرجه مسلم أيضًا
(4)
وأبو داود
(5)
والنسائي
(6)
وابن ماجه
(7)
، وبقية الباب سلف في الباب قبله وهو صريح وهو قوله عليه السلام:"أوَلكلكم ثوبان".
والتوشح أن يأخذ طرف الثوب، الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ الطرف الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم يعقدهما على صدره، صرح به ابن سيده
(8)
وغيره.
قال الجوهري: والتحفت بالثوب تغطيت به وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به والتوشح هو نوع من الاشتمال تجوز الصلاة به؛ لأن فيه مخالفة طرفي الثوب على عاتقه كما فعله الشارع وأمر به واشتمال الصماء المنهي عنه خلاف هذا، ومعنى مخالفته بين طرفيه لئلا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع، وقد يقال: المعنى: عدم السقوط إذا ركع وإذا سجد.
ثم في حديث أم هانئ فوائد فلنوردها مختصرة:
فيه: سلام المرأة والتلبية والملاطفة بقوله: مرحبًا أي صادفت رحبًا وسعة.
(1)
مسلم (517) باب: الصلاة في ثوب واحد وصفة لُبسه.
(2)
أبو داود (628)، والترمذي (339)، والنسائي 2/ 70، وابن ماجه (1049).
(3)
سلف برقم (280) باب: التستر في الغسل عند الناس.
(4)
مسلم (515) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد وصفة لُبسه.
(5)
أبو داود (625).
(6)
النسائي 2/ 69 - 70.
(7)
ابن ماجه (1047).
(8)
"المحكم" 3/ 361.
والكلام على الاغتسال وهذِه الصلاة: صلاة الضحى كما جاء في بعض طرقه، وفي بعضها أنها صلاة الإشراق، وهذا يرد قول من ادعى أنها صلاة الصبح.
ومعنى زعم هنا: ذكر أمرًا لا أعتقد موافقته فيه. وقولها: (ابن أمي) تعني: عليًّا، فإنه أخوها شقيقها، وإنما قالت: ابن أمي؛ لتؤكد الحرمة والقرابة والمشاركة في بطن وكثرة ملازمة الأم، وهو موافق؛ لقوله تعالى: حكاية عن هارون لموسى قال: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} [طه: 94].
وقولها: (فلان بن هبيرة) هو والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، كذا هو في كتاب الزبير بن بكار وفي الطبراني، فقلت: يا رسول الله، إني أجرت حمويَّ، وفي رواية حموي ابن هبيرة وفي وراية حمويّ ابني هبيرة
(1)
.
وفي كتاب الأزرقي أنها أجارت عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي والحارث بن هشام
(2)
.
وقال ابن عبد البر: استتر عندها رجلان من بني مخزوم وأجارتهما، قيل: إنهما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية. وقيل: أحدهما جعدة بن هبيرة. قال: والأول أصح. قال: وهبيرة بن أبي وهب زوجها، وولدت له جعدة وغيره
(3)
.
قال ابن الجوزي: قولها: (فلان بن هبيرة) إن كان من أولاده منها، فالظاهر أنه جعدة. قلت: لكن رواية حموي بعيدة، ولم تكن تحتاج إلى إجارة ابنها.
(1)
الطبراني 24/ 414 - 417.
(2)
"أخبار مكة" 2/ 162.
(3)
"التمهيد" لابن عبد البر 21/ 189.
أمان المرأة: قال ابن عبد البر: أجازه العلماء كلهم -أجاز ذلك الإمام أو لم يجزه- وهو ظواهر الأخبار. وشذ ابن الماجشون فمنع أمانها
(1)
.
قلت: وكأنه يقول: إنما تمت إجارتها بإجازة الشارع، ولو كانت إجارتها لازمة لم يقل:"أجرنا".
وقوله في حديث أبي هريرة "أوَلكلكم ثوبان": لفظة استخبار، ومعناه: إخبار عن ضيق حالهم وتقريرها عندهم، وفي ضمنه الفتوى من طريق الفحوي ثم استقصر علمهم واستبطأ فهمهم، فكأنه قال: إذا كان ستر العورة واجبًا والصلاة لازمة، وليس لكل واحد ثوبان، فكيف لم يعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد ليست جائزة؟
قال الطحاوي: وصلاته صلى الله عليه وسلم في الثوب الواحد في حال وجود غيره، من الأخبار المتواترة
(2)
، قلت: وقد سلف جملة منها في الباب قبله وسيأتي أيضًا
(3)
.
(1)
السابق.
(2)
"شرح معاني الأثار" 1/ 381.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في السادس بعد الخمسي، كتبه مؤلفه، غفر الله له.
5 - باب إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عَاتِقَيْهِ
359 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُصَلِّي أَحَدُكمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَئءٌ". [انظر: 360 - مسلم: 516 - فتح: 1/ 471]
360 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُهُ -أَوْ كُنْتُ سَأَلْتُهُ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ". [انظر: 359 - فتح: 1/ 471]
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ".
حَدَّثنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُهُ -أَوْ كُنْتُ سَأَلْتُهُ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ".
أما حديث أبي هريرة الأول: فأخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وأما الثاني: فهو من أفراده، قال الإسماعيلي: كذا رواه البخاري ورويناه عن الحسين، عن أبي نعيم كذلك بالشك في السماع أو الكتاب، لا أعلم أحدًا ذكر فيه سماع يحيى، عن عكرمة.
(1)
مسلم (516) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد وصفه لبسه.
ورواه هشام وحسين المعلم ومعمر ويزيد بن سنان كل قال عن عكرمة لم يذكر خبرًا ولا سماعًا، وما عندنا عن أبي نعيم والحسين على الشك.
وأخرجه أبو داود من حديث يحيى، عن عكرمة، عن أبي هريرة
(1)
بغير شك. وأما فقه الباب فالذي فيه محمول عند الأئمة على التنزيه خلا أحمد، فإنه في رواية، قال: لا تصح صلاته إذا صلى في ثوب واحد، وقدر على وضع شيء على عاتقيه فلم يضعه، عملًا بظاهر الحديث، وعنه رواية أنها تصح مع الإثم بالترك. ونقل ابن المنذر عن أبي جعفر: لا صلاة لمن لم يكن مخمر العاتقين
(2)
. قال الخطابي: ويدل على صحة مقالة الأولين ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى في ثوب واحد وكان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة، والثوب الواحد لا يتسع طرف منه ليئتزر به ويجعل على عاتقه منه
(3)
.
(1)
أبو داود (627).
(2)
"الأوسط" 5/ 56.
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 350.
6 - باب إِذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا
361 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الَحارِثِ قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنِ الصُّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"مَا السُّرى يَا جَابِرُ؟ ". فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ:"مَا هذا الاشْتِمَالُ الذِي رَأَيْتُ؟ ". قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ. يَعْنِي: ضَاقَ. قَالَ: "فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ". [انظر: 352 - مسلم: 518، 3010 - فتح: 1/ 472]
362 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ، وَقَالَ لِلنِّسَاءِ:"لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا". [814، 1215 - مسلم: 441 - فتح: 1/ 473]
ذكر فيه حديث جابر وفيه: "مَا السُّرى يَا جَابِرُ؟ ". فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ:"مَا هذا الاشْتِمَالُ الذِي رَأَيْتُ؟ ". قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ. يَعْنِي: ضَاقَ. قَالَ: "فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ".
وهو من أفراد البخاري، من طريق سعيد بن الحارث عنه. ورواه مسلم من حديث عبادة عنه
(1)
، في الحديث الطويل، "يا جابر: إذا كان واسعًا فخالف بين طرفيه، وإن كلان ضيقًا فاشدده على حقويك".
والسُّرى: سير الليل، فالمعنى: لأي شيء سُراك الليلة.
والاشتمال: الالتفاف بالثوب ولا يخرج يده منه، فلذا أنكره.
وفيه: طلب الحوائج ليلًا من السلطان بخلاء موضعه وسره.
(1)
مسلم (3008) كتاب: الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل.
ثم ذكر فيه أيضًا حديث سَهْلٍ: كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ، وَقَالَ لِلنِّسَاءِ:"لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا".
وهذا قد علق البخاري بعضه
(1)
، فيما مضى قريبًا وأسنده هنا عن مسدد ثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي حازم، عن سهل وسيأتي أيضًا قريبًا
(2)
، ويثبت هذا الحديث أن ثياب أولئك الرجال قصيرة وكساويهم قليلة لمكان العقد، فأمر النساء ألا يرفعن رءوسهن حتى يستوي الرجال جلوسًا، لئلا يشاهدن عورة الرجال. ولا خلاف أنه لو كشفت الريح مئزره أو ثوبه وظهرت عورته، ثم رجع الثوب من حينه أن صلاته لا تبطل، وكذلك المأموم إذا رأى من العورة ذلك.
وقال ابن القاسم: إن فرط في رد إزاره فصلاته وصلاة من تأمل عورته باطلة. وعن سُحنون: إن رفع الريح ثوب الإمام، فانكشف عن دبره، فأخذه مكانه أجزأه ويعيد كل من نظر إلى عورته، ممن خلفه ولا شيء على من لم ينظر.
وروي عنه أيضًا: أن صلاته وصلاة من خلفه فاسدة. وإن أخذه مكانه
(3)
، وعند أحمد يعفي: عن القليل من العورة
(4)
، وإلا لم يحده. واغتفر بعض الأئمة دون الربع
(5)
.
(1)
سلف معلقًا في باب: عقد الإزار على القفا في الصلاة قبل حديث (352).
(2)
سيأتي برقم (814) كتاب: الأذان، باب: عقد الثياب وشدها.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 209.
(4)
انظر: "المغني": 2/ 287، 331.
(5)
منهم الحنفية، انظر "بدائع الصنائع" 1/ 117.
واختلف عندهم في الدبر والإليتين، فقيل: الكل عورة واحدة، فيعتبر ربعه، وقيل: كل إلية عورة، والدبر ثالثهما
(1)
، وعند الشافعي القليل والكثير سواء، حتى الشعرة من رأس الحرة وظفرها
(2)
. وعند الحنفية أن انكشاف القليل لا يمنع، وكذا الكثير في زمن قليل، وهو أن لا يؤخر عنه ركنًا من أركان الصلاة، ولا يصح شروعه مع الانكشاف
(3)
.
وعندهم قول: إن من نظر من زيقه ورأي فرجه تبطل صلاته، وكذا إذا كان قميصه محلول الجيب وانفتح حتى رأى عورة نفسه وإن لم ينظر
(4)
. فعلى هذا: الستر شرط من نفسه، وعامة أصحابهم جعلوه شرطًا من غيره فقط؛ لأنها ليست عورة في حق نفسه
(5)
.
وحكى الأول شيخنا قطب الدين في "شرحه" عن "شرح الهداية" عن الشافعي وأحمد وتابعه عن شرحه، ولا أعرفه عن الشافعي. قيل: مذهبه الصحة.
(1)
انظر: "شرح فتح القدير" 1/ 262.
(2)
انظر: "البيان" 2/ 116.
(3)
انظر: "شرح فتح القدير" 1/ 261.
(4)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 95.
(5)
انظر: "شرح فتح القدير" 1/ 261.
7 - باب الصَّلَاةِ فِىِ الجُبَّةِ الشَّأْمِيَّةِ
وَقَالَ الحَسَنُ فِي الثِّيَابِ يَنْسُجُهَا المَجُوسِيُّ لَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ اليَمَنِ مَا صُبغَ بِالْبَوْلِ. وَصَلَّى عَلِيٌّ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ مَقْصُورٍ.
363 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِ، فَقَالَ:"يَا مُغِيرَةُ، خُذِ الإِدَاوَةَ". فَأَخَذْتُهَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَوَارى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ، فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيهِ، ثُمَّ صَلَّى. [انظر: 182 - مسلم: 274 - فتح: 1/ 473]
(وَقَالَ الحَسَنُ فِي الثِّيَابِ يَنْسُجُهَا المَجُوسِيُّ لَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا.)
وهذا قد أسنده ابن أبي شيبة بنحوه فقال: حدثنا أبو داود عن الحكم بن عطية: سمعت الحسن وسئل عن الثوب يخرج من النساج تصلي فيه؟ قال: نعم، قال: وسمعت ابن سيرين يكرهه
(1)
، وقال أبو نعيم في "كتاب الصلاة": حدثنا ربيع عن الحسن، قال: لا بأس بالصلاة في رداء اليهودي والنصراني
(2)
.
قوله: (يَنْسِجُها) قال ابن التين: قرأناه بكسر السين وهو في هذِه اللغة بالكسر والضم، والجمهور ومنهم الكوفيون والثوري والشافعي على جواز الصلاة فيما ينسجه المجوسيّ والمشركون، وإن لم يغسل حتى يتبين بها نجاسة، وكره مالك أن يصلى فيما لبسوه وإن فعل يعيد
(1)
"المصنف" 2/ 48 (6310).
(2)
لم أجده في المطبوع من "كتاب الصلاة" لأبي نعيم -الفضل بن دكين- وإنما وجدته عند ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 48 (6311).
في الوقت (1)، وعن أبي حنيفة أنه قال: أكره للمسلم أن يلبس السراويل والأزرار إلا بعد الغسيل (2) وقال إسحاق: تطهَّر جميع ثيابهم
(3)
.
قال البخاري: وَقَالَ مَعْمَرٌ: رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ اليَمَنِ مَا صُبغَ بِالْبَوْلِ.
وهذا ذكره معمر في "جامعه"
(4)
والظاهر أنه لم يصل فيها إلا بعد غسلها، وكذا قال مالك وأصحابه: إن ثياب اليمن تُطَهَّر بعد الصبغ.
قال البخاري: وَصَلَّى عَلِيٌّ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ مَقْصُورٍ.
وهذا أسنده ابن أبي شيبة فقال: حدثنا وكيع ثنا علي بن صالح، عن عطاء أبي محمد، قال: رأيت على علي قميصًا من هذِه الكرابيس غير غسيل
(5)
.
قال ابن التين: قوله: (غير مقصور) أي: خام غير مدقوق، يقال: قصرت الثوب إذا دققته ومنه القصار، وقال الداودي في "شرحه" ومنه نقلت غير مقصور أي: لم يلبس بعد، قال: وهو قول مالك إلا أنه يستحب أن لا يصلي على الثياب إلا من حرًّ أو بردٍ أو نجاسة بالموضع؛ لأجل الترفه؛ لأن الصلاة موضع الخشوع.
(1)
"المدونة" 1/ 140.
(2)
"الأصل" 1/ 87.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 155، "البيان" 1/ 87، "المغني" 1/ 112.
(4)
لم أجده في "الجامع" لمعمر بن راشد، ولكن وجدته عند عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 383 (1496) عن معمر.
وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 474، والعيني في "عمدة القاري" 3/ 308: قول الزهري وصله عبد الرزاق، عن معمر عنه في المصنف. قلت: فلعل المصنف وهم في عزوه "لجامع معمر".
(5)
"المصنف" 2/ 48 (6312)، ورواه أيضًا ابن سعد في "الطبقات" 3/ 28.
ثم ساق البخاري حديث المغيرة فقال:
حَدَّثَنَا يَحْيَى، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَقَالَ:"يَا مُغِيرَةُ، خُذِ الإِدَاوَةَ". فَأَخَذْتُهَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَوَارى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ، فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى.
وهذا الحديث تقدم في باب: المسح على الخفين
(1)
(2)
، وقبله في باب: الرجل يوصي صاحبه
(3)
، ويأتي في الجهاد
(4)
واللباس
(5)
مختصرًا، وأخرجه مسلم في الطهارة
(6)
.
ومسلم هو: ابن صبيح، قال الدارقطني: وخالف عمرو بن صبيح، فرواه عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن المغيرة، وحديث مسلم بن صبيح أصح
(7)
، ويحيى هذا مذكور أيضًا في الجنائز
(8)
، وتفسير سورة الرحمن
(9)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: معنى كلام الشيخ قال في الطهارة وبين فيها وفي الحيضة.
(2)
سلف برقم (203) كتاب: الوضوء.
(3)
سلف برقم (182) كتاب: الوضوء.
(4)
سيأتي برقم (2918) باب: الجبة في السفر والحرب.
(5)
سيأتي برقم (5798، 5799) باب: من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر، وباب: لبس جبة الصوف في الغزو.
(6)
مسلم (274) باب: المسح على الخفين.
(7)
"العلل" 7/ 112 - 113 (1241).
(8)
سيأتي برقم (1361) باب: الجريد على القبر.
(9)
في هامش الأصل وبخط ناسخها: الدخان، كذا رأيته في "التقييد" للجياني.
ونسب ابن السكن كما قال الجياني الذي في الجنائز ابن موسى - يعني: ختَّا- وأهمل الموضعين الآخرين
(1)
، وذكر الكلاباذي: أن يحيى بن موسى ختا روى عن أبي معاوية وأنَّ يحيى بن جعفر بن عون روى عن أبي معاوية أيضًا ورواه الطبراني في "معجمه" من طريق يحيى الحمَّاني عن أبي معاوية
(2)
، ويحيى هذا ليس من شيوخ البخاري
(3)
.
وهذِه السفرة هي غزوة تبوك كما جاء مصرحًا به في "الصحيح" وقوله: "يا مغيرة" جاء في بعض الروايات: "يا مغيرة" على الترخيم، والإداوة -بكسر الهمزة- إناء من جلد، والركوة: قال الجوهري: الإداوة المطهرة وهذِه الجبة قال الداودي: كانت الجبة من صوف وذكر البخاري هذا الحديث لئلا يتوهم أن ثياب المشركين نجسة؛ لأن هذا كان في غزوة تبوك والشام إذ ذاك دار كفر لم تفتح، ففيه: إباحة لُبس ثياب المشركين، وكانت ثيابهم ضيقة الأكمام والظاهر أنه لم يغسلها إذ لو فعل لنقل.
وفيه: إخراج اليدين أسفل الثوب عند الاحتياج إليه ولباس الثياب الضيقة الأكمام كالقباء ونحوه وإباحة خدمة العالم في السفر والصب على المتوضئ.
(1)
انظر: "تقييد المهمل" 3/ 1060.
(2)
"الطبراني" 20/ 398.
(3)
سيأتي برقم (4421) كتاب: المغازي.
8 - باب كَرَاهِيَةِ التَّعَرِّى فِى الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا
364 -
حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الحِجارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ العَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابن أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الِحجَارَةِ. قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانَا صلى الله عليه وسلم. [1582، 3829 - مسلم: 340 - فتح: 1/ 474]
ساق بإسناده حديث عمرو بن دينار: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ العَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابن أَخِي، لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الحِجَارَةِ. قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث أخرجه هنا والحج
(1)
وبنيان الكعبة
(2)
وأخرجه مسلم في الطهارة.
(3)
وهو من مراسيل الصحابة، فإن جابرًا لم يحضر هذِه القصة، ومرسله حجة إلا من شذ كما سلف وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما بنت قريش الكعبة لم يبلغ الحُلُم كما قال الزهري. وقال ابن بطال وابن التين كان عمره خمس عشرة سنة
(4)
.
قلت: وفي سيرة ابن إسحاق: أنه عليه السلام كان يحدث عما كان الله
(1)
سيأتي برقم (1582) باب: فضل مكة وبنيانها.
(2)
سيأتي برقم (3829) كتاب: مناقب الأنصار.
(3)
مسلم (340) باب: الاعتناء بحفظ العورة.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 26.
يحفظه به في (صغره)
(1)
أنه قال: لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما تلعب به الغلمان كلنا قد تعرى وأخذ إزارًا وجعل على رقبته يحمل عليها الحجارة، فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة رجيفة. ثم قال: شد عليك إزارك، فأخذته فشددته علي، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي، وإزاري علي من بين أصحابي
(2)
.
قال السهيلي: وهذِه القصة إنما وردت في الحديث في حين بنيان الكعبة ثم ساق ذلك كما قال سالفًا وحديث ابن إسحاق إن صح محمول على أن هذا الأمر كان مرتين، في حال صغره، وعند بنيان الكعبة
(3)
.
ثم ذكر ابن إسحاق أنه لما بلغ من العمر خمسًا وثلاثين أجمعت قريش لبناء الكعبة
(4)
، وساق القصة. وكان قد جبله الله تعالى على جميل الأخلاق، وشريف الطباع والحياء الكامل حتى كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، فلذلك غشي عليه وما رؤي بعد ذلك عُريانًا، وقد صانه الله وحماه من صغره عما يدنسه، وجاء في رواية في غير الصحيحين (إن الملك نزل فشد عليه إزاره) وفي رواية: أخبر العباس أنه نودي من السماء أن اشدد عليك إزارك يا محمد. قال: وإنه لأول ما نودي، ذكرها السهيلي
(5)
.
(1)
كذا في ابن إسحاق وفي الأصل: سفره.
(2)
"سيرة ابن إسحاق" 1/ 57 - 58.
(3)
"الروض الأنف" 1/ 208 - 209.
(4)
"سيرة ابن إسحاق" 1/ 84.
(5)
"الروض الأنف" 1/ 209.
ولعل جزعه لانكشاف جسده وليمس في الحديث أنه انكشف شيء من عورته، وروي من طريق عكرمة عن ابن عباس عن أبيه: أنه لما سقط مغشيًا عليه، نظر إلى السماء وأخذ إزاره، وقال:"نهيت أن أمشي عريانًا"، فقال العباس: أكتمها من الناس مخافة أن يقولوا مجنون
(1)
.
وفي رواية: (فما رؤي بعد ذلك عريانًا) إنه لا ينبغي التعري للمرء بحيث تبدو عورته لعين الناظر إليها، والمشي عريانًا بحيث لا يأمن أعين الآدميين، إلا ما رخص فيه من رؤية الحلائل لأزواجهن عراة، وقد دل حديث العباس المذكور أنه لا يجوز التعري في الخلوة، ولا لأعين الناس، وقيل: إنما مخرج القول فيه للحال التي كان عليها، فحيث كانت قريش رجالها ونساؤها تنقل معه الحجارة، فقال:"نهيت أن أمشي عريانًا" في مثل هذِه الحالة.
ولو كان ذلك نهيًا عن التعري في كل مكان؛ لكان قد نهاه عنه في غسل الجنابة في الموضع الذي قد أمن من أن يراه فيه أحد إلا الله، إذ كان المغتسل لا يجد بدًّا من التعري ولكنه نهاه عن التعري بحيث يراه أحد، والقعود بحيث يراه من لا يحل له أن يرى عورته في معنى المشي عريانًا.
ولذلك نهى الشارع عن دخول الحمام بغير إزار، وأما حديث القاسم عن أبي أمامة مرفوعًا "لو أستطيع أن أواري عورتي من شعاري لواريتها"
(2)
، فإن صح فمحمول على الاستحباب لاستعمال الستر
(1)
"سيرة ابن إسحاق" 1/ 58.
(2)
رواه ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" 2/ 363 من طريق جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، وقال: ولجعفر بن الزبير هذا أحاديث غير ما ذكرت عن القاسم، وعامتها لا يتابع عليه. وأورده صاحب "الفردوس" 3/ 363 =
والندب لأمته إلى ذلك، وكذا قول علي: إذا كشف الرجل عورته أعرض عنه الملك، وقول أبي موسى الأشعري: إني لأغتسل في البيت المظلم، فما أقيم صلبي حياء من ربي
(1)
. محمول على ذلك لا على الحرمة، والله لا يخفي عليه شيء.
فرع:
إذا أوجبنا الستر في الخلوة، فهل يجوز أن ينزل في ماء النهر والعين بغير مئزر؟ وجهان في "الحاوي" أحدهما: لا للنهي عنه، والثاني: نعم لأن الماء يقوم مقام الثوب في ستر العورة
(2)
.
= (5098)، وقال الذهبي في "الميزان" 1/ 406 (1502): ومن مناكير جعفر، عن القاسم، عن أبي أمامة: لو استطعت أن أواري عورتي من شعاري لفعلت، وقال ابن حبان في "المجروحين" 1/ 212: روى جعفر عن القاسم، عن أبي أمامة نسخة موضوعة. اهـ. وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 1/ 305 معقبًا على قول ابن حبان: قلت منها: لو استطعت أن أواري عورتي من شعاري لفعلت.
(1)
رواه ابن سعد في "الطبقات" 4/ 113 - 114 من طرق عن أبي موسى، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" 2/ 829 (829)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 260.
(2)
"الحاوي" 2/ 174.
9 - باب الصَّلَاةِ فِي القَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالتُّبَّانِ وَالْقَبَاءِ
365 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْن زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَألَهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ:"أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ؟! ". ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ، فَقَالَ: إِذَا وَسَّعَ اللهُ فَأَوْسِعُوا، جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَة، صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارِ وَرِدَاءٍ، فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ، فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ. قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ. [انظر: 358 - مسلم: 515 - فتح: 1/ 475]
366 -
حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا يَلْبَسُ الُمحْرِمُ؟ فَقَالَ: "لَا يَلْبَسُ القَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا البُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا وَرْسٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ وَليَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ". وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. مِثْلَة. [انظر: 134 - مسلم: 1177 - فتح: 1/ 476]
ذكر فيه حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ:"أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ؟! ". ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ، فَقَالَ: إِذَا وَسَّعَ اللهُ فَأَوْسِعُوا، جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثيَابَهُ، صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ، فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ. قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الطهارة
(1)
.
(1)
مسلم (515) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه.
والسراويل: فارسي معرب يذكر ويؤنث
(1)
، وبالنون بدل اللام وبالشين المعجمة بدل المهملة.
والتُّبان: -بالضم- قصير شبه السراويل، مذكر.
والقباء: ممدود لانضمام لابسه بأطرافه، فارسي معرب وقيل: عربي، قال كعب فيما نقله الفارسي
(2)
في "مجمع الغرائب": أول من لبسه سليمان بن داود عليه السلام، فكان إذا دخل رأسه في الثياب لنصت
(3)
الشياطين يعني: قلصت أنوفها.
وفيه: الاكتفاء بالثوب الواحد إذ هو الواجب الكافي للعورة.
وقول عمر رضي الله عنه دال على ذلك، فإن جمع الثياب في الصلاة استحباب بقول عمر في تبان ورداء دلالة على أن الرداء ليشتمل به؛ لأنه لا يكون الرداء مع التبان أو السراويل إلا ليشتمل به.
وقوله: (جمع عليه، صلى) يريد: ليجمع وليصل؛ إذ هو أطلق الماضي فيه وأراد المستقبل لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [الصف: 6] أي يقول، كذا قال ابن بطال
(4)
.
واعترض عليه بأنه في معنى الشرط، فالماضي فيه والمستقبل سواء،
(1)
انظر: "لسان العرب" 4/ 1999 مادة: (سرل).
(2)
هو عبد الغافر بن إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الحافظ اللغوي الإمام أبو الحسن الفارسي ثم النيسابوري مصنف "تاريخ نيسابور" وكتاب "مجمع الغرائب"، "المفهم لشرح مسلم" كان من أعيان المحدثين بصير باللغات فصيحًا بليغًا عذب العبارة، ولد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ومات سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وانظر:"تذكرة الحفاظ" 4/ 1275، "سير أعلام النبلاء" 20/ 16، "طبقات الشافعية" 7/ 171 - 172.
(3)
في هامش الأصل: من خط الشيخ: ذكره أبو موسى بالسين.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 30.
كأنه قال: إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن ثم فصل الجمع بصوره على معنى البدلية، وذكر صورًا تسعة: إزار ورداء إلى آخرها، ثلاثة سابغة الرداء ثم القميص، ثم القباء، وثلاثة ناقصة الإزار، ثم السراويل، ثم التبان، فأفضلها الإزار ثم السراويل، ومنهم من عكس، واختلف أصحاب مالك في من صلى في سراويل وهو قادر على الثياب، ففي "المدونة": لا يعيد في الوقت ولا في غيره
(1)
وعن ابن القاسم مثله، وعن أشهب عليه الإعادة في الوقت وعنه أيضًا صلاته تامة إن كان صفيقًا
(2)
.
وذكر فيه أيضًا حديث سَالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ:"لَا يَلْبَسُ- يعني: المحرم- القَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ .. " إلى آخره.
وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. مِثْلَهُ.
وقد سلف آخر كتاب العلم
(3)
وتكلمنا عليه هناك، ووجه إيراده هنا فيما ظهر لي أن الشارع نهى المحرم عن لبس المذكورات فغيره مأذون له في ذلك ومن جملته حالة الصلاة.
(1)
"المدونة" 1/ 95.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 201.
(3)
سلف برقم (134) باب: من أجاب السائل بأكثر مما سأله.
10 - باب مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعَوْرَةِ
367 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ الخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. [1991، 2144، 2147، 5820، 5822، 6284 - مسلم: 1512 - فتح: 1/ 476]
368 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ: عَنِ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. [584، 588، 1993، 2145، 2146، 5819، 5821 - مسلم: 1511 - فتح: 1/ 477]
369 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْن إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أَخِي ابن شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الَحجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ نُؤَذِّنُ بِمِنًى، أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ حُمَيْدُ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِـ {بَرَاءَةٌ}. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. [1622، 3177، 4363، 4655، 4656، 4657 - مسلم: 1347 - فتح: 1/ 477]
ذكر فيه ثلانة أحاديث:
أحدها:
حديث أبي سعيد الخدري: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ.
وهذا الحديث ذكره في البيوع
(1)
أيضًا، واللباس
(2)
، وسيأتي فيها
(1)
سيأتي برقم (2144) باب: بيع الملامسة.
(2)
سيأتي برقم (5820) باب: اشتمال الصماء.
من غير هذا الوجه
(1)
.
وقد اشتمل على حكمين:
[الحكم]
(2)
الأول: اشتمال الصَّماء وهو كما قال في "الصحاح" أن يجلل جسده كله بالأزار أو الكساء
(3)
ويرده من قبل يمينه على يساره على يده اليسرى وعاتقه الأيسر، ثم يرده.
ثانيًا: من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعًا، وذكر ابن الأثير: أنها التجلل بالثوب وإرساله من غير أن يرفع جانبه
(4)
، وإنما قيل لها الصماء؛ لأنه يسد على يده ورجليه المنافذ كلها، إذ الصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع.
والفقهاء يقولون: هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره من أحد جانبيه، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فتنكشف عورته.
قال القزاز: وقيل إنما روي ذلك؛ لأن الرجل يجب أن يحترس في
صلاته من أن يصيبه شيء، فإذا فعل ذلك لم يقدر على الدفع، والبخاري -في كتاب اللباس- فسرها بأن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب
(5)
وهو نحو ما حكاه أبو عبيد من عن نفسه والفقهاء، ونقل أبو عبيد عن العرب أنهم فسروها مما ذكره ابن الأثير
(6)
أولًا، وفسرها صاحب "المهذب" بأن يلتحف بثوب لم يخرج
(1)
في هامش الأصل وبخط ناسخها، من خط الشيخ، أخرجه النسائي في الزينة، قال عساكر: وروي عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
"الصحاح" 5/ 1741 مادة: (شمل).
(4)
"النهاية في غريب الحديث" 2/ 501 مادة: (شمل).
(5)
سيأتي برقم (5820) باب: اشتمال الصماء.
(6)
"غريب الحديث" 1/ 271.
يده من قبل صدره
(1)
وهو غريب
(2)
.
واختلف قول مالك في اشتمال الصماء، إذا كان تحتها ثوب، فمرة أجازها ومرة كرهها
(3)
.
فرع: في أبي داود من حديث ابن عمر: النهي عن اشتمال اليهود
(4)
وإسناده صحيح، وهو كما قال الخطابي: أن يجلل بدنه بالثوب ويسبله من غير أن يرفع طرفه
(5)
.
قال البغوي: وإلى هذا ذهب الفقهاء، قال: وفسر الأصمعي الصماء بهذا، وقد روي أنه نهى عن الصماء اشتمال اليهود
(6)
، فجعلها شيئًا واحدًا
(7)
.
الحكم الثاني: الاحتباء: وهو أن يقعد على إليتيه وينصب ساقيه ويحتزم بالثوب على حقويه وركبتيه، وفرجه بادْ، كانت العرب تفعله؛ لأنه أرفق لها في جلوسها. وقال البخاري في اللباس: هو أن يحتبي بثوب وهو جالس ليس على فرجه منه شيء
(8)
.
قال الخطابي: هو أن يجمع ظهره ورجليه بثوب، يقال: العمائم
(1)
"المهذب" 1/ 222.
(2)
قال النووي في "المجموع" 3/ 181: وأما ما ذكره المصنف من تفسيرها فغريب.
قال صاحب "المطالع": اشتمال الصماء إدارة الثوب على جسده لا يخرج منه يده، نهى عن ذلك لأنه إذا أتاه يتوقاه لم يمكن إخراج يده بسرعة ولأنه إذا أخرج يده انكشفت عورته. وهذا تفسير الأصمعي وسائر أهل اللغة والذي ساقه الخطابي تفسير الفقهاء.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 203، "البيان والتحصيل"1/ 277.
(4)
أبو داود (635).
(5)
"معالم السنن" 1/ 154.
(6)
عند البغوي: نهى عن الصماء، الصماء: اشتمال اليهود.
(7)
"شرح السنة" 2/ 424 - 425.
(8)
سيأتي برقم (5820).
تيجان العرب، والحباء حيطانها وحِبْوة بالكسر أعلى من الضم
(1)
، وقد يكون الاحتباء باليدين عرض الثوب، والاحتباء على ثوب جائز؛ لأنه عليه السلام إنما نهى عنه خشية أن ينكشف فرجه عند التحرك أو زوال الثوب وكره الصلاة محتبيًا ابن سيرين، وأجازها الحسن والنخعي وعروة وسعيد بن المسيب وعبيد بن عمير وكان سعيد بن جبير يصلي محتبيًا، فإذا أراد أن يركع حل حبوته، ثم قام وركع. وصلى التطوع محتبيًا عطاء وعمر بن عبد العزيز
(2)
.
الحديث الثاني:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ: عَنِ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْب وَاحِدٍ.
هذا الحديث سيأتي في النهي عن الصلاة بعد الفجر
(3)
وغيره أيضًا، وأخرجه مسلم أيضًا في البيوع
(4)
وسفيان المذكور في إسناده هو الثوري، وفيه أربعة أحكام، سلف منها اشتمال الصماء والاحتباء.
واللَّماس: هو بيع الملامسة؛ بأن يلمس ثوبًا مطويًا ثم يشتريه على أن لا خيارله إذا رآه، هذا تأويل الشافعي
(5)
أو يجعل نفس اللمس بيعًا، فيقول: إذا لمسته فهو مبيع لك أو أنه يبيعه شيئًا على أنه متى لمسه انقطع الخيار ولزم البيع وكله باطل؛ لأنه غرر أو تعليق أو عدوله عن الصيغة الشرعية.
(1)
"غريب الحديث" للخطابي 3/ 37 - 38.
(2)
انظر هذه الآثار في: "مصنف عبد الرزاق" 2/ 466 - 470 (4101، 4102، 4111، 4113، 4115)"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 404 (4640، 4642، 4645، 4647، 4648، 4649)، "التمهيد" 1/ 138.
(3)
سيأتي برقم (584) كتاب: مواقيت الصلاة.
(4)
مسلم (1511) باب: إبطال بيع الملامسة والمنابذة.
(5)
انظر: "مختصر المزني" 128، "البيان" 5/ 115.
والنيباذ: هو بيع المنابذة ويفسر الشافعي أن يجعلا نفس النبذ بيعًا أو يقول بعتك على أني إذا نبذت إليك وجب البيع
(1)
، والمراد: نبذ الحصاة وكله باطل، وسيأتي إن شاء الله تعالى في بابه.
الحديث الثالث:
حديث أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الحَجَّةِ فِي مُؤَذِّيينَ يَوْمَ النَّحْرِ نُؤَذِّنُ بِمِنًى، أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ .. الحديث بطوله.
وسيأتي في الحج
(2)
بزيادة، وفي المغازي، في حج أبي بكر بالناس
(3)
، وفي التفسير في سورة براءة بأسانيد
(4)
، والجزية
(5)
، وأخرجه مسلم
(6)
أيضًا.
ثم الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
إسحاق شيخ البخاري في هذا الحديث هو: الكوسج إسحاق بن منصور، كما صرح به أبو نعيم في "مستخرجه" بعد أن رواه من طريق عقيل، عن الزهري، وأبو مسعود وخلف في أطرافهما.
وقال الجياني: إن بعضهم قال: إنه هذا، وإن بعضهم قال: إنه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وقال أبو نصر: إنهما يرويان جميعًا عن
(1)
انظر: "مختصر المزني " 128، "البيان" 5/ 115.
(2)
سيأتي برقم (1622) باب: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك.
(3)
سيأتي برقم (4363).
(4)
سيأتي بأرقام (4655: 4657).
(5)
سيأتي برقم (3177) باب: كيف ينبذ إلى أهل العهد.
(6)
مسلم (1347) كتاب: الحج، باب: لا يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
يعقوب بن إبراهيم الزهري
(1)
، وذكر المزي أن الذي هنا ابن إبراهيم، وإن الذي في براءة ابن منصور.
ثانيها:
هذا الحديث ذكره أبو مسعود وابن عساكر والحميدي في مسند أبي بكر، وذكره خلف
(2)
وابن أبي أحد عشر
(3)
في "جمعه" في مسند أبي هريرة، وأشار إليه في مسند أبي بكر.
وقول حميد: (ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا) إلى آخره، يحتمل أن يكون تلقاه من أبي هريرة، ويكون الزهري رواه عنه موصولا عند
(1)
"تقييد المهمل" 3/ 963 - 964.
(2)
هو خلف بن محمد بن علي بن حمدون، الواسطي أبو علي الإمام الحافظ الناقد، سمع أبا بكر القطيعي وطبقته ببغداد، وعبد الله بن محمد السقا بواسط، وأبا بكر الإسماعيلي وأمثالهم بالشام ومصر وخراسان والعجم والعراق، صنف كتاب "أطراف الصحيحين"، وكتابه- قالوا: أقل أوهامًا من "أطراف" أبي مسعود، وقال أبو نعيم: صحبنا بنيسابور وأصبهان. وقال الخطيب مات خلف الواسطي بعد أربعمائة، وقال الذهبي: لم أظفر لخلف بتاريخ وفاة، وقد بقى إلى بُعيد الأربعمائة بيسير. وانظر ترجمته في:"تاريخ بغداد" 8/ 334 - 435، "أخبار أصبهان" 1/ 310، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1067 - 1068، "سير أعلام النبلاء" 17/ 260.
(3)
هو محمد بن حسين بن أحمد بن محمد، أبو عبد الله الأنصاري الأندلسي المربي، روى عن: أبي علي النسائي، وأبي محمد بن أبي قحافة، ويزيد بن أبي المعتصم، وعبد الباقي بن محمد. وصحب الشيخ أبا عمر بن التمتاش الزاهد. وكان متحققًا بالحديث ونقله، منسوبًا إلى "معرفة الرجال". قال الذهبي: له كتاب مليحٌ في الجمع بين الصحيحين أخذه عنه الناس. وقال ابن بشكوال: وكان دينًا فاضلًا عفيفًا متواضعًا متبعًا للآثار والسنن، ظاهري المذهب. كتب إلينا بإجازة ما رواه. وتوفي رحمه الله في محرم سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة بالمرية. انظر ترجمته في:"الصلة" 2/ 581 - 582، "تاريخ الإسلام" 36/ 292.
البخاري، وكان هذا هو مستند أبي نعيم حين قال في آخره عند استخراجه له: رواه -يعني: البخاري- عن إسحاق بن منصور.
ثالثها:
هذِه الحجة هي في السنة التاسعة كما ذكره (في)
(1)
المغازي حج أبو بكر بالناس
(2)
.
رابعها:
قوله: (لا يحج بعد العام مشرك) هو موافق لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] والمراد بالمسجد الحرام هنا: الحرم بمكة، فلا يُمَكَّن مشرك من دخول الحرم بحال حتى لو جاء في رسالة أو أمر مهم لا يمكن من الدخول بل يخرج إليه من يقضي الأمر المتعلق به، ولو دخل خفية ومرض ومات نبش وأخرج من الحرم.
خامسها:
قوله: (ولا يطوف بالبيتِ عريان) هو إبطال لما كانت الجاهلية عليه من الطواف عُراة، واستدل به أصحابنا على اشتراط ستر العورة في الطواف، قال ابن عبد البر: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالخروج إلى الحج وإمامته للناس فخرج أبو بكر، ونزل صدر براءة بعده، فقيل: يا رسول الله، لو بعثت بها إلى أبي بكر يقرؤها على الناس في الموسم، فقال:"إنه لا يؤديها عني إلا رجل من أهل بيتي"، ثم دعا عليًّا، فقال: "اخرج بهذِه القصة من صدر براءة، وأذن بها في الناس
(1)
مطموسة في الأصل ولعلها كما ذكرنا.
(2)
سيأتي برقم (4363).
يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى"، فخرج على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر بالطريق وقيل: بذي الحليفة، وقيل: بالعرج، فوصل في السَّحَر، فسمع أبو بكر رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا علي، فقال أبو بكر: أستعملكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثني أن أقرأ براءة على الناس، فقال له أبو بكر: أمير أو مأمور؟ فقال: بل مأمور
(1)
.
وفي "فضائل علي" لأحمد بن حنبل: لما بلغ أبو بكر ذا الحليفة، وفي لفظ: بالجحفة، بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فرده، وقال:"لا يذهب بها إلارجل من أهل بيتي"
(2)
وفي لفظ: فرجع أبو بكر فقال: يا رسول الله، نزل في شيء؟ قال:"لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك"
(3)
.
قيل: الحكمة في إعطاء براءة لعلي: أن براءة تضمنت نقض العهد، وكانت سيرة العرب أن لا يحل العقد إلا الذي عقده، أو رجل من أهل بيته، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يقطع ألسنة العرب بالحجة، ويرسل ابن عمه الهاشمي؛ حتى لا يبقى لهم متكلم. قيل: إن في سورة براءة ذكر فضل الصديق -يعني: قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40]- وأراد صلى الله عليه وسلم أن غيره يقرؤها.
(1)
"الدرر في اختصار المغازي والسير" 1/ 266، وروى هذِه القصة الطبري في "التفسير" 6/ 307 ورويت مختصرة أيضًا.
(2)
"فضائل الصحابة" 2/ 694 (649).
(3)
"فضائل الصحابة" 2/ 875 - 876 (1203).
11 - باب الصَّلَاةِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ
370 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن أَبِي الَموَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الُمنْكدِرِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ؟! قَالَ: نَعَمْ، أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الجُهَّالُ مِثْلُكُمْ، رَأَيْتُ النُّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي هَكَذَا. [انظر: 352 - مسلم: 3008 - فتح: 1/ 478]
ذكر فيه حديث جابر السالف في باب عقد الإزار على القفا في
الصلاة من طريقيه
(1)
، ولا كراهة في الصلاة بقميص من غير رداء عند أحد من العلماء
(2)
، إلا أن مالكا ذكر عنه ابن عبد الحكم: أن الإمام لا يصلي إلا برداء إلا من ضرورة
(3)
، وهذا على الاستحسان في كمال حال الإمام، ولو كان من جهة الوجوب لاشترك المأموم معه فيه.
(1)
سلف برقم (352، 353).
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 380، "المنتقى" 1/ 248، "البيان" 2/ 122، "المغني" 2/ 292.
(3)
"المدونة" 1/ 85.
12 - باب مَا يُذكَرُ فِي الفَخِذِ
وُيرْوى عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"الْفَخِذُ عَوْرَةٌ". [2832] وَقَالَ أَنَسٌ: حَسَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَخِذِهِ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتّى يُخْرَجَ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: غَطَّى النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ. وَقَالَ زيدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي. [فتح: 1/ 478]
371 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّهَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرى نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ قَالَ:"اللهُ أَكبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ". قَالَهَا ثَلَاثًا. قَالَ: وَخَرَجَ القَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا: مُحَمُّدٌ- قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا- وَالخمِيسُ. يَعْنِي: الَجيْشَ، قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، فَجُمِعَ السَّبْيُ، فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ. قَالَ:"اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً". فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّهَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ! لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ. قَالَ:"ادْعُوهُ بِهَا". فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْي غَيْرَهَا". قَالَ: فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَزَوَّجَهَا. فَقَالَ لَة ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللُّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرُوسًا، فَقَالَ:"مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ". وَبَسَطَ نِطَعًا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ
الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ- قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيق- قَالَ: فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَليمَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [2944، 2945، 2991، 3367، 3647، 4083، 4084، 4197، 4198، 4199، 4200، 4201، 4211، 4212، 4213، 5085، 5086، 5159، 5169، 5387، 5425، 5528، 6363، 7333، 3085، 3086، 5968، 6185 - مسلم: 1365 - فتح: 1/ 479]
ساق البخاري رحمه الله فيه أحاديث معلقة ومسندة فقال:
وُيرْوى عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"الْفَخِذُ عَوْرَةٌ". وَقَالَ أَنَسٌ: حَسَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَخِذِهِ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: غَطَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ. وَقَالَ زيدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي.
ثم أسند حديث أنس السالف
(1)
.
الكلام على هذِه الأحاديث من وجوه:
أحدها:
التعليق الذي علقه البخاري عن ابن عباس وجَرْهَد (ع) ومحمد بن جحش قال البيهقي في "خلافياته" و"سننه" فيها: هذِه أسانيد صحيحة يحتج بها
(2)
، وخالفه ابن حزم في ذلك وقال: إنها ساقطة واهية
(3)
، وليس كما ذكر كما أوضحته في تخريجي لأحاديث الرافعي
(4)
.
أما حديث ابن عباس: فأخرجه الترمذي
(5)
. وقال: حسن غريب.
(1)
يقصد السالف في نفس الباب معلقًا.
(2)
"السن الكبرى" 2/ 228، "مختصر الخلافيات" لابن فرح اللخمي 2/ 154 - 155.
(3)
"المحلى" 3/ 213.
(4)
"البدر المنير" 4/ 146.
(5)
"الترمذي"(2798).
وأما حديث محمد بن جحش: فرواه أحمد
(1)
والحاكم في "مستدركه"
(2)
، وذكره الترمذي
(3)
، وأما حديث جرهد
(4)
فرواه مالك في "موطئه"
(5)
والترمذي من طرق
(6)
وحسنه مرة وزاد مرة أنه غريب، وقال مرة: ما أرى إسناده بمتصل
(7)
، وصححه ابن حبان
(8)
، وقال الحاكم: صحيح الإسناد
(9)
، وقال الطبري في "تهذيبه": الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل عليه أبو بكر وعمر، وهو كاشف عن فخذيه، واهية الأسانيد، لا يثبت بمثلها حجة في الدين. والأخبار الواردة بالأمر بتغطية الفخذ، والنهي عن كشفها أخبار صحاح.
الثاني:
جرهد
(10)
بفتح الجيم، وهو: ابن عبد الله بن رزاح بن عدي بن سهم بن الحارث بن سلامان بن أسلم، شهد الحديبية من أهل الصُّفْة، وقيل: جرهد بن خويلد. ومحمد بن عبد الله بن جحش
(11)
قتل أبوه بأُحد وأوصى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
أحمد 5/ 290.
(2)
"المستدرك" 3/ 637.
(3)
ذكره في كتاب: الأدب، باب: ما جاء في أن الفخذ عورة بعد حديث (2798).
(4)
في هامش الأصل وبخط ناسخها حاشية: أخرج حديث جرهد أبو داود في كتاب: الحمام من "السنن".
(5)
"الموطأ" 2/ 183 (2122) برواية أبي مصعب.
(6)
"سنن الترمذي"(2795، 2796، 2797).
(7)
"علل الترمذي" 5/ 110 - 111.
(8)
"صحيح ابن حبان" 4/ 609 (1710).
(9)
"المستدرك" 4/ 180.
(10)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 4/ 298، "التاريخ الكبير" 2/ 248 - 249، "الاستيعاب" 1/ 335، "أسد الغابة"(725)، "الإصابة"(1131).
(11)
انظر: ترجمته في "الاستيعاب" 3/ 430، "أسد الغابة"(4741)، "الإصابة"(7785).
الثالث:
حكى الخطيب في "مبهماته" في الرجل الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "غط فخذك، فإن الفخذ عورة" ثلاثة أقوال:
أحدها: جرهد هذا، ثانيها: قبيصة بن مخارق الهلالي، ثالثها: معمر بن عبد الله بن نضلة العدوي
(1)
.
الرابع:
قوله: (وقال أبو موسى غطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبتيه حين دخل عثمان) هذا أسنده في مناقب عثمان، فقال: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد يعني: ابن زيد، عن أيوب عن أبي عثمان، عن أبي موسى قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطًا، وأمرني بحفظ بابه، فذكر مجيء أبي بكر وعمر وعثمان، الحديث
(2)
.
ثم قال: (قال حماد: ثنا عاصم) وساق إسناده قال: (وزاد فيه عاصم أنه صلى الله عليه وسلم كان قاعدًا في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته، فلما دخل عثمان غطاهما)
(3)
.
فحماد الأول هو ابن زيد كما تراه مصرحا به، والثاني: جاء في بعض نسخه أنه ابن سلمة، وكذا ذكره خلف في "أطرافه"، وأما الطبراني فساقه من حديث حماد بن زيد، ولفظه: كان مكشوف الساقين
(4)
.
وعند مسلم من حديث عائشة كان صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيته كاشفًا عن فخذيه، أو ساقيه، فذكرت الحديث، فلما استأذن عثمان، فجلس وسوى
(1)
"الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" 1/ 378 - 380 (185).
(2)
سيأتي برقم (3695) كتاب: فضائل الصحابة.
(3)
سيأتي بعد حديث رقم (3695).
(4)
لم أقف عليه عند الطبراني في المطبوع منه ولعله في المفقود.
ثيابه
(1)
، وعند أحمد كاشفًا عن فخذه
(2)
من غير تردد.
قال الشافعي فيما نقله عنه في "المعرفة": والذي روي في قصة عثمان وكشف عن فخذه أو ساقيه حتى دخل مشكوك فيه
(3)
.
قلت: ووهَّم الداودي رواية البخاري، وقال: إنها ليست من هذا الحديث وقد أدخل بعض الرواة حديثًا في حديث إنما أبو بكر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته منكشف فخذه، فلما استاذن عثمان غطى فخذه، فقيل له في ذلك، فقال:"إن عثمان رجل حيي، فإن وجدني في تلك الحالة لم يبلغ حاجته"
(4)
وقد أخرجه مسلم من حديث عائشة، وفيه: فقال: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة"
(5)
، وفي "مسند أحمد" من حديثها أيضًا:"ألا أستحي منه، والله إن الملائكة لتستحي منه"
(6)
.
قلت: فلما كان الغالب عليه الحياء، جوزي عليه من جنس فعله.
الخامس:
قوله: (وقال زيد بن ثابت) إلى آخره. هذا قطعة من حديث طويل خرجه البخاري في تفسير سورة النساء
(7)
، وفي الجهاد
(8)
، وسيأتي إن شاء الله.
(1)
مسلم (2401) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(2)
أحمد 6/ 62.
(3)
انظر: "معرفة السنن والآثار" 3/ 154.
(4)
رواه مسلم (2402) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عثمان بن عفان.
(5)
مسلم (2401) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(6)
أحمد 6/ 62.
(7)
سيأتي برقم (4592) باب: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
(8)
سيأتي برقم (2832) باب: قول الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
السادس:
حديث أنس هذا أخرج بعضه في الأذان
(1)
كما ستعلمه، وأخرجه مسلم في النكاح
(2)
، والمغازي
(3)
.
والكلام عليه من وجوه.
أحدها:
قوله: (غزا خيبر) كانت في جمادى الأولى، سنة سبع من الهجرة قاله ابن سعد
(4)
، وقال ابن إسحاق: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم، وخرج في نفسه عازمًا إلى خيبر
(5)
، ولم يبق من السنة السادسة إلا شهر وأيام، وروى مكي بن إبراهيم البلخي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان إلى خيبر، فصام طوائف من الناس، وأفطر آخرون، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم
(6)
.
وأخرج الترمذي والنسائي منه قوله: فلم يعب إلى آخره
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (610) باب: ما يحقق بالأذان من الدماء.
(2)
مسلم (1365/ 84) كتاب: النكاح، باب: فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها.
(3)
مسلم (1365/ 121) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة خيبر.
(4)
"الطبقات" 2/ 106.
(5)
انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 378.
(6)
لم أقف على طريق إبراهيم بن مكي عن سعيد بن أبي عروبة ولكن وجدته من طرق، عن سعيد بن أبي عروبة منها ما رواه أحمد في "المسند" 3/ 45 من طريق محمد بن جعفر، عن سعيد به، ومسلم (1116) من طريق محمد بن بشر، عن سعيد به، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 68 من طريق روح عن سعيد به.
(7)
رواه الترمذي (712) من حديث أبي سعيد "سنن النسائي" 4/ 188. وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
ثانيها:
صلاة الغداة، فيه جواز تسميتها بذلك، وكرهه بعض أصحابنا
(1)
.
ثالثها:
قوله: (وأنا رديف أبي طلحة) فيه: الإرداف إذا كانت مطيقة، وفيه غير ما حديث، وفيه جزء لابن منده الحافظ، كما تقدم.
رابعها:
قوله: (فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر) فيه: جواز مثل ذلك، ولا تنخرم به المروءة، لا سيَّما عند الحاجة أو الرياضة أو للتدريب على القتال.
خامسها:
قوله: (ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذه) فيه دلالة على أن الفخذ ليس بعورة، وقد يجاب عنه: بأنه كان للزحمة أو للإجراء من غير قصد لذلك، ورفع نظر أنس عليه فجأة لا قصدًا، وكذا يجاب بهذا عن حديث عبد الله بن عمر، وفي ابن ماجه: وجاء النبي صلى الله عليه وسلم مسرعًا قد حفزه النفس، وقد حسر عن ركبتيه، فقال:"أبشروا .. " الحديث
(2)
.
وحاصل ما في عورة الرجل عندنا خمسة أوجه
(3)
:
(1)
في هامش الأصل بخط ناسخها: قال النووي في "الروضة"[1/ 182]: من بابه: الاختيار أن يقال للصبح: الفجر، أو الصبح وهما أولى من الغداة، ولا تقول: الغداة مكروه. اهـ.
(2)
ابن ماجه (801) وقال البوصيري في "الزوائد" 1/ 136 هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في "الصحيحة"(661).
(3)
انظر: "البيان" 2/ 117، "المجموع" 3/ 173 - 176.
أصحها: وهو المنصوص أنها ما بين السرة والركبة، وليسا عورة، وهو صحيح مذهب أحمد بن حنبل
(1)
، وقال به زُفَر ومالك
(2)
، قال المهلب: قولهم: الفخذ عورة على معنى القرب والمجاوزة سدًّا للذريعة.
وثانيها: أنهما عورة، كالرواية عن أبي حنيفة
(3)
.
وثالثها: السرة دون الركبة.
رابعها: عكسه، وعلل صاحب "المفيد" من الحنفية بأن الركبة مركبة من عظم الفخذ والساق، فغلب الحظر احتياطًا.
خامسها: للاصطخري: القبل والدبر فقط، وهو شاذ، ورواية عن أحمد حكاها عنه في "المغني" قال: وهو قول ابن أبي ذئب، وداود
(4)
، ومحمد بن جرير، وابن حزم
(5)
، واستدل بهذا الحديث.
وقال: لو كانت عورة لما كشفها الله من رسوله المطهر المعصوم من الناس، ولا أراها أنسًا ولا غيره وهو تعالى عصمه في حال صباه حين نقله الحجارة إلى الكعبة، أي: كما تقدم.
ثم ذكر حديث أبي العالية في مسلم قال: ضرب عبد الله بن الصامت فخذي وقال: إني سألت أبا ذر فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: إني سألت رسول الله كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت
(1)
انظر: "المحرر" 1/ 41.
(2)
انظر: "التفريع 1/ 240، "الإشراف" 1/ 90.
(3)
انظر: "الهداية" 1/ 47، "شرح فتح القدير" 1/ 224.
(4)
انظر: "المغني" 2/ 284.
(5)
"المحلى" 3/ 210.
فخذك وقال: "صل الصلاة لوقتها"
(1)
الحديث، فلو كانت الفخذ عورة لما مسها الشارع من أبي ذر ولا الباقي إذ لا يحل لمسلم أن يضرب بيده على ذكر إنسان على الثياب ولا حلقة دبره على الثياب، وعلى بدن امرأة أجنبية على الثياب البتة، وقد منع الشارع القود من الكسعة، وهو ضرب بين الإليتين على الثياب بباطن القدم، وقال:"دعوها فإنها منتنة"
(2)
ثم وهَّم الأخبار الواردة بأنها عورة، وقد سلفت مناقشته في ذلك.
وفي "صحيح مسلم" أن حمزة صعَّد النظر إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صعَّد النظر إلى سرته
(3)
.
وفي أبي داود: أنه صلى الله عليه وسلم احتجم على وركه من وثء
(4)
كان به
(5)
، فلو كان الورك عورة لما كشفها للحجام.
قلت: ذلك للضرورة وهو جائز. قال ابن حزم: وقولنا هو قول الجمهور كما روينا عن جبير بن الحويرث قال: رأيت الصديق واقفًا على قُزح يكلَّم الناس، وإني لأنظر إلى فخذه قد انكشف
(6)
.
(1)
مسلم (648/ 242) كتاب: المساجد، باب: كراهية تأخير الصلاة عن وقتها.
(2)
سيأتي برقم (4905) كتاب: التفسير، باب: قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} .
(3)
مسلم (1979) كتاب: الأشربة، باب: تحريم الخمر
…
وهو في البخاري أيضًا كما سيأتي برقم (3091) كتاب: فرض الخمس، باب: فرض الخمس. بهذا الشاهد بعينه.
(4)
وهو أن يصيب العظم وصم لا يبلغ الكسر. "الصحاح" 1/ 80.
(5)
أبو داود (3863)، وصححه ابن خزيمة (2660).
(6)
رواه الشافعي في "مسنده" ترتيب سنجر 2/ 278 (1009)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/ 237 (1388)، والبيهقي 5/ 125.
وفي البخاري
(1)
: أتى أنس إلن ثابت بن قيمس بن شماس، وقد حسر عن فخذيه
(2)
.
وفيه أيضًا من حديث أبي الدرداء: كنت جالسًا عند رسول الله إذ
أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال صلى الله عليه وسلم: "أما صاحبكم فقد غامر"
(3)
وفي "مسند أحمد" من حديث أبي هريرة أنه قال للحسين، وفي رواية: الحسن: ارفع قميصك عن بطنك حتى أُقَبَّل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل فرفع قميصه، فقبل سرته
(4)
.
قلت: وأما حديث إنما تحت السرة إلى الركبة من العورة
(5)
، وحديث: ما فوق الركبتين من العورة وما أسفل من السرة من العورة
(6)
،
(1)
سيأتي برقم (2845) كتاب: الجهاد والسير، باب: التحفظ عند القتال.
(2)
"المحلى" 3/ 215 - 216.
(3)
سيأتي برقم (3661) كتاب: فضائل الصحابة.
(4)
أحمد 2/ 427.
(5)
رواه أبو داود بن سوار أو سوار بن داود عن عمرو بن شعيب، عن أبيهن عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا زوج أحدكم خادمه خيره أو أجبره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة". وقال أبو داود: وصوابه سوار بن داود المزني الصيرفي، وهم فيه وكيع. ورواه أحمد مطولًا بنحوه 2/ 187، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 168، والدارقطني في "سننه" 1/ 229، وأبو نعيم في "الحلية" 10/ 26، والبيهقي في "سننه" 2/ 229 وقال: وقد قيل عن سوار، عن محمد بن جحادة، عن عمرو، وليس بشيء. والخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 278.
وقال النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 252 (687) رواه أبو داود بإسناد حسن.
وحسنه العلامة الألباني كما في "الإرواء"(247، 271)، "تمام المنة" 1/ 160 فانظرهما.
(6)
رواه الدارقطني في "سننه" 1/ 229 - 230، والبيهقي في "سننه" 1/ 229 من حديث أبي، وقال: سعيد بن أبي راشد البصري ضعيف. وقال الحافظ في "الدارية" أيوب: 1/ 123: إسناده ضعيف، وقال في "التلخيص" 1/ 279: =
وحديث: عورة المؤمن ما بين سرته إلى ركبته
(1)
، وحديث ما بين السرة والركبة عورة
(2)
، وحديث السرة عورة
(3)
، فلا يقاوم ما في الصحيح؛ لاشتمال بعضها على ضعف وبعضها على إعضال، ومن الغريب قول الأوزاعي الفخذ عورة إلا في الحمام
(4)
.
وقول ابن بطال: أجمعوا أن من صلى مكشوف الفخذ لا إعادة عليه
(5)
. مراده: أهل مذهبه، وقال القرطبي: يرجح حديث جرهد تلك الأحاديث -يعني: المعارضة- له قضايا معينة في أوقات وأحوال مخصوصة يتطرق إليها من الاحتمال ما لا يتطرق بحديث جرهد، فإنه
= وإسناده ضعيف، فيه عباد بن كثير، وهو متروك. وقال الألباني في "الإرواء" 1/ 302: ضعيف جدًّا.
(1)
رواه الحارث بن أبي أسامة كما في "بغية الباحث" ص 56 (138): وفيه شيخ الحارث: داود بن المحبر، عن عباد بن كثير، عن أبي عبد الله الشامي عن عطاء، عن أبي سعيد، وهو سلسلة ضعفاء إلى عطاء. وأورده صاحب "كنز العمال"(1910)، والسيوطي في "الجامع الصغير"(8263) وعزياه إلى سمويه. وضعفه الألباني كما في "ضعيف الجامع الصغير"(3826).
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك" 3/ 568 من حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والطبراني في "المعجم الصغير" 2/ 205 (1033) وسكت عنه الحاكم، وقال الذهبي في "التلخيص" 3/ 568: أظنه موضوعًا فإسحاق متروك وأصرم متهم بالكذب. وقال المصنف في "البدر المنير" 4/ 159: حديث منكر.
(3)
لم أقف عليه مسندًا وإنما ذكره الزيلعي وإنما ذكره الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 297، والحافظ في "الدراية" 1/ 123: وعزياه للبيهقي في "خلافياته". وقالا: معضل مرسل: وقال ابن فرج الإشبيلي في "مختصر خلافيات البيهقي" 2/ 152: وهذا لا تقوم به حجة لانقطاعه عما دون التابعين.
(4)
في هامش الأصل بخط ناسخها كلام:
…
هما عن الأوزاعي نقله
…
"شرح المنهاج" كما أفاده المؤلف.
(5)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 32.
أعطى حكمًا كليا فكان أولى ببيان ذلك أن تلك الوقائع تحتمل خصوصية الشارع بذلك، أو البقاء على البراءة الأصلية، أو كان لم يحكم عليه في ذلك الوقت بشيء، ثم بعد ذلك حكم عليه أنه عورة.
سادسها:
قوله: ("الله أكبر") فيه استحباب الذكر والتكبير عند الحرب، وهو موافق لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الأنفال: 45].
سابعها:
قوله: ("خربت خيبر") أي: صارت خرابا، وقيل: ذلك على سبيل الخبرية، فيكون ذلك من باب الإخبار بالغيب، أو على جهة الدعاء عليهم على جهة التفاؤل، لما رآهم خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم، وذلك من آلات الخراب والحرب، والأول أولى كما قال القرطبي
(1)
لقوله: "إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". ويجوز أن يكون أخذه من اسمها، وقيل
(2)
: إن الله أعلمه بذلك.
والساحة الناحية والجهة والفناء، وأصلها الفضاء بين المنازل، وفيه: جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن، ولذلك نظائر منها: فجعل يطعن في الأصنام ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل" ويكره من ذلك ما كان على ضرب الأمثال في المحاورات والمزح ولغو الحديث، وساء: من السوء. والمنذر: من أبلغ الإنذار وهو التخويف بالإخبار عن المكروه.
(1)
"الجامع لأحكام القرطبي" 15/ 140.
(2)
في هامش الأصل بخط ناسخها: هو القول الأول.
ثامنها:
قوله: قالها ثلاثا يؤخذ فيه أن الثلاث كثير من قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} .
تاسعها:
قوله: قال عبد العزيز
(1)
: هو ابن صهيب
(2)
السالف في إسناده، والخميس يعني: الجيش، يجوز رفع الخميس عطفًا على قولهم: محمد، ونصبه على أنه مفعول معه، وسمي الجيش خميسًا؛ لأنه يقسم خمسة أخماس: القلب، والميمنة، والميسرة، والجناحان، وقيل: المقدمة، والساقة، وقيل: لأنه يخمس ما وجده، قاله ابن سيده
(3)
. وعبارة الهروي: لأنه يخمس الغنائم، وضعفه الأزهري بأن هذا الاسم كان معروفًا في الجاهلية، ولم يكن لهم تخميس.
عاشرها:
قوله: (فأصبناها عنوة): هو بفتح العين، أي: قهرًا لا صلحًا،
يعني: أول حصونهم، وبعض حصونها أصيب صلحًا، وقال ابن
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: لفظ الحديث: قال عبد العزيز: قال بعض أصحابنا: والخميس: الجيش، فاعله.
(2)
هو عبد العزيز بن صهيب البناني مولاهم البصري الأعمى. قال محمد بن سعد: كأن يقال له: العبد، روى عن أنس بن مالك، شهر بن حوشب، وعبد الواحد البناني وآخرون، وروى عنه: إبراهيم بن طهمان، وإسماعيل بن علية، وأبو عوانة وآخرون. قال شعبة: عبد العزيز أحب إلي في أنس من قتادة. وقال أحمد: ثقة ثقة. وقال: عبد العزيز أوثق من يحيى، عبد العزيز من الثقات، وقال يحيى بن معين: ثقة ومات سنة ثلاثين ومائة. وانظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 7/ 245، "علل أحمد" 1/ 129 - 130، "الثقات" 5/ 123، "تهذيب الكمال" 18/ 147.
(3)
"المحكم" 5/ 57.
التين: ويجوز أن يكون عن تسليم من أهلها وطاعة بلا قتال، ونقله عن القزاز في "جامعه".
قلت: هو إذن من الأضداد، قال ثعلب: أخذت الشيء عنوة أي: قهرًا في عنف، وأخذته عنوة أي: صلحًا في رفق. قال أبو عمر: والصحيح في أرض خيبر كلها عنوة مغلوب عليها بخلاف فدك
(1)
. وقال المنذري: اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحًا أو جلا أهلها عنها بغير قتال أو بعضها صلحًا وبعضها جلا عنه أهله. قال: وهذا هو الصحيح وعليه تدل السنن الواردة، ويندفع التضاد عن الأحاديث.
وسنذكر ذلك إن شاء الله بشواهده في ذكر خيبر وفي كتاب النكاح.
الحادي عشر:
دحية بفتح الدال وكسرها. وصفية قيل: كان اسمها قبل السبي زينب، فسمت بعد السبي والاصطفاء صفية، والصحيح أن هذا اسمها قبله، ووالدها: حيي بضم الحاء المهملة وكسرها.
الثاني عشر:
ظن بعضهم أن استرجاع الشارع صفية من دحية بعد أن أعطاها له كان هبة منه لها، فاستشكل عليه استرجاعه لها فأخذ يعتذر عنه بأعذار ولا يحتاج إليه، وقد أزال إشكال هذِه الرواية الروايات الثابتة أن صفية إنما صارت لدحية في مقسمه، وأنه صلى الله عليه وسلم اشتراها منه بسبعة أرؤس
(2)
، وقوله:("خذ جارية من السبي") يتبع قوله: إنها صارت
(1)
"الدرر في اختصار المغازي والسير" ص 204.
(2)
"المعلم بفوائد مسلم" 1/ 411، "صحيح مسلم بشرح النووي" 9/ 231 والحديث بهذِه الرواية عند مسلم (1365/ 87) كتاب: النكاح، بابك فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها.
إليه في مقسمه، تقديره: أنه إنما أراد: خذ بطريق القسمة، وفهم دحية ذلك بقرائن، أو التصريح لم ينقله الرواي، فلم يأخذها إلا بالقسمة، ثم إن الشارع حصل عنده ما حصل أنها لا تصلح له من حيث أنها من بيت النبوة، وأنها من ولد هارون، ومن بيت الرياسة، فإنها من بيت سيد قريظة والنضير مع ما كانت عليه من الجمال المراد لكمال اللذة الباعثة على كثرة النكاح المؤدية إلى كثرة النسل، وإلى جمال الولد لا الشهوة النفسانية، فإنه معصوم.
وقال النووي عن المازري وغيره: يحتمل ما جرى مع دحية وجهين:
أحدهما: أن يكون رد الجارية برضاه، وأذن له في غيرها.
والثاني: أنه أذن له في جارية من حشو السبي لا أفضلهن، فلما رأى الشارع أنه أخذ أنفسهن وأجودهن نسبًا وشرفًا وجمالًا آثر ضمها؛ لئلا يتميز دحية بها وينتهك مرتبتها، فقطع الشارع هذِه المفاسد، وعوضه، كما جاء في رواية أخرى: أنها وقعت في سهمه، فاشتراها الشارع بسبعة أرؤس، والمراد: حصلت بالإذن في أخذ جارية ليوافق باقي الروايات، فأعطاه بدلها سبعة أرؤس تطبيبًا لقلبه لا أنه جرى عقد بيع، ثم هذا الإعطاء لدحية محمول على التنفيل. فإن قلت: إنه من أصل الغنيمة. فظاهر، وإن قلت: إنه من تخميس الخمس يكون هذا منه بعد أن ميز أو قبله، ويحسب منه. قال: وهذا الذي ذكرناه هو الصحيح المختار، وحكى القاضي معنى بعضه، ثم قال: والأولى عندي أن صفية كانت فيئا؛ لأنها كانت زوجة كنانة بن الربيع، وهو وأهله من بني أبي الحُقَيْق كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرط عليهم أن لا يكتموا كنزًا، فإن كتموه فلا ذمة لهم، وسألهم عن كنز حيي بن أخطب فكتموه وقالوا: أذهبته النفقات، ثم عثر عليه عندهم
فانتقض عهدهم فسباهم. ذكر ذلك أبو عبيد وغيره، فصفية من سبيهم، فهى فيء لا يخمس بل يفعل فيه الإمام ما رأى. وهذا تفريع منه على مذهبه أن الفيء لا يخمس، ومذهبنا أنه يخمس كالغنيمة
(1)
.
الثالث عشر:
قوله: (فأعتقها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها. فقال له ثابت: يا أبا حمزة! ما أصدقها؟ قال: نفسها، أعتقها وتزوجها). فيه: استحباب عتق السيد أمته ويتزوجها، وقد صح أن له أجرين، كما أخرجاه
(2)
من حديث أبي موسى كما سيأتي
(3)
إن شاء الله.
قال ابن حزم: اتفق ثابت وقتادة وعبد العزيز بن صهيب عن أنس أنه عليه السلام أعتقها، وجعل عتقها صداقها، قال قتادة في رواية: ثم جعل
(4)
، فأخذ بظاهره أحمد والحسن وابن المسيب، ولا يجب لها مهر غيره، وتبعهم ابن حزم فقال: هو سنة فاضلة، ونكاح صحيح، وصداق صحيح، فإن طلقها قبل الدخول فهي حرة ولا يرجع عليها بشيء، ولو أبت أن تزوجه بطل عتقها، وفي هذا خلاف متأخر، قال
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 9/ 220 - 222، وانظر:"إكمال المعلم بفوائد مسلم" 4/ 592.
(2)
سيأتي برقم (2544) كتاب: العتق، باب: فضل من أدب جاريته وعلمها. وقد سلف برقم (97) كتاب: العلم، باب: تعليم الرجل أمته وأهله. ومسلم (154) كتاب: الإيمان، باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس
…
".
(3)
وقع في الأصل فوق كلمة: أخرجاه رمز (د، س) إشارة إلى أبي داود والنسائي وقد وقع عندهما حديث أبي موسى بالفعل بلفظ: "من أعتق جاريته وتزوجها كان له أجران"، أبو داود (2053)، والنسائي 6/ 115.
(4)
"المحلى" 9/ 502.
أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر ومالك وابن شبرمة والليث: لا يجوز أن يكون عتق الأمة صداقها. قال أبو حنيفة وزفر ومحمد ومالك: إن فعل فلها عليه مهر مثلها وهي حرة.
ثم اختلفوا إن أبت أن تتزوجه، فقال أبو حنيفة ومحمد: تسعى له في قيمتها. وقال مالك وزفر: لا شيء له عليها
(1)
. استدل بهذا الحديث من قال بالأول، وروى ابن حزم في ذلك عن علي وابن مسعود وأنس وغيرهم.
ونقل النووي عن الجمهور أنه إذا أعتقها على أن يتزوج بها ويكون عتقها صداقها لا يلزمها أن تتزوج به، ولا يصح هذا الشرط، وممن قاله مالك والشافعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر. قال الشافعي: فإن أعتقها على هذا الشرط فقبلت عتقت، ولا يلزمها أن تتزوج به، بل له عليها قيمتها؛ لأنه لم يرض بعتقها مجانا، فإن رضيت وتزوجها على مهر يتفقان عليه فله عليها القيمة ولها عليه المهر المسمى من قليل أوكثير، وإن تزوجها على قيمتها، فإن كانت القيمة معلومة له ولها صح الصداق، ولا تبقى له عليها قيمة ولا لها عليه صداق، وإن كانت مجهولة ففيه وجهان لأصحابنا:
أحدهما: يصح الصداق كما لو كانت معلومة؛ لأن هذا العقد فيه ضرب من المسامحة والتخفيف.
وأصحهما عند جمهورهم: لا يصح الصداق، بل يصح النكاح ويجب لها مهر المثل. ثم نقل عن أحمد وخلق جواز العتق على أن يكون عتقها صداقها، ويلزمها ذلك، ويصح الصداق عملًا بظاهر
(1)
السابق 9/ 501.
الحديث، وتأوله الآخرون بأن الصحيح الذي آختاره المحققون أنه أعتقها تبرعا بلا عوض ولا شرط، ثم تزوجها برضاها بلا صداق وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجوز نكاحه بلا مهر لا في الحال ولا في المآل، وقال بعض أصحابنا: معناه أنه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت فلزمها الوفاء به، وقال بعضهم: أعتقها وتزوجها على قيمتها وكانت مجهولة، ولا يجوز هذا ولا الذي قبله لغيره بل هما من الخصائص
(1)
.
وقال بعضهم فيما حكاه المنذري: قوله: جعل عتقها صداقها. هو من قول أنس لم يسنده فلعله تأويل منه إذ لم يسم لها صداق، وقال بعضهم: لا يخلو أن يكون تزوجها وهي مملوكة، وهذا لا يجوز بلا خلاف، أو يكون تزوجها بعد أن أعتقها فهذا نكاح بلا صداق.
وأجيب عن ذلك: بأنه لم يتزوجها إلا وهي حرة بعد صحة العتق لها، وذلك العتق الذي صح لها شرطَ أن يتزوجها به هو صداقها، وقد استوفته، كما لو كان له عليها شيء فتزوجها عليه.
فإن قلت: ثواب العتق معلوم فكيف فوّته حيث جعله في مقابلة النكاح الذي يمكن أن يكون في مقابلة دينار؟
فالجواب: كما قال ابن الجوزي: إن صفية بنت ملك، ومثلها لا يصح في المهر إلا بالكثير، ولم يكن بيده صلى الله عليه وسلم ما يرضيها، ولم أن يقصر بها فجعل صداقها نفسها، وذلك عندها أشرف من الأموال الكثيرة.
فائدة: روى الطحاوي من حديث عبد الله بن عون قال: كتب إلي نافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ جويرية في غزوة بني المصطلق فأعتقها وتزوجها،
(1)
"شرح مسلم" 9/ 221 - 222.
وجعل عتقها صداقها. أخبرني بذلك عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش
(1)
، قالوا: وابن عمر لا يرى بذلك فمحال أن يترك ما يرى إلا لفضل علم عنده بذلك، وقد روى سعيد بن منصور عن ابن عمر: أنه كان يقول في الرجل يعتق الجارية ثم يتزوجها: كالراكب بدنته
(2)
. ثم روي عن ابن سيرين أنه كان يحب أن يجعل مع عتقها شيئًا
(3)
.
الرابع عشر:
قوله: (حتى إذا كان- بالطريق): جاء في "الصحيح": فخرج بها حتى بلغنا سد الروحاء فحلت فبنى بها
(4)
. والسد بفتح السين وضمها: وهو جبل الروحاء، والروحاء بفتح الراء والحاء المهملة ممدود: قرية جامعة من عمل الفرع لمزينة، على نحو أربعين ميلا من المدينة أو نحوها، وفي رواية: أقام عليها بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها، وكانت فيمن ضرب عليها الحجاب. وفي رواية: أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني بصفية
(5)
.
الخامس عشر:
قوله: (جهزتها له أم سليم) وفي رواية: ثم أرسلها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها، قال: وأحسبه قال: وتعتد في بيتها
(6)
، أي: تستبرئ، فإنها كانت مسبية يجب استبراؤها. وتجهيزها: تزيينها
(1)
"شرح معاني الآثار" 3/ 20.
(2)
"سنن سعيد بن منصور" 1/ 246 (916).
(3)
السابق 1/ 247 (917).
(4)
سيأتي برقم (2235) كتاب: البيوع، باب: هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها.
(5)
سيأتي برقم (4212، 4213) كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر.
(6)
مسلم (1365/ 87) كتاب: النكاح، باب: فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها.
وتجميلها على جاري عادة العروس.
السادس عشر:
قوله: (فأهدتها له من الليل): فيه الزفاف في الليل، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم دخل عليها نهارًا؛ ففيه جواز الأمرين.
السابع عشر:
قوله: ("من كان عنده شيء فليجئ به") كذا هو في البخاري بغير نون. قال النووي: وهو روايتنا، وفي بعضها:"فليجئني به"، وفيه دلالة على مطلوبية الوليمة للعرس وأنها بعد الدخول. قال النووي: وتجوز قبله وبعده
(1)
. والمشهور عندنا أنها سنة، وقيل: واجبة
(2)
.
الثامن عشر:
فيه إدلال الكبير على أصحابه وطلب طعامهم في نحو هذا، وفيه أنه يستحب لأصحاب الزوج وجيرانه مساعدته في الوليمة بطعام من عندهم.
التاسع عشر:
قوله: (وبسط نطعا): هو بكسر النون وفتح الطاء على أفصح اللغات، وفتح النون وكسرها مع فتح الطاء وإسكانها، وجمعه نطوع وأنطاع وأنطع.
العشرون:
قوله: (فحاسوا حيسا): الحيس: فصيح بالحاء المهملة، طعام يتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأَقِط الدبس، والقتيت. قال ابن سيده: الحيس: الأقط، يخلط بالتمر والسمن،
(1)
"مسلم بشرح النووي" 9/ 222.
(2)
انظر: "البيان" 9/ 481.
وحاسه حيسا وحيَّسه: خلطه. قال:
وإِذا تكونُ كريهةٌ أُدعى له
…
وإذا يحاسُ الحَيْسُ يُدعى جُندُبُ
(1)
وقال الجوهري: الحيس: الخلط، ومنه سمي الحيس، قال الراجز:
السمن والتمر
(2)
معًا ثم الأَقِط
…
الحيس إلا أنه لم يختلط
(3)
كذا السنة، وقد خالفه ابن سيده فقال في "مخصصه":
التمر والسمن جميعًا والأَقِط
(4)
وفي "الغريبين": هو ثريد من أخلاط. وتوقف فيه الفارسي في "مجمعه".
وفيه: أن الوليمة تجعل بذلك عملا بقوله: (فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ولا يتوقف على شاة.
خاتمة:
من تراجم البخاري على هذا الحديث: باب ما يحقن بالأذان من الدماء، ولفظه فيه: كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح، وينظر فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا (دعا عليهم)
(5)
. الحديث
(6)
.
(1)
"المحكم" 3/ 325 مادة: الحاء والسين والياء.
(2)
في "الصحاح": التمر والسمن.
(3)
"الصحاح" 3/ 920 - 921.
(4)
"المخصص" 1/ 429.
(5)
في البخاري: أغار عليهم.
(6)
سيأتي برقم (610) كتاب: الأذان.
وزعم المهلب أن الدم إنما يحقن بالأذان لأن فيه الشهادة بالتوحيد، والإقرار بالرسول.
قال ابن بطال: وهذا عند العلماء لمن بلغته الدعوة، وعلم ما الذي يدعو إليه داعي الإسلام، فكان يمسك عن هؤلاء؛ ليعلم إن كانوا (مجيبين)
(1)
للدعوة أم لا؛ وليس يلزم اليوم الأئمة أن يكفوا عمن بلغته الدعوة لكي يسمعوا أذانا؛ لأنه قد علم عناد أهل الحرب للمسلمين، وينبغي أن تنتهز الفرصة فيهم
(2)
.
(1)
في الأصل: مجابين، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 239.
13 - باب فِى كَمْ تُصَلِّى الْمَرْأَةُ فِى الثِّيَابِ
؟
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ لأَجَزْتُهُ.
372 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ الُمؤمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِن مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ. [578، 867، 872 - مسلم: 645 - فتح: 1/ 482]
وهذا التعليق أسنده بنحوه ابن أبي شيبة: عن أبي أسامة، عن الجريري، عن عكرمة: أنه كان لا يرى بأسًا بالصلاة في القميص الواحد خصيفًا
(1)
.
وبهذا الإسناد عنه: تصلي المرأة في درع وخمار خصيف
(2)
. قال: وحدثنا أبان بن صمعة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لا بأس بالصلاة في القميص الواحد إذا كان صفيقًا
(3)
. ثم أسند عن ميمونة: أنها صلت في درع وخمار. وفي أخرى: أنها صلت في درع واحد فضلا، وقد وضعت بعض كمها على رأسها
(4)
. وعن عائشة وعلي وابن عباس: تصلي في درع سابغ وخمار. وعن إبراهيم: في الدرع والجلباب. وعن عروة وغيره: في درع وخمار خصيف. وعن الحكم في درع وخمار. وعن حماد: في درع وملحفة تغطي رأسها. وعن مجاهد: لا تصلي المرأة في أقل من أربعة أثواب. وعن مجاهد وعطاء وابن سيرين: إذا حضرتها الصلاة وليس لها إلا ثوب واحد، قالوا: تتزر به
(5)
.
(1)
"المصنف" 2/ 38 (6198).
(2)
السابق 2/ 37 (6180).
(3)
السابق 2/ 38 (6190).
(4)
السابق 2/ 36 (6170، 6169).
(5)
انظر السابق 2/ 36 - 37 (6168: 6187).
واختلف العلماء في عدد ما تصلي فيه المرأة من الثياب فقالت طائفة: تصلي في درع وخمار. روي ذلك عن ميمونة وعائشة وأم سلمة أمهات المؤمنين، وهو مروي عن ابن عباس كما سلف، وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي
(1)
.
وقالت طائفة: تصلي في ثلاثة أثواب، درع وخمار وحقو، وهو الإزار في لغة الأنصار. روي ذلك عن ابن عمر وعبيدة وعطاء
(2)
.
وقالت طائفة: تصلي في أربعة أثواب، وهو الخمار والدرع والإزار والملحفة. روي ذلك عن مجاهد
(3)
وابن سيرين
(4)
.
وقال ابن المنذر: على المرأة أن تستر في الصلاة جميع بدنها سوى وجهها وكفيها سواء سترته بثوب واحد أو أكثر، ولا أجيب ما روي عن المتقدمين في ذلك من الأمر بثلاثة أثواب أو أربعة إلا من طريق الاستحباب
(5)
، وعند الشافعي: أن عورة الحرة ما سوى الوجه والكفين
(6)
، وروي عن أحمد: أنها كلها عورة حتى ظفرها
(7)
، وعند
(1)
انظر: "بداية المجتهد" 1/ 226 - 227، "الأوسط" 5/ 73، "البيان" 2/ 121، وهو قول الإمام أحمد. "المغني" 2/ 330 - 331.
(2)
ورواه عنهما ابن أبي شيبة أيضًا في "المصنف" 2/ 37 (6174، 6175). ورواية عطاء (6182) قال عطاء: في درع وخمار. ورواه أيضًا عن ابن سيرين (6176، 6177) أنها تصلي في ثلاثة أتواب، وانظر:"الأوسط" 5/ 73.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 37 (6184).
(4)
انظر: "الأوسط" 5/ 73 - 74.
(5)
السابق 5/ 75.
(6)
انظر: "البيان" 2/ 118.
(7)
"مسائل أبي داود"(280)، "المغني" 2/ 328، ونسب القول لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث- وكان من فقهاء التابعين بالمدينة، وأحمد الفقهاء السبعة، وكان يقال له: راهب قريش.
مالك: أنها إذا صلت وبدنها مكشوف أعادت في الوقت
(1)
، وقال أبو حنيفة والثوري: لا تعيد أبدًا، وقدمها عورة
(2)
.
فائدة: قوله: (وارت) أي: أخفت وسترت ومنه {يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} و {يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} .
ثم ساق حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ المُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ من الغلس.
والكلام عليه من أوجه، ويأتي في الصلاة أيضًا
(3)
:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم
(4)
، والأربعة
(5)
.
ووجه إيراده هنا ما فهمه من التلفع، وسيأتي حقيقته.
ثانيها:
(كان) هذِه تعطي المداومة والاستمرار على الشيء، ومن عادته صلى الله عليه وسلم أن يصلي الصبح في هذا الوقت. نعم أسفر بها مرة كما أخرجه أبو داود من حديث ابن مسعود: أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد بالغلس حتى مات صلى الله عليه وسلم لم يعد إلى أن
(1)
"المدونة" 1/ 94، "بداية المجتهد"1/ 227.
(2)
انظر: "مختصر الطحاوي" 28، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 307. وفيه أن قدمها ليست بعورة.
(3)
سيأتي برقم (578) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت الفجر.
(4)
مسلم (645) كتاب: المساجد، باب: استحباب التبكير بالصبح
…
(5)
"سنن أبي داود"(423)، "سنن الترمذي"(153)، "سنن النسائي" 1/ 271، "سنن ابن ماجه"(669).
يسفر
(1)
. صححه ابن حبان
(2)
، وقال الخطابي: صحيح الإسناد
(3)
.
ثالثها:
معنى (يشهد) هنا: يحضر ومنه قوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] أي: حضر.
رابعها:
(النساء). من الجمع الذي لا واحد له من لفظه، إذ الواحد امرأة، وله نظائر كثيرة.
خامسها:
(متلفعات). بالعين المهملة بعد الفاء أي: متلفحات، وروي بالفاء المكررة بدل العين، والأكثر على خلافه كما قاله ابن التين قبيل الجمعة، ومعناهما متقارب، إلا أن التلفع، مستعمل مع تغطية الرأس، بل قال ابن حبيب: لا يكون إلا بالتغطية
(4)
، وعن الأصمعي: أن التلفع أن يشتمل به حتى يجلل به جسده، وهذا اشتمال الصماء عند العرب؛ لأنه لم يرفع جانبا منه، فيكون فيه فرجة، وهو عند الفقهاء مثل ما وصفنا من الاضطباع، إلا أنه في ثوب واحد
(5)
.
(1)
أبو داود (394).
(2)
"صحيح ابن حبان" 4/ 298 (1449).
(3)
"معالم السنن" 1/ 115، وقال المنذري في "مختصره" 1/ 233: وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه. ولم يذكروا رؤيته لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذِه الزيادة في قصة الأسفار رواتها عن آخرهم ثقات، والزيادة مقبولة من الثقة. وقال النووي في "المجموع" 3/ 55: رواه أبو داود بإسناد حسن. وقواه الحافظ في "الفتح" 2/ 5 فقال: رواه أبو داود وغيره وصححه ابن خزيمة وغيره. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(418): إسناده حسن.
(4)
ذكره الباجي في "المنتقى" 1/ 9.
(5)
انظر: "تنوير الحوالك" ص 21.
سادسها:
(المروط). جمع مرط بكسر الميم، أكسية معلمة تكون من خز، وتكون من صوف، وتكون من كتان، وقيل: الإزار. وقيل: لا يكون إلا درعًا، وهو من خز أخضر، ولا يسمى المرط إلا الأخضر، ولا يلبسه إلا النساء.
سابعها:
(الغلس): اختلاط ضياء الفجر بظلمة الليل، والغبش قريب منه، لكن الغلس آخر الليل، والغبش قد يكون في أوله وفي آخره.
ثامنها:
قولها: (ما يعرفهن أحد من الغلس). أي: أنساء هن أم رجال، إنما يظهر للرائي الأشباح خاصة، وأبعد من قال: ما تعرف أعيانهن.
تاسعها:
فيه دلالة لمذهب الجمهور أن التغليس بالصبح أفضل.
وبه قال مالك والشافعي وأحمد
(1)
، وقال أبو حنيفة
(2)
: الإسفار بها
أفضل لحديث: دا أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجردا
(3)
، وعنه أجوبة وإن
(1)
انظر: "التفريع" 1/ 219 - 220، "عيون المجالس" 1/ 279 - 280، "حلية العلماء"
1/ 20، "المغني" 2/ 44.
(2)
"الهداية" 1/ 42.
(3)
رواه أبو داود (424) من حديث رافع بن خديج، والترمذي (154)، وابن ماجه والطيالسي في "مسنده" 2/ 264 (1001)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 178، والبغوي في "شرح السنة"(354) وآخرون ورواه النسائي في "سننه" 1/ 272 من طريق محمود بن لبيد عن رجال من قومه.
وقال الترمذي: حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح، وقال الخطابي في "المعالم" حديث حسن 2/ 197، وصححه الألباني في "الإرواء"(258).
صححه الترمذي ذكرتها في "شرحي للعمدة"
(1)
.
منها: أنه محمول على تحقق الفجر أو على الليالي المقمرة
(2)
، ووهم الطحاوي حيث ادعى أنه ناسخ لحديث التغليس
(3)
، وعن أحمد فيما حكاه ابن قدامة: أنه إذا اجتمع الجيران فالتغليس أفضل، وإن تأخروا فالتأخير أفضل
(4)
. قال الطحاوي: إن كان من عزمه التطويل شرع بالتغليس، ويخرج منها بالإسفار، ولا يشرع بالإسفار، وزعم أنه قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
(5)
.
عاشرها:
فيه دلالة على خروج النساء، وهو جائز بشرط أمن الفتنة عليهن أو بهن، وكرهه بعضهم للشواب.
وشرح الحديث مبسوط جدًّا في "شرحي للعمدة" فراجعه منه
(6)
.
(1)
"الإعلام شرح العمدة" 2/ 236 - 242." 4/ 337 - 343.
(2)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 236.
(3)
"شرح معاني الآثار" 1/ 184.
(4)
"المغني" 2/ 44.
(5)
"شرح معاني الآثار" 1/ 184.
(6)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 236.
14 - باب إِذَا صَلَّى فِى ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا
373 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي خَمِيصَةِ لَهَا أَعْلَامٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هذِه إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْني آنِفًا عَنْ صَلَاتِي". وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَني". [752، 5817 - مسلم: 556 - فتح: 1/ 482]
ساق بإسناده من حديث ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّه صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هذِه إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي".
ثم قال: وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي".
والكلام على ذلك من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أعني: الأول ذكره قريبًا في الالتفات
(1)
، واللباس أيضًا
(2)
، وأخرجه مسلم
(3)
، وأبو داود
(4)
، والنسائي في الصلاة
(5)
،
(1)
سيأتي برقم (752) كتاب: الأذان.
(2)
سيأتي برقم (5817) باب: الأكيسة والخمائص.
(3)
مسلم (556) كتاب: المساجد، باب: كراهية الصلاة في ثوب له أعلام.
(4)
أبو داود (914).
(5)
النسائي 2/ 72 كتاب: القبلة، باب: الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام.
وابن ماجه في اللباس أيضًا
(1)
.
والتعليق الثاني أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع، عن هشام
(2)
، وأبو داود عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عنه
(3)
، ورواه أبو معمر فقال عمرة عن عائشة. قال الإسماعيلي: ولعله غلط منه، والصحيح عروة، ولم يذكر أبو مسعود هذا التعليق، وذكره خلف.
ثانيها:
الخميصة: بفتح الخاء المعجمة، كساء رقيق مربع له علمان أو أعلام، ويكون من خز، أو صوف، وقيل: لا يسمى بذلك إلا أن تكون سوداء معلمة سميت بذلك للينها ورقتها وصغر حجمها إذا طويت، مأخوذ من الخمص، وهو ضمور البطن
(4)
.
ثالثها:
أبو جهم: اسمه: عامر، وقيل: عبيد بن حذيفة القرشي العَدوي، أسلم يوم الفتح، وكان معظمًا في قريش، وعالمًا بالنسب، شهد بنيان الكعبة مرتين، وبسببه كان حرب زُجاجة، مات في آخر خلافة معاوية، وهو غير أبي جهيم المصغر المذكور في المرور
(5)
.
(1)
ابن ماجه (3555).
(2)
مسلم (556/ 63).
(3)
أبو داود (915).
(4)
انظر: "لسان العرب" 3/ 1266 مادة: خمص.
(5)
انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 4/ 189 (2929)، "أسد الغابة" 6/ 57 (5773)، "سير أعلام النبلاء" 2/ 556 (117)، "الإصابة" 4/ 35 (207).
رابعها:
الأنبجانية: بفتح الهمزة وكسرها، وبفتح الباء الموحدة وكسرها، وبتشديد الياء المثناة تحت، وتخفيفها. قيل: إنه نسبة إلى موضع يقال له: أنبجان، وقيل غير ذلك، وهو كساء غليظ لا علم له، فإن كان فهو الخميصة
(1)
.
وقوله: "وائتوني بأنبجانية أبي جهم" روي بتشديد الياء المثناة تحت، والتأنيث على الإضافة
(2)
، وعلى التذكير
(3)
(4)
أيضًا كما جاء في الرواية الأخرى: كساء له أنبجانيًّا
(5)
.
خامسها:
معنى: "ألهتني" شغلتني عن جمال الحضور والتدبر، وفي "الموطأ":"فإنها كادت تفتني"
(6)
.
وفيه: أن الخميصة أهداها له أبو جهم، وقيل: بل هو الذي أهداها أولًا له، حكاه ابن الأثير
(7)
.
وقوله: ("تفتنني"). قال ابن التين: رويناه بفتح التاء على أنه ثلاثي، وبالإدغام مثل قوله تعالى:{مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: 95] ويصح أن يكون بضم التاء يقال: فتنته وأفتنه، وأنكر الأصمعي
(1)
انظر: "لسان العرب" 1/ 145 مادة: انبج، 7/ 4320 مادة: نبج.
(2)
في الأصل أعلى هذِه الكلمة تعليق ونصه: أي: للظاهر.
(3)
في هامش الأصل: قال ابن التين: وعلى الحرف في بعض الكتب بالخاء المعجمة، سماعي بالجيم. قلت: وهذا غريب وعلق عليه (لا
…
إلى) إشارة إلى حذفه.
(4)
في الأصل أعلى هذِه الكلمة تعليق ونصه: أي: بإضافته للضمير.
(5)
مسلم (556/ 63) كتاب: المساجد، باب: كراهة الصلاة في ثوب له أعلام.
(6)
"الموطأ" ص 81 (72) برواية يحيى بن يحيى.
(7)
"أسد الغابة" 6/ 58 في ترجمة أبي جهم.
الثاني، ومعنى آنفًا: الساعة، وفي أبي داود:"شغلتني أعلام هذِه"، وأخذ كرديًّا كان لأبي جهم، فقيل: يا رسول الله! الخميصة كانت خيرًا من الكردي
(1)
. وعند أبي موسى المديني: "ردوها عليه، وخذوا أنبجانيته" لئلا يؤثر رد الهدية في قلبه، وهذا أولى من تأويل بعضهم أن فعل هذا إذلالا؛ لعلمه بأنه يؤثر هذا ويفرح به، ولا يلزم من ذلك أن أبا جهم كان يصلي فيها كما في حُلة عطارد
(2)
، ولا يقال: إذا ألهت سيد الخلق مع عصمته فكيف لا تلهي أبا جهم، على أنه قد نقل أن أبا جهم كان أعمى فالإلهاء مفقود عنده، ولعله علم أنه لا يصلي بها أيضًا، ويحتمل أن يكون هذا خاصًّا، فالشارع كما قال:"كل، فإني أناجي من لا تناجي"
(3)
. حكاه ابن التين.
سادسها: في فوائده:
الأولى: جواز لبس الثوب ذي العلم، وجواز الصلاة فيه.
الثانية: اشتغال الفكر اليسير في الصلاة غير قادح فيها، وهو إجماع، وإن حكي عن بعض السلف والزهاد ما لا يصح عمن يعتمد به في الإجماع.
الثالثة: طلب الخشوع في الصلاة والإقبال عليها، ونفي كل ما يشغل القلب ويلهي عنه؛ ولهذا قال أصحابنا: يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده، ولا يتجاوزه.
(1)
"سنن أبي داود "(914).
(2)
سيأتي برقم (886) كتاب: الجمعة، باب: يلبس أحسن ما يجد من حديث عمر بن
الخطاب رضي الله عنه.
(3)
سيأتي برقم (855) كتاب: الأذان، باب: ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث.
الرابعة: المبادرة إلى ترك كل ما يلهي ويشغل القلب عن الطاعة والإعراض عن زينة الدنيا والفتنة بها.
الخامسة: منع النظر وجمعه عما لا حاجة بالشخص إليه في الصلاة وغيرها، وقد كان السلف لا يخطيء أحدهم موضع قدميه إذا مشى.
السادسة: تكنية الإمام والعالم لمن هو دونه
(1)
.
وفيه غير ذلك مما أوضحته في "شرح العمدة" فليراجع منه
(2)
.
وذكر ابن الجوزي في الحديث سؤالين:
أحدهما: كيف يخاف الافتتان بعلم من لم يلتفت إلى الأكوان دليله: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)} [النجم: 17].
وأجاب بأنه كان في تلك الليلة خارجًا عن طباعه، فأشبه ذلك نظره من ورائه، فأما إذا رد إلى طبعه البشري فإنه يؤثر فيه ما يؤثر في البشر.
الثاني: المراقبة في الصلاة شغلت خلقُا من أتباعه، حتى إنه وقع السقف إلى جانب مسلم بن يسار ولم يعلم؟!
وأجاب: بأن أولئك كانوا يؤخذون عن طباعهم فيغيبون عن وجودهم، وكان الشارع يسلك طريق الخواص وغيرهم، فإذا سلك طريق الخواص غير الكل فقال:"لست كأحدكم"
(3)
وإذا سلك طريق غيرهم قال: "إنما أنا بشر"
(4)
فرد إلى حالة الطبع فنزع الخميصة ليستن به في ترك كل شاغل.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال " 2/ 37.
(2)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 1/ 62 - 70.
(3)
سيأتي برقم (1961) كتاب: الصوم، باب: الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام.
(4)
قطعة من حديث سيأتي برقم (2458) كتاب: المظالم، باب: ثم من خاصم في باطل وهو يعلمه.
وذكر ابن بطال وغيره عن سفيان بن عيينة أنه صلى الله عليه وسلم إنما رد الخميصة؛ لأنها كانت سبب شغله، كما قال:"اخرجوا عن هذا الوادي الذي أصابكم فيه الغفلة، فإنه واد به شيطان"
(1)
قال: ولم يكن الشارع ليبعث إلى غيره بشيء يكرهه لنفسه، ألا ترى قوله لعائشة في الضب:"إنا لا نتصدق بما لا نأكل"
(2)
، وكان أقوى خلق الله على دفع الوسوسة، ولكن كرهها لدفع الوسوسة كما قال لعائشة:"أميطي عنا قرامك، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي"
(3)
قال: وفي رده الخميصة تنبيه منه وإعلام أنه يجب على أبي جهم من اجتنابه في الصلاة مثلما عليه؛ لأن أبا جهم أحرى أن يعرض له من الشغل بها أكثر مما خشي الشارع، ولم يرد بردها عليه منعه من ملكها ولباسه في غيرها، وإنما معناها كمعنى الخلة التي أهداها لعمر وحرم عليه لباسها، وأباح له الانتفاع بها وبيعها. قال: وفيه دليل أن الواهب والمهدي إذا ردت عليه عطيته من غير أن يكون هو الراجع فيها فله أن يقبلها؛ إذ لا عار عليه في قبولها.
وذكر غيره أنه إنما كرهها لما فيها من الحرير.
(1)
ذكر هذِه القصة البيهقي في "سننه" 2/ 449، وأصل الحديث في البخاري برقم (595) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الأذان بعد ذهاب الوقت، ومسلم (681) كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.
(2)
لم أقف عليه.
(3)
سيأتي في الباب التالي برقم (374).
15 - باب إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاوِيرَ، هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؟ وَمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ
374 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هذا، فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي". [5959 - فتح: 1/ 484]
ثم ساق حديث أَنَسٍ: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هذا، فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي".
الكلام عليه من أوجه.
أحدها:
هذا الحديث أخرجه في اللباس أيضًا
(1)
، وأخرجه النسائي بألفاظ منها:"يا عائشة، أخري هذا، فإني إذا رأيته ذكرت الدنيا"
(2)
ومنها: فهتكه بيده، وقال:"إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله"
(3)
.
ثانيها:
ذكر البخاري المصلب مع التصاوير لأن كلا منهما تعبد فكان بينهما مناسبة، وذكر هذا الحديث هنا لأنه لما تعرضت التصاوير له في صلاته نزعها عنه لأنها له، فإذا صلى فيها كان بطريق أولى.
(1)
سيأتي برقم (5959).
(2)
النسائي 8/ 213. ولفظه: "يا عائشة حوّليه فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت .. "
(3)
السابق 8/ 214.
ثالثها:
القِرام -بكسر القاف- ستر فيه رقم ونقوش، قاله الجوهري
(1)
.
وقال الخليل: ثوب صوف ملون.
وقيل: ستر رقيق.
وقيل: من صوف غليظ جدًّا يفرش في الهودج، أو يغشى به
(2)
.
ومعنى "أميطي": نحي. قال الكسائي: مطت عنه وأمطت: نحيت، وكذلك مطت غيري وأمطته، وأنكر ذلك الأصمعي وقال: مطت أنا وأمطت غيري
(3)
.
رابعها:
الحديث دال على عدم بطلان الصلاة بذلك؛ لأنه ذكر أنها عرضت له، ولم ينقل أنه قطعها ولا أعادها، وهو يشبه الحديث الذي في الباب قبله؛ لأنه لما نهي عن القرام الذي فيه التصاوير علم أن النهي عن لباسه أشد وآكد، وهذا كله على وجه الكراهة، ومن صلى بذلك أو نظر إليه فصلاته مجزئة عند العلماء، لما سلف من أنه صلى الله عليه وسلم لم يعدها. قال المهلب: وإنما أمر باجتناب مثل هذا لإحضار الخشوع في الصلاة وقطع دواعي الشغل
(4)
.
(1)
"الصحاح" 5/ 2009 مادة: (قرم).
(2)
"العين" 5/ 159 مادة: (قرم).
(3)
انظر: "معجم تهذيب اللغة" 4/ 3327 مادة: ماط، "لسان العرب" 7/ 4308 مادة:(ميط).
(4)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 38.
خامسها:
فيه النهي عن الصور، وقيل: إنه منسوخ بحديث سهيل إلا ما كان رقمًا في ثوب
(1)
، وقيل: إنه مخصوص بخبر سهل، وذلك أنه كرهها في خاصة نفسه، وأباحها للباس للضرورة، حكاهما ابن التين.
قال الخطابي: ويشبه أنها سترت عورة من بيتها لعلمها بنهيه صلى الله عليه وسلم عن ستر الجدر
(2)
، ويحتمل أن يكون النهي مع هذا أو بعده.
(1)
رواه الترمذي (1750)، والنسائي 8/ 212، وفي "الكبرى"(9766)، ومالك 2/ 143 - 144 (2034) برواية أبي مصعب، وأحمد 3/ 486، والطحاوي 4/ 285 في "شرح معاني الآثار"، وابن حبان في "صحيحه" 13/ 162 (5851)، وصححه الألباني في "غاية المرام" 1/ 102.
(2)
انظر: "أعلام الحديث" 1/ 358.
16 - باب مَنْ صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ
375 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الَخيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا -كَالْكَارِهِ لَهُ- وَقَالَ:"لَا يَنْبَغِي هذا لِلْمُتَّقِينَ". [5801 - مسلم: 2075 - فتح: 1/ 484]
ثم ساق بإسناده من حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرُّوجُ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا- كَالْكَارِهِ لَهُ- وَقَالَ:"لَا يَنْبَغِي هذا لِلْمُتَقِينَ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس
(1)
، والنسائي منه
(2)
، والبخاري أيضًا هناك
(3)
.
ثانيها:
(فروج) بفتح الفاء ثم راء مضمومة مشددة: قال ابن الجوزي: كذا ضبطناه عن شيوخنا في كتاب أبي عبيد وغيره، ويقال: بضم الفاء من غير تشديد على وزن خروج على غير المعدى. وقال القرطبي: قيد بفتح الفاء وضمها، والضم المعروف، وأما الراء فمضمومة، على كل حال مشددة، وقد تخفف
(4)
.
(1)
مسلم (2075) باب: تحريم استعمال إناء الذهب
…
(2)
النسائي 2/ 72 كتاب: القبلة، باب: الصلاة في الحرير، وليس كما يوهم عزو المصنف.
(3)
سيأتي برقم (5801) باب: القباء وفروج حرير
…
(4)
"المفهم" 5/ 398.
وقال ابن قرقول: هو بفتح الفاء والتشديد في الراء، ويقال تخفيفها أيضًا. وهو كما قال البخاري في كتاب اللباس: القباء الذي شق من خلفه. وقال القرطبي: القباء والفروج كلاهما ثوب ضيق الكمين والوسط مشقوق من خلف، يتشمر فيه للحرب والأسفار
(1)
. قلت: وهو لبس الأعاجم.
ثالثها: قيل: إن لبسه كان قبل تحريم الحرير على الرجال. قال النووي: ولعل أول النهي والتحريم كان حين نزعه، ولهذا قال في حديث جابر عند مسلم: صلى في قباء ديباج ثم نزعه. وقال: "نهاني عنه جبريل" فيكون أول التحريم هذا
(2)
. قال ابن حزم: وروينا عن أبي الخير أنه سأل عقبة بن عامر الجهني عن لبنة حرير في جبة فقال: ليس بها بأس
(3)
.
رابعها: قوله: ("لا ينبغي هذا للمتقين") وفي رواية: "إن هذا ليس من لباس المتقين"
(4)
أي: المؤمنين، فإنهم هم الذين خافوا الله تعالى واتقوه بإيمانهم وطاعتهم له.
خامسها: اختلف العلماء في الصلاة في الثوب الحرير:
فقال الشافعي وأبو ثور: يحرم وتصح. وقال ابن القاسم عن مالك:
من صلى في ثوب حرير يعيد في الوقت إن وجد ثوبًا غيره. وعليه جل أصحابه. وقال أشهب: لا إعادة عليه في الوقت ولا غيره. وهو قول
(1)
السابق 5/ 397.
(2)
"مسلم بشرح النووي" 14/ 52.
(3)
"المحلى" 4/ 40.
(4)
رواه الطبراني 17/ 275 (758).
أصبغ، وخفف ابن الماجشون لباسه في الحرب والصلاة فيه للترهيب على العدو والمباهاة. وقال آخرون: إن صلى فيه وهو يعلم أن ذلك يجوز يعيد. ومن أجاز الصلاة فيه احتج بأنه لم يرد عن الشارع الإعادة، وهو عجيب؛ لأنه إذ ذاك مباحًا، ومن لم يجزها أحد لعموم تحريمه صلى الله عليه وسلم لباس الحرير للرجال
(1)
.
(1)
"طرح التثريب" 3/ 219، وانظر:"شرح فتح القدير" 1/ 262، "المنتقى" 1/ 149، "أحكام القرآن" لابن العربي 4/ 1684 - 1687، "المجموع" 3/ 184 - 185، "المغني" 2/ 304 - 305.
17 - باب الصَّلَاةِ فيِ الثَّوْبِ الأَحْمَرِ
376 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبتَدِرُونَ ذَاكَ الوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمُّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا، صَلَّى إِلَى العَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ العَنَزَةِ. [انظر: 187 - مسلم: 503 - فتح: 1/ 485]
ساق فيه حديث عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالًا أخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا، صَلَّى إِلَى العَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ العَنَزَةِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث ذكره في باب: سترة الإمام سترة من خلفه
(1)
وبعده بقليل في باب الصلاة إلى العنزة
(2)
، وأخرجه في اللباس أيضا في باب القبة الحمراء من أدم
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (495).
(2)
سيأتي برقم (499).
(3)
سيأتي برقم (5859).
وأخرجه مسلم
(1)
والأربعة
(2)
(3)
، وسلف أيضًا بعضه في باب استعمال فضل وضوء الناس
(4)
، ويأتي بعضه في باب السترة بمكة وغيرها
(5)
.
ثانيها:
قوله: (في قبة حمراء): هذا قد جاء مصرحًا به أنه كان بالأبطح بمكة
(6)
، وهو الموضع المعروف، ويقال له: البطحاء. ويقال: إنه إلى منى أقرب، وهو المحصب. وهو خيف بني كنانة، وزعم بعضهم أنه ذو طوى، وليس كذلك كما نبه عليه ابن قرقول.
ثالثها:
(الأدم): بالفتح جمع أديم، وهو الجلد ما كان، وقيل: الأحمر. وقيل: المدبوغ. ذكره في "المحكم"
(7)
، وقيل: باطن الجلد، قاله في "الجامع"
(8)
.
رابعها:
(الحلة): بضم الحاء، إزار ورداء، سميا بذلك لأن كل واحد يحل على الآخر، ولا يقال: حلة لثوب واحد إلا أن يكون له بطانة، ووقع في
(1)
مسلم (503) كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي.
(2)
أبو داود (520) والترمذي (197)، والنسائي 2/ 73، وابن ماجه (711).
(3)
في هامش الأصل بخط ناسخها: من خط الشيخ: الكل في الصلاة خلا النسائي ففي الطهارة والحج والزينة.
(4)
سلف برقم (187) كتاب: الوضوء.
(5)
سيأتي برقم (501).
(6)
سيأتي برقم (633) كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة
…
(7)
"المحكم" 10/ 97 مادة: (أدم).
(8)
انظر: "مختار الصحاح" 5/ 1858 - 1859 مادة: (أدم)، "النهاية في غريب الحديث" 1/ 33 باب: الهمزة مع الدال.
"سنن البيهقي" في الجنائز: تقييدها بالحمرة غالبًا
(1)
.
خامسها:
(الوَضوء) هنا بفتح الواو، و (العنزة): سلف بيانها في الطهارة، ومعنى ركزها: أثبتها، وقد أوضحت كل ذلك في "شرح العمدة"
(2)
.
سادسها:
فيه أنه لا بأس بلباس الأحمر، وأنه غير قادح في الزاهد، وهو راد على من زعم كره لباسه، وزعم بعضهم أن لبسها كان لأجل الغزو، وفيه نظر؛ لأنه كان عقب حجة الوداع، ولم يبق له عدو إذ ذاك، وحديث النهي عنه مؤول بما صبغ بالعصفر.
سابعها:
قوله: (يبتدرون): أي: يستبقوا
(3)
إليه تبركًا بآثاره الشريفة، وفيه التبرك بآثار الصالحين، واستعمال فضل طهورهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم
(4)
.
ثامنها:
قوله: (مشمرًا): أي: رافعًا إلى أنصاف ساقيه، ونحو ذلك كما جاء في الرواية الأخرى: كأني أنظر إلى بياض ساقيه
(5)
. ففيه: رفع الثوب عن الكعبين.
(1)
"سنن البيهقي الكبرى" 1/ 400 من حديث ابن عباس. قال: قال عثمان: في ثلاثة أثواب حلة حمراء وقميصه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم.
(2)
"الإعلام بفوائد الأحكام" 1/ 221، 478.
(3)
كذا بالأصل، والأولى: يستبقون.
(4)
سلف تعليقنا على هذا الكلام وبينا فساده، فراجعه.
(5)
رواه مسلم (503) كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي. وفي البخاري (3566) =
تاسعها:
صلاته هذِه هي الظهر، وجاء أنه صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين، ففيه: أن المطلوب قصر الرباعية في السفر، وإن كان قرب بلد.
عاشرها:
قوله: (ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة): يريد أمامها كما جاء في رواية أخرى، وقد جاء في رواية: يمر من ورائها المرأة والحمار، وفي رواية أخرى: يمر بين يديه المرأة والحمار. وأمام ووراء من الأضداد، قال تعالى:{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: 79] يريد: أمامهم. واختلف: هل سترة الإمام سترة لمن خلفه، أو هي سترة له خاصة والإمام سترتهم؟ وسيأتي الكلام عليه في محله إن شاء الله.
= بلفظ: "وبيض ساقيه".
18 - باب الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ وَالْمِنْبِر وَالْخَشَبِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الجَمْدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَإِنْ جَرى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ أَمَامَهَا، إِذَا كَانَ بَيْنَهمَا سُتْرَةٌ. وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَقْفِ المَسْجِدِ بِصَلَاةِ الإِمَامِ. وَصَلَّى ابن عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ.
377 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ قَالَ: سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ الِمنْبَرُ؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي هُوَ مِنْ أَثْلِ الغَابَةِ، عَمِلَهُ فُلَانٌ مَوْلَى فُلَانَةَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَامَ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ عُمِلَ وَوُضِعَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، كَبَّر وَقَامَ النَّاسُ خَلْفِهُ، فَقَرَأَ وَرَكَعَ، وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ القَهْقَرى، فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الِمنْبَرِ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ القَهْقَرى حَتَّى سَجَدَ بِالأرْضِ، فهذا شَأْنُهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ عَليُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: سَأَلنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله عَنْ هذا الَحدِيثِ، قَالَ: فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ بهذا الَحدِيثِ. قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ هذا كَثِيرًا، فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا. [448، 917، 2094، 2569 - مسلم: 544 - فتح: 1/ 486]
378 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أَوْ كَتِفُهُ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ:"إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا". وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا. فَقَالَ:"إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ". [689، 732، 733، 805، 1114، 1911، 2469، 5201، 5289، 6684 - مسلم: 411 - فتح: 1/ 487]
أصل المنبر من النبر وهو الارتفاع، وسطح كل شيء أعلاه، صرح به الجوهري
(1)
وغيره.
قَالَ: وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الجَمْدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَإِنْ جَرى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ أَمَامَهَا، إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ.
الجمْد: بفتح الجيم وضمها كما قال ابن التين، مثل عَشْر، وعُشْر، مكان صلب مرتفع، وقال ابن قرقول: إنه بسكون الميم، وفي كتاب الأصيلي: والصواب: السكون، وهو الماء الجامد من شدة البرد بدليل الترجمة. وقال صاحب "المحكم": الجمد: الثلج
(2)
، زاد ابن عديس الفتح، وقال ابن جعفر هو بالفتح. وقال غيره: هو بالفتح والضم، وبضمهما: ما ارتفع من الأرض. وقال الفارابي: الجمد ما جمد من الماء نقيض الذوب، وهو مصدر. وقال الجوهري: هو بالتحريك جمع جامد والجمْد والجمُد مكان صلب مرتفع، والجمع أجماد وجماد
(3)
.
و (القناطر): جمع قنطرة، وهو كما قال ابن سيده: ما ارتفع من البنيان
(4)
. وقال الجوهري: هو الجسر
(5)
أي: الذي يجعل على النهر يعبر عليه.
وقوله: (إذا كان بينهما سترة). لأنه إذًا كالبعيد قربت النجاسة منه أو بعدت، وفي "المدونة": من صلى وأمامه جدار أو مرحاض أجزأه
(6)
، وقال ابن حبيب: إن تعمد الصلاة إلى نجاسة وهي أمامه أعاد، إلا أن تكون بعيدة جدًّا
(7)
.
(1)
"الصحاح" 2/ 821، مادة:(نبر).
(2)
"المحكم" 7/ 245 مادة: (جرم).
(3)
"الصحاح" 2/ 459 مادة: (جمد).
(4)
"المحكم" 6/ 385 ما دة: القاف والطاء.
(5)
"الصحاح" 2/ 796.
(6)
"المدونة" 1/ 89.
(7)
انظر: "مواهب الجليل" 2/ 65.
قال البخاري: وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَقْفِ المَسْجِدِ بِصَلَاةِ الإِمَامِ. لذا ذكره بصيغة الجزم، وابن أبي شيبة رواه في "مصنفه" عن وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، وفيه مقال. قال: صليت مع أبي هريرة فوق المسجد بصلاة الإمام وهو أسفل
(1)
، وقد صح عن غير واحد. رواه ابن أبي شيبة عن أنس، وسالم بن عبد الله، وغيرهما
(2)
، ولا بأس أن يصلي المأموم على السطح والإمام أسفل المسجد عند الكوفيين
(3)
، وهو قول مالك في غير الجمعة
(4)
، وقال [الليث]
(5)
: لا بأس أن يصلي الجمعة ركعتين على ظهر المسجد، وفي الدور على الدكاكين، وفي الطرق إذا اتصلت الصفوف ورأى الناس بعضهم بعضًا حتى يصلوا بصلاة الإمام
(6)
، وعن الشافعي مثله
(7)
.
قال البخاري: وَصَلَّى ابن عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ.
ثم ذكر البخاري حديثين:
أحدهما: حديث سهل بن سعد في شأن المنبر.
والثاني: حديث أنس في المشربة، وهي الغرفة، وصلى على ألواحها وخشبها
(8)
. وهو موضع الترجمة، وذكر ابن أبي شيبة عن حذيفة أنه كان مريضًا فكان يصلي قاعدًا، فجعل له وسادة، وجعل له لوح عليها فسجد عليه
(9)
.
(1)
"المصنف" 2/ 35 (6158).
(2)
السابق 2/ 35 (6160).
(3)
انظر: "المغني" 3/ 44 - 45.
(4)
"المدونة" 1/ 82، 141.
(5)
في الأصل (مالك)، والمثبت من شرح ابن بطال، وهو الصحيح.
(6)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 42.
(7)
انظر: "مختصر المزني" ص 40، "البيان" 2/ 439 - 441، "المجموع" 2/ 439 - 441.
(8)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وكذا صلاته على المنبر.
(9)
"المصنف" 1/ 246 (2833).
وكره قوم السجود على العود: روي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود أخرجهما ابن أبي شيبة: قال علقمة: دخل عبد الله على أخيه عبدة يعوده فوجده يصلي على عود فطرحه، وقال: إن هذا شيء عرض به الشيطان، ضع وجهك على الأرض، وإن لم تستطع فأومئ إيماء. وكرهه الحسن وابن سيرين
(1)
.
وروى ابن أبي شيبة عن مسروق أنه كان يحمل معه لبنة في السفينة
(2)
. يعني: يسجد عليها، وابن أبي شيبة وأئمة الفتوى على جواز الصلاة عليه، وحجتهم الإتباع في المنبر والمشربة.
فأما حديث سهل فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
أن البخاري ذكره قريبًا
(3)
، وفي الجمعة
(4)
، والهبة أيضًا
(5)
، وأخرجه مسلم
(6)
، وأبو داود
(7)
، والنسائي
(8)
، وابن ماجه
(9)
.
ثانيها:
قوله: (من أي شيء المنبر؟) أي: منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، (والأثل) الطرفاء؛ ولهذا جاء هنا (من أثل الغابة) وفي أخرى: من طرفاء الغابة، وقيل: إنه يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه، والغابة: من عوالي المدينة من جهة الشام، والغابة: المكان الملتف بالشجر، والغابة:
(1)
السابق 1/ 246 (2829، 2830 - 2832).
(2)
السابق 2/ 72 (6604).
(3)
سيأتي برقم (448) باب: الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد.
(4)
سيأتي برقم (917) باب: الخطبة على المنبر.
(5)
سيأتي برقم (2569) باب: من استوهب في أصحابه شيئًا.
(6)
مسلم (544) كتاب: المساجد، باب: جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة.
(7)
أبو داود (1080).
(8)
النسائي 2/ 57 - 58.
(9)
ابن ماجه (1416).
اسم لقرية أيضًا بالبحرين، وقال ابن بَشكوال: في بعض الروايات: من أثلة كانت قريبة من المسجد.
ثالثها:
صانع المنبر: هل هو ميمون النجار، أو قبيصة المخزومي، أو صُباح غلام العباس، أو إبراهيم، أو باقوم -بالميم وباللام- غلام سعيد بن العاصي، أقوال ذكرها ابن الأثير
(1)
، وقال ابن التين: عمله غلام لسعد بن عبادة، وقيل: للعباس، وقيل: لامرأة من الأنصار. قال ابن سعد: في السنة السابعة: ويقال: في الثامنة، وهو أول منبر عمل في الإسلام، وقيل: صنعه مينا ذكره المنذري، وفي أبي داود: أنه تميم الداري
(2)
.
رابعها:
قوله: (ما بقي من الناس أعلم به مني). فيه: أن العالم إذا انفرد بعلم شيء يقول ذلك ليوجه إلى حفظه.
خامسها:
في "الصحيح" كما سيأتي في إيتاء الصلاة: أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى امرأة:
(1)
لم أقف على ما نسبه المصنف لابن الأثير أنه ذكر الاختلاف في اسم صانع المنبر ولكن رأيته في "أسد الغابة" في ترجمة "باقوم الروم" 1/ 195 ترجمة (358) فقال بعد أن ترجم له: يروى عنه صالح مولى التوأمة: أنه صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبره من طرفاء، ثلاث درجات القعدة ودرجتيه. أخرجه الثلاثة. وقال أبو عمر: إسناده ليس بالقائم. ثم رأيت ابن حجر قد ذكر هذا الاختلاف في "الفتح" 2/ 399، وذكر سبعة أسماء ورجح أن يكون ميمون.
(2)
رواه أبو داود (1081) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدَّن قال له تميم الداري ألا اتخذ لك منبرًا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك قال: "بلى". فاتخذ له منبرًا مرقاتين. وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 398: إسناده جيد. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(993).
"انظري كلامك النجار يعمل لي أعوادا"
(1)
وفيه: أن امرأة، قالت له ذلك فلعلها ابتدأت بذلك ثم أرسل وكان ثلاث درجات، ومن قال كان درجتين أسقط موضع المقام.
سادسها:
فيه دلالة على ما ترجم له وهو الصلاة على المنبر، وقد علل صلاته عليه وارتفاعه على المأمومين بالإتباع له والتعليم فإذا ارتفع الإمام على المأموم فهو مكروه إلا لحاجة كمثل هذا فيستحب، وبه قال الشافعي وأحمد
(2)
كما حكاه البخاري والليث، وعن مالك المنع والأوزاعي أيضًا
(3)
، وحكي أيضًا عن أبي حنيفة كما ذكره ابن حزم لكن المعروف عنه الكراهة، وإجازته في مقدار قامة فأقل، وأجاز مالك في الارتفاع اليسير، وعلل المنع بأنه يفعل على وجه الكبر، والشارع معصوم منه
(4)
.
سابعها:
القهقرى: المشي إلى خلف، وأصلها مصدر قهقر، وفي نصبها مذاهب، وقد أوضحتها مع فوائد هذا الحديث في "شرح العمدة" فراجعه منه
(5)
، ورجوعه القهقرى خوف الاستدبار، وهو عمل يسير؛ لأنه مشي خطوتين.
(1)
مسلم (544) كتاب: المساجد، باب: جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة.
(2)
"الأم" 1/ 152، "المحرر" 1/ 123، "النكت والفوائد السنية" 1/ 123.
(3)
انظر: "المدونة" 1/ 82، "المغني" 3/ 47.
(4)
"المحلى" 4/ 84 - 86، وانظر:"المبسوط" 1/ 39 - 40، "بدائع الصنائع" 1/ 146، "التاج والإكليل" 2/ 454.
(5)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 4/ 119.
وأما حديث أنس: فأخرجه البخاري أيضًا في الصيام
(1)
والنذور
(2)
والمظالم
(3)
، ومسلم أيضًا
(4)
في الصلاة والصوم
(5)
.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
معنى (جحشت ساقه): خدشت، أي: أصابه وجع منعه القيام، وكان ذلك في ذي الحجة، سنة خمس من الهجرة، وقوله:(آلى). أي: حلف، وليس الإيلاء المعروف، (والمشربة): بشين معجمة، ثم راء مضمومة أعلى البيت شبه الغرفة، وقيل: الغرفة، وقيل: الخزانة هي بمنزلة السطح لما تحتها. والجذع: بالذال المعجمة.
وقوله: ("إنما جعل الإمام") لا بد فيه من تقدير محذوف، وهو المفعول الثاني لجعل؛ لأنها هنا بمعنى صير، والتقدير: إنما جعل الإمام إمامًا. والأول: ارتفع لقيامه مقام الفاعل، ومعنى:"ليؤتم به" ليقتدى به.
ثانيها:
قوله: ("فإذا كبر فكبروا") هذِه فاء التعقيب فتقتضي أن تكون أفعال
المأموم القولية والفعلية عقب أفعال الإمام (
…
…
)
(6)
، فنبه بالتكبير على القولية وأفعال الإمام القولية والفعلية فيه، وبالركوع على الفعلية، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يكبر مع الإمام لا قبله، وصاحباه وافقا الشافعي في
(1)
سيأتي برقم (1911)، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا".
(2)
سيأتي برقم (6684)، باب: من حلف أن لا يدخل على أهله شهرًا.
(3)
سيأتي برقم (2469)، باب: الغرفة والعلية المشرفة في السطوح وغيرها.
(4)
مسلم (411)، باب: ائتمام المأموم بالإمام.
(5)
لم أقف عليه.
(6)
قدر ثلاث كلمات غير واضحة بالأصل.
كونه بعده
(1)
.
ثالثها:
إنما تقتضي الحصر للإمام والمتابعة في كل شيء، حتى النية والهيئة من الموقف وغيره، وقد اختلف في ذلك العلماء، فقال الشافعي وطائفة: لا يضر اختلاف النية، وجعل الحديث مخصوصا بالأفعال الظاهرة
(2)
، وقال مالك وأبو حنيفة: يضر اختلافها، وجعلا اختلاف النيات داخلا تحت الحصر في الحديث
(3)
، وقال مالك وغيره: لا يضر الاختلاف في الهيئة بالتقدم في الموقف، وجعل الحديث عاما فيما عدا ذلك
(4)
، وقد أوضحت الكلام على ذلك في "شرحي للعمدة"
(5)
.
رابعها:
قوله: "وإن صلى قائما فصلوا قياما") وهذا الحديث ذكره بعد أن صلى جالسًا (وهم)
(6)
قيام عند الشافعية، [وغيرهم]
(7)
ومنهم البخاري والحنفية والجمهور منسوخ بحديث عائشة الآتي: أنه صلى الله عليه وسلم صلى قاعدًا، وأبو بكر والناس قيام، وكان هذا في مرض موته
(8)
. ونقله البخاري في "صحيحه" في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به. عن الحميدي
(9)
، وأبى
(1)
انظر: "المجموع" 4/ 168.
(2)
السا بق 4/ 168.
(3)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 4/ 188، "عقد الجواهر الثمنية" 1/ 143.
(4)
انظر: "الاستذكار" 5/ 381 - 387.
(5)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 554 - 576.
(6)
كلمة غير مقروءة بالمخطوطة وما أثبتناه يقتضيه السياق. انظر: "الإعلام" 2/ 564.
(7)
زيادة يقتضيها السياق.
(8)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 564.
(9)
سيأتي برقم (689) كتاب: الأذان.
ذلك ابن حبان
(1)
كما أوضحته في الشرح المذكور، فسارع إليه
(2)
، وقد أوجب أحمد وابن المنذر وابن حزم والأوزاعي قعود المأموم عند قعود الإمام
(3)
، وقال مالك في المشهور عنه وعن أصحابه: لا يجوز أن يؤم أحد جالسًا
(4)
لحديث: "لا يؤم أحد بعدي جالسا"
(5)
لكنه مرسل واه، ومن زعم اختصاص ذلك به فقد أبعد، وسيأتي الكلام على حلفه وقوله:("إن الشهر تسع وعشرون") في موضعه إن شاء الله. وهذِه الصلاة الظاهر أنها مكتوبة؛ لقوله في بعض طرق الحديث: "فحضرت الصلاة"، وأشار ابن القاسم إلى أن ذلك كان في النافلة كما حكاه القرطبي
(6)
.
(1)
"صحيح ابن حبَّان" 5/ 471 - 475.
(2)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 554 - 576.
(3)
انظر: "الأوسط" 4/ 188، "المغني" 3/ 61، "المحلى" 3/ 59 - 63.
(4)
انظر: "المنتقى" 1/ 239، "الكافي" ص 46.
(5)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 463 (4088)، ومالك (159) برواية محمد بن الحسن الشيباني، والدارقطني 1/ 398، والبيهقي 3/ 80.
قال الدارقطني: لم يروه عن الشعبي غير جابر الجعفي وهو متروك، والحديث مرسل لا يقوم به حجة.
قال الشافعي في "الرسالة" ص 255 - 256 وقد أوهم بعض الناس، فقال: لا يؤمنَّ أحد بعد النبي جالسًا، واحتج بحديث رواه منقطع عن رجل مرغوب الرواية عنه، لا يثبت بمثله حجة على أحد.
وقال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "الرسالة" هذا الحديث غاية في الضعف.
(6)
"المفهم" 2/ 46.
19 - باب إِذَا أَصَابَ ثَوْبُ المُصَلِّي امْرَأَتَهُ إِذَا سَجَدَ
379 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ. قَالَتْ: وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الُخمْرَةِ. [انظر: 333 - مسلم: 513 - فتح: 1/ 448]
ثم ساق حديث ميمونة قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ. قَالَتْ: وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الخُمْرَةِ.
وهذا الحديث سلف آخر الحيض
(1)
، وسيأتي قريبا في موضعين
(2)
، وخالد المذكور في إسناده هو ابن عبد الله الطحان.
(1)
سلف برقم (333).
(2)
سيأتي برقم (381) باب: الصلاة على الخمرة، (517) باب: إذا صلى إلى فراش فيه حائض.
20 - باب الصَّلَاةِ عَلَى الحَصِيرِ
وَصَلَّى جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا. وَقَالَ الحَسَنُ: تُصَلِّي قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ، تَدُورُ مَعَهَا وَإِلَّا فَقَاعِدًا.
380 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامِ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ:"قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ". قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرِ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوز مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرَفَ. [727، 860، 871، 874، 1164 - مسلم: 658 - فتح: 1/ 488]
(وَصَلَّى جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا) وهذا الأثر رواه ابن أبي شيبة، عن عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس قال: سافرت مع أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وجابر بن عبد الله- قال حميد وأناس: وأناس. قد سماهم- فكان إمامنا يصلي بنا في السفينة قائمًا ونصلي خلفه قيامًا
(1)
، وحكي ذلك أيضًا عن غيرهم
(2)
ورواه أبو نعيم في "كتاب الصلاة": عن حميد، عن أنس بن سيرين قال: أمنا أنس في السفينة على بساط
(3)
.
قال البخاري: وَقَالَ الحَسَنُ: تُصَلِّي قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ، تَدُورُ مَعَهَا وإِلَّا فَقَاعِدًا.
(1)
"المصنف" 2/ 69 (6563).
(2)
منهم: مسلم بن يسار، والشعبي، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم، والحكم. انظر:"المصنف" 2/ 69 (6564 - 6571).
(3)
لم أعثر عليه فيما هو مطبوع ولعله في المفقود.
وهذا رواه ابن أبي شيبة، عن حفص، عن عاصم، عن الشعبي والحسن وابن سيرين: أنهم قالوا: صل في السفينة قائما، وقال الحسن: لا تشق على أصحابك
(1)
. وفي رواية الربيع بن صبيح: أن الحسن ومحمدا، قالا: يصلون فيها قيامًا جماعة، وتدورون مع القبلة حيث دارت
(2)
.
وروي أيضا عن مجاهد أن جنادة بن أبي أمية قال: كنا نغزو معه فكنا نصلي في السفينة قعودًا
(3)
، وحكي فعله أيضًا عن أنس بن مالك قال: وكان أبو قلابة لا يرى به بأسًا
(4)
، وقال طاوس: صلِّ قاعدًا
(5)
.
فإن قلت: ما وجه دخول هذا في الصلاة على الحصير؟ قلت: لأنهما اشتركا في الصلاة على غير الأرض لئلا يتخيل أن مباشرة المصلي الأرض شرط من قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "عفر وجهك في التراب"
(6)
نبه عليه ابن المنير
(7)
.
واختلف العلماء في الصلاة في السفينة، فقال أبو حنيفة: ومن صلى في السفينة قاعدًا من غير عذر أجزأه، والقيام أفضل
(8)
، وكذا قال الثوري: لإنه أبعد عن شبهة الخلاف وجوَّز؛ لأن الغالب في السفينة دوران الرأس. وقال صاحباه ومالك والشافعي: لا يجوز أن يصلي
(1)
"المصنف" 2/ 69 (6565).
(2)
المصدر السابق 2/ 70 (6577).
(3)
المصدر السابق 2/ 69 (6559).
(4)
المصدر السابق 2/ 96 (6561).
(5)
المصدر السابق 2/ 96 (6562).
(6)
لم أعثر عليه.
(7)
"المتواري" ص 84.
(8)
انظر: "فتح القدير" 2/ 8، "المبسوط" 2/ 2 - 3.
فيها قاعدًا من يقدر على القيام
(1)
، وهذا الخلاف إنما هو في غير المربوطة، وأما المربوطة فكالشاطئ.
فائدة:
سمي الحصير لأنه يلي وجه الأرض، ووجه الأرض تسمى حصيرا.
قاله ابن سيده
(2)
، والسفينة: الفلك لأنها تَسْفِنُ وجه الماء أي: تقشره، فعيلة بمعنى فاعلة
(3)
.
ثم قال البخاري:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ:"قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ". قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم
(4)
، وأبو داود
(5)
، والترمذي
(6)
، والنسائي
(7)
.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 270، "حاشيتا قليوبي وعميرة" 1/ 154، "الفروع" 1/ 380.
(2)
"المحكم" 1/ 104. مادة: (حصر).
(3)
انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1709، "لسان العرب" 2/ 2031، مادة:(سفن).
(4)
مسلم (658) كتاب: المساجد، باب: جواز الجماعة في النافلة والصلاة
…
(5)
أبو داود (612).
(6)
الترمذي (234).
(7)
النسائي 2/ 85 - 86.
ثانيها:
الضمير في (جدته) يعود إلى إسحاق، وجاء في رواية: أنه عائد إلى أنس، رواه مقدم بن يحيى بن محمد عن عمه الهاشم بن يحيى، عن عبيد الله بن عمر، عن إسحاق، عن أنس قال: أرسلت جدتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمها مليكة.
ثالثها:
مليكة: بضم الميم وزعم الأصيلي أنه بفتحها وكسر اللام، وهي أم سليم.
رابعها:
اللام في قوله: "فلأصلَّ" مكسورة لام كي والفاء زائدة والياء مفتوحة، وروي بحذف الياء على أنه أمر نفسه، وروي بفتح اللام.
خامسها:
قوله: (من طول ما لبس) يؤخذ منه أن
(1)
الافتراش يطلق عليه لباس، ولا شك أن لبس كل شيء بحسبه شرعًا ولغة، فافتراش الحصير لا يسمى لباسًا عرفًا.
سادسها:
النضح: الرش هنا، وقد يطلق على الغسل، وضعت ذلك لتليينه وتهيئته للجلوس عليه، فإنه كان من جريد كما جاء في رواية لمسلم
(2)
، ولنظافته، ويجوز أن يكون لزوال ما يعرض من الشك في نجاسته، وهو طهور وفاقًا لمالك، خلافًا للشافعي وأبي حنيفة
(3)
.
(1)
في هامش الأصل: أي الأول.
(2)
مسلم (659) كتاب: المساجد، باب: جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات.
(3)
انظر: "الأشباه والنظائر" لابن نجيم ص 57، "المنثور من القواعد" 2/ 259 - 260، "الأشباه والنظائر" للسيوطي ص 53.
قال ابن التين: لإنهم كانوا يلبسون الحصير ومعهم صبي فطيم هو أبو عمير كذا ذكره قبل الجمعة.
سابعها
(1)
:
قوله: (وصففت واليتيم) هو منصوب أي: مع اليتيم، وجاء في رواية أخرى: وصففت أنا
(2)
واليتيم. قال ابن التين: والأول أحسن في لغة العرب
(3)
؛ لأن الضمير المعطوف لا يعطف عليه إلا بعد أن يؤكد لقوله تعالى {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35].
ثامنها:
اليتيم جمعه أيتام، واسمه ضمرة الحميري، وقيل: روح، والعجوز هي أم سليم.
تاسعها:
المراد بالانصراف عن الصلاة. وقيل: عن الذنب.
عاشرها: في فوائده:
تواضع الشارع بإجابة داعيه، وإجابة الداعي لغير وليمة العرس، وجواز النافلة جماعة؛ لكن في رواية أبي الشيخ الحافظ: فحضرت الصلاة.
قال ابن حبيب في تفسيره عن مالك: لا بأس أن يفعله الناس اليوم في الخاصة، وليس من الأمر الذي يواظب عليه العامة أن يصلي الرجل بالنفر في سبحة الضحى وغيرها ليلًا ونهارًا في غير نافلة رمضان إلا إذا
(1)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في الثامن بعد الخمسين، كتبه مؤلفه، غفر الله له.
(2)
غير واضحة في الأصل ولعلها كما أثبتناها.
(3)
يقصد الرواية الثانية لا الأولى، وهي:(وصففت أنا واليتيم).
قل النفر مثل الاثنين والثلاثة من غير أن يكون مشهرا، ومعناه مخافة أن يظنها الجهال من الفرائض والصلاة للتعلم ولحصول البركة، وتسمية الافتراش أي (
…
)
(1)
لباسًا وصلاة الصبي المميز، وأن للصبي موقفًا في الصف
(2)
، وعن أحمد كراهته في الفرائض والمساجد، وأن الاثنين يكونان صفًا، وراء الإمام وهو مذهب العلماء كافة
(3)
إلا ابن مسعود وصاحبيه وأبا حنيفة والكوفيين فإنهم قالوا: يكون بينهما، والصحيح أنه موقوف على فعل ابن مسعود ولعله كان لضيق بالمكان، وفي "البدائع" للحنفية: لو فعل ذلك لا يكره
(4)
، وفي "المحيط" قيل: لا يكره، وقيل: يكره لمخالفة السنة
(5)
.
وأن موقف المرأة وراء الصبي، والصلاة على الحصير، وسائر ما تنبته الأرض، وهو إجماع إلا من شذ
(6)
، وحديث أنه لم يصل عليه لا يصح
(7)
، وأن المرأة المتجالة الصالحة إذا دعت إلى طعام أجيبت، وأن الأصل في الحصير ونحوها الطهارة، وأن الأفضل في نوافل النهار كونها ركعتين، وفيه غير ذلك مما أوضحته في "شرح العمدة" فراجعه منه
(8)
.
(1)
كلمة غير واضحة بالأصل.
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 97.
(3)
انظر: "المغني" 3/ 57 - 58.
(4)
"بدائع الصنائع" 1/ 158.
(5)
"المحيط البرهاني" 2/ 201.
(6)
انظر: "المغني" 3/ 40 - 41.
(7)
رواه أبو يعلى 7/ 426 (4448). قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 57 رجاله موثقون. قال الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 443: ففي ثبوته نظر.
(8)
"الإعلام" 2/ 523 - 538.
21 - باب الصَّلَاةِ عَلَى الخُمْرَةِ
381 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ. [انظر: 333 - مسلم: 513 - فتح: 1/ 491]
ساق بإسناده حديث مَيْمُونَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى الخُمْرَةِ.
وقد سلف قريبا
(1)
، ويأتي أيضا في باب: إذا صلي إلى فراش وفيه حائض
(2)
، والخمرة: حصير ينسج من السعف، أصغر من المصلى قاله في "المحكم" قال: وقيل: الخمرة الحصير الصغير الذي يسجد عليه
(3)
، وقال الجوهري: الخمرة بالضم سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط
(4)
.
قال في "المغرب دا: سميت بذلك لأنها تستر الأرض، ومنه الخمار
(5)
.
وقال الرماني في "اشتقاقه": لأنها تستر الوجه عن مباشرة الأرض، وقال في "المشارق": هي السجادة سميت بذلك؛ لأن خيوطها مستورة بسعفها
(6)
.
(1)
سلف برقم (379) باب: إذا أصاب ثوب المصلي امرأته، وسلف أيضًا برقم (517) كتاب: الصلاة.
(2)
سيأتي برقم (517) كتاب: الصلاة.
(3)
"المحكم" 5/ 116 مادة: (خمر).
(4)
"الصحاح" 2/ 649 مادة: (خمر).
(5)
"المغرب في ترتيب المعرب" 1/ 270 مادة: (خمر).
(6)
"مشارق الأنوار" 1/ 240 مادة: (خمر).
ولا يكون خمرة إلا هذا المقدار، وقد يطلق على الكثير من نوعها، وفي الحديث دلالة على جواز الصلاة على الحصير، وقد سلف في الباب قبله، وقد فعله جابر وأبو ذر وزيد بن ثابت وابن عمر، وقال سعيد بن المسيب: الصلاة على الخمرة سنة
(1)
.
(1)
انظر: "المصنف" 1/ 350 - 351.
22 - باب الصَّلَاةِ عَلَى الفِرَاشِ
وَصَلَّى أَنَسٌ عَلَى فِرَاشِهِ. وَقَالَ أَنَسٌ: كُنا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَسْجُدُ أَحَدُنَا عَلَى ثَوْبِهِ. [انظر: 385]
382 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِك، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَينَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا. قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. [383، 384، 508، 511، 512، 513، 514، 515، 519، 997، 1209، 6276 - مسلم: 512، 744 - فتح: 1/ 491]
383 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهْيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ اعْتِرَاضَ الجَنَازَةِ. [انظر: 382 - مسلم: 512، 744 - فتح: 1/ 492]
384 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ عَلَى الفِرَاشِ الذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ. [انظر: 382 - مسلم: 512، 744 - فتح: 1/ 492]
ثم ساق حديث عائشة من ثلاث طرق:
أولها: عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عنها أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطتُهُمَا. قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ.
ثانيها: من حديث عروة عنها أَنَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهْيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ اعْتِرَاضَ الجَنَازَةِ.
ثالثها: من حديث عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ عَلَى الفِرَاشِ الذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ.
والكلام على ذلك من أوجه:
أحدها:
أثر أنس رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن ابن المبارك عن حميد قال: كان أنس يصلي على فراشه، وحكاه عن طاوس أيضًا
(1)
.
وأما تعليق أنس فذكره مسندًا في الباب الذي بعده بمعناه
(2)
.
وأما حديثها الأول: فسيأتي في موضعين من البخاري في الصلاة في باب: التطوع خلف المرأة
(3)
، وما يجوز من العمل في الصلاة أواخر كتاب الصلاة
(4)
.
وأخرجه مسلم أيضًا
(5)
وأبو داود
(6)
والنسائي
(7)
والترمذي
(8)
وابن ماجه
(9)
.
وأما حديثها الثاني: فأخرجه ابن ماجه
(10)
.
(1)
انظر: "المصنف" 1/ 244 (2810، 2811).
(2)
سيأتي برقم (385) باب: السجود على الثوب في شدة الحر.
(3)
سيأتي برقم (513).
(4)
سيرد في آخر كتاب الصلاة في باب: من قال لا يقطع الصلاة شيء برقمي (514، 515)، وباب: هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد (519).
(5)
مسلم (512).
(6)
أبو داود (714).
(7)
النسائي 1/ 101 - 103.
(8)
لم أقف عليه.
(9)
لم أقف عليه.
(10)
ابن ماجه (956).
وأما الثالث: فهو مرسل كما شهد له، وأخرجه صاحبا "المستخرجين" الإسماعيلي وأبو نعيم
(1)
، وكذا قال الحميدي: كذا وقع مرسلا
(2)
. وقد سلف أن عروة روى نحوه عن عائشة
(3)
. وعراك بن مالك ثقة مات في زمن يزيد بن عبد الملك بالمدينة
(4)
.
ثانيها:
الجنازة بكسر الجيم وفتحها من جنز إذا ستر، وقيل: بالفتح للميت، وبالكسر للنعش، وقيل عكسه.
ثالثها: في فقهه: وفيه مسائل:
الأولى: جواز الصلاة على كل طاهر، فراشًا كان أو غيره، فالرواية الأولى ليس فيها ذكر الفراش بخلاف الثانية والثالثة، والحديث يفسر بعضه بعضًا، وقد اختلف العلماء في إخبارهم بعض ما يصلى عليه دون غيره، فروي عن عمر أنه صلى على عبقري
(5)
،
(1)
"المستخرج" 2/ 119 (1134).
(2)
"مسند الحميدي" 1/ 245 (171).
(3)
سلف برقم (383).
(4)
عراك بن مالك الغفاري الكناني المدني.
روى عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن عبد الله بن عتبة، وعروة بن الزبير وغيرهم.
وروى عنه: بكير بن الأشج، وأبو الغصن ثابت بن قيس المدني، وجعفر بن ربيعة المصري، والحكم بن عيينة الكوفي، وغيرهم. وثقه العجلي وأبو زرعة، وأبو حاتم. روى له الجماعة. مات خلافة يزيد بن عبد الملك.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 253، "طبقات خليفة" ص 248، 257، "التاريخ الكبير" 7/ 88 (395)، "تهذيب الكمال" 19/ 545 - 549 (3893).
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 352 (4047).
وهي الطنفسة
(1)
، وعن علي وابن عباس وابن مسعود وأنس: أنهم صلوا على المسوح. وصلى ابن عباس وجابر بن عبد الله وأبو الدرداء والنخعي والحسن على طنفسة
(2)
. وصلى قيس بن عباد على لبد دابة
(3)
.
وقال الثوري: يصلى على البساط والطنفسة واللبد، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة
(4)
، وروي عن ابن مسعود: أنه لا يسجد إلا على الأرض. وعن عروة مثله
(5)
.
وكرهت طائفة الصلاة إلا على الأرض أو نباتها. روي ذلك عن جابر بن زيد، وقال: أكره الصلاة على كل شيء من الحيوان، وأستحب الصلاة على كل شيء من نبات الأرض، وهو قول مجاهد، وقال قتادة: قال سعيد بن المسيب وابن سيرين: الصلاة على الطنفسة محدث
(6)
، ونهى الصديق عن الصلاة على البراذع
(7)
(8)
. وقال مالك
(1)
الطُّنفُسة: بضم الهاء وكسرها، النمرقة فوق الرجل وجمعها طنافس، وقيل هي البساط الذي له خملٌ رقيق، قال ابن الأعرابي: طنفس إذا ساء خلقه بعد حسن، ويقال للسماء مطرفسة، ومطنفسة إذا استغمدت في السحاب الكثير، وكذلك الإنسان إذا لبس الثياب الكثيرة مطرفس ومطنفس. انظر:"تهذيب اللغة" 3/ 2224، "اللسان" 5/ 2710 مادة: طنفس.
(2)
انظر: "المصنف" 1/ 351 - 352 (4044، 4045، 4046، 4049).
تنبيه: ولم أجده عن جابر بن عبد الله.
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 352 (4052).
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 233، "المبسوط" 1/ 206، "القوانين الفقهية" 1/ 39، "الإقناع" 1/ 37، "المغني" 2/ 479.
(5)
انظر: "المصنف" 1/ 353 (4059، 4062).
(6)
انظر: "المصنف" 1/ 352 - 353 (4056، 4057، 4058، 4060).
(7)
لم أجده فيما هو مطبوع ولعله في المفقود.
(8)
ورد بهامش الأصل ما نصه: في "الكبير" للطبراني مسندًا مرفوعًا النهي عن الصلاة على البرذعة ونهى أبي بكر عن الصلاة عليها رأيته في "جامع سفيان الثوري"، قال =
في بساط الصوف والشعر إذا وضع المصلي جبهته ويديه على الأرض، فلا أرى بالقيام عليها بأسًا
(1)
، وعن عطاء مثله
(2)
. وقال مغيرة: قلت لإبراهيم حين ذكر كراهته الصلاة على الطنفسة: إن أبا وائل يصلي عليها قال: أما إنه خير مني
(3)
، وفي "كتاب الصلاة" لأبي نعيم: حدثنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن هرام، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى على بساط
(4)
. وحدثنا زمعة، عن عمرو بن دينار، عن كريب، عن أبي معبد، عن ابن عباس قال: قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بساط
(5)
.
الثانية: أن المرأة لا تُبْطل صلاة من صلى إليها، ولا من مرت بين يديه، وهو قول جمهور الفقهاء سلفًا وخلفًا، منهم الشافعي ومالك وأبو حنيفة
(6)
، ومعلوم أن اعتراضها بين يديه أشد من مرورها، وذهب بعضهم إلى قطع مرور المرأة والحمار والكلب.
وقال أحمد: يقطعها الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء
(7)
.
وقال ابن حزم: يقطع الصلاة كون الكلب بين يديه مارًّا أو غير مار،
= سفيان عن حصين، عن أبي خالد، عن مولاة له يقال لها عزة: قالت: كنا نصلي على البراخ فنهانا أبو بكر رضي الله عنه أن نصلي على البراذع.
(1)
انظر: "مواهب الجليل" 2/ 254 - 255.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 352 (4048).
(3)
المصدر السابق 1/ 352 (4046).
(4)
لم أجده في المطبوع ولعله في المفقود.
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 351 (4043).
(6)
انظر: "المحيط البرهاني" 2/ 212 - 213، "الذخيرة" 2/ 159، "البيان" 2/ 158.
(7)
انظر: "المغني" 3/ 97 وما بعدها.
أو كبيرًا كان أو صغيرًا، حيًّا أو ميَّتًا، وكون الحمار بين يديه كذلك أيضا، وكون المرأة بين يدي الرجل مارة أو غير مارة صغيرة أو كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة فقط، فلا تقطع الصلاة حينئذ ولا يقطع النساء بعضهن صلاة بعض
(1)
.
والجواب عن حديث قطع الصلاة بهؤلاء من وجهين:
أحدهما: أن المراد بالقطع النقص لشغل القلب بهذِه الأشياء، وليس المراد إبطالها؛ لأن المرأة تفتن بالمتفكر فيها، والحمار ينهق، والكلب يهوش، فلما كانت هذِه الأمور أيلة إلى القطع جعلها قاطعة.
والثاني: أنها منسوخة بحديث: "لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم"
(2)
(3)
وصلى الشارع وبينه وبين القبلة عائشة، وكانت الأتان ترتع بين يديه بمنى
(4)
، ولم ينكره أحد لكن النسخ لا يصار إليه إلا بأمور منها التاريخ وأنى به، وذهب ابن عباس وعطاء إلى أن المرأة التي تقطع الصلاة إنما هي الحائض، يرده أنه جاء في بعض
(1)
"المحلى" 4/ 8.
(2)
رواه أبو داود (719)، "والدارقطني" 1/ 368، والبيهقي 2/ 278.
قال النووي في "المجموع" 3/ 225: رواه أبو داود بإسناد ضعيف من رواية أبي سعيد الخدري.
قال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" 1/ 350 في إسناده: مجالد هو ابن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي، وقد تكلم فيه غير واحد، وأخرج له مسلم حديثًا مقرونًا بجماعة من أصحاب الشعبي.
وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود"(115): هذا إسناد ضعيف.
(3)
في هامش الأصل حاشية بخط ناسخها: حديث: "لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان" رواه أبو داود بإسناد ضعيف من حديث أبي سعيد الخدري، قاله النووي في "شرح المهذب".
(4)
سلف برقم (76) كتاب: العلم، باب: متى يصح سماع الصغير.
الروايات هذا الحديث. قال شعبة: وأحسبها قالت: وأنا حائض. وورود بإسناد ضعيف: "يقطع الصلاة اليهودي والنصراني والمجوسي والخنزير"
(1)
.
(1)
رواه أبو داود (704) من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن يحيى، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد بن حميد في "مسنده" 1/ 504 (574)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 458، وابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" 8/ 185 في ترجمة معاذ بن هشام الدستوائي والبيهقي في "سننه" 2/ 275، وقال أبو داود في "سننه" 1/ 453 - 454: في نفسي من هذا الحديث شيء: كنت أذاكر به إبراهيم وغيره فلم أر أحدًا جاء به عن هشام ولا يعرفه، ولم أر أحدًا يحدث به عن هشام وأحسب الوهم من ابن أبي سمينة -يعني: محمد بن إسماعيل البصري مولى بن هاشم- والمنكر فيه ذكر المجوسي وفيه على قذفه بحجر وذكر الخنزير يرو فيه نكارة.
ثم قال: ولم أسمع هذا الحديث إلا من محمد بن إسماعيل وأحسبه وهم؛ لأنه كان يحدثنا من حفظه. وقال ابن عدي في "الكامل" 8/ 185، وهذا عن يحيى غير محفوظ بهذا المتن، وقال عبد الحق في "أحكامه" 1/ 345: إنما يصح من هذا ذكر المرأة والكلب والحمار. اهـ.
وقال ابن القطان الفاسي في "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" 3/ 355 - 356: وعلى هذا الحديث بادية وهي الشك في رفعه فلا يجوز أن يقال أنه مرفوع، وراويه قد قال: أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فليس في إسناده متكلم فيه إلا عكرمة وهو عندي من لا يوضع فيه نظر، ثم ذكر كلام أبي داود، ثم قال: وهذا كله لا يحتاج إليه، فإنه رأى، لا خبر، ولم يجزم ابن عباس برفعه وابن أبي سمينة أحد الثقات، وقد جاء لهذا الخبر بذكر أربعة فقط عن ابن عباس بسند جيد كذلك، ثم ساق حديث البزار من طريق قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس موقوفًا عليه. وضعفه الألباني كما في "ضعيف سنن أبي داود"(110)، "المشكاة" (789). وقال: وقد جاء موقوف على ابن عباس بسند صحيح عنه مختصرًا، ثم أن فيه عنعنة يحيى بن أبي كثير ولذلك أوردته في ضعيف السنن. وضعفه أيضًا في "ضعيف الجامع الصغير"(565). =
المسألة الثالثة: أن العمل اليسير في الصلاة غير قادح.
الرابعة:
فيه جواز الصلاة إلى النائم، وكرهه بعضهم لغير الشارع لخوف الفتنة بها، وبذكرها واشتغال القلب. والشارع كان بالليل ولا مصباح فلا مشاهدة مع عصمته الثابتة.
وأما حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث"
(1)
فقال أبو داود: روي من غير وجه عن محمد بن
= وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 2/ 27 (2353) عن ابن عِنة، عن عبد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس موقوفًا عليه، ورواه أيضًا موقوفًا على عكرمة 2/ 27 (2352) وكذا ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 252 (2904) من طرق عنه.
(1)
رواه أبو داود (694)، وابن ماجه (959)، ورواه بن حميد مطولًا (674)، وكذا الحاكم في "المستدرك" 4/ 270، والبيهقي في "سننه" 2/ 279. وقال أبو داود في "سننه" 2/ 164: روى هذا الحديث من غير وجه، عن محمد بن كعب كلها واهية. وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضًا.
وقال الخطابي في "معالم السنن" 341/ 1 - 342: هذا حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لضعف سنده وعبد الله بن يعقوب لم يسم من حدثه عن محمد بن كعب وإنما رواه عن محمد بن كعب رجلان كلاهما ضعيف، ورواه أيضًا عبد الكريم، عن مجاهد، عن ابن عباس، وعبد الكريم متروك الحديث، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القبلة.
وقال ابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 18: باب ذكر البيان على توهين خبر محمد بن كعب: "لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدثين" ولم يرو ذلك الخبر أحد يجوز الاحتجاج بخبره.
وقال البيهقي في "المعرفة" 3/ 198: وهذا أمثل ما ورد فيه، وهو مرسل من قبل محمد بن كعب، ويذكر من أوجه كلها ضعيفة. وتعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" 2/ 279، فقال: وفيه نظر، فإن محمدًا صرح بأن ابن عباس حدثه، وصرح صاحب "الكمال" بأنه سمع منه فكيف يكون حديثه عنه مرسلًا، وقال المنذري في =
كعب كلها واهية، وهذا أمثلها وهو ضعيف أيضًا
(1)
. وصرح به الخطابي
(2)
وغيره
(3)
، وكان ابن عمر لا يصلي خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة
(4)
.
رواه أبو داود بسند منقطع، وفي "مراسيله" بسند ضعيف: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحدث الرجلان بينهما أحد يصلي
(5)
.
وعن ابن الحنفية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[رأى رجلًا يصلي إلى رجل]
(6)
فأمره أن يعيد، قال: لِمَ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "لإنك صليت وأنت
= "مختصره" 1/ 341 - 342: وأخرجه ابن ماجه، في إسناده رجل مجهول. اهـ.
وقال النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 527: رواه أبو داود، اتفقوا على ضعفه، وفي إسناده مجهول.
وقال في مقدمة "شرح صحيح مسلم" 1/ 95 - 96: وسمعت الحسن الحلواني يقول: رأيت في كتاب عفان حديث هشام أبي المقدام حديث عمر بن عبد العزيز، قال: هشام حدثني رجل يقال له يحيى بن فلان، عن محمد بن كعب، قال: قلت لعفان: إنهم يقولون هشام سمعه من محمد بن كعب، فقال: إنما ابتلى من قبل هذا الحديث كان يقول حدثني يحيى، عن محمد ثم ادَّعى بعد أنه سمعه من محمد. اهـ.
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 492: وفيه أن الصلاة إلى النائم لا تكره وقد وردت أحاديث ضعيفه في النهي عن ذلك، وقال في 1/ 587: وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن عدي، وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في "الأوسط" وهما واهيان أيضًا.
(1)
"سنن أبي داود" 2/ 164.
(2)
"معالم السنن" 1/ 341.
(3)
يشير إلى ما قاله النووي في "الخلاصة" 1/ 527، والمنذري في "مختصره" والحافظ في "الفتح" 1/ 492، "الدراية"1/ 185.
(4)
لم أقف عليه في "سنن أبي داود" ولكن وجدته عند ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 61 (6470).
(5)
"مراسيل أبي داود" ص 88 (31).
(6)
ليست في الأصول، ولعله سقط، والمثبت من "مراسيل أبي داود".
تنظر إليه مستقبله"
(1)
، وفي "كامل ابن عدي" بسند واه عن ابن عمر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الإنسان إلى نائم أو متحدث
(2)
، وفي "الأوسط" للطبراني من حديث أبي هريرة بإسناده ضعيف مرفوعًا:"نهيت أن أصلي خلف النائم والمتحدثين"
(3)
. وفي كتاب "الصلاة" لأبي نعيم حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن معدي كرب عن عبد الله قال: لا تصلي بين يدي قوم يمترون
(4)
.
وعن سعيد بن جبير إذا كانوا يذكرون الله فلا بأس
(5)
. وفي رواية: كره سعيد أن يصلي وبين يديه متحدث
(6)
. وضرب عمر بن الخطاب رجلين أحدهما مستقبل الآخر، وهو يصلي
(7)
.
الخامسة:
هذا الغمز يحتمل أن يكون بحائل وبغيره وإن استبعد ابن بطال الأول حيث قال: وزعم الشافعي أن غمْزه لها كان على ثوب، وهو بعيد؛ لأنه يقول: إن الملامسة تنقض الوضوء، وإن لم يكن معها لذة
(1)
"مراسيل أبي داود" ص 87 (30).
(2)
لم أقف عليه في "الكامل" وقال الألباني في "الإرواء" 2/ 95: حديث ابن عمر لم أقف على إسناده.
(3)
"الأوسط" 5/ 256، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 62: فيه محمد بن عمرو بن علقمة واختلف في الاحتجاج به، وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 587: وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن عدي وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في "الأوسط" وهما داهيان أيضًا.
(4)
لم أقف عليه في المطبوع من كتاب "الصلاة" لأبي نعيم ولعله في المفقود منه، ثم هو عند ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 61 (6469).
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 61 (6471).
(6)
لم أقف عليه في المطبوع من كتاب "الصلاة" لأبي نعيم ولعله في المفقود.
(7)
لم أقف عليه في المطبوع من كتاب "الصلاة" لأبي نعيم ولعله في المفقود.
إذا أفضى بيده إلى جسم امرأة.
قال: فدل على أن الملامسة باليد لا تنقض الطهارة؛ لأن الأصل في الرِجْل أن تكون بلا حائل، وكذلك اليد حتى يثبت الحائل
(1)
.
قلت: هذِه واقعة حال وهي محتملة، فلا دلالة فيها إذن مع أن الظاهر من حال النائم الستر، فهو دليل لما قاله الشافعي.
السادسة:
قولها: (والبيوت يومئذ ليس لها مصابيح) قالته إقامة لعذرها حيث أحوجته إلى غمزها، وهذا دال على أنها إذ حدثت بهذا الحديث كانت المصابيح موجودة؛ إذ فتح عليهم الدنيا بعده فوسعوا إذ وسع الله عليهم.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 46.
23 - باب السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ
وَقَالَ الحَسَنُ: كَانَ القَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى العِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ.
385 -
حَدُّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الَملِكُ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الُمفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنِي غَالِبٌ القَطَّانُ، عَنْ بَكرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الَحرِّ في مَكَانِ السُّجُودِ. [542، 1208 - مسلم: 620 - فتح: 1/ 492]
هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام عنه قال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته
(1)
.
وحدثنا هشيم عن يونس عنه أنه كان يسجد في طيلسانه
(2)
. وحدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد: رأيت الحسن يلبس أنبجانيا في الشتاء، ويصلي فيه ولا يخرج يديه منه
(3)
، وكان عبد الرحمن بن زيد يسجد على كور عمامته
(4)
، وكذلك الحسن، وسعيد بن المسيب، وبكر بن عبد الله، ومكحول
(5)
، وقول الحسن: كانوا يسجدون على العمامة أي: على
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 328 (2739) بدون لفظة: "قلنسوته"، ورواه عبد الرزاق في "المصنف" أيضًا 1/ 400 (1566)، ورواه البيهقي في "سننه" 1/ 106 وقال: هذا أصح ما روى في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعلق ابن التركماني في "الجوهر النقي" قائلًا: هذِه زيادة من غير دليل إذا ذكر للجبهة.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 238 (2733).
(3)
المصدر السابق برقم (2735).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 239 (2747).
(5)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 239.
كورها، وحديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم سجد على كورها
(1)
ضعيف.
ثم ساق البخاري حديث أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدُّةِ الحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ.
وهو حديث خرجه مسلم
(2)
أيضا، والأربعة
(3)
، وقد اختلف العلماء في السجود على الثوب من شدة الحر والبرد، فرخص في ذلك عمر بن الخطاب، وعطاء وطاوس والنخعي والشعبي والحسن
(4)
وهو قول مالك والأوزاعي والكوفيين وأحمد وإسحاق. واحتجوا بهذا الحديث
(5)
.
وقال الشافعي: لا يجوز
(6)
-ويحمل الحديث على بسط ثوب غير الذي هو لابسه- قال: ولا يجزئه السجود على الجبهة ودونها ثوب إلا أن يكون جريحًا، ورخص في وضع اليدين على الثوب من شدة الحر والبرد
(7)
.
واختلفوا في السجود على كور العمامة، فرخص فيه ابن أبي أوفى
(1)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 400 (1564)، ومحمد بن أسلم الطوسي في "تعظيم قدر الصلاة" كما في "عمدة القاري" 3/ 364، وقال ابن سليم: هذا سند ضعيف، وقال ابن أبي حاتم في "العلل": قال أبي: هذا حديث باطل وابن محرر ضعيف الحديث. وقال البيهقي في "سننه" 1/ 106: وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود على كور العمامة فلا يثبت شيء من ذلك.
وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 145: فيه عبد الله بن محرر وهو واه.
(2)
مسلم (620) كتاب: المساجد، باب: استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر.
(3)
أبو داود (660)، الترمذي (584)، النسائي 2/ 216، ابن ماجه (1033).
(4)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 241، وعبد الرزاق في "المصنف" 1/ 398 - 399.
(5)
"الأم" 1/ 99.
(6)
"الأم" 1/ 99.
(7)
انظر: "الفواكه الدواني" 1/ 181، "المغني" 2/ 197.
والحسن ومكحول وسعيد بن المسيب والزهري وهو قول أبي حنيفة
(1)
والأوزاعي وقال مالك: أكرهه، ويجوز
(2)
. وقال ابن حبيب: هذا مما خف من طاقاتها، وأما ما كثر فهو كمن لم يسجد، وكره عمر وابنه
(3)
وقتادة السجود عليها، وعن النخعي وابن سيرين وعَبِيْدة مثله، وحكاه في "المصنف" عن علي وأبي عبيدة وميمون بن مهران، وعروة وعمر بن عبد العزيز، وجعد بن عمرة
(4)
.
وقال الشافعي: لا يجزئ السجود عليها
(5)
، وقاد أحمد: لا يعجبني إلا في الحر والبرد
(6)
.
وأجمعوا عنى أنه يجوز السجود على الركبتين والقدمان مستورة بالثياب، وأجمعوا أيضا كما نقله ابن بطال على جواز السجود على اليدين في الثياب
(7)
، وإنما كره ذلك ابن عمرو وسالم وبعض الموافقين
(8)
، لكن في عدم الجواز عندنا قول مشهور، وسيأتي هذا المعنى في باب: لا يكفت شعرًا ولا ثوبًا في الصلاة إن شاء الله، وفي "سنن سعيد بن منصور"، عن إبراهيم قال: كانوا يغطون المساتق والبرانس والطيالسة، ولا يخرجون أيديهم.
فائدة: القلنسوة -بفتح القاف- قباء مبطن يلبس على الرأس.
(1)
"المدونة الكبرى" 1/ 76.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 401 (1570)، وابن أبي شيبة 1/ 240 (2757)، ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 179.
(3)
"المصنف" 1/ 241.
(4)
"الأم" 1/ 99.
(5)
"المغني" 2/ 199.
(6)
"الأوسط" 31/ 181.
(7)
"شرح ابن بطال" 2/ 48.
(8)
انفر: "بدائع الصنائع" 1/ 210.
24 - باب الصَّلَاةِ فيِ النِّعَالِ
386 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ ابْنُ يَزِيدَ الأَزْدِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. [5850 - مسلم 555 - فتح: 1/ 494]
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثَنَا شُعْبَة، أَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الأَزْدِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِك: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
هذا
(1)
الحديث أخرجه مسلم أيضا
(2)
.
وأبو مسلمة هذا أزدي بصري تابعي صغير ثقة، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة، وهو سابق ما قبله
(3)
في تخمير الرجل، وكذا ما بعده، والنعل معروف
(4)
، والصلاة فيه جائزة إذا كان طاهرًا، ولكن لا يوصف بالاستحباب، لكن في "سنن أبي داود"
(5)
من حديث شداد بن أوس
(1)
في هامش الأصل ثلاث حواش لم يتبين لنا قراءتها.
(2)
مسلم (555) كتاب: المساجد، باب: جواز الصلاة في النعلين.
(3)
سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي، ويقال: الضاحين أبو مسلمة الأزدي البصري، القصير.
روى عن: أنس بن مالك، والحسن البصري، وشقيق بن ثور، وغيرهم كثير.
روى عنه: إبراهيم بن طهمان، وإسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل، وحمَّاد بن زيد وغيرهم. وثقه يحيى بن معين والنسائي، وروى له الجماعة. انظر ترجمته في:"الطبقات الكبرى" 7/ 256، "طبقات خليفة" ص 217، "التاريخ الكبير" 3/ 520 (1739)، "الجرح والتعديل" 4/ 73 (308)، "الثقات" 6/ 353، "تهذيب الكمال" 11/ 114 - 116 (3381).
(4)
تعليق في الأصل نصه: النعل معروفة قاله النووي ( ...... ). والباقي غير واضح.
(5)
تعليق في الأصل. غير واضح.
مرفوعًا: "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم"
(1)
وظاهره أن ذلك لأجل المخالفة، وحكى الغزالي عن بعضهم في "الإحياء" أن الصلاة فيه أفضل
(2)
. وفيه: جواز المشي في المسجد بالنعل.
فرع:
لو تنجس أسفل النعل وكانت النجاسة قليلة لم يتعمدها، فدلكه بالأرض وصلى، ففي الإجزاء قولان للشافعي: أحدهما: المنع
(3)
.
وفي "سنن أبي داود" من حديث أبي سعيد الخدري الأمر بمسحه والصلاة فيه
(4)
. وفيه: من حديث أبي هريرة مرفوعا: "إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور
(5)
، وحديث عائشة في النعل:"يطهره ما بعده"
(6)
- لكنهما ضعيفان.
وقال الأوزاعي: إذا وطئ القذر الرطب يجزئه أن يمسحه بالتراب ويصلي فيه.
وقال أحمد في السيف يصيبه الدم يمسحه وهو حار ليصلي فيه إذا لم يبق فيه أثر
(7)
.
وكان عروة والنخعي يمسحان الروث من نعالهما ويصليان فيها
(8)
.
(1)
أبو داود (652).
(2)
"إحياء علوم الدين" 1/ 171.
(3)
أبو داود (650).
(4)
السابق (385)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(411).
(5)
السابق (387) بمعناه. صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(413).
(6)
انظر: "المصنف" 1/ 175 (2104، 2105).
(7)
انظر: "المجموع" 3/ 163.
(8)
"مسائل أبو داود"(139).
وقال الأعمش: رأيت يحيى بن وثاب وعبد الله بن عباس وغيرهما يخوضون الماء قد خالطه السرقين والبول، فإذا انتهوا إلى باب المسجد لم يزيدوا على أن ينفضوا أقدامهم، ثم يدخلون في الصلاة
(1)
.
وقال مالك وأبو حنيفة: يكفي الحك في الجامد. وخالفه محمد
(2)
.
(1)
المصنف 1/ 58 (608) بنحوه.
(2)
انظر:: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 131، "المدونة" 1/ 20.
25 - باب الصَّلَاةِ فيِ الخِفَافِ
387 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الَحارِثِ قَالَ: رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَسُئِلَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ هذا. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ؛ لأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ. [مسلم: 272 - فتح: 1/ 494]
388 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ الُمغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: وَضَّأْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى. [انظر: 182 - مسلم: 274 - فتح: 1/ 495]
ذكر فيه حديث جرير والمغيرة في المسح على الخفين.
أما حديث جرير فساقه من حديث إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَسُئِلَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ هذا. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ؛ لأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضا
(1)
، ورواه الترمذي
(2)
والنسائي
(3)
وابن ماجه
(4)
.
ورواه أيضا أبو داود من جهة بكر بن عاصم عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير بلفظ أن جريرًا بال ثم توضأ فمسح على الخفين، وقال: ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح؟ قالوا: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة. قال: ما أسلمت إلا بعد نزول
(1)
مسلم (272) كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين.
(2)
الترمذي (93).
(3)
النسائي 1/ 81.
(4)
ابن ماجه (543).
المائدة
(1)
. ورواه الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث ربعي بن حراش، عنه قال: وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح على خفيه بعد ما نزلت سورة المائدة
(2)
. ثم قال: لم يروه عن حماد بن أبي سليمان عن ربعي إلا ياسين الزيات، تفرد به عبد الرزاق، وياسين متكلم فيه.
وفي رواية له من حديث محمد بن سيرين عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم يتبرز، فرجع فتوضأ ومسح على خفيه. ثم قال: لم يروه عن محمد بن سيرين إلا خالد الحذاء، ولا عن خالد إلا حرب بن سريج، تفرد به شيبان بن فروخ
(3)
.
وقوله: (فقال إبرا هيم) إلى آخره، وفي رواية أخرى: فكان أصحاب عبد الله يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة
(4)
.
وفي رواية: قال الأعمش: قال إبراهيم
(5)
. وفي "سنن البيهقي": عن إبراهيم بن أدهم قال: ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير بن عبد الله
(6)
، وكان إعجابهم لذلك؛ لأن الله تعالى قال في سورة المائدة {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} إلى قوله:{إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] فلو كان إسلام جرير متقدمًا على نزول المائدة لاحتمل كون حديث جرير في مسح الخف منسوخًا بآية المائدة، فلما كان إسلامه متأخرًا علم أن حديثه يعمل به، وهو يبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف، فتكون السنة مخصصة للآية.
(1)
أبو داود (154).
(2)
"المعجم الأوسط" 3/ 230 (3004).
(3)
"المعجم الأوسط" 7/ 155 - 156 (7143).
(4)
"صحيح مسلم"(272) كتاب: الطهارة، باب: في المسح على الخفين.
(5)
"صحيح مسلم"(272/ 72) كتاب: الطهارة، باب: في المسح على الخفين.
(6)
"سنن البيهقي" 1/ 273 - 274.
وأما حديث المغيرة فأخرجه من طريق مسروق عنه: وَضَّأُتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَمَسَحَ عَلَى خُفيْهِ وَصَلَّى.
وهذا الحديث سيأتي في الصلاة
(1)
والجهاد
(2)
واللباس
(3)
أيضا، وأخرجه مسلم أيضًا
(4)
، وقد سلف فقه الباب في بابه. وهذا الباب كالباب الذي قبله فيه تخمير الرجلين ومشروعية الصلاة في الخفاف، ولا شك في ذلك إذا كانت طاهرة، فإن كان فيهما (
…
)
(5)
النعل، وقد أوضحناه في الباب قبله.
(1)
بل سلف بأرقام (182، 203، 206، 363).
(2)
سيأتي برقم (2918) باب: الجبة في السفر والحرب.
(3)
سيأتي برقم (5798) باب: من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر، (5799) باب: لبس جبة الصوف في الغزو.
(4)
مسلم (274) كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين، وباب: المسح على الناصية والعمامة.
(5)
طمس في الأصل بمقدار ثلاث كلمات، ولعلها: قذر قليل دلك.
26 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ
389 -
أَخْبَرَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، رَأى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيفَةُ: مَا صَلَّيتَ -قَالَ: وَأَحْسِبهُ قَالَ- لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ محَمَّد صلى الله عليه وسلم. [791، 808 - فتح: 1/ 495]
ساق فيه من حديث حذيفة أنه رَأى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ -قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ- لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم.
27 - باب يُبْدِى ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِى فِى السُّجُودِ
390 -
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابن هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابن بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ. [807، 3564 - مسلم: 495 - فتح: 1/ 496]
ساق فيه من حديث جَعْفَرٍ، عَنِ ابن هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابن بُحَيْنَةَ أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ.
هذان البابان يأتيان في سماعنا من طريق أبي الوقت هنا، ويأتي أيضا كما هنا بعد في أحوال السجود كما ستعلمه
(1)
، وفي بعض نسخ البخاري حذفهما هنا. وعليه مشى ابن بطال في "شرحه" فلم يذكر الثاني هنا فذكر الأول، وحديث حذيفة من أفراد البخاري، ورواه هناك بلفظ: ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عز وجل عليها محمدًا.
وفيه: إيجاب الطمأنينة، وسيأتي الكلام عليها -إن شاء الله- هناك، والفطرة هنا السنة، وحديث ابن بحينة أخرجه مسلم
(2)
والنسائي أيضًا
(3)
، وتعليق الليث أخرجه مسلم: ثنا عمرو بن سواد، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث والليث بن سعد كلاهما، عن جعفر به. وفي رواية عمرو: إذا سجد يجنح في سجوده حتى يرى وضح إبطيه.
(1)
سيأتي في كتاب الأذان برقم (791) باب: إذا لم يتم الركوع، (808) باب: إذا لم يتم السجود.
(2)
مسلم (495) كتاب: الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة ..
(3)
النسائي 2/ 212.
وفي رواية الليث: كان إذا سجد فرج عن يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه
(1)
.
وفرج الله النعم مخفف ومشدد، يفرج بالكسر، وهو لفظ مشترك، فالفرج: العورة والثغر موضع المخافة، والضبع في ترجمة البخاري بسكون الباء: وسط العضد، وقيل: هو ما تحت الإبط. وقيل: ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاه، يذكر ويؤنث.
وفيه التفريج بين اليدين، وهو سنة للرجال، والمرأة والخنثى يضمان لأن المطلوب في حقهما الستر، وذهب بعض السلف فيما حكاه القرطبي إلى أن سنة النساء التربع، وأن بعضهم خيرها بين الانفراج والانضمام
(2)
.
قال ابن بطال: وشرعت المجافاة في المرفق ليخف على الأرض ولا يثقل. كما روى أبو عبيد عن عطاء أنه قال: خفوا على الأرض
(3)
.
وزعم أبو نعيم في "دلائله" أن بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم من علامات نبوته
(4)
.
قال المتولى: ولو طول السجود فلحقته مشقة الاعتماد على كفيه وضع ساعديه على ركبتيه. وفيه حديث في أبي داود والترمذي من حديث أبي هريرة
(5)
، قال البخاري: وإرساله أصح
(6)
.
(1)
مسلم (495/ 236).
(2)
"المفهم" 2/ 97 - 98.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 427 - 428.
(4)
لم أجده في المطبوع من "منتخب دلائل النبوة".
(5)
أبو داود (902)، والترمذي (286).
(6)
انظر: "المجموع" 3/ 408.
28 - باب فَضْلِ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ
يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ. قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 828]
391 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن الَمهْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى صَلَاَتنا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ المُسْلِمُ الذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللهَ فِي ذِمَّتِهِ". [392، 393 - فتح: 1/ 496]
392 -
حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن الُمبَارَكِ، عَنْ حُمَيدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إله إِلا اللهُ. فَإِذَا قَالُوهَا وَصَلَّوْا صَلَاَتنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ". [انظر: 391 - فتح: 1/ 497]
393 -
قَالَ ابن أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الَحارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيدٌ قَالَ: سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا يُحَرِّمُ دَمَ العَبْدِ وَمَالَهُ؟ فَقَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ، وَاسْتَقبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلَاتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَهُوَ الُمسْلِمُ، لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الُمسْلِمِ. [انظر: 391 - فتح: 1/ 497]
هذا التعليق ثابت في بعض النسخ، وقد أسنده البخاري بعد
(1)
.
ثم ذكر البخاري في الباب حديث أنس من طريق مسندًا ومن آخر معلقًا. أسنده من حديث عَمْرو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن المَهْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى صَلَاَتنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا،
(1)
سيأتي برقم (828) كتاب: الأذان، باب: سنة الجلوس في التشهد.
فَذَلِكَ المُسْلِمُ الذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللهَ فِي ذِمَّتِهِ".
ثم أخرجه معلقا فقال: وقال ابن المُبَارَكِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلة إِلَّا اللهُ. فَإِذَا قَالُوهَا وَصَلَّوْا صَلَاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ".
كذا ذكره معلقًا عن ابن المبارك، وفي بعض النسخ: حدثنا نعيم
(1)
: قال ابن المبارك
(2)
، وذكره خلف في "أطرافه" كما ذكراه أولًا. ثم قال: وقال حماد
(3)
بن شاكر راوي "صحيح البخاري" عنه قال نعيم بن حماد: قال ابن المبارك. واستخرجه أبو نعيم من حديث أحمد بن الحجاج وأحمد بن حنبل
(4)
كلاهما عن ابن المبارك.
ثم قال: رواه البخاري، فقال: وقال ابن المبارك. ولم يذكر من دونه، وأراد نعيم بن حماد عنه.
وأخرجه أبو داود في الجهاد
(5)
، والترمذي في الإيمان: عن سعيد بن يعقوب عن ابن المبارك
(6)
. والنسائي في المحاربة: عن محمد بن حاتم عن حبان عن ابن المبارك
(7)
.
ثم أخرجه البخاري ثالثًا معلقًا موقوفًا فقال:
(1)
في هامش الأصل: من خط الشيخ أبو وهو غلط.
(2)
النسخة التي تكلم عنها المصنف هي: نسخة أبي ذر الهروي وأبي الوقت، كما
أشير إليه في هامش اليونينية. انظر: "صحيح البخاري" 1/ 87 (ط طوق النجاة).
(3)
في الأصل: خلف، وفي هامش الأصل وبخط ناسخها: صوابه: حماد.
(4)
"المسند" 3/ 199 (13078).
(5)
أبو داود (2641).
(6)
التر مذي (2608).
(7)
النسائي 7/ 75 - 76 كتاب: تحريم الدم.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، ثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا يُحَرِّمُ دَمَ العَبْدِ وَمَالَهُ؟ فَقَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلَاتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَهُوَ المُسْلِمُ، لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَى المُسْلِمِ.
ثم قال: قَالَ ابن أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وأما ما علقه عن علي بن المديني فأسنده النسائي عن أبي موسى محمد بن المثنى، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن حميد الطويل قال: سأل ميمون بن سياه أنسا. فذكره موقوفا
(1)
كما ذكره البخاري.
قال الإسماعيلي: والحديث حديث ميمون وإنما سمعه حميد منه، ولا يحتج بيحيى بن أيوب في قوله: عن حميد ثنا أنس. قال: ويدل على ذلك ما أخبرنا يحيى بن محمد البختري، ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا حميد، عن ميمون: سالت أنسا: ما يحرم دم المسلم وماله؟ الحديث.
قال: وما ذكره البخاري عن علي عن خالد فهو يثبت ما جاء به
معاذ بن معاذ؛ لأن ميمون بن سياه هو الذي سأل وحميد سمع منه.
وأما ما علقه عن ابن أبي مريم ففيه فائدة، وهي تصريح حميد بسماعه إياه من أنس، لكن قد علمت طعن الأسماعيلي فيه.
وقد وصله أبو نعيم من حديث يحيى بن أيوب: أخبرني حميد سمع أنسا فذكره، والطريقة الأولى المسندة التي أخرجها البخاري عن عمرو بن عباس أخرجها النسائي عن حفص بن عمر، قال الكسار،
(1)
النسائي 7/ 76.
راوي النسائي: سمعت عبد الصمد البخاري يقول: حفص بن عمر لا أعرفه إلا أن يكون سقط (
…
)
(1)
عمرو فيكون حفص بن عمرو الزبالي.
قلت: لكن حفص هذا لم يرو عنه النسائي، وروى عنه ابن ماجه فقط. قال
(2)
: هذا هو حفص بن عمر أبو عمرو المهرقاني الرازي معروف.
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها: ميمون بن سياه ورع صدوق، ضعفه ابن معين. ومنصور بن سعد هو البصري صاحب اللؤلؤ ثقة. وعمرو بن عباس بالباء الموحدة انفرد به، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين، ولا أعرف
(3)
حاله، وباقي رجال إسناده معروفون.
ثانيها: قوله: "وأكل ذبيحتنا": جاء في الإسماعيلي: "وذبحوا ذبيحتنا"، وذلك أن طوائف من الكتابيين والوثنيين يتحرجون من أكل ذبائح المسلمين.
وقوله: ("ذمة الله وذمة رسوله") أي: ضمان الله وضمان رسوله.
قال صاحب "المحكم": الذمام: الحق، والذمة: العهد والكفالة
(4)
.
وقال ابن عرفة: الذمة: الضمان، وبه سمي أهل الذمة لدخلوهم في
(1)
كلمة غير واضحة في الأصل.
(2)
كشط بالأصل بعده شطب، ولعله: إن حفص.
(3)
في هامش الأصل: ذكره ابن حبان في "ثقاته"[فقال] فيه: ربما خالف، [وكذا ابن أبي] حاتم ولم يذكر فيه جرحا [ولا تعديلا].
قلت: ما بين الحاصرتين أتت عليه الرطوبة، وما كتبناه محاولة لإتمام السياق.
انظر: "ثقات ابن حبان" 8/ 486، "الجرح والتعديل" 6/ 252 (1396).
(4)
"المحكم" 11/ 56، مادة:(ذمم).
ضمان المسلمين. وقال الأزهري في قوله تعالى {إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} أي: أمانا. وقوله: ("ولا تخفروا الله"): أي: لا تخونوا، وهو رباعي؛ يقال: أخفرته إذا غدرت به، وخفرته إذا كنت له خفيرًا وضمنته، وفي "الفصيح": يقال: خفرت الرجل إذا أجرته، وأخفرته إذا نقضت عهده
(1)
. وقال كراع وابن القطاع: أخفرته بعثت معه خفيرًا.
وذكر ابن الأثير أن المراد هنا أن لا تزيلوا خفارته
(2)
، وقوله له:(ما للمسلم وعليه ما على المسلم) أي: يسلم عليه، ويعاد إذا مرض ويشهد جنازته إذا مات
…
إلى غير ذلك مما يلزم المسلم للمسلم.
ثالثها: حديث: "أمرت أن أقاتل الناس" سلف الكلام عليه في باب: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، من كتاب الإيمان، فراجعه منه، وهناك ذكر الزيادة الثابتة لكن من حديث ابن عمر
(3)
.
قال الطبري: ووجه هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قاله لأهل الأوثان الذين كانوا لا يقرون بالتوحيد، {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)} [الصافات: 35] فدعا لهم إلى الإقرار بالوحدانية وخلع ما دونه من الأوثان، فمن أقر بذلك منهم كان في الظاهر داخلًا في الإسلام.
والرواية الأخرى التي فيها الزيادة الثابتة جاءت لمن قال بالتوحيد، وإنكار نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن كفرهم كان جحدًا للتوحيد، ثم يراجع الكلمة الأخرى، فإن أنكروا شيئا من الفرائض عادوا حربيين، وفي هذا الجمع نظر؛ لأن ....
(4)
(1)
"فصيح ثعلب" ص 22.
(2)
"النهاية" 2/ 127.
(3)
سلف برقم (25).
(4)
في الأصلين الكلام موصول بما بعده وواضح أن هناك سقط من النسخة المنقول منها فقد سقط باب 29، 30 ووضعنا الأحاديث فقط من متن البخاري.
29 - باب قِبْلَةِ أَهْلِ المَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّاْمِ وَالْمَشْرِقِ
.
لَيْسَ فِي المَشْرِقِ وَلَا فِي المَغْرِب قِبْلَةٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ ولَكن شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا"
394 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْن عَبْدِ الله قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أَتَيْتُمُ الغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، ولكن شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا". قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ الله تَعَالَى. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ. [انظر: 144 - مسلم: 264 - فتح: 1/ 498]
30 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]
395
- حَدَّثَنَا الُحمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابن عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ العُمْرَةَ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالَمْرْوَة، أَيأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الَمقَامِ رَكْعَتَينِ، وَطَافَ بَينَ الصَّفَا وَالَمْرْوَة، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. [1623، 1627، 1645، 1647، 1793 - مسلم: 1234 - فتح: 1/ 499]
396 -
وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله، فَقَالَ: لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالَمْرْوَة. [1624، 1646، 1794 - فتح: 1/ 499]
397 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُجاهِدًا قَالَ: أُتِيَ ابن عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ: هذا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الكَعْبَةَ. فَقَالَ ابن عُمَرَ: فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ البَابَينِ، فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَقُلْتُ: أَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا
دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ. [468، 504، 505، 506، 1167، 1598، 1599، 2988، 4289، 4400 - مسلم: 1329 - فتح: 1/ 500]
398 -
حَدَّثَنَا إسحق بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: لَما دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم البَيتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ الكَعْبَةِ وَقَالَ:"هذه القِبْلَةُ". [1601، 3351، 3352، 4288 - مسلم: 1331 - فتح: 1/ 501]
31 - باب التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ
.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَقْبلِ القِبْلَةَ وَكَبِّرْ". [757]
399 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إسحق، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى، نَحْو بَيتِ الَمقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ -أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا- وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إلى الكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] فَتَوَجَّه نَحْوَ الكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ -وَهُمُ اليَهُودُ-:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142] فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى، فَمَرَّ عَلَى قَوْمِ مِنَ الأَنْصَارِ فِي صَلَاةِ العَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ. فَتَحَرَّفَ القَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الكَعْبَةِ. [انظر: 40 - مسلم: 525 - فتح: 1/ 502]
400 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَإِذَا أَرَادَ الفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ. [1094، 1099، 1217، 4140 - مسلم: 540، فتح: 1/ 503]
401 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ-فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ الله، أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ:"وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا. فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَينِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ:"إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيءٌ لَنَبَّأْتكُمْ بِهِ، ولكن إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَك أَحَدُكُمْ فِي صَلَاِتهِ فَلْيَتَحَرى الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيهِ ثُمَّ ليُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ". [404، 1226، 6671، 7249 - مسلم: 572 - فتح: 1/ 503]
32 - باب مَا جَاءَ فِي القِبْلَةِ، وَمَنْ لَا يَرى الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ القِبْلَةِ
.
وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، ثُمَ أَتَمَّ مَا بَقِيَ. [انظر: 482]
402 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُمَيْدِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وَآيَةُ الِحجَابِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالْفَاجِرُ. فَنَزَلَتْ آيَةُ الِحجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5]. فَنَزَلَتْ هذه الآيَةُ. [4483، 4790، 4916 - مسلم: 2399 - فتح: 1/ 504]
حَدَّثَنَا ابن أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا بهذا.
403 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ
دِينَارِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ. [4488، 4490، 4491، 4493، 4494، 7251 - مسلم: 526 - فتح: 6/ 501]
404 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الَحكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقَالُوا: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. [انظر: 401 - مسلم: 572 - فتح: 1/ 507]
[في
(1)
"المعرفة" للبيهقي مثله من حديث جابر بإسناد ضعيف، ومذهب ابن عمر كما قال الواحدي: إن الآية نازلة في التطوع بالنافلة، وعن قتادة: إنها منسوخة بقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} [البقرة: 144] الآية. وهو رواية عن ابن عباس، ويروى أنها نزلت فيمن صلى إلى بيت المقدس.
تنبيه:
وقع في كلام ابن بطال وابن التين أن البخاري أشار في الترجمة إلى الاستدلال بحديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم سلم في ركعتي الظهر وأقبل على الناس بوجهه وهذِه القصة إنما وقعت من حديث أبي هريرة فاعلمه.
ثم ذكر البخاري بعده ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث حُمَيْدٍ، عَنْ أنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي
ثَلَاثٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى
(1)
كذا في الأصل -وكما في التعليق السابق- الكلام متصل بنهاية صفحة 404 هكذا: (وفي هذا الجمع نظر لأن في المعرفة للبيهقي).
فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وَآيَةُ الحِجَابِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالْفَاجِرُ. فَنَزَلَتْ آيةُ الحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ. فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ.
حَدَّثَنَا ابن أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا بهذا.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في التفسير في سورة البقرة
(1)
، والأحزاب
(2)
والتحريم
(3)
.
وأخرجه مسلم في الفضائل
(4)
. وأخرجه الترمذي مختصرًا في التفسير
(5)
. والنسائي فيه
(6)
، وابن ماجه في الصلاة
(7)
، قال البزار: لا نعلمه يروى إلا عن عمر
(8)
، ولما أورد الترمذي حديث المقام فقط في تفسير سورة البقرة من حديث أنس، عن عمر قال: وفي الباب عن ابن عمر
(9)
. رواه مسلم من طريق نافع عن ابن عمر عن عمر، وفي
(1)
سيأتي برقم (4483) باب: قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} .
(2)
سيأتي برقم (4790) باب: قوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} .
(3)
سيأتي برقم (4916) باب: قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا} .
(4)
مسلم (2399) باب: من فضائل عمر رضي الله عنه.
(5)
الترمذي (2959، 2960).
(6)
"السنن الكبرى" 6/ 289 - 290 (10998).
(7)
ابن ماجه (1009).
(8)
"البحر الزخار" 1/ 338 بعد ح (219).
(9)
الترمذي 5/ 206.
روايته: بدل التخيير: أسارى بدر
(1)
.
ثانيها: فائدة:
إيراد البخاري طريق يحيى بن أيوب التصريح بسماع حميد من أنس، وفي بعض النسخ:"حدثنا ابن أبي مريم" كما ذكرته، وفي بعضها:"وقال ابن أبي مريم تعليقًا"، وكذا ذكره في التفسير تعليقا، وكذا ذكره خلف في "أطرافه" والإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما وهو الظاهر؛ لأن يحيى لم يحتج به البخاري، ونسبه أحمد إلى سوء الحفظ، وإنما ذكره استشهادًا ومتابعة، وإن وقع في كلام ابن طاهر أنه خرج له مع مسلم فقد ذكره في أفراد مسلم، وأغرب صاحب "الكمال" حيث قال: روى له الجماعة، إلا مسلما (
…
)
(2)
.
ثالثها: قد عرفت أن في البخاري الموافقة في مقام إبراهيم والحجاب والتخيير بين أزواجه.
وقد عرفت أن في مسلم بدله: أسارى بدر
(3)
، وهذِه رابعة.
وفيه أيضا موافقته في منع الصلاة على المنافقين، وهذِه خامسة.
وفي "مسند أبي داود الطيالسي" من حديث حماد بن سلمة، حدثنا علي بن زيد، عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في أربع، وذكر ما في البخاري قال: ونزلت {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)} [المؤمنون: 12] إلى قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14]،
(1)
مسلم (2299).
(2)
ثلاث كلمات لم يتبين لنا قراءتها.
(3)
في هامش الأصل: حاشية: وفي البخاري أيضا.
فقلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين فنزلت كذلك. وهي سادسة.
وجاءت موافقته أيضا في تحريم الخمر، وهذِه سابعة وليس في كل منهما منا ينفي زيادة الموافقة، وذكر الثامنة أبو بكر بن العربي
(1)
في هذا الحديث في مقام إبراهيم، وقال: وهي إحدى التسع التي وافق ربه فيها، وذكر أن عاشرها في "شرح النيرين" وقال مرة: قدمنا أنه وافق ربه تلاوة ومعنى في نحو أحد عشر موضعا.
قلت: ويشهد له ما رواه الترمذي مصححا من حديث ابن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر (وقد سلف)
(2)
.
رابعها: قوله: (في ثلاث). قد أسلفنا أنها أكثر من ثلاث، وقد أسلفنا أنه لا تنافي بينها، إذ يجوز أن يكون أخبر بذلك قبل وقوع غيرها، وإن كان يجوز أن يكون قالها بعد موته أو أن الراوي روى ثلاثة دون باقيها، وليس ذكر العدد من لفظ عمر، فلما روى ثلاثة خاصة زاد تلك اللفظة على المعنى، أي: أنه له حديث في ذلك فأنزل القرآن بموافقته، أو أن الراوي اقتصر على الثلاث دون الباقي لغرض له، فمعنى الموافقة أنه وقع له حديث في ذلك الأمر فنزل القرآن على نحو ما وقع أو وافق كله.
خامسها: وقع لعمر ما وقع في المقام؛ لأنه محل شرف بقيام إبراهيم للدعاء والصلاة، وجحل فيه آيات بينات وأجاب فيه الدعوات.
فإن قلت: ما السر في أن عمر لم يقنع بما في شريعتنا حتى طلب
(1)
"تحفة الأحوذي" 8/ 237.
(2)
ضرب الناسخ على هذِه الجملة ثم رمز فوقها برمز التصحيح (صح).
الاستكان بملة إبراهيم، وقد نهاه الشارع عن مثل هذا حين أتى بأشياء من التوراة، فقال له:"أمثلها منك يا عمر"
فالجواب كما قاله ابن الجوزي: أن عمر لما سمع قوله تعالى في إبراهيم {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] ثم سمع قوله: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] علم أن الائتمام به مشروع في شرعنا دون غيره من الأنبياء، ثم رأى أن البيت مضاف إليه، فإن أثر قدمه في المقام كرقم اسم الباني في البناء ليذكر به بعد موته، فرأى الصلاة عند المقام كقراءة الطائف بالبيت اسم من بناه، فوقعت موافقته في رأيه وأما غير إبراهيم من الأنبياء فلا يجري مجراه على أن هذا القدر من شرع إبراهيم معلوم قطعًا، وما في أيدي الكتابيين من التوراة والإنجيل أمر مغير مبدل.
سادسها: آية الحجاب، كان النبي صلى الله عليه وسلم جاريًا على عادة العرب في ترك الحجاب حتى أمر به، ووقع أمر لشرف أزواجه صلى الله عليه وسلم وعلو مناصبهن، وعظم حرمتهن، وأن الذي ناسب حالهن أن يحجبن عن الأجانب، ولم يكن يخفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نبه عليه ابن الجوزي وغيره، ولكن كان ينتظر الوحي في الأشياء، وكان الحجاب في السنة الخامسة في قول قتادة أو في الثالثة في قول أبي عبيدة وبعد أم سلمة كما قال ابن إسحاق، أو في ذي القعدة سنة أربع كما هو عند ابن سعد
(1)
.
وجزم شيخنا عبد الكريم في "شرحه" بالأول، وكان السبب فيه أنه صلى الله عليه وسلم تزوج زينب بنت جحش وأولم عليها، فأكل جماعة وهي مولية وجهها الحائط، ولم يخرجوا فانتظر صلى الله عليه وسلم خروجهم وجلسوا
(1)
"الطبقات الكبرى" 8/ 176، وعنده: في السنة الخامسة.
يتحدثون، فخرج صلى الله عليه وسلم فلم يخرجوا وعاد فلم يخرجوا، فنزلت آية الحجاب.
قال عياض: والحجاب الذي خصوا به فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين وفلا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخصهن إذا خرجن كما فعلت حفصة يوم مات أبوها، ستر شخصها حين خرجت، وزينب عمل لها قبة لما توفيت، قال الله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]
(1)
.
سابعها: الآية التي ذكرها هي أحد ما قيل في سبب التخيير، وقد أوضحت الكلام على ذلك في كتابي "غاية السول في خصائص الرسول"
(2)
فراجع ذلك منه تجد ما يشفي الغليل، فإن قدر الله الوصول إلى موضعه نزده أيضًا، وبعض ما في الباب سلف.
الحديث الثاني: حديث ابن عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث سيأتي -إن شاء الله- في الصلاة في موضعين
(3)
، وفي
(1)
"إكمال المعلم" 7/ 57.
(2)
"غاية السول في خصائص الرسول" ص 109.
(3)
لم أقف عليهما فلم يُذكر في الصلاة سوى في هذا الموضع.
التفسير في أربعة مواضع
(1)
، وفي خبر الواحد
(2)
، وقد سلف في الإيمان من حديث البراء
(3)
.
ثانيها:
وجه احتجاج البخاري بهذا الحديث انحرافهم إلى القبلة التي فرضت وهم في انحرافهم يصلون إلى غير القبلة، ولم يؤمروا بالإعادة بل بنوا على ما صلوا في حال الانحراف، وقبله فكذلك المجتهد في القبلة لا تلزمه الإعادة.
ثالثها:
(بينما) معناه: بين أوقات كذا، ويجوز أيضا بينا بلا ميم
(4)
، و (قباء) بالمد والقصر، ويذكر ويؤنث، ويصرف ولا يصرف فهذِه ست لغات أفصحها أولها.
قوله: (إذ جاءهم آت). هو عباد بن نهيك أو ابن بسر أو ابن وهب
أقوال. وقوله: (فاستقبلوها) كسر الباء فيه أشهر من فتحها على الأمر والفتح على الخبر، ونقل ابن عبد البر أن أكثر الرواة عليه
(5)
. وقد
(1)
ستأتي بأرقام (4488) باب: قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ} ، (4490). باب:{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ} ، (4491) باب:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} ، (4493) باب:{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ} ، (4494)، باب:{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} . وهي خمسة مواضع كما ترى.
(2)
سيأتي برقم (7251) باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق.
(3)
سلف برقم (40) باب: الصلاة من الإيمان.
(4)
وقع في "اليونينية" 1/ 89: بينا. بغير الميم، ولم يثبت بالهامش اختلافات.
(5)
وقع في هامش "اليونينية" 1/ 89: بفتح الباء لجميع رواة البخاري إلا الأصيلي بكسرها. يونينية. وفي "الفتح" 1/ 506. قال ابن حجر: بفتح الموحدة للأكثر.
أوضحت الكلام عليه في "شرح العمدة" بفوائده
(1)
، وسلف جمل منها في الإيمان.
الحديث الثالث: حديث عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُهْرَ خَمْسًا، فَقَالُوا: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.
وهذا الحديث سلف قريبا
(2)
، ويأتي في السهو
(3)
وخبر الواحد
(4)
، وأخرجه مسلم
(5)
وباقي الجماعة
(6)
، وأخرجه مسلم من حديث الأسود عنه
(7)
، ووجه احتجاج البخاري بهذا الحديث إقباله على الناس بوجهه بعد انصرافه بعد السلام، كان في غير صلاة، فلما بنى على صلاته بان أنه كان في وقت استدبار القبلة في حكم المصلي؛ لأنه لو خرج من الصلاة لم يجز له أن يبني على ما مضى منها فوجب بهذا أن من أخطأ القبلة لا يعيد.
(1)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 487.
(2)
سلف برقم (401).
(3)
سيأتي برقم (1226) باب ة إذا صلى خمسًا.
(4)
سيأتي برقم (7249) باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق.
(5)
مسلم (572) كتاب: المساجد، باب: السهو في الصلاة والسجود له.
(6)
أبو داود (1019)، والترمذي (392)، والنسائي 3/ 31 - 32، وابن ماجه (1203).
(7)
"صحيح مسلم"(572/ 93).
33 - باب حَكِّ البُزَاقِ بِالْيَدِ مِنَ المَسْجِدِ
405 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَة قَالَ: حَدُّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْن جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى نُخَامَةَ فِي القِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّة بِيَدِهِ، فَقَالَ:"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاِتهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ -أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ- فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، ولكن عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ". ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ:"أَوْ يَفْعَلْ هَكَذَا". [انظر: 241 - مسلم: 551 - فتح: 1/ 507]
406 -
حَدُّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأى بُصَاقًا فِي جِدَارِ القِبْلَةِ فَحَكَّهُ، ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:"إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى". [753، 1213، 6111 - مسلم: 547 - فتح: 1/ 509]
407 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -أُمِّ المُؤْمِنِينَ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأى فِي جِدَارِ القِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ. [مسلم: 549 - فتح: 1/ 509]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى نُخَامَةً فِي القِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ:"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاِتهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ -أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ- فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، ولكن عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ". ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ:"أَوْ يَفْعَلْ هَكَذَا".
ثانيها: حديث ابن عُمَرَ أَنَّه صلى الله عليه وسلم رَأى بُصَاقًا فِي جِدَارِ القِبْلَةِ فَحَكَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:"إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى".
ثالثها: حديث عَائِشَةَ أَنَّه صلى الله عليه وسلم رَأى فِي جِدَارِ القِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ.
الكلام على هذِه الأحاديث من أوجه:
أحدها:
حديث أنس أخرجه في مواضع أخر قريبا في بابين: عقب باب بعد هذا
(1)
، وفي باب: كفارة البزاق في المسجد بلفظ: "البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها"
(2)
وفي باب: ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة
(3)
، وفي باب: المصلي يناجي ربه
(4)
.
وأخرجه مسلم أيضًا
(5)
.
وحديث ابن عمر أخرجه البخاري أيضا قريبا
(6)
، وفي الأدب وغيره
(7)
.
وأخرجه مسلم أيضا
(8)
.
(1)
سيأتي برقم (412) باب: لا يبصق عن يمينه في الصلاة، (413) باب: ليبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى.
(2)
سيأتي برقم (415).
(3)
سيأتي برقم (1214) كتاب: العمل في الصلاة.
(4)
سيأتي برقم (531) كتاب: مواقيت الصلاة.
(5)
مسلم (551) في المساجد، باب: النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها.
(6)
سيأتي برقم (753) كتاب: الأذان، باب: هل يلتفت لأمر ينزل به، أو يرى شيئًا أو بصاقًا في القبلة.
(7)
سيأتي برقم (1213) كتاب: العمل في الصلاة، باب: ما يجوز في البصاق والنفخ في الصلاة، وبرقم (6111) باب: ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله.
(8)
مسلم (547) كتاب: المساجد، باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة ..
وحديث عائشة أخرجه أيضا في الصلاة وسيأتي (1).
وأخرجه مسلم
(2)
والترمذي أيضا
(3)
.
وسيأتي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد
(4)
وأخرجهما مسلم أيضا
(5)
.
ثانيها:
النخامة بالضم: النخاعة، وقد ذكره البخاري بهذا اللفظ، في باب: الالتفات، يقال: تنخَّم الرجل إذا تنخع، وفي "المطالع": النخامة من الصدر: وهو البلغم اللزج، وفي "النهاية"
(6)
: النخامة: البزقة التي تخرج من أصل الحلق من مخرج الخاء المعجمة، وقيل: النخاعة بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس.
ثالثها:
إنما شق ذلك عليه احتراما لجهة القبلة. وقوله: (فحكه) أي: أزاله وهو موضع الترجمة. ففيه إزالة البزاق وغيره من الأقذار ونحوها من المسجد. وقوله: "فإنه يناجي ربه"، إشارة إلى إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لذكر الله وتمجيده وتلاوة كتابه وتدبره. ومن كان
(1) ليس له إلا هذا الموضع في "صحيح البخاري"، وذكر المزي في "التحفة" 12/ 194 أن البخاري رواه في موضعين آخرين عن إسماعيل.
(2)
مسلم (549) كتاب: المساجد، باب: النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها.
(3)
لم أقف عليه في الترمذي، ولكنه عند ابن ماجه (764).
(4)
الحديث الآتي (408، 409) باب: حك المخاط بالحصى في المسجد.
(5)
مسلم (548) كتاب: المساجد، باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة ..
(6)
"النهاية" لابن الأثير 5/ 34 مادة: نخم.
يناجي ربه وهو بينه وبين قبلته فلا يقابلها بذلك. والبزاق بالزاي والصاد والسين: ما يخرج من الفم. وقوله: ("ولكن عن يساره") هذا في غير المسجد، أما فيه فلا يبزقن إلا في ثوبه، كذا قاله النووي
(1)
، وسياق الأحاديث دال على أنه فيه. وقوله:("أو تحت قدمه اليسرى") كما بينه في الرواية الآتية من حديث أبي سعيد.
وقوله: (ثم أخذ رداءه) إلى آخره. فيه: جواز هذا الفعل، وفيه: طهارة البزاق، وهو إجماع إلا من شذ كما حكاه الخطابي عن إبراهيم النخعي
(2)
، وسليمان (كما حكاه عنه ابن حزم)
(3)
، وقال القاضي عياض: البزاق ليس خطيئة إلا في حق من لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فليس بخطيئة إذا دفنها في تراب المسجد أو رمله وحصاه إن كان فيه وإلا فليخرجها
(4)
.
وقال القرطبي: الحديث دال على تحريم البصاق في القبلة، وأن الدفن لا يكفيه
(5)
، وهو كما قال. وقال الروياني: المراد بذلك إخراجها مطلقا، فإن لم تكن المساجد تربة، وكانت ذات حصر فلا؛ احتراما للمالية
(6)
.
وفيه: فضل الميامن على المياسر
(7)
.
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 5/ 41.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 387.
(3)
ورد بهامش الأصل تعليق هذا نصه: حكاه ابن حزم عنهما بالسند متفردين.
(4)
"إكمال المعلم" 2/ 487.
(5)
"المفهم" 2/ 158.
(6)
انظر: "المجموع" 4/ 32.
(7)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في الستين، كتبه مؤلفه.
34 - باب حَكِّ المُخَاطِ بِالْحَصَى مِنَ المَسْجِدِ
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: إِنْ وَطِئْتَ عَلَى قَذَرٍ رَطْبٍ فَاغْسِلْهُ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلَا.
408، 409 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخبَرَنَا ابن شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنُّ أَبا هُرَيْرَةَ وَأَبا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الَمسْجِدِ، فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا، فَقَالَ:"إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرى". [410، 412، 414، 416 - مسلم: 548 - فتح: 1/ 509]
وهو كما قال فالجاف لا يتعلق به حكم.
ثم ساق حديث أبي هريرة وأبي سعيد أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأى نُخَامَةً فِي جِدَارِ المَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا، فَقَالَ: إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ .. " الحديث. والحت بالمثناة، قال صاحب "العباب": حنت الثوب عن الشيء: فرقته، والحتات: ما تحات منه، أي: تساقط.
ثم قال:
35 - باب لَا يَبْصُقْ عَنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلَاةِ
410، 411 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ أَخبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأى نُخَامَةً فِي حَائِطِ الَمسْجِدِ، فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَصَاةً فَحَتَّهَا، ثُمَّ قَالَ:"إِذَا تَتَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرى". [انظر: 408، 409 - مسلم: 548 - فتح: 1/ 510]
412 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتْفِلَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ،
ولكن عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ رِجْلِهِ". [انظر: 241 - مسلم: 493، 551 - فتح: 1/ 510]
ثم ساق حديث أبي هريرة وأبي سعيد المذكور. ثم ساق حديث أنس السالف. وفيه: ("فلا يتفلن") وهو بضم الفاء وكسرها. ثم قال:
36 - باب لِيَبْزُقْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرى
413 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، ولكن عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ". [انظر: 241 - مسلم: 551 - فتح: 1/ 511]
414 -
حَدَّثَنَا عَليٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ أَنًّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبْصَرَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الَمسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، ولكن عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرى. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، سَمِعَ حُمَيْدًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوَهُ. [409 - مسلم: 548 - فتح: 1/ 511]
ثم ساق حديث أنس المذكور وحديث أبي سعيد في ذلك. ثم قال:
37 - باب كَفَّارَةِ البُزَاقِ فِي المَسْجِدِ
415 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الْبُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا". [مسلم: 552 - فتح: 1/ 511]
ثم ساق حديث أنس السالف: "وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا". ثم قال:
38 - باب دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي المَسْجِدِ
416 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا،
وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَيَدْفِنُهَا". [انظر: 408 - فتع: 1/ 512]
ثم ساق فيه حديث أبي هريرة فيه.
39 - باب إِذَا بَدَرَهُ البُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ
417 -
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى نُخَامَةً فِي القِبْلَةِ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، وَرُئِيَ مِنْهُ كَرَاهِيَةٌ -أَوْ رُئِيَ كَرَاهِيَتُهُ لِذَلِكَ وَشِدَّتُهُ عَلَيْهِ- وَقَالَ:"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذا قَامَ فِي صَلَاِتِهِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ -أَوْ رَبُّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ- فَلَا يَبْزُقنَّ فِي قِبْلَتِهِ، ولكن عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحتَ قَدَمِهِ". ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَزَقَ فِيهِ، وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ قَالَ:"أَوْ يَفْعَل هَكَذَا". [انظر: 241 - مسلم: 551 - فتح: 1/ 513]
ثم ساق حديث أنس في ذلك.
وقد عرفت فقه ذلك كله في باب: الحك قبله بها، فيهما: تنزيه المسجد، وإكرام القبلة، وقوله في حديث أبي هريرة:("ولا عن يمينه، فإن عن يمينه ملكا") بين فيه علة ذلك، وهو إكرام الملك، وتنزيهه لا يقال: إن عمومه أنه ليس على يساره ملك.
وقال الطبري: الأمر بالدفن إنما هو في الحال التي يخشى فيها أن يصيب جلده أو ثوبه. وقال ابن بطال: إنما كان في المسجد خطيئة لنهي الشارع عنه، ثم إنه صلى الله عليه وسلم عرف أن أمته لا تكاد تسلم من ذلك فعرفهم كفارتها، وهذا إذا كان عن قصد، وإن غلبته فقد ندب إلى دفنها وحتها وإزالتها، ومن فعل ما ندب إليه فمأجور
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 69 - 70.
40 - باب عِظَةِ الإِمَامِ النَّاسَ فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ وَذِكْرِ القِبْلَةِ
418 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"هَلْ تَرَوْنَ قِبْلتِي هَا هُنَا؟ فَوَاللهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ، إِنِّي لأَرَاكمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي". [741 - مسلم: 424 - فتح: 1/ 514]
419 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنا فلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صّلَاةً، ثُمَّ رَقِيَ الِمنْبَرَ، فَقَالَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الرُّكُوعِ:"إِنَي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كمَا أَرَاكُمْ". [742، 6644 - مسلم: 425 - فتح: 1/ 515]
ذكر فيه حديث هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا؟ فَوَاللهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ، إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي".
وحديث أنس: صَلَّي بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً، ثُمَّ رَقِيَ المِنْبَرَ، فَقَالَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الرُّكُوعِ:"إِنَّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَرَاكُمْ".
الكلام عليهما من أوجه:
أحدها:
هذان الحديثان أخرجهما مسلم أيضا
(1)
، وذكر البخاري الأول في الخشوع في الصلاة
(2)
، والثاني في رفع البصر إلى السماء فيها
(3)
،
(1)
مسلم (424، 425) كتاب: الصلاة، باب: الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها.
(2)
سيأتي برقم (741) كتاب: الأذان.
(3)
يقصد ما سيأتي برقم (750) كتاب: الأذان.
والرقاق كما ستعلمه
(1)
.
ثانيها:
فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالإمام إذا رأى أحدًا مقصرًا في شيء من أمور دينه أو ناقصا للكمال منه نهاه عن فعله وحضه على ما فيه جزيل الحظ، ألا تراه وبخ من نقص كمال الركوع والخشوع، وفي رواية لمسلم: والسجود. ووعظه في ذلك بأنه يراهم، وقد أخذ الله تعالى على المؤمنين ذلك إذا مكنهم في الأرض بقوله {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج: 41].
ثالثها:
قوله: ("إني لأراكم من وراء ظهري") الظاهر أن هذا من خصائصه، وأنه زيد في قوة بصره حتى يرى من ورائه، وفي "صحيح مسلم":"إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يديَّ"
(2)
ويبعد أن يراد بها العلم، وإن كان قد يعبر بها عنه، إذ لا فائدة إذن في التخصيص بوراء الظهر، وقد قيل: إنه كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط، فكان يبصر بهما، ولا تحجبهما الثياب، كما ذكرته في "الخصائص"
(3)
، ونقلت فيها عن صاحب "الشامل": أن معنى الحديث الحس والتحفظ. وقال مجاهد في قوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} [الشعراء: 219] قال: كان يرى من خلفه في الصلاة كما يرى بين يديه.
(1)
لعله يقصد ما سيأتي برقم (6468) باب: القصد والمداومة على العمل.
(2)
مسلم برقم (423) كتاب: الصلاة، باب: الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها.
(3)
"خصائص النبي صلى الله عليه وسلم" ص 190.
رابعها:
جاء في رواية: "وإني لأراكم من بعدي" ذكرها في الخشوع في الصلاة
(1)
، قال الداودي: يحتمل أن يكون بعد وفاته يريد أن أعمال أمته تعرض عليه.
(1)
سيأتي برقم (741).
41 - باب هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ
؟
420 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الَخيْلِ التِي أُضْمِرَتْ مِنَ الَحفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الَخيْلِ التِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا. [2868، 2869، 2870، 7336 - مسلم: 1870 - فتح: 1/ 515]
ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ التِي أُضْمِرَتْ مِنَ الحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الوَدَاع، وَسَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ التِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّييَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري هنا، وفي الجهاد
(1)
والاعتصام
(2)
، وأخرجه مسلم في المغازي
(3)
، وباقي الستة
(4)
.
ثانيها:
مطابقة هذا الحديث لما ترجم له قوله: (مسجد بني زريق) وهي إضافة تمييز لا ملك، ففيه جواز إضافتها إلى بانيها والمصلي فيها،
(1)
سيأتي بأرقام (2868، 2869، 8670) أبواب: السبق بين الخيل، إضمار الخيل للسبق، غاية السبق للخيل المضمرة.
(2)
سيأتي برقم (7336) باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم.
(3)
مسلم (1870) كتاب: الإمارة، باب: المسابقة بين الخيل وتضميرها.
(4)
أبو داود (2575)، والترمذي (1699)، والنسائي 6/ 225 - 227، وابن ماجه (2877).
وإضافة أعمال البر إلى أربابها ونسبتها إليهم، وليس في ذلك تزكية، وعن النخعي أنه كان يكره أن يقال: مسجد بني فلان، ولا يرى بأسا أن يقال: مصلى بني فلان
(1)
، وهذا الحديث رادٌّ عليه، ولا فرق بين قوله مصلى، ومسجد، كما نبه عليه ابن بطال
(2)
لكن المساجد لله فلا تضاف إلى غيره إلا على جهة التعريف.
ثالثها:
التضمير: عبارة عن تقليل العلف مدة، وتدخل بيتا كنًّا، وتجلَّل فيه لتعرق، ويجف عرقه فيخف لحمها ويقوى على الجري، والحفياء بالمد على الأشهر، وبفتح الحاء، وضمها بعضهم فأخطأ، وقدم بعضهم الياء على الفاء، بينها وبين ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة أو سبعة، ومن ثنية الوادع إلى مسجد بني زريق ميل، وهو متقدم الزاي على الراء: بطن من الخزرج.
رابعها: في فوائده:
فمنها: جواز المسابقة بين الخيل، وهو إجماع
(3)
، وهو سنة عندنا
(4)
، وقيل: مباح، ومنها: تضميرها، وهو إجماع أيضا، وكانت الجاهلية تفعله فأقرها الإسلام، ومنها: تجويع البهائم على وجه الصلاح، وليس من باب التعذيب، ومنها بيان الغاية التي يسابق إليها ومقدار أمدها، ومنها: إطلاق الفعل على الآمر به، والمسوغ له، وليس في الحديث دلالة على العوض فيها، ولا على جوازها على
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 198 (8070).
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 72.
(3)
انظر: "مراتب الإجماع" لابن حزم ص 254.
(4)
انظر: "روضة الطالبين" 10/ 350.
غير الخيل، ولا على غير ذلك من الشروط التي اشترطها الفقهاء في عقد المسابقة، ومحل الخوض فيها كتب الفروع، وقد بسطناها فيها، ولله الحمد، وأبعد من خص الجواز بالخيل خاصة عملا بعادة العرب، ومن جوز السبق في كل شيء كما حكي عن عطاء، وقد حمل على ما إذا كان بغير رهان.
فائدة:
ذكر ابن (التين)
(1)
أنه صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل على حلل أتته من اليمن فأعطى السابق ثلاث حلل، وأعطى الثاني حلتين، والثالث حلة، والرابع دينارا، والخامس درهما، والسادس فضة، وقال بارك الله فيك. وفي السابق والفسكل
(2)
.
(1)
رسمت في الأصل: تبين، وفي "عمدة القاري": ابن التين.
(2)
قال العيني: الفِسْكِل، هو الذي يجيئ في آخر الجلبة آخر الخيل.
42 - باب الْقِسْمَةِ وَتَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِدِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: القِنْوُ العِذْقُ، وَالاِثْنَانِ قِنْوَانِ، وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَانٌ، مِثْلَ صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ.
421 -
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ عَبدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَقَالَ:"انْثُرُوهُ فِي المَسْجِدِ". وَكَانَ أَكثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى الصُّلَاةَ، جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ، إِذْ جَاءَهُ العَبَّاسُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطنِي فَإنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"خُذْ". فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ إِلَى. قَالَ:"لَا". قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ. قَالَ: "لَا". فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ. قَالَ:"لَا". قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ. قَالَ: "لَا". فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا، عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ. [3049، 3165 - فتح: 1/ 516]
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ -يعني ابن طهمان- عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَالِ مِنَ البَحْرَيْنِ،
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
القنو بكسر القاف، ثم نون ساكنة: عَذِق النخلة، وهو العرجون بما فيه من الرطب، والجمع أقناء وقنوان يصرف مثل صنو صنوان، وفي بعض نسخ البخاري: قال أبو عبد الله: القنو: العذق والاثنان قنوان مثل صنو وصنوان
(1)
.
(1)
انظر: هامش اليونينية 1/ 91.
قال ابن سيده: القنو والقنا: الكباسة، والقنا بالفتح لغة فيه عن أبي حنيفة، والجمع من كل ذلك أقناء وقنوان وقنيان
(1)
، وفي "الجامع": في القنوان لغتان بكسر الفاف وضمها، وكل العرب تقول: قنو وقُنو في الواحد.
ثانيها:
هذا الحديث ذكره البخاري هنا تعليقًا، وكذا في الجزية
(2)
، والجهاد
(3)
، وقال الإسماعيلي: ذكره أبو عبد الله بلا إسناد، فقال: وقال إبراهيم؛ وهو ابن طهمان فيما أحسب، وكذا قاله خلف أنه ابن طهمان، وأبو نعيم الحافظ، ثم ساقه أبو نعيم مصرحًا به أيضا، وروى البخاري في كتاب: الحج
(4)
، والنكاح
(5)
عن أحمد بن حفص بن راشد، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان.
وقال المزي في "أطرافه": عبد العزيز في هذا الحديث عند البخاري غير منسوب، وذكره أبو مسعود وخلف الواسطي في ترجمة عبد العزيز بن صهيب عن أنس، وكذلك رواه عمر بن محمد البجيري
(6)
في "صحيحه" من رواية إبراهيم بن طهمان عن ابن صهيب عن أنس قال: وقيل: إنه عبد العزيز بن رفيع.
(1)
"المخصص" 3/ 212 - 213 باب: عذوق النخل ونعوتها.
(2)
سيأتي برقم (3165) باب: ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين.
(3)
سيأتي برقم (3049) باب: فداء المشركين.
(4)
حديث (1593) باب: قول الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} .
(5)
حديث (5130) باب: من قال: لا نكاح إلا بولي.
(6)
حاشية: البجيري بضم الباء الموجودة، وفتح الجيم وسكون المثناة تحت، ثم راء، ثم ياء النسبة بعده إلى الجد وهو بجير. قاله ابن الأثير في كتابه وكذا حفظه غيره.
وقد روى أبو عوانة في "صحيحه" حديثًا من رواية ابن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن أنس: "تسحروا فإن في السحور بركة"
(1)
، وروى أبو داود، والنسائي حديثًا من رواية ابن طهمان عن ابن رفيع، عن ابن عمير، عن عائشة:"لا يحل دم امرئ مسلم"
(2)
فيحتمل أن يكون هذا هو
(3)
، وقد أسلفنا أولا التصريح به، وهو ثابت في عدة نسخ.
ثالثها:
لم ذكر البخاري في الحديث القنو والذي بوب له، قال ابن التين: أنسيه، وقال ابن بطال
(4)
: أغفله ثم قال: وتعليق القنو في المسجد أمر مشهور، وقد يقال: إنه أخذه من وضع المال في المسجد بجامع أن كلًّا منهما وضع للأخذ، وقد ذكر ابن منده في "غريبه" أنه صلى الله عليه وسلم خرج فرأى أقناء معلقة في المسجد، ومن عادة البخاري الإحالة على أصل الحديث.
وذكر ثابت
(5)
في "غريبه" أنه صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد ليأكل منه من لا شيء له، قال: وكان عليها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل، قال ابن القاسم: سئل مالك عن الأقناء في المسجد وشبه ذلك فقال: لا بأس به، وسئل عن الماء الذي يسقى
(1)
"مسند أبي عوانة" 2/ 179 (2750).
(2)
أبو داود (4353)، والنسائي 7/ 101 - 102.
(3)
"تحفة الأشراف" رقم (989).
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 73 - 74.
(5)
هو ثابت بن حزم بن عبد الرحمن بن مطرف أبو القاسم السرقسطي الأندلسي اللغوي. صاحب: "الدلائل في غريب الحديث". قال ابن الفرضي: كان عالمًا، مفتيًا، بصيرًا بالحديث والنحو واللغة والغريب والشعر، وقد ولي قضاء سرقسطة، توفي في رمضان سنة ثلاث عثرة وثلاثمائة. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ" 3/ 869 - 870، "سير أعلام النبلاء" 14/ 562 - 563، "شذرات الذهب" 2/ 266.
في المسجد أترى أن يشرب منه؟ قال: نعم، إنما جعل للعطش، ولم يرد به أهل المسكنة، فلا أرى أن يترك شربه، ولم يزل هذا من أمر الناس، قال: وقد سقى سعد بن جنادة فقيل له: في المسجد؟ فقال: لا، ولكن في منزله الذي كان فيه. قال ابن بطال: ولا تنافي بين ما ذكره ثابت ومالك؛ لسعة حال الناس في زمن مالك، فيستوي فيه الغني والفقير، ألا ترى أنه شبه ذلك بالماء الذي يجعل للعطشان دون المساكين
(1)
.
رابعها:
قوله: (أتي بمال من البحرين) هو تثنية بحر، وهو بلدة مشهورة بين البصرة وعمان وهي هجر، وأهلها عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، ولهم وفادة
(2)
، وقال عياض: قيل: بينها وبين البصرة أربعة وثمانون فرسخا. قال البكري: ولما صالح أهله رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليهم العلاء بن الحضرمي، وبعث أبا عبيدة فأتى بجزيتها فقدم بمال من البحرين
(3)
، وزعم أبو الفرج الأشهلي في "تاريخه" أنها وبيئة وأن ساكنيها معظمهم مطحولون وأنشد:
ومن يسكن البحرين يعظم طحاله
…
ويغبط بما في جوفه وهو ساغب
وزعم ابن سعد أنه صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الجعرانة، يعني بعد قسمة غنائم حنين أرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي -وهو بالبحرين- يدعوه إلى الإسلام فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه وتصديقه
(4)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 73 - 74.
(2)
انظر: "معجم البلدان" 1/ 347.
(3)
"معجم ما استعجم" 1/ 228.
(4)
"الطبقات الكبرى" 1/ 263.
خامسها:
قوله: (قال: انثروه في المسجد) أي: اطرحوه. ففيه وضع ما الناس
مشتركون فيه في المسجد من صدقة أو غيرها؛ لأن المسجد لا يحجب أحد من ذوي الحاجة من دخوله والناس فيه سواء، وكذلك أمور جماعة المسلمين يجب أن تعمل في المسجد. نقله ابن بطال عن المهلب
(1)
.
سادسها:
قوله: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ولم يلتفت إليه) وجه عدم التفاته إليه استقلالا للدنيا فأبقى على الباقي وترك الفاني.
سابعها:
قوله: (فما كان يرى أحدا إلا أعطاه). فيه: دلالة على كثرة إعطائه، وعلو كرمه، وزهده، والولي إذا علم من أتباعه حاجة سارع إليها، ولا يدخر شيئًا ملكه لله ولرسوله.
ثامنها:
قوله: (وفاديت عقيلا) يعني: ابن أبي طالب يوم بدر.
تاسعها:
قوله: (ثم ذهب يقله، فلم يستطع). (يقله) بضم أوله، قال ابن التين: كذا رواه، أي: يحمله، إنما لم يأمر أحدًا بإعانة العباس، ولم يعنه هو بنفسه زجرًا له عن الاستكثار من المال، وأن لا يأخذ إلا قدر حاجته، أو لينبهه على أن أحدًا لا يحمل عن أحد شيئا، وقد كان العباس قويا جدًا كان يقل البعير إذا جلس، والكاهل ما بين الكتفين.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 74.
عاشرها:
فيه: أن القسم إلى الإمام على قدر اجتهاده، والعطاء لأحد الأصناف الذين ذكرهم الله في كتابه دون غيرهم؛ لأنه أعطى العباس لما شكى إليه من الغرم الذي نزحه ولم يسوه في القسمة مع الثمانية الأصناف، ولو قسم ذلك على التساوي لما أعطى العباس من غير مكيال ولا ميزان، وإنما أعطاه بقدر استقلاله من الأرض، ولم يعط لأحد غيره مثل ذلك، وفيه: أن السلطان يرتفع عن الأشياء الممتهنة حيث لم يحمل على العباس، بأن لا يكلف غيره إلى ذلك، وإن كان فيه نفعا للخاصة، إذ فيه ضرر على العامة.
43 - باب مَنْ دَعَا لِطَعَامٍ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْ أَجَابَ فِيهِ
422 -
حَدَّثَنَا عَبْدْ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، سَمِعَ أَنَسًا قالَ: وَجَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الَمسْجِدِ مَعَهُ نَاسٌ فَقُمْتُ، فَقَالَ لِي:"آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فقَالَ: "لِطَعَامٍ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ لَمِنْ مَعَهُ: "قُوموا". فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. [3578، 5378، 5450، 6688 - مسلم 2040 - فتح: 1/ 517]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، سَمِعَ أَنَسَ بنَ مالكٍ قَالَ: وَجَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في المَسْجِدِ مَعَهُ نَاسٌ فَقُمْتُ، فَقَالَ لِي:"آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: "لِطَعَامٍ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا". فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ.
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة مطولا
(1)
، وفي الأطعمة
(2)
، والأيمان والنذور
(3)
، وأخرجه مسلم في الأطعمة
(4)
، والترمذي في المناقب، وقال: حسن صحيح
(5)
، والنسائي في الوليمة
(6)
، وقوله:(آرسلك؟) هو بالمد، وهو علم من أعلام نبوته؛ لأن أبا طلحة أرسله.
وقوله: (لطعام) هو باللام، وفي: علامات النبوة بالباء
(7)
، وفيه:
(1)
سيأتي برقم (3578) كتاب: المناقب.
(2)
سيأتي برقم (5381) باب: من أكل حتى شبع.
(3)
سيأتي برقم (6688) باب: إذا حلف أن لا يأتدم.
(4)
مسلم (2040) كتاب: الأشربة، باب: جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه
…
(5)
الترمذي (3630).
(6)
"السنن الكبرى" 4/ 142 (6617).
(7)
سيأتي برقم (3578).
كان معه أقراصا من شعير مكفوفة في الخمار، وفيه: الدعاء إلى طعام الواحد، وإجابة الداعي، والدعاء من المسجد كغيره، وليس ثواب الجلوس فيه بأقل من ثواب الإجابة بإطعام من معه، وفيه:(قبول)
(1)
الهدية وإن كانت قليلة، وفيه: أن من دعي إلى طعام يأتي معه بغيره إذا علم أن صاحب الوليمة لا يكره ذلك وكان يكفيهم، وقد كفاهم ذلك ببركته، ولم ينقص من طعامهم شيئًا، ولله المنة ولرسوله.
وقد جاء في الحديث أنه إنما دعاه إليه، لأنه سمع صوتا ضعيفا فعرف فيه الجوع، وفيه دعاء الإمام إلى الطعام القليل.
(1)
ليست في الأصل والمعنى يقتضيها.
44 - باب الْقَضَاءِ وَاللِّعَانِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
433 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخبَرَنَا ابن جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابن شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ؟ فَتَلَاعَنَا فِي الَمسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ. [4745، 4746، 5259، 5308، 5309، 654، 7165، 7166، 7304 - مسلم 1492 - فتح: 1/ 518]
حَدَّثنَا يَحْيَى، أنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا ابن جُرَيْج، أَخْبَرَنِي ابن شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ؟ فَتَلَاعَنَا فِي المَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ
هذا الحديث ذكره البخاري هنا، وفي الطلاق
(1)
والاعتصام
(2)
، والتفسير في سورة النور مطولا ومختصرا
(3)
، ويحيى هذا قال الجياني: نسبه ابن السكن فقال: يحيى بن موسى خت، وقيل: هو يحيى بن جعفر بن أعين البيكندي
(4)
، وقد روى عنهما البخاري في "صحيحه" عن عبد الرزاق
(5)
، والقضاء جائز في المسجد عند عامة
(1)
سيأتي برقم (5259) باب: من أجاز طلاق الثلاث.
(2)
سيأتي برقم (7304) باب: ما يكره في الثمن والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع.
(3)
سيأتي برقمي (4745، 4746) باب: قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ، وباب:{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)} .
(4)
"تقييد المهمل" 3/ 1057.
(5)
وجدت رواية يحيى بن جعفر، عن عبد الرزاق في مواضع كثيرة من "الصحيح" منها: رقم (2066) في آخر البيوع، ورقم (6227) في أول كتاب: الاستئذان، أما رواية: يحيى بن موسى عن عبد الرزاق لم أجدها في "الصحيح" مصرحًا بها هكذا. وما وجدته هو يحيى، عن عبد الرزاق فلعله هو، انظر: الأرقام التالية (3950، 4958، 5360، 5944، 7166).
العلماء، وقال مالك: جلوس القاضي في المسجد للقضاء من الأمر القديم المعمول به
(1)
، وقال ابن حبيب: وكان من مضى من القضاة لا يجلسون إلا في رحاب المسجد خارجا وقال أشهب: لا بأس أن يقضي في بيته أو حيث أحب
(2)
، واستحب بعضهم الرحاب وفي "المعونة": الأولى أن يقضي في المسجد
(3)
، وكان شريح وابن أبي ليلى يقضيان فيه
(4)
، وروي عن سعيد بن المسيب كراهية ذلك، قال: لو كان لي من الأمر شيء ما تركت اثنين يختصمان في المسجد، وعن الشافعي كراهته في المسجد
(5)
، إذا أعده لذلك دون ما إذا أنفقت له حكومة فيه، أو في حديث:"جنبوا مساجدكم رفع أصواتكم وخصوماتكم" ولا يعترض على هذا باللعان؛ لأنها أيمان، ويراد بها الترهيب؛ ليرجع المبطل، وقد ترجم كتاب: الأحكام باب: من قضى ولاعن في المسجد
(6)
، وفيه زيادة على ما في هذا الحديث كما ستعلمه هناك، إن شاء الله، وفيه أن اللعان يكون في المساجد، ويحضره العلماء أو من استخلفه الحاكم، فإن أيمان اللعان تكون في الجوامع؛ لأنها مقاطع الحقوق.
(1)
"المدونة" 4/ 76.
(2)
"المنتقى" 5/ 185.
(3)
"المعونة" 2/ 410.
(4)
"المغني" 14/ 20.
(5)
انظر: "أسنى المطالب" 4/ 298.
(6)
سيأتي برقم (5309) كتاب: الطلاق.
45 - باب إِذَا دَخَلَ بَيْتًا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ، أَوْ حَيْثُ أُمِرَ، وَلَا يَتَجَسَّسُ
.
424 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَقَالَ:"أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟ ". قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. [425، 667، 686، 838، 840، 1186، 4009، 4010، 6423، 6938 - مسلم: 33 - فتح: 1/ 518]
ساق فيه من حديث عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَقَالَ:"أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟ ". قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
ثم قال:
46 - باب المَسَاجِدِ فِي البُيُوتِ
وَصَلَّى البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فِي مَسْجِدِهِ فِيْ دَارِهِ جَمَاعَةً.
425 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْن عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بن الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ -وَهوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ-، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الوَادِي الذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَوَددْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ".
قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ البَيْتَ، ثُمَّ قَالَ:"أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ ".
قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيتِ، فَقَامَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَبر، فَقُمْنَا فَصَفَّنَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سَلَّمَ. قَالَ: وَحَبَسْنَاة عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَة. قَالَ: فَثَابَ فِي البَيتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابن الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُلْ ذَلِكَ، أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ: لَا إله إِلَّا اللهُ؛ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ".
قَالَ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإنَّا نَرى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَة إِلَى الُمنَافِقِينَ. قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إله إِلَّا اللهُ؛ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ".
قَالَ ابن شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ -وَهْوَ أَحَدٌ بَنِي سَالِمٍ، وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ- عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ. [انظر: 424 - مسلم: 33 - فتح: 1/ 519]
ثم ساق بإسناده حديث عتبان بن مالك المذكور مطولا من حديث ابن شهاب، عن محمود بن الربيع عنه.
وهذا الحديث أخرجه البخاري مطولا ومختصرا في عدة مواضع فوق العشر: هنا، وفي الصلاة في باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله
(1)
، وفي باب إذا زار الإمام قوما فأمهم
(2)
، وفي باب يسلم حين يسلم الإمام
(3)
، وفي الباب بعده، من لم يرد السلام على الإمام، واكتفى بتسليم الصلاة
(4)
.
وقال في باب صلاة الضحى في الحضر: قاله عتبان بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
.
وأتى به مطولا في باب صلاة: النوافل في جماعة
(6)
.
وفي المغازي في غير موضع، منها في باب غزوة بدر؛ لشهوده بدرًا، وهو أنصاري
(7)
كما ساقه أيضًا
(8)
.
وفي الأطعمة
(9)
والصُّلح
(10)
والرقاق
(11)
واستتابة المرتدين
(12)
.
(1)
سيأتي برقم (667) كتاب: الأذان.
(2)
سيأتي برقم (686) كتاب: الأذان.
(3)
سيأتي برقم (838) كتاب: الأذان.
(4)
سيأتي برقم (840).
(5)
سيأتي قبل حديث (1178) كتاب: التهجد.
(6)
سيأتي برقم (1186) كتاب: التهجد.
(7)
سيأتي برقم (4009) باب: شهود الملائكة بدرًا. وليس باب: غزوة بدر.
(8)
سيأتي برقم (4010).
(9)
سيأتي برقم (5401) باب: الخَزيرة.
(10)
لم أجده في كتاب الصلح. وانظر: "تحفة الأشراف"(9750).
(11)
سيأتي برقم (6423) باب: العمل الذي يُبتغي به وجه الله.
(12)
سيأتي برقم (6938) باب: ما جاء في المتأوِّلين.
وأخرجه مسلم في الصلاة
(1)
، وبعضه في الإيمان من طريق أنس بن مالك عن عتبان
(2)
، ومن طريق ثابت، عن أنس، عن محمود بن الربيع، عن عتبان، فلقيت عتبان فحدثني به
(3)
.
إذا عرفت ذلك؛ فالكلام عليه من وجوه.
أحدها:
(عتبان) -بكسر العين، ويجوز ضمها- ابن مالك بن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج السالمي، شهد بدرا، وقيل: ابن مالك بن ثعلبة بن العجلان بن عمرو بن العجلان بن زيد بن سالم، مات بالمدينة، في وسط خلافة معاوية
(4)
.
الثاني:
تبويب البخاري: (إذا دخل بيتا يصلي)، كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها: أيصلي بالهمز، وكأنه أحسن؛ لأنه ليس في الحديث أنه يصلي حيث شاء، وإنما فيه أنه صلى حيث أراد عتبان، ويؤيده كما قال ابن بطال وابن التين قوله بعد:(ولا يتجسس)، فكأنه قال: إذا دخل بيتا هل يصلي حيث شاء، أو حيث أمر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم استأذنه في موضع الصلاة، ولم يصل حيث شاء
(5)
.
(1)
مسلم (263/ 33 - 265) كتاب: المساجد، باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر.
(2)
مسلم (33/ 55) باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا.
(3)
مسلم (33/ 54).
(4)
انظر: "الطبقات الكبرى" 3/ 550، "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 271 (794)، "أسد الغابة" 3/ 558 (3535)، "الإصابة" 2/ 452 (5396).
(5)
"شرح ابن بطال" 2/ 76 - 77.
ويحتمل أن يكون أراد به ما في الحديث في الباب بعده من ذكرهم لمالك بن الدخشن وأنه منافق، ورد الشارع عليهم ذلك بقوله:"أليس يشهد أن لا إله إلا الله".
والتجسس: التفتيش عن بواطن الأمور، والبحث عن العورات.
الثالث:
قوله أنه صلى الله عليه وسلم أتاه في منزله: منزله في بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، كما قاله ابن سعد
(1)
.
الرابع:
قوله: ("أين تحب أن أصلي لك من بيتك؟ " قال: فأشرت له إلى مكان).
فيه: إباحة المساجد في البيوت، فإنه لا يخرجه عن ملك صاحبه، والتبرك بمصلى الصالحين، ومساجد الفاضلين، وأن من دعي من الصالحين إلى شيء يتبرك به منه فله أن يجيب إذا أمن الفتنة من العجب
(2)
.
فيه: الائتمام في النافلة، وأن صلاة النهار مثنى؛ لقوله: فصلى ركعتين. قال ابن حبيب: لا بأس أن يقيم النفر النافلة في صلاة الضحى وغيرها، كالرجلين والثلاثة، وإما أن يكون مشتهرا جدًّا،
(1)
"الطبقات الكبرى" 3/ 550.
(2)
ذكر الحافظ هذا القول أيضًا في "الفتح" 1/ 522، وعلق عليه العلامة ابن باز قائلًا: هذا فيه نظر، والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لما جعل الله فيه من البركة، وغيره لا يقاس عليه؛ لما بينهما من الفرق العظيم، ولأن فتح هذا الباب قد يفضي إلى الغلو والشرك كما قد وقع من بعض الناس، نسأل الله العافية. أهـ.
[وتقدم باستفاضة التعليق على هذِه المسألة عند حديث (194)].
ويجتمع له الناس فلا، إلا أن يكون في قيام رمضان؛ لما في ذلك من سنة الصحابة.
وقال ابن قدامة
(1)
: يجوز التطوع في جماعة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بحذيفة مرة
(2)
، وبابن عباس مرة
(3)
، وبأنس وأمه واليتيم
(4)
، وأم في بيت عتبان مرة
(5)
، وفي ليالي رمضان ثلاثا
(6)
.
السادس:
قوله: (أنه أتى رسول الله). وجاء في بعض طرقه: أنه لقيه
(7)
، وفي أخرى: أنه بعث إليه
(8)
فيجوز أنه بعث إليه أولًا ثم توجه إليه فلقيه.
وقوله: (أنكرت بصري)، وفي رواية: أنه عمي
(9)
، وفي أخرى: ضرير البصر
(10)
، وفي أخرى: أصابني في بصري بعض الشيء
(11)
، فيجوز أن يكون أراد بالإنكار والإصابة العمى، وهو ذهاب البصر
(1)
"المغني" 2/ 567.
(2)
رواه مسلم (772) كتاب: صلاة المسافرين.
(3)
سيأتي برقم (117) كتاب: العلم، باب: السمر في العلم، ورواه مسلم (763) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
(4)
سبق برقم (380) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الحصير، ورواه مسلم (658) كتاب: المساجد، باب: جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات.
(5)
حديث الباب.
(6)
سيأتي من حديث عائشة رقم (729) كتاب: الأذان، باب: إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة، ورواه مسلم (761) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح.
(7)
لم أقف على هذِه الرواية "صحيح مسلم"(33/ 54) أن محمود بن الربيع لقي عتبان بن مالك فحدثه به.
(8)
مسلم (4/ 533 - 55).
(9)
مسلم (33/ 55).
(10)
سيأتي برقم (667).
(11)
مسلم (33/ 54).
كله، ويجوز أن يكون ذهب معظمه، وسماه عمى لقربه منه، ومشاركته إياه في فوات بعض كان حاصلا حال السلامة.
السابع:
قوله: (فقمنا فصففنا) في الحديث أن الصديق جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم.
والظاهر أنه صلى خلفه هو وعتبان، وفي الطبراني أن عمر جاء أيضا معه
(1)
، وفي أخرى: فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن شاء من أصحابه
(2)
.
وظاهر قوله: (فصففنا) تقدم الإمام عليهما، وهو مذهب الجمهور
(3)
، وخالف ابن مسعود فقال: يقف بينهما
(4)
.
الثامن:
قوله: (لم أستطع أن آتي مسجدهم) كذا جاء في "الصحيح"، وفي الطبراني من طريق أبي بكر بن أنس بن مالك: إني لا أستطيع أن أصلي معك في مسجدك
(5)
. ولا تنافي بينهما، وصلاته في نفله؛ للتبرك كما سلف، وليتحقق عذره، وإن مثله لا يقدر على الوصول لعماه والسيول؛ فأبيح له التخلف عن الجماعة.
(1)
"المعجم الكبير" 18/ 31 (52، 53).
(2)
مسلم (33/ 54).
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 145، "بلغة السالك" 1/ 441، "المجموع" 4/ 190 - 191، "طرح التثريب" 2/ 328، "المغني" 3/ 52 - 53.
(4)
رواه مسلم (534) كتاب: المساجد، باب: الندب إلى وضع الأيدي على الرُّكب في الركوع ونسخ التطبيق. ولفظه: (عن الأسود وعلقمة، قالا: أتينا عبد الله بن مسعود في داره، فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا: لا. قال: فقوموا فصلوا. فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة، قال: وذهبنا لنقوم خلفه فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله .. ) الحديث.
(5)
"المعجم الكبير" 27/ 18 (46).
قال أبو عبد الله بن أبي صفرة: ترك السنن للمشقة رخصة، ومن شاء أن يأخذ بالشدة أخذ كما خرج الشارع مهادى بين رجلين للصلاة
(1)
.
التاسع:
قوله: (وودِدت). هو بكسر الدال، وحكى القزاز عن الكسائي فتحها، وانفرد بها، ومعناه: تمنيت
(2)
.
وقوله: "سأفعل إن شاء الله". فيه: التبرك بذلك للآية.
وفيه: إجابة الفاضل دعوة المفضول.
وفيه: الوفاء بالوعد، وإكرامه بالطعام وشبهه، واستصحاب الإمام والعالم، ونحوهما بعض أصحابه لمن يعلم أنه لا يكره ذلك.
العاشر:
قوله: (فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له) فيه: الاستئذان على الرجل في منزله، وإن كان صاحبه قد تقدم منه استدعاء.
الحادي عشر:
قوله: (فلم يجلس حتى دخل البيت) كذا وقع في بعض النسخ، وفي بعضها:(حين)
(3)
؛ وكلاهما صحيح، كما قال القاضي: وصوب
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 77.
(2)
قال الجوهري: تقول: وَدِدْت لو تفعل ذاك، وَوَدِدْت لو أنك تفعل ذاك، أودُّ وَدًّا ووُدًّا ووَدَادَة ووَدادًا. أى: تمنَّيت.
قال الزجاج: قد علمنا أن الكسائي لم يحكِ وَدَدْت إلا وقد سمعه، ولكنه سمعه ممن لا يكون حُجَّة. انظر:"تهذيب اللغة" 4/ 3857، "الصحاح" 2/ 549، "لسان العرب" 8/ 4793 - 4794، مادة:(ودد).
(3)
وهي رواية الأصيلي وأبي ذرّ الهروي وابن عساكر وأبي الوقت، انظر:"اليونينية" 1/ 93.
بعضهم الثاني، قال عياض: بل الصواب الأول كما ثبت في الروايات، ومعناه: لم يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت، مبادرًا إلى قضاء حاجتي التي طلبتها، وجاء بسببها وهي الصلاة في بيتي
(1)
.
وهذا خلاف ما فعل في حديث أم سليم
(2)
؛ حيث صلى بعد الأكل؛ لأنه دعي إلى الطعام هناك فبادر به، وهنا إلى الصلاة فبدأ في كل منهما بما دعي إليه.
الثاني عشر:
الخزيرة -بخاء معجمة، ثم زاي ثم مثناة تحت، ثم راء ثم هاء- وفي موضع آخر خزير بحذفها، قال ابن سيده: هي اللحم الغابَّ
(3)
يؤخذ فيقطع صغارا ثم يطبخ بالماء والملح، فإذا أميت طبخا ذر عليه الدقيق، يعصد به، ثم أدم بأي إدام شِيء، ولا تكون الخزيرة إلا وفيها لحم، وقيل: الخزير: مرقة تصفي بلالة النخالة ثم تطبخ، وقيل: الخزيرة، والخزير: الحساء من الدسم والدقيق
(4)
.
وقال في "المخصص ": يكون ماء اللحم كثيرًا، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة
(5)
.
وعن الفارسي: أكثر هذا الباب على فعيلة؛ لأنه في معنى مفعول، وفي "التهذيب": عن أبي الهيثم: إذا كانت من دقيق فهي حريرة، وإن
(1)
"إكمال المعلم" 2/ 631.
(2)
سبق برقم (380) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الحصير، ورواه مسلم (658) كتاب: المساجد، باب: جواز الجماعة في النافلة .. من حديث أنس.
(3)
في هامش (س) ما نصه: يقال: أغبَّ اللحم وغب، أي: أنتن.
(4)
"المحكم" 5/ 59، مادة (خزر).
(5)
"المخصص" 1/ 428.
كانت من نخالة فهي خزيرة
(1)
.
وفي "الجمهرة" الخزير: دقيق يلبك بشحم، كانت العرب تعير بني مجاشع بأكله، قال: والخزيرة السخينة
(2)
.
وفي "صحيح البخاري": قال النضر: الخزيرة من النخالة، والحريرة -بالحاء المهملة- من اللبن
(3)
.
الثالث عشر:
قوله: (فثاب في البيت رجال من أهل الدار). هو بثاء مثلثة، ثم ألف، ثم باء موحدة، أي: اجتمعوا وجاءوا، قاله عياض
(4)
، وقال ابن سيده: ثاب الشيء ثوبا، و (ثُوبًا)
(5)
: رجع، وثاب جسمه ثوبانا: أقبل
(6)
. والمراد بالدار: المحلة والقبيلة، وإنما جاءوا لقدوم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم.
الرابع عشر:
مالك بن الدُّخَيْش، أو ابن الدخشن: هو بخاء وشين معجمتين، وهو مالك بن الدخشم، بضم الدال والشين، ويقال: بالنون. ويقال: دخشن بكسر الدال والشين، ويقال مصغرًا، كما في "الكتاب"، ولم يختلف في شهوده بدرًا كما قاله أبو عمر وغيره
(7)
.
(1)
لم أجده منسوبًا لأبي الهيثم، وانما وجدته منسوبًا لـ (شمر) في "التهذيب" 1/ 781، مادة: حرر وانظر: "لسان العرب" 2/ 1148، مادة: خزر.
(2)
"الجمهرة" 1/ 583، مادة: خزر.
(3)
قبل حديث (5401) كتاب: الأطعمة، باب: الخزيرة.
(4)
في "مشارق الأنوار" 1/ 135.
(5)
في "المحكم" ثُؤُوبًا.
(6)
"المحكم" 11/ 193.
(7)
"الاستيعاب" 3/ 406 (2292)، "أسد الغابة" 5/ 22 (4585)، "الإصابة" 3/ 343 (7624).
واختلف في شهوده العقبة، وهو الذي أسر يوم بدر سهيل بن عمرو، وقوله (فقال بعضهم: ذلك منافق). ذكر أبو عمر أن قائله عتبان بن مالك
(1)
، لكن قد نص الشارع على إيمانه باطنًا، وبراءته من النفاق بهذا الحديث، وروي قتادة عن أنس قال: ذكر مالك بن الدخشم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تسبوا أصحابي"
(2)
.
قال ابن عبد البر: ولا يصح عنه النفاق، وقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه
(3)
.
الخامس عشر:
قوله: ("قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله") وفي آخره .. "فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله".
فيه: رد على غلاة المرجئة القائلين بأنه يكفي في الإيمان النطق فقط من غير اعتقاد.
فإن قلت: كيف يجمع بين قوله: "حرم على النار"، وبين تعذيب الموحدين.
فالجواب أنه قد ذكر في هذا الحديث عن الزهري أنه قال: نزلت بعد ذلك فرائض وأمور يرى أن الأمر انتهى إليها، كما أخرجه
(1)
"الاستيعاب" 3/ 406.
(2)
روه البزار كما في "كشف الأستار"(2779).
وذكره الهيثمي 10/ 21، وقال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح. والحديث رواه البخاري (3673)، ومسلم (2541) بلفظ:"لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه". دون ذكر قصة مالك بن الدخشم.
(3)
"الاستيعاب" 3/ 406 (2292).
مسلم
(1)
، وعند الطبراني أنه من كلام (عتبان)
(2)
.
واعترض ابن الجوزي وقال: إنه لا يشفي؛ لأن الصلوات الخمس فرضت بمكة قبل هذِه القضية بمدة. وظاهر الحديث يقتضي أن مجرد القول يرفع العذاب ولو ترك الصلاة، وإنما الجواب أن من قالها مخلصا فإنه لا يترك العمل بالفرائض، إذ إخلاص القول حامل على رد اللازم أو أنه يحرم عليه خلوده فيها.
وقال ابن التين: معناه إذا غفر له ويقبل منه، أو يكون أراد نار الكافرين؛ فإنها محرمة على المؤمنين، فإنها كما قال الداودي: سبعة أدراك، والمنافقون في الدرك الأسفل مع إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه.
السادس عشر:
قوله: (سألت الحصين بن محمد) زعم القابسي وغيره أنه بضاد معجمة، ووهم، فإنه لا يعرف بذلك إلا حضين بن المنذر
(3)
، ومن
(1)
مسلم (33/ 264) في المساجد، باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر.
(2)
تحرفت في الأصل إلى (عثمان).
(3)
هو حضين بن المنذر بن الحارث بن وَعْلة الرَّقاشيّ، أبو ساسان البصري، كنيته أبو محمد وأبو ساسان.
قال العجلي: تابعي، ثقة، وقال أيضًا: كان على راية على يوم صفين.
قال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: صدوق.
قال أبو نصر بن ماكولا: حضين بن المنذر أحد بني رقاش، شاعر فارس، وابنه يحيى بن حضين سمع أباه.
قال المزي: ولا أعرف من يُسمى حُضَيْنًا بالضاد غيره وغير من ينسب إليه من ولده.
وقال ابن منجويه: مات سنة سبع وتسعين. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. انظر: "معرفة الثقات" 1/ 307 (323)، "الإكمال" لابن ماكولا 2/ 481، "تهذيب الكمال" 6/ 555 (1382).
عداه بالمهملة، وحصين
(1)
هذا ذكره ابن حبان في "ثقاته"
(2)
، وروى له البخاري ومسلم، وأما ذاك فروى له مسلم.
السابع عشر:
قوله: (وهو من سراتهم) أي: رفعائهم، وهو بفتح السين
(3)
.
الثامن عشر:
في فوائد الحديث متفرقة غير ما سلف.
فيه: جواز الكلام بحضرة المصلين ما لم يشغلهم، وأنه لا بأس بالصلاة في موضع معين، والنهي عن إيطان موضع من المسجد يحمل على الرياء والسمعة.
وفيه: الرد على من قال: إذا زار قوما فلا يؤمهم، وقد ترجم البخاري عليه كما أسلفناه: إذا زار الإمام قومًا فأمهم، ولا بأس بإمامة الزائر بإذن رَبِّ المنزل عند أكثر أهل العلم فيما حكاه أبو البركات بن تيمية
(4)
.
قال ابن بطال هناك: وفيه رد لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من زار قوما فلا يؤمهم" رواه وكيع عن أبان بن يزيد العطار، عن بديل بن
(1)
هو حصين بن محمد الأنصاري السالمي المدني، وكان من سراتهم.
ذكره ابن حبان في "الثقات"، روى له البخاري ومسلم والنسائي في "عمل اليوم والليلة" حديثًا واحدًا. انظر:"التاريخ الكبير" 3/ 7 (23)، "الجرح والتعديل" 3/ 196 (850)، "الثقات" 4/ 159، "تهذيب الكمال" 6/ 539 (1371).
(2)
انظر: التخريج السابق.
(3)
السراة: جمع السري، وسراة كل شيء أعلاه، سراة الفرس: أعلى ظهره ووسطه، سراة النهار: وسطه وارتفاعه. انظر: "الصحاح" 6/ 2375 - 2376، "لسان العرب" 4/ 2002، مادة (سري).
(4)
"منتقى الأخبار" مع نيل الأوطار 2/ 392.
ميسرة، عن أبي عطية
(1)
، (عن)
(2)
رجل منهم قال: كان مالك بن الحويرث يأتينا في مصلانا هذا؛ فحضرت الصلاة فقلنا له: تقدم، فقال: لا، ليتقدم بعضكم حتى أحدثكم لما لا أتقدم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم"
(3)
، وهذا إسناده ليس بقائم، أبو عطية مجهول، يرويه عن مجهول، وصلاته صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان مخالف له.
قلت: الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه
(4)
والترمذي، وقال: حسن، وأسقط أبو داود والترمذي وابن ماجه الرجل، وقالوا: عن
(1)
أبو عطية: مولى لبني عُقَيْل.
قال أبو حاتم: لا يُعرف ولا يُسمَّي. قال الذهبي: لا يدري من هو. قال ابن المديني: لا يعرفونه. وقال أيضًا: قال أبو الحسن القطان: مجهول.
وصحح ابن خزيمة حديثه. وقال الحافظ: مقبول. روى له أبو داود والترمذي والنسائي.
انظر: "الجرح والتعديل" 9/ 414 (2019)، "تهذيب الكمال" 34/ 92 - 94 (7517)، "ميزان الاعتدال" 6/ 227 (10425)، "تهذيب التهذيب" 4/ 557 - 558، "تقريب التهذيب"(8255).
(2)
كذا في ابن بطال، وانظر التعليق بعد تمام التخريج.
(3)
رواه بهذا الإسناد الترمذي (356)، وقال: حسن صحيح. وأحمد 5/ 53، وابن خزيمة 3/ 12 (1520) عن أبي عطية رجل منهم، قال: كان مالك
…
فذكره. ورواه من طرق أخرى عن أبان به أبو داود (596)، والنسائي 2/ 80، وأحمد 3/ 436 - 437، 5/ 53، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 181 (924 - 925)، والطبراني 19/ (632)، والبيهقي 3/ 126، والمزي في "تهذيبه" 34/ 93، كلهم عن عطية رجل منهم أو مولى منا عن مالك بن الحويرث، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(609).
(4)
كذا رمز الناسخ لابن ماجه، ولم نجده فيه، لكنه مروي عند النسائي، انظر: تخريج الحديث السابق.
أبي عطية، قال: كان مالك .. الحديث
(1)
.
ويمكن الجمع بينهما بأن ذلك على الإعلام بأن صاحب الدار أولى بالإمامة إلا أن يشاء رب الدار، فيقدم من هو أفضل منه استحبابا، بدليل تقديم عتبان في بيته الشارع.
وقد قال مالك: يستحب لصاحب المنزل إذا حضر فيه من هو أفضل منه أن يقدمه للصلاة، ولا خلاف عند العلماء أن صاحب الدار أولى منه، وقد روي عن أبي موسى أنه أَمَّ ابن مسعود وحذيفة في داره
(2)
، وفعله ابن عمر بمولى فصلى خلفه
(3)
.
وقال عطاء: صاحب الدار يؤم من جاءه
(4)
. وهو قول مالك والشافعي
(5)
. قال ابن بطال: ولم أجد فيه خلافا
(6)
.
وفيه: أيضا جواز إمامة الزائر المزور برضاه، وإن من عيب بما يظهر منه لا يكون عيبه.
وقد أسلفنا أن من تراجم البخاري على هذا الحديث باب من لم يرد السلام على الإمام، واكتفى بتسليم الصلاة.
قال ابن بطال: أظن أن البخاري أراد بهذا الباب الرد على من أوجب التسليمة الثانية، ولا أعلم قال ذلك إلا الحسن بن صالح، وحكى الأصيلي في "الدلائل" أنه قول أحمد بن حنبل
(7)
.
(1)
يشير المصنف إلى الإقحام الذي وقع في أصول "شرح ابن بطال"، وبعد تقضينا تخريج الحديث تبين لنا ذلك، فيكون ما وقع هناك خطأ محضًا.
(2)
رواه عبد الرزاق 2/ 392 (3821).
(3)
رواه البيهقي 3/ 126.
(4)
رواه عبد الرزاق 2/ 391 (3816).
(5)
"شرح ابن بطال" 2/ 307 - 308.
(6)
السابق.
(7)
السابق 2/ 456.
قال ابن المنذر: وأجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة
(1)
.
وقال مالك في "المجموعة" كما يدخل في الصلاة بتكبيرة واحدة كذلك يخرج منها بتسليمة واحدة، وعلى ذلك كان الأمر في القديم، وإنما حديث تسليمتان مذ كان بنو هاشم
(2)
.
قال ابن بطال: ووجه الدلالة من حديث عتبان أنه قال: (وسلمنا حين سلم) فإنه يقتضي أقل ما يقع عليه اسم سلام، وذلك تسليمة واحدة، وممن كان لا يرد على الإمام؛ روى جرير بن حازم، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا سلم الإمام قال: السلام عليكم، لم يزد عليها إلا أن يسلم أحد على يمينه وشماله يرد عليه. أخرجه حماد بن سلمة في "مصنفه"
(3)
.
وقال ابن المنذر: قال عمار بن أبي عمار كان مسجد المهاجرين يسلمون تسليمة واحدة، وكان مسجد الأنصار يسلمون تسليمتين
(4)
؛ فالمهاجرون لم يكونوا يردون على الإمام.
وفيها قول بأن روى النخعي قال: لا أعلم عليه بأسا إن رد وإن لم يرد
(5)
.
وممن كان يرى أن يرد على الإمام، ذكر ابن أبي شيبة عن ابن عمر
(1)
"الإجماع" ص 43.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 455 - 456.
(3)
"النوادر والزيادات" 1/ 189.
(4)
"الأوسط" 3/ 223.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 273 (3131) بلفظ: عن الحسن بن عبيد الله قال: قلت لإبراهيم: إن ذرًا إذا سلم الإمام رد عليه. قال: يجزئه أن يسلم عن يمينه وعن يساره.
أنه كان يرد السلام
(1)
، وهو قول الشعبي
(2)
، وسالم
(3)
، وسعيد بن المسيب
(4)
، وعطاء
(5)
.
وقال مالك في "المدونة": يسلم المأموم عن يمينه، ثم يرد على الإمام فإن كان عن يساره أحد رد عليه
(6)
.
وقد كان من قول مالك في المأموم يسلم عن يمينه، ثم عن يساره، ثم يرد على الإمام. ومن قال بالرد على الإمام تأول في ذلك أن الإمام سلم عليهم، فلزمهم الرد عليه، كسائر السلام. ومن قال بالتسليمتين من أهل الكوفة يجعلون التسليمة الثانية ردا على الإمام وهو عندهم سنة، والأولى هي الفريضة التي بها يخرج من الصلاة
(7)
.
وفيه أيضًا: التنبيه على أهل الفسق والنفاق عند السلطان، وأن السلطان يجب أن يستثبت في أمر من يذكر عنده بفسق ويوجه له أجمل الوجوه، وأن الجماعة إذا اجتمعت للصلاة، وغاب أحد منهم أن يسألوا عنه، فإن كان له عذر، وإلا ظن به السوء، وهو مفسر إلى قوله:"لقد هممت أن آمر بالصلاة .. " الحديث
(8)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 273 (3131).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 273 (3132).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 273 (3133).
(4)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 273 (3136).
(5)
رواه عبد الرزاق 2/ 223 - 224 (3148 - 3150).
(6)
لم أجده في "المدونة"، ونقله ابن أبي زيد في "النوادر" 1/ 189.
(7)
"شرح ابن بطال" 2/ 455 - 456.
(8)
سيأتي من حديث أبي هريرة برقم (644) كتاب: الأذان، باب: وجوب صلاة الجماعة. ورواه مسلم (651) كتاب: المساجد، باب: فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها.
47 - باب التَّيَمُّنِ فِي دُخُولِ المَسْجِدِ وَغَيِرْهِ
وَكَانَ ابن عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ اليُمْنَى، فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ اليُسْرى.
426 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأشعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ. [انظر: 168 - مسلم: 268 - فتح: 1/ 523]
ثم ساق حديث عائشة رضي الله عنها: كَانَ النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ.
وهذا الحديث سلف الكلام عليه في الطهارة
(1)
.
(1)
حديث رقم (168) باب: التيمن في الوضوء والغسل.
48 - باب هَل تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانَهَا مَسَاجِدَ
؟
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". [انظر 435] وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي القُبُورِ. وَرَأى عُمَرُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: القَبْرَ القَبْرَ. وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ.
427 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الُمثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالَحْبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ". [434، 1341 - مسلم 528 - فتح: 1/ 523]
428 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الَمدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الَمدِينَةِ، فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كَأنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكرٍ رِدْفُهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى ألقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وُيصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الَمسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ:"يَا بَنِي النَجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هذا". قَالُوا: لَا والله، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ. فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، قُبُورُ الُمشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ الُمشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالخرِبِ فَسُوِّيتْ، وِبالنَّخلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الَمسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الِحجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم معَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
"اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالُمْهَاجِرَهْ". [انظر: 234 - مسلم: 524 - فتح: 1/ 524]
أما ما ترجمه أولا من نبش قبورهم واتخاذ مكانها مسجدا، فحديث أنس مطابق له الذي ذكره بعد حيث أمر بقبور المشركين فنبشت وجعل مكانها المسجد
(1)
.
وأما ما ترجمه ثانيا من قوله: (وما يكره من الصلاة في القبور) فحديث عائشة عن أم سلمة وأم حبيبة
(2)
، مطابق له
(3)
.
وحديث: "لعن الله اليهود" سيأتي مسندًا في الجنائز
(4)
وآخر المغازي
(5)
من حديث عائشة، وأن ذلك كان في مرضه الذي لم يقم منه، ويأتي قريبًا في باب بعد الصلاة في البيعة من حديثها وابن عباس
(6)
، وذلك آخر ما تكلم به:"قاتل الله اليهود .. " إلى آخره
(7)
.
وذكره قريبا من حديث أبي هريرة: "قاتل الله اليهود .. " إلى آخره
(8)
.
(1)
سيأتي برقم (428).
(2)
ورد بهامش (س): الحديث من مسند عائشة.
(3)
رقم (427).
(4)
سيأتي برقم (1390) باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
(5)
سيأتي برقم (4441) باب: فرض النبي صلى الله عليه وسلم.
(6)
سيأتي برقم (435 - 436).
(7)
سيأتي برقم (437).
(8)
رواه أحمد 5/ 185، 186، والطبراني 5/ 150 (4907). ورواه بلفظ:(قاتل الله اليهود .. "، أحمد 5/ 185، 186، وعبد بن حميد 1/ 235 (244).
هذا الحديث في سنده عقبة بن عبد الرحمن بن أبي معمر، ويقال: ابن معمر، حجازي، روى له ابن ماجه، ذكره ابن حبان في "الثقات" 7/ 244. وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 3/ 125: سئل علي بن المديني عن عقبة بن عبد الرحمن فقال: شيخ مجهول. وقال أيضًا: قال ابن عبد البر: عقبة هذا غير مشهور بحمل العلم. =
وأخرجه من حديث زيد بن ثابت موفرعًا: "لعن الله اليهود .. " إلى آخره.
وهو يوافق رواية البخاري إذ فيها ذكر اليهود خاصة، وذكر شيخنا قطب الدين في "شرحه" أن بعض الفضلاء في الدرس قال: إن وجه المناسبة بين قوله: هل تنبش قبور المشركين ويتخذ مكانها مسجدا، وبين قوله:"لعن الله اليهود"، وأن البخاري أراد بقوله:(هل تنبش؟) الاستفهام ثم ذكر حديث أنس بعده، فكأنه قال: وهل يتخذ مكانها مسجدا؟ لقوله: "لعن الله اليهود"، فيكون التعليل لقوله؟ (ويتخذ مكانها مسجدًا).
ثم قال البخاري: وَرَأى عُمَرُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: القَبْرَ القَبْرَ. وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ.
وهذا الأثر رواه وكيع بن الجراح في "مصنفه" -فيما حكاه ابن
= وقال الذهبي في "الميزان" 4/ 6 (5691): لا يُعرف. وقال الحافظ في "التقريب"(4643): مجهول.
وذكره الهيثمي 2/ 27، وقال: رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله موثقون. وجوَّد إسناده الشوكاني في "نيل الأوطار" 2/ 136.
وضعف إسناده الألباني في "تحذير الساجد" ص 19 وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات غير عقبة بن عبد الرحمن، هو ابن أبي معمر، وهو مجهول كما في "التقريب"، ولا تغتر بقول الهيثمي:(رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال موثقون) وما فعل الشوكاني: (وسنده جيد) وذلك؛ لأن قوله: (موثقون) دون قوله: (ثقات) فإن قولهم: (موثقون) إشارة منهم إلى أن بعض رواته ليس توثيقه قويًّا، وأن توثيق ابن حبان غير موثوق به والله أعلم. وكون توثيق ابن حبان لا يوثق به مما لا يرتاب فيه المتضلعون في هذا العلم الشريف .. على أن قول القائل في حديث ما:(رجاله ثقات) أو: (رجاله رجال الصحيح) فليس معناه أن إسناده صحيح كما بينته في غير هذا الموضع، لكن الحديث صحيح لشواهده.
حزم- عن سفيان بن سعيد، عن حميد، عن أنس قال: رآني عمر أصلي إلى قبر فنهاني، وقال: القبر أمامك. قال: وعن معمر، عن ثابت، عن أنس قال: رآني عمر أصلي عند قبر فقال لي: القبر لا تصل إليه، قال ثابت: فكان أنس يأخذ بيدي إذا أراد أن يصلي فيتنحى عن القبور
(1)
.
ورواه أبو نعيم في كتاب الصلاة عن حريث بن السائب قال: سمعت الحسن يقول: بينما أنس يصلي إلى قبر فناداه عمر: القبر! القبر! فظن أنه يعني القمر، فلما رأى أنه يعني القبر تقدم وصلى وجاز القبرَ، وسيأتي الكلام على الصلاة في المقابر، حيث ذكره المصنف قريبًا.
ولما لم يأمر أنسا بالإعادة دل على الإجزاء، وإليه ذهب جمع فقالوا: النهي محمول على الكراهة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورًا"
(2)
وقيل: يحمل النهي على مقابر المشركين؛ لأنها حفرة من حفر النار، وقد صلى الشارع على قبر سوداء.
ثم ذكر البخاري بعد ذلك حديث عائشة وأنس.
أما حديث عائشة فأسنده عن مُحَمَّدِ بْنِ المُثَنّى، ثنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ؛ أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ".
(1)
"المحلى" 4/ 31. ورواه ابن أبي شيبة 2/ 155 (7575)، من طريق وكيع بن الجراح، ورواه البيهقي 2/ 435 مطولًا من طريق مروان بن معاوية، عن حميد به.
(2)
جزء من حديث جابر سلف برقم (335) كتاب: التيمم، ورواه مسلم (521) كتاب: المساجد ومواضع الصلاة.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه أيضا في هجرة الحبشة، بالسند والمتن
(1)
، وفي الصلاة في البيعة، كما ستعلمه قريبا، وأنه يقال للكنيسة:(مارية)
(2)
(3)
، وأخرجه مسلم في الصلاة
(4)
.
ويحيى هو ابن سعيد القطان، وتابعه وكيع وجماعات
(5)
، وممن رواه عن يحيى أحمد
(6)
.
ثانيها:
اسم أم حبيبة رملة، وأم سلمة هند على المشهور فيهما، وقيل: اسم أم سلمة: رملة أيضًا.
ثالثها:
(المسجد) بفتح الجيم وكسرها: الموضع الذي يسجد فيه، وقيل: بالفتح: موضع السجود، وبالكسر المكان، وقيل: بالفتح مطلقا
(7)
.
و (الكنيسة): متعبد النصارى، وقد سلف أن اسمها مارية.
و (المارية) بتخفيف الياء: البقرة، وبتشديدها: الملساء
(8)
.
(1)
سيأتي برقم (3873) كتاب: مناقب الأنصار.
(2)
في (س) فوقها كلمة غير واضحة لعلها: (قصر)، فيكون المعنى:(قصر مارية).
(3)
سيأتي برقم (434).
(4)
مسلم (528) كتاب: المساجد، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد.
(5)
مسلم (528/ 17 - 18).
(6)
أحمد 6/ 51.
(7)
انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1630، "لسان العرب" 4/ 1940، مادة: سجد.
(8)
انظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3384، "الصحاح" 6/ 2492، "لسان العرب" 7/ 4190. مادة: مري.
رابعها:
فيه: دلالة على تحريم تصوير الحيوان خصوصا الآدمي الصالح، ومن حمل النهي على المسجد
(1)
القائم، أو على التنزيه فهو غالط، كما أوضحته في "شرح العمدة"
(2)
، وإنما صور أولئك ليتذكروا أفعالهم لهم إذا رأوهم فخلف من بعدهم خلف جهلوا ذلك فعظموها، فحذر الشارع عن مثل ذلك سدًّا للذرائع في غيره.
خامسها:
فيه: أيضا منع بناء المساجد على القبور ومقتضاه التحريم، كيف ثبت اللعن عليه، وقوله:"اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد"
(3)
، استجاب الله دعاءه فله الحمد والمنة، وأما الشافعي والأصحاب
(1)
في (س) تعليق: لعله (المشخص). [قلت: وفي "الإعلام" للمصنف: المجسد].
(2)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 4/ 489 - 490.
(3)
رواه من حديث أبي هريرة أحمد 2/ 246، وابن سعد في "طبقاته" 2/ 241 - 242، والحميدي 2/ 224 (1055)، وابن عبد البر في "التمهيد" 5/ 44. ورواه من حديث زيد بن أسلم مرسلًا عبد الرزاق 1/ 406 (1587)، وابن أبي شيبة 2/ 152 (7543) و 3/ 32 (11818). ورواه من حديث عطاء بن يسار- بلفظ المصنف- مالك 124 مرسلًا. ووصله من حديث أبي سعيد الخدري البزار كما في "كشف الأستار" 1/ 220 (440) وابن عبد البر في "التمهيد" 5/ 42 - 43.
وذكره الهيثمي في "المجمع" 4/ 3 من حديث أبي هريرة، وعزاه لأبي يعلى، وقال: فيه إسحاق بن أبي إسرائيل، وفيه كلام لوقفه في القرآن، وبقية رجاله ثقات.
وصححه الألباني من حديث أبي هريرة لأحمد في "الثمر المستطاب" 1/ 361، وقال معلقًا على قول الهيثمي في إسحاق بن أبي إسرائيل: هو ثقة، وقد وثّقه ابن معين وأحمد وغيرهما، والكلام المذكور لا يضره من حيث الرواية، على أن الهيثمي قد ذهل عن كون الحديث في "المسند" من غير هذِه الطريق كما رأيت، فسبحان من لا يسهو ولا ينسى.
فصرحوا بالكراهة
(1)
، قال البندنيجي: والمراد أن يسوى القبر مسجدًا فيصلى فوقه.
وقال: إنه يكره أن يبني عنده مسجدا فيصلى فيه إلى القبر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" أخرجه مسلم
(2)
.
قال ابن القاسم: وكره مالك المساجد المتخذة على القبور، وأما مقبرة داثرة بني فيها مسجد يصلى فيه فلم أر به بأسا؛ لأن المقابر وقف، وكذا المسجد فمعناهما واحد
(3)
.
سادسها:
قوله: ("وصوروا فيه تيك الصور") هو بالياء في تيك اسم يشار به إلى المؤنث مثل ذا للمذكر.
وقوله: ("شرار الخلق") هو جمع شر مثل بحر وبحار، أما أشرار فقال يونس: واحدها شر أيضا مثل: زند وأزناد، وقال الأخفش: شرير، يتيم وأيتام
(4)
.
وأما حديث أنس فاسنده عن مُسَدَّدٍ، ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى المَدِينَةِ، فِي حَيٍّ .. الحديث بطوله.
(1)
انظر: "الأم" 1/ 246، "المجموع" 3/ 164 - 165، 5/ 288 - 289.
(2)
مسلم (972) كتاب: الجنائز، باب: النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه من حديث أبي مرثد الغنوي.
(3)
انظر: "المنتقى"1/ 307.
(4)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: بلغ في الحادي بعد الستين كتبه مؤلفه.
والكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في باب الهجرة
(1)
والوصايا في موضعين منه
(2)
، والحج
(3)
، والبيوع في باب صاحب السلعة أحق بها
(4)
، والوقف
(5)
.
وأخرجه مسلم في الصلاة
(6)
، ووقع في "أطراف المزي" عن خلف أن مسلما رواه أيضا في الهجرة عن إسحاق بن منصور، عن عبد الصمد، وصوابه: البخاري
(7)
.
ثانيها:
قوله: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة). اختلف الناس في وقت قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة، فذكر ابن إسحاق وغيره أنه خرج إلى المدينة لإهلال ربيع الأول، وقدم المدينة لثنتي عشرة ليلة مضت منه.
وقال عبد الرحمن بن المغيرة: قدمها يوم الإثنين لثمان خلون منه.
(1)
سيأتي برقم (3932) كتاب: مناقب الأنصار، باب: مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة.
(2)
سيأتي برقم (2771) باب: إذا أوقف جماعة أرضًا مشاعًا فهو جائز، وبرقم (2779) باب: إذا قال الواقف: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فهو جائز.
(3)
سيأتي برقم (1868) فضائل المدينة، باب: حرم المدينة.
(4)
سيأتي برقم (2106) كتاب: البيوع، باب: صاحب السلعة أحق بالسوم.
(5)
سيأتي برقم (2774) كتاب: الوصايا، باب: وقف الأرض للمسجد.
(6)
مسلم (524) كتاب: المساجد، باب: ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
(7)
"تحفة الأشراف"(1691)، وعلل المزي ذلك بقوله: لأنه ليس عنده كتاب الهجرة.
وقال ابن الكلبي: خرج من الغار ليلة الإثنين أول يوم من ربيع الأول، وقدم المدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة مضت منه
(1)
وقيل: قدمها لليلتين خلتا من ربيع الأول حكاه ابن الجوزي.
وقال الحاكم في "الإكليل": تواترت الأخبار بوروده صلى الله عليه وسلم قباء يوم الإثنين لثمان خلون من ربيع الأول، وفي "طبقات ابن سعد": أنه صلى الله عليه وسلم خرج من الغار ليلة الإثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول، فقال يوم الثلاثاء بقديد، وقدم على بني عمرو بن عوف لليليتين خلتا من ربيع الأول -ويقال: لاثنتي عشرة ليلة خلت منه- فنزل على قيس كلثوم
(2)
الهدم -وهو الثبت عندنا- ولكنه كان يتحدث مع أصحابه في منزل سعد بن خيثمة، وكان يسمى منزل العزاب، فلذلك قيل: نزل على سعد بن خيثمة
(3)
.
قالوا: وأقام ببني عمرو بن عوف يوم الإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وخرج يوم الجمعة فجمع -يعني: ببني سالم- ومعه مائة، وهو على القصواء، لا يمر بدار من دور الأنصار إلا قالوا: هلم يا نبي الله إلى القوة والمنعة والثروة، فيقول له خيرا، ويدعو لهم، ويقول:"إنها مأمورة فخلوا سبيلها"، فلما بركت عند مسجده جعل الناس يكلمونه في النزول عليهم
(4)
.
وجاء أبو أيوب فحط رحله، فأدخله منزله، قال صلى الله عليه وسلم: "المرء مع
(1)
انظر هذِه الأقوال الماضية في "الروض الأنف" 2/ 244.
(2)
ورد بهامش (س): من خط الشيخ: كانت عشرًا يومئذٍ، قاله النيسابوري في "شرف المصطفى".
(3)
"الطبقات الكبرى" 1/ 232 - 233.
(4)
السابق 1/ 237.
رحله". وجاءه أسعد بن زرارة، فأخذ بزمام راحلته فكانت عنده، وهذا الثبت
(1)
.
وأقام بمنزل أبي أيوب سبعة أشهر، وكان موضع المسجد إذ ذاك يصلي فيه رجال من المسلمين، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم باليتيمين فساومهما بالمربد، ليتخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير، وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك
(2)
.
وفي "المغازي" لأبي معشر: وشراه أبو أيوب منهما، وأعطاه رسول الله فبناه مسجدا، وفي "الإكليل" للحاكم: لما بركت الناقة على باب أبي أيوب خرج جوارٍ من بني النجار يضربن بالدفوف، وهن يقلن:
نحن جوارمن بني النجار
…
يا حبذا محمدًا
(3)
من جار
فقال لهن: "أتحبنَّني؟ " فقلن: نعم يا رسول الله، فقال:"وأنا والله أحبكن" قالها ثلاثا
(4)
. وأغرب البرقي فقال: قدمها ليلًا
(5)
.
(1)
السابق.
(2)
السابق 1/ 239.
(3)
كذا في الأصل، وكتب في الهامش:(صوابه محمدٌ).
(4)
خبر خروج الجواري ورد النبي صلى الله عليه وسلم: عليهن رواه من حديث أنس ابن ماجه (1899)، والطبراني في "الصغير" (78) وفيه: نحن قينات من بني النجار. والخطيب في "تاريخه" 13/ 57 بلفظ ابن ماجه.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 2/ 106: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
وروي بسند فيه رُشيد الزريري ضعفه ابن عدي.
رواه أبو يعلى 6/ 134 (3409)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 87 - 88 ترجمة (673)، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 120 وفيه:"اللهم بارك فيهن". قال ابن عدي، عن رشيد هذا: حدث عن ثابت أحاديث لم يتابع عليها.
(5)
في هامش (س) ما نصه: كونه قدمها ليلا، هو في أواخر "صحيح مسلم"، والمعروف أنه قدمها نهارا.
ثالثها:
قوله: (فنزل أعلى المدينة، في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف)، علو المدينة ما كان من جهة نجد. و (بنو عمرو بن عوف) هم بنو عَمرو بن عوف بن مالك بن أوس أخي الخزرج ابني حارثة، وهم أهل قباء، فنزل على كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وكان شيخًا كبيرًا، أسلم قبل وصوله صلى الله عليه وسلم المدينة.
وقيل: بل نزل على سعد بن خيثمة، أبي خيثمة الأوسي، والصحيح أنه نزل على كلثوم، وقد أسلفنا الخلاف المذكور أيضًا.
وفي "المغازي" لموسى بن عقبة: قدم بني عمرو بن عوف يوم الإثنين هلال شهر ربيع الأول فمكث فيهم ثلاث ليال، ويقول بعض الناس: بل مكث أكثر من ذلك، واتخذ فيهم مسجدًا، وهو الذي ذكر في القرآن أنه أسس على التقوى.
رابعها:
قوله: (فأقام فيهم أربع عشرة ليلة) كذا ثبت في الصحيحين
(1)
، وقد سلف من كلام ابن سعد أنه أقام أربعا معينة
(2)
، وأنه جمع ببني سالم يوم الجمعة، وهي أول جمعة جمعت في الإسلام، وخطب بهم.
خامسها:
قوله: (ثم أرسل إلى بني النجار فجاءوا متقلدين السيوف).
النجار: اسم تيم اللات، وقيل له: النجار؛ لأنه اختتن بقدوم، أو ضرب
(1)
موضعه عند مسلم (524) كتاب: الصلاة، باب: ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
سلف أنها الإثنين والثلاثاء والأربعاء. وانظر: "الطبقات الكبرى" 1/ 237.
رجلًا بقدوم، أو فجرحه رجل بقدوم، وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج
(1)
.
و (بنو النجار) قبيلة كبيرة من الخزرج، وإنما طلبهم؛ لأنهم كانوا أخواله؛ لأن هاشما جده تزوج سلمى بنت عمرو بن زيد من بني عدي بن النجار بالمدينة، فولدت له عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
سادسها:
قوله: (وأبو بكر ردفه) هو بكسر الراء، وكان لأبي بكر ناقة فلعله تركها في بني عمرو بن عوف لمرض وغيره، ويجوز أن يكون ردها إلى مكة ليحمل عليها أهله، وعندي أنه يجوز أن تكون موجودة، وتركها لشرف الإرداف خلفه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تابعه والخليفة بعده.
وقوله: (بفناء أبي أيوب) الفناء: بكسر الفاء: المتسع أمام الدار، وروى ابن عساكر في "كتابه" في ترجمة تبع: أن تبع بن حسان الحميري لما قدم مكة وكسا الكعبة، وخرج إلى يثرب، وكان في مائة ألف وثلاثين ألفا من الفرسان، ومائة ألف وثلاثة عشر ألفا من الرجالة، ولما نزلها أجمع أربعمائة رجل من الحكماء العلماء، وتبايعوا أن لا يخرجوا منها، فسألهم عن الحكمة في مقامهم؛ فقالوا: إن شرف البيت، وشرف هذِه البلدة بهذا الرجل الذي يخرج يقال له: محمد صلى الله عليه وسلم، فأراد تبع أن يقيم، وأمر ببناء أربعمائة دار لكل رجل من الحكماء المذكورين دار، واشترى لكل منهم جارية وأعتقها،
(1)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 3/ 483 - 484 عن محمد بن سيرين.
(2)
"الطبقات الكبرى" 1/ 79 عن عبد الله بن نوفل بن الحارث.
وزوجها منه، وأعطاهم عطاءً جزيلا، وأمرهم بالإقامة إلى وقت خروجه، وكتب كتابا، وختمه بالذهب، ودفع الكتاب إلى عالم عظيم فصيح كان معه يدبره، وأمره أن يدفع الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم إن أدركه وإلا من أدركه من ولده وولد ولده أمدًا إلى حين خروجه، وكان في الكتاب أنه آمن به وعلى دينه، وخرج تبع من يثرب فمات في بلافي الهند، ومن موته إلى مولد نبينا صلى الله عليه وسلم ألف سنة سواء، والذين نصروه صلى الله عليه وسلم من أولاد أولئك الأربعمائة، وفي رواية: أنهم كانوا الأوس والخزرج
(1)
.
وذكر القصة أيضا ابن إسحاق في كتاب "المبتدأ وقصص الأنبياء عليهم السلام" أنه بنى للنبي صلى الله عليه وسلم دارا ينزلها إذا قدم المدينة الدار الملاك إلى أن صارت لأبي أيوب، وهو من ولد ذلك العالم الذي دفع إليه الكتاب، ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلوا إليه كتاب تبع مع رجل يسمى أبا ليلى، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أنت أبو ليلى؟ " -ومعه كتاب تبع الأول- فبقي أبو ليلى متفكرًا، ولم يعرف رسول الله فقال: من أنت؟ فإني لم أر في وجهك أثر السحر، وتوهم أنه ساحر، فقال:"أنا محمد"، هات الكتاب، فلما قرأه قال:"مرحبا بتبع الأخ الصالح"، ثلاث مرات، وفي "سير ابن إسحاق" اسمه تباب أسعد أبو كرب، وهو الذي كسا البيت الحرام
(2)
.
وفي "نقائس الجوهر في أنساب حمير": كان يدين بالزبور، وذكر ابن أبي الدنيا أنه حفر قبر بصنعاء في الإسلام فوجد فيه امرأتان عند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب: هذا قبر
(1)
"تاريخ دمشق" 11/ 3.
(2)
نقله ابن هشام، عن ابن إسحاق في "السيرة" 1/ 15.
حُبَّى ولميس -وروي: حُبَّى وتماضر- ابنتي تبع، (ماتتا)
(1)
وهما يشهدان أن لا إله إلا الله، ولا يشركان به شيئا، وعلئ ذلك مات الصالحون قبلهما.
وفي "معجم الطبراني" مرفوعا: "لا تسبوا تبعا"
(2)
، وذكر السهيلي: أن دار أبي أيوب هذِه صارت بعده إلى أفلح مولى أبي أيوب، واشتراه منه بعدما خرب المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بألف دينار، بعد حيلة احتالها عليه المغيرة فأصلحه المغيرة، وتصدق به على أهل بيت فقراء بالمدينة
(3)
.
سابعها:
قوله: (ويصلي في مرابض الغنم). فيه إباحة ذلك، وقد عقد له البخاري قريبا بابا، ويأتي إيضاحه إن شاء الله
(4)
.
(1)
في (س): ماتا، والصواب ما أثبتناه.
(2)
رواه الطبراني بلفظ: "لا تسبوا تُبَّعًا، فإنه قد أسلم" من حديث سهل بن سعد 6/ 203 (6013)، وفي "الأوسط" 3/ 323 (3290)، ورواه أحمد 5/ 340 كلهم من طريق عمرو بن جابر. وذكره الهيثمي في "المجمع" 8/ 76، وقال: وفيه: عمرو بن جابر، وهو كذاب. ومن حديث ابن عباس رواه الطبراني 11/ 296 (11790)، وفي "الأوسط" 112/ 2 (1419) في كلا الموضعين من طريق أحمد بن محمد بن أبي بزة المكي. ذكره الهيثمي في "المجمع" 8/ 76 وعزاه للطبراني في "الأوسط" دون "الكبير"، قال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه: أحمد بن أبي بزة المكي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
وله شاهد صحيح من حديث عائشة موقوفًا، قالت: كان تبع رجلًا صالحًا، ألا ترى أن الله-عز وجل ذم قومه ولم يذمه. رواه الحاكم 2/ 450، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "الصحيحة"(2423).
(3)
"الروض الأنف" 2/ 249.
(4)
قبل الحديث القادم (429).
ثامنها:
قوله: ("ثامنوني بحائطكم") أي: قدروا ثمنه لأشتريه منكم، وبايعوني فيه.
وفيه: أن رب السلعة أولى بالسوم كما ترجم له البخاري فيما نبهنا عليه، وأن البائع أولى بتسمية الثمن الذي يطلبه.
و (الحائط): البستان المحوط، ويؤيده قوله بعد ذلك:(وفيه نخل) وجاء في رواية: (أنه كان مربدًا للتمر)
(1)
، وهو الموضع الذي يجعل فيه التمر لينشف، وقد جاء أن بعضه كان كذا، وبعضه كان كذا، فلا اختلاف إذن.
تاسعها:
قوله: (لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله)، وفي رواية الإسماعيلي:(إلا من الله). وهذا نص على أنهم لم يأخذوا له ثمنا، وإنما وهبوه له صلى الله عليه وسلم، وقد أسلفنا فيما مضى أنه اشتراه منهما بعشرة دنانير، وفي "طبقات ابن سعد" أنه اشتراه من بني عفراء بذلك
(2)
، فإن صح فلم يقبله إلا بالثمن؛ لأنه كان ليتيمين، وهما سهل وسهيل أبناء رافع بن عمرو بن أبي عمرو من بني النجار، كانا في حجر أسعد بن زرارة، وقيل: معاذ بن عفراء، وقال معاذ: يا رسول الله، أنا أرضيهما فاتخذه مسجدًا.
(1)
ستأتي من حديث عروة بن الزبير برقم (3906) كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.
(2)
"الطبقات الكبرى" 1/ 239.
العاشر:
قوله: (وفيه خرب) الرواية المعروفة -كما قال ابن الجوزي- فتح الخاء المعجمة وكسر الراء جمع خربة كما يقال: كلم وكلمة، قال النووي: وكذا ضبطناه
(1)
.
وقال الخطابي: حدثناه الخيام -بكسر الخاء وفتح الراء- وهو جمع الخراب وهو ما تخرب من البناء في لغة بني تميم، وهما لغتان فصيحتان رويتا، قال: ولعل صوابه ضم الخاء جمع خربة، وهي الخروق في الأرض، إلا أنهم يقولونها في كل ثقبة مستديرة في أرض أو جدار قال: ولعل الرواية (خُرَف جمع الخِرْفة، وهي جمع الخرف)
(2)
.
قال: وأبين من ذلك في الصواب -إن ساعدته الرواية- أن يكون جدبا جمع جدبة، وهو الذي يليق بقوله:(فسويت)، وإنما يسوى المكان المحدود منه، أو موضع من الأرض فيه خروق، فأما الخرب فإنه يعمر ولا يسوى
(3)
.
قال عياض: وهذا التكلف لا حاجة إليه؛ فإن الذي ثبت في الرواية صحيح المعنى، كما أمر بقطع النخل لتسوية الأرض، أمر بالخرب فرفعت رسومها وسويت مواضعها لتصير جميع الأرض مبسوطة مستوية للمصلين، وكذلك فعل بالقبور
(4)
.
(1)
"مسلم بشرح النووي" 5/ 7.
(2)
كذا في (س)، وفي "أعلام الحديث": الجُرْف والجمع الجِرْفَة، وهي جمع الجُرُف.
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 390، 391.
(4)
"إكمال المعلم" 2/ 441.
قال ابن الأثير: وروي بالحاء المهملة، والثاء المثلثة يريد به الموضع المحروث للزارعة
(1)
.
قلت: ويؤيده رواية ابن أبي شيبة في "مصنفه": فأمر بالحرث فحرث
(2)
.
الحادي عشر:
قوله: (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت) إنما نبشت؛ لأنه لا حرمة لها، لا يقال: كيف جاز ذلك؛ لأن القبر مختص بمن دفن فيه، قد حازه فلا يباع ولا ينقل عنه؛ لأنه يجوز أن تكون مغصوبة، وكذلك باعها ملاكها أو يكون من يحبسهم وليس بلازم، إنما اللازم يحتبس للمسلمين إذ هم أهل القرب أو دعت الضرورة والحالة هذِه إلى نبشهم فجاز.
قال ابن بطال: ونبش قبورهم ليتخذ مكانها مسجدا، لم أجد فيه نصًّا لأحد من العلماء غير أني وجدت اختلافهم في نبش قبورهم طلبا للمال، وأجا ز ذلك الشا فعي والكوفيون وأشهب، وأكثر الفقهاء، وقال الأوزاعي: لا يفعل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال: "لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين مخافة أن يصيبكم مثل ما أصابهم"
(3)
(4)
.
فنهى أن ندخل عليهم بيوتهم، فكيف قبورهم، (وقد أباح دخولها على وجه البكاء، واحتج من أجاز ذلك بحديث أنس في الباب،
(1)
"جامع الأصول" 11/ 184.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 63 (12094).
(3)
سيأتي قريبًا من حديث ابن عمر برقم (433) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في مواضع الخسف والعذاب.
(4)
انظر: "المجموع" 3/ 165 - 166.
وبحديث أبي داود في نبش قبر أبي رغال، حيث أخبر الشارع أنه دفن معه غصن من ذهب فاستخرجوه
(1)
، فإذا جاز أن نبشها للمال فللانتفاع بمواضعها أولى، ولا يدخل بناء المساجد عليها تحت لعنة اليهود في اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم يقصدونها بالعبادة
(2)
.
الثاني عشر:
اتخاذه صلى الله عليه وسلم مسجده في تلك البقعة دليل على أن القبور إذا لم يبق فيها بقية من الميت أو من ترابه المختلط بصديده جازت الصلاة فيها، وأن الأرض التي دفن فيها الموتى إذا درست يجوز بيعها؛ لأنها باقية على ملك صاحبها وورثته من بعده، وجواز نبش القبور الدارسة.
الثالث عشر:
قوله: (وبالنخل فقطع). فيه: جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة والمصلحة إما لاستعمال خشبها، أو ليغرس موضعها غيرها، أو لخوف سقوطها على شيء يتلفه، أو لاتخاذ موضعها مسجدا، وكذا قطعها في بلاد الكفار إذا لم يرج فتحها؛ لأن فيه نكايةً وغيظًا لهم وإرغاما.
الرابع عشر:
قوله: (فصفوا النخل قبلة المسجد). كذا في "الصحيح"، وفي "مغازي ابن بكير" عن ابن إسحاق: جعلت قبلة المسجد من اللبن، ويقال: بل من حجارة منضودة بعضها على بعض
(3)
، وسيأتي في
(1)
"سنن أبي داود" من حديث عبد الله بن عمرو (3088)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (4736) بـ (بُجَيْر بن أبي بُجَيْر) قال الحافظ في "التقريب" (636): مجهول.
(2)
ما بين القوسين قول الطحاوي، عزاه ابن بطال في "شرحه" 2/ 80، 81.
(3)
ذكره السهيلي عن ابن إسحاق أنه من رواية يونس بن بكير في "الروض الأنف" 2/ 248.
"الصحيح" أن المسجد كان على عهده صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده من خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا
(1)
.
ولعل المراد بالقبلة جهتها لا القبلة المعهودة اليوم، فإن ذلك لم يكن ذلك الوقت، وورد أيضا أنه كان في موضع المسجد الغرقد، فأمر أن يقطع، وأن القبور السالفة كانت في المربد، وأنها كانت قبور جاهلية، وأنها لما نبشت أمر بالعظام أن تغيب وكان في المربد ماء مستنجل فسيروه حتى ذهب، وجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، وفي هذين الجانبين مثل ذلك فهو مربع، ويقال: كان أقل من المائة، وجعلوا الأساس قريبا من ثلاثة أذرع على الأرض بالحجارة ثم بنوه باللبن، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة معهم بنفسه ويقول:
هذا الحمال لا حمال خيبر
…
هذا أبر ربنا وأطهر
(2)
وجعل قبلته إلى بيت القدس وجعل له ثلاثة أبواب، بابا في مؤخره، وبابا يقال له: باب الرحمة، وهو الباب الذي يدعى باب عاتكة، والثالث يدخل منه عليه السلام، وهو الباب الذي يلي آل عثمان، وجعل طول الجدار قامة وبسطة، وعمده الجذوع، وسقفه جريدا، فقيل له: ألا تسقفه فقال: "عريش كعريش موسى"
(3)
، خشيبات وتمام الأمر أعجل من ذلك، ثم بناه غير واحد بعده، كما ستعرفه في باب بنيان المسجد.
(1)
سيأتي قريبًا من حديث ابن عمر برقم (446) كتاب: الصلاة، باب: بنيان المسجد.
(2)
سيأتي برقم (3906).
(3)
رواه الدارمي 1/ 181 - 182 (38)، وابن أبي شيبة 1/ 274 (3145)، وابن أبي الدنيا في "قصر الأمل"(286)، والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 541 - 542. =
الخامس عشر:
قوله: (وجعلوا عضادتيه الحجارة): العضادة بكسر العين المهملة: جانب الباب
(1)
.
وقوله: (وجعلوا ينقلون الصخر): قال السهيلي: وفي "جامع معمر بن راشد" أن عمار بن ياسر كان ينقل في بنيان المسجد لبنتين لبنتين، لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس ينقلون لبنة لبنة، فقال صلى الله عليه وسلم له:"للناس أجر ولك أجران، وآخر زادك من الدنيا شربة لبن، وتقتلك الفئة الباغية"
(2)
.
وسيأتي أصل الحديث في البخاري في باب التعاون في بناء المسجد
(3)
.
السادس عشر:
قوله: (وهم يرتجزون)، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول:
"اللهم لا خير إلا خير الآخره
…
فاغفر للأنصار والمهاجره"
= قال ابن كثير في "البداية والنهاية" 3/ 229: مرسل. وصحح إسناد ابن أبي شيبة الألباني في "الصحيحة"(616)، قال: إسناده صحيح مرسل. وروي موصولًا عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت: فحديث أبي الدرداء عزاه الألباني في "الصحيحة" لأبي حامد الحضرمي الثقة في حديثه (ق 2/ 2)، والمخلص في "الفوائد المنتقاة"(9/ 193/ 1). وحديث عبادة بن الصامت رواه الطبراني في "مسند الشاميين" 3/ 233 (2153)، والبيهقي في "الدلائل" 2/ 542. قال الألباني عقب سرده لطرق الحديث: الحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن.
(1)
انظر: "الصحاح" 2/ 509، "لسان العرب" 5/ 2984، مادة:(عضد).
(2)
"جامع معمر" مع "المصنف" 11/ 239 - 240 (20426) من حديث أم سلمة. وانظر: "الروض الأنف" 2/ 248.
(3)
سيأتي قريبًا برقم (447) من حديث ابن عباس.
كذا في "الصحيح"، وعند الحاكم: وكان المهاجرون والأنصار ينقلون اللبن أو التراب لبناء المسجد وهم يقولون:
نحن الذين بايعوا محمدا
…
على (الجهاد)
(1)
ما بقينا أبدا
(2)
وفي لفظ: والنبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب معنا، وقد وارى التراب بياض (إبطيه)
(3)
وهو يقول:
"اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا (صمنا)
(4)
ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
إن الأُلى قد بغوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا"
(5)
وفي الصحيحين من حديث سهل مثل هذا في حفر الخندق لما رآهم يحفرون وينقلون التراب فقال: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار"
(6)
ومعنى (يرتجزون): يتعاطون الرجز، واختلف أهل العروض والأدب في الرجز: هل هو شعر أم لا؟ مع اتفاقهم على أن الشعر لا يكون شعرا إلا بالقصد فإن جرى كلام موزون بغير قصد فلا يكون
(1)
في "المستدرك": الإسلام.
(2)
"الحاكم" 4/ 117 - 118.
(3)
كذا في (س) وفي الصحيحين: بطنه.
(4)
كذا في (س)، وفي الصحيحين: تصدقنا.
(5)
سيأتي من حديث البراء برقم (2837) كتاب: الجهاد والسير، باب: حفر الخندق، ورواه مسلم (1803) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة الأحزاب وهي الخندق.
(6)
سيأتي برقم (3797) كتاب: مناقب الأنصار، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "أصلح الأنصار والمهاجرة"، ورواه مسلم (1804) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة الأحزاب وهي الخندق.
شعرا، وعليه يحمل ما جاء عن الشارع من ذلك؛ لأن الشعر حرام عليه بنص القرآن، وصحح القرطبي أن الرجز من الشعر
(1)
.
لأن الشعر كلام موزون يلتزم فيه قوافي، والرجز كذلك، وأيضا فإن قريشا لما اجتمعوا وتراءوا فيما يقولون للناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قائل: هو شاعر. فقالوا: والله لتكذبنكم العرب قد عرفنا الشعر كله قرضه ورجزه، ومقبوضه ومبسوطه، فذكروا الرجز من جملة أنواع الشعر، قال: وإنما أخرجه من الشعر من أشكل عليه إنشاد الشارع إياه، وليس بشيء؛ لأن من أنشد القليل من الشعر أو قاله أو تمثل به على وجه الندور لم يستحق اسم شاعر، ولا يقال فيه أنه يعلم الشعر، ولا ينسب إليه
(2)
.
ولو كان كذلك للزم أن يقال على الناس كلهم شعراء، وشمتدل بذلك على جواز إنشاد الشعر، والارتجاز في حال العمل، والاستعانة بذلك على الأعمال لتنشيط النفوس، وتسهيل الأعمال، وجزم غيره بأنه لا يطلق عليه شعر إنما هو كالكلام المسجع، بدليل أنه يقال لصانعه: راجز لا شاعر، وأنشد رجزا لا شعرا، وقيل: إن ما قاله. الشارع ليس برجز، ولا بموزون، وقد اختلف هل يحل له الشعر، وعلى القول بنفي الحكاية عنه. اختلف هل يحكي بيتا واحدا؟ فقيل: لا يتمه إلا متغيرا، وأبعد من قال: البيت الواحد ليس شعرا، ولما ذكر قول طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا
(1)
"تفسير القرطبي" 1/ 355.
(2)
"تفسير القرطبي" 15/ 54 بتصرف.
قال؟ "ويأتيك من لم تزود" فقال أبو بكر: يا رسول الله، لم يقل هكذا، وإنما قال:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فقال: "كلاهما سواء" فقال: أشهد أنك لست بشاعر، ولا تحسنه، ولما سمع آخر ينشد فيما ذكره السمعاني في "ذيله":
يا أيها الرجل المحمول رحله
…
هلا نزلت بآل عبد الدار
هلا نزلت بهم تريد قراهم
…
منعوك من جوع ومن إقتار
قال أبو بكر: أهكذا هو؟ إنما كنا نسمع:
يا أيها الرجل المحوَّل رحله
…
انزل ببني عبد مناف
فقال أبو بكر: يا رسول الله إنما هو:
يا أيها الرجل المحوَّل رحله
…
هلا نزلت بآل عبد مناف
هلا نزلت بهم تريد قراهم
…
منعوك من جوع ومن إقراف
فقال: "هما واحد"، قال: وزعم الخليل أن المشطور والمنهوك ليسا من الشعر، قال الليث: وأنكر ذلك عليه، فقال: لأحتجن عليهم بحجة من أنكرها كفر، فعجبنا حين سمعنا قوله وهو قد جرى على لسانه صلى الله عليه وسلم ذلك، ولو كان شعرا لما جرى على لسانه.
قال: وقد أنشد:
وبأتيك من لم يزود
قال: وقد علمنا أن هذا القسم الأول لا يكون شعرا إلا بالثاني، ولما أنشده على ما ذكرنا خرج أن يكون شعرا، قال: فهذا يدل على أن مشطور الرجز ليس بشعر؛ لأنه قد روي عنه أنه كان يقول:
هل أنت إلا إصبع دميت
…
وفي سبيل الله ما لقيت
(1)
فلو كان شعرا لم يجر على لسانه، وكذا المنهوك، وهو قوله:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب
(2)
فإن يكن هذا صُنع له فقد جرى على لسانه، وقد قيل: معنى قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} أي: صنيعه، وهي الآية التي له، فأما أن يحفظ ما قال الناس فليس بممتنع عليه
(3)
.
خاتمة: من جملة تراجم البخاري على هذا الحديث باب: إذا وقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز
(4)
، وقد أسلفنا أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه.
يقول ابن بطال: حجة من أجاز وقف المشاع بعد أن نقل أنه قول مالك، وأبي يوسف، والشافعي، خلافا لمحمد بن الحسن؛ بناء على أصلهم في الامتناع من إجازة المشاع أن بني النجار جعلوا حائطهم وقفا، وأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك وقفا لمشاع عجيب منه
(5)
.
(1)
سيأتي من حديث جندب بن سفيان برقم (2802) كتاب: الجهاد والسير، باب: عن ينكب أو يطعن في سبيل الله، ورواه مسلم (1796) كتاب: الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين.
(2)
سيأتي من حديث البراء برقم (2864) كتاب: الجهاد والسير، باب: من قاد دابة غيره في الحرب، ورواه مسلم (1776) كتاب: الجهاد والسير، باب: في غزوة حنين.
(3)
"تفسير القرطبي" 15/ 52 - 53 بتصرف بالغ.
(4)
سيأتي في كتاب: الوصايا، برقم (2771).
(5)
"شرح ابن بطال" 8/ 191.
49 - باب الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ
429 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بن حَرْبِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدُ يَقُولُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الَمسْجِدُ. [انظر: 234 - مسلم: 524 - فتح: 1/ 526]
ساق من حديث أَنَسٍ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدُ يَقُولُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى المَسْجِدُ.
هذا الحديث سبق بيانه في باب أبوال الإبل من كتاب: الطهارة واضحًا
(1)
.
(1)
سلف برقم (234) كتاب: الوضوء.
50 - باب الصَّلَاةِ فِى مَوَاضِعِ الإِبِلِ
430 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابن عُمَرَ يُصَلِّي إِلَى بَعِير، وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. [507 - مسلم: 502 - فتح: 1/ 527]
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الفَضْلِ، ثنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِع قَالَ: رَأَيْتُ ابن عُمَرَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلهُ.
وهذا الحديث أخرجه قريبا أيضا، وترجم عليه: الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل
(1)
، ثم ساقه من وجه آخر عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعرض راحلته، فيصلي إليها؛ قلت: أرأيت إذا هبت الركاب، قال: كان يأخذ هذا الرحل فيعدله فيصلي إلى آخرته، أو قال: مؤخره، وكان ابن عمر يفعله
(2)
.
وأخرجه مسلم بلفظ كان يعرض راحلته وهو يصلي إليها
(3)
، وفي آخر: أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير
(4)
، وعند الترمذي: صلى على بعيره أو راحلته، ثم قال: حسن صحيح. قال: وهو قول بعض أهل العلم، لا يرون بالصلاة إلى البعير بأسا يستترون به
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (507) كتاب: الصلاة.
(2)
السابق.
(3)
مسلم (502) كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي.
(4)
مسلم (502/ 248).
(5)
رواه الترمذي (352) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة إلى الراحلة، ولفظه: صلى إلى بعيره أو راحلته. وليس: صلى على بعيره أو راحلته.
إذا عرفت ذلك؛ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
اعترض الإسماعيلي فقال: ليس في الحديث بيان أنه صلى في موضع الإبل، إنما صلى إليه، لا في موضعه، وليس إذا أنيخ بعير في موضع صار ذلك عطنا أو مأوى للإبل، وموضعا لها تعرف به.
ثانيها:
فيه: جواز الصلاة إلى الحيوان، ونقل ابن التين عن مالك، أنه لا يصلي إلى الخيل والحمير لنجاسة أبوالها
(1)
.
وفيه أيضا: جواز الصلاة بقرب البعير بخلاف الصلاة في عطنه فإنها مكروهة؛ للأحاديث الصحيحة في النهي عنها فيه، وسره خشية نفورها، فإن لها أوابد كأوابد الوحش، كما ثبت في "الصحيح" في حديث رافع ابن خديج
(2)
.
وهو مُذْهِب للخشوع المطلوب في الصلاة، وبالكراهة قال مالك والشافعي
(3)
، وبعدمها أبو حنيفة وصاحباه
(4)
، وقال ابن القاسم: لا بأس بالصلاة فيها إن سلمت من مذاهب الناس، وقال أصبغ: يعيد في الوقت
(5)
.
(1)
"المنتقى" 1/ 278.
(2)
سيأتي برقم (2488) كتاب: الشركة، باب: قسمة الغنم، ورواه مسلم (1968) كتاب: الأضاحي، باب: جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام.
(3)
انظر: "المدونة" 1/ 90، "المجموع" 3/ 166 - 167.
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 261 - 262.
(5)
"النوادر والزيادات" 1/ 221 - 262.
وغلا بعضهم فأفسد الصلاة فيها كما حكاه الطحاوي
(1)
، وإليه ذهب ابن حزم الظاهري؛ فقال: والصلاة جائزة إلى البعير، وفي معاطنه باطلة مع العمد والجهل، فلا تحل الصلاة في عطنها، وهو الموضع الذي توقف فيه الإبل عند ورودها الماء وتبرك، وفي المراح والمبيت، قال: فإن كان لرأس واحد أو لرأسين فالصلاة فيه جائزة، وإنما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدًا
(2)
، وكانه أخذه من لفظ الإبل، وأنه اسم جمع.
ثالثها:
استدل به القرطبي وغيره على طهارة أبوالها وأرواثها، قال: ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطنها؛ لأنها موضع إقامتها عند الماء واستيطانها، وما ذكره لا نسلم له.
رابعها:
قوله: (هبت) في رواية البخاري السالفة. أي: ثارت من مبركها وقيده الأصيلي هُبَّ على لفظ ما لم يسم فاعله، وصوب القاضي عياض الأول
(3)
.
خامسها:
(البعير) للذكر والأنثى كما صرح به في "المحكم"
(4)
، وكذا الراحلة، وقصره (القتيبي)
(5)
على الأنثى، وكان البخاري في ترجمته
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 384.
(2)
"المحلى" 4/ 24. بتصرف.
(3)
"مشارق الأنوار" 2/ 264.
(4)
"المحكم" 2/ 96، مادة:(بعر).
(5)
صورتها في الأصل (التقريبين).
الماضية أستنبط الشجر من خشب الرحل، وفي "النسائي الكبير"
(1)
عن علي رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا يوم بدر وما فينا إنسان إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي إلى شجرة، ويدعو حتى أصبح.
فائدة:
أبو التياح المذكور في إسناده اسمه يزيد بن حميد، وكنيته أبو حماد، وأبو التياح لقب
(2)
.
(1)
"السنن الكبرى" 1/ 270 (823).
(2)
سبقت ترجمته في حديث رقم (81).
51 - باب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ، فَأَرَادَ بِهِ اللهَ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ وَأنا أُصَلِّي". [فتح: 1/ 527]
431 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اَنْخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:"أُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْم قَطُّ أَفْظَعَ". [انظر: 29 - مسلم: 907 - فتح: 1/ 528]
هذا التعليق أسنده البخاري في باب وقت الظهر عند الزوال كما ستعلمه
(1)
. ثم ساق من حديث عطاء، عن ابن عباس قَالَ: انْخَسَفَتِ الشمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:"أُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ".
وهذا الحديث أخرجه في مواضع قريبا في الصلاة
(2)
، والكسوف
(3)
، وبدء الخلق
(4)
، (النكاح)
(5)
مطولًا
(6)
، ولم يعزه خلف في "أطرافه" إلى الصلاة، وعزاه إلى الباقي، وأخرجه مسلم
(7)
والنسائي أيضا
(8)
،
(1)
سيأتي برقم (540) كتاب: مواقيت الصلاة.
(2)
سيأتي برقم (748) كتاب: الأذان، باب: رفع البصر إلى الإمام في الصلاة.
(3)
سيأتي برقم (1052) باب: صلاة الكسوف جماعة.
(4)
سيأتي برقم (3202) باب: صفة الشمس والقمر.
(5)
تحرفت هذِه إلى (والذبائح)، واستدركناه من "التحفة"(5977).
(6)
كتاب: النكاح برقم (5197) باب: كفران العشير.
(7)
مسلم (907) كتاب: الكسوف، باب: ما عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار.
(8)
النسائي 3/ 146 - 148.
وأبو داود مختصرًا، ولم يذكر أنه رأى النار
(1)
، ووقع في نسخة القاضي أبي عمر الهاشمي عن عطاء، عن أبي هريرة
(2)
، وهو وَهَمٌ نبه عليه ابن عساكر.
ثم الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
في مطابقة التبويب لما ذكره نظر؛ لأنه لم يفعل ذلك مختارًا، إنما عرض له بذلك بغير إخباره لمعنى أراده الله بينها للنساء وغيرهن، نبه على ذلك ابن التين، ثم الصلاة جائزة إلى كل شيء إذا لم يقصد الصلاة إليه وقصد بها وجه الله تعالى خالصًا، ولا يضره استقبال شيء من المعبودات وغيرها، كما لم يضر الشارع ما رآه في قبلته من النار، وقد قال أشهب: وإن صلى إلى قبلة فيها تماثيل لم يعد، وهو مكروه
(3)
.
قال الإسماعيلي: ليس ما أراه الله من النار حين أطلعه عليها بمنزلة نار يتوجه المرء إليها، وهي معبودة لقوم، ولا علم ما أُري؛ ليخبرهم بما رآه فحكم من وضع الشيء بين يديه أو رآه قائمًا موضوعًا فجعله أمام مصلاه وقبلته.
ثانيها:
الخسوف
(4)
: بالخاء وبالكاف، وقيل: بالخاء للقمر، وبالكاف للشمس، فعلى هذا يكون مستعارًا، وقيل: بالخاء إذا ذهب الضوء كله، وبالكاف إذا ذهب بعضه.
(1)
أبو داود (1189).
(2)
نبه على ذلك المزي في "تحفة الأشراف" 5/ 104 (5977).
(3)
انظر: "الصحاح" 4/ 1349 - 1350، مادة:(خسف).
(4)
"النوادر والزيادات" 1/ 224. وانظر: "المدونة" 1/ 90.
وقد روى حديث صلاة الكسوف تسعة عشر نفسًا، جماعة بالكاف، وجماعة بالخاء، وجماعة بهما، وقيل: بالكاف والخاء لهما.
وقد بوب البخاري على ذلك في بابه، والأحاديث دالة عليه، وقيل: بالكاف تغيرهما، وبالخاء تغيبها في السواد، وحكم صلاة الكسوف يأتي في بابها إن شاء الله.
ثالثها:
فيه: أن النار مخلوقة الآن، وقد أبعد من أنكر ذلك من المعتزلة، ورآها رأي عين، كشف الله الحجب عنها فرآها معاينة، وكذا الجنة، كما كشف الله له عن المسجد الأقصى، ويحتمل أن تكون رؤية علم ووحي باطلاعه، وتعريفه من أمورها تفصيلا ما لم يعرفه قبل ذلك.
رابعها:
قوله: (أفظع) أي: فظيعًا، والفظيع: الشديد الشنيع (
…
)
(1)
وقيل: أراد منظرًا أفظع منه فحذف منه، وهو كثير في كلامهم.
فائدة:
روي من حديث الحسن قال: حدثني سبعة رهط من الصحابة، أحدهم: أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في المسجد تجاهه حش
(2)
(1)
كلمة غير واضحة في (س).
(2)
الحشّ بفتح الحاء وضمها: البستان أو المَخْرَج، جمعه حشوش وحُشّان، وإنما سمي موضع الخلاء حشا بهذا لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين.
انظر: "غريب الحديث" لأبي عبد القاسم 2/ 165، "الصحاح" 3/ 1001، "لسان العرب" 2/ 887، مادة: حشش.
أو حَمَّام أو مقبرة، أخرجه ابن عدي وضعفه
(1)
،، وفيه آثار عن ابن عباس
(2)
وغيره
(3)
.
(1)
"الكامل في ضعفاء الرجال" 5/ 539.
(2)
رواه عبد الرزاق 1/ 405 (1584 - 1585)، وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 183.
(3)
فمنهما أثر إبراهيم النخعي رواه عبد الرزاق 1/ 405 (1583)، وابن أبي شيبة 2/ 156 (7581)، ومنها أثر علي رواه ابن أبي شيبة 2/ 156 (7588)، ومنها أثر عبد الله بن عمرو (7576)، ومنها أثر الحسن العرني (7577).
52 - باب كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ
432 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاِتكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا". [1187 - مسلم: 777 - فتح: 1/ 528]
حَدَّثنَا مُسَدَدٌ، ثنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاِتكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه في باب التطوع في البيت من أواخر الصلاة، عن عبد الأعلى بن حماد، ثنا وهيب، عن أيوب وعبد الله، عن نافع به، ثم قال: تابعه عبد الوهاب عن أيوب
(1)
. وهذِه المتابعة ذكرها مسلم
(2)
، عن ابن مثنى، عن عبد الوهاب به
(3)
.
ثانيها:
معنى الحديث: صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة، واعترض الإسماعيلي فقال: الحديث دال على النهي عن الصلاة في القبر لا في المقابر؛ ولا طائل فيما قاله. واعترض ابن التين أيضا فقال: تأول البخاري هذا على المنع منها في المقابر وأُخِذَ عليه في هذا التأويل، وذلك أن جماعة تأولوا الحديث على أنه
(1)
سيأتي برقم (1187) كتاب: التهجد.
(2)
في هامش (س) ما نصه: من خط الشيخ: أبو داود وابن ماجه من طريق يحيى القطان عن عبيد الله.
(3)
مسلم (777/ 209) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.
- صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصلاة في البيوت؛ إذ الموتى لا يصلون في قبورهم، فقال: لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم، وهي القبور، فأما جواز الصلاة في المقابر والمنع منه، فليس في الحديث ما يوجد منه ذلك وبنحوه، ذكره ابن المنير فقال: دل الحديث على الفرق بين البيت والقبر، فأمر بالصلاة في البيت وأن لا تجعل كالمقبرة، فأفهم أن المقبرة ليست بمحل صلاة، وفيه نظر من حيث أن المراد بقوله "لا تتخذوها قبورًا" لا تكونوا فيها كالأموات في القبور انقطعت عليهم الأعمال وارتفعت التكاليف، وهو غير متعرض لصلاة الأحياء في ظواهر المقابر؛ ولهذا قال:"ولا تتخذوها قبورًا" ولم يقل مقابر؛ لأن القبر هو الحفرة التي يستر بها الميت، والمقابر اسم للمكان المشتمل على الحفرة وما ضمت
(1)
.
وقال ابن المنذر: احتج من كره الصلاة في المقابر بهذا الحديث، فإنه دال على أن المقبرة ليست بموضع الصلاة، وللعلماء في معنى الحديث قولان:
أحدهما: أنه ورد في صلاة النافلة دون الفريضة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد سن الصلوات في جماعة كما هو مقرر، وتكون (من) هنا زائدة، كأنه قال: اجعلوا صلاتكم النافلة في بيوتكم، كقوله: ما جاءني من أحد، وأنت تريد ما جاءني أحد، وإلى هذا الوجه ذهب البخاري.
وقد روي ما يدل عليه، روى الطبري من حديث عبد الرحمن بن سابط عن أبيه، يرفعه: "نوروا بيوتكم بذكر الله، وكثروا فيها تلاوة القرآن، ولا تتخذوها قبورًا كما اتخذها اليهود والنصارى، فإن البيت
(1)
"المتواري" ص 84 - 85.
الذي يقرأ فيه القرآن يتسع على أهله، ويكثر خيره، وتحضره الملائكة، وتدحض عنه الشياطين، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يضيق على أهله، ويقل خيره، وتنفر منه الملائكة، ويحضر فيه الشيطان"
(1)
.
وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا لا يتطوعون في المسجد، منهم: حذيفة
(2)
، والسائب بن يزيد
(3)
، والنخعي
(4)
، والربيع بن خثيم
(5)
، وسويد بن غفلة
(6)
.
والثاني: أنه ورد في صلاة الفريضة، ليقتدي به من لا يستطيع الخروج إلى المسجد ممن يلزمه تعليمهم، وتكون (من) هنا للتبعيض، ومن صلى في بيته جماعة فقد أصاب سنة الجماعة وفضلها. روى حماد عن إبراهيم قال: إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهما التضعيف خمسًا وعشرين درجة
(7)
.
وروي أن أحمد بن حنبل وإسحاق وعلي بن المديني أجمعوا في دار أحمد فسمعوا النداء، فقال أحدهم: اخرج بنا إلى المسجد، فقال أحمد: خروجنا إنما هو للجماعة، ونحن في جماعة، فأقاموا الصلاة، وصلوا في البيت.
(1)
لم أقف عليه، وإنما وجدته من حديث أبي هريرة وأنس معًا برواية الديلمي عن أبي نعيم معلقًا كما في "الفردوس بمأثور الخطاب" 4/ 245 (6725)، وذكره الهندي في "كنز العمال" 15/ 394 (41526)، وعزاه لأبي نعيم من حديث أنس وأبي هريرة معًا. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4695).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 52 (6363).
(3)
رواه ابن أبي شيبة (6362).
(4)
رواه ابن أبي شيبة (6364).
(5)
رواه عبد الرزاق 3/ 71 (4840)، وابن أبي شيبة 2/ 52 (6365).
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 53 (6368).
(7)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 265 (8812).
وقد اختلف العلماء في الصلاة في المقبرة، فروي عن عمر
(1)
وعلي
(2)
وابن عباس
(3)
وابن عمر
(4)
أنهم كرهوا الصلاة فيها، وروي عن عطاء
(5)
والنخعي
(6)
، وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي والشافعي
(7)
، واختلف فيها عن مالك، فقال مرة: لا أحبها، وقال مرة: لا بأس بها
(8)
.
وكل من كره الصلاة من هؤلاء لا يرى على من صلى فيها إعادة، وقال أحمد وأهل الظاهر: لا يجوز الصلاة فيها
(9)
، وقد روي حديث:"الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم
(10)
، ولا عبرة بما طعن فيه
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 155 (7574 - 7575)، والبيهقي 2/ 435، وقد سبق تخريجه.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 156 (7588)، وقد سبق.
(3)
رواه عبد الرزاق 1/ 405 (1584 - 1585)، وقد سبق.
(4)
ما وقفت عليه لعبد الله بن عمرو وليس ابن عمر، رواه ابن أبي شيبة 2/ 155 (7576).
(5)
رواه عبد الرزاق 1/ 404 (1579 - 1580).
(6)
رواه عبد الرزاق 1/ 405 (1583)، وابن أبي شيبة 2/ 156 (7581) بلفظ: عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون ثلاث أبيات للقبلة: الحش، والمقبرة، والحمام.
(7)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 115، "الأم" 1/ 92، "روضة الطالبين" 1/ 279.
(8)
"المدونة" 1/ 90، "التفريع" 1/ 267.
(9)
"المغني" 2/ 468، "المحلى" 4/ 28.
(10)
رواه من حديث أبي سعيد الخدري أبو داود (492)، والترمذي (317).
وابن ماجه (745)، وأحمد 3/ 13، الدارمي 2/ 874 (1430)، وصححه ابن خزيمة 2/ 7 (791 - 792)، وابن حبان 4/ 598 (1699)، والحاكم 1/ 251.
وقال الترمذي: هذا حديث فيه اضطراب، روى سفيان الثوري، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا. ورواه حماد بن سلمة، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه محمد بن إسحاق، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه قال: وكان عامة روايته عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يذكر فيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكان رواية الثوري عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت وأصح مرسلًا. انتهى كلام الترمذي. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه ابن حزم 4/ 27، والبيهقي 2/ 434. وقال: حديث الثوري مرسل، وقد روي موصولًا وليس بشيء، وحديث حماد بن سلمة موصول، وقد تابعه على وصله عبد الواحد بن زياد والدراوردي. اهـ. وساق هذِه الطرق.
وعلق ابن التركماني على قول البيهقي: (وقد روي موصولًا وليس بشيء). قال: إذا وصله ابن سلمة وتوبع على وصله من هذِه الأوجه فهو زيادة ثقة، فلا أدري ما وجه قول البيهقي:(وليس بشيء).
وقال ابن حجر في "النكت الظراف"(4406): التحقيق أن رواية الثوري ليس فيها (عن أبي سعيد). قلت: يؤيد ذلك رواية يزيد، عن سفيان عند أحمد 3/ 83.
وفصل القول في هذا الحديث العلامة أحمد شاكر في تعليقه على قول الترمذي عقب روايته للحديث حيث قال: وخلاصة القول في هذا الحديث: أن الترمذي يحكم عليه بالاضطراب من جهة إسناده، ويعلله من جهة متنه بالحديث الآخر الصحيح:"جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا". أما هذا التعليل فإنه غير جيد؛ لأن الخاص -وهو حديث أبي سعيد- مقدم على العام ولا ينافيه، بل يدل على إرادة استثناء المقبرة والحمام.
وأما الإسناد فإنه قد اختلف فيه، فرواه بعضهم عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا، ورواه بعضهم عن عمرو، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولًا. فأراد الترمذي أن يشير إلى بعض هذِه الأسانيد، وحكم بأنه مضطرب لهذا.
وتجد أسانيده في "السنن الكبرى" للبيهقي. ورواه ابن حزم في "المحلى". من طريق حماد بن سلمة ومن طريق عبد الواحد بن زياد؛ كلاهما عن عمرو بن يحيى، موصولًا. ورواه الدارمي، والحاكم، والشافعي في "الأم"، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، مرسلًا. ورواه أيضًا البيهقي من طريق يزيد بن هارون، عن الثوري، موصولًا.
ثم قال: (حديث الثوري مرسل، وقد روي موصولًا، وليس بشيء، وحديث حماد بن سلمة موصول، وقد تابعه على وصله عبد الواحد بن زياد والدراوردي).
يعني: عبد العزيز بن محمد. ولا أدري كيف يزعم الترمذي ثم البيهقي أن الثوري رواه مرسلًا في حين أن روايته موصولة أيضًا؟! ثم الذي وصله عن الثوري، هو =
بالإرسال، وانتصر ابن حزم لذلك
(1)
.
وحديث النهي عن الصلاة في سبع مواطن منها (هما)
(2)
ضعفه الترمذي وغيره
(3)
.
= يزيد بن هارون، وهو حجة حافظ. وأنا لم أجده مرسلًا من رواية الثوري، إنما رأيته كذلك من رواية سفيان بن عيينة، فلعله اشتبه عليهم سفيان بسفيان!! ثم ماذا يضر في إسناد الحديث أن يرسله الثوري -أو ابن عيينة- إذا كان مرويًّا بأسانيد أخرى صحاح موصولة، المفهوم في مثل هذا أن يكون المرسل شاهدًا للمسند ومؤيدًا له.
وقد ورد من طريق أخرى ترفع الشك، وتؤيد من رواه موصولًا، وهي في "المستدرك" للحاكم من طريق بشر بن المفضل:(ثنا عمارة بن غزية، عن يحيى بن عمارة الأنصاري -وهو والد عمرو بن يحيى- عن أبي سعيد الخدري) مرفوعًا، ولذلك قال الحاكم بعد أن رواه بهذِه الطريق ومن طريق عبد الواحد بن زياد والدراوردي؛ كلهم عن عمرو، عن أبيه:(هذِه الأسانيد كلها صحيحة على شرط البخاري ومسلم). ووافقه الذهبي، وقد صدقا.
ثم أن رواية سفيان بن عيينة المرسلة، ليس قولًا واحدًا بالإرسال، بل هي تدل على أنهم كانوا يروونه تارة بالإرسال وتارة بالوصل؛ لأن الشافعي بعد أن رواه عنه مرسلًا قال: وجدت هذا الحديث في كتابي في موضعين: أحدهما: منقطع، والآخر: عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا عندي قوة للحديث، لا علة له. ثم قال الشافعي في معنى الحديث: وبهذا نقول، ومعقول أنه كما جاء في الحديث، ولو لم يبينه؛ لأنه ليس لأحد أن يصلي على أرض نجسة؛ لأن المقبرة مختلطة التراب بلحوم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم، وذلك ميتة. وأن الحمام ما كان مدخولًا-: يجري عليه البول والدم والأنجاس.
(1)
انظر: "المحلى" 4/ 28 - 29.
(2)
أي: المقبرة والحمام.
(3)
رواه من حديث ابن عمر الترمذي (346، 347)، وابن ماجه (746)، وعبد بن حميد (763). وقال الترمذي: إسناده ليس بذاك القوي. ورواه من حديث عمر بن الخطاب ابن ماجه (747).
وحجة من أجاز عموم الحديث الصحيح: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأينما أدركتك الصلاة فصلِّ"
(1)
.
قال مالك: وبلغني أن بعض الصحابة كان يصلي في المقابر
(2)
.
وحكى ابن المنذر أن واثلة بن الأسقع كان يصلي فيها غير أنه لا يستتر بقبر
(3)
، وصلى الحسن البصري في المقابر
(4)
.
= قال ابن حجر في "التلخيص" 1/ 215 (320): في سند الترمذي زيد بن جبيرة، وهو ضعيف جدًّا، وفي سند ابن ماجه عبد الله بن صالح، وعبد الله بن عمر العمري المذكور في سنده ضعيف أيضًا، ووقع في بعض النسخ بسقوط عبد الله بن عمر بين الليث ونافع، فصار ظاهر الصحة، وقال ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبيه: هما جميعًا واهيان، وصححه ابن السكن وإمام الحرمين. اهـ. وضعفه الألباني في "الإرواء"(287).
(1)
سبق تخريجه.
(2)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 185.
(3)
"المدونة" 1/ 90.
(4)
"الأوسط" 2/ 185، ورواه ابن أبي شيبة 2/ 156 (7584) عن يونس عنه في الرجل تدركه الصلاة في المقابر. قال الحسن: يصلي.
53 - باب الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الْخَسْفِ وَالْعَذَابِ
وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيَّا رضي الله عنه كَرِهَ الصَّلَاةَ بِخَسْفِ بَابِلَ.
433 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَدْخُلُوا عَلَى هؤلاء المُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ". [3380، 3381، 4419، 4420، 4702 - مسلم: 2980 - فتح: 1/ 530]
هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة عن وكيع، ثنا سفيان، ثنا عبد الله بن شريك، عن عبد الله بن أبي المحل العامري قال: كنا مع علي فمررنا على الخسف الذي ببابل، فلم يصل حتى أجازه
(1)
، وعن حجر بن عنبس الحضرمي، عن علي قال: ما كنت لأصلي في أرض خسف الله تعالى بها ثلاث مرار
(2)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 154 (7557) ووقع في المطبوع منه: إسقاط وكيع في الموضع الأول، ولفظه: حدثنا ابن عيينة، عن عبد الله بن شريك، عن ابن أبي المحل أن عليًّا مرَّ بجانب من بابل فلم يصلِّ بها.
وفي الموضع الآخر بإسقاط عبد الله بن شريك برقم (7556)، ولفظه: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن أبي المحل، عن عليّ أنه كره الصلاة في الخسوف. ورواه عبد الرزاق 1/ 415 (1623) بلفظ أقرب إلى لفظ المصنف، ولفظه: مررنا مع عليٍّ بالخسف الذي ببابل، فكره أن يصلِّي فيه حتى جاوزه.
(2)
لم أقف عليه مسندًا متصلًا، وما حكاه البيهقي بلفظ المصنف 2/ 451، ورواه ابن عبد البر معلقًا وحسنه في "التمهيد" 5/ 224، قال: رواه أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثنا المغيرة بن أبي الحر الكندي، قال: حدثني أبو العنبس حجر بن عنبس، قال: خرجنا مع عليّ إلى الحرورية فلما جاوزنا سورًا وقع بأرض بابل، قلنا: يا أمير المؤمنين، أمسيت، الصلاة، الصلاة، فأبى أن يكلم أحدًا، قالوا: يا أمير المؤمنين، أليس قد أمسيت؟ قال: بلى، ولكني لا أصلي في أرض خسف الله بها. وحسنه أيضًا ابن حجر في "تغليق التعليق" 2/ 231.
قال البيهقي: وهذا النهي إن ثبت مرفوعًا، فليس لمعنى يرجع إلى الصلاة؛ إذ لو صلى فيها لم يعد، وإنما هو كما جاء في قصة الحجر
(1)
.
ورواه أبو داود من حديث أبي صالح الغفاري -واسمه سعيد بن عبد الرحمن- أن عليًّا مر ببابل، وهو يسير فجاءه المؤذن يؤذنه بصلاة العصر فلما برز منها أمر المؤذن فأقام، فلما فرغ من الصلاة قال: إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في المقبرة، ونهاني أن أصلي في أرض بابل؛ فإنها ملعونة
(2)
، وهو حديث واهٍ، قال ابن يونس: ما أظن أن أبا صالح سمع من علي، وقال عبد الحق: حديث واه
(3)
.
وقال ابن القطان: في سنده رجال لا يعرفون
(4)
. وقال البيهقي في "المعرفة": إسناده غير قوي
(5)
.
وقال الخطابي: في سنده مقال، ولا أعلم أحدًا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"جعلت لي الأرض مسجدًا"
(6)
.
ويشبه -إن ثبت الحديث- أن يكون نهاه أن يتخذها وطنًا ومقامًا، كانه إذا أقام بها كانت صلاته فيها، وهذا من باب التعليق في علم البيان، ولعل النهي له خاصة، ألا تراه قال: نهاني، ولعل ذلك إنذار منه مما لقي من المحنة بالكوفة، وهي من أرض بابل
(7)
.
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 451.
(2)
"سنن أبي داود"(490 - 491). قال ابن حجر في "الفتح" 1/ 530: في إسناده ضعف. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(76 - 77).
(3)
"الأحكام الوسطى" 1/ 289.
(4)
"بيان الوهم والإيهام" 3/ 145 - 148 (855).
(5)
"معرفة السنن والآثار" 3/ 402.
(6)
سبق تخريجه في شرح حديث (426).
(7)
"معالم السنن" 1/ 127.
فائدة:
بابل بالعراق مدينة السحر والخمر معروفة، قاله البكري، ونقل عن أصحاب الأخبار أنه بناها النمروذ الخاطئ النذل ببابل طوله في السماء خمسة آلاف ذراع، وهو البنيان الذي ذكره الله في كتابه العزيز بقوله:{فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} الآية، وبات الناس ولسانهم سرياني، فأصبحوا وقد تفرقت لغاتهم على اثنين وسبعين لسانًا كل يتبلبل بلسانه، فسميت بابل. وذكر الهمذاني أن سنان بن عمران العمليقي أول الفراعنة تملك في الإقليم الأوسط في حصنه المشترى، وولايته وسلطانه بأرض السواد، واشتق اسم موضعه من اسم المشتري، وبابل باللسان الأول ترجمة المشتري بالمعجمة قال: وربما سموا العراق بابلًا
(1)
.
وقال الأخفش فيما نقله الصاغاني: وبابل لا ينصرف لتأنيثه؛ وذلك أن كل اسم مؤنث إذا كان أكثر من ثلاثة أحرف فإنه لا ينصرف في اللغة وقال الحازمي: قيل لأبي يعقوب الإسرائيلي: -وكان قد قرأ الكتب- ما بال بغداد لا نرى فيها إلا مستعجلًا قال: إنها قطعة من أرض بابل فهي تبلبل أهلها.
ثم قال البخاري:
حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَدْخُلُوا عَلَى هؤلاء المُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ".
(1)
"معجم ما استعجم" 1/ 219. وانظر: "معجم البلدان" 1/ 309 - 311.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في المغازي في باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر
(1)
، وقد أخذ على البخاري في قوله:(نزوله صلى الله عليه وسلم في الحجر)، وفي "الصحيح": مر به مسرعًا، كما ستعلمه هناك
(2)
، وأخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء
(3)
، والتفسير
(4)
، وأخرجه مسلم في أواخر كتابه
(5)
(6)
.
ثانيها:
هذا القول قاله لما مر بالحجر كما جاء في بعض الروايات في البخاري في المغازي
(7)
، وكان ذلك في طريقه إلى تبوك في رجب سنة تسع من الهجرة، وقال هنا:"لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين" وفي أخرى: "على هؤلاء القوم"
(8)
. وفي أخرى: "هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم"
(9)
.
وإنما قال هنا: "لا تدخلوا" من جهة ذلك التشاؤم بتلك البقعة التي
نزل بها السخط، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ
(1)
سيأتي برقم (4419 - 4420).
(2)
سيأتي برقم (4419).
(3)
سيأتي برقم (3380 - 3381، باب: قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} .
(4)
سيأتي برقم (4702) باب: قوله: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)} .
(5)
في هامش (س): من خط الشيخ: ذكره النسائي في التفسير وأهمله ابن عساكر.
(6)
مسلم (2980) كتاب: الزهد والرقائق، باب: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين.
(7)
سيأتي برقم (4419).
(8)
ستأتي برقم (4702)، ورواها مسلم (2980).
(9)
ستأتي برقم (3380، 3381، 4419، ورواها مسلم (2980/ 39).
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الآية؛ فوبخهم الله تعالى على ذلك، وكذلك تشاءم صلى الله عليه وسلم بالبقعة، التي نام فيها عن الصلاة ورحل عنها، ثم صلى، فكراهته الصلاة في موضع الخسف أولى، إلا أن إباحته صلى الله عليه وسلم الدخول بها على وجه البكاء والاعتبار يدل على أن من صلى هناك لا تفسد صلاته؛ لأن الصلاة موضع بكاء وتضرع وخشوع واعتبار، فإن صلى هناك غير باك لم تبطل صلاته.
وزعم بعض أهل الظاهر أن من صلى في الحجر -بلاد ثمود- وهو غير باك فعليه سجود السهو إن كان ساهيا، وإن تعمد ذلك بطلت صلاته، وكذا من صلى في موضع مسجد الضرار، وهذا خلف من القول الأول لاحقا بسقوطه إن كان لا يجوز عنده فيه صلاة من تعمد ترك البكاء، فكيف أجاز صلاة الساهي بعد سجود السهو؟ وإسقاطُ الواجبات لا يجبر بسجود السهو عند العلماء، وهو تخليط منه، فقد بين الشارع في الحديث معنى نهيه عن دخول مواضع الخسف لغير الباكي، وهو:"لا يصيبكم مثل ما أصابهم" وليس في هذا ما يدل على فساد صلاة من لم يبك، وإنما فيه خوف نزول العذاب، وتسويته بين الصلاة في موضع مسجد الضرار بالصلاة في موضع الخسف ليس في الحديث، وهو قياس فاسد منه، وهو لا يقول بالقياس فقد تناقض.
ثالثها:
قوله: "إلا أن تكونوا باكين" أمرهم به؛ لأنه ينشأ عن التفكر، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء، والتفكر الذي ينشأ عنه البكاء في مثل ذلك المقام ينقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: تفكر يتعلق بالله عز وجل إذ قضى على أولئك بالكفر.
ثانيها: يتعلق بأولئك القوم إذ بارزوا ربهم بالكفر والعناد.
ثالثها: يتعلق بالمار عليهم إذ لأنه وفق للإيمان قبل الوجود.
ومن الأول: خوف تقليبه القلوب فربما جعل مآل المؤمن إلى الكفر، ومنه: إمهال الكفار على كفرهم مدة، ومنه: شدة نقمته، وقوة عذابه، ومن الثاني: إهمالهم إعمال العقول في طاعة الخالق ومبارزتهم بالعناد والمخالفة -كما مرَّ- وفوات أمرهم حتى لا وجه للاستدراك حتى إن لعنتهم وعقوبتهم أثرت في المكان والماء فقال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم"، وأن يهريقوا ما استقوا من ماء ثمود، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة.
ومن الثالث: توفيقه للإيمان -كما مرَّ- واعتباره بالجنس وتمكنه من الاستدراك، ومسامحته في الزلل إلى غير ذلك من الأسباب التي توجب البكاء؛ نبه على ذلك ابن الجوزي، فمن مر على مثل أولئك، ولم يتفكر فيما يوجب البكاء شابههم في إهمالهم التفكر فلم يؤمن عليه نزول العقاب.
رابعها:
قوله: "لا يصيبكم ما أصابهم" وفي رواية أخرى: "أن يصيبكم"
(1)
بفتح الهمزة.
وفيه: إضمار تقديره حذرًا أن يصيبكم أو خشية أن يصيبكم.
وفيه: الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين، ومواضعها،
والإسراع فيها كما فعل صلى الله عليه وسلم في وادي محسر؛ لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك.
(1)
ستأتي في بقية روايات "الصحيح".
54 - باب الصَّلَاةِ فِي البِيعَةِ
وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ التِي فِيهَا الصُّوَرَ. وَكَانَ ابن عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي البِيعَةِ إِلَّا بِيعَةً فِيهَا تَمَاثيلُ.
434 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَة، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الَحبَشَةِ، يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ العَبْدُ الصَّالِحُ -أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ- بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ". [انظر: 427 - مسلم: 528 - فتح: 1/ 531]
أما أثر عمر فلا يحضرني من أسنده
(1)
، وإنما روى ابن أبي شيبة في "مصنفه"عن سهل بن سعد
(2)
، عن حميد، عن بكر قال: كتب إليَّ عمر من نجران أنهم لم يجدوا مكانًا أنظف ولا أجود من بيعة، فكتب: انضحوها بماء وسدر وصلوا
(3)
.
وأما أثر ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة من طريق خُصَيْف -وهو متكلم فيه- عن مقسم، عن ابن عباس أنه كره الصلاة في الكنيسة إذا كان فيها تصاوير والبيعة للنصارى كالكنائس، وقيل: اليهود
(4)
.
(1)
رواه عبد الرزاق 1/ 411 - 412 (1610 - 1611) من طريق أسلم مولى عمر، قال: لما قدم عمر الشام صنع له رجل من عُظماء النصارى طعامًا ودعاه، فقال عمر: إنا لا ندخل كنائسكم من الصور التي فيها. يعني التماثيل. ورواه أيضًا ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 193.
(2)
في المطبوع من "مصنف ابن أبي شيبة": سهل بن يوسف.
(3)
ابن أبي شيبة 1/ 423 (4861).
(4)
ابن أبي شيبة 1/ 423 (4867)، ورواه عبد الرزاق 1/ 411 (1608). وأثر ابن عباس: أنه كان يصلي في البيعة
…
وصله البغوي في "مسند ابن الجعد"(2353). =
وعبارة "المحكم": البيعة -بكسر الباء: صومعة الراهب كنيسة النصارى
(1)
.
ثم ساق البخاري حديث عائشة، وفي آخره:"أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ".
وقد سلف في باب نبش قبور مشركي الجاهلية بما فيه
(2)
، وشيخ البخاري فيه: محمد بن سلام كما صرح به أبو نعيم وغيره.
واختلف العلماء في الصلاة في البيع والكنائس، فكره عمر وابن عباس الصلاة فيها من أجل الصور
(3)
.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: انضحوها بماء وسدر وصلوا
(4)
. كما سلف، وهو قول مالك، ذكره إسماعيل بن إسحاق عن مالك قال: أكره الصلاة في الكنائس، لما يصيب فيها أهلها من لحم الخنازير والخمور وقلة احتفاظهم من النجس إلا أن يضطر إلى ذلك من شدة طين أو مطر إلا أن يتيقن أنه لم يصبها نجس
(5)
، وكره الصلاة فيها الحسن
(6)
.
وأجاز الصلاة فيها النخعي
(7)
والشعبي
(8)
وعطاء
(9)
وابن سيرين
(10)
،
= وزاد فيه: "فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر".
(1)
"المحكم" 2/ 189.
(2)
سلف قريبًا برقم (427).
(3)
انظر: "المغني" 2/ 478.
(4)
انظر التخريجين قبل السابق.
(5)
"المدونة" 1/ 90.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 423 (4866).
(7)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 423 (4864).
(8)
السابق (4862).
(9)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 423 (4863).
(10)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 423 (4865، 4866).
ورواية عن الحسن
(1)
، وهو قول الأوزاعي، وصلى أبو موسى الأشعري في كنيسة (يُحنَّا)
(2)
بالشام
(3)
.
قال المهلب: وهذا الباب غير معارض للباب السالف: من صلى وقدامه نار أو تنور، وهو قول عمر وابن عباس: إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور، وإنما ذلك على الاختيار والاستحسان دون ضرورة تدعو إليه، والاختيار أن لا يبتدى فيها الصلاة، ولا إلى شيء من معبودات الكفار، ألا ترى أنه عليه السلام عينت له النار في صلاة الخسوف، ولم يبتد الصلاة إليها وتمت صلاته
(4)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 423 (4862).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 424 (4871)، و"الأوسط" لابن المنذر 2/ 194: نحيا.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 424 (4871)، وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 194.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 89.
55 - باب
435، 436 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرَسوُلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ:"لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصارى اتَخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. [1330، 1390، 3453، 3454، 4441، 4443، 4444، 5815، 5816 - مسلم: 531، 529 - فتح: 1/ 532]
437 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الُمسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". [مسلم: 530 - فتح: 1/ 532]
لم يذكر له ترجمة، وهو نحو الباب قبله.
ساق فيه حديث عائشة وابن عباس: لَمَّا نُزِل بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةَ لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ:"لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".
وهذا الحديث يأتي إن شاء الله في ذكر بني إسرائيل
(1)
، واللباس
(2)
والمغازي
(3)
، وأخرجه مسلم هنا
(4)
.
(1)
سيأتي برقم (3453، 3454) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل.
(2)
سيأتي برقم (5815، 5816)، باب: الأكيسة والخمائص.
(3)
سيأتي برقم (4441) عن عائشة فقط، وبرقم (4443، 4444) عن عائشة وابن
عباس، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
(4)
مسلم (529) عن عائشة فقط، وبرقم (531) عن عائشة وابن عباس، كتاب: =
وقوله: (لما نزل) هو بضم النون وكسر الزاي قبل ملك الموت والملائكة الكرام.
و (طفق) بكسر الفاء أفصح من فتحها، أي: جعل و (الخميصة)
(1)
سلف بيانها فيما مضى.
ثم ساق البخاري حديث أبي هريرة مرفوعًا: "قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ اتَخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".
وقد أخرجه مسلم أيضا
(2)
، وفي بعض الطرق عن مالك:"لعن الله اليهود والنصارى"
(3)
.
= المساجد، باب: النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد.
(1)
الخميصة: كساء أسود مُربَّع له عَلَمَان، فإن لم يكن مُعلمًا فليس بخميصة. انظر:"الصحاح" 3/ 1038، "لسان العرب" 3/ 1266، مادة: خمص.
(2)
مسلم (530) كتاب: المساجد، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور
…
(3)
رواه أحمد 2/ 518.
56 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا
"
438 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ -هُوَ أَبُو الَحكَمِ- قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ الفَقِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ". [انظر: 335 - مسلم: 521 - فتح: 1/ 533]
ثم ساق حديث (جابر)
(1)
: "أعطيت خمسًا".
وقد سلف في التيمم واضحًا
(2)
.
وهو دال على أن الأبواب السالفة الكراهة فيها ليس على المنع؛ لأن الأرض كلها مباحة الصلاة فيها بكونها له مسجدًا، قد دخل في عمومها الكنائس وغيرها مما سلف إذا كانت طاهرة، فالاختيار أن لا يبدأ بهذِه المواضع المكروهة إلا عن ضرورة فهو أخلص للصلاة، وأنزه لها من الخواطر.
(1)
في (س): أبي هريرة، وهو وهم، والصواب ما أثبتناه.
(2)
سلف أول كتاب التيمم برقم (335).
57 - باب نَوْمِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَسْجِدِ
439 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ وَليدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لَحِيٍّ مِنَ العَرَبِ، فَأَعْتَقُوهَا، فَكَانَتْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ -أَوْ وَقَعَ مِنْهَا- فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهْوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لْحَمًا فَخَطَفَتهُ، قَالَتْ: فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، قَالَتْ: فَاتَّهَمُونِي بِهِ، قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا، قَالَتْ: والله إنِي لَقَائِمَة مَعَهُمْ، إِذْ مَرَّتِ الُحدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ: فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قَالَتْ: فَقُلْتُ: هذا الذِي اَتَّهَمْتُمُونِي بِهِ -زَعَمْتُمْ- وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَهُوَ ذَا هوَ. قَالَتْ: فَجَاءَت إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَتْ. قَالَتْ عَائِشَة: فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الَمسْجِدِ -أَوْ حِفْشٌ- قَالَتْ: فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي -قَالَتْ- فَلَا تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلَّا قَالَتْ: وَيَوْمَ الوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا
…
أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الكُفْرِ أَنْجَانِي قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا شَأْنُكِ لَا تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هذا؟ قَالَتْ: فَحَدَّثَتْنِي بهذا الحَدِيثِ [3835 - فتح: 1/ 533]
ذكر فيه حديث عائشة أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنَ العَرَبِ، فَأَعْتَقُوهَا .. الحديث.
وفي آخره:
وَيَوْمَ الوِشَاحِ مِنْ تعَاجِيبِ رَبِّنَا
…
أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الكُفْرِ نَجَّانِي
وقد أخرجه في أيام الجاهلية أيضا
(1)
.
(1)
سيأتي برقم (3835) كتاب: مناقب الأنصار.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
الوليدة: الطفلة، وقد يطلق على الجارية والأمة، وإن كانت كبيرة، قال في "المخصص": إذا ولد المولود فهو وليد ساعة ولده، والأنثى وليدة
(1)
. وفي "المحكم": والجمع ولدان
(2)
. هذِه كانت امرأة كبيرة مسلمة كما ذكره في الحديث.
ثانيها:
(فخرجت صَبِيَّة) وفي رواية: (جويرية عليها وشاح أحمر من سيور)
(3)
هو بكسر الواو يقال بالهمز على البدل؛ ينسج من أديم (عريض)
(4)
، ويرصع بالجواهر تشده المرأة بين عاتقها، وكشحها قاله الجوهري
(5)
، وعبارة "المحكم": هو كرسان من لؤلؤ وجوهر منظومان مخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر
(6)
.
وقال في "المخصص" عن الفارسي: الوشاح من وسط إلى أسفل، قال: ولا يكون وشاحًا حتى يكون منظومًا بلؤلؤ، وودع
(7)
.
(1)
"المخصص" 1/ 56. قاله نقلًا عن صاحب "العين".
(2)
"المحكم" 10/ 131، مادة: ولد.
(3)
سيأتي برقم (3835) ولفظه: خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدَم.
ورواه ابن خزيمة 2/ 286 - 287 (1332) ولفظه: فخرجت صبية لهم يومًا عليها وشاح من سُيور حمر. وابن حبان 4/ 535 - 537 (1655) ولفظه: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور. فلم أقف على رواية أوردت نفس لفظ المصنف.
(4)
كذا في الأصل، بالجر على أنها نعت لأديم وفي "الصحاح": عريضًا، بالنصب على أنها حال، ولعل الأخير هو المناسب للسياق.
(5)
"الصحاح" 1/ 415 مادة: وشح.
(6)
"المحكم" 3/ 360، مادة: وشح.
(7)
"المخصص" 1/ 401.
وفي موضع من "المنتهى": وقالت امرأة من العرب:
ويوم السخاب من تعاجيب ربنا
…
إلا إنه من بلدة السوء نجاني
قال: وهي امرأة دخلت العراق فاتهمها قوم بعقد ذهب وأنكرت
(1)
هي، فبينا هم كذلك إذ مر طائر فألقاه.
وقولها: (من سيور) هو جمع سير وهو الشراك يعد من الجلد.
ثالثها:
قولها: (فمرت حُدَيَّاة) هو تصغير حدَأَة كعنبة، والجماعة حِدَأ كعنب، وهو هذا الطائر المعروف، وجمعها: حِدائى، بالقصر
(2)
، وقال الداودي: الحديا: الحدأة، قال ابن التين: والصحيح أنه تصغير حدأة، ولعل الكاتب صور الهمزة ألفا، وإن كان من حقها أن لا تصور ألفا؛ لأنها همزة مفتوحة، قبلها ساكن، مثل:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وإن كان سهل الهمز فحقه أن تكون حدية بغير ألف، قال: ورويناه بتشديد الياء، وإثبات الألف.
رابعها:
قوله: (فخطفته) هو بكسر الطاء، وفي أخرى فتحها.
و (الخباء) بكسر الخاء والمد: من بيوت العرب يكون من وبر وصوف، قال أبو عبيد: ولا يكون من شعر فيما حكاه في "المخصص" عنه
(3)
.
(1)
في الأصل (وأقرت)، والمثبت هو الصواب.
(2)
انظر: "الصحاح" 1/ 43، "لسان العرب" 2/ 794، مادة: حدأ.
(3)
"المخصص" 2/ 5.
و (الحِفْشُ) بالحاء المهملة؛ قال أبو عبيد: هو البيت الصغير الرديء، وقيل: الخرب، وعن الشافعي: القريب السَّمْك يسمى به؛ لضيقه، والحفش الانضمام والاجتماع، وهو بفتح الحاء وكسرها، وإسكان الفاء وفتحها
(1)
.
قال في "المخصص": وهو من الشعر لا من الآجر
(2)
.
و (التعاجيب) لا واحد لها، وهي الشيء العجيب.
خامسها: في فوائده:
فيه: أن من ليس له مسكن ولا مكان مبيت مباح؛ له المبيت في المسجد، واصطناع الخيمة وشبهها للمسكن، امرأة كانت أو رجلا.
وفيه: أن السنة الخروج عن بلد جرت على الخارج منه فتنة أو ذلة إلى ما اتسع من أرض الله، فإن له في ذلك خيرة كما جرى لهذِه السوداء، أخرجتها فتنة الوشاح إلى بلاد الإسلام، ورؤية محمد سيد الأنام، قال تعالى {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} وقد تمثلت بهذا المعنى في البيت الشعر الذي أنشدته، فجعلت المحنة والذلة في يوم الوشاح هما اللذين أنجياها من الكفر، إذ كانا سبب ذلك
(3)
.
(1)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 407، "الصحاح" 3/ 1002، "لسان العرب" 2/ 927 - 928، مادة:(حفش).
(2)
"المخصص" 2/ 5.
(3)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: بلغ في الثاني بعد الستين كتبه مؤلفه.
58 - باب نَوْمِ الرِّجَالِ فِي المَسْجِدِ
وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فكَانُوا فِي الصُّفَّةِ. [انظر: 233] وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الفُقَرَاءَ.
440 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ، أَنَّة كَانَ يَنَامُ وَهْوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَة فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [1211، 1156، 3738، 3740، 7015، 7028، 7030 - مسلم: 2479 - فتح 1/ 535]
441 -
حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بن أَبِي حَازِمِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ، فَقَالَ:"أَيْنَ ابن عَمَّكِ؟ ". قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لإِنْسَانِ:"انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟ ". فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ فِي الَمسْجِدِ رَاقِدٌ. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ:"قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ". [3703، 6204، 6280 - مسلم: 2409 - فتح: 1/ 535]
442 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابن فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَينِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرى عَوْرَتُهُ. [فتح: 1/ 536]
ذكر فيه حديثين معلقين، وثلاثة أحاديث مسندة فقال:
وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ.
وهذا التعليق قد أسلفه مسندا في كتاب الطهارة
(1)
، وذكره في المحاربين أيضًا
(2)
.
و (أبو قلابة) هو: عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي
(3)
.
ثم قال: وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الفُقَرَاءَ.
وهذا مختصر من حديث يأتي -إن شاء الله- في الصلاة في باب السمر مع الأهل والضيف
(4)
.
و (عبد الرحمن) هذا هو ابن الصديق رضي الله عنهما.
ثم ساق بإسناده عن ابن عمر: كَانَ يَنَامُ وَهْوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
ويأتي -إن شاء الله- في صلاة الليل وغيره
(5)
.
(1)
سلف برقم (233) كتاب: الوضوء، باب: أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها.
(2)
سيأتي برقم (6802) كتاب: الحدود، باب: المحاربين من أهل الكفر والردة، وبرقم (6803) باب: لم يحسم النبي صلى الله عليه وسلم المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا، وبرقم (6804) باب: لم يُسْقَ المرتدون المحاربون حتى ماتوا، وبرقم (6805) باب: سَمْر النبي صلى الله عليه وسلم أعين المحاربين.
(3)
سبقت ترجمته في حديث (16).
(4)
سيأتي برقم (602) كتاب: مواقيت الصلاة.
(5)
سيأتي برقم (1121) كتاب: التهجد، باب: فضل قيام الليل، وبرقم (1156) باب: فضل من تعارَّ من الليل فصلَّى، وبرقم (3738، 3740) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وبرقم (7035) كتاب: التعبير، باب: الإستبرق ودخول الجنة في المنام، برقم (7028) باب: الأمن وذهاب الروع في المنام.
وقوله: (أعزب) هكذا في روايتنا، وفي أخرى:(عزب)
(1)
، ولعله أصوب، فقد أنكر الأولى القزاز في "جامعه" فقال: ولا يقال: أعزب، وهو من لا أهل له، ولا زوج لها، وخطأ الزجاج ثعلبًا في قوله: امرأة عزبة، وإنما هو عزب، ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث؛ لأنه مصدر، وأجاب غيره: بأن من قاله بالهاء فعلى التشبيه بأسماء الصفات، وأصل هذِه المادة البعد
(2)
.
وترجم البخاري أيضًا على هذا الحديث في أواخر الصلاة: باب فضل قيام الليل، وذكره مطولا، وفيه: وكنت غلامًا شابًا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فقصصتها
(1)
ستأتي برقم (3738).
(2)
وعَزَب عنيِّ فلان يعزُب وَيعْزب: أي بَعُدَ وغاب، وعَزَب عن فلان حلمُه، وأعزب الله. وأعزبت الإبلَ، أي: بعُدت في المرعى لا تَرُوح. العُزَّاب: الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء. قال الكسائي: العزب: الذي لا أهل له، والعزبة التي لا زوج لها، والاسم: العُزْبَة والعُزُوبة. يقال: تُعزَّب فلان زمانًا ثم تأهل، المعزابة: الذي طالت عزوبته حتى ما له في الأهل حاجة.
قال أبو عبيد عن الفراء: امرأة عَزَبَة: لا زوج لها. وقال الأزهري: قال ابن بُزُرْج فيما قرأت له بخطّ أبي الهيثم: رجل عَزَب، ورجلان عَزَبان، وقوم أعزاب، وامرأة عَزَبَة، ونسوة عَزَبات، ونساء عُزَّاب: لا أزواج لهنَّ، وإن كان معهنَّ أولادهنّ. وقال النضر: قال المنتجع، يقال: امرأة عَزَبٌ. بغير هاء. قال: ولا تقل: امرأة عَزَبَة.
وأنشد في صفة امرأة جعلها عَزَبًا، بغير هاء:
إذا العَزَب الهَوْجاءُ بالعِطْرِ نافَحَتْ
…
بَدَتْ شَمْسُ دجية طَلَّةً لم تعطَّر
قال: ولا يقال: رجل أعزب. وأجاز غيره: رجل أعزب. ويقال: إنه لعَزَب لَزَب، وإنها لعَزَبَة لَزَبة. انظر:"تهذيب اللغة" 3/ 2418، "الصحاح" 1/ 180 - 181، "لسان العرب" 5/ 2923، مادة: عزب.
على حفصة
(1)
، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث
(2)
.
وجعله خلف من مسند ابن عمر، وجعل بعضه من مسند حفصة، وأورده الحميدي في مسند حفصة، وخالفه ابن عساكر فجعله من أجمع مسند ابن عمر
(3)
، وإنما لم يعين من عرفهم من أهل النار لئلا يغتابهم إن كانوا مسلمين.
وقوله فيه: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" سببه أن الشارع نظر في حاله فلم يره يغفل شيئًا من الفرائض، وعلم مبيته في المسجد فذكره بذلك، فلو كان يقوم من الليل لم يعرض عليها، ولم يرها، ثم إنه من تلك الرؤيا لم ينم من الليل إلا قليلا.
وقوله فيه: "لم ترع" أي: لا روع عليك، ولا ضرر، وفي "الفضائل" لابن زنجويه -بإسناد جيد- أنه لما ذهب به إلى النار لقيه رجل فقال: دعه، إنه نعم الرجل لو كان يصلي من الليل؛ فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها:"إن أخاك رجل صالح".
ثم ساق البخاري حديث سهل بن سعد في نوم المسجد.
وحديث أبي هريرة: لقد رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ .. الحديث.
وسيأتي حديث سهل في الاستئذان
(4)
، وفضائل علي
(5)
، وقد أخرجه مسلم أيضا في الفضائل
(6)
.
(1)
"الجمع بين الصحيحين" 4/ 242.
(2)
سيأتي برقم (1121 - 1122) كتاب: التهجد.
(3)
"تاريخ دمشق" 31/ 98 - 100، 102 - 103.
(4)
سيأتي برقم (6280) باب: القائلة في المسجد.
(5)
سيأتي برقم (3703) كتاب: فضائل الصحابة.
(6)
مسلم (2409) باب: من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وحاصل الباب جواز سكنى الفقراء في المسجد، وجواز النوم فيه لغير الغرباء، وقد اختلف العلماء في ذلك، فممن رخص في النوم فيه ابن عمر، وقال: كنا نبيت فيه ونقيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وعن ابن المسيب
(2)
والحسن
(3)
وعطاء
(4)
وابن سيرين
(5)
مثله، وهو قول الشافعي.
واختلف عن ابن عباس، فروي عنه أنه قال: لا تتخذوا المسجد مرقدًا
(6)
، وروي عنه أنه قال: إن كنت تنام فيه لصلاة فلا بأس
(7)
.
وقال مالك: لا أحب لمن له منزل أن يبيت في المسجد، وسهل فيه للضعيف، ولمن لا منزل له، وهو قول أحمد وإسحاق
(8)
، قال مالك: وقد كان أضياف النبي صلى الله عليه وسلم يبيتون في المسجد.
وكره النوم فيه ابن مسعود
(9)
وطاوس
(10)
ومجاهد
(11)
، وهو قول الأوزاعي، وقول من أجاز النوم فيه للغرباء، وغيرهم أولى لأحاديث
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 427 (4914).
(2)
رواه عبد الرزاق 1/ 421 (1648)، وابن أبي شيبة 1/ 428 (4922).
(3)
رواه عبد الرزاق 1/ 420 (1647)، وابن أبي شيبة 1/ 427 (4913).
(4)
رواه عبد الرزاق 1/ 421 (1650 - 1651)، وابن أبي شيبة 1/ 427.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 427 (4912).
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 427 (4915) بلفظ: قال رجل لابن عباس: إني نمت في المسجد الحرام فاحتلمت، فقال: أما أن تتخذه مبيتًا أو مقيلًا فلا، وأما أن تنام تستريح أو تنتظر حاجة فلا بأس.
(7)
رواه عبد الرزاق 1/ 422 (1653).
(8)
انظر: "المنتقى" 1/ 312، "الآداب الشرعية" لابن مفلح 3/ 384.
(9)
رواه عبد الرزاق 1/ 422 (1654)، وابن أبى شيبة 1/ 428 (4920).
(10)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 247 (4916).
(11)
رواه عبد الرزاق 1/ 421 (1652)، وابن أبي شيبة 1/ 427 (4916، 4918).
الباب، وقد سئل سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار عن النوم فيه، قالا: كيف تسألون عنها، وقد كان أهل الصفة ينامون فيه
(1)
وهم قوم كان مسكنهم المسجد.
وذكر الطبري عن الحسن قال: رأيت عثمان بن عفان نائمًا فيه ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين
(2)
.
قال: وقد نام في المسجد جماعة من السلف، فغير محذور الانتفاع به فيما يحل كالأكل والشرب، والجلوس، وشبه النوم من الأعمال، وقال الحربي: الصفة في مسجده موضع مظلل يأوي إليه المساكين.
وفي حديث سهل بن سعد فوائد:
الأولى: جواز التكنية بغير الولد، وأنه صلى الله عليه وسلم كناه أبا تراب، وفي البخاري في كتاب الاستئذان: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح إذا دعي بها
(3)
.
الثانية: مداراة الصهر وتسلية أمره (من عناء به)
(4)
.
الثالثة: الممازحة للغاضب بالتكنية بغير كنيته إذا كان ذلك لا يغضبه، ولا يكرهه، بل يؤنسه من حرجه.
(1)
أثر سعيد بن المسيب رواه عبد الرزاق 1/ 421 (1648)، وابن أبي شيبة 1/ 428 (4922).
وأثر سليمان بن يسار رواه ابن أبى شيبة 1/ 427 (4911).
(2)
ورواه أحمد في "الزهد" ص 158، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 60، وابن عساكر في "تاريخه" 39/ 226.
(3)
سيأتي برقم (6280) باب: القائلة في المسجد.
(4)
كذا في الأصل.
الرابعة: أن الملابس كلها يحاول بها ستر العورة، وأنه لا ملبس لمن بدت عورته.
الخامسة: القيلولة في المسجد وأنه لم يَقِلْ عند فاطمة، ونام في المسجد فمعنى (لم يقل عندي): لم ينم وقت القائلة، وهي نوم نصف النهار. وفيه فضيلة ظاهرة لعلي رضي الله عنه.
59 - باب الصَّلَاةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ. [انظر: 2757]
443 -
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الَمسْجِدِ -قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ ضُحًى- فَقَالَ: "صَل رَكْعَتَيْنِ". وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْن فَقَضَانِي وَزَادَنِي. [1801، 2097، 2309، 2385، 2394، 2406، 2470، 2603، 2604، 2718، 2861، 2967، 3087، 3089، 3090، 4052، 5079، 5080، 5243، 5244، 5245، 5246، 5247، 5067، 6387 - مسلم: 715 - فتح: 1/ 537]
وهذا التعليق ذكره مسندًا في غزوة تبوك مطولا
(1)
.
ثم ساق البخاري حديث جابر: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ فِي المَسْجِدِ -قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ ضُحًى- فَقَالَ: "صَلِّ رَكعَتَيْنِ". وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي.
وهذا الحديث هو حديث الجمل الذي اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جابر، وقد ذكره البخاري في سبعة عشر موضعا: هنا، والحج
(2)
، والوكالة
(3)
، والاستقراض في موضعين
(4)
، والشفاعة في وضع الدين
(5)
، والهبة
(6)
،
(1)
سيأتي برقم (4418) كتاب: المغازي، باب: حديث كعب بن مالك.
(2)
سيأتي برقم (1801) العمرة، باب: لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة.
(3)
سيأتي برقم (2309) باب: إذا وكَّل رجلًا أن يعطي شيئًا ولم يُبِّين كم يعطي، فأعطى على ما يتعارفه الناس.
(4)
سيأتي برقم (2385) باب: من اشترى بالدَّيْن وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته، وبرقم (2394) باب: حسن القضاء.
(5)
سيأتي برقم (2406) كتاب: الاستقراض.
(6)
سيأتي برقم (2603، 2604) باب: الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، والمقسومة وغير المقسومة.
والشروط
(1)
، والجهاد في أربعة مواضع منه
(2)
والنكاح في ثلاثة مواضع منه
(3)
، والنفقات
(4)
، والدعوات
(5)
.
وقد أوضحتها والكلام عليه في "شرح العمدة" فسارع إليه تجد ما يشفي الغليل مع فائدة بديعة أبداها السهيلي فيه
(6)
.
وأخرجه مسلم في الصلاة
(7)
، والبيوع
(8)
، والجهاد
(9)
، وأبو داود
(10)
، والنسائي في البيوع
(11)
.
واختلف الرواة عن جابر في ألفاظه: فمنهم من ساقه بطوله، ومنهم من ساق ذكر التزويج فقط، ومنهم من ساق ذكر الجمل دون ذكر
(1)
سيأتي برقم (2718) باب: إذا اشترط البائع ظهر الدابة.
(2)
سيأتي برقم (2861) باب: من ضرب دابة غيره في الغزو، و (2967) باب: استئذان الرجل الإمام لقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور: 62]، و (3087) باب: الصلاة إذا قدم من سفر، وبرقم (3089، 3091) باب: الطعام عند القدوم، هي خمسة مواضع كما ترى.
(3)
سيأتي برقم (5079، 5080) باب: تزويج الثيبات، و (5243، 5244) باب: لا يطرق أهله ليلًا إذا طال الغيبة، و (5245، 5246) باب: طلب الولد، وبرقم (5247) باب: تَستحدُّ المغيبة وتمتشط الشَّعِثَة. هي سبعة مواضع كما ترى.
(4)
سيأتي برقم (5367) باب: عون المرأة زوجها في ولده.
(5)
سيأتي برقم (6387) باب: الدعاء للمتزوج.
(6)
"الإعلام" 7/ 291 - 292.
(7)
مسلم (715) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب تحية المسجد بركعتين وباب: استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه.
(8)
مسلم (715) بعد حديث (1599) في المساقاة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه.
(9)
مسلم (715) بعد حديث (1928) الإمارة، باب: كراهية الطروق وهو الدخول ليلًا، لمن ورد من سفر.
(10)
أبو داود (2048، 3505).
(11)
النسائي 7/ 297 - 300.
التزويج، ولم يسق هنا ما بوب عليه، وقد ذكره كذلك في البيوع
(1)
، ومن عادته الإحالة على أصل الحديث.
وحظنا منه هنا استحباب الصلاة في المسجد عند القدوم من السفر، ووقت الدين والزيادة فيه، وهو داخل في قوله:"خياركم أحسنكم قضاء"
(2)
، وعن مالك منع لزيادة العدد دون الصفة إذا كانت بغير شرط، وأجازها عيسى بن دينار، والقاضي أبو محمد
(3)
، وسنتكلم -إن شاء الله- في كل موضع بما يليق به، إن شاء الله الوصول إليه، وحذف ابن بطال هذا الباب فلم يشرحه هنا.
(1)
سيأتي برقم (2097) باب: شراء الدواب والحمير.
(2)
سيأتي من حديث أبي هريرة برقم (2305) كتاب: الوكالة، باب: وكالة الشاهد والغائب جائزة، ورواه مسلم (1601) كتاب: المساقاة، باب: من استسلف شيئًا فقضى خيرًا منه و"خيركم أحسنكم قضاء".
(3)
انظر: "المعونة" 2/ 35، "المنتقى" 4/ 159 - 160.
60 - باب إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ قبل أن يجلس
444 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ". [1163 - مسلم: 714 - فتح: 1/ 537]
ساق بإسناده من حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي السلمي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه أيضا في صلاة الليل
(1)
وغيره
(2)
.
وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
.
وطرقه الدارقطني في "علله"
(4)
، وروي من حديث جابر
(5)
، وهو
(1)
سيأتي برقم (1163) كتاب: التهجد، باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى.
(2)
لم أقف عليه في موضع آخر في "الصحيح"، وتبين ذلك جليًّا بعد مراجعة "تحفة الأشراف"(12123).
(3)
مسلم (714) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب تحية المسجد بركعتين
…
(4)
"علل الدارقطني" 6/ 141 - 145.
(5)
رواه أبو يعلى 4/ 89 (2117)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"، "تحفة" 1/ 409 (388)، والخطيب في "تاريخه" 3/ 47؛ كلهم من طريق سهيل بن أبي صالح، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم، عن جابر. قال الخطيب: هكذا روى هذا الحديث خارجة بن مصعب، عن سهل وهو وَهَمٌ؛ خالف سهيل الناس في روايته، وقد رواه مالك بن أنس وزياد بن سعد وربيعة بن عثمان وعثمان بن أبي =
غير محفوظ كما قاله الترمذي
(1)
، وزاد ابن حبان في "صحيحه" في حديث أبي قتادة: قبل أن يجلس أو يستخبر
(2)
.
ثانيها:
فيه: استحباب تحية المسجد بركعتين، وهي سنة بالإجماع
(3)
، وعن داود الوجوب تمسكًا بظاهر الأمر.
وحملة الجمهور على الندب، بدليل أن المحدث لا يحرم عليه دخوله.
وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يمرون في المسجد ولا يركعون، روى ابن أبي شيبة، عن عبد العزيز بن الدراوردي، عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون.
قال زيد: وقد رأيت ابن عمر يفعله
(4)
.
وذكره مالك عن زيد بن ثابت، وسالم بن عبد الله
(5)
، وكان القاسم يفعله، وكذا الشعبي
(6)
، وقال جابر بن زيد: إذا دخلت مسجدًا فصل فيه، فإن لم تصل فاذكر الله فإنك قد صليت.
= سليمان، وعمر بن عبد الله بن عروة، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب. اهـ.
(1)
"سنن الترمذي" عقب حديث (316)، قال على بن المديني: وحديث سهيل بن أبي صالح خطأ. قلت لجابر حديث آخر في "الصحيح" بنحو هذا، ورواه مسلم (875/ 59) بلفظ، باب:"إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما".
(2)
ابن حبان 6/ 245 - 246 (2499).
(3)
"التمهيد" 20/ 100، "المجموع" 3/ 543 - 544.
(4)
ابن أبي شيبة 1/ 299 (3428).
(5)
أثر سالم رواه ابن أبي شيبة 1/ 300 (3432).
(6)
رواه عبد الرزاق 1/ 428 - 429 (1675).
ثالثها:
كراهة الجلوس من غير صلاة وهي كراهة تنزيه.
رابعها:
استحبابها
(1)
كل وقت، وكرهها أبو حنيفة ومالك في وقت النهي، والأصح عند الشافعية عدمها إن دخل لا يقصدها
(2)
.
خامسها:
أنها لا تحصل بركعة وهو الأصح
(3)
، وبقيت فروع متعلقة بها ذكرتها مفصلة في "شرح المنهاج" فراجعها منه.
(1)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: في المسألة ثلاثة أوجه: يستحب؛ ويجب.
(2)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 296، "المنثور من القواعد" 2/ 171.
(3)
انظر: "طرح التثريب" 3/ 187.
61 - باب الحَدَثِ فِي المَسْجِدِ
445 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ". [انظر: 176 - مسلم: 362، 649 - فتح: 1/ 538]
ساق بإسناده من حديث الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه في باب من يجلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد بزيادة كما ستعلمه
(1)
.
ورواه مسلم من حديث أبي صالح عن أبي هريرة
(2)
.
وأخرجه البخاري من هذا الوجه أيضًا
(3)
، ومسلم من حديث أبي رافع الصائغ
(4)
، ومحمد بن سيرين أيضا عن أبي هريرة
(5)
، ويأتي في البخاري
(1)
سيأتي برقم (659) كتاب: الأذان.
(2)
مسلم (149/ 272) كتاب: المساجد، باب: فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة، ومسلم أيضًا من طريق أبي صالح بغير سياق حديث الباب (362) كتاب: الحيض، باب: الدليل على أن من تيقَّن الطهارة ثم شكَّ في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك.
(3)
سيأتي برقم (477) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في مسجد السوق، و (647) كتاب: الأذان، باب: فضل صلاة الجماعة، و (2119) كتاب: البيوع، باب: ما ذكر في الأسواق.
(4)
مسلم (649/ 274).
(5)
مسلم (649/ 273).
أيضًا من حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة
(1)
، وسلف في الطهارة من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة
(2)
.
ثانيها:
قوله: "ما لم يحدث" هو بالتخفيف كما قال الداودي، وهو دالٌّ على جواز الحدث في المسجد، وقد روي:"ما لم يحدث ما لم يؤذ أحدًا"
(3)
، وتأول العلماء الأذى بالغيبة وشبهها، وسببه أن أذى ذلك أكثر من أذى الحدث، ومن رواه بالتشديد أراد بغير ذكر الله تعالى، قال ابن التين: ولم يذكر التشديد أحد، وذكر ابن حبيب عن إبراهيم النخعي أنه سمع عبد الله بن أبي أوفي يقول: هو حديث الإثم.
ثالثها:
معنى الباب كما قال المهلب: أن الحدث في المسجد خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة، ودعاءهم المرجو بركته، وسببه ما آذاهم من الروائح الخبيثة، فمن أراد حط ذنوبه لازم مصلى محبوبه بعد الصلاة ليستكثر من استغفار الملائكة له، وقد شبه صلى الله عليه وسلم ذلك بالرباط، وأكد بتكراره، {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] قد أخبر الشارع أنه من وافق تامينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
(4)
، وتأمينهم إنما هو مرة عند تأمين الإمام، فكيف بمرات!!
(1)
سيأتي برقم (3229) كتاب: بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم: آمين.
(2)
سلف برقم (176) كتاب: الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين: من القُبُل والدُّبُر.
(3)
سيأتي برقم (2119)، ورواه مسلم (649/ 272).
(4)
سيأتي من حديث أبي هريرة برقم (781) كتاب: الأذان، باب: جهر الإمام بالتامين، ورواه مسلم (410) كتاب: الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين.
وقد اختلف السلف في جلوس المحدث في المسجد، فروي عن أبي الدرداء أنه خرج من المسجد فبال، ثم دخل وتحدث مع أصحابه، ولم يمس ماء
(1)
، وعن علي مثله
(2)
، وروي ذلك عن عطاء
(3)
، والنخعي وابن جبير
(4)
، وكره أن يتعمد الجلوس في المسجد على غير وضوء ابن المسيب، والحسن وقالا: يمر مارًا ولا يجلس فيه
(5)
.
رابعها: (ما) من قوله: ("ما دام في مصلاه") مصدرية ظرفية، أي: مدة دوام كونه في مصلاه، وهؤلاء الملائكة يجوز أن يكونوا الحفظة أو غيرهم.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 134 (1539).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 134 (1540).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 134 (1546).
(4)
أثر ابن جبير رواه ابن أبي شيبة 1/ 134 (1541).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 134 (1545).
62 - باب بُنْيَانِ المَسْجِدِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ المَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ. وَأَمَرَ عُمَرُ بِبنَاءِ المَسْجِدِ وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ. وَقَالَ أَنَسٌ: يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارى. [فتح: 1/ 539]
446 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الَمسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ، فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالحجَارَةِ الَمنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ. [فتح: 1/ 540]
(وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ المَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ) هذا التعليق يأتي مسندًا في باب هل يصلي الإمام بمن حضر؟ وهل يخطب في المطر يوم الجمعة؟
(1)
قال البخاري: وَأَمَرَ عُمَر بِبِنَاءِ المَسْجِدِ وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ.
في ابن ماجه بإسناد ضعيف نحو هذا عنه مرفوعا: "ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم"
(2)
.
(1)
سيأتي برقم (669) كتاب: الأذان.
(2)
ابن ماجه من حديث عمر بن الخطاب (741)، قال البوصيري في "الزوائد" =
وقوله: (أكنَّ) قال ابن التين: رواه بضم الهمزة، وكسر الكاف على أنه رباعي، وهو قول أبي زيد، وأما الكسائي فقال: هو ثلاثي، تقول: كننت الشيء سترته، وصنته من الشمس، واكننته في نفسي. أسررته، وقال أبو زيد: كننته واكننته بمعنى في الكن، وفي النفس جميعًا.
وقوله: (وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس)، قال: رويناه بضم التاء على أنه رباعي من أفتن، وأنكر ذلك الأصمعي وأجازه أبو عبيد، ويمكن أن يكون فهم هذا من رد الشارع الخميصة إلى أبي جهم، حيث نظر إلى أعلامها في الصلاة
(1)
.
قال البخاري: وَقَالَ أَنَسٌ: يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا.
وهذا أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث أبي قلابة عن أنس مرفوعا: "يأتي على الناس زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا، (أو)
(2)
قال: يعمرونها قليلا"
(3)
.
= (249): إسناده ضعيف، فيه أبو إسحاق، كان يدلس، وهو كذاب.
وقال ابن حجر في "الفتح" 1/ 539: رجاله ثقات إلا شيخه جبارة بن المغلس، ففيه مقال. وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(158)، قال: ضعيف جدًّا.
(1)
يشير المصنف رحمه الله إلى حديث عائشة الذي سلف برقم (373) كتاب: الصلاة، باب: إذا صلُّى في ثوبٍ له أعلام، ونظر إلى عَلَمها، ورواه مسلم (556) كتاب: المساجد، باب: كراهةَ الصلاة في ثوب له أعلام، ولفظه عند البخاري: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرةً، فلما انصرف قال:"اذهبوا بخميصتي هذِه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي".
(2)
كذا في "صحيح ابن خزيمة"، وفي (س) بدون الهمزة.
(3)
ابن خزيمة 2/ 281 (1321). ضعف إسناده الألباني في "صحيح ابن خزيمة"(1321)، لكنه روي بلفظ آخر عن أبي قلابة، عن أنس مرفوعًا، ولفظه:"لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد"، رواه أبو داود (449)، والنسائي 2/ =
وقال البخاري: وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارى.
وهذا أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عنه بعد أن روى عنه مرفوعًا: "ما أمرت بتشييد المساجد"
(1)
.
و (الزخرفة): الزينة أي: لتزيننها ولتموهنها وأصل الزخرف: الذهب والنهي خوف شغل المصلي، أو لإخراج المال في غير وجهه أو لهما.
ثم ساق البخاري حديث نافع أنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرَهُ أَن المَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ، فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ المَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ
= 32، وابن ماجه (739)، وأحمد 3/ 134، والدارمي 2/ 883 - 884 (1448)، وابن حبان في "صحيحه" 4/ 492، 493 (1613، 1614). صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(476).
(1)
"سنن أبي داود"(448). وصححه ابن حبان 4/ 493 - 494 (1615). وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 540: وإنما لم يذكر البخاري المرفوع منه للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله.
قال الألباني في "صحيح أبي داود"(475) تعليقًا على قول ابن حجر: وقد وصله أبو فزارة، وهو ثقة، فيجب قبول زيادته. وقال أيضًا -أعني الألباني-: قال الشيخ القاري في "المرقاة": وهو موقوف، لكنه في حكم المرفوع. اهـ.
وهذِه الزيادة الموقوفة قد روى معناها مرفوعًا عن ابن عباس، ورواه ابن ماجه (740)، ولفظه:"أراكم ستُشرِّفون مساجدكم بعدي كما شَرَّفَت اليهود كنائسها، وكما شَرَّقَت النصارى بِيَعَها". وقد ضعفه البوصيري في "الزوائد"(248)، قال: هذا إسناد فيه جبارة بن المغلس، وهو كذاب. وضعفه أيضًا الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 460.
مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ.
قوله: (باللبن) رويناه بفتح اللام وكسر الباء، كما قال ابن التين، وقال ابن السكيت: من العرب من يقول: لبنة ولبن مثل لبدة ولبد.
قال السهيلي: نخرت عمده في خلافة عمر فجددها، فلما كان عثمان بناه بالحجارة كما سلف، وجعل قبلته من الحجارة
(1)
.
و (القصة): بالقاف والصاد المهملة: الحصن، وقال الخطابي: شيء يشبهه، وليس منه
(2)
.
و (الساج): نوع من الخشب يجاء به من الهند
(3)
، ثم بناه عبد الله بن الزبير، ثم الوليد بن عبد الملك، ثم المنصور، ثم المهدي ووسعه، وزاد فيه سنة ستين ومائة، ثم زاد فيه المامون سنة اثنتين ومائتين، وأتقن بنيانه.
قال السهيلي: ولم يبلغنا أن أحدًا غيَّر منه شيئًا.
قال ابن بطال: جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بكراهة تشييد المساجد، وتزيينها، فروى حبيب ابن الشهيد، عن الحسن قال: لما بني المسجد قالوا: يا رسول الله، كيف نبنيه؟ قال:"ليس لي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى"
(4)
(5)
.
(1)
"الروض الأنف" 2/ 248.
(2)
"معالم السنن" 1/ 121. والقصَّة والقصَّة والقَمق: الجَصّ، لغة حجازية، وقيل: الحجارة من الجَصِّ، وقد قصَّصَ داره أَيْ جصَّصَها. انظر: "الصحاح" 3/ 1052، "لسان العرب" 6/ 3652، مادة: قصص.
(3)
الساج: جمع ساجة، الساجة: الخشبة الواحدة المشَرُجَعَة المرَبَّعَة، كما جلبت من الهند، ويقال للساجة التي يُشَقّ منها الباب: السَّليجة. انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1586، "لسان العرب" 4/ 2141، مادة: سوج، "الروض الأنف" 2/ 248.
(4)
تقدم تخريجه في حديث (428).
(5)
"شرح ابن بطال" 2/ 96 - 97.
وقال أُبي: إذا زوَّقتم مساجدكم، وحلَّيتم مصاحفكم فالدمار عليكم
(1)
، وقد سلف حديث:"ما أمرت بتشييد المساجد".
وقال ابن عباس: أمرنا أن نبني المساجد جمًا والمدائن شرفًا
(2)
، وقال مجاهد: نهينا أن نصلي في مسجد مشرف
(3)
.
(1)
لم أجده في رواية أبي، وإنما رواه ابن أبي شيبة 1/ 274 (3148)، 6/ 148 (30223) عن سعيد بن أبي سعيد، قال: قال أبي:
…
فذكره. وعزاه الألباني في "الصحيحة"(1351) إلى "مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 100/ 2 - مخطوط الظاهرية) وذكره عن سعيد بن أبي سعيد مرفوعًا، وقال: وهذا إسناد مرسل حسن. اهـ. ورواه عن أبي الدرداء موقوفًا ابن المبارك في "الزهد"(797) عن بكر بن سوادة، عن أبي الدرداء به مع تقديم وتأخير في لفظه. وضعفه السيوطي في "الجامع الصغير"(586)، وضعفه أيضًا المناوي في "فيض القدير" 1/ 470. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (585).
وقال الألباني في "الصحيحة": وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم، ولكني لا أدري إذا كان بكر بن سوادة سمع من أبي الدرداء أم لا؟ ولكنه شاهد لا بأس به للمرسل، وهو وإن كان موقوفًا فله حكم الرفع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي، لاسيما وقد روي عنه مرفوعًا. ذكره كذلك الحكيم الترمذي في "كتاب الأكياس والمغترين" ص 78 - مخطوط الظاهرية، وكذلك عزاه السيوطي في "الجامع" إلى الحكيم عنه، يعني في "نوادر الأصول" وذكر المناوي أن إسناده ضعيف. والله أعلم. اهـ.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 274 (3151)، والبيهقي 2/ 439، وذكر السيوطي من رواية ابن أبي شيبة مرفوعًا وأشار إلى حسنه في "الجامع الصغير"(1067)، لكني لم أقف عليه في "مصنف ابن أبي شيبة" عن ابن عباس مرفوعًا، وإنما وجدته موقوفًا كما سلف. وضعف الألباني رفعه في "ضعيف الجامع"(54)، وضعف الموقوف أيضًا في "الضعيفة"(1731).
(3)
لم أقف عليه من قول مجاهد، وإنما وقفت عليه من رواية ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، رواه ابن أبي شيبة 1/ 275 (3154)، والطبراني 12/ 407 (13499)، والبيهقي 2/ 439. وذكره الهيثمي 2/ 16، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، =
وهذِه الآثار مع ما ذكره البخاري في الباب تدل على أن السنة في بنيان المساجد القصد، وترك الغلو في تشييدها خشية الفتنة والمباهاة ببنيانها، ألا ترى أن عمر قال للذي أمره ببناء المسجد: أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس، وكان عمر قد فتح الله الدنيا في أيامه، ومكنه في المال، فلم يغير المسجد عن بنيانه، ثم كثر المال زمن عثمان فلم يزد أن جعل مكان اللبن حجارة وقصة، وسقفه بالساج مكان الجريد، فلم يقصرا عن البلوغ في تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علم منهما عن الشارع لكراهة ذلك، وليقتدي بهما في الأخذ من الدنيا بالقصد والكفاية والزهد في معالي أمورها، وإيثار البلغة بها.
روى برد أبو العلاء، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: جمعت الأنصار مالًا، فقالوا: يا رسول الله، ابن بهذا المسجد، فقال:"إذا يعجب ذلك المنافقين"
(1)
، فدل على أن المؤمنين لا يعجبهم ذلك.
= ورجاله رجال الصحيح، غير ليث بن أبي سليم، وهو ثقة مدلس، وقد عنعنه.
وضعفه الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 463، قال: وهو ضعيف لما علمت من حال ليث.
(1)
لم أقف عليه بهذا اللفظ.
63 - باب التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ المَسْجِدِ
وَقَولِ اللهِ عز وجل: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} الآية
447 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الَحذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: قَالَ لِي ابن عَبَّاسٍ وَلابِنهِ عَليٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ. فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الَمسْجِدِ، فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ:"وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ". قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الفِتَنِ. [2812 - فتح: 1/ 541]
سبب نزولها: أنه لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون، فعيروه بالكفر وأغلظ له علي، فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوئنا دون محاسننا، فقال له علي: ألكم محاسن؟ قال: نعم. إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحاج، ونفك العاني، فأنزل الله هذِه الآية.
وقوله: ({شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ}) قيل: سجودهم للأصنام واتخاذها آلهة.
ثم ساق البخاري حديث عِكْرِمَةَ: قَالَ لِي ابن عَبَّاسٍ وَلاِبْنِهِ عَلِيٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ. فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ:"وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ". قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ باللهِ مِنَ الفِتَنِ.
وهذا الحديث ذكره البخاري في الجهاد
(1)
.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
ابن ابن عباس هو السجاد؛ لكثرة عبادته، الثقة ولد ليلة قتل علي في شهر رمضان سنة أربعين فسمي باسمه، وكني بكنيته، فقال له عبد الملك بن مروان: لا والله لا احتمل لك الاسم والكنية جميعًا، فغير كنيته فصيرها أبا محمد، ولي الخلافة
(2)
، وكان له خمسمائة شجرة، فصلى عند أصل كل شجرة ركعتين، فكان يصلي في اليوم ألف ركعة، مات بعد العشر ومائة، إما سنة أربع عشرة، أو سبع عشرة، أو ثمان عشرة، أو تسع عشرة، عن ثمانٍ أو تسع وسبعين سنة، روى له الجماعة خلا البخاري ففي الأدب
(3)
.
الثانية:
قوله: (انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ) فيه: أن العالم يبعث ولده إلى عالم آخر ليتعلم منه؛ لأن العلم لا يحويه أحد.
وقوله: (في حائطه) أي: بستانه.
وقوله: (فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا) فيه: أن العالم يتهيأ للحديث ويجلس له جلسة تأهبًا لذلك، ومعنى (أنشا يحدثنا): أخذ في الحديث.
(1)
سيأتي برقم (2812) باب: مَسْح الغبار عن الرأس في سبيل الله.
(2)
في هامش (س): قوله: (ولي الخلافة) ينبغي أن تكون بعد قوله: (
…
) لا في هذا المكان، فإنه يوهم أنه تولى الخلافة، وليس كذلك، والله أعلم.
(3)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 312 - 314، "الجرح والتعديل" 6/ 192 (1056)، "تهذيب الكمال" 21/ 35 - 45 (4097)، "تهذيب التهذيب" 3/ 180.
وقوله: (لبنة .. ) إلى آخره، فيه: ارتكاب المشقة في عمل البر.
قال ابن إسحاق: وعمار أول من بنى لله مسجدًا
(1)
. قال السهيلي: فكيف أضاف إليه بنيانه، وقد بناه معه الناس
(2)
؟!
فنقول: إنما عنى بهذا مسجد قباء؛ لأن عمارًا هو الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببنيانه، وهو الذي جمع الحجارة له، فلما أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم استتم بنيانه عمار، كذا ذكره ابن إسحاق
(3)
.
الثالثة:
التعاون في بنيان المسجد من أفضل الأعمال؛ لأن ذلك مما يجزى الإنسان أجره بعد مماته، ومثل ذلك حفر الآبار، وتحبيس الأموال التي يعم العامة نفعها، والولد الصالح يدعو له بعد موته، قال المهلب: وفيه: بيان ما اختلف فيه من قصة عمار
(4)
.
وقوله: "يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار" إنما يصح ذلك في الخوارج الذين بعث إليهم علي بن أبي طالب عمارًا يدعوهم إلى الجماعة، وليس يصح في أحد من الصحابة؛ لأنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يتأول عليهم إلا أفضل التأويل؛ لأنهم الصحابة الذين
(1)
حكى هذا القول عن ابن إسحاق السهيلي في "الروض الأنف" 2/ 248 باعتباره أثرًا، وهذا الأثر رواه عن القاسم بن عبد الرحمن ابن سعد في "طبقاته" 3/ 250، وابن أبي شيبة 6/ 389 (32243)، 7/ 251 (35772)، 7/ 341 (36592)، وابن أبي عاصم في "الأوائل" 1/ 91 - 92 (115)، والطبراني 9/ 195 - 196 (8961)، وفي "الأوائل" 1/ 109 (80)، والحاكم 3/ 385. ذكره الهيثمي 2/ 10، 5/ 271، وقال: رواه الطبراني، وإسناده منقطع.
(2)
"الروض الأنف" 2/ 248.
(3)
نقل قوله السهيلي، انظر التخريج السابق.
(4)
كما في "شرح ابن بطال" 2/ 98.
أثنى الله عليهم وشهد لهم بالفضل بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} . قال المفسرون: وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد صح أن عمارًا بعثه علي إلى الخوارج يدعوهم إلى الجماعة التي فيها العصمة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته لا تجتمع على ضلال
(1)
.
(1)
يشير إلى حديث: "إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة"، وقد ورد بألفاظ مختلفة ومن طرق مختلفة، منها: ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعًا (2167)، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. والحاكم 1/ 116.
وما رواه أبو داود (4253) من حديث أبي مالك الأشعري بلفظ: "إن الله أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعًا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة".
قال الحافظ في "التلخيص" 3/ 141: هذا حديث مشهور له طرق كثيرة، لا يخلو واحد منها من مقال، منها لأبي داود عن أبي مالك الأشعري مرفوعًا -وذكره- وفي إسناده انقطاع، وللترمذي والحاكم عن ابن عمر مرفوعًا -وذكره- وفيه سليمان بن سفيان المدني، وهو ضعيف.
وما رواه الترمذي من حديث ابن عباس مرفوعًا (2166) بلفظ: "يد الله مع الجماعة"، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه. والحاكم 1/ 116 بلفظ: "لا يجمع الله أمتي -أو قال: هذِه الأمة- على الضلالة أبدًا ويد الله على الجماعة".
قال الألباني في "المشكاة"(173) تعليقًا على حديث ابن عمر: علته سليمان المدني، وهو ابن سفيان، وهو ضعيف، لكن الجملة الأولى من الحديث صحيحة - يقصد:"إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة"- لها شاهد من حديث ابن عباس، أخرجه الترمذي والحاكم وغيرهما بسند صحيح. اهـ. وقد صححه الألباني أيضًا من حديث ابن عمر في "صحيح الجامع"(1848).
وروى ابن أبي شيبة 7/ 456 (37181) عن بشير بن عمرو قال: شيعنا ابن مسعود حين خرج، فنزل في طريق القادسية فدخل بستانًا، فقضى الحاجة ثم توضأ ومسح على جوربيه، ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء، فقلنا له: اعهد إلينا فإن الناس قد وقعوا في الفتن لا ندري هل نلقاك أم لا، قال: اتقوا الله واصبروا حتى يستريح =
وفيه: أن عمارًا فهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذِه الفتنة في الذين يستعاذ بالله منها، وفي الاستعاذة منها دليل أنه لا يدري أحد في الفتنة أهو مأجور أم مأثوم إلا بغلبة الظن، فلو كان مأجورًا لما استعاذ بالله من الأجر، وهذا يرد الحديث المروي:"لا تستعيذوا بالله من الفتنة فإنها حصاد المنافقين"
(1)
.
الرابعة:
فيه: فضيلة ظاهرة لعمار وهو علم من أعلام النبوة؛ لأن الشارع أخبر بما يكون فكان كما قال.
= بر أو يستراح من فاجر، وعليكم بالجماعة، فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة ..
صحح إسناده الحافظ في "التلخيص" 3/ 141 قال تعليقًا عليه: ومثله- يعني قول ابن مسعود: وعليكم بالجماعة .. - لا يقال من قبل الرأي.
(1)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وإنما وجدته بلفظ:"لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان، فإنها تبين المنافقين" عن على مرفوعًا، رواه أبو الشيخ الأنصاري في "طبقات المحدثين بأصبهان " 3/ 541 (697)، والديلمي كما في دا الفردوس بماثور الخطاب" 5/ 38 (7390)، وعزاه الحافظ في "الفتح" 13/ 44 لأبي نعيم لكن بلفظ "تبير المنافقين" بدلًا من "تبين المنافقين"، وقال: في سنده ضعيف ومجهول.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور"(445) وعزاه للديلمي بلفظ: "تبين المنافقين"، وأشار المحقق إلى أنه في نسخة أخرى من المخطوط بلفظ:"تنثر المنافقين".
وذكره محمد طاهر بن علي الهندي في "تذكرة الموضوعات" ص 222 وعزاه لـ"الذيل، بلفظ: "لا تكرهوا الفتن، فإن فيها حصاد المنافقين". وقال ابن تيمية: موضوع.
وقد أورده الحافظ في "الفتح" 1/ 543 بلفظ المصنف: "لا تستعيذوا بالله
…
" وقال: قد سئل ابن وهب قديمًا عنه، فقال: إنه باطل.
64 - باب الاِسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ وَالْمَسْجِدِ
448 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى امْرَأَةٍ أَنْ: "مُرِي غُلَامَكِ النَجَّارَ يَعْمَلْ لِى أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ". [انظر: 337 - مسلم: 544 - فتح: 1/ 543]
449 -
حَدَّثَنَا خَلَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْن أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ امْرَأَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا؟ قَالَ:"إِنْ شِئْتِ". فَعَمِلَتِ الِمنْبَرَ. [918، 2095، 3584، 3585 - فتح: 1/ 543]
ذكر فيه حديث سهل: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى امْرَأَةٍ: "مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ".
وحديث جابر أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا؟ قَالَ:"إِنْ شِئْتِ". فَعَمِلَتِ المِنْبَرَ.
أما حديث سهل تقدم في باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب
(1)
، وسيأتي في البيوع أيضًا
(2)
، وحديث جابر يأتي في البيوع
(3)
، وعلامات النبوة
(4)
.
وهو دال لما ترجم له، وهو الاستعانة بأهل الصناعات والقدرة في كل شيء يشمل المسلمين نفعه، والنادر إلى ذلك مشكور له فعله.
فإن قلت: حديث سهل يخالف معنى حديث جابر، وذلك أن حديث
(1)
سلف برقم (377) كتاب: الصلاة.
(2)
سيأتي برقم (2094) باب: النجَّار.
(3)
سيأتي برقم (2095) باب: النجَّار.
(4)
سيأتي برقم (3584، 3585) كتاب: المناقب.
سهل: أنه صلى الله عليه وسلم سأل المرأة أن تأمر غلامها بعمل المنبر، وحديث جابر أن المرأة سألت ذلك.
وأجيب: بأنه يحتمل أن تكون المرأة بدأت رسول الله بالمسألة وتبرعت له بعمل المنبر، فلما أباح لها ذلك وقبل رغبتها أمكن أن تنظر الغلام بعمله، فتعلقت نفسه صلى الله عليه وسلم به فاستنجزها إتمامه، وإكمال عدتها إذ علم صلى الله عليه وسلم طيب نفسها بما بذلته من صنعة غلامها، وقد أسلفنا ذلك في باب الصلاة في السطوح، وقد يمكن أن يكون إرساله لها ليعرفها بصفة ما يصنع الغلام في الأعواد، وأن يكون ذلك منبرًا.
وفيه: أن من وعد غيره لعدة أنه يجوز استنجازه فيها، وتحريكه في إتمامها.
65 - باب مَنْ بَنَى مَسْجِدًا
450 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ، أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ الَخوْلَانِيَّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، يَقُولُ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وِإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ- بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ". [مسلم: 533 - فتع: 1/ 544]
ذكر فيه عن عثمان أنه قال عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإنِّي سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ:"مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبتُ أَنَّهُ قَالَ: يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ- بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ".
هذا الحديث أخرجه مسلم
(1)
أيضا في آخر كتابه
(2)
وهي سنة مشهورة رواها جماعات عن عثمان رضي الله عنه:
منهم: عمر؛ أخرجه ابن حبان في "صحيحه" بلفظ: "من بنى (لله)
(3)
مسجدًا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة"
(4)
، ولأبي نعيم:"لا يريد به رياءً ولا سمعة"
(5)
(1)
في هامش (س): أخرجه مسلم في الصلاة أيضًا، وفي آخر كتابه فاعلمه.
(2)
مسلم (533) كتاب: المساجد، باب: فضل بناء المساجد والحث عليها، وبعد حديث (2983) (533/ 43 - 44) كتاب: الزهد والرقائق، باب: فضل بناء المساجد.
(3)
ليست في المطبوع من "صحيح ابن حبان".
(4)
ابن حبان 4/ 486 (1608)، 10/ 486 (4628).
(5)
ورواه بهذا اللفظ من حديث عائشة الطبراني في "الأوسط" 7/ 111 (7005).
ذكره الهيثمي 2/ 8، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه المثنى بن الصباح، ضعفه يحيى القطان وجماعة، ووثقه ابن معين في رواية، وضعفه في أخرى. =
ومنهم علي أخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف بلفظ: "من بنى لله مسجدًا من ماله"
(1)
.
ومنهم جابر أخرجه ابن خزيمة بلفظ: "من حفر ماء لم يشرب منه كبد حر
(2)
من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى (لله)
(3)
مسجدًا كمفحص قطاة أو أصفر بنى الله (له)
(4)
بيتا في الجنة".
(5)
ومنهم أبو ذر أخرجه أبو نعيم بلفظ: "من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص
(6)
قطاة"
(7)
وقال أبو حاتم الرازي: نفس الحديث موقوف، وهو أصح
(8)
.
ومنهم: أبو بكر: "من بنى مسجدًا ولو مثل مفحص قطاة"
(9)
؛ قال أبو حاتم الرازي: منكر
(10)
.
= وصححه الألباني في "الصحيحة"(3399)، قال: حسن أو صحيح بشواهده.
(1)
"سنن ابن ماجه"(737). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 93: هذا إسناد ضعيف؛ الوليد مدلس، وابن لهيعة ضعيف.
(2)
في "صحيح ابن خزيمة": حري.
(3)
لفظ الجلالة ليس في المطبوع من "صحيح ابن خزيمة".
(4)
من "صحيح ابن خزيمة" وليست في (س).
(5)
"صحيح ابن خزيمة" 2/ 269 (1292).
(6)
في "حلية الأولياء" بروايتين عن أبي ذر، إحداها بلفظ:"مثل مفحص". والأخرى بلفظ: "مفحص".
(7)
"حلية الأولياء" 4/ 217.
(8)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 97 (261).
(9)
رواه الطبراني في "الأوسط" 7/ 146 (7114)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 24.
وذكره الهيثمي 2/ 8، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه: وهب بن حفص، وهو ضعيف.
(10)
"علل أبن أبي حاتم" 1/ 140 (390).
ومنهم أنس أخرجه أبو عيسى بلفظ: "من بنى لله مسجدًا صغيرًا كان أو كبيرًا"
(1)
؛ وأخرجه أبو نعيم بلفظ: "من بنى لله مسجدًا في الدنيا يريد به وجه الله" قالوا: إذن نكثر يا رسول الله، قال:"الله أكثر"
(2)
، وفي لفظ:"كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا مسجدًا، فإن له به قصرًا في الجنة من لؤلؤة"
(3)
.
ومنهم: أبو هريرة أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" بلفظ: "من بنى بيتًا يعبد الله فيه حلالًا بنى الله له بيتًا في الجنة من الدر والياقوت"
(4)
. قال أبو زرعة: هو وهم، وقال ابن أبي حاتم: الصحيح أنه موقوف
(5)
.
(1)
"سنن الترمذي"(319). وقد ضعفه العلامة أحمد شاكر في تعليقه عليه، وضعفه أيضًا العلامة الألباني في "ضعيف الجامع"(5509).
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، ووجدته من حديث أنس مرفوعًا لابن عدي في "الكامل" 6/ 47 بلفظ:"من بنى لله مسجدًا ولو مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة". قالوا: يا رسول الله، إذن يكثر. قال:"فالله أكثر". وفي سنده عمر بن رديح، وقد ضعفه ابن عدي.
(3)
لم أقف عليه بهذا اللفظ، وإنما وجدته بلفظ مقارب دون لفظ:"فإن له به قصرًا في الجنة من لؤلؤة"، رواه من حديث أنس مطولًا مرفوعًا أبو داود (5237) بلفظ:" .. أما إن كلَّ بناء وبال على صاحبه إلا ما لا إلا ما لا"- يعني: ما لابد منه. وأحمد 3/ 220 بلفظ: "أما إن كل بناء هدٌّ على صاحبه يوم القيامة، إلَّا ما كان في مسجد- أو في بناء مسجد .. "، وابن أبي الدنيا في "قصر الأمل" (284) بلفظ:"كل بناء وبال على أهله يوم القيامة إلا مسجد .. "، والبيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 390 - 391 (10705، 10707) بلفظ ابن أبي الدنيا. وجود إسناد أبي داود الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(4054). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(422).
(4)
"شعب الإيمان" 3/ 80 (2937) بلفظ: "من بنى لله بيتًا يعبد الله فيه من مال حلال بنى الله له بيتًا في الجنة من در وياقوت". فيه سنده سليمان بن داود اليمامي، وهو منكر الحديث. انظر:"لسان الميزان" 3/ 367 - 369 (3903).
(5)
"علل الحديث" 1/ 178.
وروي أيضا من حديث معاذ
(1)
، وواثلة
(2)
، وعمرو بن عبسة
(3)
وأبي أمامة
(4)
، وعائشة
(5)
، وأبي قرصافة
(6)
، وابن عمر
(7)
(1)
رواه الإسماعيلي في "المعجم" 2/ 701 - 702، والسهمي في "تاريخ جرجان" ص 112، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 406 (682) وقال: هذا حديث لا يصح، قال الفلاس: كان عاصم بن سليمان يضع الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال الدارقطني: كذاب.
(2)
رواه أحمد 3/ 490، والبخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 71، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 177 - 178 (920)، والطبراني 22/ (213)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 168. وذكره الهيثمي 2/ 7 وقال: رواه أحمد والطبراني في "الكبير"، وفيه الحسن بن يحيى الخُشني، ضعفه الدارقطني وابن معين في رواية، ووثقه في رواية، ووثقه دحيم وأبو حاتم.
(3)
رواه النسائي 2/ 31، وفي "الكبرى" 3/ 255 (767)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 39 - 40 (1328)، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 188 (1162)، والبغوي في "شرح السنة" 9/ 355 (2420). صححه الألباني في "صحيح الجامع"(6130).
(4)
رواه الطبراني 8/ 225 (7889). ذكر الهيثمي 2/ 8 وقال: وفيه علي بن زيد، وهو ضعيف.
(5)
رواه أبو عبيد في "غريب الحديث" 1/ 436، والبزار كما في "كشف الأستار"(404)، والطبراني في "الأوسط" 6/ 347 (6586)، 7/ 111 (7005)، ذكره الهيثمي 2/ 8 من طريقين، قال في أحدهما: رواه البزار والطبراني في "الأوسط" باختصار، وفيه: كثير بن عبد الرحمن، ضعفه العقيلي وذكره ابن حبان في "الثقات". اهـ. وقال في الطريق الآخر: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه المثنى بن الصباح، ضعفه يحيى القطان وجماعة، ووثقه ابن معين في رواية، وضعفه في أخرى. اهـ.
وجوَّد إسناد أبي عبيد في "غريبه" الشوكانيُّ في "نيل الأوطار" 2/ 148.
(6)
رواه الطبراني 3/ 19 (2521). ذكره الهيثمي 2/ 9 وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفي إسناده مجاهيل. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(1675).
(7)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(403)، والطبراني في "الأوسط" 6/ 194 =
وابن عمرو
(1)
، وأبي سعيد
(2)
، وأم حبيبة
(3)
، وغيرهم
(4)
.
والمساجد بيوت الله وقد أضافها إلى نفسه بقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وحسبك بهذا شرفًا لها، وقال تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} الآية، فهي أفضل بيوت الدنيا وخير بقاع الأرض، وقد تفضل الله تعالى على بانيها بأن بنى له
= (6167)، قال البزار: لا نعلمه إلا عن ابن عمر بهذا الإسناد، والحكم ليِّن الحديث، وقد روى عنه جماعة كثيرة.
وذكره الهيثمي 2/ 7 وقال: رواه البزار والطبراني في "الأوسط" إلا أنه قال- يقصد الطبراني-: "ولو كمفحص قطاةٍ"، وفيه الحكم بن ظهير وهو متروك.
(1)
رواه أحمد 2/ 221. وذكره الهيثمي 2/ 7 وقال: رواه أحمد، وفيه الحجاج بن أرطاة، وهو متكلم فيه.
(2)
لم أقف عليه.
(3)
رواه الطبراني 23/ 231 (437)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 350، 8/ 426.
(4)
رواه أيضًا من حديث ابن عباس أحمد 1/ 241، والبزار كما في "كشف الأستار" (402). وقال: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، وجابر تكلم فيه جماعة، ولا نعلم أحدًا قدوة ترك حديثه. اهـ.، وذكره الهيثمي 2/ 7 وقال: رواه أحمد والبزار، وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف.
ورواه أيضًا من حديث أسماء بنت يزيد أحمد 6/ 461، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار""تحفة" 1/ 457 (448)، والعقيلي في "الضعفاء" 2/ 126، والطبراني 24/ (468)، وفي "الأوسط" 8/ 221 - 222 (8459). ذكره الهيثمي 2/ 8. وقال: ورجاله موثقون. والحديث: فيه محمود بن عمرو الأنصاري، قال الحافظ في "التقريب" (6514): مقبول.
وروي أيضًا عن غير هؤلاء، ذكر الشوكاني في "نيل الأوطار" 2/ 148 نقلًا عنه لابن منده في كتابه "المستخرج من كتب الناس" أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج، وعبد الله بن عمر، وعمران بن حصين، وفضالة بن عبيد، وقدامة بن عبد الله العامري ومعاوية بن حيدة، والمغيرة بن شعبة، والمقداد بن معد يكرب، وأبو سعيد الخدري.
قصرًا في الجنة، وأجر المسجد جارٍ لمن بناه في حياته وبعد مماته، ما دام يذكر الله فيه، ويصلى فيه، وهذا مما جاءت المجازاة فيه من جنس الفعل.
وقوله: (حين بنى مسجد الرسول) [
…
]
(1)
حين بناه بالحجارة وزاد فيه كما تقدم.
وقوله: (يبتغي به وجه الله) أي: مخلصا في بنائه له، ومن كتب اسمه عليه. فهو بعيد من الإخلاص كما نبه عليه ابن الجوزي؛ لأن المخلص يكتفي برؤية العمل المعمول معه، وقد كان حسان بن أبي حسان يشتري أهل البيت فيعتقهم ولا يخبرهم من هو.
وقوله: "بنى الله له مثله في الجنة" يحتمل أن يكون مثله في المسمى، وأما السعة فمعلوم فضلها أو فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا؛ بسبب إضافته إلى الرب تعالى، وقد بشر الشارع خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب
(2)
، والآخر يضاعف بحسب ما يقترن بالفعل من الإخلاص، ولما فهم عثمان هذا المعنى سابق في بناء المسجد، وحسنه وأخلص فيه وتابعوه.
(1)
كلمة غير واضحة بالأصل.
(2)
يشير إلى حديث عبد الله بن أبي أوفي، الآتي برقم (1792) كتاب: العمرة، باب: متى يُحِلُّ المعتمر، وبرقم (3819) كتاب: مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة، وفضلها رضي الله عنها. ورواه مسلم (2433) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.
66 - باب يَأْخُذُ بِنُصُولِ النَّبْلِ إِذَا مَرَّ فِي المَسْجِدِ
451 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرٍو: أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ فِي الَمسْجِدِ وَمَعَهُ سِهَامٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا".؟ [7073، 7074 - مسلم: 2614 - فتح: 1/ 546]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرٍو: أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ فِي المَسْجِدِ وَمَعَهُ سِهَامٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا".
67 - باب المُرُورِ فِي المَسْجِدِ
452 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ، فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا، لَا يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا". [7075 - مسلم 2615 - فتح: 1/ 547]
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، ثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ، فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا، لَا يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا".
هذان الحديثان أخرجهما البخاري أيضا في الفتن
(1)
، ومسلم في الأدب
(2)
.
والكلام عليهما من أوجه:
أحدها:
لم يذكر في حديث جابر في آخره هنا فقال: نعم، وقد ذكره البخاري كذلك في موضع آخر
(3)
.
وقد اختلف أهل الحديث فيما إذا قال التلميذ لشيخه: أخبرك فلان بكذا وكذا هل يشترط نطقه أم لا؟
وفي رواية ثابت عنه: "إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل
(1)
حديث جابر سيأتي برقم (7073، 7074) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منَّا". وحديث أبي موسى سيأتي برقم (7075).
(2)
حديث جابر رواه مسلم (2614) كتاب: البر والصلة، باب: أمر من مَرَّ بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها.
وحديث أبي موسى رواه مسلم أيضًا (2615).
(3)
سيأتي برقم (7073).
فليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها"
(1)
.
ثانيها:
في الحديث تأكيد حرمة المسلم لئلا يروع بها أو يؤذي؛ لأن المسجد مورد الخلق ولا سيما أوقات الصلوات، وهذا من كريم خلقه ورأفته بالمؤمنين، والمراد به التعظيم لقليل الدم وكثيره بين المسلمين.
ثالثها:
فيه جواز إدخال السلاح المسجد، وعند أبي القاسم في "الأوسط" من حديث أبي البلاد عن محمد بن (عبد الله)
(2)
قال: كنا عند أبي سعيد الخدري فقلب رجل نبلا، فقال أبو سعيد: ما كان هذا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تقليب السلاح ونبله
(3)
-يعني: في المسجد-.
وقد جاء النهي عن شهر السلاح في المسجد ونشر النبل فيه من حديث ابن عمر
(4)
وواثلة
(5)
..
(1)
مسلم (2615/ 123).
(2)
كذا في (س)، وفي "الأوسط": عبيد الله.
(3)
"المعجم الأوسط" 4/ 218 - 219 (4524). ذكره الهيثمي 2/ 26 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه أبو البلاد، ضعفه أبو حاتم.
(4)
رواه ابن ماجه (748) بلفظ: "خصال لا تنبغي في المسجد لا يُتخذ طريقًا ولا يشهر فيه سلاح .. " الحديث. وابن عدي في "الكامل" 4/ 154، وقال: حديث غير محفوظ، وزيد بن جبيرة عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد. اهـ. وابن الجوزي في "العلل" 1/ 403 (676) وقال: لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 95: هذا إسناد فيه زيد بن جبيرة، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ضعيف. وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(163): ضعيف، وصحت منه الخصلة الأولى.
(5)
رواه ابن ماجه (750) بلفظ: "جنِّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم
…
وسل سيوفكم .. " الحديث. =
وابن عباس
(1)
، وغيرهم
(2)
بأسانيد ضعيفة.
= قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 95: إسناده ضعيف، أبو سعيد، هو محمد بن سعيد الصواب، قال أحمد: عمدًا كان يضع الحديث. وقال البخاري: تركوه. وقال النسائي: كذاب. قلت -أي البوصيري-: والحرث بن نبهان ضعيف. اهـ. ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(164). ورواه من حديث واثلة وأبي الدرداء وأبي أمامة جميعًا العقيلي في "الضعفاء" 3/ 347 - 348. وقال: الرواية فيها لين. والطبراني 8/ 132 (7601)، وفي "مسند الشاميين" 4/ 321 (3436)، وابن عدي في "الكامل" 6/ 375، والبيهقي 10/ 103 وقال: فيه العلاء بن كثير هذا شامي منكر الحديث. وابن الجوزي في "العلل" 1/ 404 (677) وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد بن حنبل: العلاء ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وذكره الهيثمي 2/ 25 - 26، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه العلاء بن كثير الليثي الشامي، وهو ضعيف. وقال الألباني في "ضعيف الترغيب" (187): ضعيف جدًّا.
(1)
لم أقف عليه، لكن العيني في "عمدة القاري" 4/ 32 ذكر حديثًا لابن عباس وعزاه لابن ماجه، لفظه:"نزهوا المساجد ولا تتخذوها طرقًا، ولا تمّر فيه حائض ولا يقعد فيه جنب إلا عابري سبيل، ولا ينثر فيه نبل، ولا يسلُّ فيه سيف، ولا يضرب فيه حدَ، ولا ينشد فيه شعر، فإن أنشد قيل: فضّ الله فاك".
ذكره الألباني في "الثمر المستطاب" 2/ 725 وقال: وهذا لم أجده عند ابن ماجه، ولم يورده النابلسي في "الذخائر" ولا وجدته في شيء من كتب السنة التي عندي، وما أراه يصح. والله أعلم.
(2)
روي أيضًا من حديث معاذ بن جبل، رواه بلفظ واثلة مع تقديم وتأخير، رواه عبد الرزاق 1/ 441 - 442 (1726)، والطبراني في "مسند الشاميين" 4/ 374 (3591). وضعفه البيهقي 10/ 103. وروي أيضًا من حديث جبير بن مُطعِم، رواه الطبراني 2/ 139 (1589) بلفظ: "لا تُسَلُّ السيوت ولا تُنْثَر النبل في المساجد .. " الحديث. ذكره الهيثمي 2/ 25 وقال: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه بشر بن جبلة، وهو ضعيف.
68 - باب الشِّعْرِ فِي المَسْجِدِ
453 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ الَحكَمُ بْنُ نَافِع قَالَ: أَخْبَرَنَا شعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّة سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتِ الأنصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَا حَسَّانُ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ؟ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ. [3212، 6152 - مسلم: 2485 - فتح: 1/ 548]
حَدَّثَنَا (أَبُو اليَمَانِ)
(1)
الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَا حَسَّانُ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ"؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هدا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في باب بدء الخلق
(2)
، والأدب
(3)
، وأخرجه مسلم في الفضائل
(4)
.
(1)
عليها في الأصل علاقة أنها نسخة.
(2)
سيأتي برقم (3212) باب: ذكر الملائكة.
(3)
سيأتي برقم (6152) باب: هجاء المشركين.
(4)
مسلم (2485) باب: فضائل حسان بن ثابت، وأبو داود (5013، 5014)، والنسائي 2/ 48، وفي "السنن الكبرى" 1/ 262 - 263 (795)، 6/ 51 (9999، 10000).
في هامش (س) ما نصه: من خط الشيخ: أبو داود في الأدب والنسائي في الصلاة، والسمر في الليل.
ثانيها:
لم يذكر أبو مسعود والحميدي وغيرهما أن لحسان بن ثابت رواية في هذا الحديث ولا ذكروا له حديثًا مسندًا، وإنما أوردوا هذا الحديث في مسند أبي هريرة
(1)
، وخالف خلف فذكره في مسند حسان، وأنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، وذكر في مسند أبي هريرة أن البخاري أخرجه في الصلاة عن أبي اليمان به، وذكر ابن عساكر لحسان حديثين مسندين أحدهما هذا
(2)
، وذكر أنه في أبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
(3)
، قال: وليس في حديثه استشهاد حسان به وأنه في النسائي مرة بالاستشهاد
(4)
، ومرة من حديث سعيد عن عمر بعدمه
(5)
.
ثم أورده في مسند أبي هريرة من طريق أبي سلمة عنه
(6)
.
وفي كتاب "من عاش مائة وعشرين سنة من الصحابة"
(7)
من حديث عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة أن عمر مر بحسان .. الحديث.
قال المنذري: وسعيد لم يصح سماعه من عمر، فإن كان سمع ذلك من حسان فيتصل
(8)
.
(1)
"الجمع بين الصحيحين" 3/ 32.
(2)
"تاريخ دمشق" 12/ 384.
(3)
أبو داود (5014).
(4)
النسائي 2/ 48، وفي "السنن الكبرى" 1/ 262 - 263 (795)، 51/ 6 (9999).
(5)
في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" 3/ 61، وكذا رواه أحمد 5/ 222.
(6)
في "الكبرى" 6/ 51 (10000).
(7)
ألفه: يحيى بن عبد الوهاب بن منده (ت 511 هـ) ورواه عنه أبو طاهر السِّلَفي.
(8)
"مختصر أبي داود" 7/ 293.
قلت: والبخاري أخرجه في بدء الخلق
(1)
من طريق سعيد، قال: مر عمر في المسجد .. الحديث، وفيه: ثم التفت إلى أبي هريرة، وقال: أنشدك بالله .. فذكره، وصرح مسلم بسماع سعيد له من أبي هريرة، وقيل: إن أبا سلمة سمع من حسان.
الثالث:
حسان هذا هو ابن ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي النجاري الشاعر، المدني أبو الحسام، أو أبو الضرب أو أبو عبد الرحمن شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه الفُرَيْعة بنت خالد الصحابية، وكان قديم الإسلام ينصر النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه، ولم يشهد معه مشهدًا؛ لأنه كان يُجَبَّن، وقيل: إنه كان شجاعًا، فأصابته علة، فحدث ذلك به؛ واستُبعد ذلك فإن العرب لم تعيره به، وكان يهاجهم ولسانه فيهم أشد من النبل.
وقد يجاب بأنه لما كان ينافح عن الشارع عصمه الله عن ذلك ببركته، عاش مائة وعشرين سنة، وكذا آباؤه الثلاثة، ولا يعرف لغيرهم من العرب مثله كما قاله أبو نعيم
(2)
.
وقد قيل: مات حسان سنة خمسين. ولحسان ولد اسمه عبد الرحمن، فكان إذا ذكر ما عاشه سلفه استلقى على فراشه وضحك وتمدد، وتوهم أنه يعيش كذلك، فمات وهو ابن ثمان وأربعين سنة.
ولا يعرف خمسة من الشعراء على نسق واحد، شاعر ابن شاعر ابن شاعر إلا هؤلاء.
(1)
في هامش (س) ما نصه: في باب ذكر الملائكة.
(2)
"معرفة الصحابة" لأبي نعيم 2/ 845.
أما من عاش مائة وعشرين، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، فذكر ابن الصلاح مع حسان على إشكال فيه حكيم بن حزام، ولم يذكر غيرهما
(1)
، وتبعه النووي في "تقريبه"، وزاد في "تهذيبه" فقال: لا يعرف لهما مشارك في ذلك
(2)
.
وليس كما ذكر فقد ذكرت في كتابي "المقنع في علوم الحديث" ثمانية أنفس أخر
(3)
.
أما من عاش مائة وعشرين مطلقًا
(4)
فجماعة أُخر أفردهم ابن منده في جزء
(5)
، وكان لحسان لسان طويل يضرب به أذنه، مات في خلافة معاوية، بعد أن عمي سنة خمس أو أربع وخمسين، وقيل: خمسين، وقيل: توفي قبل الأربعين في خلافة علي
(6)
.
الر ابع:
ليس في الباب ما ترجم له البخاري أنه أنشد في المسجد، نعم فيه في باب بدء الخلق من حديث سعيد: مر عمر بن الخطاب في المسجد وحسان ينشد فلحظ إليه، فقال: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة .. الحديث، ولأبي داود: فخشي أن يرميه برسول
(1)
"علوم الحديث" ص 383.
(2)
"التقريب مع التدريب" 2/ 512 - 513.
(3)
2/ 648 - 649، وجدتهم في "المقنع" سبعة فقط، وأضاف المصنف لما ذكرهم أن ابن منده ذكر أن اللجلاج عاش مائة وعشرين سنة، وأنه أسلم وهو ابن خمسين سنة.
(4)
في هامش (س) ما نصه: يعني: من الصحابة، وقوله:(مطلقا): أي: من غير أن يكون نصفها في الإسلام ونصفها في الجاهلية.
(5)
اسمه: من "عاش مائة وعشرين سنة من الصحابة" وتقدم فيما سبق.
(6)
انظر ترجمته في "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" 1/ 400 (525)، "أسد الغابة" 2/ 5 (1153)، "تهذيب الكمال" 6/ 16 (1188)، "الإصابة" 1/ 326 (1704).
الله صلى الله عليه وسلم فأجازه، وعدل البخاري عن هذا الحديث هنا ليقدح الطالب
فكره، ويشحذ ذهنه؛ ولأن فيه الأمر بالإجابة عن الشارع، والدعاء بالتأييد، وهو لأجل إجابته عنه.
الخامس: الحديث ظاهر في جواز إنشاد الشعر فيه، وقد اختلف العلماء في ذلك: فأجازته طائفة إذا كان الشعر فيما لا بأس بروايته، قال ابن حبيب: رأيت ابن الماجشون ومحمد بن سلام ينشدان الشعر، ويذكران أيام العرب، وقد كان اليربوع والضحاك بن عثمان ينشدان مالكًا ويحدثانه بأخبار العرب، فيصغي إليهما.
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا إنشاده فيه، واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المساجد. أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، وحسنه الترمذي
(1)
.
وحديث حكيم بن حزام مرفوعا: نهى أن يستقاد في المسجد، وأن ينشد فيه الأشعار. أخرجه أبو داود
(2)
.
(1)
"صحيح ابن خزيمة" 2/ 274، 275، (1304، 1306)، 3/ 158 (1816)، "سنن الترمذي"(322). ورواه أيضًا أبو داود (1079)، والنسائي 2/ 48، وابن ماجه (749)، وأحمد 2/ 179. صححه أبو بكر بن العربي كما ذكر الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (991).
(2)
"سنن أبي داود"(4490)، ورواه أيضًا الطبراني 3/ 204 (3130)، والدارقطني 3/ 85، والحاكم 4/ 378، والبيهقي 8/ 328، ورواه أحمد 3/ 434 عن حكيم بن حزام موقوفًا، وقال أحمد: لم يرفعه، يعني: حجاجًا.
ضعفه عبد الحق في "الأحكام الوسطى" 1/ 296، وابن القطان في "بيان الوهم" 3/ 344 (1090)، قال الحافظ في "التلخيص" 4/ 78: لا بأس بإسناده. وحسنه الألباني في "إرواء الغليل"(2327).
وحديث جبير
(1)
وابن عمر وابن عباس
(2)
مثله.
وحديث أسيد بن عبد الرحمن أن شاعرًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال: أنشدك يا رسول الله؟ قال: "لا" قال: بلى. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "فاخرج من المسجد" فخرج فأنشد فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ثوبًا، وقال:"هذا بدل ما مدحت به ربك"
(3)
.
وأجاب الأولون بالطعن في هذِه الأحاديث:
(1)
رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 2/ 44 (1008)، والروياني 2/ 434 (1456). ضعفه البوصيري في "الإتحاف" بتدليس ابن إسحاق. وقال الحافظ في "المطالب العالية" 3/ 522 (359): إسناده حسن إن كان إسحاق بن يسار سمعه من جبير رضي الله عنه.
ورواه مرسلًا عبد الرزاق 1/ 437 (1709) عن نافع بن جبير بن مطعم قال: نهى
…
الحديث. ورواه بلفظ (لا تقام الحدود في المساجد) دون لفظ إنشاد الشعر؛ البزارُ كما في "كشف الأستار"(1565) وقال: هذا أحسن إسناد يروى في ذلك، ولا نعلمه بإسناد متصل من وجه صحيح، وقد تكلم بعض أهل العلم في محمد بن عمر وضعفوا حديثه. والطبراني 2/ 139 (1590)، والحارث في "مسنده " كما في "الزوائد"(130)، وذكر الهيثمي 2/ 25 وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه الواقدي، وهو ضعيف. وفي 6/ 282 وقال: رواه البزار، وفيه الواقدي، وهو ضعيف لتدليسه، وقد صرح بالسماع، وقد صرح بالتحديث.
وضعفه الحافظ في "التلخيص" 4/ 78، قال: رواه البزار من حديث جبير بن مطعم، وفيه الواقدي.
(2)
رواه ابن عدي في "الكامل" 7/ 134 من حديث ابن عباس وابن عمر معًا في ترجمة فرات بن السائب، وأشار إلى أنه منكر بفرات هذا، وكذا ضعفه عبد الحق في "الأحكام الوسطى" 1/ 297، وذكره الحافظ في "التلخيص" 4/ 178 وعزاه لابن عدي وقال: وفيه غرابة- كذا في المطبوع من "التلخيص"- بن السائب، وهو منكر الحديث.
(3)
رواه عبد الرزاق 1/ 439 (1717). قال عبد الحق في "الأحكام الوسطى" 1/ 295: فيه إبراهيم بن محمد، هو ابن أبي يحيى، وهو متروك الحديث.
أما حديث عمرو؛ فقال ابن حزم: لا يصح؛ لأنه صحيفة
(1)
. وإن كنا لا نوافقه.
وأما حديث حكيم؛ فضعفه عبد الحق
(2)
، وبينه ابن القطان بما فيه نظر
(3)
، وحديث جبير طعن فيه، وكذا حديث ابن عمر رده ابن عدي بالفرات بن السائب، وحديث ابن عباس ضعيف منقطع.
وحديث أسيد ذكره عبد الرزاق في إسناده ابن أبي يحيى، وحالته معروفة، وحديث الباب هنا، وفي بدء الخلق دال لهم إذ كان ذلك بحضرة الصحابة، ولم ينكره أحد منهم، ولا أنكره عمر أيضا، فدل على أن الشعر الكائن بهذِه المثابة لا يمنع منه، وقد روى الترمذي مصححًا من حديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب لحسان منبرًا في المسجد، فيقوم عليه يهجو الكفار
(4)
.
ويحمل النهي على تسليم الصحة على ما كان فيه السخف والباطل،
وهذا أولى من تأويل أبي عبد الملك: أن ذلك كان في أول الإسلام، وكذا لعب الحبش فيه، وكان المشركون إذ ذاك يدخلونه، فلما كمل الإسلام زال ذلك كله
(5)
، وكذا قول ابن بطال: يجوز أن يكون الشعر
(1)
"المحلى" 4/ 243.
(2)
"الأحكام الوسطى" 1/ 296.
(3)
"بيان الوهم والإيهام" 3/ 344 - 345، قال تعليقًا على تضعيف عبد الحق له: لم يبين من أمره شيئًا، وعلته الجهل بحال زفر بن وثيمة بن مالك بن أوس بن الحدثان؛ فإنه لا يعرف بأكثر من رواية الشعيثي عنه، وروايته هو عن حكيم.
(4)
"سنن الترمذي"(2846)، قال: حسن صحيح غريب، ورواه أيضًا أبو داود (5015)، وأحمد 6/ 72، والحاكم 3/ 487، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "الصحيحة"(1657).
(5)
انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 358، "المنتقى" 1/ 312، "أحكام القرآن" لابن =
الذي يغلب على المسجد حتى يكون كل من فيه متشاغلًا به، كما تأول أبو عبيد في قوله صلى الله عليه وسلم:"لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرًا"
(1)
أنه الذي يغلب على صاحبه
(2)
.
السادس:
"روح القدس": جبريل، و (القدس) فيه أقوال:
أحدها: أنه الله تعالى، قاله كعب
(3)
، أي: أنه روح الله.
والثاني: البركة
(4)
.
والثالث: الطهارة
(5)
، فكأنه روح الطهارة وخالصها، وسمي روحًا؛ لأنه يأتي بالبيان عن الله فتحيا به الأرواح.
= العربي 3/ 1439 - 1447، 4/ 1870، "المجموع" 2/ 204 - 205، الآداب الشرعية" 3/ 378 - 379.
(1)
سيأتي من حديث ابن عمر برقم (6154) كتاب: الأدب، باب: ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر .. ومن حديث أبي هريرة برقم (6155)، ورواه مسلم من حديث أبي هريرة (2257) كتاب: الشعر، ومن حديث سعد بن أبي وقاص (2258)، ومن حديث أبي سعيد الخدري (2259).
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 103.
(3)
رواه الطبري في "تفسيره" 1/ 450 (1498).
(4)
رواه عن السدي الطبريُّ في "تفسيره" 1/ 449 (1495)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 169 (888).
(5)
رواه عن ابن عباس ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 169 (889).
69 - باب أَصْحَابِ الْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ
454 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدُّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْن الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالَحْبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الَمسْجِدِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ. [455، 950، 988، 2907، 3530، 5190، 5236 - مسلم: 892 - فتح: 1/ 549]
455 -
زَادَ إِبْرَاهِيمُ بْن المُنْذِرِ: حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالحبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ. [انظر: 454 - مسلم: 892 - فتح: 1/ 549]
ذى فيه حديث عائشة: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ.
وفي أخرى: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ.
هذا الحديث أخرجه البخاري هنا، وفي العيدين
(1)
، ومناقب قريش
(2)
، وأخرجه مسلم في العيدين أيضًا
(3)
.
وتعليق البخاري هنا عن إبراهيم بن المنذر بن حبيب، قال: وزاد ابن المنذر عن ابن وهب أسنده مسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب
(4)
. وهذا اليوم كان يوم عيد.
وفي الحديث: الرخصة في المثاقفة بالسلاح لأجل رياضة الحرب،
(1)
سيأتي برقم (950) باب: الحراب والدرق يوم العيد، وبرقم (988).
(2)
هو في كتاب: المناقب، برقم (3530) باب: قصة الحبش.
(3)
مسلم (892/ 17 - 21).
(4)
مسلم (892/ 18).
وجواز مثل ذلك في المسجد، وقد تقدم قول أبي عبد الملك: أن هذا كان في أول الإسلام، فلما كمل الإسلام أزيل ذلك، ولا يسلم له؛ لأن المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال مما يجمع منفعة الدين وأهله فهو جائز في المسجد.
واللعب بالحراب من تدريب الجوارح على معاني الحروب، وهو من الاشتداد للعدو، والقوة على الحرب فهو جائز في المسجد وغيره كما نبه عليه المهلب
(1)
.
وفيه: جواز النظر إلى اللهو المباح، ويمكن أن يكون ترك الشارع عائشة لتنظر ذلك لتضبط السنة في ذلك، وتنقل تلك الحركات المحكمة إلى بعض من يأتي من أبناء المسلمين، وتعرفهم بذلك.
وفيه أيضا: من حسن خلقه وكريم معاشرته لأهله ما ينبغي للمسلم امتثاله والاقتداء به فيه، ألا ترى وقوفه وستره عائشة وهي تنظر إليهم.
(1)
كما في "شرح ابن بطال" 2/ 104.
70 - باب ذِكْرِ البَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى المِنْبَرِ فِي المَسْجِدِ
456 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَتَتْهَا بَرِيرَة تَسْأَلُهَا فِي كِتَابَتِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ وَيَكُونُ الوَلَاءُ لِي. وَقَالَ أَهْلُهَا: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتِهَا مَا بَقِيَ- وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّة: إِنْ شِئْتِ أَعْتَقْتِهَا ويكُونُ الوَلَاءُ لَنَا- فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَّرَتْهُ ذَلِكَ، فَقَالَ:"ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الِمنْبَرِ -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الِمنْبَرِ -فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ؟! مَن اشْتَرَطَ شَرْطًا ليْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ". قَالَ عَلِيَّ: قَالَ يَحْيَى. وَعَبْدُ الوَهَّابِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ: عَنْ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ. رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، أَنَّ بَرِيرَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ صَعِدَ الِمنْبَرَ. [1493، 2155، 2168، 2536، 2560، 2561، 2563، 2564، 2565، 2578، 2717، 2726، 2729، 2735، 5097، 5279، 5284، 5430، 6717، 6751، 6754، 6758، 6760 - مسلم: 1504 - فتح: 1/ 550]
ذكر فيه حديث سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، في قصة بريرة وأنه عليه السلام قام على المنبر فقال:"ما بال أقوام .. " الحديث.
قَالَ عَلِيٌّ -يعني: ابن المديني- قَالَ يَحْيَى وَعَبْدُ الوَهُّابِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ: عَنْ يَحْيَى: سَمِعْتُ عَمْرَةَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ.
ورَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، أَنَّ بَرِيرَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ صَعِدَ المِنْبَرَ.
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في باب: البيع والشراء مع
النساء من طريق عروة عن عائشة
(1)
، وفي باب: إذا اشترط في البيع شروطا لا تحل من حديث هشام عن أبيه عنها
(2)
.
وهو حديث أخرجه مسلم
(3)
أيضًا
(4)
والأربعة
(5)
مطولًا، ومختصرًا
(6)
.
وأخرجه البخاري في مواضع أخر:
في الزكاة في باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
(7)
، وفي العتق
(8)
، والمكاتب
(9)
، والهبة
(10)
، والبيوع
(11)
، والطلاق
(12)
، والفرائض
(13)
،
(1)
سيأتي برقم (2155) كتاب: البيوع.
(2)
سيأتي برقم (2168) كتاب: البيوع.
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: من خط الشيخ، ثم في البيوع والزكاة والعتق، وأبو داود والنسائي والترمذي في الفرائض والعتق، وابن ماجه في الأحكام.
(4)
مسلم (1504) كتاب: العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق.
(5)
رواه أبو داود (2233)، والترمذي (1154)، والنسائي 6/ 164 - 165، وابن ماجه (2521).
(6)
في هامش (س): من خط الشيخ: مسلم في البيوع، والزكاة والعتق، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في الفرائض والعتق، وابن ماجه في الأحكام.
(7)
سيأتي برقم (1493).
(8)
سيأتي برقم (2536) باب: بيع الولاء وهبته.
(9)
سيأتي برقم (2560) باب: المكاتب ونجومه في كل سنة نجم، وبرقم (2561)، وبر قم (2563) باب: استعانة المكاتب وسؤاله الناس، وبرقم (2564) باب: بيع المكاتب إذا رضي، وبرقم (2726) باب: ما يجوز من شروط المكاتب .. ، وبرقم (2565) باب: إذا قال المكاتب: استرني وأعتِقْني، فاشتراه لذلك.
(10)
سيأتي برقم (2578) باب: قبول الهدية.
(11)
سبق تخريجه.
(12)
سيأتي برقم (5279) باب: لا يكون بيع الأمة طلاقًا، وبرقم (5284) باب:17.
(13)
سيأتي برقم (6751) باب: الولاء لمن أعتق، وميراث اللقيط، وبرقم (6754) باب: ميراث السائبة، وبرقم (6758) باب: إذا أسلم على يديه، وبرقم (6760) باب: ما يرث النساء من الولاء.
والشروط
(1)
، وكفارة الأيمان
(2)
.
وأخرجه البخاري في الطلاق من حديث ابن عباس
(3)
، وفي الفرائض من حديث ابن عمر
(4)
وأخرج مسلم طرفًا منه من حديث أبي هريرة
(5)
.
وقول البخاري: (قال يحيى وعبد الوهاب عن يحيى عن عمرة) يريد: أن الحديث من طريق يحيى -يعني: القطان- وعبد الوهاب مرسل، يؤيده ما قاله الإسماعيلي: ليس فيما عندنا من حديث يحيى بن سعيد وعبد الوهاب عن يحيى ذكر المنبر وصعوده، وحديثهما مرسل.
وقوله: (وقال جعفر .. ) إلى آخره أفاد به تصريح سماع يحيى من عمرة، وسماع عمرة من عائشة، وقد أخرجه النسائي في الفرائض كذلك مسندًا
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (2717) باب: الشروط في البيوع، وبرقم (2729) باب: الشروط في الولاء، وبرقم (2735) باب: المكاتب، وما لا يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله.
(2)
سيأتي برقم (6717) باب: إذا أعتق في الكفارة، لمن يكون ولاؤه.
(3)
سيأتي برقم (5280 - 5282) باب: خيار الأمة تحت العبد، وبرقم (5283) باب: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة. ولم يرد فيه ذكر الإعتاق ولا الاشتراط، وإنما يحكي قصة حب مغيث لزوجه بريرة وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له عندها.
(4)
سيأتي برقم (6752) باب: الولاء لمن أعتق، وميراث اللقيط، وبرقم (6757) باب: إذا أسلم على يديه، وبرقم (6759) باب: ما يرث النساء من الولاء.
(5)
مسلم (1505) كتاب: العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق.
(6)
في "السنن الكبرى" 4/ 87 (6407).
وقوله: (ورواه مالك عن يحيى) إلى آخره، رواه النسائي في الفرائض: عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم، عن مالك
(1)
، قال ابن عساكر: مرسل.
إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من وجوه -مع أن الأئمة أفردوه بالتأليف: ابن جرير وابن خزيمة، وغيرهما، وليس بصريح فيما ترجم له البخاري من ذكر البيع والشراء على المنبر وفي المسجد-:
أحدها:
بريرة -بفتح الباء- فعيلة من الموالي قيل: إنها قبطية، وإنها ابنة صفوان، لأمها صحبة أيضا، روى عبد الملك عنها، وهو يدل على تأخرها إلى بعد الأربعي؛ لأن معاوية ولي سنة أربعين أو إحدى وأربعين، وهو ولاه ديوان المدينة وعمره ستة عشرة سنة، وكان لها ولد من زوجها مغيث -بالغين- أو مقسم، وهي أول مكاتبة في الإسلام، كما أن سلمان الفارسي أول مكاتب على الأصح
(2)
.
ثانيها:
كانت هذِه الواقعة قبل قصة الإفك؛ لأن في حديث الإفك قال علي: واسأل الجارية فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فسألها، فذكرت ما هو مذكور في قصة الإفك
(3)
، وكانت قصة الأول في غزوة المريسيع؛ وهي
(1)
في "الكبرى" 4/ 87 (6408)، وقال: مرسل.
(2)
انظر ترجمتها في: "الاستيعاب" 4/ 357 (3290)، و"أسد الغابة" 7/ 39 (6770)، و"الإصابة" 4/ 251 (177).
(3)
هذِه قطعة من حديث طويل لعائشة في حديث الإفك سيأتي برقم (2661) كتاب: الشهادات، باب: تعديل النساء بعضهن بعضًا، ورواه مسلم (2770) كتاب: التوبة، باب: في حديث الإفك، وقبول توبة القاذف.
غزوة بني المصطلق، قال البخاري: قال ابن إسحاق: سنة ست، وقال ابن عقبة: سنة أربع
(1)
.
وقال ابن سعد: خرج إليها يوم الإثنين، لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس من مهاجره
(2)
؛ فقصتها ما بين دخوله صلى الله عليه وسلم على عائشة، وما بين قصة الإفك.
ثالثها:
مكاتبة مفاعلة؛ لأنها بين السيد وعبده، إما من الكتابة أو الإلزام.
رابعها:
قولها: (أتتها بريرة تسألها في كتابتها) أي: أتتها لتستعين بها في كتابتها، كما جاء مبينا في رواية أخرى في "الصحيح"
(3)
.
وذكر شيخنا قطب الدين في "شرحه" هنا اختلاف العلماء فيما إذا طلب العبد الكتابة من السيد، ونقل عن الجمهور أن إجابته، مندوبة بشروط، لا واجبة
(4)
، وكأنه فهم أن المراد بسؤالها كتابتها: أن عائشة تكاتبها، وليس كذلك لما علمته.
خامسها:
فيه: حل السؤال للمكاتب من غير كراهة، ولا ينتظر العجز خلافًا
(1)
ذكر هذين القولين قبل حديث سيأتي برقم (4138) كتاب: المغازي، باب: غزوة بني المصطلق من خزاعة.
أما قول ابن إسحاق فنقله ابن هشام عنه في "السيرة" 3/ 333. وأما قول موسى بن عقبة فوصله ابن حجر في "تغليق التعليق" 4/ 123 هكذا: قول موسى بن عقبة أخبرناه واحد من شيوخنا مشافهة .. عن ابن شهاب به، لكن قال: سنة خمس.
(2)
"الطبقات الكبرى" 2/ 63.
(3)
ستأتي برقم (2168، 2561).
(4)
انظر: "المغني" 10/ 334.
لمن أبعد؛ وقال: إنه ليس له السؤال حتى يعجز ويظهر أثر حاجته.
سادسها:
فيه أيضًا: جوازها لغير القوت وستر العورة، وكره بعضهم المسألة لغير ذلك.
سابعها:
فيه: قبول خبر العبد والأمة؛ لأن بريرة أخبرت أنها مكاتبة، فأجابتها عائشة بما أجابت.
ثامنها:
كان على بريرة تسع أواق كاتبت عليها، كما ثبت في "الصحيح"
(1)
، وفي رواية معلقة للبخاري: أنها دخلت عليها تستعينها وعليها خمس أواق
(2)
؛ والأولى أثبت.
ويحتمل أن هذِه الخمس هي التي حلت من نجومها.
واستدل به من منع الكتابة الحالية، وهو قول جماعة، وخالف أبو حنيفة، فصححها، ونقل عن مالك أيضا، وعند الشافعي: أنه لا يجوز على نجم واحد بل لا بد من نجمين فصاعدًا
(3)
.
تاسعها:
فيه دلالة على جواز منع المكاتب.
وهو قول أحمد ومالك في رواية، والشافعي في أحد قوليه
(4)
، فإنها
(1)
ستأتي برقم (2168).
(2)
ستأتي برقم (2560).
(3)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص 3/ 472 - 473، "المدونة" 3/ 5، "الأم" 7/ 373.
(4)
انظر: "المنتقى" 7/ 23 - 24، "الأم" 7/ 390، "المغني" 14، 535.
كانت مكاتبة وباعها الموالي واشترتها عائشة، وأمر صلى الله عليه وسلم ببيعها، وعليه بوب البخاري: بيع المكاتب إذا رضي المكاتب، وفيه قول ثالث: أنه يجوز للعتق دون الاستخدام.
ومن منع حمل الحديث على أن بريرة عجزت نفسها، وفسخوا الكتابة بعجزها وضعفها عن الأداء والكسب، ولا يحتاج في التعجيز إلى حكم حاكم، وإن خالف فيه سُحنون معللًا بخوف التواطؤ على حق الله تعالى.
عاشرها:
قوله: ("ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ") وفي أخرى: "واشترطي لهم الولاء"
(1)
؛ نسبت هذِه اللفظة إلى التفرد بها، وأولت بأن (اللام) بمعنى (على)، وأحسن منه أن هذا الشرط خاص بهذِه القضية.
الحادي عشر:
فيه: ثبوت الولاء للمعتق، وألحق به ما في معنى العتق كما إذا باعه نفسه ونحوه.
الثاني عشر:
قوله: (ثُمَّ قَامَ عَلَى المِنْبَرِ) فيه: صعوده عند الحاجة إليه.
وقوله: ("ما بال أقوم") فيه استعمال الأدب وحسن المعاشرة، وجميل الموعظة؛ لأنه عليه السلام لم يواجه صاحب الشرط بعينه؛ لأن المقصود يحصل له ولغيره من غير شهرة.
(1)
ستأتي برقم (2168).
الثالث عشر:
قوله: ("مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ") أي: ليس مشروعًا في حكم الله، قال عليه السلام:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
(1)
.
وقوله: ("وإن اشترط مائة مرة") المراد به: التكثير، وحديث عائشة هذا أوضحت الكلام عليه في "شرح العمدة"، وذكرت في آخره خمسين فائدة ملخصة، فراجعها منه
(2)
.
وموضع الحاجة من الترجمة ومطابقة الحديث: أن المساجد إنما اتخذت للذكر والتلاوة والصلاة وما كان فيها من البيع والشراء وسائر أمور الدنيا، إنما هو للتعليم، والتنبيه على الاحتراز من مواقعة الحرام، ومخالفة السنن، والموعظة في ذلك.
وقد روي النهي عن البيع والشراء في المسجد
(3)
، وهو قول مالك وجماعة من العلماء
(4)
، وقد روي من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"إذا رأيتم الرجل يبيع ويشتري في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم الرجل ينشد فيه الضالة فقولوا: لا رد الله عليك"
(5)
.
(1)
سيأتي من حديث عائشة برقم (2697) كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جَوْرٍ فالصلح مردود، ورواه مسلم (1718) كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة، وردّ محدثات الأمور.
(2)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 7/ 225 - 266.
(3)
روي من حديث ابن عمر وواثلة ومعاذ، وقد سبق تخريجها في شرح حديث (452).
(4)
انظر: "المنتقى" 1/ 310، "المجموع" 2/ 203، "الآداب الشرعية" 3/ 375.
(5)
رواه الترمذي (1321)، والدارمي 2/ 880 (1441)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(154)، والنسائي في "السنن الكبرى" 6/ 52 (10054)، وابن الجارود في "المنتقى" 2/ 156 (562)، وابن خزيمة 2/ 274 (1305)، وابن حبان =
وذكر مالك عن عطاء بن يسار: أنه كان يقول لمن أراد أن يبيع في المسجد: عليك بسوق الدنيا، فإنما هذا سوق الآخرة
(1)
.
قال الطحاوي: ومعنى البيع الذي نهي عنه في المسجد الذي يغلب عليه ويعمه حتى يكون كالسوق، وأما ما سوى ذلك فلا بأس به، وكذا التحلق الذي نهي عنه قبل الصلاة إذا عم المسجد وغلبه فهو مكروه، وغير ذلك لا بأس به
(2)
.
وقد أجمع العلماء أن ما عقد من البيع في المسجد لا يجوز نقضه، إلا أن المسجد ينبغي أن يجنب جميع أمور الدنيا، ولذلك بنى عمر بن الخطاب البطحاء خارج المسجد، وقال: من أراد أن يلغط فليخرج إليها
(3)
. فوجب تنزيه المسجد عما لم يكن من أمور الله تعالى.
= 4/ 528 (1650)، والحاكم 2/ 56، والبيهقي 2/ 447.
قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وصححه عبد الحق في "الأحكام الوسطى" 1/ 295. وصححه الألباني في "الإرواء" (1295).
(1)
رواه مالك 1/ 226 (580).
(2)
"شرح معاني الآثار" 4/ 359.
(3)
رواه مالك 1/ 226 (581)، والبيهقي 10/ 103 عن سالم بن عبد الله، عن عمر مرسلًا.
71 - باب التَّقَاضِي وَالْمُلَازَمَةِ فِي المَسْجِدِ
457 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابن أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الَمسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادى:"يَا كَعْبُ". قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هذا". وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيِ: الشَّطرَ قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "قُمْ فَاقْضِهِ". [471، 2418، 2424، 2706، 2710 - مسلم: 1558 - فتح: 1/ 551]
ساق فيه حديث الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابن أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادى:"يَا كَعْبُ". قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هذا". وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَيِ: الشَّطْرَ قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "قُمْ فَاقْضِهِ".
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في أربعة أبواب
(1)
:
أولها: قريبًا في باب: رفع الصوت في المساجد، فقال: حدثنا أحمد، حدثنا ابن وهب، ثم ساقه
(2)
، وأحمد هذا فيه أقوال:
(1)
سيأتي برقم (471) كتاب: الصلاة، باب: رفع الصوت في المساجد، وبرقم (2418) كتاب: الخصومات، باب: كلام الخصوم بعضهم في بعض، وبرقم (2424) باب: الملازمة، وبرقم (2706) كتاب: الصلح، باب: هل يشير الإمام بالصلح، وبرقم (2710) باب: الصلح بالدَّيْن والعَيْن.
(2)
انظر التخريج السابق.
أحدها: هو ابن صالح المصري
(1)
، قاله ابن السكن، وقال كم: قيل: هو المصري. وقيل: هو أحمد بن عيسى التستري
(2)
،
(1)
هو أحمد بن صالح المصري، أبو جعفر الحافظ المعروف بابن الطبري. قال البخاري: أحمد بن صالح ثقة صدوق، ما رأيت أحدًا يتكلم فيه بحجة؛ كان أحمد بن حنبل وعلي وابن عُميْر وغيرهم يُثبتون أحمد بن صالح، كان يحيى يقول: سلُوا أحمد فإنه أثبت. قال علي بن عبد الرحمن بن المغيرة، عن محمد بن عبد الله بن نُمَير: سمعت أبا نُعَيْم الفضل بن دُكَيْن يقول: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى- يريد: أحمد بن صالح. وقال أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي: أحمد بن صالح مصري ثقة صاحب سنة.
قال معاوية بن صالح: سألت يحيى بن معين، عن أحمد بن صالح، فقال: رأيته كذّابًا يخطر في جامع مصر. وقال أبو حاتم: ثقة، كتبت عنه بمصر وبدمشق وبأنطاكية.
وقال أبو سعيد بن يونس: أحمد بن صالح، كان صالح جنديًّا من أهل طبرستان من العجم. ولد أحمد بمصر، وكان حافظًا للحديث. ذكره ابن حبان في "الثقات".
وقال النسائي: مصري ليس بثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى، ورماه ابن معين بالكذب.
وقال الحافظ ابن حجر: ثقة حافظ من العاشرة، تكلم فيه النسائي بسبب أوهام له قليلة، ونقل عن ابن معين تكذيبه، وجزم ابن حبان بأنه إنما تكلم في أحمد بن صالح الشومي، فظن النسائي أنه عَنَى ابن الطبري، مات سنة ثمان وأربعين، وله ثمان وسبعون سنة. اهـ. روى له البخاري وأبو داود والترمذي في "الشمائل".
انظر ترجمته في: "معرفة الثقات" 1/ 192 (5)، "الجرح والتعديل" 2/ 56 (73)، "الثقات" 8/ 25، "تهذيب الكمال" 1/ 340 (49)، "تقريب التهذيب"(48).
(2)
هو أحمد بن عيسى بن حسان المصري، أبو عبد الله بن أبي موسى العسكري المعروف بالتستري. كان يتجر إلى تُسْتَر فعرف بذلك، وقيل: إن أصله من الأهواز.
قال أبو عبيد الآجُرِّيّ: سألت أبا داود عنه، فقال: سمعت يحيى بن معين يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه كذاب. وقال أبو حاتم: تكلم الناس فيه. قال أبو زرعة: ما رأيت أهل مصر يشكُّون في أن أحمد بن عيسى -وأشار أبو زرعة إلى لسانه- كأنه يقول: الكذب. قال الحافظ أبو بكر: ما رأيت لمن تكلم في أحمد بن عيسى حجة توجب ترك الاحتجاج بحديثه. قال أبو القاسم البغوي وأبو الحسين بن قانع =
ولا يخلو أن يكون واحدًا منهما، فقد روى عنهما في "الجامع" ونسبهما في مواضع.
وقال الكلاباذي: قال لي أبو أحمد الحافظ: أحمد عن ابن وهب في كتاب البخاري هو ابن أخي ابن وهب، قال الحاكم: من قال هذا غلط ووهم، وقال ابن منده: كلما قال البخاري: أحمد عن ابن وهب، هو ابن صالح، وإذا حدث عن ابن عيسى نسبه، ولم يخرج عن ابن أخي ابن وهب في "الصحيح" شيئًا ويؤيد من قال أنه أحمد بن صالح روايةُ أبي داود: هذا الحديث عن أحمد بن صالح عن ابن وهب
(1)
، ورواه أبو نعيم من حديث أحمد بن صالح عنه، ثم قال: رواه البخاري عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب.
ثانيها: في الإشارة بالصلح، ولفظه: عن كعب: أنه كان له دين على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي فلقيه فلزمه حتى ارتفعت أصواتهما فمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
ثالثها: في الملازمة عن يحيى بن بكير عن الليث قال غيره: حدثني الليث حدثني جعفر؛ وعنى بالغير: عبد الله بن صالح كاتب الليث.
رابعها: في الإشخاص، في باب: كلام الخصوم بعضهم في بعض، وكأنه أخذ ذلك من قوله:(فارتفعت أصواتهما) فإن ظاهره أن ذلك منه.
= وأبو سعيد بن يونس: مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين بسرَّ من رأى.
قال الحافظ ابن حجر: صدوق تكلم في بعض سماعاته، قال الخطيب: بلا حجة، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين. روى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
وانظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 2/ 64 (109)، "تهذيب الكمال" 1/ 417 (87)، "تقريب التهذيب"(86).
(1)
"سنن أبي داود"(3595).
نعم، ذلك ظاهر في حديث الأشعث مع خصمه أنه لا يتورع، وقد أدخله في الباب معه
(1)
، وهو ظاهر فيه.
وأخرجه مسلم في البيوع معطوفًا بعد أن وصله، فقال: روى الليث قال: حدثني جعفر، فذكره
(2)
، وفي النسائي: رواه معمر عن الزهري أن كعبًا .. فأرسله
(3)
.
وفي الطبراني من حديث (زمعة)
(4)
بن صالح، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو ملازم رجلًا في أوقيتين، فقال له صلى الله عليه وسلم:"هكذا؟! تضع الشطر"
(5)
؛ فقال الرجل: نعم يا رسول الله، فقال:"أد إليه ما بقي من حقه"
(6)
، وفيه أيضا، من حديث ابن لهيعة، عن الأعرج، عن ابن كعب، عن أبيه
(7)
(8)
.
(1)
سيأتي من حديث عبد الله بن مسعود برقم (2417).
(2)
مسلم (1558).
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 476 (5966)، ورواه متصلًا في "المجتبى" 8/ 239، 244.
(4)
كذا في (س)، وقد تحرف في "المعجم الكبير" لـ: معاوية. قال الطبراني: حدثنا أبو حصين القاضي، ثنا يحيى الحماني، قالا: ثنا وكيع، عن معاوية بن صالح، عن الزهري، عن ابن كعب، عن أبيه. فذكره. وقد روى زمعة، عن الزهري وروى عنه وكيع كما في ترجمته في "تهذيب الكمال" 9/ 386 (2003)، وهو من الطبقة السادسة كما قال الحافظ في "التقريب"(2035).
أما من اسمه معاوية بن صالح فهما اثنان، معاوية بن صالح بن حُدَيْر، وهو من الطبقة السابعة كما في "التقريب"(6762)، والثاني معاوية بن صالح بن أبي عبيد الله الأشعري، وهو من الطبقة الحادية عشرة كما في "التقريب"(6763)، وكلاهما لم يرويا عن الزهري، ولا روى عنهما وكيع.
(5)
كذا في (س)، وفي المطبوع من "المعجم الكبير": هكذا تضع عن الشطر.
(6)
"المعجم الكبير" 19/ 66 - 67 (126).
(7)
"المعجم الكبير" 19/ 92 (177).
(8)
ورد في هامش (س) ما نصه: ثم بلغ في الثالث بعد الستين كتبه مؤلفه.
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها: أبو حدرد اسمه سلا مة، وقيل: عبد، وقيل: أسيد. ذكره ابن الجوزي.
وولده عبد الله مدني صحابي على الأصح، شهد الحديبية فما بعدها، مات سنة إحدى أو اثنتين وسبعين عن إحدى وثمانين سنة
(1)
، وقي الصحابة حدرد بن أبي حدرد، وقيل: في نسبه كنسب هذا -فيكون أخاه- بصري له حديث في أبي داود
(2)
.
وكعب: سلمي شاعر أحد السبعين الذين شهدوا العقبة، والثلاثة الذين تيب عليهم، ووهم من قال: شهد بدرًا، مات بالمدينة بعد الأربعين، أو إحدى وخمسين عن سبع وسبعين
(3)
، وابنه عبد الله قائد
(1)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 4/ 309، "الاستيعاب" 4/ 196 (2942)، "أسد الغابة" 6/ 69 (5797)، "الإصابة" 4/ 42 (259).
(2)
هو حَدْرَد بن أبي حَدْرَد أبو خراش السُّلمي، ويقال: الأَسْلَمى، له صحبة، يعدّ في المدنيين.
روى له البخاري في "الأدب المفرد"(404)، وأبو داود في "سننه"(4915) حديثًا واحدًا، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه". صححه الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد".
انظر ترجمته في: "أسد الغابة" 1/ 464 (1104)، "تهذيب الكمال" 5/ 487 (1142)، "الإصابة" 1/ 316 (1640).
(3)
في هامش (س) وبخط ناسخها: (جزم الذهبي في "الكاشف" أن كعبًا توفي سنة 45 هـ وكذلك في الروايات، وفي "تهذيب النووي" قيل: توفي سنة 40 هـ.) أهـ.
هو كعب بن مالك بن أبي كعب، يكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا عبد الرحمن، خزرجي أنصاري سلمي، أمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة من بني سلمة أيضًا، لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين كعب وبين طلحة بن عبيد الله حين آخى بين المهاجرين والأنصار، كان أحد شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يردّون الأذى عنه، أحد الثلاثة الأنصار الذين قال الله فيهم: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا =
أبيه لما عمي، ثقة تابعي مات سنة سبع أو ثمان وتسعين
(1)
.
ثانيها:
معنى (يقاضي): طلبه بالدين، وأراد قضاءه.
و (سجف) بكسر السين المهملة وفتحها، ثم جيم، ثم فاء، وهو الستر كما قال ابن سيده
(2)
، وقيل: هو الستران المقرونان، بينهما فرجة، وكل باب ستر بسترين هرويين فكل شق منه سجف
(3)
، وقال الطبري: الرقيق منه يكون في مقدم البيت، ولا يسمى سجفًا إلا أن يكون مشقوق الوسط كالمصراعين
(4)
. وقال الداودي: هو الباب.
ثالثها:
قوله: قال: ""ضع من دينك") كذا هو في "الصحيح" وفي "معجم الطبراني" من طريق زمعة بن صالح، عن الزهري، عن ابن كعب بن
= ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ}. حيث تخلفوا عن غزوة تبوك، فتاب الله عليهم.
انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 3/ 681 (2231)، "أسد الغابة" 4/ 487 (4478)، "الإصابة" 3/ 302 (7433)، "تهذيب الكمال" 24/ 193 (4981).
(1)
عبد الله بن كعب بن مالك: قال أبو زرعة: ثقة. ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن سعد: كان كعب بن مالك قد عمي، وكان ابنه عبد الله قائده، وقد سمع عبد الله بن كعب من عثمان وكان ثقة، وله أحاديث.
قال ابن حبان: مات في ولاية سليمان بن عبد الملك سنة سبع أو ثمان وتسعين.
روى له الجماعة سوى الترمذي.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 272 - 273، "الجرح والتعديل" 5/ 142 (664)، "الثقات" لابن حبان 5/ 6، "تهذيب الكمال" 15/ 473 (3501).
(2)
"المحكم" 7/ 198، مادة:(سجف).
(3)
السابق.
(4)
انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1633، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 343، "لسان العرب" 4/ 1944 - 1945، مادة:(سجف).
مالك، عن أبيه أنه صلى الله عليه وسلم مر به وهو ملازم رجلًا في أوقيتين، فقال صلى الله عليه وسلم:"هكذا يضع عنك الشطر" فقال الرجل: نعم يا رسول الله، فقال:"أد إليه ما بقي من حقه"
(1)
.
وظاهر هذِه الرواية أنه قال ذلك للغريم، وفيها تعيين مقدار الدين.
رابعها:
فيه: دلالة على إباحة رفع الصوت في المسجد ما لم يتفاحش؛ لعدم الإنكار منه صلى الله عليه وسلم؛ فإن تفاحش كان ممنوعا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن رفع الأصوات في المسجد؛ روي من طريق جبير بن مطعم، وابن عمر وغيرهما
(2)
، وإن ضعفت، وعن مالك: لا بأس أن يقضي الرجل الرجل في المسجد رهنًا فأمَّا بمعنى التجارة والصرف، فلا أحبه
(3)
.
خامسها:
فيه الاعتماد على الإشارة لقوله: (وأومأ إليه) أي: الشطر، وإنها بمنزلة الكلام إذا فهمت لدلالتها عليه، فصح على هذا يمين الأخرس، ولعانه وعقوده إذا فهم عنه ذلك، وهذا الأمر منه صلى الله عليه وسلم على جهة الإرشاد إلى الصلح، وهو صلح على الإقرار المتفق عليه؛ لأن نزاعهما لم يكن في الدين إنما كان في التقاضي، وأما الصلح على الإنكار، فأجازه أبو حنيفة ومالك، وهو قول الحسن، وأبطله الشافعي وابن أبي ليلى
(4)
.
(1)
تقدم تخريجه قريبًا.
(2)
تقدم تخريجهما في شرح حديث (452) بنحوه.
(3)
"المنتقى" 1/ 311.
(4)
انظر: "المبسوط" 20/ 133 - 134، "أنواء البروق" 4/ 6 - 7، "الأم" 7/ 102، "المغني" 7/ 6.
سادسها:
فيه: الشفاعة إلى صاحب الحق والإصلاح بين الخصوم، وحسن التوسط بينهم، وقبول الشفاعة في غير معصية.
سابعها:
قوله: ("قُمْ فَاقْضِهِ") أمر إيجاب؛ لأن رب الدين لما أطاع بوضع ما أمر به تعين على المديون أن يقوم بما بقي عليه لئلا يجتمع على رب الدين وضيعة ومطل، وهكذا ينبغي أن يبت الأمر بين المتصالحين، فلا يترك دينهما علقة ما أمكن.
ثامنها:
فيه أيضا: أن الحاكم إذا سمع قول الخصمين أن يشير عليهما بالصلح، ويأمرهما به وأنه إذا ثبت عنده عسر المديون يأمر بالوضيعة؛ لقطع الخصوم، وإصلاح ذات البين.
تاسعها:
قوله: (حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ) كذا هنا، وفي أخرى:(مر بهما)
(1)
، فيحتمل أنه مر بهما أولًا، ثم إن كعبًا أشخصه للمحاكمة في المسجد، فهناك نظر إليهما من سجف الحجرة.
(1)
ستأتي برقم (2424).
72 - باب كَنْسِ الْمَسْجِدِ وَالْتِقَاطِ الْخِرَقِ وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ
458 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ -أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ- كَانَ يَقُمُّ الَمسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْة، فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: "أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ". أَوْ قَالَ: "قَبْرِهَا". فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيهِ. [460، 1337 - مسلم: 956 - فتع: 1/ 552]
ساق فيه حديث حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ -أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ- كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: "أَفلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ". أَوْ قَالَ: "قَبْرِهَا". فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع، أخرجه قريبًا في باب الخدم في المسجد، وفيه: أن امرأة أو رجلا
(1)
كما وقع هنا، ثم قال: ولا أراه إلا امرأة
(2)
، ويأتي في الجنائز أيضا
(3)
، وجاء في بعض الروايات: أنها امرأة سوداء بغير شك
(4)
.
(1)
سيأتي برقم (460) كتاب: الصلاة.
(2)
في هامش (س) وبخط ناسخها: هذِه المرأة هي أم محجن، كذا قاله ابن بريدة عن أبيه، كما ساقه عبد الله إليه، وفيه: قالوا: يا رسول الله، هذِه أم محجن كانت مولعة بأن تلقط القذى من المسجد. وكذا قاله ابن بشكوال والذهبي في "تجريده" وعزاه إلى ابن بريدة عن أبيه.
(3)
سيأتي برقم (1337) باب: الصلاة على القبر بعد ما يدفن.
(4)
رواها ابن ماجه (1527)، وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 272 (1299، 1300)، =
وأخرجه مسلم بلفظ: أن امرأة أو شابًا وفيه: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره، فقال:"دلوني على قبره" فصلى عليه، ثم قال: إن هذِه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم"
(1)
.
قال البيهقي: الذي يغلب على القلب أن هذِه الزيادة في غير رواية أبي رافع، عن أبي هريرة، فإما أن تكون عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا كما رواه أحمد بن عبدة ومن تابعه، أو عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه خالد بن خداش [عن حماد بن زيد، عن ثابت]
(2)
، عن أبي رافع، عن أبي هريرة فلم يذكرها، قال: وروى حماد بن واقد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على قبر بعد ثلاثة أيام، وحماد ضعيف، قال: وهذا التأقيت لا يصح البتة
(3)
.
وفي "صحيح ابن حبان" من حديث خارجة بن زيد بن ثابت، عن عمه يزيد بن ثابت قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ورد البقيع إذا بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل: فلانة. فعرفها وقال: "ألا آذنتموني بها؟ قالوا: كنت قائلًا صائمًا فكرهنا أن نؤذيك. قال: أفلا تفعلوا، (ألا)
(4)
أعرفن ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه رحمة له". ثم أتى القبر فصففنا خلفه فكبر عليه أربعًا
(5)
.
= والبيهقي 4/ 47.
(1)
مسلم (956) كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر.
(2)
في "سنن البيهقي": وقد رواه غير حماد عن ثابت.
(3)
"سنن البيهقي" 4/ 47 - 48.
(4)
كذا بالأصل، وفي ابن حبان:(لا)؛ وهو الصواب.
(5)
"صحيح ابن حبان" 7/ 356 - 357 (3087).
وفي سماع خارجة من يزيد وقفة؛ لأن يزيد قتل باليمامة سنة ثنتي عشرة
(1)
، وخارجة مات سنة مائة أو أقل عن سبعين سنة
(2)
، وفي الدارقطني عن أنس أن رجلًا كان ينظف المسجد فمات، فدفن ليلا فأتي النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر فقال:"اطلبوا لي قبره" فذكره بالتنوير
(3)
، كما سلف.
الثاني:
الحديث دال على الكنس -كما ترجم له- والتقاط ما ذكر في معناه ولا زمه.
و (يقم المسجد) يكنسه، و (القمامة) بضم القاف: الكناسة.
الثالث:
فيه ما كان عليه من تفقد أحوال ضعفاء المسلمين وما جبل عليه من التواضع والرأفة والرحمة، والتنبيه على أنه لا ينبغي احتقار مسلم ولا تصغير أمره.
الرابع:
فيه جواز الصلاة على القبر، وهي مسألة خلافية، جوزه طائفة، منهم: علي
(4)
، وأبو موسى
(5)
، وابن عمر
(6)
، وعائشة
(7)
،
(1)
انظر: "تهذيب الكمال" 32/ 99.
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 8/ 12.
(3)
"سنن الدارقطني" 2/ 77 بلفظ: "انطلقوا إلى قبره".
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 44 (11936).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 44 (11941)، "الأوسط" لابن المنذر 5/ 413.
(6)
"مصنف عبد الرزاق" 3/ 519 (6546)، "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 44 (11939)، "الأوسط" 5/ 412.
(7)
"مصنف عبد الرزاق" 3/ 518 (6539)، "مصنف ابن أبى شيبة" 3/ 44 (11938)، "الأوسط" 5/ 412.
وابن مسعود، والشافعي
(1)
، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق
(2)
.
ومنعه آخرون منهم: أبو حنيفة، والنخعي
(3)
، والحسن
(4)
، ومالك، والثوري، والليث
(5)
.
وتوسط بعضهم فقيد الجواز بما إذا لم يصلَّ الولي أو الوالي، وتمسكوا بظاهر الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم لم يصلَّ عليه وخصوا ذلك بالشارع؛ لأجل تنويره وغيره ليس كهو.
ثم اختلف من قال بالجواز إلى كم يجوز؟ فقيل: إلى شهر. وقيل: ما لم يبل جسده
(6)
. وقيل: أبدًا، والمسألة مبسوطة في الفروع، وسيكون لنا عودة إليها في الجنائز إن شاء الله وقدره
(7)
.
الخامس:
فيه الحض على كنس المسجد وتنظيفه، وأنه ذكر في معرض الصلاة عليه بعد الدفن، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كنس المسجد، ذكر ابن أبي شيبة عن وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن يعقوب بن زيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يتبع غبار المسجد بجريدة
(8)
، وعن وكيع، حدثنا كثير بن زيد، عن
(1)
"الأم" 1/ 240.
(2)
انظر: "المغني" 2/ 468.
(3)
"مصنف عبد الرزاق" 3/ 519 (6544)، "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 45 (11945).
(4)
"مصنف عبد الرزاق" 3/ 519 (6547)، "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 45 (11947).
(5)
انظر: "المبسوط" 1/ 206، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 302، "النوادر
والزيادات" 1/ 219 - 220.
(6)
انظر: "البناية" 3/ 246 - 247، "شرح منح الجليل" 1/ 316، "الأم" 1/ 240، "الأوسط" لابن المنذر 5/ 412 - 414، "المغني" 3/ 444 - 445.
(7)
سيأتي في شرح حديث (1337) باب: الصلاة على القبر بعد ما يدفن.
(8)
ابن أبي شيبة 1/ 349 (4019). وموسى بن عبيدة هو الزبدي، منكر الحديث.
انظر: "تهذيب الكمال" 29/ 104 - 113 (6280).
المطلب بن عبد الله بن حنطب أن عمر أتى مسجد قباء على فرس له، فصلى فيه، ثم قال: يا يرفأ، ائتني بجريدة. فأتاه بجريدة فاحتجز عمر بثوبه ثم كنسه
(1)
.
السادس:
فيه خدمة الصالحين والتبرك بذلك
(2)
، والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب وافتقاده، والرغبة في شهادة جنائز الصالحين، وجواز الصلاة في المقبرة.
(1)
ابن أبي شيبة 1/ 349 (4016).
(2)
تقدم أن ذلك خاص بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حال حياته، ولا يحمل على العموم لتضافر الأدلة الصحيحة على عدم وقوع ذلك بين الصحابة، وانظر تمام التعليق عند حديث رقم (194).
73 - باب تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الخَمْرِ فِي المَسْجِدِ
459 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَ الآيَاتُ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي الرِّبَا، خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الَمسْجِدِ، فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَرَّمَ تِجَارَةَ الَخمْرِ. [2084، 2226، 4540، 4541، 4542، 4543 - مسلم: 1580 - فتح: 1/ 553]
ساق من حديث أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي الرِّبَا، خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَسْجِدِ، فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَرَّمَ تِجَارَةَ الخَمْرِ.
هذا الحديث ذكره البخاري في باب: آكل الربا وشاهده وكاتبه
(1)
، وفي باب: تحريم تجارة الخمر
(2)
وتفسير قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا}
(3)
، وقوله:{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}
(4)
، وقوله:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ، ثم ذكره معلقًا عن الفريابي، عن سفيان يعني الثوري، عن منصور والأعمش به
(5)
.
ووصله الإسماعيلي عن القاسم بن حسين بن محسر الأبيوردي، عن حسين بن حفص، قال: وحدثنا ابن زنجويه عن الفريابي به، وكأن وجه دخوله هنا أن الآيات هنا متعلقة بالربا، فكأن الإشارة إلى الجمع.
وزعم عياض أن تحريم الخمر في سورة المائدة ونزولها كان قبل
(1)
سيأتي برقم (2084) كتاب: البيوع.
(2)
سيأتي برقم (2226) كتاب: البيوع.
(3)
سيأتي برقم (4541) كتاب: التفسير.
(4)
سيأتي برقم (4542) كتاب: التفسير.
(5)
سيأتي برقم (4543) كتاب: التفسير.
نزول آية الربا بمدة طويلة، وأن آية الربا آخر -أو من آخر- ما نزل
(1)
،
فيحتمل أن يكون هذا النهي متأخرا عن تحريمها، ويحتمل أنه أخبر بتحريمها حين حرمت، ثم أخبر به مرة أخرى بعد نزول آية الربا تأكيدًا ومبالغة في إشاعته، ولعله حضر المسجد من لم يكن بلغه تحريم التجارة فيها قبل، وحكم التجارة في الخمر والربا يأتي في موضعه إن شاء الله.
وغرض البخاري هنا في هذا الباب -والله اعلم- أن المسجد لما كان للصلاة ولذكر الله منزها عن ذكر الفواحش، والخمر والربا من أكبر الفواحش، فلما ذكر الشارع تحريمهما في المسجد ذكر أنه لا بأس بذكر المحرمات والأقذار في المسجد على وجه النهي عنها والمنع منها.
(1)
"إكمال المعلم" 5/ 253.
74 - باب الخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35] لِلْمَسْجِدِ يَخْدُمُهُا.
460 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ اَمْرَأةً -أَوْ رَجُلًا- كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ -وَلَا أُرَاهُ إِلَّا امْرَأَةً- فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ. [انظر: 458 - مسلم: 956 - فتح: 1/ 554]
ثم ساق حديث أبي هريرة السالف.
وهذا الأثر ذكره الضحاك، عن ابن عباس في "تفسيره"، وفيه: وقف الإنسان على مصالح المسلمين ونفعهم.
75 - باب الأَسِيرِ أَوِ الْغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي الْمَسْجِدِ
461 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ البَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةَ نَحْوَهَا- لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ؛ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} . [ص: 35] قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا. [1210، 3284، 3423، 3423، 4808 - مسلم 541 - فتح: 1/ 554]
ساق حديث أبي هريرة عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ البَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ، فَأَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ؛ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} . [ص: 35] قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث ذكره البخاري هنا، وفي أواخر الصلاة
(1)
، وأحاديث الأنبياء
(2)
، وصفة إبليس
(3)
، وسورة ص من التفسير
(4)
، وأخرجه مسلم في الصلاة
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (1210) كتاب: العمل في الصلاة، باب: ما يجوزمن العمل في الصلاة.
(2)
سيأتي برقم (3423) باب: قول الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ} .
(3)
سيأتي برقم (3284) كتاب: بدء الخلق.
(4)
سيأتي برقم (4808) باب: قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} .
(5)
مسلم (541) كتاب: المساجد، باب: جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة ..
ثانيها:
(سليمان) هو ابن داود صلوات الله وسلامه عليه وعلى والده وعلى سائر الأنبياء، ذكره الله تعالى في القرآن العظيم في مواضع.
وسيأتي في حديث أبي هريرة في قصة المرأتين في عدو الذئب على أحد ولديهما
(1)
، وكان والده يشاوره في كثير من أموره مع صغر سنه لوفور عقله، وفيه قال تعالى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] أي: في نبوته وملكه وحكمه دون سائر أولاد داود.
وذكر الثعالبي في "عرائسه"، قال: وكان لداود اثنا عشر ابنا، وكان سليمان ملك الشام، وقيل: ملك الأرض كلها. وروي عن ابن عباس قال: ملك الأرض مؤمنان: سليمان وذو القرنين، وكافران: نمروذ وبختنصر
(2)
.
قال كعب ووهب: كان سليمان أبيض جسيما وسيما وضيئا جميلا خاشعا متواضعا، يلبس الثياب البيض، ويجالس المساكين، ويقول: مسكين جالس مساكين. وكان حين ملك كبير الغزو لا يكاد يتركه يحمله الرمح هو وعسكره وداوبهم حيث أرادوا، وتمر به وبعسكره الريح على المزر لا يحركها.
وعن محمد بن كعب القرظي: بلغنا أن عسكر سليمان كان مائة
فرسخ: خمسة وعشرون للإنس، وخمسة وعشرون للجن، وخمسة
(1)
سيأتي برقم (3427) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ} ، ورواه مسلم (1720) كتاب: اللقطة، باب: بيان اختلاف المجتهدين.
(2)
رواه الطبري 3/ 27 (5875) من قول مجاهد، وكذلك ذكره ابن كثير في "تفسيره" 2/ 451، والسيوطي في "الدر" 1/ 586 وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.
وعشرون للطير، وخمسة وعشرون للوحش. وكان عمر سليمان ثلاثا وخمسين، وملك وهو ابن (ثلاث عشرة)
(1)
سنة، وابتدأ ببيت المقدس بعد ابتداء ملكه بأربع سنين.
ثالثها:
العفريت: وزنه فِعْلِيت، العاتي المتمرد من الجن الخبيث المنكر النافذ في الأمر المبالغ فيه، وقرئ:(عفرية من الجن)
(2)
قال الجوهري: إذا سكنت الياء صيرت الهاء تاء، وإذا حركتها فالتاء هاء في الوقف
(3)
.
ومعنى: ("تفلت علي"): تعرض علي فلتة أي: فجأة، وفي مسلم:(يفتك) بدل (تفلت)، وهو الأخذ في غفلة وخديعة وسرعة، وهو المراد بقوله في البخاري: أو كلمة نحوها، قال ابن قرقول: يفتك بضم التاء وكسرها، والفتك هنا تصحيف من تفلت كما في البخاري أي: توثب وأسرع لإضراري والجمع: فلتات.
رابعها:
(البارحة) أقرب ليلة مضت، قال في "المحكم": هي الليلة الخالية ولا تحقر. قال ثعلب: يحكى عن أبي زيد أنه قال: تقول: مُذْ غدوة إلى أن تزول الشمس قد سرينا الليلة، وفيما بعد الزوال إلى آخر النهار رأيت البارحة
(4)
.
(1)
في (س): ثلاثة عشر. وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
(2)
قرأ أبو رجاء وأبو السمال: (عِفْريةٌ)، وقرأ أبو حيوة:(عَفْرِيةٌ). انظر: "مختصر في شواذ القرآن" لابن خالويه ص 111.
(3)
"الصحاح" 2/ 752.
(4)
"المحكم" 3/ 224 مادة: برح.
وفي "المنتهى" لأبي (المعالي)
(1)
: كل زائل بارح، ومنه سميت
البارحة أدني ليلة زالت عنك، تقول: لقيته البارحة، والبارحة الأولى، ومنذ ثلاث ليال. وقال قاسم في "دلائله": يقال بارحة الأولى يضاف الاسم إلى الصفة كما يقال: مسجد الجامع، ومنه الحديث: كانت لي شاة فعدا عليها الذئب بارحة الأولى
(2)
.
خامسها:
فيه دلالة على وجود الجن، وأنه قد يراهم بعض الآدميين، وإن قوله تعالى:{مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} محمول على الغالب، فرؤيتهم غير مستحيلة؛ لأنهم أجسام لطيفة، والجسم وإن لطف فدركه غير مستحيل.
قال الخطابي: وقد رأينا غير واحد من الثقات وأهل الزهد والورع، وبلغنا عن غير واحد من أهل الرياضة وأهل الصفاء والإخلاص من أهل المعرفة أنهم يخبرون أنهم يدركون أشخاصهم.
قلت: ورأيت أنا بعضهم في اليقظة (وسلمت)
(3)
عليه، وسلم عليَّ بعضهم نهارًا من غير رؤية شخصه، قال: وروينا عن عمر بن الخطاب وأبي أيوب الأنصاري وغير واحد من الصحابة رؤية الجن، ومعالجتهم إياهم في غير طريق من حديث الأثبات والثقات من النقلة
(4)
.
(1)
في الأصل: (المعاني)، والمثبت هو الصواب.
(2)
رواه الطبراني في "الأوسط" 3/ 202 - 203 (2926)؛ وفيه: ما بقيت لنا إلا شارة واحدة بعتها الذئب البارحة. وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 306: نيه جماعة لم أعرفهم.
(3)
كلمة غير واضحة بالأصل، لعلها ما وصفنا، ورسمها في الأصل يقاربه (ملتت).
(4)
"أعلام الحديث" 1/ 399 - 400.
وقد قيل: إن رؤيته كانت للعفريت وبجسمه حتى يربطه من خصوصياته كما خص برؤية الملائكة، وقد رآه يوم انصرافهم عن الخندق، ورأى في هذِه الليلة الشيطان وأقدر عليه لتجسمه؛ لأن الأجسام ممكن القدرة عليها، وأما غيره من الناس فلا يتمكن من هذا، ولا يرى أحد الشيطان على صورته غيره صلى الله عليه وسلم للآية السالفة، لكنه يراه سائر الناس إذا تشكل في غير شكله، كما تشكل للأنصاري في بيته صورة حية فقتله، فمات الأنصاري، ومن ذلك صلى الله عليه وسلم في قوله:"إن بالمدينة جنا قد أسلموا"
(1)
.
وسموا جنًّا لاستتارهم، وهم نوع من العالم، والإجماع قائم على وجودهم، وإنما أنكرت المعتزلة تسلطهم على البشر فقط.
سادسها:
معنى قوله: "فذكرت قول أخي سليمان أنه أعطي مملكة الجن، فلم أرد أن أزحمه فيما أعطي" فإذا لم يربطه، ويبعد أنه قال ذلك مع عدم القدرة عليه، وهذا الربط يحتمل أن يكون بعد تمامها، ويحتمل أن يكون فيها؛ لأنه شغل بشر.
سابعها:
فيه إباحة ربط ما ذكر في المسجد، وعليه ترجم البخاري: والأسير مثله. قال المهلب: وفيه ربط من خشي هروبه لحق عليه أو دين، والتوثق منه في المسجد، وغيره حكاه ابن بطال عنه، ثم قال: ورؤيته للعفريت هو مما خص به كما خص برؤية الملائكة، فقد أخبر أن جبريل له ستمائة جناح، وأخبرنا الله تعالى بذلك بقوله:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} .
(1)
رواه مسلم برقم (2236) كتاب: السلام، باب: قتل الحيات وغيرها.
وبقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} وقد رآهم
(1)
، وهذا قد أسلفناه.
ثامنها:
قوله: "فرده الله خاسئا" أي: ذليلا صاغرا مطرودا، يقال: خسأ الكلب خسوءًا: تباعد، وخسأته: قلت: اخسأ، واعلم أن في بعض نسخ البخاري بعد هذا الباب الاغتسال إذا أسلم، وعليه مشى ابن بطال في "شرحه"
(2)
ونحن أيضا، وفي بعضها ذكر الحديث الذي فيه من غير تبويب، وهو مطابق لما بوب له من ربط الأسير مطابقة ظاهرة؛ لأن ثمامة كان أسيرًا وغريما للصحابة لما جاءوا به.
قال ابن المنير: ويجوز أن يكون البخاري سلك عادته في الاستدلال بالخفي والإعراض عن الجلي (اكتفاء)
(3)
بسبق الأفهام إليه، ويجوز أن يكون ترك الاستدلال بحديث ثمامة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يربطه، ولم يأمر بربطه، وحيث رآه مربوطًا قال:"أطلقوا ثمامة" فهو بأن يكون إنكارًا لفعلهم أولى منه بأن يكون تقريرًا بخلاف قصة العفريت، فإنه صلى الله عليه وسلم هم بربطه.
قلت: في وفد بني حنيفة غدا عليه ثلاثة أيام، وهو كذلك، فإن تقرير
أكثر من ذلك على أن ابن إسحاق ذكر أنه عليه السلام أمر بربطه
(4)
؛ فزال ما ذكره.
وفي بعض النسخ: وكان شريح يأمر بالغريم أن يحبس إلى سارية المسجد
(5)
.
(1)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 109.
(2)
المصدر السابق.
(3)
في الأصل: اكتفى. والمثبت كما في "المتواري".
(4)
"المتواري" ص 88.
(5)
سيأتي قريبًا قبل الحديث الآتي.
وهذا رواه معمر عن أيوب، عن ابن سيرين قال: كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم بما عليه، وإن أعطى حقه، وإلا أمر به إلى السجن
(1)
.
(1)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 8/ 306 (15310).
76 - باب الاِغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ، [وَرَبْطِ الأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ
وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ إِلَى سَارِيَةِ المَسْجِدِ]
(1)
.
462 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْن أَبِي سَعِيدٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ". فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الَمسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَا رَسُولُ اللهِ. [469، 2422، 2423، 4372 - مسلم: 1764 - فتح: 1/ 555]
ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ". فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ وَأَنَ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه قريبًا أيضًا
(2)
، وفي الإشخاص
(3)
ومطولًا في وفد بني حنيفة من المغازي
(4)
.
(1)
لم تقع في الأصل، وهي من "اليونينية".
(2)
سيأتي برقم (469) باب: دخول المشرك المسجد.
(3)
سيأتي برقم (2422) كتاب: الخصومات، باب: التوثيق ممن تخشى معرته، وبرقم (2423) باب: الربط والحبس في الحرم.
(4)
سيأتي برقم (4372) باب: وفد بني حنيفة.
وأخرجه مسلم في المغازي
(1)
، وطرقه الدارقطني في "علله"، وقال: طريقة البخاري هي الصواب
(2)
.
ووقع في كتاب ابن المنير أن البخاري أخرجه في البيع والشراء في المسجد، ومعه شيخنا في "شرحه"، وهو عجيب فليس فيه إلا حديث بريرة كما سلف، ثم قال: ووجه المطابقة أن الذي تخيل المنع إنما أخذه من ظاهر: "إن هذِه المساجد إنما بنيت للصلاة وذكر الله". فبين البخاري تخصيص هذا العموم بإجازة فعل غير الصلاة في المسجد، وهو ربط ثمامة؛ لأنه لمقصود صحيح، والبيع كذلك
(3)
.
وهذا أعجب من الأول، وليته على تقدير وجدانه فيه، وأنى له ذلك، استنبط ذلك من قوله في وفد بني حنيفة:(إن تُنعم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل) قيده مساومة وبيع في النفس والمال.
ثانيها:
هذا الحديث روي أيضا من حديث ابن عباس أخرجه ابن منده في "معرفة الصحابة" من حديث علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس أن ثمامة بن أثال الحنفي أتى النبي صلى الله عليه وسلم أسيرًا فخلى سبيله، فلحق بمكة فحال بين أهل مكة والميرة من اليمامة، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألست تزعم أنك بعثت بالرحمة؟ قال: "بلى". قال: فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فأنزل الله تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} [المؤمنون: 76] الآية
(4)
.
(1)
مسلم (1764) كتاب: الجهاد والسير، باب: ربط الأسير وحبسه.
(2)
"علل الدارقطني" 8/ 161 - 162.
(3)
"المتواري" ص 88.
(4)
رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 507 (1422) من طريق عبد المؤمن بن =
ثالثها:
(ثمامة): -بالثاء المثلثة المضمومة- ابن أثال -بضم الهمزة، ثم ثاء مثلثة مفتوحة وبعد الألف لام؛ مصروف- ينتهي نسبه إلى عدنان، وهو سيد أهل اليمامة، وكناه ابن الطلاع أبا أمامة وسماه أثاثة، قال: ويقال: ثمامة، وإسلامه قبل الفتح.
رابعها:
أخذ ابن المنذر من هذا الحديث جواز مكث الجنب المسلم في المسجد، وأنه أولى من المشرك؛ لأنه ليس بنجس، بخلاف المشرك، وروى ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان أن مشركي قريش حين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نداء من أسلم منهم ببدر كانوا يبيتون في مسجد الرسول منهم جبير بن مطعم (
…
)
(1)
، وسيأتي حديثه عند البخاري
(2)
.
خامسها:
في ربطه بالسارية جواز ربط الأسير وحبسه وإدخال الكافر المسجد، ومذهبنا جوازه بإذن المسلم سواء كان الكافر كتابيًّا أو غيره. واستثنى الشافعي من ذلك مسجد مكة وحرمه
(3)
، وذكر ابن التين عن مجاهد وابن محيريز جواز دخول أهل الكتاب فيه
(4)
.
= خالد، عن علباء بن أحمر، به. ولعله فيما خرم من "معرفة الصحابة" لابن منده؛ إذ هناك خرم في المطبوعة من حرف الثاء والجيم وصدرا من الحاء.
(1)
كلام غير واضح بالأصل.
(2)
سيأتي برقم (3050) كتاب: الجهاد والسير، باب: فداء المشركين.
(3)
"الأم" 1/ 46، واستدل بقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} .
(4)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 261 (8776)، (8777).
وقال عمر بن عبد العزيز
(1)
وقتادة ومالك
(2)
: لا يجوز. ونقله القرطبي عن المزني أيضًا
(3)
.
وقال أبو حنيفة: يجوز للكتابي دون غيره
(4)
. وكان حجته ما رواه أحمد في "مسنده" من حديث جابر مرفوعًا: "لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم"
(5)
.
وحجة الشافعي حديث ثمامة، وبأن ذات المشرك ليست نجسة، ومالك أخذ بظاهر الآية، وأنه خاص بالحرم، ومقتضاه تنزه المساجد عنهم كما تنزه عن سائر الأنجاس، عنده أنه نجس لما يخالطه منها إذ كان لا ينفك عنها ولا يتحرز عنها، وبقوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]، ودخول الكافر فيها مناف لذلك، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"إن هذِه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول والقذر"
(6)
. والكافر لا يخلو عن ذلك، وبالحديث السائر:"لا أحل المسجد لحائض ولا جنب"
(7)
. والكافر جنب.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 261 (8778).
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 535، "البيان والتحصيل" 1/ 409.
(3)
"المفهم" 3/ 583.
(4)
"بدائع الصنائع" 5/ 128، "تبيين الحقائق" 6/ 30.
(5)
"المسند" 3/ 339، وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 10: فيه أشعث بن سوار، وفيه ضعف، وقد وثق.
(6)
رواه مسلم (285) كتاب: الطهارة، باب: وجوب غسل البول وغيره من النجاسات، من حديث أنس بن مالك، ورواه البخاري مختصرًا دون موضع الشاهد برقم (219) كتاب: الوضوء، باب: ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد.
(7)
رواه أبو داود (232)، وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 284 (1327)، والبيهقي 2/ 442، وضعفه ابن حزم في "المحلى" 2/ 185 - 186، وقال ابن حجر في =
واعتذروا عن حديث ثمامة بأوجه:
منها: أن ذلك كان متقدمًا على الآية -وفيه نظر- فإنه في سنة ست، والآية كانت سنة تسع.
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم كان قد علم بإسلامه.
ومنها: أنها قصة في حين قال القرطبي: ويمكن أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم إنما ربط ثمامة في المسجد؛ لينظر حسن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها وحسن آدابهم في جلوسهم في المسجد فيأنس بذلك، وكذلك كان
(1)
.
ويوضحه حديث عثمان بن أبي العاصي في "صحيح ابن خزيمة" أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم
(2)
.
وقال جبير فيما ذكره أحمد: دخلت المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب فقرأ بالطور، فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن
(3)
. قال: ويمكن أن يقال أيضًا: إنهم لم يكن لهم موضع ربط يربط فيه إلا المسجد.
سادسها: قوله (فقال: "أطلقوا ثمامة") سبب إطلاقه أنه قال له ثلاثة أيام: "ما عندك يا ثمامة؟ " -كما يأتي في المغازي
(4)
- قال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن
= "التلخيص" 1/ 140: وضعف جماعة هذا الحديث، بأن راويه أفلت بن خليفة، مجهول الحال. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(32).
(1)
"المفهم" 3/ 584.
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 2/ 285 (1328)، ورواه أيضًا أبو داود (3026)، وأحمد 4/ 218. وقال الألباني: إسناده ضعيف فيه عنعنة الحسن، وهو البصري.
(3)
أحمد 4/ 83، وتقدم تخريجه من البخاري (3050) دون قوله: فكأنما صُدع عن قلبي ..
(4)
سيأتي برقم (4372) باب: وفد بني حنيفة.
كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فعند ذلك أمر بإطلاقه، ففيه: جواز اللين على الأسير، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور
(1)
.
وادعى ابن الجوزي أنه لم يسلم تحت الأسر لعزة نفسه، وكأن صلى الله عليه وسلم أحس منه بذلك فقال:"أطلقوه" فلما أطلق أسلم، ورواية ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحهما" بزيادة: إذ فيهما فمر صلى الله عليه وسلم يومًا فأسلم فحله وبعث به إلى حائط أبي طلحة، فأمره أن يغتسل، فاغتسل وصلى ركعتين، فقال صلى الله عليه وسلم:"لقد حسن إسلام أخيكم"
(2)
. ورواه ابن الجوزي أيضا كذلك.
سابعها:
قوله: (فانطلق إلى نجل) كذا الرواية هنا، وفي مسلم وغيرهما بالنون والخاء المعجمة، أي: انطلق إلى نخيل فيه ماء، وزعم ابن دريد أنه بالجيم، وهو الماء القليل المنبعث، وقيل: الجاري.
وعن عائشة رضي الله عنها أن بطحان وهو -واد بالمدينة يجري نجلًا
(3)
. أي: نزًّا فيمكن أن يكون مضى لذلك المكان، وفي رواية: أنه ذهب إلى المصانع فغسل ثيابه، واغتسل
(4)
.
ولا شك أن الكافر إذا أراد الإسلام بادر به، ولا يؤخره للاغتسال، ولا يحل لأحد أن يأذن له في تأخيره، بل يبادر به ثم يغتسل. ورواية
(1)
انظر: "شرح السير الكبير" 3/ 1029، "أحكام القرآن" لابن العربي 4/ 1898، "أحكام القرآن" للشافعي 2/ 199 - 200.
(2)
ابن خزيمة 1/ 125 (253)، وابن حبان 4/ 41 - 42 (1238).
(3)
"صحيح البخاري" برقم (1889)، أبواب: فضائل المدينة، باب: كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة.
(4)
ذكرها ابن عبد البر في "الاستيعاب" 1/ 288.
البخاري أنه تشهد بعد الغسل محمولة على أنه أظهر ذلك، وقد أسلفنا أنه أسلم قبله.
ومذهبنا أن اغتساله واجب إن كان عليه جنابة في شركه سواء اغتسل منها أم لا، وأبعد بعض أصحابنا، فقال: إن كان اغتسل أجزأه، وإلا وجب.
وأبعد منه قول بعض أصحابنا وبعض المالكية: لا غسل عليه، ويسقط حكم الجنابة بالإسلام كما تسقط الذنوب، وهو منقوض بالوضوء، وأنه لازم إجماعًا هذا كله إذا كان أجنب في كفره، وإلا فهو مستحب، وقاله مالك
(1)
.
قال القرطبي: وهذا الحديث دال على أن الغسل في حق الكافر كان مشروعًا عندهم معروفًا، ألا ترى أنه لم يحتج في ذلك إلى من يأمره به، ولا لمن نبهه عليه.
قلت: قد سلف صريحًا أنه أمره به قال: والمشهور من قول مالك أنه إنما يغتسل لكونه جنبًا، قال: ومن أصحابنا من قال: يغتسل للنظافة واستحبه ابن القاسم ولمالك قول: إنه لا يعرف الغسل
(2)
.
وقال أحمد وأبو ثور: يلزمه الغسل لهذا الحديث ولحديث قيس بن [أبي]
(3)
عاصم في الترمذي محسنًا
(4)
، وصححه ابن خريمة
(5)
، وعند
(1)
"إكمال المعلم" 6/ 98 - 99.
(2)
"المفهم" 3/ 586.
(3)
هكذا في الأصل، والصواب قيس بن عاصم، وهو ابن سنان بن خالد بن منقر، التميمي المنقري، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم، وأسلم سنة تسع، وكان عاقلًا حليمًا سمحًا جوادًا. انظر:"الاستيعاب" 3/ 453 - 355 (2164)، "أسد الغابة" 4/ 432 - 434 (4364)، "الإصابة" 3/ 252 - 253 (7194).
(4)
"سنن الترمذي"(605).
(5)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 126 (254، 255).
أبي حنيفة أن الغسل للإسلام مستحب. قال محمد في "السير الكبير": ينبغي للرجل إذا أسلم أن يغتسل للجنابة، وعلل بأن الكفار لا يغتسلون للجنابة، ولا يدرون كيفيته
(1)
، قيل: أراد أن من المشركين من لا يدين الاغتسال من الجنابة، ومنهم من يدينه كقريش، وبني هاشم، فإنهم توارثوه عن إسماعيل عليه السلام إلا إنهم كانوا لا يدرون كيفيته، وهذا في حق من لم يجنب، وقد اختلف خطابهم بالفروع أيضًا.
(1)
"السير الكبير" 1/ 129.
77 - باب الخَيْمَهَ فِي المَسْجِدِ لِلْمَرْضَى وَغَيِرْهِمْ
463 -
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ -وَفِي الَمسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ- إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ، مَا هذا الذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ فِيهَا. [2813، 3901، 4117، 4122 - مسلم: 1769 - فتح: 1/ 556]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ .. الحديث.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه في الأحزاب مطولًا
(1)
، وأخرجه مسلم في المغازي
(2)
.
ثانيها:
(سعد) هذا هو: ابن معاذ، أبو عمرو، وسيد الأوس، بدري، كبير القدر، واهتز عرش الرحمن لموته، أي: استبشارًا لقدوم روحه، أو المراد: حملة العرش، ومن عنده من الملائكة، وأبعد من قال: المراد بالعرش الذي وضع عليه، وتوقف مالك في رواية هذا الحديث، ولعله لا يصح عنه. قال أبو نعيم: مات في شوال
(3)
، ونزل
(1)
سيأتي برقم (4122) كتاب: المغازي، باب: مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب.
(2)
مسلم (1769) كتاب: الجهاد والسير، باب: جواز قتال من نقض العهد.
(3)
في هامش (س): الخندق كانت في شوال سنة خمس، وقيل: في ذي القعدة، فلا أراه يصح ما قاله إلا أن يقال: إنه لبث بعد الخندق دون شهر يعني: القول بوفاته بعد شهر والمعروف أنه توفي بعد شهر من الخندق بعد الفراغ من بني قريظة.
في جنازته سبعون ألف مَلِكٍ ما وطئوا الأرض
(1)
.
ثالثها:
هذِه الخيمة كانت لرفيدة الأنصارية، وقيل: الأسلمية، وكانت تداوي الجرحى، وتحتسب بخدمتها من كانت فيه ضيعة من المسلمين.
رابعها:
الأكحل: عرق في اليد يفصد، ولا يقال: عرق الأكحل، كما قال في "الصحاح"
(2)
، ويقال له كما قال في "المحكم": النسا في الفخذ، وفي الظهر الأبهر، وقيل الأكحل: عرق الحياة، ويدعى نهر البدن، وفي كل عضو منه شعبة لها اسم على حدة، فإذا قطع في اليد لم يرقأ الدم
(3)
، وفي "الجامع": هو عرق الحياة.
خامسها:
قوله: (فلم يرعهم) أي: يفزعهم، وقال الخطابي: هو من الروع، وهو إعظامك الشيء وإكباره فترتاع، قال: وقد يكون من خوف، والمعنى فهم في سكون حتى أفزعهم الدم فارتاعوا له
(4)
.
(1)
هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، أسلم على يد مصعب بن عمير، شهد بدرًا وأحدًا والخندق، ورمي يومي الخندق بسهم فعاش شهرًا ثم انتقض جرحه فمات منه. انظر ترجمته في:"معرفة الصحابة" لأبي نعيم 3/ 1241 - 1244 (1096)، "الاستيعاب" 2/ 167 - 170 (963)، "أسد الغابة" 2/ 373 - 377 (2045)، "الإصابة" 2/ 37 - 38 (3204).
(2)
"الصحاح" 5/ 1809 مادة: كحل.
(3)
"المحكم" 3/ 31 مادة: كحل.
(4)
"أعلام الحديث" 1/ 401 - 402.
سادسها:
قوله: (يغذو) أي: سال.
والحديث دال لما ترجم له، وهو سكنى المساجد للعذر، وأن الإمام إذا شق عليه النهوض إلى عيادة مريض يأمر أن ينقل به إلى موضع يقرب ويخف عليه زيارته، واستدل به مالك وأحمد
(1)
على أن إزالة النجاسة ليست فرضًا؛ لأنه لم يحل بينها وبين الذريعة إليها، ولم يمنعه من السكنى، وعزاه بعضهم إلى القديم، ولك أن تقول: إن ما سكن إلا بعد الاندمال، ولا يخشى منه محذور غالبا.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 41.
78 - باب إِدْخَالِ البَعِيِر فِي المَسْجِدِ لِلْعِلَّةِ
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعِيرٍ. [1607]
464 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنِّي أَشْتَكِي. قَالَ: "طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ". فَطفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ البَيْتِ، يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. [1619، 1626، 1633، 4853 - مسلم: 1276 - فتح: 1/ 557]
ثم ساق حديث أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَشْتَكِي. قَالَ: "طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ .. " الحديث.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
التعليق الأول يأتي -إن شاء الله تعالى- في الحج من حديث عكرمة
(1)
، وحديث أم سلمة أخرجه مع مسلم في الحج
(2)
، وفي تفسير سورة الطور
(3)
، وفي لفظ له:"إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك، والناس يصلون"
(4)
.
ثانيها:
معنى (شكوت) أي: أشتكي تعني: أنها مريضة، وإنما أمرها
(1)
سيأتي برقم (1612) باب: من أشار إلى الركن إذا أتى عليه.
(2)
سيأتي برقم (1619) باب: طواف النساء مع الرجال، ومسلم (1276) باب: جواز الطواف على بعير وغيره.
(3)
سيأتي برقم (4853) كتاب: التفسير.
(4)
سيأتي برقم (1626) كتاب: الحج، باب: من صلى ركعتين الطوات خارجًا من المسجد.
بالطواف وراء الناس؛ لأنه صلاة وسنة النساء التباعد عن الرجال في الصلاة.
ثالثها:
فيه جواز الطواف راكبًا للمعذور، ولا كراهة فيه، فإن كان غير معذور ففيه خلاف ستعلمه في الحج، وطوافه صلى الله عليه وسلم على بعير يوضح جوازه، وبه أخذ ابن المنذر وقوم والجمهور كما حكاه القرطبي
(1)
على كراهة ذلك ومنعه، وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه يعيد ما دام قريبًا من مكة، فإن بَعُد إلى مثل الكوفة فعليه دم
(2)
، ولم ير الشافعي فيه شيئًا
(3)
، وبه قال أحمد كما حكاه ابن الجوزي
(4)
.
وأجابوا عن طوافه راكبًا بأوجه:
منها: أنه للاستعلاء كما أخرجه مسلم
(5)
.
ثانيها: أنه كان شاكيا. رواه أبو داود
(6)
من حديث ابن عباس
(7)
، وهذا فهمه البخاري هناك، وترجم عليه، باب: المريض يطوف راكبًا
(8)
.
(1)
"المفهم" 3/ 381.
(2)
انظر: "المنتقى" 2/ 295، "النوادر والزيادات" 2/ 382، "المبسوط" 4/ 44 - 45.
(3)
"الأم" 2/ 148.
(4)
"المغني" 5/ 55.
(5)
مسلم (1273) كتاب: الحج، باب: جواز الطواف على بعير وغيره. من حديث جابر.
(6)
في هامش (س) حاشية نصها: من خط الشيخ: أبو داود والنسائي.
(7)
أبو داود (1881)، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(327).
(8)
سيأتي برقم (1633) كتاب: الحج.
ثالثها: قول عائشة لو كان ماشيًا لطرق بين يديه ولصرفوا عنه، وكان يكره ذلك
(1)
.
رابعها: فيه جواز دخول الدواب المسجد كما ترجم له، ولا يلزم من دخولها التلوث، وناقته صلى الله عليه وسلم كانت ناقة منوقة، والعادة أن الدابة إذا كانت سائرة لا تبول
(2)
، وخصه مالك بالدواب المأكولة.
وفيه أيضًا أن راكب الدابة ينبغي له أن يتجنب ممر الناس ما استطاع ولا يخالط الرجالة، وكذلك ينبغي أن يخرج النساء إلى حواشي الطرق.
قال أبو عمر: وصلاته صلى الله عليه وسلم إلى جنب البيت من أجل أن المقام كان حينئذ ملصقًا بالبيت قبل أن ينقله عمر من ذلك المكان، والوجه أن البيت كله قبله، فحيث صلى المصلي منه إذا جعله أمامه كان حسنًا
(3)
.
(1)
رواه مسلم (1274) كتاب: الحج، باب: جواز الطواف على بعير وغيره، بلفظ: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره يستلم الركن، كراهية أن يضرب عنه الناس.
(2)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: وذكر لي بعض أصحابي أن من خصائصه عليه السلام أن مركوبه ما دام النبي صلى الله عليه وسلم راكبه لا يبول ولا يروث وغالب ظني أنه نقله عن ابن إسحاق، والله اعلم.
(3)
"التمهيد" 13/ 100 - 101.
79 - باب
465 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الُمثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا مِثْلُ المِصْبَاحَيْنِ يُضِيآنِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ. [3639، 3805 - فتح: 1/ 557]
ذكر فيه أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا مِثْلُ المِصْبَاحَيْنِ يُضِيآنِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في علامات النبوة متنًا وإسنادًا
(1)
، وفي منقبة أسيد بن حضير، وعباد بن بشر في مناقب الأنصار، وقال فيه: وقال معمر، عن ثابت، عن أنس أن أسيد بن حضير ورجلًا من الأنصار، وقال حماد: أنا ثابت، عن أنس كان أسيد وعباد بن بشر عند النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
، وتعليق معمر أخرجه البيهقي في "دلائله" من حديث عبد الرزاق عنه
(3)
، وتعليق حماد هذا وصله النسائي في "سننه" فقال: حدثنا أبو بكر بن نافع، عن بهز بن أسد، عن حماد بن سلمة أنا ثابت فذكره
(4)
، وأخرجه البيهقي في "دلائله" من حديث يزيد بن هارون، عن حماد به، وفيه: أضاءت لهما عصى أحدهما
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (3639) كتاب: المناقب.
(2)
سيأتي برقم (3805) كتاب: مناقب الأنصار.
(3)
"دلائل النبوة" 6/ 77 - 78.
(4)
"السنن الكبرى" 5/ 68 (8245).
(5)
"دلائل النبوة" 6/ 78.
ثانيها:
الرجلان قد عرفتهما، وقال ابن التين: هما عباد وعويم بن ساعدة أو أسيد، وجزم ابن بطال بأنهما عباد وأسيد
(1)
، وبه جزم ابن التين في باب: علامات النبوة، وهو الموافق لباقي الباب، وهو شبيه بما ذكره ابن عساكر وغيره، عن قتادة بن النعمان أنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عرجون فأضاء العرجون
(2)
.
وفي "دلائل البيهقي" من حديث ميمون بن زيد بن أبي عبس، حدثني أبي أن أبا عبس كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات، ثم يرجع إلى بني حارثة، فخرج في ليلة مظلمة مطيرة، فنورت له عصاه حتى دخل دار بني حارثة
(3)
، ومن حديث كثير بن زيد، عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفرنا في ليلة مظلمة، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم، وإن أصابعي لتنير، وفي لفظ: نفرت دوابنا ونحن في سفر .. الحديث
(4)
.
ثالثها:
قال ابن بطال: إنما ذكر البخاري هذا الحديث في أحكام المساجد؛ لأن الرجلين كانا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع جلوسه مع الصحابة، فلما كان معه هذان في علم ينشره، أو في صلاة فأكرمهما الله بالنور في الدنيا ببركة الشارع، وفضل مسجده، وملازمته، وذلك آية للشارع وكرامة له،
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 113.
(2)
"تاريخ دمشق" 49/ 284.
(3)
"دلائل النبوة" 6/ 87 - 79.
(4)
"دلائل النبوة" 6/ 79.
وأنه خص في الآيات بما لم يخص به من كان معه
(1)
أن أعطى أن يكرم أصحابه بمثل هذا النور عند حاجتهم إليه، وذلك من خرق العادات
(2)
.
وذكر بعضهم فيما نقله شيخنا قطب الدين في "شرحه" ويحتج به غيره: أنه يحتمل أن يكون البخاري أراد بذكر هذا الحديث هنا قول الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ثم قال في آخرها: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} وختمها بقوله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] إلى أن قال: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور: 38] فكان هذا من أولئك فهداهما الله بالنور في قلوبهم باطنًا ورزقهم إياه ظاهرًا في الظلمة، كما إن كانا من جملة من كان في البيوت التي أذن الله في رفعها، جعل الله لتمام النور بين أيديهما يستضيئان به في ممشاهما مع قوله:"بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"
(3)
فجعل الله لهم منه في الدنيا ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم.
رابعها:
فيه دلالة ظاهرة لكرامات الأولياء ولا شك فيه.
خامسها:
قال ابن بطال: كان يصلح أن يترجم لهذا الحديث باب قول الله
(1)
في هامش الأصل: لعله (قبله).
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 113.
(3)
رواه أبو داود (561)، والترمذي (223) من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه مرفوع، هو صحيح مسند وموقوف على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسند على النبي صلى الله عليه وسلم.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(570).
ورواه ابن ماجه (781) من حديث أنس.
تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] يشير إلى أن الآية عامة فيهما فيحتمل أن يستثبت منها المعنى لا سيما وقد ذكر الله النور في المشكاة والزجاجة: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36]، الآية.
فاستدل أن الله يجعل لمن يسبح في تلك المساجد نورًا في قلوبهم، ونورًا في جميع أعضائهم، ونورًا بين أيديهم، ومن خلفهم في الدنيا والآخرة، فلما خرجا من عند الشارع في الليلة المظلمة أراهم بركة نبيه وكرامته بما جعل الله لهما من النور بين أيديهما يستضيئان به في ممشاهما مع الحديث السالف:"بشر المشائين" إلى آخر ما سلف، ويوقِنَا أن كذلك يكون ما وعدهم الله به من النور الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يوم القيامة برهانًا لمحمد عليه الصلاة والسلام على صدق ما وُعِد به أهل الإيمان الملازمين للبيوت التي أذن الله أن ترفع
(1)
.
وهذا هو عين الاحتمال السالف الذي أباده شيخنا احتمالا، وذكره آخر (
…
)
(2)
فذكره
(3)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 113 - 114.
(2)
مقدار ثلاث كلمات في الأصل لم نتبين قراءتها.
(3)
ورد بهامش (س): ثم بلغ في الرابع بعد الستين كتبه مؤلفه.
80 - باب الخَوْخَةِ وَالمَمَرِّ فِي المَسْجِدِ
466 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ بُشرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ". فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هذا الشَّيْخَ؟ إِنْ يَكُنِ اللهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ العَبْدَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. قَالَ:"يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، ولكن أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجدِ بَابٌ إِلا سُدَّ إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ". [3654، 3904 - مسلم: 2382 - فتح: 1/ 558]
467 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، ولكن خُلَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هذا المَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ". [3656، 3657، 6738 - فتح: 1/ 558]
ذكر فيه حديثين:
أحدهما: قال فيه: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، ثَنَا فُلَيْحٌ، ثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ تعالى" .. الحديث.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل أبي بكر
(1)
، وأخرجه مسلم في الفضائل
(2)
(3)
.
ثانيها:
هكذا ثبت في روايتنا عبيد، عن بسر، عن أبي سعيد، وكذا رواه محمد بن زكريا النيسابوري، فقال: حدثنا معاذ بن سليمان الحراني، ثنا فليح.
وذكر أبو علي الجياني أن رواية محمد بن سنان معافى بن سليمان ليست محفوظة عن أبي النضر
(4)
، وقال ابن السكن عن الفربري: قال محمد بن إسماعيل: هكذا رواه محمد بن سنان، عن فليح، وهو خطا، وإنما هو -عن عبيد وعن بسر- يعني: بواو العطف.
وكذا خرجه مسلم، عن سعيدٍ بن منصور عن فليح به، قال: جميعًا: عن أبي سعيد
(5)
، ورواه عن فليح كرواية سعيدٍ يونسُ بن محمد عند ابن أبي شيبة
(6)
، ورواية أبي زيد المروزي في "صحيح البخاري" حدثنا محمد بن سنان، ثنا فليح ثنا أبو النضر، عن عبيد، عن أبي سعيد، ورواه البخاري في فضل أبي بكر عن عبد الله بن محمد أبي عامر
(1)
سيأتي برقم (3654) كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر".
(2)
مسلم (2382) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(3)
في هامش (س): بخط الشيخ: والترمذي في المناقب، والنسائي بعضه.
(4)
"تقييد المهمل" 2/ 586.
(5)
مسلم (2382).
(6)
"مصنف ابن أبي شيبة" 6/ 351 (31917).
- يعني: العقدي، ثنا فليح، ثنا سالم، عن بسر، عن أبي سعيد
(1)
، وفي الهجرة عن إسماعيل بن عبد الله، حدثني مالك، عن أبي النضر، عن عبيد، عن أبي سعيد بلفظ:"أن يؤتيه الله من زهرة الدنيا ما شاء" وفيه: فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا
(2)
.
وكذا رواه عن مالك عبد الله بن مسلمة
(3)
وابن وهب ومعن، ومن طريقه أخرجه مسلم
(4)
، ومطرف وإبراهيم بن طهمان -وسماه عبد الله بن حنين- ومحمد بن الحسن، وعبد العزيز بن يحيى؛ قال الدارقطني: لم أره في "الموطأ" إلا في "كتاب الجامع" للقعنبي ولم يذكره في "الموطأ" غيره، ومن تابعه فإنما رواه في غير "الموطأ".
قلت: ففليح لم ينفرد به بل توبع، وإن كان بعضهم لين روايته، فيجوز أن يكون حدث به مرة، عن عبيد، ومرة عن بسر، ومرة جمعهما، وأخرجه الترمذي من طريق أبي المعلى مرفوعًا، وقال: غريب
(5)
، وأخرجه أيضًا من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب إلا باب أبي بكر
(6)
.
ثالثها:
أبو النضر. اسمه: سالم بن أبي أمية، مولى عمر بن عبيد الله بن معمر
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (3654).
(2)
سيأتي برقم (3904) كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
أخرج روايته الترمذي (3660).
(4)
مسلم (2382/ 2).
(5)
الترمذي (3659).
(6)
الترمذي (3678) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وصححه الألباني.
(7)
تقدمت ترجمته في حديث رقم (280).
وعبيد بن حنين مدني أخو عبد الله ومحمد تابعي ثقة، مات بالمدينة سنة خمس ومائة، عن خمس وسبعين سنة
(1)
.
وبسر بن سعيد -بالباء الموحدة والسين المهملة- مات بالمدينة سنة مائة -وقيل: إحدى- عن ثمان وسبعين سنة.
رابعها:
قوله: (فبكى أبو بكر) زاد مسلم: فسمى هذا وبكى. وإنما أبهم الشارع ذكر العبد؛ ليظهر فهم أهل المعرفة، ونباهة أهل الحذق، وكان ذلك كله في الصديق، وفي مسلم أنه قال لرسول الله: فديناك بآبائنا وأمهاتنا؛ لأن الصديق فهم أن العبد هو رسول الله، وكان ذلك في مرض موته، كما ستعلمه، في حديث ابن عباس بعده، فبكى حزنًا على فراقه، وانقطاع الوحي، وغير ذلك من أنواع الخيرات.
وفي قول أبي سعيد: (وكان أبو بكر أعلمنا) هو لائح في كونه أعلم الصحابة إذ لم ينكره أحد ممن حضر، ولا شك فيه، ولما علم الشارع ذلك منه اختصه بالخصوصية العظمى، وقال:"إن أمن الناس علي .. " إلى آخره فظهر أن للصديق من الفضائل والحقوق ما لا يشاركه في ذلك مخلوق.
خامسها:
قوله صلى الله عليه وسلم: ("إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر")، قال العلماء ومنهم الخطابي: أي: أكثرهم جودًا وسماحة لنا بنفسه وماله،
(1)
قال عنه ابن سعد: كان ثقة وليس بكثير الحديث، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات". انظر ترجمته في:"الطبقات الكبرى" 5/ 285 - 286، "الجرح والتعديل" 5/ 404 - 405 (1872)، "الثقات" لابن حبان 5/ 133، "تهذيب الكمال" 19/ 197 - 250 (3712).
وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة؛ لأنه مبطل للثواب، لأن المنة لله ولرسوله في قبول ذلك وغيره، قال الخطابي: والمن في كلام العرب الإحسان إلى من لا تستثيبه قال تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ} [ص: 39]. وقال: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} [المدثر: 6]، أي: لا تعط لتأخذ من المكافأة أكثر مما أعطيت
(1)
.
وقال القرطبي: وزن "أمن" أفعل من المنة بمعنى: الامتنان، أي: أكثر منَّة، ومعناه: أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان بغيره لامتن بها وذلك؛ لأنه بادر بالتصديق، وبنفقة الأموال وبالملازمة والمصاحبة إلى غير ذلك بانشراح صدر ورسوخ علم بأن الله ورسوله لهما المنة في ذلك والفضل لكن رسول الله بجميل أخلاقه وكرم أعراقه اعترف بذلك عملًا بشكر المنعم ليسن كما قال للأنصار، وفي "جامع الترمذي" من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"ما لأحد عندنا يد إلا وكافَأْنَاه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله عز وجل بها يوم القيامة"
(2)
.
سادسها:
قوله صلى الله عليه وسلم: ("لو كنت متخذًا من أمتي خليلا .. ") إلى آخره، وفي رواية:"لكن أخي وصاحبي"
(3)
.
اعلم أن أصل الخلة الافتقار والانقطاع فخليل الله، أي: المنقطع إليه، لقصره حاجته عليه، وقيل: إنها للاختصاص أو الاصطفاء، وسمى إبراهيم بذلك؛ لأنه والى فيه، وعادى فيه، وقيل: لأنه تخلل
(1)
"أعلام الحديث" 1/ 403.
(2)
"المفهم" 6/ 241، والحديث رواه الترمذي (3661) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
(3)
رواها مسلم (3/ 2383) من حديث عبد الله بن مسعود.
بخلال حسنة، وأخلاق كريمة، وخلة الله له: نصره وجعله إمامًا لمن بعده، وقال ابن فورك: الخلة صفاء المودة بتخلل الأبرار، وقيل: اصطفاء المحبة، وقيل: الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله، وقيل: من التخلل أي: أن الحب تخلل قلبه وغلب على نفسه، والخل الصديق. حكاه ابن قرقول.
وقوله: "من أمتي" قيل: اتخذ خليلًا من الملائكة. حكاه ابن التين، ويرده "ولكن صاحبكم خليل الرحمن"، وفي رواية:"لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي"
(1)
، و (اتخذ) تتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف الجر، فيكون بمعنى: اختار واصطفى، وهنا سكت عن أحد مفعوليها، وهو الذي دخل عليه حرف الجر، فكأنه قال: لو كنت متخذًا من الناس خليلا لاتخذت منهم أبا بكر، وقد تتعدى (اتخذ) لأحد المفعولين بحرف الجر، وقد تتعدى لمفعول واحد، وكل ذلك في القرآن.
ومعنى الحديث: أن أبا بكر متأهل لأَنْ يتخذ الشارع خليلًا لولا المانع المذكور، وهو أنه امتلأ قلبه بما تخلله من معرفة الرب تعالى وصحبته ومراقبته حتى كأنه مزجت
(2)
أجزاء قلبه بذلك، فلم يتسع قلبه لخليل آخر وعلى هذا فلا يكون الخليل إلا واحدًا ومن لم ينته إلى ذلك، ممن تعلق القلب به فهو حبيب، وذلك أثبت للصديق ولعائشة أنهما أحب الناس إليه، ونفي عنهما الخلة، وعلى هذا فالخلة فوق المحبة.
وقد اختلف أرباب القلوب في ذلك، فذهب الجمهور منهم إلى أن
(1)
ستأتي برقم (3654).
(2)
لعلها: كأَنْ.
الخلة أعلى تمسكًا بهذا الحديث، وذهب أبو بكر بن فورك إلى أن المحبة أعلى؛ لأنها صفة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل من الخليل عليه السلام، وقيل: هما سواء، فلا يكون الخليل لا حبيبًا، ولا الحبيب إلا خليلًا.
وزعم القزاز فيما حكاه ابن التين أن معنى الحديث: لو كنت أخص أحدًا بشيء من العلم دون الناس لخصصت به أبا بكر؛ لأن الخليل من تفرد بِخَلَّة من الفضل لا يشركه فيها أحد كما اتخذ الله إبراهيم خليلا جعلها عليه بردًا وسلامًا.
سابعها:
قوله: ("ولكن أخوة الإسلام") قال ابن التين: رويناه بغير همز، ولا أصل لهذا، وكان الهمزة سقطت هنا، وهي ثابتة في باب المواضع، وكذا قال ابن بطال: وقع في الحديث (ولكن خوة الإسلام)، ولا أعرف معناه، قال: وقد وجدت الحديث بعده (خلة) بدل (خوة)، وهو الصواب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صرف الكلام على ما تقدمه من ذكر الخلالة، وأتى بلفظ مشتق منها، وهو الخلة، قال: ولم أجد خوة بمعنى خلة في كلام العرب
(1)
.
قوله: (ما يبكي الشيخ، إن يكن الله) قال ابن التين: رويناه بكسر همزة (إن) على أنه شرط ويصح فتحها، ويكون منصوبًا بأن فيكون المعنى ما يبكيه لأجل أن يكون الله تعالى خير عبدًا.
ثامنها:
فيه التعريض بالعلم للناس، وإن قل فهماؤه خشية أن يدخل عليهم مساءة أو حزنًا.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 115 - 116.
وفيه: أنه لا يستحق أحد حقيقة العلم إلا من فهم، وأن الحافظ لا تبلغ درجته إنما يقال للحافظ عالم بالنص لا عالم بالمعنى، ألا ترى أن أبا سعيد جعل لأبي بكر مزية تفهمه أوجب له بها العلم حقيقة، وإن كان قد أوجب العلم للجماعة.
وفيه: الحض على اختيار ما عند الله والزهد في الدنيا، والإعلام لمن أحبك ذلك من المسلمين.
وفيه: أن على الإمام شكر من أحسن صحبته ونصرته، بتعزيز الدين والاعتراف بذلك واختصاصه بالفضيلة التي لم يشارك فيها كما اختص هو عليه السلام أبا بكر بما لم يخص فيه غيره وذلك؛ أنه جعل بابه في المسجد ليخلفه بالإمامة.
وفيه: أن المرشح بالإمامة يخص بكرامة تدل عليه.
وفيه: أن الخلة فوق الصداقة، والصحبة.
وفيه: ائتلاف النفوس بقوله: "ولكن أخوة الإسلام أفضل" فتألفهم بأن حرمة الخلة بمعنى: شامل عنده وإن كان قد فضل الصديق بما يدل على ترشيحه للأمر بعده.
تاسعها:
قوله: ("لا يبقين باب في المسجد إلا سد إلا باب أبي بكر") وجاء: "لا يبقين في المسجد خوخة"، كما ستعلمه من حديث ابن عباس.
والخوخة بفتح الخاء باب صغير، قال ابن قرقول: وقد يكون عليها مصاريع، وقد لا يكون إنما أصلها فتح في الحائط، وكانت الصحابة فتحوا بين مساكنهم وبين المسجد خوخات؛ اغتنامًا لملازمة المسجد
وللكون فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان فيه غالبًا إلا إنه لما كان يؤدي ذلك إلى اتخاذ المسجد طريقًا، وكانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول فيه، كما أخرجه أبو داود بإسناده الصحيح
(1)
، أمر صلى الله عليه وسلم بسد كل خوخة كانت هنالك واستثنى خوخة الصديق إكرامًا له، وخصوصية به؛ لأنهما كانا لا يفترقان غالبًا.
عاشرها:
استدل بهذا الحديث على إمامة الصديق، واستخلافه بعده؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج من باب بيته، وهو في المسجد للصلاة، فلما أن غلَّق الأبواب إلا باب أبي بكر دل على أنه يخرج إليه منه للصلاة، فكأنه صلى الله عليه وسلم نبه على أنه من بعده يفعل هكذا، وحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب إلا باب علي، استغربه الترمذي
(2)
وقال البخاري: حديث "إلا باب أبي بكر" أصح
(3)
، وقال الحاكم: تفرد به مسكين بن بكير الحراني، عن شعبة، قال ابن عساكر: وهو وَهَمٌ.
قلت: قد تابعه إبراهيم بن المختار.
وعند ابن عدي مضعفًا عن أنس قال بعض الناس: سد الأبواب إلا باب أبي بكر، فقال:"إني رأيت على أبوابهم ظلمة، وعلى باب أبي بكر نورًا". قال: فكانت الأخيرة أعظم عليهم من الأولى
(4)
.
(1)
علقه البخاري (174) كتاب: الوضوء، باب: الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، ورواه أبو داود (382)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(408).
(2)
الترمذي (3732) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه عن شعبة بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه.
(3)
"التاريخ الكبير" 2/ 68.
(4)
"الكامل" لابن عدي 5/ 343.
الحديث الثاني:
حديث ابن عباس: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ .. الحديث.
ويأتي في الفرائض بزيادة فإنه أنزله أبا أو قال قضاه أبا
(1)
.
وقوله: (عاصبًا رأسه) قال ابن التين: المعروف عصب رأسه تعصيبًا.
(1)
سيأتي برقم (6738) باب: ميراث الجد مع الأب والإخوة. وفي الأصل: (قضاه إياه) بدل (قضاه أبا).
81 - باب الأَبْوَابِ وَالغَلَقِ لِلْكَعْبَةِ وَالمَسَاجِدِ
قَالَ البخاري: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابن جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي ابن أَبِي مُلَيْكَةَ: يَا عَبْدَ المَلِكِ، لَوْ رَأَيْتَ مَسَاجِدَ ابن عَبَّاسٍ وَأَبْوَابَهَا.
468 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ وَقُتَيْبَةُ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مَكَّةَ، فَدَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ، فَفَتَحَ البَابَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، ثُمَّ أَغْلَقَ البَابُ، فَلَبِثَ فِيهِ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَجُوا. قَالَ ابن عُمَرَ: فَبَدَرْتُ فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَقَالَ: صَلَّى فِيهِ. فَقُلْتُ: فِي أى؟ قَالَ: بَيْنَ الأُسْطُوَانَتَيْنِ. قَالَ ابن عُمَرَ: فَذَهَبَ عَلَيَّ أَنْ أَسْأَلهُ كَمْ صَلَّى. [انظر 397 - مسلم 1329 - فتح: 1/ 559]
ذكره شاهدًا للأبواب، واسم (ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، مات مع نافع
(1)
، والغلق بفتح الغين المغلاق، وهو ما يغلق به الباب.
ثم ساق حديث حماد عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّه صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مَكَّةَ، فَدَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ .. الحديث.
وقد سلف من حديث مجاهد عن ابن عمر في باب قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]
(2)
. فطريق نافع طرقه
(1)
عبد الله بن أبي مليكة المكي الأحول، ولاه ابن الزبير القضاء، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 472 - 473، "التاريخ الكبير" 5/ 137 (412)، "الجرح والتعديل" 5/ 99 - 100 (461)، "الثقات" لابن حبان 5/ 2، "تهذيب الكمال" 15/ 256 - 258 (3405).
(2)
سبق برقم (397) كتاب: الصلاة.
الدارقطني فذكره مرة بزيادة بلال بعد ابن عمر.
وفيه: اتخاذ الأبواب للمساجد، وادعى ابن بطال وجوبه صونًا لها
(1)
، وهو ظاهر إذا غلب على الظن وقوعه فإدخال هؤلاء الثلاثة معه؛ لأن عثمان أحد السدنة ففي عدم دخوله قد يتوهم عزله، وبلال مؤذنه وقائم أمر صلاته، وأسامة حبه ومتولي خدمته وما يحتاج إليه، وأما غلق الباب فلئلا يظن الناس أن الصلاة فيه سنة مؤكدة فيلتزموا ذلك.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 116.
82 -
باب دُخُولِ المُشْرِكِ المَسْجِدَ
461 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، أنَهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَال لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ. [انظر 462 - مسلم 1764 - فتح: 1/ 560]
ذكر من حديث أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ.
وقد سلف قريبا في باب الاغتسال إذا أسلم
(1)
.
(1)
سبق برقم (462) كتاب: الصلاة.
83 - باب رَفعِ الصَّوْتِ فِي المَسَاجِدِ
470 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الَمسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ. فَجِئْتُهُ بِهِمَا. قَالِ: مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَينَ أَنْتُمَا؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ البَلَدِ لأوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [فتح: 1/ 560]
471 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابن أَبِي حَذرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادى:"يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، يَا كَعْبُ". قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قُمْ فَاقْضِهِ". [انظر: 457 - مسلم: 1558 - فتح: 1/ 561]
ذكر فيه حديثين:
أحدهما: حديث السائب بن يزيد؛ رواه عن علي بن عبد الله، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا الجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي المَسْجدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَظَابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأَتِنِي بِهَذَيْنِ. فَجِئْتُهُ بِهِمَا. قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ البَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث، وهو في الحقيقة أثر رواه عن علي بن عبد الله
أبو خليفة، وأورده الإسماعيلي عن يعلى عن محمد بن عباد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن الجعيد، عن السائب قال: كنت مضطجعًا فحصبني إنسان، فرفعت رأسي، فإذا عمر بن الخطاب فذكره، ثم قال: لم يذكر يزيد، وأورده أيضًا عن أبي القاسم البغوي عن عبيد الله بن عمر الجشمي، عن يحيى بن سعيد؛ فقال: عن الجعد بن أوس، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد.
قلت: والجعد معروف بالرواية عن يزيد وعن السائب.
إذا عرفت ذلك، فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
(يزيد) هذا هو: ابن عبد الله بن خصيفة مدني ثقة
(1)
.
و (الجعد) مدني ويقال: الجعيد، ثقة، روى له مسلم حديثًا واحدًا عن السائب
(2)
.
(1)
هو يزيد بن عبد الله بن خُصيفة بن عبد الله بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي المدني، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي، وقال ابن سعد: كان عابدًا ناسكًا كثير الحديث ثبتًا، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى"[القسم المتمم] ص 273 (155)، "التاريخ الكبير" 8/ 345 (3261)، "الجرح والتعديل" 9/ 274 (1153)، "الثقات" لابن حبان 7/ 616، "تهذيب الكمال" 32/ 172 - 174 (7012).
(2)
هو ابن عبد الرحمن بن أوس الكندي، ويقال: التيمي المدني، وثقه يحيى بن معين، والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 420 (2318)، "الجرح والتعديل" 2/ 527، 529 (2189)، (2196)، "الثقات" لابن حبان 4/ 116، "تهذيب الكمال" 4/ 561 - 562 (927).
وحديثه عند مسلم برقم (2345) كتاب: الفضائل، باب: إثبات خاتم النبوة وصفته.
ثانيها:
قوله: (كنت قائمًا) كذا في روايتنا بالقاف، ولعله بالنون بدلها، توضحه رواية الإسماعيلي كنت مضطجعًا.
ثالثها:
أنما أنكر عمر عليهما لرفعهما أصواتهما فيما لا حاجة فيه، ولذلك بنى عمر البطحاء خارج المسجد لينزهه عن الخنا والرفث.
وسؤاله عنهما؛ لأنه كان قد قدم النهي عن ذلك فلما أخبراه أنهما ليسا من أهل البلد سكت عنهما، وأخبرهما بالنهي الذي كان قدمه لأهل البلد، وقد قال مالك
(1)
وغيره: لا يرفع الصوت في المسجد في علم ولا غيره، قال مالك: ولقد أدركت الناس قديمًا يعيبون ذلك على بعض من يكون ذلك محله، وفي العلم ترفع فيه الأصوات، وكرهه، رواه ابن عبد الحكم عنه.
وقال ابن مسلمة في "المبسوط": لا بأس برفع الصوت في المسجد في الخير يخبرونه والخصومة تكون بينهم، ولا بأس بالأحداث التي تكون بين الناس فيه من الشيء يعطونه، وما يحتاجون إليه؛ لأن المسجد مجمع الناس، ولابد لهم فيما يحتاجون إليه من ذلك.
وأجاز أبو حنيفة وأصحابه رفع الصوت في المسجد، وذكر ابن أبي خيثمة، عن إبراهيم بن بشار، عن ابن عيينة قال: مررت بأبي حنيفة مع أصحابه في المسجد وقد ارتفعت أصواتهم، فقلت: يا أبا حنيفة هذا في المسجد والصوت لا ينبغي أن يرفع فيه! فقال: دعهم فإنهم لا يفقهون إلا بهذا
(2)
، وفي خبر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن رفع الصوت في المساجد
(1)
"المنتقى" 1/ 312.
(2)
انظر: "الآداب الشرعية" لابن مفلح 3/ 382.
وإنشاد الشعر وطلب الضوال والصفق في البيوع؛ ولا يقوى
(1)
.
الحديث الثاني:
حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابن أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ .. الحديث.
وقد سلف في باب التقاضي والملازمة في المسجد
(2)
.
وساق البخاري هذا الحديث ليبين أن ارتفاع صوت كعب وابن أبي حدرد فيه كان على طلب حق واجب، ولهذا لم يعبه الشارع عليهم فبين بالحديث الأول محل المنع وبهذا محل الجواز.
(1)
رواه أبو داود (1079)، والترمذي (322)، والنسائي 2/ 47 - 48، وابن ماجه (749)، وأحمد 2/ 179، وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 274 (1304).
من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر.
وحسنه الترمذي وقال: ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب إنما ضعفه؛ لأنه يُحدِّث عن صحيفة جدِّه، كأنهما رأوا أنه لم يسمع هذِه الأحاديث من جده.
والحديث حسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(991).
(2)
سبق برقم (457) كتاب: الصلاة.
84 - باب الحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي المَسْجِدِ
472 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَلَى المِنْبَرِ: مَا تَرى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى". وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِهِ. [473، 990، 993، 995، 998، 1137 - مسلم: 749، 751 - فتح: 1/ 561]
473 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: كَيفَ صَلَاةُ اللَّيلِ؟ فَقَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ". قَالَ الوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ ابن عُمَرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَجُلًا نَادى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي المَسْجِدِ. [انظر: 472 - مسلم 749 - فتح: 1/ 562]
474 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ -مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- أَخبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي المَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأى فُرْجَةً فَجَلَسَ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الثَّلَاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوى إِلَى اللهِ، فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ". [انظر: 66 - مسلم: 2176 - فتح: 1/ 562]
ساق فيه حديث ابن عمر
(1)
: قَالَ: سَأَلَ رَجُل رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَلَى المِنْبَرِ: مَا تَرى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى .. " الحديث.
(1)
فوقها في الأصل: (د، س، ق) انظر: أبو داود: (1326)، النسائي:(1669)، ابن ماجه:(1320).
وحديث ابن عمر
(1)
أيضا أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى .. " الحديث
ثم قال: وقَالَ الوَليدُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ ابن عُمَرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَجُلًا نَادى رسول صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي المَسْجِدِ.
ثم ساق حديث أبي واقد في النفر الثلاثة.
وهذا الحديث سلف في باب: من قعد حيث ينتهى به المجلس من كتاب العلم
(2)
.
وأما الحديث الأول والثاني فأخرجهما مسلم أيضًا
(3)
.
وأما الثالث المعلق فأسنده مسلم عن [أبي كريب]
(4)
وهارون بن عبد الله، عن أبي أسامة، عن الوليد به
(5)
، وفي رواية لأصحاب السنن الأربعة زيادة والنهار
(6)
. قال الترمذي: والصحيح صلاة الليل، وقال النسائي: إنه خطأ، وقال الشافعي: إنه لا يثبت أهل الحديث مثله، أعني: ذكر النهار؛ وأما البخاري فصححه
(7)
، وطرقه الدارقطني فأبلغ
(8)
.
إذا تقرر ذلك، فالكلام عليه من أوجه:
(1)
فوقها في الأصل: (د) انظر: أبو داود: (1421).
(2)
سبق برقم (66).
(3)
مسلم (749) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى.
(4)
في (س): كريب، والصواب ما أثبتناه.
(5)
مسلم (749/ 156) بعد حديث (753) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى.
(6)
أبو داود (1295)، والترمذي (597)، والنسائي 3/ 227، وابن ماجه (1322).
(7)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 487.
(8)
وقال: لا يثبت. انظر: "العلل" 13/ 35.
أحدها:
ليس فيما ذكره البخاري دلالة على التحلق والجلوس في المسجد بحال كما نبه عليه الإسماعيلي.
وقال المهلب: شبه البخاري في حديث جلوس الرجال في المسجد حول الشارع وهو يخطب بالتحلق والجلوس في المسجد للعلم.
والظاهر أن الشارع لا يكون في المسجد وهو على المنبر إلا وعنده جمع جلوس محدقين به كالمتحلقين.
وأما حديث أبي واقد فليس في إيراده هنا دلالة لما ترجم له، نعم فيه في كتاب العلم بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس والناس معه إذ أقبل .. الحديث، فاكتفى بأصل الحديث كعادته في الاستدلال بالأشياء الخفية والإجماع قائم على جواز التحلق والجلوس في المسجد لذكر الله والعلم.
ثانيها:
فيه: أن الخطيب إذا سئل عن أمر في الدين لا بأس بالجواب، ولا خطبته.
ثالثها:
اختلف العلماء في النوافل، فقال مالك والشافعي وأحمد: السنة أن يكون مثنى مثنى ليلًا ونهارًا
(1)
، ويؤيده صلاته صلى الله عليه وسلم النوافل ركعتين، ركعتين
(2)
، وقال أبو حنيفة: إن شاء ركعتين وإن شاء أربعًا، قال: وصلاة الليل كذلك، وإن شاء ستًّا أو ثمانيًا من غير زيادة، بتسليمة
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 213 - 214، "الأم" 1/ 123.
(2)
انظر ما سيأتي في كتاب: التهجد، باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى.
واحدة، ولا شك أن صلاته كانت بالليل مختلفة
(1)
، وصح في الجمعة "من كلان مصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا"
(2)
.
رابعها:
قوله: ("فإذا خشي الصبح صلى واحدة، فأوترت له ما صلى") فيه: أن الوتر واحدة وخالف مالك، فقال: أوله ثلاث بتسليمتين
(3)
، وأبو حنيفة، فقال: بتسليمة
(4)
؛ وستكون لنا عودة إليه إن شاء الله في موضعه.
خامسها:
قوله: ("اجعلوا آخر صلاتكم في بالليل وترًا") هذا أمر كما فهمه ابن عمر حيث قال: إنه صلى الله عليه وسلم أمر به، وهذا في حق من لا يغلبه النوم، فإن كان يغلبه قدمه، وستكون لنا عودة إلى ذلك إن شاء الله.
سادسها:
قوله: ("مثنى مثنى") هو بغير تنوين لا يجوز غيره للعدلية والوصف.
فائدة:
الحلق بفتح الحاء واللام، وحكي كسر الحاء، جمع حلقة كتمرة وتمر، بإسكان اللام وحكى سيبويه فتحها، وهي منكرة، والفرجة: سلف بيانها في العلم.
(1)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 223.
(2)
رواه مسلم (881/ 69) كتاب: الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة، من حديث أبي هريرة.
(3)
"المنتقى" 1/ 223.
(4)
"الهداية" 1/ 71.
85 - باب الاسْتِلْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَدِّ الرِّجْلِ
475 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ رَأى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا فِي الَمسْجِدِ، وَاضِعًا إِحْدى رِجْلَيْهِ عَلَى الأخرى. وَعَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الُمسَيَّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ. [5969، 6287 - مسلم: 2100 - فتح: 1/ 563]
ساق من حديث عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ رَأى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا فِي المَسْجِدِ، وَاضِعًا إِحْدى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرى. وَعَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ.
وهذا الحديث أخرجه البخاري هنا، وفي الاستئذان واللباس
(1)
، ومسلم في اللباس
(2)
.
وقوله: (عن ابن شهاب .. ) إلى آخره، ساقه البخاري بالسند الأول، وقد صرح به أبو داود
(3)
، وزاد أبو مسعود فيما حكاه الحميدي في "جمعه" الصديق، فقال: وإن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفعلون ذلك، وقد أخرج البرقاني هذا الفصل من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري متصلًا بالحديث، ولم يذكر سعيد بن المسيب
(4)
. وسعيد لم يصح سماعه من عمر
(5)
، وأدرك عثمان ولا يحفظ له عنه رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
سيأتي برقم (5969) كتاب: اللباس، باب: الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى، وبرقم (6287) كتاب: الاستئذان، باب: الاستلقاء.
(2)
مسلم (2100) كتاب: اللباس والزينة، باب: في إباحة الاستلقاء. وورد بهامش (س): من خط الشيخ. أبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان والنسائي هنا.
(3)
أبو داود (4867).
(4)
"الجمع بين الصحيحين" 1/ 59 (775).
(5)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: فيه خلاف، وقال أحمد: سمع.
إذا عرفت ذلك، فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
فيه جواز الاستلقاء في المسجد ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، ومَن مَنَع استدل بحديث جابر بن عبد الله أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى، وهو مستلقٍ
(1)
. لكن الجواب عنه إنما بادٍ في النسخ كما تقدم وفعل الخلفاء بعده يعلم أنه الناسخ؛ ولذلك أردف البخاري الحديث به أو بتأويله على أنه محمول على خوف بدو العورة عند تثني الإزار وسبل إحدى رجليه على الأخرى.
ثانيها:
فيه: جواز الاتكاء والاضطجاع وأنواع الاستراحة في المسجد، ويحتمل أن يكون الشارع فعل ذلك إلا لضرورة، أو كان بغير محضر جماعة فجلوسه صلى الله عليه وسلم في المجامع كان على خلاف ذلك من التربع والاحتباء، وجلسات الوقار، والتواضع، والانبطاح على الوجه منهي عنه
(2)
، وهي ضجعة يبغضها الله.
(1)
رواه مسلم (2099/ 72) كتاب: اللباس والزينة، باب: في منع الاستلقاء على الظهر، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى.
(2)
النهي عن الابنطاح على الوجه، رواه أبو داود (504)، وابن ماجه (3723)، وأحمد 3/ 429 - 435 والبخاري في "الأدب المفرد"(1187)، وصححه الألباني في تعليقاته على "الأدب المفرد"(1187).