الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
86 - باب المَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَير ضَرَرٍ بِالنَّاسِ
وَبِهِ قَالَ الحَسَنُ وَأَيُّوبُ وَمَالِكٌ.
476 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ، وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ. [2138، 2263، 2264، 2297، 3905، 4093، 5807، 6079 - فتح: 1/ 563]
ثم ساق حديث عائشة
(1)
رضي الله عنها: قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ القُرْآنَ .. الحديث.
وهذا الحديث ساقه هنا مختصرًا، وساقه بكماله في الهجرة
(2)
، وساق بعضه في غزوة الرجيع من حديث هشام، عن عروة، عن عائشة
(3)
.
والمراد بأبويها: الصديق وأم رومان.
(1)
ورد بهامش (س): وساق حديث عائشة بسنده هنا في الكفالة مطولًا، وشرحه المصنف هناك أيضًا.
(2)
سيأتي برقم (3905) كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
سيأتي برقم (4093) كتاب: المغازي.
ومعنى (يدينان) الدين: أي: دين الإسلام.
وقوله: (ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدًا) لا شك أن الصديق كما ستعلمه في الهجرة لما أوذي خرج من مكة حتى بلغَ بْرك الغِمَاد فرده ابن الدغنة، ورجع معه إلى مكة، وأجاره بشرط أن يصلي في بيته، ولا يعلن بالقراءة، ثم بعد ذلك بدا للصديق فابتنى هذا المسجد بفناء داره فسير المشركون إلى ابن الدغنة فجاء الصديق فقال له: إما أن تصلي في بيتك وإلا فرد جواري؛ فقال الصديق: فإني أرضى بجوار الله، وأرد إليك جوارك، وهذا من ندى الصديق وفضله، فإنه قصد بذلك إظهار الدين.
وأجاز مالك بناء المسجد بفناء الدار إذا كان لا يضر بالسالكين؛ لأن نفعه كالاستغراق، وإليه ذهب البخاري في ترجمته قال ابن شعبان في "الزاهي": وينبغي تجنب الصلاة في المساجد المبنية حيث لا يجوز بناؤها من الطرقات ونحوها؛ لأنها وضعت في غير حقها فمن صلى فيها متأولًا أنه يصلي في الطريق أجزأ قال: ولو كان مسجد في متسع وأراد الإمام الزيادة فيه ما لا يضر بالسالكين لم يمنع عند مالك ومنعه ربيعة، وصححه ابن بطال؛ لأنه غير عائد إلى جميعهم، وقد ترتفق به الحائض والنفساء، ومن لا يجب عليه من الأطفال ومن يملكه من أهل الذمة
(1)
.
فائدة:
ساق البخاري قطعة من حديث الزهري عن عروة مرسلة، وهي مسندة في بعض نسخ "المغازي" لابن عقبة -فيما رويناه في كتاب البيهقي- (عن أبيه).
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 123.
وفي البخاري: رجع عامة من كان بأرض الحبشة، كذا وقع فيه
والصواب ما رواه الحاكم في "إكليله": من حديث ابن شهاب، عن عروة: رجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين؛ ويؤيده أنه هو ذكر قدوم جعفر وأصحابه كان بعد خيبر.
فائدة ثانية:
في ألفاظ وقعت في هذا الحديث في الهجرة تعجلناها هنا منها:
(برك الغماد) بكسر الباء وفتحها وإسكان الراء في أقاصي هجر، والغماد بضم الغين وكسرها، قال ابن دريد: وهو بقعة في جهنم
(1)
.
والدغنة بضم أوله وكسر ثانيه، وتخفيف النون وبضمها، وتشديد النون، روي بهما في "الصحيح"، ورويناه بالضم مع تخفيف النون في المغازي وأصله من الغيم الممطر، وقيل: لأنه كان في لسانه استرخاء لا يملكه، واسمه مالك فيما ذكره السهيلي قال: والدغنة اسم امرأة عرف بها، ويقال له أيضا: ابن الدثنة وهي الكبيرة اللحم المسترخية، وهو سيد الغارة كما ذكر في الحديث.
ومنها: قول ابن الدغنة في الصديق (إنك تكسب المعدوم) أي: تكسب غيرك ما هو معدوم عنده قال ابن دحية في "مولده" وفتح التاء أصح.
ومنها: قوله: (أريت دار هجرتهم بسبخة كأن تحل بين لابتين) وهما الحرتان، قد فسر اللابة، وهي أرض يركبها حجارة سود، ومنه قيل للأسود: لوبي ونوبي، وفي "الإكليل": من حديث جرير مرفوعًا: "إن
(1)
ورد بهامش (س): الذي في "الجمهرة" وبرك الغِماد موقع، وقيل: الغُماد أيضًا.
[انظر: "الجمهرة" 2/ 670 مادة (دغم)].
الله تعالى أوحى إلي أي هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك المدينة، أو البحرين، أو قنسرين"
(1)
، فاختار المدينة، وورد في حديث موضوع كما قاله ابن عبد البر:"إنها أحب البلاد إلى الله"
(2)
.
ومنها: قوله: (وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر) كذا وقع هنا السمر وهو الخبط وفيه نظر، فقد فرق بينهما أبو حنيفة في "نباته"، وأبو زياد وقال: السمر أم غيلان، وغيرها.
ومنها: قولها: (في نحر الظهيرة) أي: أول الزوال.
ومنها: قولها: (فقال أبو بكر: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي) أي: أفديه بهما، بالمد والقصر
(3)
، وفتح الفاء وكسرها.
ومنها: (جَبَل ثَوْرٍ)، وهو بالمدينة
(4)
وأنكره من أنكره
(5)
.
ومنها: (الجهاز) وهو بفتح الجيم وكسرها ومنهم من أنكر الكسر، والسفرة سميت باسم ما يحمل فيها وبينها (
…
)
(6)
.
(1)
رواه الترمذي (3923) وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى، تفرد به أبو عمار، والطبراني 2/ 339 (2417)، والحاكم 3/ 2 - 3 وصحح إسناده. وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (1753): موضوع.
(2)
انظر: "الاستذكار" 26/ 16 - 17، والحديث رواه الحاكم 3/ 278 من حديث الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إني سألت ربي عز وجل فقلت: اللهم إنك أخرجتني من أحب أرضك إلي، فأنزلني أحب الأرض إليك، فأنزلني المدينة"، وقال الألباني في "الضعيفة" (1445): موضوع.
(3)
ورد بهامش (س): كسر الفاء مع المد وفتحها مع القصر.
(4)
في هامش (س): صوابه بمكة، والذي أنكر إنما هو الذي بالمدينة.
(5)
ذكر البكري في "معجم ما استعجم" 1/ 348، وابن الأثير في "النهاية" 1/ 229، وياقوت الحموي في "معجم البلدان" 2/ 86 أن ثورًا جبل بمكة فيه غار النبي صلى الله عليه وسلم.
(6)
كلمات غير واضحات بالأصل.
و (الجراب) بكسر الجيم أفصح من فتحها بل لحن من فتح.
ومنها: قولها في حق عبد الله بن أبي بكر: (ثقف لقن) أي: فهم حافظ، وهو بكسر القاف فيهما وسكونها.
و (النطاق) بكسر النون ما يشد به الوسط؛ وسميت أسماء ذات النطاقين لأنه كان لها نطاقان واحد على واحد، وقيل: تلبس أحدهما، وتحتمل في الآخر الزاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار.
ومنها: قولها: (وهو لبن منحتهما ورضيفهما) الرضيف: اللبن المرضوف أي: طرحت فيه الرضفة وهي الحجارة المحماة بالشمس، أو النار ليتعقد وتذهب وخامته.
ومنها: قوله: (رجلًا من بني الديل) هو بكسر الدال، من كنانة، وزعم أبو اليقظان أنه الدُّول بضم الدال وسكون الواو، ووَهِمَ مَن قال: إن الدول امرأة من كنانة بل ذاك بالهمز.
و (أبو الأسود الدئلي) بكسر الهمزة، والقياس فتحها، وابن حبيب وغيره يقول: في كنانة بن خزيمة الديلي بإسكان الياء. ابن بكر، وقد قيل: في ابن أريقط الليثي، وليث هو: بكر بن عبد مناة أيضًا، فيحتمل نسبته إلى ليث؛ لأنها أشهر نسبة من الدول وهو مشتق من اسم دويبة.
ومنها: قول سراقة عن فرسه (فرفعتها تقرب بي) هو ضرب من سيرها، وفيه غير ذلك مما يطول وتعلمه في موضعه إن شاء الله ذلك وقدره.
87 - باب الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ
وَصَلَّى ابن عَوْنٍ فِي مَسْجِدٍ فِي دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمُ البَابُ.
477 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"صَلَاةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى المَسْجِدَ، لَا يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلَاةَ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي -يَعْنِى: عَلَيْهِ- المَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِى يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ". [انظر: 176 - مسلم: 649 - فتح: 1/ 564]
كذا في نسخة سماعنا: (ابن عون) ووقع في كلام ابن المنير (ابن عمر)
(1)
، ولعله تصحيف.
ووجه مطابقة الترجمة لحديث ابن عمر الذي ساقه
(2)
، فإنه لم يصل في سوق.
إن البخاري أراد إثبات جواز بناء المسجد داخل السوق لئلا يتخيل المسجد في المكان المحجور لا يشرع كما أن مسجد الجمعة لا يجوز أن يكون محجورًا، فنبه بصلاة ابن عمر على أن المسجد الذي صلى فيه كان محجورًا، ومع ذلك فله حكم المساجد.
ثم خص السوق في الترجمة لئلا يتخيل أنها لما كانت شر البقاع
(3)
،
(1)
"المتواري" ص 88.
(2)
سيأتي برقم (483) كتاب: الصلاة. وفي هامش الأصل: في المساجد التي على طرق المدينة.
(3)
روى مسلم (671) كتاب: المساجد، باب: فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح .. من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض =
وبها يركز الشيطان رايته كما ورد في الحديث
(1)
يمنع بذلك من اتخاذ المساجد فيها، وينافي العبادة كما (نافتها)
(2)
الطرقات ومواضع العذاب والحمام شبهها فبين بهذا الحديث أنها محل للصلاة كالبيوت، فإذا كانت محلا لها جاز أن يبنى فيها المسجد وكذا قال ابن بطال في "شرحه": فيه: أن الأسواق مواضع للصلاة وإن كان قد جاء فيها مرفوعًا: "إنها شر البقاع" حكاية عن جبريل: "وخيرها المساجد" أخرجه الآجري
(3)
.
فخشي البخاري أن يتوهم من رأى ذلك الحديث أنه لا تجوز الصلاة في الأسواق استدلالًا به إذا كانت الأسواق شر البقاع والمساجد خيرها، فلا يجوز أن تعمل الصلاة في شرها فجاء في الحديث إجازة الصلاة في السوق وأن الصلاة فيه للمنفرد درجة من خمس وعشرين درجة كصلاة المنفرد في بيته، قال: واستدل البخاري أنه إذا جازت الصلاة في السوق فرادى كان أولى أن يتخذ فيه مسجد للجماعات لفضل الجماعة كما يتخذ المساجد في البيوت عند الأعذار لفضل الجماعة
(4)
.
ثم ساق البخاري حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلَاةُ
= البلاد إلى الله أسواقها".
(1)
رواه مسلم (2451) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أم سلمة، عن سلمان قال: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته.
(2)
كذا قراءتها التقريبية، ولعل لها وجها لم يتبين لنا.
(3)
رواه ابن حبان في "صحيحه" 4/ 476 (1599)، والحاكم 1/ 90، والبيهقي 3/ 65، من حديث ابن عمر، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(201).
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 124.
الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ خمسا وعشرين درجة .. " الحديث.
وسبق بعضه في باب: الحدث في المسجد
(1)
، وسيأتي في فضل صلاة الجماعة
(2)
، وسنتكلم عليه هناك إن شاء الله، وفي البيوع في باب: ما ذكر في الأسواق
(3)
، وأخرجه مسلم هنا أيضا
(4)
.
وقوله: ("لم يخط خُطوة") هو بفتح الخاء وضمها، قال القرطبي: الرواية بالضم وهي واحدة الخطا وهي ما بين القدمين
(5)
، وقال ابن التين: رويناه بفتحها، وهي المرة الواحدة.
وقوله: ("لا يريد إلا الصلاة") أي: لا يقصد غير ذلك، وفي رواية: لا يهزه، أي: لا يدفعه ويهزه بضم أوله أو بفتحه
(6)
.
(1)
سلف برقم (445).
(2)
سلف برقم (647) كتاب: الأذان.
(3)
سيأتي برقم (2119) كتاب: البيوع.
(4)
مسلم (649) كتاب: المساجد، باب: فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة.
(5)
"المفهم" 2/ 290.
(6)
ورد بهامش (س): ثم بلغ في الخامس بعد الستين كتبه مؤلفه.
88 - باب تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ فِي المَسْجِدِ وَغَيِرْهِ
478 و 479 - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، حَدَّثَنَا وَاقِدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَوِ ابْنِ عَمْرٍو: شَبَّكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ. [480 - فتح: 4/ 565]
480 -
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ أَبِي، فَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ بِهَذَا". [انظر: 479 - فتح: 1/ 565]
481 -
حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا". وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. [2446، 6026 - مسلم: 2585 - فتح: 1/ 565]
482 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتَيِ العَشِيِّ -قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا - قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي المَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرَى، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلَاةُ. وَفِي القَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو اليَدَيْنِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلَاة؟ قَالَ:"لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ". فَقَالَ: "أَكَمَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ". فَقَالُوا نَعَمْ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ ثُمَّ سَلَّمَ، فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ. [714، 715، 1227، 1228، 1229، 6051، 7250 - مسلم: 573 - فتح: 1/ 565]
ساق فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
عن حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ بِشْرٍ، ثَنَا عَاصِمٌ، ثَنَا وَاقِدٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَوِ ابْنِ عَمْرٍو: شَبَّكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ.
قال أبو عبد الله: وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ: ثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ هذا الحَدِيثَ مِنْ أَبِي، فَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو، كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ بهذا".
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث ليس موجودًا في أكثر نسخ الصحيح، ولا استخرجه الحافظان الإسماعيلي وأبو نعيم، ولا ذكره ابن بطال، وفي بعض النسخ، ملحقًا على الحاشية.
وحكى أبو مسعود أنه رأى في كتاب أبي رميح عن الترمذي وحماد بن شاكر عن البخاري، نعم، ذكره خلف في "أطرافه" في مسند ابن عمر، وكذا الحميدي في "جمعه" في أفراد البخاري من حديث واقد بن محمد، عن أبيه، عن ابن عمر أو ابن عمرو -وعلى ابن عمرو تمريض- قال: شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وقال: كيف أنت يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فصاروا هكذا، قال: فكيف أفعل يا رسول الله، قال:"تأخذ ما تعرف وتدع ما تنكر، وتقبل على خاصتك وتدعهم وعوامهم".
قال الحميدي: هكذا في حديث بشر بن المفضل عن واقد، وفي حديث عاصم بن محمد بن زيد قال: سمعت هذا من أبي فلم أحفظه، فقومه لي واقد عن أبيه، قال: سمعت أبي وهو يقول: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن عمرو كيف أنت إذا بقيت" وذكره
(1)
.
الوجه الثاني:
(حامد) هذا هو: البكراوي من ذرية أبي بكرة الثقفي، نزيل نيسابور، وقاضي كرمان، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، بنيسابور
(2)
.
و (بشر) هو: ابن المفضل الرقاشي، الحجة، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ويصلي كل يوم أربعمائة ركعة، مات سنة سبع وثمانين ومائة
(3)
.
و (عاصم) هو: ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، وثق
(4)
.
و (عاصم بن علي) هو الواسطي، شيخ البخاري وهو ثقة، وإن ضعفه ابن معين، وذكر له ابن عدي أحاديث مناكير، مات سنة إحدى وعشرين
(1)
"الجمع بين الصحيحين" 2/ 278 (1435).
(2)
هو حامد بن عمر بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي البكراوي، روى عنه البخاري ومسلم، ووثقه ابن حبان. انظر:"التاريخ الكبير" 3/ 125 (417)، "الجرح والتعديل" 3/ 300 (1337)، "الثقات" لابن حبان 8/ 218، "تهذيب الكمال" 5/ 324 - 325 (1062).
(3)
بشر بن المفضل، تقدمت ترجمته في حديث رقم (67).
(4)
عاصم بن محمد بن زيد، روى له الجماعة، ووثقه أحمد ويحيى بن معين وأبو داود وأبو حاتم، وزاد أبو حاتم: لا بأس به، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو زرعة: صدوق الحديث، وقال البزار: صالح الحديث، ووثقه ابن حجر.
انظر ترجمته في: "تاريخ يحيى بن معين برواية الدارمي" ص 149 (511)، "الجرح والتعديل" 6/ 3540 (1931)، "تهذيب الكمال" 13/ 542 - 543 (3027)، "تهذيب التهذيب" 2/ 260.
ومائتين
(1)
.
و (واقد) هو: ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، ثقة، ووالده زيد
(2)
.
الثالث:
الحثالة: ثفله ورديه، ومرجت: بكسر الراء أي: اختلطت عهودهم ولم يفوا وشبك الشارع ليمثل له اختلاطهم.
الحديث الثاني:
حديث أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا". وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب
(3)
، ومسلم
(4)
كذلك
(5)
، وسفيان المذكور في إسناده هو الثوري، وخلاد بن يحيى، شيخ البخاري ثقة، يغلط قليلًا، مات سنة سبع عشرة ومائتين
(6)
.
وظاهر الحديث الإخبار ومعناه الأمر وفيه التحريض على التعاون.
الحديث الثالث:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدى صَلَاتَيِ العَشِيِّ- قَالَ ابن سِيرِينَ: سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، ولكن نَسِيتُ أَنَا .. الحديث، وفيه: وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
(1)
عاصم بن علي، تقدمت ترجمته في المقدمة.
(2)
واقد بن محمد بن زيد، تقدصت ترجمته في حديث رقم (25).
(3)
سيأتي برقم (6026) باب: تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا.
(4)
مسلم (2585) كتاب: البر والصلة، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم.
(5)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: من خط الشيخ الترمذي في البر وصححه والنسائي في الزكاة.
(6)
خلاد بن يحيى، تقدصت ترجمته في حديث رقم (277).
وسيأتي في سجود السهو إن شاء الله وقدره.
وطرقه الدارقطني
(1)
، وغيره وأخرجه مسلم
(2)
والباقون
(3)
.
واختلف العلماء في تشبيك الأصابع في المسجد وفي الصلاة فرويت آثار مرسلة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك في المسجد من مراسيل سعيد بن المسيب.
ومنها: مسند من طرق غير ثابتة
(4)
، كما قال ابن بطال، وروى ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن عمه، عن مولى أبي سعيد، وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فرأى رجلا جالسا وسط الناس قد شبك بين أصابعه يحدث نفسه فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن له فالتفت إلى أبي سعيد، فقال:"إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه، فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه"
(5)
، وهذِه الآثار معارضة لأحاديث الباب وهي غير مقاومة لها في الصحة ولا مساوية
(6)
.
قلت: وأما ابن حبان فأخرج النهي عن التشبيك من حديث كعب،
وكذا أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"
(7)
، وأخرجه ابن حبان أيضًا
(1)
"العلل" 9/ 375 - 379.
(2)
مسلم (573) كتاب: المساجد، باب: السهو في الصلاة والسجود له.
(3)
أبو داود (1008)، والترمذي (399)، والنسائي 3/ 20 - 23، وابن ماجه (1214).
(4)
انظر: "مصنف عبد الرزاق" 2/ 271 - 273 (3331) - (3337)، "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 419 - 420 (4824 - 4828).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 419 - 420 (4824).
(6)
"شرح ابن بطال" 2/ 125.
(7)
ابن خزيمة 1/ 277 (441)، ابن حبان 5/ 524 (2150)، ورواه أيضًا: أبو داود =
والحاكم في "المستدرك" من حديث أبي هريرة وقال: صحيح على شرط مسلم
(1)
.
وكره إبراهيم تشبيك الأصابع في الصلاة
(2)
، وهو قول مالك
(3)
، ورخص في ذلك ابن عمر وابنه سالم وكانا يشبكان بين أصابعهما في الصلاة؛ ذكرهما ابن أبي شيبة
(4)
، وكان الحسن البصري يشبك بين أصابعه في المسجد
(5)
، وقال مالك: إنهم لينكرون تشبيك الأصابع في المسجد وما به بأس، وإنما يكره في الصلاة.
= (562)، والترمذي (386)، وأحمد 4/ 240، والدارمى 2/ 882 (1444).
وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(442).
(1)
ابن حبان 5/ 523 (2149)، والحاكم 1/ 206، ورواه أيضًا: الدارمي 2/ 882 (1446)، ابن خزيمة في "صحيحه" 1/ 229 (446، 447)، الطبراني في "الأوسط" 1/ 256 (838). وصححه الألباني في "الصحيحة"(1294).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 420 (4828).
(3)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 125.
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 420 (4829، 4831).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 420 (4830).
89 - باب المَسَاجِدِ التِي عَلَى طُرُقِ المَدِينَةِ
وَالمَوَاضِع التِي صَلَّى فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
483 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ.
وَحَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ.
وَسَأَلْتُ سَالِمًا، فَلَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ وَافَقَ نَافِعًا فِي الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، إِلاَّ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاء. [1535، 2336، 7345 - مسلم: 1346 - فتح: 1/ 567]
484 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْزِلُ بِذِى الحُلَيْفَةِ حِينَ يَعْتَمِرُ، وَفِي حَجَّتِهِ حِينَ حَجَّ، تَحْتَ سَمُرَةٍ فِي مَوْضِعِ المَسْجِدِ الَّذِي بِذِي الحُلَيْفَةِ، وَكَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ غَزْوٍ كَانَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ هَبَطَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ، فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ الَّتِي عَلَى شَفِيرِ الوَادِي الشَّرْقِيَّةِ، فَعَرَّسَ ثَمَّ حَتَّى يُصْبِحَ، لَيْسَ عِنْدَ المَسْجِدِ الَّذِي بِحِجَارَةٍ، وَلَا عَلَى الأَكَمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا المَسْجِدُ، كَانَ ثَمَّ خَلِيجٌ يُصَلِّي عَبْدُ اللهِ عِنْدَهُ، فِي بَطْنِهِ كُثُبٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَّ يُصَلِّي، فَدَحَا السَّيْلُ فِيهِ بِالبَطْحَاءِ حَتَّى دَفَنَ ذَلِكَ المَكَانَ الذِي كَانَ عَبْدُ اللهِ يُصَلِّي فِيهِ. [1532، 1533، 1767، 1575، 1576، 1799 - مسلم: 1257 - فتح: 1/ 567]
485 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى حَيْثُ المَسْجِدُ الصَّغِيرُ الَّذِي دُونَ المَسْجِدِ الَّذِي بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَعْلَمُ المَكَانَ الَّذِي كَانَ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: ثَمَّ عَنْ يَمِينِكَ حِينَ تَقُومُ فِي المَسْجِدِ تُصَلِّي، وَذَلِكَ المَسْجِدُ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ اليُمْنَى، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَسْجِدِ الأَكْبَرِ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. [فتح: 1/ 568]
486 -
وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي إِلَى العِرْقِ الَّذِي عِنْدَ مُنْصَرَفِ الرَّوْحَاءِ، وَذَلِكَ العِرْقُ انْتِهَاءُ طَرَفِهِ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ، دُونَ المَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ المُنْصَرَفِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ. وَقَدِ ابْتُنِيَ ثَمَّ مَسْجِدٌ، فَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللهِ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ، كَانَ يَتْرُكُهُ عَنْ يَسَارِهِ وَوَرَاءَهُ، وَيُصَلِّي أَمَامَهُ إِلَى العِرْقِ نَفْسِهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَرُوحُ مِنَ الرَّوْحَاءِ، فَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ المَكَانَ فَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ، وَإِذَا أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ مَرَّ بِهِ قَبْلَ الصُّبْحِ بِسَاعَةٍ أَوْ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ عَرَّسَ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْحَ. [فتح: 1/ 568]
487 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ دُونَ الرُّوَيْثَةِ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ، وَوِجَاهَ الطَّرِيقِ فِي مَكَانٍ بَطْحٍ سَهْلٍ، حَتَّى يُفْضِيَ مِنْ أَكَمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ الرُّوَيْثَةِ بِمِيلَيْنِ، وَقَدِ انْكَسَرَ أَعْلَاهَا، فَانْثَنَى فِي جَوْفِهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ، وَفِي سَاقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٌ. [فتح: 1/ 568]
488 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي طَرَفِ تَلْعَةٍ مِنْ وَرَاءِ العَرْجِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى هَضْبَةٍ عِنْدَ ذَلِكَ المَسْجِدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، عَلَى القُبُورِ رَضْمٌ مِنْ حِجَارَةٍ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ سَلِمَاتِ الطَّرِيقِ، بَيْنَ أُولَئِكَ السَّلِمَاتِ كَانَ عَبْدُ اللهِ يَرُوحُ مِنَ العَرْجِ بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ بِالهَاجِرَةِ، فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ. [فتح: 1/ 568]
489 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ، فِي مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى، ذَلِكَ المَسِيلُ لَاصِقٌ بِكُرَاعِ هَرْشَى، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ، هِيَ أَقْرَبُ السَّرَحَاتِ إِلَى الطَّرِيقِ، وَهْيَ أَطْوَلُهُنَّ. [فتح: 1/ 568]
490 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْزِلُ فِي المَسِيلِ الَّذِي فِي أَدْنَى مَرِّ الظَّهْرَانِ قِبَلَ المَدِينَةِ، حِينَ يَهْبِطُ مِنَ الصَّفْرَاوَاتِ يَنْزِلُ فِي بَطْنِ ذَلِكَ المَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الطَّرِيقِ إِلاَّ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ. [فتح: 1/ 568]
491 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طُوى وَيَبِيتُ حَتَّى يُصْبِحَ، يُصَلِّي الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ، وَمُصَلَّى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ، لَيْسَ فِي المَسْجِدِ الَّذِى بُنِيَ ثَمَّ، وَلَكِنْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ. [1553، 1554، 1573، 1574، 1767، 1769 - مسلم: 1259 - فتح: 1/ 568]
492 -
وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الكَعْبَةِ، فَجَعَلَ المَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ المَسْجِدِ بِطَرَفِ الأَكَمَةِ، وَمُصَلَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الأَكَمَةِ السَّوْدَاءِ، تَدَعُ مِنَ الأَكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ تُصَلِّي مُسْتَقْبِلَ الفُرْضَتَيْنِ مِنَ الجَبَلِ الذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الكَعْبَةِ. [مسلم: 1260 - فتح: 1/ 569]
ساق من طريق فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عن مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَتَحَرى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأنَّهُ رَأى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ
(1)
.
وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ. وَسَاُّلْتُ سَالِمًا، فَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا وَافَقَ نَافِعًا فِي الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، إِلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ.
ثم ساق حديثًا مطولًا من حديث ابن عمر أنه صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يصلي فيها تبركًا بتلك الأمكنة، ورغبة في الفضل والاتباع فإنه كان شديد الاتباع، ولم يزل الناس يتبركون بمواضع الصالحين وأهل الفضل
(2)
، ألا ترى أن عتبان بن مالك سأل الشارع
(1)
في هامش الأصل: أخرجه أبو نعيم والإسماعيلي، من طريق عبدالعزيز بن المختار، عن موسى بن عقبة.
(2)
تقدم معك بسط هذِه المسألة في ثنايا تعليقنا على ما جاء في شرح حديث (194) أن التبرك بالأشخاص والأماكن لا يجوز، إنما يجوز بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم حال حياته دون غيره، والله أعلم.
أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى
(1)
.
وقد جاء عن والده -أعني: عمر بن الخطاب- خلاف فعل ابنه عبد الله، فروى شعبة، عن سليمان التيمي، عن المعرور بن سويد قال: كان عمر بن الخطاب في سفر فصلى الغداة، ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه ويقولون صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: إنما هلك أهل الكتاب أنهم اتبعوا اثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعًا، فمن عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض
(2)
.
وإنما خشي عمر أن يلتزم الناس الصلاة في تلك المواضع حتى يشكل ذلك على من يأتي بعدهم ويرى ذلك واجبًا، وروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة في المواضع التي صلي فيها الشارع، فقال: ما يعجبني ذلك إلا في مسجد قباء أي: لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيه راكبًا وماشيًا
(3)
، ولم يكن يفعل في تلك الأمكنة ذلك.
وفي الحديث ألفاظ كثيرة من الغريب والأمكنة:
فـ (شرف الروحاء): ما ارتفع من مكانها، والروحاء: بالراء والحاء المهلمتين
(4)
ممدود، قرية جامعة لمزينة على ليليتين من المدينة بينهما أحد وأربعون ميلًا منها
(5)
، وفي مسلم في باب: الأذان على ستة
(1)
تقدم برقم (425) كتاب: الصلاة، باب: المساجد في البيوت.
(2)
رواه عبد الرزاق 2/ 118 - 119 (3734) عن معمر، وابن أبي شيبة 2/ 153 (7549) عن أبي معاوية كلاهما عن سليمان الأعمش، به.
(3)
سيأتي برقم (1191) كتاب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب: مسجد قباء، ورواه مسلم (1399) كتاب: الحج، باب: فضل مسجد قباء. من حديث ابن عمر.
(4)
لا حاجة إلى تقييد الراء بالإهمال؛ لأنه لا نظير لها، وسيمر بك تعقبات سبط ابن العجمي في ثنايا حواشي الكتاب منبها على ذلك.
(5)
انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 681، "معجم البلدان" 3/ 76.
وثلاثين
(1)
، وفي "المطالع": أن الروحاء من عمل الفرع على نحو من أربعين ميلًا من المدينة، وفي كتاب ابن أبي شيبة على ثلاثين
(2)
.
وقوله: (الروحاء) قال: وروى البخاري أن ابن عمر كان لا يصلي في المسجد الصغير المذكور كان يتركه عن يساره ووراءه ويصلي أمامه إلى العرق نفسه -يريد عرق الظبية
(3)
قال: وروى أصحاب الزهري، عن الزهري، عن حنظلة بن علي، عن أبي هريرة مرفوعًا:"والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجًّا أو معتمرًا أو ليثنيهما"
(4)
قال: وروى أصحاب الأعرج، عن الأعرج، عن أبي هريرة مثله، قال: وروى غير واحد أنه صلى الله عليه وسلم قال -وقد وصل المسجد الذي ببطن الروحاء عرق الظبية-: "هذا واد من أودية الجنة، وصلى في هذا الوادي قبلي سبعون نبيًّا"، وقد مر به موسى بن عمران حاجًّا أو معتمرًا في سبعين ألفًا من بنى إسرائيل على ناقة له ورقاء (عليه)
(5)
عباءتان قطويتان
(6)
يلبي
(7)
.
(1)
مسلم (388) كتاب: الصلاة، باب: فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، وفيه عن سليمان الأعمش أنه سأل أبا سفيان طلحة بن نافع عن الروحاء. فقال: هي من المدينة ستة وثلاثون ميلًا.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 207 (2373).
(3)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: الظبية بفتح الظاء المعجمة قال ابن هشام (
…
) ابن إسحق عرق الظبية بضم أوله معنى ما قاله البكري.
(4)
رواه مسلم (1252) كتاب: الحج، باب: إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه.
(5)
في الأصل، "معجم ما استعجم": عليها، وما أثبتناه من "تاريخ مكة" للأزرقي.
(6)
ورد بهامش الأصل: قطوان موضع بالكوفة قاله الجوهري.
(7)
انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 682، والأثر عن موسى عليه السلام رواه بنحوه الأزرقي في "تاريخ مكة" 1/ 68 عن مجاهد من قوله.
و (السمرة) بفتح السين وضم الميم، شجرة الطلح، شجر عظام من شجر العضاه، والعضاه شجر أم غيلان، كان ينزل صلى الله عليه وسلم بهذا المكان إذا خرج من المدينة -كما قال- في حج أو عمرة، وإذا رجع إلى المدينة.
و (البطحاء) المكان المتسع، وقيل: مسيل واسع فيه دقاق الحصى وقال الداودي: كل أرض منحدرة.
و (شفير الوادي) حرفه؛ قاله في "الجامع"، وقال ابن سيده: ناحيته من أعلاه
(1)
.
و (التعريس) نزول المسافر مطلقًا في أي وقت كان، وهو قول الخليل، وغيرُهُ كالأصمعي يقصره على آخر الليل، وقال ابن الأثير: العرس موضع التعريس، وبه سمي معرس ذي الحليفة عرس فيه صلى الله عليه وسلم وصلى فيه الصبح ثم رحل
(2)
، وفي "المحكم" المعرس: الذي يسير نهاره، ويعرس أي: ينزل أول الليل
(3)
.
و (الأكمة) التل أو الرابية.
و (الخليج) بعض النهر كأنه مختلج منه، قيل: واد عميق ينشق من آخر أعظم منه.
و (الكثيب) قطعة من الرمل مستطيلة محدود به.
وقوله: (فدحا) أي: بسط، والعرق سبخة تنبت الطرفاء، قاله ابن فارس
(4)
؛ وقال الخليل فيما حكاه ابن قرقول: العرق الحبل الدقيق من الرمل المستطيل مع الأرض، وقال الداودي: المكان المرتفع،
(1)
"المحكم" 8/ 35 مادة: شفر.
(2)
"النهاية في غريب الحديث" 3/ 206.
(3)
"المحكم" 1/ 297 - 298 مادة: عرس.
(4)
"مجمل اللغة" 3/ 662 مادة: عرق.
وقال الأزهري: هو الحبل الصغير
(1)
.
(والسرحة) شجرة عظيمة، وهي السخمة وهو نوع من الشجر له ثمر، وقيل: هي شجرة طويلة يقال: إنها الدفلى، وقال أبو علي: هو نبت، وقيل: لها هدب وليس لها ورق، وهو يشبه الصوف.
و (الرويثة) بضم الراء وفتح الواو ثم مثناة تحت، ثم مثلثة؛ على لفظ التصغير- قرية جامعة في رسم العقيق عند ذكر الطريق من المدينة إلى مكة وبين الرويثة والمدينة سبعة عشر فرسخًا، قاله البكري
(2)
، وفي غير البخاري: فكان ابن عمر: ينيخ هناك، ويصب في أصل تلك الشجرة إداوة ماء، ولو لم يكن معه إلا تلك الإداوة.
وقوله: (ووِجَاهُ الطريق) أي: مقابله.
وقوله: (في مكان بطح) هو ساكن الطاء ويجوز كسرها أي: واسع.
قوله: (قائمة على ساق) أي: كالبنيان ليست متسعة من أسفل وضيقة من فوق؛ قاله ابن التين.
و (التلعة) بفتح المثناة فوق، مسيل الماء من علو إلى سفل، وقيل: هو من الأضداد يقع على ما انحدر من الأرض المرتفعة يتردد فيها السيل.
و (العرج) -بإسكان الراء- قرية جامعة على طريق مكة من المدينة، بينها وبين الرويثة أربعة عشر ميلًا، سمي بذلك لتعريجه، وهو عدة أماكن ذكرها ياقوت والحازمي
(3)
.
(1)
"معجم تهذيب اللغة" 3/ 4211 مادة: عرق.
(2)
"معجم ما استعجم" 2/ 686.
(3)
انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 930، "معجم البلدان" 4/ 98 - 99.
و (الهَضْبَة) فوق الكثيب في الارتفاع ودون الجبل؛ قاله في "المطالع"، وقال ابن فارس: هي الأكمة الملساء القليلة النبات
(1)
، وفي "الصحاح": الجبل المنبسط على وجه الأرض
(2)
، وعن صاحب "العين": كل جبل خلق من صخرة واحدة
(3)
.
و (الرضم) الحجارة البيض الكبار.
و (السَّلِمات) بفتح أوله وكسر ثانيه، واحدها سلمة، وهي سمرة ورقها القرظ الذي يدبغ به الأدم، وفي كتاب ابن بطال: السلمة بفتح اللام الشجرة، وبكسرها الصخرة
(4)
.
و (هرشى) بفتح الهاء وإسكان الراء ثم شين معجمة؛ جبل في بلاد تهامة وهو على ملتقى بطريق الشام والمدينة، وهي من الجحفة يرى منها البحر
(5)
.
و (كراع هرشى) طرفها، قيل: سميت هرشى لمهارشة كانت بينهم، والتهريش الإفساد بين الناس، حكاه في "المغيث"
(6)
.
و (الغلوة) بفتح الغين المعجمة، قدر رمية، يقال: غلا الرجل بسهمه غلوًا إذا رمى به أقصى الغاية.
و (مَر الظهران) بفتح أوله وتشديد الراء، مضاف إلى الظهران بينه وبين البيت ستة عشر ميلًا، سميت بذلك لمرارة مائها، وقيل غير
(1)
"مجمل اللغة" 4/ 906 مادة: هضب.
(2)
"الصحاح" 1/ 238 مادة: هضب.
(3)
"العين" 3/ 408 مادة: هضب.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 127.
(5)
انظر: "معجم ما استعجم" 4/ 1350.
(6)
"المجموع المغيث" 3/ 493.
ذلك
(1)
، ومر الظهران آخر؛ ذكره الهجري في "أماليه"، وأهمله ياقوت قريب من الفرع.
(ذو طوى) بفتح الطاء مقصور منون، واد بمكة؛ قاله عياض
(2)
، وذكره النووي بالضم
(3)
، وقيده الإسماعيلي بالكسر، والذي بالشام بالضم والكسر مع القصر واد، وقيل: جبل، وطواء بالمد: واد بين مكة والطائف.
و (فرضة الجبل) مدخل الطريق إليه، قال ابن سيده: وفرضة النهر: مشرب الماء منه
(4)
.
وروى أبو داود في "مراسيله" من حديث ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله الأشج قال: كان بالمدنية تسعة مساجد مع مسجده صلى الله عليه وسلم يسمع أهلها تأذين بلال فيصلون في مساجدهم فعددها
(5)
، وذكر أبو زيد عمر بن شبة النحوي في كتابه "أخبار المدينة" عدة مساجد فيها أيضًا
(6)
، وكذا الأزرقي في كتابه فلا يستقل به خشية الطول.
(1)
انظر: "معجم ما استعجم" 4/ 1212، "معجم البلدان" 5/ 104.
(2)
"مشارق الأنوار" 1/ 276.
(3)
قال النووي في "شرح مسلم" 9/ 6: هو موضع معروف بقرب مكة، يقال: بفتح الطاء وضمها وكسرها، والفتح أفصح وأشهر.
(4)
"المحكم" 8/ 126 مادة: فرض.
(5)
"المراسيل" ص 78 - 79 (10).
(6)
"تاريخ المدينة" 1/ 57 - 79.
90 - باب سُتْرَةُ الإِمَامِ، سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ
493 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ. [انظر: 76 - مسلم: 504 - فتح: 1/ 571]
494 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ العِيدِ أَمَرَ بِالحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّى إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ. [498، 972، 973 - مسلم: 501 - فتح: 1/ 573]
495 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ بِالبَطْحَاءِ -وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْن، وَالعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ المَرْأَةُ وَالحِمَار. [انظر: 187 - مسلم: 503 - فتح: 1/ 573]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث ابن عباس: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلَامَ .. الحديث.
وقد سلف في كتاب العلم، في باب سماع الصغير
(1)
وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
(1)
سلف برقم (76).
(2)
مسلم (504) كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي.
و (ناهزت الأحتلام) قربت منه، ونهزت الشيء تناولته، ونهزت إليه نهضت.
الثاني:
حديث ابن عُمَرَ أَنَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ العِيدِ أَمَرَ بِالحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلَّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ. فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ.
وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
وشيخ البخاري فيه (إسحاق) هو ابن منصور، كما صرح به خلف في "أطرافه"، وقال أبو نعيم الأصبهاني في "مستخرجه": هو الكوسج، ورواه عن ابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عنه.
وتابعه الأوزاعي، وليس للأوزاعي عن نافع عنه في "الصحيح" غيره.
الحديث الثالث:
حديث أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّه صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ بِالبَطْحَاءِ .. الحديث.
وقد سلف في باب الصلاة في الثوب الأحمر
(2)
، ويأتي قريبًا أيضًا
(3)
.
وهذِه الأحاديث دالة على أن سترة الإمام بنفسها سترة لمن خلفه، وادعى بعضهم فيه الإجماع فيما نقله ابن بطال قال عقبه: والسترة عند العلماء سنة مندوب إليها ملوم تاركها
(4)
.
(1)
مسلم (501) كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي.
(2)
سلف برقم (376).
(3)
سيأتي برقم (499) باب: الصلاة إلى العترة.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 128.
وقال القاضي: اختلفوا هل هي سترة لمن خلفه؟ أو هي سترة له خاصة؟ وهو سترة لمن خلفه مع الاتفاق أنهم يصلون إلى سترة
(1)
.
وقال الأبهري: سترة الإمام سترة إمامه، فلا يضر المرور بين يديه؛ لأن المأموم تعلقت صلاته بصلاة إمامه. قال: ولا خلاف أن السترة مشروعة إذا كان في موضع لا يأمن من المرور بين يديه، وفي الأمن قولان عند مالك، وعند الشافعي مشروعة مطلقًا؛ لعموم الأحاديث؛ ولأنها تصون البصر، فإن كان في الفضاء فهل يصلي إلى غير سترة؟ أجازه ابن القاسم؛ لحديث ابن عباس هذا، وقال مطرف وابن الماجشون: لا بد من سترة
(2)
؛ وذكر عن عروة وعطاء وسالم والقاسم والشعبي والحسن أنهم كانوا يصلون في الفضاء إلى غير سترة
(3)
.
وقال ابن القصار
(4)
: من قال إن الحمار يقطع الصلاة قال: إن مرور حمار عبد الله كان خلف الإمام بين يدي بعض الصف، والإمام سترة لمن خلفه، وهو مردود، فقد روى البزار أن المرور كان بين يديه صلى الله عليه وسلم
(5)
، وحديث أبي داود: أن الحمار والغلام يقطعانها
(6)
؛ واهٍ، وعلى
(1)
"إكمال المعلم" 2/ 418.
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 108، "النوادر والزيادات" 1/ 194 - 195.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 249 (2867) عن عطاء، وبرقم (2869) عن سالم والقاسم، وبرقم (2872) عن الحسن.
(4)
كما في "شرح ابن بطال" 2/ 128 - 129.
(5)
"مسند البزار" 11/ 161 (4896).
(6)
رواه أبو داود (705، 706) من حديث يزيد بن نمران، ورواه أيضًا أحمد 5/ 376 - 377، والبيهقي 2/ 275، وضعفه المنذري في "مختصره"، والألباني في "ضعيف أبي داود"(111، 112). =
تسليم الصحة فهو منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأن ذلك روي بتبوك وحديثنا في حجة الوداع بعدها، والذي ذهب إليه أكثر أهل الحجاز أن الصلاة لا يقطعها شيء وهو مذهب الأربعة، وفي أبي داود ما يدل له في الحمار والكلب
(1)
، وإن كان ليس إسناده بذاك.
وقد تحصل لنا من هذِه الأحاديث فوائد:
الأولى: صحة سماع من ناهز الاحتلام، وهو إجماع.
ثانيها: صحة أداء الكبير ما سمعه في صغره، وهو إجماع أيضًا؛ ولا عبرة بمن شذ.
ثالثها: جواز الصلاة إلى الحربة.
رابعها: عدم قطع الصلاة بالحمار.
خامسها: أن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
= ورواه من طريق سعيد بن غزوان، عن أبيه: أبو داود (707)، والطبراني في "مسند الشاميين" 3/ 195 (2067)، والبيهقي 2/ 275.
وضعفه عبد الحق في "الأحكام الوسطى" 1/ 345، وابن القطان في "بيان الوهم والإيهام " 3/ 356، والألباني في "ضعيف أبي داود"(113).
(1)
أبو داود (718) عن الفضل بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في صحراء ليس بين يديه سترة وحماره وكلبه يعبثان بين يديه فما بالى ذلك.
ورواه أيضًا النسائي 2/ 65، وأحمد 1/ 211، وأعله ابن حزم في "المحلى" 4/ 13 بالانقطاع. وقال: هذا باطل، ووافقه ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 2/ 291، وضعفه الألباني" في "ضعيف أبي داود" (114).
91 - باب قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَين المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ
؟
496 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ. [7334 - مسلم: 508 - فتح: 1/ 574]
497 -
حَدَّثَنَا المَكِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ جِدَارُ المَسْجِدِ عِنْدَ المِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا. [مسلم: 509 - فتح: 1/ 574]
ذكر فيه عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ.
وعَنْ سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ جِدَارُ المَسْجِدِ عِنْدَ المِنْبَرِ مَا كادَتِ الشاةُ تَجُوزُهَا.
والحديثان في "صحيح مسلم" أيضا
(1)
.
وهما دالان على أن القرب من السترة مطلوب.
قال ابن القاسم عن مالك: ليس من الصواب أن يصلي وبينه وبين
السترة صفان. وروى ابن المنذر عن مالك أنه يباعد عن سترة وإن شخصًا قال له: أيها المصلي ألا تدنو من سترة، فمشى الإمام إليها وهو يقول:{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113]
(2)
.
(1)
مسلم (508) عن سهل، وبرقم (509) عن سلمة. كتاب: الصلاة، باب: دنو المصلي في السترة.
(2)
"الأوسط" 5/ 87.
قلت: ويؤيده ما رواه أبو داود، وإن كان قال: اختلف في إسناده من حديث سهل بن أبي حثمة مرفوعًا: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته"
(1)
، ومثله عن أبي سعيد وعبد الله وابن عمر في ابن أبي شيبة
(2)
.
قال ابن بطال بعد ذكر حديثي الباب: هذا أقل ما يكون بين المصلي وسترته، وأكثر ذلك عند قوم من الفقهاء، وقال آخرون: أقل ذلك ثلاثة أذرع لحديث بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة جعل بينه وبين القبلة قريبًا من ثلاثة أذرع، هذا قول عطاء وبه قال الشافعي وأحمد
(3)
.
وقال الداودي: أقله ممر الشاة، وأكثره ثلاثة أذرع، وقال السبيعي: رأيت عبد الله بن معقل يصلي بينه وبين القبلة ثلاثة أذرع، وفي كتاب ابن التين: ستة؛ ورأيت في "مصنف ابن أبي شيبة" نحوه بإسناد صحيح، وفي حديث آخر نحوه وهي الفرجة
(4)
.
قال ابن بطال: وهذا شذوذ عند الفقهاء لمخالفة الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم له، منها: أحاديث هذا الباب، ومنها: حديث سهل
(5)
يعني: السالف، وجمع ابن التين بين حديث الباب وحديث بلال
(1)
أبو داود (695) ورواه أيضًا النسائي 2/ 62، وأحمد 4/ 2، وابن حبان في "صحيحه" 6/ 136 (2373)، والحاكم 1/ 251 - 252 وصححه على شرط الشيخين، وصححه أيضًا النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 518 (1732)، والألباني في "صحيح أبي داود"(692).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 250 (2875، 2876، 2877).
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 130، وانظر:"المجموع" 3/ 224، "المغني" 3/ 84.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 249 (28687) عن أبي إسحاق السبيعي قال: رأيت ابن معقل يصلي وبينه وبين القبلة فجوة.
(5)
"شرح ابن بطال" 2/ 130.
فقال: كان إذا قام كان بينه وبين القبلة قدر ممر الشاة، وإذا سجد أو ركع كان بينهما ثلاثة أذرع من موضع رجليه. ولم يحد مالك في ذلك حدًّا؛ إلا إن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد، ويتمكن من دفع من مر بين يديه، وقيده بعض الناس بشبر، وآخرون بثلاثة أذرع كما سلف، وآخرون بستة وكل ذلك تحكمات.
92 - باب الصَّلَاةِ إِلَى الحَرْبَةِ
498 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ فَيُصَلِّى إِلَيْهَا. [انظر: 494 - مسلم: 501 - فتح: 1/ 575].
ذكر فيه حديث ابن عمر أنه عليه السلام كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الحَرْبَةُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا. وقد سلف
(1)
.
(1)
سلف برقم (494) باب: سترة الإمام سترة من خلفه.
93 - باب الصَّلَاةِ إِلَى العَنَزَةِ
499 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا. [انظر: 187 - مسلم: 503 - فتح:1/ 575]
500 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَاذَانُ، عَنْ شُعْبَة، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ تَبِعْتُهُ أَنَا وَغُلَامٌ وَمَعَنَا عُكَّازَةٌ أَوْ عَصًا أَوْ عَنَزَةٌ وَمَعَنَا إِدَاوَةٌ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ نَاوَلْنَاهُ الإِدَاوَةَ. [انظر: 150 - مسلم: 271 - فتح: 1/ 575]
ذكر فيه حديث أبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وبين يديه عنزة .. الحديث.
وقد سلف قريبا
(1)
.
وحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ تَبِعْتُهُ أَنَا وَغُلَامٌ وَمَعَنَا عُكَّازَةٌ أَوْ عَصًا أَوْ عَنَزَةٌ وَمَعَنَا إِدَاوَةٌ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ نَاوَلْنَاهُ الإِدَاوَةَ.
وقد سلف في الاستنجاء
(2)
.
وليس صريحًا في مقابلة ما ذكره من التبويب؛ نعم الحربة والعنزة علم للناس على موضع صلاته ألا يخرقوه بالشيء بين يديه في صلاته.
ومعنى حمل العنزة والماء: أنه صلى الله عليه وسلم كان يديم الطهارة في أكثر أحواله، فكان إذا توضأ صلى ما أمكنه بذلك الوضوء منذ أخبره بلال
(1)
سلف قريبًا برقم (495) باب: سترة الإمام سترة من خلفه.
(2)
سلف برقم (150) كتاب: الوضوء، باب: الاستنجاء بالماء.
بما أوجب الله له الجنة من أنه لم يتوضأ قط إلا صلى
(1)
، فلذلك كان يحمل الماء والعنزة إلى موضع الخلاء والتبرز ومناولتهم الإداوة كان على استنجائه بالماء؛ لأن العبادة في الوضوء الصب على اليد.
وفيه: خدمة السلطان والعالم.
ومذاهب الفقهاء متقاربة في أقل ما يجزئ المصلي من السترة، فقال مالك: يجزيه غلظ الرمح والعصا وارتفاع ذلك قدر عظم الذراع ولا تفسد صلاة من صلى إلى غير سترة، وإن كان مكروهًا، وهو قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة، والثوري: إنها قدر مؤخرة الرحل يكون ارتفاعها ذراعًا؛ وهو قول عطاء.
وقال الأوزاعي مثله، إلا أنِه لم يحد ذراعًا ولا غيره.
وكل هؤلاء لا يجيزون الخط، ولا أن يعرض العصا في الأرض، فيصلي إليها؛ غير الأوزاعي والشافعي في أصح قوليه فإنهما قالا: إذا لم يجد شيئًا يقيمه بين يديه عرضه وصلى، وإن لم يجد خط خطًّا، وروي مثله عن سعيد بن جبير
(2)
، وبه قال أحمد وأبو ثور، وفيه حديث أبي هريرة في أبي داود وهو من رواية أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن جده، عن أبي هريرة مرفوعًا
(3)
.
(1)
سلف برقم (1149) كتاب: التهجد، باب: فضل الطهور بالليل والنهار، ورواه مسلم (2458) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل بلال بن رباح.
(2)
رواه عبد الرزاق 2/ 14 (2297).
(3)
أبو داود (689)، ورواه أيضًا ابن ماجه (943)، وأحمد 2/ 249، وابن خزيمة 2/ 13 - 14 (811، 812)، وابن حبان 6/ 125 (2361).
قال النووي في "خلاصة الأحكام" 1/ 520: قال الحفاظ: هو ضعيف لاضطرابه.
وقال ابن حجر في "تلخيص الحبير" 1/ 286: صححه أحمد وابن المديني فيما
نقله ابن عبد البر في "الاستذكار" وأشار إلى ضعفه سفيان بن عيينة والشافعي =
قال الطحاوي: أبو عمرو وجده مجهولان، وقال مالك والليث: الخط باطل، وليس بشيء،
(1)
، وأصح ما في سترة المصلي حديث ابن عمر وأبي جحيفة وأنس.
وقوله في حديث أبي جحيفة: (والمرأة والحمار يمرون من ورائها) قال ابن التين: صوابه (يمران) على التثنية، أو يمرون إذا تخلى عن التثنية بالجمع.
= والبغوي وغيرهم. اهـ وضعفه كذلك الألباني في "ضعيف أبي داود"(107).
(1)
"بدائع الصنائع" 1/ 127، "المدونة" 1/ 108، "المجموع" 3/ 224 - 225، "المغني" 3/ 84 - 85.
94 - باب السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيِرْهَا
501 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَاجِرَةِ فَصَلَّى بِالْبَطْحَاءِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَنَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً، وَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ. [انظر: 187 - مسلم: 503 - فتح: 1/ 576]
ذكر فيه حديث أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَاجِرَةِ .. الحديث. تقدم في الطهارة
(1)
.
ومعنى السترة للمصلي: رد المار بين يديه، فكل من صلى في مكان واسع فالمستحب له أن يصلي إلى سترة بمكة كان أو غيرها إلا من صلى في مسجد مكة بقرب القبلة حيث لا يمكن أحد المرور بينه وبينها، فلا يحتاج إلى سترة إذ قبلة مكة سترة له فإن صلى في مؤخر المسجد بحيث يمكن المرور بين يديه أو في سائر بقاع مكة إلى غير جدار أو صخرة أو ما أشبههما فينبغي أن يجعل أمامه ما يستره من المرور بين يديه كما فعل الشارع حين صلى بالبطحاء إلى عنزة، والبطحاء خارج مكة، وكذلك حكم أهل مكة إذا كان (فضاء، وفي النسائي)
(2)
.
قلت: لم يفصل أصحابنا في تحريم المرور بين المصلي إلى الكعبة وبين الطائف واغتفر غير ما ذلك للحاجة إليه بل ألحق بعض الحنابلة الحرم بمكة في عدم كراهة المرور.
(1)
ملف برقم (187) كتاب: الوضوء، باب: استعمال فضل وضوء الناس.
(2)
كذا بالأصل، ولم تتبين لنا.
95 - باب الصَّلَاةِ إِلَى الأُسْطُوَانَةِ
وَقَالَ عُمَرُ: المُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنَ المُتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا.
وَرَأى عُمَرُ رَجُلًا يُصَلِّي بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ فَقَالَ: صَلِّ إِلَيْهَا.
502 -
حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ آتِى مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ. قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا. [مسلم: 509 - فتح: 1/ 577]
503 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ كِبَارَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ. وَزَادَ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ: حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [625 - مسلم: 837 - فتح: 1/ 577]
ذكر فيه عن عُمَرَ أنه قال: المُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنَ المُتَحَدِّثينَ إِلَيْهَا.
والسواري جمع سارية، وهي الأسطوانة.
وَرَأى عُمَرُ رَجُلًا يُصَلِّي بَيْنَ أُسْطُوَانتَيْنِ فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ فَقَالَ: صَلِّ إِلَيْهَا.
هذا الرجل هو: قرة أبو معاويةَ ابن قرة، روي ذلك عنه أنه قال: رآني عمر وأنا أصلي بين أسطوانتين، فأخذ بقفاي فأدناني من السترة وقال: صل إليها
(1)
. وادعى ابن التين أن عمر إنما كره ذلك لانقطاع الصفوف، ويأتي في الباب بعده.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 148 (7501).
وذكر فيه البخاري أيضا حديثين:
الأول عن شيخه مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ التِي عِنْدَ المُصْحَفِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، أَرَاكَ تَتَحَرى الصَّلَاةَ عِنْدَ هذِه الأُسْطُوَانَةِ. قَالَ: فَإِني رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا.
وهو أحد ثلاثيات البخاري وأخرجه مسلم أيضًا بلفظ يصلي وراء الصندوق
(1)
، وفي أخرى: كان يتحرى مكان المصحف يسبح فيه
(2)
.
ثم الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
الأسطوانة معروفة والنون أصلية، وهي أُفْعُوَالَةٌ، مثل أقحوانة؛ لأنه يقال: أساطين مُسَطَّنَة، وكان الأخفش يقول: فُعْلُوانة؛ وهذا يوجب زيادة الواو وإلى جنبها زائدتان الألف والنون ولا يكاد يكون، وقال قوم: هو أُفْعُلَانَة، ولو كان كذلك لما جمع على أساطين؛ لأنه لا يكون في الكلام أفاعين ذكره في "الصحاح"
(3)
.
وقوله: (التي عند المصحف) كأنه كان هناك مصحف.
و (يتحرى) يقصد ويعتمد قال تعالى: {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14] أي: قصدوا إنما كان يتحرى الصلاة في ذلك الموضع؛ لأنهم زادوا في المسجد، فكأنه كان يطلب موضع الحائط الأول.
(1)
لم أقف عليها في مسلم بهذا اللفظ.
(2)
مسلم (509) كتاب: الصلاة، باب: دنو المصلي من السترة.
(3)
"الصحاح" 5/ 2135 مادة: سطن.
وفيه: أن الأسطوانة سترة وهي أولى من العنزة، وأن الأسطوانة ينبغي أن تكون أمامه، ولا تكون إلى جنبه لئلا يتخلل الصفوف شيء، فلا يكون له سترة.
وادعى شيخنا علاء الدين في "شرحه" أن هذا الحديث ليس فيه التصريح بالصلاة عند السواري وهو عجيب منه، وشيخنا قطب الدين إنما ذكر في حديث أنس أنه ليس فيه صريح الركعتين قبل المغرب فنقله إلى هذا وحَرَّف.
الحديث الثاني: حديث سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَنَسٍ: لَقَدْ رَأَيْتُ كِبَارَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِنْدَ المَغْرِبِ. وَزَادَ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ: حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث يأتي في الأذان أيضًا
(1)
.
ورواه مسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب، والمختار بن فلفل عن أنس كما يأتي
(2)
.
وفي بعض النسخ بدل سفيان شعبة، وكلاهما رويا، عن عمرو؛ نبه عليه ابن عساكر في "أطرافه" وعمرو هذا أنصاري كوفي
(3)
، وليس والد أسد كما وقع فيه أبو داود ونبه عليه المزي
(4)
؛ ذاك يروي عن الحسن
(1)
سيأتي برقم (625) باب: كم بين الأذان والإقامة ..
(2)
مسلم (837) كتاب: صلاة المسافرين، باب: بين كل أذانين صلاة.
(3)
عمرو بن عامر، الأنصاري الكوفي، يروي عن أنس، ويروي عنه الثوري، وشعبة، وأبو الزناد، وغيرهم. وثقه النسائي وابن حبان، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 356 (2624)، "الجرح والتعديل" 6/ 249 - 250 (1376)، "الثقات" لابن حبان 5/ 182، "تهذيب الكمال" 22/ 92 - 93 (4392).
(4)
"تهذيب الكمال" 22/ 93 (4393).
البصري، ولم يخرجوا له.
أما (عمرو) بن عامر السلمي البصري قاضيها، فلم يخرج له البخاري، وخرج له مسلم مات بعد الثلاثين ومائة
(1)
(2)
.
وهذِه الزيادة أسندها البخاري في باب كم بين الأذان والإقامة بلفظ حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء. قال البخاري: قال عثمان بن جبلة وأبو داود عن شعبة: لم يكن بينهما إلا قليل
(3)
.
وحديث عثمان؛ خرجه الإسماعيلي في "صحيحه"، وأبو داود هذا هو الحَفَرِي واسمه عمر بن سعد، وعند الإسماعيلي: قام كبار الصحابة فابتدروا السواري، وعند مسلم إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري، فركعوا ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها
(4)
، وفي لفظ نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة
(1)
بهامش (س): في "الكاشف" (
…
) ["الكاشف" ص 129 (4076)].
(2)
عمر بن عامر السُّلَمي، أبو حفص، روى له مسلم والنسائي، كان يحيى بن سعيد لا يرضاه، وأنكر له أحاديث، وسئل عنه أحمد فقال: كان شعبة لا يستمر به، وقال يحيى بن معين: ليس به بأس، وزاد في رواية عنه: ثقة، وقال في رواية أخرى: بَجليٌّ كوفي ضعيف، تركه حفص بن غياث. وقال عمرو بن علي: ليس بمتروك الحديث، وضعفه أبو داود، والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
وقال ابن حجر: صدوق له أوهام. انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 181 (2104)، "الجرح والتعديل" 6/ 126 - 127 (689)، "الثقات" لابن حبان 7/ 180، "الكامل" لابن عدي 6/ 51 - 54 (1198)، "تهذيب الكمال" 21/ 403 - 407 (4263)، "تقريب التهذيب"(4925).
(3)
سيأتي برقم (625) كتاب: الأذان.
(4)
مسلم (837) في صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب.
المغرب، قال المختار بن فلفل: قلت لأنس: أكان النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما، فلم يأمرنا ولم ينهنا
(1)
.
وهذِه المسألة -وهي: استحباب ركعتين قبل المغرب- فيها خلاف فلنبسط الكلام فيها وإن كانت دخيلة في الباب.
وقد استحبها جماعة من الصحابة، وغيرهم منهم: أحمد وإسحاق وأهل الظاهر، ولأصحابنا وهو الأصح عند المحققين عن أصحابنا، وإن كان الأشهر عندهم عدمه، وبه قال الخلفاء الأربعة
(2)
، وجماعة من الصحابة ومالك وأبو حنيفة وقال النخعي: هي بدعة
(3)
.
حجة المانع أمور:
أحدها: حديث بريدة رفعه: "بين كل أذانين صلاة إلا المغرب"
(4)
وهذا فيه حيان بن عبيد الله؛ قال ابن حزم: انفرد بها وهو مجهول
(5)
؛ والصحيح حديث عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل مرفوعًا: "بين كل أذانين صلاة لمن شاء"
(6)
.
(1)
مسلم (836).
(2)
روى عبد الرزاق 2/ 435 (3985) عن إبراهيم قال: لم يصلِّ أبو بكر ولا عمر ولا عثمان الركعتين قبل المغرب.
(3)
انظر: "المغني" 2/ 546 - 547.
(4)
رواه البزار كما في "كشف الأستار"(693) وقال: لا نعلم أحد يرويه إلا بريدة، ولا رواه إلا حيَّان وهو بصري مشهور ليس به بأس. ورواه بنحوه الدارقطني 1/ 264 - 265، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 378 (954) وقال: لا يصح، قال الفلاس: كان حيَّان كذابًا. وضعفه ابن حجر في "التلخيص" 2/ 13، وقال الألباني في "الضعيفة" (2139): منكر.
(5)
"المحلى" 2/ 253. وفي هامش (ص) من خط الشيخ: ذكره ابن حبان في "ثقاته".
(6)
سيأتي برقم (624) كتاب: الأذان، باب: كم بين الأذان والإقامة، ومسلم (838) كتاب: صلاة المسافرين، باب: بين كل أذانين صلاة.
وادعى ابن بزيزة بعد أن جهل راويها أن بعض الحفاظ صححها.
ثانيها: ما ذكر عن إبراهيم النخعي أن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا يصلونها
(1)
وهو منقطع كما قال ابن حزم
(2)
؛ لأن إبراهيم لم يدرك أحدًا من هؤلاء، ولم يولد إلا بعد قتل عثمان بسنتين.
ثالثها: ما رواه عن أبي شعيب عن طاوس قال: سئل ابن عمر عن
الركعتين قبل المغرب فقال: ما رأيت أحدًا على عهد رسول الله يصليهما
(3)
؛ وهذا لا يصح كما قال ابن حزم
(4)
؛ لأنه عن أبي شعيب أو شعيب، ولا يدرى من هو أيضًا؛ لكن قال أبو زرعة: لا بأس به.
رابعها: أن استحبابها يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها قليلًا.
قال ابن أبي صفرة: وصلاتها كانت في أول الإسلام ليتبين خروج الوقت المنهي عنه بمغيب الشفق، ثم ألزم الناس بالمبادرة إلى المغرب لئلا يتباطأ الناس عن وقت الفضيلة للمغرب، وقد يقال: لأن وقتها واحد عند أكثر العلماء، ولا خلاف أن المبادرة بها أفضل والاشتغال بغيرها ذريعة إلى خلافه لكنه زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها، ومن ادعى نسخها فهو مجازف.
وقال ابن العربي: اختلف الصحابة فيها، ولم يفعله بعدهم أحد.
حجة من استحبها: ما تقدم من حديث أنس وعبد الله بن مغفل "بين كل أذانين صلاة" والمراد بين الأذان والإقامة، وفي رواية: "صلوا قبل
(1)
رواه عبد الرزاق 2/ 435 (3985).
(2)
"المحلى" 2/ 253 - 254.
(3)
رواه أبو داود (1284)، ومن طريقه البيهقي 2/ 476 - 477، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(237/ 2).
(4)
"المحلى" 2/ 254.
صلاة المغرب ركعتين"، ثم قال في الثالثة: "لمن شاء" كراهية أن يتخذها الناس سنة
(1)
، وسيأتي في "الصحيح" من حديث مرثد بن عبد الله اليزني، قال: أتيت عقبة بن عامر، فقلت: ألا أعجبك من أبي تميم يركع ركعتين قبل صلاة المغرب؟ فقال عقبة: إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: ما يمنعك الآن، قال: الشغل
(2)
.
قال ابن حزم: وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق؛ كلاهما عن الثوري، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش: أنه رأى عبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب يصليان الركعتين قبل صلاة المغرب
(3)
، ورواه حماد، عن عاصم بزيادة: لا يدعانها؛ وعن معمر، عن الزهري، عن أنس أنه كان يصلي الركعتين قبل صلاة المغرب
(4)
.
وعن زُغْبَان مولى حبيب بن مسلمة: رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهبون إلى الركعتين قبل صلاة المغرب كما يهبون إلى الفريضة
(5)
.
وروينا عن وكيع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: ما رأيت فقيهًا يصلي الركعتين قبل المغرب إلا سعد بن مالك؛ يعني: سعد بن أبي وقاص
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (1183) كتاب: التهجد، باب: الصلاة قبل المغرب.
(2)
سيأتي برقم (1184).
(3)
رواه عبد الرزاق 2/ 343 (3981)، وقد رواه ابن أبي شيبة 2/ 138 (7377) بنحوه من طريق شريك، عن عاصم به، ورواه البيهقي 2/ 476 من طريق الحسين ابن حفص، عن سفيان، به.
(4)
رواه ابن نصر في "قيام الليل" كما في "المختصر" ص 73.
(5)
رواه عبد الرزاق 2/ 435 (3984).
(6)
رواه ابن نصر في "قيام الليل" كما في "المختصر" ص 73، والبيهقي 2/ 476.
وعن جابر: أنه كان يصليهما
(1)
.
وعن راشد بن يسار قال: أشهد على خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحاب الشجرة أنهم كانوا يصلون ركعتين قبل المغرب
(2)
.
وعن الحكم بن عتيبة، عن ابن أبي ليلى أنه كان يصليهما
(3)
.
وعن يزيد بن إبراهيم سمعت الحسن البصري فسئل عن الركعتين قبل المغرب، فقال: حسنتين جميلتين لمن أراد بهما وجه الله
(4)
(5)
.
ومن الفوائد: أن ابن حبان روى في "صحيحه" أنه صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين؛ وقال عند الثالثة: "لمن شاء" خاف أن يحسبها الناس سنة
(6)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 139 (7385)، وابن نصر في "قيام الليل" كما في "المختصر" ص 74.
(2)
رواه ابن نصر في "قيام الليل" كما في "المختصر" ص 73، والبيهقي 2/ 476.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 138 (7384)، وابن نصر في "قيام الليل" كما في "المختصر" ص 75.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 138 (7384)، وابن نصر في "قيام الليل" كما في "المختصر" ص 75.
(5)
"المحلى" 2/ 256 - 257.
(6)
"صحيح ابن حبان" 4/ 457 (1588).
96 - باب الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ
504 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَبِلَالٌ، فَأَطَالَ ثُمَّ خَرَجَ، وَكُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ دَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ فَسَأَلْتُ بِلَالًا: أَيْنَ صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ. [انظر: 397 - مسلم: 1329 - فتح: 1/ 578]
505 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِىُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا، فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ -وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ- ثُمَّ صَلَّى. وَقَالَ لَنَا إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ وَقَالَ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ. [انظر: 397 - مسلم: 1329 - فتح: 1/ 578]
ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم البَيْتَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زيدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَبِلَالٌ، فَأطَالَ ثُمَّ خَرَجَ، وَكُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ دَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ، فَسَأَلْتُ بِلَالًا: أَيْنَ صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ العَمُودَيْنِ المُقَدَّمَيْنِ.
ثم ساق حديثه هذا قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةِ وَرَاءَهُ -وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ -ثُمَّ صَلَّى.
وفي رواية: وَقَالَ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ.
ثم قال:
97 - باب
506 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِى قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، صَلَّى يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِى أَخْبَرَهُ بِهِ بِلَالٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِيهِ. قَالَ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِنَا بَأْسٌ إِنْ صَلَّى فِى أَيِّ نَوَاحِى الْبَيْتِ شَاءَ. [انظر: 397 - مسلم: 1329 - فتح: 1/ 579]
ولم يترجمه.
ثم ساق حديث ابن عمر أيضًا؛ وفيه: فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ الذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، صَلَّى.
والكلام على ذلك من أوجه:
أحدها:
الطريق الأولى انفرد بها البخاري، والثانية وافقه مسلم عليها
(1)
، ثم منهم من جعله من مسند بلال، ومنهم من جعله من مسند ابن عمر.
ثانيها:
قد قدمنا الروايتين الأولى: أنه جعل عمودًا عن يساره وعمودًا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه، والثانية: عمودين عن يمينه. والبخاري ذكرها من طريق إسماعيل، عن مالك، فقال إسماعيل: حدثني مالك وقال: عمودين عن يمينه.
وقال خلف: لم أجده من حديث إسماعيل، وقد اختلف عن مالك
(1)
مسلم (1329/ 388) كتاب: الحج، باب: استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره ..
في لفظه، فرواه مسلم: عمودين عن يساره، وعمودًا عن يمينه
(1)
، وفي البخاري: عمودًا عن يساره، وعمودين عن يمينه قال البيهقي: وهو الصحيح
(2)
، وفي رواية: جعل عمودًا عن يمينه، وعمودين عن يساره
(3)
عكس ما سلف.
ويحتاج إلى جمع إن لم تتعدد الواقعه فإنه صلى الله عليه وسلم مكث في الكعبة طويلًا بخلاف ما سلف من كونه على يمينه أو يساره، فإنه قصد أنه صلى بين عمودين، وسواء كانا عن يمينه أو عن يساره؛ لأنه لم يقصد ذكرهما، وقد أسلفنا الكلام على هذا الحديث في الكلام على مقام إبراهيم والأبواب والغلق للكعبة.
ثالثها:
وهو مقصود الترجمة لا شك، في جواز الصلاة بين السواري، وقول البخاري في غير جماعة إشارة إلى قطعها الصفوف.
قال ابن بطال: وإنما يكره أن يكون الصف يقطعه أسطوانة إذا صلوا جماعة خشية أن يمر أحد بين يديه، وإن يكون الإمام سترة لمن خلفه، ويستحب أن تكون الأسطوانة خلف الصف، أو أمامه ليستتر بها المصلي في الجماعة
(4)
.
قال القرطبي: وسبب الكراهة بين الأساطين أنه روي أنه مصلى الجن المؤمنين
(5)
.
(1)
مسلم (1329) كتاب: الحج، باب: استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره.
(2)
البيهقي 2/ 327.
(3)
مسلم (1329).
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 133 - 134.
(5)
"المفهم" 2/ 108.
واختلف السلف في الصلاة بين السواري فكرهه أنس بن مالك،
وقال: كنا نتقيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
، وفي لفظ: كنا نُنْهَى عن الصلاة بين السواري ونُطْرَد عنها
(2)
؛ صححهما الحاكم
(3)
.
وقال أبو مسعود: لا تصفوا بين الأساطين
(4)
.
وكرهه حذيفة
(5)
، وإبراهيم وقال: لا تصفوا بين الأساطين، وأتموا الصفوف
(6)
، وسلف أثر عمر في ذلك
(7)
.
وأجازه الحسن
(8)
وابن سيرين
(9)
.
وكان سعيد بن جبير
(10)
، وإبراهيم التيمي
(11)
، وسويد بن غفلة
(12)
، يؤمون قومهم بين الأساطين، وهو قول الكوفيين، وقال
(1)
رواه أبو داود (673)، والترمذي (229) وقال: حسن صحيح، والنسائي 2/ 94، وأحمد 3/ 131 وعبد الرزاق 2/ 60 (2489)، وابن أبي شيبة 2/ 148 (7494)، وابن خزيمة 3/ 30 (1568)، وابن حبان 5/ 596 - 597 (2218)، والحاكم 1/ 210، 218، والبيهقي 3/ 104.
(2)
رواه من حديث قرة بن إياس: ابن ماجه (1002)؛ والطيالسي 2/ 400 (1169)، وابن خزيمة 3/ 29 (1567)، ابن حبان 5/ 597 - 598 (2219)، والحاكم 1/ 218، والبيهقي 3/ 104.
(3)
الحاكم 1/ 218، وانظر:"صحيح أبي داود" 3/ 251 - 252 (677).
(4)
رواه عبد الرزاق 2/ 60 (2487 - 2488)، والبيهقي 3/ 104.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 148 (7500).
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 148 - 149 (7502 - 7503).
(7)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 148 (7501).
(8)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 149 (7504)، وروى عبد الزراق 2/ 60 - 61 (2490) أن الحسن كرهه.
(9)
رواه عبد الرزاق 2/ 61 (2490)، وابن أبي شيبة 2/ 149 (7505).
(10)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 149 (7506).
(11)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 149 (7507).
(12)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 149 (7509).
مالك في "المدونة": لا بأس بالصلاة بينها لضيق المسجد
(1)
.
وقال ابن حبيب: ليس النهي عن تقطيع الصفوف إذا ضاق المسجد، وإنما نهي عنه إذا كان المسجد واسعًا
(2)
.
رابعها:
أن السترة ما بين المصلي والقبلة ثلاثة أذرع، وادعى ابن بطال أن الذي واظب عليه الشارع في مقدار ذلك ممر الشاة كما جاء في الآثار.
خامسها:
صحة الصلاة في الكعبة، وقد سلف ما في ذلك في باب قول الله تعالى:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} وسلم ابن بطال أن صلاته صلى الله عليه وسلم في البيت كانت مرة
(3)
.
سادسها:
فيه الدنو من السترة، وقد أمر الشارع بالدنو منها؛ لئلا يتخلل الشيطان ذلك.
(1)
"المد ونة" 1/ 102.
(2)
"النوادر" 1/ 194.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 134.
98 - باب الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيِر وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ
507 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا. قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ هَذَا الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّى إِلَى آخِرَتِهِ -أَوْ قَالَ مُؤَخَّرِهِ- وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضى الله عنه - يَفْعَلُهُ. [انظر: 430 - فتح: 1/ 580]
ساق فيه حديث ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا. قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ هذا الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إلى آخِرَتِهِ -أَوْ قَالَ: مُؤَخرِهِ- وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنه يَفْعَلُهُ.
هذا الحديث أسلفنا الكلام عليه في باب: الصلاة في مواضع الإبل
(1)
.
وتكلمنا على هذِه الترجمة أيضًا، وجعل خلف في "أطرافه" هذا الحديث غير ذلك.
و (آخرة الرحل) أخرجها مسلم أيضًا من حديث أبي ذر
(2)
وأبي هريرة
(3)
، وفي النسائي من حديث عائشة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلي، فقال:"مثل مؤخرة الرحل"
(4)
.
(1)
تقدم برقم (430).
(2)
مسلم (510) كتاب: الصلاة، باب: قدر ما يستر المصلي.
(3)
مسلم (511).
(4)
النسائي 2/ 62، ورواه أيضًا مسلم (500) كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي.
وقوله: (هبت) أي: ثارت من مُنَاخها فمرة، قاله صاحب "المطالع"، وتأتي بمعنى: أسرعت وقيل: نشطت، وقيده الأصيلي بضم الهاء على لفظ ما لم يسم فاعله، والأول أصوب والركاب الإبل.
وقال الداودي: إذا ذهبت الرعي، والرحل الذي يركب عليه، وهو الكور كالسرج للفرس، ويعدله يقيمه بلف وجهه وآخرته ومؤخره.
قال الجوهري: مؤخرة الرحل لغة قليلة في آخرته
(1)
.
وقال ابن التين: رويناه بفتح الهمزة، وتشديد الخاء وفتحها.
وقال القرطبي: مؤخرة الرحل هو العود الذي يكون في آخرة الرحل بضم الميم (وكسر)
(2)
الخاء؛ قاله أبو عبيد، وحكى ثابت فيه كسر الخاء وأنكره ابن قتيبة، وأنكر ابن مكي أن يقال: مُقَدِّم ومُؤَخِّر بالكسر إلا في العين خاصة، وغيره بالفتح.
وحكمة السترة كف البصر، والخاطر عما وراءها
(3)
.
والراحلة تقع على الذكر والأنثى كما سلف في ذلك الباب وقصره (القعنبي)
(4)
على الأنثى، ولأجل ذلك أردفه البخاري بالبعير فإنه يقع عليهما، وكونه صلى الله عليه وسلم يعرض راحلته، ويصلي إليها دليل على جواز السترة بما ثبت من الحيوان ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطن الإبل؛ لأن المعاطن موضع إقامتها عند الماء واستيطانها.
(1)
"الصحاح" 2/ 577 مادة: آخر.
(2)
في "المفهم": وفتح.
(3)
"المفهم" 2/ 100 - 101.
(4)
كذا بالأصل.
99 - باب الصَّلَاةِ إِلَى السَّرِيرِ
508 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ؟! لَقَدْ رَأَيْتُنِى مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ، فَيَجِئُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيرَ فَيُصَلِّي، فَأَكْرَهُ أَنْ أُسَنِّحَهُ فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَىِ السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي. [انظر: 382 - مسلم: 512، 344 - فتح: 1/ 581]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْب وَالْحِمَارِ؟! لَقَدْ رَأَيْتُنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ، فَيَجِيءُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيَتَوَسِّطُ السَّرِيرَ فَيُصَلِّي، فَأَكْرَهُ أَنْ أُسَنِّحَهُ فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وسلف الكلام عليه في باب: الصلاة على الفراش
(2)
، ونتكلم هنا على مواضع:
الأول:
قال الإسماعيلي لما أورد هذا الحديث: هذا صلاة على السرير لا إليه، فإن أراد ما ذكر فهو في حديث الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة يصلي والسرير بينه وبين القبلة، وقد أورده البخاري في الاستئذان كما سيأتي
(3)
.
الثاني:
فيه جواز الصلاة على السرير.
(1)
مسلم (512) كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي.
(2)
سبق برقم (382).
(3)
سيأتي برقم (6276) باب: السرير.
الثالث:
قولها: (فأسنحه)
(1)
قال ابن التين: هو بكسر النون فيما رويناه، (وزاده)
(2)
غير أبي الحسن بفتحها، وهو في اللغة بالفتح، قيل: معناه أي: أنسلُّ من بين يديه، فأجاوزه من يمين إلى يسار، وقد جاء: فأكره أن أستقبله، وفي رواية: أن اجلس فأوذيه، وقد يكون معنى أسنح له: أي: أتعرض له في صلاته، وقولهم: سنح لي أمر، أي: عرض، قال ابن الجوزي وغيره: السانح عند العرب ما يمر بين يديك عن يمينك، وكانوا يتيمنون به.
قلت: ومنهم من قال: عن يسارك إلى يمينك؛ لأنه أمكن للرمي
والصيد، والبارح عكسه، والعرب تتطير به قاله ابن الأثير
(3)
.
الرابع:
قولها: (فأنسل) أي: أمر برفق.
وفيه: دلالة على أن المرأة لا تقطع الصلاة؛ لأن انسلالها من لحافها كالمرور بين يدي المصلي وقد سلف ما فيه.
(1)
ورد بهامش (س) تعليق نصه: وقال "صاحب العين": أسنحه: أظهر له، وكلما عرض لي فقد سنح.
(2)
كذا ما صورته في الأصل، وقد كتبت بين السطور، وعلم الناسخ عليها بعلامة اللحق، قلت: ولعلها (ورآه) أو (وزاد).
(3)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 114.
100 - باب يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَين يَدَيهِ
وَرَدَّ ابن عُمَرَ فِي التَشَهُّدِ وَفِي الكَعْبَةِ وَقَالَ: إِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ، فَقَاتِلْهُ.
509 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَدَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فِى يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلاَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنَ الأُولَى، فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِى سَعِيدٍ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ مَا لَكَ وَلاِبْنِ أَخِيكَ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَىْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ". [3274 - مسلم: 505 - فتح:1/ 581]
كذا وقع: (وفي الكعبة)، وفي بعضها: والركعة، وعليها مشى ابن بطال في "شرحه"
(1)
، وهو أشبه كما قال القابسي، والآخر صحيح أيضًا، فإن أبا نعيم وغيره روي عنه أنه كان يرد في الكعبة أيضًا.
وهذا سياقه في كتاب الصلاة: حدثنا عبد العزيز بن الماجشون، عن صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة، فلا يدع أحدًا يمر بين يديه يبادره قال: يرده، حدثنا فطر بن خليفة ثنا عمرو بن دينار، قال: مررت بابن عمر بعد ما جلس في آخر صلاته؛ حتى أنظر ما يصنع،
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 135.
فارتفع من مكانه، فدفع في صدري.
وقال ابن أبي شيبة: أنا ابن فضيل، عن مطر، عن عمرو بن دينار، قال مررت بين يدي ابن عمر وهو في الصلاة فارتفع من قعوده ثم دفع في صدري
(1)
.
وفي كتاب "الصلاة" لأبي نعيم: فأبهرني بتسبيحه؛ وفي حديث يزيد الفقير: صليت إلى جنب ابن عمر بمكة، فلم أر رجلًا أكره أن يُمرَّ بين يديه منه.
وهو حديث أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، وذكر المسند منه في صفة إبليس
(3)
قَالَ الإسماعيلي: جمع أبو عبد الله -يعني: البخاري- بين الحديثين، وذكر لفظ سليمان بن المغيرة، وليس في حديث يونس ذكر السترة، وفيه الإطلاق للدفع إذا مر في غير سترة. وفي حديث سليمان: ودفعه إذا كان إلى سترة. وفي هذا تجوز.
قَالَ: وقد تابع يونس سليمان بن حيان عن حميد في المسند منه.
وأرسله خالد الواسطي، عن يونس، عن حميد، عن أبي سعيد، ولم يذكر أبا صالح.
وقوله في الحديث: (فإذا شاب من بني أبي معيط). جاء في النسائي: فأراد ابن لمروانَ أن يمر بين يديه
(4)
. وهذا الأبن هو داود كما نبه عليه ابن الجوزي في "تلقيحه".
إذا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
(1)
ابن أبي شيبة 1/ 254 (2921).
(2)
"صحيح مسلم"(505) كتاب: الصلاة، باب: منع المار بين يدي المصلي.
(3)
سيأتي برقم (3274) كتاب: بدء الخلق.
(4)
رواه النسائي في "الكبرى" 4/ 247 - 248 (7067) كتاب: القسامة.
أحدها:
الحديث عام في كل ما يستره من جماد وحيوان، إلا ما ثبت المنع من استقباله من آدمى أو ما أشبه الصنم المصمود إليه وما في معنى ذَلِكَ.
وقد ذكره بعض الفقهاء، وكرهه مالك في المرأة
(1)
.
وقال المتولي: لو يستر بآدمي أو حيوان لم يستحب له ذَلِكَ؛ لأنه يشبه عبادة من يعبد الأصنام. وقال الشافعي في البويطي: لا يستر بامرأة ولا دابة
(2)
.
وأما قوله: في المرأة. فظاهر لشغل الخاطر
(3)
. وأما الدابة فقد سلف ما يرد عليه في بابه. ولعل الشافعي لم يبلغه، وهو صحيح، ولا معارض له. وإذا صلى إلى سترة، فالسنة أن يجعلها مقابل يمينه أو شماله، ولا يصمد له، أي: يجعلها تلقاء وجهه.
ثانيها:
قضية الأمر بالدفع الوجوب، لكنه أمر ندب. وجاء في رواية لمسلم:"فليدفعه في نحره"
(4)
.
(1)
هذا هو مذهب الحنفية والمالكية والظاهر عند الشافعية، والحنابلة، انظر:"المبسوط" 1/ 210، "الهداية" 1/ 96، "شرح فتح القدير" 1/ 415، واستثنوا في ذلك ما كان مقطوعًا أو لغير ذوي روح، "البيان والتحصيل" 1/ 231، "النوادر والزيادات" 1/ 225، "المجموع" 3/ 185، استنبط ذلك من كتبهم حيث قال النووي: أما الثوب الذي فيه صور أو صليب أو ما يلهي فتكره الصلاة فيه وإليه وعليه. وانظر: "مسائل أحمد برواية عبد الله" ص 63، "المغني" 3/ 88، "الشرح الكبير" 3/ 644، "كشاف القناع" 2/ 405، "مطالب أولي النهى" 2/ 477.
(2)
انظر: "المجموع" 3/ 227.
(3)
انظر: "التفريع" 1/ 230، "المنتقى" 1/ 211.
(4)
"صحيح مسلم"(505/ 259) وفيه: "فليدفعْ في نحره" بدون هاء الضمير.
ثالثها:
هذا لمن لم يفرط في ترك السترة، فإن فرط أو تباعد عنها عَلَى قدر المشروع فلا كرا هة، ولا دفع لتقصيره، ولا يجوز للمصلي المشي إليه للدفع.
رابعها:
المراد بالمقاتلة: قوة المنع له عَلَى المرور بحيث لا تنتهي إلى الأعمال المنافية للصلاة، ودفعه بالأخف فالأخف كالصائل؛ لاحتمال سهوه، فلو اتفق هلاكه فلا قود عليه باتفاق، وفي الدية خلاف. وأبعدَ من قَالَ: المراد فليؤنبه بعد الصلاة.
خامسها:
قوله صلى الله عليه وسلم: ("فإنما هو شيطان") أي: إن امتناعه من الرجوع عن المرور من أفعال الشيطان.
وقيل: المراد به: القرين كما في الحديث: "فإن معه القرين".
وفيه: دلالة عَلَى أن من فتن في الدين يطلق عليه ذَلِكَ، ولا حجر فيه، وأن العمل القليل في الصلاة لمصلحتها غير ضار.
وفيه: دلالة أيضًا عَلَى أن الحكم للمعاني لا للأسماء بخلاف ما ذهب إليه أهل الظاهر في نفيهم القياس، إذ يستحيل أن يصير المار بين يدي المصلي شيطانًا بمروره.
وقد أوضحت الكلام عَلَى هذا الحديث فيِ "شرح العمدة"
(1)
، فراجعه منه.
وأوجب السترة أحمد
(2)
.
(1)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 3/ 305 (109).
(2)
انظر: "المستوعب" 2/ 238.
وفي "صحيح الحاكم" من حديث ابن عمر مرفوعًا: "لا تصلوا إلا إلى سترة، ولا تدع أحدًا يمر بين يديك"
(1)
.
وفي الخط حديثٌ من طريق أبي هريرة
(2)
سلف، اختلف فيه، أشار الشافعي إلى ضعفه، وصححه ابن حبان وغيره، وفي إسناده اضطراب، واستحبها الثلاثة. وأغرب من نقل عن القديم بطلان الصلاة بالدفع.
وقوله: (فلم يجد مساغًا) يعني: طريقًا يمكنه المرور منها. يقال: ساغ الشراب في الحلق: سلس. وساغ الشيء: طاب.
فرع: لو جاز بين يديه وأدركه ففي رده قولان لأهل العلم: وبالرد قَالَ ابن مسعود، وسالم، والحسن. وبالمنع قَالَ الشعبي؛ لأن ردوده مرور ثان، ولا وجه له، وهو قول مالك، والثوري، وإسحاق
(3)
(4)
.
(1)
"المستدرك" 1/ 251 كتاب: الصلاة. وقال: حديث على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(2)
هذا الحديث روي من طريق أبي عمرو بن محمد بن حريث أنه سمع جده سمعت أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإن لم يجد شيئًا فلينصب عصًا، فإن لم يكن معه عصًا فليخط خطًّا، ولا يضره ما مرَّ بين يديه". رواه أبو داود (690). وقال: قال سفيان: لم نجد شيئًا نشد به هذا الحديث. وابن ماجه (943). وأحمد 2/ 249. وابن حبان (2361). ونقل ابن عبد البر في "الاستذكار" 6/ 175 (8490): أن الإمامين أحمد بن حنبل وابن المديني يصححان هذا الحديث. اهـ. وقال النووي: قال الحفاظ: هو ضعيف لاضطرابه، وممن ضعفه سفيان بن عيينة فيما حكاه أبو داود، وأشار إلى تضعيفه أيضًا الشافعي والبيهقي، وصرح به آخرون:"الخلاصة" 1/ 520 (1741).
والحديث ذكره الألباني في "ضعيف أبي داود"(107).
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 196 - 197.
(4)
ورد بهامش (س): ثم بلغ في السادس بعد الستين كتبه مؤلفه.
101 - باب: إِثْمِ المَارِّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي
510 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ ابْنِ عُبَيْدِ اللهِ- عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي؟ فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ، خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ". قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِى أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً؟ [مسلم: 507 - فتح: 1/ 584]
ذكر فيه حديث أبي جهيم مرفوعًا: "لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ". قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي أقَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أوْ شَهْرًا، أوْ سَنَةً؟
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة
(1)
أيضًا هنا.
ثانيها:
"خيرًا" بالنصب، كذا في روايتنا عَلَى أنه الخبر. وروي بالضم على أنه اسم كان
(2)
.
ثالثها:
(أبو جهيم) اسمه: عبد الله بن جهيم. وفرق أبو عمر بينه وبين أبي
(1)
رواه مسلم (507) كتاب: الصلاة، باب: منع المار بين يدي المصلي، وأبو داود (701)، والترمذي (336)، والنسائي 2/ 66، وابن ماجه (945).
(2)
انظر: "صحيح البخاري" 1/ 108 (ط. طوق النجاة) حيث أشير في هامشها أن رواية الرفع من نسخة: (عط) ولم يعلم صاحبها.
جهيم بن الحارث بن الصمة.
وقال غيره: إنهما واحد
(1)
.
و (أبو النضر) اسمه: سالم بن أبي أمية تابعي ثقة، مات بعد المائة سنة تسع وعشرين
(2)
.
رابعها:
هذا شك من أبي النضر. وروى البزار: "أربعين خريفًا"
(3)
.
وذكر ابن أبي شيبة فيه وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي هريرة: "لكان أن يقف مائة عام خيرًا له"
(4)
.
قَالَ الطحاوي: هذا متأخر عن حديث أبي جهيم. وأولى الأشياء أن نظن بالله تعالى الزيادة في الوعيد للعاصي المار إلا
(5)
التخفيف
(6)
.
(1)
قال ابن عبد البر: أبو جهيم: عبد الله بن صلى الله عليه وسلم الأنصاري. روى عنه بسر بن سعيد، مولى الحضرميين عن النبي صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي وذكر الحديث. وذكر قبله أبو الجهيم وقال: ويقال: أبو الجهم بن الحارث، ففرق بينهما "الاستيعاب" 4/ 190 - 191 (2930، 2931)، وانظر:"أسد الغابة" 6/ 60 - 161 (5776)، وذكره ابن حجر في "الإصابة" 2/ 290 (4593) ولم يفرق بينهما كما فعل ابن عبد البر بل جعلهما واحدًا حيث قال: عبد الله بن جهم الأنصاري أبو جهم، قيل هو ابن الحارث بن الصمة وقيل: غيره وهو اختيار ابن أبي حاتم.
(2)
تقدمت ترجمته في شرح الحديث رقم (280).
(3)
رواه البزار 9/ 239 (3782)، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 61: رواه البزار، رجاله رجال الصحيح، وقد رواه ابن ماجه غير قوله:"خريفًا".
(4)
رواه ابن حبان 6/ 129 - 130 (2365).
(5)
ورد بهامش (س): لعله لا.
(6)
"مشكل الآثار" كما في "تحفة الأخيار" 2/ 304 كتاب: الصلاة، باب: المرور بين يدي المصلي.
وقال كعب الأحبار: كان أن يخسف به خير من أن يمر بين يديه
(1)
، وكل هذا تغليظ وتشديد.
خامسها:
الحديث دال عَلَى أن الإثم إنما يكون عَلَى من علم النهي وارتكبه مستخفًا به، ومتى لم يعلم النهي فلا إثم عليه.
وقوله: ("ماذا عليه من الإثم؟ ") هو هكذا ثابت في بعض روايات أبي ذر عن أبي الهيثم
(2)
.
وعليه مشى شيخنا علاء الدين في "شرحه".
وأما شيخنا قطب الدين فقال في "شرحه" قوله: "ماذا عليه" يعني: من الإثم.
(1)
رواه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 22.
(2)
عن زيادة: "من الإثم" انظر: هامش اليونينيه 1/ 108 حيث أشير إلى أنها: ليست في نسخة أخرى. وقال ابن حجر: زاد الكشميهني "من الإثم" وليست هذِه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره، والحديث في "الموطأ" بدونها، وقال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في شيء منه، وكذا رواه باقي الستة وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها، ولم أرها في شيء من الراوايات مطلقًا. لكن في "مصنف ابن أبي شيبة" يعني:"من الإثم" فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية فظنه الكشميهني أصلًا؛ لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ، بل كان رواية، وقد عزاها المحب الطبري في "الأحكام" للبخاري وأطلق، فعيب ذلك عليه وعلى صاحب العمدة في إيهامه أيضًا في الصحيحين وأنكر ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" على من أثبتها في الخبر فقال: لفظ الإثم ليس في الحديث صريحًا، ولما ذكره النووي في "شرح المهذب" دونها قال: وفي رواية رويناها في الأربعين لعبد القادر الهروي "ماذا عليه من الإثم". اهـ "فتح الباري" 1/ 585.
وفي الحديث: أيضًا طلب العلم؛ لقوله: (أرسل إلى أبي جهيم)، وجواز الاستنابة فيه، وأخذ العلماء بعضهم عن بعض، والاقتصار على النزول مع القدرة عَلَى العلو؛ لإرسال زيد بن خالد بسرَ بن سعيد إلى أبي جهيم، ولو طلب العلو لسعى إلى أبي جهيم.
وفيه: قبول خبر الواحد.
102 - باب: اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ
(1)
صَاحِبَهُ أَوْ غَيَرْهُ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي
وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي، وَإِنَّمَا هذا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ فَقَدْ قَالَ زيدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَالَيْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ. [فتح: 1/ 586]
511 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ -يَعْنِي: ابْنَ صُبَيْحٍ- عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَقَالُوا: يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ. قَالَتْ قَدْ جَعَلْتُمُونَا كِلَابًا؟ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِىَّ عليه السلام يُصَلِّي، وَإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ، فَتَكُونُ لِي الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ فَأَنْسَلُّ انْسِلَالًا. وَعَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ. [انظر: 382 - مسلم: 512، 744 - فتح: 1/ 587]
قوله: (وإنما هذا) إلى آخره هو من كلام البخاري، وكأنه رأى جواز الاستقبال إذا لم يشغله.
وقول زيد: (ما باليت) أي: لم أبال بذلك، ولا حرج.
وفي كتاب "الصلاة" لأبي نعيم بإسناده أن عمر ضرب رجلين أحدهما يستقبل، والآخر يصلي
(2)
. وأن سعيد بن المسيب كره أن يصلي وبين يديه مخنس
(3)
.
(1)
ورد بهامش (س) ما يشير إلى أنه في نسخة: الرجل وهو يصلي.
(2)
أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" 5/ 99 قائلًا: روينا عن عمر. وفيه أن الضرب للمستقبل دون المصلي، فليعلم.
(3)
روى نحوه ابن أبي شيبة 1/ 251 (2888)، عنه قال: لا يقطع الصلاة إلا الحديث.
وعن سعيد بن جبير قَالَ: إذا كانوا يذكرون الله فلا بأس
(1)
أي: أن يأتم بهم.
ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرجل يستر الرجل إذا صلى.
قَالَ النخعي وقتادة: يستره إذا كان جالسًا
(2)
. وعن الحسن أنه يستره
(3)
، ولم يشترط الجلوس، ولا تولية الظهر.
وأكثر العلماء عَلَى كراهة استقباله بوجهه. قَالَ نافع: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلًا إلى سارية المسجد، فقال لي: وَلِّ ظهرك
(4)
.
وهو قول مالك. وروى أشهب عنه أنه لا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل، فأما إلى جنبه فلا. وخففه مالك في رواية ابن نافع
(5)
.
وأجاز الكوفيون والثوري والأوزاعي الصلاة خلف المتحدثين
(6)
.
وكرهه ابن مسعود
(7)
.
وعن ابن عمر كان لا يستقبل من يتكلم إلا يوم الجمعة
(8)
. وقال ابن سيرين: لا يكون الرجل سترة للمصلي
(9)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 61 (6471).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 250 (2879، 2882).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 250 (2880).
(4)
المصدر السابق (2878) وفيه: ولني ظهرك.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 195، "مواهب الجليل" 2/ 235.
(6)
انظر: "الهداية" 1/ 69.
(7)
روى عبد الرزاق 2/ 60 (2488)، وابن أبي شيبة 2/ 61 (6469)، وابن المنذر في "الأوسط" 5/ 98: أن ابن مسعود قال: ولا تصل وبين يديك قوم يمترون أو يلغون.
(8)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 61 (6470).
(9)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 250 (2880).
والحديث الآتي في الباب، وهو نوم عائشة بين القبلة وبينه حجة لمن أجاز ذَلِكَ؛ لأنها إذا كانت في قبلته فالرجل أولى.
ومن كره الاستقبال فلما يخشى عليه من اشتغاله بالنظر إليه في صلاته، ولهذا كره الصلاة إلى الحلق لما فيها من الكلام واللغط المشِغلين للمصلي.
وعن مالك: لا يصلي إلى المتحلقين؛ لأن بعضهم يستقبله. وأرجو أن يكون واسعًا
(1)
.
ثم ذكر البخاري حديث الأعمش، عن مسلم، عن مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَقَالُوا: يَقْطَعُهَا الكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ. فقَالَتْ: قَدْ جَعَلْتُمُونَا كِلَابًا! لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ عليه السلام يُصَلَّي، وَإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ .. الحديث.
وَعَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ.
وهذا الحديث تقدم مختصرًا في باب: الصلاة عَلَى الفراش والصلاة إلى السرير
(2)
. وقد أخرجه مسلم
(3)
والأربعة
وقوله: (وعن الأعمش) إلى آخره. أخرجه مسندًا قريبًا في باب: من قَالَ: لا يقطع الصلاة شيء
(4)
. وفي الاستئذان أيضًا كما ستعلمه
(5)
.
واعترض ابن المنير فقال: الترجمة لا تطابق الحديث، لكن ذاك عَلَى المقصود من باب أولى، وإن لم يكن فيه تصريح بأنها كانت
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 195، "التفريع" 1/ 230.
(2)
سلف برقم (382) كتاب: الصلاة.
(3)
برقم (512) كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي.
(4)
سيأتي برقم (514) كتاب: الصلاة.
(5)
سيأتي برقم (6276) باب: السرير.
(مستقبلة)
(1)
فلعلها كانت منحرفة أو مستدبرة
(2)
.
وفيه نظر، فإنه جاء في بعض طرقه: كاعتراض الجنازة كما سبق في الصلاة عَلَى الفراش. وفي لفظ الإسماعيلي: وأنا معترضة أمامه في القبلة.
واعتراض الجنازة لا يكون منحرفًا. والجنازة إذا كانت معترضة تكون عَلَى قفاها ووجهها إلى العلو.
وقد ورد النظر إلى موضع السجود في الصلاة، فالناظر إذًا ناظر إلى وجهها حقيقة، وهو مستقبل حقيقة في بعض الصلاة، فيكفي في ذَلِكَ بعض الصور، ولا سيما وكلاهما عَلَى السرير.
(1)
في "المتواري" ص 91 مستقبلته.
(2)
"المتواري" ص 91.
103 - باب الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّائِمِ
512 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ. [انظر: 382 - مسلم: 512، 744 - فتح: 1/ 587]
ذكر فيه حديث عائشة: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَة عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ.
هذا الحديث دال على إجازة الصلاة خلف النائم وكرهها طائفة خوف ما يحدث من النائم، فيشغل المصلى أو يضحك فتفسد صلاته.
قال مالك: لا يصلي إلى نائم إلا أن يكون دونه سترة، وهو قول طاوس.
وقال مجاهد: أصلي وراء قاعد أحب إلي من أن أصلي وراء نائم.
والقول قول من أجاز ذلك للسنة الثابتة فيه، وقد سلف بسط ذلك في باب الصلاة على الفراش.
104 - باب التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ
513 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ-، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا. قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. [انظر: 382 - مسلم: 512، 744 - فتح: 1/ 588].
ذكر فيه حديث عائشة: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ورِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي .. الحديث.
وقد سلف في الباب المشار إليه
(1)
.
وكره كثير من أهل العلم أن تكون المرأة سترة للمصلي
(2)
.
قال مالك: لا يستتر بالمرأة، وأرجو أن تكون السترة بالصبي واسعًا. وقال مرة: لا يصلي وبين يديه امرأة وإن كانت أمه أو أخته إلا أن يكون دونها سترة
(3)
.
وقال الشافعي: لا يستتر بامرأة ولا دابة
(4)
.
ووجه كراهتهم لذلك -والله أعلم- لأن الصلاة موضوعة للإخلاص والخشوع، والمصلي خلف المرأة الناظر إليها يخشى عليه الفتنة بها
(1)
برقم (382) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الفراش.
(2)
قلت: هو قولٌ للمالكية، وقولُ الشافعية.
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 196، "المنتقى" 1/ 211، "البيان" 2/ 157، "المجموع" 3/ 230، "الإعلام" 3/ 306.
(3)
"النوادر والزيادات" 1/ 196.
(4)
"البيان" 2/ 157.
والاشتغال عن الصلاة بنظره إليها؛ لأن النفوس مجبولة على ذلك، وأينا يملك إربه كما كان صلى الله عليه وسلم يملكه؛ فلذلك صلى هو خلفها لأمن الشغل؛ بخلافنا.
105 - باب مَن قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌّ
514 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ، فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ؟ وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ-بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ- مُضْطَجِعَةً فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ. [انظر: 383 - مسلم: 512، 744 - فتح: 1/ 588]
515 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّهُ عَنِ الصَّلَاةِ يَقْطَعُهَا شَيْءٌ، فَقَالَ: لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ فَيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ. [انظر: 382 - مسلم: 512، 744 - فتح: 1/ 590]
ذكر فيه حديث عائشة: ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فذكر: الكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ .. الحديث.
وقد سلف قريبًا في باب استقبال الرجل صاحبه
(1)
.
ثم قال البخاري: حَدَّثنَا إِسْحَاقُ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ.
ثم ساق حديث عائشة: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ فَيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ.
وإسحاق هذا: هو الكوسج، كما قاله أبو نعيم
(2)
، وفي بعض النسخ:
(1)
سلف برقم (511) كتاب: الطهارة.
(2)
قال الجياني في "تقييد المهمل" 3/ 963: نسبة ابن السكن في بعض هذِه المواضع إسحاق بن إبراهيم يعني: ابن راهويه.
قلت: جزم به الحافظ أنه ابن راهويه، وقال: وبذلك جزم ابن السكن وفي غير =
إسحاق بن إبراهيم
(1)
.
وقد سلف فقه الباب في باب: الصلاة على الفراش واضحًا.
وقول البخاري: (من قال: لا يقطع الصلاة شيء) لعله إشارة إلى الحديث الذي أوردناه هناك: "لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم"
(2)
.
وأشار به إلى التوقف في صحته، ويحتمل أنه أراد به قول الزهري: لا يقطعها شيء كما ساقه في الحديث الثانى؛ فلهذا قال: من قال -أي: من الأمة- لا أنه في نفس الحديث.
= رواية أبي ذر حدثنا إسحاق غير منسوب، وزعم أبو نعيم أنه ابن منصور الكوسج، والأول أولى. اهـ. انظر:"الفتح" 1/ 590.
(1)
هذِه الزيادة في نسخة أبي ذر الهروي، وهي صحيحة عنده أو عند الحافظ اليونيني كما نبه عليه مصححوا الطبعة اليونينية. انظر: 1/ 109.
(2)
من حديث أبي سعيد: رواه أبو داود برقم (719)، وابن أبي شية 1/ 250 (2883) بهذا اللفظ. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" برقم (511) دون قوله:"وادرءوا ما استطعتم": فهي صحيحة.
106 - باب إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيَرةً عَلَى عُنُقِهِ فِي الصَّلَاةِ
516 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. [5996 - مسلم: 543 - فتح: 1/ 590]
ذكر فيه حديث أبي قتادة: أَنَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلَّي وَهْوَ حَامِلٌ أمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ ابنة رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَبِي العَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
ثانيها:
أبو قتادة هو الحارث بن ربعي كما سلف.
وأمامة هذِه تزوجها عليّ بعد وفاة فاطمة بوصايتها. وزينب أكبر بناته صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن.
وأبو العاصي اسمه جهشم على أحد الأقوال الستة، أمه هالة بنت خويلد بن أسد أخت خديجة.
وقوله: (ربيعة) كذا رواه البخاري وأكثر رواة "الموطأ" عن مالك
(2)
.
(1)
مسلم (543) كتاب: المساجد، باب: جواز حمل الصبيان في الصلاة.
(2)
قلت: كذا هو بالتاء المربوطة المؤنثة في رواية القعنبي (324)، ورواية يحيى ص 123. قال العيني 4/ 136: وفي أحاديث "الموطأ" للدارقطني: قال ابن نافع =
وقيل إنه نسبه إلى الجد، والمعروف أنه ابن الربيع، ونسب أمامة إلى أمها دونه لأجل الشرف، ثم بين بعبارة لطيفة أنها لأبي العاصي ابن
= وعبد الله بن يوسف والقعنبي في رواية إسحاق عنه وابن وهب، وابن بكير وابن القاسم وأيوب بن صالح، عن مالك: ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، وقال محمد بن الحسن، ولأبي العاص بن الربيع مثل قول معن وأبي مصعب. اهـ
ورواه أبو مصعب في "موطائه" 1/ 221 (566)، وكذا مسلم (543/ 41): ابن الربيع. قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" 2/ 476: ذكر مسلم في هذا الحديث من رواية مالك أمامة بنت زينب، ولأبي العاص بن ربيعة كذا للسمرقندي ولغيره: ابن ربيع. اهـ.
قلت: وقع في أحدى النسخ "الإكمال" بعد السابق: أكثر رواة الموطأ يقولون: ربيعة ورواه بعضهم: ربيع اهـ ثم قال: وهو قول غير مالك، وقول أهل النسب.
وقال الأصيلي: وهو ابن الربيع بن ربيعة، نسبه إلى جده، وهذا الذي قاله غير معلوم، ونسبه عند أهل النسب والخبر بلا خلاف: أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف. اهـ
وذكر النووي في "شرح مسلم" 5/ 33 أن ابن الربيع هو الصحيح وأنها رواية أكثر من روى "الموطأ". ونقل ابن رجب الحنبلي في "الفتح" له 2/ 719 أن عامة رواة "الموطأ" عن مالك رووها: "ربيعة" بتاء في آخرها، ثم نبه أن الصواب: ابن الربيع، وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 591: قوله ابن ربيعة بن عبد شمس. كذا رواه الجمهور عن مالك، ورواه يحيى بن بكير ومعن بن عيسى وأبو مصعب وغيرهم عن مالك فقالوا: ابن الربيع وهو الصواب. اهـ
أما عن نسبة البخاري: ربيعة بن عبد شمس.
فقد قال الكرماني في "شرحه" 1/ 169: واعلم أن البخاري نسبه مخالفًا للقوم من جهتين. قال ربيعة بحرف التأنيث، وعندهم الربيع بدونه، وقال ابن الأثير: جاء في "صحيح البخاري" أبو العاص بن عبد شمس، وهم قالوا: ربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، وذلك خلاف الجماعة. اهـ
ورده الحافظ في "الفتح" 1/ 591 بقوله بعد أن بين أن الكرماني غفل في هذا الموضع: فالواقع أن من أخرجه من القوم من طريق مالك كالبخاري فالمخالفة فيه إنما هي من مالك.
الربيع تحريا للأدب في نسبتها.
ثالثها: في فوائده، وهي عشرة:
الأولى: صحة صلاة من حمل آدميًّا أو حيوانًا طاهرًا من طير أو شاة، أو غيرهما -وإن كان غير مستجمر- لأنه الغالب على الصغار
(1)
.
وصحح أصحابنا البطلان فيما إذا حمل مستجمرًا؛ لعدم الحاجة إليه
(2)
.
الثانية: طهارة ثياب الصبيان وأجسادهم إلى أن تتحقق النجاسة.
وشذ الحسن، فكره الصلاة في ثيابهم
(3)
.
(1)
هذا قول الشافعية والحنابلة. انظر للشافعية: "الحاوي الكبير" 2/ 265، "المهذب" 1/ 212، "البيان" 2/ 103. وللحنابلة:"المغني" 2/ 467، "الشرح الكبير" 3/ 282، "كشاف القناع" 2/ 193.
وحكى الإجماع على صحة الصلاة النووي في "المجموع" 3/ 157، والمرداوي في "الإنصاف" 3/ 293.
(2)
اختلف الفقهاء في صحة صلاة مَنْ حمل مستجمرًا على قولين:
القول الأول: بأن صلاة صحيحة، وهو قولٌ للشافعية، والصحيح عند الحنابلة.
انظر للشافعية: "البيان" 2/ 103، "العزيز" 2/ 20، "مغني المحتاج" 1/ 407. وللحنابلة:"الإنصاف" 3/ 293، "المبدع" 1/ 388، "شرح منتهى الإرادات" 1/ 153.
القول الثاني بأن صلاته تبطل بذلك، وهو الأصح عند الشافعية، وقولٌ عند الحنابلة.
انظر للشافعية: "المجموع" 3/ 157، "نهاية المحتاج" 2/ 26، "حاشية الجمل" 2/ 420. وللحنابلة:"الإنصاف" 3/ 293.
(3)
"المغني" 1/ 112.
الثالثة: عدم بطلان الصلاة، بالعمل القليل
(1)
، وكذا الكثير المتفرق.
الرابعة: التواضع مع الصبيان وملاطفتهم ورحمتهم، وكأن السر فيه دفع ما كانت العرب تأنفه من حمل البنات كِبرًا.
الخامسة: جواز حمل الصبي والصبية في الصلاة. وسواء الفرض في ذلك والنفل، والإمام والمأموم والمنفرد
(2)
.
وجملة أصحاب مالك على أن ذلك كان في النافلة
(3)
.
ويرده رواية أبي داود أن ذلك كان في الظهر أوالعصر
(4)
، ورواية
(1)
نقل الإجماع على ذلك ابن بطال في "شرحه" 2/ 145. ونبه على عدم بطلان الصلاة بالعمل القليل المجمع أو المفترق النووي في "شرح مسلم" 5/ 32.
(2)
قال ابن المنذر: الأشياء على الطهارة، ما لم يوقن المرء بنجاسة تحل فيه يدل عليه هذا الحديث؛ لأن الصلاة لو كانت لا تجزئ في ثياب الصبيان ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حامل أمامة بنت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها، ولا فرق بين أن يصلي المرء في ثوب نجس، وبين أن يحمل ثوبًا نجسًا. انظر:"الأوسط" 5/ 64. قال الشوكاني: والحديث -يعني: حديث أمامة- يدل على أن مثل هذا الفعل معفو عنه، من غير فرق بين الفريضة والنافلة والمنفرد والمؤتم. انظر: "نيل الأوطار" 1/ 653.
(3)
"المنتقى" 1/ 304.
(4)
"سنن أبي داود"(920).
قال المنذري في "مختصره" 1/ 432: في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار، وقد أثنى عليه غير واحد، وتكلم فيه غير واحد.
وقال الألباني في "ضعيف أبي داود"(163): إسناده ضعيف، محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعنه، والحديث في الصحيحين باختصار.
ثم قال: والحديث رواه الليث بن سعد عن المقبري
…
نحوه، لكن ليس فيه تعيين الصلاة أنها لظهر أو العصر، ولا ذكر بلال. وكذلك رواه آخرون عن عمرو بن سليم الزرقي، فالحديث صحيح بدون هذِه الزيادات.
الطبراني أن ذلك كان في الصبح
(1)
.
وادعى بعضهم نسخه بتحريم العمل في الصلاة، وبعضهم خصوصية ذلك بالشارع، وبعضهم: أن ذلك كان لضرورة، أو أن ذلك منها لا منه، ولا دلالة على ذلك
(2)
.
السادسة: ترجيح الأصل، وهو الطهارة على الغالب.
السابعة: إدخال الصبيان المساجد. فإن عورض بالنهي عنه
(3)
فالجواب ضعفه.
الثامنة: العفو عن شغل القلب في الصلاة بمثل هذا
(4)
.
(1)
"المعجم الكبير" 22/ 442 (1079).
(2)
صرح بأنهم بعض المالكية النوويُّ في "شرحه" 5/ 32 وقال: وكل هذِه الدعاوي باطلة ومردودة، فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها بل الحديث صحيح في جواز ذلك، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع؛ لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه.
(3)
روي هذا النهي في حديث عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جنبوا مساجدكم صبيانكم
…
" الحديث. رواه ابن ماجه (750)، وضعف إسناده البوصيري في "زوائده" ص 128 (252)، ورواه البيهقي باللفظ المتقدم عن أبي أمامة وواثلة 10/ 103، وقال: فيه العلاء بن كثير هذا شامي منكر الحديث.
وقيل: عن مكحول، عن يحيى بن العلاء، عن معاذ مرفوعًا، وليس بصحيح.
وضعفه عبد الحق في "الأحكام الوسطى" 1/ 297، وابن القطان في "الوهم والإيهام" 3/ 190، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 404. والمصنف في "البدر المنير" 9/ 566.
(4)
قال الخطابي في "أعلام الحديث" 1/ 421: ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعمد حمل الصبية ووضعها في كل خفض ورفع من ركعات الصلاة؛ لأن ذلك يشغله عن صلاته وعن لزوم الخشوع فيها، وإنما هو أنَّ الصبية قد كانت ألفته وأنست بقربة، وأنها كانت إذا سجد جاءت فتعلقت بأطرافه والتزمته، فينهض من سجوده فيخليها وشأنها، فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع، فيرسلها إلى الأرض، حتى إذا =
التاسعة: إكرام أولاد المحارم بالحمل جَبْرًا لهم ولأصولهم.
العاشرة: عدم النقض بالمحارم، لكن من في السن المذكور لا اعتبار له بلمْسه.
ويجوز أن يكون من وراء حائل.
قال ابن عبد البر: وحمله أمامة محمول عند أهل العلم أن ثيابها كانت طاهرة، وأنه أمن منها مما يحدث للصبيان من البول وغيره.
وجائز أن يعلم مالا يعلمه غيره
(1)
.
قال ابن بطال: أدخل البخاري هذا الحديث هنا؛ ليدل أن حمل
المصلي الجارية على العنق لا يضر صلاته؛ لأن حملها أشد من مرورها بين يديه، فلما لم يضر حملها؛ كذلك لا يضر مرورها
(2)
.
= سجد وأراد النهوض عاد إلى مثله. اهـ. بتصرف.
قال النووي في "شرح مسلم" 5/ 32: وهو باطل ودعوى مجردة، ومما يرده قوله في "صحيح مسلم": فإذا قام حملها.
وقال ابن رجب في "الفتح" له 2/ 724 رادًّا كلام الخطابي: هذا تبطله الأحاديث الصحيحة المصرحة بأن خرج على الناس وهو حاملها، ثم صلى لهم وهو حاملها.
(1)
"التمهيد" 20/ 98.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 144.
107 - باب الصلاة على فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ
517 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ قَالَتْ: كَانَ فِرَاشِي حِيَالَ مُصَلَّي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرُبَّمَا وَقَعَ ثَوْبُهُ عَلَيَّ وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي. [انظر: 333 - مسلم: 513 - فتح: 1/ 593]
518 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ تَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ نَائِمَةٌ، فَإِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي ثَوْبُهُ، وَأَنَا حَائِضٌ. وَزَادَ مُسَدَّدٌ، عَنْ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ: وَأَنَا حَائِضٌ. [انظر: 333 - مسلم: 513 - فتح: 1/ 593]
ذكر فيه حديث ميمونة: كَانَ فِرَاشِي حِيَالَ مُصَلَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرُبَّمَا وَقَعَ ثَوْبُهُ عَلَيَّ وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي وأنا حائض .. الحديث.
هذا الحديث سلف في أواخر الحيض
(1)
، وفي باب: إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد
(2)
.
و (حيال): بمعنى حذاء كما هو مصرح به هناك، وأصله محول، فقلبت الواو ياءً لأجل الكسرة. وحيال، وحذاء، وتجاه، ووجاه كله بمعنى المقابلة والموازاة عند العرب.
قال الجوهري: قعد حياله، وحياله بالكسر أي: بإزائه، وأصله الواو
(3)
.
وهذا الحديث حجة في أن الحائض لا تقطع الصلاة، وهو أيضًا وشبهه من الأحاديث التي فيها اعتراض المرأة بين المصلي وقبلته
(4)
.
(1)
سلف برقم (333) كتاب: الحيض، باب: الصلاة على النفساء وسنتها.
(2)
سلف برقم (379) كتاب: الصلاة.
(3)
"الصحاح" 4/ 1679.
(4)
انظر منها السالف برقم (514) قريبًا.
وفيها دليل على أن النهي إنما هو عن المرور خاصة، لا عن القعود بين يدي المصلي.
واستدل العلماء بأن المرور لا يضر بدليل جواز القعود
(1)
.
وقول البخاري وزاد مسدد إلى
…
آخره، قد سلف ذلك مسندًا في الباب الثاني المشار إليه
(2)
.
(1)
نقل هذا الاستدلال ابن بطال في "شرحه" 2/ 145.
(2)
سلف برقم (379) كتاب: الصلاة، باب: إذا أصاب ثوب المصلى امرأته إذا سجد.
108 - باب هَل يَغمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ السُّجُودِ لِكَيْ يَسْجُدَ
؟
519 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ؟! لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَيَّ فَقَبَضْتُهُمَا. [انظر: 382 - مسلم: 512، 744 - فتح: 1/ 593]
ذكر فيه حديث عائشة: بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ؟! .. إلى آخره.
وقد سلف بفقهه أيضًا
(1)
.
(1)
انظره في شرح الحديث السالف برقم (382) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الفراش. فقد بسط المصنف رحمه الله القول عليه هناك، وقد وردت فوائد منثورة في مكررات الحديث في "الصحيح" فانظرها ففيها زيادة بيان.
109 - باب المَرْأَةِ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيْئًا مِنَ الأَذى
520 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِى مَجَالِسِهِمْ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِى، أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ، فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلَاهَا فَيَجِئُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا، فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ عليها السلام وَهْىَ جُوَيْرِيَةٌ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى، وَثَبَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثُمَّ سَمَّى "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَة، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَوَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً". [انظر: 240 - مسلم: 1794 - فتح: 1/ 594]
ذكر فيه حديث عبد الله بن مسعود.
وقد سلف بطوله في الطهارة، والكلام عليه مستوفي
(1)
.
وهذِه الترجمة قريبة من معنى الأبواب المتقدمة قبلها، وذلك أن
المرأة إذا تناولت طرح ما على ظهر المصلي من الأذى فجنها لا تقصد
(1)
سلف برقم (240) باب: إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه
صلاته.
إلى أخذ ذلك من ورائه إلا كما تقصد إلى أخذه من أمامه، بل تتناول ذلك من أي جهات المصلي أمكنها تناوله وسهل عليها طرحه. فإن لم يكن هذا المعنى أشد من مرورها بين يديه فليس بدونه.
ومن هذا الحديث استنبط العلماء حكم المصلي إذا صلى بثوب نجس وأمكنه طرحه في الصلاة فطرحه.
فذهب الكوفيون إلى أنه يتمادى في صلاته ولا يقطعها، وروي مثله عن ابن عمر، والقاسم والنخعي والحسن البصري والحكم وحماد.
وبه قال مالك في رواية ابن وهب، وقال مرة: يقطع وينزع ويستأنف.
قال إسماعيل: وعلى مذهب عبد الملك يتم صلاته ولا يقطعها ويعيد، وهو قول الكوفيين.
قال ابن بطال: ورواية ابن وهب عن مالك أشبه، والرواية الأخرى استحسان منه واحتياط للصلاة، والأصل في ذلك ما فعله الشارع من أنه لم يقطع صلاته والحالة هذِه بل تمادى فيها حتى أكملها.
والحجة في السنة لا فيما خالفها، ولا وجه لمن قال بالإعادة؛
لأنه إن جاز التمادي فلا معنى للإعادة وإلا فالتمادي فيما لا يجزئ لا معنى له.
وهؤلاء الذين دعا عليهم الشارع كانوا ممن لم يرج إجابتهم ورجوعهم إلى الإسلام؛ فلذلك دعا عليهم بالهلاك، فأجاب الله تعالى دعاءه فيهم، وهم الذين أخبر الله عز وجل أنه كفاه إياهم بقوله:{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)} [الحجر: 95].
فأما كل من رجا منه الرجوع والتوبة عما هو عليه فلم يعجل بالدعاء عليه، بل دعا له بالهدى والتوبة، فأجاب الله تعالى دعاءه فيهم. وفيه: الدعاء على أهل الكفر إذا جنوا جنايات وآذوا المؤمنين
(1)
.
(1)
من قوله: ومن هذا الحديث استنبط العلماء .. إلى هنا بسياق مقارب جدًّا من "شرح ابن بطال" 2/ 146 - 147.
9
كِتابُ مَوَاقيْتِ الصَّلَاةِ وفضلها
[بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]
9 - كِتابُ مَوَاقيْتِ الصَّلَاةِ
وفضلها
و
قوله {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}
[النساء: 103] وَقَّتَهُ عَلَيْهِمْ.
521 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهْوَ بِالْعِرَاقِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ "بِهَذَا أمِرْتُ؟ ". فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: أعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ، أَوَإِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقْتَ الصَّلَاةِ؟ قَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ. [3221، 4007 - مسلم: 610 - فتح:2/ 3]
522 -
قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ. [544، 545، 546، 3103 - مسلم: 611 - فتح: 2/ 6]
روى إسماعيل القاضي في "أحكامه" في هذِه الآية من طريق حمران عن عثمان مرفوعًا: "من علم أن الصلاة عليه حقًّا يقينًا واجبًا مكتوبًا دخل الجنة"
(1)
.
وعن عكرمة عن ابن عباس: {كِتَابا مَوْقُوتًا} : موجبًا
(2)
، وكذا رواه من طرق.
وقوله: (وقته عليهم) قال ابن التين: رويناه عن البخاري بالتشديد، وهو في اللغة بالتخفيف، ويدل على صحته موقوتًا؛ إذ لو كان مشددًا لكان موقتًا. تقول: وقته فهو موقوت إذا بين للفعل وقتًا يفعل فيه.
والمواقيت جمع ميقات، وهو الوقت المضروب للفعل والموضع
(3)
.
ثم ذكر البخاري بإسناده إلى ابن شهاب: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا .. الحديث بطوله.
(1)
رواه عبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 105 (49)، وعبد الله بن أحمد في "زوائده على مسند أبيه" 1/ 60، والبزار في "مسنده" 2/ 87 (440) وقال: هذا حديث مرفوع لا نعلم روي إلا عن عثمان، والحاكم 1/ 72، والبيهقي 1/ 358، وفي "شعب الإيمان" 3/ 39 - 40 (2808) وقد زاد محققها في الإسناد: حدثنا أبي- بعد عبد الله بن أحمد موهمًا أن الحديث من "مسند أحمد" وليس هو كذلك كما ورد في "مجمع الزوائد" 1/ 288. فليستدرك من هنا. وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(382): حسن لغيره، وقال: رواه أبو يعلى وعبد الله ابن الإمام أحمد في زياداته على "المسند"، والحاكم وصححه وليس عند ولا عن عبد الله لفظه "مكتوب".
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 262 (10400).
(3)
قال ابن منظور في "لسان العرب" 8/ 4887. مادة: وقت: وَقَّت الشيء يوقَّته، وَوَقَتهُ يقتُهُ إذا بيَّن حده، ثم اتُّسِعَ فيه فأطلق على المكان، فقيل للموضع: ميقات، وهو مفعال منه، وأصله مِوْقات، فقلبت الواو ياءً لكسرة الميم.
وأخرجه في بدء الخلق
(1)
، وغزوة بدر
(2)
.
وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه
(3)
، وهو أول حديث في "الموطأ"
(4)
وطرقه البخاري.
وحديث صلاته في الوقتين أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما، وله طرق
(5)
. وفي "الصحيح" ما يشهد له.
(1)
سيأتي برقم (3221) باب: ذكر الملائكة.
(2)
سيأتي برقم (4007) كتاب: المغازي، باب: شهود الملائكة بدرًا.
(3)
رواه مسلم (610) كتاب: المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس، وأبو داود برقم (394)، والنسائي 1/ 245 - 246، وابن ماجه (668).
(4)
"الموطأ" 1/ 3 (1 - 2).
(5)
ورد هذا الحديث عن جمع من الصحابة منهم: جابر وابن عباس وأبي هريرة وأبي مسعود الأنصاري وغيرهم:
فأما حديث جابر:
فرواه الترمذي (150)، والنسائي 1/ 263، وأحمد 3/ 330 - 331، وابن راهويه كما في "نصب الراية" 1/ 222، وابن حبان 4/ 235 - 236 (1472)، والدارقطني 1/ 256 - 257، والحاكم 1/ 195 - 196، والبيهقي 1/ 368. قال البخاري في حكاة عن الترمذي 1/ 282 أصح شيء في المواقيت حديث جابر.
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح مشهور لحسين بن علي الأصغر. وقال ابن القطان في "الوهم والإيهام" 2/ 467: يجب أن يكون مرسلًا. وصححه الألبانى في "الإرواء"(250).
وأما حديث ابن عباس:
فرواه أبو داود (393)، والترمذي (149)، وأحمد 1/ 333، والشافعي 1/ 50 - 51 (146)، وعبد الرزاق 1/ 531 (2028)، وابن أبي شيبة 1/ 280 (3220)، وأبو يعلى 5/ 134 - 135 (2750)، وابن الجارود في "المنتقى"(149)، وابن خزيمة 1/ 168 (325)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 146، والطبراني 10/ 309 (10752)، والدارقطني 1/ 258، والحاكم 1/ 193، والبيهقي 1/ 364.
قال الترمذي 1/ 282: وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح. =
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من وجوه:
أحدها:
قوله: (أخر الصلاة يومًا) أي: يومًا ما، لا أن ذلك كان سجيته كما كانت ملوك بني أمية تفعل لاسيما العصر
(1)
.
= وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 173: وفي إسناده عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة مختلف فيه لكن توبع عند عبد الرزاق. قال ابن دقيق العيد: هي متابعة حسنة. وصححه أبو بكر بن العربي وابن عبد البر. اهـ بتصرف.
وصححه الألباني في "الإرواء" 1/ 268 - 269.
وأما حديث أبي مسعود الأنصاري:
فرواه أبو داود (394)، وابن راهويه كما في "نصب الراية" 1/ 223، والدارقطني 1/ 261، والحاكم 1/ 192 - 193، وقال: قد اتفقا على حديث بشير بن أبي مسعود في آخر حديث الزهري، عن عروة بغير هذا اللفظ، وقال الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 224: واعلم أن حديث أبي مسعود في الصحيحين إلا أنه غير مفسر. اهـ. قلت: يعني: بدون ذكر المواقيت وأسماء الصلوات كلما سيُنَبَّهُ عليه قريبًا. وحسنه الألباني في "الإرواء" 1/ 270.
وأما حديث أبي هريرة:
فرواه البزار في "مسنده" كما في "نصب الراية" 1/ 224، والنسائي 1/ 249 - 250، والطحاوي 1/ 147 مختصرًا، والسراج كما في "الإرواء" 1/ 269، والدارقطني 1/ 261، والحاكم 1/ 194 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني في "الإرواء" 1/ 269: إنما هو حسن وليس على شرط مسلم. وهناك أحاديث أخر بسط تخريجها والكلام عليها الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 222 ومنها حدث عمرو بن حزم، وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك، وابن عمر.
قال ابن رجب في "الفتح" له 3/ 13: وقد روي حديث صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في مواقيتها في يومين مع بيان مواقيتها من رواية: ابن عباس، وجابر، وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عمر وأنس ولم يخرج منها في "الصحيح". قلت: يعني البخاري.
(1)
روى عبد الرزاق في "مصنفه" 2/ 379 بعد أن عقد بابًا سماه: الأمراء يؤخرون =
وقد كان الوليد بن عقبة يؤخرها في زمن عثمان، وكان ابن مسعود ينكرعليه
(1)
.
وقال عطاء: أخر الوليد مرة الجمعة حتى أمسى
(2)
، وكذا كان الحجاج يفعل
(3)
.
ثم إنه أخرها عن الوقت المستحب المرغب فيه لا عن الوقت ولا يعتقد ذلك فيه؛ لجلالته وإنكار عروة عليه؛ إنما وقع؛ لتركه الوقت الفاصل الذي صلى فيه جبريل وهو وقت الناس ففيه المبادرة]
(4)
بالصلاة في وقتها الفاضل
(5)
.
ثانيها:
هذِه الصلاة المؤخرة كانت العصر كما ذكره في المغازي
(6)
.
= الصلاة أثارًا تدل على ذلك فمن هؤلاء الأمراء:
1 -
عبيد الله بن زياد (3781).
2 -
المختار الكذاب (3798).
3 -
مروان (3801).
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 475 (5489).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 157 (7599).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 157 (7597).
(4)
يوجد في (ج) سقط بمقدار ثلاث صفحات.
(5)
قال ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 67: ولعل جاهلًا بأخبار يقول: إن عمر بن عبد العزيز كان من الفضل والدين والتقدم في العلم والخير، بحيث لا يظن به أحد أن يؤخر الصلاة عن أفضل وقتها، كما يصنع بنو عمه، فإن قيل ذلك، فإن عمر رحمه الله كان كما ذكرنا وفوق ما ذكرنا إذ ولي الخلافة، وأما وهو أمير على المدينة أيام عبد الملك والوليد، فلم يكن كذلك، وهذا أشهر عند العلماء من أن يحتاج فيه إلى إكثار. اهـ
(6)
سيأتي برقم (4007) باب: شهود الملائكة بدرًا. =
وهذِه الواقعة كانت بالمدينة، وتأخير المغيرة كان بالعراق كما صرح به هنا. وفي رواية: بالكوفة
(1)
.
ثالثها:
قام الإجماع عَلَى عدم تقديم الصلاة عَلَى وقتها إلا شيئًا شاذًّا، روي عن أبي موسى وبعض التابعين، بل صح عن أبي موسى خلافه
(2)
.
رابعها:
قوله: (أليس قد علمت). كذا الرواية، وهي جائزة، إلا أن المشهور في الاستعمال الصحيح: ألست، نبه عليه بعض فضلاء الأدب.
خامسها:
قوله: (فصلى، فصلى). ذهب بعضهم إلى أن الفاء هنا بمعنى الواو؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إذا ائتم بجبريل يجب أن يكون مصليًا بعده. وإذا حملت الفاء عَلَى حقيقتها وجب أن يكون مصليًا معه، وهذا ضعيف. والفاء للتعقيب. والمعنى أن جبريل كلما فعل فعلًا تابعه النبي صلى الله عليه وسلم.
= قلت: ورد عند البخاري التصريح بأنها صلاة العصر في (3221) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة.
(1)
رواها مالك في "موطئه" 1/ 3 (1) برواية أبي مصعب، والقعنبي (4)، ويحيى الليثي ص 28.
(2)
نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر في "الاستذكار" 1/ 188، "التمهيد" 8/ 70، وابن هبيرة في "الإفصاح" 1/ 262.
قال ابن عبد البر: وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيء روي عن أبى موسى الأشعري وعن بعض التابعين، وقد انعقد الإجماع على خلافه، فلم نر لذكره وجهًا؛ لأنه لا يصح عندي عنهم، وقد صح عن أبي موسى خلافه، بما يوافق الجماعة فصار اتفاقًّا صحيحًا.
وهو أولى من الواو؛ ولأن العطف بالواو يحتمل معه أن يكون الشارع صلى قبل جبريل، والفاء لا تحتمل ذَلِكَ فهي أبعد من الاحتمال، وأبلغ في البيان.
سادسها:
لم يذكر هنا أوقات الصلاة، وإنما ذكر عددها؛ لأنه كان معلومًا عند المخاطب فأبهمه
(1)
.
سابعها:
قوله: ("بهذا أُمِرْتُ؟ ") روي بفتح التاء عَلَى الخطاب للشارع
(2)
، وبالضم عَلَى أنه إخبار من جبريل عن نفسه أن الذي أمرني الله أن أفعله هو الذي فعلته.
قَالَ ابن العربي: نزل جبريل إلى الشارع مأمورًا مكلفًا بتعليمه لا بأصل الصلاة؛ لأن الملائكة وإن كانوا مكلفين فبغير شرائعنا، ولكنَّ الله كلف جبريل الإبلاع والبيان كيف ما احتيج إليه قولًا وفعلًا.
وأقوى الروايتين: فتح التاء، أي: الذي أمرت به من الصلاة البارحة مجملًا هذا تفسيره اليوم مفصلًا. وبهذا يتبين بطلان من يقول: إن في صلاة جبريل به جواز صلاة المعلم بالمتعلم، والمفترض خلف المتنفل
(3)
.
ثامنها:
قوله: (فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ به) ظاهره الإنكار كما قَالَ
(1)
تقدم قريبًا تخريج الأحاديث المفسرة لأوقات وأسماء الصلوات فانظرها.
(2)
رواه بتاء الخطاب أبو ذر الهروي كما ورد في هامش اليونينية 1/ 111.
(3)
"عارضة الأحوذي" 1/ 258 - 259.
القرطبي
(1)
؛ لأنه لم يكن عنده خبر من إمامة جبريل: إما لأنه لم يبلغه أو بلغه فنسيه، وكل ذَلِكَ جائز عليه.
قَالَ: والأولى عندي أن حجة عروة عليه إنما هي فيما رواه عن عائشة من أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتها قبل أن تظهر، وذكر له حديث جبريل موطئًا له ومعلمًا بأن الأوقات إنما ثبت أصلها بإيقاف خبر النبي صلى الله عليه وسلم عليها
(2)
.
تاسعها:
قوله: (أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ) قَالَ اَبن التين: هي ألف الاستفهام دخلت عَلَى الواو، فكان ذلِكَ تقريرًا.
قَالَ النووي: والواو مفتوحة
(3)
. و (أن) بفتح الهمزة وكسرها، والكسر أظهر. كما قاله صاحب "الاقتضاب"
(4)
؛ لأنه استفهام مستأنف، إلا أنه ورد بالواو، والفتح عَلَى تقدير: أوعلمت، أوحدثت أن جبريل نزل؟.
عاشرها:
قوله: (كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) فيه: دلالة عَلَى أن الحجة في الحديث المسند دون المقطوع
(5)
؛ لقوله: (كذلك كان
(1)
"المفهم" 2/ 231 - 232.
(2)
ورد في هامش الأصل: من خط الشيخ: فيه نظر؛ لأن عروة استدلاله بإمامة جبريل مسندًا.
(3)
عبارة النووي في "شرح مسلم" 5/ 108: قوله: أو إن جبريل. هو بفتح الواو وكسر الهمزة.
(4)
ورد بهامش (س): وهو في "المطالع".
(5)
يقصد المصنف رحمه الله بالمقطوع هنا المرسل عند علماء مصطلح الحديث.
وكلامه هنا فيه رد على أهل النظر القائلين بأنه أبين حجة وأظهر قوة من المتصل. =
بشير)؛ لأن عروة كان قد أخبر أن جبريل أقام للنبي صلى الله عليه وسلم وقت الصلاة، فلم يقنع بذلك من قوله؛ إذ لم يسند له ذَلِكَ، فلما قَالَ: اعلم ما تحدث به. جاء بالحجة القاطعة فقال: كذلك كان بشير، وفي رواية: سمعت
(1)
، وفي أخرى: حَدَّثَني بشير
(2)
.
وبشير: بفتح أوله، واسم أبي مسعود: عقبة بن عمرو البدري الأنصاري، وبشير: والد عبد الرحمن، قيل: إن له صحبة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم صغيرًا.
وذكره مسلم في الطبقة الأولى من التابعين، وقال: ولد في حياة الشارع، روى له الجماعة إلا الترمذي، وشهد صفين مع علي
(3)
.
= قال الخطيب في "الكفاية" ص 562: عنها بأنها دعوى باطلة؛ لأن أهل العلم لم يختلفوا في صحة الاحتجاج بالمسانيد، واختلفوا في المراسيل، أو لو كان القول الذي قاله المخالف صحيحًا؛ لوجب أن تكون القصة بالعكس في ذلك -يعني: قصة عمر بن العزيز السالفة قريبًا- وقد اختلف أئمة أهل الأثر في أصح الأسانيد وأرضاها، وإليهم المرجع في ذلك، وقولهم هو الحجة على من سواهم، فكلٌّ قال على قدر اجتهاده وذكر ما هو الأولى عنده، ونص على المسند دون المرسل فدل ذلك على تنافيهما واختلاف الأمر فيهما.
(1)
ستأتي برقم (3221) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة.
(2)
ستأتي برقم (4007) كتاب: المغازي، باب: شهود الملائكة بدرًا.
(3)
بشير هذا يروي عن أبيه، ويروي عنه ابنه عبد الرحمن وعروة بن الزبير وغيرهما.
جزم ابن عبد البر وأبو نعيم أن له صحبة، وجزم الأول أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن خلفون: إنه ولد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، اهـ. أما البخاري والعجلي ومسلم وأبو حاتم وغيرهم فجزموا بأنه تابعى.
وينظر في ترجمته: "التاريخ الكبير" 2/ 104 (1845)، "الجرح والتعديل" 2/ 376 (1462)، "الثقات" 4/ 70، "معرفة الصحابة" لأبى نعيم 1/ 409 (308)، "الاستيعاب" 1/ 256 (209)، "تهذيب الكمال" 4/ 172 (724)، "إكمال مغلطاي" 2/ 421 (771)، "الإصابة" 1/ 168 (755).
الحادي عشر:
قوله: (قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلَّي العَصْرَ، وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ) وهو حديث صحيح أخرجه مسلم
(1)
والأربعة.
والحجرة: الدار، وكل ما أحاط به حائط فهو حجرة، من حجرت أي: منحت، سميت بذلك؛ لأنها تمنع من دخلها أن يُوصل إليه، ومن أن يُرى، ويقال لحائط الحجرة: الحجار
(2)
.
وقولها: (قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ) أي: تعلو وتصير عَلَى ظهر الحجرة، قال تعالى:{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] أي: ما قدروا أن يعلوا عليه؛ لارتفاعه وإملاسه، وقال النابغة:
وإنا لنرجوا فوق ذَلِكَ مظهرًا
أي: علوًّا ومرتقى، يقال: ظهر الرجل إلى فوق السطح: علا فوقه، قيل: وإنما قيل له ذَلِكَ؛ لأنه إذا علا فوقه ظهر شخصه لمن تأمله. وقيل: معناه أن يخرج الظل من قاعة حجرتها فيذهب، وكل شيء خرج فقد ظهر، قَالَ أبو ذؤيب:
وعيرني الواشون أني أحبها
…
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
أي: ذاهب. والتفسير الأول أقرب وأليق بظاهر الحديث؛ لأن الضمير في قوله: (تظهر). إنما هو راجع إلى الشمس ولم يتقدم للظل ذكر في الحديث، ويأتي لذلك زيادة (بيان)
(3)
إن شاء الله في باب: وقت العصر
(4)
.
(1)
برقم (611) كتاب: المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس.
(2)
"لسان العرب" 2/ 782 مادة: حجر.
(3)
من (ج).
(4)
سيأتي برقم (544 - 546) كتاب: مواقيت الصلاة.
الثاني عشر: في فوائد الحديث ملخصة:
منها: المبادرة بالصلاة في الوقت الفاضل.
ومنها: دخول العلماء عَلَى الأمراء، إذا كانوا أئمة عدل.
ومنها: إنكار العلماء عَلَى الأمراء ما يخالف السنة.
ومنها: جواز مراجعة العالم لطلب البيان.
ومنها: الرجوع عند التنازع إلى السنة، فإنها الحجة والمقنع.
ومنها: أن الحجة في المسند دون المقطوع
(1)
كما سلف.
ومنها: قصر البنيان والاقتصاد فيه، من حيث إن جدار الحجرة كان قصيرًا، قَالَ الحسن: كنت أدخل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم[وأنا]
(2)
محتلم وأنا أسقفها بيدي، وذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه
(3)
.
(1)
تقدم أن المراد بالمقطوع هنا: المرسل، وسبق الكلام عليه قريبًا.
(2)
كذا في "المخطوط" وفي مصادر التخريج "فأتناولها".
(3)
رواه ابن سعد 7/ 161، والبخاري في "الأدب المفرد"(450)، والبيهقي في "الشعب" 7/ 397 (10734)، وصحح الألباني إسناده في "الأدب".
2 - باب قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)} [الروم: 31]
523 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ -هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ- عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذْهُ عَنْكَ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا. فَقَالَ "آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللهِ - ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ- وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَيَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَى عَنِ الدُّبَّاء، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُقَيَّرِ، وَالنَّقِيرِ"[انظر: 53 - مسلم: 17 - فتح: 2/ 7]
المنيب: التائب، وقرن الله عز وجل التقى ونفي الإشراك به بإقامة الصلاة، فهي أعظم دعائم الإسلام بعد التوحيد، وأقرب الوسائل إلى الله تعالى، ومفهوم الآية كمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم:"إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" أخرجه مسلم من حديث جابر
(1)
، ولفظ النسائي:"ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة"
(2)
ونحوه من الأحاديث
(3)
.
(1)
مسلم (82) كتاب: الإيمان، باب: بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة.
(2)
النسائي 1/ 232، ورواها الدارمي في "سننه" 2/ 785 (12699)، وابن حبان في "صحيحه" 4/ 304 (1453)، والبيهقي 3/ 366، وصححها الألباني في "صحيح الترغيب"(563).
(3)
منها حديث بريد بن الحصيب مرفوعًا بلفظ: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر". رواه الترمذي (2621)، والنسائي 1/ 231 - 232، وابن ماجه (1079)، وأحمد 5/ 346 - 355، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، =
وقال عمر: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة
(1)
وكان الصديق إذا حضرت الصلاة قَالَ: قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فأطفئوها
(2)
.
وقال يحيى بن سعيد في "الموطأ": بلغني أن أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة، فإن قبلت منه نظر في عمله، وإن لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله
(3)
.
ثم أورد البخاري في الباب حديث وفد عبد القيس.
= وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"(564).
ومنها: حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعًا بلفظ: "بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد كفر". وفي رواية: "فقد أشرك". رواه اللالكائي (1521)، وعزاه المنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 214 لهبة الله الطبري، وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم. وكذا صححه الألباني في "صحيح الترغيب"(566).
ومنها حديث أنس مرفوعًا بلفظ: "بين العبد وبين الكفر أو الشرك، ترك الصلاة فإذا تركها فقد كفر".
رواه محمد بن نصر المروزي "تعظيم قدر الصلاة"(899)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"(568).
(1)
رواه عبد الرزاق 3/ 125 (5010)، وابن أبي شيبة 7/ 437، والدارتطني 1/ 51 (1726)، والبيهقي 3/ 366، وذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 4/ 225، 238.
(2)
لم أعثر فيما بين يدي من المصادر على من عزا هذا الأثر إلى مصدر، وهو في "إحياء علوم الدين" 1/ 198 بلا سند ولا عزو.
وقد ورد هذا الأثر مرفوعًا عن أنس بلفظ: "إن لله ملكًا ينادي عند كل صلاة يا بنى آدم، قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على أنفسكم، فأطفئوها بالصلاة".
رواه الطبراني في "الأوسط" 9/ 173 (9452)، واللفظ له، وفي "الصغير" 2/ 262 (1135)، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 42 - 43، وحسنه لغيره الألباني في "صحيح الترغيب"(358).
(3)
"الموطأ" ص 125، رواية يحيى بن يحيى.
وقد سلف في باب: آداء الخمس من الإيمان في كتاب الإيمان
(1)
، وكان من شأنه عليه أفضل الصلاة والسلام أن يعلم كل قوم بما تمس الحاجة إليه، وما الخوف عليهم من قبله أشد، وكان وفد عبد القيس يخاف عليهم الغلول في الفيء، وكانوا يكثرون الانتباذ في هذِه الأوعية، فعرفهم ما بهم الحاجة إليه، وما يخشى منهم موافقته، وترك غير ذَلِكَ مما قد شهر وفشى عندهم.
(1)
سلف برقم (53).
3 - باب البَيْعَهَ عَلَى إِقَام الصَّلَاةِ
524 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. [انظر: 57 - مسلم: 56 - فتح: 2/ 7]
ذكر فيه حديث جرير بن عبد الله قَالَ: بَايَعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
هذا الحديث تقدم آخر الإيمان في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"
(1)
، ويأتي في الزكاة أيضًا
(2)
.
ومبايعة الشارع جريرًا عَلَى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة؛ لأنهما دعامتا الإسلام، وأول الفرائض بعد التوحيد، والإقرار بالرسالة، وذكر النصح لكل مسلم بعدهما يدل أن قوم جرير كانوا أهل غدر، فعلمهم ما بهم إليه أشد حاجة، كما أمر وفد عبد القيس بالنهي عن الطروق، ولم يذكر النصح، إذ علم أنهم في الأغلب لا يخاف منهم من ترك النصح ما يخاف عَلَى قوم جرير، وكان جرير وفد من اليمن من عند قومه، وفيه قَالَ صلى الله عليه وسلم:"إذا آتاكم كريم قوم فأكرموه"
(3)
فبايعه بهذا ورجع إلى قومه معلمًا.
(1)
سلف برقم (57).
(2)
سيأتي برقم (1401) باب: البيعة إيتاء الزكاة.
(3)
من حديث جرير رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 235 (25575)، والطبراني في "الكبير" 2/ 325 (2358)، "الأوسط" 6/ 240 (6290)، "الصغير" 2/ 67 (793)، والبيهقي 8/ 168، وفي "شعب الإيمان" 7/ 461 (10997)، وصححه الألباني في "الصحيحة"(1205) بمجموع طرقه.
4 - باب الصَّلَاةُ كفَّارَةٌ
525 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ - رضى الله عنه -، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، كَمَا قَالَهُ. قَالَ إِنَّكَ عَلَيْهِ -أَوْ عَلَيْهَا- لَجَرِئٌ. قُلْتُ:"فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْى". قَالَ لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، وَلَكِنِ الْفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ. قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ. قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقَ أَبَدًا. قُلْنَا أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: الْبَابُ عُمَرُ. [1435، 1895، 3586، 7096 - مسلم: 144، فتح: 2/ 8]
526 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِى هَذَا؟ قَالَ:"لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ". [4687 - مسلم: 2763 - فتح: 2/ 8]
ذكر فيه حديثين:
الأول: حديث حذيفة:
كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ. فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، كَمَا قَالَهُ. قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ -أَوْ عَلَيْهَا- لَجَرئٌ. قُلْتُ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْي". قَالَ: لَيْسَ هذا أُرِيدُ، ولكن الفِتْنَةُ التِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ. قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ،
إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: أيفتح أَمْ يكسر؟ قَالَ: يُكْسَرُ. قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقَ أَبَدًا. قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ البَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ الغَدِ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَاليطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: البَابُ عُمَرُ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري في الصوم وفيه: فقال عمر: ذَلِكَ أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة
(1)
، والزكاة وفيه: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفيه: لما قَالَ عمر: لم يغلق الباب أبدًا. قلت: أجل
(2)
.
وأخرجه أيضًا في علامات النبوة
(3)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(4)
.
ثانيها:
الفتنة أصلها الابتلاء والامتحان ثم صارت عرفًا لكل أمر كشفه الاختبار عن سوء، وتكون في الخير والشر، قَالَ تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35] يقال: فتن. وَأَبَى الأصمعي أفتن
(5)
.
وقال سيبويه: فتنه جعل فيه فتنة
(6)
. وأفتنه
(7)
: أوصل الفتنة إليه.
(1)
سيأتي برقم (1895) كتاب: الصوم، باب: الصوم كفارة.
(2)
سيأتي برقم (1435) كتاب: الزكاة، باب: الصدقة تكفر الخطيئة.
(3)
سيأتي برقم (3586) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة.
(4)
مسلم رقم (144) في الإيمان، باب: بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا.
(5)
"لسان العرب" 6/ 3345 وفيه قصة فانظرها هناك.
(6)
"الكتاب" 4/ 56 (ط. هارون).
(7)
في (س)، (ج): وأوفتنه. وإضافة الواو هنا للتمييز بين أفتن مفتوح الهمزة، وأفتن مضمومها. كما في قولهم: أوخي تصغير أخي. نبه عليه ابن قتيبة في "أدب الكاتب" =
والفتنة أيضًا: الضلال والإثم والإزالة عما كان عليه، قَالَ تعالى:{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] والفتنة أيضًا: الكفر، قَالَ تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]. والفتنة أيضًا: الفضيحة والعذاب، وما يقع بين الناس من القتال والبلية، والغلو في التأويل المظلم.
قَالَ الفراء: أهل الحجاز يقولون: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)} وأهل نجد: (بمفتنين)
(1)
.
ولما رأى عمر أن الأمر كاد أن يتغير، سأل عن الفتنة التي تأتي بعده خوفًا أن يدركها، مع علمه بأنه الباب الذي تكون الفتنة بعد كسره، لكنه من شدة الخوف خشي أن يكون نسي، فسأل من يُذكِّره.
ثالثها:
فتنة الرجل في أهله وماله يصدقه قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]، والمعنى في ذَلِكَ أن يأتي من أجلهم ما لا يحل له من القول والعمل ما لم يبلغ كبيرة كالقُبلة التي أصابها الرجل من المرأة في الحديث الآتي وشبهها
(2)
، فذلك الذي يَكفرها
= ص 201. وأثبتناها هنا بما يوافق الكتابة والرسم الحديث. وبعد مراجعة مطبوع "اللسان" 6/ 3345: وجدت نص سيبويه هذا وفيه: وأفْتَتَنَه هكذا بفتح الألف. والله أعلم.
قلت: يشهد لما ذكرنا ما حكاه أبو زيد في "اللسان" أيضًا: أفتن الرجل بصيغة ما لم يسم فاعله.
(1)
انظر: "مشارق الأنوار" 2/ 145 - 146، "الفائق" 3/ 87، "الصحاح" 6/ 2175 - 2176، "لسان العرب" 6/ 3344 - 3346.
(2)
حديث إصابة الرجل القبلة من المرأة يأتي بعد هذا تمام شرح حديث الباب هندا. أما عن شبههة ففي "الصحيح"منه جملة: =
الصلاة والصوم، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم:"الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر"
(1)
(2)
.
والمراد بفتنة الرجل بجاره أيضًا وأهله ما يعرض له معهم من شر أو حزن أو ترك حق وشبه ذلك.
رابعها:
إنما علم عمر أنه الباب؛ لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم عَلَى حراء، ومعه أبو بكر وعثمان، فرجف بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اثبت حراء فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان"
(3)
، وفهم ذَلِكَ من قول حذيفة حين قَالَ: بل
= منها حديث وقوع سلمة بن صخر على أهله وهو صائم، يأتي برقم (1936) كتاب: الصوم، باب: إذا جامع في رمضان.
وحديث هبة أبي النعمان بشير لابنه النعمان وعدم مساواته بإخوته ويأتي برقم (2586) كتاب: الهبة، باب: الهبة للولد.
فهذان الحديثان يبينان ما يقترف الرجل من الذنوب بسبب فتنة الأهل والولد.
(1)
رواه مسلم (233) كتاب: الطهارة، باب: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، والترمذي (214)، وابن ماجه (1086)، وأحمد 2/ 229، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
سبق ابن بطال المؤلف إلى القول بهذا المعنى. فانظر الكلام على فتنة الرجل في أهله وماله من "شرحه" 2/ 154 فستجده بألفاظ وسياق مقارب لما هنا مقاربة شديدة.
(3)
رواه مسلم (2417) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما، والترمذي (3696)، ولفظه عندهما:"فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد". والنسائي في "الكبرى" 5/ 59 (8207) وفيه: "اهده" بهاء السكت، وأحمد 2/ 419، وابن أبي عاصم في "السنة" 2/ 607 (1441 - 1442)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه ابن أبي عاصم في "السنة" 2/ 607 (1438) بلفظ المصنف عن أنس رضي الله عنه.
قلت: سيأتي برقم (3675) كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم"لو كنت متخذًا خليلًا" عن أنس بلفظ: "اثبت أحد
…
" الحديث. =
يكسر الباب. ويدل عليه أيضًا قوله: (إِذًا لَا يُغْلَقَ). لأن الغلق إنما يكون في الصحيح. وأما الكسر: فهو هتك لا يجبر، وفتق لا يرقع
(1)
. وقيل: معنى يكسر، أي: يُقتل فلا يموت بغير قتل. وكذلك انخرق عليهم بقتل عثمان بعده من الفتن ما لا يُغلق إلى يوم القيامة. وهي الدعوة التي لم يجب فيها صلى الله عليه وسلم في أمته
(2)
. ولذلك قَالَ: فلن يزال الهَرْجُ إلى يوم القيامة
(3)
.
والقاف في (لَا يُغْلَقَ) مفتوحة؛ لأنه فعل منصوب بـ (إذًا)، و (إذًا) تفعل النصب في الفعل المستقبل لعدم ثلاثة أشياء، وهي: أن يعتمد ما قبلها عَلَى ما بعدها، وأن يكون الفعل فعل حال، وأن لا يكون
= وقال ابن حجر: وقع في رواية لمسلم ولأبي يعلى من وجه آخر عن سعيد "حراء" والأول أصح، ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة، ثم ظهر لي أن الاختلاف فيه من سعيد، فإني وجدته في "مسند الحارث بن أبي أسامة": عن روح ابن عبادة عن سعيد فقال فيه: "أحد أو حراء" بالشك، وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة بلفظ "حراء" وإسناده صحيح، وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ:"أحد" وإسناده صحيح، فقوي احتمال تعدد القصة، وتقدم في أواخر الوقف من حديث عثمان أيضًا نحوه وفيه "حراء"، وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة ما يؤيد تعدد القصة فذكر أنه كان على حراء ومعه المذكورون هنا وزاد معهم غيرهم، والله أعلم. "فتح الباري" 7/ 38.
(1)
في (ج): يرفع. بفاء. وهو تصحيف.
(2)
وهذِه الدعوة هي: إهلاك بعضهم لبعض كما رواه مسلم (2889) كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: هلاك هذِه الأمة بعضهم ببعض. من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
ورد هذا القول موقوفًا على ابن عمر، ولم أجد من رفعه.
رواه مالك 1/ 246 - 247 (624)، وأحمد 5/ 445 من رواية جابر بن عتيك عن ابن عمر بنحو حديث ثوبان المتقدم في الهامش السابق، أما قوله: فلن يزال إلى آخره. فكما أسلفنا أنه موقوف، وبالله التوفيق.
معها واو العطف. وهذِه الثلاثة معدومة هنا
(1)
.
ومعنى: (إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا): أن تلك الفتن لا يخرج منها شيء في حياتك.
وقوله: (مُغْلَقًا) هو الأفصح؛ لأنه رباعي من أغلقت، وإن حكي غلقت لكنه مرذول.
وأوضح سيدي أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة الفتنة في الأهل فقال: هي عَلَى وجوه منها، هل يوفي لهم الحق الذي يجب لهم عليه أم لا؟ لأنه راع عليهم، ومسئول عن رعايتهم، فإن لم يأتِ بالواجب منها فليس مما يكفره فعل الطاعات، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله إذا قتل في سبيل الله صابرًا محتسبًا، مقبلًا غير مدبر: يكفر ذَلِكَ عني خطاياي؟ قَالَ: "نعم إلا الدَّين"
(2)
.
وهكذا من جميع الذنوب.
(1)
قال ابن مالك:
ونصبوا بإذن المستقبلا
…
إنْ صدرت والفعل بَعْدَ مُوْصلا
أو قبلة اليمينُ، وانصب وارفعا
…
إذا إذن من عطف وقعا
وقال ابن عقيل: ولا ينصب -أي: المضارع- بها بشروط:
أحدها: أن يكون الفعل مستقبلًا. الثاني: أن تكون مصدرة. الثالث: أن لا يفصل بينها وبين منصوبها.
انظر: "شرح ابن عقيل" 4/ 5 - 6، "الآجرومية وشرحها" لابن عثيمين ص 132 - 133 ففيهما أمثلة تحرر هذا الموضوع ومنهما فراجع.
(2)
رواه النسائي 6/ 33 - 34، وأحمد 2/ 308، 2/ 330، وأبو يعلى 11/ 480 (6602). من حديث أبي هريرة، وصححه الألباني في تعليقه على "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز ص 454، وله شاهد عند مسلم (1885) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
وقال: "من كان عليه حق فليعطه أو ليتحلله"
(1)
، وإجماع أن الحقوق إذا وجدت لا يسقطها إلا الأداء، فإن كان ما تركه من حقوقهم من طريق المندوبات، فليس من ترك مندوبًا يكون عليه إثم، فيحتاج إلى تكفير.
فيبقى وجه آخر، وهو تعلق القلب بهم، وهو عَلَى قسمين:
إما تعلقًا مفرطًا حَتَّى يشغله عن حقٍّ من الحقوق، فهذا ليس مما يدخل تحت ما يكفر الطاعات، بل يدخل تحت وعيد قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} الآية [التوبة: 24]، وإن كان ما لا يشغله عن توفية حق من حقوق الله، فهذا النوع -والله أعلم- هو الذي يكفره أفعال الطاعات.
وذكر في قوله: "فتنة الرجل في أهله" هل هذا خاص بالرجال دون النساء، فقال صلى الله عليه وسلم:"هن شقائق الرجال"
(2)
معناه في لزوم الأحكام.
(1)
هذا الحديث ذكره البخاري كتاب: الهبة، باب: إذا وهب دينًا على رجل في الترجمة للحديث رقم (2601) معلقًا، وقال ابن حجر: وصله مسدد في "مسنده" من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا "من كان لأحد عليه حق فليعطه إياه أو ليتحلله منه" الحديث. وقد تقدم موصولًا بمعناه في كتاب المظالم، "فتح الباري" 5/ 224.
قلت: وسيأتي حديث أبي هريرة موصولًا برقم (2449) كتاب: المظالم، باب: من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له، هل يبين مظلمته؟ من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم .. ".
(2)
رواه أبو داود (236)، والترمذي (113)، وأحمد 6/ 257.
وقال الشيخ شاكر في تعليقه على الترمذي 1/ 190: هذا إسناد صحيح. وصححه الألباني في "الصحيحة"(2863).
وإنما هذا من باب الأعلى، يؤيد ذَلِكَ قوله صلى الله عليه وسلم:"ما تركت بعدي فتنة أضر عَلَى الرجال من النساء"
(1)
ولم يقل ذَلِكَ في المرأة، فالرجال في هذا المعنى أشد.
وأما فتنته في ولده، فقال تعالى:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} الآية [التغابن: 15]. وذلك من فرط محبته لهم وشغله بهم عن كثير من الخير أو التفريط بما يلزمه من القيام بحقوقهم وتأديبهم، فهذِه فتن تقتضي المحاسبة، وقد تكون المرأة في ذَلِكَ أشد من الرجال، لكن لما ليس لها الحكم عليه مثل الأب، فذكر الأعلى.
وأما المال، فالرجال والنساء في ذَلِكَ سواء، إلا أنه في الرجال أغلب؛ لأنهم يحكمون ولا يحكم عليهم، والنساء في الغالب محكوم عليهن، فلذلك -والله أعلم- ذكر الرجال دون النساء.
وهل هذا الحكم خاص بالأربعة هذِه أم هي من باب التنبيه بالأعلى؟ لأن العلة (إذا أنيط)
(2)
بها الحكم إذا وجدت لزم الحكم، وهو إجماع أهل السنة
(3)
. فكل ما يشغل عن حق من حقوق الله فهو وبال عَلَى صاحبه
(4)
، وكل ما كان للنفس به تعلق، ولم يشغل عن حق من حقوق الله فتوفية الحقوق (المأمور بها كفارة له. وهل الواحد من
(1)
سيأتي برقم (5096) كتاب: النكاح، باب: ما يتقى من شؤم المرأة من حديث أسامه بن زيد رضي الله عنه.
(2)
في "بهجة الأنفس" 1/ 200: وهو أن العلة التي نيط بها الحكم، إذا وجدت لزم الحكم. اهـ.
(3)
ينظر في أن العلة مناط الحكم: "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي 3/ 379، "إرشاد الفحول" 2/ 870، 873.
(4)
بهجة النفوس" 1/ 200 - 201 ملخصًا.
ذَلِكَ يكفر)
(1)
أو المجموع؟ فذكر من أفعال الأبدان أعلاها، وهو الصلاة والصوم. قَالَ (الله جل جلاله في حقها)
(2)
: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45] وذكر من حقوق الأموال أعلاها، وهي الصدقة، ومن الأقوال أعلاها، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن فعل هذِه لم يكن له أن يترك الباقي، قَالَ الله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا. ومن ترك شيئًا من الواجبات فقد أتى فاحشًا ومنكرًا، ومن أتاهما فقد بعد من الله، ومن بعد كيف يكفر عنه شيء؟
وأما فتنة الولد، فهي فرط محبتهم، وشغله بهم عن كثير من الخير، أو التفريط بما يلزمه من القيام بحقوقهم، فهذِه الفتنة تقتضي المحاسبة، وكذا فتنة المال.
وأما فتنة الجار، فهى أن تتمنى أن تكون مثل حاله إن كان متسعًا، قَالَ تعالى:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان: 20]. فهذِه الأنواع وما شابهها مما يكون من الصغائر فدونها يكفرها أعمال البر للآية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، قَالَ بعض أهل التفسير: الحسنات هنا: الصلاة، والسيئات: الصغائر
(3)
. وقال ابن العربي: الفتنة التي تدخل عَلَى الرجل من هذِه الجهات إن كانت من الصغائر صح ذَلِكَ فيها، وإن كانت من الكبائر فلا تقوم الحسنات بها
(4)
.
(1)
ما بين القوسين طمس في (س).
(2)
ما بين القوسين طمس في (س).
(3)
"زاد المسير" 4/ 168 - 169.
(4)
"عارضة الأحوذي" 9/ 115.
خامسها:
معنى "تموج": تضطرب ويدفع بعضها بعضًا، وشبهها بموج البحر لشدة عظمها.
وقوله: (فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ). القائل (فهبنا) هو أبو وائل. وجاء في رواية: قَالَ أبو وائل: فقلت لمسروق: سلْ حذيفة عن الباب، فقال: عمر
(1)
. ويأتي لهذا الحديث زيادة في أبوابه إن شاء الله.
الحديث الثاني: حديث ابن مسعود:
أَنَّ رَجُلَا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَأنْزَلَ اللهُ تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ الله، أَلِي هذا؟ قَالَ:"لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التفسير، وقال: زلفًا: ساعات بعد ساعات. ومنه سميت المزدلفة، الزلف: منزلة بعد منزلة، وأما زلفي فمصدر مثل القربى، ازدلفوا: اجتمعوا، زلفًا: جميعًا. وقال في آخر الحديث إلى هذِه الآية: قَالَ: "لمن عمل بها من أمتى"
(2)
.
وأخرجه مسلم في التوبة
(3)
، والترمذي في التفسير
(4)
، والنسائي في
(1)
جاء ذلك في رواية الترمذي (2258).
(2)
سيأتي برقم (4678) كتاب: التفسير، باب: قوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} .
(3)
برقم (2763) كتاب: التوبة، باب: قوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} .
(4)
برقم (3114) باب: من سورة هود.
الرجم
(1)
، وابن ماجه في الصلاة، وأبو داود
(2)
.
وعند ابن ماجه: أصاب من امرأة ما دون الفاحشة، فلا أدري ما بلغ غير أنه دون الزنا.
وفيه: يا رسول الله، ألي هذِه؟ قَالَ:"لمن أخذ بها"
(3)
.
ثانيها:
هذا الرجل اسمه: كعب بن عمرو، أبو اليسر عَلَى أصح الأقوال
(4)
كما أخرجه النسائي في التفسير
(5)
.
وأخرجه الترمذي أيضًا من حديث ابن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبي اليَسَر -يعني: كعب بن عمرو- قَالَ: أتتني امرأة تبتاع تمرًا، فقلت: إن في البيت تمرًا أطيب منه، فدخلت معي في البيت، فأهويت إليها فقبلتها. فأتيت أبا بكر فذكرت ذَلِكَ له، فقال: استر عَلَى نفسك، ولا تخبر أحدًا، وتب. فأتيت عمر فذكرت ذَلِكَ له،
(1)
رواه النسائي في "الكبرى" 4/ 318 (7326)، 6/ 366 (11247).
(2)
رواه أبو داود (4468).
(3)
رواه ابن ماجه (1398).
(4)
اسمه: كعب بن عمرو بن عباد بن سواد رضي الله عنه. وكنيته: أبو اليسر بفتحتين. شهد العقبة وبدرًا، وهو ابن عشرين وهو الذي أسر العباس بن عبد المطلب، وشهد أحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
توفي بالمدينة سنة خمس وخمسين وذلك في خلافة معاوية رضي الله عنه. وهو أخر من مات من أهل بدر.
وجزم بأنه كنيته أبو اليسر: ابن سعد وابن الأثير وغيرهما.
انظر: "الطبقات الكبرى" 3/ 581. "الجرح والتعديل" 7/ 160 (901)، "الثقات" 3/ 352، "الاستيعاب" 3/ 380 (2226)، "أسد الغابة" 4/ 484 (4469)، "تهذيب الكمال" 24/ 185 - 186 (4978).
(5)
رواه النسائي في "الكبرى" 6/ 366 (11248).
فقال: استر عَلَى نفسك، وتب، ولا تخبر أحدًا. فلم أصبر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذَلِكَ له، فقال:"أخلفت غازيًا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟ " حَتَّى تمنى أن لم يكن أسلم إلا تلك الساعة، حَتَّى ظن أنه من أهل النار.
قَالَ: وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى أوحي إليه: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ لنَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} إلى قوله: {ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
قَالَ أبو اليسر: فأتيته، فقرأها عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحابه: يا رسول الله، ألهذا خاصة، أم للناس عامة؟ قَالَ:"بل للناس عامة"
(1)
.
قَالَ البزار: لا نعلم رواه عن أبي اليسر إلا موسى، ولا عن موسى إلا ابن (موهب)
(2)
.
وفي كتاب الواحدي: وكان زوجها بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث.
وفيه: فغمزتها وقبلتها، وكانت أعجبتني
(3)
.
وفي لفظ عن ابن عباس أن رجلًا أتى عمر فقال: إن امرأة جاءتني تبايعني، فأدخلتها الدولج
(4)
، فقال: ويحك لعلها مغيب في سبيل الله.
(1)
الترمذي (3115) كتاب: تفسير القرآن، باب: سورة هود، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2)
(ج): وهب. وهو خطأ، وما أثبتناه من (س) وهو الموافق لما في:"مسند البزار" 6/ 271 (2300).
(3)
"أسباب النزول" ص 272 - 273 (540)، وفيه: فأعجبتني، فقلت: إن في البيت تمرًا هو أطيب من هذا فألحقيني، فغمزتها وقبَّلتُها. اهـ.
قلت: وفي سياق الواحدي لهذا الحديث ما يدل بمعناه أن زوجها كان غازيًا في سبيل الله فكان المصنف رحمه الله ساقه هنا بمعناه.
(4)
ورد في الهامش الأصل: الدولج هو: السَّرب. فوعل، عن كراع، والدولج: المخْدَعَ، وهو البيت الصغير داخل البيت الكبير. "تهذيب اللغة" 2/ 215 مادة: =
قلت: أجل. قَالَ: ائت أبا بكر فأتاه وقال له مثل ما قَالَ عمر. وقال: ائت رسول الله، فأتاه .. الحديث.
وفيه: يا رسول الله، ألي خاصة؟ فضرب عمر صدره وقال: ولا نعمة عين ولكن للناس عامة. قَالَ: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "صدق عمر"
(1)
.
وفي "تفسير ابن مردويه" من حديث معاذ: فأمره أن يتوضأ ويصلي
(2)
وفيه من حديث بريدة: أن المرأة ناشدته وقالت له: إنما أنا أمك
(3)
قَالَ: وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "نساء المجاهدين عَلَى القاعدين في الحرمة كأمهاتهم"
(4)
.
وفي "تفسير الضحاك": راود امرأة وقعد منها مقعد الرجل من امرأته ثم ندم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى ركعتين من العصر نزلت هذِه
= دلج، "المحكم" 7/ 235 مادة: دلج. "لسان العرب" 3/ 1407 مادة: دلج.
(1)
رواه أحمد 1/ 245 (269 - 270)، والطبراني 12/ 215 (12931)، وفي "الأوسط" 6/ 17 (5663)، وابن عدي في "الكامل" 6/ 342 (1351)، وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 38: وفي إسناد أحمد "الكبير": علي بن زيد، وهو سيء الحفظ، وبقية رجاله ثقات، وفي إسناد "الأوسط" ضعيف. اهـ.
(2)
أصل هذا الحديث رواه الترمذي (3113) وقال: هذا حديث ليس إسناده بمتصل. اهـ.
قلت: أما الزيادة التي أوردها المصنف هنا فرواها أحمد 5/ 244 بإسناد الترمذي المنقطع. ولم نقف على كتاب ابن مردويه؛ لأنه مفقود.
(3)
لم أقف على "تفسير ابن مردويه"، وهو في "الدر المنثور" 3/ 639 عن ابن مردويه بلفظ: وجعلت تناشده، فأصاب منها
…
(4)
رواه مسلم (1897) كتاب: الإمارة، باب: حرمة نساء المجاهدين، وإثم من فاتهم، وأبو داود (2496)، والنسائي 6/ 50، وأحمد 5/ 352 من حديث، ابن بريدة عن أبيه.
الآية، فلما فرغ من صلاته دعاه فقال:"أشهدت معنا هذِه الصلاة؟ .. " الحديث.
قَالَ ابن عباس: وهود كلها مكية إلا هذِه الآية. وروى حماد عن عمرو، عن يحيى بن جعدة أن رجلًا أتى امرأة فأعجبته، فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة في حاجة، فأصاب الناس مطر، وتلقته المرأة، (تضرب)
(1)
صدرها بيدها فاستلقت، فجعل يريدها فلم يقدر عليها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:"قم فاأركع أربع ركعات"
(2)
.
القول الثاني: أنه عمرو بن غزية بن عمرو الأنصاري، أبو حبَّة -بالباء الموحدة- التمار
(3)
.
رواه أبو صالح عن ابن عياش
(4)
.
القول الثالث: أنه ابن معتب رجل من الأنصار، ذكره ابن أبي خيثمة في "تاريخه" من حديث إبراهيم النخعي
(5)
.
(1)
في (ج): فضرب.
(2)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 7/ 447 (13831)، وفي "تفسيره" 1/ 274 (1260)، ومن طريقه ابن جرير في "تفسيره" 7/ 133 (18696) من طريق محمد بن مسلم. عن عمرو وهو ابن دينار.
(3)
قال المزي في ترجمة حفيده: ضمرة بن سعيد بن أبي حنة بالنون وقيل: بالباء بواحدة. واسمه: عمرو بن غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاري المدني المازني. شهد العقبة وبدرًا.
وانظر عنه في: "الطبقات الكبرى"(القسم المتمم) ص 294، "الاستيعاب" 3/ 275 (1966)، "تهذيب الكمال" 13/ 321.
(4)
أخرجه الكلبي في "تفسيره" كما في "الإصابة" 3/ 10 (5927)، وعنه ابن مندة كما في "الفتح" 8/ 356. وقد تقدمت ترجمة الكلبي في شرح الحديث رقم (3) وهو ضعيف متهم بالكذب.
(5)
لم أعثر على هذا الأثر في مطبوع "تاريخ ابن أبي خيثمة"، فقد يكون فيما فيه طمس =
الرابع: أنه أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري، حكاه مقاتل
(1)
.
الخامس: نبهان التَّمار، حكاه أيضًا
(2)
.
وقال الثعلبي: نبهان لم ينزل فيه إلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} الآية [آل عمران: 135].
وقال السهيلي: في حكايته: أبو (مقبل)
(3)
نبهان التمار.
سادسها: عباد، حكاه القرطبي
(4)
.
ثالثها
(5)
:
الرجل الذي قَالَ: (ألي هذِه؟) هو أبو اليسر كما سلف.
وجاء في رواية: فقال رجل من القوم: هذا له خاصة؟ ذكرها ابن
= منه. وقد روى هذا الأثر الطبري في "تفسيره" 7/ 132 (18688) من طريق الأعمش، عن النخعي، قال: فلان بن معتب رجل من الأنصار
…
(1)
كما في "زاد المسير" 4/ 177، "تفسير ابن كثير" 7/ 482، وفيه: نفيل بدل مقبل، "فتح الباري" 8/ 357.
(2)
قال الحافظ في "الفتح" 8/ 356: وقصة نبهان التمار ذكرها عبد الغني بن سعيد الثقفي أحد الضعفاء في "تفسيره" عن ابن عباس. وأخرجه الثعلبي وغيره من طريق مقاتل بن الضحاك عن ابن عباس: أن نبهانًا التمار أتته امرأة حسناء
…
ثم قال: وهذا إن ثبت حمل على واقعة أخرى لما بين السياقين من المغايرة. اهـ.
قلت: وذكر أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2709 (2938) أن كنيته أبو مقبل.
وكذا نقله الخزاعي التلمساني في "تخريج الدلالات السمعية" ص 713 عن ابن فتحون في "الصحابة".
(3)
في (س)، (ج): معقل. وهو تحريف، وما أثبتناه الموافق لما في "معرفة الصحابة" لأبي نعيم 5/ 1709 (2938)، ومنه نقل ابن نقطة في "تكملته" 1/ 476 (822).
وانظر: "غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 295 - 296. و"الجامع لأحكام القرآن" 4/ 209. أما البغوي في "تفسيره" 2/ 106 فكناه بأبي معبد!!.
(4)
"الجامع لأحكام القرآن" 9/ 110.
(5)
أي: ثالث الأوجه.
الجوزي وحكى في تعيينه ثلاثة أقوال، وعزاها إلى الخطيب: عمر بن الخطاب، أبو اليسر، معاذ بن جبل
(1)
.
وقد روى هذا (الأخير)
(2)
أبو علي الطوسي صاحب "الأحكام"، شيخ أبي حاتم الرازي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ، ولم يسمع منه
(3)
.
رابعها:
طرفا النهار: الغداة والعشي، والأشهر كما قَالَ ابن الخطيب أنها الصبح والعصر، ولا يكون الطرف الثاني صلاة المغرب لدخولها في الزلف.
ثم استنبط من ذلك الوتر بالفجر وتأخير العصر لما لا يسلم له، وقد قيل: إن الثاني المغرب أو العشاء.
وقال الزجاج في "معانيه": صلاة طرفي النهار: الغداة والظهر والعصر بما لم يسلم له. وقال مقاتل: صلاة الفجر والظهر طرف، وصلاة العصر والمغرب طرف.
{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114]، يعني: صلاة العتمة.
وقال الحسن: هما المغرب والعشاء
(4)
.
(1)
"زاد المسير" 4/ 167.
(2)
في (ج): الآخِر.
(3)
عن قضية إرسال ابن أبي ليلى عن معاذ قال الترمذي وابن خزيمة: لم يسمع من معاذ. اهـ. قال المنذري: وهو ظاهر جدًّا. اهـ. وقال الدارقطني عن صحة السماع: فيه نظر لأن معاذًا قديم الوفاة، انظر:"سنن الترمذي" 5/ 291، "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 35. وانظر:"جامع التحصيل" ص 226 (452)، "تحفة التحصيل" ص 205.
(4)
"تفسير الطبري" 7/ 127 - 128، "تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 2091 (11267).
وقال الأخفش: يعني: صلاة الليل.
خامسها:
سلف معنى الزلف، قَالَ الزجاج: معناه الصلاة القريبة من أول الليل، زلف: جمع زُلفة، يعني بالزلف من الليل: المغرب والعشاء
(1)
.
وقراءة الجمهور ضم الزاي وفتح اللام، وقرأ أبو جعفر بضمهما
(2)
.
وقرأ ابن محيصن بضم الزاي وجزم اللام، وقرأ مجاهد: زُلفَى، مثل قربى
(3)
.
وفي "المحكم": زلف الليل: ساعات من أوله، وقيل: هي ساعات الليل الأخيرة من النهار، وساعات النهار الأخيرة من الليل
(4)
.
وفي "جامع القزاز": الزلفة تكون القربة من الخير والشر.
سادسها:
المراد بالحسنات: الصلوات الخمس إذا اجتنبت الكبائر.
وقال مجاهد: هي قول العبد: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر
(5)
.
سابعها:
اختلف أهل السنة في قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]. فقال الجمهور: هو شرط بمعنى الوعيد كله. أي: إن
(1)
انظر: "زاد المسير" 4/ 168.
(2)
زاد ابن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 167 وشيبة.
(3)
"معاني القرآن" لأبي جعفر 3/ 387.
(4)
"المحكم" 9/ 41.
(5)
انظر: "تفسير الطبري" 7/ 131، و"زاد المسير" 4/ 168.
اجتنبت الكبائر كانت العبادات المذكورات (كفارة)
(1)
للذنوب، وإن لم تجتنب لم تكفر شيء من الصغائر.
وقالت فرقة: إن لم تجتنب لم تحطها العبادات وحطت الصغائر، وذلك كله بشرط التوبة من الصغائر وعدم الإصرار عليها.
وقال ابن عبد البر: قَالَ بعض المنتسبين إلى العلم من أهل عصرنا: إن الكبائر والصغائر تكفرها الصلاة والطهارة، واستدل بظاهر هذا الحديث، وبحديث الصنابحي:"خرجت الخطايا من فيه"
(2)
وغيره، وهذا جهل وموافقة للمرجئة، وكيف يجوز أن تحمل هذِه الآثار عَلَى عمومها وهو يسمع قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8]، في آي كثير فلو كانت الصلاة والطهارة وأعمال البر مكفرة للكبائر لما احتاج إلى التوبة
(3)
.
ثامنها:
عدم وجوب الحد في القبلة وشبهها من اللمس ونحوه من الصغائر، وهي من اللمم المعفو عنه باجتناب الكبائر بنص القرآن، وقد يستدل به عَلَى أنه لا حد ولا أدب عَلَى الرجل والمرأة وإن وجدا في ثوب واحد، وهو اختيار ابن المنذر.
(1)
في (ج): كفارات.
(2)
رواه النسائي 1/ 74 - 75، وفي "الكبرى" 1/ 86 - 87 (106)، وأحمد 4/ 349، وفي "الموطأ" 1/ 33 - 34 (74)، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين" 2/ 57 - 58 (120)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 129 - 130، وقال الحاكم: حديث صحيح ولم يخرجاه، وليس له علة، وقال الذهبي: على شرطهما ولا علة له، والصنابجي صحابي مشهور، وقال الألباني: في "التغريب"(185): صحيح لغيره.
(3)
"التمهيد" 4/ 44.
قَالَ شيخنا قطب الدين: وقوله: {وَزُلَفًا مِّنَ اَلَّيْلِ} [هود: 114]
مقتضاه الأمر بإقامة الصلاة في زلفٍ منها؛ لأن أقل الجمع ثلاثة، والمغرب والعشاء وقتان، فيجب الحكم بوجوب الوتر. كذا قَالَ، وتبعه شيخنا علاء الدين في "شرحه"، وهي نزعة، ولا يُسَلَّم لهما.
5 - باب فَضْلِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا
527 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ - وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَىُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا". قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قَالَ ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ". قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. [2782، 5970، 7534 - مسلم: 85 - فتح: 2/ 9]
ذكر فيه حديث أبي عمرو الشيباني: قال: حدثني صَاحِبُ هذِه الدَّارِ -وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ ابن مسعود- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ العَمَلِ (أَحَبُّ)
(1)
إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا". قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "ثم بِرُّ الوَالِدَيْنِ". قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ". قَالَ: حَدَّثَني بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَني.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأدب
(2)
وأول الجهاد
(3)
والتوحيد
(4)
.
وأخرجه مسلم في الإيمان
(5)
، والترمذي هنا والبر والصلة،
(1)
ورد بهامش الأصل: من خط الشيخ: في الخامس في شرح شيخنا قطب الدين: أفضل.
(2)
سيأتي برقم (5970) باب: البر والصلة بسنده ومتنه.
(3)
سيأتي برقم (2782) باب: فضل الجهاد والسير.
(4)
سيأتي برقم (7534) باب: وسمَّى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عملًا.
(5)
رقم (85) باب: بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال.
وصححه
(1)
، والنسائي هنا
(2)
.
وطرقه الدارقطني في "علله"
(3)
.
ولابن خزيمة وابن حبان والحاكم: أي العمل أفضل؟ قَالَ: "الصلاة في أول وقتها"
(4)
، قَالَ الحاكم: عَلَى شرط الشيخين، وله شواهد، فذكرها.
وهو في الترمذي من حديث أم فروة
(5)
، وضعفه
(6)
. وحديث "أول
(1)
برقم (173) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الوقت الأول من الفضل، وبرقم (1898) كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في بر الوالدين.
(2)
1/ 292.
(3)
5/ 17 (684). قلت: الذي طرق الدارقطني في "العلل" عن عون بن عبد الله بن عتبة. والاختلاف عنه. وليس في "الصحيح" هنا من هذِه الطرق شيء، ولا عند من أشار المصنف بتخريجهم لهذا الحديث، إنما هو عن الوليد بن العيزار، عن أبي عمرو سعد بن إياس الشيباني. كما في مصادر التخريج. أما ما طرق الدارقطني فأخرج أحد طرقها الطبراني 10/ 23 - 24 (9819) من طريق أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي، ضعفوه لكثرة تدليسه كما في "التقريب"(7537). وأخرج الهيثم بن كليب في "مسنده" 2/ 316 (897) طريق إسماعيل بن عياش، عن عون. وعون هذا روايته عن ابن مسعود مرسلة كما في "سنن الترمذي" 2/ 47، وانظر:"جامع التحصيل" ص 249 (598)، "تحفة التحصيل" ص 251.
قلت: فلم يذكر الدارقطني طريق البخاري.
(4)
رواه ابن خزيمة 1/ 169 (327)، وابن حبان 4/ 340 - 341 (1477)، والحاكم 1/ 188 - 189.
(5)
برقم (170) ولفظه: "الصلاة لأول وقتها".
(6)
"سنن الترمذي" 1/ 323 وقوله فيه: حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله ابن العُمري، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث واضطربوا عنه: وهو صدوق، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه. اهـ.
قلت: أما جزم الترمذى بأن حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث العمري ففيه نظر. =
الوقت رضوان الله وآخره عفو الله" له طرق ضعيفة
(1)
.
= قال أحمد شاكر في "شرحه على الترمذي" 1/ 324 بعد أن وهَّم الترمذي: والحديث رواه عن القاسم بن غنام (الراوي عن أم فروة) ثلاثة: عبد الله بن عمر العمري، وأخوه عبيد الله بن عمر العمري، والضحاك بن عثمان الأسدي الجزامي.
وضعفه لجهل الواسطة بين القاسم بن غنام وأم فروة، بعد أن ذكر اضطراب الرواة عنه لا عن عبد الله العمري. قال الألباني في "صحيح أبي داود" 2/ 403: وهذا اضطراب شديد مما يزيد في ضعف الإسناد
…
لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد ذكر منها حديث الباب هنا. وبالله التوفيق.
(1)
وطرقه خمسة، أربعة مرفوعة، وواحدة موقوفة:
الطريق الأولى: حديث ابن عمر مرفوعًا بلفظ: "الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله".
رواه الترمذي (172)، وقال: غريب. وابن عدي 8/ 473 ترجمة رقم (2057)، والدارقطني 1/ 249، وأما الحاكم 1/ 189 فبلفظ:"خير الأعمال الصلاة في أول وقتها". وقال: يعقوب بن الوليد هذا شيخ من أهل المدينة، سكن بغداد، وليس من شرط هذا الكتاب إلا أنه شاهد. اهـ. وتعقبه الذهبي بأن يعقوب كذاب. اهـ. والبيهقي 1/ 435 كلهم من طريق شيخ الترمذي أحمد بن منيع من يعقوب هذا.
قلت: ومدار الحديث على يعقوب بن الوليد هذا، وهو كذاب. وقد بيَّن ابن صاعد وابن أسباط (الراويان عن ابن منيع) فما حكاه ابن عدي 8/ 473 عنهم أن هذا الحديث بهذا الإسناد باطل. أهـ. قال البيهقي 1/ 435: ويعقوب منكر الحديث. ضعفه يحيى بن معين، وكذبه أحمد بن حنبل، وسائر الحفاظ، ونسبوه إلى الوضع -نعوذ بالله في الخذلان- وقد روي بأسانيد كلها ضعيفة. اهـ. قال الألباني في "ضعيف الترغيب" (217): موضوع.
الطريق الثانية: حديث جرير بن عبد الله، وهو كما ساقه المصنف ها هنا.
ورواه الدارقطني 1/ 249، وعنه ابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 286 - 287 (331)، وقال: وأما حديث جرير ففيه: الحسين بن حميد. قال مطين: كذاب.
الطريق الثالثة: حديث أبي محذورة مرفوعًا ولفظه: "أول الوقت رضوان الله، ووسط الوقت رحمة الله، وآخر الوقت عفو الله". =
ثانيها:
أبو عمرو هذا تابعي مخضرم ثقة، واسمه: سعد بن إياس، عاش مائة وعشرين سنة، وهو شيخ عاصم في القراءة. والشيباني -بالشين المعجمة- نسبة إلى شيبان بن ثعلبة بن عكابة
(1)
، ونسبته هذِه النسبة بخمسة أشياء ذكرتها في "مشتبه النسبة" فراجعها منه
(2)
، منها: أبو عمرو السيباني -بسين مهملة مفتوحة ومكسورة- وهو والد يحيى بن أبي زرعة
(3)
.
= رواه الدارقطني 1/ 249 - 250، والبيهقي 12/ 435 - 436، وقال الأخير في أحد رجال الإسناد وهو إبراهيم بن زكريا هذا هو البجلي
…
حدث عن الثقات بالبواطيل. اهـ. وقال ابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 287: وسئل أحمد عن هذا الحديث: "أول الوقت رضوان الله". قال من روى هذا؟! ليس هذا بثبت. اهـ. قال الألباني في "الترغيب"(218): موضوع.
الطريق الرابع: حديث أنس مرفوعًا: "أول الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله". رواه ابن عدي 2/ 270، وعنه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 390، وجزم بأنه لا يصح. وذكر البيهقي أنَّ للحديث طريقًا عن ابن عباس ولم أهتد إليه.
الطريق الخامسة: أثر محمد بن جعفر، عن أبيه موقوفًا بنفس سياق المصنف هنا.
رواه البيهقي 1/ 436. وحكى رفعه. وانظر: "نصب الراية" 1/ 242 - 243، "تلخيص الحبير" 1/ 180. ففيهما زيادة بيان.
(1)
شهد القادسية، وهو ابن أربعين سنة، وقد أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، رمى له الجماعة، وهو مجمع على ثقته. انظر:"الطبقات الكبرى" 6/ 104، "التاريخ الكبير" 4/ 47 - 48 (1920)، "الجرح والتعديل" 4/ 78 - 79 (340)، "تهذيب الكمال" 10/ 258 - 259 (2205).
(2)
ذكر منها ابن ناصر الدين في "توضيح المشتبه" 5/ 243 - 245 أربعة وهي: السِّيناني، والسَّيناني، والشيباني، والسِّيباني.
(3)
يحيى هذا هو ابن أبي عمرو زرعة الشامي الحمصي، ابن عم عبد الرحمن الأوزاعي شهد غزاة القسطنطنية مع مسلمة بن عبد الملك.
وهو ثقة ثقة، من أحد الثقات المجمع على حديثهم، عُمِّر خمسًا وثمانين سنة. =
فائدة:
في الرواة أبو عمرو الشيباني اثنان: هذا والنحوي الكبير
(1)
.
ثالثها:
عبد الله بن مسعود، هو أحد السابقين الأولين، حليف الزهريين، أسلم قبل عمر، وهو صاحب الستر والوساد والسواك، مات بعد الثلاثين
(2)
، ودفن بالبقيع
(3)
.
وفي الرواة أيضًا عبد الله بن مسعود الغفاري: روى عن نافع، عن بردة في فضل رمضان، وقيل: أبو مسعود.
رابعها: في فوائده:
الأولى: الاكتفاء بالإشارة عن التصريح، عملًا بقوله: وأشار إلى دار عبد الله بن مسعود.
الثانية: هذا السؤال عن طلب الأحب ليشتد المحافظة عليه، فإن العبد مأمور بتنزيل الأشياء منازلها، فيقدم الأفضل عَلَى الفاضل طلبًا للدرجة العليا.
= انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 458، "تهذيب الكمال" 31/ 480 (6893).
قلت: وقع في مطبوع "الطبقات": الشيباني. بشين معجمة، وهو تصحيف بيِّن.
(1)
واسم النحوي: إسحاق بن مرار بميم بعدها راء مخففة، صاحب العربية، كوفي نزل بغداد، كان الإمام أحمد يكتب أماليه، وكان خيِّرًا فاضلًا صدوقًا، عُمِّر ما يقارب مائة وعشرين سنة، مات سنة 210 هـ أو 210 هـ أو 216 هـ.
انظر: "تاريخ بغداد" 6/ 329، "تهذيب الكمال" 34/ 134 (7537)، "الكاشف" 2/ 446 (6757)، "تقريب التهذيب"(8275).
(2)
ورد بهامش الأصل: سنة اثنتين، قاله في "الكاشف".
(3)
تقدمت له ترجمة في شرح الحديث رقم (32) فراجعه منه.
الثالثة: المراد هنا بالعمل عمل البدن والجوارح، فإنه وقع الجواب بالصلاة عَلَى وقتها، والنية مطلوبة فيه باللازم.
الرابعة: فيه فضيلة أول الوقت؛ لأن صيغة أحب تقتضي المشاركة في الاستحباب، فيحترز به عن آخر الوقت، ورواية الصلاة في أول وقتها أصرح. ويستثنى من تفضيل الصلاة أول الوقت فروع بسطناها في كتب الفروع ومنها "شرح المنهاج".
وخالف أصحاب الرأي فقالوا: إن التأخير إلى آخر الوقت أفضل إلا للحاجِّ فإنه يغلس بالفجر يوم النحر بمزدلفة.
الخامسة: سلف في باب (من قَالَ: إن الإيمان هو العمل) الجمع بين هذا الحديث وما قد يعارضه، فراجعه من ثم.
السادسة: تعظيم بر الوالدين حيث قدمه عَلَى الجهاد، فأذاهما محرم. والبر خلاف العقوق، فبرهما: الإحسان إليهما، وفعل الجميل معهما، وفعل ما يسرهما. ومنه الإحسان إلى صديقهما، وقد أفرد بالتأليف. وما أحسن قول سفيان بن عيينة في قوله تعالى:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14]، أن من صلى الخمس فقد شكر الله، ومن دعا لوالديه عقيبها فقد شكرهما
(1)
.
السابعة: قوم: (ثم أي؟): هو غير منون؛ لأنه موقوف عليه في الكلام، والسائل ينتظر الجواب، والتنوين لا يوقف عليه، فتنوينه ووصله بما بعده خطأ، فيوقف عليه وقفة لطيفة ثم يأتي بما بعده، كذا نبه عليه الفاكهي في "شرح العمدة".
(1)
ذكره القرطبي في "تفسيره" 14/ 65.
وأما ابن الجوزي فقال في "مشكله" في حديث ابن مسعود: أيُّ الذنب أعظم؟ أي: مشدد منون، كذلك سمعته من أبي محمد بن الخشاب، وقال: لا يجوز إلا تنوينه؛ لأنه معرب غير مضاف. قَالَ: ومعنى غير مضاف أن يقال: أي الرجلين.
الثامنة: قولى: (حَدَّثَني بِهِنَّ): كأنه تقرير وتأكيد لما تقدم إذ لا ريب في أن اللفظ صريح ذَلِكَ وهو أرفع درجات العمل.
التاسعة: قوله: (وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي) يحتمل أن يريد من هذا النوع المذكور -أعني مراتب الأعمال- وتفضيل بعضها عَلَى بعض. ويحتمل أن يريد لزادني عما أسأله من حيث الإطلاق؛ تنبيه عَلَى سعة علمه وكيف لا، وترك ذَلِكَ خشية التطويل.
العاشرة: السؤال عن العلم ومراتبه في الأفضلية.
الحادية عشرة: جواز تكرير السؤال والاستفتاء عن مسائل شتى في وقت واحد.
الثانية عشرة: رفق العالم وصبره عَلَى السائل.
الثالثة عشرة: أن الصلاة أفضل العمل، فالصلاة لوقتها أحب الأعمال إلى الله، فتركها أبغضها إليه بعد الشرك.
وفيه: فضل الجهاد، وتقديم الأهم فالأهم من الأعمال، وتنبيه الطالب عَلَى تحقيق العلم وكيفية أخذه، والتنبيه عَلَى مرتبته عند الشيوخ وأهل الفضل؛ ليؤخذ علمه بقبول وانشراح وضبط.
خاتمة:
هذِه الثلاث المذكورات أفضل الأعمال بعد الإيمان؛ لأن من ضيع الصلاة حتى خرج وقتها مع خفة مؤنتها وعظم فضلها فهو لا شك لغيرها
من أمر الدين أشد تضييعًا وأشد تهاونًا واستخفافًا، وكذا من ترك بر والديه فهو لغير ذَلِكَ من حقوق الله تعالى أشد تضييعًا، وكذا الجهاد.
فهذِه الثلاثة دالة عَلَى أن من حافظ عليها حافظ عَلَى ما سواها، ومن ضيعها كان لما سواها أضيع، ولذلك خصت بأنها أفضل الأعمال.
6 - باب الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ كَفَّارَةٌ
(1)
528 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِى مِنْ دَرَنِهِ؟ ". قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا. قَالَ "فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهَا الْخَطَايَا". [مسلم 667 - فتح 2/ 11]
ذكر فيه حديث أبي هريرة: أنه سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ ". قَالُوا: لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا. قَالَ: "فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بهن الخَطَايَا".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، وصححه الترمذي
(3)
. قال: وفي الباب عن جابر
(4)
.
(1)
ذكر في هامش الأصل: في نسخة: كفارات للخطايا إذا صلاهن لوقتهن في الجماعة وغيرها.
(2)
برقم (667) كتاب: المساجد، باب: المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات.
(3)
برقم (2868).
(4)
رواه مسلم (668) السابق، ولفظه:"مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار تمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات".
ثانيها:
الدرن -بفتح الدال والراء-: كناية عن الآثام
(1)
، وشبه ذَلِكَ بصغار الذنوب؛ لأن الدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه كالجراحات وشبهها.
ثالثها:
هذا الحديث رواه سعد بن أبي وقاص، خرجه مالك بلاغًا موقوفًا عليه
(2)
، وهو ثابت مسند بذكر الأخوين الذين مات أحدهما بعد الآخر
(3)
، وذكر فضيلة الأول إلى أن ضرب المثل بالنهر، وزاد فيه:"العذب الغمر"، يريد الحلو الطيب الكثير. ووجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة والأدران المشاهدة في بدنه وثيابه؛ فيطهره الماء الكثير العذب إذا والى استعماله، وواظب عَلَى الاغتسال منه، فكذلك تطهر الصلاة العبد عن أقذار الذنوب حَتَّى لا تبقى له ذنبًا إلا أسقطته وكفرته، ويكون ذَلِكَ بالوضوء كالصلاة، وإنما يكفر الوضوء الذنوب؛ لأنه يراد به الصلاة، كما طلب بالمراد،
(1)
"النهاية في غريب الحديث" 2/ 115، "لسان العرب" 3/ 1368 - 1369، أما الدرن بمعنى الإثم فورد فبه حديث أنس مرفوعًا:"ودرنه إثمه" رواه أبو نعيم في "الحلية" 2/ 344 وقال: حديث غريب
…
تفرد به داود عن مطر.
(2)
"موطأ مالك" ص 125. برواية يحيى، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: بإسقاط عن أبيه. وهو خطأ، ويؤيد ما ذكرتُ رواية القعنبي (332) فجاء فيها: عن أبيه. وكذا هو في "التمهيد" 24/ 219.
قلت: أما قول المصنف: موقوفًا، ففيه نظر إنما هو مرفوع.
(3)
وفيه أن أحدهما فاستشهد. ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي.
رواه من حديث طلحة بن عبيد الله ابن ماجه (3925)، وأحمد 1/ 164، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (3171). وانظر:"التمهيد" 24/ 219 وما بعدها.
وهو الصلاة، وذلك أقوى في التكفير، وأولى بالإسقاط، وكما يطهر الماء الوسخ، فكذلك يذهب الهموم والغموم الداخلة عَلَى العبد أيضًا، فإن الهموم أصلها الذنوب.
7 - باب تَضْيِيعِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا
529 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلَانَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ: الصَّلَاةُ. قَالَ: أَلَيْسَ ضَيَّعْتُمْ مَا ضَيَّعْتُمْ فِيهَا؟ [فتح 2/ 13]
530 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ. وَقَالَ بَكْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ نَحْوَهُ. [فتح 2/ 13]
ذكر فيه عن أنس قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ على عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ: الصَّلَاةُ. قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ صنعتم مَا صنعتم فِيهَا؟
وعن الزُّهْرِيِّ قال: دَخَلْتُ على أَنَسٍ بِدِمَشْقَ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هذِه الصَّلَاةَ، وهذِه الصَّلَاةُ قَدْ ضُيعِّتْ. وَقَالَ بَكْر بن خلف: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ .. إلى آخره.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث من أفراد البخاري، وهذا التعليق وصله الإسماعيلي، فقَالَ: أخبرنا محمود بن محمد الواسطي، ثنا أبو بشر بكر بن خلف، وأبو نعيم، عن أبي بكر بن خلاد، ثنا أحمد بن علي الجزار، ثنا بكر بن خلف ختن المقرئ فذكره.
ثانيها:
قوله: (أَلَيْسَ قد صنعتم). قَالَ صاحب "المطالع": رواية العذري
بالصاد المهملة، ورواية النسفي بالمعجمة ثم مثناة تحت. قَالَ: والأول أشبه، يريد ما أحدثوا من تأخيرها. إلا أنه جاء في نفس الحديث ما يبين أنه بالضاد المعجمة، وهو قوله: ضيعت. قَالَ المهلب: هو تأخيرها عن الوقت المستحب لا أنهم أخرجوها عن وقتها كله، قَالَ تعالى:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59]، قيل: ما ضيعوها بأن تركوها، فإنهم لو تركوها كانوا كفارًا.
وقال ابن الجوزي: الظاهر من أنس أنه كان يشير إلى ما كان يصنع الحجاج، فإنه كان يؤخر صلاة الجمعة جدًّا متشاغلًا بمدح مستنيبه وما يتعلق به.
وقد جاء في "صحيح البخاري" أيضًا من أنس أنه قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرت منا مذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ما أنكرت شيئًا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف.
ذكره في باب: إثم من لم يتم الصفوف كما سيأتي
(1)
. وكأن أنسًا أنكر عَلَى كل أهل بلد بما رآه، فأهل الشام بالتأخير، وأهل الحجاز بعدم إقامة الصفوف.
ثالثها:
دِمشق -بكسر الدال وفتح الميم وكسرها أيضًا
(2)
-: مدينة معروفة، ذكر ابن عساكر تاريخها فأطنب
(3)
.
(1)
برقم (724) كتاب: الأذان، باب: إثم من لم يتم الصفوف.
(2)
"معجم ما استعجم" 2/ 556، "معجم البلدان" 2/ 463.
(3)
وتاريخها مطبوع، وللشيخ عبد القادر بدران (ت 1346 هـ) تهذيب قشيب لهذا التاريخ، مطبوع.
8 - باب المُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عز وجل
-
531 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يَتْفِلَنَّ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى". وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: لَا يَتْفِلُ قُدَّامَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَقَالَ شُعْبَةُ: لَا يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَبْزُقْ فِي الْقِبْلَةِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ". [انظر: 241 - مسلم: 551 - فتح: 2/ 14].
532 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ كَالْكَلْبِ، وَإِذَا بَزَقَ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِى رَبَّهُ". [انظر: 241، 822 - مسلم: 493، 551 - فتح: 2/ 15]
ذكر فيه حديث أنس في المصلي يناجي ربه وفي البزاق تحت القدم اليسرى.
وقد سلف مرات في باب: حك البزاق باليد من المسجد وغيره
(1)
.
ثم قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ولَا يَتْفِلُ قُدَّامَهُ .. الحديث.
وهذا في بعض النسخ كما قاله بعض من ألف في الأطراف.
ثم قَالَ: وَقَالَ شُعْبَة: لَا يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ .. الحديث. وهذا قد وصله مرة أخرى.
(1)
سلف برقم (241) كتاب: الوضوء، باب: البزاق والمخاط ونحوه في الثوب، وبرقم (405) كتاب: الصلاة، باب، حك البزاق باليد من المسجد، وبرقم (412) كتاب: الصلاة، باب: لا يبصق عن يمينه في الصلاة، وبرقم (413) كتاب: الصلاة، باب: ليبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى، وبرقم (417) كتاب: الصلاة، باب: إذا بدره البزاق فليأخذ بطرف ثوبه.
ثم قَالَ: وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ رسول الله. وهذا سلف متصلًا فيما أشرنا إليه
(1)
.
والمناجي: المخاطب. والمناجاة: المحادثة، أصله من النجوة: وهو ما ارتفع من الأرض. وكأن المناجي يرتفع هو والمناجَى متفردين عن غيرهما.
ولا شك أن وقوف العبد في العبادة عَلَى نحو وقوف الخادم بين يدي مالكه؛ فينبغي له مراعاة الأدب.
ثم الحديث في دال عَلَى تفضيل الصلاة عَلَى سائر الأعمال؛ لأن المناجاة لا تحصل إلا فيها خاصة، فينبغي استحضار النية، ولزوم الخشوع، وترك العارض.
وما أحسن قول بعض الصالحين: إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أن الله مقبل عليك، فأقبل عَلَى من هو مقبل عليك، وقريب منك، وناظر إليك.
فإذا ركعت فلا تأمل أن ترفع، وإذا رفعت فلا تأمل أنك تضع، ومثل الجنة عن يمينك، والنار عن شمالك، والصراط تحت قدميك؛ فحينئذٍ تكون مصليًا.
وقوله: ("وَلَا يَتْفِلَنَّ") قَالَ ابن التين: رويناه بضم الفاء وكسرها.
قَالَ: والتَّفلُ أقل من البَزْقِ.
وقال ابن الجوزي: المراد بقوله: لا يتفلن: لا يبصقن.
وقال ابن الأثير: التفل نفخ معه أدنى بزاق
(2)
.
وقال الجوهري: التفل شبه بالبزق، وهو أقل منه أوله البزاق ثم
(1)
سلف برقم (413) كتاب: الصلاة، باب: ليبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى.
(2)
"النهاية" 1/ 192.
التفل، ثم النفث، ثم النفخ
(1)
.
وقال صاحب "المطالع": ثم يتفل -بكسر الفاء- والتفل بسكونها وفتح الفاء: هو البصاق القليل. والتَفَل بفتح التاء والفاء: البزاق نفسه، وكذلك الرائحة الكريهة، ومنه قوله:"وليخرجن تفلات" أي: غير متطيبات.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ("اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ .. ") إلى آخره. يأتي الكلام في باب: لا يفترش ذراعيه في السجود
(2)
.
(1)
"الصحاح" 4/ 1644.
(2)
سيأتى برقم (822) كتاب: الأذان.
9 - باب الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فيِ شِدَّةِ الحَرِّ
(1)
533، 534 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَافِعٌ -مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". [536 - مسلم: 615، 617 - فتح: 2/ 15]
535 -
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ، سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ، فَقَالَ:"أَبْرِدْ أَبْرِدْ" أَوْ قَالَ: "انْتَظِرِ انْتَظِرْ". وَقَالَ: "شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ". حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ. [539، 629، 3258 - مسلم: 616 - فتح: 2/ 18]
536 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". [انظر: 533 - مسلم: 615، 617 - فتح: 2/ 18]
537 -
"وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ". [3260 - مسلم: 617 - فتح: 2/ 18]
538 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".
تَابَعَهُ سُفْيَانُ وَيَحْيَى وَأَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. [3259 - فتح: 2/ 18]
(1)
في هامش (س) ثم بلغ في السابع بعد الستين له بمؤلفه.
ذكر فيه حديث صالح بن كيسان، ثنا الأعرج وغيره عن أبي هريرة: وَنَافِعٌ -مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ- قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".
وفي حديث أبي هريرة: "وَاشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا
…
" الحديث.
وحديث أبي ذر: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"أَبْرِدْ أَبْرِدْ" أَوْ قَالَ: "انْتَظِرِ انْتَظِرْ". وَقَالَ: "شِدَّةُ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ". حَتَى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ.
وحديث أبي سعيد: "أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ
…
" الحديث. تَابَعَهُ سُفْيَانُ وَيَحْيَى وَأَبُو عَوَانَةَ، والأَعْمَشِ.
الكلام على ذَلِكَ من وجوه:
أحدها:
حديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضًا
(1)
. والقائل: ونافع. هو صالح، كما بينه أصحاب الأطراف
(2)
.
وحديث ابن عمر من أفراده. وأخرجه ابن ماجه أيضًا، ولفظه:"أبردوا بالظهر"
(3)
.
(1)
برقم (615) كتاب: المساجد، باب: استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر. قال ابن رجب في "الفتح" له 3/ 61 وهذا من جملة نسخة يرويها أيوب عن أبي بكر، عن سليمان، والبخاري يخرج منهاكثيرًا، وقد توقف فيها أبو حاتم الرازي؛ لأنها مناولة
…
ولكن المناولة جائزة عند الأكثرين.
(2)
انظر: "تحفة الأشراف" 10/ 161 (13649)، عن أبي هريرة، و 6/ 101 (7686) عن ابن عمر.
(3)
برقم (681).
وحديث أبي ذر أخرجه مسلم أيضًا وأبو داود والترمذي
(1)
.
وحديث أبي سعيد من أفراده.
ومتابعة سفيان خرجها البخاري في صفة (النار)
(2)
عن الفريابي، عن سفيان بن سعيد
(3)
. ومتابعة يحيى بن سعيد خرجها الإسماعيلي عن ابن خلاد، ثنا بندار، عنه. ورواه الخلال عن الميموني، عن أحمد، عن يحيى، ولفظه:"فوح جهنم". قَالَ أحمد: ما أعرف أحدًا قاله بالواو غير الأعمش
(4)
.
ومتابعة أبي عوانة (
…
)
(5)
.
وتابعه أيضًا أبو خالد أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم.
وأبو معاوية محمد بن خازم وأخرجه ابن ماجه: عن كريب عنه
(6)
.
ولما أخرجه الترمذي من طريق أبي هريرة
(7)
قَالَ: وفي الباب عن
(1)
رواه مسلم (616) كتاب: المساجد، باب: استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر، وأبو داود (401)، والترمذي (158).
(2)
في الأصل: "الصلاة" وهو خطأ، والمثبت كما في تخريج الحديث عند البخاري برقم (3259) وما قاله المزي في "تحفة الأشراف" 3/ 145، وابن رجب في "الفتح" له 3/ 64، والحافظ في "الفتح" 2/ 19.
(3)
سيأتي برقم (3259) كتاب: بدء الخلق.
(4)
في "مسنده" 3/ 52، وقال: هكذا قال الأعمش: من فوح جهنم.
(5)
بياض في الأصول مقدار كلمتين، وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 19: قوله (وأبو عوانة) لم أقف على من وصله عنه. اهـ.
قلت: فلعل المصنف بيض له في أصله، وتبعه سبط ابن العجمي ناسخ (س) والله أعلم.
(6)
ابن ماجه رقم (679).
(7)
برقم (157).
أبي سعيد، وأبي ذر، وابن عمر، والمغيرة
(1)
، والقاسم بن صفوان عن أبيه، وأبي موسى، وابن عباس، وأنس، وروي عن عمر
(2)
ولا يصح
(3)
.
قلت: وابن مسعود، وعائشة، وعمرو بن عبسة، وعبد الرحمن بن علقمة الثقفي، ورجل من الصحابة. ذكره الميموني عن أحمد، وقال: أحسبه غلطًا من غندر. وصرح الدارقطني بغلطه وقال: الرجل نراه ابن مسعود، وصفوان بن عسال. ذكره صاحب "مسند الفردوس".
الوجه الثاني:
"اشتد": افتعل من الشدة والقوة، أي: إذا قوي الحر. وأصل اشتد: اشتدد، فسكنت الدال الأولى، وأدغمت في الثانية.
و"أَبْرِدُوا" أي: افعلوها في وقت البرد، وهو الزمان الذي يتبين فيه شدة انكسار الحر؛ لأن شدة الحر تذهب الخشوع. قَالَ ابن التين:"أَبْرِدُوا" أي: ادخلوا في وقت الإبراد، مثل: أظلم دخل في الظلام، وأمسى دخل في المساء، وهذا بخلاف "الحمى من فيح جهنم،
(1)
جاء في هامش (س): من خط المصنف في الهامش: لفظ المغيرة كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا:"أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". قال البخاري: هو محفوظ، وخرجه أحمد، ثم قال خباب: يقول: لم يشكنا والمغيرة كما ترى يروي القصتين، وقال ابن حبان: تفرد به إسحاق الأزرق.
قلت: رواه ابن ماجه (680)، وأحمد 4/ 250، وابن حبان 4/ 372 - 373 (1505)، والطبراني 20/ 400 (949)، والبيهقي 1/ 439 (2068)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة": هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات، وصححه الألباني كما في "صحيح سنن ابن ماجه"(554).
(2)
رواه البزار في "كشف الأستار"(369)، وأبي يعلى كما في "المطالب العالية"(225)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 46: وفيه محمد بن الحسن بن زبالة نسب إلى وضع الحديث.
(3)
"سنن الترمذي" 1/ 296.
فأبردوها عنكم"
(1)
، تقرأ بوصل الألف؛ لأنه ثلاثي من برد.
وقوله: ("عَنِ الصَّلَاةِ") قيل: (عن) بمعنى (في) هنا، وقد جاءت في بعض طرقه:"أبردوا بالصلاة"
(2)
. و (عن) تأتي بمعنى الباء، يقال: رميت عن القوس، أي: به كما تأتي الباء بمعنى: (عن) في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، أي: عنه، ومنع بعض أئمة اللغة: رميت بالقوس، ونقل جماعة جوازه. وقيل: زائدة، أي: أبردوا الصلاة. يقال: أبرد الرجل كذا إذا فعله في وقت النهار، وهو اختيار ابن العربي في "قبسه".
ثالثها:
"فَيْح" بفتح الفاء وإسكان الياء، ثم حاء مهملة، وروي بالواو كما سلف، ومعناه أن شدة الحر -غليانه- تشبه نار جهنم فاحذروه واجتنبوا ضرره.
قَالَ ابن سيده: فاح الحر يفيح فيحًا: سطع وهاج
(3)
، وكذا فوحه.
وقال الجوهري: يقال: فاح الطيب إذا تضوع ولا يقال: فاحت ريح خبيثة
(4)
، كذا قَالَ. وليتأمل هذا الحديث مع كلامه.
رابعها:
الحر والحرور: الوهج ليلًا كان أو نهارًا، بخلاف السموم فإنه
(1)
سيأتي برقم (3262) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة بلفظ: "من فور جهنم" بدل: "فيح"، وبرقم (5726) كتاب: الطب، باب: الحمى من فيح جهنم، وفيه:"من فوح جهنم" بالواو.
(2)
سيأتي برقم (3259) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة.
(3)
"المحكم" 3/ 346.
(4)
"الصحاح" 1/ 393.
لا يكون إلا نهارًا، ويحتمل كما قَالَ القاضي: أن يكون الحرور أشد من الحر، كما أن الزمهرير أشد من البرد
(1)
.
خامسها:
"جَهَنَّم" مؤنثة أعجمي. وقيل: عربي مأخوذ من قول العرب بئر جِهِنَّام، إذا كانت بعيدة القعر، وهذا الاسم أصله الطبقة العليا ويستعمل في غيرها
(2)
.
سادسها:
الذي يقتضيه مذهب أهل السنة، وظاهر الحديث: أن شدة الحر من فيح جهنم حقيقة لا استعارة وتشبيها وتقريبًا، فإنها مخلوقة موجودة، وقد اشتكت النار إلى ربها، كما سلف وسيأتي الكلام عليه
(3)
.
سابعها:
الإبراد، إنما يشرع في الظهر بشروط محلها كتب الفروع، وقد بسطناها فيها وفيها الحمد
(4)
.
(1)
"مشارق الأنوار" 1/ 187.
(2)
"تهذيب اللغة" 1/ 681، "لسان العرب" 2/ 715، مادة: جهنم، وفيه: وقيل: هو تعريب كهنَّام بالعبرانية.
(3)
سلف برقم (537) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر، وسيأتي برقم (3260) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة.
(4)
يرى فقهاء الحنفية أن الإبراد بصلاة الظهر مشروط بثلاثة شروط:
1 -
أن تكون الصلاة في مساجد الجماعات.
2 -
أن يكون ذلك في شدة الحر.
3 -
أن يكون ذلك في بلاد حارة.
واشترط الشافعية نفس الشروط السابقة، وزادوا عليها شرطًا رابعًا وهو: أن ينتاب الناس الصلاة من البعد. =
وظاهر الحديث منها اشتراط شدة الحر فقط، وانفرد أشهب فقال: يبرد بالعصر أيضًا
(1)
.
وقال أحمد: تؤخر العشاء في الصيف دون الشتاء
(2)
. وعكس ابن حبيب لقصر الليل في الصيف وطوله في الشتاء
(3)
، وظاهر الحديث عدم الإبراد في الشتاء والأيام غير الشديدة البرد مطلقًا، وخالف في ذَلِكَ مالك كما ستعلمه
(4)
.
= أما الحنابلة فاقتصروا على الشرطين الأول والثالث.
انظر: "حاشية رد المحتار" 1/ 369، "طرح التثريب" 1/ 151، "البيان" 2/ 38، "شرح الزركشي" 1/ 261، "الإنصاف" للمرداوي 3/ 135.
(1)
"النوادر والزيادات" 1/ 155، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 105: وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد، وبه قال أبو هريرة، وابن مسعود في رواية، وابن عمر، وعلي، وروي عن الثوري والنخعي وطاوس وغيرهم خلق.
انظر: "الأصل" 1/ 154، "الموطأ برواية الشيباني" ص 33، "بدائع الصنائع" 1/ 125، "التمام" 1/ 139، "شرح العمدة" 2/ 206، "الأوسط" 2/ 364، "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 189، "فتح الباري" لابن رجب 4/ 292.
(2)
قد وجدت هذا التقييد لتأخير العشاء في الصيف دون الشتاء في رواية الكوسج حيث أن رواية الكوسج (125) نصت على الإبراد في صلاة الظهر في الحر والعشاء في الآخرة وقيد الإبراد في الصيف، ونص رواية الكوسج هكذا: قال الإمام: الإبراد في الصيف يستحب تأخير صلاتين: الظهر في الحر والعشاء الآخرة، وهذِه الرواية يفهم منها تقييد الإمام تأخير العشاء في الصيف.
لكن بتتبعي لرواية صالح ابنه (1039) وجدته أطلق ذلك فقال: "صلاة العشاء الآخرة تؤخر". اهـ. وكذا في رواية الأثرم كما في "التمهيد" 5/ 7 - 8، بل قد نص الأمام أحمد على التأخير في الفصلين كما في مسائله برواية أبي داود (182)، فقال: يعجبني تعجيل الصبح وتأخير الظهر في الصيف، وتأخير العشاء في الصيف والشتاء. اهـ.
ومن ثم كان ينبغي على المصنف أن يذكر روايات الإطلاق لاسيما رواية الإطلاق في الفصلين، ومن ثم فتقييد المصنف تأخير العشاء في الصيف فحسب فيه نظر!
(3)
انظر: "الذخيرة" 2/ 28.
(4)
انظر: "المدونة" 1/ 60.
ثامنها:
اختلف في مقدار وقته فقيل: أن تؤخر الصلاة عن أول الوقت مقدار ما يظهر للحيطان ظل، ولا يحتاج إلى المشي في الشمس، وظاهر النص أن المعتبر أن ينصرف منها قبل آخر الوقت، ويؤيده حديث أبي ذر:(حَتَّى رأينا فيء التلول). وقال مالك: إنه تأخير الظهر إلى أن يصير الفيء ذراعًا. وسوى في ذَلِكَ بين الصيف والشتاء
(1)
وقال أشهب في "مدونته" لا يؤخر الظهر إلى آخر وقتها.
وقال ابن بزيزة: ذكر أهل النقل عن مالك أنه يكره أن يصلي الظهر في أول الوقت، وكان يقول: هي صلاة الخوارج وأهل الأهواء. وأجاز ابن عبد الحكم التأخير إلى آخر الوقت. وحكى أبو الفرج عن مالك: أول الوقت أفضل في كل صلاة إلا الظهر في شدة الحر.
وعن أبي حنيفة
(2)
والكوفيين وأحمد وإسحاق: يؤخرها حَتَّى يبرد بها.
وحكى الزناتي
(3)
المالكي أنه هل ينتهي إلى نصف القامة، أو إلى ثلثها، أو إلى ثلاثة أرباعها، أو إلى مقدار أربع ركعات، فيه أربعة أقوال.
ونزلها المازري عَلَى أحوال
(4)
.
وقال ابن العربي في "قبسه": ليس للإبراد تحديد في الشريعة
(5)
،
(1)
"النوادر والزيادات" 1/ 155.
(2)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 23، "شرح معاني الآثار" 1/ 148، 184.
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: بفنح الزاي ونون ثم ألف ثم تاء بعدها ياء النسبة إلى زناته قبيلة من الفرس.
(4)
"إكمال المعلم" 1/ 196.
(5)
"القبس" 1/ 107.
إلا ما ورد في حديث ابن مسعود أي: في النسائي بإسناد صحيح.
ولا مبالاة بتضعيف عبد الحق له
(1)
: كان يصلي الظهر في الصيف في ثلاثة
(2)
أقدام إلى (خمسة أقدام)
(3)
، وفي الشتاء في خمسة أقدام إلى (سبعة)
(4)
أقدام
(5)
. وذلك بعد طرح ظل الزوال.
أما أنه وردت فيه إشارة واحدة، وهي: كنا نصلي الجمعة، وليس للحيطان ظلٌ. فلعل الإبراد كان ريثما يكون للجدار ظل يأوي إليه المجتاز
(6)
.
تاسعها:
اختلف الفقهاء في الإبراد بالصلاة
(7)
: فمنهم من لم يره، وتأول
(1)
"الأحكام الوسطى" 1/ 254 حيث قال: في إسناده عبيدة بن حميد يعرف بالحذاء ولا يحتج به.
(2)
في (س)، (ج) الثلاثة، وأثبت كما في المصادر التي بين أيدينا.
(3)
في (س)، (ج) الأربعة الأقدام، وهو تحريف. والمثبت كما في مصادر التخريج.
(4)
في (س)، (ج): وهو تحريف والمثبت كما في المصادر ستة.
(5)
رواه أبو داود (400)، النسائي 1/ 250 - 251، والبيهقي 1/ 365، وأما تضعيف عبد الحق لهذا الحديث إنما بسبب عبيدة بن حميد، والرجل مختلف فيه، كذا قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 4/ 216 - 217 (1709)، والحديث صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
فائدة: عبيدة بن حميد، وثقه أحمد. "تهذيب الكمال".
(6)
انظر: "القبس" 1/ 107.
(7)
على أربعة أقوال:
القول الأول: المستحب لصلاة الظهر الإبراد بها في أيام الصيف والتعجيل بها بعد الزوال في أيام الشتاء. وهو مذهب الحنفية، ورواية عن ابن راهوية.
القول الثاني: المستحب تأخير الظهر مطلقًا صيفًا وشتاء للفرد والجماعة حتى يكون الفيء ذراعًا.
وهو قول مالك فما رواه ابن القاسم عنه، ومعظم فقهاء المالكية، وقيد بعضهم =
الحديث عَلَى إيقاعها في برد الوقت، وهو أوله، والجمهور من الصحابة والعلماء عَلَى القول به.
ثم اختلفوا فقيل: إنه عزيمة، واختلف عليه. فقيل: سنة، وهو الأصح. وقيل: واجب تعويلًا عَلَى صيغة الأمر، حكاه القاضي
(1)
.
وقيل: رخصة، ونص عليه في البويطي
(2)
، وصححه الشيخ أبو علي من الشافعية.
وأغرب النووي فوصفه في "الروضة" بالشذوذ، لكنه لم يحكه قولًا
(3)
.
وبنوا عَلَى ذَلِكَ أن من صلى في بيته أو مشى في كن إلى المسجد هل يسن له الإبراد؟
إن قلنا: رخصة لم يسن له؛ إذ لا مشقة عليه في التعجيل.
= أفضلية بكون التأخير في مساجد الجماعات دون الفرد حيث قالوا بأفضلية التقديم للفذ.
القول الثالث: أن الأفضل في صلاة الظهر أن تعجل في أول الوقت إلا في حالات معينة فتؤخر، وبهذا قال صاحب "السراج" من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وبعض المالكية.
القول الرابع: الأفضل في صلاة الظهر وغيرها التعجيل بها أول الوقت مطلقًا. وهو قول الليث بن سعد.
انظر: "المبسوط" 1/ 136، "بدائع الصنائع" 1/ 125، "المنتقى" 1/ 131، "حاشية الدسوقي" 1/ 180، "التمهيد" 5/ 3، "الشرح الكبير" 1/ 379، "المجموع" 3/ 63، "المغني" 2/ 35، "الفروع" 1/ 299.
(1)
"إكمال المعلم" 2/ 581.
(2)
ونقله العمراني -من الشافعية- في "البيان" 2/ 40 ونصه: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتأخيرها في الحر توسعة، ورفقًا بالذين يتناوبونه. اهـ
(3)
بل حكاه وجهًا شاذًّ وصوَّب سنية الإبراد، "روضة الطالبين" 1/ 184.
وإن قلنا: سنة أبرد -وهو الأقرب- لورود الأمر به مع ما اقترن به من العلة من أن شدة الحر من فيح جهنم، وذلك مناسب للتأخير، والأحاديث الدالة عَلَى التعجيل، وفضيلته عامة أو مطلقة وهذا خاص، فلا منافاة مع صيغة الأمر ومناسبة العلة، يقول من قَالَ: التعجيل أفضل؛ لأنه أكثر مشقة، فإن مراتب الثواب، إنما يرجع فيها إلى النصوص.
وقد ترجح بعض العبادات الحقيقة عَلَى ما هو أشق منها بحسب المصالح المتعلقة بها.
عاشرها:
اختلف في الإبراد بالجمعة
(1)
على وجهين لأصحابنا:
أصحهما عند جمهورهم: لا يشرع، وهو مشهور مذهب مالك أيضًا، فإن التبكير سنة فيها.
وقال بعضهم: يشرع؛ لأن لفظ الصلاة في الحديث يطلق عَلَى الظهر والجمعة، والتعليل مستمر فيها، وصححه العجلي.
(1)
اختلف الفقهاء في أفضل وقت الجمعة: هل تُصلى في أول وقتها أم يبرد بها على قولين:
القول الأول: أن أفضل وقت الجمعة صلاتها في أول وقتها مطلقًا صيفًا وشتاءً.
وهو مذهب الحنفية والمالكية والأصح عند الشافعية كما هنا.
القول الثاني: أنه يستحب الأبراد بالجمعة صيفًا لا شتاءً. وهو وجه عند الشافعية.
انظر: "عمدة القاري" 5/ 288 - 289، "النوادر والزيادات" 1/ 156، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 105، "المهذب" 1/ 189، "المجموع" 3/ 62، "إحكام الأحكام" 1/ 304.
وهو رأي البخاري كما ستعلمه في بابه حيث ترجم: إذا اشتد الحر يوم الجمعة.
ثم ساق حديث أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكَّر بالصلاة، وإذا اشتد الحرُّ أبرد بالصلاة. يعني: الجمعة
(1)
.
والجواب عن تعليل الجمهور: بأنه قد يحصل التأذي بحر المسجد عند انتظار الإمام، لكن قد ثبت في "الصحيح" أنهم كانوا يرجعون من صلاة الجمعة وليس للحيطان ظل يستظلون به
(2)
من شدة التبكير لها أول الوقت، فدَّل على عدم الإبراد. والمراد بالصلاة هنا: الظهر، كما ساقه البخاري من حديث أبي سعيد.
الحادي عشر:
عورض هذا الحديث بحديث خباب في "صحيح مسلم": شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا
(3)
.
وأجيب بوجوه:
أحدها: بالنسخ، فإنه كان بمكة وحديث الإبراد بالمدينة، فإنه من رواية أبي هريرة.
قَالَ الخلال في "علله" عن أحمد: آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم الإبراد، وإليه مال أبو بكر الأثرم في "ناسخه" والطحاوي
(4)
.
(1)
سيأتي برقم (906) كتاب: الجمعة.
(2)
من حديث سلمة بن الأكوع. وسيأتي (4168) كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية.
(3)
برقم (619) كتاب: المساجد، باب: استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر.
(4)
الطحاوي في "المشكل" كما في "تحفة الأخيار" 1/ 544.
ثانيها: حمله عَلَى الأفضل، وحمل حديث الإبراد عَلَى الرخصة والتخفيف في التأخير.
ثالثها: أن الإبراد سنة للأمر به والتعليل، وحديث خباب عَلَى أنهم طلبوا تأخيرًا زائدًا عَلَى قدر الإبراد، وهو المختار، عَلَى أنه قد قيل: إن معنى: (لم يشكنا): لم يحوجنا إلى الشكوى، كما حكاه ابن عبد البر
(1)
الثاني عشر:
قوله في حديث أبي ذر: أذَّن مؤذِّن النبي صلى الله عليه وسلم. جاء في بعض طرقه: أذَّن بلال. أخرجه أبو عوانة. وفي أخرى له: فأراد أن يؤذِّن، فقال:"مه يا بلال"
(2)
. وذكر البخاري في الباب بعده: فأراد المؤذِّن أن يؤذِّن للظهر، فقال:"أبرد" ثم أراد أن يؤذِّن، فقال له:"أبرد" الحديث
(3)
.
قَالَ البيهقي: في هذا كالدلالة عَلَى أن الأمر بالإبراد كان بعد التأذين
(4)
.
الثالث عشر:
التلول: جمع تل
(5)
، وهو كل بارز عَلَى وجه الأرض من تراب أو رمل
(6)
. ولا يصير لها فيء عادة إلا بعد الزوال بكثير، وأما الظل فيطلق عَلَى ما قبله أيضًا، وقد أوضحت ذَلِكَ في "لغات المنهاج".
(1)
"التمهيد" 5/ 5.
(2)
أبو عوانة 1/ 290 (1019).
(3)
سيأتي برقم (539) باب: الإبراد بالظهر في السفر.
(4)
البيهقي 1/ 438.
(5)
من هنا سقط في (س).
(6)
انظر: "لسان العرب" 1/ 441.
وظل التلول لا يظهر إلا بعد تمكن الفيء واستطالته جدًّا، بخلاف الأشياء المنتصبة التي يظهرظلها سريعًا.
الرابع عشر:
شكوى النار إلى ربها يحتمل أن تكون بلسان الحال، وأن تكون بلسان المقال، عندما يخلق الرب فيها ذَلِكَ، وهو من قسم الجائزات، والقدرة صالحة، واذا خلق لهدهد سليمان ما خلق من العلم والإدراك كما أخبر الجليل جل جلاله في كتابه كان ذَلِكَ جائزًا في غيرها.
قَالَ الله تعالى عنها: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]{أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} ، ويقال: إنها والجنة أشجع المخلوقات، وورد أن الجنَّة إذا سألها عبد أمنت عَلَى دعائه
(1)
، وكذا النَّار، ولا منافاة في الجمع بين الحرِّ والبرد في النار؛ لأن النار عبارة عن جحيم، وفي بعض زواياها نار، وفي أخرى الزمهرير، وقد ورد أن جهنم تقاد بسبعين ألف زمام
(2)
.
وأنها تخاطب المؤمن بقولها: "جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي"
(3)
.
(1)
روي ذلك عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة .. " الحديث. رواه الترمذي (2572)، والنسائي 8/ 279، وابن ماجه (4340)، وأحمد 3/ 208، والحاكم في "المستدرك" 1/ 534 - 535، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال الألباني في "صحيح الترمذي" (2079): صحيح.
(2)
قد ورد من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها" الحديث. رواه مسلم (2842) كتاب: الجنة ونعيمها، باب: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، والترمذي (2573).
(3)
رواه الطبراني في "الكبير" 22/ 258 - 259 (668)، وابن عدي في "الكامل" 8/ =
وقولها: "أكل بعضي بعضًا"
(1)
. هو من شدتها كادت تحرق نفسها.
قَالَ ابن عباس: خلق الله النَّار عَلَى أربعة: فنار تأكل وتشرب، ونار لا تأكل ولا تشرب، ونار تشرب ولا تأكل، ونار عكسه.
فالأولى: التي خلقت منها الملائكة.
والثانية: التي في الحجارة، وقيل: التي رفعت لموسى صلى الله عليه وسلم ليلة المناجاة.
والثالثة: التي في البحر، وقيل: التي خلقت منها الشمس.
والرابعة: نار الدنيا ونار جهنم تأكل لحومهم وعظامهم، ولا تشرب دموعهم ولا دماءهم بل يسيل ذَلِكَ إلى عين الخبال، فيشرب ذَلِكَ أهل النار ويزدادون بذلك عذابًا
(2)
.
وأخبر الشارع أن عصارة أهل النار شراب من مات مصرًّا عَلَى شرب الخمر
(3)
. نقل ذَلِكَ ابن بزيزة، وقال: الله أعلم بصحة ذلك، والذي في "الصحيح": أن نار الدنيا خلقت من نار جهنم
(4)
.
= 131 ترجمة (1881) وأبو نعيم في "الحلية" 9/ 329 من حديث يعلى بن منية. قال ابن رجب: غريب وفيه نكارة، "التخويف من النار" 251، والحديث ضعفه الألباني:"الضعيفة"(3413).
(1)
هو في أحاديث هذا الباب برقم (537).
(2)
رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" ص 272 (627). من طريق أبي صالح، عن معاوية أنه قال: بلغنا أن النيران أربع
…
(3)
روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام إن على الله عز وجل عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال" قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال:"عرق أهل النار- أو عصارة أهل النار"(2002) كتاب: الأشربة، باب: بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام.
(4)
سيأتي برقم (3265) كتاب: بدء الخلق، باب: صفة النار وأنها مخلوقة من حديث أبي هريرة.
وقال: قَالَ، ابن عباس: ضربت بالماء سبعين مرة، ولولا ذلك ما انتفع بها الخلائق، وإنما خلقها الله؛ لأنها من تمام الدنيوية، وفيها تذكرة لنار الآخرة وتخويف من عذابها، نسأل الله العافية منها ومن سائر البلايا.
فائدة: الزمهرير: قيل: هو شدة البرد، ويطلق علي القمر أيضًا، قيل في قوله تعالى:{لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} [الإنسان: 13]، أنه القمر؛ لأنهما عُبدا من دون الله، وورد أنهما يكوران في النار يوم القيامة
(1)
، وهو ضعيف. لا كما قد وقع في بعض نسخ الأطراف.
وقوله: ("بِنَفَسَيْن"): النَفَس بفتح النون والفاء: واحد الأنفاس.
(1)
رواه مسدد في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة" للبوصيري 2/ 211 (1357)، والطحاوي "مشكل الآثار" كما في "تحفة الأخيار" 9/ 423 (6780) وكذا أخرجه البخاري، وهو هنا برقم (3200) عن مسدد به بدون زيادة "في النار".
10 - باب الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ
539 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ -مَوْلًى لِبَنِي تَيْمِ اللهِ- قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "أَبْرِدْ". ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ "أَبْرِدْ". حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ". [انظر: 535 - مسلم: 616 - فتح: 2/ 20]
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (تَتَفَيَّأُ): تتميل.
ذكر فيه حديث أبي ذر، وقد سلف في الباب قبله بالكلام عليه.
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: (تَتَفَيَّأُ)[النحل: 48]: تَتَمَيَّلُ، وقد سلف الكلام عَلَى الفيء أيضًا.
11 - باب وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ الزَّوَالِ
وَقَالَ جَابِر: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالْهَاجِرَةِ. [انظر: 560]
540 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ:"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا". فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ:"سَلُونِي". فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ "أَبُوكَ حُذَافَةُ". ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي". فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ". [انظر: 93 - مسلم: 2359 - فتح: 2/ 21]
541 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِى الْمَغْرِبِ- وَلَا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ. ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. وَقَالَ مُعَاذٌ: قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُهُ مَرَّةً فَقَالَ: أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ. [547، 568، 599، 771 - مسلم: 461، 647 - فتح: 2/ 22]
542 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي: ابْنَ مُقَاتِلٍ -قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّان، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالظَّهَائِرِ فَسَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ. [انظر: 385 - مسلم: 620 - فتح: 2/ 22]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها: حديث جابر علقه فقال: وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالْهَاجِرَةِ.
وهذا التعليق قد أسنده في باب وقت المغرب كما ستراه
(1)
.
ثانيها: حديث أنس: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى المِنْبَرِ .. الحديث.
هذا الحديث تقدم الكلام عَلَى بعض متنه في باب: من برك عَلَى ركبتيه عند الإمام أو المحدث
(2)
، وهو: من أبي؟ قَالَ: "أبوك حذافة" فبرك عمر. إلى قوله: وبمحمد نبيًّا فسكت. زاد هنا: ثم قَالَ: "عرضت علي الجنة والنار آنفًا في عُرْضِ هذا الحائط فلم أر كالخير والشر"، وذكره البخاري فيما سيأتي من حديث بكر المزني عن أنس قَالَ: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهائر سجدنا عَلَى ثيابنا اتقاء الحر
(3)
.
ومعنى (زاغت): مالت، وكل شيء مال وانحرف عن الاعتدال فقد زاغ، قَالَ تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] وفي الترمذي من هذا الوجه: صلى الظهر حين زالت الشمس. وصححه
(4)
.
(1)
سيأتي برقم (560).
(2)
سبق برقم (93) كتاب: العلم.
(3)
سيأتي برقم (542) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت الظهر عند الزوال.
(4)
الترمذي (156) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في التعجيل بالظهر، وقال: حديث صحيح، وهو أحسن حديث في هذا الباب. اهـ قلت: متن هذِه الطريق في البخاري، بعد تمام شرح حديث الباب هنا من حديث أبي برزة رضي الله عنه.
قَالَ ابن المنذر: أجمع العلماء على أن وقت الظهر زوال الشمس
(1)
.
وما حكاه القاضي عبد الوهاب في "فاخره" عن بعض الناس أنه
يجوز افتتاح الظهر قبل الزوال غلط فاحش من قائله غير معتد به، وكذا ما نقل عن بعضهم أنه يدخل إذا صار الفيء قدر الشراك.
وحكى ابن بطال عن الكرخي عن أبي حنيفة أن الصلاة في أول الوقت تقع نفلًا، وثانيه أنه واجب موقوف، واستغرب الأول
(2)
.
قَالَ المهلب: وإنما خطب الشارع بعد الصلاة وذكر الساعة وقال: "سلوني" لأنه بلغه أن قومًا من المنافقين ينالون منه، ويعجزونه عن بعض ما يسألونه عنه، فتغيظ عليهم وقال:"لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به" وبكاء الناس خوف نزول العذاب المعهود في الأمم الخالية عند تكذيب الرسل، كانوا إذا جاءتهم آية فلم يؤمنوا لم يمطلهم العذاب، قَالَ تعالى:{وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ} [الأنعام: 8] و {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11]، فبكوا إشفاقًا من ذَلِكَ الأمر، ألا ترى فهم عمر حين برك عَلَى ركبتيه وقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا حين قَالَ صلى الله عليه وسلم للسائل له عن أبيه:"أبوك حذافة" وكان هذا الرجل لا يعرف أبوه حَتَّى أخبر به الشارع.
وقال ابن الجوزي: إنهم بكوا لغضبه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ("في عُرْضِ هذا الحائط") عُرض الشيء: جانبه، يقال: نظرت إليه عن عرض، وعُرض النهر والبحر: وسطهما، قاله الخليل.
(1)
"الإجماع" ص 36 (34).
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 163 - 164.
الحديث الثالث:
ذكر فيه حديث أبي المنهال عن أبي برزة: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى المِائَةِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إلى أَقْصَى المَدِينَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي المَغْرِبِ، وَلَا يُبَالِي بِتَأخِيرِ العِشَاءِ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ. قَالَ: أو إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. وَقَالَ مُعَاذ: قَالَ شُعْبَةُ: ثُّمَّ لَقِيتُهُ مَرَّةً فَقَالَ: أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث سيأتي قريبًا في باب وقت العصر
(1)
، وفي باب ما يكره من النوم قبل العشاء
(2)
، وفي السمر بعد العشاء
(3)
، والقراءة في الفجر
(4)
. وأخرجه مسلم والأربعة
(5)
.
ثانيها:
أبو المنهال اسمه: سيار بن سلامة، تابعي ثقة، مات بعد المائة
(6)
،
(1)
سيأتي برقم (547).
(2)
سيأتي برقم (568).
(3)
سيأتي برقم (599).
(4)
سيأتي برقم (771).
(5)
رواه مسلم (461) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الصبح. وأبو داود (398)، والترمذي (168)، والنسائي 1/ 262، وابن ماجه (674).
(6)
وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي. روى له الجماعة. انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 236، "التاريخ الكبير" 4/ 160 ترجمة (2327)، "الجرح والتعديل" 4/ 254 ترجمة (1101)، "الثقات" 4/ 335، "تهذيب الكمال" 22/ 308 ترجمة (2667)، "إكماله" لمغلطاي 6/ 184 ترجمة (2319).
ووالده ذكره العسكري
(1)
.
وأبو برزة اسمه: نضلة بن عبيد عَلَى الأصح الأشهر فيه، شهد
الفتح، ومات بعد الستين
(2)
، وهاء برزة ملفوظ بها، وهي تاء في الوصل، وقد يشتبه بأبي بردة لكن لفظًا لا خطًّا، ولهم في الأسماء بُرزة بضم الباء، شيخ ابن ماكولا، ونضلة يشتبه بنَضَلة بفتح الضاد في العرب، وبنصلة بالمهملة، لقب محمد بن محمد الجرجاني المقرئ.
ثالثها:
(كان) هذِه تشعر بالدوام، وذكره الخمس دون الوتر دال عَلَى عدم وجوب الوتر خلافًا لأبي حنيفة
(3)
.
(1)
"إكمال تهذيب الكمال" مغلطاي 6/ 184 ترجمة (2319) وقال: قال العسكري: لأبيه صحبة.
(2)
نضلة بن عبيد أبو برزة الأسلمي من بني سلامان بن أسلم، أسلم قديمًا، وشهد فتح مكة، وهو الذي قتل عبد العزى بن خطل تحت أستار الكعبة يوم الفتح لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات منه خيبر. سكن البصرة، وله بها دار وعقب، توفي بعد أبي بكرة.
روى عنه: أبو العالية الرياحي، وأبو عثمان النهدي، والحسن، وكنانة بن نعيم وغيرهم.
انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 5/ 2682 (2891)، "الاستيعاب" 4/ 58 - 59 (2638)، "أسد الغابة" 5/ 321 (5219)، "الإصابة" 3/ 556 (8716).
(3)
قلت: وجوب الوتر هي الرواية عن أبي حنيفة بناءً على التفرقة بين الفرض والواجب. أما عن مسألة حكم الوتر ففيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الوتر سنة مؤكدة، وهو مذهب جمهور الفقهاء حيث ذهب إليه أبو حنيفة في رواية، ومحمد وأبو يوسف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة على الصحيح وكذا الظاهرية.
القول الثاني: أن الوتر واجب، وهو الرواية المشهورة عن أبي حنيفة، كما أسلفت، وهو رواية عن أحمد. =
رابعها:
معرفة الجليس النظر إلى وجهه، تؤيده رواية مسلم: حين يعرف بعضنا وجه بعض
(1)
. وليجس في هذا مخالفة لقول عائشة في النساء: ما يعرفهن أحد من الغلس
(2)
لأن هذا إخبار [عن] رؤية جليسه، وذاك إخبار عن رؤية النساء من بُعد، وهذا يقوي من يقول بتغليس الفجر، ويأتي -إن شاء الله- في باب: وقت الفجر، وأما باقي الحديث فذكر البخاري لكل منها بابًا مستقلًّا، وستقف عليه إن شاء الله.
وقوله: (وَقَالَ مُعَاذٌ: قَالَ شُعْبَةُ) قد أخرجه مسلم عن عُبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة
(3)
. ومعنى: (والشمس حية): لم تصفر ولم تتغير.
الحديث الرابع:
حديث أنس: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالظَّهَائِرِ سجدنا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الحَرِّ.
= القول الثالث: أن الوتر فرض إما مطلقًا، وإما على أصناف بعينهم، ذهب أبو حنيفة في رواية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه واجب على من تهجد بالليل.
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 270، "الهداية" 1/ 170، "التفريع" 1/ 267، "النوادر والزيادات" 1/ 489، "الأم" 1/ 125، "البيان" 2/ 265، "المجموع" 3/ 505، "الانتصار" 2/ 489، "المغني" 2/ 591، "الأخبار العلمية" ص 96.
(1)
مسلم (647) كتاب: المساجد، باب: استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس وبيان قدر القراءة فيها.
(2)
سيأتي برقم (867).
(3)
برقم (647/ 237).
هذا الحديث تقدم في السجود عَلَى الثوب في شدة الحر
(1)
، وسبب ذَلِكَ كثرة حر الحجاز، وليس هذا في حين شدة الحر هذا الذي أمر فيه بالإبراد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان جل أمره المبادرة، ويجوز أن يبادر في الحر بالظهر، وقد أمرنا بالإبراد وأخذ بالشدة عَلَى نفسه، ولئلا يظن أحدٌ أن الصلاة لا تجوز في الوقت الذي أمر فيه بالإبراد، فأراد تعليم أمته والتوسعة عليهم.
والظهائر: جمع ظهيرة، والظهيرة: شدة الحر.
وشيخ البخاري فيه محمد بن مقاتل، كما نص عليه خلف، وشيخه عبد الله هو ابن المبارك.
(1)
سلف برقم (385) كتاب: الصلاة.
12 - باب تَأْخِيِر الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ
543 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -هُوَ: ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا، الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. فَقَالَ أَيُّوبُ: لَعَلَّهُ فِى لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ؟ قَالَ: عَسَى. [562، 1174 - مسلم: 705 - فتح 2/ 23]
ذكر فيه حديث ابن عباس أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا، الظُهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. فَقَالَ أَيُّوبُ: لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ. قَالَ: عَسَى.
هذا الحديث ذكره البخاري أيضًا في باب: وقت المغرب
(1)
، وفي باب: الجمع في السفر بين المغرب والعشاء
(2)
، وفي باب: من لم يطوع (بعد)
(3)
المكتوبه
(4)
.
وأخرجه مسلم
(5)
وأبو داود
(6)
والنسائي
(7)
.
ومعنى: (سبعًا). يريد: المغرب والعشاء. و (ثمانيا). يريد: الظهر والعصر.
وقد تأوله مالك كما تأوله أيوب، وبه أخذ الشافعي فجوزه تقديمًا لا تأخيرًا بشروطه المقررة في "الفروع".
(1)
سيأتي برقم (562) كتاب: مواقيت الصلاة.
(2)
سيأتي برقم (1107) أبواب تقصير الصلاة.
(3)
في الأصول: بين والمثبت من "الصحيح".
(4)
سيأتي برقم (1174) أبواب التهجد.
(5)
برقم (705).
(6)
سيأتي (1210، 1281).
(7)
"السنن الكبرى" 1/ 157 (382).
وبه قال أبو ثور ووافقنا مالك في المغرب مع العشاء، وخالف في الظهر والعصر، وحكي عن ابن عمر وعروة وسعيد بن المسيب والقاسم وأبي بكر بن عبد الرحمن وأبى سلمة وعمر بن عبد العزيز
(1)
، وبه قَالَ أحمد وإسحاق
(2)
.
وقال مالك: يجمع بين المغرب والعشاء في الطين والظلمة وإن لم يكن مطر
(3)
.
وكان عمر بن عبد العزيز يرى الجمع في الريح والظلمة
(4)
.
والجمع عند مالك أن تؤخر المغرب، ثم يؤذن لها وتقام ويصلي، ثم يؤذن في المسجد للعشاء، ثم يصلي وينصرف قبل مغيب الشفق؛ لينصرف وعليه إسفار.
وقال محمد بن عبد الحكم: الجمع في ليلة المطر في وقت المغرب، ولا يؤخر المغرب؛ لأنه إذا أخرها لم يصل واحدة منهما في وقتها، ولأن يصلي في وقت إحداهما أولى. وحكي عن ابن وهب وأشهب أيضًا
(5)
.
وخالف أبو حنيفة وأصحابه هذا الحديث وقالوا: لا يجمع أحد بين الصلاتين في مطر ولا غيره
(6)
. قالوا: وحديث ابن عباس ليس فيه صفة الجمع، ويمكن أن يكون أخَّر الظهر إلى آخر وقتها وصلاها، ثم صلى
(1)
انظر: "الأوسط" 2/ 430 - 432.
(2)
انظر: "المغني" 3/ 132، "الأوسط" 2/ 430.
(3)
"المدونة" 1/ 110.
(4)
المصدر السابق.
(5)
انظر: "عقد الجواهر" 1/ 157.
(6)
انظر: "شرح فتح القدير" 2/ 48.
العصر في أول وقتها، وصنع بالمغرب والعشاء كذلك. قالوا: وهذا يسمى جمعًا، ولا يجوز أن تحال أوقات الحضر إلا بيقين. وروي عن الليث مثله.
وقد تأول عمرو بن دينار وأبو الشعثاء في هذا الحديث مثل تأويل أبي حنيفة، وإليه أشار البخاري في ترجمته، وقال به ابن الماجشون، وهو ضعيف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما لم يجمع بين العصر والمغرب، ولا بين العشاء والصبح علمنا أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاتين في وقت إحداهما، وهو وقت الأخرى، ولو كان هذا الجمع جائزًا لجاز في العصر مع المغرب، والعشاء مع الصبح، والإجماع خلافه، عَلَى أنه روي حديث ابن عباس هذا عَلَى خلاف ما تأوله أيوب ومالك، ففي "صحيح مسلم": من غير خوف ولا مطر
(1)
. وظاهرها جواز الجمع في الحضر بمجرد الحاجة، وبه قالت طائفة من العلماء، وجوَّزه جماعة بالمرض، ونقله البخاري في باب: وقت المغرب عن عطاء
(2)
، وهو ظاهر.
وهذا الحديث حجة في اشتراك أوقات الصلوات كما ذكرنا، ولا عبرة بقول من قَالَ: إن بين آخر وقت الظهر وأول وقت العصر فاصلة لا تصلح لهما. وعلى من قَالَ: لا يدخل وقت العصر حَتَّى يصير ظل كل شيء مثليه.
(1)
برقم (705) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر.
(2)
ذكر البخاري قول عطاء قبل الراوية الآتية برقم (559).
13 - باب وَقْتِ العَصْرِ
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ: مِنْ قَعْرِ حُجْرَتِهَا.
544 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا. [انظر: 522 - مسلم: 611 - فتح: 2/ 25]
545 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا، لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ مِنْ حُجْرَتِهَا. [انظر: 522 - مسلم: 611 - فتح: 2/ 25]
546 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاةَ الْعَصْرِ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِى حُجْرَتِي، لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ بَعْدُ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَشُعَيْبٌ، وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ: وَالشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ. [مسلم: 611 - فتح: 2/ 25]
547 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ -وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ- وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. [انظر: 541 - مسلم: 461 - فتح: 2/ 26]
548 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَنَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ. [550، 551، 7329 - مسلم: 621 - فتح: 2/ 26]
549 -
حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: الْعَصْرُ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ. [مسلم:623 - فتح: 2/ 26]
ذكر فيه سبعة أحاديث:
أحدها: معلقًا فقال: وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ: مِنْ قَعْرِ حُجْرَتِهَا.
وهذا قد أسنده الإسماعيلي عن ابن ناجية وغيره، عن أبي عبد الرحمن، ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس في قعر حجرتها وقد سلف طرف منه في المواقيت
(1)
.
الحديث الثاني: حديث عائشة قالت: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا.
هذا الحديث هو الذي أشرنا إليه آنفًا أنه أخرجه في المواقيت
(2)
، وقد سلف الكلام عليه هناك.
الحديث الثالث: حديثها أيضًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى العَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا، لَمْ يَظْهَرِ الفَيءُ مِنْ حُجْرَتِهَا.
الحديث الرابع: عنها أيضًا: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاةَ العَصْرِ وَالشَّمْسُ طَالِعَة فِي حُجْرَتي، لَمْ يَظْهَرِ الفَيءُ بَعْدُ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَشُعَيْبٌ، وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ: وَالشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ.
(1)
سلف برقم (522)، باب: مواقيت الصلاة وفضلها.
(2)
سلف برقم (522).
وهذا التعليق ذكره البخاري عقب حديث ابن عيينة هذا. وذكره خلف في "أطرافه" عقب حديث الليث، وهو الحديث الثالث. وحديث مالك عن ابن شهاب سلف في باب المواقيت
(1)
.
الحديث الخامس: حديث سيار بن سلامة.
وقد سلف بطوله في باب: وقت الظهر عند الزوال
(2)
، وهو الحديث الثالث منه، وزاد فيه: كان يصلي عَلَى الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، وكان يستحب أن يؤخرَّ العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه.
وسيأتي كل ذَلِكَ.
وسميت الأولى؛ لأنها أول صلاة صلاها جبريل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فظاهره يقتضي وقوعها عند الدحض، وهو الزوال كما سلف هناك.
والمراد: عقبه.
وتدحض: تزول، وأصله الزلق. والهجير والهاجرة: وقت شدة الحر، سميت هاجرة لهرب كل شيء منها
(3)
.
الحديث السادس: حديث أنس:
كُنا نُصَلِّي العَصْرَ ثُمَّ يَخرُجُ الإِنْسَانُ إلى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَنَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ العَصْرَ.
(1)
سلف برقم (521)، باب: مواقيت الصلاة وفضلها.
(2)
سلف قريبًا برقم (541).
(3)
"تهذيب اللغة" 4/ 3718 - 3719 مادة: هجر.
ذكره من حديث مالك عن إسحاق، عنه.
وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
، قَالَ أبو عمر: هذا يدخل في المسند.
وقد روي عنه: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وروي عن مالك: ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة
(3)
. ووهم فيه.
قلت: قد أخرجها هنا من جهته كما ستعلمه.
وقال النسائي: لم يتابعه أحد عليه. والمعروف العوالي. كما في البخاري ومسلم أيضًا
(4)
.
وقد تابع مالكًا ابن أبي ذئب من رواية الشافعي كما ذكره الباجي في "شرح الموطأ"
(5)
.
الحديث السابع: حديث أبي أمامة قال: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي العَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَا هذِه الصَّلَاةُ التِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: العَصْرُ، وهذِه صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم التِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ.
هذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي أيضًا
(6)
، وهذِه الواقعة كانت
بالمدينة حين ولي عمر بن عبد العزيز نيابة لا خلافة؛ لأن أنسًا توفي قبل
(1)
برقم (621) كتاب: المساجد، باب: استحباب التبكير بالعصر.
(2)
"التمهيد" 1/ 259.
(3)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 216 (551) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت العصر، ومسلم (621) كتاب: المساجد، باب: استحباب التبكير بالعصر.
(4)
سيأتي قريبًا جدًّا (550)، ورواه مسلم برقم (621) كتاب: المساجد، باب: استحباب التبكير بالعصر.
(5)
"المنتقى" 1/ 18.
(6)
مسلم (623) كتاب: المساجد، والنسائي 1/ 253.
خلافة عمر
(1)
، وكان فعل عمر هذا عَلَى جاري عادة الأمراء قبله، قبل أن يبلغه التقديم، فلما بلغه صار إليه، ويجوز أن يكون لعذر عرض له.
وفي مسلم وأبي داود والترمذي وصححه من حديث العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل عَلَى أنس في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، وداره بجنب المسجد، فلما دخلنا عليه قَالَ: أصليتم العصر؟ فقلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر. قَالَ: فصلوا العصر. فقمنا فصلينا، فلما انصرف قَالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس، حَتَّى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا"
(2)
وليس للعلاء عن أنس في "صحيح مسلم" غيره.
ثم ذكر البخاري أيضًا:
(1)
خلافة عمر بن عبد العزيز كانت سنة تسع وتسعين كما في "البداية والنهاية" 9/ 217 وتوفي أنس رضي الله عنه سنه إحدى وتسعين، كذا قال الواقدي. وقيل: سنة اثنتين وتسعين. وقيل: سنة ثلاث وتسعين قاله خليفة بن خياط وغيره وكان عمره إذ مات فوق المائة وهو آخر من مات من الصحابة بالبصرة قاله أبو عمر، "معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 14 - 15، "معجم الصحابة" لأبي نعيم 1/ 231 - 238، "الاستيعاب" 1/ 198 - 200، "أسد الغابة" 1/ 151 - 152، و"الإصابة" 1/ 71 - 72.
(2)
مسلم (622) كتاب: المساجد، باب: استحباب التبكير بالعصر، وأبو داود (413)، والترمذي (160).
13 - باب
(1)
وَقْتِ العَصْرِ
550 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ. [انظر: 548 - مسلم: 621 - فتح: 2/ 28]
551 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. [انظر: 548 - مسلم: 621 - فتح: 2/ 28]
وذكر فيه حديث أنس بلفظين:
أحدهما: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذاهِبُ إِلَى العَوَالِي فَيَأتيهِمْ وَالشَمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ العَوَالِي مِنَ المَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالِ أَوْ نَحْوِهِ.
الثاني: كنَّا نُصَلِّي العَصْرَ ثُمَّ يَذْهَبُ الذاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءِ، فَيَأْتيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَة.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا والنسائي
(2)
، وهذا الباب مع ما قبله دالٌ عَلَى تعجيل العصر، وأنه السُّنَّة.
وقد اختلف العلماء في أول وقت العصر وآخره والأفضل من ذَلِكَ، فقال مالك والثوري وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو ثور: أوَّل
(1)
ورد في هامش الأصل: هذا الباب ليس موجودًا في نسخة الدمياطي، وهو في نسخ كثيرة، وقد وجدته في نسخة عندي قديمة من طريق الكشميهني ( .... ) والمستملي ( .... ).
(2)
مسلم (621) كتاب: المساجد، باب: استحباب التبكير بالعصر، والنسائي 1/ 252.
وقته إذا صار ظل كل شيء مثله
(1)
.
زاد الشافعي: وزاد أدنى زيادة
(2)
.
وقال أبو حنيفة: أول وقته مصير الظل مثليه بعد الزوال، ومن صلاها قبل ذَلِكَ لم يجز
(3)
.
فخالف الآثار، وخالفه أصحابه، وعنه رواية كالجماعة، واختارها الطحاوي
(4)
.
وعنه ثالثة: إذا صار ظل كل شيء مثله خرج وقت الظهر، ولا يدخل وقت العصر حَتَّى يصير ظل كل شيء مثليه سوى في الزوال، وهي في "البدائع"
(5)
.
ورابعة: إذا صار الظل أقل من قامتين يخرج وقت الظهر، ولا يدخل وقت العصر حَتَّى يصير قامتين، وصححه الكرخي. وخامسة: بين القامة والقامتين وقت مهمل.
وعن مالك: إذا صار قامة دخل وقت العصر، ولم يخرج وقت الظهر بل يبقى بعد ذَلِكَ قدر أربع ركعات تصلح للظهر والعصر أداء
(6)
.
وبه قَالَ ابن راهويه والمزني وابن جرير وابن المبارك، وحكي عن
(1)
انظر: "التمهيد" 1/ 176، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 194، وفيما ذكره عن الإمام أحمد نظر، فإن وقت العصر عنده يدخل حين يكون ظل كل شيء مثليه، انظر:"مختصر الخرقي" ص 17، "المغني" 2/ 14.
(2)
انظر: "المجموع" 3/ 30.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 194.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 149 - 150.
(5)
"بدائع الصنائع" 1/ 123.
(6)
انظر: "المنتقى" 1/ 14، "التاج والإكليل" 2/ 19، "الذخيرة" 2/ 14.
أبي ثور أيضًا
(1)
.
وحكى ابن قدامة في "المغني" عن ربيعة أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس. وعن عطاء وطاوس: إذا صار كل شيء مثله دخل وقت العصر، وما بعده وقت لهما عَلَى سبيل الاشتراك حَتَّى الغروب
(2)
.
وأما آخر وقت العصر فقال أكثر العلماء: غروب الشمس.
وقال الحسن بن زياد: تغيرها إلى الصفرة. حكاه عنه السرخسي، ثم قَالَ: والعبرة بتغير القرص عندنا. وهو قول الشعبي.
وقال النخعي: لتغير الضوء
(3)
.
وقال الإصطخري من أصحابنا: إذا صار ظل كل شيء مثليه خرج وقته، ويأثم بالتأخير بعده، ويكون قضاء
(4)
، ولا يدخل وقت المغرب إلا بالغروب، وما بينهما وقت مهمل. وذكر أصحابنا للعصر خمسة أوقات أوضحناها في "الفروع" وزدنا عليها.
ونقل ابن رشد عن الظاهرية أن آخر وقتها قبل الغروب بركعة
(5)
.
وأما الأفضل في وقت العصر: فذكر الترمذي أن عمر وابن مسعود وعائشة وأنسًا وغير واحد من التابعين اختاروا تعجيلها، وكرهوا تأخيرها.
قَالَ: وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق
(6)
.
(1)
انظر: "الأوسط" 2/ 331، "المجموع" 3/ 30، "المغني" 2/ 14 - 15.
(2)
"المغني" 2/ 14.
(3)
"المبسوط" 1/ 144.
(4)
انظر: "المجموع" 3/ 31.
(5)
"بداية المجتهد" 1/ 188 - 189.
(6)
"جامع الترمذي" 1/ 300.
قلت: وبه قَالَ الأوزاعي والليث
(1)
.
وعند الحنفية الأفضل تأخيرها ما لم تتغير الشمس
(2)
.
وحكي عن جماعة منهم أبو هريرة وأبو قلابة والنخعي
(3)
والثوري وابن شبرمة، ورواية عن أحمد
(4)
.
واختلفوا في تغير الشمس، فقيل: بتغير الشعاع عن الحيطان، وقيل: يوضع طست في أرض مستوية، فإن ارتفعت الشمس من جوانبه فقد تغيرت. وإن وقعت في جوفه لم تتغير.
وفي "المحيط" لهم: إذا كان قدر رمح لم تتغير، ودونه قد تغيرت، وقيل: إن كان يمكن النظر إلى القرص من غير كلفة ومشقة فقد تغيرت
(5)
. والصحيح تغير القرص.
قَالَ المرغيناني: والتأخير إلى هذا الوقت هو المكروه دون الفعل
(6)
.
وفي "المبسوط": أنه يصلي العصر والشمس بيضاء نقية
(7)
.
وهذا كمذهب باقي الجماعة، ولهم الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 195، "السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 649، "البيان" 2/ 41.
(2)
انظر: "الأصل" 1/ 145 - 146، "موطأ مالك برواية الشيباني" ص 33، "مختصر الطحاوي" ص 24.
(3)
انظر: "المصنف" 1/ 289 (3309، 3312، 3318).
(4)
انظر: "المغني" 2/ 15.
(5)
"المحيط البرهاني" 2/ 8 - 9.
(6)
"الهداية" 1/ 43.
(7)
1/ 144.
وقال الأثرم: بعد ذكر أحاديث التعجيل والتأخير: إنما وجهها إن كانت محفوظة أن يكون ذَلِكَ عَلَى غير تعمد لكن لعذر أو لأمر يكون
(1)
.
استدل من قَالَ بالتأخير بأوجه:
أحدها: حديث يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان، عن أبيه، عن جده قَالَ: قدمنا عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فكان يؤخر العصر مادامت الشمس بيضاء نقية. أخرجه أبو داود
(2)
. وفي إسناده من يجهَّل.
ثانيها: حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير هذِه الصلاة يعني: العصر.
قَالَ الدارقطني: يرويه عبد الواحد بن نافع. وليس بالقوي. ولا يصح هذا الحديث عن رافع ولا عن غيره من الصحابة. والصحيح عن رافع وغيره من الصحابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم التعجيل بصلاة العصر
(3)
.
وقال الترمذي: يروى عن رافع مرفوعًا، ولا يصح
(4)
.
وروي تأخيرها من فعل علي وأنه السنة، وصححه الحاكم
(5)
.
وفي الترمذي عن أم سلمة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلًا للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلًا للعصر منه
(6)
.
(1)
انظر: "المغني" 2/ 15 - 16.
(2)
رواه أبو داود (408)، وقال النووي في "المجموع" 3/ 58: حديث باطل لا يعرف، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(63).
(3)
"سنن الدارقطني" 1/ 251 - 252.
(4)
"سنن الترمذي" 1/ 300.
(5)
" المستدرك" 1/ 192.
(6)
برقم (161)، وصححه أحمد شاكر 1/ 304، والألباني في "صحيح الترمذي"(138).
واستدلوا أيضًا بحديث: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر
(1)
، ولا دلالة فيه.
ونقله الطحاوي عن إجماع الصحابة
(2)
، ولا نسلم له، والأحاديث السالفة دالة للجمهور.
ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة. وكذا إلى العوالي. وبعض العوالي على أربعة أميال ونحوه.
وفي "صحيح مسلم": صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فلما انصرف أتاه رجل من بني سَلِمَةَ، فقال: يا رسول الله إنا نريد أن ننحر جزورًا لنا، ونحب أن تحضرها، فانطلق وانطلقنا معه، فوجدنا الجزور لم ينحر، فنحرت، ثم قطعت، ثم طبخ منهما، ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس
(3)
.
وفي "مستدرك الحاكم": كان أبعد رجلين من الأنصار من النبي صلى الله عليه وسلم أبو لبابة وأبو عبس ومسكنه في بني حارثة، فكانا يصليان مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتيان قومهما وما صلوا لتعجيله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
وصح في صلاة المنافق أنه ينتظر حَتَّى إذا اصفرت الشمس قام فنقرها أربعًا
(5)
وغير ذَلِكَ من الأحاديث.
(1)
سيأتي قريبًا برقم (555).
(2)
"شرح معاني الآثار" 1/ 194.
(3)
مسلم (624) كتاب: المساجد، باب: استحباب التبكير بالعصر.
(4)
1/ 195، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(5)
تقدم قريبًا جدًّا تخريج هذا الحديث وهو عند مسلم.
14 - باب إِثْمِ مَنْ فَاتَتْهُ العَصْرُ
552 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ". [مسلم: 626 - فتح: 2/ 30]
ذكر فيه حديث ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ العَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ".
الكلام عليه من أوجه:
وهو حديث ليس في الإسلام حديث يقوم مقامه؛ لأن الله تعالى قَالَ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238]، ولا يوجد حديث فيه تكييف المحافظة غيره، نبه عليه ابن بطال
(1)
.
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا من طريق مالك، عن نافع
(2)
وابن شهاب، عن سالم
(3)
. وأخرجه الكشي من حديث حماد بن سلمة عن أيوب، عن نافع، وزاد في آخره: وهو قاعد. وأخرجه النسائي من حديث نوفل بن معاوية
(4)
.
وزعم أبو القاسم في "الأوسط" أن نوفلًا رواه عن أبيه معاوية بلفظ: "لأن يوتر أحدكم أهله وماله خير له من أن تفوته صلاة العصر"
(5)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 175.
(2)
برقم (626/ 200) كتاب: المساجد، باب: التغليظ في تفويت صلاة العصر.
(3)
برقم (626/ 200، 201).
(4)
النسائي 1/ 237 - 238، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(5904).
(5)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"(2220) 14/ 365، والطبراني في "المعجم الكبير"(16387) 14/ 365، وذكره أبو نُعيم في "معرفة الصحابة" 17/ 359 (5498).
ثانيها:
(وتر) بضم الواو أي: نقص، يقال: وترته: إذا نقصته، فكأنه جعله وترًا بعد أن كان كثيرًا.
وفي بعض نسخ البخاري هنا: قَالَ أبو عبد الله: {يَتِرَكُمْ} أي: ينقصكم. وترت الرجل: إذا قتلت له قتيلًا وأخذت ماله
(1)
.
قَالَ الخطابي وغيره: نقص هو أهله وماله، وسلبهم فبقي بلا أهل ولا مال، فليحذر من يفوتها كحذره من ذهاب أهله وماله
(2)
.
وقال ابن عبد البر: معناه عند أهل اللغة أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا، والوتر: الجناية التي يطلب ثأرها، فيجتمع عليه غمان: غم المصيبة، وغم مقاساة طلب الثأر.
وقال الداودي من المالكية: معناه يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه عَلَى من فقد أهله وماله، فيتوجه عليه الندم والأسف؛ لتفويته الصلاة. وقيل: معناه: فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف كما يلحق من ذهب أهله وماله
(3)
.
وهذا كله عَلَى رواية من روى أهله وماله بالنصب، وهو الصحيح
(1)
انظر: عبد الرزاق 1/ 582 - 583 (2220)، والطبراني في "الكبير" 19/ 429 - 430 (1042)، وذكره الهيثمي في "المجمع" 1/ 308، والمتقي الهندي في "كنز العمال" 7/ 383 (19403).
أما ابن حجر فعزا الحديث إلى عبد الرزاق من حديث نوفل ولم يذكر: عن أبيه. "الفتح" 2/ 30 - 31. وقال في "الإصابة" 3/ 438: وفي إسناده ابن أبي سبرة، وهو ضعيف: وحديثه ليس بمحفوظ. اهـ.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 429.
(3)
"التمهيد" 14/ 123 بتصرف، وهو عند القاضي عياض في "إكماله" 2/ 590. بنصه.
المشهور عَلَى أنه مفعول ثان لوتر، وأضمر فيه مفعول ما لم يسمَ فاعله عائدًا إلى الذي فاتته الصلاة. وقيل: معناه وتر في أهله وماله، فلما حذف الخافض انتصب. ومن رواها بالرفع فعلى ما لم يسمَ فاعله.
وقال بعضهم عَلَى أنه بدل اشتمال أو بدل بعض، ومعناه: انتزع منه أهله وماله وذهب بهم، وهو تفسير الإمام مالك
(1)
.
ثالثها:
اختلف في المراد بفوات العصر في الحديث، فقال ابن وهب وغيره: فيمن لم يصلها في وقتها المختار.
وقال الأصيلي وسحنون: هو أن تفوته بالغروب، وقيل: إلى الاصفرار. وقد ورد مفسرًا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث، قَالَ فيه: وفواتها أن تدخل الشمس صفرة.
وروي عن سالم، عن أبيه أنه قَالَ: هذا فيمن فاتته ناسيًا.
وقال الداودي: هو في العامد
(2)
. وهو الأظهر للحديث الآتي في الباب بعده: "من ترك صلاة العصر حبط عمله". وهذا إنما يكون في العامد.
وقال المهلب: هو فواتها في الجماعة لما يفوته صلاة من شهود الملائكة الليلية والنهارية، ولو كان فواتها بغيبوبة أو اصفرار لبطل الاختصاص؛ لأن ذهاب الوقت كله موجود في كل صلاة.
وفي "موطأ" ابن وهب قَالَ مالك: تفسيرها ذهاب الوقت. وعند ابن
(1)
انظر قول مالك هذا في: "التمهيد" 14/ 122 - 124.
(2)
نقل الاختلاف في المراد بفوات العصر في الحديث القاضي عياض في "إكماله" 2/ 590 - 591، وصنيع المصنف في السياق مقارب جدًّا لما في "الإكمال".
منده: الموتور أهله وماله من وتر صلاة الوسطى في جماعة وهي صلاة العصر.
وفي "تفسير الطبري" عن سالم أن أباه كان يرى لصلاة العصر فضيلة للذي قاله صلى الله عليه وسلم فيها، ويرى أنها الصلاة الوسطى
(1)
.
وفي "علل ابن أبي حاتم": "من فاتته صلاة العصر" وفواتها أن تدخل الشمس صفرة الحديث. قَالَ أبو حاتم: التفسير من قبل نافع
(2)
.
رابعها:
تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالعصر يحتمل أن يكون عَلَى حسب السؤال، وعدا هذا فالصبح والعشاء ملحق بها، وخصت العصر لفضلها؛ ولكونها مشهودة الملائكة عند تعاقبهم، وعلى هذا يشاركها الصبح، أو خصت بذلك تأكيدًا وحضًّا عَلَى المباشرة عليها؛ لأنها تأتي في وقت أشغال الناس، وعلى هذا فالصبح أولى بذلك؛ لأنها تأتي في وقت النوم، والأظهر أنها خصت بالذكر؛ لأنها الوسطى عَلَى الصحيح
(3)
، وبها تختم صلوات النهار كما أسلفناه عن "تفسير الطبري".
(1)
2/ 570 (5392).
(2)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 149 - 150 (419).
(3)
اختلف العلماء في تعيين الصلاة الوسطى على أقوال:
القول الأول: أنها العصر، وهو قول الأحناف، وقول بعض المالكية، والشافعية، والحنابلة وداود وابن حزم، وهو قول بعض الصحابة والتابعين. وصححه المصنف.
القول الثاني: أنها الصبح، وهذا قول مالك وأهل المدينة، وقول الشافعى وجمهور أصحابه.
القول الثالث: أنها الظهر: وهو مروي عمن زيد بن ثابت وعلي وأبي هريرة وغيرهم.=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وجعلها بعض المصنفين رواية عن أبي حنيفة.
القول الرابع: أنها الصبح والعصر، وهو قول الأبهري من المالكية، واختاره ابن أبي جمرة.
القول الخامس: أنها العشاء، وهو قول بعض الشافعية ذهب إليه منهم علي بن أحمد النيسابوري.
القول السادس: أنها مبهمة، واختاره القرطبي وقال: وهو الصحيح إن شاء الله لتعارض الأدلة وعدم الترجيح، وصححه ابن العربي.
القول السابع: أنها الصلوات الخمس وهو قول معاذ بن جبل وروى عن ابن عمر وهو اختيار ابن عبد البر.
القول الثامن: أنها الجمعة، صححه القاضي حسين بن محمد المروزي من الشافعية وضعفه القاضي عياض والنووي، ورجحه أبو شامة.
القول التاسع: أنها الوتر، وذهب إليه السخاوي.
القول العاشر: أنها العشاء والصبح معًا، وحكي عن أبي الدرداء.
القول الحادي عشر: أنها المغرب وهو قول قبيصة بن ذؤيب وابن قتيبة.
القول الثاني عشر: أنها صلاة الضحى، وقد روى هذا القول الدمياطي عن بعض شيوخه.
القول الثالث عشر: أنها صلاة الخوف، ذكره الدمياطي ولم يذكر من قاله.
القول الرابع عشر: أنها صلاة الجماعة، وهو محكي عن الماوردي.
القول الخامس عشر: أنها صلاة عيد الفطر،، حكاه الدمياطي أيضًا.
القول السادس عشر: أنها صلاة عيد الأضحى، وهو قول ذكره ابن سيد الناس في "شرح الترمذي" وحكاه الدمياطي.
القول السابع عشر: أنها صلاتا العصر والعشاء، وهو قول الشيخ زروق من المالكية.
القول الثامن عشر: أنها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قولٌ آخر للشيخ زررق من المالكية.
القول التاسع عشر: أنها صلاة الليل، حكاه العيني في "عمدة القاري".
القول العشرون: أنها في الأيام المعتادة الظهر، وفي يوم الجمعة هي الجماعة، =
15 - باب مَنْ تَرَكَ العَصْرَ
553 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ". [594 - فتح:2/ 31]
ذكر فيه حديث هشامِ عن يحيى، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي المَلِيحِ قَالَ: كُنَا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلَاةِ العَصْرِ فَإِن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث ذكره البخاري أيضًا فيما سيأتي
(1)
.
وبُريدة: هو ابن الحُصيب الأسلمي
(2)
، وأبو المليح: اسمه عامر بن
= ذكره العيني.
القول الحادي والعشرون: أنها صلاة الصبح أو العصر على الترديد، حكاه العيني.
القول الثاني والعشرون: التوقف حكاه العيني أيضًا.
وقد صح من الأدلة بما يدل على أنها العصر كما صححه المصنف.
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 175 - 176، "أحكام القرآن" للجصاص 2/ 155، "عمدة القاري" 15/ 40، "التمهيد" 4/ 315، "مواهب الجليل" 2/ 35، "الجامع لأحكام القرآن" 3/ 210، "طرح التثريب" 2/ 173، "روضة الطالبين" 1/ 182، "فتح الباري" 8/ 196، "الإفصاح" 1/ 223، "المغني" 2/ 18، "الشرح الكبير" 3/ 141.
(1)
سيأتي برقم (594) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: التبكير بالصلاة في يوم غيم.
(2)
هو بريدة بن الحُصيب -بضم الحاء المهملة- بن عبد الله بن الحارث. أسلم قبل بدر ولم يشهدها وشهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان ومات في خروجه غازيًا في سبيل الله بمروٍ في إمرة يزيد بن معاوية "معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 75 (72)، =
أسامة الهذلي، تابعي ثقة
(1)
، وأبو قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي
(2)
.
وأخرجه ابن ماجه وابن حبان من حديث الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي المهاجر، عنه. قَالَ ابن حبان: وهم الأوزاعي في تصحيفه عن يحيى فقال: عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب عم أبي قلابة، واسمه عمرو. ثم ساقه من حديث الأوزاعي، عن يحيى عن أبي قلابة، عن عمه، عنه عَلَى الصواب
(3)
.
واعترض عليه الضياء المقدسى فقال: الصواب أبو المليح عن بريدة.
ثانيها:
اختلف في معنى تركها، فقال المهلب: معناه: من فاتته فوات مضيع متهاون بفضل وقتها مع قدرته عَلَى آدائها فحبط عمله في الصلاة خاصة. أي: لا يحصل له أجر المصلي في وقتها، ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة.
وقال غيره: تركها جاحدًا، فإذا فعل ذَلِكَ فقد كفر وحبط عمله. ورد بأن ذَلِكَ مقول في سائر الصلوات، فلا مزية إذًا.
قد ورد من حديث عمر مرفوعًا: "من ترك صلاة متعمدًا أحبط الله
= "الاستيعاب" 1/ 263 (219)، "أسد الغابة" 1/ 209 (398)، "الإصابة" 1/ 146 (632).
(1)
"معرفة الثقات" للعجلي 2/ 429 (2261)، "الجرح والتعديل" 6/ 319 (1381)، "الثقات" لابن حبان 5/ 190، "تهذيب الكمال" 34/ 318 (7649).
(2)
تقدمت ترجمته في شرح الحديث (16).
(3)
رواه ابن ماجه (694) كتاب: الصلاة، باب: ميقات الصلاة في النعيم، وابن
حبان 4/ 332 - 333 (1470) كتاب: الصلاة، باب: الوعيد على ترك الصلاة.
عمله، وبرئت منه ذمة الله تعالى حَتَّى يراجع لله توبة"
(1)
وإسناده لا يقوى.
وقال ابن بزيزة: هذا عَلَى وجه التغليظ -إذ لا يحبط الأعمال إلا الشرك- أو حبط جزاء عمله أي: نقص بالنسبة إلى جزاء المحافظة عليها. وقال ابن التين: كاد أن يحبط.
وقال ابن العربي في "قبسه": توقف عنه عمله مدة يكون فيها بمنزلة المحبط حَتَّى يأتيه من فضله ما يدرك به فوات علمه، أو يحبط عمله عند موازنة الأعمال، فإذا جاء الفضل أدرك الثواب.
ثالثها:
فيه البكور بها عَلَى التحري والأغلب لا عَلَى نفس الإحاطة، وقد اختار جماعة من العلماء في يوم الغيم تأخير الظهر وتعجيل العصر، وسيأتي إيضاح ذَلِكَ في باب التبكير بالصلاة في يوم غيم
(2)
.
(1)
أخرجه الأصفهاني في "الترغيب" كما في "الضعيفة" 11/ 250 (5150)، وقال الألباني: إنما أخرجت الحديث هنا من أجل الزيادة الشي في آخره: "حتى يراجع لله توبة" وإلا فهو بدونها صحيح، له شواهد كثيرة.
(2)
في شرح حديث رقم (594).
16 - باب فَضْلِ صَلَاةِ العَصْرِ
554 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً -يَعْنِي الْبَدْرَ- فَقَالَ "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا". ثُمَّ قَرَأَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا، لَا تَفُوتَنَّكُمْ. [573، 4851، 7434، 7435، 7436 - مسلم: 633 - فتح: 2/ 33]
555 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ". [3233، 7429، 7486 - مسلم: 632 - فتح: 2/ 33]
ذكر فيه حديثين:
أحدهما: حديث جرير بن عبد الله: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَة البَدْرِ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا". ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]. قَالَ إِسْمَاعِيلُ -يعني: ابن أبي خالد الراوي عن قيس، عن جرير- افْعَلُوا لَا تَفُوتَنَّكُمْ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، (وكرره)
(2)
البخاري قريبًا في باب: فضل صلاة الفجر
(3)
، ويأتي في التفسير
(4)
والتوحيد
(5)
أيضًا.
وأخرجه والأربعة أيضًا
(6)
، وطرقه الدارقطني في "علله".
ولفظ البخاري في التوحيد: "إنكم سترون ربكم عيانًا"
(7)
، وفي التفسير: فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة
(8)
وفي آخر قريبًا: "لا تضامون" أو قَالَ: "لا تضاهون في رؤيته"
(9)
.
وعند اللالكائي عن البخاري: "إنكم ستعرضون عَلَى ربكم وترونه كما ترون هذا القمر"
(10)
.
وعند مسلم: ثم قرأ جرير: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}
(11)
الآية. وله:
(1)
برقم (633) كتاب: المساجد، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما.
(2)
في (ج): وذكره.
(3)
سيأتي برقم (573).
(4)
سيأتي برقم (4851) باب: قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} .
(5)
سيأتي برقم (7434) باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} .
(6)
رواه أبو داود (4729)، والترمذي (2551)، وابن ماجه (177)، والنسائي في "الكبرى" 4/ 419 (7762).
(7)
سيأتي برقم (7435).
(8)
سيأتي برقم (4851).
(9)
سيأتي برقم (573).
(10)
"شرح أصول الاعتقاد" 3/ 527 (828).
(11)
الذي وجدته في مطبوع "صحيح مسلم" 1/ 439 (633/ 211)(ط. عبد الباقي){وَسَبِحْ} بالواو، وكذا في "متن مسلم مع شرحه" للنووي 5/ 134، أما في =
"فيتجلى لهم الرب تعالى"
(1)
.
وعن صهيب عند مسلم: "فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه"
(2)
.
ثانيها:
تظاهرت الأخبار والقرآن وإجماع الصحابة فمن بعدهم عَلَى إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين، رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو من عشرين صحابيًّا كما ذكره النووي
(3)
.
= مطبوع "المفهم" 2/ 262 فقال القرطبي: وقراءة جرير في هذا الموضع {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} يشعر بأن قوله: فسبح (هكذا!!) بمعنى: فصل في هذين الوقتين. اهـ وعند أبي عوانة في مطبوعه 1/ 314 بالواو في صلب الكتاب، وأشار المحقق في هامشه إلى أن في الأصل: فسبح. اهـ. يعني: بالفاء بل إن في بعض نسخ البخاري لهذا الحديث ومنها نسخة أبي ذر الهروي والأصيلي والمستملي وأبي الوقت وأخرى لم يعلم صاحبها رمز لها بـ (عط).
أشير إلى ذلك في حاشية "اليونينية" 1/ 115. وعلق عليها محققوها بقولهم: لكن التلاوة بالواو.
قلت: فلعل ما وقع في مطبوع مسلم ومن تبعه من إثبات ما عليه التلاوة نسخة من النسخ، أو على مذهب من قال بأن الآيات تكتب على رسم المصحف.
أن يكون فيه نظر؛ لأن الطبري روى في "تفسيره" 8/ 477 (24445 - 24448) قراءة ابن عباس، وجرير أيضًا وقتادة: بالفاء.
وأيضًا يؤيد إيراد المصنف القراءة بالفاء وتصحيح عزوها إلى مسلم ما أسلفت من إيضاح القرطبي صاحبه "المفهم" 2/ 262 لهذِه القراءة. ولعل في هذِه المسألة زيادة بيان لم تتحرر لي. والله أعلم.
(1)
برقم (191) كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها.
(2)
برقم (181) كتاب: الإيمان، باب: إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى.
(3)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 3/ 15.
وأنت إذا تأملت ما ذكره اللالكائي
(1)
، والآجري في "الشريعة"
(2)
، وأبو الشيخ في "السنة الواضحة"، وأبو نعيم زاد عَلَى العشرين.
وقد صرح بذلك ابن التين في شرحه، وهي مختصة بالمؤمنين ممنوعة من الكفار.
وفي "سنن اللالكائي" من حديث أنس وأبي بن كعب وكعب بن عجرة: سئل رسول صلى الله عليه وسلم عن الزيادة في كتاب الله تعالى، قَالَ:"النظر إلى وجهه"
(3)
وعن ابن عمر: "من أهل الجنة من ينظر إلى وجهه تعالى كدوة وعشية"
(4)
.
ومن حديث أبي عبيدة عن أبيه وذكر الموقف فيتجلى لهم ربهم.
وأبعد من قَالَ: يراه المنافقون أيضًا
(5)
.
(1)
روى اللالكائي روايات كثيرة في هذا الباب عن الصحابة والتابعين والفقهاء ثم قال: فتحصل في الباب ممن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة حديث الرؤية ثلاث وعشرون نفسًا منهم: علي وأبو هريرة إلخ "شرح أصول الاعتقاد" 3/ 548.
(2)
انظر: 2/ 978 - 1035 كتاب: التصديق بالنظر إلى الله عز وجل.
(3)
روى ذلك في "شرح أصول الاعتقاد" 3/ 505 - 506.
(4)
روي هذا الحديث مرفوعًا وموقوفًا عن ابن عمر رواه الترمذي (2553)، (3330)، وأحمد 2/ 64، وأبو يعلى 10/ 76 - 77 (5712)، والحاكم 2/ 509 - 510، واللالكائي 3/ 536 (840) وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 87، مرفوعًا من طريق ثوير عن ابن عمر وهو واهي الحديث، وقال أبو عيسى: حديث غريب، وقال الحاكم: وثوير، وإن لم يخرجاه فلم ينقم عليه غير التشيع. وتعقبه الذهبي فقال: بل واهي الحديث، وقال ابن حجر: في سنده ضعف "فتح الباري" 2/ 34، وقال الألباني في "ضعيف الترمذي": ضعيف، ورواه اللالكائي (841)، والترمذي عقب الرواية رقم (2553، 3330) موقوفًا، وفيه ثوير أيضًا.
(5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد تنازع الناس في الكفار هل يرون ربهم
مرة ثم يحتجب عنهم أم لا يرونه بحال تمسكا بظاهر قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} ولأن الرؤية أعظم الكرامة والنعيم، والكفار لاحظ لهم في ذلك، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قالت طوائف من أهل الحديث والتصوف: بل يرونه ثم يحتجب، كما دل على ذلك الأحاديث الصحيحة التي في الصحيح وغيره، من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهما مع موافقة ظاهر القرآن، قالوا وقوله:{لَمَحْجُوبُونَ} يشعر بأنهم عاينوا ثم حجبوا، ودليل ذلك قوله:{إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ؛ فعلم أن الحجب كان يومئذ. فيشعر بأنه يختص بذلك اليوم، وذلك إنما هو في الحجب بعد الرؤية، فأما المنع الدائم من الرؤية فلا يزال في الدنيا والآخرة. قالوا: ورؤية الكفار ليست كرامة ولا نعيمًا إذ "اللقاء" ينقسم إلى لقاء على وجه الإكرام ولقاء على وجه العذاب، فهكذا الرؤية التي يتضمنها اللقاء. ومما احتجوا به الحديث الصحيح حديث سفيان بن عيينة، حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة:"هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟!! " وقد روى مسلم وأبو داود وأحمد في "المسند" وابن خزيمة في "التوحيد" وغيره قال: قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال:"هل تضارون في رؤية الشمس ليست في سحابة؟ " قالوا: لا. قال: "والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما". قال: "فيلقى العبد فيقول: أي فل ألم أكرمك وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والابل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب قال: "فيقول: فظننت أنك ملاقي؟. فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني". ثم قال: "يلقى الثاني فيقول له مثل ذلك. فيقول: أي رب، آمنت بك وبكتابك وبرسلك، وصليت وصمت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول: ها هنا إذا قال، ثم يقال: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه، ويقال لفخذه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل، فذلك المنافق ليعذر من نفسه، وذلك الذي يسخط الله عليه". وقال: وهذا الحديث معناه في الصحيحين وغيرهما من وجوه متعددة، يصدق بعضها بعضًا؛ وفيه أنه سئل عن الرؤية فأجاب بثبوتها، ثم اتبع ذلك بتفسيره وذكر أنه يلقاه العبد، والمنافق، وأنه يخاطبهم، وفي حديث أبي سعيد وأبي هريرة أنه يتجلى لهم في القيامة مرة للمؤمنين والمنافقين، بعد ما تجلى لهم أول مرة، ويسجد المؤمنون دون المنافقين، وقد بسط الكلام على هذِه المسألة في غير هذا الموضع، "مجموع الفتاوى" 6/ 466 - 468.
ومنع من ذَلِكَ المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة بناءً عَلَى أن الرؤية تلزمها شروط عقلية اعتقدوها، وأهل السنة لا يشترطون شيئًا من ذَلِكَ ومحل الخوض في ذَلِكَ أصول الديانات.
ثالثها:
قوله: "لا تُضامون" هو بضم التاء المثناة فوق مع تخفيف الميم، وعليها أكثر الرواة كما قَالَ ابن الجوزي.
والمعنى: لا ينالكم ضيم. والضيم أصله الظلم. وهذا الضيم يلحق الرائي من وجهين:
أحدهما: من مزاحمة الناظرين له، أي: لا تزدحمون في رؤيته، فيراه بعضكم دون بعض، ولا يظلم بعضكم بعضا.
والثاني: من تأخره عن مقام الناظر المحقق، وكأن المتقدمين ضاموه. ورؤية الرب جل جلاله يستوي فيها الكل بلا ضيم ولا ضرر ولا مشقة.
ورواية البخاري التي أسلفناها: "لا تضامون" أو "لا تضاهون" عَلَى الشك، أي: لا يشتبه عليكم وترتابون فيعارض بعضكم بعضًا في رؤيتي.
وقيل: لا يشبهونه بغيره من المرئيات تقدس وتعالى. وروي "تضامُّون" بضم وتشديد الميم، وروي بفتح التاء وتشديد الميم، حكاهما الزجاج فيما حكاه ابن الجوزي.
وقال: المعنى فيهما لا تضاممون. أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض في وقت النظر؛ لإشكاله وخفائه، كما يفعلون عند النظر إلى الهلال.
وروي "تُضارُّون" بالراء المشددة والتاء مضمومة ومفتوحة ذكرهما الزجاج أيضًا. والمعنى: لا تضارون أي: لا يضار بعضكم بعضًا
بالمخالفة. قال ابن الأنبارى: هو يتفاعلون. من الضرار أي: لا ليتنازعون ويختلفون.
وروي "تُضارون" بضم التاء وتخفيف الراء أي: لا يقع بكم في رؤيته ضير ما بالمخالفة والمنازعة أو الخفاء المرئي. وروي "تمارون" مخفف الراء، أي: تجادلون، أي: لا يدخلكم شك.
رابعها:
قوله: ("فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا") أي: لا يغلبكم عليها أحد.
وقول إسماعيل: افعلوا لا تفوتنكم
(1)
. زاد أبو نعيم في قول إسماعيل هذا: قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب.
وقال المهلب: "إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ" يعني: شهودها في الجماعة، وخصَّ هذين الموقتين؛ لاجتماع الملائكة فيهما؛ ورفع أعمالهم فيها لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم، والصلاتان: الفجر والعصر.
وقوله: (ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ})[ق: 39] وقد أسلفت، لك أن جريرًا قرأه من عند مسلم. وقال شيخنا قطب الدين: لم يبين أحد في روايته من قرأ.
ثم ساق من طريق أبي نعيم في "مستخرجه" أن جريرًا قرأه. وقد: علمت أنه في مسلم فلا حاجة إلى عزوه إلى "مستخرجه". قالوا: وجه مناسبة ذكر الرؤية والصلاتين أن الصلاتين من أفضل القرب، فإنه قَالَ تعالى في صلاة الفجر:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}
(1)
في إحدى نسخ البخاري: لا تفوتنكم بمثناتين فوقتين. انظر: هامش "اليونينية" 1/ 115.
[الإسراء: 78] وصلاة العصر هي الوسطى عَلَى الصحيح، وكأنه يقول: دوموا عَلَى أفضل القرب تنالوا أفضل العطايا وهو الرؤية، فإن بالمحافظة يتحقق الإيمان. والتسبيح في الآية: الصلاة.
الحديث الثاني: حديث أبي هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ .. " الحديث.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد
(1)
.
وأخرجه مسلم
(2)
أيضًا. وفي رواية لأبي القاسم الجُوذي في آخره: فحسبت أنهم يقولون: فاغفر لهم يوم الدين.
ثانيها:
قوله: "يتعاقبون" فيه دلالة لمن قَالَ من النحاة بجواز إظهار ضمير الجمع والتثنية في الفعل إذا تقدم، وهو لغة فاشية، وحمل عليه الأخفش ومن وافقه قوله تعالى:{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] وسيأتي في ذكر الملائكة "يتعاقبون".
وقال سيبويه والأكثرون: لا يجوز إظهار الضمير مع تقدم الفعل، يتأولون ما خالفهم ويجعلون الاسم بعده بدلًا من الضمير، ولا يرفعونه بالفعل، وكأنه لما قيل:{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [الأنبياء: 3] قيل: من هم؟ قيل: هم الذين ظلموا، وكذا:"يتعاقبون" ونظائره
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (7429) باب: قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} .
(2)
برقم (632) كتاب: المساجد، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما.
(3)
وفيه مثل هو: أكلوني البراغيث. وضع علمًا على لغة طيء، وقيل: لغة أزد شنوءة =
ومعنى "يتعاقبون": تأتي طائفة بعد طائفة، ومنه تعقيب الجيوش، وهو: أن يذهب قوم ويجيء آخرون.
ثالثها:
اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله بعباده المؤمنين ومكرمته لهم أن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عباداتهم واجتماعهم عَلَى طاعة ربهم، فتكون شهادتهم لهم بما شاهدوه من الخير.
وقال ابن حبان في "صحيحه": فيه بيان أن ملائكة الليل إنما تنزل والناس في العصر، وحينئذ تصعد ملائكة النهار ضد قول من زعم أن ملائكة الليل تنزل بعد الغروب
(1)
.
رابعها:
هؤلاء الملائكة هم الحفظة عند الأكثرين، وحينئذٍ فسؤال الله لهم بقوله:"كيف تركتم عبادي؟ " إنما هو سؤال عما أمرهم به من حفظهم لأعمالهم وكتبه إياها عليهم، ويحتمل أن يكونوا غيرهم، فسؤاله لهم إنما هو عَلَى جهة التوبيخ لمن قَالَ:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30] وإظهار لما سبق من علمه إذ قال لهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، وهذِه حكمة اجتماعهم في هاتين الصلاتين، أو يكون سؤاله لهم استدعاء لشهادته لهم، ولذلك قالوا:"أتيناهم وهم يصلون" إلى آخره، وهذا من خفي لطفه وجميل ستره، إذ لم يطلعهم
= أو بلحارث، وقيل: بعض هذيل.
انظر: "الكتاب" 2/ 40 - 41، "سر صناعة الإعراب" ص 629، "البحر المحيط" 3/ 24، "همع الهوامع" 1/ 160، "معجم الشواذ النحوية" ص 108.
(1)
"صحيح ابن حبان" 5/ 30 (1737).
إلا عَلَى حال عبادتهم ولم يطلعهم عَلَى حال شهواتهم ولا خلواتهم ولذاتهم وانهماكهم في معاصيهم وشهواتهم، فسبحانه من كريم إذ ستر القبيح وأظهر الجميل.
17 - باب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَهً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوبِ
556 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ". [579، 580 - مسلم: 607، 608 - فتح: 2/ 37]
557 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا، أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا -قَالَ:- قَالَ اللهُ عز وجل: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَىْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ". [2268، 2269، 3459، 5021، 7467، 7533،- فتح: 2/ 38]
558 -
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ. فَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ، وَلَكُمُ الَّذِى شَرَطْتُ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا. فَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ". [2271 - فتح: 2/ 38]
ذكر فيه حديثين، الثاني من طريقين.
الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاَتهُ وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاَتهُ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث ذكره البخاري أيضًا فيما سيأتي كما ستعلمه
(1)
. وفي رواية لمسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة" وفي أخرى: "فقد أدركها كلها"
(2)
، وهما من أفراده. ولهما من هذا الوجه:"من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"
(3)
.
وفي رواية للسراج في "مسنده": "من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس، وركعة بعدما تطلع فقد أدرك"
(4)
، وأخرجه مسلم أيضًا من حديث عائشة:"من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها"
(5)
، والسجدة إنما هي الركعة، وهو من أفراده أيضًا.
وللنسائي وابن حبان في "صحيحه": "إذا أدرك أحدكم أول السجدة
(1)
سيأتي برقم (579) باب: من أدرك من الفجر ركعة، وبرقم (580) باب: من أدرك من الصلاة ركعة.
(2)
مسلم (607/ 162) كتاب: المساجد، باب: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة.
(3)
سيأتي برقم (580) باب: من أدرك من الصلاة ركعة، وفي مسلم (607/ 161) كتاب: المساجد.
(4)
كما في "حديث السراج" 2/ 292 (1198).
(5)
مسلم (609) كتاب: المساجد.
من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك أول سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته" وللنسائي
(1)
: "من أدرك ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس أو ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك"
(2)
.
ولأحمد: "من أدرك أول ركعة من صلاة العصر"
(3)
بدل "سجدة".
وللنسائي أيضًا: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته"
(4)
وفي رواية عن مالك: "فقد أدرك الفضل"
(5)
.
وفي رواية أخرى له: "فقد أدرك الصلاة كلها"، وللدارقطني:"قبل أن يقيم الإمام صلبه"، ولا بن عدي:"فقد أدرك فضل الجماعة، ومن أدرك الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك فضل الجماعة"
(6)
.
ثانيها:
الإدراك: البلوغ إلى الشيء والوصول إليه واللحوق به. والمراد بالسجدة الركعة كما أسلفناه. وعليه تنطبق ترجمة البخاري حيث عبر بالركعة، وأورده بلفظ السجدة، وبوب عَلَى موضع الاتفاق؛ ليقيس عليه موضع الاختلاف، وهو الصحيح كما ستعلمه.
(1)
ورد في هامش الأصل: من خط المصنف في الهامش: هي مرسلة وعزاها ابن الأثير إليه من حديث ابن عمر، فلينظر.
(2)
النسائي 1/ 257.
(3)
"المسند" 2/ 260.
(4)
النسائي 1/ 275 من حديث سالم.
(5)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 7/ 64 وقال: لم يقله غير الحنفي عن مالك، والله أعلم، ولم يتابع عليه. وهو: أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي.
(6)
رواه ابن عدي 7/ 208 - 209 قال: حدثنا حاجب بن مالك، ثنا عباد بن الوليد الغُبْري، ثنا صالح بن [زُرَيْق] المعلم، ثنا محمد بن جابر، عن أبان بن طارق، عن كثير بن شنظير، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر. الحديث.
ونقل القرطبي عن الشافعي في أحد قوليه وأبي حنيفة أن السجدة ها هنا حقيقة عَلَى بابها. قَالَ: وأصحاب ذَلِكَ عَلَى قولهما أنه يكون مدركًا بتكبيرة الإحرام
(1)
.
ثالثها:
هذا الحديث ليس عَلَى ظاهره، فإنه لا يكون بالركعة مدركًا كل الصلاة؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"
(2)
وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث فاتته ركعة من صلاته خلف عبد الرحمن بن عوف، فلما سلم عبد الرحمن صلى الركعة التي فاتته
(3)
.
وقد أسلفنا روايته: "فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته"، والإجماع قائم عَلَى ذَلِكَ، فتعين تأويله وإضمار شيء فيه، وهو إما فضلها -وهو الأصح عند الشافعية- في إدراك فضل الجماعة بجزء
(4)
خلافًا للغزالي
(5)
-وقد أسلفنا ذَلِكَ في رواية- وإما وجوبها في حق أرباب الأعذار كالحائض تطهر، والكافر يسلم، والمجنون يفيق، والصبي يبلغ.
وأظهر قولي الشافعي الوجوب عليهم بإدراك جزء منها، وإن كان لا يسع ركعة بشرط امتداد السلامة من الموانع زمنًا يسع مقدار تلك
(1)
"المفهم" 2/ 227.
(2)
سيأتى برقم (636) من حديث أبي هريرة، كتاب: الأذان، باب: لا يسعى إلى الصلاة، وليأتِ بالسكينة والوقار، ورواه مسلم (602) كتاب: المساجد، باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهى عن إتيانها سعيًا.
(3)
روى ذلك مسلم برقم (274/ 81) كتاب: الطهارة، باب: المسح على الناصية والعمامة.
(4)
انظر: "التهذيب" 2/ 257، "الشرح الكبير" 2/ 144، "المجموع" 4/ 116 - 117.
(5)
"الوسيط" 1/ 284.
الصلاة. وإليه ذهب أبو حنيفة
(1)
، وخالف فيه مالك
(2)
والجمهور عملًا بمفهوم الحديث.
وأجاب المخالف بأن التقييد بركعة خرج مخرج الغالب، فإن غالب ما يمكن معرفة إدراكه بركعة أو نحوها. والأظهر عند الشافعي أيضًا الإدراك بالوقت المذكور الصلاة التي قبلها إن كانت تجمع معها؛ لاشتراكهما في الوقت.
ونقل ابن بطال
(3)
عن أبي حنيفة: أنه إذا أفاق لأقل من ركعة قبل الغروب أنه يلزمه قضاء خمس صلوات فدون ولا يلزمه أكثر من ذَلِكَ، ثم رده. وأما حكمًا، وهو الأصح عند الشافعية من الأوجه الخمسة أنه إن أدرك ركعة من الوقت فالكل أداء، وإلا فقضاء. وكل ذَلِكَ بسطناه في "الفروع".
وقيل: عَلَى تأويل فقد أدرك حكمها: أن المراد أن يلزمه من أحكام الصلاة ما لزم الإمام من الفساد والسهو وغير ذَلِكَ، ويتأيد بالرواية السالفة "مع الإمام". وحكاه ابن بطال عن مالك وجماعة
(4)
، وهو مبطل قول داود وغيره: أن الحديث مردود إلى إدراك الوقت، إذ هما حديثان مختلفان كل منهما يفيد فائدة مستقلة.
وكان أبو ثور يقول: إنما ذَلِكَ لمن نام أو سها، ولو تعمد أحد ذَلِكَ كان مخطئًا مذمومًا بتفريطه
(5)
وقد روي ذَلِكَ عن الشافعي
(6)
ثم إذا
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 77، "تبين الحقائق" 1/ 84.
(2)
انظر: "التمهيد" 3/ 276.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 184.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 182.
(5)
انظر: "الأوسط" 2/ 348.
(6)
"الأم" 1/ 73.
قلنا: إن المراد: فقد أدرك فضلها، فهل يكون مضاعفًا كما في حق من أدركها من أولها؟ عَلَى قولين حكاهما القرطبي
(1)
، وإلى التضعيف ذهب أبو هريرة وغيره من السلف. وكذلك إن وجدهم قد سلموا عند هؤلاء كما هو ظاهر حديث أبي هريرة في "سنن أبي داود"
(2)
.
واختلف العلماء في الجمعة، فذهب مالك والثوري والأوزاعي والليث وزفر ومحمد والشافعي وأحمد إلى أن من أدرك منها ركعة أضاف إليها أخرى. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين. وهو قول النخعي والحكم وحماد
(3)
، وأغرب عطاء ومكحول وطاوس ومجاهد فقالوا: إن من فاتته الخطبة يوم الجمعة يصلي أربعًا؛ لأن الجمعة إنما قصرت من أجل الخطبة
(4)
.
وأما إدراك الركعة بالركوع خلف الإمام، فالأصح عند الشافعية أن يكون مدركًا لها به بشرط أن يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن أقل الركوع، وهو مذهب الجمهور، منهم مالك وغيره. وروي عن أبي هريرة أنه لا يكون مدركًا لها به
(5)
.
وروي معناه عن أشهب. ونقل ابن بزيزة عن ابن أبي ليلى والثوري وزفر إدراكها بما إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه، وليركع قبل رفع
(1)
"المفهم" 21/ 224.
(2)
"سنن أبي داود"(564) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "أعطاه الله عز وجل من الأجر مثل أجر من حضرها وصلاها". والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(573).
(3)
روى ذلك ابن أبي شيبة 1/ 463 (5355، 5357).
(4)
روى ذلك ابن أبي شيبة 1/ 460 (5326، 5328).
(5)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 197.
الإمام رأسه. وعن قتادة وحميد إدراكها بوضع اليدين عَلَى الركبة قبل رفع الإمام رأسه، فإن رفع قبل الوضع فلا
(1)
.
وعن ابن سيرين إدراكها بإدراك تكبيرة الإحرام والركوع
(2)
. ونقل القرطبي عن جماعة من السلف أنه متى أحرم والإمام راكع أدركها وإن لم يدرك الركوع وركع مع الإمام. وقيل: يجزئه وإن رفع الناس ما لم يرفع الإمام
(3)
. ونقله ابن بزيزة عن الشعبي، وقال: إذا انتهى إلى الصف الآخر ولم يرفعوا رءوسهم أو بقي واحد منهم لم يرفع رأسه وقد رفع الإمام رأسه فإنه يركع وقد أدرك الصلاة
(4)
؛ لأن الصف الذي هو فيه إمامه، وبعضهم أئمة بعض. وقيل: يجزئه إن أحرم قبل سجود الإمام. حكاه القرطبي
(5)
. وقال أبو العالية فيما حكاه ابن بزيزة: إذا جاء وهم سجود سجد معهم، فإذا سلم الإمام قام فركع ركعة ولا يسجد، ويعتد له بتلك الركعة
(6)
.
قَالَ: وروى نافع عن ابن عمر أنه كان إذا جاء والقوم سجود سجد معهم، فإذا رفعوا رءوسهم سجد أخرى ولا يعتد بها. وقال ابن مسعود: إذا ركع ثم مشى فدخل في الصف قبل أن يرفعوا رءوسهم اعتدَّ بها، وإن رفعوا رءوسهم قبل أن يصل إلى الصف فلا
(7)
.
(1)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر 4/ 196.
(2)
انظر: "المحلى" 3/ 245.
(3)
"المفهم" 2/ 227
(4)
انظر: "الأوسط" 4/ 197.
(5)
"المفهم" 2/ 227.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 288 (2607).
(7)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 229 (2622)، والطبراني في "الكبير" 9/ 271 (9354، 9355).
والجمهور عَلَى ما أسلفناه. وكذا قَالَ ابن بطال: أئمة الفتوى متفقون عَلَى أن من لم يدرك الركعة لم يدرك السجدة
(1)
.
رابعها:
جمهور العلماء عَلَى أن من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس يتمها. وانفرد أبو حنيفة
(2)
فقال: تبطل بطلوعها، ويستقبلها بعد ارتفاعها، ووافقنا في العصر أنه يتمها بعد الغروب؛ لأن العصر يقع آخرها في وقت صالح للابتداء بالصلاة بخلاف الطلوع. وهذا فرق صوري، والشارع سوى بينهما، فلا معنى لهذا الفرق.
وقولهم: إنه أخَّر القضاء في حديث الوادي لأجل هذا عجيب، بل إنما أخَّره لقوله:"اخرجوا بنا منه فإن فيه شيطانًا"
(3)
.
والاستيقاظ كان بعد أن أحرقتهم الشمس. قالوا: والحديث محمول عَلَى أرباب الأعذار، وأيضًا كان قبل النهي عن الصلاة في هذين الوقتين؛ لأن النهي أبدًا يطرأ عَلَى الأصل الثابت. والجواب أن راوي حديثنا هذا أبو هريرة، وهو متأخر عن أخبار النهي، فإن راويها عمر وإسلامه قديم، نبه عليه ابن حزم. وعند أبي حنيفة أنه إذا قعد مقدار التشهد وطلعت تبطل أيضًا، وخالفه صاحباه.
خامسها:
خصت هاتان الصلاتان بالذكر دون غيرهما لشرفهما، والحكم لا يختص؛ بدليل الرواية السالفة: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد
(1)
رواه عبد الرزاق 2/ 282 (3374).
(2)
انظر: "البحر الرائق" 1/ 398.
(3)
رواه مسلم (680/ 310) كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها.
أدرك الصلاة"، ويحتمل أنهما طرفا الصلاة أولًا وآخرًا، والمصلي إذا صلى بعض الصلاة وطلعت الشمس أو غربت عرف خروج الوقت، فلو لم يبين الشارع هذا الحكم وعرف المصلي أن صلاته تجزئه لظن فوات الصلاة وبطلانها بخروج الوقت، وليس كذلك آخر أوقات الصلوات فإنها لا تعرف حقيقة إلا بعد الاعتبار والتدقيق؛ ولأن الشارع نهى عن الصلاة عند الطلوع وعند الغروب، فلو لم يبين لهم صحة صلاة من أدرك منهما لظن أن الصلاة تفسد بدخول هذين الوقتين وهو يصلي، فعرفهم ذَلِكَ ليزول هذا الوهم.
سادسها:
قدم ذكر السجدة في رواية البخاري هنا؛ لأنها هي السبب الذي به الإدراك، وأُخِّرت في رواية أخرى فقال:"من أدرك من الصبح سجدة" تقديمًا للاسم الذي يدل عَلَى الصلاة دلالة تتناول كل أوصافها، بخلاف السجدة فإنها دالة عَلَى البعض، فقدم الأعم.
الحديث الثاني:
ذكر حديث سالم، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا .. " الحديث.
ثم ذكر فيه حديث بريدة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم:"مَثَلُ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ". وذكر باقية الحديث، "وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ".
الكلام على ذَلِكَ من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث -أعني حديث ابن عمر- أخرجه البخاري أيضًا في فضائل القرآن
(1)
، والإجارة
(2)
، وذكر بني إسرائيل
(3)
، والتوحيد، وفيه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم عَلَى المنبر
(4)
.
ثانيها:
إنما أدخل البخاري هذين الحديثين في هذا الباب لقوله فيه: "ثم أوتينا القرآن، فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين"؛ ليدل عَلَى أنه قد استحق بعمل البعض أجر الكل مثل الذي أعطي من العصر إلى الليل أجر النهار كله المستأجر أولًا، فمثل هذا كالذي أعطي عَلَى ركعة أدرك فيها أجر الصلاة كلها في آخر الوقت.
وقال ابن المنير: إن قلت: ما وجه مطابقة هذا الحديث للترجمة؟ وإنما هو مثال لمنازل الأمم عند الله، وأن هذِه الأمة أقصرها عمرًا، وأقلها عملًا، وأعظمها ثوابًا، ويستنبط منه البخاري بتكلف من قوله:"فعملنا إلى غروب الشمس" فدل عَلَى أن وقت العمل ممتد إلى الغروب وأنه لا يفوت، وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت: صلاة العصر، وهو من قبيل الأخذ من الإشارة لا من صريح العبارة،
(1)
سيأتي برقم (5021)، باب: فضل القرآن على سائر الكلام.
(2)
سيأتي برقم (2268)، باب: الإجارة إلى نصف النهار، (2269)، باب: الإجارة إلى صلاة العصر.
(3)
سيأتي برقم (3459) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل.
(4)
سيأتي برقم (7467)، باب: في المشيئة والإرادة.
فإن الحديث مثال، وليس المراد عملًا خاصًّا بهذا الوقت هو صلاة، بل المراد سائر أعمال الأمة من سائر الصلوات وغيره من العبادات في سائر مدة بقاء الأمة إلى قيام الساعة، وتحتمل المطابقة ما سلف عن المهلب من أنه نبه عَلَى أن إعطاء البعض حكم الكل في الإدراك غير بعيد، كما أعطيت هذِه الأمة ببعض العمل في بعض النهار حكم جملة العمل في جملة النهار، فاستحقت جميع الأجر، وفيه بعد، فإنه لو قَالَ: إن هذِه الأمة أعطيت ثلاثة قراريط لكان أشبه، ولكنها ما أعطيت إلا بعض أجرة جميع النهار؛ لأن الأمتين قبلها ما استوعبا النهار فأخذتا قيراطين، وهذِه الأمة إنما أخذت أيضًا قيراطين، نعم عملت هذِه قليلًا فأخذت كثيرًا، ثم هو أيضًا منفك عن محل الاستدلال؛ لأن عمل هذِه الأمة آخر النهار كان أفضل من عمل المتقدمين قبلها، ولا خلاف أن صلاة العصر متقدمة أفضل من صلاتها متأخرة، ومراده عند الجمهور كما علمته في موضعه، ثم هذا من الخصائص المستثناة عن القياس، فكيف يقاس عليه؟ ألا ترى أن صيام آخر النهار لا يقوم مقام جملته، وكذلك سائر العبادات فالأول أولى
(1)
.
ثالثها:
قوله: ("إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم") في رواية الترمذي: "إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم"
(2)
وهذا مثل ضربه عليه السلام لعمل هذِه الفرق الثلاثة، وهو إشارة إلى قرب الساعة وقلة ما بقي من الدنيا. وفي حديث أبي موسى أن اليهود طال زمن عملهم وزاد عَلَى مدة النصارى؛ لأنه كان بين موسى وعيسى في رواية
(1)
انظر: "المتواري" ص 92 - 94.
(2)
الترمذي (2871) كتاب: الأمثال، باب: ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله.
أبي صالح عن ابن عباس: ألف سنة وستمائة واثنان وثلاثون سنة
(1)
، وفي قول ابن إسحاق: ألف سنة وتسعمائة وتسع عشرة، ولا يختلف الناس -كما ذكره ابن الجوزي- أنه كان بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة؛ فلهذا جعل عمل اليهود من أول النهار إلى وقت الظهر، وعمل النصارى من الظهر إلى العصر، ثم قد اتفق أيضًا تقديم اليهود عَلَى النصارى في الزمان، مع طول عمل أولئك وقصر عمل هؤلاء، فأما عمل المسلمين فإنه جعل ما بين العصر إلى المغرب، وذلك أقل الكل في مدة الزمان، فربما قَالَ قائل: إن هذِه قد كانت ستمائة سنة من المبعث، فكيف يكون زمانها أقل؟ ثم أجاب في نفي الخلاف في زمن الفترة عن ستمائة: عجيب، فقد ذكر الحاكم في "إكليله" أنها مائة وخمسة وعشرون سنة، وذكر غيره أنها أربعمائة.
رابعها:
تعلق بعضهم بمضمون هذا الحديث، وهو أن مدة المسلمين من حين مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ألف سنة وزيادة؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم جعل النهار نصفين، الأول لليهود، فكانت مدتهم ما سلف، فتكون لهذِه الأمة والنصارى كذلك، فجاءت مدة النصارى كما سلف ستمائة سنة، الباقي وهو ألف سنة وزيادة للمسلمين، ويؤيد ذَلِكَ ما ذكره السهيلي أن جعفر بن عبد الواحد
(2)
العباسي
(1)
"تاريخ الطبري" 1/ 495.
(2)
ورد في هامش الأصل (س): جعفر بن عبد الواحد قال الذهبي في "المغني" في ترجمته: متروك هالك.
القاضي حدث بحديث رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: "إن أحسنت أمتي فبقاؤها يوم من أيام الآخرة، وذلك ألف سنة، وإن أساءت فنصف يوم"
(1)
وقد انقضت الخمسمائة والأمة باقية. وذكر حديث زِمل الخزاعي
(2)
، وأنه قصَّ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤياه، وقال: رأيتك يا رسول الله عَلَى منبر له سبع درجات وإلى جنبك ناقة عجفاء كأنك تبعثها. ففسَّر له صلى الله عليه وسلم الناقة بقيام الساعة التي أنذر بها، ودرجات المنبر: مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، بعثت في آخرها ألفًا
(3)
.
(1)
"الروض الأنف" 2/ 295.
قال ابن حجر في "الفتح" 11/ 352:
وأما زيادة جعفر فهي موضوعة لأنها لا تعرف إلا من جهته، وهو مشهور بوضع الحديث، وقد كذبه الأئمة مع أنه لم يسق سنده بذلك، فالعجب من السهيلي كيف سكت عنه مع معرفته بحاله؟. اهـ.
(2)
ورد بهامش (س) ما نصه: قال الذهبي في "التجريد" في ترجمة زمل الخزاعي: قص على النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا، ولا يصح ذلك، وذكره السهيلي. انتهى
وقد ذكر المؤلف في باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، وقال ابن زمل صوابه ما هنا والله أعلم.
(3)
هذا جزء من حديث طويل رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" 1/ 200 (142) مختصرًا، والطبراني في "الكبير" 8/ 302 - 304 (8146)، والبيهقي في "دلائل النبوة" 7/ 36 - 38، والديلمي في "مسند الفردوس" 2/ 232 من طريق سليمان بن عطاء، عن مسلمة بن عبد الله الجهني، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي، عن ابن زمل رضي الله عنه .. الحديث.
وفيه: سليمان بن عطاء، قال عنه أبو حاتم في "المجروحين": شيخ يروي عن مسلمة بن عبد الله الجهني، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي بأشياء موضوعة لا تشبه حديث الثقات، فلست أدري التخليط فيها منه أو من مسلمة بن عبد الله. اهـ 1/ 325، وقال الحافظ في "النتائج": هذا حديث غريب، قال ابن السكن: هو حديث طويل في تعبير الرؤيا، وهو منكلر. قال البخاري: سليمان بن عطاء منكر الحديث. اهـ. وقال الحافظ أيضًا: وأبو مشجعة لا يعرف اسمه ولا حاله، انظر: =
قَالَ السهيلي: والحديث وإن كان ضعيف الإسناد، فقد روي موقوفًا عَلَى ابن عباس من طرق صحاح أنه قَالَ: الدنيا سبعة أيام، كل يوم ألف سنة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم منها
(1)
، وصحح الطبري هذا الأصل وعضده بآثار، وذكر قوله:"بعثت أنا والساعة كهاتين، وإنما سبقتها بما سبقت هذِه هذِه"
(2)
وأورده من طرقٍ كثيرةٍ صححها، فشبه صلى الله عليه وسلم ما بقي من الدنيا إلى قيام الساعة مع ما انقضى بقدر ما بين السبابة والوسطى من التفاوت حيث قَالَ:"بعثت أنا والساعة كهاتين"
(3)
= 3/ 132، وقال في "الفتح": سنده ضعيف جدًّا. انظر: 11/ 351، وابن زمل: اختلف في اسمه فقيل: الضحاك، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن. واختلف في صحبته أيضًا فقيل: إنه صحابي، وقيل: إنه تابعي ولعل هذا هو الأقرب إلى الصواب، انظر:"أسد الغابة" 3/ 47 (2552)، 3/ 246 (2950)، "الإصابة" 2/ 311.
(1)
انظر: "الروض الأنف" 2/ 295. وفي تصحيح حديث ابن عباس الموقوف نظر.
ورواه الطبري موقوفًا في مقدمة "تاريخه" 1/ 15 عن ابن عباس قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة، سبعة آلاف سنة، فقد مضى ستة آلاف سنة ومائتا سنة، وليأتين عليها مئون من سنين [ما] عليها موحد.
ذكر الألباني في "السلسلة الضعيفة" 8/ 101 - 102 (3611): قال ابن كثير كما نقل السخاوي في "الفتاوى الحديثية"(ق 193/ 1): كل حديث ورد فيه تحديد وقت يوم القيامة على التعيين؛ لا يثبت إسناده.
(2)
رواه من حديث المستورد بن شداد الفهري الترمذي (2213) بلفظ: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت في نفس الساعة فسبقتها كما سبقت هذِه هذِه" لإصبعيه السبابة والوسطى. قال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث المستورد بن شداد، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قال الألباني في "ضعيف الجامع"(2339): ضعيف.
(3)
بهذا اللفظ سيأتي برقم (6504، 6505) كتاب: الرقاق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" من حديث أنس وأبي هريرة.
وأشار بالسبابة والوسطى
(1)
وبينهما نصف سبع كما قَالَ السهيلي؛ لأن الوسطى ثلاثة أسباع، كل مفصل منها سبع، وزيادتها عَلَى السبابة
(2)
نصف سبع. والدنيا عَلَى ما قدمناه عن ابن عباس سبعة آلاف سنة، فلكل سبع ألفا سنة، وفضلت الوسطى عَلَى السبابة بنصف الأنملة، وهو ألف سنة. فيما ذكره الطبري وغيره
(3)
.
وزعم السهيلي أن بحساب الحروف المقطعة في أوائل السور تكون تسعمائة سنة وثلاث سنين. وهل هي من مبعثه أو هجرته أو وفاته؟
(4)
فالله أعلم. قلت: وهذا من الغيب الذي استأثر الله به. وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم "ما المسئول عنها بأعلم من السائل"
(5)
.
خامسها:
قولى: ("كما بين صلاة العصر إلى الغروب") يحتمل كما قَالَ ابن العربي أن يريد: من أول وقتها ومن آخره، وهو الظاهر؛ لأنه لو كان من الأول لكان زمن المسلمين أكثر في العمل من زمان النصارى.
وظاهر الحديث يقتضي أن عمل النصارى أكثر لقولهم فيه: "نحن أكثر عملًا". وكثرته غالبًا تستدعي كثرة الزمان
(6)
.
(1)
قال ابن حجر: وأخرجه الطبري عن هناد بلفظ: (وأشار بالسبابة والوسطى) بدل قوله: (يعني إصبعيه) ثم قال: وهذا يدل على أن في رواية الطبري إدراجًا. انظر: "فتح الباري" 11/ 349.
(2)
ورد بهامش (س) ما نصه: سبابته صلى الله عليه وسلم أطول من الوسطى جاء ذلك في حديث رواه.
(3)
انظر: الطبري في "تاريخه" 1/ 18 وما بعدها.
(4)
ذكر ذلك كله السهيلي في "الروض الأنف" 2/ 294 - 295.
(5)
سبق برقم (50) من حديث أبي هريرة، كتاب: الإيمان، باب: سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة.
(6)
"عارضة الأحوذي" 10/ 321.
سادسها:
قوله: ("أوتي أهل التوارة التوارة فعملوا حَتَّى إذا. انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا") هذا مخالف لرواية أبي موسى السالفة: "لا حاجة لنا إلى أجرك" وفيه: "فعملوا حَتَّى إذا كان العصر قالوا: لك ما عملنا" ورواية أيوب، عن نافع، عن ابن عمر
(1)
. ففيه: قطع الأجرة لكل فريق، واستوفي العمل، وأبقى الأجرة.
وفيه: قطع الخصومة، وزوال العتب عنهم، وإبراؤهم من الذنب.
واكتفي الراوي منه بذكر مآل الأمر إليه من الأجرة ومبلغها دون غيرها من ذكر عجزهم عن العمل، ذكره الخطابى
(2)
.
وقولهم: "لا حاجة لنا إلى أجرك". إشارة إلى تحريفهم الكتب، وتبديلهم الحال، وانقطاعهم عن بلوغ الغاية، فحرموا إتمام الأجرة؛ لامتناعهم من تمام العمل الذي ضمنوه. قَالَ: وكأن الصحيح رواية سالم وأبي بردة
(3)
.
فائدة:
القيراط من الوزن معروف، قَالَ في "الصحاح": وهو نصف دانق
(4)
. قَالَ القزاز: وأصله من قولهم: قرط فلان عَلَى العطاء إذا أعطاه قليلًا قليلًا.
سابعها:
قوله: ("عجزوا") قَالَ الداودي: قوله: "عجزوا" قاله أيضًا في
(1)
سيأتي برقم (2268) كتاب: الإجارة، باب: الإجارة إلى نصف النهار.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 443.
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 444.
(4)
"الصحاح" 3/ 1151، مادة:(قرط).
النصارى، وفي حديث أبي موسى:"لاحاجة لنا إلى أجرك". حكاه عن اليهود: "لك ما عملنا". قَالَ: فإن كان وصف من مات مسلمًا من قوم موسى فلا يقال: عجزوا، وكذا من مات مسلمًا من قوم عيسى، وإن كان قاله فيمن آمن ثم كفر، فكيف يعطى القيراط من حبط عمله فكفر؟ وقال ابن التين: يحمل حديث ابن عمر: "نحن أكثر عملًا وأقل عطاء". عَلَى من مات مسلمًا من أهل الكتابين. وحديث أبي موسى: "لك ما عملنا" باطل. عَلَى من بدَّل دينه بعد نبيه.
قلت: ورواية أبي موسى هذِه أخرجها الإسماعيلي وأبو نعيم، وفيه قالوا:"لا حاجة لنا في أجرتك التي شرطت لنا، وما عملنا باطل. فقال لهم: لا تفعلوا، اعملوا بقية يومكم وخذوا أجركم كاملًا، فأبوا وتركو اذَلِكَ عليه، فأستاجر قومًا آخرين، فقال لهم: اعملو ابقية يومكم ولكم الذي شرطت لهؤلاء من الأجر. فعملوا حَتَّى كان العصر، فقالوا: لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا، لا حاجة لنا فيه. فقال لهم: أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير وخذوا أجركم. فأبوا عليه، فاستأجر قومًا آخرين، فعملوا بقية يومهم، حَتَّى إذا غابت الشمس فاستكملوا أجر الفريقين والأجر كله". ذلك مثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله، ومثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثامنها:
قوله: ("ثم أوتينا القرآن، فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطين")
فيه: تفضيل هذِه الأمة وتوفير أجرها مع قلة عملها، وإنما فضلت
لقوة يقينها ومراعاة أصل دينها، فإن زلت فأكثر زللها في الفروع جريًا بمقتضى الطباع لا قصدًا، ثم تتداركه بالاعتراف الماحي للاقتراف، وعموم ذَلِكَ ممن قبلهم كان في الأصول والمعاندة للشرائع كقولهم:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} [الأعراف: 138] وكامتناعهم من أخذ الكتاب حَتَّى نتق الجبل فوقهم، و:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} [المائدة: 24] وقد علم ما كانت الصحابة تؤثره وتزدحم عليه من الشهادة في سبيله، وهذا مَنٌّ منه لا وجوب عليه تعالى، ولما قالت اليهود والنصارى:"ما لنا أكثر عملًا وأقل أجرًا؟ " فقال الرب جل جلاله: "هل ظلمتكم من حقكم شيئًا؟ -يعني: الذي شرطت لكم- قالوا: لا. قَالَ: فذلك فضلي أوتيه من أشاء". ولعل قولهم: "نحن أكثر عملًا وأقل عطاءً"
(1)
أي: لا نرضى بهذا، ثم تركوا ذَلِكَ وقالوا:"لك ما عملنا باطلا" كما سلف، واتفقا الحديثان، وجاء في بعض الروايات:"فغضبت اليهود والنصارى"- يعني: الكفار؛ لأن غيرهم لا يغضب من حكم الرب تعالى. وقال الإسماعيلي: إنما قالت النصارى: نحن أكثر عملًا؛ لأنهم امنوا بموسى وعيسى، فكان لهم عمل اليهود وزيادة ما عملوا من الإيمان بعيسى إلى أن بُعث نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام.
وما ذكره من إيمان النصارى بموسى فيه نظر. ويحتمل أن يكون قولهم: "نحن أكثر عملًا" يعني: اليهود؛ لأنهم عملوا ست ساعات.
وقولهم: "وأقل عطاء". يعني: النصارى، وإن كانوا متقاربين مع المسلمين في العمل، فيكون الحديث عَلَى العموم في اليهود، وعلى الخصوص في النصارى، وقد يأتي في الكلام إخبار عن جملة،
(1)
سيأتي برقم (2269) كتاب: الإجارة، باب: الإجارة إلى صلاة العصر.
والمراد بعضها كقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)} [الرحمن: 22] إنما يخرج من الملح لا العذب. وقوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61] والناسي كان يوشع بدليل قوله: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: 63]. وقيل: يحتمل أن كل طائفة منهما أكثر عملًا وأقل أجرًا؛ لأن النصارى عملت إلى صلاة العصر لا إلى وقت العصر، فيحمل عَلَى أنها عملت إلى آخر وقت العصر، ذكره ابن القصار.
ويحتمل وجهًا آخر: وهو أن تكون الزيادة التي يتبين بها وقت العصر، وهو أن يصير ظل الشيء مثله، وزاد أدني زيادة التي كانت عند الزوال، فزادت مدة الظهر أكثر من مدة العصر، فهي زيادة في العمل.
تاسعها:
استنبط أصحاب أبي حنيفة، منهم الدَّبوسي في "أسراره" وغيره من هذا الحديث أن وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه؛ لأنه إذا كان كذلك كان قريبًا من أول العاشرة، فيكون للغروب ثلاث ساعات غير شيء يسير، ويكون النصارى أيضًا عملوا ثلاث ساعات وشيئًا يسيرًا، وهو من أول الزوال إلى أول الساعة العاشرة، وهو إذا صار ظل الشيء مثله، فاستوى في الزمن النصارى مع المسلمين إلا في شيء يسير لا اعتبار به، واعترض عَلَى ذَلِكَ بأمور
منها: أن النصارى لم تقله، إنما قاله الفريقان، ووقتهما أكثر من وقتنا، فيستقيم قولهم:"أكثر عملًا". وأجيب بأنهما لم يتفقا عَلَى قول واحد، بل قالت النصارى:"كنا أكثر عملًا وأقل عطاءً". وكذا اليهود، باعتبار كثرة العمل وطوله، كقوله تعالى حاكيًا عنهم: "وَقَالَتِ اَليَهُودُ
وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] وإنما قَالَ ذَلِكَ اليهود وحدها، والنصارى وحدها؛ لأن اليهود لا يقولون أن النصارى أبناء الله وأحباؤه، وكذا النصارى.
ومنها: ما قاله الجويني من أن الأحكام لا تتعلق بالأحاديث التي تأتي لضرب الأمثال، فإنه موضع تجوز وتوسع. قَالَ ابن العربي: وليس كما قَالَ؛ لأن الشارع لا يقول إلا حقًّا تمثل أو توسع، وقوله:("من صلاة العصر") يحتمل أول الوقت وآخره، فلا يقضى بأحد الاحتمالين عَلَى الآخر
(1)
.
ومنها: أن هذا الحديث قصد به ذكر الأعمال لا بيان الأوقات كما سلف في رواية أبي نعيم والإسماعيلي، فهو مثل ضرب للناس الذين شرع لهم دين موسى عليه أفضل الصلاة والسلام؛ ليعملوا الدهر كله بما يأمرهم وينهاهم إلى أن بعث الله عيسى عليه أفضل الصلاة والسلام، فأمرهم باتباعه فأبوا وتبرءوا مما جاء به وعمل آخرون بما جاء به عيسى على أن يعملوا باقي الدهر بما يؤمرون به، فعملوا حتى بعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى العمل بما جاء به فأبوا وعصوا، فجاء الله بالمسلمين، فعملوا بما جاء به، ويعملون إلى قيام الساعة، فلهم أجر من عمل الدهر كله بعبادة الله، كإتمام النهار الذي استؤجر عليه كله، فقدر لهم مدة أعمال اليهود ولهم أجرهم إلى أن نسخ الله شريعتهم بعيسى. وقال عند مبعث عيسى: من يعمل مدة هذا الشرع وله أجر قيراط؟ فعملت النصارى إلى أن نسخ الله ذَلِكَ بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قَالَ متفضلًا عَلَى المسلمين: من يعمل بقية النهار إلى
(1)
"عارضة الأحوذي" 10/ 322.
الليل وله قيراطان؟ فقال المسلمون: نحن نعمل إلى انقطاع الدهر. فمن عمل من اليهود إلى أن آمن بعيسى وعمل بشريعته له أجره مرتين، وكذلك النصارى إذا آمنوا بنبينا كما جاء في الحديث:"ورجل آمن بنبيه وآمن بي"
(1)
يعني: يؤتى أجره مرتين.
وحديث الأوقات: قصد به الأوقات، وما قصد به بيان الحكم مقدم عَلَى غيره.
(1)
سلف من حديث أبي موسى برقم (97) كتاب: العلم، باب: تعليم الرجل أمته وأهله.
18 - باب وَقْتِ المَغْرِبِ
وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجْمَعُ المَرِيضُ بَيْنَ المَغْرِب وَالْعِشَاءِ.
559 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ صُهَيْبٌ -مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ- قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ. [مسلم: 637 - فتح: 2/ 40]
560 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: قَدِمَ الْحَجَّاجُ فَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا، إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا -أَوْ كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ. [565 - مسلم: 646 - فتح: 2/ 41]
561 -
حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. [مسلم: 636 - فتح: 2/ 41]
562 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعًا جَمِيعًا وَثَمَانِيًا جَمِيعًا. [انظر: 543 - مسلم:705 - فتح 2/ 41]
ذكر فيه أثرًا عن عطاء وأربعة أحاديث.
أما الأثر فقال: وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجْمَعُ المَرِيضُ بَيْنَ المَغْرِب وَالْعِشَاءِ
(1)
.
وهذا قد سلف الكلام عليه في باب: تأخير الظهر إلى العصر
(2)
.
وأما الأحاديث:
(1)
في شرح حديث (543).
(2)
عزاه الحافظ في "الفتح" 2/ 41 لعبد الرزاق عن ابن جريج، عن عطاء.
فأحدها: عن أبي النجاشي مولى رافع سمع: رَافِعَ بْنَ خَدِيج يَقُولُ: كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
أبو النجاشي هذا اسمه: عطاء بن صهيب، تابعي ثقة
(1)
. والحديث أخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
ثانيها:
النبل: السهام الصغار العربية، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. وقيل: واحده: نبلة، والجمع: نبال وأنبال
(3)
.
ثالثها:
الحديث دال عَلَى المبادرة بالمغرب في أول وقتها بمجرد الغروب، وهو إجماع
(4)
، ولا عبرة بمن شذ فيه ممن لا يعتد به، والأحاديث التي قد تشعر بالتأخير وردت لبيانه، فإنها كانت جواب سائل عن الوقت، والتقديم هو المعهود من عادته. وحديث أبي بصرة: "لا صلاة بعد
(1)
هو عطاء بن صهيب الأنصاري، أبو النجاشي مولى رافع بن خديج، حديثه عند أهل اليمامة، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في كتاب:"الثقات" وقال: وكان قد صحب رافع بن خديج ست سنين، روى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، "التاريخ الكبير" 6/ 466 (3005)، "ثقات العجلي" 2/ 139 (1252)، و"الجرح والتعديل" 6/ 334 (1849)، "الثقات" 5/ 203، "تهذيب الكمال" 20/ 94 (3935).
(2)
مسلم (637) كتاب: المساجد، باب: بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس.
(3)
انظر: "الصحاح" 5/ 1823، "لسان العرب" 7/ 4430 مادة:(نبل).
(4)
انظر: "الإجماع" ص 41.
العصر حَتَّى يطلع الشاهد" والشاهد: النجم. أخرجه مسلم
(1)
، لا ينافيه.
وحديث عبد العزيز بن رفيع، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عجلوا بصلاة النهار في يوم غيم، وأخروا المغرب" أخرجه أبو داود في "مراسيله"
(2)
، والمراد -والله أعلم- تحقق الغروب. ووقتها عند الشافعي: بمضى قدر وضوء، وستر عورة وأذانين، وخمس ركعات من وقت الغروب، وبه قَالَ مالك والأوزاعي، وله أن يستديمها إلى مغيب الشفق. والقوي من جهة الدليل بقاؤه إلى مغيب الشفق، وبه قَالَ أبو حنيفة
(3)
والثوري وأحمد وإسحاق
(4)
. وعن طاوس: لا يفوت المغرب والعشاء حَتَّى الفجر
(5)
. وعن عطاء: لا يفوتا حَتَّى النهار
(6)
.
وفي "مصنف عبد الرزاق" عن ابن جريج، أخبرني عبد الرحمن بن سابط أن أبا أمامة سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى غروب الشمس؟ قَالَ: "من أول ما تصفر إلى أن تغرب"
(7)
.
(1)
رواه مسلم (830) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها.
(2)
ص 78 (13). ذكره الحافظ في "الفتح" 2/ 66 وعزاه لسعيد بن منصور في "سننه" وقال: إسناده قوي مع إرساله.
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(3688)، وفي "الضعيفة" (3856) وقال: هذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات، وهو مرسل.
(3)
انظر: "تبين الحقائق" 1/ 84، "البناية" 2/ 48.
(4)
انظر: "الكافي" 1/ 207 - 208.
(5)
رواه عبد الرزاق 1/ 584 (2222).
(6)
رواه عبد الرزاق 1/ 582 (2219).
(7)
عبد الرزاق 2/ 424 - 425 (3948).
الحديث الثاني:
حديث محمد بن عمرو بن الحسن بن علي: قَالَ: قَدِمَ الحَجَّاجُ فَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله، فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا، إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وإِذا رَآهُمْ أَبْطَئوْا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا -أو كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث يأتي قريبًا في وقت العشاء
(1)
، وقد أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، ثم قوله:(قَدِمَ الحجاج) كذا هنا، وفي رواية معاذ بن معاذ عن شعبة: كان الحجاج يؤخر الصلوات، فسألنا جابر بن عبد الله
(3)
.
وفي رواية أحمد بن حنبل وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة، عن غندر: قدم الحجاج المدينة فسألنا جابر بن عبد الله
(4)
الحديث.
ثانيها: في ألفاظه:
الهاجرة: شدة الحر، والمراد هنا: نصف النهار بعد الزوال.
والنقي: الخالص. والوجوب: السقوط للغروب، والمراد: سقوط فرضها، وفاعل وجب مستتر وهو الشمس. والأحيان: جمع حين يقع عَلَى الكثير من الزمان والقليل.
(1)
سيأتي برقم (565) كتاب: مواقيت الصلاة.
(2)
مسلم (646) كتاب: المساجد، باب: استحباب التكبير بالصبح في أول وقتها
…
(3)
مسلم (646/ 234).
(4)
رواه أحمد 3/ 369، وابن أبي شيبة 1/ 281 (3224).
وقوله: (والصبح كانوا -أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس). المعنى: كانوا معه مجتمعين أو لم يكونوا معه مجتمعين، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصليها بغلس، ولا يفعل فيها كما يفعل في العشاء، وإنما كان شأنه التعجيل فيها أبدًا، وهذا من أفصح الكلام، وفيه حذفان كما نبه عليه ابن بطال: حذف خبر كان، وهو جائز كحذف خبر المبتدأ؛ لقوله تعالى:{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]، أي: فعدتهن مثل ذَلِكَ: ثلاثة أشهر. وحذف الجملة التي هي الخبر لدلالة ما سلف عليه
(1)
.
وقوله: (أو) يعني: لم يكونوا مجتمعين، حذف الجملة التي بعد (أوْ) مع كونها مقتضية لها. التقدير: أو لم يكونوا مجتمعين، كما قلناه، ويصح -كما قَالَ ابن التين- أن تكون كان هنا تامة، فتكون بمعنى الحضور والوقوع، ويكون المحذوف ما بعد (أوْ) خاصة.
ثالثها: في أحكامه:
فمنها: فضيلة أول الوقت، ومنها أن سقوط الفرض يدخل به وقت المغرب، ومنها أن تقديم العشاء أفضل عند الاجتماع، وتأخيرها عند عدمه، وهو قولٌ عند المالكية
(2)
، والصحيح عند أصحابنا والمالكية التقديم أفضل مطلقا
(3)
. وأكثر أهل العلم عَلَى أن التأخير أفضل، حكاه الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة والتابعين
(4)
، وبه يقول
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 187 - 188.
(2)
انظر: "التمهيد" 1/ 125، "النوادر والزيادات" 1/ 156.
(3)
انظر: "المدونة" 1/ 81، "التمهيد" 1/ 131، "الأوسط" 2/ 659 - 660.
(4)
"سنن الترمذي" عقب حديث (167).
أحمد
(1)
وإسحاق وأبو حنيفة
(2)
. واستثنى بعضهم عن أبي حنيفة ليالي الصيف، فإن التقديم أفضل، ويكره عنده تأخيرها بعد الثلث، وفي الغيمة يحرم تأخيرها بعد النصف، ومنها: التغليس بالصبح، وقد سلف.
الحديث الثالث:
حَدَثَنَا مكي بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ إِذَا المَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ.
وهذا الحديث أحد ثلاثيات البخاري، وأخرجه مسلم أيضًا بلفظ: كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب
(3)
. ومعنى توارت: استترت بما يحجبها عن الأبصار. وفي أبي داود: إذا غاب حاجبها
(4)
. وهو دال عَلَى المبادرة بها أيضًا.
الحديث الرابع:
حديث ابن عباس: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعًا جَمِيعًا، وَثَمَانِيًا جَمِيعًا.
وهذا الحديث تقدم في تأخير الظهر إلى العصر
(5)
، ويأتي أيضًا في صلاة الليل وغيره
(6)
.
(1)
انظر: "الإفصاح" 1/ 222، "المغني" 2/ 42.
(2)
"سنن الترمذي" عقب حديث (167).
(3)
مسلم (636) كتاب: المساجد، باب: بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس.
(4)
"سنن أبي داود"(417).
(5)
سبق برقم (543).
(6)
سيأتي برقم (1174) كتاب: أبواب التهجد، باب: من لم يتطوع بعد المكتوبة.
19 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ: العِشَاءُ
563 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ -هُوَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو- قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الْمُزَنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ الْمَغْرِبِ". قَالَ: وَتَقُولُ الأَعْرَابُ: هِيَ الْعِشَاءُ. [فتح: 2/ 43]
ذكر فيه حديث الحسين -يعني: المعلم- عِن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله المزني: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَا تَغْلِبَنَكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاِتكُمُ المَغْرِب". قَالَ: وَتَقُولُ الأَعْرَابُ: هي العِشَاءُ.
هذا الحديث من أفراد البخاري، ورواه الإسماعيلي مرة هكذا، ومرة بلفظ "لا تغلبنكم الأعراب عَلَى اسم صلاتكم، فإن الأعراب تسميها عتمة". ثم قَالَ: الحديث الأول يدل عَلَى أنه في صلاة العشاء الآخرة، وكذلك روي عن ابن عمر في العشاء الآخرة التحذير من أن تغلبهم الأعراب عَلَى اسم صلاتهم، يعني: حديث مسلم، وهو من أفراد:"لا تغلبنكم الأعراب عَلَى اسم صلاتكم، ألا أنها العشاء وهم يعتمون بالإبل"
(1)
. وفي لفظ: "عَلَى اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله العشاء، وإنها تعتم بحلاب الإبل"
(2)
أي: تؤخر الحلب إلى أن يعتم الليل، وهو ظلمة أوله، ويسمون الحلبة الأخيرة: العتمة، فلا تسمو القربة باسم ما ليس بقربة، وتسميتها في كتاب الله: العشاء.
وقد عقد البخاري بعد ذَلِكَ بابًا في تسمية العشاء: عتمة، ومن رآه واسعًا فذلك لبيان الجوار؛ أو لأنه متقدم عَلَى نزول الآية، وهي: {وَمِن
(1)
مسلم (644) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها.
(2)
مسلم (644/ 229).
بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] أو أنه خوطب به من يشتبه عليه العشاء بالمغرب.
ومعنى: "لا تغلبنكم" كما قَالَ الأزهري: لا يغرنكم فعلهم هذا عن صلاتكم فتؤخروها، ولكن صلوها إذا كان وقتها.
قوله: "وتقول الأعراب: هي العشاء" العشاء: أول ظلام الليل، وذلك حين يكون من غيبوية الشفق، فلو قيل في المغرب عشاءً لأدى إلى اللبس بالعشاء الآخرة.
وقال المنذري: يجوز أن يكون منسوخًا، وناسخه:"لا تغلبنكم الأعراب"، ويحتمل عكسه؛ فإن التاريخ في التقدم لأحدهما متعذر.
ونقل ابن بطال عن بعضهم أنه لا ينبغي أن يقال للمغرب العشاء الأولى كما تقول العامة، وتفرد كل صلاة باسمها؛ ليكون أبعد من الإشكال
(1)
.
وفي "المصنف": حَدَّثَنَا وكيع، ثَنَا شريك، عن أبي فزارة، عن ميمون بن مهران قَالَ: قلت لابن عمر: من أول من سماها العتمة؟ قَالَ: الشيطان
(2)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 188 - 189.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 199 (8080)، و 7/ 256 (35822).
20 - باب ذِكْرِ العِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"أثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى المُنَافِقِينَ العِشَاءُ وَالْفَجْرُ". [انظر: 644] وَقَالَ: "لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالْفَجْرِ". [انظر: 615] قَالَ أبُو عَبْدِ الله: وَالاِخْتِيَارُ أنْ يَقُولَ: العِشَاءُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]. وُيذْكَرُ عَنْ أبِي مُوسَى قَالَ: كُنا نَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ فَأعْتَمَ بِهَا [انظر 567]. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ: أَعْتَمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْعِشَاءِ. [انظر: 566]. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْعَتَمَةِ [انظر: 566]. وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلَّي العِشَاءَ [انظر: 560]. وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُؤَخِّرُ العِشَاءَ [انظر:- 541]. وَقَالَ أَنَسٌ: أَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم العِشَاءَ الآخِرَةَ [انظر: 572]. وَقَالَ ابن عُمَرَ، وَأبُو أيُّوبَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. [انظر: 543، 1091، 1674 - فتح: 2/ 44]
564 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُس، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَالِمٌ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ -وَهْيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ- ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ:"أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ". [انظر: 116 - مسلم: 2527 - فتح: 2/ 45]
قد تقدم فقه ذَلِكَ قريبًا في الباب قبله، وقد أباح تسميتها بالعتمة أيضًا أبو بكر وابن عباس فيما ذكره ابن أبي شيبة
(1)
.
(1)
"المصنف" 2/ 200 (8084، 8085).
ثم ذكر في الباب أحاديث فيها التسمية بالعشاء والعتمة، فقال: وقَالَ أبُو هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى المُنَافِقِينَ العِشَاءُ وَالْفَجْرُ".
وهذا قد أسنده في فضل العشاء في جماعة، كما سيمر بك
(1)
، وقال:"لو تعلمون ما في العتمة والفجر" وهذا قد أسنده في الأذان
(2)
والشهادات من حديث أبي هريرة أيضًا، وأوله:"لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا"
(3)
.
ثم قَالَ البخاري: والاختيار أن يقول: العشاء؛ لقول الله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] هو كلما قَالَ موافقة للفظ القرآن، وإن كانت السنة ثبتت به وبالعتمة أيضًا. وقد سلف الكلام عَلَى حديث النهي، وقال به سالم وابن سيرين
(4)
، وأجازه أبو بكر وابن عباس كما سلف.
قَالَ البخاري: ويذكر عن أبي موسى: كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء فأعتم بها.
وهذا قد أسنده في باب: فضل العشاء
(5)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(6)
،
(1)
سيأتي برقم (657) كتاب: الأذان.
(2)
سيأتي برقم (615) باب: الاستهام في الأذان.
(3)
سيأتي برقم (2689) باب: القرعة في المشكلات.
(4)
روى ذلك ابن أبي شيبة 2/ 199 (8079، 8082).
(5)
سيأتي برقم (567) كتاب: مواقيت الصلاة.
(6)
مسلم (641) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها.
وهو راد عَلَى من قَالَ: إن التعليق الممرض نازل عند البخاري عن رتبة المجزوم به.
ثم قال البخاري: وقال ابن عباس وعائشة: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعشاء.
وهذان قد أسندهما بعد، الأول: في النوم قبل العشاء
(1)
، والثاني: في باب فضل العشاء
(2)
.
ثم قَالَ: وقال بعضهم عن عائشة: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعتمة. وهذا قد أسنده النسائي من حديث شعيب، عن الزهري، عن عروة، عنها قالت: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعتمة
(3)
. وأسنده مسلم من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عنها قالت: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي بصلاة العشاء
(4)
.
ثم قَالَ: وقال جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء. وهذا قد أسنده في الباب بعد هذا، وسلف أيضًا في الباب قبله
(5)
.
ثم قَالَ البخاري: وقال أبو برزة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء. وهذا قد أسنده في باب: وقت العصر، وقد سلف، ولفظه: وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة
(6)
.
ثم قَالَ: وقال أنس: أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة. وهذا قد أسنده في باب: وقت العشاء إلى نصف الليل
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (571).
(2)
سيأتي برقم (566).
(3)
أخرجه النسائي 1/ 267.
(4)
مسلم (638) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها.
(5)
سيأتي برقم (565) باب: وقت العشاء، إذا اجتمع الناس أو تأخروا. وسلف برقم (560) باب: وقت المغرب.
(6)
سلف برقم (547).
(7)
سيأتي برقم (572).
ثم قَالَ: وقال ابن عمر وأبو أيوب وابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء. وهذا مسند في أبي داود وابن ماجه
(1)
.
ثم قَالَ البخاري: حَدَّثنَا عَبْدَانُ -هو عبد الله بن عثمان- ثنا عَبْدُ اللهِ -هو ابن المبارك- أنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن سَالِمٌ، عن أبيه: صَلَّى لنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً صَلَاةَ العِشَاءِ -وَهْيَ التِي يَدْعُو النَّاسُ العَتَمَةَ- ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ:"أريتكم لَيْلَتَكُمْ هذِه؟ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ".
وهذا الحديث قد سلف الكلام عليه مبسوطًا في كتاب: العلم، في باب: السمر فيه
(2)
، وذكرنا أن بعض الناس يعلق به عَلَى عدم حياة الخضر عليه السلام، وأجبنا عنه فراجعه، وذكرنا حال الخضر في باب: ما ذكر من ذهاب موسى في البحر إلى الخضر
(3)
، فراجعه منه تجد ما يشفي الغليل.
(1)
أما حديث ابن عمر فسيأتي مسندًا برقم (1091) كتاب: تقصير الصلاة، باب: يصلي المغرب ثلاثًا في السفر، ورواه مسلم (703) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، وأبو داود (1207) كتاب: صلاة السفر، باب: الجمع بين الصلاتين، وأما حديث أبي أيوب فسيأتي مسندًا برقم (1674) كتاب: الحج، باب: من جمع بينهما ولم يتطوع (المغرب والعشاء)، ورواه مسلم (1287) كتاب: الحج، باب: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جمعًا بالمزدلفة في هذِه الليلة، وابن ماجه (3020). وأما حديث ابن عباس فسلف مسندًا برقم (543) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: تأخير الظهر إلى العصر، ورواه مسلم (705) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر، وأبو داود (1214)، وابن ماجه (1069).
(2)
سلف برقم (116).
(3)
سلف في حديث (74) كتاب: العلم.
21 - باب وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَوْ تَأَخَّرُوا
565 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو -هُوَ: ابْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ- قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ. [انظر: 560 - مسلم: 646 - فتح: 2/ 47]
ذكر فيه حديث جابر السالف في باب: وقت المغرب والعشاء
(1)
: إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ.
وسلف الكلام عليه هناك، وتعجيلها إنما كان بعد منيب الشفق؛ إذ لا يدخل وقتها إلا به بالإجماع، ومذهبنا أنه الحمرة، وبه قَالَ مالك وأحمد
(2)
. وقَالَ أبو حنيفة: هو البياض
(3)
. ومن هذا الحديث أخذ مالك أن صلاة الجماعة في وسط الوقت أفضل من صلاتها أوله فرادى، واستحب لمساجد الجماعات أن يؤخروا الصلاة حَتًّى يجتمع الناس؛ طلبًا للفضل؛ لأن المنتظر للصلاة في صلاة
(4)
.
(1)
سلف برقم (560).
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 80، "عودة المجالس" 1/ 177، "الأم" 1/ 64، "المغني" 2/ 25، "شرح الزركشي" 1/ 254.
(3)
انظر: "الأصل" 1/ 145،:"المبسوط" 1/ 144.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 153، "المعونة" 1/ 81.
22 - باب فَضْلِ العِشَاءِ
566 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلَامُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ فَقَالَ لأَهْلِ الْمَسْجِدِ: "مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ". [569، 862، 864 - مسلم: 638 - فتح: 2/ 47]
567 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولًا فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ عليه السلام أَنَا وَأَصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ:"عَلَى رِسْلِكُمْ، أَبْشِرُوا، إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ". أَوْ قَالَ: "مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ". لَا يَدْرِي أَيَّ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ. قَالَ أَبُو مُوسَى: فَرَجَعْنَا، فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [مسلم 641 - فتح: 2/ 47]
ذكر فيه حديثين:
أحدهما: حديث عائشة رضي الله عنها: أَعْتَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ بِالْعِشَاءُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلَامُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ فَقَالَ لَاهْلِ المَسْجِدِ: "مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ".
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث يأتي قريبًا بعد باب بعد هذا، وفيه: وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول
(1)
. وفي باب: وضوء الصبيان أيضًا
(2)
، وأخرجه مسلم والنسائي من طريقين.
وفي أحدهما: "إنه لوقتها لولا أن أشق عَلَى أمتي"
(3)
.
ثانيها:
قوله: (أعتم ليلة). يدل عَلَى أن غالب أحواله التقديم رفقًا بأمته، ورفعًا للمشقة عنهم، فإنه كان يكره ما يشق عليهم من طول الانتظار، وكان بهم رحيمًا، وأخرها في بعض الأحيان؛ لبيان الجواز أو لشغل أو لعذر. وفي بعض الأحاديث إشارة إلى ذَلِكَ كما ستعلمه.
ثالثها:
العتمة: ظلمة أول الليل. وقال الخليل: هي الثلث الأول بعد مغيب الشفق
(4)
، وقيل: التأخير والإبطاء
(5)
، فقيل: صلاة العتمة؛ لتأخرها.
(1)
سيأتي برقم (569) باب: النوم قبل العشاء لمن غُلِبَ.
(2)
سيأتي برقم (862) كتاب: الأذان.
(3)
رواه مسلم والنسائي من طريقين: أحدهما: من طريق ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة
…
الحديث، رواه مسلم (638/ 218) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها، والنسائي 1/ 267 كتاب: الصلاة باب: آخر وقت العشاء. وثانيها: من طريق ابن جريج قال: أخبرني المغيرة بن حكيم، عن أم كلثوم بنت أبي بكر أنها أخبرته عن عائشة
…
الحديث. وفيه: "إنه لوقتها .. "، رواه مسلم (368/ 219)، والنسائي 1/ 267.
(4)
"العين" 2/ 82، مادة:(عتم).
(5)
انظر: "الصحاح" 5/ 1979، "لسان العرب" 5/ 2802، مادة:(عتم).
الحديث الثاني:
حديث أبي موسى: كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولًا فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، فكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ حَتى ابْهَارَّ اللَّيْلُ
…
الحديث.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
. والبقيع، بالموحدة
(2)
. وبطحان، بضم الباء وسكون الطاء وفتحها مع كسر الطاء. قَالَ صاحب "المطالع": هو بضم الباء يرويه المحدثون أجمعون. وحكى أهل اللغة: فتح الباء وكسر الطاء، وكذا قيده أبو علي في "بارعه"، والبكري في "معجمه"، وقال: لا يجوز غيره
(3)
، وهو موضع واد بالمدينة.
وقوله: (بعض الشغل). قد جاء بيانه، وأنه كان لتجهيز جيش.
ثانيها:
(ابهارَّ الليل). أي: انتصف، قاله الأصمعي وغيره، والبهرة: الوسط من الإنسان والدابة وغيرهما. وعن سيبويه: كثرت ظلمته، وابهارَّ القمر: كثر ضوؤُه
(4)
. وفي "الصحاح": ذهب معظمه وأكثره
(5)
.
(1)
مسلم (641) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها.
(2)
انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 265، "الصحاح" 3/ 1187، "معجم البلدان" 1/ 473، مادة:(بقع).
(3)
"معجم ما استعجم" 1/ 258، وانظر:"معجم البلدان" 1/ 446.
(4)
"الكتاب" 4/ 76، وانظر:"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 165، "لسان العرب" 1/ 369 - 372، مادة:(بهر).
(5)
"الصحاح" 2/ 599، مادة:(بهر).
وفي بعض الروايات: حَتَّى إذا كان قريبًا من نصف الليل
(1)
.
وقوله: "عَلَى رسلكم" كسر الراء فيه أفصح من فتحها. أي: تأنوا.
وقوله: "إن من نعمة الله" هو بفتح "إنَّ" وكذا "أنه ليس من أحد".
ثالثها: في أحكامه:
فيه: إباحة تأخير العشاء إذا علم أن بالقوم قوة عَلَى انتظارها ليحصلوا عَلَى فضل الانتظار ثم الصلاة؛ لأن المنتظر للصلاة في صلاة، وقد سلف الخلاف فيه.
قَالَ ابن بطال: وهذا لا يصلح اليوم لأئمتنا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما أمر الأئمة بالتخفيف وقال: "إن فيهم الضعيف، والسقيم، وذا الحاجة"
(2)
كان ترك التطويل عليهم في انتظارها أولى. قَالَ: وتأخيره إنما كان لأجل الشغل الذي منعه منها، ولم يكن ذَلِكَ من فعله عادة، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث معنى شغله عنها ما كان روى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قَالَ: جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة جيشًا حَتَّى قرب نصف الليل -أو بلغه- خرج إلينا الحديث
(3)
.
(1)
روى ذلك مسلم من حديث أنس (640/ 223) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها.
(2)
سلف من حديث أبي مسعود الأنصاري برقم (90) كتاب: العلم، باب: الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره، ولفظه:"فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة".
(3)
رواه أحمد 3/ 367، وابن أبي شيبة 1/ 356 (4069)، وأبو يعلى 3/ 442 (1936)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 157. صححه الألباني في "الصحيحة" (2368).
وروى زر بن حبيش عن ابن مسعود قَالَ: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ننتظر العشاء، فقال لنا:"ما عَلَى الأرض أحد من أهل هذِه الأديان ينتظر هذِه الصلاة غيركم في هذا الوقت" فنزلت: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [آل عمران: 113]، الآية
(1)
. وليسوا كالمشركين الذين يجحدون ذَلِكَ كله، ذكره الطبري
(2)
. ومنها إباحة الكلام بعد العشاء، والنهي عنه في غير الخير.
(1)
رواه أحمد 1/ 396، والبزار كما في "كشف الأستار"(375)، والنسائي في "الكبرى" 6/ 313 (11073)، وأبو يعلى 9/ 206 (5306)، والطبري في "تفسيره" 3/ 401 (7660)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 378 (4008)، والشاشي 2/ 108 (631)، وابن حبان 4/ 397 - 398 (1530)، والطبراني 10/ 131 - 132 (10209)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 187، والواحدي في "أسباب النزول" ص 122 - 123 (238).
ذكره الهيثمي في "المجمع" 1/ 312. وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في "الكبير"، ورجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النّجود وهو مختلف في الاحتجاج به، وفي إسناد الطبراني عبيد الله بن زحر، وهو ضعيف.
حسنه الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 73، وهو في "الصحيح المسند من أسباب النزول" ص 51 - 52.
(2)
"تفسير الطبري" 3/ 402.
23 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ
(1)
568 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا. [انظر: 541 - مسلم: 647 - فتح: 2/ 49]
ذكر فيه حديث أبي برزة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا
(2)
.
هذا الحديث سلف في باب وقت العصر
(3)
، ويأتي قريبًا
(4)
، والبخاري رواه عن محمد، وهو ابن سلام كما ذكره أبو نعيم الأصبهاني. وذكر الجياني عن ابن السكن أنه نسبه كذلك في بعض مواضع في البخاري. قَالَ: وذكر أبو نصر أن البخاري روى في الجامع عن محمد بن سلام، وبندار: محمد بن بشار، وأبي موسى: محمد بن المثنى، ومحمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي عن عبد الوهاب الثقفي
(5)
. ورواه الإسماعيلي، عن ابن ناجية، عن بندار، عن عبد الوهاب، فيحتمل أن يكون هو.
قَالَ الترمذي: وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء، ورخص بعضهم في ذَلِكَ، ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء
(1)
ورد بهامش (س) ما نصه: ثم بلغ في التاسع بعد الستين. كتبه مؤلفه
(2)
ورد بهامش (س) ما نصه: من خط الشيخ في الهامش: قال الترمذي: وفي الباب عن عائشة وأي موسى وأنس
…
وابن عباس. ذكره الزهري وابن مسعود
…
قال أبو حاتم: وحديث أبي برزرة أصح منه.
(3)
سلف برقم (547).
(4)
سيأتي برقم (599) باب: ما يكره من السمر بعد العشاء.
(5)
"تقييد المهمل" 3/ 1020 - 1021.
في رمضان
(1)
. ثم قيل في كراهية ذَلِكَ قبل العشاء: لئلا يستغرق في النوم فيفوت وقتها المستحب، وربما فاته الوقت كله، فنهى عن ذَلِكَ قطعًا للذريعة، وإن قام من نومه ولم يكن أخذ حظه منه فيقوم بدنه كسلان.
واختلف السلف في ذَلِكَ، فكان ابن عمر يسب الذي ينام قبلها فيما حكاه ابن بطال
(2)
. لكن سيأتي في الباب بعده عنه أنه كان يرقد قبلها، وذكر عنه أنه كان ينام ويوكل به من يوقظه. روى معمر، عن أيوب، عن نافع، عنه أنه كان ربما رقد عن العشاء الآخرة ويأمر أن يوقظوه
(3)
.
وعن أنس: كنا نجتنب الفرش قبل العشاء
(4)
. وكتب عمر: لا ينام قبل أن يصليها، فمن نام فلا نامت عينه
(5)
.
وكره ذَلِكَ أبو هريرة وابن عباس وعطاء وإبراهيم ومجاهد وطاوس
(6)
ومالك والكوفيون، وروي عن علي أنه ربما أغفي قبل العشاء
(7)
، وكان ابن عمر ينام ويوكل به من يوقظه كما سلف عنه، وعن أبي موسى وعبيدة مثله. وعن عروة وابن سيرين والحكم أنهم كانوا ينامون نومة قبل الصلاة، وكان أصحاب عبد الله يفعلون ذَلِكَ
(8)
،
(1)
ذكره الترمذي 1/ 314 عقب روايته حديثنا هذا، وهو عنده برقم (168).
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 194، والأثر رواه ابن أبي شيية 2/ 121 (7176).
(3)
لم أقف عليه من رواية معمر، وإنما رواه عبد الرزاق 1/ 564 (2146) عن ابن جريج، عن نافع عنه بهذا اللفظ، وابن أبي شيبة 2/ 122 (7194) عن ابن علية، عن أيوب، عن نافع عنه.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 121 (7177).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 121 (7187).
(6)
رواه ابن أبى شيبة 2/ 121 - 122 (7180، 7183، 7184، 7186).
(7)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 122 (7190).
(8)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 122 - 123 (7192، 7195، 7197، 7199).
وبه قَالَ بعض الكوفيين، واحتج لهم بأنه إنما كره ذَلِكَ لمن خشي الفوات في الوقت والجماعة، أما من وكل به من يوقظه لوقتها فيباح كما سلف.
فدل عَلَى أن النهي ليس للتحريم لفعل الصحابة، لكن الأخذ بظاهر الحديث أنجى وأحوط. وحمل الليث قول عمر السالف: فلا نامت عينه، عَلَى من نام بعد ثلث الليل الأول. وحمل الطحاوي الكراهة عَلَى ما بعد دخول الوقت، والإباحة عَلَى ما قبله
(1)
.
وأما كراهة الحديث بعدها فلاستحباب ختم العمل بالطاعة، ونسخ عادة الجاهلية في السمر فيما لا ينبغي، ولأنه يؤدي إلى سهر يفضي إلى إخراج وقت الصبح، إما الجائز أو الفاضل، وهذا في الحديث المباح.
أما حديث الخير كالعلم ومحادثة الضيف ونحو ذَلِكَ فلا بأس به، وقد ترجم له قريبًا بابًا وسلف أيضًا في كتاب العلم في باب السمر فيه.
(1)
القائلون بكراهة النوم قبل صلاة العشاء هم جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
انظر للأحناف: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 317، "شرح فتح القدير" 1/ 229، وللمالكية:"النوادر والزيادات" 1/ 157، "المنتقى" 1/ 75، وللشافعية:"شرح السنة" 2/ 192، "المجموع" 3/ 44، وللحنابلة:"المغني" 2/ 33، "الفروع" 1/ 303.
24 - باب النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ
569 -
حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَت: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: الصَّلَاةَ، نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ فَقَالَ:"مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ". قَالَ: وَلَا يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ. [انظر: 566 - مسلم: 638 - فتح:2/ 49]
570 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً، فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرُكُمْ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُبَالِى أَقَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا، إِذَا كَانَ لَا يَخْشَى أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا، وَكَانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا. [مسلم: 639 - فتح: 2/ 50]
571 -
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: الصَّلَاةَ. قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَخَرَجَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الآنَ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا". فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً كَيْفَ وَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِهِ يَدَهُ كَمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَبَدَّدَ لِي عَطَاءٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ شَيْئًا مِنْ تَبْدِيدٍ، ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ ثُمَّ ضَمَّهَا، يُمِرُّهَا كَذَلِكَ عَلَى الرَّأْسِ حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ مِمَّا يَلِى الْوَجْهَ عَلَى الصُّدْغِ وَنَاحِيَةِ اللِّحْيَةِ، لَا يُقَصِّرُ وَلَا يَبْطُشُ إِلاَّ كَذَلِكَ، وَقَالَ:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَكَذَا". [7239 - مسلم: 642 - فتح: 2/ 50]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ: أَعْتَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ
…
الحديث.
وقد سلف في باب: فضل العشاء
(1)
. وأبو بكر المذكور في إسناده هو: ابن أبي أويس، عن سليمان وهو: ابن بلال.
وذكر أيضًا فيه حديث ابن عمر: أَنَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً، فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي المَسْجِدِ .. الحديث. وفي آخره أن ابن عمر كان يرقد قبلها.
وأخرج مسلم بعضة
(2)
. ثم عقب البخاري ذَلِكَ محيلًا عَلَى ما قبله بأن قَالَ:
قَالَ ابن جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ -يعني: ابن أبي رباح- وَقَالَ: سَمِعْتُ ابن عباس يَقُولُ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ
…
إلى آخره.
وأخرجه أيضًا في التمني من حديث سفيان، عن عمرو، وقَالَ أبو عبد الله هناك: قَالَ عمرو: وحديث عطاء ليس فيه ابن عباس
(3)
.
وقال الإسماعيلي: حديث عمرو عن عطاء مرسل. وذكر المهلب بن أبي صفرة، وأبو نعيم الأصبهاني في كتابيهما أن البخاري روى حديث عطاء هذا بسند حديث ابن عمر، وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء مفردًا موصولًا من حديمث نافع بلفظه عن ابن جريج: قلت لعطاء: أي حينٍ أحب إليك أن أصلي العشاء؟ قَالَ: سمعت ابن عباس
(4)
.
(1)
سلف برقم (566).
(2)
مسلم (639/ 221) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها.
(3)
سيأتي برقم (7239) باب: ما يجوز من اللَّوْ.
(4)
مسلم رقم (642) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها.
وأخرجه النسائي منقطعًا من حديث ابن عمر. وأخرج حديث ابن عمر من حديث حجاج، عن ابن جريج
(1)
. ثم أورد بعده من حديث سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس. وعن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قَالَ: أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة
…
الحديث، وفيه: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم والماء يقطر من رأسه، وهو يقول:"إنه الوقت، لولا أشق عَلَى أمتي"
(2)
ولمسلم في حديث ابن عمر: فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا أدري أشيء شغله في أهله أو غير ذَلِكَ
(3)
. ونوم ابن عمر في حديثه قبل العشاء يدل -والله أعلم- أنه كان منه نادرًا إذا غلبه النوم، وكان يوكل من يوقظه عَلَى ما ذهب إليه بعض الكوفيين، وقد أسلفنا في الباب الماضي عنه أنه ربما رقد عن العشاء، ويأمر أن يوقظوه. فقوله: ربما، دال عَلَى أنه كان منه في النادر فيحتمل أن يفعله إذا أراد أن يجمع بأهله، أو لعذر يمنعه من حضور الجماعة، ثم يجمع بأهله.
والنوم المذكور في الحديث، إنما هو نوم القاعد الذي تخفق رأسه
لا نوم المضطجع؛ والدليل عَلَى ذَلِكَ أنه لم يذكر أحد من الرواة أنهم توضئوا من ذَلِكَ النوم، ولا يدل قوله: ثم استيقظوا عَلَى النوم المستغرق؛ لأن العرب تقول: استيقظ من سنته وغفلته، وإلى هذا ذهب الشافعي في نوم الجالس الممكن
(4)
، ويشبه أيضًا مذهب مالك في مراعاته النوم الخفيف في كل الأحوال؛ لأنه ليس بحدث، وهو
(1)
الذي في "سنن النسائي" حديث ابن عباس وليس ابن عمر.
(2)
النسائي 1/ 265 - 266.
(3)
مسلم (639) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها.
(4)
انظر: "البيان" 1/ 177.
رد عَلَى المزني أنه حدث، لأنه محال أن يذهب عَلَى الصحابة ذَلِكَ فيصلوا بالنوم ولا يسألوا عن ذلك. وقد رُوِي عن ابن عمر
(1)
وابن عباس
(2)
، وأبي أمامة
(3)
، وأبي هريرة
(4)
أنهم كانوا ينامون قعودًا ولا يتوضئون، فدل عَلَى خفة ذلك.
وأما ما جاء عن أنس أنهم حين كانوا ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ناموا مضطجعين، ثم صلوا ولم يتوضئوا
(5)
. ذكره الطبري، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قَالَ: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة مع الرسول، فيضعون جنوبهم، ثم يقومون فيصلون ولايتوضئون. فظاهره أنه لا نقض بذلك، وهو قول أبي موسى الأشعري
(6)
، وأبي مجلز، وعمرو بن دينار
(7)
.
(1)
رواه عبد الرزاق 1/ 130 (484، 485)، وابن أبي شيبة 1/ 123 (1402) بنحوه، والبيهقي 1/ 120.
(2)
رواه عبد الرزاق 1/ 129 (479)، وابن أبي شيبة 1/ 124 (1412)، كلاهما بلفظ أن ابن عباس قال: وجب الوضوء على كل نائم إلا من أخفق خفقة برأسه.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 123 (1403).
(4)
رواه عبد الرزاق 1/ 129 (481) بلفظ: عن أبي هريرة، قال: من استحق النوم فعليه الوضوء. وابن أبي شيبة 1/ 124 (1416) بلفظ: عن أبي هريرة، قال: من استحق نومًا فقد وجب عليه الوضوء. زاد ابن علية: قال الجريري: فسألنا عن استحقاق النوم، فقال: إذا وضع جنبه.
ورواه البيهقي 1/ 122 - 123 بلفظ: عن أبي هريرة، قال: ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع، فإذا اضطجع توضأ.
(5)
رواه مسلم (376/ 125) كتاب: الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، وأبو داود (200)، والترمذي (78)، وأحمد 3/ 277.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 124 (1415).
(7)
انظر: "الحاوي" 1/ 178.
فقد جاء في حديث قتادة، عن أنس ما هو دال لما قلنا، وهو قوله: ثم يقومون فمنهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ. ذكره الطبري، فبان بذلك أن النوم المستغرق ناقض وأن الخفيف لا ينقض، ويحمل ذَلِكَ عَلَى الحالتين، وقد سلف الكلام عَلَى حكم النوم في الطهارة مستوفي.
25 - باب وَقْت العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ
وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَهَا. [انظر: 541]
572 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ:"قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا". وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ. [600، 661، 847، 5869 - مسلم: 640 - فتح: 2/ 51]
هذا الحديث سلف في باب وقت العصر
(1)
. ثم ساق بإسناده حديث أنس: قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ العِشَاءِ إلى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ:"رقد صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا". وَزَادَ ابن أبِي مَرْيَمَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ.
هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع أخر، في باب من جلس في (المسجد)
(2)
ينتظر العشاء، وفيه: إلى شطر الليل
(3)
، وفي باب: السمر في الفقه والخير بعد العشاء
(4)
. وفي باب: يستقبل الإمام الناس إذا سلم
(5)
، واللباس
(6)
.
(1)
سلف برقم (547).
(2)
كذا في (ج)، (س): المجلس. وما في "صحيح البخاري": المسجد.
(3)
سيأتى برقم (661) كتاب: الأذان.
(4)
سيأتى برقم (600).
(5)
سيأتى برقم (847) كتاب: الأذان.
(6)
سيأتى برقم (5869) باب: فَصّ الخاتم.
وهذا التعليق ذكره في اللباس أيضًا بلفظ: وقال يحيى بن أيوب، عن حميد فذكره
(1)
وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
واختلف الناس في آخر وقت العشاء عَلَى أقوال:
أحدها: أن آخره ثلث الليل، روي عن عمر بن الخطاب
(3)
، وأبي هريرة
(4)
، وعمر بن عبد العزيز
(5)
، ومكحول
(6)
، وإليه ذهب مالك لغير أصحاب الضرورات
(7)
. وفيه حديث من طريق علي أخرجه الطبري في "تهذيبه". واقتداء بحديث جبريل من طريق جابر صححه ابن خزيمة وغيره
(8)
.
(1)
ذكره عقب حديث رقم (5870) باب: فَصّ الخاتم.
(2)
مسلم (640) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها.
(3)
رواه عبد الرزاق 1/ 556 (2108 - 2109)، 1/ 560 (2128) كتاب: الصلاة، باب: وقت العشاء الآخرة، ورواه ابن أبي شيبة 1/ 291 (3339) كتاب: الصلوات، في العشاء الآخرة تعجل أو تؤخر.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 291 (3338) كتاب: الصلوات، في العشاء الآخرة تعجل أو تؤخر.
(5)
رواه عبد الرزاق 1/ 556 (2110) كتاب: الصلاة، باب: وقت العشاء الآخرة.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 291 (3343) كتاب: الصلوات، في العشاء الآخرة تعجل أو تؤخر.
(7)
انظر: "المعونة" 1/ 80.
(8)
يشير إلى حديث جابر، وفيه أن جبريل جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول، فقال: قم فصلِّ. فصلَّى العشاء.
رواه الترمذي (150)، والنسائي 1/ 263، وأحمد 3/ 330، وابن خزيمة 1/ 182 (353)، وابن حبان 4/ 335 - 336 (1472)، والدارقطني 1/ 256، والحاكم 1/ 195 - 196، والبيهقي 1/ 368.
قال الترمذي: حسن صحيح غريب
…
وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار وأبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو حديث وهب بن كيسان، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. =
ثانيها: إلى ربعه، قَالَه النخعي
(1)
، ولا متمسك له واضح، وهذا ما حكاه عنه ابن بطال
(2)
، وحكى عنه ابن المنذر في "إشرافه" موافقة الثالث.
ثالثها: إلى نصفه، قاله ابن حبيب والثوري أيضًا، وحكاه ابن بطال عن أبي حنيفة أيضًا
(3)
.
رابعها: إلى طلوع الفجر الثاني، وهو قول الجمهور، والأصح عند الشافعية أن وقتها المختار إلى الثلث، وأغرب الاصطخري فقال بخروج الوقت المختار يخرج الوقت.
= قال العلامة أحمد شاكر معلقًا على قول الترمذي: (غريب):
هو حديث صحيح كما صححه الحاكم والذهبي، وفي وصف الترمذي له بأنه غريب نظر؛ لأنه سيذكر من رواه عن جابر غير وهب، وبذلك لا يكون غريبًا.
وصححه ابن خزيمة، وابن حبان والحاكم. وصححه الألباني في "الإرواء"(250).
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 291 (3341) كتاب: الصلوات، في العشاء الآخرة تعجل أو تؤخر.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 198.
(3)
المصدر السابق.
26 - باب فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ
573 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ: قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: "أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُّونَ -أَوْ لَا تُضَاهُون- فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا". ثُمَّ قَالَ: " {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} "[طه: 130][انظر: 554 - مسلم:633 - فتح: 2/ 52]
574 -
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ". وَقَالَ ابْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ بِهَذَا.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ حَبَّانَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. [مسلم: 635 - فتح:2/ 52]
ذكر فيه حديثين:
أحدهما: حديث جرير السالف في فضل صلاة العصر
(1)
فراجعه: وهو دال عَلَى فضل المبادرة والمحافظة عَلَى صلاة الصبح والعصر، وأن بذلك ينال رؤية الله تعالى يوم القيامة؛ وخصَّا بالذكر لفضلهما باجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما، وهو معنى قوله تعالى:{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] وليلة البدر ليلة أربع عشرة، كما جاء في رواية أخرى
(2)
، سمي بدرًا لتمامه. وقيل: لمبادرته الشمس بالطلوع.
(1)
سلف برقم (554).
(2)
سيأتي برقم (4851) كتاب: التفسير، باب: قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} .
الثاني: حديث أبي موسى: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ". وَقَالَ ابن رَجَاءٍ: ثنَا هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عن أبي بَكْرِ، عن أبيه بهذا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، والتعليق أسنده الطبراني عن عثمان بن عمر الضبي، ثَنَا عبد الله بن رجاء
(2)
. وفائدته عند البخاري نسبة أبي بكر إلى أبيه أبي موسى الأشعري؛ لأن الناس اختلفوا في أبي بكر هذا، ابن من هو؟ فقال الدارقطني نقلًا عن بعض أهل العلم: هو أبو بكر ابن عمارة بن رؤيبة الثقفي، وهذا الحديث محفوظ عنه. وقال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي موسى إلا من هذا الوجه، وإنما يعرف عن أبي بكر بن عمارة، عن أبيه، ولكن هكذا قَالَ همام
(3)
. يعنيان بذلك حديث أبي بكر بن عمارة المخرَّج عند مسلم: "لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" يعني: الفجر و [العصر]
(4)
(5)
، وهما البردان، سميا بذلك؛ لأنهما يفعلان وقت البرد ولطيب الهواء فيه، وأبعد من ضم إليهما المغرب فيما حكاه ابن بطال عن أبي عبيدة، وخصَّا بالذكر لشهود الملائكة فيهما
(6)
. وقال القزاز: بشر بذلك كل من صلاهما معه في أول فرضه إلى أن نسخ ليلة الإسراء.
(1)
مسلم برقم (635) كتاب: المساجد، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما.
(2)
ووصله أيضًا ابن حجر في "التغليق" 2/ 261 - 262.
(3)
"مسند البزار" 8/ 95 - 97 بعد حديث رقم (3095).
(4)
في (س): الصبح، والصواب: ما أثبتناه من "صحيح مسلم".
(5)
مسلم برقم (634) كتاب: المساجد، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر. عليهما.
(6)
"شرح ابن بطال" 2/ 199.
وقوله: "دخل الجنة" إما أن يكون خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أن من صلاهما ورعى حقوقهما انتهى عما ينافيهما من فحشاء ومنكر؛ لأن الصلاة تنهى عنهما، أو يكون آخر أمره دخولها.
27 - باب وَقْتِ الفَجْرِ
575 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ، أَنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ. قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ، يَعْنِي: آيَةً. ح. [1921 - مسلم: 1097 - فتح: 2/ 53]
576 -
حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، سَمِعَ رَوْحًا، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى. قُلْنَا لأَنَسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً. [1134 - فتح: 2/ 54]
577 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [1920 - فتح: 2/ 54]
578 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ، لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ. [انظر: 372 - مسلم: 645 - فتح: 2/ 54]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: خديث أنس بن مالك: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصلاة. قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ آيَةً.
وفي رواية. عنه أَن نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى. قُلْنَا لأَنَسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ
فَرَاغِهِمَا (مِنْ)
(1)
سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يَقرَأ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً.
ثانيها: حديث سهل بن سعد: كُنْتُ أَتَسَحرُ فِي أهْلِي، ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
ثالثها: حديث عائشة: كُنَّ نِسَاءُ المُؤمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنًّ، ثُمًّ يَنْقَلِبنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقضِينَ الصَّلَاةَ، لَا يَعْرِفُهُن أحَدٌ مِنَ الغَلَسِ.
حديث عائشة هدا تقدم أوائل الصلاة
(2)
، وتقدم الكلام عليه واضحًا. والطريق الأول من حديث أنس أخرجه مسلم
(3)
.
والثاني: أخرجه النسائي الصوم
(4)
، وتارة يجعل من مسند أنس عن زيد، وتارة من مسند أنس
(5)
، ويأتي أيضًا في صلاة الليل والصوم
(6)
.
وقد رواه الطحاوي عنهما
(7)
. وللنسائى وأبن حبان: قَالَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس، إني أريد الصيام أطعمني شيئًا" فجئته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعدما أذن بلال، قال:"يا أنس: انظر رجلًا يأكل معي" فدعرت زيد بن ثابت، فجاء، فقال: إني قد شربت شربة سويق، وأنا
(1)
في (س): (و) والمثبت هو الصحيح من "الصحيح".
(2)
سلف برقم (372) باب: في كم تصلي المرأة في الثياب.
(3)
مسلم (1097) كتاب: الصيام، باب: فضل السحرر وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر.
(4)
النسائي 4/ 143.
(5)
المصدر السابق.
(6)
سيأتي برقم (1134) أبواب التهجد، باب: من تسحر فلم ينم حتى صلى الصبح، وبرقم (1921) باب: قدركم بين السحور وصلاة الفجر.
(7)
"شرح معاني الآثار" 1/ 177.
أريد الصيام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أريد الصيام" فتسحر معه ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة
(1)
. قَالَ الإسماعيلي: قَالَ خالد بن الحارث، عن سعيد في هذا الحديث: أنس عن زيد. وأصحاب سعيد يقولون: عن أنس. وقال خالد بن الحارث: أنس القائل: كم كان بينهما؟ وفي حديث همام: قلت لزيد: كم كان بينهما؟ ويزيد بن زريع يقول لأنس: كم كان بينهما؟ وهما جميعًا سائغان أن يكون أنس سأل زيدًا فأخبره، وأن يكون قتادة أو غيره سأل أنسًا فأرسل له قدر ما كان بينهما كما أرسل أصل الخبر، فلم يقل: عن زيد. ومن تراجم البخاري عَلَى هذا الحديث في الصيام باب: قدر كم بين السحور وصلاة الصبح؟ فذكر خمسين آية
(2)
، ومراده بالصلاة: دخول وقتها.
وحديث سهل ذكره في الصوم أيضًا، أخرجه هنا عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه، عن سليمان، عن أبي حازم، عن سهل.
وأخرجه في الصوم عن محمد بن عبيد الله، عن (عبد العزيز)
(3)
بن أبي حازم، عن أبيه
(4)
. وادعى خلف أن البخاري أخرجه في الصوم عن قتيبة عن عبد العزيز بن أبي حازم. ولم يُر ذَلِكَ فيه، ولا ذكره أبو مسعود ولا الطرقي
(5)
.
(1)
رواه النسائي 4/ 147، وابن حبان 4/ 364 - 365 (1497).
(2)
سيأتي برقم (1921).
(3)
في (ج)، و (س) إسحاق: وهو خطأ، بل هو عبد العزيز بن أبي حازم، وسيذكره المؤلف هناك على الصواب، وهذا هو في "اليونينية" 3/ 29، دون أي اختلاف.
(4)
سيأتي برقم (1920) باب: تأخير السحور.
(5)
هو الحافظ أبو العباس: أحمد بن ثابت بن محمد بن محمد الطرقي -بفتح الطاء المهملة وسكون الراء وبعدها قاف- وطرق: قرية من أصبهان. كان عارفًا بالفقه والأصول والأدب حسن التصنيف، قال الصفدي: قال السمعاني: سمعت جماعة =
أما فقه الباب: فالإجماع قائم عَلَى أن وقت صلاة الصبح انصداع الفجر، وهو البياض المعترض في أفق السماء من جهة المشرق، وهو الفجر الثاني الصادق، أي: لأنه صدق في الصبح وبيَّنه لا الفجر الأول الكاذب الذي يبدو ضوؤه مستطيلًا ذاهبًا في السماء كذنب السرحان وهو الذئب، وقيل: الأسد، ثم ينمحي أثره ويصير الجو أظلم ما كان، سمي كاذبًا؛ لأنه يضيء ثم يسود، ويذهب النور فكأنه كاذب، وشبه بذنب السرحان لطوله؛ ولأن ضوءه يكون في الأعلى دون الأسفل، كما أن الذنب يكثر شعر ذنبه في أعلاه دون أسفله.
والأحكام متعلقة بالفجر الثاني دون الأول، ولا يتعلق بالأول شيء من الأحكام. وفيه في الدارقطني حديث من طريق عبد الرحمن بن ثوبان، وغيره
(1)
.
= يقولون: إنه كان يقول: إن الروح قديمة.
قال الصفدي: قال ابن النجار: له مصنفات حسنة منها كتاب: "اللوامع في أطراف الصحيحين" توفي سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. انظر ترجمته في "تاريخ الإسلام" 36/ 63، "الوافي بالوفيات" 6/ 282 (2778).
(1)
الدارقطني 2/ 165، ورواه الطبري في "تفسيره" 2/ 179 (3003)، والبيهقي 4/ 215، وابن كثير في "تفسيره" 2/ 203 كلهم عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرفوعًا. قال الدارقطني: مرسل. وقال البيهقي: مرسل، وقد روي موصولًا بذكر جابر بن عبد الله فيه. وقال ابن كثير: مرسل جيد.
وروي موصولًا عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله، رواه الحاكم 1/ 191، والبيهقي 1/ 377.
قال الحاكم: إسناده صحيح. وقال البيهقي: روي موصولًا، وروي مرسلًا وهو أصح. وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعًا رواه ابن خزيمة 1/ 184 - 185 (356)، والحاكم 1/ 425، والبيهقي 1/ 377. صححه الحاكم، وقال البيهقي: رواه أبو أحمد مسندًا، ورواه غيره موقوفًا، والموقوف أصح. فالحديث صحيح مرفوعًا بشواهده، صححه الألباني في "الصحيحة"(693، 2002).
واختلف في آخر وقته: فذهب الجمهور إلى أن آخره طلوع أول جرم الشمس، وهو مشهور مذهب مالك
(1)
، وروى عنه ابن القاسم وابن عبد الحكم أن آخر وقتها الإسفار الأعلى
(2)
، وعلى هذأ فما بعد الإسفار وقت لأصحاب الأعذار، ويؤثم من أخر الصلاة إلى ذَلِكَ الوقت، بخلاف الأول. وعن الإصطخري: من صلاها بعد الأسفار الشديد يكون قاضيًا، واستدل بحديث أبي موسى أنه عليه السلام صلى بالسائل الفجر في اليوم الثاني حين انصرف منها، والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت. وقال: "الوقت ما بين هذين"
(3)
وظاهره أن آخر وقتها يخرج قبل طلوع الشمس بيسير، وهو الذي يقدر بإدراك ركعة كما في الحديث، والجمهور استدلوا بالأحاديث التي فيها:"إذا صليتم الفجر، فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس"
(4)
.
(1)
انظر: "المعونة" 1/ 81.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 153.
(3)
رواه مسلم برقم (614) كتاب: المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس.
(4)
رواه مسلم (612) كتاب: المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس. من حديث عبد الله بن عمرو.
28 - باب مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً
579 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنِ الأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ". [انظر: 556 - مسلم: 607، 608 - فتح: 2/ 56]
ذكر فيه حديث أبي هريرة مرفوعًا: "مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ".
29 - باب مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً
580 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ". [انظر: 556 - مسلم: 607، 608 - فتح: 2/ 57]
ذكر فيه حديث أبي هريرة أيضًا مرفوعًا: "مَنْ أَدْرَكَ رَكعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ".
والحديثان في "صحيح مسلم" أيضًا
(1)
، وقد سلف في باب: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب. إخراجه له من حديث أبي هريرة أيضًا بلفظ: سجدة. بدل: ركعة
(2)
. وهي هي كما سلف. وذكر أبو العباس الطرقي في هذين الحديثين في ترجمة واحدة، وأن أبا هريرة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: في الباب عن عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري. وفي رواية لابن عبد البر من حديث أبي صالح عن أبي هريرة "فلم تفته"
(3)
فيهما. وأخرجه مسلم من حديث عائشة مرفوعًا
(4)
كما سلف هناك بالكلام عليه مبسوطًا.
(1)
رواه مسلم (607 - 608) كتاب: المساجد، باب: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة.
(2)
سلف برقم (556).
(3)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 3/ 272 - 273.
(4)
مسلم (609) كتاب: المساجد، باب: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة.
30 - باب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ
581 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرضِيُّونَ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشرُقَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ. [مسلم: 826 - فتح: 2/ 58]
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا العَالِيَةِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نَاسٌ بهذا.
582 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا". [585، 589، 1192، 1629، 3273 - مسلم: 828 - فتح: 2/ 58]
583 -
وَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ". تَابَعَهُ عَبْدَةُ. [3272 - مسلم: 829 - فتح: 2/ 58]
584 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ صَلَاتَيْنِ: نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَعَنْ الاِحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَعَنِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ. [انظر: 368 - مسلم: 825، 1511 - فتح: 2/ 58]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ عِنْدِى رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ.
ثم قَالَ: حَدَّثنَا مُسَدَّدٌ ثنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَبَا العَاليَةِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نَاسٌ بهذا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
وقال الترمذي: حسن صحيح، ثم قَالَ: وفي الباب عن جماعة
(2)
عدَّدهم، وأهمل جماعات أيضًا ذكرتهم في شرحي "للعمدة"
(3)
، فليراجع منه.
وبدأ البخاري بالسند الأول لعلوه إلى قتادة، وثنى بالثاني؛ لتصريح قتادة فيه بالسماع، ولمتابعة شعبة هشامًا. وأبو العالية اسمه: رفيع، وهو أحد الأحاديث الأربعة أو الثلاثة التي لم يسمع من ابن عباس غيرها، ولهم ثان: أبو العالية البراء البصري زياد، وقيل: كلثوم. يروي عن ابن عباس أيضًا، أخرج له الشيخان في تقصير الصلاة عن ابن عباس. وذكر الكلاباذي أنهْ أبو العالية رفيع، وقد انتقد عليه في ذَلِكَ، فإن الراوي عنه فيه أيوب، وأيوب لم يذكر له رواية عن أبي العالية رفيع.
إذا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
معنى شهد: بين وأعلم وأخبر، لا بمعنى الشهادة عند الحكام، كيف وعمر كان قاضيًا للصديق، وخليفة بعده إلى أن مات، ولم يكن ابن عباس قاضيًا له ولا نائبًا في الإمارة، فدل عَلَى ما ذكرناه، ومثله قوله تعالى:{شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18] أي: بيَّن، كما قاله الزجاج.
(1)
مسلم برقم (826) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها.
(2)
"سنن الترمذي"(183).
(3)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 333 - 334.
وقوله: (مرضيون). أي لا شك في صدقهم ودينهم. وفي الترمذي وغيره: سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وكان من أحبهم إليَّ
(1)
. وفي هذا رد عَلَى الروافض فيما يدعونه من المباينة بين أهل الكتاب وأكابر الصحابة.
ثانيها:
قولى: (نهى عن الصلاة بعد الصبح). أي: بعد صلاة الصبح. وبعد العصر: أي: بعد صلاة العصر
(2)
، كما ستعلمه. وادَّعى ابن بطال تواتر النهي فيهما
(3)
.
ثالثها:
تشرق بضم أوله وكسر ثالثه، وبفتح أوله وضم ثالثه، وهو الأكثر عند رواه المشارقة. أشار القاضي عياض إلى ترجيح الأول
(4)
، وهو بمعنى تطلع؛ لأن أكثر الروايات على تطلع. فوجب حمل تشرق في المعنى عَلَى موافقتها، يقال: شرقت الشمس تَشرُق أي: طلعت، ويقال: أشرقت تُشرِق أي: ارتفعت وأضاءت، ومنه قوله تعالى:{وَأَشرَقَتِ اَلأَرْضُ بِنُور رَبِّهَا} [الزمر: 69] أي: أضاءت. فمن فتح التاء هنا احتج بأن في باقي الروايات: حَتَّى تطلع الشمس. فوجب حمل هذِه عَلَى موافقتها، ومن ضم احتج بأحاديث النهي عن الصلاة عند
(1)
رواه الترمذي (183)، ومسلم (826)، والنسائي 1/ 276 - 277، وأبو يعلى 1/ 137 (137)، وابن خزيمة 2/ 254 (1272).
(2)
كما سيأتي من حديث أبي سعيد الخدري (1197) كتاب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب: مسجد بيت المقدس.
(3)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 207.
(4)
"إكمال المعلم" 3/ 203.
الطلوع، وعن الصلاة إذا بدا حاجب الشمس حَتَّى تبرز، وحديث ثلاث ساعات حين تطلع الشمس بازغة حَتَّى ترتفع، وكل هذا يبين أن المراد بالطلوع في الروايات الأخر: ارتفاعها وإشراقها وإضاءتها لا مجرد قرصها
(1)
. وحكى الزجاج فيما حكاه ابن الجوزي: أشرقت: أضاءت وصفت. وشرقت: طلعت، وعلى هذا أكثر أهل اللغة. وقال بعضهم: هما بمعنى واحد.
رابعها:
قام الإجماع عَلَى كراهة صلاة لا سبب لها في أوقات النهي، وعلى جواز الفرائض المؤداَّة فيها، واختلفوا فيما إذا كان له سبب، فأباحه الشافعي وطائفة إذا كان السبب سابقًا أو مقارنًا
(2)
، وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى بقاء النهي لعموم الأحاديث، وتباح الفوائت عنده بعد الصبح والعصر ولا تباح في الأوقات الثلاث إلا عصر يومه، فيباح عند الاصفرار
(3)
، ومشهور مذهب داود: منع الصلاة في هذِه الأوقات مطلقًا سواء ذات السبب وغيرها، وهو رواية عن أحمد
(4)
ونقل القاضى عن داود أنه أباحها بسبب ودونه. واحتج الشافعي ومن وافقه بأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وهذا تصريح في قضاء السنة الفائتة، فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى، وكذا الجنازة، وهو إجماع فيها، وإن حُكي عن الكرخي المنع، وقال صلى الله عليه وسلم
(1)
انظر: "الصحاح" 4/ 1501، "النهاية في غريب الحديث" 2/ 464، مادة:(شرق).
(2)
"الأم" 1/ 132.
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 296.
(4)
انظر: "المغني" 2/ 533.
في التحية: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حَتَّى يصلي ركعتين"
(1)
وهذا خاص، وحديث النهي عن الصلاة في هذِه الأوقات عام، وقد دخله التخصيص بصلاة الصبح والعصر وصلاة الجنازة كما سلف، وبحديث:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"
(2)
.
وأما حديث التحية: فهو عَلَى عمومه لم يدخله تخصيص، ولهذا أمر بهما الداخل والإمام يخطب.
خامسها:
الكراهة في هذين الوقتين تتعلق بالفعل كما أسلفته، حَتَّى إذا تأخر الفعل فإنه لا يكره الصلاة قبلها، فإن تقدم كرهت.
وأما الكراهة المتعلقة بالوقت: فهو طلوع الشمس إلى ارتفاعه والاصفرار حَتَّى تغرب. ونقل بعض المالكية أن النهي عندهم متعلق بالوقت في الصبح وفي العصر بالفعل. وذهب مالك وأصحابه إلى إجازة الصلاة عند الزوال
(3)
.
سادسها:
استثنى الشافعي وأصحابه من أوقات النهي وقت الاستواء يوم الجمعة
(4)
، وحرم مكة؛ لدليل آخر ذكرته في الفروع في "شرح المنهاج" وغيره مع بيان الخلاف في الكراهية في هذِه الأوقات هل
(1)
سيأتي من حديث أبي قتادة السلمي (1163) أبواب التهجد، باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى.
(2)
سيأتي من حديث أنس برقم (597) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، ولا يعيد إلا تلك الصلاة.
(3)
"المدونة" 1/ 103.
(4)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 194.
هي كراهة تحريم أو تنزيه؟ وظاهر الحديث يدل للتحريم؛ لأنه الأصل في النهي.
سابعها:
روى الشافعي: "أن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها"
(1)
، وهو مرسل، وهو أحد ما قيل في سبب الكراهة في هذِه الأوقات، وهو باب توقيف.
تتمتان:
الأولى: روي عن جماعة من السلف فيما حكاه ابن بطال عنهم أن النهي عند الطلوع وعند الغروب دون ما لم يبد حاجبها ولم تتدلى للغروب، رُوِي عن علي وابن مسعود وبلال وأبي أيوب وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس، وتأولوا أن المراد بالنهي عن الصلاة هذين الوقتين خاصة واستدلوا بقوله:"لا يتحرى أحدكم"
(2)
الحديث
(3)
.
(1)
"مسند الشافعي" من حديث عبد الله بن الصنابحي 1/ 55 (163)، ورواه النسائي 1/ 275، وابن ماجه (1253)، ومالك 1/ 15 (31)، وأحمد 4/ 348، 349، وعبد الرزاق 2/ 425 (3950). ورواه ابن ماجه واحمد في أحد موضعيه وعبد الرزاق، عن أبي عبد الله الصنابحي وليس عبد الله الصنابحي، وهو الصواب كما قال ابن عبد البر، قال في "التميهد" 4/ 3: أبو عبد الله هو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ليست له صحبة
…
وقد صحف فجعل كنيته اسمه، وكذلك فعل كل من قال فيه عبد الله؛ لأنه أبو عبد الله.
وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(1472). وله شاهد صحيح من حديث عمرو بن عبسة، رواه مسلم (832) كتاب: صلاة المسافرين، باب: إسلام عمرو بن عبسة.
(2)
سيأتي قريبًا من حديث ابن عمر برقم (582، 585)، ولفظة:"لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها".
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 207.
ثانيهما: لا يقدح في الإجماع السالف عَلَى كراهة صلاة لا سبب لها في هذِه الأوقات بما رُوِي عن داود السالف؛ لأن خلافه لا يقدح في الإجماع، وكذا لا يقدح في جواز الفرائض المؤدَّاة فيها ما حكاه ابن العربي من المنع، وما نقله ابن حزم عن أبي بكرة وكعب بن عجرة أنهما نهيا عن الفرائض أيضًا
(1)
وحكي عن قوم أنهم لم يروا الصلاة أصلًا في هذِه الأوقات كلها. وأبدى الشيخ شهاب الدين السهروردي حكمة الكراهة بعد الصبح والعصر أنها لأجل راحة العمال من الأعمال، وهو معنى صوفي.
الحديث الثاني:
حديث ابن عمر: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاِتكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا".
وفي رواية: " إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَى تغرب". تَابَعَهُ عَبْدَةُ.
وهذا الحديث ذكره أيضًا قريبًا
(2)
، وفي الحج أيضا
(3)
، ومتابعة عبدة ليحيى بن سعيد ذكرها البخاري في صفة إبليس
(4)
، زاد مسلم:"فإنها تطلع بقرني شيطان"
(5)
ورواه مالك مرسلًا
(6)
، وقد روي عنه
(1)
"المحلى" 3/ 13 - 14، والأثران رواهما عبد الرزاق 2/ 3 - 4 (2249، 2250).
(2)
سيأتي برقم (585) باب: لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس.
(3)
سيأتي برقم (1629) باب: الطواف بعد الصبح والعصر.
(4)
سيأتي برقم (3272) كتاب: بدء الخلق.
(5)
مسلم (828/ 290) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها.
(6)
"الموطأ" 1/ 15 (32).
رفعه
(1)
، ولم يتابع من رفعه عنه. والتحري: القصد والتعمد بفعل الشيء، ولا الناهية دخلت بعد الواو؛ لتفيد النهي عن كل منهما، وحاجب الشمس أول ما يبدو منها، وقد سلف فقه الحديث في الذي قبله.
الحديث الثالث:
حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ صَلَاتَيْنِ، نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَعَنْ الاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَعَنِ المُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ.
وهذا الحديث أخرجه في اللباس أيضًا
(2)
، ومسلم في البيوع
(3)
، وسلف خلا القطعة الأولى في باب: ما يستر من العورة
(4)
، مع الكلام عليه فراجعه.
(1)
رواه عنه من حديث عائشة مرفوعًا ابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 327 من طريق أيوب بن صالح عن مالك به ولم يتابع عليه عن مالك، وأيوب هذا ليس بالمشهور بحمل العلم ولا ممن يحتج به، كذا قاله ابن عبد البر.
(2)
سيأتي برقم (5819)، باب: اشتمال الصماء، (5821) باب: الاحتباء في ثوب واحد.
(3)
مسلم (1511) كتاب: البيوع، باب: إبطال بيع الملامسة والمنابذة.
(4)
سلف برقم (368) كتاب: الصلاة.
31 - باب لَا يَتَحَرى الصَّلَاةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ
585 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا". [انظر: 582 - مسلم: 828 - فتح: 2/ 60]
586 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ". [1188، 1197، 1864، 1992، 1995 - مسلم: 827 - فتح: 2/ 61]
587 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً، لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا، يَعْنِى: الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. [3766 - فتح: 2/ 61]
588 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. [انظر: 368 - مسلم: 825 - فتح:2/ 61]
ذكر فيه حديث ابن عُمَرَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَتَحَرى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبِهَا".
وحديث أبي سعيد الخدري: عن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَمْسُ".
وحديث معاوية: إِنكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً، لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا- يَعْني الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ.
وحديث أبي هريرة: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاتَيْنِ: بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ.
أما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وسلف في الباب قبله من طريق آخر عنه
(2)
. وأما حديث أبي سعيد: فأخرجه مسلم أيضًا
(3)
، وأخرجه النسائي بلفظ:"حتى تبزغ"
(4)
بدل: "حتى ترتفع".
وأما حديث معاوية فأخرجه أيضًا في باب ذكر معاوية، رواه عنه حمران بن أبان
(5)
، ورواه أبو داود الطيالسي، عن معبد الجهني بدل حمران
(6)
، وشيخ البخاري فيه محمد بن أبان، وهو ابن وزير معاوية البلخي كما ذكره الدارقطني وغيره. وقال ابن عدي: هو الواسطي. وغلط الأول؛ لأن البلخي يروي عن الكوفيين، والواسطي يروي عن البصريين. وقال المزي: الأشبه الأول، وما ذكره ابن عدي محتمل، فإن البخاري ذكر الواسطي في "تاريخه الكبير" ولم يذكر فيه البلخي، وجزم بأنه البلخي ابن أحد عشر في "جمعه"
(7)
، وفي طبقتهما آخر يقال له: محمد بن أبان بن علي البلخي، يروي عن عبد الرحمن بن جابر.
(1)
مسلم (828) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها.
(2)
سلف برقم (582).
(3)
مسلم (827) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها.
(4)
النسائي 1/ 278.
(5)
سيأتي برقم (3766) كتاب: فضائل الصحابة.
(6)
"مسند الطيالسي" 2/ 308 (1050).
(7)
لقد تعددت الأقوال والآراء حول تعيين شيخ البخاري هل هو البلخي أم الواسطي، فمال كثير من العلماء إلى أنه البلخي، وقيل: هو الواسطي ولكل من القولين مرجح، وكلاهما ثقة كما قال ابن حجر في "فتح الباري" 2/ 62.
وأما حديث أبي هريرة فسلف
(1)
، وفقه الباب سلف في الباب قبله، ومعنى:"لا صلاة" أي: شرعية، لأن الحسية لم تنتف.
(1)
برقم (584).
32 - باب مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلَاةَ إِلَّا بَعْدَ العَصْرِ وَالْفَجْرِ
رَوَاهُ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ.
589 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُصَلِّي كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يُصَلُّونَ، لَا أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ مَا شَاءَ، غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا. [انظر: 582 - مسلم: 828 - فتح: 2/ 62]
هذِه كلها سلفت مسندة عنده بألفاظها.
ثم ساق من حديث ابن عمر: قَالَ: أصَلَّي كَمَا رَأيْتُ أَصْحَابِي يُصَلُّونَ، لَا أَنْهَى أحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ مَا شَاءَ، غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا.
وغرض البخاري بهذا الباب رد قول من منع الصلاة عند الاستواء، وهو ظاهر قوله: لا أمنع أحدًا يصلي بليل أو نهارٍ، وهو قول مالك والليث والأوزاعي، قَالَ مالك: ما أدركت أهل الفضل والعبادة إلا وهم يتحرون ويصلون نصف النهار. وعن الحسن وطاوس مثله
(1)
، والذين منعوا الصلاة عند الاستواء عمر وابن مسعود والحكم. وقال الكوفيون: لا يصلَى فيه فرض ولا نفل
(2)
.
واستثنى الشافعي وأبو يوسف يوم الجمعة خاصة؛ لأن جهنم لا تسجر فيه
(3)
، وفيه حديث في أبي داود أن جهنم تسجر فيه إلا يوم
(1)
"المدونة" 1/ 103، "التمهيد" 1/ 288.
(2)
انظر: "الهداية" 1/ 43.
(3)
انظر: "البيان" 2/ 358 - 359، "الهداية" 1/ 43.
الجمعة
(1)
، وفيه انقطاع، واستثنى منه مكحول المسافر، وكانت الصحابة يتنفلون يوم الجمعة في المسجد حَتَّى يخرج عمر، وكان لا يخرج حَتَّى تزول بدليل طنفسة عقيل.
وذكر ابن أبي شيبة عن مسروق أنه كان يصلي نصف النهار، فقيل له: إن الصلاة في هذِه الساعة تكره. فقال: ولم؟ قَالَ: قالوا: إن أبواب جهنم تفتح نصف النهار. فقال: الصلاة أحق ما استعيذ منه من جهنم حين تفتح أبوابها.
(1)
رواه أبو داود (1083)، من طريق ليث، عن مجاهد، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث، قال أبو داود: هو مرسل؛ مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة.
وقال شيخنا الألباني: هو مع إرساله ضعيف؛ ليث -هو بن أبي سُلَيم- وكان اختلط، وإسناده فيه علتان: الأولى: الانقطاع بين أبي الخليل وأبي قتادة كما ذكره المؤلف، وأقره المنذري في "مختصره" 2/ 15. والأخرى: ليث -هو ابن أبي سليم- هو ضعيف لسوء حفظه واختلاطه. وقال الألباني: وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة: أن رسول الله نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس؛ إلا يوم الجمعة، وهذا صحيح المعنى؛ كما بينه العلامة ابن القيم في "زاد المعاد"، انظر:"ضعيف أبي داود" 10/ 3 - 4 (200).
33 - باب مَا يُصَلَّى بَعْدَ العَصْرِ مِنَ الفَوَائِتِ وَنَحْوِهَا
وَقَالَ كُرَيْبٌ، عَنْ أُمَ سَلَمَةَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ العَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: "شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ عَنِ الرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ".
590 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَالَّذِى ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِىَ اللهَ، وَمَا لَقِىَ اللهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنِ الصَّلَاةِ، وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا -تَعْنِى: الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ- وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا، وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ. [591، 592، 593، 1631 - مسلم: 835 - فتح: 2/ 64]
591 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَتْ عَائِشَةُ: ابْنَ أُخْتِي، مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ. [انظر: 590 - مسلم: 835 - فتح: 2/ 64]
592 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً: رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ. [انظر: 590 - مسلم: 835 - فتح: 2/ 64]
593 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ وَمَسْرُوقًا شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. [انظر: 590 - مسلم: 835 - فتح: 2/ 64]
وهذا التعليق أخرجه مسندًا في السهو
(1)
وفي وفد عبد القيس من كتاب المغازي عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن عمرو بن
(1)
سيأتي برقم (1233)، باب: إذا كُلِّم وهو يصلي فأشار بيده واستمع.
الحارث، عن بكير عن غريب مطولًا
(1)
. وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
وفي البخاري: قَالَ ابن عباس: وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب عنهما. وهو بالضاد المعجمة، وروي بالفاء والصاد المهملة.
وفي مسلم: "ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم". وفي البيهقي أنه قدم عَلَى وفد بني تميم أو صدقة "فشغلوني عنهما"
(3)
.
ولأحمد: "قدم عليَّ مال فشغلني عنهما"
(4)
وفي ابن ماجه من حديث يزيد بن أبي زياد أنه شغله عنهما قسمة ما جاء به الساعي
(5)
. وللترمذي محسنًا من حديث ابن عباس: شغله عنهما مال فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد لهما
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (4370)، باب: وفد عبد القيس.
(2)
مسلم (834) كتاب: صلاة المسافرين، باب: معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر.
(3)
"معرفة السنن والآثار" 3/ 426.
(4)
رواه الإمام أحمد في "مسنده" 6/ 315 بلفظ "فشغلني عن الركعتين".
(5)
"سنن ابن ماجه"(1159). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 1/ 140: إسناده حسن، يزيد بن أبى زياد مختلف فيه. وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(242)، قال: منكر.
(6)
"سنن الترمذي"(184)، وقال: وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وميمونة وأبي موسى، وحديث ابن عباس حديث حسن
…
وحديث ابن عباس أصح حيث قال: "لم يَعُدْ لَهُمَا". اهـ.
قال الحافظ في "التلخيص" 1/ 187 (271) تعقيبًا على قول الترمذي: حديث عائشة أثبت إسنادًا، ولفظه عند مسلم:"ثم أثبتها، وكان إذا صلى صلاة أثبتها" يعني: داوم عليها. اهـ.
وقال الألباني في "ضعيف الترمذي": ضعيف الإسناد، وقوله:"ثم لم يَعُدْ لهما" منكر. اهـ.
وذكر بعده حديث عائشة في صلاته عليه السلام الركعتين بعد العصر من طرق:
منها: عن أيمن عنها، وهو من أفراده.
ومنها: عن عروة عنها: وقالت: ما تركهما عندي قطُّ.
وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
ومنها: عن الأسود عنها: وأنه لم يدعها سرًا ولا علانية.
وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
ومنها: عن الأسود ومسروق: أنهما شَهِدا عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ العَصْرِ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
، وهو في مسلم من حديث أبي سلمة
(4)
وطاوس عنها
(5)
. ومنها: عبد الله بن الزبير عنها، وسيأتي في البخاري
(6)
.
وذكر الدارقطني الاختلاف في حديث عائشة مبسوطًا، ثم قَالَ: والصحيح عنها: ما رواه عبد الله وهشام ابنا عروة، عن أبيهما، عنها. وقال في مسند أم سلمة: حديث بكير بن الأشج أثبتها وأصحها.
(1)
مسلم (835/ 299) كتاب: صلاة المسافرين، باب: معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي بعد العصر، بلفظ: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط.
(2)
مسلم (835/ 300) بلفظ: صلاتان ما تركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
(3)
مسلم (835/ 301).
(4)
مسلم (298/ 835).
(5)
مسلم (833/ 296) كتاب: صلاة المسافرين، باب: لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها.
(6)
برقم (1631) كتاب: الحج، باب: الطواف بعد الصبح والعصر.
وفقه الباب ظاهر كما ترجم له، وهو قضاء سنة الظهر بعد العصر، ووقع في رواية عائشة ما يوهم أنها سنة العصر، فإنها قالت: كان يصليهما قبل العصر. ويحمل عَلَى أنها سنة الظهر؛ لأنها قبل العصر، ويقاس عليه كل صلاة لها سبب، وهو مراد البخاري بقوله:(ونحوها).
والاستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم لذلك أول مرة ومداومته عَلَى فعلها خاص به عَلَى الأصح.
وقال الطبري: فعل ذَلِكَ تبيينًا لأمته أن نهيه كان عَلَى وجه الكراهة لا التحريم.
وقال البيهقي: الأخبار مشيرة إلى اختصاصه بإثباتها لا إلى أصل القضاء
(1)
.
وحديث أم سلمة فيه صريح أنه بعد النهي، فلم تكن من ادَّعى تصحيح الآثار عَلَى مذهبه دعوى للنسخ فيه برواية ضعيفة عنها في هذِه القصة: فقلت: يا رسول الله، أفنقضيهما إذا فاتانا؟ قَالَ:"لا"
(2)
، واعتمد عليها.
(1)
انظر: "السنن الكبرى" 2/ 458 - 459.
(2)
رواه أحمد 6/ 315، وأبو يعلى 12/ 457 - 458 (7028) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 306، وابن حبان 6/ 377 - 378 (2653)، وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 64 - 65: قال البيهقي عن هذِه الرواية: هذِه رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة، وقال -أعني: الحافظ-: أخرجها الطحاوي واحتج بهما على أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفيه ما فيه.
وقال الألباني في "الضعيفة" 2/ 352 - 353 (946): منكر، وسنده ظاهر الصحة، ولكنه معلول. ونقل من كلام البيهقي في "المعرفة": ومعلوم عند أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث يرويه حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن ذكوان، عن عائشة، عن أم سلمة دون هذِه الزيادة. اهـ.
34 - باب التَّبْكِيِر بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ
594 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى -هُوَ: ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ- عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ أَبَا الْمَلِيحِ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ: بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ". [انظر: 553 - فتح: 2/ 66]
ذكر فيه حديث أبي قلابة: أَنَّ أَبَا المَلِيح حَدَّثَهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي يَوْم ذِي غَيْم فَقَالَ: بَكرُوا بالصَّلَاةِ فَإنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ ترَكَ صَلَاةَ العَصرِ حَبِطً عَمَلُهُ".
هذا الحديث سلف في باب من ترك العصر
(1)
.
قَالَ ابن المنذر: روي عن عمر بن الخطاب أنه قَالَ: إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر
(2)
. وهو قول مالك
(3)
. وقال الحسن البصري: أخروا الظهر والمغرب، وعجلوا العصر والعشاء الآخرة
(4)
.
وهو قول الأوزاعي. وقال الكوفيون: يؤخر الظهر ويعجل العصر، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء
(5)
.
وروى مطرف عن مالك أنه استحب تعجيل العشاء في الغيم. وقال أشهب: لا بأس بتأخيرها إلى ثلث الليل
(6)
. وفيها قول آخر، قَالَ ابن
(1)
برقم (553)، باب: إثم من ترك العصر.
(2)
رواه في "الأوسط" 2/ 382.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 156.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 46 (6292) بلفظ: عن هشام، عن الحسن، قال: كان يعجبه في يوم الغيم أن يؤخّر الظهر ويعجل العصر، وبرقم (6295) بلفظ: عن الحسن وابن سيرين قالا: يعجّل العصر ويؤخّر المغرب.
(5)
انظر: "الأصل" 1/ 147، "مختصر الطحاوي"24.
(6)
انظر: "النوادر والزيادات" 156 - 157.
مسعود: عجلوا الظهر والعصر، وأخروا المغرب
(1)
. وقال المهلب: لا يصح التبكير في الغيم إلا بصلاة العصر والعشاء؛ لأنهما وقتان مشتركان مع ما قبلهما، ألا ترى أنهم يجمعونهما في المطر في وقت الأولى منهما، وهو سنة من النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 382.
35 - باب الأذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ
595 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ". قَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ. فَاضْطَجَعُوا وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ:"يَا بِلَالُ، أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ ". قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. قَالَ: "إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ". فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى. [7471 - مسلم: 681 - فتح: 2/ 66]
ذكر فيه حديث أبي قتادة في نومه عليه السلام حتى فاتت صلاة الصبح، ثم قضاها لما طلعت الشمس وابياضت.
وفيه: "قم فآذن الناس بالصلاة".
وقد سلف في التيمم في باب: الصعيد الطيب يكفيه من الماء. من حديث عمران بن حصين
(1)
، وتكلمنا عليه هناك واضحًا فراجعه.
والتعريس: النزول آخر الليل، ونذكر هنا اختلاف العلماء في الأذان للفائتة، فذهب الإمام أحمد إلى جوازه
(2)
، وهو قول أبي أيوب، واحتجا بهذا الحديث. وقال الكوفيون: إذا نسي صلاة واحدة وأراد أن يقضيها من الغد يؤذن لها ويقيم، فإن لم يفعل فصلاته تامة
(3)
.
وقال الثوري: ليس عليه في الفوائت أذان ولا إقامة. وقال محمد بن الحسن: إن أذن فيه فحسن، وإن صلاهن بإقامة إقامة كما فعل
(1)
سلف برقم (344).
(2)
انظر: "المغني" 2/ 76.
(3)
انظر: "البنابة" 2/ 117.
الشارع يوم الخندق فحسن. وقال مالك والأوزاعي: يقيم للفائتة، ولم يذكروا أذانًا
(1)
. وقال الشافعي: يقيم لها ولايؤذن في قوله الجديد، وفي القديم: يؤذن. والحديث يشهد له
(2)
.
واحتج من منع بأن الشارع يوم الخندق قضى الفوائت كلها بغير أذان، وإنما أذن للعشاء الآخرة فقط؛ لأنها صاحبةُ الوقت.
وفيه من الفقه مسائل أخر:
الأولى: أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام أحيانًا كنوم الآدميين، وقد أسلفت الجمع بينه وبين حديث:"إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي" هناك فراجعه.
الثانية: ادَّعى المهلب أن الحديث دال أن الصلاة الوسطى صلاة الصبح، وإنما أكدت المحافظة عليها؛ لأجل هذِه المعارضة التي عرضت بالنوم عليه وعلى العسكر حَتَّى فاته وقتها، ويدل عَلَى ذلك تأكيده بلالًا في السفر والحضر بمراقبة وقتها، ولم يأمره بمراقبة غيرها، ألا ترى أنه لم تفته صلاة كيرها بغير عذر شغله عنها. قلت: قد وردت أنه فاتته صلوات كما سيأتي.
الثالثة: قوله في الحديث: (فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس)، وتركه للصلاة حَتَّى ابيضت الشمس، فيجوز أن يكون التأخير -كما قَالَ أهل الكوفة- لأجل النهي عن الصلاة عند الطلوع. ويجوز أن يكون التأخير لأجل التأهب للصلاة بالوضوء وغيره، لا لأجل ذَلِكَ، وقد جاء هذا المعنى في بعض طرق الحديث، ذكره في كتاب الاعتصام في باب المشيئة والإرادة، وفيه: (فقضوا حوائجهم
(1)
انظر: "الدخيرة" 2/ 68.
(2)
انظر: "البيان" 2/ 59 - 60.
وتوضئوا إلى أن طلعت الشمس وابيضت فقام فصلى)
(1)
. ويجوز معنى ثالث قاله عطاء، وهو أنه إنما أمرهم بالخروج من الوادي عَلَى طريق التشاؤم به، ووقعت الغفلة فيه كما نهى عن الصلاة بأرض بابل، وحجر ثمود، وعن الوضوء بمائها، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مالك عن زيد بن أسلم "إن هذا به شيطان"
(2)
، فكره الصلاة في البقعة التي فيها الشيطان إذ كان السبب لتأخير الصلاة عن وقتها، وادَّعى ابن وهب وعيسى بن دينار أن خروجهم من الوادي منسوخ بقوله:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وهو خطأ؛ لأن طه مكية، وقصة نومه كانت بالمدينة، ومما يدل عليه قول ابن مسعود: بنو إسرائيل والكهف ومريم والأنبياء هن من العتاق الأول، وهن من تلادي
(3)
، يعني: إنهن من أول ما حفظه من القرآن واستفاده. التِلاد: القديم ما يفيده الإنسان من المال وغيره.
الرابعة: فيه حجة لقول مالك في عدم قضاء سنة الفجر
(4)
، قَالَ أشهب: سئل مالك: هل ركع صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر حين نام عن صلاة الصبح حَتَّى طلعت الشمس؟ قَال: ما بلغني
(5)
وقال أشهب: بلغني أنه صلى الله عليه وسلم ركع. وقال علي بن زياد وقاله غير مالك، وهو أحب إليَّ أن
(1)
سيأتي برقم (7471) كتاب: التوحيد، باب: المشيئة والإرادة.
(2)
رواه مالك في "الموطأ" ص 35. رواية يحيى، وقال أبو عمر في "التمهيد" 5/ 204 - 205: هذا الحديث في "الموطآت" لم يسنده عن زيد أحد من رواة الموطأ، وقد جاء معناه متصلًا مسندًا من وجوه صحاح ثابتة. وحديث زيد بن أسلم هذا مرسل.
(3)
سيأتي برقم (4708) كتاب: التفسير، باب: سورة بني إسرائيل الإسراء.
(4)
"المدونة" 1/ 120.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 493 - 494.
يركع، وهو قول الكوفيين والثوري والشافعي
(1)
، وقد قَالَ مالك: إن أحب أن يركعهما من فائتة بعد طلوع الشمس فعل
(2)
.
(1)
انظر "بدائع الصنائع" 1/ 287، "المجموع" 3/ 533.
(2)
"المدونة" 1/ 118.
36 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ
596 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا". فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. [598، 641، 945، 4112 - مسلم: 631 - فتح: 2/ 68]
ذكر فيه حديث جابر بن عبد الله: أَن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشِ وقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كِدْتُ أصَلَّي العَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَمْسُ تَغْرُبُ. فقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"والله مَا صَلَّيْتُهَا". فَقُمْنَا إلى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، وَتَوَضأْنَا لَهَا، فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُم صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ.
الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا قريبًا في مواضع، منها صلاة الخوف كما ستمر بك
(1)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
ثانيها:
بُطْحان، تقدم ضبطه قريبًا في باب: فضل العشاء.
(1)
سيأتي برقم (945) باب: الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو.
(2)
مسلم برقم (631) كتاب: المساجد، باب: الدليل لمن قال الصلاة هي صلاة العصر.
ثالثها:
جاء في هذا الحديث أنه أخر صلاة العصر فقط، وجاء في "الموطأ"
(1)
و"صحيح بن حبان": أنها الظهر والعصر
(2)
، وفي الترمذي بإسناد منقطع: والمغرب أيضًا
(3)
، وكذا هو في "مسند أحمد" من حديث أبي سعيد.
وفيه: وذلك قبل أن يُنزل الله عز وجل في صلاة الخوف: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}
(4)
[البقرة: 239] والجمع ممكن، فإن الخندق كان أيامًا، فكان هذا في بعض الأيام، وهذا في بعضها، وفي رواية للنسائي: انحبس عن صلاة العشاء أيضًا
(5)
. ولعله عن أول وقتها المعتاد.
ولأحمد من حديث أبي جمعة حبيب بن سباع، وفي إسناده ابن لهيعة: أنه صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قَالَ:"هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟ " قالوا: لا يا رسول الله ما صليتها. فأمر المؤذن فأقام فصلى العصر، ثم أعاد المغرب
(6)
.
(1)
"الموطأ" ص 131 رواية يحيى، من حديث سعيد بن المسيب مرسلًا.
(2)
"صحيح ابن حبان" 7/ 147 - 148 (2890) من حديث أبي سعيد الخدري.
(3)
الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود (179) بأيتهن يبدأ، وقال: حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله. وقال الألباني في "الإرواء" (239): ضعيف.
(4)
أحمد 3/ 25.
(5)
النسائي من حديث عبد الله بن مسعود 2/ 18 كتاب: المواقيت، باب: الاكتفاء بالإقامة لكل صلاة، وقال الألباني: في "الإرواء"(239) ضعيف.
(6)
رواه أحمد 4/ 106 من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن يزيد أن عبد الله بن عوف حدثه أن أبا جمعة حبيب بن سباع. الحديث، قال ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 409: هذا حديث منكر، يرويه ابن لهيعة عن مجهولين، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 324: فيه ابن لهيعة، وفيه ضعف. وقال الحافظ =
وحمله ابن شاهين عَلَى أنه ذكرها وهو في الصلاة؛ لأنه لا يعيدها بعد تمامها، وفيه نظر.
رابعها:
فيه دلالة عَلَى جواز سب المشركين؛ للتقرير عليه، والمراد ما ليس بفاحش، إذ هو اللائق بمنصب عمر رضي الله عنه.
خامسها:
مقتضى الحديث أن عمر صلى العصر قبل المغرب؛ لأن النفي إذا دخل عَلَى (كَادَ) اقتضى وقوع الفعل في الأكثر، كما في قوله تعالى:{وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] والمشهور في كاد أنها إذا كانت في سياق النفي أوجبت، فإن كانت في سياق الإيجاب نفت، وقيل: النفي نفي، والإيجاب إيجاب، وكلاهما وقع في كلام عمر، فالأول قوله: ما كدت أصلي العصر. والثاني: حتى كادت الشمس تغرب، وفي رواية البخاري في باب: قضاء الفوائت الأولى فالأولى أن عمر قَالَ: ما كدت أصلي العصر حَتَّى غربت الشمس
(1)
وليحمل عَلَى أنها قاربت الغروب، ومثل هذِه روايته في باب: قول الرجل ما صلينا، ما كدت أن أصلي حَتَّى كادت الشمس تغرب، وذلك بعدما أفطر الصائم
(2)
.
= ابن حجر في "الفتح" 2/ 69: في صحة هذا الحديث نظر؛ لأنه مخالف لما في "الصحيحين" من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: "والله ما صليتهما ويمكن الجمع بينهما بتكلف، وقال الألباني في "الإرواء" 1/ 290 (261): ضعيف.
(1)
سيأتي برقم (598).
(2)
سيأتي برقم (641) كتاب: الأذان.
سادسها:
ورد في رواية أخرى في مسلم: حَتَّى كادت الشمس أن تغرب
(1)
، بإثبات أن، فاستدل به عَلَى إثبات أن في خبر كاد، والكثير حذفها كما في رواية الكتاب.
سابعها:
فيه: جواز الحلف من غير استحلاف، إذا بنيت عَلَى ذَلِكَ مصلحة دينية، وهو كثير في القرآن، وقد قيل: إنما حلف تطيبًا لقلب الفاروق، وقيل: للإشفاق منه عَلَى تركها، وقيل: يحتمل أنه تركها نسيانًا لاشتغاله بالقتال، فلما قَالَ عمر ذَلِكَ تذكر، وقال: والله ما صليتها، وفي مسلم: والله إن صليتها
(2)
، وإن بمعنى ما.
ثامنها:
ظاهره أنه صلاهما جماعة، فيكون فيه دلالة عَلَى مشروعية الجماعة في الفائتة، وهو إجماع، وشذ الليث فمنع من ذَلِكَ، ويرد عليه هذا الحديث وحديث الوادي.
تاسعها:
فيه: دلالة عَلَى أن من فاتته صلاة وذكرها في وقت آخر ينبغي له أن يبدأ بالفائتة ثم بالحاضرة، وهذا إجماع. لكنه عند الشافعي وطائفة وابن القاسم وسحنون عَلَى سبيل الاستحباب
(3)
، وعند مالك وأبي حنيفة
(1)
مسلم (631) كتاب: المساجد، باب: الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
(2)
السابق.
(3)
"الأم" 1/ 67، "النوادر والزيادات" 1/ 338.
وآخرين عَلَى الإيجاب، حَتَّى قدمها مالك إذا خشي فوات الحاضرة
(1)
، واتفق مالك وأصحابه عَلَى أن حكم الأربع فما دونها حكم صلاة واحدة يبدأ بهن وإن خرج الوقت. واختلفوا في خمس، وعند أبي حنيفة الكثير ست، وفي قول محمد خمس
(2)
. وقال زفر: من ترك صلاة شهر بعد المتروكة لا تجوز الحاضرة
(3)
. وقال ابن أبي ليلى: من ترك صلاة لا تجوز صلاة سنة بعدها.
ثم اعلم أنه إذا ضم إلى هذا الحديث الدليل عَلَى اتساع وقت المغرب إلى مغيب الشفق، لم يكن فيه دلالة عَلَى وجوب الترتيب في القضاء؛ لأن الفعل بمجرده لا يدل عَلَى الوجوب عَلَى المختار عند الأصوليين، وإن ضم إليه الدليل عَلَى تضيق وقت المغرب كان فيه دلالة على وجوب البداءة بها عند ضيق الوقت، وحديث:"لا صلاة لمن عليه صلاة"
(4)
لا يعرف، وحديث:"من نسي صلاة فلم يذكرها إلا مع الإمام فليصل مع الامام، فإذا فرغ من صلاته فليصل التي نسي، ثم ليعد صلاته التي صلى مع الإمام"
(5)
الصحيح وقفه عَلَى ابن عمر،
(1)
"المدونة" 1/ 124 - 126، "الأصل" 1/ 151.
(2)
انظر: "الذخيرة" 2/ 390.
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 135.
(4)
قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 443 (750): هذا حديث نسمعه عن ألسنة الناس، وما عرفنا له أصلًا. ثم ساق بسنده لأحمد سئل عن معنى هذا الحديث فقال: لا أعرف هذا البتة. فقال سائله -إبراهيم الحربي-: ولا سمعت أنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قط. وذكره ابن حجر في "تلخيص الحبير" 1/ 272 وقال: قال ابن العربي في "العارضة": هو باطل.
(5)
روي هذا الحديث مرفوعًا وموقوفًا، والصحيح أنه موقوف من قول ابن عمر كما قال أبو زرعة والدارقطني والبيهقي، رواه مالك في "الموطأ" 1/ 219 (560)، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا، والدارقطني 1/ 421، من طريق يحيى بن أيوب، ثنا =
وأظهر الروايتين عن أبي حنيفة أنه إذا صلى الحاضرة وتذكر في أثنائها فائتة أنه إن مضى فيها تقع تطوعًا فيقطعها ويصلى الفائتة، وعنه رواية أخرى: لا تقع تطوعًا. وقيل: يصلى ركعتين ويسلم
(1)
عاشرها:
قد يحتج به من يرى امتداد المغرب إلى مغيب الشفق؛ لأنه قدم العصر عليها، ولو كان ضيقًا لبدأ بالمغرب؛ لئلا يفوت وقتها أيضًا، وفيه منزع مالك السالف.
الحادي عشر:
فيه دلالة عَلَى عدم كراهية قول القائل: ما صليت، وسيأتي أن البخاري روى عن ابن سيرين أنه كره أن يقال: فاتتنا، وليقل: لم ندرك، قَالَ البخاري: وقول النبي صلى الله عليه وسلم أصح
(2)
.
الثاني عشر:
هذا الحديث كان قبل نزول صلاة الخوف كما سلف، فلا حجة فيه لمن قَالَ بتأخيرها في حالة الخوف إلى الأمن.
= سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا، ورواه البيهقي 2/ 221 من طريق الدارقطني.
وأما الحديث المرفوع رواه الطبرانى في "الأوسط" 5/ 218 (5132)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 455، والدارقطني 1/ 421، والبيهقي 2/ 221، وابن الجوزي في "العلل" 18/ 443 (751).
وقد اضطرب كلام العلماء فيمن رفعه؛ فمنهم من ينسب الوهم في رفعه لسعيد، ومنهم من ينسبه للترجماني الراوي عن سعيد، قاله الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 163.
(1)
انظر: "البناية" 2/ 718 - 719.
(2)
كما سيأتي (635) كتاب: الأذان، باب: قول الرجل: فاتتنا الصلاة.
37 - باب مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَليُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، وَلَا يُعِيدُ إِلَّا تِلْكَ الصَّلَاةَ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَنْ تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُعِدْ إِلَّا تِلْكَ الصَّلَاةَ الوَاحِدة.
597 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ نَسِىَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ". {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِى} [طه: 14] قَالَ مُوسَى: قَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِى} [طه: 14].
وَقَالَ حَبَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. نَحْوَهُ. [مسلم: 684 - فتح 2/ 70]
ذكر فيه أثرًا وحديثًا من طريقين عن أنس رضي الله عنه. أما الأثر فقال:
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَنْ تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُعِدْ إِلَّا تِلْكَ الصَّلَاةَ الوَاحِدَةَ.
ذكر الداودي فيما حكاه عنه ابن التين عن الحسن أنه قال: يعيد ما بعدها، وهذا إذا تركها ناسيًا فيعيدها وما أدرك وقته عند مالك وإن كان ذاكرًا لها وصلى صلوات كثيرة، ففي "المدونة": يعيدها وحدها. وشذ بعض الناس فقال: لا تقضى. كما ستعلمه.
وأما الحديث: فأخرجه من طريق همام عن قتادة في أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ، لَا كَفارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ". {وَأَقِمِ اَلصَّلَاةَ لِذِكْرِى} .
ثم قَالَ: وَقَالَ حَبَّانُ: ثنَا هَمَّامٌ، ثنَا قَتَادَةُ، ثنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا والأربعة
(1)
. وساق الثانية تعليقًا للتصريح بالسماع. وفي النسائي عن ابن شهاب أنه كان يقرأ: (للذكرى)
(2)
.
ثم الحديث دال عَلَى وجوب القضاء عَلَى النائم والناسي، كثرت الصلاة أو قلت، وهذا مذهب العلماء كافة. وشذَّ بعضهم فيمن زاد عَلَى خمس صلوات أنه لا يلزمه قضاء، حكاه القرطبي
(3)
ولا يعبأ به، فإن تركها عامدًا فالجمهور عَلَى وجوب القضاء أيضًا إلا ما حكي عن داود وجمع يسير، عدَّدهم ابن حزم، منهم خمسة من الصحابة، وأطال ابن حزم في المسألة وأفحش كعادته
(4)
.
احتج الجمهور بالقياس عَلَى الناسي، وهو من باب التنبيه بالأدنى عَلَى الأعلى، ومن نفي القياس فغير معتد بخلافه، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم:"فليصلها إذا ذكرها" والعامد ذاكر لها، ثم المراد بالنسيان: الترك، سواء كان مع ذهول أو لم يكن، قَالَ تعالى:{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] أي: تركوا معرفته وأمره فتركهم في العذاب، ثم الكفارة إنما تكون عن ذنب غالبًا، والنائم والناسي ليس بآثم، فتعين العامد.
(1)
رواه مسلم (684) كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، وأبو داود (442)، والترمذي (178)، والنسائي 1/ 293، وا بن ماجه (696).
(2)
رواه النسائي 1/ 296 - 297، رواه مسلم (680) كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها كلاهما من حديث أبي هريرة.
(3)
"المفهم" 2/ 309.
(4)
"المحلى" 2/ 235 - 244.
وقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] لتذكرني فيها عَلَى أحد التأويلات، وأيضًا القضاء يجب بالخطاب الأول، وخروج وقت العبادة لا يسقط وجوبها؛ لأنها لازمة في الذمة كالدين، وإنما تسقط بفعلها ولم يوجد، وبالقياس عَلَى قضاء رمضان، وهذا يئول إلى إسقاط فرض الصلاة عن العباد، وقد ترك صلى الله عليه وسلم العصر وغيرها يوم الخندق لشغل القتال ثم أعادها.
وقوله: "لا كفارة لها إلا ذلك " أي فعلها لا غير، ولا تخالف بينه وبين الحديث الآخر:"ليس في النوم تفريط"
(1)
وحديث: "وضع الله عن أمتي الخطأ والنسيان"
(2)
فإن الكفارة قد تكون مع الخطأ كما في قتل الخطأ.
وقوله: ("إذا ذكر") يحتج به من يقضي الفوائت في الوقت المنهي عن الصلاة فيه. وقوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] هو عام في كل الأوقات وبينة عَلَى تبويب هذا الحكم وأخذه من الآية التيم تضمنت الأمر لموسى عليه السلام بذلك، وأن هذا يلزمه اتباعه فيه.
والمراد بالذكرى: تذكرها، هذا هو الظاهر؛ لأنه احتج بها عَلَى من نام عن صلاة أو نسيها. وقال مجاهد: لتذكرني فيها
(3)
، وقد سلف.
وقيل: إذا ذكرتني، وقد سلف أنه قرئ:(للذكرى)، ووجه إضافة
(1)
رواه من حديث أبي قتادة مسلم (681) كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.
(2)
رواه ابن ماجه (2045) من حديث ابن عباس، وسيأتي تخريجه بشيء من التفصيل عن غير واحد باختلاف، وإلى أن يأتي انظر "تلخيص الحبير" 1/ 281 - 283 (450) و"الإرواء"(82).
(3)
انظر: "تفسير البغوى" 5/ 267، "زاد المسير" 5/ 275.
الذكرى إلى الله تعالى أن الصلاة عبادة له، فمتى ذكرها ذكر المعبود، وهذِه القراءة أشبه بالتأويل الأول، وكأنه أراد: لذكرها، فناب عن الضمير.
38 - باب قَضَاءِ (الفَوَائتِ)
(1)
الأُولَى فَالأُولَى
598 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَال: حَدَّثَنَا يَحْيَى -هُو: ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَعَلَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَسُبُّ كُفَّارَهُمْ وَقَالَ: مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ. قَالَ: فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ، فَصَلَّى بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ. [انظر: 596 - مسلم: 631 - فتح: 2/ 72]
ذكر فيه حديث جابر السالف في باب من صلى بالناس جماعة قريبًا
(2)
: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى -هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ-، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَعَلَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَسُبُّ كُفَّارَهُمْ وَقَالَ: مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ. قَالَ فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ، فَصَلَّى بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ.
(1)
في الأصول: (الفوائت)، وفي "الصحيح":(الصلوات).
(2)
سلف برقم (596).
39 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّمَرِ بَعْدَ العِشَاءِ
599 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمِنْهَالِ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: حَدِّثْنَا كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ قَالَ: كَانَ يُصَلِّى الْهَجِيرَ وَهْيَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى أَهْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ. وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. قَالَ: وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ. قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ أَحَدُنَا جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ مِنَ السِّتِّينَ إِلَى المِائَةِ. [انظر: 541 - مسلم: 461، 647 - فتح: 2/ 72]
ذكر فيه حديث أبي برزة السالف في وقت الظهر
(1)
وغيره:
وفيه: كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها.
وكره الشارع السمر بعد العشاء خوف الاستغراق فيشتغل عن قيام الليل وصلاة الصبح، أو غيره من مصالح الآخرة والدنيا. وكان عمر رضي الله عنه يضرب الناس عَلَى الحديث بعد العشاء ويقول: أسمرًا أول الليل ونومًا آخره؟ وقال سلمان الفارسي: إياكم والسمر أول الليل فإنه مهدمة لآخره، فمن فعل ذَلِكَ فليصل ركعتين قبل أن يأوي إلى فراشه
(2)
. وأما السمر في العلم والخير فجائز كما فعله الشارع وأصحابه كما ستعلمه.
(1)
سلف برقم (541).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 79 (6680 - 6681).
40 - باب السَّمَرِ فِي الفِقْهِ وَالْخَيِرْ بَعْدَ العِشَاءِ
600 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: انْتَظَرْنَا الْحَسَنَ وَرَاثَ عَلَيْنَا حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: دَعَانَا جِيرَانُنَا هَؤُلَاءِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: نَظَرْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ، فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا، ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ:"أَلَا إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِى صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ".
قَالَ الْحَسَنُ: وَإِنَّ الْقَوْمَ لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الْخَيْرَ. قَالَ قُرَّةُ: هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 572 - مسلم: 640 - فتح: 2/ 73]
601 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ". فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ عليه السلام إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ" يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ. [انظر: 116 - مسلم: 2537 - فتح: 2/ 73]
ذكر فيه حديثين:
أحدهما: حديث قرة بن خالد: قَالَ: انْتَظَرْنَا الحَسَنَ وَرَاثَ عَلَيْنَا حَتَّى قريبًا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: دَعَانَا جِيرَانُنَا هؤلاء. ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: نَظَرْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ، فَجَاءَ فَصَلَّى لنَا، ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ:"ألَا إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ".
ثانيهما: حديث ابن عمر: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ العِشَاءَ فِي آخِرِ
حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ (قَامَ)
(1)
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هذِه؟ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ". فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفي آخره: يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ
(2)
القَرْنَ.
أما الحديث الأول: فأخرجه مسلم من حديث قرة، عن قتادة، عن أنس
(3)
، والبخاري أبدل قتادة بالحسن، وسلف في العشاء من حديث حميد عن أنس
(4)
.
ومعنى (راث): أبطأ وتأخر، وهو بغير همز. قَالَ ابن التين: ورويناه بالهمز، ولا أعلمه به في كلام العرب
(5)
. ومعنى (نظرنا): انتظرنا.
وقوله: (كان شطر الليل يبلغه). قيل: إن (كان) هنا زائدة. قَالَ ابن بطال: التقدير: حَتَّى كان شطر الليل، أو كاد يبلغه، والعرب قد تحذف كاد كثيرًا من كلامها لدلالة الكلام عليه، كقولهم في أظلمت الشمس: كادت تظلم. ومنه قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10] أي كادت من شدة الخوف تبلغ الحلوق
(6)
.
وأما الحديث الثاني: فسلف في باب: ذكر العشاء
(7)
، والعلم أيضًا
(8)
. وفي سياقته في هذا الباب متابعة شعيب بن عبد الرحمن وتصريح سماع الزهري من سالم.
(1)
في الأصل: قال. والمثبت من "الصحيح".
(2)
ورد بهامش الأصل: وفي حاشيته الدمياطي أيضًا: تخرم ذلك القرن. يقال للماضي: قضى وانقضى، وهذا العمر تقضى. أي: تخرم.
(3)
مسلم (640/ 223) كتاب: المساجد، باب: وقت العشاء وتأخيرها.
(4)
سلف برقم (572) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت العشاء إلى نصف الليل.
(5)
انظر: "الصحاح" 1/ 284، "لسان العرب" 3/ 1789، مادة:(ريث).
(6)
"شرح ابن بطال" 2/ 224.
(7)
سلف برقم (564).
(8)
سلف برقم (116) كتاب: العلم، باب: السمر في العلم.
و (هل) -بفتح الهاء ويجوز كسرها- أي: ذهبت أوهامهم إلى
ذَلِكَ
(1)
. ومعنى (ينخرم ذَلِكَ القرن): ينقطع وينقضى
(2)
.
وهذان الحديثان عَلَى أن السمر المنهي عنه بعد العشاء إنما هو فيما لا ينبغي، ألا ترى استدلال الحسن البصري حين سمر عند جيرانه لمذاكرة العلم بسمر الشارع إلى قريب من شطر الليل في شغله بتجهيز الجيش أو غيره مما سلف، ثم خرج فصلى بهم وخطبهم مؤنسًا لهم ومرغبًا ومعْلِمًا ومعَلِّمًا. ولعل البخاري أراد بقوله:(بعد العشاء). أي: بعد فعلها؛ لأن الموافقة كانت كذلك في الحديثين.
وروى ابن أبي شيبة والترمذي محسنًا من حديث عمر قَالَ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معه، وصلى عَلَى العتمة. فاستفتي حتى أذن بصلاة الصبح فقال:"قوموا فأوتروا، فإنا لم نوتر"
(3)
وكان ابن سيرين والقاسم وأصحابه يتحدثون بعد العشاء
(4)
.
وقال مجاهد: يكره السمر بعد العشاء إلا لمصلٍ أو مسافر أو دارس علمٍ
(5)
.
(1)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 233.
(2)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 27.
(3)
رواه الترمذي (169)، وقال: حديث حسن، وابن أبي شيبة 2/ 79 - 80 (6688)، لكن دون لفظ: "فاستفتي حتى أذن
…
".
(4)
"المصنف" 2/ 80 (6697، 6700).
(5)
رواه عبد الرزاق 1/ 564 (2143)، وابن أبي شيبة 2/ 80 (6698)، كلاهما بلفظ: لا بأس بالسمر في الفقه. لكن لفظ المصنف هذا رواه ابن مسعود مرفوعًا، رواه أحمد 1/ 379، وأبو يعلى 9/ 257 (5378)، والطبراني 10/ 217 (10519)، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 198. وذكره الهيثمي في "المجمع" 1/ 314 =
41 - باب السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالأَهْلِ
602 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ". وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَشَرَةٍ، قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي -فَلَا أَدْرِى قَالَ: وَامْرَأَتِى- وَخَادِمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ. وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: وَمَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ؟ -أَوْ قَالَتْ: ضَيْفِكَ- قَالَ: أَوَمَا عَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِئَ، قَدْ عُرِضُوا فَأَبَوْا. قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ، فَجَدَّعَ وَسَبَّ، وَقَالَ: كُلُوا لَا هَنِيئًا. فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا، وَايْمُ اللهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا. قَالَ: يَعْنِي: حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِىَ كَمَا هِىَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا، فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِى فِرَاسٍ، مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي، لَهِىَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ. فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ -يَعْنِي: يَمِينَهُ- ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ، فَفَرَّقَنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، اللهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ، أَوْ كَمَا قَالَ [3581، 6140، 6141 - مسلم: 2057 - فتح: 2/ 75]
= وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" فأما أحمد وأبو يعلى فقالا: عن خيثمة، عن رجل، عن ابن مسعود. وقال الطبراني: عن خيثمة، عن زياد بن حدير. ورجال الجميع ثقات، وعند أحمد في رواية: عن خيثمة، عن عبد الله، بإسقاط الرجل. اهـ. وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(7499).
ذكر فيه حديث عبد الرحمن بن أبي بكر: أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا ناسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"منْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أربعة فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ" الحديث بطوله.
والبخاري أورده مطولًا ومختصرًا في مواضع، منها هنا، وعلامات النبوة
(1)
، والأدب
(2)
، وأخرجه مسلم في الأطعمة
(3)
، وهو ظاهر لما ترجم له هنا، وهو السمر مع الضيف والأهل، وهو من السمر المباح، وتلك كانت أخلاقهم وأحوالهم، فإنه قَالَ لزوجته: أوما عشيتهم، ويا أخت بني فراس. وقال لولده: يا غنثر. وقال لأضيافه: كلوا.
ثم الكلام عليه من وجوه:
أحدها:
الصفة: موضع مظلل من المسجد كان للمساكين والمهاجرين والغرباء يأوون إليه، ويقال لهم أيضًا: الأوفاض. وذكرهم صاحب "الحلية" وعدَّ منهم مائة ونيفًا
(4)
.
ثانيها:
قوله: ("من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث") هذا هو الصواب، وهو أصح من رواية مسلم:"فليذهب بثلاثة" لأن ظاهرها صيرورتهم خمسة، وحينئذ لا يمسك رمق أحد، بخلاف الواحد مع
(1)
سيأتي برقم (3581) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
(2)
سيأتي برقم (6140)، باب: ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف، و (6141)، باب: قول الضعيف لصاحبه لا آكل حتى تأكل.
(3)
مسلم (2057) كتاب: الأشربة، باب: إكرام الضيف وفضل إيثاره.
(4)
انظر: "حلية الأولياء" 1/ 337 وما بعدها.
الاثنين، فتأول عَلَى أن المراد: فليذهب بتمام ثلاثة كما قَالَ تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت: 10] أي: في تمامها، فطعام الواحد كافي الاثنين، وطعام الاثنين كافي الثلاثة كما صح في الخبر
(1)
، والكفاية غير الشبع، فتأمله.
ثالثها:
قوله: ("وإن أربع فخامس أو سادس")(أو) هنا للتنويع، وقيل: للإباحة. وفي مسلم: "من كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو بسادس"
(2)
ووجه ذَلِكَ أن تشريك الزائد عَلَى الأربعة لا يضر بالباقين، وكانت المواساة إذ ذاك واجبة؛ لشدة الحال، وزاد صلى الله عليه وسلم واحدًا واحدًا؛ رفقًا بصاحب العيال، وضيق معيشة الواحد والاثنين أرفق بهم من ضيق معيشة الجماعات.
رابعها:
فيه: فضيلة الإيثار والمواساة، وأنه عند كثرة الأضياف يوزعهم الإمام عَلَى أهل المحلة، ويعطي لكل منهم ما يعلم أنه يحتمله، وياخذ هو ما يمكنه، ومن هذا أخذ عمر رضي الله عنه فعله في عام الرمادة إذ كان يلقي عَلَى أهل كل بيت مثلهم من الفقراء، ويقول: لن يهلك امرؤ عن نصف قوته
(3)
. وكانت الضرورة ذَلِكَ العام أشد، وقد تأول سفيان بن عيينة في المواساة في المسغبة قوله تعالى: {إِنَّ اْللَّهَ
(1)
سيأتي من حديث أبي هريرة برقم (5392) كتاب: الأطعمة، باب: طعام الواحد يكفي الأثنين، ورواه مسلم (2058) كتاب: الأشربة، باب: فضيلة المواساة في الطعام القليل
…
(2)
مسلم (2057).
(3)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 19/ 25.
{اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] ومعناه: أن المؤمنين يلزمهم الفربة قي أموالهم لله تعالى عند توجه الحاجة إليهم، ولهذا قَالَ كثير من العلماء: إن في المال حقًّا سوى الزكاة، وورد أيضًا في الترمذي مرفوعًا
(1)
.
خامسها:
قوله: (وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة) هذا مبين لما كان عليه الشارع من الأخذ بأفضل الأمور والسبق إلى السخاء والجود، فإن عياله عليه السلام كانوا قريبًا من عدد ضيفانه هذِه الليلة، فآسى بنصف طعامه أو نحوه، وآسى أبو بكر بثلث طعامه أو أكثر. قَالَ -يعني: عبد الرحمن بن الصديق-: فهو أنا وأبي وأمي. ولا أدري هل قَالَ: وامرأتي وخادم.
سادسها:
أمه أم رومان، بضم الراء وفتحها. قَالَ السهيلي: اسمها: دعد. وقال غيره: زينب، وهي من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة
(2)
.
(1)
رواه الترمذي (659، 660) كتاب: الزكاة، باب: ما جاء أن في المال حقًا سوى الزكاة، ولفظه: عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن في المال حقًّا سوى الزكاة"، وقال الترمذي: هذا حديث إسناده ليس بذلك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعَّف، وروى بيان وإسماعيل بن سالم، عن الشعبي هذا الحديث قوله وهذا أصح. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(4383)، وقال: الصحيح أنه من قول الشعبي، والله أعلم.
(2)
انظر: "الثقات" 3/ 459، "الاستيعاب" 4/ 489 (3586)، "تقريب التهذيب"(8730).
سابعها:
قوله: (وخادم بيننا وبين أبي بكر) كذا في الرواية، وفي أخرى: بين بيتنا وبيت أبي بكو
(1)
.
ثامنها:
قوله: (وإن أبا بكر تعشى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه فوائد:
الأولى: أكل الصديق عند صديقه.
الثانية: جواز من عنده ضيفان أن يقبل على مصالحه وأشغاله إذا كان له من يقوم أمورهم كما كان الصديق.
الثالثة: ما كان عليه الصديق من الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والانقطاع إليه، وإيثاره في ليله ونهاره عَلَى الأهل والولد والضيف وغيرهم.
تاسعها:
قوله: (ثم لبث حيث صليت العشاء ثم رجع) كذا في رواية. وفي أخرى: حَتَّى صلى العشاء ورجع
(2)
. بالجيم. وفي "صحيح الإسماعيلي": ركع بالكاف.
وقوله: (فلبث حَتَّى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم). في مسلم: حَتَّى نعس
(3)
بدل: تعشى، وهو ظاهر.
عاشرها:
قوله: (قالت له امرأته -يعني: أم رومان-: ما حبسك عن أضيافك؟) فيه أن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب، فإنها رضي الله عنها لما رأت أن الضيفان تأخروا عن الأكل قالت كذلك، فبادرت
(1)
سيأتي برقم (3581).
(2)
السابق.
(3)
مسلم (2057/ 176).
حين قدم تسأله عن سبب تأخره عن مثل ذَلِكَ، وامتناع ضيفانه من الأكل أدبًا ورفقًا به؛ لظنهم أنه لا يجد عشاء، فصبروا حَتَّى يأكل معهم.
وفيه: إباحة الأكل للضيف في غيبة صاحب المنزل، وأن لا يمتنعوا إذا كان قد أذن في ذَلِكَ؛ لإنكار الصديق في ذلك.
الحادي عشر:
قولها: (قالت: أبوا حتى تجيء، قد عرضوا فأبوا). قَالَ ابن التين: أي: عرضوا أهل الدار فأبى الضيفان. وفي رواية: فعرضنا عليهم
(1)
.
ويروى: عُرضوا، بضم العين، وهو ما ضبطه به عياض أي أطعموا.
والعُراضة -بضم العين- الهدية
(2)
. قَالَ ابن التين: ويروى بصاد مهملة، ولا أعلم له وجهًا. قَالَ بعض شيوخنا: يحتمل أن يكون من عرض بمعنى نشط، قاله ابن التياني، فكأنه يريد أن أهل البيت نشطوا في العزيمة عليهم. قلت: وفي "الصحاح": العَرَص -بالتحريك- النشاط. وعرِص الرجل -بالكسر- تنشط عن الفراء
(3)
.
وفيه: أن الولد والأهل يلزمهم الاحتفال بالأضياف مثلما يلزم صاحب المنزل، فإنهم عرضوا عَلَى الأضياف الطعام فامتنعوا.
الثاني عشر:
(قَالَ -يعني: عبد الرحمن-: فذهبت أنا فاختبأت) اختباؤه للخوف من خصام أبيه له؛ لأن المنزل لم يكن فيه رجل غيره يباشر الأضياف؛ ولأنه كان أوصاه بهم.
(1)
سيأتي برقم (6141) كتاب: الأدب، باب: قول الضيف لصاحبه: لا آكل حتى تأكل.
(2)
"مشارق الأنوار" 2/ 75.
(3)
"الصحاح" 3/ 1045، مادة:(عرص).
الثالث عشر:
قوله: (يا غنثر). هو بغين معجمة مضمومة، ثم نون ثم مثلثة، ثم راء. والمثلثة مفتوحة ومضمومة لغتان، هذا هو المشهور في ضبط هذِه اللفظة. وقيل: بالعين المهملة المفتوحة، وبالمثناة فوق مفتوحة، والصحيح الأول -كما قاله صاحب "المطالع"- ومعناه: يا لئيم، يا دني، والغنثر: الذباب. وقيل: يا أحمق. وقيل: الوخم. وقيل: الجاهل. من الغثارة، وهي الجهل، والنون زائدة. وقيل: مأخوذ من الغثر وهو السقوط. وقيل: السفيه، وحاصله: كله ذم وتنقيص يقوله الغضبان عند ضيق صدره
(1)
. وأما الثاني فقيل: الذباب. وقيل: الأزرق منه، شبهه به تحقيرًا له وشدة أذاه
(2)
.
الرابع عشر:
قوله: (فجدَّع) وهو بالجيم، والدال المهملة المشددة، ومعناه: دعا عليه بقطع الأنف أو الأذن أو الشفة، وهو بالأنف أخص، وإذا أطلق غلب عليه. وقيل: معناه السب، وهو الشتم، وهو بعيد لقوله:(جدَّع وسبَّ)، فيؤدي إلى التكرار.
وقيل المجادعة: المخاصمة
(3)
. وعند المروزي بالزاي بدل الجيم، وهو وهم كما قاله صاحب "المطالع"، وكل ذَلِكَ من الصديق عَلَى عبد الرحمن عَلَى ظن أنه فرط في الأضياف، فلما بأن له خلافه وأن المنع منهم أدَّبهم بقوله: كلوا لا هنيئًا. وحلف لا يطعمه. وقال
(1)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 307.
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 389.
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 246، 247.
النووي: إنما قاله لما حصل له من الحرج بتركهم العشاء بسببه. وقيل: إنه ليس بدعاء إنما هو خبر، أي: لم يتهنوا به في وقته
(1)
وذكره ابن بطال وغيره أنه إنما خاطب بذلك أهله لا أضيافه
(2)
، ويحتمل أن يكون سبب حلفه تحكمهم عَلَى رب المنزل بالحضور كما جاء في رواية: لا نأكل إلا بمحضر من أبي بكر
(3)
وحملهم عَلَى ذَلِكَ صدق رغبتهم في التبرك بمؤاكلته وحضوره معهم.
الخامس عشر:
قوله: (وايم الله). ألف ايم ألف وصل، وقيل: قطع، وخففت وطرحت في الوصل لكثرة الاستعمال، وهي حلف وضع للقسم، ولم يجئ في الأسماء ألف وصل مفتوحة غيرها، ويقال بفتح الهمزة وكسرها، وبحذف الياء، يقال: ام الله. والهمزة، فيقال: مُ الله، ثم تكسر؛ لأنها صارت حرفًا واحدًا، فقالوا: م الله، ويقال: ايمن الله بضم الميم وزيادة نون مضمومة. وربما قالوا: من الله بضم الميم والنون، وبفتحهما، وبكسرهما.
قَالَ أبو عبيدة: والأصل فيه: يمين الله، ثم جمع يمين عَلَى أيمن وحلفوا به فقالوا: أيمن، ثم كثر في كلامهم، وحلف عَلَى ألسنتهم، ولخَّص في التسهيل فيها تسع لغات: ايمن الله، بتثليث النون وكذا: من الله، ومُ مثلها. قَالَ: وليست الميم بدلًا من (أو) ولا أصلها (من) خلافًا لمن زعم ذَلِكَ، ولا ايمن جمع يمين، خلافًا للكوفيين.
(1)
"شرح النووي" 14/ 19.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 228.
(3)
سيأتي برقم (6140) بلفظ: ما نحن آكلين حتى يجيء رب منزلنا.
السادس عشر:
قوله: (ربا من أسفلها أكثر). أي ارتفع وزاد الطعام، وأكثر-بالمثلثة وبالموحدة- فأزال الله تعالى النَّكت الذي كان حصل، وأبدله بهذِه الكرامة، فعاد سرورًا وانقلب الشيطان خاسئًا مدحورًا، وعاد الصديق إلى مكارم أخلاقه، وحنث نفسه لما رأى من رجحانه وأكل معهم، فطابت النفوس. ففيه إذن كرامة ظاهرة للصديق، وإثبات كرامات الأولياء.
السابع عشر:
قوله: (حَتَّى شبعوا وصارت أكثر مما كانت). أكثر بالمثلثة وبالموحدة أيضًا كما سلف.
وقوله: (يا أخت بني فراس). قاله الصديق لامرأته أم رومان، ومعناه: يا من هي من بني فراس، وفراس: هو ابن غنم بن مالك بن كنانة كما سلف. قَالَ عياض: واختلف في انتسابها إلى غنم اختلافًا كثيرًا، وهل هي من بني فراس بن غنم، أو من بني الحارث بن غنم؟ وهذا الحديث يصحح كونها من بني فراس بن غنم
(1)
.
الثامن عشر:
قولها: (لا وقرة عيني) قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه؛ لأن عينه تقر لبلوغه أمنيته، فيكون مأخوذًا من القرار، وقيل: مأخوذ من القُرِّ -بالضم- وهو البرد. أي أن عينه باردة لسرورها وعدم مقلقها. قَالَ الأصمعي وغيره: أقر الله عينه. أي: أبرد دمعته؛ لأن دمعة الفرح باردة ودمعة الحزن حارة. واعترض أبو العباس عَلَى
(1)
"إكمال المعلم" 6/ 553.
الأصمعي فيما نقله القزاز، وقال: بل كل دمع حار. ومعنى القرة: رضا النفس. قَالَ الداودي: أرادت بقرة عينها النبي صلى الله عليه وسلم، فأقسمت به. وقال القرطبي: أقسمت لما رأت من قرة عينها بكرامة الله تعالى لزوجها، و (لا) في قولها:(لا وقرة عيني). زائدة
(1)
. ويحتمل أن تكون نافية، وفيه محذوف أي: لا شيء غير ما أقول، وهو قرة عيني.
التاسع عشر:
قوله: (إنما كان ذَلِكَ من الشيطان). (يريد: يمينه)
(2)
وفي رواية: بسم الله الأولى من الشيطان
(3)
-يعني: يمينه- فأخزاه الصديق بالحنث الذي هو خير.
وقوله: (ثم حملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه: أن الصديق إذا وقع له شيء من البركات أن يهدي إلى صديقه من ذَلِكَ، وجاء في بعض طرق الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أكل منها
(4)
.
العشرون:
قوله: ففرقنا (اثنا عشر رجلًا). كذا هو في البخاري -بفاء مكررة وقاف- من التفريق. أي: جعل كل رجل مع اثني عشر فرقة، وهو كذلك في كثير من نسخ مسلم، وفي معظمها: فعرَّفنا -بالعين وتشديد الراء وروي بفتح الفاء، وروي: فتعرفنا. أي: جعلنا عرفاء نقباء عَلَى قومهم، وسموا عرفاء؛ لأنهم يعرفون الإمام أحوال جماعتهم.
(1)
"المفهم" 5/ 338 - 339.
(2)
من (ج).
(3)
ستأتي برقم (6140).
(4)
سيأتي برقم (6141).
وقوله: (اثنا عشر). كذا هو في البخاري وبعض نسخ مسلم، وفي بعضها: اثني عشر
(1)
. وكلاهما صحيح، والأول: جارٍ على لغة من جعل المثنى بالألف في الأحوال الثلاثة، وهي لغة قبائل من العرب، قَالَ تعالى:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] وقال ابن التين عن بعضهم: لعل ضبطه: ففُرقنا بضم الفاء -يعني: الثانية- ويكون اثنا عشر ارتفع عَلَى أنه مبتدأ، وخبره مع كل رجل منهم أناس.
خاتمة في فوائد الحديث غير ما سبق منها:
أن للرجل أن يسب ولده وأهله عَلَى تقصيرهم ببر أضيافه، وأن يغضب لذلك.
ومنها: أن الأضياف ينبغي لهم أن يتأدبوا وينتظروا صاحب الدار، ولا يتهافتوا عَلَى الطعام دونه.
ومنها: أن إتيان الذي هو خير مع التكفير، فإن الطعام الذي ظهرت بركته الأكل منه خير، وقد نهى الشارع عن الإيمان في ترك البر والتقوى وفعل الخير، ومن هنا حنث الشارع والصالحون أنفسهم، قَالَ تعالى:{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} الآية [البقرة: 224]. وحنث الشارع نفسه في الشراب الذي شربه في بيت زوجته، وحنث الصديق نفسه أيضًا في قصة مسطح.
ومنها: إثبات كرامات الأولياء.
ومنها: أن الصديق الملاطف يجمل به أن يهدي إلى الجليل من إخوانه يسير الهدية وغير ذلك.
(1)
انظر: "اليونينية" 1/ 124.
10
كتاب الأذان
10 - كِتَابُ الأَذَان
1 - باب بَدْءُ الأَذانِ
وَقَوْلُهُ عز وجل: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)} [المائدة: 58]، وَقَوْلُهُ:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9].
603 -
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ. [605، 607، 3457، 606 - مسلم 378 - فتح 2/ 77]
604 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ، لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ". [مسلم 377 - فتح 2/ 77]
الأذان: الإعلام
(1)
. وفي الشرع: الإعلام بدخول وقت الصلاة المكتوبة
(2)
، واستفتحه البخاري بقوله تعالى:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية [المائدة: 58] وَقَوْلُهُ تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] إما للتبرك أو لذكر الأذان فيهما، أو لأن ذَلِكَ كان بدء الأذان، وأن ذَلِكَ كان بالمدينة، فإنهما مدنيتان، والحديثان اللذان أوردهما عقب ذَلِكَ كانا بالمدينة؛ لقوله:(كان المسلمون حين قدموا المدينة).
وقد قَالَ ابن عباس: الأذان نزل مع الصلاة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}
(3)
[الجمعة: 9] مع أنه قد روي أن الأذان كان ليلة الإسراء كما ذكره أحمد بن فارس وغيره مطولًا
(4)
. وأصل مشروعية
(1)
للاستزادة ينظر: "الصحاح" 5/ 2068 - 2069، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 33 - 34، "لسان العرب" 1/ 51 - 54 مادة: أذن.
(2)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 89، "الذخيرة" 2/ 43، "المجموع" 3/ 80 - 81، "المغني" 2/ 53 - 54.
(3)
رواه الحافظ الذهبي بسنده في "تذكرة الحفاظ" 3/ 799 - 800 عن عكرمة، عن ابن عباس به.
وعزاه الحافظ في "الفتح" 2/ 78، والسيوطي في "الدر المنثور" 6/ 326 لأبي الشيخ وزاد السيوطي أنه في كتاب "الأذان". قال الذهبي: إسناده ضعيف، ومتنه منكر.
(4)
رواه البزار في "البحر الزخار" 2/ 146 - 147 (508) عن علي قال: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل صلى الله عليهما بدابة يقال لها البراق، فذهب يركبها
…
الحديث مطولًا.
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ عن علي إلا بهذا الإسناد، وزياد بن المنذر فيه شيعية، وقد روى عنه مروان بن معاوية وغيره.
والحديث عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 282 - 283 للبزار، وقال الهيثمي =
الأذان رؤية عبد الله بن زيد في السنن أبو داود والترمذى والنسائى
(1)
= في "المجمع" 1/ 329: رواه البزار، وفيه زياد بن المنذر. وهو مجمع على ضعفه.
وأورد الهيثمي له حديث آخر في 5/ 238، وقال: زياد بن المنذر كذاب متروك.
وزياد هذا قال عنه الحافظ في "التقريب"(2101): رافضي كذبه ابن معين. وقال الألباني في "الإسراء والمعراج" ص 104 - 105: حديث ضعيف جدًّا، وعلامات الوضع عليه ظاهرة.
وروى الطبراني في "الأوسط" 9/ 100 (9247) عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به إلى السماء أوحي إليه بالأذان فنزل به فعلمه جبريل. هكذا جاء في "الأوسط": فعلمه جبريل! وهو ما جاء في "مجمع البحرين" 2/ 12 - 13 (629)، "مجمع الزوائد" 1/ 329، ومعناه مشكل، إلا أن تكون لفظة جبريل هذِه تحرفت.
والحديث هذا ذكره الحافظ في "الفتح" 2/ 78 بلفظ: فنزل به فعلمه بلالًا، وهذِه أولى من لفظة جبريل.
وقال الهيثمي 1/ 329: فيه طلحة بن زيد، ونسب إلى الوضع، وقال الحافظ: في إسناده طلحة بن زيد وهو متروك، وقال في "التقريب" (3020): متروك، قال أحمد وعلي وأبو داود: كان يضع.
وقال الحافظ 2/ 78: للدارقطني في "الأطراف" من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة. وإسناده ضعيف أيضًا.
وأورد السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 283 عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أسري بي إلى السماء أوحي إليه بالأذان، فنزل به فعلمه جبريل أذن جبريل، فظنت الملائكة أنه يصلي بهم، فقدمني فصليت بالملائكة". وعزاه لابن مردويه. قال الحافظ 2/ 78: فيه من لا يعرف وأورد أيضًا 4/ 284 عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأذان ليلة أسري به وفرضت عليه الصلاة.
(1)
أبو داود (499)، والترمذي (189)، وابن ماجه (706).
ومن طريقهم رواه أيضًا أحمد 4/ 43، والدارمي 2/ 758 - 760 (1224 - 1225)، والبخاري في "خلق أفعال العباد"(137)، وابن الجارود 1/ 156 - 157 (158)، وابن خريمة (363، 370، 371)، وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" 4/ 59 (1599)، وابن حبان 4/ 572 - 573 (1679)، والدارقطني 1/ 241، والبيهقي 1/ 390 - 391، 415، وفي "دلائل النبوة" 7/ 17 - 18، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 23 - 24، وابن الاثير في "أسد الغابة" 3/ 248، والضياء في "المختارة" 9/ 373 - 377 (344 - 346) من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، قال: حدثني أبي عبد الله بن زيد، قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول: الله أكبر .. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال:"إنها لرؤية حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتًا منك" فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فلله الحمد". هكذا الحديث مطولًا، ورواه بعضهم مختصرًا دون القصة الأولى، كما عند الترمذي.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وعبد الله بن زيد لا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان.
وقال النووي في "المجموع" 3/ 82: إسناده صحيح، وقال ابن خزيمة 1/ 193: سمعت محمد بن يحيى يقول: ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان خبر أصح من هذا؛ لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه، وعبد الرحمن بن أبى ليلى لم يسمعه من عبد الله بن زيد.
وقال الخطابي في "معالم السنن" 1/ 152: قد روي هذا الحديث والقصة بأسانيد مختلفة، وهذا الإسناد أصحها.
وقال البيهقي 1/ 319: وفي كتاب "العلل" للترمذي قال: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، يعني حديث محمد بن إبراهيم التيمي، فقال: هو عندي حديث صحيح.
ونقل تصحيح البخاري للحديث عن الترمذي، أيضًا الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 259، والحافظ في "الدراية" 1/ 111، وفي "تلخيص الحبير" 1/ 197.
قلت: لم أعثر على هذا الحديث في "علل الترمذي الكبير" وليس هو فيه، ويدل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لذلك أن الحافظ ابن رجب الحنبلي في تخريجه لهذا الحديث في "فتح الباري" 5/ 189 قال: وحكى البيهقي أن الترمذي حكى
…
وساق الكلام. فنقل الحافظ ابن رجب هنا هذا الكلام بواسطة البيهقي يدل أنه لم يجده في "العلل". والله أعلم.
ثم قال الحافظ عن الحديث: وبه استدل الإمام أحمد وعليه اعتمد.
وفعل مثل ذلك المصنف رحمه الله فنقل في "البدر المنير" 3/ 341 هذا الكلام عن البيهقي أيضًا.
والحديث قال عنه الألباني في "صحيح أبي داود"(512): إسناده حسن صحيح، وقال في "الثمر المستطاب" 1/ 114: إسناد جيد، وخرجه في "الإرواء" (246) وقال: إسناده حسن، فقد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث فزالت شبهة تدليسه.
والحديث رواه أحمد 4/ 42 - 43، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 3/ 475 - 476 (1973)، وابن خزيمة (373)، وأبو القاسم البغوي 4/ 57 - 58 (1597)، والبيهقي 1/ 415، وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 22 - 23، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 299 - 300 (358) من طرق عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه .. الحديث بنحوه. لكن ليس فيه قصة عمر.
ورواه بنحوه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 455 - 456 (1774)، وابن سعد في "الطبقات" 1/ 246 - 247 عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، مرسلًا.
قال الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 115 عن الحديث المرفوع: هذا سند جيد.
قال الحاكم: لم يخرج هذا الحديث في الصحيحين لاختلاف الناقلين في أسانيده، وأمثل الروايات فيه رواية سعيد بن المسيب، وقد توهم بعض أئمتنا أن سعيدًا لم يلحق عبد الله بن زيد، وليس كذلك، فإن سعيد كان فيمن يدخل بين علي وبين عثمان في التوسط، وإنما توفي عبد الله بن زيد في أواخر خلافة عثمان، وحديث الزهري، عن سعيد بن المسيب مشهور ورواه يونس بن يزيد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة ومحمد بن إسحاق وغيرهم. اهـ. "المستدرك" 3/ 336.
ورواه أبو داود (498)، والبيهقي 1/ 390، وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 20 - 21 من طريق هشيم، عن أبي بشر، عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من =
و"مستدرك الحاكم"
(1)
وغيره، فوافق ما رآه صلى الله عليه وسلم تلك الليلة
(2)
، واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الأذان عَلَى لسان غيره من المؤمنين؛ لما فيه من التنويه من الله بعبده، والرفع لذكره، والتفخيم بشأنه، قَالَ تعالى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4].
الحديث الأول: حديث أنس: ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، وَذَكَرُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارى، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وُيوتِرَ الإِقَامَةَ.
وقد أخرجه مسلم أيضًا، وباقي الستة
(3)
، وذكره البخاري أيضًا في
= الأنصار، قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها .... الحديث مطولًا.
قال الحافظ في "الفتح" 2/ 81: إسناده صحيح إلى أبي عمير بن أنس، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(511).
ورواه أبو داود (507)، وابن إسحاق في "السيرة"(469)، والبيهقي 1/ 391، 1/ 420 - 421 من طريق المسعودي عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال
…
الحديث مطولًا. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(524)، وللحديث طرق وروايات وألفاظ أخر، انظرها في:"نصب الراية" 1/ 258 - 260، "فتح الباري" لابن رجب 5/ 177 - 196، "البدر المنير" 3/ 334 - 344، "تلخيص الحبير" 1/ 197 - 199، "الثمر المستطاب" 1/ 111 - 199.
(1)
"المستدرك" 3/ 335 - 336، 4/ 347 - 348.
(2)
مسلم (378) كتاب: الصلاة، باب: الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة، أبو داود (508)، الترمذي (193)، النسائي 2/ 3، ابن ماجه (730).
(3)
قال القرطبي في "المفهم" 2/ 6: لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعًا في حقه.
قال الحافظ 2/ 79 معقبًا: قول القرطبي فيه نظر، لقول في أوله: لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان، وكذا قول المحب الطبري: يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي، وهو الإعلام، ففيه نظر أيضًا، لتصريحه بكيفيته المشروعة فيه، والحق أنه لا يصح شيء من هذِه الأحاديث. اهـ
ذكر بني إسرائيل كما ستعلمه إن شاء الله
(1)
. وفي لفظ له ذكره قريبًا: قَالَ إسماعيل بن إبراهيم: فذكرته لأيوب فقال: إلا الإقامه
(2)
.
وفي "صحيح ابن منده" هذِه اللفظة من قول أيوب، هكذا رواه ابن المديني عن ابن علية، فأدرجها سليمان عن حماد. أي: كما سيأتي في الباب بعده
(3)
.
ورواه غير واحد عن حماد، ولم يذكروا هذِه اللفظة
(4)
. وفي النسائي أن الآمر بذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
، وهو يرجح أن هذِه الصيغة وهي:(أُمِرَ) مقتضية للرفع، وهو الأصح
(6)
. وصححها ابن حبان
(1)
سيأتي برقم (3457) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذُكر عن بني إسرائيل.
(2)
سيأتي برقم (607)، باب: الإقامة واحدة إلى قوله: قد قامت الصلاة.
(3)
سيأتي برقم (605)، باب: الأذان مثنى مثنى.
(4)
رواه مسلم (378/ 2) عن خلف بن هشام، عن حماد، دون هذِه اللفظة. وكذا رواه أبو عوانة 1/ 273 (950) عن إبراهيم بن ديزيل، عن عفان، عن حماد. وكذا البيهقي 1/ 412 من طريق خلف بن هشام، عن حماد. وكذا الخطيب 10/ 123 من طريق علي بن عبد الله بن جعفر المديني، عن حماد.
(5)
النسائي 2/ 3.
(6)
قلت: هذا من أقسام المرفوع، أو هو قسم بين المرفوع والموقوف، وقد يسمى مرفوعًا حكمًا موقوفًا لفظًا، وهو أيضًا أقسام منها، هذا القسم، وهو قول الصحابي: أمرنا بكذا، ونهينا عن كذا، أو من السنة كذا. فمنها هذا الحديث.
ومنها: قول أم عطية: نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا، سيأتي برقم (1278).
ومنها: قول أنس: من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعًا
…
سيأتي برقم (5214).
والقسم الثاني: تفسير الصحابي إن تعلق بسبب نزول آية، أو نحوه، مرفوع، وإلا فموقوف.
وانظر تمام هذا البحث في "علوم الحديث" ص 47 - 51، "المقنع" 1/ 116 - 128، "التقييد والإيضاح" ص 68 - 70.
والحاكم
(1)
.
والمراد معظم الأذان شفع، وإلا فالتكبير في أوله أربع ولا إله إلا الله في آخره مرة، وكذلك المراد بالوتر معظم الإقامة وإلا فلفظ الإقامة والتكبير في أوله مثنى، ولهذا استثنى لفظ الإقامة من قوله:(ويوتر الإقامة إلا الإقامة)، كما تقدم. وإنما لم يستثن التكبير؛ لأنه عَلَى نصف لفظه في الأذان، فكأنه وتر. وحاصل مذهبنا أن الأذان تسع عشرة كلمة بإثبات الترجيع والإقامة أحد عشرة
(2)
، وأسقط مالك تربيع التكبير في أوله وجعله مثنى، وجعل الإقامة عشرة بإفراد كلمة الإقامة
(3)
.
وقال أبو حنيفة: هو خمس عشرة بإسقاط الترجيع، وزاد في الإقامة كلمة الإقامة
(4)
. وحكي عن أحمد أنه لا يرجع
(5)
، ثم المشهور عندنا سنية الأذان والإقامة
(6)
، وبه قَالَ مالك وأبو حنيفة
(7)
. وعن مالك: تجب في الجماعة
(8)
. وقال عطاء ومجاهد وداود: هو فرض وقال أحمد: إنه فرض كفاية
(9)
. وقال ابن المنذر: هو فرض في حق الجماعة في السفر والحضر
(10)
.
(1)
"صحيح ابن حبان" 4/ 568، "المستدرك" 1/ 198، "معرفة علوم الحديث" ص 134.
(2)
انظر: "المهذب" 1/ 198 - 199.
(3)
"المدونة" 1/ 61 - 62.
(4)
انظر: "البناية" 2/ 86 - 91.
(5)
انظر: "المغني" 2/ 56.
(6)
انظر: "المجموع" 3/ 88 - 90.
(7)
انظر: "الذخيرة" 2/ 58، "البناية" 2/ 84.
(8)
"المدونة" 1/ 64.
(9)
وعن أحمد رواية ثانية أنه سنة، انظر:"الممتع" 1/ 317.
(10)
"الأوسط" 3/ 24.
الحديث الثاني: حديث ابن عمر: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ، لَيْسَ يُنَادى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ".
والكلام عليه من أوجه:
أحدها: هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وللإسماعيلي وأبي نعيم:"فأذن بالصلاة".
ثانيها: معنى يتحينون: يقدرون ويطلبون أحيانها، ويأتون إليها فيها.
والحين: الوقت والزمان. والناقوس توقف الجواليقي
(2)
هل هو عربي أو معرب. والنقس: ضرب الناقوس، قَالَ في "الصحاح": وفي الحديث: كادوا ينقسون حَتَّى رأى عبد الله بن زيد الأذان
(3)
. وصحفه ابن التين بالنون، فقال: كانوا. ثم شرع يستشكله، ولا إشكال. وفي أبي داود: حَتَّى نقسوا أو كادوا أن ينقسوا
(4)
.
ثالثها: قول عمر رضي الله عنه: (أولا تبعثون رجلًا منكم ينادي بالصلاة؟) الظاهر أنه إعلام ليس عَلَى صفة الأذان الشرعي، بل إخبار بحضور وقتها، جمعًا بينه وبين رؤيا عبد الله بن زيد فإنه بدء الأذان، فالواقع
(1)
مسلم (377) كتاب: الصلاة، بدء الأذان.
(2)
تقدمت ترجمته في شرح حديث (7).
(3)
"الصحاح" 3/ 985.
(4)
أبو داود (506)، وكذا رواه أحمد 5/ 246، وعبد الرزاق في "المصنف" 1/ 461 - 462 (1788)، والطبراني 20/ (270)، والبيهقي 1/ 391، وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 26 - 27. قال الألباني في "صحيح أبي داود" (523): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
أولًا الإعلام، ثم لما رآه عبد الله بن زيد شرعه صلى الله عليه وسلم: إما يوحي كما ذكره ابن إسحاق في "السيرة"
(1)
، ويجوز أن يكون باجتهاد منه لا بمجرد المنام، ويحتمل أن يكون عمر لما رأى الرؤيا وصحتها قَالَ: ألا تنادون بالصلاة؟ فأقره الشارع وأمر به.
رابعُها: قوله: "قم فناد بالصلاة" ليس فيه التعرض للقيام في حال الأذان، والمشهور أنه سُنَّة.
فوائد:
الأولى: في ابن ماجه من حديث الزهري عن سالم عن أبيه قصة رؤيا عبد الله بن زيد. وفي آخره: قَالَ الزهري: وزاد بلال في نداء صلاة الغداة: الصلاة خير من النوم. فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
. ولما خرجه ابن خزيمة في "صحيحه" أتبعه بأن قَالَ: حَدَّثنَا بندار بخبر غريب
(3)
، ثنا أبو بكر الحنفي، ثَنَا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قَالَ: إن بلالًا كان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، حي عَلَى الصلاة. فقال له عمر بن الخطاب: قل في إثرها: أشهد أن محمدًا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: "قل كما أمرك عمر"
(4)
، وعن أبي حنيفة أنه يقوله -أي: التثويب- بعد الأذان، لا فيه
(5)
، وصححه قاضي خان.
(1)
"سير ابن إسحاق"(469).
(2)
ابن ماجه (707)، قال الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (148): ضعيف، وبعضه صحيح.
(3)
كذا مكررة في الأصل، وليست هي في المطبوع من "صحيح ابن خزيمة"(362).
(4)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 188 - 189 (362)، قال الألباني (362): إسناده ضعيف جدًّا، والحديث باطل؛ لأن قوله: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثابت في حديث عبد الله بن زيد الآتي (370 - 371).
(5)
انظر: "المبسوط" 1/ 130.
ثانيها: في "المصنف" عن محمد بن فضيل عن (يزيد)
(1)
بن أبي صادق أنه كان يجعل آخر أذانه: لا إله إلا الله والله أكبر، وقال: هكذا كان آخر أذان بلال
(2)
. قال البيهقي بعد أن أخرجه من فعل مؤذن علي: وكذا فعله أبو يوسف صاحب أبي حنيفة.
ثالثها: روى البيهقي من حديث نافع، عن ابن عمر أنه قال: الأذان ثلاث ثلاث. وفسره غيره بتثليث الشهادتين والحيعلتين أيضًا.
وعن الحسن أنه كان يقول: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح. ثم يرجع فيقول: الله أكبر مرتين، وكل شهادة مرة، ويكرر الحيعلة
(3)
.
وفي "القواعد" لابن زيد: أذان البصريين تربيع التكبير الأول، وتثليث الشهادتين وحي على الصلاة حي على الفلاح، يبدأ بأشهد أن لا إله إلا الله، حتى يصل حي على الصلاة، ثم يعيد كذلك مرة ثانية، يعني: الأربع كلمات تبعًا، ثم يعيد ثالثة، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين
(4)
(1)
هكذا في الأصل، وفي المصنف: زيد.
(2)
"المصنف" 1/ 188 (2152).
(3)
رواه أبن أبي شيبة 1/ 186 (2122) وفيه بتثنيته التكبير الأول.
(4)
رواه عبد الرزاق 1/ 465 (1798).
2 - باب الأذَانُ مَثْنَى مَثْنَى
605 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ الإِقَامَةَ. [انظر: 603 - مسلم: 378 - فتح: 2/ 82]
606 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ -قَالَ:- ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَىْءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ. [انظر: 603 - مسلم: 378 - فتح 2/ 82]
ذَكَرِ فيه حديث أنس: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ إِلَّا الإِقَامَةَ.
وقد سلف أول الباب
(1)
، وكذا حديثه الآخر
(2)
.
والبخاري روى الثاني، عن محمد، عن عبد الوهاب قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ -قَالَ:- ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ.
ومحمد هذا: هو ابن سلام كما ذكره أبو نعيم.
وقال أبو علي الجياني: وقال -يعني: البخاري- في الصلاة
(3)
،
(1)
برقم (603).
(2)
الحديث الآتي (606).
(3)
سلف برقم (568) وفيه صرح البخاري باسمه، قال: حدثنا محمد بن سلام، قال: أخبرنا عبد الوهاب. فيبدوا أن النسخة التي اعتمد عليها الجياني هي نسخة أبي الوقت، أو ابن عساكر، فقد جاء في اليونينية 1/ 118 أن قوله: ابن سلام سقطت من نسخة أبي الوقت وابن عساكر. والله أعلم.
والجنائز
(1)
، والمناقب
(2)
، والطلاق
(3)
، والتوحيد
(4)
وغير ذلك: حدثنا محمد، عن عبد الوهاب
(5)
. نسبه ابن السكن في بعضها ابن سلام.
قال: وقد صرح البخاري باسمه في الأضاحى
(6)
، وفي غير موضع، فقال: حدثنا محمد بن سلام، ثنا عبد الوهاب
(7)
.
قال: وذكر أبو نصر-يعني: الكلاباذي- أن البخاري يروي في الجامع عن محمد بن سلام. وبندار: محمد بن بشار، وأبي موسى: محمد بن المثنى، ومحمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي، عن عبد الوهاب الثقفي
(8)
.
(1)
سيأتي برقم (1254) باب: ما يستحب أن يغسل وترًا.
(2)
سيأتي برقم (3514) باب: ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع.
(3)
سيأتي برقم (5283) باب: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة.
(4)
سيأتي برقم (7470) باب: في المشيئة والإرادة.
(5)
منها ما سيأتي برقم (1028) كتاب: الاستسقاء، باب: استقبال القبلة في الاستسقاء. ومنها ما سيأتي برقم (5330) كتاب: الطلاق، باب:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} .
(6)
سيأتي برقم (5550) باب: من قال: الأضحى يوم النحر.
(7)
منها ما سلف برقم (324) كتاب: الحيض، باب: شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى منها ما سيأتي برقم (2316) كتاب: الوكالة، باب: الوكالة في الحدود، وجاء في هذا الحديث: حدثنا ابن سلام، أخبرنا عبد الوهاب الثققي. ومنها ما سيأتي برقم (2662) وجاء فيه أيضًا كالحديث السابق. ومنها ما سيأتي برقم (5528) كتاب: الذبائح والصيد، باب: لحوم الحمر الإنسية. ومنها ما سيأتي برقم (6030) كتاب: الأدب، باب: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا. ومنها ما سيأتي برقم (6080) كتاب: الأدب، باب: الزيارة.
(8)
"تقييد المهمل" 3/ 1020 - 1021.
3 - باب الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ، إِلَّا قَوْلَهُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ
607 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ
أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَذَكَرْتُ لأَيُّوبَ فَقَالَ: إِلاَّ الإِقَامَةَ. [انظر: 603 - مسلم: 378 - فتح: 2/ 83]
ذكر فيه أيضًا حديث أنس: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ.
قال إسماعيل بن إبراهيم: فذكرت لأيوب فقال: إلا الإقامة.
قال الإسماعيلي: جعل ترجمة الباب: إلا قوله: قد قامت الصلاة، وجعل الحديث فيه في هذا المعنى قول أيوب، وترك حديث سماك بن عطية يعني: السالف في الباب قبله، وهو متصل بقوله: ويوتر الإقامة إلا الإقامة، وفد أسلفنا كلام ابن منده فيه
(1)
.
(1)
راجع شرح حديث (603).
4 - باب فَضْلِ التَّأْذِينِ
608 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، أذْكُرْ كَذَا. لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِى كَمْ صَلَّى". [1222، 1231، 1232، 3285 - مسلم: 389 - فتح: 2/ 84]
ذكر فيه حديث أبي هريرة: أَنُّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةَ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قُضَى النِّدَاءُ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا. لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى".
هذا الحديث أخرجه البخاري في الصلاة كما ستعلمه وفي لفظ له: "إن يدري"
(1)
. ومسلم أيضًا، ولفظه:"ما يدري وله حصاص"
(2)
. وهو الضراط في قول كما ستعلمه.
وأخرجه من حديث جابر أيضًا: "إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء"
(3)
.
ثم الكلام عليه من أوجه:
(1)
سيأتي برقم (1231) كتاب: السهو، باب: إذا لم يدركم صلى: ثلاثًا أو أربعًا، سجد سجدتين وهو جالس.
(2)
مسلم (389) كتاب: الصلاة، باب: فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه.
(3)
مسلم (388) كتاب: الصلاة، باب: فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه.
أحدها: "الحصاص" في رواية مسلم: بحاء وصادين مهملات، فقيل: إنه الواقع في رواية البخاري، وقال أبو عبيدة: هو شدة العدو.
وقال عاصم بن أبي النجود
(1)
: إذا ضرب بأذنيه ومضغ بذنبه أي: حركه يمينًا وشمالًا وعدا، فذاك الحصاص.
ولا مانع من حمله على ظاهره؛ إذ هو جسم يصح منه خروج الريح.
وقيل: إنه عبارة عن شدة الغيظ والنفار وإدباره؛ لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة
(2)
، للحديث الآتي:"لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة"
(3)
(1)
هو عاصم بن بهدلة، وهو ابن أبي النجود الأسدي، مولاهم، الكوفي، أبو بكر المقرى، قال أحمد بن حنبل وغير واحد: بهدلة هو أبو النجود، وقال عمرو بن علي: عاصم بن بهدلة هو عاصم بن أبي النجود، واسم أمه بهدلة، وقال أبو بكر ابن أبي داود: زعم بعض من لا يعلم أن بهدلة أمه. وليس كذلك، بهدلة أبوه.
ويكنى أبا النجود.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه، فقال: كان رجلًا صالحًا قارئًا للقرآن، وأهل الكوفة يختارون قراءته وأنا اختار قراءته، وكان خيرًا ثقة، والأعمش أحفظ منه، وكان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث. قال النسائي: ليس به بأس. روى له البخاري ومسلم مقرونًا بغيره، واحتج به الباقون.
وروى له البخاري حديثين سيأتيا (4967 - 4977) ولم يترجم له المصنف في شرحهما، لذا ترجمت له هنا.
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 487 (3062)، "علل أحمد" 1/ 137، "الجرح والتعديل" 6/ 340 (1887)، "تهذيب الكمال" 13/ 473 (3002)، "سير أعلام النبلاء" 5/ 256 (119).
(2)
انظر: "الصحاح" 3/ 1032 - 1034، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 396، "لسان العرب" 1/ 898 - 900 مادة:(حصص).
(3)
الحديث الآتي (609).
وأبعد من قال: إنما يشهد له المؤمنون من الجن والإنس دون الكافر، حكاه القاضي عياض، قال: ولا يُقْبَلٌ من قائله لما جاء في الآثار من خلافه، قال:
وقيل: إن هذا فيمن يصح منه الشهادة ممن يسمع.
وقيل: بل هو عام في الحيوان والجماد كما في الحديث الذي ذكرناه، وأن الله يخلق لها ولما لا يعقل من الحيوان إدراكًا للأذان وعقلًا ومعرفةً.
وقيل: إدباره لعظم شأن الأذان بما يشتمل عليه من قواعد التوحيد وإظهار الشرائع والإعلام.
وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد
(1)
.
فإن قلت: كيف يهرب من الأذان ويدنو. في الصلاة وفيها القرآن والمناجاة؟
قلتُ: أجاب ابن الجوزي عنه بأن إبعاده عن الأذان لغيظه من ظهور الدين وغلبة الحق، وعلى الأذان هيبة يشتد انزعاجه لها ولا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به؛ لأنه لا يحضر النفس.
فأما الصلاة فإن النفس تحضر فيها فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة.
ثانيها: المراد بالتثويب هنا: الإقامة. ويخطر: -بكسر الطاء وضمها، والأكثر على الضم، والوجه: الكسر -أي: يوسوس، والضم من الشكوك والمرور أي: يدنو منه بينه وبين قلبه فيشغله عما هو فيه، وبهذا فسره الشراح، وبالأول فسره الخليل.
(1)
"إكمال المعلم" 2/ 257 - 258.
وقال الباجي: فيحول بين المرء وما يريد من نفسه من إقباله على صلاته وإخلاصه
(1)
.
وقال الهجريُّ في "نوادره": يخطر بالكسر في كل شيء وبالضم ضعيف.
ثالثها: قوله: "حتى يظل" كذا الرواية بظاء معجمة مفتوحة، والرجل مرفوع أي: يصير، كما قال تعالى:{ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [الزخرف: 17] وقيل معناه: يبقى ويدوم.
وحكى الداودي: يضل بالضاد المعجمة المكسورة بمعنى: ينسى ويذهب فهمه، ويسهو قال تعالى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [البقرة: 282]، وحكى بن قرقول، عن الداودي أنه روي: يضل بفتح الضاد أيضًا من الضلال وهو الحيرة.
قال: والكسر في المستقبل أشهر.
قال الشيخ تقي الدين: ولو رُوِي بضم الياء لكان صحيحًا، يريد حتى يضل الشيطان الرجل عن دراية كم صلى.
رابعها: الحديث ظاهر فيما ترجم له وهو فضل التأذين، وقد وردت أحاديث كثيرة بفضله
(2)
، ذكرت منها جملة مستكثرة في شرحي "التنبيه"
(1)
"المنتقى" 1/ 134.
(2)
منها حديث أبي سعيد الخدري الآتي (906).
وحديث أبي هريرة الآتي (615)، ورواه مسلم (437).
وحديث أبي هريرة مرفوعًا: "الأئمة ضمناء والمؤذنون أمناء، فأرشد الله الأئمة واغفر للمؤذنين".
رواه الشافعي في "الأم" 1/ 87، وفي "المسند" ص 56، والبيهقي 1/ 430 من طريق إبراهيم بن محمد، عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. =
واختلف فيه وفي الإمامة أيهما أفضل؟ ومحل الخوض في ذلك كتب الفروع، وقد بسطناه في الشرح المذكور و"شرح المنهاج" وغيرهما، فيراجع منه
(1)
.
= ورواه أحمد 1/ 399 عن عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
ورواه أبو داود (517) من طريق الأعمش، عن رجل، عن أبي صالح عن أبي هريرة.
ورواه الترمذي (207) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح به.
والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(530) وانظر تخريج هذا الحديث في "البدر المنير" 3/ 394 - 402.
وحديث: "يغفر للمؤذن مدى صوته".
روي عن أبي هريرة والبراء بن عازب وأبن عمر وأنس وأبي سعيد الخدري وجابر ابن عبد الله.
وانظر في تخريج هذا الحديث "البدر المنير" 3/ 380 - 388 فقد استوفي طرقه وأسانيده.
وحديث ابن عباس مرفوعًا: "من أذن سبع سنين محتسبًا كتبت له براءة من النار".
رواه الترمذي (206)، وابن ماجه (727) قال البغوي في "شرح السنة" 2/ 280: إسناده ضعيف. وقال الألباني في "الضعيفة"(850): ضعيف جدًّا.
وانظر تخريجه في "البدر المنير" 3/ 402 - 405.
(1)
قال المصنف رحمه الله: (والإمامة أفضل منه)، أي من الأذان والإقامة، (في الأصح)؛ لأنها أشق، ولمواظبة الشارع والخلفاء الراشدين عليها؛ ولأن القيام بالشيء أولى من الدعاء إليه وهو قائم بفرض الكفاية على ما صححه المصنف بابه.
قلت: يقصد بالمصنف، النووي- فيكون راجحًا على الأذان إذ هو سنة على الصحيح.
قلت: الأصح أنه أفضل منها. والله أعلم، لدعائه له صلى الله عليه وسلم بالمغفرة وللإمام بالإرشاد.
وهو قول أكثر الأصحاب، واستنبط ابن حبان في "صحيحه" من قوله صلى الله عليه وسلم:"من دل على خير فله مثل أجر فاعله". أن المؤذن يكون له مثل أجر من =
5 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا، وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا.
609 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ، ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ:"إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [3296، 7548 - فتح: 2/ 87]
ثم ذكر فيه حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أَبِيهِ أَنَّهُ أَخبَرَة، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ:"إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ".
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
أما قول عمر بن عبد العزيز فأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع، عن سفيان، عن عمرو بن سعيد بن أبي حسن أن مؤذنًا أذن فطرّب في أذانه، فقال له عمر بن عبد العزيز ذلك
(1)
. ولعله خاف عليه الخروج عن الخشوع إذا طرب.
قال الداودي: لعل هذا المؤذن لم يكن يحسن يمد الصوت إذا رفع
= صلى بأذانه.
قلت: ونص الشافعي في "الأم" على أنه إذا قام بحقوق الإمام كانت أفضل. اهـ.
"عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج" 1/ 181.
وحديث ابن حبان الذي ذكره الشارح، هو في "صحيحه" برقم (1666).
(1)
"المصنف" 1/ 207 (2375).
بالأذان، فَعْلَّمه، ليس أنه نهاه عن رفع الصوت، ولو نهاه لكان لم يبلغه الحديث يعني: حديث أبي سعيد هذا.
وفي الدارقطني -بإسناد فيه لين- من حديث ابن عباس أنه عليه السلام كان له مؤذن مطرب فقال له عليه السلام: "الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سهلًا سمحًا وإلا فلا تؤذن"
(1)
.
وأما الحديث فالكلام عليه من أوجه:
أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في ذكر الجن
(2)
والتوحيد
(3)
، وذكر خلف وتبعه الطرقي أن البخاري أخرجه، عن أبي نعيم، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، قال ابن عساكر: لم أجده ولا ذكره أبو مسعود.
وفي ابن ماجه: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه وزيادة:"ولا شجر ولا حجر"
(4)
.
قال ابن عساكر: كذا فيه، يعني: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
(1)
"سنن الدارقطني" 1/ 239 و 2/ 86. ورواه أيضًا ابن حبان في "المجروحين" 1/ 137، وابن الجوزي في "الموضوعات" 2/ 369 - 370 (945) من طريق إسحاق ابن أبي يحيى الكعبي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعًا به. قال ابن حبان: ليس لهذا الحديث أصل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وترجم الحافظ الذهبي في "الميزان" 1/ 205 (804) لإسحاق بن أبي يحيى، وذكر هذا الحديث وقال: هو من أوابده، والحديث ذكره الشوكاني في "الفوائد" ص 16، وقال الألباني في "الضعيفة" (2184): ضعيف جدًا.
(2)
سيأتي برقم (3296) كتاب: بدء الخلق.
(3)
وبرقم (7548) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع الكرام البررة".
(4)
ابن ماجه برقم (723) من طريق سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه.
صعصعة، عن أبيه، وكذا رواه الشافعي عن ابن عيينة. وقال عقبها: يشبه أن يكون مالك أصاب اسم الرجل
(1)
.
قال البيهقي: وهو كما قال، هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، سمع أباه وعطاء بن يسار، وعنه: مالك وابنه عبد الله
(2)
.
ثانيها: البادية: الصحراء التي لا عمارة فيها، والمدى: الغاية.
واختُلف في قوله: "ولا شيء إلا شهد له"، فقالت طائفة: الحديث على عمومه في كل شيء وجعلوا الحيوان والجمادات وغيرها سامعة وداخلة في معنى الحديث، وذلك جائز، كما تنطق الجلود يومئذ وتشهد على العصاة، ويؤيده قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]، أي: يخلق الله فيها إدراكًا، والله قادر أن يُسمع الجمادات. وقالت طائفة: لا يراد إلا الجن والإنس خاصة.
وقوله: "ولا شيء". يريد من صنف الحيوان السامع كالملائكة والحشرات والدواب ويرده رواية ابن ماجه: "ولا شجر ولا حجر".
ثالثها: في فوائده:
الأولى: أن الشغل بالبادية واتخاذ الغنم من فعل السلف الصالح الذي ينبغي لنا الاقتداء بهم، وإن كان في ذلك ترك الجماعات.
الثانية: العزلة من الناس، والبعد عن فتن الدنيا وزخرفها.
الثالثة: فضل الإعلان بالسنن وإظهار أمور الدين.
(1)
"السنن" 1/ 247 - 248 (137 - 138).
(2)
"معرفة السنن والآثار" 2/ 232.
الرابعة: رفع الصوت بالنداء ما لم يجهد نفسه، وينادى به ليسمعه مَنْ بعد عنه، فيكثر الشهداء له.
الخامسة: أذان المنفرد، وللشافعي في أذانه ثلاثة أقوال:
أصحها: نعم، لحديث أبي سعيد هذا.
وثانيها: وحكي في القديم أنه لا يندب له؛ لأن المقصود من الأذان الإبلاغ والإعلام، وهذا لا ينتظم في المنفرد.
ثالثها: إن رُجي حضور جماعة أذن لإعلامهم وإلا فلا
(1)
، وحمل حديث أبي سعيد على أنه كان يرجو حضور غلمانه.
السادسة: أن الجن يسمعون أصوات بني آدم.
(1)
"روضة الطالبين" 1/ 196.
6 - باب مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ
610 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. قَالَ: فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 2/ 89]
ذكر فيه حديث أنس أنه عليه السلام كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو بنا
(1)
حتى يصبح .. الحديث.
سلف في باب: ما يذكر في الفخذ
(2)
، ويأتي في الجهاد
(3)
والمغازي أيضًا
(4)
، وروي مطولًا ومختصرًا، وأخرجه مسلم أيضًا
(5)
.
(1)
في هامش الأصل: في نسخة: يغير.
(2)
سلف برقم (371) كتاب: الصلاة.
(3)
سيأتي برقم (2889، 2893، 2943 - 2945، 2991، 3085 - 3086).
(4)
سيأتي برقم (4083 - 4084، 4197 - 4201، 4211 - 4213).
(5)
مسلم برقم (1365) كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة خيبر.
7 - باب مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ المُنَادِي
611 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ". [مسلم: 383 - فتح: 2/ 90]
612 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا فَقَالَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى نَحْوَهُ. [613، 914 - فتح: 2/ 90]
613 -
قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. وَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُول. [انظر: 612 - فتح: 2/ 91]
ذكر فيه حديثين.
أحدهما: حديث أبي سعيد الخدري: "إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذِّنُ". وهو حديث صحيح أخرجه مسلم والأربعة أيضًا
(1)
.
الثاني: حديث عيسى بن طلحة: سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا فَقَالَ مِثْلَهُ إلى قَوْلِهِ: وَأَشْهَدُ أَنَ مُحَمَّدَا رَسُولُ اللهِ.
(1)
مسلم برقم (383) كتاب: الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل الله له الوسيلة، وأبو داود برقم (522) كتاب: الصلاة، باب: ما يقول إذا سمع المؤذن، والترمذي (208) كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن، والنسائي 2/ 23 كتاب: الأذان، القول مثل ما يقول المؤذن، وابن ماجه برقم (720) كتاب: الأذان والسنة فيها، باب: ما يقال إذا أذن المؤذن.
وفي رواية: إنه لما قال: حي على الصلاة. قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"
(1)
.
وهذا الحديث ذكره البخاري قريبًا في باب: يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء
(2)
، أطول من هذا، ورواه عن معاوية جماعة غير عيسى، وهذِه الرواية الثانية صيغة البخاري في إيرادها:
قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا، انَّهُ قال لَمَّا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوُّةَ إِلا باللهِ. وَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ.
وفيها جهالة كما ترى، والظاهر أن هذِه الرواية متصلة من البخاري إلى يحيى فتأمله
(3)
.
وفي رواية لابن خزيمة أنه قال في الشهادتين: وأنا
(4)
في "صحيح الحاكم"، -وقال: صحيح الإسناد- من حديث أبي أمامة مرفوعًا: "من نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي، فإذا كبر كبر، وإذا تشهد تشهد، واذا قال: حي على الصلاة قال: حي على الصلاة، واذا قال: حي على الفلاح قال: حي على الفلاح، ثم ليقل: اللهم رب هذِه الدعوة الصادقة والحق المستجاب، له دعوة الحق، وكلمة التقوى، أحيينا عليها، وأمتنا عليها، وابعثنا عليها، واجعلنا من خيار أهلها محيًا
(1)
الحديث الآتي (613).
(2)
يأتي برقم (914).
(3)
قال الحافظ: قوله: قال يحيى، ليس تعليقًا من البخاري كما زعمه بعضهم، بل هو عنده بإسناد إسحاق، وأبدى الحافظ قطب الدين احتمالًا أنه عنده بإسنادين ثم إن إسحاق هذا لم ينسب وهو ابن راهويه
…
"فتح الباري" 2/ 93.
(4)
صحيح ابن خزيمة" 1/ 216 (414)، وفيه أنه قال: وأنا أشهد.
وسيأتي برقم (914) من رواية أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه قال: وأنا.
ومماتًا، ثم يسأل الله حاجته"
(1)
.
وقد رُوي أيضًا من حديث أبي رافع وأبي هريرة، وأم حبيبة، وابن عمرو، وعبد الله بن ربيعة، وعائشة، ومعاذ بن أنس، كما أفاده الترمذي، وأهمل خلقا آخر
(2)
.
إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها: المراد بالنداء: الأذان. وعن ابن وضاح: ليس "المؤذن" من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما عبر ثانيًا بالمؤذن دون المنادي، لئلا يتكرر لفظ النداء أولًا وأخرًا
(3)
. والثاني يتمحض به الأذان للصلاة بخلاف الأول، فإنه مشترك بين النداء لها وغيره.
ثانيها: ظاهر الأمر الوجوب، وبه قال بعضهم فيما حكاه الطحاوي
(4)
، والجمهور على الندبية، وقال ابن قدامة: لا أعلم فيه خلافًا، وقد سمع عليه السلام في سفر مناديًا يقول: الله أكبر الله أكبر فقال: "على الفطرة"، فلما تشهد قال:"خرج من النار"
…
الحديث
(5)
، فقد
(1)
"المستدرك" 1/ 546 - 547. والحديث في إسناده عفير بن معدان، قال الذهبي في "التلخيص": واهٍ جدًّا. وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب"(177، 1151).
(2)
"سنن الترمذي" 1/ 408، بعد حديث (208).
وخرج الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 172 - 175 و 185 - 186 حديث معاوية ومعاذ بن أنس وعبد الله بن عمرو وأم حبيبة وأبي هريرة.
(3)
قال الحافظ: تعقب ابن وضاح بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى، وقد اتفقت الروايات في الصحيحين و"الموطأ" على إثباتها. ولم يصب صاحب "العمدة" في حذفها. اهـ "فتح الباري" 2/ 91.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 144.
(5)
رواه مسلم (382) كتاب: الصلاة، باب: الإمساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان.
أجاب بغير ما قال، وأبعد بعض الحنفية فقال: الإجابة بالقدم وهو المشي إلى المسجد لا باللسان، حتى لو كان حاضرًا في المسجد يسمع الأذان فليس عليه إجابة، فإن قال مثل ما يقول نال الثواب وإلا فلا إثم عليه.
ثالثها: حديث معاوية مبين لإطلاق حديث أبي سعيد أنه لا يقول في الحيعلة مثله، بل يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وحديث عمر في "صحيح مسلم" يوافقه
(1)
، وهو مناسب للإجابة ويقولها أربعة لكل واحدة حوقلة، وقيل: يقولها مرتين، وفي "الذخيرة" من كتب الحنفية بزيادة: ما شاء الله كان، وفي "المحيط" لهم يقول مكان حي على الصلاة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ومكان الفلاح: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
(2)
.
وقال الخرقي
(3)
: يقول: مثل المؤذن كله
(4)
. وقيل: يجمع بينهما للحديثين يعني: يقول: حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله.
(1)
مسلم (385) كتاب: الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل الله له الوسيلة.
(2)
انظر "البناية" 2/ 108.
(3)
هو العلامة شيخ الحنابلة، أبو القاسم، عمر بن الحسين بن عبد الله البغدادي الخرقي الحنبلي، صاحب المختصر المشهور، في مذهب الإمام أحمد، كان من كبار العلماء تفقه بوالده الحسين، صاحب المروذي وصنف التصانيف، قال القاضي أبو يعلى: كانت لأبي القاسم مصنفات كثيرة لم تظهر؛ لأنه خرج من بغداد لما ظهر بها سب الصحابة، فأودع كتبه في دار فاحترقت الدار، وتوفي في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة.
انظر تمام ترجمته في: "تاريخ بغداد" 11/ 234، "وفيات الأعيان" 3/ 441، "سير أعلام النبلاء" 15/ 363 (186)، "شذرات الذهب" 2/ 336.
(4)
"مختصر الخرقي" ص 18.
وعن مالك أن الإجابة تنتهي إلى آخر الشهادتين فقط؛ لأنه ذكر، وما بعده بعضه ليس بذكر، وبعضه تكرار لما سبق
(1)
ويقول في كلمة التثويب: صدقت وبررت؛ لأنه مناسب وإن لم يرد فيه نص. وقال ابن حزم يقول مثله سواء، ولو في صلاة إلا الحيعلة فبعد الفراغ منها
(2)
.
وعند المالكية ثلاثة أقوال: الإجابة لعموم الحديث، وبه قال أحمد والطحاوي
(3)
. والمنع؛ لأن في الصلاة شغلًا
(4)
. يقول التكبير والتشهد في النفل فقط
(5)
، وعندنا: لا يوافقه، فرضًا كانت الصلاة أو نفلًا، فإن فعل كره على الأظهر إلا في الحيعلة أو التثويب، فإنها تبطل إن كان عالمًا؛ لأنه كلام آدمي
(6)
، وكذا قال ابن قدامة الحنبلي: إن قال الحيعلة بطلت صلاته
(7)
. وعن المالكية رواية قول: فيه؛ لأنه يقصد الحكاية لا الدعاء
(8)
.
رابعها: يتابع في كل كلمة عقبها، واختلف قول مالك: هل يتابع المؤذن، أو يقوله مسرعًا قبل فراغه من التأذين
(9)
؟
خامسها: هل يجيب كل مؤذن؟ فيه خلاف حكاه الطحاوي وابن التين المالكي، ولا نص لأصحابنا فيه، ولا يبعد أن يقال: يختص بالأول؛ لأن الأمر المطلق لا يفيد التكرار.
(1)
"المدونة" 1/ 63، "الذخيرة" 2/ 54.
(2)
"المحلى" 3/ 148 - 149.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 166، "المغني" 2/ 88.
(4)
انظر: "المنتقى" 1/ 131، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 92.
(5)
انظر: "المنتقى" 1/ 131، "الذخيرة" 2/ 55.
(6)
انظر: "البيان" 2/ 83 - 84.
(7)
"المغنى" 2/ 88.
(8)
انظر: "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 93، "الذخيرة" 2/ 57.
(9)
انظر: "الذخيرة" 2/ 54.
سادسها: لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كل وجه، فإنه لا يراد بذلك مماثلة في كل أوصافه حتى رفع الصوت، وفي: لا حول ولا قوة إلا بالله خمسة أوجه مشهورة: فتحهما بغير تنوين، وفتحهما به، وفتح الأول ونصب الثاني منونًا، وفتح الأول ورفع الثاني منونًا، وعكسه
(1)
، أي: لا حركة، ولا استطاعة إلا بمشيئة الله.
(1)
الوجه الاول نحو: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله. والوجه الثاني نحو: لا حولًا ولا قوةً إلا بالله! وهذا الوجه فيه نظر، ولم أر من ذكره هكذا غيره، وإنما هو برفعهما بتنوين نحو: لا حولٌ ولا قوةٌ إلا بالله، كذا حكاه النووي في "شرح مسلم" 4/ 87، وابن هشام في "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" ص 69، "شرح ابن عقيل" 2/ 11 - 13. والوجه الثالث نحو: لا حولَ ولا قوةً إلا بالله. والوجه الرابع نحو: لا حولَ ولا قوةٌ إلا بالله. والوجه الخامس نحو: لا حولٌ ولا قوةَ إلا بالله. والله أعلم.
8 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ
614 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ. حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[4719 - فتح: 2/ 94].
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَيَّاشٍ قَالَ: ثَنَا شُعَيبُ بْنُ أَبِي حَمزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الُمنكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِه الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ"
…
الحديث.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها: هذا الحديث أورده هنا وفي سورة سبحان من التفسير
(1)
، وأخرجه الأربعة
(2)
، ولم يخرجه مسلم، وقال الترمذي: حديث حسن غريب من حديث محمد بن المنكدر، لا نعلم أحدًا رواه غير شعيب بن أبي حمزة
(3)
.
ثانيها: النداء: الأذان، والمراد بالدعوة التامة: دعوة الأذان؛ سميت بذلك؛ لكمالها وعظم موقعها، فلا نقص فيها ولا عيب؛ لانتفاء الشركة فيه. والصلاة القائمة أي: التي تقوم أي: تقام وتفعل بصفاتها، وقيل: إنها الدعاء بالنداء؛ لأن الدعاء يُسمى صلاة،
(1)
سيأتي برقم (4719) باب: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} .
(2)
رواه أبوداود (529)، والترمذي (211)، والنسائي 2/ 27، وابن ماجه (722).
(3)
"سنن الترمذي" عقب حديث (211) كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء.
والوسيلة: القربة. وفي "صحيح مسلم" من حديث عبد الله بن عمرو "إنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة"
(1)
. وقيل: إنها الشفاعة، وقيل: القرب من الله تعالى، والمقام المراد به مقام الشفاعة العظمي الذي يحمده فيه الأولون والآخرون.
وقوله: مقامًا محمودًا: كذا هو بالتنكير فيهما، وهو موافق لقوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]. ووقع في "صحيح أبي حاتم بن حبان" بسند ابن خزيمة بالتعريف فيهما
(2)
، وكذا أخرجها البيهقي أيضًا في "سننه" وعزاها إلى البخاري
(3)
، ومراده: أصل الحديث كما هو معروف من عادته، وسؤال هذا المقام مع أنه موعود به؛ لشرفه وكمال منزلته، وعظم حقه، ورفيع ذكره، وقوله:"الذي وعدته"، ويجوز أن يكون بدلًا ومنصوبًا بأعني ومرفوعًا خبر مبتدأ محذوف أي: هو الذي وعدته، ومعنى "حلت له": غشيته ونالته، وله بمعنى: عليه، كما في قوله تعالى:{يَخِرُّونَ لِلأَذقاَنِ} [الإسراء: 107]
ويؤيده رواية مسلم السالفة "حلت عليه"
(4)
، وقيل: وجبت له. قال تعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} [طه: 81] من قرأه بالضم أراد: ينزل، ومن قرأه بالكسر قال: وجب
(5)
.
ثالثها: فيه: استحباب الدعاء المذكور لكل سامع وللمؤذن أيضًا.
(1)
مسلم (384) وفيه: حلت له.
(2)
ابن حبان 4/ 586 (1689) وهو في "صحيح ابن خزيمة" 1/ 220 (420).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى" 1/ 410 كتاب: الصلاة، باب: ما يقول إذا فرغ من ذلك.
(4)
تقدم أن في مسلم: حلت له.
(5)
انظر: "الكواكب الدراري" ص 490 - 491.
9 - باب الاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ
.
وَيُذْكَرُ أَن أقوَامًا اختَلَفُوا فِي الأَذَانِ فَأقْرَعَ بَينَهُمْ سَعْدٌ.
615 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ -مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا"[654، 721، 3689 - مسلم: 437 - فتح: 2/ 96].
ذكر فيه أثرا وحديثا.
أما الأثر فقال: وَيُذْكَرُ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الأَذَانِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ.
وهذا أخرجه البيهقي من حديث أبي عبيد، ثنا هشيم، أنا ابن شبرمة قال: تشاح الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد، فأقرع بينهم
(1)
، وذكر الطبري أن ذلك كان في صلاة الظهر
(2)
.
وأما الحديث فهو حديث أبي هريرة: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ" إلى آخره.
وذكره في التهجير إلى الصلاة أيضًا كما سيأتي
(3)
، وفي الشهادات
(4)
.
وخرجه مسلم أيضًا
(5)
، والمراد بالنداء: الأذان، والاستهام: الاقتراع، وفي "مجمع الغرائب" للفارسي معنى قوله: لاقترعتم عليه:
(1)
"سنن البيهقي الكبرى" 1/ 429.
(2)
"تاريخ الطبرى" 2/ 425.
(3)
سيأتي برقم (653) كتاب: الأذان، باب: فضل التهجير إلى الظهر.
(4)
يأتي برقم (2689) باب: القرعة في المشكلات.
(5)
مسلم (437).
لتنافستم في الابتكار إليه حتى يؤدي إلى الاقتراع، فلا يمكن أحد من الوقوف فيه إلا من خرجت القرعة باسمه، وقوله:"إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" أي: لو علموا قدر فضله وعظيم جزائه، ثم لم يجدوا طريقًا يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان كما في المغرب، أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد، وقد نحا الداودي إلى هذا الاستهام في أذان الجمعة.
وقوله: "والصف الأول" أي: لو يعلمون ما في الفضيلة فيه لجاءوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم لم يسمح بعضهم لبعض به لاقترعوا عليه.
والصف الأول ما يلي الإمام، ولو وقع فيه حائل خلافًا لمالك، وأبعد من قال أنه المبكر، حكاه القرطبي
(1)
، وفضل الصف الأول باستماع القراءة والتكبير عقب تكبيرة الإمام، والتأمين معه. ورُوي من حديث ابن عباس رفعه:"من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذي مسلمًا أضعف الله له الأجر"
(2)
، واختُلف في الضمير الذي في قوله:"إلا أن يستهموا عليه لاستهموا"، فقال ابن عبد البر: يعود على الصف الأول لقربه
(3)
، وقيل: يعود على معنى الكلام المتقدم؛ لأنه مذكور، ومثله قوله تعالى:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] أي: ومن يفعل المذكور، ورجح لئلا يبقى النداء لا ذكر له.
(1)
"المفهم" 2/ 64.
(2)
رواه ابن حبان في "المجروحين" 3/ 48 - 49، والطبراني في "الأوسط" 1/ 171 (537)، والرافعي في "التدوين" 2/ 20 من طريق نوح بن أبي مريم، عن زيد العمى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا به. والحديث أورده الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (3268) وقال: موضوع.
(3)
"التمهيد" 22/ 14.
وقوله: "ولو يعلمون ما في التهجير" أي: التبكير إلى أي صلاة كانت، وخصه الخليل بالجمعة والظهر؛ لأنها التي تقع وقت الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار.
وقوله: "ولو حبوا": هو بإسكان الباء وفيه: الحث العظيم على حضور جماعة هاتين الصلاتين؛ لما فيهما من المشقة، وهما أثقل الصلاة على المنافقين
(1)
.
وسلف الكلام على العتمة في بابها
(2)
، وفيه: دلالة لمشروعية القرعة
(3)
.
(1)
هذا حديث سيأتي برقم (657) باب: فضل العشاء في الجماعة، ورواه مسلم (651/ 252) من حديث أبي هريرة.
(2)
راجع حديث (564).
(3)
في هامش الأصل تعليق نصه: آخر 7 من 3 من تجزئة المصنف.
10 - باب الكَلَامِ فِي الأَذَانِ
.
وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ. وَقَالَ الحَسَنُ: لَا بَأسَ أَنْ يَضْحَكَ وَهْوَ يُؤَذِّنُ أَوْ يقيمُ.
616 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَدْغٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ: حَى عَلَى الصَّلَاةِ. فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ. فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ [668، 901 - مسلم: 699 - فتح: 2/ 97].
وَتَكَلَّمَ سُلَيمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أذَانِهِ.
هذا أخرجه ابن أبي شيبة من حديث موسى بن عبد الله بن يزيد، أن سليمان بن صرد -وكانت له صحبة
(1)
- كان يؤذن في العسكر فكان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه. قال: وحدثنا ابن علية قال: سألت يونس عن الكلام في الأذان والإقامة فقال: حدثني عبيد الله بن غلاب
(2)
، عن الحسن: لم يكن يرى بذلك بأسًا
(3)
. وعن عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: لا بأس به وعن غندر عن أشعث، عن الحسن: لا بأس أن يتكلم الرجل في إقامته
(4)
.
(1)
تقدمت ترجمته في حديث (254).
(2)
وقع في "المصنف" علان، ولعله تصحيف في الأصل، أو خطأ في المطبوع، قال ابن حبان في "الثقات" 7/ 146: عبيد الله بن غلاب، يروي عن الحسن، روى عنه يونس بن عبيد، وعبد الله التوأم بن يحيى.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 192 (2198 - 2199).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 193 (2210 - 2211).
وعن حجاج وقتادة، وعطاء، وعروة مثل ذلك
(1)
، وكرهه محمد بن سيرين والشعبي، وإبراهيم
(2)
، وعن الزهري: إذا تكلم في إقامته يعيد، وكرهه إبراهيم أيضًا في رواية
(3)
.
ثم قال البخاري: وقال الحسن: لا بأس أن يضحك وهو يؤذن أو يقيم. وهذا قد علمته آنفًا عنه في الكلام لا في الضحك.
ثم ساق البخاري من حديث عبد الله بن الحارث: قَالَ: خَطَبَنَا ابن عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَدْغٍ، فَلَمَّا بَلَغَ المُؤَذِّنُ: حَى عَلَى الصَّلَاةِ. فَأمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ. فَنَظَرَ القَوْمُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ، فَقَالَ: فَعَل هذا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها: هذا الحديث، ذكره البخاري في مواضع أخر في باب: هل يصلي الإمام بمن حضر
(4)
؟ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر في الجمعة والرخصة إذا لم يحضر الجمعة في المطر
(5)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(6)
ولفظ البخاري في الباب الأخير، قال ابن عباس لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلتُ: أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا ذلك، فقال: فعله من هو خير مني. الحديث.
(1)
السابق 1/ 192 - 193 (2200 - 2203).
(2)
السابق 1/ 193 (2204 - 2207).
(3)
السابق 1/ 193 (2208 - 2209).
(4)
سيأتي برقم (668).
(5)
سيأتي برقم (901) كتاب الجمعة.
(6)
مسلم (699) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الصلاة في الرحال في المطر.
وعند الطبراني -بإسناد صحيح- عن نعيم بن النحام
(1)
قال: أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فيها برد، وأنا تحت لحافي، فتمنيت أن يلقي الله على لسانه ولا حرج
(2)
، فلما فرغ قال: ولا حرج، وعند البيهقي. فلما قال:
(1)
هو نعيم بن عبد الله بن أسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب القرشي العدوي. وإنما سمي النحام؛ لأن النبي قال: دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم فيها. والنحمة: السعلة، وقيل: النحنحة الممدود آخرها، فبقي عليه، أسلم قديمًا، قيل أسلم بعد عشرة أنفس.
انظر تمام ترجمته في: "معجم الصحابة" لابن قانع 3/ 152 - 153 (1125)، "المستدرك" 3/ 259، "معرفة الصحابة" 5/ 2666 (2869)، "الاستيعاب" 4/ 69 (2657)، "أسد الغابة" 5/ 346 (5269)، "الإصابة" 3/ 567 (8776).
(2)
لم أجده في المعاجم الثلاثة للطبراني، ويبدو أنه في "الكبير" وأحاديث نعيم بن النحام من المفقود من "المعجم الكبير" والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" 2/ 47 من طريقين.
والحديث رواه عبد الرزاق في "المصنف" 1/ 501 (1926)، وعنه أحمد 4/ 220 عن معمر، عن عبيد الله بن عمر، عن شيخ سماه، عن نعيم بن النحام به.
قال الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" 5/ 305: في إسناده مجهول، وقال الهيثمي 2/ 47: رواه أحمد، وفيه: رجل لم يسم، وقال الألباني في "الإرواء" 2/ 342: رجاله ثقات غير الشيخ الذي لم يسمه، وقال في "الثمر" 1/ 135: سند رجاله رجال الستة غير الشيخ الذي لم يسم. ورواه عبد الرزاق (1927) ومن طريقه الحاكم 3/ 259 من طريق ابن جريج، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن نعيم به.
ورواه ابن قانع 3/ 153 من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن عمر بن نافع وعبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن نعيم به.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 98 - 99: أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح.
ورواه أحمد 4/ 220، والطبراني في "الكبير" كما في "المجمع" 2/ 47 من طريق إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن نعيم به قال الهيثمي رواه إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، =
الصلاة خير من النوم، قال: ومن قعد فلا حرج
(1)
.
ثانيها: الردغ: براء ثم دال مهملتين، ثم غين معجمة، كذا روايتنا، وحكى أبو موسى وابن الأثير سكون الدال وفتحها طين ووحل
(2)
.
ورُوي بالزاي بدل الدال. مفتوحة وساكنة
(3)
، والصواب: الفتح؛ لأنه الاسم. قال ابن التين: وروايتنا بفتح الزاي وهو في اللغة بالسكون، والرزغ: المطر الذي يبل وجه الأرض، وفي كتاب: رزغة؛ الرزغة بالزاي: أشد من الردغة، وقيل: بالعكس، وقال أبو عبيد: الرزغ: الطين والرطوبة
(4)
.
= وروايته عن أهل الحجاز مردودة. ورواه الطبراني من طريق آخر رجالها رجال الصحيح. وقال الحافظ في "الإصابة" 3/ 568: رواية إسماعيل عن المدنيين ضعيفة، وقال الألباني في "الإرواء" 2/ 342: هذا إسناد رجاله ثقات، لولا أن إسماعيل بن عياش قد ضعفه في روايته عن الحجازي.
ورواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 164 (759)، وابن قانع 3/ 152 - 153، والبيهقي 1/ 398 و 1/ 422 من طريق الأوزاعي، وابن أبي عاصم (760)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2666 - 2667 (6389) من طريق سليمان بن بلال كلاهما، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن نعيم به.
قال الحافظ ابن رجب 5/ 306: رواية سليمان بن بلال، عن يحيى أصح من رواية إسماعيل بن عياش.
(1)
"السنن الكبرى" 1/ 398.
(2)
"النهاية" 2/ 215.
(3)
قال الحافظ في "الفتح" 2/ 98: قوله (في يوم رزغ) بفتح الراء وسكون الزاي، بعدها غين معجمة، كذا للأكثر هنا، ولابن السكن والكشميهني وأبي الوقت، بالدال المهملة بدل الزاي. اهـ.
وانظر: "اليونينية" 1/ 126. وقال النووي في "شرح مسلم" 5/ 207 - 208: رواه بعض رواة مسلم رزغ بالزاي بدل الدال بفتحها وإسكانها. وهو الصحيح.
(4)
"غريب الحديث" 2/ 270.
وفي "الجمهرة": الرزغة مثل الردغة، وهو الطين القليل من مطر أو غيره
(1)
، وقاله ابن الأعرابي، وقال الداودي: الرزغ: الغيم البارد. وفي "الصحاح": الرزغة بالتحريك: الوحل، وكذلك الردغة بالتحريك
(2)
.
وكذا ذكره في "المنتهى"، وهو وارد على قول ابن التين السالف أنه في اللغة بالسكون. قال أبو موسى: وقد يقال: ارتدع بالعين المهملة: تلطخ، والصحيح الأول.
ثالثها: وجه ذى البخاري هذا الحديث هنا أن فيه الصلاة في الرحال، وهو كلام غير الأذان، نعم يستحب ذلك في ليلة مطر أو ريح أو ظلمة أن يقول ذلك عقب الأذان، ولو قاله بعد حيعلته جاز.
ونص الشافعي عليه في " الأم"، لكن قوله بعده أحسن؛ ليبقى الأذان على نظمه
(3)
.
ومن أصحابنا من قال: لا يقوله إلا بعد الفراغ
(4)
، وهو ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس، ولا منافاة بينه وبين حديث ابن عمر
(5)
؛ لأن هذا جرى في وقت وذلك في وقت، وكلاهما صحيح، بل ظاهر حديث ابن عباس أنه يقولهما بدل الحيعلتين، وبه قال بعض المتأخرين.
وأغرب إمام الحرمين حيث استبعد الإتيان بهذِه اللفظة في أثناء الأذان، وقال: تغييره من غير ثبت مستبعد، وقد علمت أنت الثبت، وأن ظاهره: حذف الحيعلتين، ويقولهما بدلهما.
(1)
"الجمهرة" لابن دريد 2/ 705.
(2)
"الصحاح" 4/ 1318 - 1319.
(3)
"الأم" 1/ 76.
(4)
"المجموع" 3/ 125.
(5)
سيأتي برقم (632)
وقال القرطبي: استدل بالحديث من أجاز الكلام في الأذان وهم: أحمد والحسن وعروة، وعطاء، وقتادة، وعبد العزيز ابن أبى سلمة، وابن أبي حازم من المالكية، ولا حجة فيه لما في حديث ابن عمر الآتي بعد من عند البخاري فقال في آخر الأذان: ألا صلوا في الرحال
(1)
.
وحديث ابن عمر إن لم يكن ظاهرًا في ذكره له بعد الأذان؛ إذ يحتمل أن يكون في آخره قبل الفراغ، فلا أقل من أن يكون محتملًا.
وقد روى ابن عدي في "كامله" من حديث أبي هريرة ما هو صريح في ذكره له بعد فراغ الأذان
(2)
.
ثم إن حديث ابن عباس لم يسلك فيه مسلك الأذان. ألا تراه قال: فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، وإنما أراد إشعار الناس بالتخفيف عنهم؛ للعذر كما فعل في التثويب للأمراء، وقد كره الكلام في الأذان مالك وأبو حنيفة، والشافعي، وعامة الفقهاء
(3)
، وعن أحمد: إباحته في الأذان دون الإقامة، وأبطل الزهري الإقامة به، وعن الكوفيين أنه إذا تكلم في أذانه يجزئه ويبني، وهذا الحديث دال عليه، حجة على من خالف.
رابعها: الرحال: المنازل والدور والمساكن، وهي جمع رحل، وسواء كانت من حجر ومدر وخشب، أو شعر وصوف ووبر وغيرها.
(1)
سيأتي برقم (632).
(2)
"الكامل في ضعفاء الرجال" 7/ 339. وأورده الحافظ العراقي في "طرح التثريب" 1/ 319 ولم يتكلم على إسناده بشيء.
(3)
"المفهم" 2/ 388 - 339 بتصرف.
خامسها: قوله: (قد فعل هذا من هو خيرمنه) قد جاء في بعض طرقه يعني: النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
(2)
، والعزمة بإسكان الزاي أي: حق وواجب وأبعد بعض المالكية حيث قال: أن الجمعة ليست بفرض، وإنما الفرض الظهر أو ما ينوب مقامه، والجماعة على خلافه، نبه عليه ابن التين في باب الجمعة.
قال: وحكى ابن أبي صفرة عن "موطأ ابن وهب" عن مالك أن الجمعة سنة
(3)
قال: ولعله يريد في السفر، ولا يُعتدُّ به. والضمير في قوله: وإنها عزمة: جاء في بعض طرقه مقتصرًا أن الجمعة عزمة.
وقوله: (خطبنا) دال عليه.
ومن فوائد الحديث: تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار، وإنها متأكدة إذا لم يكن عذر، وإنكار الجماعة يقتضي أن يكون قال ذلك في صلب الأذان، فلو قاله بعده لم يكن فيه ذلك الإنكار، وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة عند العود إلى هذا الحديث في موضعه إن شاء الله تعالى.
(1)
يأتي برقم (668).
(2)
"الأصل" 1/ 132، "النوادر والزيادات" 1/ 168، "الأم" 1/ 74، "روضة الطالبين" 1/ 2003.
(3)
انظر "الاستذكار" 1/ 56 - 57.
11 - باب أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبُرهُ
.
617 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِىَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ". ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ [620، 623، 1918، 2656، 7248 - مسلم: 1092 - فتح: 2/ 99]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عن مَالِكٍ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَى يُنَادِيَ ابن أُمَّ مَكْتُومٍ". ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها: هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع منها: الشهادات في باب: شهادة الأعمى
(1)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
، قال ابن منده: رواه القعنبي عن مالك
(3)
، والصحيح عنه إرساله يعني: بإسقاط ابن عمر، وصوب الدارقطني اتصاله
(4)
.
قال الترمذي: وفي الباب عن ابن مسعود، وعائشة، وأنيسة، وأنس، وأبي ذر، وسمرة
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (2656).
(2)
مسلم برقم (1092) كتاب: الصيام، باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر.
(3)
هكذا رواه أبو مصعب عن مالك في "الموطأ" 1/ 79 (202)، و 1/ 299 (769)، ويحيى بن يحيى، عن مالك في "الموطأ" ص 69.
(4)
الأحاديث التي "خولف فيها مالك" للدارقطني (12)، وانظر:"التمهيد" 10/ 55 - 57.
(5)
"سنن الترمذي" 1/ 393 بعد حديث (203). =
ثانيها: قوله: قال: (وكان رجلًا أعمى
…
) إلى آخره، هذا القائل ذكر البيهقي أنه من قول ابن شهاب
(1)
.
وقال الخطيب في كتاب "الفصل للوصل" جعلها بعضهم من قول ابن شهاب وآخر من قول سالم
(2)
.
وفي "الجمع" للحميدي: رواه عبد العزيز بن أبي سلمة عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه وكان ابن أم مكتوم إلى آخره. قال: ومن حديث مالك عن الزهري نحوه
(3)
، وصرح صاحب "المغني" بأنه من قول ابن عمر، وقال في آخره: رواه البخاري
(4)
.
= وانظر: في تخريج بعض هذِه الأحاديث، "البدر المنير" 3/ 200 - 203، "إرواء الغليل"(219) وسيورد المصنف بعضها قريبًا.
(1)
"السنن الكبرى" 1/ 380، "معرفة السنن والآثار" 2/ 209.
(2)
"الفصل للوصل" 1/ 319 - 320.
(3)
"الجمع بين الصحيحين" 2/ 139.
(4)
المغني 69/ 2. (ط. هجر)، و 1/ 414. (ط. مكتبة الرياض الحديثة). وصورة الكلام فيهما هكذا: قال ابن عمرو: كان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت، رواه البخاري! وهو عجيب وأعجب من ذلك تعليق محقق الطبعة الأولى في الهامش قائلًا: أبي عبد الله بن عمرو بن العاص!! فمن أين أتى بعبد الله بن عمرو بن العاص، والحديث حديث ابن عمر، هذا مع العلم أن مخطوط أو أصول كتاب "المغني" ليس فيها خطأ، وإنما الخطأ من فهم الكلام والذي ترتب عليه الخطأ في وضع علامة الترقيم، فالكلام ينبغي أن يكون هكذا: قال ابن عمر: وكان رجلًا أعمى .. فقاموا بتقديم الواو على النقطتين، ظنًّا منهم أنه ابن عمرو، والحديث في البخاري وغيره بإضافة حرف الواو إلى كان، هكذا: وكان رجلًا أعمى
…
هذا والله أعلم.
هذا وقد صرح الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" 10/ 63 بأنه من قول ابن شهاب الزهري. قال الحافظ في "الفتح" 2/ 150: ظاهره أن فاعل قال، هو ابن عمر
…
إلخ كلامه. وانظر: "فتح الباري" لابن رجب 5/ 308 - 309.
ثالثها: معنى أصبحت أي: دخلت في حكم الصباح، وإن كان يحتمل قاربت الصباح، وستعلم ذلك في آخر الباب.
رابعها: فيه من الفقه ما ترجم له، وهو جواز أذان الأعمى، إذا كان له من يخبره، وإن كان الطحاوي روى من حديث أنس مرفوعًا:"لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره شيئًا"
(1)
. قال: فأخبر أنه كان يؤذن بطلوع ما يرى أنه الفجر وليس في الحقيقة بفجر قال: ولما ثبت بينهما من القرب بمقدار ما يصعد هذا وينزل هذا ثبت أنهما كانا يقصدان وقتًا واحدًا، وهو طلوع الفجر، فيخطئه بلال لما يبصره، ويصيبه ابن أم مكتوم؛ لأنه لم يكن يؤذن حتى تقول له الجماعة: أصبحت أصبحت وأذانه صحيح عندنا. وعند مالك وأحمد وأبي حنيفة
(2)
، ونقل النووي عن أبي حنيفة وداود عدم الصحة، وهو غريب عن أبي حنيفة، نعم في "المحيط"
(3)
يكره، قال أصحابنا: ولا كراهة في أذانه إذا كان معه بصير كابن أم مكتوم مع بلال، فإن لم يكن معه بصير كره خوف غلطه، وممن كره أذانه ابن مسعود وابن الزبير. وابن عباس كره إقامته، ورُوي أن مؤذن النخعي كان أعمى
(4)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 140. ورواه أيضًا أحمد 3/ 140، والبزار كما في "كشف الأستار" (982)، وأبو يعلى 5/ 297 (2917).
قال الهيثمي 3/ 153: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
وقال الألباني في "الإرواء" 1/ 238: إسناده صحيح إن كان قتادة سمعه من أنس، فإنه موصوم بالتدليس وقد عنعنعه.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 167.
(3)
انظر: "البناية" 2/ 108.
(4)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 1/ 197 (2252 - 2254، 2256) ورواه البيهقي أيضًا 1/ 427 عن ابن الزبير.
وحمل البيهقي ما رُوي عن ابن مسعود على كراهة الانفراد
(1)
، واستنبط منه البخاري والمهلب جواز شهادة الأعمى على الصوت
(2)
؛ لأنه يميز صوت من علم الوقت ممن يثق به مقام أذانه على قبوله مقام شهادة المخبر له، ومنعه أبو حنيفة فيما حكاه ابن التين.
وفيه أيضًا أحكام أخر:
الأول: جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة يستدل بذلك لما يحتاج إليه.
الثاني: نسبة الرجل إلى أنه إذا كان معروفًا بذلك، واسمه: عمرو أو عبد الله
(3)
.
الثالث: تكنية المرأة؛ لقوله عليه السلام: ابن أم مكتوم واسمها: عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم.
الرابع: جواز تكرير اللفظ؛ للتأكيد؛ لقوله: أصبحت أصبحت.
الخامس: جواز الأذان قبل الفجر، وعندنا فيه أوجه، أصحها: آخر الليل كما أوضحناه في كتب الفروع، ونقل في "المحلى" عن جماعة كراهة الأذان قبل الفجر، منهم: الحسن وإبراهيم، ونافع، والأسود، والشعبي، وسمع علقمة مؤذنًا بليل فقال: لقد خالف هذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لو نام على فراشه لكان خيرًا له.
(1)
"السنن الكبرى" 1/ 427.
(2)
يشير المصنف رحمه الله إلى أن البخارى بوب في كتاب: الشهادات، قال: باب: شهادة الأعمى وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته وقبوله في التأذين وغيره، وما يعرف بالأصوات.
(3)
انظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" 4/ 205 (4005)، "الاستيعاب" 3/ 103 (1656)"أسد الغابة" 4/ 263 (4005)"تهذيب الكمال" 22/ 26 (4367)، "سير أعلام النبلاء" 1/ 360 (77)، "الإصابة" 2/ 523 (5764).
قال ابن حزم: والأذان الذي كان في زمنه عليه السلام كان أذان سحور لا أذان صلاة، وعنده أنه لا يجوز أن يؤذن لها، قبل المقدار الذي ورد: ينزل هذا
(1)
ويرقى هذا.
وأغرب القرطبي فنقل عن الجمهور أن أذان بلال هو أذان الفجر، وأن أبا حنيفة والثوري قالا: إن فائدته التأهب، ولابد من أذان عند الفجر
(2)
.
فرع: لو أراد الاقتصار على أذان واحد للصبح فالأفضل ما بعده كما هو المعهود في سائر الصلوات، ولو لم يوجد إلا واحد أذن مرتين، فإن اقتصر على واحد فقال الإمام: يقتصر على ما بعده، وقال ابن الصباغ: على ما قبله.
فائدة: حديث أنيسة السالف أخرجه الإمام أحمد وابن خزيمة
(3)
، وابن حبان على عكس حديث ابن عمر السالف، وهو أنه عليه السلام قال:"إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال"
(4)
.
وروى ابن خزيمة في "صحيحه" من حديث عائشة مثلما قالت: كان بلال لا يؤذن حتى يطلع الفجر
(5)
.
(1)
"المحلى" 3/ 117 - 120 بتصرف.
(2)
"المفهم" 3/ 150.
(3)
ورد في هامش الأصل: من خط الشيخ في الهامش في روايته: وإن كانت المرأة منا ليبقى عليها من سحورها لتقول لبلال: أمهل حتى أفرغ من سحوري.
(4)
أحمد 6/ 433، ابن خزيمة 1/ 210 - 211 (405)، ابن حبان 8/ 252 (3474)، ورواه أيضًا النسائي 2/ 10 - 11، وابن سعد 8/ 364، والطحاوي 1/ 138، والطبراني 24 (480 - 482)، والبيهقي 1/ 382، والمزي في "تهذيب الكمال" 35/ 134 - 135 من طرق عن خبيب بن عبد الرحمن، عن عمته أنيسه بنت خبيب.
وانظر: "الإرواء" 1/ 237 - 238، "الثمر المستطاب" 1/ 138 - 139.
(5)
ابن خزيمة 1/ 211 (406). من طريق هشام بن عروة، عن أبيه عنها.
ويجمع بينهما بأنه يجوز أن يكون بينهما نوب، وهذا أولى من قول ابن الجوزي: كأنه مقلوب
(1)
.
خاتمة: أذان ابن أم مكتوم اختلف العلماء في تأويله كما ذكره ابن بطال، فقال ابن حبيب: ليس قوله: أصبحت أصبحت إفصاحًا بالصبح بمعنى أن الصبح انفجر وظهر، ولكن بمعنى: التحذير من طلوعه؛ خيفة انفجاره، ومثله قاله الأصيلي والداودي، وسائر المالكيين، وقالوا: معنى: أصبحت: قاربت الصباح، كما قال تعالى:{فَإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ} [البقرة: 234] أي: قاربن؛ لأن العدة إذا تصت فلا رجعة، ولو كان أذان ابن أم مكتوم بعد الفجر لم يجز أن يؤمر بالأكل إلى وقت أذانه؛ للإجماع أن الصيام واجب من أول الفجر.
وأما مذهب البخاري في هذا الحديث على ما ترجم به الباب، فأراد به: كان بعد طلوع الفجر. والحجة له قول: "إن بلالًا يؤذن بليل"، لو كان أذان ابن أم مكتوم قبل الفجر لم يكن لقوله: إن بلالًا ينادي بليل
(1)
قاله ابن الجوزي في "جامع المسانيد" كذا عزاه المصنف في "البدر المنير" 3/ 202.
وقال ابن خزيمة: خبر هشام بن عروة صحيح من جهة النقل، وليس هذا الخبر يضاد خبر سالم عن ابن عمر وخبر القاسم عن عائشة إذ جائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد كان جعل الأذان بالليل نوائب بين بلال وبين ابن أم مكتوم. فأمر في بعض الليالي بلالًا أن يؤذن أولًا بالليل، فإذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم، فأذن بعده بالنهار، فإذا جاءت نوبة ابن أم مكتوم، بدأ ابن أم مكتوم فأذن بليل، فإذا نزل صعد بلال فأذن بعده بالنهار، وكانت مقالته صلى الله عليه وسلم أن ابن أم مكتوم يؤذن بليل في الوقت الذي كانت النوبة في الأذان بالليل نوبة ابن أم مكتوم
…
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 212.
قال المصنف رحمه الله معقبًا على هذا الكلام: وهذا جائز صحيح. وإن لم يصح، فقد صح خبر ابن عمرو وابن مسعود وسمرة وعائشة أن بلالًا كان يؤذن بليل. اهـ. "البدر المنير" 3/ 202.
وجمع ابن حبان 8/ 252 - 253 بينهما بهذا الجمع فانظره.
معنى؛ لأن أذان ابن أم مكتوم كذلك هو في الليل، وإنما يصح الكلام أن يكون نداءه في غير الليل في وقت يحرم فيه الطعام والشراب اللذان كانا مباحين في وقت أذان بلال. وقد روي هذا المعنى نصًا في رواية البخاري في كتاب الصيام "إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن عمرو فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"
(1)
، وأذان عمرو
(2)
كان علامة لتحريم الأكل لا للتمادي فيه
(3)
.
أخرى: شرط الأذان الوقت ولا يجوز قبله، وهو إجماع في غير الصبح
(4)
، ومذهب أبي حنيفة في الصبح أيضًا
(5)
. وفي "سنن أبي داود" من حديث ابن عمر: أن بلالًا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي: إن العبد قد نام. أعله أبو داود بتفرد حماد
(6)
. قال ابن المديني: أخطأ فيه وهو غير محفوظ. وقال الشافعي: أهل الحديث لا يثبتونه، ولا تقوم بمثله حجة على الانفراد
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (1918) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال".
(2)
هو ابن أم مكتوم.
(3)
من "شرح ابن بطال" 2/ 248 - 249 بتصرف.
(4)
انظر "الإجماع" ص 42، "الأوسط" 3/ 29.
(5)
انظر "البناية" 2/ 125.
(6)
"سنن أبي داود"(532) ورواه أيضًا عبد بن حميد في "المنتخب"(780)، والطحاوي 1/ 139، والدارقطني 1/ 244، وابن حزم في "المحلى" 3/ 120، والبيهقي 1/ 383، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 307 (375)، وفي "العلل المتناهية"(661) من طريق حماد، عن أيوب، عن نافع عنه.
(7)
الحديث فيه اختلاف، قال الحافظ في "الفتح" 2/ 103: حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر موصولًا مرفوعًا ورجاله ثقات حفاظ، لكن اتفق أئمة الحديث: على ابن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري والذهلي وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني، =
قلت: وحديث الباب هو العمدة.
= علي أن حمادًا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب، وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حمادًا انفرد برفعه، ومع ذلك فقد وجد له متابع .. ولاستزداه ينظر:"علل ابن أبي حاتم" 1/ 114 (308)، "سنن الترمذي" 1/ 394 - 395، "سنن البيهقي" 1/ 383، "التحقيق" 1/ 308، "العلل" 1/ 396، "نصب الراية" 1/ 285 - 287، "الدراية" 1/ 119 - 120، "تلخيص الحبير" 1/ 179، والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(542).
12 - باب الأَذَانِ بَعْدَ الفَجْرِ
.
618 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ. [1173، 1181 - مسلم: 723 - فتح: 2/ 101]
619 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ [626، 994، 1123، 1159، 1160، 1161، 1168، 1169، 1170، 1171، 6310 - مسلم: 724 - فتح: 2/ 101].
620 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِىَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ". [انظر: 617 - مسلم: 1092 - فتح: 2/ 101]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها: حديث حفصة أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ المُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ.
كذا في النسخ الصحيحة اعتكف أي: اأنتصب قائمًا للأذان كأنه من ملازمة مراقبة الفجر
(1)
. وفي رواية: أذن بدل اعتكف
(2)
. وهي ظاهرة، وفي أخرى:(كان إذا اعتكف أذن المؤذن للصبح)
(3)
. وهي إخبار عن
(1)
قال الحافظ ابن رجب في "الفتح" 5/ 312: كذا في هذِه الرواية، ولعل المراد باعتكافه للصبح جلوسه للصبح ينظر طلوع الفجر وحبه نفسه لذلك.
وقال العيني في "عمدة القاري" 4/ 297: قال القابسي: معنى اعتكف هنا انتصب قائمًا للأذان، كأنه من ملازمة مراقبة الفجر.
(2)
ستأتي برقم (1181) كتاب: التهجد، باب: الركعتين قبل الظهر.
(3)
انظر: "اليونينية" 1/ 127.
حاله في اعتكافه فيه، فتؤول على تقدير صحتها بالانتظار، وليؤذن في أوله، والعكوف: الإقامة، فإذا طلع الفجر أذن، فحينئذٍ كان صلى الله عليه وسلم يركع الفجر، ويشهد لهذا رواية الجماعة عن مالك الآتية قريبًا، كان إذا سكت المؤذن صلى ركعتين خفيفتين
(1)
؛ فدل أن ركوعه كان متصلًا بأذانه، ولا يجوز أن يكون ركوعه إلا بعد الفجر؛ فلذلك كان الأذان بعد الفجر.
وعلى هذا المعنى حمله البخاري وترجم عليه، وأردفه بحديث عائشة، كان يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح؛ ليدل أن هذا النداء كان بعد الفجر، فمن أنكر هذا لزمه أن يقول أن صلاة الصبح لم يكن يؤذن لها بعد الفجر، وهذا غير سائغ من القول
(2)
.
(1)
هذا الحديث لم يخرجه البخاري هكذا، وأما ما سيأتى بهذا اللفظ فهو من حديث عائشة (626) وليس في إسناده مالك، وحديث مالك سيأتي (1170) من حديث عائشة أيضًا، بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي، إذا سمع النداء بالصبح، ركعتين خفيفتين.
أما حديث الباب الذي رواه مالك بهذا اللفظ، فرواه عنه يحيى بن يحيى في "الموطأ" ص 98، وعن يحيى عنه، رواه مسلم (723/ 87)، والنسائي 3/ 255 عن محمد بن سلمة، عن ابن القاسم، عن مالك به، وأحمد 6/ 284 عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك به.
(2)
قال الحافظ: قال الزين بن المنير: قَدَّم المصنف ترجمة الأذان بعد الفجر على ترجمة الأذان قبل الفجر فخالف الترتيب الوجودي؛ لأن الأصل في الشرع أن لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، فَقَدَّم ترجمة الأصل على ما ندر عنه، وأشار ابن بطال 2/ 248 إلى الاعتراض على الترجمة بأنه لا خلاف فيه بين الأئمة، وإنما الخلاف في جوازه قبل الفجر، والذي يظهر لي أن مراد المصنف بالترجمتين أن يبين أن المعنى الذي كان يؤذن لأجله قبل الفجر غير المعنى الذي كان يؤذن لأجله بعد الفجر وأن الأذان قبل الفجر لا يكتفي به عن الأذان بعده، وأن أذان ابن أم مكتوم لم يكن يقع قبل الفجر. والله أعلم. اهـ. "الفتح" 2/ 101.
الحديث الثاني: حديث عائشة: كَانَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ.
هذا الحديث ظاهر فيما ترجم له.
وكذا الحديث الثالث: "إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ" وقد سلف
(1)
.
(1)
سلف برقم (617) الباب السابق.
13 - باب الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ
.
621 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ -أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ- أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ -أَوْ يُنَادِي- بِلَيْلٍ؛ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوِ الصُّبْحُ". وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ "حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا". وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الأُخْرَى، ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. [5298، 7247 - مسلم: 1093 - فتح: 2/ 103]
622، 623 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: عُبَيْدُ اللهِ حَدَّثَنَا، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ.
وَحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ".
622 -
[1919 - مسلم: 1092 - فتح 2/ 104]
623 -
[انظر 617 - مسلم: 1092 - فتح: 2/ 104]
ذكر فيه حديث ابن مسعود، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ -أَوْ أحَدًا مِنْكُمْ- أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ -أَوْ يُنَادِي- بِلَيْلٍ؛ ليَرْجعَ قَائِمَكُمْ وَليُنبِّهَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الفَجْرُ أَوِ الصُّبْحُ".
- وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إلى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إلى أَسْفَلُ "حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا". وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الأُخْرى، ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في باب: الإشارة في الطلاق والأمور أيضًا، وأظهر يزيد بن زريع يديه ثم مد إحداهما من
الأخرى
(1)
، وفي باب إجازة خبر الواحد:"وليس الفجر أن يقول هكذا"، وجمع يحيى أحد رواته كفيه حتى يقول هكذا: ومد يحيى إصبعيه السبابتين
(2)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
قال ابن منده: وإسناده مجمع على صحته، وفي مسلم من حديث سمرة مرفوعًا "لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا"، وحكاه حماد بن زيد بيده، قال: يعني معترضًا
(4)
.
وقوله: "لا يمنعن أحدكم أو أحد منكم" هذا الشك من زهير أحد رواته، فإن جماعة رووه عن سليمان التيمي فقال:"لا يمنعن أحدكم أذان بلال"، وصرح به الإسماعيلي.
وقوله: "قائمكم": هو منصوب مفعول يرجع، أي: يعلمكم أن الفجر ليس ببعيد، فيرد المجتهد إلى راحته لينام فينشط أو يوتر إن لم يكن أوتر، أو يتأهب إلى الصبح، وإن احتاج إلى الطهارة أو نحو ذلك من مصالحه المترتبة على علمه بقرب الصبح.
وقوله: "لينبه نائمكم"، أي: ليتأهب للصبح أيضًا.
وقوله: "ليس الفجر"، وقال بأصابعه على اختلاف الألفاظ التي سقناها يريد أن الفجر فجران، كاذب: لا يتعلق به حكم، وهو الذي بينه وأشار إليه أنه يطلع في السماء، ثم يرتفع طرفه الأعلى وينخفض
(1)
سيأتي برقم (5298) كتاب: الطلاق.
(2)
سيأتي برقم (7247) كتاب: أخبار الآحاد.
(3)
مسلم برقم (1093) كتاب: الصيام، باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر.
(4)
مسلم برقم (1094) كتاب: الصيام، باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر.
طرفه الأسفل، وهو المستطيل، وصادق: وهو الذي يتعلق به الأحكام، وهو الذي أشار بسبابتيه واضعًا إحداهما على الأخرى، ثم مدهما عن يمينه ويساره، وهذا إشارة إلى أنه يطلع معترضًا، ثم يعم الأفق ذاهبًا فيه عرضًا في ذيل السماء، ويستطير، أي: ينتشر بريقه. وأحكام الحديث سلفت فيما مضى، وفيه أن الإشارة نحو من اللفظ. وقال المهلب: فيه أن الإشارة تكون أقوى من الكلام.
ثم ساق البخاري عن إسحاق، أنا أبو أسامة، فذكر حديث عائشة وابن عمر، ولم يسق لفظهما، ثم ذكر حديث عائشة:"إن بلالًا يؤذن بليل" الحديث. وسيأتي في الصوم
(1)
، والشهادات
(2)
أيضًا، وأخرجه مسلم
(3)
.
قال الجياني: وإسحاق هذا يحتمل أن يكون الحنظلي أو ابن منصور، أو ابن نصر السعدي
(4)
، فإن البخاري يروي عنهم أيضًا في مواضع متفرقة، وجزم المزي في "أطرافه" بالأول
(5)
، وبخط الدمياطي في "صحيح البخاري": ثنا إسحاق الواسطي. وفي حاشيةٍ: إذا كان الواسطي فهو ابن شاهين
(6)
.
(1)
سيأتي برقمي (1918 - 1919) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعنكم في سحوركم أذان بلال". من حديثهما.
(2)
سيأتي برقم (2656) باب: شهادة الأعمى. ولكن من حديث ابن عمر وحده.
(3)
مسلم (1092).
(4)
"تقييد المهمل" 3/ 973 - 974.
(5)
"تحفة الأشراف" 12/ 281.
(6)
قال الحافظ في "هدي الساري" ص 226: جزم المزي في "الأطراف" أنه إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي، وفيه نظر! =
14 - باب كَمْ بَين الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَن يَنتَظِرُ الإِقامَةَ
؟
624 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِد، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ - ثَلَاثًا - لِمَنْ شَاءَ". [627 - مسلم: 838 - فتح: 2/ 106]
625 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الأَنْصَارِيَّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ
= وقال في "الفتح" 2/ 105: قوله: (حدثني إسحاق) لم أره منسوبًا، وتردد فيه الجياني، وهو عندى ابن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهوية كما جزم به المزى ويدل عليه تعبيره بقوله: أخبرنا، فإنه لا يقول قط حدثنا، بخلاف إسحاق بن منصور وإسحاق بن نصر، وأما ما وقع بخط الدمياطي أنه الواسطي، ثم فسره بأنه ابن شاهين فليس بصواب؛ لأنه لا يعرف له عن أبي أسامة شيء؛ لأن أبا أسامة كوفي وليس في شيوخ ابن شاهين أحد من أهل الكوفة. اهـ. هكذا جزم هنا بما جزم به المزي أنه ابن راهويه!
وقال العيني في "عمدة القاري" 4/ 301: زعم الجياني أن إسحاق عن أبي أسامة يحتمل أن يكون إسحاق بن إبراهيم، أو إسحاق بن منصور، أو إسحاق بن نصر، وزعم الحافظ المزي أنه إسحاق بن إبراهيم، ويوجد بخط الحافظ الدمياطي على حاشيته الصحيح أن إسحاق هذا هو ابن شاهين الواسطي. اهـ.
قلت: هكذا أورد أقوالهم ولم يرجح أحدها.
ثم قال متعقبًا الحافظ: وقال بعضهم: أما ما وقع بخط الدمياطي بأنه ابن شاهين فليس بصواب؛ لأنه لا يعرف له عن أبي أسامة شيء. قلت [أي: العيني]: عدم معرفته بعدم رواية ابن شاهين عن أبي أسامة لا يستلزم العدم مطلقًا، وجهل الشخص شيء لا يستلزم جهل غيره به. فإن قلت: هذا الالتباس قدح في الإسناد.
قلت: لا، لأن أيًّا كان منهم، فهو عدل ضابط بشرط البخاري. اهـ.
قلت: ثم راجعت "انتقاض الاعتراض" للحافظ وهو كتاب صنفه للرد على ما تعقبه العيني عليه في "شرح البخاري"، فلم أجد فيه ردًا على العيني! والله أعلم.
الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ شَيْءٌ. قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ قَلِيلٌ. [انظر: 503 - مسلم: 837 - فتح: 2/ 106]
ذُكر فيه حديثين:
أحدهما: حديث بحمد الله بن مغفل المزني أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ -ثَلَاثًا- لِمَنْ شَاءَ".
وهذا الحديث ذكره البخاري في موضعين آخرين من الصلاة كما ستعلمه وفي الاعتصام
(1)
.
وأخرجه مسلم وباقي الجماعة
(2)
، والمراد بالأذانين: الأذان والإقامة، وهي أيضًا إعلام أو هو من باب التغليب كالأبوين والعمرين والقمرين.
الحديث الثاني: حديث غندر، عن شُعْبَةُ، عن عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ المُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،
(1)
سيأتي برقم (627) باب: بين كل أذانين صلاة لمن شاء.
قلت: وهذا هو الموضع الثاني الوحيد الذي أورده البخاري فيه! وكذلك ولم يعزه العيني في "العمدة" 4/ 304 إلا إلى هذا الموضع الثاني، وقصته معروفة في كتابه هذا مع المصنف.
ومن المحتمل أن يكون المصنف يقصد الحديث الآتي برقم (1183) من طريق عبد الوارث عن الحسين، عن عبد الله بن بريدة. قال: حدثني عبد الله المزني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا قبل صلاة المغرب. قال في الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة. أبواب التهجد، باب: الصلاة قبل المغرب.
وسيأتي أيضًا في كتاب: الاعتصام، باب: نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم إلا ما تعرف إباحته (7368).
(2)
مسلم (838) كتاب: صلاة المسافرين، باب: بين كل أذانين صلاة، أبو داود (1283)، الترمذي (185)، النسائي 2/ 28، ابن ماجه (1162).
يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِىَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ شَيْءٌ. ثم قال البخارى تابعه عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ قَلِيلٌ.
وأبو داود: هو الحفري عمر بن سعد، وأخرجه النسائي من حديث أبي عامر عن سفيان، عن عمرو
(1)
.
قال ابن عساكر: قد رويا عنه، أعني: شعبة وسفيان، وأخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن عمر، عن شعبة، وفي روايته: قام كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدروا السواري. وفيه: وكان بين الأذان والإقامة قريب.
وفي مسلم نحوه من حديث عبد الوارث
(2)
. والمختار بن فلفل
(3)
، وقد سلف في باب: الصلاة إلى الأسطوانة من حديث قبيصة، عن سفيان، عن عمرو بن عامر، عن أنس قال: لقد رأيت كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب
(4)
.
قال الداودي: حديث أنس مفسر بحديث ابن مغفل، ولولا ذلك لاحتمل أن يقال: بين أذان الظهر وأذان العصر أو غيرهما من الصلوات.
قلتُ: ولا منع من حمله على ذلك، ومعنى الابتدار: الإسراع، وفيه: الصلاة إلى السوارى استتارًا بها من المار، وقد سلف في موضعه.
وقوله: ولم يكن بينهما شيء: يعني: شيئًا كثيرًا بدليل الرواية
(1)
النسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف"(1112). وهو في "المجتبى" 2/ 28 - 29، وفي "الكبرى" 1/ 511 (1646) من طريق البخاري.
(2)
مسلم (837) في صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب.
(3)
مسلم (836).
(4)
سيأتي برقم (503) كتاب: الصلاة.
السالفة والأخرى، وكان بينهما قريب، وترجمة البخاري: كم بين الأذان والإقامة، لا حد فيه أكثر من اجتماع الناس، ولكن دخول الوقت، وفي "صحيح الحاكم" -وقال: على شرط الشيخين- من حديث علي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في المسجد حتى تقام الصلاة فإذا رآهم قليلًا جلس وإذا رآهم جماعة صلى
(1)
(2)
.
وفيه من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال: إذا أذنت فترسل، أذا أقمت فاحدر واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه، والمحتصر إذا دخل لقضاء الحاجة، ثم قال: هذا حديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فايد والباقون شيوخ البصرة، وهذِه سنة غريبة ولا أعرف لها إسنادًا غير هذا
(3)
(4)
.
قلت: في إسناده معه عبد المنعم، لا جرم ضعفه الترمذي، فقال: هذا إسناد مجهول ولا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم، وقد أجاز الصلاة قبل المغرب أحمد وإسحاق، واحتجا بهذا الحديث، وأباه سائر الفقهاء، وسنبسط الكلام في ذلك في موضعه في باب: التطوع -إن شاء الله تعالى.
(1)
"المستدرك" 1/ 202.
(2)
"المستدرك" 1/ 202 من طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة، عن نافع ابن جبير، عن مسعود الزرقي، عن علي به.
ورواه من هذا الطريق أيضًا أبو داود (546) إلا أنه وقع فيه: عن أبي مسعود الزرقي. بزيادة أبي.
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(88) وقال: الصواب: مسعود وفي الباب عن سالم أبي النضر، مرسلًا، رواه داود (545)، وضعفه الألباني أيضًا (87).
(3)
"المستدرك" 1/ 204 وقال الذهبي: قلت: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك.
(4)
"المستدرك" 1/ 204 من طريق علي بن حماد بن أبي طالب، عن عبد المنعم بن =
15 - باب مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ
.
626 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ. [انظر: 619 - مسلم: 724، 736 - فتح: 2/ 109]
ذكر فيه حديث عائشة: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَكَتَ المُؤَذنُ بِالأُولَى مِنْ صَلَاةِ الفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ، بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الفَجْرُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأتيَهُ المُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ.
هذا الحديث طرف من حديث قيام الليل، وستأتي بقيته في أماكنها التي ذكرها البخاري
(1)
، وفي مسلم: يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح
(2)
، ثم الكلام عليه من أوجه:
= نعيم الرياحي، عن عمرو بن فائد الأسواري، عن يحيى بن مسلم، عن الحسن وعطاء، عن جابر به. قال الذهبي: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك.
والحديث رواه أيضًا الترمذي (195 - 196)، وعبد بن حميد (1006)، والطبراني في "الأوسط" 2/ 269 - 270 (1952)، ابن عدي في "الكامل" 9/ 13، والبيهقي 1/ 428، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 312 - 313 (386) من طرق عن عبد المنعم بن نعيم الرياحي، عن يحيى بن مسلم، عن الحسن وعطاء، عن جابر به.
هكذا بإسقاط عمرو بن فائد الأسواري. قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول. وقال البيهقي: قال البخاري: عبد المنعم منكر الحديث، ويحيى بن سلم ضعفه ابن معين. وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 116: إسناده ضعيف، وقال الألباني في "الإرواء" (228): حديث ضعيف جدًّا. وانظر: "البدر المنير" 3/ 349 - 356.
(1)
سيأتي برقم (1123، 1159 - 1161، 1168 - 1171).
(2)
مسلم (724) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتي سنة الفجر.
أحدها: معنى سكت: صمت من الأذان بعد إكماله، ورواه الخطابي بالباء الموحدة. أي: أذن، والسكب: الصب، استعاره للكلام
(1)
.
قال الجياني عن أبي مروان: سكت وسكب بمعنى، ولم يذكر ابن الأثير غير الباء الموحدة، وقال: أرادت إذا أذن فاستعير السكب للإفاضة في الكلام، كما يقال: أفرغ في أذني حديثًا، أي: ألقى وصب
(2)
.
وذكر ابن بطال وابن التين أن لها وجهًا من الصواب، ولا يرفع ذلك الرواية الأخرى، فإن الموحدة تأتي بمعنى من وعن في كلام العرب، كقوله تعالى:{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، أي: عنه، وقوله:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ} [الإنسان: 6]، أي: منها، قالا: ويمكن أن يكون إنما حمل الراوي لهذا الحديث على أن يرويه بالموحدة؛ لأن المشهور في سكت أن تكون متعلقة بعن أو من كقولهم: سكت عن كذا أو سكت من كذا، فلما وجد في الحديث مكان من وعن الباء ظن سكب من أجل مجيء الباء بعدها، وقد سلف أن الباء تأتي بمعنى من وعن
(3)
.
الثاني: قولها: بالأولى من صلاة الفجر: يريد الأذان للفجر، وهو أول بالنسبة إلى الإقامة توضحه رواية مسلم السالفة: بين النداء والإقامة
(4)
.
الثالث: هاتان الركعتان هما راتبة صلاة الفجر، وقد كره جماعة من العلماء التنفل بعد أذان الفجر إلى صلاة الفجر بأكثر من ركعتي
(1)
"غريب الحديث" 1/ 167.
(2)
"النهاية" 2/ 382.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 254.
(4)
مسلم (724).
الفجر
(1)
؛ لأنه عليه السلام لم يزد على ذلك كما أخرجه مسلم من حديث حفصة
(2)
.
ونهى أيضًا عنه كما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث ابن عمر
(3)
ونقل الترمذي إجماع العلماء عليه
(4)
وهو أحد الأوجه عندنا، وبه قال الأئمة الثلاثة، ونقله القاضي عياض عن مالك والجمهور، ومقابله: لا يدخل حتى يصلي سنة الصبح، والأصح: الجواز، وأن الكراهة لا تدخل إلا بفعل الفرض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"صل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مقبولة حتى تصلي الصبح ثم أقصر" أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن عبسة
(5)
.
الرابع: فيه استحباب تخفيف هاتين الركعتين، وهو مذهبنا ومذهب
(1)
انظر "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 252 - 253، "البناية" 2/ 77. "روضة الطالبين" 1/ 192، "المغني" 2/ 525 - 526.
(2)
"صحيح مسلم" برقم (723/ 88) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما، والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما.
(3)
أبو داود (1278)، الترمذي (419). عن يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابن عمر
وأنا أصلي بعد طلوع الفجر، فقال: يا يسار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن
نصلي هذِه الصلاة، فقال: ليبلغ شاهدكم غائبكم. لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين. ورواه أيضًا أحمد 2/ 104، وأبو يعلى 9/ 460 - 461 (5608)، والدارقطني 1/ 419، والبيهقي 2/ 465، والمزي 25/ 83. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1159). وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمرو، انظر تخريجهما في "البدر المنير" 3/ 286 - 296، "تلخيص الحبير" 1/ 109 - 191، "الإرواء"(478).
(4)
"سنن الترمذي" 2/ 280 عقب حديث (419).
(5)
أبو داود (1277) وأصله في مسلم (832) مطولًا. وانظر: "صحيح أبي داود"(1158).
مالك والجمهور، وقال النخعي: لا بأس بإطالتهما
(1)
، واختاره الطحاوي
(2)
.
وفي "المصنف" عن سعيد بن جبير: كان عليه السلام ربما أطال ركعتي الفجر، وعن الحسن: لا بأس بإطالتهما يقرأ فيهما بحزبه إذا فاته.
وعن مجاهد: لا بأس أن يطيلهما
(3)
. فقالوا: لا قراءة فيهما، حكاه الطحاوي
(4)
والقاضي عياض، والأحاديث الصحيحة ترده؛ فإنه عليه السلام كان يقرأ فيهما:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] بعد الفاتحة
(5)
.
وفي رواية ابن عباس: كان يقرأ فيهما: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ} [البقرة: 136]، وبقوله:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 64]
(6)
.
وفي: "فضائل القرآن" للغافقى: أمر رجلًا شكى إليه شيئًا أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة بـ {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح: 1]، وفي الثانية بعدها بـ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} [الفيل: 1].
وفي "وسائل الحاجات" للغزالي استحسان ذلك، وقال: إنه يرد شر ذلك اليوم، واستحب مالك الاقتصار على الفاتحة على ظاهر قولها،
(1)
رواه عنه الطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 300.
(2)
فقال في "شرح المعاني" 1/ 300: وقد رويت آثار عمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة فيهما أردت بذكرها الحجة على من قال: لا قراءة فيهما.
(3)
"المصنف" 2/ 51 - 52 (6355 - 6357).
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 296.
(5)
رواه مسلم برقم (726) في صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما.
(6)
رواها مسلم برقم (727/ 100) السابق.
كان يخففهما حتى إني أقول: هل قرأ فيهما بأم الكتاب، ويأتي في باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر وغيره -إن شاء الله تعالى.
الخامس: فيه مشروعية هذا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وهو سنة عند بعضهم، وأحبه الحسن البصري
(1)
.
وذكر القاضي عياض أن مذهب مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة أنه بدعة، وسيأتي ما فيه في باب: الضجعة على الشق الأيمن وغيره إن شاء الله
(2)
.
وفي "سنن أبي داود" و"الترمذي" -بإسناد صحيح على شرط الشيخين- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذاصلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه" قال الترمذي: حديث حسن صحيح
(3)
.
(1)
روى ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 55 (6393) عن الحسن أنه كان لا يعجبه أن يضطجع بعد ركعتي الفجر.
فما ذكره المصنف هنا عن الحسن على عكس ما روى عنه! فيبدو -والله أعلم- أن المصنف قد ذهل عن ذلك هنا؛ ويدل لذلك أنه في شرح الحديث الآتي (1160) عرض هذِه المسألة مرة أخرى، وقال: وعن الحسن كراهتها. وكذلك نقل الحافظ عن الحسن أنه كان لا يعجبه الاضطجاع، وعزاه لابن أبي شيبة. "الفتح" 3/ 43.
وأغرب العيني فقال في "العمدة" 4/ 308: أنه واجب عند الحسن البصري!! فمضى فيها كعادته وقلد المصنف. بل استبدل عبارة المصنف من الاستحباب إلى الوجوب. وأغرب من ذلك وأعجب أنه تبع المصنف في الموضع الثاني 6/ 236 فنقل عن الحسن أنه كان لا يعجبه ذلك!! ونعتذر عن العيني بأنه من الجائز أن يكون عني في الموضع الأول 4/ 308 عموم الاضطجاع عند النوم، لا بعد ركعتي الفجر فكلامه في هذا الموضع يحتمل ذلك. والله أعلم.
(2)
الحديث الآتي برقم (1160).
(3)
رواه أبو داود (1261)، ورواه الترمذي (420) من طريق عبد الواحد بن زياد، ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به. =
واعلم أنه ثبت في الصحيح أنه عليه السلام كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين
(1)
فهذا الاضطجاع كان بعد صلاة
= ورواه من هذا الطريق أيضًا أحمد 2/ 415، وابن خريمة 2/ 167 - 168 (1120)، وابن حبان 6/ 220 (2468)، وابن حزم في "المحلى" 3/ 196، والبيهقي 3/ 45، والبغوي في "شرح السنة" 3/ 460 - 461 (887) قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وأهل العلم لهم في هذا الحديث قولان، فمنهم من صححه كابن حزم محتجًا به، إذ زعم أن هذِه الضجعة واجبة وشرط في صحة صلاة الفجر ومن صححه أيضًا عبد الحق في "احكامه" 2/ 67، وكذا النووي فقال في "شرح مسلم" 6/ 19، وفي "المجموع" 3/ 523 - 524: إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، وقال في "خلاصة الأحكام"(1806)، وفي "رياض الصالحين" (1112/ 3): رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة، وكذا الشوكاني فقال في "النيل" 2/ 192: رجاله رجال الصحيح.
ومنهم من تكلم فيه، فأعله البيهقي بقوله: وهذا يحتمل أن يكون المراد به الإباحة، فقد رواه محمد بن إبراهيم اليتمي عن أبي صالح، عن أبي هريرة
…
حكاية عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا خبرًا عن قوله، ثم ساقه من طريق ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن إبراهيم، عن أبي صالح السمان، قال: سمعت أبا هريرة يحدث مروان بن الحكم وهو على المدينة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين ركعتين من الفجر وبين الصبح بضجعة على شقه الأيمن. وهذا أولى أن يكون محفوظًا؛ لموافقته سائر الروايات عن عائشة وابن عباس.
وكذا المنذري فقال في "المختصر" 2/ 76: قد قيل: أن أبا صالح لم يسمع هذا الحديث من أبي هريرة، فيكون منقطعًا.
وكذا شيخ الإسلام فقال فيما نقله عنه ابن القيم في "الزاد" 1/ 319: هذا باطل، وليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر بها، والأمر تفرد به عبد الواحد ابن زياد غلط فيه.
والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1146) وناقش فيه، بل ورد إعلال البيهقي للحديث وكذا شيخ الإسلام.
(1)
سيأتي برقم (994) كتاب: الوتر، باب: ما جاء في الوتر. وبرقم (1123) كتاب: =
الليل، وقبل: صلاة ركعتي الفجر، وكذا حديث ابن عباس أن الاضطجاع كان بعد صلاة الليل قبل ركعتي الفجر
(1)
، وأشار القاضي إلى أن رواية الاضطجاع بعد ركعتي الفجر مرجوحة قال: فتقدم رواية الاضطجاع قبلها ولم يقل أحد في الاضطجاع قبلهما سنة وكذا بعدهما، وقد رُوي عن عائشة قالت: فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع
(2)
، فهذا يدل على أنه ليس بسنة، وإنه تارة كان يضطجع قبل وتارة بعد، وتارة لا يضطجع.
السادس: استحباب الاضطجاع والنوم على الشق الأيمن، وحكمته أن لا تستغرق في النوم؛ لأن القلب إلى جهة اليسار، فيتعلق حينئذٍ فلا يستغرق، أذا نام على اليسار كان في دعة واستراحة
(3)
.
السابع: فيه أن الحث على التهجير والترغيب إلى الاستباق إلى المساجد إنما هو لكل من كان على مسافة من المسجد لا يسمع فيها الإقامة من بيته، ويخشى إن لم يمكن أن يفوته فضل انتظار الصلاة. وأما من كان مجاورًا للمسجد حيث يسمع الإقامة ولا تخفي عليه، فانتظاره الصلاة في البيت كانتظاره في المسجد له أجر منتظر الصلاة، إذ لم يكن كذلك لخرج عليه السلام إلى المسجد ليأخذ لنفسه بحظها من فضيلة الانتظار.
الثامن: أن صلاة النافلة الأفضل كونها في البيوت.
= التهجد، باب: طول السجود في قيام الليل، ورواه ومسلم برقم (736) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة.
(1)
سبق برقم (183) كتاب: الوضوء، باب: الرجل يوضئ صاحبه.
(2)
يأتي برقم (1161).
(3)
هذا الكلام لعله هو الذي عناه العيني في الموضع الأول 4/ 308. والله أعلم.
16 - باب بَين كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةًّ لِمَنْ شَاءَ
.
627 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ"- ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ:- "لِمَنْ شَاءَ"[انظر: 624 - مسلم: 838 - فتح: 2/ 110].
ذكر فيه حديث عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاة، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ" -ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ-: "لِمَنْ شَاءَ".
وهذا الحديث سلف قريبًا مع الكلام عليه فراجعه
(1)
.
(1)
سلف برقم (624) باب: كم بين الأذان والإقامة.
17 - باب مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ
.
628 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِى، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقً، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ:"ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ"[630، 631، 658، 685، 815، 819، 2848، 6008، 7246 - مسلم: 674 - فتح: 2/ 110].
ذكر فيه حديث وهيب، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرِ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةَ، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأى شَوْقَنَا إلى أَهَلِينَا قَالَ:"ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكبَرُكُمْ".
والكلام عليه من وجوه:
أحدها: هذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم وأبو عوانة
(1)
، وقصر وهيب عن أيوب في قوله:"وصلوا" وأتمه عبد الوهاب عن أيوب بزيادة: "كما رأيتموني أصلى"، ذكره البخاري في الباب بعده
(2)
، والبخاري أخرجه في مواضع من الصلاة هنا وعقبه الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة، وفيه: أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال: "إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما"
(3)
. وفي باب: الاثنان فما فوقهما جماعة، وفيه:"إذا حضرت الصلاة فأذنا"
(4)
.
(1)
"مسلم" برقم (674) كتاب: المساجد، باب: من أحق بالإمامة، أبو عوانة 1/ 276 (966).
(2)
يأتي برقم (631).
(3)
يأتي برقم (630).
(4)
يأتي برقم (658).
وفي باب: إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم، وفيه: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، وفيه:"لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا"
(1)
. وفي إجازة خبر الواحد
(2)
، وفي باب: رحمة الناس والبهائم
(3)
وقول الله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ} [التوبة: 122]
(4)
.
وذكر الطرقي أن البخاري رواه عن أبي النعمان، عن حماد، ولم يذكره أبو مسعود ولا خلف ولأبي داود: وكنا يومئذٍ متقاربين في العلم. وفي رواية: قيل لأبي قلابة: فأين الفقه، قال: كنا متقاربين
(5)
.
ثانيها: إن قلت: ما وجه، هذِه الترجمة؟ وظاهر الحديث أنه عليه السلام إنما بيَّن لهم حالهم إذا وصلوا إلى أهلهم لا في السفر؛ حيث قال:"فإذا حضرت الصلاة -يعني: فيهم- فليؤذن لكم أحدكم" فالجواب أنه ليس الكلام قاصرًا على ذلك، بل عامًّا في أحوالهم منذ خروجهم من عنده
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (685).
(2)
سيأتي برقم (7246) كتاب: أخبار الآحاد.
(3)
سيأتي برقم (6008) كتاب: الأدب.
(4)
يأتي برقم (7246) وتقدم إشارة المصنف له.
(5)
أبو داود (589) وفيه: فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربين.
قال الحافظ: وأظن في هذِه الرواية إدراجًا، فإن ابن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية، عن خالد، قال: قلت لأبي قلابة: فأين القراءة؟ قال: إنهما كانا متقاربين، وأخرجه مسلم من طريق حفص بن غياث عن خالد الحذاء، وقال فيه: قال الحذاء: وكانا متقاربين في القراءة، ويحتمل أن يكون مستند أبي قلابة في ذلك، هو إخبار مالك ابن الحويرث. كما أن مستند الحذاء هو إخبار أبي قلابة له به، فينتفي الإدراج عن الإسناد. اهـ. "الفتح" 2/ 170 - 171 ولمزيد من التفصيل انظر:"صحيح أبي داود"(604).
(6)
هذا قريب من جواب ابن المنير على هذا الموضع في "المتواري على تراجم أبواب البخاري" ص 94. وكذا الفائدة الآتية، -وهي قوله: وفائدة الترجمة- هي =
وفائدة الترجمة أن أذان الواحد يكفي عن الجماعة لئلا يتخيل أنه لا يكفي إلا من جميعهم، وقد قال في الحديث الآخر للرفيقين "أذنا وأقيما"
(1)
، فبيّن هنا أن التعدد ليس شرطًا.
ثالثها: مالك بن الحويرث: هو أبو سليمان مالك بن الحويرث، وقيل: حويرثة بن حشيش -بالحاء المهملة وقيل: بالمعجمة، وقيل: بالجيم الليثي، له وفادة
(2)
.
ونزل البصرة، وبها مات سنة أربع وسبعين
(3)
.
رابعها: قوله: في نفر من قومي، وفي أخري: شببة متقاربون
(4)
، وفي أخرى: أنا وصاحب لي
(5)
، وفي أخرى: أنا وابن عم لي
(6)
، يُحتمل كما قال القرطبي أن يكون ذلك في وفادتين، وأن يكون في واحدة، غير أن ذلك الفعل تكرر منه ومن الشارع
(7)
. وفي أخرى: أتى رجلان يريدان السفر
(8)
، فيُحتمل أنه أراد نفسه وآخر معه.
= من كلام ابن المنير.
وانظر: "فتح الباري" لابن رجب 5/ 358 - 359، "الفتح" لابن حجر 2/ 110 - 111.
(1)
يأتي برقم (2848).
(2)
قال الجوهري: وفد فلان على الأمير، أي: ورد رسولًا. فهو وافد والجمع وفد، والجمع وفد، مثل صاحب وصحب، وجمع الوفد أو فاد ووفود، والاسم الوفادة. وأوفدته أنا إلى الأمير، أي أرسلته. "الصحاح" 2/ 553، وانظر:"النهاية" 5/ 209 - 210، "لسان العرب" 8/ 4881. مادة: وفد.
(3)
"معجم الصحابة" 5/ 209، "معرفة الصحابة" 5/ 2460 (2598)، "الاستيعاب" 3/ 405 (2289)، "أسد الغابة" 5/ 20 (4580)، "الإصابة" 3/ 342 (7617).
(4)
يأتي برقم (631، 6008، 7246).
(5)
يأتي برقم (2848).
(6)
رواه الترمذي (205)، والنسائي 2/ 8 - 9، 2/ 77.
(7)
"المفهم" 2/ 300.
(8)
يأتي (630).
وقوله: شببة أو نفر: يُحتمل أن ذلك وقت قدومهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لما أرد السفر جاء هو وصاحب له وهو ابن العم، كما جاء في أخرى.
خامسها: النفر: عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، ولا واحد له من لفظه، كما قاله الخطابي؛ سموا بذلك من النفر؛ لأنه إذا حزبهم أمر اجتمعوا ثم نفروا إلى عدوهم. قال في "الواعي": ولا يقولون: عشرون نفرًا ولا ثلاثون نفرًا. وقد أسلفنا هذا في أثناء التيمم أيضًا.
سادسها: قوله: فأقمنا عنده عشرين ليلة: المراد بأيامها بدليل الرواية الآتية في الباب بعده: عشرين يومًا وليلة
(1)
.
سابعها: قوله: وكان رحيمًا رفيقًا: هو بقافين وبفاء وقاف في البخاري، وفي مسلم بالقاف خاصة
(2)
، ومعناهما ظاهر وهو من رقة القلب ومن رفقه بأمته وشفقته، كما قال الله تعالى في حقه:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
ثامنها: قوله: فلما رأى شوقنا، وفي رواية أخرى: فلما ظن
(3)
علم صلى الله عليه وسلم ذلك منهم لما تلمح العود منهم، إلى أوطانهم. وفي رواية للبخاري:"لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم"
(4)
أي: لأنه المتهم، وهو من باب التأنيس لتخفيف كلفة الغيبة عنهم لئلا ينفروا لو طال مقامهم.
تاسعها: قوله: "فليؤذن لكم أحدكم" فيه: الأمر بالأذان للجماعة، وهو عام للمسافر وغيره، وكافة العلماء على استحباب الأذان للمسافر
(1)
سيأتى برقم (631)، باب: الأذان للمسافر، إذا كانوا جماعة والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع.
(2)
مسلم (674/ 292).
(3)
يأتي (631، 7246).
(4)
سيأتي (685).
إلا عطاءً، فإنه قال: إذا لم يؤذن ولم يقم أعاد الصلاة، وإلا مجاهدًا فإنه قال: إذا نسي الإقامة أعاد
(1)
. وأخذا بظاهر الأمر وهو"أذنا وأقيما".
وحكى الطبري عن مالك أنه يعيد إذا ترك الأذان ومشهور مذهبه: الاستحباب، وفي "المختصر" عن مالك: ولا أذان على مسافر، وإنما الأذان على من يجتمع إليه لتأذينه
(2)
، وبوجوبه على المسافر
(3)
.
قال داود: وقالت طائفة: هو مخير، إن شاء أذن، وإن شاء أقام.
رُوي ذلك عن علي، وهو قول عروة والثوري، والنخعي
(4)
. وقالت طائفة: تجزئه الإقامة. رُوي ذلك عن مكحول والحسن والقاسم
(5)
.
وكان ابن عمر يقيم في السفر لكل صلاة إلا الصبح؛ فإنه كان يؤذن لها ويقيم
(6)
. وقد جاءت آثار في ترغيب الأذان والإقامة في أرض فلاةٍ، وأنه من فعل ذلك يصلي ورآه أمثال الجبال. وفي "الجامع الصغير" للحنفية: رجل صلى في سفره أو بيته بغير أذان وإقامة يكره، وكرهها بعضهم للمسافر فقط.
عاشرها: قوله: "وليؤمكم أكبركم" أي: عند التساوي في شروط الإمامة ورجحان أحدهما بالسن؛ بدليل رواية أبي داود السالفة: وكنا يومئذ متقاربين في العلم. والأخرى: قيل لأبي قلابة: فأين الفقه؟ قال: كانا متقاربين. ولمسلم: وكنا متقاربين في القراءة
(7)
. وقال ابن
(1)
رواه عنهما ابن أبي شيبة 1/ 198 (2272 - 2275).
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 158.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 158 - 159.
(4)
ابن أبي شيبة 1/ 197 - 198 (2262، 2264، 2269، 2271، 2276).
(5)
السابق 1/ 197 - 198 (2263، 2266 - 2270).
(6)
السابق 1/ 197 (2258).
(7)
مسلم (674/ 293) كتاب: المساجد، باب: من أحق بالإمامة؟
بزيزة: أشار إلى كبر السن، ويجوز أن يكون أشار إلى كبر الفضل والعلم، وإنما علق الأذان بأحدهم، والإمامة بأكبرهم لعظم أمر الإمامة وهو مُشعرٌ بتفضيل الإمامة عليه.
18 - باب الأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً، وَالإِقَامَةِ، وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ
وَقَوْلِ المُؤَذِّنِ: الصَّلَاةُ في الرِّحَالِ. في اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ أوِ المَطِيرَةِ.
629 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ "أَبْرِدْ". ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ "أَبْرِدْ". ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ:"أَبْرِدْ". حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". [انظر: 535: مسلم: 616 - فتح: 2/ 111]
630 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَى رَجُلَانِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدَانِ السَّفَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا". [انظر: 628 - مسلم: 674 - فتح: 2/ 111]
631 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ: أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا، سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ:"ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ -وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا- وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ". [انظر: 628 - مسلم: 674 - فتح: 2/ 111]
632 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ. فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ. [666 - مسلم: 697 - فتح: 2/ 112]
633 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخبَرَنَا جَغفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عن أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَبْطَحِ فَجَاءَهُ بِلَالٌ، فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، ثُمَ خَرَجَ بِلَالٌ بِالْعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالأبطَحِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ. [انظر: 187 - مسلم: 503 - فتح: 2/ 112]
جمع يعني: المزدلفة، ولم يذكر فيه حديثًا ولا في عرفة أيضًا.
وذكر في الباب خمسة أحاديث:
أحدها: حديث أبي ذر: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِ، فَأرَادَ المُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ:"أَبْرِدْ". ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ:"أَبْرِدْ". ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ:"أَبْرِدْ". حَتَّى سَاوى الظِّلُّ التُّلُولَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".
وهذا الحديث دال لما ترجم له، وهو الأذان في السفر، وقد علمت ما فيه، وسلف الكلام على الحديث في الإبراد، فراجعه منه
(1)
. قال البيهقي: كذا قال جماعة عن شعبة: فأراد المؤذن أن يؤذن. وفي أخرى عنه: كان عليه السلام في سفر فأذن المؤذن، فقال له صلى الله عليه وسلم:"أبرد"، وذكره
(2)
، وفي أخرى عنه: أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فقال له عليه السلام: "أبرد أبرد" -أوقال:- "انتظر انتظر" -وقال- إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة"
(3)
.
قال: وفي هذا الدلالة على أن الأمر بالإبراد كان بعد التأذين، فإن الأذان كان في أول الوقت.
ثم روى من حديث جابر بن سَمُرة، وأبي برزة قال أحدهما: كان
(1)
سلف برقم (535) كتاب: مواقيت الصلاة.
(2)
رواه البيهقي 1/ 438.
(3)
سلف برقم (535)، ورواه مسلم (616).
بلال يؤذن إذا دلكت الشمس، وقال الآخر: إذا دحضت
(1)
.
وفي رواية عن جابر قال: كان بلال لا يحذم الأذان وكان ربما أخر الإقامة شيئًا
(2)
، وترجم عليه أبو عوانة في "صحيحه" بإيجاب الإبراد بالظهر في شدة الحر، وبيان العلة في إبرادها. ثم ساقه، وفيه: فأراد بلال أن يؤذن بالظهر. وفيه بعد قوله: فيء التلول، ثم أمره فأذن وأقام، فلما صلى قال:"إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا أشتد الحر فأبردوا عن الصلاة"
(3)
. وفي رواية له: فأذن بلال، فقال:"مهْ يا بلال" ثم أراد أن يؤذن فقال: "مهْ يا بلال" حتى رأينا فيء التلول، ثم قال:"إن شدة الحر من فيح جهنم" إلى آخره
(4)
.
الحديث الثاني:
حديث مالك بن الحويرث: أَتَى رَجُلَانِ يُرِيدَانِ السَّفَرَ، فَقَالَ عليه السلام:"إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذنا ثُمَّ أَقِيمَا"
وقد سلف في الباب قبله. والبخاري رواه عن محمد بن يوسف، وهو الفريابي عن سفيان وهو الثوري فاعلمه، وإذا أراد البخاري محمد بن يوسف البيكندي عن سفيان، عَيَّن ابن عيينة.
وقوله: أتى رجلان. المراد: هو وصاحب له أو ابن عم له كما سلف.
وقوله: "فأذنا ثم أقيما": يجوز أن يكون المراد من أراده منهما، ويجوز أن يكون خاطب مالك بن الحويرث بلفظ التثنية، ويؤيده رواية
(1)
"السنن الكبرى" 1/ 438.
(2)
"السنن الكبرى" 1/ 438.
(3)
"مسند أبي عوانة" 1/ 289 (1017).
(4)
"مسند أبي عوانة" 1/ 290 (1019).
الطبراني عن مالك بن الحويرث أنه عليه السلام قال: "إذا كنت مع صاحب فأذن وأقم، وليؤمكما أكبركما"
(1)
ويجوز أن يكون المراد: يؤذن أحدهما ويجيب الآخر قال تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89]، وإنما دعا موسى وأمن هارون.
وقال ابن القصار: أراد به الفضل بدليل قوله: "أذنا"، إذ الواحد يجزئ.
وفيه: ما بوب له وهو مشروعية الأذان والإقامة للمسافر.
وفيه: الحث على الجماعة في السفر، وأنها تحصل بإمام ومأموم، واستدل به بعضهم على وجوب الجماعة، ولا دلالة فيه.
الحديث الثالث: حديث مالك بن الحويرث أيضًا.
وقد سلف آنفًا وسالفًا.
الحديث الرابع: حديث نافع: أَذَّنَ ابن عُمَرَ فِي لَيْلَةِ بَارِدَةٍ بضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ. فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ أوِ المَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، ويأتي في باب: الرخصة في المطر
(3)
والعلة أن يصلي في رحله، وقد سلف حكمه في باب الكلام في الأذان
(4)
.
(1)
"المعجم الكبير" 19/ 288 (638).
(2)
مسلم (697).
(3)
سيأتي برقم (666) كتاب: الأذان.
(4)
راجع شرح حديث (616).
وضجنان: بفتح الضاد المعجمة وجيم ساكنة ونونين جبيل على بريد من مكه
(1)
. وقال الزمخشري: على خمسة وعشرين ميلًا، وبينه وبين مر تسعة أميال
(2)
.
وفيه ما بوب له، وهو مشروعية الأذان في السفر.
وفي أبي داود من حديث ابن إسحاق عن نافع، عن ابن عمر قال: كان ينادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة (المطيرة)
(3)
، ثم قال: رواه يحيى بن سعيد عن القاسم، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: في السفر
(4)
. وفي مسلم وأبي داود والترمذي من طريق جابر: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال عليه السلام:"ليصل من شاء منكم في رحله"
(5)
.
الحديث الخامس:
ساقه البخاري عن إسحاق، ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ إلى أَبِي جُحَيْفَةَ، رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِالأَبْطَحِ فَجَاءَهُ بِلَالٌ، فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ خَرَجَ بِلَال بِالْعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَبْطَحِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ.
وهذا الحديث ذكره البخاري في عدة مواضع في الطهارة كما سلف
(6)
والصلاة
(7)
.
(1)
انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 856، "معجم البلدان" 3/ 453.
(2)
"الفائق في غريب الحديث" 3/ 330.
(3)
كذا بالأصل، وفي أبي داود: القرة.
(4)
أبو داود (1064) وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(199).
(5)
مسلم (698) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الصلاة في الرحال في المطر، أبو داود (1065)، الترمذي (409).
(6)
سلف برقم (187) باب: استعمال فضل وضوء الناس.
(7)
سلف برقم (495) باب: سترة الإمام سترة من خلفه، وبرقم (499) باب: الصلاة إلى العنزة، وبرقم (501) باب: السترة بمكة وغيرها.
وسيأتي في الباب على الإثر أيضًا
(1)
. وشيخه إسحاق هو ابن منصور كما نص عليه خلف في "أطرافه". وذكر الكلاباذي أن البخاري حدث عن إسحاق بن راهويه وإسحاق بن منصور، عن جعفر بن عون فلا يخلو عن أحدهما
(2)
، وخرج مسلم عن إسحاق بن منصور، عن جعفر بن عون
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (634) كتاب: الأذان، باب: هل يتتبع المؤذن فاه ههنا وههنا وهل يلتفت في الأذان.
(2)
انظر: "الجمع بين رجال الصحيحين" لابن القيسراني 1/ 30.
(3)
مسلم (503/ 251) كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلى.
19 - باب هَلْ يَتَتَبَّعُ الْمُؤَذِّنُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، وَهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الأَذَانِ
؟
وَيُذْكَرُ عَنْ بِلَالٍ أَنهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ. وَكَانَ ابن عُمَرَ
لَا يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ.
634 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا شفْيَانُ، عن عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيفَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأى بِلَالًا يُؤَذِّنُ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاة هَا هُنَا وَهَا هُنَا بِالأذَانِ. [انظر: 187 - مسلم: 503 - فتح: 2/ 114]
حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأى بِلَالًا يُؤَذِّنُ، فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا بِالأَذَانِ.
الشرح:
ذكر البخاري في هذا الباب صفات وهيئات تتعلق بالأذان، ومقصود الترجمة اتباع المؤذن فاه يمنة وشرة وهل يلتفت؟ وقد جاء مفسرًا في طريق مسلم: فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا يقول يمينًا وشمالًا: حي على الصلاة، حي على الفلاح
(1)
، وفي أبي داود: فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح. لوى عنقه يمينًا وشمالًا ولم يستدر
(2)
، وذلك دال على أن الالتفات في الحيعلتين خاصة.
وقوله: -أعني: البخاري- وهل يلتفت في الأذان؟ قد ذكرنا ما يدل لعدمه. وللنسائي: فخرج بلال فجعل يقول في أذانه هكذا ينحرف يمينًا
(1)
مسلم (503) كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي.
(2)
"سنن أبي داود" برقم (520).
وشمالًا
(1)
.
وللطبراني: فجعل إصبعيه في أذنيه، وجعل يقول برأسه هكذا وهكذا يمينًا وشمالًا حتى فرغ من أذانه
(2)
.
وفي "الأفراد" للدارقطني من حديث سويد بن غفلة عن بلال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذنا أو أقمنا لا نزيل أقدامنا من مواضعها
(3)
. نعم، في الترمذي من حديث عبد الرزاق، ثنا سفيان عن عون، عن أبيه، قال: رأيت بلالًا يؤذن ويدور، يتبع فاه ها هنا وها هنا، وإصبعاه في أذنيه، ثم قال: حديث حسن صحيح
(4)
.
وأما البيهقي فقال: الاستدارة في هذا الحديث ليست من الطرق الصحيحة، وسفيان الثوري إنما رواه عن رجل عن عون، ونحن نتوهمه سمع من الحجاج ابن أرطأة عن عون، والحجاج غير محتج به، وعبد الرزاق وهم فيه فأدرجه، وقد رواه عبد الله بن محمد بن الوليد عن سفيان بدونها. وقال سفيان مرة: حدثني من سمعه من عون أنه كان يدور ويضع يديه في أذنيه. قال العدني: يعني: بلالًا، وهذِه رواية الحجاج عن عون، ثم ذكرها قال: وروينا من حديث قيس بن الربيع عن عون ولم يستدر، قال: ويحتمل أن يكون الحجاج أراد
(1)
النسائي 2/ 12.
(2)
"المعجم الكبير" 22/ 114 (289). قال المصنف: قال الشيخ تقي الدين في "الإمام": في إسناده مقال. قلت: لعله بسبب الطعن في قيس بن الربيع، فإن النسائي تركه، وقال السعدي: ساقط .... اهـ. "البدر المنير" 3/ 376.
(3)
الدارقطني في "الغرائب والأفراد" كما في "أطرافه" لابن القيسراني 2/ 277 (1362) وقال: غريب من حديث طلحة بن مصرف، عن سويد عنه. تفرد به عبد الله بن بزيع عن الحسن بن عمارة عنه. وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 204: إسناده ضعيف.
(4)
الترمذي (197).
بالاستدارة: التفاته في الحيعلتين فيكون موافقًا لسائر الروايات.
والحجاج ليس بحجاج، والله يغفر لنا وله. قال: وروى حماد بن سلمة عن عون مرسلًا لم يقل عن أبيه
(1)
.
هذا كلام البيهقي ونوقش فيه، فلم يتفرد عبد الرزاق، بل تابعه ابن مهدي عن سفيان، كما أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه" ومؤمل أيضًا، كما أخرجه أبو عوانة
(2)
. ورواه الطبراني من حديث إدريس الأودي عن عون
(3)
، فهذا متابع لسفيان، وكذا حماد بن سلمة وهشيم، كما أخرجه أبو الشيخ.
وفي الدارقطني من حديث كامل أبي العلاء عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أُمر أبو محذورة أن يستدير في أذانه
(4)
.
إذا عرفت ذلك فالكلام عليه في موضعين:
الأول: الالتفات في الحيعلتين؛ وهو سنة؛ ليعم الناس بإسماعه، وخص بذلك؛ لأنه دعاء والباقي ذكر.
وأصح الأوجه عندنا أن يجعل الأولى يمينًا والثانية شمالًا، وثانيهما: يقسمان للجهتين، وثالثهما: يلتفت يمينًا فيحيعل، ثم يستقبل، ثم يلتفت فيحيعل وكذلك الشمال.
(1)
البيهقي 1/ 396.
(2)
"مسند أبي عوانة" 1/ 275 (962).
(3)
"المعجم الكبير" 22/ 101 (247).
(4)
"سنن الدارقطني" 1/ 239. وفيه: ويستدير في إقامته. ولمزيد من التفصيل حول كلام البيهقي وردود أهل العلم عليه انظر: "فتح الباري" لابن رجب 5/ 375 - 378، "البدر المنير" 3/ 373 - 380، "فتح الباري" 2/ 115 - 116، "الجوهر النقي" 1/ 396، "صحيح أبي داود"(533)، "الثمر المستطاب" 1/ 167 - 169.
فرع:
يلتفت أيضًا في الإقامة على أصح الأوجه. ثالثها: إن كبر المسجد.
الثاني: المراد بالالتفات: أن يلوي عنقه ولا يحول صدره عن القبلة، ولا يزيل قدمه عن مكانها، وسواء المناره وغيرها. وقيل: يستدير في الحيعلة في البلد الكبير، وكره ابن سيرين الاستدارة فيه
(1)
، وفي "المدونة" أنكرها مالك إنكارًا شديدًا. قال ابن القاسم: وبلغني عنه أنه قال: إن كان يريد أن يسمع فلا بأس به
(2)
. وقال مالك في "المختصر": لا بأس أن يستدير عن يمينه وشماله وخلفه وليس عليه استقبال القبلة في أذانه
(3)
.
وفي "المدونة" لابن نافع: أرى أن يدور ويلتفت حتى يبلغ حي على الصلاة. وكذلك قال ابن الماجشون ورآه من حد الأذان. قال ابن بطال: وحديث أبي جحيفة حجة على من أنكر الاستدارة؛ لأن قوله: (فجعلت أتتبع فاه ها هنا) وها هنا يدل على استدارته
(4)
. قلت: ذلك غير لازم؛ إذ المراد الالتفات بالعنق كما سلف مصرحًا به، ثم ذكر حديث الحجاج السالف بذكر الاستدارة، ثم قال: ولا يخلو فعل بلال أن يكون عن إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك، أو رآه يفعله فلم ينكره، فصار حجة وسنة
(5)
. وهو عجيب منه، فكأنه لم يعلم حال حجاج بن أرطأة. وما أحسن قول البيهقي السالف فيه الحجاج ليس بحجاج، والله يغفر لنا وله.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 190 (2177).
(2)
"المدونة" 1/ 62.
(3)
انظر "النوادر والزيادات" 1/ 161 - 162.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 258.
(5)
المصدر السابق.
وأما ما ذكره البخاري عن بلال حيث قال: ويذكر عن بلال أنه جعل إصبعيه في أذنيه، وهذا الأثر رواه ابن خزيمة في "صحيحه" عن يعقوب بن إبراهيم، ثنا (هشيم)
(1)
، عن حجاج، عن عون، عن أبيه، قال: رأيت بلالًا يؤذن وقد جعل إصبعيه في أذنيه، ثم قال: باب إدخال الإصبعين في الأذنين عند الأذان، إن صح الخبر فإني لست أحفظ هذِه اللفظة إلا عن حجاج بن أرطاة، ولست أفهم أسمع الحجاج هذا الخبر من عون أم لا؟ فأنا أشك في صحة هذا الخبر؛ لهذِه العلة
(2)
. ورواه أبو عوانة والبزار من حديث الحجاج أيضًا
(3)
.
وروى أبو الشيخ بن حيان من حديث عبد الرحمن بن سعد بن عمار، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا أن يجعل إصبعيه في أذنيه
(4)
. ومن حديث عبد الرحمن بن سعد عن عبد الله بن محمد و (عُمير)
(5)
وعمار ابني حفص، عن آبائهم، عن
(1)
كذا بالأصل، وفي ابن خزيمة هشام، ولعله تصحيف، ففي ترجمة يعقوب بن إبراهيم الدورقي من "تهذيب الكمال" 32/ 311 - 314 (7083): روى عن هشيم ابن بشير، وليس له رواية عن راوٍ يسمى هشام، وأيضًا في ترجمة حجاج بن أرطأة من "تهذيب الكمال" 5/ 420 - 428 (1112) روى عنه هشيم بن بشير، وليس لراوٍ يسمى هشام رواية عنه.
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 203 (388). وبوب ابن خزيمة أولًا وقال ما ذكره المصنف، ثم أورد الحديث، وكلام المصنف يوهم أن ابن خزيمة أورد الحديث أولًا. وقال الألباني في "صحيح ابن خزيمة" (388): إسناده ضعيف لعنعنة حجاج بن أرطأة، فإنه مدلس .. اهـ.
(3)
"مسند أبي عوانة" 1/ 274 (960).
(4)
رواه البيهقي 1/ 396. من طريق أبي محمد بن حيان ورواه ابن عدي في "الكامل" 5/ 507 - 508، من طريق آخر بنحوه.
(5)
كذا بالأصل، وفي مصادر تخريج الحديث الآتي ذكرها: عمر.
أجدادهم، عن بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"إذا أذنت فاجعل إصبعك في أذنيك؛ فإنه أرفع لصوتك"
(1)
.
ومن حديث يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد فذكر حديث الأذان، وفيه:(جعل إصبعيه في أذنيه ونادى). يعني: الذي رآه عبد الله في نومه
(2)
، وأخرج حديث سعد القرظ ابنُ ماجه: أنه عليه السلام أمر بلالًا أن يجعل يديه في أذنيه إذا أذن، وقال:"إنه أرفع لصوتك"
(3)
.
وذكر ابن المنذر في "إشرافه"، عن أبي محذورة أنه جعل إصبعيه في أذنيه فقال: روينا عن بلال وأبي محذورة أنهما كانا يجعلان أصابعهما في آذانهما.
قال البيهقي: وروينا عن ابن سيرين أن بلالًا جعل إصبعيه في أذنيه في بعض أذانه أو في الإقامة
(4)
. وروى ابن أبي شيبة، عن ابن سيرين أنه
(1)
رواه البيهقي 1/ 396، من طريق أبي محمد بن حيان وبنحوه رواه الطبراني 1/ 352 - 353 (1072). قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 334: فيه عبد الرحمن بن سعد بن عمار، وهو ضعيف. وقال الألباني في "الإرواء" 1/ 250: سند ضعيف؛ لأن مداره على عبد الرحمن بن سعد، وقد عرفت ضعفه.
(2)
رواه أبو الشيخ في كتاب "الأذان" كما في "تلخيص الحبير" 1/ 203 و"نصب الراية" 1/ 278 - 279.
وقال الزيلعي: يريد بن أبي زياد متكلم فيه، وعبد الرحمن عن عبد الله بن زيد تقدم قول من قال: فيه انقطاع أ. هـ.
(3)
ابن ماجه (710)، ورواه أيضًا الطبراني 6/ 39 (5448) مطولًا، وفي "الصغير" 2/ 281 (1170) مختصرًا. قال البوصيري في "الزوائد" (236): إسناده ضعيف؛ لضعف أولاد سعد القرظ، عمار وابنه سعد وابن عبد الرحمن. وضعفه الألباني في "الإرواء"(231).
(4)
"سنن البيهقي" 1/ 396.
كان إذا أذن استقبل القبلة وأرسل يديه، فإذا بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح أدخل إصبعيه في أذنيه
(1)
وفي رواية عنه قال: إذا أذن المؤذن استقبل القبلة ووضع إصبعيه في أذنيه
(2)
وفي "الصلاة" لأبي نعيم عن سهل أبي أسد قال: من السنة أن تدخل إصبعيك في أذنيك، وكان سويد بن غفلة يفعله، وكذا سعيد بن جبير، وأمر به الشعبي وشريك
(3)
.
قال ابن المنذر: وبه قال الحسن وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن
(4)
وقال الترمذي: عليه العمل عند أهل العلم في الأذان، وقال بعض أهل العلم: وفي الإقامة أيضًا، وهو قول الأوزاعي
(5)
. وقال مالك: ذلك واسع
(6)
، وقال ابن بطال: إنه مباح عند العلماء
(7)
وفي جعل الإصبعين في الأذنين فائدتان:
إحداهما: أنه أرفع للصوت كما سلف.
الثانية: أنه ربما لا يسمع صوت الأذان من به صمم أو بعد فيستدل بوضع إصبعيه على أذنيه على ذلك. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة: إن جعل إحدى يديه على أذنيه فحسن
(8)
، وهي رواية عن أحمد اختارها الخرقي.
(1)
"المصنف" 1/ 191 (2187).
(2)
المصدر السابق رقم (2184).
(3)
"الصلاة" لأبي نعيم الفضل بن دكين (213 - 217) ط. مكتبة الغرباء الأثرية.
(4)
"الأوسط" 3/ 27.
(5)
"سنن الترمذي" 1/ 377 عقب الرواية (197).
(6)
"المدونة" 1/ 63.
(7)
"شرح ابن بطال" 2/ 258.
(8)
انظر "البناية" 2/ 103.
فرع: لم يبين في الحديث ما هي الإصبع، ونص النووي في "نكته" على أنها المسبحة.
فرع: لو كان في إحدج يديه علة تمنع من ذلك جعل الإصبع الأخرى في صماخه.
فرع: صرح الروياني أن ذلك لا يستحب في الإقامة؛ لفقد المعنى الذي
علل به، وقد أسلفنا عن بعضهم قريبا أنه يستحب فيها أيضًا. وأما قول البخاري: وكان ابن عمر لا يجعل إصبعيه في أذنيه، فهذا رواه ابن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن بشير قال: رأيت ابن عمر يؤذن على بعير قال سفيان: فقلت له: رأيته يجعل أصابعه في أذنيه؟ قال: لا
(1)
.
وأما قول البخاري: (وقال إيراهيم: لا بأس أن يؤذن على غير وضوء)، فهذا رواه ابن أبي شيبة عن جرير، عن منصور، عنه أنه قال: لا بأس أن يؤذن على غير وضوء، ثم ينزل فيتوضأ. وحدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور عنه: لا بأس أن يؤذن على غير وضوءٍ، ثم روى عن قتادة أنه كان لا يرى بأسًا بذلك، فإذا أراد أن يقيم توضأ. وعن عبد الرحمن بن الأسود أنه كان يؤذن على غير وضوء. وعن الحسن: لا بأس أن يؤذن غير طاهر، ويقيم وهو طاهر.
وعن حماد: لا بأس أن يؤذن الرجل وهو على غير وضوء
(2)
، وقال إبراهيم النخعي فيما حكاه البيهقي: كانوا لا يرون بأسًا به. قال: وبه قال الحسن وقتادة، والكلام فيه يرجع إلى استحباب الطهارة في الأذكار
(3)
.
(1)
"المصنف" 1/ 191 (2185).
(2)
"المصنف" 1/ 191 - 192 (188 - 2192، 2194).
(3)
"السنن الكبرى" 1/ 397.
وأما قول البخاري: (وقال عطاء: الوضوء حق وسنة)، وهذا رواه ابن أبي شيبة عن محمد بن عبد الله الأسدي، عن معقل بن عبيد الله، عن عطاء أنه كره أن يؤذن الرجل وهو على غير وضوء
(1)
، ثم روى عن الأوزاعي عن الزهري، قال أبو هريرة: لا يؤذن المؤذن إلا متوضئ
(2)
، ورواه يونس عن الزهري، وهذا مرسل.
وقال الترمذي: حديث يونس أصح من حديث معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يؤذن المؤذن إلا متوضئ"، وضعفها بمعاوية بن يحيى الصدفي، والصحيح رواية يونس وغيره عن الزهري
(3)
.
ورواه البيهقي من حديث عبد الجبار بن وائل، عن أبيه قال: حق وسنة مسنونة، يؤذن وهو طاهر، ولا يؤذن إلا وهو قائم
(4)
.
ورواه أبو الشيخ في كتاب "الأذان" من حديث ابن عباس مرفوعًا:
نا ابن عباس: إن الأذان متصل بالصلاة، فلا يؤذن أحدكم إلا وهو طاهر. وأمر به مجاهد مؤذنه، كما أخرجه ابن أبي شيبة
(5)
. واختلف أهل العلم في الأذان على غير وضوء: فالذي ذهب إليه أبو حنيفة: أنه جائز ويكره الإقامة على غير وضوء، أو يؤذن وهو جنب
(6)
.
وبالكراهة أعني: كراهة الأذان على غير وضوء يقول الشافعى
(7)
(1)
"المصنف" 1/ 192 (2196).
(2)
"المصنف" 1/ 192 (2195).
(3)
انظر: "سنن الترمذي" 1/ 390 عقب الرواية (201).
(4)
"سنن البيهقي" 1/ 397.
(5)
"المصنف" 1/ 192 (2196).
(6)
انظر: "الهداية" 1/ 46.
(7)
انظر: "البيان" 2/ 71.
إسحاق والأوزاعي وأبو ثور، ورواية عن عطاء: ورخص فيه بعضهم.
وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد
(1)
وممن أجازه الحسن وحماد ورواية عن عطاء
(2)
، وهو قول مالك
(3)
والثوري. وقول عائشة: كان عليه السلام يذكر الله على كل أحيانه
(4)
حجة لمن لم يوجبه.
وقال أبو الفرج من المالكية: لا بأس بأذان الجنب، وأجازه سحنون في غير المسجد. وقال ابن القاسم: لا يؤذن الجنب، وكرهه ابن وهب
(5)
.
وأما قول البخاري: قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه، فهذا التعليق أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله البهي عنها
(6)
وقال الترمذي حسن غريب
(7)
.
وعبد الله البهي خَرَّج له البخاري في كتاب "الأدب" خارج الصحيح، ووجه مناسبة هذا الحديث، بالترجمة أنه أراد أن يحتج على جواز الاستدارة وعدم اشتراط القبلة في الأذان، فإن المشترط لذلك ألحقه بالصلاة فأبطل هذا الإلحاق؛ لمخالفته لحكم الصلاة في الطهارة، فإذا خالفها في الطهارة وهي إحدى شرائطها آذن ذلك
(1)
انظر: "المغنى" 2/ 68.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 192 (2192 - 2194).
(3)
انظر: "المدونة" 1/ 64.
(4)
رواه مسلم (373) كتاب: الحيض، باب: ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها.
وهو عند البخاري في عدة مواضع معلقًا.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 167 - 168.
(6)
"صحيح مسلم"(373)، وأبو داود (18)، وابن ماجه (302)، عن عروة عنها.
(7)
"سنن الترمذى" 5/ 463 عقب الرواية (3384).
بمخالفته لها في الاستقبال، وبطريق الأولى فإن الطهارة أدخل في الاشتراط من الاستقبال، ويؤيده أن بعضهم قال: يستدير عند حي على الصلاة، فإن هذِه ليست ذكر، إنما هي خطاب للناس فبعدت عن سنة الصلاة فسقط اعتبار الصلاة فيها، نبه عليه ابن المنير
(1)
.
فرع:
يقوم التيمم مقام الطهارة إذا كان يبيح الصلاة.
(1)
"المتواري" ص 96.
20 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ
.
وَكَرِهَ ابن سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ. ولكن لِيَقُلْ: لَمْ نُدْرِكْ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَصَحُّ.
635 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ:"مَا شَأْنُكُمْ؟ ". قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ "فَلَا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". [مسلم: 603 - فتح: 2/ 116]
وَكَرِهَ ابن سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ. ولكن لِيَقُلْ: لَمْ نُدْرِكْ.
وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن أزهر عن ابن عون قال: كان محمد يكره أن يقول: فاتتنا الصلاة ويقول: لم ندرك مع بني فلان
(1)
.
قال البخاري: (وقول النبي صلى الله عليه وسلم أصح) يعني به الحديث الذي يذكره بعد، وفيه:"وما فاتكم فأتمو" بغير كرا هة، لذلك فهو أصح. وهو حديث يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ:"مَا شَأْنُكُمْ؟ ". قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: "فَلَا تَفْعَلُوا، إِذَا أتيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَأتَكُمْ فَأَتِمُّوا".
وهو حديث أخرجه مسلم أيضًا من حديث يحيى بن أبي كثير أيضًا، أخبرني عبد الله بن أبي قتادة أن أباه أخبره
(2)
فذكره مزيلًا شائبة الانقطاع
(1)
"المصنف" 2/ 266 (8826).
(2)
مسلم (603) كتاب: المساجد، باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيًّا. ووقع في النسخة (ج) فوق كلمة مسلم، د ت س، إشارة إلى أن الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، فلا أعلم أهي من قول =
من المدلس
(1)
. ولأبي نعيم والإسماعيلي: "وما فاتكم فاقضوا"، وستعرف زيادة في ذلك في الباب الذي بعده. والجلبة: الأصوات، أي: أصوات رجال وحركة أفعالهم، وفيه إباحة سماع المصلى لمثل هذا؛ لأنه شيء يفجأه، وفيه سؤله صلى الله عليه وسلم عما سمعه.
وقوله: (استعجلنا) أي: أنفسنا إلى الصلاة.
وقوله: "لا تفعلوا" أي: لا تستعجلوا ولا تسرعوا؛ ونهى عن ذلك؛ لأنه في صلاة، كما جاء في الحديث:"إذا كان يعمد إلى الصلاة، فهو في صلاة"
(2)
، ولأنه ينافي الوقار والسكينة.
= المصنف أم زيادة من الناسخ؛ وذلك لأن هناك حديثين يرويهما يحيى بن أبي كثير عن ابن أبي قتادة، عن أبيه.
الأول: حديثنا هذا وقد أخرجه البخاري ومسلم وليس هو في "السنن".
الثاني: ولفظه: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني".
وسيأتي برقم (637) باب: متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟
وأخرجه مسلم (604) كتاب: المساجد، باب: متى يقوم الناس للصلاة، وأبو داود (539)، والترمذي (592)، والنسائي 2/ 31.
اعتبرهما وأظن المصنف حديثًا واحدًا كما سيأتي كلامه في حديث (637) ناقلًا أن أبا مسعود والحميدي اعتبرهما حديثين. قلت: وكذا المزي في "التحفة" 9/ 252 (12106) فذكر الحديث الآتي (637) ولفظه: "إذا أقيمت الصلاة .. " وذكر مواضعه عند البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي كما خرجناه آنفًا ثم ذكر في موضع آخر 9/ 257 (12111) حديثنا هذا، ثم ذكر مواضعه في البخاري ومسلم فقط وفعله هذا أولى بالصواب، ولعل المصنف اعتبرهما حديثًا واحدًا؛ لأن البخاري أخرجهما بسند واحد. والله أعلم.
(1)
يشير المصنف رحمه الله إلى أن يحيى بن أبي كثير مشهور بالتدليس. قال الحافظ في "التقريب"(7632): ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل.
(2)
رواه مسلم برقم (602/ 152) كتاب: المساجد، باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيًا. من حديث أبي هريرة.
الثاني: في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك، وسيأتي الكلام على بقية الحديث في الباب الآتي على الإثر إن شاء الله تعالى.
21 - باب لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ، وَلْيَأْتِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
وَقَالَ: "مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 635]
636 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". [908 - مسلم: 602 - فتح: 2/ 117]
قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
قد عرفته آنفًا.
ثم ساق حديث أبي هريرة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا".
وهذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة
(1)
، ويأتي في المشي إلى الجمعة أيضًا
(2)
قال الترمذي: وفي الباب أيضًا عن أبي بن كعب وأبي سعيد، وزيد بن ثابت، وجابر، وأنس
(3)
قال ابن الجوزي: وأكثر الرواة على: "فأتموا"، منهم: ابن مسعود وأبو قتادة، وأنس، وأكثر طريق أبي هريرة:"فأتموا"(1).
(1)
مسلم برقم (602) كتاب: المساجد، باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيًا، أبو داود (572) كتاب: الصلاة، باب: السعي إلى الصلاة، الترمذي (327) النسائي: 2/ 114 - 115، ابن ماجه (775).
(2)
سيأتي برقم (908) كتاب: الجمعة.
(3)
الترمذي عقب الحديث (327).
قلت: ورواية: "وما فاتكم فاقضوا"، رواها أحمد من حديث ابن عيينة عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا
(1)
.
قال مسلم في "التمييز": لا أعلم هذِه اللفظة رواها عن الزهري عن سفيان بن عيينة، وأخطأ في هذِه اللفظة. قال البيهقي: والذين قالوا: فأتموا. أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة، فهو أولى
(2)
.
قلت: وقد تابع سفيان ابن أبي ذئب كما رواه أبو نعيم في "مستخرجه".
والقضاء لغة: الفعل، كما قال تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} وما أدركه المسبوق أول صلاته عند الشافعى
(3)
خلافًا للثلاثة
(4)
، فيعيد في الباقي القنوت لكن يقرأ السورة فيما تأتي فيه، وقيل: أول صلاته بالنسبة
(1)
"مسند أحمد" 2/ 238.
(2)
"سنن البيهقي" 2/ 298.
قال أبو داود بعد روايته للحديث: وكذا قال الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد، ومعمر، وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري:"وما فاتكم فأتموا". وقال ابن عيينة، عن الزهري وحده:"فاقضوا".
قال الألباني: وقد علق المصنف رحمه الله -يعني: أبا داود-: أحاديث هؤلاء كلهم -غير حديث ابن الهاد وعقيل- وقد علقه من حديث الزبيدي أيضًا، ولم أجد الآن من وصله!
ومقصوده من هذِه التعليقات واضح، وهو بيان أن قول ابن عيينة في هذا الحديث عن الزهري: فاقضوا، شاذ أو خطأ؛ لمخالفتها لرواية جمهور أصحاب الزهري الذين قالوا فيه عنه: فأتموا؛ وأن هذِه اللفظة هي الصواب
…
اهـ. انظر: "صحيح أبي داود" 3/ 111.
(3)
انظر "المجموع" 4/ 117.
(4)
انظر "المبسوط" 1/ 35، وعن مالك روايتان حكاهما القاضي عبد الوهاب. انظر:"عيون المجالس" 324/ 1 - 325، ولأحمد روايتان ذكرهما ابن قدامة "المغنى" 3/ 306.
إلى الأفعال فيبني عليها، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها. والمسألة خلافية للسلف أيضًا من الصحابة والتابعين، ووافق الخصم على أنه إذا أدرك ركعة من المغرب يتشهد في الثانية، وهو دال على أن ما أدركه أول صلاته، وابن رشد بناه على الخلاف.
وجمع بين السكينة والوقار إما من باب التأكيد أو أن السكينة: التأني في الحركات كما سلف، والوقار: في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت، والإقبال على طريقه بغير التفات ونحوه.
22 - باب مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الإِمَامَ عِنْدَ الإِقَامَةِ
؟
637 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي". [638، 909 - مسلم: 604 - فتح: 2/ 119]
ذكر فيه حديث أبي قتادة: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي".
23 - باب لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ مُسْتَعْجِلًا، وَليَقُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
638 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ". [تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ]. [انظر: 637 - مسلم: 604 - فتح: 2/ 120]
ذكر فيه حديث أبي قتادة من حديث شيبان، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الله ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أبِيهِ بمثله وزيادة "وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ". تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ.
الضمير في تابعه علي أنه يعود على شيبان وهو ابن عبد الرحمن.
وذكر الطرقي في "أطرافه" أنهما تفردا بقوله: "وعليكم بالسكينة". وليس كذلك، فقد تابعهما معاوية بن سلام في أبي داود
(1)
، وتفرد معمر بقوله:"حتى تروني قد خرجت". وقد أخرجها مسلم
(2)
.
ثم اعلم أن أبا مسعود جعل هذا الحديث وحديث أبي قتادة السالف حديثين، وكذلك الحميدي
(3)
، ثم ظاهر قوله:"فلا تقوموا حتى تروني" أنه لا يقوم المأموم حتى يرى إمامه.
ومذهب الشافعي أنه يقوم عند فراغ المؤذن من الإقامة، ولو كان بطيء النهضة.
(1)
أبو داود (539).
(2)
مسلم (604) كتاب: المساجد، باب متى يقوم الناس للصلاة.
(3)
تقدم الكلام على ذلك في الحديث (635).
وقيل: إن هذا يقوم عند قوله: قد قامت الصلاة
(1)
، وذهب مالك وجمهور العلماء إلى أنه ليس لقيامهم حد
(2)
، ولكن استحب عامتهم القيام إذا أخذ المؤذن في الإقامة
(3)
، وكان أنس يقوم إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة. وعن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إذا قال المؤذن: الله أكبر، وجب القيام، وإذا قال: حي على الصلاة اعتدلت الصفوف، وإذا قال: لا إله إلا الله، كبر الإمام.
وفي "المصنف": كره هشام -يعني ابن عروة- أن تقوم حتى يقول المؤذن: قد قامت الصلاة
(4)
. وقد سلف مذاهب العلماء في ذلك في باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب
(5)
، مع الجمع بينه وبين ما عارضه، فراجعه منه.
(1)
انظر "الحاوي الكبير" 2/ 59.
(2)
"المدونة"1/ 165.
(3)
انظر "الأصل" 1/ 18، "المغنى" 2/ 123.
(4)
"المصنف" 1/ 356 (4099) كتاب: الصلوات، باب: من قال: إذا فال المؤذن: قد قامت الصلاة. فليقم.
(5)
سلف في كتاب: الغسل شرح حديث رقم (275).
24 - باب هَل يَخرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ
؟
639 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَّهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ، قَالَ:"عَلَى مَكَانِكُمْ". فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدِ اغْتَسَلَ. [انظر: 275 - مسلم: 605 - فتح: 2/ 121]
ذكر فيه حديث أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ، الحديث.
وقد سلف في التيمم
(1)
في الباب المشار إليه قريبًا
(2)
.
وقوله: (فمكثنا على هيئتنا)، قال ابن التين: رويناه بفتح الهمزة والنون، وفي أخرى: بكسر الهاء، وكذا هو في "الصحاح"
(3)
قال: يقال: امش على هينتك أي: على رسلك، قال: وفي رواية بفتح الهاء والهمز وهو أبين، أي: على حالنا. وقال ابن قرقول: على هينتنا، وعند الأكثر: هيئتنا، وكلاهما صحيح.
وقوله: ينطف: هو بكسر الطاء وضمها أي: يقطركما جاء في الرواية الآتية في الباب بعده، وفيه أنه قد تكون بين الإقامة والصلاة مهلة بمقدار اغتساله عليه السلام وانصرافه، وجواز انتظار الإمام قيامًا.
(1)
في هامش الأصل تعليق نصه: في الغسل في باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب خرج كما هو ولا يتيمم.
(2)
سلف برقم (275) كتاب: الغسل، باب: إذا ذكر في المسجد أنه جنبٍ.
(3)
"الصحاح" 1/ 85.
25 - باب إِذَا قَالَ الإِمَامُ: مَكَانَكُمْ حَتَّى أرْجَعَ
(1)
؛ انْتَظَرُوهُ
640 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَقَدَّمَ وَهْوَ جُنُبٌ ثُمَّ قَالَ:"عَلَى مَكَانِكُمْ". فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ. [انظر: 275 - مسلم: 605 - فتح: 2/ 122]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ إلى أن ذكر حديث أبي هريرة المذكور محمد بن يوسف هو الفريابي، وإسحاق هذا لعله ابن منصور، كما قال الجيانى
(2)
وابن طاهر، وهو كذلك في مسلم
(3)
.
(1)
كتب فوقها في الأصل: يرجع. وفوقها رموز ح م د.
(2)
"تقييد المهمل" 3/ 984.
(3)
مسلم (2662/ 31) قال: وحدثني إسحاق بن منصور، أخبرنا محمد بن يوسف
…
عن عائشة، قالت دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار ..
26 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا
641 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا". فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بُطْحَانَ وَأَنَا مَعَهُ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى -يَعْنِي: الْعَصْرَ- بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. [انظر: 596 - مسلم: 631 - فتح: 2/ 123]
ذكر فيه حديث جابر السالف في الجماعة في الفوائت وغيره
(1)
: "والله ما صليتها"، وفيه رد قول من يقول إذا سئل هل صليت؟ وهو منتظر الصلاة، فيكره أن يقول: لم أصل، وهو قول إبراهيم النخعي، رواه عنه ابن أبي شيبة، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي هاشم، عنه: أنه كره أن يقول الرجل: لم نصل، ويقول: يصلي
(2)
. والسنة ترد عليه.
(1)
سلف برقم (596) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت، وبرقم (598) باب: قضاء الصلوات الأولى فالأولى، وسيأتي برقم (945) صلاة الخوف، باب: الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو.
وبرقم (4112) كتاب: المغازي، باب: غزوة الخندق، وهي الأحزاب.
(2)
"المصنف"(8352) كتاب: الصلوات، باب: من كره أن يقول الرجل لم يصلِّ.
27 - باب الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ
642 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ. [643، 6292 - مسلم: 376 - فتح: 2/ 124]
ذكر فيه حديث عبد العزيز بن صهيب، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِب المَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَامَ القَوْمُ
(1)
.
(1)
في هامش الأصل: من خط الشيخ في الهامش أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
28 - باب الكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ
643 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلَاةُ، فَحَدَّثَنِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. وَقَالَ الَحسَنُ: إِنْ أُمُّهُ عَنِ العِشَاءِ في جَمَاعَةٍ شَفَقَةً عَلَيهِ لْم يُطِعْهَا. [انظر: 642 - مسلم: 376 - فتح 2/ 124]
ذكر فيه حديث حميد قَالَ: سَأَلْتُ ثَابِتًا البُنَانِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلَاةُ، فَحَدَّثَنِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ.
الحديث دال على ما ترجم له، وهو جواز الكلام بعد الإقامة، وقد اختلف العلماء فيه، فأجازه الحسن البصري وفعله عمر رضي الله عنه، وكرهه النخعي والزهري، والحديث حجة عليهما. ونقل ابن التين عن الكوفيين منع الكلام بعدها، وهو مردود أيضا، وفيه أيضًا رد لقول الكوفيين: إن المؤذن إذا أخذ في الإقامة، وقال: قد قامت الصلاة، وجب على الإمام التكبير
(1)
، وعمل الخلفاء الراشدين على التكبير بعد الأمر بتسوية الصفوف، وبه قال مالك وأهل الحجاز
(2)
، ومحمد ابن الحسن
(3)
.
وفيه أيضًا: أن اتصال الإقامة بالصلاة ليس شرطًا في إقامتها. نعم قال مالك: إذا بعدت الإقامة من الإحرام رأيت أن تعاد الإقامة استحبابًا؛ لأن فعل الشارع في هذا الحديث يدل أنه ليس بلازم،
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 197.
(2)
"المدونة" 1/ 65.
(3)
انظر "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 197.
وإنما ذلك عند الحاجة التي يخاف فوتها من أمر المسلم.
قلت: وأبعد من قال: لعله دخل في الصلاة بقرب الإقامة، فالحديث يرده، وكذا من قال: لعله أعاد الإقامة، والظاهر أن هذِه الحاجة عرضت بعد الإقامة فتداركها خوف فوتها.
وفيه: تناجي الاثنين دون الجماعة، وإنما الممنوع تناجي اثنين دون واحد.
وفي الترمذي من حديث أنس: كان عليه السلام ينزل عن المنبر، فيعرض له الرجل فيكلمه ويقوم معه حتى تقضى حاجته، ثم يتقدم إلى مصلاه، فيصلي. ثم استغربه وقال عن البخاري: وهم جرير فيه.
وقال أبو داود: الحديث ليس بمعروف. وخالف الحاكم فقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
(1)
.
فائدة:
عرض له كذا يعرض أي: ظهر، وعرض العود على الإناء، والسيف على فخذه يعرضه ويعرُضه.
(1)
"سنن الترمذي" 2/ 394 - 395 (517)، "علل الترمذي الكبير" 1/ 276 - 277، "سنن أبي داود" 1/ 668 - 669 (1120)، "مستدرك الحاكم" 1/ 290. والحديث رواه أيضًا النسائي 1/ 209، وابن ماجه (1117)، والبيهقي 3/ 224، وأحمد 3/ 213، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (208).
29 - باب وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ
.
وَقَالَ الحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أمُّهُ عَنِ العِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ شَفَقَةَ لَمْ يُطِعْهَا.
644 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ". [657، 2420، 7224 - مسلم:651 - فتح: 2/ 125]
ثم ذكر فيه حديث أبى هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمرَ بحَطَبِ فَيُحْطَبَ، ثمَّ آمرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ خَالِفً إلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَد لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ العِشَاءَ".
والكلام على ذلك من وجوه:
أحدها: هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وكرره البخاري في الباب قريبًا
(2)
، وفي الإشخاص في باب: إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة
(3)
.
(1)
مسلم برقم (651) كتاب المساجد، باب: فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها.
(2)
سيأتي برقم (657) كتاب: الأذان، باب: فضل العشاء في الجماعة.
(3)
سيأتي برقم (2420) كتاب: الخصومات.
ثانيها:
استدل به من قال: الجماعة فرض عين في غير الجمعة، وهو مذهب أحمد وابن المنذر
(1)
، وداود
(2)
، وابن خزيمة، وجماعة، والأظهر عن أحمد أنها ليست شرطًا للصحة
(3)
، والأكثرون على أنها سنة كما نقله القاضي عياض وابن بطال
(4)
وغيرهما.
وأجاب الجمهور بأن هؤلاء المتخلفين كانوا منافقين، والسياق يقتضيه؛ فإنه لا يظن بالمؤمنين من الصحابة أنهم يؤثرون ترك الصلاة خلفه، وفي مسجده؛ لأجل العظم السمين؛ ولأنه لم يحرق بل همّ به وتركه، والهم بالشيء غير فعله، ولو كانت فرض عين لما تركهم.
نعم في "سنن أبي داود": "لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزمًا من حطب، ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليست لهم علة فأحرقها عليهم"
(5)
، وظاهرها أنهم كانوا مؤمنين.
ثالثها:
إن جعلت الألف واللام في قوله: "ثم آمر بالصلاة"، للجنس فهو عام، وإن جعلت للعهد، ففي رواية: أنها العشاء
(6)
، وفي أخرى:
(1)
انظر: "الأوسط" 4/ 134، "المغنى" 3/ 5.
(2)
انظر "المحلى" 4/ 188.
(3)
انظر: "المغني" 3/ 6.
(4)
"إكمال المعلم" 2/ 623، "شرح ابن بطال" 2/ 269.
(5)
"سنن أبي داود"(549) وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(558): صحيح، دون قوله: ليست بهم علة، وإن كانت صحيحة المعنى، والصحيح: يسمعون النداء.
(6)
هو حديث الباب، وسيأتي أيضًا برقم (7224) كتاب: الأحكام، باب: إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة، ورواه مسلم (651/ 251).
والفجر
(1)
، وفي أخرى: الجمعة
(2)
، وفي أخرى: يتخلفون عن الصلاة مطلقًا
(3)
، ولا تضاد بينها لجواز تعدد الواقعة.
نعم إذا كانت هي الجمعة، فالجماعة شرط فيها. ومحل الخلاف إنما هو في غيرها. قال البيهقي: والذي يدل عليه سائر الروايات أنه عبر بالجمعة عن الجماعة
(4)
، ونوزع في ذلك
(5)
.
رابعها:
فيه العقوبة بالمال وعزي إلى مالك
(6)
، وكان في أول الإسلام ثم نسخ عند الجمهور
(7)
.
خامسها:
فيه استخلاف الإمام عند عروض شغل له، وإنما هم به بعد الإقامة؛ لأن ذلك الوقت تتحقق مخالفتهم وتخلفهم، فيتوجه اللوم عليهم.
(1)
رواه مسلم (651/ 252) وفيه: صلاة العشاء وصلاة الفجر، وسيأتي برقم (657) وفيه: الفجر والعشاء.
(2)
رواه مسلم (652/ 254).
(3)
سيأتي برقم (2420) كتاب: الخصومات، باب: إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة وقد أورد الحافظ ابن حجر وحوى هذِه الروايات وجمع بينها في "الفتح" 6/ 128 - 129. فليراجع لزامًا.
(4)
"سنن البيهقي" 3/ 56.
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن رجب 5/ 454 - 455.
(6)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 271، "المعلم" للمازري 1/ 202، "إكمال المعلم" 2/ 623.
(7)
قال الحافظ ابن رجب: دعوى نسخ العقوبات المالية بإتلاف الأموال لا تصح، والشريعة طافحة بجواز ذلك، كأمره صلى الله عليه وسلم بتحريق الثوب المعصفر بالنار، وأمره بتحريق متابع الغال، وأمره بكسر القدور التي طبخ فيها لحوم الحمر الأهلية، وحرق عمر بيت خمار
…
"فتح الباري" 5/ 460.
سادسها:
فيه جواز الانصراف بعد إقامة الصلاة لعذر.
سابعها:
تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة، وهو من باب الدفع بالأخف.
ثامنها:
قوله "فأحرق عليهم بيوتهم": ظاهره أنه أراد حرقهم وقتلهم بالنار، إذ لو لم يرد ذلك لقال: فأحرق بيوتهم، ولم يقل: عليهم، وهذا يقوي ما سلف أنه في المنافقين؛ لأن المؤمن لا يقتل بترك الجمعة إجماعًا، وإن حكي فيه خلاف عندنا
(1)
.
وحديث النهي عن التعذيب بالنار
(2)
يحتاج إلى الجمع بينه وبين ما نحن فيه، فإن ادعى أنه ناسخ، فيحتاج إلى ثبت، وأن النسخ خلاف الأصل
(3)
.
تاسعها:
فيه جواز الحلف من غير استحلاف، وهذا قسم كان يجري على لسانه صلى الله عليه وسلم فنفوس العباد بيده تعالى أي: أمرها مردود إليه، فيتصرف
(1)
انظر: "روضة الطالبين" 2/ 148.
(2)
سيأتي برقم (3016).
(3)
قال الحافظ ابن رجب: وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن التحريق بالنار، فإنما أراد به تحريق النفوس وذوات الأرواح. فإن قيل: فتحريق بيت العاصي يؤدي إلى تحريق نفسه، وهو ممنوع. قيل: إنما يقصد بالتحريق داره ومتاعه، فإن أتى على نفسه لم يكن بالقصد، بل تبعًا كما يجوز تبييت المشركين وقتلهم ليلًا وقد أتى القتل على ذراريهم ونسائهم
…
"فتح الباري" 5/ 460 - 461. وسيأتي مزيد تفصيل عند حديثي (2954، 3016).
فيه على ما أراد، واللام في لقد جواب القسم، وهممت بالشيء أهم به: إذا عزمت عليه.
عاشرها:
أخذ أهل الجرائم على غرة.
الحادي عشر:
قتل تارك الصلاة متهاونًا أي: إذا قلنا: إن الخطاب للمؤمنين، كذا استدل به القاضي
(1)
. ورواية أبي داود ترده
(2)
.
الثاني عشر:
معنى "أخالف إلى رجال": أذهب إليهم، وقوله: فيؤذن لها: كذا هو باللام أي: أعلمت الناس لأجلها، وروي بالباء
(3)
، أي: أعلمت بها، والهاء مفعول ثان.
وقوله: "فأحرق" يقال: أحرقت الثوب وحرقته، والتشديد للتكثير، وهي أكثر في رواية هذا الحديث من التخفيف.
الثالث عشر:
العَرْق بفتح العين وإسكان الراء: العظم بما عليه من بقية اللحم يقال: عرقته واعترقته إذا أكلت ما عليه بأسنانك
(4)
.
وقال أبو عبيد: العَرق الفدرة من اللحم أي بالفاء لا بالقاف، وهي القطعة الكبيرة منه. وقال الخليل: العراق: العظم بلا لحم، فإن كان عليه
(1)
"إكمال المعلم" 2/ 623.
(2)
أبو داود (548 - 549).
(3)
رواه النسائي في "الكبرى" 1/ 297 (921)، وأبو يعلى 11/ 222 (6338).
(4)
انظر: "الصحاح" 4/ 1523.
لحم فهو عرق
(1)
.
قال القزاز في "جامعه": وهو أكثر قولهم، وقال بعضهم: التعرق مأخوذ من العرق كأن المتعرق أكل ما عليه من اللحم وعرق. وعن ابن قتيبة: تُسَمَّى عراقًا إذا كانت جرداء لا لحم عليها، وتُسمَّى عُراقًا وعليها اللحم
(2)
. وفي "المحكم" عن ابن الأعرابي في جمعه: عراق بالكسر وهو أقيس
(3)
.
الرابع عشر:
المرماتان: بكسر الميم وفتحها، حكاهما في "المطالع"، واحدهما مرماة ما بين ظلفي الشاة من اللحم، فالميم أصلية. وقال الداودي: هما مضغتا لحم، وقال: هما سهمان من سهام الرمي وهو الأشبه؛ لأنه كما قال: عرقًا سمينًا أراد به ما يؤكل، فأتبعه بالسهمين؛ لأنهما مما يلهو، وقيل: هما سهمان يلعب بهما في كوم من تراب، فمن أثبته فقد غلب وأحرز سبقه، وعلى هذا لا يجوز إلا الكسر فيه. وقال الأخفش: المرماة: لعبة كانوا يلعبونها بنصال متعددة، يرمونها في كوم من تراب فأيهم أثبتها في الكوم غلب.
(1)
"العين" 1/ 154.
(2)
"غريب الحديث" 1/ 262.
(3)
"المحكم" 1/ 110.
30 - باب فَضْلِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ
وَكَانَ الأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الجَمَاعَةُ ذَهَبَ إلى مَسْجِدٍ آخَرَ.
وَجَاءَ أَنَسٌ إلى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذنَ وَأقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً.
645 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً". [649 - مسلم: 650 - فتح: 2/ 131]
646 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً". [فتح: 2/ 131]
647 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ". [انظر: 176 - مسلم: 362، 649 - فتح: 2/ 131]
وَكَانَ الأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الجَمَاعَةُ ذَهَبَ إلى مَسْجِدٍ آخَرَ.
قلت: قد روي ذلك عن حذيفة وسعيد بن جبير
(1)
، وذكر الطحاوي
(1)
روى ذلك عنهما ابن أي شيبة 2/ 21 (5989، 5991).
كتاب: الصلوات، باب: الرجل تفوته الصلاة في مسجد قومه.
عن الكوفيين ومالك: إن شاء صلى في مسجده وحده، وإن شاء أتى مسجدًا آخر يطلب فيه الجماعة، إلا أن مالكًا قال: إلا أن يكون في المسجد الحرام أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يخرجوا منه ويصلوا فيه وحدانًا؛ لأن هذين المسجدين الفذ أعظم أجرًا ممن صلى في جماعة
(1)
. وقال الحسن البصري: ما رأينا المهاجرين يبتغون المساجد
(2)
.
قال الطحاوي: والحجة لمالك أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة، والصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة أفضل من الصلاة في غيرها، فلذلك لا يتركهما ابتغاء الصلاة في غيرهما
(3)
.
وفي "مختصر ابن شعبان" عن مالك: من صلى في جماعة فلا يعيد في جماعة إلا في مسجد مكة والمدينة. ثم قال البخاري: (وجاء أنس إلى مسجد قد صلي فيه فأذن وأقام وصلى جماعة). وهذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية، عن الجعد أبي عثمان، عنه
(4)
. وعن هشيم، أنا يونس بن عبيد، حدثني أبو عثمان السكري فذكره
(5)
.
واختلف العلماء في الجماعة بعد الجماعة في المسجد، فرُوي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود في مسجد قد جمع فيه
(6)
. وهو قول عطاء والحسن في رواية، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأشهب
(7)
؛ عملًا
(1)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 257.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 21 (5995).
(3)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 257 - 258.
(4)
"المصنف" 1/ 200 (2298).
(5)
"المصنف" 2/ 113 (7093).
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 114 (7106).
(7)
انظر "المغنى" 3/ 10، "النوادر والزيادات" 1/ 330.
بظاهر الحديث: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ" الحديث
(1)
.
وقد وقع ذلك في مسجده صلى الله عليه وسلم وقال: "أيكم يتصدق على هذا فيصلي معه" الحديث، كما أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، وقال: إنه قول غير واحد من أهل العلم من الصحابة والتابعين
(2)
.
وقالت طائفة: لا يجمع في مسجد جمع فيه مرتين، رُوي ذلك عن سالم والقاسم، وأبي قلابة، وهو قول مالك والليث، وابن المبارك، والثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة
(3)
، والشافعي قال بعضهم: إنما كره ذلك خشية افتراق الكلمة فإن أهل البدع يتطرقون إلى مخالفة الجماعة وقال مالك والشافعي إذا كان المسجد على طريق لا إمام له، ولا بأس أن يجمع فيه قوم بعد قوم
(4)
. وحاصل مذهب الشافعي أنه لا يكره في المسجد المطروق، وكذا غيره إن بعُد مكان الإمام ولم يخف فيه.
ثم ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث.
أحدها: حديث ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً".
ثانيها: حديث أبي سعيد مثله.
ثالثها: حديث أبي هريرة: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَغَفُ عَلَى صَلَاِتهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ
(1)
الحديثان الآتيان في الباب (645 - 646).
(2)
أبو داود (574)، الترمذي (220) من حديث أبي سعيد الخدري. ورواه أيضًا أحمد 3/ 64، 85، وابن حبان (2397 - 2398)، والحاكم 1/ 209، والبيهقي 3/ 68 - 69. والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (589).
(3)
"البناية" 2/ 697، "المدونة" 1/ 89.
(4)
"الأم" 1/ 136 - 137.
فأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: الَلَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ".
والكلام عليها من أوجه:
أحدها:
أما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وعدد الترمذي رواته وقال: عامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قالوا: بخمس وعشرين إلا ابن عمر، فإنه قال: بسبع وعشرين
(2)
. وأما حديث أبي سعيد فهو ساقط في بعض النسخ، وهو ثابت في "الأطراف" لأبي مسعود وخلف دون الطرقي وهو من أفراد البخاري، وذكره أبو نعيم هنا بعد حديث ابن عمر، وذكره الإسماعيلي أول الباب قبله.
وأما حديث أبي هريرة فسلف في باب الصلاة في مساجد السوق
(3)
، ويأتي في البيوع أيضًا
(4)
.
ثانيها:
الجماعة: اسم لعدد من الناس مجتمعون، ويقع على الذكور والإناث.
(1)
مسلم (650) كتاب: المساجد، باب: فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها.
(2)
"سنن الترمذي" حديث (215) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في فضل الصلوات الخمس.
(3)
سبق برقم (477).
(4)
سيأتي برقم (2119) باب: ما ذكره في الأسواق.
وقوله: تفضل صلاة الفذ: كذا هو في عدة نسخ من البخاري، وعزاه ابن الأثير إليه في "شرح المسند" بلفظ:"على صلاة الفذ"، ثم أولها بأن تفضل لما كانت بمعنى: زاد، وهو يتعدى بعلى، أعطاها معناها فعداها بها، وإلا فهي متعدية بنفسها.
قال: وأما الذي في مسلم: "أفضل من صلاة الفذ". فجاء بها بلفظة أفعل التي هي للتفضيل والتكثير في المعنى المشترك فيه، وهى أبلغ من تفضل؛ لأنها تدل على التفضيل دلالة هي أفصح من دلالة تفضل عليه.
والفضل: الزيادة، والفذ: المنفرد بالذال المعجمة، ومعناه: المصلي وحده، ولغة عبد القيس: الفنذ بالنون وهي غنة لا نون حقيقية. قال: وكذلك يقول أهل الشام.
والدرجة: المرتبة والمنزلة يريد أن صلاة الجمعة تزيد على ثواب صلاة الفذ بسبعة وعشرين ضعفًا.
والظاهر أن كل درجة بمقدار صلاة الفذ، ولفظ التضعيف يشعر بذلك؛ لأن التضعيف إنما يكون بمثل الشيء المضاعف، وخص الدرجة في هذِه الرواية دون الجزء والنصيب والحظ؛ لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع، وأنها فوق تلك بكذا وكذا درجة؛ لأن الدرجة إلى جهة فوق.
ثالثها:
اختلف في الجمع بين رواية "سبع وعشرين درجة"، و"خمسة وعشرين ضعفًا"، وفي أخرى: في الصحيح: "جزءًا"
(1)
بدل ضعفًا
(1)
سيأتي برقم (648).
على أوجه وصلتها في "شرح العمدة" إلى ثلاثة عشر وجهًا
(1)
، ونذكر هنا منها ثلاثة:
أحدها: أنه لا منافاة بينهما فذكر القليل لا ينفي الكثير، ومفهوم العدد مختلف فيه. قال ابن برهان
(2)
: والشافعي والجمهور يقولون به.
ثانيها: أن يكون أولًا أخبر بالقليل ثم أعلمه الله بزيادة الفضل، فأخبر بها، ولابد من معرفة التاريخ على هذا.
ثالثها: أنه يختلف باختلاف المصلين والصلاة، فيكون لبعضهم خمسًا وعشرين، ولبعضهم سبعًا وعشرين، بحسب كمال الصلاة من المحافظة على هيئتها وخشوعها، وكثرة جماعتها، وفضلهم، وشرف البقعة، ونحو ذلك. وغلط من قالج: إن الدرجة أصغر من الجزء؛ فإن في الصحيح خمسًا وعشرين درجة وسبعًا وعشرين درجة، وأنه إذا جزئ درجات كان سبعًا وعشرين، وقد تكلف جماعة تعليل هذِه الدرجات كابن بطال
(3)
، وابن التين وغيرهما، وما جاءوا بطائل. ولابن حبان فيه مصنف.
(1)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 350 - 354.
(2)
هو العلامة الفقيه، أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان بن الحماني، البغدادي الشافعي. كان أحد الأذكياء، بارعًا في المذهب وأصوله، من أصحاب ابن عقيل ثم تحول شافعيًا، ودرس بالنظامية، تفقه بالشاشي والغزالي مات كهلًا سنة ثماني عشرة وخمس مائة. وانظر تمام ترجمته في:"المنتظم" 9/ 250، "وفيات الأعيان" 1/ 99، "سير أعلام النبلاء" 19/ 456 (264)، "الوافي بالوفيات" 7/ 207، "شذرات الذهب" 4/ 61.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 276 - 277.
رابعها:
فيه دلالة على سنية الجماعة، وهو قول الأكثرين؛ لأن تفضيل فعل على آخر يشعر بتفضيلهما، وهي هنا مقتضية لذلك، وزيادة فضل الجماعة، وفيه رد على داود حيث قال: إنها شرط للصحة وهي رواية عن أحمد
(1)
.
وبقية فوائده ومتعلقاته أوضحته في "شرح العمدة"
(2)
.
وأما حديث أبي سعيد فانفرد بإخراجه البخاري، وأما حديث أبي هريرة فسلف في باب الصلاة في مساجد السوق
(3)
، وباب الحدث في المسجد
(4)
، ويأتي أيضًا في البيوع
(5)
.
(1)
"المحلى" 4/ 188، "المبدع" 2/ 41.
(2)
"الإعلام" 2/ 350 - 354.
(3)
سيأتي برقم (477).
(4)
سبق برقم (445) كتاب: الصلاة.
(5)
سيأتي برقم (2119).
31 - باب فَضْلِ صَلَاةِ الفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ
648 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]. [انظر: 176 - مسلم: 362، 649 - فتح: 2/ 137]
649 -
قَالَ شُعَيْبٌ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: تَفْضُلُهَا بِسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَةً. [انظر: 645 - مسلم: 650 - فتح: 2/ 137]
650 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهْوَ مُغْضَبٌ، فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا إِلاَّ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا. [فتح:2/ 137]
651 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِى يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ". [مسلم: 662 - فتح: 2/ 137]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث أبي هريرة مرفوعًا: "تَفْضُلُ صَلَاةُ الجَمِيعِ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شَئْتُمْ {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].
وفي حديث ابن عمر: تَفْضُلُهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.
هذا الحديث سلف، قريبًا تراه، لكن من طريق آخر إلى أبي هريرة
(1)
.
ويأتي في التفسير أيضًا في سورة سبحان
(2)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
، والمراد بقرآن الفجر: صلاة الفجر. كما جاء مفسرًا، ويأتي - إن شاء الله تعالى- ذلك في التفسير.
ثم ساق البخاري عن سالم، عن أم الدرداء رضي الله عنها أنها قالت: دَخَلَ عَلَى أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهْوَ مُغْضَبٌ، فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: والله مَا أَعْرِفُ مِنْ أمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا إِلا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا.
وهذا من أفراد البخاري
(4)
.
وسالم هذا هو ابن أبي الجعد
(5)
، واسم أم الدرداء: هجيمة، وقيل: بتقديم الجيم الوصابية، وقيل: الأوصابية -ووصاب: بطن من حمير مشهور باليمن إلى الآن- وأم الدرداء هذِه هي الصغرى
(6)
. وفي
(1)
برقم (647).
(2)
سيأتي برقم (4717).
(3)
مسلم برقم (649) كتاب: المساجد، باب: فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها.
(4)
في هامش الأصل: كتبت من خط المصنف: عزاه بن الأثير إلى الترمذي ولم يذكره بن عساكر ولا النسائي.
(5)
تقدمت ترجمته في حديث (141).
(6)
هي السيدة العالمة الفقيهة، هجيمة، وقيل جهيمة الحميرية الدمشقية، روت علمًا جمًّا عن زوجها أبي الدرداء، وسلمان الفارسي وعائشة وأبي هريرة، وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء. وطال عمرها واشتهرت بالعلم والعمل والزهد.
انظر تمام ترجمتها في: "تهذيب الكمال" 35/ 352 (7974)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 277 (100)، "تذكرة الحفاظ" 1/ 50. ووسمت أو وصفت هذِه بالصغرى، تمييزًا لها عن الكبرى وهي خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي، أم الدرداء الكبرى. =
الحديث: دلالة على جواز الغضب عند تغيير الدين وأحوال الناس في معاشرتهم؛ لأن أبا الدرداء كان يعرف أحوالًا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدها قد تغيرت؛ لأنه عاش إلى أواخر ولاية عثمان، مات سنة اثنتين وثلاثين
(1)
، وفيه أيضًا إنكار المنكر بالغضب إذا لم يستطع أكثر من ذلك.
وقوله: (ما أعرف) إلى آخره فيه حذف المضاف إليه؛ لدلالة الكلام، ومعناه: لا اعلم من شريعة أمة محمد شيئًا لم يتغير عما كان إلا الصلاة.
ثم ذكر البخاري بعده حديث أبي موسى مرفوعًا: "أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الذِي يُصَلَّي ثُمَّ يَنَامُ".
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، واقتصر المجد في "أحكامه" على عزوه إليه، وأغفله الحميدي في "جمعه"، وعزاه البيهقي والضياء إلى "الصحيحين"
(3)
، وذكره الإسماعيلي وأبو نعيم في "مستخرجيهما" على البخاري، وإنما كان أعظم أجرًا أبعدهم ممشى؛ لكثرة الخطى.
= انظر ترجمتها في: "الاستيعاب" 4/ 488 (3584)، "أسد الغابة" 7/ 327 (7430)، "الإصابة" 4/ 295 (386).
(1)
هو عويمر بن عامر بن مالك بن زيد بن قيس، وقيل: اسم أبي الدرداء عامر بن مالك، وعويمر لقب، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زيد بن ثابت وعائشة، انظر تمام ترجمته في:"الاستيعاب" 4/ 211، "أسد الغابة" 6/ 97 (5858)، "تهذيب الكمال" 22/ 469 (4558)، "الإصابة" 3/ 45 (6117).
(2)
مسلم برقم (662). كتاب: المساجد، باب: فضل كثرة الخطا إلى المساجد.
(3)
"السنن الكبرى" 10/ 77 - 78 (20106) كتاب: النذور، باب: من نذر تبررًا أن يمشى بيت الله الحرام.
واعلم أنه قد بين في الحديث الأول المعنى الذي أوجب الفضل لشهود الفجر في الجماعة هو اجتماع ملائكة الليل والنهار فيها، وكذا في صلاة العصر أيضًا؛ ولذلك حث الشارع على المحافظة عليها؛ ليكون من حضرهما ترفع الملائكة عمله وتشفع له.
قال ابن بطال: ويمكن أن يكون اجتماع الملائكة فيهما هما الدرجتان الزائدتان على الخمسة وعشرين جزءًا في سائر الصلوات التي لا تجتمع الملائكة فيها
(1)
.
وأما الحديث الأخير فوجه اختصاصه بصلاة الفجر كما بوّب عليه البخاري أنه جعل بُعد المشي سببًا في زيادة الأجر؛ لأجل المشقة، والأجر على قدر النصب، ولا شك أن المشي إلى صلاة الفجر أشق منه إلى بقية الصلوات؛ لمصادفة ذلك الظلمة ووقت النومة المشتهاة طبعًا، ذكر ذلك ابن المنير
(2)
، والمعنى الذي ذكره يصلح أيضًا في صلاة العشاء، مع أن الانتظار في الحديث عام. والحديث دال على فضل المسجد البعيد؛ لأجل كثرة الخطى، فلو كان بجواره مسجد ففي مجاوزته إلى الأبعد ما ستعلمه في باب احتساب الآثار قريبًا
(3)
.
وقول شيخنا قطب الدين في "شرحه": إن كان المراد في الحديث بهذِه الصلاة: الفجر، فيؤخذ منه أيضًا استحباب تأخيرها؛ ولذلك يحتمل إن كانت صلاة العشاء، لا نوافق عليه.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 279.
(2)
"المتواري" 96 - 97.
(3)
انظر شرح حديثي (655 - 656).
32 - باب فَضْلِ التَّهْجِيِر إِلَى الظُّهْرِ
652 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ -مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ". [2472 - مسلم: 1914 - فتح: 2/ 139]
653 -
ثُمَّ قَالَ: "الشُهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ". وَقَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عَلَيْه". [720، 2829، 5733 انظر: 615 - مسلم: 437، 914 - فتح: 2/ 139]
654 -
"وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا". [انظر: 615 - مسلم: 437 - فتح: 2/ 131]
ذكر فيه حديث أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقِ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ".
ثُمَّ قَالَ: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ". وَقَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّف الأوَّلِ"
كذا ذكره هنا مطولًا وهو مشتمل على عدة أحاديث جمعها أبو هريرة في مساق واحد، ويحتمل أن كون سمعها جملة واحدة، فأخبر بها كما سمعها، وقد سلف من قوله: وقال: "لو يعلم الناس"
…
إلى آخره في باب الاستهام في الأذان
(1)
، وذكره في باب الصف الأول كما سيأتي
(2)
، ولم يذكر فيه الخامس وهو الشهيد في سبيل الله، وكأنه من
(1)
سلف برقم (615) كتاب: الأذان.
(2)
سيأتي برقم (720 - 721) كتاب: الأذان.
المعلوم عندهم، ولم يذكر فيه غصن الشوك، وأخرجه في المظالم
(1)
، وأخرج في باب الشهادة سبع في كتاب الجهاد حديث الشهداء
(2)
، وقطّعه مسلم أيضًا
(3)
وأخرج قصة الغصن في الجهاد
(4)
.
إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
فيه فضل إماطة الأذى عن الطريق، وقد جعل صلى الله عليه وسلم في الحديث كما مر إماطة الأذى عن الطريق من أدنى شعب الإيمان
(5)
، وإذا كان كذلك وقد غفر لفاعله، فكيف بمن أزال ما هو أشد من ذلك؟
ثانيها:
شكر الله تعالى أي: رضي فعله ذلك، وأثابه عليه بالأجر والثناء الجميل، وأصل الشكر الظهور فيكسبه الله قلبًا لينًا أو تترجح إحدى كفتيه بالإماطة، وذلك علامة على الغفران.
ثالثها:
قوله: "الشهداء خمسة": كذا جاء في الصحيح، وفي رواية مالك في "الموطأ" من حديث جابر بن عتيك "الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله"، فذكر الخمسة المذكورة في هذا الحديث، وزاد: وصاحب ذات الجنب والحريق، والمرأة تموت بجمع
(6)
، وتركه الشيخان؛
(1)
سيأتي برقم (2472) باب: من أخذ الغصن.
(2)
سيأتي برقم (2829).
(3)
مسلم برقم (1914) كتاب: الإمارة، باب: بيان الشهداء.
(4)
سيأتي برقم (2472) كتاب: المظالم، باب: من أخذ الغصن.
(5)
راجع شرح حديث (9).
(6)
"الموطأ" 1/ 366 - 367 (935) كتاب: الجهاد، باب: ما يكون فيها الشهادة.
لاختلاف في إسناده، ذكره الدارقطني وابن الحذاء، ولابن عساكر من حديث ابن عباس: تعداد الشهداء، وذكر فيهم الشريق وأكيلة السبع، ولا تناقض بين ذلك ففي وقت أوحى أنهم خمسة، وفي آخر: سبعة، وفي آخر: غير ذلك.
رابعها:
المطعون: من مات به، وهو شهادة لكل مسلم كما صح
(1)
، ولم يرد المطعون بالسنان؛ لأنه الشهيد في سبيل الله والطاعون: مرض عام يفسد له الهواء فتفسد الأمزجة والأبدان.
والمبطون: من مات بعلة البطن كالاستسقاء وانطلاق البطن وانتفاخه، وقيل: الذي يشتكي بطنه، وقيل: هو من مات بداء بطنه مطلقًا.
والغريق: من مات غريقًا بالماء.
وصاحب الهدم: قال ابن الجوزي: بفتح الدال -يعني: المهملة- وهو اسم ما يقع، قاله ابن الخشاب
(2)
، وإما بتسكينها فهو الفعل، والذي يقع هو الذي يقتل، ويجوز أن ينسب القتل إلى الفعل
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (2830) كتاب: الجهاد والسير، باب: الشهادة سبع سوى القتل.
(2)
هو الشيخ الإمام العلامة المحدث. إمام النحو، أبو محمد، عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر، البغدادي، ممن يضرب به المثل في العربية، حتى قيل: إنه بلغ رتبة أبي علي الفارسي توفي سنة سبع وستين وخمسمائة. انظر تمام ترجمته في: "المنتظم" 10/ 238، "وفيات الأعيان" 3/ 102، "سير أعلام النبلاء" 20/ 523 (337)، "شذارت الذهب" 4/ 220.
(3)
وقع في هامش الأصل تعليق: ثم بلغ في الثاني بعد السبعين. كتبه مؤلفه.
33 - باب احْتِسَابِ الآثَارِ
655 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَن أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا بَنِي سَلِمَةَ، ألَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ؟! ". وَقَالَ مُجَاهِدً فِي قَولهِ: {وَنكَتُبُ مَا قَدَّمُوًا وءَاثَرَهُم} [يس:12] قَالَ: خُطَاهُمْ. [656، 1887 - فتح: 2/ 139]
656 -
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ، أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْرُوا [الْمَدِينَةَ] فَقَالَ "أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ". قَالَ مُجَاهِدٌ: خُطَاهُمْ: آثَارُهُمْ أَنْ يُمْشَى فِي الأَرْضِ بِأَرْجُلِهِمْ. [انظر: 655 - فتح: 2/ 139]
ذكر فيه حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا بَنِي سَلِمَةَ، ألَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ؟! ".
قال وَقَالَ ابن أَبِي مَرْيَمَ: أنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ، أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَكَرِهَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْرُوا فَقَالَ: "أَلا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ؟! ".
زاد في أواخر الحج: "فأقاموا"
(1)
، وهذا الحديث المعلق، في بعض نسخ البخاري مسندًا، وقال فيه حدثنا ابن أبي مريم
(2)
، وعبارة المزي: زاد ابن أبي مريم فذكره. وأخرجه مسلم من حديث جابر. وفي آخره "يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم" مرتين
(3)
، وفي رواية له
(1)
سيأتي برقم (1887) باب: كراهية النبي صلى الله عليه وسلم -أن تعرى المدينة.
(2)
منها نسخة أبي ذر الهروي، انظر:"اليونينية" 1/ 132، وجزم الحافظ في "الفتح" 2/ 140 أنها لأبي ذر وحده.
(3)
مسلم برقم (665) كتاب: المساجد، باب: فضل كثرة الخطا إلى المساجد.
فنهانا، وقال:"إن لكم بكل خطوة درجة"
(1)
. وفي ابن ماجه من حديث ابن عباس: فنزلت: {وَنَكَتُبُ مَا قَدَّمُوْا وَءَاثَرَهُمْ} [يّس: 12] فثبتوا
(2)
، وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد كذلك
(3)
، ونقل البخاري عن مجاهد: خطاهم: آثارهم، أن يمشوا في الأرض بأرجلهم.
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
معنى يعروا: أي: المدينة يتركوها عراء أي: فضاء خالية، قال تعالى:{فَنبًذْنَهُ بِالْعَرَآءِ} [الصافات: 145]، أي: موضع خال. قال ابن سيده: هو المكان الذي لا يستتر فيه بشيء، وقيل: الأرض الواسعة، وجمعه: أعراء
(4)
، وفي "الغريبين": الممدود والمتسع من الأرض، قيل له ذلك؛ لأنه لا شجر فيه ولا شيء يغطيه، والعرى مقصورًا: الناحية، فكره عليه السلام أن تعرى وأحب أن تعمر؛ ليعظم المسلمون في أعين الكفار والمنافقين إرهابًا وغلظًا عليهم
(5)
.
وبنو سلمة بكسر اللام: بطن من الأنصار. قال القزاز والجوهري:
(1)
مسلم برقم (664) كتاب: المساجد، باب: فضل كثرة الخطا إلى المساجد.
(2)
ابن ماجه (785) قال البوصيري: هذا إسناد موقوف ضعيف، فيه سماك وهو ابن حرب وإن وثقه ابن معين وأبو حاتم فقد قال أحمد بن حنبل: ضعيف الحديث وقال فيه: روايته عن عكرمة خاصة مضطربة وروايته عن غيره صالحة. اهـ. "زوائد ابن ماجه"(267) باب: الأبعد فالأبعد عن المسجد أعظم أجرًا. وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه"(637): صحيح.
(3)
"سنن الترمذي"(3226) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة يس. قال أبو عيسى: حسن غريب من حديث الثوري.
(4)
"المحكم" 2/ 167.
(5)
"غريب الحديث" 2/ 554، "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 224.
ليس في العرب سلمة غيرهم
(1)
. وليس كما ذكرا ففيهم جماعات غيرهم، ذكر بعضهم ابن ماكولا
(2)
والرُشاطي وابن حبيب و"النوادر" لأبي على الهجري، وقال: لا يزيدون على أربعة وعشرين رجلًا.
ثانيها:
معنى "ألا يحتسبون": يطلبون وجه الله وثوابه، والآثار: الخطوات، وقد فسره في الحديث كما سلف، وذُكِر أيضًا عن الحسن
(3)
، كما ذكره البخاري عن مجاهد، ومعناه: الزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم إلى المسجد. فحثهم على لزوم الديار واحتساب الآثار، واستشعار النية، وخلوص الأمنية في سعيهم، ودخل في معنى ذلك كل ما يصنع الله تعالى من قليل وكثير أن يراد به وجهه ويخلص له فيه، فهو الذي يزكو وينتفع به.
ثالثها:
يستنبط منه فضل المقاربة بين الخطى في المشيم إلى الصلاة على الإسراع، وفضل البعد من المسجد، فلو كان بجواره مسجد ففي المجاوزة إلى الأبعد قولان، وكرهه الحسن وهو مذهب مالك.
وفي تخطي مسجده إلى مسجده الأعظم قولان عندهم، وسئل أبو عبد الله بن أبي لبابة فيما حكاه ابن بطال عن الذي يدع مسجده ويصلي في المسجد الجامع للفضل وكثرة الناس، فقال: لا يدع مسجده، وإنما فضل الجامع؛ في صلاة الجمعة فقط
(4)
.
(1)
"الصحاح" 5/ 1950.
(2)
"الإكمال" 4/ 334 - 336.
(3)
رواه الطبري في "تفسيره" 10/ 403 (29078).
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 282.
وذُكر عن ابن وهب أنه يمضي إلى الجامع وإن تعطل موضعه. ورُوي عن أنس أنه كان يتجاوز المساجد المحدثة إلى المساجد القديمة، وفعله مجاهد وأبو وائل
(1)
.
ورُوي عن بعضهم خلاف ذلك، سئل الحسن: أيدع الرجل مسجد قومه ويأتي غيره؟ فقال: كانوا يحبون أن يكثر الرجل قومه بنفسه
(2)
.
(1)
روى الآثار الثلاثة ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 42 (6243 - 6245).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 42 (6247).
34 - باب فَضلِ العِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ
657 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ". [انظر: 644 - مسلم: 651 - فتح: 2/ 141]
ذكر فيه حديث أبي هريرة قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ صَلَاةٌ أقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ وَالْعِشَاءِ .. ".
هذا الحديث قد سلف مفرقًا
(1)
، وبه احتج من قال: إن الوعيد بالإحراق لمن تخلف عن صلاة الجماعة، أريد به المنافقون، لذكرهم في أول الحديث، وإن يحتمل أنه عليه السلام أخبر المؤمنين أن من شأن المنافقين ثقل هاتين الصلاتين عليهم
(2)
في الجماعة، فحذر المؤمنين من التشبه بهم في ذلك وامتثال طريقتهم، ووجه ثقل هاتين الصلاتين عليهم فعلهما في وقت الراحة.
وقوله: "شعلا": هو بضم الشين المعجمة وبفتح العين المهملة جمع شعلة، مثل: قربة وقرب.
(1)
سلف برقم (644).
(2)
في الأصل: عليهما.
35 - باب اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
658 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا"[انظر: 628 - مسلم: 674 - فتح: 2/ 142]
ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث.
وقد سلف في باب الأذان للمسافر
(1)
، ولفظ التبويب رواه أنس
(2)
، وأبو موسى الأشعري مرفوعًا، وإسنادهما ضعيف.
وهو في ابن ماجه من حديث أبي موسى
(3)
. وفي الدارقطني من
(1)
سلف برقم (630) كتاب: الأذان.
(2)
رواه عنه ابن عدي 4/ 408، وكذا البيهقي 3/ 69 وضعفه، والحديث في إسناده سعيد بن زربي، قال عبد الحق في "أحكامه" 1/ 342: سعيد بن زربي عنده غرائب لا يتابع عليها، وهو ضعيف الحديث. وقال الحافظ ابن رجب في "الفتح" 6/ 39: إسناده ضعيف، وكذا ضعفه الحافظ في "الفتح" 2/ 142. وأعله الألباني في "الإرواء" 2/ 249 بسعيد بن زربي.
(3)
"سنن ابن ماجه"(972)، ورواه أيضًا عبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 496 (565)، وأبو يعلى 13/ 189 - 190 (7223)، والروياني في "مسنده" 1/ 382 (586)، والطحاوي 1/ 308، والعقيلي في "الضعفاء" 2/ 53، وابن عدي 4/ 30 - 31، والدارقطني 1/ 280، والحاكم 4/ 334 - وسكت عليه- وابن حزم في "الأحكام" 241/ 4، والبيهقي 3/ 69، الخطيب 8/ 415 و 11/ 45 - 46.
قال البيهقي: كذلك رواه جماعة عن عليه وهو الربيع بن بدر، وهو ضعيف، والله أعلم. اهـ. وقال الحافظ ابن رجب في "الفتح" 6/ 38: إسناده ضعيف. وقال البوصيري في "الزوائد"(323): هذا إسناد ضعيف لضعف رواته الربيع ووالده بدر. وقال المصنف في "البدر" 7/ 204: إسناده ضعيف- وإن ذكره ابن السكن في "صحاحه"- الربيع بن بدر واهٍ، وأبوه وجده مجهولان، قاله الذهبي، وعجيب من =
حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده
(1)
. وفي "الكامل" من حديث الحكم بن عمير مرفوعًا
(2)
، ولا يصحان.
= الحاكم في إخراجه له في "مستدركه" لكنه سكت عنه فلم يصححه ولم يضعفه. اهـ.
وضعفه الحافظ في "الفتح" 2/ 142، وقال في "التلخيص" 3/ 81: فيه الربيع بن بدر، وهو ضعيف، وأبوه مجهول، وقال في "إتحاف المهرة" 1/ 47 (12247): هو ضعيف لضعف الربيع، وضعفه الألباني في "الإرواء"(489).
(1)
"سنن الدارقطني" 1/ 281. قال المصنف في "البدر" 7/ 250: إسناده ضعيف؛ فيه عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي الواهي، قال البخاري تركوه. اهـ. وضعفه الحافظ في "الفتح" 2/ 142، وقال في "التلخيص" 3/ 82: فيه عثمان بن عبد الرحمن وهو متروك. وقال الألباني في "الإرواء" 2/ 248 - 249: إسناده واه جدًّا.
(2)
و"الكامل" 6/ 440 وحديث الحكم بن عمير رواه ابن سعد في "الطبقات" 7/ 415، والبغوي في "معجم الصحابة" 2/ 107 (482)، وابن عبد البر في "التمهيد" 14/ 138.
قال عبد الحق في "أحكامه" 1/ 342: رواه عيسى بن إبراهيم بن طهمان وهو منكر الحديث، ضعيف عندهم، والحديث في إسناده أيضًا بقية بن الوليد، لذا تعقبه ابن القطان في "البيان" 3/ 98 فقال: وموسى هذا ضعيف، وبقية من قد علمت حاله في رواية المنكرات، فما ينبغي أن يحمل فيه على عيسى، وقد اكتنفه ضعيفان من فوق ومن أسفل. وقال المصنف في "البدر" 7/ 205: إسناده ضعيف، وكذا ضعفه الحافظ في "الفتح" 2/ 142، وقال في "التلخيص" 3/ 82: إسناده واهٍ، وكذا ضعفه الألباني في "الإرواء" 2/ 249.
والحديث رواه أيضًا أحمد 5/ 254، 5/ 269، والطبراني 8/ 212 (7857) من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي، فقال:"ألا رجل يتصدق على هذا يصلي معه، فقام رجل فصلى معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذان جماعة".
قال الحافظ ابن رجب في "الفتح" 6/ 38: في إسناده ضعف، وقال المصنف في "البدر" 7/ 206: سنده واهٍ جدًّا، وقال في "التلخيص" 3/ 82: هذا عندي أمثل طرق هذا الحديث؛ لشهرة رجاله، وإن كان ضعيفًا، وقال الألباني في "الإرواء" 2/ 249: سنده واهٍ.
ورواه الطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 39 (877)، وابن عدي 8/ 14، وابن =
قال ابن حزم: حديث لا يصح
(1)
، وقال في "الإحكام": خبر ساقط
(2)
. لا جرم اكتفي عنه البخاري بحديث مالك ونبه في الترجمة عليه
(3)
.
= حزم في "الإحكام" 4/ 421 بإسناد آخر عن أبي أمامة، باللفظ الأول. قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 45: رواه أحمد والطبراني، وله طرق كلها ضعيفة. وضعفه الحافظ في "الفتح" 2/ 142.
(1)
"الإحكام" 4/ 421.
(2)
"الإحكام" 4/ 422.
(3)
انظر: "هدي الساري" ص 14.
36 - باب مَنْ جَلَسَ فِي المَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَفَضْلِ المَسَاجِدِ
659 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلَاةُ". [انظر: 176 - مسلم: 362، 649 - فتح: 2/ 142]
660 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". [1423، 6479، 6806 - مسلم: 1031 - فتح: 2/ 143]
661 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ: هَلِ اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ:"صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا، وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا". قَالَ: فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ. [انظر: 572 - مسلم: 640 - فتح: 2/ 148]
ذكر فيه ثلائة أحاديث:
أحدها: حديث أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ"
…
الحديث.
هذا الحديث سلف في باب: الحدث في المسجد. بعضه
(1)
، وزاد هنا:"ولا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة"، والحديث تفسير لقوله تعالى:{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7]، يريد المصلين والمنتظرين الصلاة، ويدخل في ذلك من أشبههم في المعنى ممن حبس نفسه على أفعال البر كلها.
الحديث الثاني:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَارٍ، ثنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ عز وجل، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ عز وجل. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمً شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَاليًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
يحيى هو ابن سعيد القطان، وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص العمري، وخبيب بضم الخاء المعجمة، وهذا الحديث أخرجه أيضًا في أوائل الزكاة، عن يحيى بن خبيب، عن مالك، عن خبيب
(2)
(1)
سلف برقم (445) كتاب: الصلاة.
(2)
سيأتي برقم (1423) باب: الصدقة باليمين. وإسناده: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص.
والمحاربين، عن محمد بن سلام، أنا عبد الله بن المبارك، عن عبيد الله بن عمر عن خبيب به
(1)
وأخرجه في الرقاق أيضًا
(2)
.
وأخرجه مسلم وأخرجه الترمذي من حديث معن عن مالك به، إلا أنه قال: عن أبي هريرة أو أبي سعيد، ثم قال: كذا روى غير واحد عن مالك وشك فيه، وعبيد الله لم يشك وقال: نحو حديث مالك بمعناه إلا أنه قال: بالمساجد
(3)
.
وقال ابن عبد البر: كل من رواه عن مالك قال فيه: أو أبي سعيد إلا أبا قرة ومصعبًا، فإنهما قالا عن أبي هريرة وأبي سعيد، وكذا رواه أبو معاذ البلخي عن مالك، ورواه الوقار زكريا بن يحيى عن ثلاثة من أصحاب مالك، عن أبي سعيد وجده، ولم يتابع
(4)
.
قلت: وفي "غرائب مالك" للدارقطني: رواية أبي معاذ عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد، أو عنهما جميعًا أنهما قالا: فذكره.
ومعنى "يظلهم": يسترهم في ستره ورحمته، تقول العرب: أنا في ظل فلان. أي: في ستره وكنفه، وتسمي العرب الليل: ظلًا؛ لبرده وروحه، وإضافة الظل إلى الرب تعالى إضافة ملك، وكل ظل نهو لله تعالى، وملكه وخلقه وسلطانه، والمراد هنا: ظل العرش، كما جاء في حديث آخر مبينًا
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (6806) كتاب: الحدود، باب: فضل من ترك الفواحش.
(2)
سيأتي برقم (6479) باب: البكاء من خشية الله.
(3)
"صحيح مسلم"(1031) كتاب: الزكاة، باب: فضل إخفاء الصدقة، "سنن الترمذي"(2391) كتاب الزهد، باب: ما جاء في الحب في الله.
(4)
"التمهيد" 2/ 280 - 281.
(5)
رواه الطبراني في "الأوسط" 9/ 63 (9131)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 2/ 227 (793)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 9/ 253 - 254 من حديث أبي هريرة.
والمراد: يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين، ودنت منهم الشمس، واشتد عليهم حرها، وأخذهم العرق، ولا ظل هناك لشيء إلا للعرش.
قال القاضي: وقد يراد به هنا ظل الجنة وهو نعيمها، والكون فيها، قال تعالى:{وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} [النساء: 57]. وقال ابن دينار: المراد بالظل هنا الكرامة والكنف والكف عن المكاره في ذلك الوقت، وليس المراد: ظل الشمس. قال القاضي: وما قاله معلوم في اللسان يقال: فلان في ظل فلان أي: في كنفه وحمايته قال: وهذا أولى الأقوال، وتكون إضافته إلى العرش؛ لأنه مكان التقريب والكرامة، وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش وفي ظله
(1)
.
وكذا قال ابن أبي جمرة رحمه الله: معنى يظلهم بظله: أنه جل جلاله يعافيهم من هول ذلك اليوم العظيم وحره بظله المديد ورحمته الواسعة، والكيفية لا مجال للعقل في ذلك؛ لأن الآخرة نصدق بهما ولا نتعرض إلى كيفيتها
(2)
.
الثاني:
بدأ بالإمام العادل؛ لكثرة مصالحه وعموم نفعه، والمراد به كما قال القاضي: كل من إليه نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام
(3)
، وكل من حكم بين اثنين فما فوقهما؛ لقوله عليه السلام:"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"
(4)
.
(1)
"إكمال المعلم" 3/ 562.
(2)
"بهجة النفوس" 1/ 224 - 225.
(3)
"إكمال المعلم" 3/ 562.
(4)
سيأتي برقم (893) كتاب: الجمعة، باب: الجمعة في القرى والمدن.
وروى عبد الله بن عمر مرفوعًا: "المقسطون يوم القيامة على منابر النور عن يمين الرحمن عز وجل الذين يعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما ولوا"
(1)
. وروي: "الإمام العدل"
(2)
وهو صحيح أيضًا. قال ابن عبد البر: أكثر رواة "الموطأ": عادل. وقد رواه بعضهم: عدل، وهو المختار عند أهل اللغة يقال: رجل عدل، ورجال عدل، وامرأة عدل، ويجوز إمام عادل على اسم الفاعل، يقال: عدل فهو عادل، كما يقال: ضرب فهو ضارب
(3)
.
وقال ابن الأثير: العدل: هو الذي لا يميل به الهوى، فيجور في الحكم، وهو في الأصل مصدر سُمي به فوضع موضعه، وهو أبلغ منه؛ لأنه جعل المسمى نفسه عدلًا
(4)
.
قال ابن عباس: ما أخفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم العذاب، وما نقص قوم المكيال إلا منعوا القطر، ولا كثر الربا في قوم إلا سلط الله عليهم الوباء، وما حكم قوم بغير حق إلا سلط عليهم إمام جائر
(5)
، والإمام العادل يصلح الله به هذا كله وتدفع به العقوبة، ليس أحد أقرب منزلة من الله تعالى بعد الأنبياء من إمام عادل.
(1)
رواه مسلم برقم (1827) كتاب: الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل. والنسائي 8/ 221 - 222 كتاب: آداب القضاة. والآجري في "الشريعة"(747) باب: الإيمان بأن لله عز وجل يدين وكلتا يديه يمين. والبيهقى في "الأسماء والصفات" 2/ 140 (707) باب: ما ذكر في اليمين والكف.
(2)
رواه البيهقي 4/ 190 (7836) كتاب: الزكاة، باب: فضل صدقة الصحيح الشحيح.
(3)
"التمهيد" 2/ 279.
(4)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 190.
(5)
في الأصل: إمام جائز.
الثالث:
قوله: وشاب نشأ في عبادة ربه عز وجل، وفي بعض نسخ مسلم: بعبادة ربه، والمعنى: نشأ متلبسًا للعبادة أو مصاحبًا لها أو ملتصقًا بها.
ونشأ: نبت وابتدأ أي: لم يكن له صبوة، وهو الذي قال فيه في الحديث الآخر:"يعجب ربك من شاب ليست له صبوة"
(1)
.
وإنما كان ذلك، لغلبة التقوى التي بسببها ارتفعت الصبوة، فالشباب شعبة الجنون، قال تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا} [الجاثية: 21] وفيه فضل من سلم من الذنوب وشغل بطاعة ربه طول عمره، وقد يحتج به من قال إن الملك أفضل من البشر؛ لأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون.
وقيل لابن عباس: رجل كثير الصلاة كثير القيام يقارف بعض الأشياء، ورجل يصلي المكتوبة ويصوم مع السلامة، قال: لا أعدل بالسلامة شيئًا. قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}
(2)
[النجم: 32].
الرابع:
قوله: "ورجل قلبه معلق في المساجد"، وفي مسلم: بالمساجد
(3)
،
(1)
رواه أحمد 4/ 151. وابن أبي عاصم في "السنة" 1/ 250 (571). وأبو يعلى 3/ 281 (1749). والطبراني 17/ 309. والشهاب في "مسنده" 1/ 336 (576).
وذكره الهيثمي في "المجمع" 10/ 269. وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وإسناده حسن. وذكره الألباني في "الصحيحة" برقم (2843) مصححًا.
(2)
رواه ابن المبارك في "الزهد" 1/ 22 (66)، وهناد في "الزهد" 2/ 454 (902)، وابن أبي شيبة 7/ 149 (34776)، والبيهقي في "الشعب" 5/ 467 (7309).
(3)
برقم (1031) كتاب: الزكاة، باب: فضل إخفاء الصدقة.
وكلاهما صحيح أي: شديد المحبة لها وملازمة الجماعة فيها، ومعناه: دوام القعود فيها للصلاة والذكر والقراءة، وهذا إنما يكون من استغرقه حب الصلاة والمحافظة عليها وشغفه بها، وحصل له هذِه المرتبة؛ لأن المسجد بيت الله وبيت كل تقي، وحقيق على المزور إكرام الزائر فكيف بأكرم الكرماء؟!
الخامس:
قوله: "ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه" أي: اجتمعا على حب الله وتفرقا على حبه، وكان سبب اجتماعهما حب الله واستمرارهما على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه في الله حال اجتماعهما وافتراقهما.
وفيه: الحث على مثل ذلك وبيان عظيم فضله، وهو من المهمات، فإن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان، وعده مالك من الفرائض، وروى ابن مسعود والبراء بن عازب مرفوعًا "أن ذلك من أوثق عرى الإيمان"
(1)
، وروى ثابت عن أنس رفعه: ما تحابا رجلان
(1)
حديث البراء رواه أحمد 4/ 286، والطيالسي في "مسنده" 2/ 110 (783)، والروياني في "مسنده" 1/ 270 - 271 (399). وذكره الهيثمي في "المجمع" 1/ 89 ثم قال: رواه أحمد وفيه ليث بن أبي سليم وضعفه الأكثر، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(3030).
أما حديث ابن مسعود فرواه الطيالسي 1/ 295 - 296 (376)، والطبراني 10/ 220 - 221 (10531)، وفي "الأوسط" 4/ 376 - 377 (4479)، وفي "الصغير" 1/ 372 - 374 (624)، والحاكم 2/ 480، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي معقبًا: ليس بصحيح؛ فإن الصعق وإن كان موثقًا فإن شيخه منكر الحديث، قاله البخاري، والبيهقي 10/ 233، وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 90 (309)، فيه عُقيل بن الجعد قال البخاري: منكر الحديث.
في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبًا لصاحبه
(1)
.
وروى أبو رزين قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا رزين، إذا خلوت حرك لسانك بذكر الله وحب في الله وأبغض في الله، فإن المسلم إذا زار أخاه في الله شيعه سبعون ألف ملك يقولون: اللهم وصله فيك فصله"
(2)
.
ومن فضل المتحابين في الله أن كل واحد منهما إذا دعا لأخيه بظهر الغيب أمّن الملك على دعائه، رواه أبو الدرداء مرفوعًا
(3)
.
(1)
رواه البخاري في "الأدب المفرد" ص 187 (544)، باب: إذا أحب الرجل أخاه فليعلمه، وأبو داود الطيالسي 3/ 534 (2166). والبزار كما في "كشف الأستار" 4/ 231 (3600)، وصححه ابن حبان 2/ 325 (566) والطبراني في "الأوسط" 3/ 192 (2899) ثم قال: لم يرو هذا الحديث عن ثابت إلا عبد الله بن الزبير.
وابن عدي في "الكامل" 8/ 25 وأبو يعلى في "مسنده" 6/ 143 (3419) والحاكم 4/ 171، والبيهقي في "الآداب" ص 71 (213)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 297. والخطيب في "تاريخه" 11/ 134، والبغوي في "شرح السنة" 13/ 52 (3466). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الهيثمي في "المجمع" 10/ 276: رواه الطبراني في "الأوسط". وأبو يعلى والبزار بنحوه ورجال أبي يعلى والبزار رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة وقد وثقه غير واحد على ضعف فيه. وصححه الألباني في "الصحيحة"(450).
(2)
رواه الطبراني في "الأوسط" 8/ 176 - 177 (8320) من طريق عمرو بن الحصين، عن محمد بن عبد الله بن ثلاثة، عن عثمان بن عطاء الخرساني، عن أبيه، عن مالك ابن يخامر، عن لقيط بن عامر أبي رزين العقيلي قال:
…
فذكره مرفوعًا.
قال الهيثمي في "المجمع" 8/ 173: فيه عمرو بن الحصين، وهو متروك. وقال الألباني في "الضعيفة" (5386): ضعيف جدًّا.
ورواه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 366 - 367، والبيهقي في "الشعب" 6/ 492 - 493 (9024) من طريق عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن الحسن، عن أبي رزين
…
بنحوه. قال الألباني في "الضعيفة"(3664): ضعيف.
(3)
رواه عنه مسلم برقم (2733)، وأبو داود (1534)، وابن ماجه (2895)، وأحمد 5/ 195، وابن حبان 3/ 268 (989).
السادس: قوله: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله". فهو رجل عصمه الله ومنَّ عليه بفضله حتى خافه بالغيب فترك ما يهوى كقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [النازعات:40] وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [الرحمن: 46] فتفضل الله على عباده بالتوفيق والعصمة، وأثابهم على ذلك.
روى أبو معمر، عن سلمة بن نبيط عن عبيد بن أبي الجعد عن كعب الأحبار: إن في الجنة لدار درة فوق درة ولؤلؤة فوق لؤلؤة فيها سبعون ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف دار، في كل دار سبعون ألف بيت لا ينزلها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو محكم في نفسه أو إمام عادل. قال سلمة: فسألت عبيدًا عن المحكم في نفسه، قال: هو الرجل يطلب الحرام من النساء أو من المال فيعرض له فإذا ظفر به تركه مخافة الله تعالى، فذلك المحكم في نفسه
(1)
.
وقوله: "إني أخاف الله": يحتمل كما قال القاضي: أن يقول ذلك بلسانه، ويحتمل أن يقوله بقلبه؛ ليزجر نفسه، وخص المنصب والجمال؛ لكثرة الرغبة فيهما وعسر حصولهما لا سيما وهي داعية إلى نفسها طالبة لذلك قد أغنت عن مشاق التوصل، فالصبر عليها لخوف الله تعالى من أكمل المروءات وأعظم الطاعات، وذات المنصب هي ذات الحسب والنسب الشريف.
ومعنى "دعته": أي: إلى الزنا بها، ويحتمل كما قال القاضي: أنها دعته إلى نكاحها فخاف العجز عن القيام بحقها، أو أن الخوف من الله شغله عن لذات الدنيا وشهواتها، والصواب الأول
(2)
.
(1)
رواه هناد في "الزهد" 1/ 104 (124)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 380.
(2)
"إكمال المعلم" 3/ 563.
السابع:
قوله: "ورجل تصدق بصدفة أخفي حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". كذا هو في البخاري و"الموطأ"
(1)
، وهو وجه الكلام؛ لأن المعروف في اللغة: فعلها باليمين، وجاء في مسلم في جميع نسخه ورواياته على العكس:"لا تعلم يمينه ما تنفق شماله"
(2)
.
قال القاضي: ويشبه أن يكون الوهم في ذلك ممن أخذ عن مسلم لا من مسلم
(3)
.
قال العلماء: وهذا في صدقة التطوع، فالسر فيها أفضل؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء، وأما الواجبة فإعلانها أفضل؛ ليُقتدى به
(1)
"الموطأ" 2/ 131 - 132 (2005).
(2)
مسلم (1031).
(3)
"إكمال المعلم" 3/ 563. وهذا نوع من أنواع علوم الحديث يسمى: المقلوب وهو أن يقع تقديم وتأخير في سند الحديث أو متنه، فهو نوعان؛ مقلوب السند: ومقلوب المتن.
أما مقلوب السند فله صورتان، الأولى: أن يكون هناك مثلًا حديث مشهور عن سالم فيجعله راوٍ عن نافع ليرغب فيه، وهذا الذي يطلق على من يفعله أنه يسرق الحديث أو يوصله، وممن كان يفعل ذلك حماد بن عمرو النصيبي، وبهلول بن عبيد الكندي.
الصورة الثانية: أن يقدم الراوي ويؤخر في اسم راوٍ واسم أبيه، كحديث يرويه سعد بن معاذ فيقلبه بعضهم إلى معاذ بن سعد.
وأما مقلوب المتن فمن صوره حديث مسلم هذا وهو أن يقوم بعض الراوة بتقديم وتأخير في متن الحديث.
انظر: "علوم الحديث" ص 101 - 102، "المقنع" 1/ 241 - 243، "نزهة النظر" ص 67 - 68 ط. دار عمار، "تدريب الراوي" 1/ 368 - 373، وانظر:"الفتح" 2/ 146.
في ذلك وتظهر دعائم للإسلام، وهكذا حكم الصوم وإعلان فرائضها أفضل وإسرار نوافلها أفضل. واختلف في السنن كالوتر وركعتي الفجر هل إعلانهما أفضل أم كتمانهما حكاه ابن التين.
وفي قوله: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه": مبالغة في إخفائها، ومصداق هذا الحديث في قوله تعالى:{وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271]، وقيل: ذلك في الفريضة أيضًا، حكاه ابن التين.
قال القرطبي: وقد سمعنا من بعض المشايخ أن ذلك الإخفاء أن يتصدق على الضعيف في صورة المشتري منه فيدفع له مثلًا درهمًا في شيء يساوي نصف درهم، فالصورة مبايعة، والحقيقة صدقة، وهو اعتبار حسن
(1)
.
وقيل: ذكر اليمين والشمال مبالغة في الإخفاء والاستتار بالصدقة، وضرب المثل بهما؛ لقرب اليمين من الشمال وملازمتها لها، ومعناه: لو قدرت الشمال رجلًا متيقظًا لما علم بالصدقة؛ لمبالغة الإخفاء، ونقل القاضي عن بعضهم أن المراد من عين يمينه وشماله من الناس
(2)
.
ونقل ابن الجوزي عن قوم: لا يرائي بنفقته فلا يكتبها صاحب الشمال، ومنه: قصد الصدقة باليمين؛ لأن الصدقة يراد بها وجه الله استحب لها أن تناول بأشرف الأعضاء وأفضل الجوارح.
الثامن:
قوله: ("ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه"). فيه: فضيلة البكاء
(1)
"المفهم" 3/ 77.
(2)
"إكمال المعلم" 3/ 564.
من خشية الله تعالى وفضل طاعة السر؛ لكمال الإخلاص، وهو على حسب حال الذاكر وبحسب ما يتكشف له من أوصافه تعالى، فإن انكشف له غضبه وسخطه فبكاؤه من خوف، وإن انكشف جلاله وجماله فبكاؤه من محبة وشوق، وهكذا يتلون الذاكر بتلون ما يذكر من الأسماء والصفات، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، ومن ذكره لم يعذبه؛ لأنه يعلم من يموت على الهدى وضده، ولا يذكر إلا من يموت على الهدى، قاله الداودي.
وفي اشتراط الخلوة بذلك حض وندب على أن يجعل المرء وقتًا من خلوته للندم على ذنوبه، ويفزع إلى الله تعالى بإخلاص من قلبه، ويتضرع إليه في غفرانها، فإنه يجيب المضطر إذا دعاه، وأن لا يجعل خلوته كلها في لذاته كفعل البهائم التي قد أمنت الحساب في المساءلة عن الفتيل والقطمير على رءوس الخلائق، فينبغي لمن لم يأمن ذلك، وأيقن أن يطول في الخلوة بكاؤه ويتبرم بجنانه، وتصير الدنيا سجنه لما سلف من ذنوبه. وروى أبو هريرة مرفوعًا:"لا يلج النار أحد بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن في الضرع"
(1)
.
وروى أبو عمران عن أبي الجلد قال: قرأت في مسالة داود عليه السلام ربه تعالى: يا إلهي ما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجهه، قال: أسلم وجهه من لفح النار وأؤمنه يوم الفزع
(2)
.
(1)
رواه الترمذي (1633) كتاب: فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله، وأحمد 2/ 505 والحاكم 4/ 260، والبيهقي في "الشعب" 1/ 490 (800)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(1333).
(2)
رواه ابن المبارك في "الزهد" 1/ 164 (477)، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 56 - 57.
وقوله: ("ففاضت عيناه") هو من قوله تعالى: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} الآية [المائدة: 83].
وقوله: ("ذكر الله خاليًا"): كذا في الأصول، وذكره ابن بطال وابن التين في كتاب المحاربين بلفظ:"في خلاء"
(1)
قال ابن التين: وهو ممدود.
قال أبو عمر: هذا أحسن حديث يروى في فضائل الأعمال وأصحها -إن شاء الله- لأن العلم محيط بأن كل من كان في ظل الله تعالى يوم القيامة لم ينل هول الموقف، والظل في الحديث يراد به الرحمة، والله اعلم. ومن رحمته الجنة، قال تعالى:{أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} الآية: [الرعد: 35]، وقال:{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)} الآية [الواقعة: 30]، وقال:{فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41)} الآية [المرسلات: 41]
(2)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 8/ 425 - 426.
(2)
"التمهيد" 2/ 282 - 283. وتأويل الحافظ ابن عبد البر هنا بالرحمة، وإقرار المصنف رحمه الله له بسكوته، فيه نظر؛ وذلك لأن هذا من باب صرف الألفاظ عن معناها الحقيقي وتحميل النصوص ما لا تحتمله، والمعنى هنا -كما ذكره المصنف آنفًا- هو ظل العرش. كما ورد في بعض روايات هذا الحديث. وكما ورد في أحاديث أخر، وهو أحد الوجوه. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين -قدس الله روحه- في "شرح رياض الصالحين" 1/ 735: قوله: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. ضل فيها كثير من الجهال؛ حيث توهموا -جهلًا منهم- أن هذا ظل الله نفسه، وأن الله تعالى يظلهم من الشمس بذاته جلا وعلا وهذا فهم خاطئ منكر، فإن هذا يقتضى أن تكون الشمس فوق الله عز وجل، وهذا شيء منكر لا أحد يقول به من أهل السنة، والواجب على الإنسان أن يعرف قدر نفسه وألا يتكلم -لاسيما في باب الصفات- إلا بما يعلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالظل هنا يعني أن الله يخلق ظلًا يظلل به من شاء من عباده، يوم لا ظل إلا ظله، هذا هو معنى الحديث، ولا يجوز أن يكون له معنى سوى هذا. اهـ بتصرف.
وقال نحو من هذا الكلام أيضًا في المصدر نفسه 1/ 782 - 783، 1/ 950. ط. دار السلام. فليراجع.
37 - باب فَضْلِ مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَمَنْ رَاحَ
662 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ". [مسلم 669 - فتح: 2/ 148]
ذكر فيه حديث أبي هريرة عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: "مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ أو رَاحَ أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، "وغدا": خرج مبكرًا، "وراح": رجع بعشي، وقد يستعملان في الخروج والرجوع مطلقًا توسعًا، وهذا الحديث يصلح أن يحمل على الأصل وعلى التوسع به.
قال ابن سيده: الرواح: العشي
(2)
، وقيل: من لدن زوال الشمس إلى الليل.
وقال الجوهري: الرواح نقيض الصباح، وهو اسم للوقت
(3)
.
وقال ابن سيده: الغدوة: البكرة
(4)
. وقال الجوهري: الغدوة: ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، والغدو: نقيض الرواح
(5)
.
وقال ابن قرقول بعد أن قرر أن الغدو من أول النهار إلى الزوال: كما أن الروحة بعدها.
وقيل: الغدوة بالضم: من الصبح إلى طلوع الشمس، وقد استعمل الغدوة والرواح في جميع النهار.
(1)
مسلم (669) كتاب: المساجد، باب: المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا.
(2)
"المحكم" 3/ 393.
(3)
"الصحاح" 1/ 368.
(4)
"المحكم" 6/ 29.
(5)
"الصحاح" 6/ 2444.
ومعنى الحديث: سار بالغدو، والغاديات: الرائحات.
وقوله: "كلما غدا أو راح" أي: تكمل غدوة أو روحة، ومعنى أعدّ هيّأ، والنزل بضم النون والزاي: ما يهيأ للضيف من الكرامة، وفيه الحض على شهود الجماعات ومواظبة المساجد للصلوات؛ لأنه إذا أعد الله له نزله في الجنة بالغدو والرواح، فما ظنك بما يُعد له ويتفضل عليه بالصلاة في الجماعة واحتساب أجرها والإخلاص فيها لله تعالى؟
38 - باب إِذَا أُقِيمَت الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا المَكْتُوبَةَ
663 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: مَالِكٌ ابْنُ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَاثَ بِهِ النَّاسُ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"آلصُّبْحَ أَرْبَعًا؟! آلصُّبْحَ أَرْبَعًا". تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ فِي مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ سَعْدٍ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ. وَقَالَ حَمَّادٌ: أَخْبَرَنَا سَعْدٌ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ مَالِكٍ. [مسلم: 711 - فتح: 2/ 148]
ذكر فيه من حديث إِبرَاهِيمَ بْنِ سَعدِ، عن أَبِيهِ، عن حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ بن بُحَينَةَ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلِ.
وبإسناده إلى شُعْبَةَ: أَخبَرَنِي سَعدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، عن حَفْصَ بن عَاصِمٍ: سَمِعتُ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: مَالِكٌ ابن بُحَينَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَاثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"آلصُّبْحَ أَرْبَعًا؟! آلصُّبْحَ أَرْبَعًا؟! ". تَابَعَهُ غُنْدَرُ وَمُعَاذٌ، عَنْ شُعْبَةَ عن مَالِكٍ.
وَقَالَ ابن إِسْحَاقَ: عَنْ سَعْدٍ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابن بُحَينَةَ. وَقَالَ حَمَّادٌ: أَنَا سَعْدٌ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ مَالِكٍ.
الشرح:
هذا التبويب الذي بوب له هو لفظ حديث صحيح أخرجه مسلم في "صحيحه" وأصحاب السنن الأربعة من حديث عمرو بن دينار، عن عطاء
ابن يسار، عن أبي هريرة مرفوعًا به سواء
(1)
.
وفي رواية لابن حبان في "صحيحه": "إذا أخذ المؤذن في الإقامة فلا صلاة إلا المكتوبة"
(2)
، قال الترمذي: كذا روى أيوب وورقاء وزياد وإسماعيل بن مسلم وابن جحادة عن عمرو، ورواه حماد بن زيد وابن عيينة عن عمرو فلم يرفعاه، والمرفوع أصح
(3)
.
قال البيهقي: وممن رفعه عن عمرو أيضًا محمد بن مسلم الطائفي وأبان ابن يزيد، ورواه مسلم بن خالد عن عمرو مسندًا بزيادة: فقيل: يا رسول الله، ولا ركعتي الفجر؟ قال:"ولا ركعتي الفجر"
(4)
. وقال ابن عدي: لا أعلم ذكر هذِه الزيادة غير يحيى بن نصر بن حاجب عن مسلم
(5)
.
(1)
رواه مسلم برقم (710) كتاب: صلاة المسافرين، باب: كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن، وأبو داود (1266) كتاب: الصلاة، باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر، والترمذي (421) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، والنسائي 2/ 116 كتاب: الإمامة، باب: ما يكره من الصلاة عند الاقامة. وابن ماجه (1151) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في: "إذا أقيمت الصلاة
…
".
فائدة: قال الحافظ: وكثيرًا ما يترجم البخاري بلفظ يومئ إلى معنى حديث لم يصح على شرطه، أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحًا في الترجمة، ويورد في الباب ما يؤدي معناه تارة بأمر ظاهر وتارة بأمر خفي. اهـ. "هدي الساري" ص 14.
قلت: وهذا ما وضعه البخاري هنا، فأورد لفظ الحديث في الباب، وروى حديثًا آخر، وذلك كي يعطي الفائدة.
(2)
"صحيح ابن حبان" 5/ 564 - 565 (2190) كتاب الصلاة، باب فرض متابعة الإمام.
(3)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (421).
(4)
رواه ابن عدي في "الكامل" 9/ 112، ومن طريقه البيهقي 2/ 483، قال الحافظ في "الفتح" 2/ 149: إسناده حسن.
(5)
"الكامل في ضعفاء الرجال" 9/ 112 ترجمة يحيى بن نصر بن حاجب (2146)، ونقل كلامه هذا البيهقي 2/ 483.
قال البيهقي: وقد قيل عن أحمد بن سيار عن نصر بن حاجب وهو وهم، ونصر ليس بالقوي، ويحيى ابنه كذلك
(1)
.
ثم الحديث الذي ذكره البخاري من طريق عبد الله ابن بحينة أخرجه مسلم أيضًا
(2)
، وأغرب الحاكم فاستدركه
(3)
، ولمسلم مثله من حديث عبد الله بن سرجس
(4)
، وللبيهقي من حديث ابن عباس
(5)
.
وقوله: عن مالك: ما هو وهم فيه شعبة وغيره على سعد بن إبراهيم، والصواب فيه رواية ابن إسحاق وأبي عوانة وإبراهيم بن سعد، عن سعد، عن حفص، عن عبد الله أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة عن أبي عوانة
(6)
، وابن ماجه عن محمد بن عثمان، عن إبراهيم
(7)
. ورواه القعنبي عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن حفص، عن عبد الله بن مالك، عن أبيه
(8)
.
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 483 كتاب: الصلاة، باب: كراهية الاشتغال لهما بعد ما أقيمت الصلاة.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" 2/ 284: وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي، وهو تكلم فيه، وقد وثقه ابن حبان واحتج به في "صحيحه"، قال الألباني في "الثمر المستطاب" 1/ 225: قلت: ولكن هذِه الزيادة صحيحة المعنى وإن كانت ضعيفة المبنى، فقد جاءت كثيرة صريحة في النهي عن ركعتي الفجر إذا أقيمت الصلاة.
(2)
"صحيح مسلم"(711).
(3)
"المستدرك" 3/ 430.
(4)
مسلم (712).
(5)
"سنن البيهقي الكبرى" 2/ 482.
(6)
مسلم (711/ 66)، "سنن النسائي" 2/ 117.
(7)
ابن ماجه (1153) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في: إذا أقيمت.
(8)
رواه مسلم عنه (711) كتاب: الصلاة، باب: كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن.
قال مسلم: وهو خطأ
(1)
، قلتُ: وروى له النسائي أيضًا حديثًا آخر أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال في الشفع من حديث شعبة، عن عبد ربه، عن محمد بن يحيى، عن مالك، ثم قال: وهو خطأ، والصواب: عبد الله ابن مالك
(2)
.
وقال ابن عساكر في ترجمة مالك ابن بحينة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنها وهم.
قلتُ: وزعم ابن الأثير أن مالكًا له صحبة أيضًا
(3)
، (قلت: أنكرها الدمياطي بخطه في البخاري، فقال على حاشيته: ليس لمالك هذا رؤية، ولا صحبة، ولا إسلام، وإنما ذلك لولده عبد الله)
(4)
، والرجل المذكور في الحديث: هو عبد الله بن مالك بن القشب، وهو جندب بن نضلة بن عبد الله بن رافع الأزدي راوي الحديث
(5)
، وبحينة: أمه صحابية، واسمها كما قال ابن سعد: عبدة بنت الحارث بن المطلب بن عبد مناف لها صحبة
(6)
.
وقال أبو نعيم الأصبهاني: أنها أم أبيه
(7)
، وقال النسائي: من قال: مالك ابن بحينة فقد أخطأ، والصواب: عبد الله بن مالك ابن بحينة، بيّن
(1)
مسلم (711).
(2)
"السنن الكبرى" 1/ 2081 (596) كتاب: السهو، باب: ما يفعل من قام من اثنتين من الصلاة ولم يتشهد.
(3)
انظر: "أسد الغابة" 5/ 13 - 14 ترجمة (4564).
(4)
ذكر فوق العبارة علامة السقط: لا
…
إلى.
(5)
انظر تمام ترجمته في: "الاستيعاب" 3/ 106 (1664)، "معرفة الصحابة" 4/ 1776 (1750)، "أسد الغابة" 3/ 375 (3158)، "تهذيب الكمال" 15/ 508 (3517)، "الإصابة" 2/ 364 (4928).
(6)
"طبقات ابن سعد" 8/ 228.
(7)
"معرفة الصحابة" 4/ 1776 (1750). =
ذلك في حديث جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن مالك ابن بحينة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح ومعه بلال، فأقام الصلاة فمر بي وأنا أصلي، فضرب منكبي وقال:"تصلي الصبح أربعًا؟ "
(1)
.
إذا تقرر ذلك فاختلف العلماء فيمن دخل المسجد لصلاة الصبح فأقيمت الصلاة: هل يصلي ركعتي الفجر أم لا؟
فكرهت طائفة أن يركع ركعتي الفجر في المسجد والإمام في صلاة الفجر، واحتجوا بهذا الحديث، رُوي ذلك عن ابن عمر
(2)
وأبي هريرة
(3)
، وسعيد بن جبير
(4)
، وعروة بن الزبير، وابن سيرين
(5)
،
= وانظر تمام ترجمتها في: "الاستيعاب" 4/ 355 (3283)، "أسد الغابة" 7/ 35 (6758)، "الإصابة" 4/ 249 (159).
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 117، لكن عقب حديث ابن بحينة في الشفع، وليس الحديث الذي أشار إليه المصنف، وانما الذي عند النسائي في الحديث المشار إليه من طريق سعد بن إبراهيم، عن حفص بن عاصم، عن ابن بحينة. وطريق محمد بن جعفر التي أشار إليها المصنف أخرجها أحمد 5/ 346، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 483، وأظن أن المصنف ذهل في عزو هذا القول للنسائي ولعله يقصد البيهقي كما وجدته في "السنن الكبرى" 2/ 482، فإن المزي لم يشر إلى هذِه الطريق كما في "التحفة" 6/ 476، 8/ 335.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 440 (4005)، وابن المنذر في "الأوسط " 5/ 230.
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 436 (3987)، وابن المنذر في "الأوسط" 5/ 230.
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 437 (3993).
(5)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 440 - 441 (4008)، وابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 57 (6423).
وإبراهيم، وعطاء
(1)
، والشافعى
(2)
، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، والطبري
(3)
.
وقالت طائفة: لا بأس أن يصليها خارج المسجد إذا تيقن أنه يدرك الركعة الأخيرة مع الإمام، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه
(4)
والأوزاعي، إلا أن الأوزاعي أجاز أن يوقعهما في المسجد ورخص
(5)
، وحكاه القرطبي عن طائفة من السلف منهم ابن مسعود
(6)
.
وقال الثوري: إن خشي فوت ركعة دخل معه ولم يصلهما
(7)
، وإلا صلاهما في المسجد، وهو قول لمالك
(8)
.
وذهب بعض الظاهرية أنه يقطع صلاته إذا أقيمت الصلاة
(9)
.
قال ابن حزم: فلو تعمد تركها إلى أن تقام الصلاة فلا سبيل إلى قضائها؛ لأن وقتها خرج
(10)
.
ونقل القرطبي عن جمهور العلماء من السلف وغيرهم منعهما إذا دخلا والإمام في الصلاة
(11)
.
(1)
انظر: "الأوسط" 5/ 231.
(2)
انظر: "المجموع" 3/ 550.
(3)
انظر: "المغني" 2/ 119.
(4)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 286.
(5)
انظر: "التمهيد" 4/ 208.
(6)
"المفهم" 2/ 350.
(7)
انظر: "التمهيد" 4/ 208.
(8)
انظر: "المدونة" 1/ 118.
(9)
انظر: "المحلى" 3/ 104.
(10)
نفسه 3/ 114.
(11)
المصدر السابق.
وحُكي عن مالك اعتبار خشية فوت الركعة الأخيرة
(1)
.
وقيل: يصلي وإن فاتته صلاة الإمام إذا كان الوقت واسعًا؛ قاله (ابن)
(2)
الجلاب
(3)
، واستدل من كره ذلك بهذا الحديث وبحديث الباب الذي أسلفناه أولًا.
قال ابن حزم: أعله بعضهم بأن قال: عمرو بن دينار قد اضطرب عليه في هذا الحديث، فرواه عنه ابن عيينة والحمادان فأوقفوه على أبي هريرة
(4)
.
قال ابن بطال: فلذلك ثركه البخاري، ثم أجاب بأن ابن جريج وأيوب وزكريا بن إسحاق أسندوه
(5)
. والذي أسنده من طريق حماد بن سلمة أوثق وأضبط من الذي أوقفه عنه، وأيوب لو انفرد لكان حجة على جميعهم، وكان عمرو بن دينار رواه عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا، ورواه عن عطاء عن أبي هريرة أنه أفتى به، وبحديث عبد الله بن سرجس السالف، وفي آخره: فقال لى: "يا فلان: أيتهما صلاتك، التي صليت وحدك أو التي صليت معنا؟ "
(6)
وبحديث ابن عباس السالف أيضًا، وأخرجه ابن خزيمة أيضًا في "صحيحه" بلفظ:
(1)
انظر "بداية المجتهد" 1/ 395.
(2)
في الأصل: (في) خطأ.
(3)
"التفريع" 1/ 268.
(4)
"المحلي" 3/ 108.
(5)
"شرح ابن بطال" 2/ 287 - 288.
(6)
الحديث بهذا اللفظ، رواه أبو داود (1265)، وابن خزيمة 2/ 170 (1125) وقال: هذا لفظ حماد بن زيد، والحديث أخرجه مسلم (712) كتاب: الصلاة، باب: كراهية الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن بلفظ: "يا فلان بأي الصلاتين اعتددت؟ أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا؟ "
كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة، فحدثني النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"تصلى الصبح أربعًا؟ "
(1)
وله عن أنس نحوه
(2)
.
وما رُوي عن ابن عباس أنه - عليه االسلام - كان يصلي عند الإقامة في بيت ميمونة واهٍ، كما نبه عليه ابن القطان
(3)
، وفيه مع ذلك آثار عن السلف أيضًا، ومنهم ابن عمر وأنه حصب من فعل ذلك
(4)
.
وأما حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر"
(5)
واه.
قال البيهقي: لا أصل لهذِه الزيادة
(6)
، ثم أوضحه، وبمقتضاه فعله جماعة من الصحابة.
وادعى الطحاوي أن الذي كرهه عليه السلام لابن بحينة وصله إياها بالفريضة في مكان واحد دون فصل بينهما
(7)
، وحمله مالك على من
(1)
"صحيح ابن خزيمة" 2/ 169 - 170 (1124).
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 2/ 170 - 171 (1126) كتاب: الصلاة، باب: النهي عن أن يصلي ركعتي الفجر بعد الإقامة.
(3)
"بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" 3/ 357 (1103). وانظر: "الأحكام الوسطى" 1/ 359 والحديث أخرجه ابن عدي في "الكامل" 4/ 328، وقال: وأظن أن البلاء في هذِه الرواية من محمد بن الفضل، فإنه تقبل بسالم الأفطس لابن سلام.
(4)
رواه البيهقي في "سننه" 2/ 483 أن ابن عمر أبصر رجلًا يصلي الركعتين والمؤذن يقيم فحصبه، وقال: أتصلي الصبح أربعًا. وقال البيهقي: موقوف.
(5)
روى هذا الحديث بهذِه الزيادة البيهقي 2/ 483 كتاب: الصلاة، باب: كراهية الاشتغال بهما بعدما أقيمت الصلاة. وقال: حجاج وعباد ضعيفان، ويروى عن حجاج أيضًا لكن فيه مجاهد بدل عطاء، وليس بشيء.
(6)
"سنن البيهقي" 2/ 483.
(7)
"شرح معاني الآثار" 1/ 373.
اشتغل بنافلة عن فريضة، ولو كان فيمن اشتغل بفريضة عن نافلة أمره بقطع الصلاة، وأجمعوا أن من عليه صلاة الظهر فدخل في المسجد ليصليها فأقيمت عليه العصرأنه لا يقطع صلاته ويكملها.
قال مالك: ومن أحرم بفريضة في المسجد فأقيمت عليه تلك الفريضة، فإن لم يركع قطع بسلام ودخل مع الإمام، وإن ركع صلى ثانية وسلم ودخل مع الإمام، وإن صلى ثالثة صلى رابعة، وإن كانت المغرب قطع ودخل مع الإمام عقد ركعة أم لا؟ وإن صلى اثنتين أتمهما ثلاثًا
(1)
.
وقوله: لاث به الناس أي: اجتمعوا حوله وأحاطوا به.
قال صاحب "العين": لاث الشجر والنبات: التف بعضه ببعض، وكل شيء اجتمع والتبس بعضه ببعض فهو لائث ولاث، ويقال أيضًا: ألاث بمعنى واحد، وفي "الصحاح": الالتياث: الاختياط
(2)
.
وقال الكسائي: يقال للأشراف: إنهم لملاوث، أي: يطاف بهم ويلاث
(3)
.
الحديث الثالث: سئل أنس: هل اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا
…
الحديث، وقد سلف في باب: وقت العشاء إلى نصف الليل
(4)
(5)
(6)
.
(1)
انظر: "المدونة" 1/ 87.
(2)
"الصحاح" 1/ 291.
(3)
انظر: "لسان العرب" 7/ 4094، "تاج العروس" 3/ 258 مادة: لوث.
(4)
برقم (572) كتاب: مواقيت الصلاة.
(5)
ورد بهامش الأصل ما نصه: آخر 8 من 3 من تجزئة المصنف.
(6)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في الثالث بعد السبعين؛ كتبه مؤلفه.
39 - باب حَدِّ المَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ
664 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الأَسْوَدُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ، فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ:"إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ مَكَانَكَ. ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ. قِيلَ لِلأَعْمَشِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ. فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ. وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح: 2/ 151]
665 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ الأَرْضَ، وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي: وَهَلْ تَدْرِى مَنِ الرَّجُلُ الَّذِى لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح: 2/ 152]
هو بالحاء المهملة، كما ذكره ابن بطال وغيره أي: حد المريض وحرصه على شهود الجماعة، كما قال الفاروق في الصديق رضوان الله عليهما: وكنت أداري منه بعض الحد، يعني: بعض الحدة.
والمراد بالحديث الذي ساقه الحض على شهود الجماعة والمحافظة
عليها
(1)
. وقال ابن التين: الذي ذكر أن حدًا بمعنى: حدة، ذكر عن الكسائي ويحتاج الكلام على تقديره إلى إضمار، قال: ويظهر لي أن يقال: جد بالجيم مكسورة، وهو الاجتهاد في الأمر أي: اجتهاد المريض في شهود الجماعة. قال: ولم أسمع أحدًا رواه بالجيم.
قلت: فذكره صاحب "المطالع" في باب الجيم والدال المهملة، ونقله عن القابسي وغيره، ونقل الحاء المهملة عن بعضهم.
ثم ذكر البخاري بإسناده حديث الأسود: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَذَكَرْنَا المُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ، فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"
…
الحديث.
ثم قال: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَش بَعْضَهُ. وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا.
والكلام عليه من وجوه:
أحدها:
هذا الحديث ذكره البخاري قريبًا
(2)
، وفي باب من أسمع الناس
تكبير الإمام
(3)
وأخرجه مسلم أيضًا
(4)
، ورواية أبي داود أسندها البزار عن محمد بن المثنى عنه، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقدم بين يدي أبي بكر، يعني: يوم صلى بالناس وأبو بكر إلى جنبه، وزيادة أبي معاوية أسندها البخاري في باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 289.
(2)
سيأتي برقم (665).
(3)
سيأتي برقم (712) كتاب: الأذان.
(4)
مسلم (418) كتاب: الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر.
بالمأموم عن قتيبة عنه
(1)
، ورواه ابن حبان عن الحسن بن سفيان، عن ابن عمر، عنه بلفظ: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس قاعدًا وأبو بكر قائمًا
(2)
.
ثم ذكر البخاري حديث عبيد الله بن عبد الله عن عائشة: لَمَّا ثَقُلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ
…
الحديث.
وهذا سبق في الغسل من الطهارة
(3)
، ويأتي في باب: أهل العلم والفضل أحق بالإمامة، من حديث أبي موسى
(4)
وعائشة
(5)
، وابن عمر
(6)
، ومن طريق عائشة في باب، إنما جعل الإمام ليؤتم به
(7)
، ويأتي في الهبة أيضًا
(8)
.
ثانيها:
المراد بالمواظبة: المداومة والمثابرة.
وقوله: فأذن أي: بالصلاة، كما جاء في رواية أخرى، وفي أخرى: وجاء بلال يؤذنه بالصلاة
(9)
، وفي أخرى: إن هذِه الصلاة صلاة الظهر
(10)
، وفي مسلم: خرج لصلاة العصر، وفي أبي داود من حديث عبد الله بن زمعة فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر
(1)
سيأتي برقم (713) كتاب: الأذان.
(2)
"صحيح ابن حبان" 5/ 490 (2121) كتاب: الصلاة، باب: فرض متابعة الإمام.
(3)
بر قم (198) كتاب: الوضوء.
(4)
برقم (678) كتاب: الأذان.
(5)
برقم (679).
(6)
برقم (682).
(7)
برقم (687).
(8)
برقم (2588) باب: هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها.
(9)
سيأتي برقم (712) كتاب: الأذان، باب: من أسمع الناس تكبير الإمام.
(10)
سيأتي برقم (687) كتاب: الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به.
تلك الصلاة فصلى بالناس، وقال:"يأبى الله ذلك والمسلمون"
(1)
.
ثالثها:
قولها: فقيل: إن أبا بكر رجل أسيف، القائل: هو عائشة كما جاء في بعض الروايات، والأسيف: سريع البكاء والحزن، والأسف عند العرب: شدة الحزن والندم، يقال منه: أسف فلان على كذا يأسف: إذا اشتد حزنه، وهو رجل أسيف وأسوف، ومنه قول يعقوب:{يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: من الآية 84] يعني: يا حزنًا ويا جزعًا توجعًا لفقده، وقيل: الأسيف: الضعيف من الرجال في بطشه، وأما الآسف: فهو الغضبان المتلهث، قال تعالى:{فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [طه: من الآية 86]. وفي بعض الروايات: أن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه
(2)
، ترجم عليه باب إذ بكى الإمام في الصلاة
(3)
، وفي أخرى: لم يسمع الناس من البكاء
(4)
.
رابعها:
قولها: وأعاد فأعادوا له. في البخاري في الإمامة: قالت عائشة: قلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر، أي: في الثانية، فلو أمرت عمر. فقال: مروا أبا بكر، فقالت لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا قط.
وقولها: فأعاد الثالثة: وفي رواية أخرى: فراجعته مرتين أو ثلاثة
(5)
.
(1)
أبو داود (4660) كتاب: السنة، باب: في استخلاف أبي بكر رضي الله عنه. قال الألباني: حسن صحيح.
(2)
مسلم (94/ 418) كتاب: الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس.
(3)
البخارى: كتاب: الأذان (716).
(4)
المصدر السابق.
(5)
مسلم (418/ 94) كتاب: الأذان، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ....
في اجتهاد عائشة في أن لا يتقدم والدها وجهان:
أحدهما: ما هو مذكور في بعض طرقه، (قالت)
(1)
: وما حملني
على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس من بعده رجلًا قام مقامه أبدًا، وأني كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر
(2)
.
ثانيهما: أنها علمت أن الناس علموا أن أباها يصلح للخلافة، فإذا رأوه استشعروا بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره.
خامسها:
قوله: "إنكن صواحب يوسف" أي: في ترادهن وتظاهرهن والإغراء والإلحاح كتظاهر امرأة العزيز ونسائها على يوسف عليه السلام ليصرفنه عن رأيه في الاستعصام، وصواحبات جمع صاحبة وهو جمع شاذ، وقيل: يريد امرأة العزيز وأتى بلفظ الجمع كما يقال: فلان يميل إلى النساء، وإن كان مال إلى واحدة، ذكره ابن التين.
سادسها:
قولها: فخرج يهادى بين رجلين أي: يمشي عليهما معتمدًا عليهما من ضعفه وتمايله، هذا موضوعه في اللغة، وبه صرح الجوهري
(3)
، وظاهر قوله: كأني انظر إلى رجليه يخطان: أنهما كانا يحملانه، وهذان الرجلان العباس وعلي، كما ذكره في الحديث الذي بعده، وسلف في الطهارة
(4)
. وفي رواية لابن حبان في "صحيحه" أنه خرج
(1)
في (ج): قلت: وما ذكرناه كما ذكر في الحديث وهو ما يقتضيه السياق.
(2)
سيأتي برقم (4445) كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
(3)
"الصحاح" 6/ 2534.
(4)
سبق برقم (198) كتاب: الوضوء، باب: الغسل والوضوء في المخضب.
إلى الصلاة بين بريرة ونوبة
(1)
أي: بالنون والباء الموحدة وهو عبد أسود، كما قاله سيف في كتاب الردة وفي مسلم: ويده على الفضل، والأخرى على رجل آخر
(2)
، وفي الدارقطني: بين أسامة والفضل
(3)
، فلعل ذلك كان نوبًا مرة هذا ومرة هذا، وبريرة ونوبة من البيت إلى الباب والباقي خارج الباب، وإن كان مسافة ما بين الحجرة والصلاة ليست بعيدة؛ لالتماس البركة وزيادة الإكرام، والعباس ألزمهم ليده وغيره يتناوب، فاقتصرت عائشة عليه لذلك، وهذا أولى من قول من قال: إنما لم يذكر الآخر وهو علي لشيء كان بينهما أو كان ذلك ليس حالة واحدة كما ستعلمه.
سابعها:
معنى أومأ: أشار، واختلفت الروايات هل كان الإمام النبي صلى الله عليه وسلم أو الصديق؟ فرواية عائشة قد علمتها أن الصديق كان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر، وفي أخرى: وأبو بكر يسمعهم التكبير.
وفي الترمذي من حديث جابر مصححًا: أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد متوشحًا به خلف أبي بكر
(4)
ونصر هذا
(1)
"صحيح ابن حبان" 5/ 485 - 486 (2118) كتاب: الصلاة، باب: فرض متابعة الإمام.
(2)
مسلم (418/ 91).
(3)
"سنن الدارقطني" 1/ 402 كتاب: الصلاة، باب: الإمام يسبق المأمومين ببعض الصلاة، موقوف على الحسن.
(4)
لم أقف على هذا الحديث عند الترمذي من رواية جابر وإنما الذي عنده الترمذي من رواية أنس برقم (363) وحديث جابر رواه مسلم بنحوه (518) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد ولم يذكر فيه أنه صلى خلف أي بكر رضي الله عنه، وحديث أنس قد صححه الترمذي كما أشار المصنف وأخرجه النسائي 2/ 79، =
غير واحد من الحفاظ والقراء، منهم الضياء المقدسي وابن ناصر وقال: إنه صح وثبت أنه عليه السلام صلى خلفه مقتديًا به في مرضه الذي توفي فيه ثلاث مرات، ولا ينكر ذلك إلا جاهل لا علم له بالرواية، وقد أوضحت الكلام على ذلك في "شرح العمدة"
(1)
. وقيل: إن ذلك كان مرتين جمعًا بين الأحاديث، وبه جزم ابن حبان
(2)
، وقال ابن عبد البر: الآثار الصحاح على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام
(3)
.
واختلفت الرواية أيضًا: هل قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يسار أبي بكر أو عن يمينه؟ وادّعى القرطبي أنه ليس في الصحيح ذكرًا لأحدهما
(4)
، وقد أسلفنا ذلك عن البخاري أنه جلس عن يسار أبي بكر
(5)
.
ثامنها:
فيه تقديم الأفقه الأقرأ، وقد جمع الصديق القرآن في حياته عليه السلام كما أبو بكر بن الطيب الباقلاني وأبو عمرو الداني، وسيأتي في الفضائل
= وأحمد 3/ 159، والطحاوي في "شرح معاني الآثار": 1/ 406، وابن حبان في "صحيحه"4/ 496 (2125)، والضياء في "المختارة" 6/ 19 (1970)، وقال ابن حبان في "صحيحه" 4/ 497: هذا الخبر ينفي الارتياب عن القلوب أن شيئًا من هذِه الأخبار يضاد ما عارضها في الظاهر ولا يتوهمن متوهم أن الجمع بين الأخبار على حسب ما جمعنا بينها في هذا النوع من أنواع السنن يضاد قول الشافعي رحمه الله
…
أهـ.
(1)
انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 571 - 572.
(2)
"صحيح ابن حبان " 5/ 488 كتاب: الصلاة، باب: فرض متابعة الإمام.
(3)
"التمهيد" 6/ 145.
(4)
"المفهم" 2/ 51.
(5)
روى البخاري جلوس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يسار أبي بكر موقوفًا على أبي معاوية لحديث (664) وروا ها مسندة برقم (713) كتاب: الأذان، باب: الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم.
في باب القراء من الصحابة، أنه حفظه من الصحابة في عهده عليه السلام يزيد على عشرين نفرا وامرأة.
تاسعها:
فيه صحة الصلاة بإمامين على التعاقب، وصرح به الطبري والبخاري
(1)
وأصحابنا.
عاشرها:
احتج به سعيد بن المسيب في أن المأموم يقوم عن يسار الإمام، والجماعة بخلافه عملًا بالرواية الأخرى وبحديث ابن عباس: فجعله عن يمينه
(2)
، وهذا إنما يمشي إذا قلنا: إن الإمام كان الصديق. وجاء في بعض الروايات أنه عليه السلام لما جلس إلى جنب أبي بكر قرأ من المكان الذي انتهى إليه أبو بكر من السورة
(3)
.
(1)
بوب عليه البخاري في "صحيحه" قائلا: باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الآخر أو لم يتأخر جازت صلاته، ثم ذكر حديث سهل بن سعد الساعدي.
(2)
سبق برقم (117) كتاب: العلم، باب: السمر في العلم.
(3)
جاءت هذِه الرواية عند ابن ماجه (1235) من طريق أبي إسحاق، عن الأرقم ابن شرحبيل عن ابن عباس، وأحمد 1/ 209 بنحوها، والطبراني 12/ 114 (12634)، والبيهقي في "سننه" 3/ 81، والضياء في "المختارة" مطولًا 9/ 496 - 497 (483 - 484)، وقال البوصيري في "زوائده": هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، إلا أن أبا إسحاق السجعي اختلط بآخره وكان يدلس، وقد رواه معنعنا لاسيما وقد قال البخاري: لم يذكر أبو إسحاق سماعًا من أرقم بن شرحبيل.
والمتن مشهور من حديث عائشة. اهـ. بتصرف 1/ 187. وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (1020): حسن دون ذكر علي.
حادي عشرها:
جواز وقوف مأموم واحد بجنب الإمام لحاجة أو مصلحة كإسماع المأمومين وضيق المكان.
ثاني عشرها:
فيه صحة اقتداء القائم بالقاعد، وقد سلف ما فيه في أوائل الصلاة في باب: الصلاة في السطوح
(1)
.
ثالث عشرها:
جواز الأخذ بالشدة لمن جازت لى الرخصة؛ لأنه عليه السلام كان له أن يتخلف عن الجماعة لعذر المرض، فلما تحامل على نفسه وخرج على هذِه الهيئة دل على فضل الشدة على الرخصة ترغيبًا لأمته في شهود الجماعة لما لهم فيها من عظيم الأجر، ولئلا يعذر أحد منهم نفسه في التخلف عنها ما أمكنه وقدر عليها، مع علمه أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبذلك عمل السلف الصالحون، وكان الربيع بن خثيم يخرج إلى الصلاة يهادى بين رجلين وكان أصابه الفالج فيقال له: إنك لفي عذر، فيقول: أجل، ولكني أسمع المؤذن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، فمن سمعها فليأتها ولو حبوًا
(2)
.
وكان أبو عبد الرحمن السلمي يحمل وهو مريض إلى المسجد
(3)
.
وقال سفيان: كان سويد بن غفلة ابن سبع وعشرين ومائة سنة يخرج
(1)
كتاب: الصلاة، بعد حديث (376).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 308 (3519) كتاب: الصلوات، باب: من كان يشهد الصلاة وهو مريض لا يدعها.
(3)
المصدر السابق برقم (3520).
إلى صلاة، وكان أبو إسحاق الهمداني يهادى إلى المسجد فإذا فرغ من صلاته لم يقدر أن ينهض حتى يقام.
وقال سعيد بن المسيب: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد
(1)
.
(1)
المصدر السابق برقم (3522).
40 - باب الرُّخْصَةِ فِي المَطَرِ وَالْعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فيِ رَحْلِهِ
666 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ، يَقُولُ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. [انظر: 632 - مسلم: 697 - فتح: 2/ 156]
667 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهْوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللهِ فِي بَيْتِى مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّىَ؟ ". فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 424 - مسلم: 33 - فتح: 2/ 157]
ذكر فيه حديث ابن عمر: أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ.
وحديث عتبان.
وقد سلفا: الأول في الأذان للمسافر
(1)
، والثاني في المساجد في البيوت
(2)
، وفيهما أن المطر والريح والظلمة من أعذار الجماعة، وهو إجماع كما حكاه ابن بطال
(3)
وغيره، ولو كان يصلي مع جماعة ليس له، فإذا كان ذلك عذرًا فالمرض أولى، وقد قال إبراهيم النخعي: ما كانوا
(1)
برقم (632) كتاب: الأذان.
(2)
برقم (424) كتاب: الصلاة.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 291. نص إجماع ابن بطال على شدة المطر والظلمة والريح وما أشبه ذلك مباح بأحاديث الباب. وقال ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 139: لا اختلاف أعلمه بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعة من أجل المرض، ونقله ابن حزم في "المحلى" 4/ 202 عن المرض والخوف.
يرخصون في ترك الجماعة إلا لخائف أو مريض
(1)
، وفي حديث عتبان دلالة على جواز إمامة الأعمى، فإنه عليه السلام اطلع عليه وأقره.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 308 (3523).
41 - باب هَل يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ؟ وَهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي المَطَرِ
؟
668 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ، لَمَّا بَلَغَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: قُلِ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ: كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا، إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي -يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهَا عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ. وَعَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُمْ، فَتَجِيئُونَ تَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكَبِكُمْ. [انظر: 616 - مسلم: 699 - فتح: 2/ 157]
669 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَقَالَ: جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْل، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ. [813، 836، 2016، 2018، 2027، 2036، 2040 - مسلم: 1167 - فتح: 2/ 157]
670 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ. وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ، صَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لأَنَسٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلاَّهَا إِلاَّ يَوْمَئِذٍ. [1179، 6080 - فتح: 2/ 157]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث عبد الله بن الحارث: خَطَبَنَا ابن عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ
…
الحديث. وقد سلف في باب الكلام في الأذان، ويأتي في الجمعة
(1)
، وزاد هنا:"وإني كرهت أن أحرجكم" هو بالحاء المهملة من الحرج، وحكى صاحب "المطالع" فيه الخاء المعجمة من الخروج، وفي لفظ:"وأؤثمكم فتجيئون تدوسون الطين إلى ركبكم". قال الداودي: أي أنه يقع في نفوسكم السخط لما ينالكم من أجل الوحل والطين فتأثمون. وإلى الركب مبالغة، والدوس: الدرس، داست الخيل القتلى: وطئتهم، ودياس البقر منه
(2)
، وسلف هناك تفسير الردغ.
الثاني:
حديث أبي سعيد الخدري: جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي المَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الصلاة والصوم والاعتكاف
(3)
، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى هناك، وأخرجه مسلم أيضًا، وهو مختصر من حديث مطول في ليلة القدر، وكان ذلك تصديقًا
(1)
سلف برقم (616) كتاب: الأذان. ويأتي برقم (901) باب: الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر.
(2)
انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1133، مادة:(داس)، "لسان العرب" 3/ 1454، مادة:(دوس)، "القاموس" (547) مادة:(الدوس).
(3)
سيأتي برقم (813) كتاب: الأذان، باب: السجود على الأنف والسجود على الطين، ويأتي في الصوم في موضعين برقم (2016) كتاب: فضل ليلة القدر، وباب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، وبرقم (2018) باب: تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر.
ويأتي في الاعتكاف في موضعين أيضًا برقم (2036) باب: الاعتكاف وخرج النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين، وبرقم (2040) باب: من خرج من اعتكاف عند الصبح.
لرؤياه فقال: "إني رأيت ليلة القدر ثم أُنْسِيتها وإني رأيت أسجد في ماء وطين"
(1)
، فلما مطرت تلك الليلة رؤي ذلك في جبهته.
الثالث:
حديث أنس بن سيرين، عن أنس: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنِّي لَا أسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ. وَكَانَ رَجُلًا ضَخمًا، فَصَنَعَ لِلنَّبِيٌّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَسَط لَهُ حَصِيرًا فصَلَّى عَلَيْهِ رَكعَتَينِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الجَارُودِ لأنَسٍ: أكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلَّي الضُّحَى؟ قَالَ: مَا رَأيْتُهُ صَلَّاهَا إِلَّا يَوْمَئِذٍ.
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في باب صلاة الضحى في الحضر كما ستعلمه
(2)
، ووقع في شرح شيخنا قطب الدين أن البخاري أخرجه في الصلاة على الحصير، ولم نره فيه
(3)
، وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث أنس بن سيرين، عن عبد الحميد بن المنذر ابن الجارود، عن أنس قال: صنع بعض عمومتي للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا فقال: أني أحب أن تأكل في بيتي وتصلي فيه
(4)
، وفي هذِه الرواية إدخال عبد الحميد بين أنس وأنس، وإن كان أنس بن سيرين في
(1)
مسلم برقم (1167) كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها.
(2)
سيأتي برقم (1179) كتاب: التهجد.
قلت: وسيأتي برقم (6080) كتاب: الآداب، باب: الزيارة.
(3)
وبعد مراجعة حديث الباب هناك (3800) وجدنا أن اتفاق القصتين في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لداعيه وصلاته في بيته هو ما أوقع اللبس عند قطب الدين في "شرحه".
وافتراقهما في الداعي للزيارة: فهنا رجل وهناك امرأة، هو ما تقرر للمصنف هنا فأثبت ذلك على أنهما قصتان فيختلف تخريجهما.
(4)
"المصنف" 1/ 350 (4025) كتاب: الصلوات، باب: في الصلاة على الحصر.
البخاري بسماعه من أنس وهو دال على أن السِّمَن المفرط من أعذار الجماعة، وبه صرح ابن حبان في "صحيحه" حيث قال: إن الأعذار عشرة هذا أحدها، وساق الحديث المذكور
(1)
.
وفيه أيضًا: إقامة الجماعات في البيوت والمساجد بمن حضر، وعدم تعطيل المساجد في البيوت فيما سلف ولا في المطر والطين أيضًا، ولا شك أن الجمعة يتخلف عنها بعذر المطر كما في غيرها، ويلزم من ذلك ترك الخطبة
(2)
.
(1)
"صحيح ابن حبان " 5/ 417 كتاب: الصلاة، باب: فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها. والحديث في 5/ 426 (2070). وقال: ذكر العذر الرابع وهو السمن المفرط الذي يمنع المرء من حضور الجماعات.
(2)
فائدة: لم يذكر المصنف هنا التصريح باسم الرجل، وقد قال ابن رجب في "فتح الباري" له 6/ 93: والظاهر أن هذا الرجل غير عتبان بن مالك، فإن ذاك كان عُذره العمى مع بعد المنزل وحيلولة السيول بينه وبين المسجد. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 2/ 158: قيل إنه عتبان بن مالك، وهو محتمل لتقارب القصتين، لكن لم أر ذلك صريحًا. ثم ذكر ما وقع في رواية ابن ماجه من ذكر الداعي أنه من عمومة أنس، وعتبان عمٌّ لأنس على سبيل المجاز؛ لأنهما قبيلة واحدة وهي الخزرج لكن كل منهما من بطن. اهـ. بتصرف يسير.
42 - باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ
وَكَانَ ابن عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِنْ فِقْهِ المَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارغٌ.
671 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ". [5465 - مسلم: 558 - فتح: 2/ 159]
672 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ". [5463 - مسلم: 557 - فتح: 2/ 159]
673 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ، وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ. [674، 5465 - مسلم: 559 - فتح: 2/ 159]
674 -
وَقَالَ زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ: عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ". رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ، وَوَهْبٌ مَدِينِيٌّ. [انظر: 673 - مسلم: 559 - فتح: 2/ 159]
ذكر فيه أثرين وثلاثة أحاديث:
الأثر الأول عن ابن عمر قال فيه: وَكَانَ ابن عُمَرَ يَبْدَأ بِالْعَشَاءِ
ذكر أبو محمد معناه مسندًا قريبًا حيث قال: وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وأنه ليسمع
قراءة الإمام
(1)
.
وفي ابن ماجه من طريق صحيحة: وتعشى ابن عمر ليلة وهو يسمع الإقامة
(2)
.
الثاني: عن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه: مِنْ فِقْهِ المَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارغٌ. أي: من الشواغل الدنيوية؛ ليقف بين يدي الرب جل جلاله على أكمل حال.
وأما الحديث الأول أخرجه من حديث عائشة رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وُضعَ العَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالعَشَاءِ".
وأخرجه مسلم أيضًا والنسائي ذكره من حديث أنس مرفوعًا: "إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم" وأخرجه البخاري في موضع آخر
(3)
ولمسلم: "إذا أقيمت الصلاة والعشاء فابدءوا بالعشاء"
(4)
.
والثالث: ذكره من حديث عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ نَافِع، عَنِ ابن عُمَرَ مرفوعًا:"إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَابْدءُواَ بِالْعَشَاءِ، وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغ مِنْهُ". وَكَانَ ابن عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَام.
(1)
برقم (673) كتاب: الأذان، باب: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة.
(2)
"سنن ابن ماجه"(934) كتاب: إقامة الصلاة، باب: إذا حضرت الصلاة ووضع العشاء.
(3)
سيأتي برقم (5465) كتاب: الأطعمة، باب: إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه.
(4)
مسلم (557) كتاب: المساجد، باب: كراهة الصلاة بحضرة الطعام. ولفظه هناك: "إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة، فابدءوا قبل أن تصلوا المغرب
…
".
وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
ثم قال البخاري: وَقَالَ زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ: عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ". قال: ورَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ، وَوَهْبٌ مَدِينِيٌّ.
وأخرجه مسلم من حديث أنس بن عياض عن موسى
(2)
، ووقع للحميدي في "جمعه" أنهما أخرجاه من حديث [موسى بن]
(3)
عقبة
(4)
، والبخاري إنما أخرجه تعليقًا كما ترى، ورواه عن موسى حفص بن ميسرة، أخرجه البيهقي
(5)
، ووهب هذا استشهد به البخاري هنا.
إذا تقرر ذلك فاختلف العلماء في تأويل هذِه الأحاديث
(6)
، فذكر ابن المنذر أنه قال بظاهرها عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وهو قول الثوري وأحمد واسحاق، ووجهه شغل القلب وذهاب كمال الخشوع
(7)
. وقال الشافعي: يبدأ بالطعام إذا كانت نفسه شديدة
(1)
مسلم (559) كتاب: المساجد، باب: كراهة الصلاة بحضرة الطعام.
(2)
مسلم (559).
(3)
ساقطة من (م)، (ج)، أثبتت من "الجمع بين الصحيحين" 1/ 203.
(4)
"الجمع بين الصحيحين" 1/ 203 (1314).
(5)
"السنن الكبرى" 3/ 73 - 74 كتاب: الصلاة، باب: ترك الجماعة بحضرة الطعام.
(6)
جعل العلماء حضور الطعام أو توقان النفس ومدافعة الأخبثين سببًا لترك الجماعة.
وهم الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والزيدية. انظر: "البحر الرائق" 1/ 606، "حاشية ابن عابدين" 1/ 559، "قوانين الأحكام الشرعية" ص 83، "التاج والإكليل" 2/ 560، "الأم" 1/ 138، "المجموع" 4/ 99، "الفروع" 2/ 41، "الإنصاف" 4/ 465، "المحلى" 4/ 202، "نيل الأوطار" 1/ 484.
(7)
"الأوسط" 4/ 140 - 141.
التوقان إليه، فإن لم يكن كذلك ترك العشاء، وإتيان الصلاة أحب إلي
(1)
، وذكر ابن حبيب مثل معناه
(2)
. وقال ابن المنذر عن مالك: يبدأ بالصلاة إلا أن يكون طعامًا خفيفًا
(3)
. وفي الدارقطني: قال حميد: كنا عند أنس فأذن بالمغرب، فقال أنس: أبدءوا بالعشاء وكان عشاؤه خفيفًا.
وقال أهل الظاهر: لا يجوز لأحد حضر طعامه بين يديه وسمع الإقامة أن يبدأ بالصلاة قبل العشاء، فإن فعل فصلاته باطلة
(4)
.
والجمهور على الصحة وعلى عدم وجوب الإعادة، وحجتهم أن المعنى بالبداءة بالصلاة ما يخشى من شغل القلب بذلك فيفارقه الخشوع، وربما نقص من حدود الصلاة أو سها فيها، وقد بين هذا المعنى أبو الدرداء فيما سلف من قوله: من فقه المرء إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ، ولو كان إقباله على طعامه فرضًا لم يقل فيه: من فقه المرء أن يبدأ به، بل كان يقول: من الواجب عليه اللازم له أن يبدأ به، فبين العلة في قوله: ابدءوا بالعشاء أنه لما يخاف من شغل البال، وقد رأينا شغل البال في الصلاة لا يفسدها، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام صلى في جبة لها علم فقال:"خذوها وائتوني بأنبجانية"
(5)
، فأخبر أنه اشتغل بالعلم ولم تبطل صلاته.
(1)
"الأم" 1/ 138، "الأوسط" 4/ 141.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 241.
(3)
انظر: "الأوسط" 4/ 141.
(4)
"المحلى" 4/ 202.
(5)
سبق برقم (373) كتاب: الصلاة، باب: إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها.
وقال عمر بن الخطاب: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة
(1)
. وقال عليه السلام: "لا يزال الشيطان يأخذ أحدكم فيقول له: اذكر كذا، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى"
(2)
، ولم يأمرنا بإعادتها لذلك، وإنما يستحب أن يكون المصلي فارغ البال من خواطر الدنيا ليتفرغ لمناجاة ربه عز وجل وقد اشترط بعض الأنبياء على من يغزو معه أن لا يتبعه من ملك بضع امرأة ولم يبن بها، ولا من بنى دارًا ولم يكملها
(3)
؛ ليتفرغ قلبه من شواغل الدنيا، فهذا في الغزو فكيف في الصلاة التي هي أفضل الأعمال، والمصلي واقف بين يدي الله عز وجل، ثم هذِه الكراهة -أعني: كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله- عند الجمهور إذا كان في الوقت سعة، فإن ضاق بحيث لو أكل خرج وقت الصلاة، صلى على حاله؛ محافظة على حرمة الوقت، ولا يجوز تأخيرها.
وقال بعض أصحابنا: لا يصلي بحال، بل يأكل وإن خرج الوقت؛ لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته، والصواب الأول، وقد ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الحق عز وجل، وليس كذلك، وإنما هو صيانة لحق الحق، ليدخل العباد في العبادة بقلوب غير مشغولة بذكر الطعام، وإنما كان عشاء القوم يسيرًا لا يقطع عن لحاق الجماعة، ومما يؤيد ما قلنا أن الأحاديث محمولة على من تاقت نفسه إلى الطعام، وإن كان الحديث الصحيح: "لا صلاة
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 188 (7951) كتاب: الصلوات، باب: في حديث النفس في الصلاة.
(2)
سبق برقم (608) كتاب: الأذان، باب: فضل التأذين.
(3)
سيأتي برقم (3124) كتاب: فرض الخمس، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "أحلت لكم الغنائم".
بحضرة طعام"
(1)
عام لا سيما وإنكار عائشة على ابن أخيها القاسم بن محمد صلاته بحضرته
(2)
.
رواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أنس بن مالك: "إذا قرب العشاء وأحدكم صائم فليبدأ به قبل الصلاة -صلاة المغرب- ولا تعجلوا عن عشائكم"
(3)
. وفي لفظ: "فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب"
(4)
، وقال الدارقطني لما ذكرها: ولو لم تصح هذِه الزيادة لكان معلومًا من قاعدة الشرع الأمر بحضور القلب في الصلاة والإقبال عليها. وقال الطبراني في "الأوسط ": لم يقل فيه: "وأحدكم صائم
…
" إلا عمرو بن الحارث تفرد به موسى بن أعين
(5)
، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على امتداد وقت المغرب، وقال: لو كان مضيقًا لما كان لأحد أن يشتغل فيه بالأكل حتى يفوت
(6)
.
(1)
رواه مسلم برقم (560) كتاب: المساجد، باب: كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال
…
وابن أبي شيبة 2/ 187 (7940) كتاب: الصلوات، باب: في مدافعة الغائط والبول في الصلاة، وابن حبان في "صحيحه" 5/ 430 (2074) كتاب: الصلاة، باب: فرض الجماعة والأعذار التي تبيحها. والبيهقي 3/ 73 كتاب: الصلاة، باب: ترك الجماعة بعذر الأخبثين إذا أخذاه
…
و 3/ 73 باب: ترك الجماعة بحضرة الطعام ونفسه إليه شديدة التوقان.
(2)
مسلم (560).
(3)
"صحيح ابن حبان" 5/ 418 - 419 (2066) كتاب: الصلاة، باب: فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها.
(4)
"صحيح ابن حبان" 5/ 421 - 422 (2068).
(5)
"المعجم الأوسط" 5/ 200، وفيه: ولم يقل: "وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب" إلا عمرو
…
(6)
"الانتصار" للكلوذاني 2/ 145.
43 - باب إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ
675 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ ذِرَاعًا يَحْتَزُّ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [انظر: 208 - مسلم: 355 - فتح: 2/ 162]
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ ذِرَاعًا يَحْتَزُّ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
هذا الحديث سلف في باب: من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق
(1)
، ويأتي إن شاء الله في الجهاد في باب: ما يذكر في السكين
(2)
، وهناك ذكره بالإسناد المذكور بإسقاط صالح، وهذا الحديث يفسر الأمر بالبداءة بالأكل بأنه على الندب لا الوجوب؛ لأنه قام إلى الصلاة وتركه، وقد تأول أحمد بن حنبل من هذا الحديث أن من شرع في الأكل ثم أقيمت الصلاة أنه يقوم إليها ولا يتمادى في الأكل لأنه أخذ منه ما يمنعه من شغل البال، وإنما الذي أمر بالأكل قبل الصلاة من لم يكن بدأ به؛ لئلا يشغل باله به، ورد ابن بطال هذا التأويل بحديث ابن عمر ولا يعجل حتى يقضي حاجته منه، ومن كان على الطعام يقتضي تقدم أكله منه قبل الإقامة، وقد أمره عليه السلام أن لا يعجل حتى يقضي حاجته منه، وهو خلاف ما تأوله أحمد
(3)
.
قلت: يجوز أن يكون قضى حاجته منه ولا سيما ما علم من قلة أكله صلى الله عليه وسلم.
(1)
سلف برقم (208) كتاب: الوضوء.
(2)
برقم (2923).
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 296.
44 - باب مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَت الصَّلَاةُ فَخَرَجَ
676 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ. [5363، 6039 - فتح: 2/ 162]
ذكر فيه حديث الأسود عن عائشة: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي: خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَج إِلَى الصَّلَاةِ.
هذا الحديث ذكره أيضًا في باب كيف يكون الرجل في مهنة أهله؟ وسيأتي
(1)
. والمهنة بكسر الميم وفتحها، وأنكر الأصمعي الكسر
(2)
، وقال غيره: إنه القياس، وقال صاحب "المحكم": المَهْنَة والمِهنة والمهَنَة كله: الحذق بالخدمة والعمل
(3)
وفيه أن الأئمة والفضلاء يتناوبون خدمة أمورهم بأنفسهم وأن ذلك من فعل الصالحين اتباعًا لسيدهم.
قال ابن بطال: ولما لم يذكر في الحديث أنه أزاح عن نفسه هيئة مهنته دل على أن المرء له أن يصلي مشمرًا وكيف كان من حالاته؛ لأنه إنما يكره له التشمير وكف الشعر والثياب إذا كان يقصد بذلك الصلاة، ولذلك قال مالك
(4)
: لا بأس أن يقوم إلى الصلاة على هيئة
(1)
سيأتي برقم (6039) كتاب: الأدب، وسيأتي أيضا برقم (5363) كتاب: النفقات، باب: خدمة الرجل في أهله.
(2)
انظر: "لسان العرب" 7/ 490 مادة: مهن.
(3)
"المحكم" 4/ 241 مادة: (هـ - ن - م).
(4)
انظر: "المدونة" 1/ 95.
جلوسه وبذلته
(1)
.
قلت: وأصحابنا كرهوا ذلك
(2)
مطلقًا؛ لإطلاق النهي عنه في الصحيح
(3)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 296 - 297.
(2)
انظر: "البيان" 2/ 319.
(3)
يشير المصنف لحديث رواه البخاري برقم (815) كتاب: الأذان، باب: لا يكف شعرًا، (816) باب: لا يكف ثوبه في الصلاة.
45 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهْوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّتَهُ
677 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي. فَقُلْتُ لأَبِي قِلَابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا. قَالَ: وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى. [802، 818، 824 - فتح: 2/ 163]
ذكر فيه حديث أيوب عن أبي قلابة قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هذا فَقَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي. فَقُلْتُ لأَبِي قِلَابَةَ: كَيفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ شَيْخِنَا هذا. قَالَ: وَكانَ الشيخ يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها: هذا الحديث من أفراد البخاري، وقد ذكره في مواضع أخر في رفع اليدين وفيمن استوى قاعدًا في وتر من صلاته
(1)
، وفي كيف يعتمد على الأرض؟
(2)
ثانيها: أبو قلابة تابعي، واسمه عبد الله بن زيد الجرمي، جرم قضاعة البصري، طلب للقضاء فهرب، مات بالعريش، وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره، وهو مع ذلك يحمد الله ويشكره، سنة أربع أو
(1)
سيأتي برقم (823) كتاب: الأذان.
(2)
سيأتي برقم (824) كتاب: الأذان.
ست أو سبع ومائة
(1)
، ومالك بن الحويرث ليثي له وفادة مات بالبصرة سنة أربع وتسعين
(2)
(3)
.
ثالثها: قوله: فقلت لأبي قلابة: القائل هو أيوب بن أبي تميمة، سيد شباب أهل البصرة
(4)
، وهذا الشيخ هو عمرو بن سلمة، بكسر اللام كما ذكره البخاري في باب كيف يعتمد من الأرض إذا قام من الركعة؟ كما ستعلمه
(5)
، والأشهر أنه لا رؤية له ولا سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولأبيه وفادة
(6)
.
رابعها: قوله: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة، أي: أصلي صلاة لأجل التعليم لا لغيره من مقاصد الصلاة، وهو دال على جواز فعل مثل
(1)
هو عبد الله بن زيد بن عمرو، ويقال: ابن عامر بن نائل بن مالك بن عبيد بن علقمة بن سعد بن كثير بن غالب أحد الأئمة الأعلام، وهو ابن أخي أبي المهلب الجري، روى عن أنس بن مالك الأنصاري، وأنس بن مالك الكعبي، وجعفر بن عمرو بن أمية الضمري وغيرهم، وروى عنه أشعب بن عبد الرحمن، وأيوب السختياني، وثابت البناني، وخالد الحذاء، قال العجلي: بصري تابعي ثقة، وكان يحمل على عليّ، ولم يرو عنه شيئًا، ولم يسمع من ثوبان شيئًا وروى له الجماعة.
وانظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 5/ الترجمة (268)، "تهذيب الكمال" 14/ 542 (3283)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 468، "الكاشف" 2/ الترجمة (2759).
(2)
تقدمت ترجمته في شرح حديث (87).
(3)
ورد بهامش الأصل: كذا قال النووي في "التهذيب" وصبقه ابن عبد البر في "الاستيعاب" وابن طاهر وكذلك قال الدمياطي في حاشية البخاري (
…
) بأن قال: وفيه نظر، وأما (
…
) وفي أبي عوانه
…
ذكر ذلك فيه "تجريده"
…
، والظاهر أنه لم يبق إلى تلك السنة.
(4)
تقدمت ترجمته في شرح حديث (16).
(5)
انظر ترجمته في: "الاستيعاب" 2/ 202 (1030)، "أسد الغابة" 2/ 437 (2192)، "الإصابة" 2/ 70 (3411).
(6)
سيأتي برقم (824) كتاب: الأذان.
ذلك، وليس هو من باب التشريك في العمل، ودال أيضًا على البيان بالفعل.
خامسها: هذا الحديث دليل ظاهر على إثبات جلسة الاستراحة، وهو مشهور مذهب الشافعي
(1)
، وخالف فيه مالك وأبو حنيفة وجماعات
(2)
، واختلف عن أحمد، والذي اختاره الخلاِل، ورجع إليه آخرًا موافقة الشافعي، وحمل حديث مالك هذا على حالة الضعف بعيد، وكذلك قول من قال: إن مالك بن الحويرث رجل من أهل البادية أقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين ليلة، ولعله رآه فعل ذلك في صلاة واحدة لعذر فظن أنه من سنة الصلاة، أبعد وأبعد، لا يقال ذلك فيه. والمسألة مبسوطة في "شرح العمدة" فلتراجع منه
(3)
، وأفدت فيه أنها ثابتة في حديث أبي حميد الساعدي
(4)
لا كما نفاها الطحاوي عنه
(5)
، بل هي في البخاري ثابتة في حديث المسيء صلاته في كتاب: الاستئذان، في باب: من رد فقال: عليكم السلام. كما سيأتي
(6)
، وهو من النفائس لا كما نفيت عنه.
(1)
"الأم" 1/ 101.
(2)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 314 - 315، "البناية" 2/ 290.
(3)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 3/ 125 - 132.
(4)
رواه أبو داود (730 و 963)، والترمذي (304)، وأحمد 5/ 424، وسيأتي برقم (828) مختصرًا. وانظر:"الإرواء"(305).
(5)
"شرح معاني الآثار" 1/ 261.
(6)
سيأتي برقم (6251).
46 - باب أَهْلُ العِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ
678 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. قَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ" فَعَادَتْ، فَقَالَ:"مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ". فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [3385 - مسلم: 420 - فتح: 2/ 164]
679 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ". قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَهْ، إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ". فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح: 2/ 164]
680 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ -وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ- أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا، وَهْوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ. [681، 754، 1205، 4448 - مسلم: 419 - فتح: 2/ 164]
681 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ، فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ وَضَحَ لَنَا، فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحِجَابَ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ. [انظر: 680 - مسلم: 419 - فتح 2/ 164]
682 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ. قَالَ:"مُرُوهُ فَيُصَلِّي" فَعَاوَدَتْهُ. قَالَ: "مُرُوهُ فَيُصَلِّي، إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ". تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ عُقَيْلٌ وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [فتح: 2/ 165]
ذكر فيه حديث أبي بكر في مرضه عليه أفضل الصلاة والسلام.
وقد سلف ذلك في باب حد المريض أن يشهد الجماعة
(1)
.
وقال البخاري في آخره: تابعه يعني: يونس في روايته عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله، عن أبيه الزبيدي، وابن أخي الزهري، وإسحاق ابن يحيى الكلبي، عن الزهري.
وقال عقيل ومعمر عن الزهري، عن حمزة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: مرسلًا
(2)
، فالزهري اختلف عليه فيه كما ترى، والحديث الأول من
(1)
انظر "المغني" 2/ 212 - 213.
(2)
قال البخاري هذا الكلام عقب الحديث الآتي (682).
أحاديث الباب يأتي في أحاديث الأنبياء أيضًا
(1)
، وأخرجه مسلم
(2)
وسلف هناك من طريق الأسود عن عائشه
(3)
.
والثاني: من حديث هشام عن أييه عن عائشه.
وأخرجه مسلم أيضًا
(4)
.
والثالث: من حديث الزهري عن أنس.
وأخرجه مسلم أيضًا
(5)
.
والرابع: من حديث عبد العزيز عن أنس.
وأخرجه مسلم أيضًا
(6)
، وشيخ البخاري فيه أبو معمر، وهو عبد الله ابن عمرو المقعد، ليس إسماعيل بن إبراهيم بن معمر، ذاك آخر، وهو من شيوخه أيضًا مات سنة ست وثلاثين ومائتين
(7)
، والمقعد مات سنة أربع وعشرين
(8)
. وحديث حمزة بن عبد الله عن أبيه شيخ البخاري فيه يحيى بن سليمان، وهو الجعفي الكوفي نزيل مصر، انفرد به البخاري عن الخمسة (
…
) بواسطة، مات سنة ثمان أو تسع وثلاثين
(1)
برقم (3385) باب: قول الله تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)} [يوسف: 7].
(2)
"صحيح مسلم"(420) كتاب: الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر.
(3)
سبق برقم (664).
(4)
"صحيح مسلم"(418).
(5)
"صحيح مسلم"(419).
(6)
"صحيح مسلم"(419).
(7)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 342 (1080)، "الجرح والتعديل" 2/ 157 (527)، "تاريخ بغداد" 6/ 271، "تهذيب الكمال" 3/ 19 (416).
(8)
تقدمت ترجمته في شرح حديث (75).
ومائتين
(1)
(2)
.
والزبيدي محمد بن الوليد الحمصي مات سنة ثمان وأربعين ومائة، سنة مات الأعمش
(3)
، وابن أخي الزهري محمد بن عبد الله بن مسلم قتله غلمانه بأمر ولده في خلافة أبي جعفر
(4)
. وتوهم ابن بطال أن حمزة هذا هو حمزة الأسلمي. فقال: روته عائشة وأنس وحمزة الأسلمي وهو عجيب! وإنما هو حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
واختلف العلماء فيمن أولى بالإمامة، فقالت طائفة: الأفقه، وبه
(1)
انظر تمام ترجمة يحيى بن سليمان في: "التاريخ الكبير" 8/ 280 (2999)، "الجرح والتعديل" 9/ 154 (638)، "الثقات" 9/ 263، "تهذيب الكمال" 31/ 369 (6842)، "شذارت الذهب" 2/ 91.
وأما قول المصنف رحمه الله: انفرد به البخاري عن الخمسة، فيه تحفظ، وذلك لأن الحافظ المزي لما ترجم ليحي هذا في "التهذيب" رمز إلى أن البخاري والترمذي أخرجا له، وقال 31/ 371: روى عنه: البخاري، وأحمد بن الحسن الترمذي (ت)، وقال في ترجمة أحمد بن الحسن الترمذي 1/ 290 - 291 (25): روى عن: يحيى بن سليمان الجعفي (ت). وكذا قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 4/ 363 بعد أن رمز إلى أن البخاري والترمذي أخرجا له، قال: روى عنه: البخاري، وروى الترمذي عن أحمد بن الحسن الترمذي عنه.
وفي "سنن الترمذي" وجدت حديثًا واحدًا له، لكنه في "العلل الصغير" الملحق بكتاب "السنن" 5/ 752، قال الترمذي: حدثنا أحمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي البصري رحمه الله فقد ذهل وغفل عن هذا، أو أنه لم يعتبر كتاب "العلل" جزء من "السنن". والله اعلم.
(2)
ورد بهامش الاصل ما نصه: في "الكاشف" توفي سنة 237 هـ فقط، وكذلك في "الصلة" له.
(3)
تقدمت ترجمته في شرح حديث (77).
(4)
تقدمت ترجمته في شرح حديث (27).
قال أبو حنيفة ومالك، والشافعي والجمهور
(1)
. وقال أبو يوسف وأحمد وإسحاق: الأقرأ، وبه قال ابن سيرين وبعض الشافعية
(2)
، ولا شك في اجتماع هذين الوصفين في حق الصديق كما سلف في الباب المشار إليه، ألا ترى إلى قول أبي سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا، ومراجعة الشارع بأنه هو الذي يصلي يدل على ترجيحه على جميع الصحابة وتفضيله.
وحديث أبي مسعود البدري الثابت في مسلم "يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله"
(3)
لا يخالف ما نجحن فيه؛ لأنه لا يكاد يوجد إذ ذاك قارئ إلا وهو فقيه، وبعضهم أجاب بأن تقديم الأقرأ كان في أول الإسلام حين كان حفاظ القرآن قليلًا، وقد قُدِّم عمرو بن سلمة وهو صغير على الشيوخ لذلك
(4)
، وكان سالم يؤم المهاجرين والأنصار في مسجد قباء حين أقبلوا من مكة
(5)
؛ لعدم الحُفَّاظ حينئذ.
وفي الحديث أيضًا أن الإمام إذا عرض له عذر من حضور الجماعة استخلف من يصلي بهم، وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم.
وقوله: (كأن وجهه ورقة مصحف) لا شك أنه عليه السلام كان وجهه أبيض مشربًا حمرة، فلما اشتد مرضه غلب البياض الحمرة.
وقوله: (فلما وضح وجهه) أي: ظهر. ويحتمل كما قال ابن التين أن يريد: ظهر لنا بياضه وحسنه؛ لأن الوضاح عند العرب: هو الأبيض اللون الحسنه.
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 60، "المدونة" 1/ 58، "الأم" 1/ 140.
(2)
انظر: "البناية" 2/ 386، "الأوسط" 4/ 149، "المغنى" 3/ 11.
(3)
مسلم برقم (673) كتاب: المساجد، باب: من أحق بالإمامة.
(4)
سيأتي برقم (4302) كتاب: المغازي، باب: من شهد الفتح.
(5)
يأتي قريبًا برقم (692) باب: إمامة العبد المولى، وبرقم (7175) كتاب: الأحكام، باب: استقصاء الموالي واستعمالهم.
وقوله: (فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم) أي: نذهل من الفرح برؤيته.
وقوله: (ثم تبسم يضحك) إنما كان فرحًا بما رأى من اجتماعهم في مغيبه وإقامة الشريعة، ويجوز أن يكون من باب التأنيس لهم.
47 - باب مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ
683 -
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ. قَالَ عُرْوَةُ فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح: 2/ 166]
ذكر فيه حديث عائشة قَالَتْ: أمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرِ أنْ يُصَلَّيَ بِالنَّاسِ
…
الحديث.
وقد سلف
(1)
وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
، ولا شك أن سنة الإمامة تقديم الإمام وتأخر الناس عنه. قال ابن بطال: ولا يجوز أن يكون أحد مع الإمام في صف إلا في موضعين:
أحدهما: العلة التي في هذا الحديث وما كان في معناها، مثل أن يضيق الموضع فلا يقدر على التقدم فيكون معهم في صف ومثل العراة أيضًا إذا أمن أن يرى بعضهم بعضًا.
والثاني: أن يكون رجل واحد مع الإمام، فإنه يصلي عن يمينه في الصف معه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بابن عباس إذ أداره من خلفه إلى يمينه
(3)
، فإن صلى الإمام في صف المأمومين لغير عذر فقد أساء وخالف سنة الإمامة، وصلاته تامة
(4)
.
(1)
برقم (664) كتاب: الأذان، باب: حد المريض أن يشهد الجماعة.
(2)
مسلم (418) كتاب: الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر.
(3)
سبق برقم (117) كتاب: العلم، باب: السمر في العلم.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 301.
وفيما ذكره من الإساءة نظر. وقال الطبري: إنما أقام النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى جنبه؛ ليعلم الناس تكبير ركوعه وسجوده إذ كان صلى الله عليه وسلم قاعدًا، وفي القوم ممن يصلي بصلاته ممن لا يراه، ولا يعلم ركوعه ولا سجوده، فبان أن الأئمة إذا كانوا بحيث لا يراهم من يأتم بهم أن يجعلوا بينهم وبين من يأتم بهم علمًا يعلمون بتكبيره وركوعه تكبيرهم وركوعهم، وأن لمن لا يرى الإمام أن يركع بركوع المؤتم به ويسجد بسجوده، وأن ذلك لا يضره، ويجزئه أن لا يرى الإمام في كل ذلك إذا رأى من يصلي بصلاته.
وقوله: (فلما رآه أبو بكر استأخر): دليل واضح أنه لم يكن عنده مستنكرًا أن يتقدم الرجل عن مقامه الذي قام فيه في صلاته ويتأخر، وذلك عمل في الصلاة عن غيرها، فلما كان نظير ذلك يفعله فاعل في صلاته لأمر دعاه إليه فذلك جائز
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 301 - 302.
48 - باب مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ فَجَاءَ الإِمَامُ الأوَّلُ فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ، جَازَتْ صَلَاتُهُ
684 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ -وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ- فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟! مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ". [1201، 1204، 1218، 1234، 2690، 2693، 7190 - مسلم: 421 - فتح: 2/ 167]
فِيهِ: عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قلت: تقدم في صلاته عليه السلام في مرضه
(1)
.
ثم ساق حديث سهل بن سعد الساعدي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ
…
إلى آخره.
والكلام عليه من وجوه:
أحدها:
(1)
سبق برقم (664).
هذا الحديث أخرجه البخاري في سبعة مواضع هنا، وثلاثة في الصلاة فيما يجوز من التسبيح والحمد للرجال، ورفع الأيدي فيها لأمر ينزل به، والإشارة فيها والسهو والصلح والأحكام
(1)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
ثانيها:
بنو عمرو بن عوف من ولد مالك بن الأوس من الأنصار وكانوا بقباء فصلى عليه السلام الظهر ثم أتاهم ليصلح بينهم، وكان لينهم شر وقتال وتراموا بالحجارة، فحبس وحانت الصلاة.
ثالثها:
فيه ذهاب الإمام للإصلاح بين رعاياه؛ لئلا يختلفوا فيفسد حالهم، وفضل الإصلاح بين الناس.
رابعها:
قوله: (فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر) هو بلال؛ إذ في أبي داود فقال -يعني: عليه السلام لبلال: "إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس" فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام، ثم أمر أبا بكر فتقدم
(3)
، وفي هذِه الرواية بيان أن هذِه الصلاة هي العصر،
(1)
سيأتى برقم (1201) كتاب: العمل في الصلاة، باب: ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال. و (1204) باب: التصفيق للنساء. و (1234) كتاب: السهو، باب: الإشارة في الصلاة. و (2690) كتاب: الصلح، باب: ما جاء في الإصلاح بين الناس. و (2693) باب: قول الإمام لأصحابه: اذهبوا بنا نصلح. و (7190) كتاب: الأحكام، باب: الإمام يأتي قومًا فيصلح بينهم.
(2)
"صحيح مسلم" برقم (421) كتاب: الصلاة، باب: تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم.
(3)
"سنن أبي داود"(941) كتاب: الصلاة، باب: التصفيق في الصلاة.
وقد جاء أيضًا في بعض طرقه.
خامسها:
قوله: فقال: أتصلي للناس فأقيم؟: فيه سبع فوائد:
الأولى: تقديم غير الإمام إذا تأخر ولم يخف فتنة وإنكار من الإمام، وتقديم الناس لأنفسهم إذا غاب.
الثانية: تقديم الأصلح والأفضل.
الثالثة: عرض المؤذن وغيره التقدم على الفاضل وموافقته.
الرابعة: تفضيل الصديق رضي الله عنه حيث قدم وإشارته صلى الله عليه وسلم بالثبات على حاله، ذكره ابن الجوزي وابن التين والنووي
(1)
، وقد أفدناك أن الشارع هو الذي قدمه.
الخامسة: تفضيل الصلاة في أول الوقت.
وقال ابن التين: إنهم خافوا فوت الوقت، وظنوا أنه عليه السلام لا يأتيهم في الوقت، ففيه المحافظة على الأوقات.
السادسة: أن الإقامة لا تصح إلا عند إرادة الدخول في الصلاة؛ لقوله: أتصلي فأقيم؟.
السابعة: أن المؤذن هو الذي يقيم، وهذا هو السنة، فإن أقام غيره كان خلاف السنة، نعم يعتد بأذانه عند الجمهور.
سادسها:
قوله: (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة): جاء في رواية أخرى: أنه جاء بعد أن كبر الصديق وكبر الناس، وخرق رسول الله
(1)
انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" 4/ 137.
- صلى الله عليه وسلم ليصل إلى موضعه
(1)
. ففيه جواز فعل الإمام ذلك عند الحاجة إليه لخروجه لطهارة أو رعاف أو نحوهما، ورجوعه، وكذا من احتاج من المأمومين إلى الخروج لعذر.
سابعها:
قوله: وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، إنما كان لا يلتفت للنهي عنه في البخاري كما سيأتي
(2)
. قال ابن عبد البر: وجمهور العلماء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرًا
(3)
. قلت: وهذا إذا كان لحاجة فإن كان فلا كراهة، وسيعقد البخاري له بابًا ستعلمه بعد فيما سيأتي
(4)
، وفي أبي داود من حديث سهل بن الحنظلية: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، وكان أرسل إليه فارسًا. قال الحاكم: سنده صحيح
(5)
، وكذا التفات الصديق عند الإكثار من التصفيق ولم ينكره عليه.
ثامنها: رَفْع أبي بكر يديه بحمد الله كان إشارة منه لا كلامًا، كذا قال ابن الجوزي، ويحتمل خلافه. قال مالك: من أُخبر في صلاته بسرور فحمد الله تعالى لا يضر صلاته، وله أن يتركه تواضعًا وشكرًا لله تعالى وللمنعِم به. قال ابن القاسم فيه: ومن أُخبر بمصيبة فاسترجع وأُخبر بشيء فقال: الحمد لله على كل حال. (أو قال:
(1)
سيأتي برقم (1234) كتاب: السهو، باب: الإشارة في الصلاة.
(2)
سيأتي برقم (751) كتاب: الأذان، باب: الالتفات في الصلاة.
(3)
"التمهيد" 21/ 103.
(4)
سيأتي برقم (751) كتاب: الأذان، باب: الالتفات في الصلاة.
(5)
أبو داود (916، 2501)، "المستدرك" 1/ 237. ورواه أيضًا البيهقي 9/ 149، والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (850، 2259).
الذي)
(1)
بنعمته تتم الصالحات، لا يعجبني، وصلاته مجزئة. قال أشهب: إلا أن يريد بذلك قطع الصلاة
(2)
.
قلت: وفيه شكر الله تعالى على الوجاهة في الدين، وأن ذلك من أعظم النعم، قال تعالى في عيسى:{وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران: 45]. وفيه جواز إعلام المصلي بما يسره.
تاسعها:
إنما لم يثبت أبو بكر عند الإشارة إليه بالثبوت، وإن كان فيه مخالفة؛ لأنه فهم أنها إشارة تكريم لا إلزام، ويدل عليه شق الشارع الصفوف حتى خلص إليه، فلولا أنه أراد الإمامة لصلى حيث انتهى.
وقوله: (ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) - أي: لأن الكبير شأنه التقدم، ويجوز أن يكون الصديق خاف حدوث حادث في الصلاة يغير حكمًا، فلم يتول الصلاة مع وجوده.
العاشر:
قوله: (وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى) استدل به أصحابنا على جواز اقتداء المصلي بمن يحرم بالصلاة بعده، فإن الصديق أحرم بالصلاة أولًا ثم اقتدى به حين أحرم بعده، وهو أظهر القولين عندنا، وفيه الصلاة بإمامين على التعاقب، وقد سلف. ونقل ابن بطال عن الأكثرين المنع بغير عذر، قال ابن بطال: لا أعلم من يقول: إن من كبرّ قبل إمامه فصلاته تامة إلا الشافعي؛ بناءً على مذهبه أن صلاة المأموم غير مرتبطة
(1)
في الأصل: (قال الداودي:)، وهو غير مناسب للسياق، والمثبت من "النوادر والزيادات" 1/ 231.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 231.
بصلاة الإمام، وسائر الفقهاء لا يجيزون صلاة من كبرّ قبل إمامه
(1)
.
الحادي عشر:
استنبط ابن بطال وغيره جواز الاستخلاف من هذا الحديث
(2)
ووجهه أن الصديق صار مأمومًا بعد أن كان إمامًا، وبنى القوم على صلاتهم، فكذا إذا خرج من الصلاة لسبق حدث ونحوه يقدم رجلًا، وهو أظهر قولي الشافعي، وبه قال عمر، وعلى، والحسن، وعلقمة وعطاء، والنخعي، والثوري، ومالك، وأبو حنيفة
(3)
، وقال الشافعي مرة وأهل الظاهر: لا يستخلف
(4)
، وادعى بعض المالكية أن تأخر الصديق وتقدم الشارع من خواصه؛ لأنهم كانوا يقدموه بالإحرام ولا يفعل ذلك بعده، وليس بظاهر.
وعن ابن القاسم في الإمام يحدث فيستخلف ثم ينصرف، فيأتي ثم يخرج المستخلف ويتم الأول بالناس أن الصلاة تامة، فإذا تمت الصلاة فينبغي أن يشير إليهم حتى يتم لنفسه، ثم يسلم ويسلموا، فيجوز التقدم والتأخر في الصلاة
(5)
. قال ابن بطال: وهذا القول مطابق للحديث، وبه ترجم البخاري، وأكثر الفقهاء لا يقولون ذلك؛ لأنه لا يجوز عندهم الاستخلاف في الصلاة إلا لعذر، وقال أولًا: هذا الحديث رد على الشافعي وأهل الظاهر في إنكارهم الاستخلاف
(6)
. وقد عرفت أنه قول عنده، وأن أظهر قوليه جوازه.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 305.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 303.
(3)
"الهداية" 1/ 64، "النوادر والزيادات" 1/ 315، انظر:"المجموع" 4/ 141.
(4)
انظر: "التهذيب" 1/ 301، "المجموع" 4/ 138.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 311.
(6)
"شرح ابن بطال" 2/ 302.
الثاني عشر:
قوله: "من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء"، وفي رواية أخرى للبخاري:"فليقل: سبحان الله، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت"
(1)
.
التصفيق: هو التصفيح -بالحاء- سواءً صفق بيده أو صفح، وقيل:
هو بالحاء: الضرب بظاهر اليد وإحداهما على باطن الأخرى. وقيل: بل بإصبعين من إحديهما على صفحة الأخرى، وهو الإنذار والتنبيه، وبالقاف: ضرب إحدى الصفحتين على الأخرى، وهما للهو واللعب.
وقال أبو داود: قال عيسى بن أيوب: التصفيح للنساء
(2)
. يحتمل أنهم ضربوا بأكفهم على أفخاذهم.
قلت: وإن ضربت المرأة كان ببطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، ولا يضرب ببطن كف على كف على وجه اللعب واللهو، فإن فعلت ذلك على وجه اللعب بطلت صلاتها؛ لمنافاة الصلاة، واحتج به الجماعة -كما قال ابن التين- من الحذاق على أبي حنيفة في قوله: إن سبح الرجل لغير إمامه لم تجزه صلاته
(3)
.
ومذهب مالك والشافعي: إذا سبح الأعمى خوف أن يقع في بئر أو خوفًا من دابة أو حية أنه جائز
(4)
. وقال أصحاب أبي حنيفة: إن معنى قوله: "فليسبح" أي: لإمامه إذا سهى؛ لأن سهو إمامه سهو له،
(1)
سيأتي برقم (1234) كتاب: السهو، باب: الإشارة في الصلاة.
(2)
"سنن أبي داود"(942) كتاب: الصلاة، باب: التصفيق في الصلاة.
(3)
انظر: "الهداية" 1/ 66.
(4)
"المدونة" 1/ 98، "روضة الطالبين" 1/ 291، وهو مذهب الحنابلة انظر "المغني" 2/ 454.
فأجاز له هذا؛ لأنه من مصلحة الصلاة. وأجاب عند بعضهم بأن الخبر خرج على سبب كما سلف، فتصفيقهم؛ ليُعلموا الصديق بمجيئه عليه السلام، وإنما كان السبب مع غير الإمام، وهذا لا يعود إلى الإمام، فما كان مثل هذا السبب جائز، لكن قوله:"من نابه شيء" عام فيما كان مع الإمام وغيره. وقال مالك: إنما قال ذلك على معنى العتب لما فعل، أي: ذلك للنساء فهو ذم للتصفيق، فالمرأة تسبح كالرجل؛ لقوله عليه السلام "من نابه شيء" و (من) تقع على الذكور والإناث. قال: والتصفيق منسوخ بقوله: "من نابه شيء في صلاته فليسبح" وأنكره بعضهم. وقال: لأنه لا يختلف أن أول الحديث لا ينسخ آخره، ومذهب الشافعي والأوزاعي يخصص النساء بالتصفيق وهو ظاهر الحديث.
وفي أبي داود: "وإذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء"
(1)
، وسيأتي في البخاري في بابه من حديث أبي هريرة
(2)
، وهو في مسلم: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء في الصلاة
(3)
.
(1)
"سنن أبي داود"(940 - 941) كتاب: الصلاة، باب: التصفيق في الصلاة.
(2)
برقم (1203) كتاب: العمل في الصلاة، باب: التصفيق للنساء.
(3)
مسلم (422) كتاب: الصلاة، باب: تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذ نابهما شيء في الصلاة.
49 - باب إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ
685 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ، فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَحِيمًا فَقَالَ:"لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلَادِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ، مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ". [انظر: 628 - مسلم: 674 - فتح: 2/ 170]
ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ .. الحديث.
سلف في الأذان
(1)
، وذكرنا هناك أنه قدم الأكبر للتساوي في شروط الإمامة، ورجحان أحدهما بالسن. وإن كان يحتمل أن بعضهم أسرع حفظًا وأقبل لما يتعلمه عن بعضهم، لكنهم تساووا في تعليم ما يجزئهم الصلاة به؛ فلأجل ذلك ذكر الأسن، وإلا فالأسن إذا اجتمع وكان من هو أصغر منه أقرأ قدم الأقرأ، كما في حديث عمرو بن سلمة وهو صبي في مسجد عشيرته، وفيهم الشيوخ والكهول
(2)
. لكن سلف لك أن الأفقه أولى منه وأن هذا كان أول الحال.
(1)
برقم (628) باب: من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد. و (630 - 631) باب: الأذان للمسافر، وإذا كانوا جماعة، والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع. و (658) باب: اثنان فما فوقهما جماعة.
(2)
سيأتي هذا الحديث برقم (4302) وتقدم تخريجه.
50 - باب إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَومًا فَأَمَّهُمْ
686 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: أسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنْتُ لَهُ، فَقَالَ:"أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ ". فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ، فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا. {انظر: 424 - مسلم: 33 - فتح: 2/ 172]
ذكر فيه حديث محمود بن الرييع: سَمِعتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأذِنْتُ لَهُ، فَقَالَ:"أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ " .. الحديث. تقدم في باب المساجد فيِ البيوت وغيره
(1)
.
(1)
برقم (425) كتاب: الصلاة. و (667) كتاب: الأذان، باب: الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في محله.
51 - باب إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ
وَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ وَهْوَ جَالِسٌ. [انظر 98] وَقَالَ ابن مَسْعُودٍ: إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الإِمَامِ يَعُودُ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ ثُمَّ يَتْبَعُ الإِمَامَ. وَقَالَ الحَسَنُ فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الإِمَامِ رَكعَتَيْنِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ: يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الأُولَى بِسُجُودِهَا. وَفِيمَن نَسِيَ سَجْدَةً حَتَّى قَامَ: يَسْجُدُ.
687 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: بَلَى، ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَصَلَّى النَّاسُ؟ ". قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ. قَالَ:"ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ". قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أَصَلَّى النَّاسُ؟ ". قُلْنَا لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ:"ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ". قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ:"أَصَلَّى النَّاسُ؟ ". قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ:"ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ:"أَصَلَّى النَّاسُ؟ ". فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ -وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عليه السلام لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ- فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا-: يَا عُمَرُ، صَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ -أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ- لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ. قَالَ:"أَجْلِسَانِى إِلَى جَنْبِهِ". فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهْوَ يَأْتَمُّ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: هَاتِ. فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهَا، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح: 2/ 172]
688 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا". [1113، 1236، 5658 - مسلم: 412 - فتح: 2/ 173]
689 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: قَوْلُهُ: "إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا". هُوَ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا، لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ، فَالآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 378 - مسلم: 411 - فتح: 2/ 173]
وَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ وَهْوَ جَالِسٌ.
هذا التعليق تقدم مسندًا عن حديث عائشة
(1)
.
ثم قال البخاري: وَقَالَ ابن مَسْعُودِ: إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الإِمَامِ يَعُودُ فيمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ ثُمَّ يَتْبَعُ الإِمَامَ.
(1)
رقم (664) كتاب: الأذان، باب: حد المريض أن يشهد الجماعة.
وهذا التعليق أسنده ابن أبي شيبة، فقال: حدثنا هشيم، أنا حصين، عن هلال بن يساف، عن أبي حيان الأشجعي -وكان من أصحاب عبد الله- قال عبد الله: لا تبادروا أئمتكم بالركوع ولا بالسجود، أذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد، ثم ليمكث قدر ما سبقه به الإمام.
وحدثنا ابن إدريس، عن حصين، عن هلال به نحوه
(1)
.
وروى البيهقي من طريق ابن لهيعة أن عمر قال: إذا رفع أحدكم رأسه وظن أن الإمام قد رفع فليعد رأسه، وليمكث بقدر ما ترك، ثم قال وروينا عن إبراهيم والشعبي أنه يعود فيسجد
(2)
.
قلت: وكل هذا لأجل المتابعة. وحكى ابن سحنون عن أبيه نحوه أن سحنونًا رفع قبل إمامه ولم يعلم رفع الإمام رأسه، فرجع سحنون يسجد القدر الذي كان مع الإمام. ومذهب مالك أن من خفض أو رفع قبل إمامه أنه يرجع فيفعل ما دام إمامه لم يفرغ من ذلك
(3)
، وبه قال أحمد وإسحاق، والحسن والنخعي
(4)
، وروي نحوه عن عمر
(5)
، وقال ابنه: من ركع أو سجد قبل إمامه لا صلاة له
(6)
. وهو قول أهل الظاهر
(7)
، وقال الشافعي وأبو ثور: إذا ركع وسجد قبله فإن أدركه الإمام فيهما
(1)
"المصنف" 1/ 402 (4620 - 4621).
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 93 كتاب: الصلاة، باب: إثم من رفع رأسه قبل الإمام.
(3)
انظر: "الذخيرة" 2/ 275.
(4)
رواه عنها بن أبي شيبة 1/ 402 (4624 - 4625).
(5)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 375 (3758)، وابن أبي شيبة 1/ 402 (4622)، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 191 - 192 (2013، 2015).
(6)
رواه ابن المنذر 4/ 190 - 191 (2010 - 2012) وبمعناه رواه ابن أبي شيبة 1/ 402 (4623).
(7)
انظر: "المحلى" 4/ 60 - 61.
أساء ويجزئه. حكاه ابن بطال، قال: وشذ الشافعي فقال: إن كبر للإحرام قبل إمامه فصلاته تامة
(1)
.
قلت: هو أصح قوليه فيما إذا أحرم منفردًا ثم نوى الاقتداء في أثناء صلاته.
ثم قال البخاري: وَقَالَ الحَسَنُ فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ: يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الأُولَى بِسُجُودِهَا. وَفِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً حَتَى قَامَ: يَسْجُدُ.
قال ابن أبي شيبة: حدثنا هشيم أنا يونس عن الحسن أنه كان يقول: إذا رفع رأسه قبل الإمام والإمام ساجد فليعد وليسجد
(2)
. وقال مالك في مسألة الزحام لا يسجد على ظهر أحد، فإن خالف يعيد
(3)
. وقال الشافعي والكوفيون وأبو ثور: يسجد ولا إعادة
(4)
.
ثم ذكر البخاري من حديث مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَلَا تُحَدِّثينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: بَلَى، ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"أَصلَّى النَّاسُ؟ "
…
الحديث.
وقد ذكر بعضه في باب الغسل والوضوء في المخضب
(5)
. قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول تريبني رواية موسى هذا. قلت: ما يقول فيه؟ قال: صالح الحديث، قلت يحتج بحديثه؟ قال: يكتب
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 311.
(2)
"المصنف" 1/ 402 (4624) في الصلوات، باب: الرجل يرفع رأسه قبل الإمام.
(3)
"المدونة" 1/ 137.
(4)
انظر "المبسوط" 2/ 32، "الأوسط" 4/ 104.
(5)
سلف برقم (198) كتاب: الوضوء.
حديثه
(1)
، قلت: هو ثقة ناسك، أخرج له الجماعة، وسلف بيان المخضب هناك.
وقوله: (ذهب لينوء) أي: لينهض بجهد ومشقة، وناء: سقط وهو من الأضداد.
وقيل: معنى لينوء، أي: تمايل ليتحامل على القيام.
وقولها: (عكوف) أي: لم يبرحوا في المسجد، والعكوف: الملازمة.
ثم ذكر البخاري أيضًا من حديث عروة عن عائشة أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ
…
الحديث. ويأتي أيضًا
(2)
.
ثم ذكر أيضًا من حديث ابن شهاب عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فَرَسًا
…
الحديث.
وقد سلف في باب الصلاة في السطوح والخشب، من حديث حُميد عن أنس
(3)
، ويأتي إن شاء الله في باب: إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة من حديث الزهري عن أنس أيضًا
(4)
. وسيأتي نحوه من حديث أبي هريرة أيضًا
(5)
.
وحاصل ما ذكره البخاري في الباب من الأحاديث والآثار وجوب متابعة الإمام في أفعاله، وأنها عقبه، فلو خالف وقارنه لم يضر إلا تكبيرة
(1)
"الجرح والتعديل" 8/ 157 (700).
(2)
سيأتي برقم (1113) كتاب: تقصير الصلاة، باب: صلاة القاعد.
(3)
سلف برقم (378) كتاب: الصلاة.
(4)
سيأتي برقم (732 - 733)، كتاب: الأذان، باب: إيجاب التكبير، وافتتاح الصلاة.
(5)
برقم (722) كتاب: الأذان، باب: إقامة الصف من تمام الصلاة.
الإحرام، وكذا السلام عندنا على وجه، والأصح المنع، وإن سبقه بركن لم تبطل على الأصح مع ارتكاب الحرام بخلاف ركنين
(1)
فإنها تبطل.
وعند ابن حزم أنه لا يفعل شيئًا قبل إمامه ولا معه، فإن فعل عامدًا بطلت صلاته، لكن بعد تمام كل ذلك من إمامه، وعليه سجود السهو
(2)
. وعند مالك فيما نقله ابن حبيب عنه: أنه يفعل المأموم مع الإمام إلا في الإحرام والقيام من اثنتين والسلام فلا يفعله إلا بعده
(3)
.
وقال أبو حنيفة ومحمد وزفر والثوري: يكبر في الإحرام مع إمامه، وخالف أبو يوسف. احتج من جوز المقارنة بأن الائتمام امتثال لفعل الإمام وهو حاصل
(4)
. واحتج من منع بأن الشارع جعل فعلهم عقب فعله؛ لأن الفاء للتعقيب، وإذا لم يتقدمه الإمام بالتكبير فلا يصح الائتمام به؛ لأنه محال أن يدخل المأموم في صلاة لم يدخل فيها إمامه.
وباقي أحكام الباب سبق مفرقًا في الأبواب، ويأتي بعضه أيضًا.
(1)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 373.
(2)
"المحلى" 4/ 60 - 61.
(3)
انظر: "الذخيرة" 2/ 275.
(4)
المصدر السابق.
52 - باب مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ
؟
قَالَ أَنَسٌ: فَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا. [انظر: 378]
690 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ -وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ. [747، 811 - مسلم: 474 - فتح: 2/ 181]
وقَالَ أَنَسٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا".
كذا في بعض النسخ، وهو ما في "شرح ابن بطال"
(1)
، وفي بعضها: قال أنس: وإذا سجد سجدوا.
ثم ساق من حديث سفيان، عن أبي إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي البَرَاءُ -وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ- قَالَ: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إذَا قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ.
حَدَّثنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، نَحْوَهُ بهذا.
وهذا الحديث ذكره البخاري أيضًا في موضعين آخرين: رفع البصر إلى الإمام
(2)
، والسجود على سبعة أعظم
(3)
. وأخرجه مسلم أيضًا
(4)
.
وسفيان: هو الثوري، وأبو إسحاق: هو السبيعي، وعبد الله بن يزيد:
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 317.
(2)
برقم (747) كتاب: الأذان.
(3)
برقم (811) كتاب: الأذان.
(4)
مسلم (474) كتاب: الصلاة، باب: متابعة الإمام والعمل بعده.
هو الخطمي، صحابي ابن صحابي كالبراء ووالده.
وقال الدارقطني: إنه محفوظ لعبد الله عن البراء، ولم يقل أحد عن ابن أبي ليلى عن البراء غير أبان بن تغلب عن الحكم، وغير أبان أحفظ منه. قلت: حديث أبان أخرجه مسلم
(1)
، والسند الثاني مذكور في بعض النسخ ومضروب عليه في بعضها، ولم يذكره أصحاب الأطراف ولا أبو نعيم في "مستخرجه".
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها: قوله: (وهو غير كذوب)، قائله هو أبو إسحاق في عبد الله لا البراء، قاله الحفاظ، وليس بجيد؛ لأن عبد الله صحابي أيضًا كما أسلفناه. وعبد الله لم يرد به التعديل، وإنما أراد به قوة الحديث كما أوضحته في "شرح العمدة" بشواهده
(2)
.
ثانيها: قوله: (لم يحنِ) أي: لم يعطف، ومنه حنيت العود: عطفته، ويقال: حنيت وحنوت، والأكثر في اللغة والرواية بالياء. وقد روي بهما في "صحيح مسلم"
(3)
.
ثالثها: قوله: (ثم نقع) هو بالرفع على الاستئناف وليس معطوفًا على (يقع) الأول المنصوب بـ (حتى)؛ إذ ليس المعنى عليه.
(1)
مسلم (474/ 200).
وقال النووي: اعتراض الدارقطني هذا لا يقبل، بل أبان ثقة، نقل شيئًا فوجب قبوله، ولم يتحقق كذبه وغلطه، ولا امتناع في أن يكون مرويًّا عن ابن يزيد وابن أبي ليلى والله اعلم. اهـ. "شرح مسلم" 4/ 191.
(2)
انظر: "الإعلام" 2/ 578 - 579. وانظر: "مسلم بشرح النووي" 4/ 190، "فتح الباري" لابن رجب 1/ 163.
(3)
مسلم (474/ 197، 200).
رابعها: في أحكامه، فيه ما كانت الصحابة عليه من الاقتداء بالشارع والمتابعة له في الصلاة وغيرها حتى لم يتلبثوا بالركن الذي ينتقل إليه حتى يشرع في الهوي إليه بل يتأخرون عنه. وفي فعل الصحابة ذلك دلالة على طول الطمأنينة منه.
53 - باب إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ
691 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ -أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ" أَوْ "يَجْعَلَ اللهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ؟ ". [مسلم: 427 - فتح: 2/ 182]
ذكر فيه حديث مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ -أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ" أَوْ "يَجْعَلَ اللهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ؟ ".
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة
(1)
، وتابع محمد بن سيرين محمد بن زياد، أخرجه البيهقي
(2)
.
ثانيها:
يخشى: معناه: يخاف، وخص الحمار دون غيره؛ لبلادته وعدم فهمه؛ لأن المتعاطي لمخالفة إمامه ومسابقته في أفعاله كأنه بلغ هذا المبلغ من البلادة، فناسب أن يحول به؛ لشبهه به، والعقوبة من جنس الذنب، وخصت الرأس
(3)
بذلك دون غيره؛ لوقوع الجناية به،
(1)
مسلم (427) كتاب: الصلاة، باب: النهي عن سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما، وأبو داود (623)، والترمذي (582)، والنسائي 2/ 96، وابن ماجه (961).
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 93 كتاب: الصلاة، باب: إثم من رفع رأسه قبل الإمام.
(3)
ورد بهامش الأصل: الرأس مذكر، ولكن المصريون يؤنثونه.
والوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه. ويجوز أن يكون ذلك حقيقة، وقد وقع
(1)
.
ثالثها:
الحديث نص في الرفع، ومثله الخفض، وخص الركوع والسجود دون غيرهما؛ لأنهما آكد أركان الصلاة، وهما محل القرب. وفيه الوعيد على الفعل المذكور وتحريم مسابقة الإمام وغلظها. ونظر ابن مسعود إلى من سبق إمامه، فقال: لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت. وعن ابن عمر نحوه، وأمره بالإعادة. والجمهور على عدم الإعادة. وقال أحمد: من سبق الإمام عالمًا بتحريمه ليس له صلاة
(2)
. لهذا الحديث، ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يُخشَ العقاب.
وفيه: كمال شفقته عليه السلام بأمته، وبيانه لهم الأحكام وما يترتب على المخالفة.
(1)
قال المصنف رحمه الله: قد نقل وقوعه بإسناد صحيح لشخص أو شخصين في أزمنة قديمة، لكن الحديث لا يدل على وقوعه، وإنما فاعل الرفع قبل الإمام متعرض له، خصوصًا إن كان مستهزءًا بالحديث، فإنه يقع به كما ذكرنا ونعوذ بالله من ذلك
…
اهـ. "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 2/ 548 - 549.
وقال المغربي: قد نقل الشيخ شهاب الدين بن فضل الله في "شرح المصابيح" أن بعض العلماء فعل ذلك امتحانًا فحول الله تعالى رأسه رأس حمار، وكان يجلس بعد ذلك خلف مستر حتى لا يبرز للناس، وكان يفتي من رواء حجاب. اهـ. "مواهب الجليل" 2/ 468.
(2)
"المغني" 2/ 210.
54 - باب إِمَامَهَ العَبْدِ وَالْمَوْلَى
وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ المُصْحَفِ، وَوَلَدِ البَغِيِّ وَالأَعْرَابِيِّ وَالْغُلَامِ الذِي لَمْ يَحْتَلِمْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ".
الشرح:
أما هذا الأثر، فأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع، ثنا هشام بن عروة، عن أبي بكر بن أبي مليكة، أن عائشة أعتقت غلامًا لها عن دبر، فكان يؤمها في رمضان في المصحف. وحدثنا ابن عُلية عن أيوب سمعت القاسم يقول: كان يؤم عائشة عبد بقراءة في المصحف
(1)
، ورواه الشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج: أخبرني عبد الله ابن عبيد الله بن أبي مليكة أنهم كانوا يأتون عائشة بأعلى الوادي [و]
(2)
هو وعبيد ابن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير، فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وهو يومئذٍ غلام لم يعتق
(3)
، وكان إمام بني محمد بن أبي بكر وعروة. وروى البيهقي من حديث هشام، عن أبيه أن أبا عمرو ذكوان كان عبدًا لعائشة، فأعتقته، وكان يؤم بها في شهر رمضان، يؤمها وهو عبد
(4)
. وفي "المصنف": وكان ابن سيرين لا يرى به بأسًا. وفعلته عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، ورخص فيه الحكم والحسن بن أبي الحسن وعطاء، ونحوه عن أنس بن مالك
(5)
.
(1)
"المصنف" 2/ 142 (7215).
(2)
زائدة في الأصل، والسياق يستقيم بدونها.
(3)
"مسند الشافعي" 1/ 106 - 107 (314).
(4)
"السنن الكبرى" 3/ 88 كتاب: الصلاة، باب: إمامة العبيد.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 31 (6105)، 2/ 134 (7214)، 2/ 124 - 125 (7217 - 7222).
وقوله: (وكانت عائشة)، في رواية: وكان. على أن يضمر في كان الشأن والقصة.
وأما الحديث الذي ذكره: "يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله" فهو حديث صحيح ثابت، أخرجه مسلم منفردًا به في "صحيحه" من حديث أبي مسعود رضى الله عنه
(1)
، وفيه من حديث أبى سعيد مرفوعًا:"أحقهم بالإمامة أقرؤهم"
(2)
. ولأبي داود من حديث ابن عباس: "وليؤمكم أقرؤكم"
(3)
.
وأما فقه الباب: فأما إمامة العبد فأجازها أبو ذر، وحذيفة، وابن مسعود، ذكره ابن أبي شيبة بإسناد صحيح
(4)
. وعن أبي سفيان أنه كان يؤم بني عبد الأشهل وهو مكاتب وخلفه صحابة: محمد بن مسلمة،
(1)
مسلم (673) كتاب: المساجد، باب: من أحق بالإمامة؟
(2)
مسلم (672).
(3)
كذا بالأصل، وفي "سنن أبي داود" (590) من حديث ابن عباس:"وليؤمكم قراؤكم".
ورواه أيضًا ابن ماجه (726)، وأبو يعلى 4/ 231 - 232 (2343)، والطبراني 11/ 237 (11603)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 225، والبيهقي 1/ 426، والذهبي في "الميزان" 3/ 435، والمزي في "تهذيب الكمال" 6/ 464، والذهبي في "الميزان" 3/ 435 من طريق الحسين بن عيسى الحنفي، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا:"ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم".
قال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" 1/ 307: الحسين بن عيسى الكوفي، تكلم فيه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان. وذكر الدارقطني أن الحسين بن عيسى تفرد بهذا الحديث عن الحكم بن أبان.
وقال الألباني: إسناد ضعيف، حسين بن عيسى الحنفي ضعفه الجمهور، وقد تفرد بهذا الحديث عن الحكم، وقال البخاري: إنه حديث منكر. اهـ. "ضعيف سنن أبي داود"(92).
(4)
"المصنف" 2/ 30 - 31 (6099 - 6101 - 6103) كتاب: الصلوات، باب: في إمامة العبد.
وسلمة بن سلامة. وصلى سالم خلف زياد مولى أم الحسن وهو عبد.
ومن التابعين: ابن سيرين، والحسن، وشريح، والحسن بن على، والنخعي، والشعبي، والحكم
(1)
. ومن الفقهاء: الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، والشافعي، وإسحاق
(2)
. وقال مالك: تصح إمامته في غير الجمعة. وفي رواية: لا يؤم إلا إذا كان قارئًا ومن خلفه من الأحرار لا يقرءون، ولا يؤم في جمعة ولا عيد
(3)
. وعن الأوزاعي: لا يؤم إلا أهله
(4)
. وممن كره الصلاة خلفه: أبو مجلز فيما ذكره ابن أبي شيبة، والضحاك بزيادة: ولا يؤم من لم يحج قومًا فيهم من قد حج
(5)
. وفي "المبسوط": أن إمامته جائزة، وغيره أحب
(6)
. قلت: ولا شك أن الحر أولى منه؛ لأنها منصب جليل؛ فالحر أليق بها. وقال ابن خيران
(7)
من أصحابنا: تكره إمامته بالحرُ
(8)
، وخالف سليم الرازي
(9)
.
(1)
"المصنف" 2/ 31 (6104 - 6106، 6109، 6112 - 6113).
(2)
انظر: "الأصل" 1/ 40، "الهداية" 1/ 60، "روضة الطالبين" 1/ 353، "المغني" 3/ 26 - 27.
(3)
انظر: "المدونة" 1/ 85، "المنتقى" 1/ 236، "الذخيرة" 2/ 251.
(4)
انظر: "البناية" 2/ 391، "البيان" 2/ 420، "حلية العلماء" 2/ 179.
(5)
"المصنف" 2/ 31 (6110، 6114)، وانظر:"الأوسط" 4/ 155 - 157.
(6)
"المبسوط" 1/ 41.
(7)
هو الإمام شيخ الشافعية، أبو علي الحسين بن صالح بن خيران البغدادي الشافعي، عرض عليه القضاء، فلم يتقلده، كان من جلة الفقهاء المتورعين، وأفاضل الشيوخ، توفي لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة سنة عشرين وثلاث مائة.
انظر تمام ترجمته في: "تاريخ بغداد" 8/ 53، "المنتظم" 6/ 244، "وفيات الأعيان" 2/ 133، "سير أعلام النبلاء" 10/ 58 (27)، "الوافي بالوفيات" 12/ 378.
(8)
انظر: "مغني المحتاج" 1/ 483، "زاد المحتاج" 1/ 271.
(9)
هو سليم بن أيوب بن سليم، الإمام شيخ الإسلام، أبو الفتح، الرازي الشافعي، =
فرع: لو اجتمع عبد فقيه وحر غير فقيه، فثلاثة أوجه: أصحها أنهما سواء، ويترجح من قال: العبد الفقيه أولى بما سيأتي: أن سالمًا مولى أبي حذيفة كان يؤم المهاجرين الأولين في مسجد قباء، فيهم عمر وغيره؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا
(1)
. وأما إمامة المولى فقد عرفته آنفًا.
وأما إمامة ولد البغي، وهو ولد الزنا، فأجاز إمامته النخعي -وقال: رُب عبد خير من مولاه- والشعبي، وعطاء، والحسن. وقالت عائشة: ليس عليه من وزر أبويه شيء، ذكره ابن أبي شيبة عنه
(2)
.
وإليه ذهب الثوري والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وعيسى بن دينار، ومحمد بن الحكم
(3)
، وكرهها عمر بن عبد العزيز، ومجاهد
(4)
، ومالك إذا كان راتبا
(5)
. وذكر في "المبسوط" الجواز، وقال: غيره أحب إليَّ؛ لأنه ليس له من يفقهه، فيغلب عليه الجهل
(6)
. وقيل: لئلا يؤذى بالألسنة ويأثم الناس
(7)
. ولا تكره إمامته عندنا، خلافًا للشيخ أبي حامد والعبدري
(8)
.
= سكن الشام مرابطًا، ناشرًا للعلم احتسابًا، قال النسيب: هو ثقة فقيه مقرئ محدث، من مصنفاته: كتاب "البسملة" وكتاب "غسل الرجلين" وله تفسير كبير شهير.
انظر تمام ترجمته في: "وفيات الأعيان" 2/ 397،:"سير أعلام النبلاء" 17/ 645 (436)، "الوافي بالوفيات" 15/ 334، "شذرات الذهب" 3/ 275.
(1)
الحديث الآتي (692).
(2)
"المصنف" 2/ 29 - 30 (6087، 6093، 6095).
وليس فيه عن إبراهيم قوله: رب عبد
…
(3)
انظر: "الاستذكار" 2/ 168.
(4)
رواه عنهما ابن أبي شيبة 2/ 30 (6096 - 6097).
(5)
انظر: "الاستذكار" 2/ 167، "المجموع" 4/ 183.
(6)
"المبسوط" 1/ 41.
(7)
انظر: "الاستذكار" 2/ 167، "المنتقى" 1/ 235.
(8)
انظر: "المجموع" 4/ 181.
قال الشافعي: وأكره أن ينصب من لا يعرف أبوه إمامًا
(1)
. وتابعه البندنيجي
(2)
، وغيره صرح بعدمها.
وقال ابن حزم: الأعمى والخصي والعبد وولد الزنا وأضدادهم والقرشي سواء، لا تفاضل بينهم إلا بالقراءة وشبهه
(3)
.
وأما الأعرابي، بفتح الهمزة -الذي ينسب إلى الأعراب سكان البوادي. فمن كره إمامته عللها بجهله بحدود الصلاة. وأجازها الثوري وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق
(4)
- وصلى ابن مسعود خلف أعرابي، ولم ير بها بأسًا إبراهيم والحسن وسالم
(5)
.
وفي الدارقطني من حديث مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا: "لا يتقدم الصف الأول أعرابي ولا أعجمي ولا غلام لم يحتلم"
(6)
.
وأما الغلام الذي لم يحتلم فمنع الائتمام به في الفرض مالك،
(1)
"الأم" 1/ 147.
(2)
انظر: "المجموع" 4/ 181.
والبندنيجي هو: العلامة المفتي أبو نصر محمد بن هبة الله بن ثابت الشافعي الضرير، تلميذ إسحاق الشيرازي، سمع وحدث، وكان متعبدًا كثير التلاوة، كان يقرأ في كل أسبوع ستة آلاف مرة:{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} ، ويعتمر في رمضان ثلاثين عمرة، عاش ثمانية وثمانين سنة، توفي بمكة سنة خمس وتسعين وأربع مائة. انظر تمام ترجمته في:"المنتظم" 9/ 133، "سير أعلام النبلاء" 19/ 196 (117)، "تاريخ الإسلام" 34/ 224 (229)، "الوافي بالوفيات" 5/ 156 (2184).
(3)
"المحلى" 4/ 211.
(4)
انظر: "المبسوط" 1/ 41، "الأوسط" 4/ 158، "المغني" 3/ 71 - 72.
(5)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 2/ 29 (6080، 6082، 6084، 6085).
(6)
"سنن الدارقطني" 1/ 281 كتاب: الصلاة، باب: من يصلح أن يقوم خلف الإمام، وأعله ابن الجوزي في "العلل" 1/ 428 (723).
وأبو حنيفة، وأحمد، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق
(1)
، وجوزها مالك في النفل.
ولأبي حنيفة وأحمد فيه روايتان
(2)
.
ومنع داود فيهما
(3)
، وحكاه ابن أبي شيبة عن الشعبي، ومجاهد
(4)
، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء
(5)
. وأجازه الشافعي فيهما
(6)
.
وفي الجمعة خلاف، وما نقله ابن المنذر عن أبي حنيفة وصاحبيه من الكراهة فقط غريب عنهما
(7)
. حجة الشافعي حديث عمرو بن سلمة الآتي في البخاري: أنه كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين أو ثمان سنين. وعند ابن أبي شيبة عن إبراهيم: لا بأس أن يؤم الغلام قبل أن يحتلم في رمضان، وعن الحسن بمثله، ولم يقيده. وفعله الأشعث بن قيس، قدم غلامًا فعابوا ذلك عليه، فقال: ما قدمته ولكن قدمت القرآن العظيم
(8)
. أجاب المانع بأن هذا كان في أول الأمر، ولم يبلغ الشارع صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حزم: لو علمنا أنه عليه السلام عرف هذا أو أقره لقلنا به، ووجدنا
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 61، "التفريع" 1/ 223، "الأوسط" 4/ 151، "المستوعب" 2/ 354.
(2)
انظر: "البناية" 2/ 406، "مجمع الأنهر" 1/ 111، "التفريع" 1/ 223، "المنتقى" 1/ 236، "الانتصار" 2/ 457، "المغني" 3/ 71، "الفروع" 2/ 18.
(3)
انظر: "المجموع" 4/ 146.
(4)
"المصنف" 1/ 306 (3505 - 3506)، كتاب الصلوات، باب: في إمامة الغلام قبل أن يحتلم. عن الشعبي وعطاء. وانظر: "الأوسط" 4/ 151.
(5)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 151.
(6)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 353، "البيان" 2/ 391.
(7)
"الأوسط" 4/ 151.
(8)
"المصنف" 1/ 306 (3502 - 3504).
السنة قوله عليه السلام: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أقرؤكم"
(1)
ووجدناه قال: "إن القلم" رفع عن الصغير حتى يبلغ"
(2)
فليس مأمورًا بها، ولا تصح خلفه
(3)
. وقال الخطابي: كان الإمام أحمد يضعف حديث عمرو بن سلمة. وقال مرة: دعه ليس بشيء بين
(4)
، قال أبو داود: قيل لأحمد: حديث عمرو؟ قال: لا أدري ما هذا
(5)
. ولعله لم يتحقق بلوغ أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خالفه أفعال الصحابة، قال: وفيه قال عمرو: كنت إذا سجدت خرجت استي
(6)
، قال: وهذا غير سائغ، وأجاب ابن الجوزي بأنه يحتمل أن يكون في النافلة.
وابن رشد قال: سبب الخلاف؛ كونها صلاة مفترض خلف متنفل
(7)
.
وووى الأثرم بسنده عن ابن مسعود أنه قال: لا يؤم الغلام حتى تجب عليه الحدود
(8)
، وعن ابن عباس: لا يؤم الغلام حتى
(1)
سيأتي برقم (4032) كتاب: المغازي، باب: من شهد الفتح.
(2)
حديث صحيح تقدم تخريجه في حديث رقم (1)، وهو مروي عن عائشة وعلي وابن عباس، وأبي قتادة وغيرهم. وانظر:"البدر المنير" 3/ 225 - 238، "الإرواء"(297).
(3)
انظر: "المحلى" 4/ 221.
(4)
"معالم السنن" 1/ 146.
(5)
"مسائل الإمام أحمد" برواية أبي داود السجستاني ص 62 (294)، وفيه أيضًا: قال أبو داود: وسمعت مرة أخرى وذكر هذا الحديث، فقال: لعله كان في بدء الإسلام.
(6)
سيأتي برقم (4302). وبهذا اللفظ رواه أبو داود (586).
(7)
"بداية المجتهد" 1/ 279.
(8)
انظر: "الانتصار" 2/ 458.
يحتلم
(1)
، وقد سلف مرفوعًا
(2)
.
وأما جواز الإمامة من المصحف: فقال به ابن سيرين والحكم وعطاء والحسن، وكان أنس يصلي وغلامه خلفه يمسك له المصحف، فإذا تعايا في آية فتح عليه
(3)
، وأجازه مالك في قيام رمضان، وكرهه النخعي وسعيد ابن المسيب والشعبي ورواية عن الحسن، وقال: هكذا يفعل النصارى، وفي "مصنف ابن أبي شيبة" وسليمان بن حنظلة ومجاهد وابن جبير وحماد وقتادة
(4)
، وقال ابن حزم: لا يجوز القراءة في المصحف ولا غيره لمصلٍ إمامًا كان أو غير إمام، فإن تعمد ذلك بطلت صلاته، وبه قال ابن المسيب والحسن والشعبي وأبو عبد الرحمن السلمي، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي
(5)
. كذا نقله عن الشافعي، وهو غريب لم أره عنه
(6)
. وقد نقل ابن بطال عن الحسن رواية أخرى جواز ذلك فقال: أجاز الإمامة من المصحف ابن سيرين والحكم ابن عتيبة وعطاء والحسن
(7)
، وأما قوله: لا يمنع العبد من الجماعة بغير علة، أي أن السيد لا يمنعه من
(1)
رواه عبد الرزاق 1/ 487 (1872)، 2/ 398 (3847)، والبيهقي 3/ 225. قال الحافظ ابن رجب في "الفتح" 6/ 173: إسناده فيه مقال.
(2)
عزاه الحافظ في "الفتح" 2/ 185 لعبد الرزاق أيضا، وقال: إسناده ضعيف.
(3)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 2/ 124 - 125 (7214، 7218، 7222).
(4)
"المصنف" 2/ 125 (7223 - 7231).
(5)
"المحلى" 4/ 46.
(6)
قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المحلى" 4/ 46: هنا بحاشية النسخة رقم (16) ما نصه: نقله عن الشافعي غلط لا شك فيه، ولا يعرف هذا في مذهبه، بل مذهبه يلزمه أن يقرأ في الصلاة من المصحف لو عجز من الاستظهار. وهذا نقد صحيح. اهـ.
(7)
"شرح ابن بطال" 2/ 321.
حضورها لغير علة. قال القاضي حسين -من أصحابنا-: ليس للسيد منع عبده من حضور الجماعات إلا أن يكون له معه شغل، ويقصد تفويت الفضيلة عليه، فحينئذ ليس له منعه.
692 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ -مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ- قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ -مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ-، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا. [7175 - فتح 2/ 184]
693 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ". [696، 7142 - فتح 2/ 184]
ثم ذكر البخاري حديث ابن عمر قَالَ: لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العُصْبَةَ -مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ- قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ -مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ- وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا.
وهو دال لما ترجم به من جواز إمامة المولى، وفيه ترجيح على جواز تقديمه على الحر كما أسلفناه، وفي البيهقي أنه كان فيمن يؤمهم الصديق، والفاروق، وأبو سلمة، وزيد بن حارثة، وعامر بن ربيعة ثم قال: كذا قال في هذا، ولعله في وقت آخر، وإنما قدم الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن تكون إمامتهم إياهم قبل قدومه وبعده
(1)
. وقال الداودي: أراد بعد قدوم الصديق. والعصبة- بفتح العين وإسكان الصاد المهملة بعدها باء موحدة، كذا ضبطه شيخنا علاء الدين في "شرحه"، وبخط الحافظ شرف الدين الدمياطي في البخاري: بضم العين وسكون الصاد، وكذا هو بخط شيخنا قطب
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 89.
الدين في "شرحه"، قال: وضبطه بعضهم بفتح العين والصاد- موضع بقباء، كما سلف في الحديث
(1)
، وكذا قاله البكري
(2)
، لكنه ساقه
(3)
من طريق بلفظ: المعصب، ثم قال كذا ثبت في متن الكتاب، وكتب الأصيلي عليه: العصبة مهملًا غير مضبوط.
ثم ذكر البخاري أيضًا حديث أبي التياح -بفتح المثناة فوق ثم مثناة تحت- يزيد بن حميد الضبعي عن أنس، عَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ".
ويأتي إن شاء الله قريبًا
(4)
، وفي الأحكام أيضًا
(5)
، وهو دال لما ترجم له البخاري أيضًا.
وقال ابن الجوزي: إنما هو في العمال والأمراء دون الأئمة والخلفاء، فإن الخلافة لقريش لا مدخل فيها للحبشة؛ لقوله عليه السلام:"لا يزال هدا الأمر في قريش"
(6)
وإنما للأئمة تولية من يرون فيجب طاعة ولاتهم. وصغر الرأس معروف في الحبشة، فلذلك قال:"كأن رأسه زبيبة" قلت: ويحتمل أنه يريد سواد رأسه أو قصر شعرها، واجتماع بعضه وتفرقته حتى يصير كالزبيب. قال ابن التين: وفي الحديث النهي عن القيام على السلاطين وإن جاروا؛ لأن قيام القائم
(1)
هو في حديث الباب.
(2)
"معجم ما استعجم" 3/ 946، وانظر أيضًا:"معجم البلدان" لياقوت 4/ 128.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ذكر فتح العين والصاد من طريق البخاري ومسلم، ابن الأثير في "النهاية".
(4)
برقم (696).
(5)
يأتي برقم (7142) باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية.
(6)
سيأتي برقم (3501) كتاب: المناقب، باب: مناقب قريش.
يهيج فتنة تذهب فيها الأنفس والحرم والأموال، وقد مثله بعضهم بالذي يبني قصرًا ويهدم مصرًا.
وفيه دلالة على وجوب طاعة الخارجي، لأنه لما قال:"حبشي" والخلافة في قريش دال على أن الحبشي إنما يكون متغلبًا، والفقهاء على أنه يطاع ما أقام الجمع والجماعات والعيد والجهاد، فضرب عليه السلام المثل بالحبشي إذ هو غاية في الذم، وإذا أمر بطاعته لم يمتنع من الصلاة خلفه، فكذلك المذموم ببدعة أو فسق.
وقوله: "اسمعوا وأطيعوا" يريد في المعروف، لا المنكر فإذا أمر بمنكر فلا سمع ولا طاعة.
"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"
(1)
ويلزمهم الإنكار جهدهم، فإن عجزوا لزموا بيوتهم أو خرجوا إلى موضع العدل
(2)
(3)
.
(1)
سيأتي معناه برقم (7257) كتاب: أخبار الآحاد، باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق.
(2)
ورد بهامش الأصل: آخر 9 من 2 من تجزئة المصنف.
(3)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في الرابع بعد الستين كتبه مؤلفه.
55 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ
694 -
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ". [فتح: 2/ 187]
ذكر فيه حديث أبي هُرَيْرَةَ مرفوعًا: "يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ".
وهو حديث انفرد به البخاري.
وفيه: جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه، وأن الإمام إذا نقص ركوعه وسجوده لا تفسد صلاة من خلفه إلا أن ينتقص فرضًا من فروضها، فلا يجوز اتّباعه، إلا أن يخاف منه فيصلي معه بعد أن يصلي في بيته.
وقيل: "إن أصابوا" يعني: الوقت، أو أخطئوه فإن بني أمية كانوا يؤخرون الصلاة تأخيرًا شديدًا
(1)
، ويؤيد ذلك حديث عبد الله بن مسعود مرفوعًا "ستدركون أقوامًا يصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم فصلوا في بيوتكم الوقت الذى تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة". رواه ابن ماجه بإسناد صحيح
(2)
.
(1)
قال ابن حزم في "المحلى" 2/ 241: ومن طريق سحنون عن ابن القاسم، أخبرني مالك أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق حين كانت بنو أمية يؤخرون الصلاة أنه كان يصلي في بيته، ثم يأتي المسجد يصلي معهم. فكلم في ذلك، فقال: أصلي مرتين أحب إلي من ألا أصلي شيئًا.
(2)
ابن ماجه (1255) وأوله: "لعلكم .. " والحديث رواه بنحوه مسلم (534) كتاب: المساجد، باب: الندب إلى وضع الأيدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق مطولًا.
وفي "سنن أبي داود" بإسناد حسن من حديث قبيصة بن وقاص مرفوعًا: "يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلة"
(1)
.
ورواه أبو ذر وثوبان مرفوعًا أيضًا
(2)
فهذا دال على أن المراد بقوله:
"فإن أخطأوا فلكم" يعني: صلاتكم في بيوتكم في الوقت، وكذلك كان جماعة من السلف يفعلون:
روي عن ابن عمر أن الحجاج لما أخر الصلاة بعرفة صلى ابن عمر في رحله، وثم ناس (وُقَّفٌّ)
(3)
، قال: فأمر به الحجاج فحبس.
وكان الحجاج يؤخر الصلاة يوم الجمعة، وكان أبو وائل يأمرنا أن نصلي في بيوتنا، ثم نأتي المسجد، وكان إبراهيم يصلي في بيته، ثم يأتي الحجاج فيصلي معه.
وفعله مسروق مع زياد، وكان عطاء وسعيد بن جبير في زمن الوليد إذا أخرا الصلاة أومآ في مجالسهما ثم صليا معه
(4)
.
وفعله مكحول مع الوليد أيضًا، وهو مذهب مالك في أئمة الجور إذا
(1)
أبو داود (434) ورواه أيضًا أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" 5/ 61 (1983)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 343، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 2334 (5737)، وابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 65 - 66، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(461).
(2)
حديث أبي ذر رواه مسلم (648) كتاب: المساجد، باب: كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام.
ولم أهتد إليه عن ثوبان، وانظر "الثمر المستطاب" 1/ 86 - 91.
(3)
بالأصل: (ووقف)، والمثبت من "المصنف".
(4)
انظر هذِه الآثار في "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 157 (7592 - 7593، 7595، 7597، 7599).
أخروا الصلاة عن وقتها.
وقد روي عن بعض السلف أنهم كانوا لا يعتدون الصلاة معهم.
وروى ابن أبي شيبة عن وكيع، ثنا [بسطام]
(1)
: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن الصلاة خلف الأمراء فقال: صل معهم، قد كان الحسن والحسين [يبتدران]
(2)
الصلاة خلف مروان، قلت: إن الناس كانوا يزعمون أن ذلك تقية. فقال: وكيف إن كان الحسن بن علي ليسب مروان في وجهه وهو على المنبر حتى بولي
(3)
.
وقيل لجعفر بن محمد: كان أبوك يصلي إذا رجع إلى البيت. فقال: لا والله ما كان يزيد على صلاة الأئمة.
وقال إبراهيم: كان عبد الله يصلي معهم إذا أخروا عن الوقت قليلًا ويرى أن مأثم ذلك عليهم
(4)
.
وقال أبو عبد الملك: يريد بقوله: فلكم ثواب الطاعة والسمع، وعليهم إثم ما ضيعوا وأخطئوا.
وقيل: إن صليتم أفرادًا في الوقت فصلاتكم تامة، إن أخطئوا في صلاتهم وائتممتم أنتم بهم. وقيل: المراد بالخبر: الأوقات وما يكون في الصلاة مما لا يعلمه المأموم.
(1)
في الأصل (بسام)، وكذا في "شرح ابن بطال"، والمثبت من "المصنف".
(2)
في الأصل (يبدآن)، والمثبت من "المصنف".
(3)
في مطبوع "المصنف": تولى.
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 154 - 155 (7559، 7565، 7567).
56 - باب إِمَامَةِ المَفتُونِ وَالْمُبتَدِعِ
قال البخاري: وَقَالَ الحَسَنُ: صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ.
695 -
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رضى الله عنه- وَهْوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ. فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا. [فتح: 2/ 188]
696 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي ذَرٍّ: "اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ". [انظر: 693 - فتح: 2/ 188]
هذا مروي عنه
(1)
بلفظ: لا يضر المؤمن صلاته خلف المنافق ولا تنفع المنافق صلاته خلف المؤمن
(2)
، كذا ذكره ابن بطال
(3)
عنه.
قال الشافعي: وصلى ابن عمر خلف الحجاج
(4)
، وكفي به فاسقًا.
(1)
أي: قول الحسن.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 154 (7561).
وما علقه البخاوي عن الحسن، رواه بلفظه مسندًا سعيد بن منصور كما في "فتح الباري" لابن رجب 6/ 186 - 187، و"فتح الباري" لابن حجر 2/ 188، ورواه كلذلك الحافظ بإسناده في "التغليق" 2/ 292 - 293.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 327.
(4)
سيأتي برقم (1660) كتاب: الحج، باب: التهجير بالرواح يوم عرفة من حديث الزهري، عن سالم قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج، أن لا يخالف ابن عمر في الحج .. الحديث.
ومفهوم الحديث يدل على أن ابن عمر صلى وراءه، لكن ليس فيه ثمة تصريح بذلك، فالدلالة فيه دلالة مفهوم لا منطوق. =
قلت: وصلى خلفه ابن أبي ليلى وسعيد بن جبير وخرج عليه
(1)
.
وقال البخاري: وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: ثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، ثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَهْوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنتَحَرَّجُ. فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَاِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ.
= ولما خرج المصنف رحمه الله هذا الأثر في "البدر المنير" 4/ 520 قال: أثر صحيح رواه البخاري في "صحيحه"، وكذلك عزاه أيضا في "خلاصة البدر" 1/ 198 (691). وكذا الحافظ في "التلخيص" 2/ 43 عزاه للبخاري. وما أخرجه البخاري (1660) ليس صريح الدلالة- كما قلنا.
ولما خرج الألباني رحمه الله هذا الأثر والحديث في "الإرواء" 2/ 303 (525) نقل عزو الحافظ للحديث في "التلخيص" للبخاري، ثم قال: ولم أجده عنده حتى الآن!
وكذلك ذهل عنه الأستاذ حمدي عبد المجيد السلفي؛ وذلك لأنه لما عزاه المصنف في "خلاصة البدر" للبخاري، عزاه هو في الهامش للبيهقي 3/ 121 - 122 فكأنه لم يتوصل إليه عند البخاري.
والأثر رواه صريحًا ابن أبي شيبة 2/ 154 (7558) عن عمير بن هانئ، قال: شهدت ابن عمر والحجاج محاصر ابن الزبير، فكان منزل ابن عمر بينهما، فكان ربما حضر الصلاة مع هؤلاء وربما حضر الصلاة مع هؤلاء.
قال الألباني في "الإرواء" 2/ 303: سند صحيح على شرط الستة.
وبنحوه رواه البيهقي 3/ 121 - 122 عن عمير بن هانئ، بأطول من حديث ابن أبي شيبة، وفيه تصريح أوضح بالصلاة وراءه.
ورواه الشافعي في "مسنده" 1/ 109، ومن طريقه البيهقي 3/ 121 عن نافع أن ابن عمر اعتزل بمنى في قتال ابن الزبير والحجاج، فصلى مع الحجاج.
(1)
رواه عنهما ابن أبي شيبة 2/ 154 - 155 (7566، 7571).
هذا من أفراد البخاري، ومحمد بن يوسف هو الفريابي وكأنه أخذه عنه مذاكرة
(1)
، وقد وصله الإسماعيلي عن عبد الله بن يحيى السرخسي: ثنا محمد بن يحيى، ثنا محمد، فذكره، ومن طرق أخرى، ورواه هو وأبو نعيم من طريق الحسن بن سفيان، عن حبان، عن ابن المبارك، أنا الأوزاعي، فذكره.
وقوله: "إمامُ العامَّة": يعني العموم. وقوله: "يُصلِّي لنا إمام فتنةٍ" أي: يؤمنا، فيه قولان:
أحدهما: في وقت فتنة، قاله الداودي.
وثانيهما وهو قول ابن وضاح: إمام الفتنة: هو عبد الرحمن بن عديس البلوي وهو الذي جلب على عثمان أهل مصر
(2)
.
وذكروا أن القول الأول أصح، بل الأول راجع إليه؛ لأن عبد الرحمن
(1)
قال الحافظ: قيل: عبر بهذِه الصيغة؛ لأنه مما أخذه من شيخه في المذاكرة فلم يقل فيه حدثنا، وقيل: إن ذلك مما تحمله بالإجازة أو المناولة أو العرض، وقيل: هو متصل من حيث اللفظ منقطع من حيث المعنى، والذي ظهر لي بالاستقراء خلاف ذلك، وهو أنه متصل لكنه لا يعبر بهذِه الصيغة إلا إذا كان المتن موقوفًا، أو كان فيه راو ليس على شرطه، والذي هنا من قبيل الأول. اهـ. "الفتح" 2/ 188.
(2)
قال الذهبي: عبد الرحمن بن عُديس، أبو محمد البلوي، له صحبة، وبايع تحت الشجرة، وله رواية، سكن مصر، وكان ممن خرج على عثمان وسار إلى قتاله -نسأل الله العافية- ثم ظفر به معاوية فسجنه بفلسطين في جماعة، ثم هرب من السجن، فأدركوه بجبل لبنان فقتل، ولما أدركوه قال لمن قتله: ويحك اتق الله في دمي فإني من أصحاب الشجرة، فقال الشجر بالجبل كثير، وقتله. قال ابن يونس: كان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان. وعن محمد بن يحيى الذهلي قال: لا يحل أن يحدث عنه بشيء، هو رأس الفتنة. اهـ. "تاريخ الإسلام" 3/ 531 - 532.
وقال في: قال الواقدي: حدثني ابن جريج وغيره عن عمرو، عن جابر أن المصريين =
كان إمام هذِه الفتنة، فهو وقتها، وكان هؤلاء لما هجموا على عثمان المدينة كان عثمان يخرج فيصلي بالناس وهم يصلون خلفه شهرًا، ثم خرج في آخر جمعة خرج فيها فحصبوه حتى وقع من المنبر، ولم يقدر أن يصلي بهم، فصلى بهم يومئذٍ أبو أمامة بن سهل بن حنيف فمنعوه، فكان يصلي بهم ابن عديس تارة وكنانة بن بشر
(1)
أحد رؤساء الخوارج يومئذٍ تارة، فبقوا على ذلك عشرة أيام
(2)
.
وروي أنه حصر أربعين يومًا وكان طلحة يصلي بهم، وصلى بهم أكثر الأيام علي، وفيه نظر؛ لأنهما إماما هدى.
وقد قال ابن عدي
(3)
: يصلي لنا إمام فتنة.
= لما أقبلوا يريدون ثمان دعا عثمان محمد بن مسلمة، فقال: أخرج إليهم فارددهم وأعطهم الرضا وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن النباع "تاريخ الإسلام" 3/ 441.
وانظر تمام ترجمته في "طبقات ابن سعد" 9/ 557، "الاستيعاب" 2/ 383 (1445)، "أسد الغابة" 3/ 447 (3352)، "الإصابة" 2/ 411 (5163).
(1)
قال الحافظ: كنانة بن بشر بن عتاب بن عوف بن حارثة بن قتبرة بن حارثة التجيبي، قال ابن يونس: شهد فتح مصر، وقتل بفلسطين سنة ستة وثلاثين، وكان ممن قتل عثمان، وإنما ذكرته؛ لأن الذهبي ذكر عبد الرحمن بن ملجم؛ لأن له إدراكًا، وينبغي أن ينزه عنهما كتاب الصحابة. اهـ. "الإصابة" 3/ 318 (7502).
(2)
روى هذِه الأحداث مفصلة عمر بن شبة في "تاربخ المدينة المنورة" 4/ 1217 - 1219 بعدة أسانيد.
وقال الحافظ: وقد صلى بالناس يوم حصر عثمان أبو أمامة بن سهل بن حنيف، رواه عمر بن شبة بسند صحيح. اهـ. "الفتح" 2/ 189.
(3)
هو عبيد الله بن عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي المدني، ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من فقهاء قريش، وكان أبوه من الطلقاء، ما ذكره في الصحابة أحد سوى ابن سعد، وهو ثقة قليل الحديث، ومات في خلافة الوليد بن عبد الملك. =
وروى سيف بن عمر
(1)
في كتاب "الردة" عن مبشر بن الفضل، عن سالم قال: قلت له: كيف صنع الناس بالصلاة خلف المصريين؟ قال: كرهها كلهم إلا الأعلام فإنهم خافوا على أنفسهم، وكانوا يشهدونها ويلوذون عنها بضياعهم إذا تركوا.
وروى أيضًا عن سهل بن يوسف، عن أبيه، قال: كره الناس الصلاة خلف المصريين ما خلا عثمان، فإنه قال: من دعا إلى الصلاة فأجيبوه.
وصلى بالناس في حصاره جماعة منهم: أبو أيوب الأنصاري وسهل ابن حنيف وابنه أبو أمامة، وصلى علي يوم النحر
(2)
، قال ابن المبارك: ما صلى علي في ذلك الحصر إلا العيد وحدها
(3)
.
قال يحيى بن آدم: ولعله صلى بهم واحدًا بعد واحد
(4)
.
= انظر تمام ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 5/ 49، "الاستيعاب" 3/ 132 (1736)، "أسد الغابة" 3/ 526 (3466)، "تهذيب الكمال" 19/ 112 (3664)، "سير أعلام النبلاء" 3/ 514 (122)، "الإصابة" 3/ 74 (6238).
(1)
هو سيف بن عمر التميمي البرجمي، ويقال: السعدي. ويقال: الضبي، ويقال: الأسيدي، الكوفي، صاحب كتاب "الردة" و"الفتوح" عن يحيى بن معين: ضعيف الحديث، وفي رواية: فِلْس خير منه، وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي. وقال أبو داود: ليس بشيء، وضعفه النسائي والدارقطني. وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة، وعامتها منكرة لم يتابع عليها، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق.
انظر ترجمته في: "ضعفاء النسائي"(256)، "الجرح والتعديل" 4/ 278 (1198)، "الكامل" لابن عدي 4/ 507 (851)، "تهذيب الكمال" 12/ 324 (2676)، "تاريخ الإسلام" 11/ 161 (129).
(2)
رواه ابن شبة 4/ 1216 بإسناده عن أبي عبيد سعد بن عبيد مولى ابن أزهر قال: صليت العيد مع علي رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه محصور، فصلى ثم خطب بعد الصلاة.
(3)
المصدر السابق.
(4)
السابق 4/ 1217.
قال (الدراوردي)
(1)
: لم يكن في القائمين على عثمان أحد من الصحابة، إنما كانت فرقتان، فرفة مصرية، وفرقة كوفية، ولم يعيبوا عليه شيئًا إلا خرج منه بريئا، فطالبوه بعزل من استعمل من بني أمية فلم يستطع في تلك الحال، ولم يخل بينهم وبينه لئلا يتجاوزوا فيهم القصد، وإنما صبر واحتسب؛ لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة في المنام فقال له:"قد قمصك الله قميصًا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه"
(2)
يعنى: الخلافة، وقد كان أخبره عليه السلام أنه يموت شهيدًا على بلوى تصيبه
(3)
، فلذلك لم ينخلع من الخلافة وأخذ بالشدة على نفسه طلبًا لذلك، وإنما صلى علي صلاة العيد؛ لئلا تضاع سنة سنها الرسول عليه السلام.
وفيه من الفقه: المحافظة على إقامة الصلوات والحض على شهود الجماعات في زمن الفتنة خشية انحراف الأمر، وافتراق الكلمة، وتأكيد الشتات، والتعصب.
وقال بعض الكوفيين: إن الجمعة بغير والٍ لا تجزئ.
(1)
أثبتوه في مطبوع "شرح ابن بطال" الداودي.
(2)
رواه الترمذي (3705)، وابن ماجه (112)، وأحمد 6/ 75، 86 - 87، 149، وفي "فضائل الصحابة" 1/ 612 - 613 (815 - 816)، وابن شبة في "تاريخ المدينة" 3/ 1066 - 1070، وابن أبي عاصم في "السنة"(1172 - 1173)، وابن حبان 15/ 346 (6915)، والطبراني في "مسند الشاميين" 2/ 226 (1234) و 3/ 129 - 130 (1934)، والحاكم 3/ 99 - 100 من طرق عن النعمان بن بشير وعورة كلاهما عن عائشة به. وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(90).
(3)
قطعة من حديث سيأتي مطولًا برقم (3674) كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "لو كنت متخذًا خليلًا".
ورواه مسلم برقم (2403) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وقال محمد بن الحسن: لو أن أهل مصرٍ مات واليهم جاز لهم أن يقدموا رجلًا منهم يصلي بهم حتى يقدم عليهم والٍ
(1)
.
وقال مالك والأوزاعي والشافعي: تجوز الجمعة بغير سلطان كسائر الصلوات.
وقال مالك: إن لله فرائض لا ينقصها إن وليها والٍ أو لم يلها، منها الجمعة
(2)
.
وقال الطحاوي -في صلاة علي العيد- بالناس وعثمان محصور: هذا أصل في كل سبب يُخلِّف الإمام عن الحضور، على المسلمين إقامة رجل منهم يقوم به، وهذا كما فعل المسلمون يوم مؤتة لما قتل الأمراء اجتمعوا على خالد بن الوليد
(3)
، وأيضًا فإن المتغلب والخارج على الإمام تجوز (الجماعة)
(4)
خلفه، فمن كان في طاعة الإمام أحرى بجوازها خلفه
(5)
، ذكره ابن بطال
(6)
.
وقال المهلب: فيه إن الصلاة وراء من تكره الصلاة خلفه أولى من تفرق الجماعة؛ لقول عثمان: فإذا أحسنوا فأحسن معهم، فغلب
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 344.
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 142، "عيون المجالس" 1/ 401، "المجموع" 4/ 449 - 450.
وفي نسبة هذا القول للأوزاعي نظر، لأنه يشترط إذن السلطان. انظر:"المجموع" 4/ 450، "المغني" 3/ 206.
(3)
انظر عن غزوة مؤتة: "طبقات ابن سعد" 2/ 128 - 130، "والكامل في التاريخ" 2/ 234 - 238، و"البداية والنهاية" 4/ 632 - 654، و"تاريخ الإسلام" 2/ 479 - 499.
(4)
في "شرح ابن بطال": الجمعة.
(5)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 345 - 346.
(6)
"شرح ابن بطال" 2/ 326.
الإحسان في جماعتهم على الإحسان في التورع عن الصلاة في زمن الفتنة منفردًا، وأما الإساءة التي أمرنا باجتنابها، فهي المعاصي التي لا يلزم أحدًا فيها طاعة مخلوق.
وأما الصلاة خلف الخوارج فاختلف العلماء في الصلاة خلف الخوارج، وأهل البدع، فأجازت طائفة الصلاة خلفهم.
وعن ابن عمر أنه صلى خلف الحجاج -كما سيأتي في الكتاب
(1)
-، وكذا أنس، وابن أبي ليلى، وسعيد بن جبير وخرج عليه. وقد أسلفنا قول الحسن
(2)
.
وقال النخعي: كانوا يصلون وراء الأمراء ما كانوا، وكان أبو وائل يجمع مع المختار
(3)
.
وقال ميمون بن مهران في الصلاة خلف الخارجي: أنت لا تصلي له، إنما تصلي لله، وقد كنا نصلي خلف الحجاج وكان حروريًا أزرقيًا
(4)
.
وأجاز الشافعي الصلاة خلف من أقام الصلاة وإن كان غير محمود في دينه
(5)
.
وكرهت طائفة الصلاة خلفهم
(6)
.
وروى أشهب عن مالك: لا أحب الصلاة خلف الإباضية والواصلية ولا السكنى معهم بلد.
(1)
سيأتي برقم (1660) وتقدم الكلام عليه قريبًا.
(2)
تقدم تخريج هذِه الآثار.
(3)
رواهما ابن أبي شيبة 2/ 154 - 155 (7560، 7570).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 154 (7564).
(5)
"الأم" 1/ 140.
(6)
وهو رأى المالكية والحنابلة انظر "المدونة" 1/ 84، "عيون المجالس" 1/ 369، "المستوعب" 2/ 328 - 329، "المغنى" 3/ 17 - 23.
وقال عنه ابن نافع: وإن كان
(1)
المسجد إمامه قدريًا فلا بأس أن يتقدمه إلى غيره
(2)
.
وقال ابن القاسم: أرى الإعادة في الوقت على من صلى خلف أهل البدع
(3)
.
وقال أصبغ: يعيد أبدًا.
وقال سحنون: وإنما لم تجب عليه الإعادة؛ لأن صلاته لنفسه جائزة، وليس بمنزلة النصراني؛ لأن ذلك لا يجوز لنفسه.
وقال الثوري في القدري: لا تقدِّموه
(4)
.
وقال أحمد: لا يصلي خلف أحدٍ من أهل الأهواء إذا كان داعيًا إلى هواه، ومن صلى خلف الجهمي والرافضي والقدري يعيد
(5)
.
وفي المرغيناني الحنفي: تكره الصلاة خلف صاحب هوى وبدعة، ولا تجوز خلف الرافضي والقدري والجهمي والمشبهة ومن يقول بخلق القرآن
(6)
.
وفي "المحيط": كان أبو حنيفة لا يرى الصلاة خلف المبتدع. ومثله عن أبي يوسف
(7)
.
وأما الفاسق بالزنا وشرب الخمر، فزعم ابن حبيب أن من صلى خلف من يشرب الخمر يعيد أبدًا إلا أن يكون واليًا.
(1)
في الأصل بعدها (في) والأنس حذفها.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 289، "البيان والتحصيل" 1/ 443.
(3)
"المدونة الكبرى" 1/ 84.
(4)
انظر: "الأوسط" 4/ 332.
(5)
انظر: "المغنى" 3/ 17.
(6)
"الهداية" 1/ 60، "فتح القدير" 1/ 350.
(7)
"المحيط" 2/ 177 - 178، "فتح القدير" 1/ 350.
وقيل: تستحب الإعادة
(1)
.
وعند الشافعي: تصح
(2)
، وكذا أحمد في رواية
(3)
؛ لحديث مكحول عن أبي هريرة مرفوعًا: "صلوا خلف كل بر وفاجر" رواه الدارقطني وقال: مكحول لم يلحق أبا هريرة
(4)
.
وفي لفظ: "الصلاة واجبة عليكم مع كل برٍ أو فاجر وإن عمل بالكبائر"
(5)
.
(1)
انظر: "الذخيرة" 2/ 240.
(2)
انظر: "المجموع" 4/ 150.
(3)
المغني" 3/ 19 - 20.
(4)
"سنن الدارقطني" 2/ 57.
وبهذا اللفظ رواه أيضًا البيهقي 4/ 19، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 425 (719)، وفي "التحقيق" 1/ 475 (726) من طريق ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن أبي هريرة، مرفوعًا به.
وسيأتي الكلام على هذا الإسناد.
(5)
روي بهذا اللفظ من طريقين:
الأول: طريق ابن وهب السالف، رواه أبو داود (594، 2533)، والبيهقي 3/ 121، 8/ 185، وفي "معرفة السنن والآثار" 4/ 214 (5919)، وفي "شعب الإيمان" 7/ 3 (9242). قال الدارقطني: مكحول لم يسمع من أبي هريرة، ومن دونه ثقات. وقال البيهقي في "المعرفة" 4/ 214: إسناد صحيح، إلا أن فيه إرسالًا بين مكحول وأبي هريرة. وقال المنذري في "المختصر" 3/ 380: هذا منقطع؛ مكحول لم يسمع من أبي هريرة، وقال ابن الجوزي في "العلل" 1/ 427: روى محمد بن سعد أن جماعة من العلماء ضعفوا رواية مكحول، وفيه معاوية، قال الرازي: لا يحتج به.
والحديث أورده الألباني في "ضعيف أبي داود"(94) وقال: إسناده ضعيف.
أما الطريق الثاني عن بقية، عن الأشعث، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن مكحول، عن أبي هريرة به. رواه الدارقطني 2/ 56، وابن الجوزي في "العلل"(718)، وفي "التحقيق"(725). =
قال البخاري: وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: قَالَ الزهْرِيُّ: لَا نَرى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ المُخَنَّثِ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا.
أراد به الذى يؤتى دون من يتكسر في كلامه، ومشيه، فإنه لا بأس بالصلاة خلفه،. قاله أبو عبد الملك.
وقال الداودي: أرادهما؛ لأنها بدعة وجرحة، وذلك أن الإمامة موضع كمال واختيار. والمذكور ناقص؛ لتشبهه بالنساء، وكما أن إمام الفتنة والمبتدع كل منهما مفتون في طريقته فلما شملهم معنى الفتنة كرهت إمامتهم إلا من ضرورة.
وفي "نوادر سحنون": إن كان الخنثي ممن يحكم له بالنساء أعاد من ائتم به أبدًا، وإن كان ممن يحكم له بحكم الرجال فلا
(1)
. وإنما ذكر البخاري هذِه المسألة هنا؛ لأنه مفتتن بتشبهه بالنساء.
= وفي الباب عن ابن عمر وأبي الدرداء وعلي وواثلة بن الأسقع وابن مسعود ومعاذ. وهي ضعيفة كلها.
قال العقيلي في "الضعفاء" 3/ 90 بعد ما أخرج حديث أبي الدرداء: وليس في هذا المتن إسناد يثبت. وقال البيهقي 4/ 19: قد روى في الصلاة على كل بر وفاجر، والصلاة على من قال: لا إله إلا الله، أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف. وأصح ما روي في هذا الباب حديث مكحول عن أبي هريرة. وقال ابن الجوزي في "العلل" 1/ 426 بعد رواية هذِه الأحاديث: أحاديث كلها لا تصح. وقال المصنف في "البدر المنير" 4/ 456: هذا الحديث له طرق ضعيفة أمثلُها: رواية مكحول عن أبي هريرة. وضعفها الألباني في "الإرواء"(527).
وانظر في تخريج هذِه الأحاديث والكلام عليها: "سنن الدارقطني" 2/ 55 - 57، "العلل المتناهية" 4/ 421 - 428، "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 474 - 479، "نصب الراية" 2/ 26 - 29، "البدر المنير" 4/ 455 - 463، "تلخيص الحبير" 2/ 35، "الدراية" 1/ 168 - 169، "الإرواء"(527).
(1)
"النوادر والزيادات" 1/ 285.
كما أن إمام الفتنة والمبتدع كل واحد منهما مفتون في طريقته، فلما شملهم معناها شملهم الحكم.
ثم ساق البخاري حديث أنس قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي ذَرٍّ: "اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ".
وقد سلف هذا الحديث قريبًا
(1)
مع الكلام عليه ووجه مطابقته للترجمة مع ما سلف هناك؛ فإنه لم يصف الإمام إلا بكونه حبشيًا فأين هذا من كونه مفتونًا أو مبتدًعا؟ لأن السياق يرشد إلى وجوب طاعته وإن كان أبعد الناس من أن يطاع؛ لأن هذِه الصفة إنما توجد في أعجمي حديث العهد بالإسلام، ومثل هذا غالبًا لا يخلو عن نقص في دينه لو لم يكن إلا الجهل اللازم لأمثاله، وما يخلو الجاهل إلى هذا الحد من ارتكاب بدعة أو اقتحام فتنة، ولو لم يكن إلا في افتتانه بنفسه حين قدم للإمامة وليس من أهلها؛ لأن لها أهلًا من الحسب والنسب والعلم، نبه عليه ابن المنير
(2)
.
(1)
سلف برقم (693) باب: إمامة العبد والمولى.
(2)
"المتواري" ص 98.
57 - باب من يَقُومُ عن يَمِيِن الإِمَامِ بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيِنْ
697 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ -أَوْ قَالَ: خَطِيطَهُ- ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ. [انظر: 117 - فتح: 2/ 190]
ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ: بِتُّ عند خَالَتِي مَيْمُونَةَ .. الحديث وسلف في باب السمر في العلم
(1)
.
(1)
سلف برقم (117) كتاب: العلم.
58 - باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمَا
698 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَلَى يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ -وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ- ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قَالَ عَمْرٌو: فَحَدَّثْتُ بِهِ بُكَيْرًا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ بِذَلِكَ. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 2/ 191]
حَدَّثنَا أَحْمَدُ، ثَنَا ابن وَهْبٍ، ثنَا عَمْرٌو -يعني ابن الحارث-، إلى ابن عَبَّاسٍ قَالَ: بتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، وَ (النَّبِيُّ)
(1)
صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ .. الحديث.
(1)
كأنها بالأصل: قال. ولا وجه له.
59 - باب إِذَا لَمْ يَنْوِ الإِمَامُ أَنْ يَؤُمَّ ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ
699 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 2/ 192]
ساق فيه حديث ابن عباس أيضًا: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي .. الحديث.
وأحمد في السند الثاني
(1)
هو ابن صالح، كذا نسبه ابن السكن في نسخته وابن منده وأبو نعيم في "مستخرجه".
وقال بعضهم: هو ابن عيسى. وقيل: ابن أخي ابن وهب.
قال ابن منده: لم يخرج البخاري عن أحمد هذا في "صحيحه" شيئًا وإذا حدث عن أحمد بن عيسى نسبه.
وقال الحاكم أبو أحمد
(2)
: أحمد عن ابن وهب في "الجامع" هو ابن أخي ابن وهب، وغلطه الحاكم وقال: عادته فيمن ترك الرواية عنهم في "جامعه" أن يروي عنهم في سائر مصنفاته (كابن)
(3)
صالح وغيره، وليس له عن ابن أخي ابن وهب، رواية في موضع، فهذا دال
(1)
يقصد شيخ البخاري في حديث (698).
(2)
هو الإمام الحافظ العلامة الثبت، محدث خراسان محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي، الحاكم الكبير، مؤلف كتاب "الكنى" في عدة مجلدات، وكان من بحور العلم، ذكره الحاكم ابن البيع فقال: هو إمام عصره في هذِه الصنعة، كثير التصنيف، مقدم في معرفة شروط الصحيح والأسامي والكنى. توفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وله ثلاث وتسعون سنة. انظر تمام ترجمته في:"المنتظم" 7/ 146، "سير أعلام النبلاء" 16/ 370 (267)، "الوافي بالوفيات" 1/ 115، "شذرات الذهب" 3/ 93.
(3)
في الأصل: كأبي، وبهامشها كتب: صوابه: كابن. فأثبتناها.
عليأنه لم يكتب عنه أو كتب عنه ثم ترك عنه الرواية أصلًا
(1)
.
وأطلق البخاري على الواحد فصاعدًا لفظ القوم؛ لأن الواقعة كانت مع واحد ولا فرق بينه وبين الجماعة.
ثم الحديث دال على أن موقف المأموم إذا كان بحذاء الإمام على يمينه مساويًا له، وهو قول عمر وابنه وأنس وابن عباس والثوري وإبراهيم ومكحول والشعبي وعروة فيما ذكره ابن أبي شيبة في "المصنف" عنهم
(2)
.
وروي عن جابر أيضًا
(3)
، وهو قول مالك وأبي حنيفة، والأوزاعي وإسحاق
(4)
، وعن محمد بن الحسن أنه يضع أصابع رجليه عند عقب الإمام
(5)
.
وعن سعيد بن المسيب أن موقفه عن يساره، أسنده ابن أبي شيبة عنه
(6)
.
وعن أحمد أنه إن وقف عن يساره بطلت صلاته
(7)
.
وقال الشافعي: يستحب أن يتأخر
(8)
عن يساره قليلًا.
وعن النخعي: يقف خلفه إلى أن يركع، فإن جاء أحد وإلا قام عن
(1)
"المدخل إلى الصحيح" لأبي عبد الله الحاكم 4/ 241. ط مكتبة الفرقان. تحقيق الدكتور/ ربيع المدخلي.
(2)
"المصنف" 1/ 428 - 429 (4927 - 4934). وليس فيهم الثوري.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 428 (4926) عن جابر مرفوعًا. وهو في مسلم (766).
(4)
انظر "بدائع الصنائع" 1/ 158 - 159، "المدونة" 1/ 86.
(5)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 159.
(6)
"المصنف" 1/ 429 (4935).
(7)
انظر: "المستوعب" 2/ 364.
(8)
علق بهامش الأصل بقوله: الضمير يرجع إلى المأموم لا الإمام.
يمينه، ذكره ابن المنذر
(1)
، وهو دال على أنه لا تجوز صلاة المنفرد خلف الصف، وسيأتي له باب مستقل وحده. وقد صح إحرامه أولًا.
ولم يأمر ابن عباس بالإعادة، حيث أحرم عن يساره فأقامه عن يمينه.
والأحاديث دالة على وقوفه عن يمينه منها: حديث ابن عباس هذا، ومنها: حديث جابر في مسلم وأبي داود: وأخذ بيديَّ فأدارني حتى أقامني عن يمينه
(2)
.
وفي رواية أحمد: أنها كانت المغرب
(3)
(4)
.
وعند النسائي وأحمد عن ابن عباس: صليت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة خلفنا تصلي معنا
(5)
.
ومنها حديث أنس في الصحيح ومسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجه: فأقامني عن يمينه
(6)
.
(1)
الأوسط، لابن المنذر 4/ 172، ورواه عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 410 (3890). وابن أبى شيبة 1/ 359 (4126) مسندًا.
(2)
مسلم (766) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، "سنن أبي داود" (634) كتاب: الصلاة، باب: إذا كان الثوب ضيقًا يتزر به، ووجع عند مسلم: فأخذ بأذني.
(3)
"مسند أحمد" 3/ 326.
(4)
ورد في هامش الأصل: وفي كما جرى لابن عباس ولغيره جرى لجبار بن صخر بطريق مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في "مسند الإمام أحمد" من حديثه.
(5)
النسائي 2/ 86، 104، "مسند أحمد" 1/ 302.
(6)
رواه مسلم (660) كتاب: المساجد، باب: جواز الجماعة في النافلة، وأبو داود (608 - 609)، والنسائي 2/ 86، وابن ماجه (975) كلهم بموضع. الشاهد ورواه الترمذي (234) بدونه أشار إليه في كلامه بعد الرواية.
وللبيهقي مثله عن أبي ذر
(1)
ولسمويه
(2)
في "فوائده" عن عبد الله بن أنيس
(3)
.
وفعله عمر وابنه، كما رواه مالك عنهما
(4)
فإن خالف وصلى خلفه كره؛ لمخالفة السنة.
وقيل: لا، وكذا إن وقف عن يساره، خلافًا لأحمد كما سلف؛ فإنه عليه السلام لم يأمر ابن عباس بإعادة ما صلى قبل جره.
وفي الحديث أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وأن الإمام إذ لم ينو الإمامة أولًا لا بأس أن يؤم به كما وقع في الحديث، فإن ابن عباس جاء بعد ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينو أولًا أن يؤم بابن عباس.
(1)
"سنن البيهقي" 3/ 99، ورواه أيضًا أحمد 5/ 170، والبزار في "البحر الزخار" 9/ 449 - 450 (4061 - 4062). قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 273: رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات.
(2)
هو الإمام الحافظ الثبت الرحال الفقيه، أبو بشر، إسماعيل بن عبد الله بن مسعود ابن جبير، العبدي الأصبهاني، سمويه، صاحب تلك الأجزاء الفوائد، التي تُنبئ بحفظه وسعة علمه، قال ابن أبي حاتم: سمعنا منه وهو ثقة صدوق، وقال أبو الشيخ: كان حافظًا متقنًا، وقال أبو نعيم: كان من الحفاظ والفقهاء. توفي سنة سبع وستين ومائتين. انظر تمام ترجمته في: "الجرح والتعديل" 2/ 182، "الأنساب" 7/ 151، "سير أعلام النبلاء" 13/ 10 (6)، "تاريخ الإسلام" 20/ 65 (40).
(3)
رواه الطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" 2/ 51، 95. وقال في الموضع الأول: رجاله موثقون. وفي الموضع الثاني: فيه: أبو الحسن، روى عن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب، وروى عنه سليمان بن كثير، ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله ثقات.
(4)
"الموطأ" 1/ 158 (407) والذي فيه أن عمر رضي الله عنه قرب عبد الله بن عتبة رضي الله عنه. ولم أقف على رواية ابن عمر فيه. ورواهما ابن أبي شيبة 1/ 428 (4927، 4929) وتقدم تخريجهما.
وعند الشافعي ومالك وزفر: أن نية الإمامة ليست شرطًا فتجزئ صلاة المأموم وإن لم ينو الإمام الإمامة
(1)
.
وفيه قول ثان: أنها شرط وأن على المأموم الإعادة، قاله الثوري، ورواية عن أحمد وإسحاق
(2)
.
وقول ثالث: أنه إذا نواها جاز للرجال الصلاة خلفهم، وكذا إن لم ينوها. ولا يجوز للنساء الاقتداء به إلا أن ينويهن. وعن ابن القاسم نحوه في النساء. وحديث ابن عباس حجة للشافعي ومن وافقه ومن ادعى أنه صلى الله عليه وسلم نوى الاقتداء به فعليه البيان، ولو قلب قالب قول أبي حنيفة فقال: إن نوى أن يكون إمامًا جاز للنساء أن يصلين خلفه ولم يجز للرجال، لم يكن له فرق ولم تكن الحجة لهم إلا كالحجة عليهم.
وأيضًا فإن النساء كن يصلين خلفه عليه السلام، ولم ينقل عنه أحد أنه عينهن بالنية ولا حصل منه تعليم ذلك.
فائدة: استدل البيهقي بما رواه مسلم في هذا الحديث بقوله: فقمت عن يساره فأدارني من خلفه حتى جعلني عن يمينه.
وفي رواية: فتناولني من خلف ظهره فجعلني عن يمينه
(3)
. فقال: فيه كالدلالة على منع المأموم من التقدم على الإمام حيث أداره من خلفه ولم يدره من بين يديه
(4)
.
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 140، "المدونة" 1/ 86، "الأم" 1/ 141.
(2)
انظر: "المغني" 3/ 73 - 74.
(3)
رواه مسلم (763) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
(4)
"سنن البيهقي الكبرى" 3/ 99 كتاب: الصلاة، باب: ما يستدل به على منع المأموم من الوقوف بين يدي الإمام. وقال ابن التركماني: ليس في الحديث الذي ذكره دليل على منع التقدم إذ لا يدل فعله عليه السلام على الوجوب.
60 - باب إِذَا طَوَّلَ الإِمَامُ وَكَانَ لِلرَّجُلِ حَاجَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى
700 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ. [701، 705، 711، 6106 - مسلم: 465 - فتح: 2/ 192]
701 -
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"فَتَّانٌ فَتَّانٌ فَتَّانٌ" ثَلَاثَ مِرَارٍ، أَوْ قَالَ:"فَاتِنًا فَاتِنًا فَاتِنٌ" وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ عَمْرٌو لَا أَحْفَظُهُمَا. [انظر: 700 - مسلم: 465 - فتح: 2/ 192]
ذكر فيه حديث جابر: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمّ قَوْمَهُ. وفي لفظ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرْجعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى العِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ رجُل
…
الحديث.
وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وطرّقه الدارقطني، وأخرجه أحمد من حديث بريدة بإسناد صحيح -أن معاذًا
(2)
صلى بأصحابه العشاء فقرأ فيها: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1] فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب
(3)
.
(1)
رواه مسلم (465) كتاب الصلاة، باب: القراءة في العشاء.
(2)
ورد في هامش الأصل ما نصه: من خط الشيخ في الهامش: وقع في "شرح مسلم" للنووي في باب: القراءة في العشاء أن البزار روى قصة معاذ، أنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بقومه، ولم أره فيه. ولا في غيره.
(3)
رواه أحمد 5/ 355.
وفي رواية للشافعي: فقرأ سورة البقرة والنساء
(1)
.
ومن حديث أنس قال: كان معاذ يؤم قومه فدخل حرام. الحديث، وفيه: فلما طوَّل تجوزت في صلاتي، وكانت صلاة المغرب، كما ساقه أبو داود
(2)
فيجوز تعدد الواقعة واتحادها.
إذ عرفت ذلك فالكلام على الرواية الثانية من أوجه:
أحدها:
قد عرفت بيان الرجل المبهم فيه. وقيل: اسمه حازم، وقيل: حزم بن أبي كعب. وقيل: سليم بن الحارث
(3)
.
ثانيها:
قوله: (فانصرف رجل)، ظاهره أنه كملها وحده، لكن جاء في رواية لمسلم: فانحرف الرجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف
(4)
.
وقال البيهقي: لا أدري هل حفظت هذِه اللفظة أم لا؟ لكثرة من رواه عن سفيان بدونها، وانفرد بها محمد بن عباد، عن سفيان
(5)
.
(1)
الذي في "مسند الشافعي"(145، 146، 281، 282): أنه قرأ البقرة وليس فيه ذكر النساء، وهو من رواية جابر. غير أن الحافظ قال "الفتح": وللسراج من رواية مسعر عن محارب فقرأ بالبقرة والنساء. انظر: "فتح الباري" 2/ 193.
(2)
رواه أبو داود (791)، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (142): إسناده ضعيف، وقوله (المغرب) منكر.
(3)
انظر: "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" للخطيب البغدادي ص 50 (28)، و"غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 314 - 319، و"الفتح" 2/ 193 - 194 فإنه شفي فيه.
(4)
مسلم (465/ 178) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في العشاء.
(5)
"سنن البيهقي" 3/ 85، 112 وليس فيه هذا النص، فيبدو أنه في "الخلافيات". والله اعلم.
قلت: فعلى هذا تكون هذِه الرواية شاذة، ويؤيد ذلك أن في "مسند أحمد" من حديث أنس أن هذا الرجل لما رأى معاذًا طول تجوز في صلاته
(1)
، وهو يقتضي أنه أتمها منفردًا.
وقوله: (فسلم) لا أعلم من قال به من القدماء، لكن حكى المازري خلافًا أنه هل يخرج بسلام أم لا؟
ثالثها:
قوله: فقال: "فتان". ثلاثًا أو قال: "فاتنا" ثلاثًا، الفاتن: الذي يوقع الفتنة بين الناس. والفتان: الذي يكثر ذلك منه تقول: فتنت وأفتتنت، وأنكر الأصمعي الثاني، ففتان أبلغ من فاتن، ويجوز أن يكون المراد بها هنا العذاب، أي: تعذب الناس بالتطويل. وقد قيل في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج:10] عذبوهم.
وفي رواية: "أفتان" بالهمزة
(2)
، وهي همزة استفهام تتضمن الإنكار، والتكرار مبالغة في الإنكار.
وقوله هنا: ("فتان") ثلاثًا. خبر مبتدأ محذوف، أي: أنت فتان.
وجاء في رواية: "فتان أنت".
رابعها:
قوله: وأمره بسورتين من المفصل. قال عمرو: لا أحفظهما.
جاء في الصحيح: قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال: اقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {وَالضُّحَى} و {وَاللَّيْلِ إِذَا
(1)
"المسند" 3/ 124.
(2)
ستأتي برقم (705) قريبًا في باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء، ورواها مسلم (465/ 178) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في العشاء.
يَغْشَى (1)} و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} فقال عمرو نحو هذا
(1)
. وفي رواية: و {إِذَا السَّمَآءُ انْفَطَرَتْ (1)}
(2)
وفي رواية: و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}
(3)
.
خامسها:
ظاهر الحديث أن للمأموم قطع القدوة ويتم منفردًا، وهو أصح الأقوال عندنا بعذر وبغيره
(4)
.
ثانيها: التفرقة، ومنعه أبو حنيفة، وهو مشهور مذهب مالك
(5)
. وعن أحمد حكاية روايتين فيه
(6)
، وعدُّوا طول القراءة عذرًا.
قال النووي: والاستدلال به ضعيف؛ لأنه ليس في الحديث أنه فارقه، وبنى على صلاته، بل في تلك الرواية أنه سلم وقطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها، ففيه دلالة لجواز إبطالها بعذر، وقد علمت ما في هذِه الرواية
(7)
.
وأما الرواية الأولى فقدمها البخاري لعلوها، وإن كانت غير ما بوب له وستعرف فقهها موضع ذكر البخاري لها قريبًا.
(1)
رواه مسلم (465/ 178) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في العشاء.
(2)
رواه النسائي 2/ 172 كتاب: الافتتاح، باب: القراءة في العشاء الآخرة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} .
(3)
مسلم (465/ 179) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في العشاء.
(4)
انظر: "الأم" 1/ 154.
(5)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 223، "الذخيرة" 2/ 272.
(6)
انظر: "الكافي" 1/ 403 - 404.
(7)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 4/ 182.
61 - باب تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
702 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ". [انظر: 90 - مسلم: 466 - فتح: 2/ 197]
ذكر فيه حديث أبي مَسْعُودٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: والله يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لأَتَاَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ".
هذا الحديث سلف في باب: الغضب في الموعظة، من كتاب العلم
(1)
ويأتي قريبًا في باب من شكى إمامه إذا طول
(2)
.
و (ما) هنا شرطية لا نافية. وبوَّب البخاري على التخفيف في القيام، وذكر الحديث في التخفيف في الكل؛ لأن الوارد التخفيف في القيام فقط، وهو محل التطويل، وما عداه سهل لا يشق إتمامه على أحد
(3)
، ويأتي فقهه في الباب بعده.
(1)
برقم (90).
(2)
برقم (704).
(3)
هذا الاعتراض أو الاستغراب من تبويب البخاري والإجابة عنه، هو نص كلام ابن المنير في "المتواري" ص 99.
قال ابن بطال: لما أمر الشارع بالتخفيف كان المطول عاصيًا ومخالفة العاصي جائزة؛ لأنه لا طاعة إلا في المعروف
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 332.
62 - باب إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ
(1)
703 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ". [مسلم: 467 - فتح: 2/ 199]
705 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ، فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي، فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ -أَوِ
(1)
تنبيه: حدث اضطراب في ترتيب التراجم الثلاث التالية وترتيب الأحاديث فيها.
ففي "اليونينية" 1/ 142 - 143، ويوافقها مطبوع البخاري.
ترجم باب: إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء، وذكر فيها حديثًا واحدًا (703) ثم ترجم باب من شكا إمامه إذا طول، وذكر فيها حديثين (704، 705) ثم ترجم باب: الإيجاز في الصلاة وإكمالها وذكر فيها حديثًا واحدًا وهذِه الترجمة الأخيرة لم تثبت في أصل "اليونينية" وإنما أثبتت في الهامش منسوبة لأبي ذر وألحق الحديث بالترجمة السابقة- في أصلها.
أما المصنف فترجم بالأولى باب: إذا صلي لنفسه فليطول ما شاء، ثم ذكر تحتها ثلاثة أحاديث.
الأولى: الحديث المذكور فيها أصلًا (703).
والثاني: الحديث الثاني في الترجمة التي بعدها (705).
والثالث: حديث الترجمة الثالثة -المنسوبة لرواية أبي ذر- (706).
وهذِه الأخيرة أسقطها المصنف، ولم يشر إليها.
ثم ترجم بالترجمة الثانية باب: من شكا إمامه إذا طول وذكر تحتها حديثًا واحدًا (704).
فأثبتنا الأحاديث حسب ترتيب المصنف ووضعنا الترجمة الساقطة قبل حديث بين معقوفتين؛ لئلا تشكل مع الشرح.
النِّسَاءِ - فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ، وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ - أَوْ أفَاتِنٌ؟! ثَلَاثَ مِرَارٍ - فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ". أَحْسِبُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، وَمِسْعَرٌ وَالشَّيْبَانِيُّ. قَالَ عَمْرٌو، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ مِقْسَمٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: قَرَأَ مُعَاذٌ فِي الْعِشَاءِ بِالْبَقَرَةِ. وَتَابَعَهُ الأَعْمَشُ عَنْ مُحَارِبٍ. [انظر: 700 - مسلم: 465 - فتح: 2/ 200]
63 - [باب الإِيجَازِ فِي الصَّلَاةِ وَإِكْمَالِهَا]
706 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُوجِزُ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلُهَا. [708 - مسلم: 469 - فتح: 2/ 201]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفَفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ".
والكلام عليه من وجهين:
أحدهما: هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي
(1)
أيضًا. وادعى الطَرْقي أن قوله: "وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء"، أن الأعرج زادها دون همام وغيره، لكن أخرجها مسلم من رواية همام فاعلمه
(2)
. وفي بعض الروايات: الصغير
(3)
. وفي بعضها: المريض
(4)
. وفي أبي داود: والشيخ الكبير
(5)
.
ثانيهما: فيه دليل على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف لأمر الشارع لهم بذلك وبيَّن في الحديث العلة الموجبة له وهي غير مأمونة على أحدٍ من أئمة الجماعة؛ لأنه وإن علم قوة من خلفه فلا يدري
(1)
رواه مسلم (467) كتاب: الصلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، وأبو داود (794، 795)، والترمذي (236)، والنسائي 2/ 94.
(2)
مسلم (467/ 184).
(3)
مسلم (467/ 183).
(4)
مسلم (467/ 183).
(5)
"سنن أبي داود"(795) كتاب: الصلاة، باب: في تخفيف الصلاة.
ما يحدث بعد من الآفات، ولذلك قال:"وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء"؛ لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره. وقد ذكر الرب جل جلاله الأعذار التي من أجلها أسقط فرض قيام الليل عن عباده فقال: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20].
فينبغي للإمام التخفيف مع إكمال الأركان. ألا ترى أنه عليه السلام قال للذي لم يتم ركوعه ولا سجوده.: "ارجع فصل فإنك لم تصل"
(1)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل ظهره في الركوع والسجود"
(2)
.
وممن كان يخفف الصلاة من السلف أنس بن مالك. قال ثابت: صليت معه العتمة فتجوز ما شاء الله. وكان سعد إذا صلى في المسجد خفف الركوع والسجود وتجوز، وإذا صلى في بيته أطال الركوع والسجود والصلاة، فقلت له، فقلت له: إنا أئمة يقتدى بنا.
(1)
سيأتي برقم (757) كتاب: الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم، ورواه مسلم (397) من حديث أبي هريرة.
(2)
رواه أبو داود (855) كتاب: الصلاة، باب: صلاة من لم يقيم صلبه في الركوع والسجود، والترمذي (265) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، والنسائي 2/ 183 كتاب: الافتتاح، باب: إقامة الصلب في الركوع، 2/ 214 كتاب: التطبيق، باب: إقامة الصلب في السجود. وأحمد 4/ 119، وابن الجارود في "المنتقى" 1/ 183 (195)، وابن حبان في 5/ 217 - 219 (1892 - 1893) كتاب: الصلاة، باب: صفة الصلاة، والدارقطني 1/ 348 كتاب: الصلاة، باب: لزوم إقامة الصلاة، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 116، والبيهقي 2/ 88 كتاب: الصلاة، باب: الطمأنينة في الركوع. قال الدارقطني: إسناد صحيح ثابت. وقال البيهقي: إسناد صحيح. وقال أبو نعيم: صحيح ثابت من حديث الأعمش. وأورده الألباني في "صحيح أبي داود"(801) وقال: إسناده صحيح على شرط البخاري.
وصلى الزبير بن العوام صلاة خفيفة، فقيل له: أنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاةً؟!. فقال: إنا نبادر هذا الوسواس.
وقال عمار: احذِفوا هذِه الصلاة قبل وسوسة الشيطان.
وكان أبو هريرة يتم الركوع والسجود ويتجوز، فقيل له: هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم وأجوز.
وقال عمرو بن ميمون: لما طعن عمر تقدم عبد الرحمن بن عوف فقرأ بأخصر سورتين في القرآن: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1]. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ} [النصر: 1]. وكان إبراهيم يخفف الصلاة ويتم الركوع والسجود.
وقال أبو مجلز: كانوا يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة. ذكر هذِه الآثار ابن أبي شيبة في "مصنفه"
(1)
.
الحديث الثاني:
حديث شُعْبَةَ قَالَ: ثنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ، فَوَافَقَ مُعَاذَا يُصَلِّي، فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إلَى مُعَاذِ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ البَقَرَةِ -أَوِ النِّسَاءِ- فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ، وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ، فذكر الحديث. وفي آخره:"وَذُو الحَاجَةِ". أَحْسِبُ هذا فِي الحَدِيثِ.
ثم قَالَ: تًابَعَهُ -يعني شعبة- سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقِ، وَمِسْعَرٌ، وَالشَّيْبَانِيُّ.
قَالَ عَمْرٌو، وَعُبَيْدُ الله بْنُ مِقْسَمِ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: قَرَأَ مُعَاذٌ فِي العِشَاءِ بِالْبَقَرَةِ. وَتَابَعَهُ الأَعْمَشُ، عَنْ مُحَارِب.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 406 (4664 - 4667، 4669 - 4673).
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، ومتابعة مسعر أخرجها السراج في "مسنده" عن أبي نعيم عنه.
ومتابعة عبيد الله بن مقسم أخرجها أبو داود وصححه ابن خزيمة
(2)
، ومتابعة أبي الزبير أخرجها مسلم والنسائي وابن ماجه أيضًا وفيه: فقرأ بالبقرة من غير شك
(3)
. ومتابعة الأعمش أخرجها النسائي من حديثه عن محارب وأبي صالح ذكوان عن جابر
(4)
.
وقال الدارقطني في حديث أبي صالح: هذا المرسل أصح. أي: عن معاذ بإسقاط جابر. وجنوح الليل: إقباله. و (الناضح): البعير الذي يستقي عليه الماء، والأنثى: ناضحة.
وقوله: (فلولا صليت). أي: فهلا. وفقهه سلف.
الحديث الثالث: حديث أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُوجِزُ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلُهَا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي أيضًا
(5)
وفقهه أجمع سلف.
(1)
مسلم (465) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في العشاء.
(2)
أبو داود (793) كتاب: الصلاة، باب: في تخفيف الصلاة، وابن خزيمة 3/ 64 - 65 (1633 - 1634) كتاب: الصلاة، باب: إباحة ائتمام المصلي فريضة بالمصلي نافلة، وأورده الألباني في "صحيح أبي داود" (758) وقال: إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير أنه إنما أخرج لابن عجلان متابعة.
(3)
مسلم (465/ 179)، النسائي 2/ 172، ابن ماجه (836، 986)
(4)
"سنن النسائي" 2/ 97 - 98 كتاب: الإمامة، باب: خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد.
(5)
"صحيح مسلم"(469) كتاب: الصلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة، والنسائي 2/ 95.
64 - باب مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ
وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَيَّ.
704 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى لأَتَأَخَّرُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلَانٌ فِيهَا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ". [انظر: 90 - مسلم: 466 - فتح: 2/ 200]
هذا التعليق أسنده ابن أبي شيبة عن وكيع، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، حدثني المنذر بن أبي أسيد الأنصاري، قال: كان أبي يصلي خلفي فربما قال لي: يا بني طولت بنا اليوم.
ثم أفاد: عن وكيع، ثنا إبراهيم بن يزيد المكي، عن عطاء قال: لا يؤم الرجل أباه
(1)
.
وأُسيد: بضم الهمزة، كذا بخط الدمياطي.
وقال الجياني: في نسخة أبي ذر من رواية المستملي وحده: أبو أسيد بفتح الهمزة، وغيره: بضمها، وهو الصواب
(2)
.
وفي "إكمال ابن ماكولا": أبو أُسيد بضم الهمزة، مالك بن ربيعة شهد بدرًا، قال أبو عبد الله: وقال عبد الرزاق ووكيع: أبو أسيد، وهو الصواب
(3)
.
(1)
"المصنف" 2/ 32 (6116 - 6117) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يؤم أباه.
(2)
"تقييد المهمل" 1/ 74. وفيه: ولأبي محمد وأبي الهيثم بضم الهمزة، وهو الصواب. وانظر: "اليونينية" 1/ 142.
(3)
"الإكمال" 1/ 70، وانظر:"مشارق الأنوار" 1/ 60.
ثم ذكر البخاري حديث أَبِي مَسْعُودٍ -واسمه: عقبة بن عمرو- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلَانٌ فِيهَا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ غَضَبًا يَوْمَئِذٍ .. الحديث. وقد سلف قريبًا
(1)
.
وشيخ البخاري محمد بن يوسف هو: الفريابي، وشيخه سفيان هو: الثوري، نصَّ عليه أبو نعيم.
(1)
رقم (702).
65 - باب مَنْ أَخَفَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ
707 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ". تَابَعَهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَبَقِيَّةُ، عَنِ الأَوْزَاعِّيِ. [868 - فتح: 2/ 201]
708 -
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ. [انظر: 706 - مسلم: 469 - فتح: 2/ 201]
709 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ". [710 - مسلم: 470 - فتح: 2/ 202]
710 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ فَأُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ".
وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
[انظر: 709 - مسلم: 470 - فتح: 2/ 202]
ذكر فيه حديثين:
أحدهما:
حديث أَبِي قَتَادَةَ، من طريق الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إِنِّي لأَقومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ".
هذا الحديث يأتي أيضًا قريبًا
(1)
وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
، ثم قال البخاري: تَابَعَهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، وَبَقِيَّةُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ.
قلت: طريق بشر أخرجها البخاري بعد مسندة
(3)
وطريق بقية لا يحضرني من خرجها
(4)
. وطريق ابن المبارك أخرجها النسائي عن سويد بن نصر عنه
(5)
.
قلت: وتابعه أيضًا عمر بن عبد الواحد أخرجه أبو داود
(6)
، وإسماعيل بن عبد الله بن سماعة، أخرجه الإسماعيلي.
الحديث الثاني:
حديث أنس من طريق شريك بن عبد الله: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ مِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمّهُ.
(1)
سيأتى برقم (868) كتاب: الأذان، باب: انتظار الناس قيام الإمام العالم.
(2)
هو من أفراد البخاري، وإنما الذي رواه مسلم من حديث إنس التالي.
(3)
سيأتي برقم (868).
(4)
مسلم (470/ 191).
(5)
النسائي 2/ 95 كتاب: الإمامة، باب: ما على الإمام من التخفيف.
وكذا أخرجه أحمد 5/ 305 عن أحمد بن الحجاج عنه، وابن أبي شيبة 1/ 407 (4678) عن علي بن إسحاق عنه، والبيهقي 3/ 118 بإسناده عن الحسن بن عيسى عنه، وابن عبد البر في "التمهيد" 19/ 10، والحافظ في "التغليق" 2/ 297 - 298 كلاهما من طريق النسائي عن سويد بن نصر عنه.
(6)
أبو داود (789) كتاب: الصلاة، باب: تخفيف الصلاة للأمر يحدث. وكذا أخرجه ابن ماجه (991)، والبيهقي 3/ 118.
ثم ساقه من حديث قتادة أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ".
ثم ذكره من حديث قتادة عن أنس أيضًا. والحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
ثم قال البخاري: وقال موسى: ثنا أبان، ثنا قتادة، ثنا أنس مثله.
وطريق موسى هو ابن إسماعيل أخرجها السراج في "مسنده" عن عبيد الله بن جرير بن جبلة عنه، ورواه الترمذي من حديث حميد عن أنس، وقال: حسن صحيح
(2)
.
إذا تقرر ذلك فالمراد بالتجوز: تقليل القراءة. ففي "صحيح مسلم" كان يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة
(3)
.
وفي ابن أبي شيبة من حديث ابن سابط أنه عليه السلام قرأ في الركعة الأولى بسورة نحوًا من ستين آية، فسمع بكاء صبي فقرأ في الثانية بثلاث آيات
(4)
.
و (الوجد) بفتح الواو: الحزن. قال صاحب "المطالع": من موجدة أمه، أي: من حبها إياه وحزنها لبكائه. وروي "من وجد أمه": بفتح الجيم. وقال صاحب "المحكم"
(5)
: وجد الرجل وجدًا ووجدًا كلاهما
(1)
"صحيح مسلم"(470) كتاب: الصلاة، باب: أمر الإئمة بتخفيف الصلاة.
(2)
"سنن الترمذي"(376) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأسمع بكاء الصبي في الصلاة فأخفف.
(3)
مسلم (470/ 191).
(4)
"المصنف" 1/ 407 (4680) كتاب: الصلوات، باب: التخفيف في الصلاة.
(5)
"المحكم" 7/ 369.
عن اللحياني: حزن. قلت: ومضارعه يجد -كما قال ثعلب- وحكى القزاز عن الفراء: يجُد.
وأما أحكام الباب فهو ظاهر لما ترجم له.
وفيه مع ذلك جواز إدخال الصبيان المساجد، وصلاة النساء مع الرجال في المساجد، والرفق بالمأموم وسائر الأتباع ومراعاة مصلحتهم، وأن لا يُدخل عليهم ما يشق عليهم.
واستدل به بعضهم على انتظار الإمام إذا أحس بداخل وهو راكع. ووجه ذلك أنه إذا جاز له حذف طولها للحاجة في بعض أمور الدنيا فالأخرى أولى بحيازة فضيلة الركعة، وقد نفرق -كما قال القرطبي- بأن هذا زيادة عمل في الصلاة بخلاف الحذف
(1)
. وفي هذِه المسألة خلاف منتشر للسلف، أجازه الشعبي والحسن وابن أبي ليلى، وقيده أحمد وإسحاق وأبو ثور بما إذا لم يشق على أصحابه
(2)
. ومنعه الأوزاعي وأبو حنيفة؛ لأنه يضر بمن خلفه
(3)
.
وقال سحنون: صلاتهم باطلة
(4)
.
ونقل ابن بطال
(5)
وابن التين عن الشافعي عدم الانتظار. واعترض عليهما شيخنا في "شرحه"، وقال: المنقول عن الشافعي الجواز، قلت: عنه خلاف كما بسطته في شروح الفروع بشروط لذلك، ليس هذا محله.
(1)
"المفهم" 2/ 79.
(2)
انظر: "المغني" 2/ 78.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 248 - 249.
(4)
هذا القول فيه نظر، لأنه يقول: إن الإمام ينتظر وإن طال.
انظر "الذخيرة" 2/ 274، "التاج والإكليل" 1/ 405، "مواهب الجليل" 1/ 404.
(5)
"شرح ابن بطال" 2/ 336.
66 - باب إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا
711 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ. [انظر: 700 - مسلم: 465 - فتح: 2/ 203]
ذكر فيه حديث جابر: كَانَ مُعَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ.
وهو ظاهر لما ترجم له. والفرض هو الأولى على الصحيح عند الشافعي، ولا يظن بمعاذ أنه يصلي الأولى نافلة للنهي عنها عند الإقامة، وكيف يترك الفرض مع سيد الأئمة في مسجده المضاعف
(1)
ويصليها بقومه.
وقد روى الشافعي والدارقطني في الحديث: هي له تطوع ولهم مكتوبة
(2)
.
(1)
يشير المصنف رحمه الله إلى حديث أبي هريرة الآتي (1190) مرفوعًا: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام". ورواه مسلم (1394).
(2)
"الأم" 1/ 153، و"مسند الشافعي" 1/ 57، "سنن الدارقطني" 1/ 274 - 275 كتاب: الصلاة، باب: ذكر صلاة المفترض خلف المتنفل.
ورواه أيضًا الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 409، والبيهقي في "السنن" 3/ 86، وفي "المعرفة" 4/ 153 (5729) من طريق ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله أن معاذًا .. الحديث.
قال البيهقي: قال الشافعي -في رواية حرملة-: هذا حديث ثابت لا أعلم حديثًا يروى من طريق واحد أثبت من هذا ولا أوثق رجالًا. ثم قال: وكذلك رواه أبو عاصم النبيل وعبد الرزاق، عن ابن جريج، وذكر فيه هذِه الزيادة من وجه آخر عن جابر. ثم ساق بإسناده من طريق الشافعي، عن إبراهيم بن محمد، عن ابن =
وأبعد منه تأويل بعضهم أن ذلك كان أول الإسلام، وقت عدم القراء. أو أن ذلك كان حين كانت الفريضة تصلي مرتين ثم نهي عنه -كما ادعاه الطحاوي- وأنه عليه السلام لم يطَّلع على ذلك وقد شكي تطويله، وقد ظهر بذلك صحة الفرض خلف النفل
(1)
.
وخالف فيه مالك وأبو حنيفة وأحمد في رواية
(2)
والزهري وابن المسيب والنخعي وأبو قلابة وربيعة ويحيى بن سعيد والحسن في رواية
(3)
، ومجاهد فيما ذكره الطحاوي
(4)
، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم:
= عجلان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر، به. اهـ. "المعرفة" 4/ 153 - 154، وهو في "الأم" 1/ 153، وفي "المسند" 1/ 104 (306).
وقال ابن شاهين: لا خلاف بين أهل النقل للحديث أنه حديث صحيح الإسناد. اهـ.
"الناسخ والمنسوخ" ص 256 - 257.
وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 196: حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، وقد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فانتفت تهمة تدليسه. وقال الألباني في "الإرواء" 1/ 329: زيادة إسنادها صحيح.
قال الطحاوي 1/ 409: قوله: هي له تطوع ولهم فريضة. يجوز أن يكون من قول ابن جريج أو من قول عمرو بن دينار أو من قول جابر، فمن أي هؤلاء الثلاثة كان القول، فليس فيه دليل على حقيقة فعل معاذ أنه كذلك أم لا، لأنهم لم يحكوا ذلك عن معاذ، إنما قالوا قولًا، على أنه عندهم كذلك، وقد يجوز أن يكون في الحقيقة بخلاف ذلك. اهـ. بتصرف يسير.
وقال البيهقي في "المعرفة" 4/ 154: الظاهر أنه من قول جابر، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم بالله وأخشى لله من أن يقولوا مثل هذا إلا بعلم. وقال الحافظ ابن رجب 6/ 245: لعله مدرج من قول ابن جريج.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 410.
(2)
انظر "شرح فتح القدير" 1/ 371، "المعونة" 1/ 121، "عيون المجالس" 1/ 362، "المغني" 3/ 67.
(3)
انظر: "الأوسط" 4/ 218 - 219.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 412.
"إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه"
(1)
.
قال ابن بطال: ولا اختلاف أعظم من اختلاف النيات
(2)
.
قلت: لا، فإنه لا يظهر به مخالفة بخلاف الأفعال. قال: ولأنه لو جاز بناء المفترض على صلاة المتنفل لما شرعت صلاة الخوف مع كل طائفة بعضها وارتكاب الأعمال التي لا تصح الصلاة معها في غير الخوف؛ لأنه كان يمكنه أن يصلي مع كل طائفة جميع صلاته وتكون الثانية له نافلة وللطائفة الثانية فريضة. قلت: فعل ذلك أيضًا في الظهر صلى بطائفة ركعتين وسلم، ثم بأخرى ركعتين وسلم.
أخرجه الشافعي
(3)
وصححه ابن حبان وابن الأثير
(4)
. وفعل أيضًا ذلك
(1)
سيأتي برقم (734) كتاب: الأذان، باب: إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 337.
(3)
"مسند الشافعي" 1/ 176 (506) من طريق يونس، عن الحسن، عن جابر به.
ورواه أحمد 3/ 364 - 365، 390، وعبد بن حميد 3/ 48 - 49 (1094)، وأبو يعلى 3/ 312 - 313 (1778)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 315، وابن حبان 7/ 138 - 139 (2883)، والحاكم 3/ 29 - 30، والبيهقي في "الدلائل" 3/ 375 - 376 من طريق أبي عوانة عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر بن عبد الله قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل .. الحديث.
وفيه: فلما كان الظهر والعصر -شك أبو عوانة- صلى بهم صلاة الخوف، .. الحديث بنحوه مطولًا.
(4)
"صحيح ابن حبان" 7/ 138 - 139 (2883) كتاب: الصلاة باب: صلاة الخوف، وصححه ابن الأثير في "الشافي في شرح مسند الشافعي" 2/ 241 ط. مكتبة الرشد.
والحديث الذي صححه ابن الأثير، هو حديث الشافعي، المخرج من طريق الحسن عن جابر. أما الحديث الذي صححه ابن حبان فهو بإسناد آخر، من طريق سليمان بن قيس، عن جابر. وإسناده منقطع، قال الترمذي في "السنن" 3/ 595: سمعت البخاري يقول: سليمان بن قيس اليشكري، يقال: إنه مات في حياة جابر ابن عبد الله قال: ولم يسمع من قتادة ولا أبو بشر. وقال الحاكم 3/ 30: حديث =
في المغرب كما صححه الحاكم على شرط الشيخين
(1)
، ووافقنا عطاء وطاوس
(2)
، وابن المنذر
(3)
، وسليمان بن حرب وأبو ثور وداود وأحمد -في رواية-
(4)
، قال ابن قدامة: وأكثر أصحابنا
(5)
.
وقياس قول مالك أن من صلى بقوم وقد صلى يعيدون أبدًا.
وقال سحنون: يعيدون بعد اليومين والثلاثة، وإن طال فلا؛ لاختلاف الصحابة في ذلك
(6)
. ومن أجاز الصلاة خلف الصبي صحح الفرض خلف المتنفل. ومنع بعضهم؛ لأن الصبي نوى الفريضة بخلاف غيره.
= صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وانظر: "البدر المنير" 5/ 7 - 10.
والحديث أصله في الصحيحين، سيأتي برقم (4136)، ورواه مسلم (843).
(1)
"المستدرك" 1/ 337. ورواه أيضًا ابن خزيمة 2/ 307 (1368)، والدارقطني 2/ 61، والبيهقي 3/ 260 من طريق عمر بن خليفة البكراوي، عن أشعث بن عبد الملك الحمراني، عن الحسن، عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم في الخوف صلاة المغرب .. الحديث. قال الذهبي في "التلخيص" 1/ 337: على شرطهما وهو غريب. وقال الألباني في "صحيح ابن خزيمة"(1368) فيه عنعنة الحسن، والبكراوي قال الذهبي: ربما كان في روايته بعض المناكير. وقال في "صحيح أبي داود" 4/ 416: منكر بهذا اللفظ؛ لأنه تفرد به عمرو بن خليفة البكراوي عن الأشعث دون سائر أصحاب الأشعث، فإنهم رووه بلفظ: الظهر، والبكراوي كان في روايته بعض المناكير كما في "الميزان" فلا يقبل منه ما خالف فيه الثقات. اهـ بتصرف. وانظر:"البدر المنير" 5/ 7 - 21.
(2)
رواه عنهما عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 8 - 9 (2268 - 2269).
(3)
"الأوسط" 4/ 218 - 219.
(4)
انظر: "حلية العلماء" 2/ 175، "المغني" 3/ 67.
(5)
"المغني" 3/ 67.
(6)
"النوادر الزيادات" 1/ 309.
67 - باب مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكبِيَر الإِمَامِ
712 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَتَاهُ [بِلَالٌ] يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ". قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِي فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ. قَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ". فَقُلْتُ مِثْلَهُ، فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ:"إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ". فَصَلَّى، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ الأَرْضَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ صَلِّ، فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - وَقَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَنْبِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ. تَابَعَهُ مُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح: 2/ 203]
ذكر فيه حديث عائشه: لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَضهُ الذِي مَاتَ فِيهِ أَتَاهُ بلال يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ .. ". الحديث، وفيه: وَأبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ.
وقال في آخره: تَابَعَهُ مُحَاضِرٌ، عَنِ الأعْمَشِ.
وقد سلف الحديث في باب حد المريض أن يشهد الجماعة
(1)
وهو دليل لما بوب له وأنه يجوز رفع الصوت بالتكبير ليسمع الناس، لكن عندنا لا يقصد الإسماع وحده.
(1)
برقم (664) كتاب: الأذان.
68 - باب الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ، وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأمُومِ
وُيذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "ائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ".
713 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى مَا يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ". فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. قَالَ "إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ". فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَرِجْلَاهُ يَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَاعِدًا، يَقْتَدِى أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ -رضى الله عنه-. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح: 2/ 204]
وهذا أخرجه مسلم
(1)
من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرًا، فقال لهم:"تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"
(2)
.
وإنما لم يجزم البخاري بهذا التعليق؛ لأجل أبي نضرة (م. الأربعة)
(1)
يقصد المؤلف التعليق الذي بعد عنوان الباب.
(2)
"صحيح مسلم"(438) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول ..
فليس على شرطه
(1)
، وإنما استشهد به عن جابر في كتاب الشروط -كما ستعلمه
(2)
.
واعترض الداودي فقال: ليس هذا مما بوب له. وذلك في الأمر كله، وليس كما ذكر؛ بل هو مما بوب له بزيادة.
ثم ذكر البخاري حديث عائشة: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، .. الحديث. وقد سلف في باب: حد المريض أن يشهد الجماعة
(3)
.
قال ابن بطال وابن التين: هذا الباب موافق لقول الشعبي ومسروق؛ لأنهما قالا: إن الإمام يؤم الصفوف والصفوف يؤم بعضها بعضًا.
(1)
هو المنذر بن مالك بن قطعة، أبو نضرة العبدي ثم العوقي البصري، مشهور بكنيته، أدرك طلحة بن عبيد الله. قال أحمد: ما علمت إلا خيرًا، ووثقه ابن معين وأجوز به والنسائي، وقال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وليس كل أحد يحتج به. أورده العقيلي وابن عدي في كتابيهما فما ذكر له شيئًا يدل على لين فيه، بل قال ابن عدي: كان عريفًا لقومه. قال الحافظ في "التقريب": ثقة.
انظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" 7/ 208، "التاريخ الكبير" 7/ 355 (1535)، "ضعفاء العقيلي" 4/ 199 (1779)، "الكامل في الضعفاء" 8/ 93 (1848)، "تهذيب الكمال" 28/ 508 (6183)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 529 (214)، "التقريب"(6890).
وقال الحافظ: قيل: إنما ذكره البخاري بصيغة التمريض؛ لأن أبا نضرة ليس على شرطه لضعف فيه، وهذا عندي ليس بصواب؛ لأنه لا يلزم من كونه على غير شرطه أنه لا يصلح عنده للاحتجاج به، بل قد يكون صالحًا للاحتجاج به، وليس هو على شرط "صحيحه" الذي هو أعلى شروط الصحة، والحق أن هذِه الصيغة لا تختص بالضعيف، بل قد تستعمل في الصحيح أيضًا، بخلاف صيغة الجزم فإنها لا تستعمل إلا في الصحيح. اهـ. "الفتح" 2/ 205.
(2)
سيأتي في حديث (2718) باب: إذا اشترط البائع ظهر الدابة.
(3)
برقم (664 - 665) كتاب: الأذان.
قال الشعبي: فإذا أحرم رجل بالصلاة قبل أن يرفع الصف الذي يليه رؤوسهم من الركعة فقد أدركها فإن بعضهم أئمة لبعض فيجوز له الاستدلال بهذا الخبر.
وسائر الفقهاء يراعون رفع الإمام وحده وهو أحوط
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 342.
69 - باب هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ
؟
714 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ ". فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ. [انظر: 482 - مسلم: 573 - فتح: 2/ 205]
715 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، فَقِيلَ: صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. [انظر: 482 - مسلم: 573 - فتح: 2/ 205]
ذكر فيه حديث أبي هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو اليَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟ ". فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ.
هذا الحديث مهم مشتمل على نفائس من أصول الدين والفقه وفروعه. وقد أفرده بعض شيوخنا بالتأليف
(1)
، وقد سلف بعضه في باب: التشبيك في الصلاة -حيث ذكره البخاري
(2)
- ونذكر في كل موضع مما أورده البخاري ما يليق به.
(1)
ورد بهامش الأصل: العلائي صلاح الدين، كذا قاله لنا المصنف.
(2)
سلف برقم (482) كتاب: الصلاة.
وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن
(1)
. قال الدارقطني: اختلف عن أيوب السختياني في إسناده ومتنه فذكر الاختلاف في الإسناد، وأما المتن فقال: انفرد حماد بن زيد من بين سائر الرواة بقوله: فأومئوا أي: نعم
(2)
. والكل رووا قالوا: نعم. وسبقه إلى ذلك أبو داود في "سننه"
(3)
. وهو في مسلم لكنه لم يسق لفظه بل قال بمعناه، واختلف العلماء في الإمام إذا شك في صلاته فأخبره من خلفه من المأمومين أنه ترك شيئًا هل يرجع إلى قولهم ويترك يقينه أم لا؟ فاختلف عن مالك في ذلك فقال مرة: يرجع إلى قولهم، وهو قول أبي حنيفة؛ لأنهم يقولون: إنه يبني على غالب ظنه
(4)
. وقال مرة أخرى: يعمل على يقينه ولا يرجع إلى قولهم، وهو قول الشافعي والصحيح عند أصحابه
(5)
.
وقد جاء في أبي داود: فلم يرجع حتى يقنه الله تعالى
(6)
. ومعنى الانصراف من اثنتين: السلام.
وقوله: (أقصرت؟) أي: صارت قصيرة، ويجوز ضم أوله أي أنَّ الله قصرها.
(1)
مسلم (573) كتاب: المساجد، باب: السهو في الصلاة والسجود له. "سنن أبي داود" برقم (1008) كتاب: الصلاة، باب: السهو في السجدتين. "سنن الترمذي" برقم (399) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر. "سنن النسائي" 3/ 22 كتاب: السهو، باب: ما يفعل من سلم من ركعتين ناسيًا وتكلم. و"سنن ابن ماجه" برقم (1214) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: فيمن سلم من ثنتين أو ثلاث ساهيًا.
(2)
"علل الدارقطني "1/ 908.
(3)
"سنن أبي داود" بعد حديث (1009).
(4)
انظر: "الذخيرة" 2/ 304.
(5)
انظر: "المدونة" 1/ 126، "روضة الطالبين" 1/ 308.
(6)
"سنن أبى داود"(1012) كتاب: الصلاة، باب: السهو في السجدتين.
وقوله: " أصدق ذو اليدين" أراد به الاستثبات، قال ابن التين: يحتمل أن يكون قاله معتقدًا كمال الصلاة، بدليل قوله في الرواية الأخرى:"كل ذلك لم يكن"
(1)
، وأنه لو كان شاكًا لأتم ولصمت، فلما أخبروه طرأ عليه الشك. ويحتمل أنه شك بإخبار ذي اليدين فسألهم إرادة تيقن أحد الأمرين، فلما صدقوا ذا اليدين تيقن أنها لم تتم، وهذا الذي أراد البخاري بدليل تبويبه.
ثم قال البخاري بعد ذلك: حَدَّثنَا أَبُو الوَلِيدِ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، فَقِيلَ: صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ.
وفقهه كما في الأول.
قال النسائي: لا أعلم أحدًا ذكر عن أبي سلمة في هذا الحديث: ثم سجد سجدتين. غير سعد
(2)
. ثم اعلم أنه لم يبيِّن هل رجع عليه السلام للصلاة بتكبيرة أم لا، وهل رجع إلى حال الجلوس أم لا؟
والمشهور في مذهب مالك الرجوع بالتكبير
(3)
. ثم اختلفوا هل هو للإحرام أي للإشعار برجوعه أم تكبير القيام إلى الثالثة بعد الجلوس؟ على قولين، فإن قلنا بالأول فهل يكبر قائمًا كالإحرام أو جالسًا لأنها الحالة التي فارق الصلاة عليها؟ قولان، فإن قلنا يحرم قائمًا فهل يجلس بعد ذلك القيام؛ ليأتى بالنهضة في الصلاة، قاله ابن القاسم،
(1)
رواه مسلم (573/ 99).
(2)
"سنن النسائي الكبرى" 1/ 200. ووقع في الأصل: سعيد بدل سعد، وهو خطأ، وفي هامشها: صوابه: سعد.
(3)
انظر: "المعونة" 1/ 107.
أو لا يجلس؛ لأن النهضة غير مقصودة لنفسها وقد فات محلها فلا يعود إليها، رواه ابن نافع وقال به.
70 - باب إِذَا بَكَى الإِمَامُ فيِ صلاته
وَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ شَدَّادٍ: سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} [يوسف: 86].
716 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ". قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ. فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ". قَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "مَهْ، إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ". قَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. [انظر: 198 - مسلم: 418 - فتح: 2/ 206]
وهذا الأثر أسنده البيهقي من حديث علقمة بن وقاص قال: كان عمر بن الخطاب يقرأ في العتمة بسورة يوسف وأنا في مؤخر الصف، حتى إذا جاء ذكر يوسف سمعت نشيجه من مؤخر الصف
(1)
.
(1)
"سنن البيهقي" 2/ 251 كتاب: الصلاة، باب: من بكى في صلاته فلم يظهر في صوته ما يكون كلامًا له هجاء. وكذا رواه ابن أبي شيبة 1/ 312 (3566)، 7/ 225 (35519)، والبيهقي في "الشعب" 2/ 364 - 365 (2058).
وأسنده عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 114 (2716)، وسعيد بن منصور 5/ 405 (1138) وابن سعد في "الطبقات" 7/ 126، وابن أبي شيبة 1/ 312 (3565)، 7/ 225 (35516)، وابن المنذر في "الأوسط" 3/ 256 (1606)، والبيهقي في "الشعب" 2/ 364 (2057) من طريق سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن محمد بن سعد أنه سمع عبد الله بن شداد يقول: سمعت نشيج عمر بن الخطاب .. الحديث. بلفظه سواء. وذكره الحافظ في "تغليق التعليق" 2/ 300 موصولًا من طريق سعيد بن منصور، وقال: إسناد صحيح.
وعند ابن المنذر فيما حكاه عنه ابن التين عن عبيد بن عمير قال: صلى عمر الفجر فافتتح يوسف فقرأ: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84]، فبكى حتى انقطع ثم رجع
(1)
.
قال ابن قرقول في "مطالعه": نشيج عمر: صوت معه ترديد -كما يردد الصبي بكاء في صدره- وهو بكاء فيه تحزن.
وقال الجوهري: نشج الباكي إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب
(2)
. وعبارة ابن الأثير: النشيج صوت معه توجع وبكاء، وأقوالهم بنحو ذلك
(3)
.
ثم ذكر البخاري حديث عائشة أنه عليه السلام قَالَ فِي مَرَضِهِ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فليصل بِالنَّاسِ" .. الحديث. وقد سلف في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به
(4)
. وهذا الحديث مع الأثر يدلان على جواز البكاء من خوف الله تعالى وخشيته، وقد أجازه العلماء فيما ذكره ابن بطال
(5)
وابن التين.
ويدل له حديث عبد الله بن الشخير: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء. أخرجه أبو داود والنسائي وقال: لجوفه أزيز
(6)
.
(1)
"الأوسط" 3/ 256 - 257 (1607).
(2)
"الصحاح" 1/ 344.
(3)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 52 - 53.
(4)
سلف برقم (684) كتاب: الأذان.
(5)
"شرح ابن بطال" 2/ 343 - 344.
(6)
رواه أبو داود (904) كتاب: الصلاة، باب: البكاء في الصلاة، والنسائي 3/ 11 كتاب السهو، البكاء في الصلاة، و"الكبرى" 1/ 195 (544) و 1/ 360 (1135)، ورواه أيضا أحمد 4/ 25، 26، والترمذي في "الشمائل"(323)، وابن خزيمة 2/ 53 (900)، وابن حبان 2/ 439 - 440 (665)، 3/ 30 - 31 =
وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله قال أبي: لم يقل أحدٌ من البكاء إلا يزيد، يعني: ابن أبي زياد
(1)
.
وفي "علل الخلال" قال يحيى بن معين: قد روى حمزة الزيات، عن حمران بن أعين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ:{إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)} [المزمل: 12]، فصعق
(2)
. قال يحيى: وحمران وأخوه عبد الملك: ليسا
= (753)، والحاكم 1/ 264، والبيهقي 2/ 251 من طرق، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن مطرف بن عبد الله الشخير، عن أبيه به. ووقع عند النسائي 3/ 13: عن حماد بن سلمة، عن سلمة، عن ثابت، فلعله خطأ أو تصحيف.
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الحافظ ابن رجب في "الفتح" 6/ 262: إسناده على شرط مسلم، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 2/ 206: إسناده قوي، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (839): إسناده صحيح.
تنبيه: أورد المنذري هذا الحديث في "مختصر سنن أبي داود" 1/ 426 - 427 وقال: وأخرجه الترمذي والنسائي.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 4/ 59: عزاه المنذري للترمذي أيضًا وما أراه عنده. اهـ. فلعل المنذري يعني الترمذي في "شمائله" كما تقدم تخريجه. أما في السنن فلا. والله اعلم.
(1)
"المسند" 4/ 25 عقب حديث رقم (16312) ط. مؤسسة الرسالة، وجاء فيه: قال عبد الله بن أحمد: لم يقل من البكاء إلا يريد بن هارون. فلا أعلم من أين أتى المصنف رحمه الله بيزيد بن أبي زياد هذا؟ وشيخ أحمد في هذا الحديث هو يزيد بن هارون.
(2)
رواه أحمد في "الزهد" ص 36، وهناد في "الزهد" 1/ 180 (267)، والطبري في "التفسير" 12/ 289 (35268) من طريق وكيع، عن حمزة الزيات وعبد بن حميد ومحمد بن نصر.
قال يحيى بن معين: حمران بن أعين وعبد الملك بن أعين ليسا بشيء، ثم ذكر هذا الحديث أهـ "تاريخ ابن معين برواية الدوري" 3/ 337 (1628). وقال الحافظ ابن رجب في "التخويف من النار" ص 28: إسناده ضعيف مرسل، وحمران ضعيف. =
بشيء
(1)
.
واختلفوا في الأنين والتأوه. قال ابن المبارك: إذا كان غالبًا فلا بأس به. وعند أبي حنيفة: إذا ارتفع تأوهه أو بكاؤه، فإن كان من ذكر الجنة والنار لم يقطعها، وإن كان من وجع أو مصيبة قطعها
(2)
.
وعن الشافعي وأبي ثور: لا بأس به إلا أن يكون كلامًا مفهومًا
(3)
.
وعن الشعبي والنخعي: يعيد صلاته.
وقال أشهب عن مالك: قرأ عمر بت عبد العزيز في الصلاة فلما بلغ: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)} [الليل: 14] خنقته العبرة فسَّلم، ثم قرأ فنابه ذلك، ثم قرأ فنابه ذلك فتركها وقرأ:{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)}
(4)
[الطارق: 1].
= ورواه ابن عدي في "الكامل" 3/ 367، والبيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 522 (917) من طريق أبي يوسف، عن حمزة الزيات، عن حمران بت أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود به. وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 446 وزاد نسبته لأبي عبيد في "فضائله"، وابن أبي الدنيا في "نعت الخائفين"، وابن أبي داود في "الشريعة".
قال البيهقي: مرسل، وكذا قال الحافظ ابن رجب في "التخويف من النار" ص 28 وزاد: وقيل: إنه روي عن حمران، عن ابن عمر ولا يصح.
قلت: وأورده الهندي في "كنز العمال" 7/ 206 (18644) وعزاه لابن النجار.
(1)
انظر: "تاريخ ابن معين برواية الدوري" 3/ 337 (1628)، وانظر في ترجمة حمران وعبد الملك ابني أعين، "تهذيب الكمال" 7/ 306 (1497)، و 18/ 282 (3514).
(2)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 235، "الهداية" 1/ 66.
(3)
انظر: "الأوسط" 3/ 257.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 230.
71 - باب تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ الإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا
717 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ". [مسلم: 436 - فتح: 2/ 206].
718 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِى". [719، 725 - مسلم: 434 - فتح: 2/ 207]
ذكر فيه حديثين:
أحدهما:
حديث النعمان: من طريقِ سالم عنه، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ".
وأخرجه مسلم أيضًا وطوله من طريق سماك بن حرب عنه
(1)
.
وأخرجه أبو داود من هذا الوجه
(2)
. ومن حديث أبي القاسم الحسين بن الحارث الجدلي عنه مطولًا
(3)
.
فهؤلاء ثلاثة رووه عن النعمان وهو صحابي ابن صحابي
(4)
.
(1)
مسلم (436/ 128) ني الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول ..
(2)
"سنن أبي داود"(663) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف.
(3)
"سنن أبي داود"(662).
(4)
النعمان بن بشير سلفت ترجمته في حديث (52).
وأما أبوه فهو: بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب ابن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، شهد العقبة الثانية وبدرًا وأحدًا والمشاهد بعدها، يقال: إنه أول من بايع أبا بكر الصديق يوم السقيفة من الأنصار، وقتل يوم عين التمر، مع خالد بن الوليد، بعد انصرافه من اليمامة سنة اثنتي عشرة. =
وفي رواية له من طريق سماك عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة فإذا استوينا كبرَّ
(1)
، وهذِه فائدة جليلة لبيان وقت تكبير الإمام لا كما يقوله من خالف.
الحديث الثاني:
حديث أنس: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي".
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا ولفظه: "أتموا صفوفكم"
(2)
وأخرجه البخاري في موضعين آخرين -كما ستعلمه- في باب: إقبال الإمام على الناس عند التسوية إثر هذا الباب
(3)
، وفي باب: إلزاق المنكب بالمنكب، كما ستعلمه
(4)
، وأخرجه النسائي من حديث ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:"استووا استووا فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم بين يدي"
(5)
.
إذا عرفت ذلك فالكلام عليهما من أوجه:
أحدها:
فيهما: الحث على تسوية الصفوف وإقامتها، وهو من سنة الصلاة عند الأئمة.
= انظر تمام ترجمته في: "معرفة الصحابة" 1/ 397 (294)، "الاسيتعاب "1/ 252 (194)، "أسد الغابة" 1/ 231 (459)، "الإصابة" 1/ 158 (695).
(1)
"سنن أبي داود"(665).
(2)
"صحيح مسلم"(434) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول ..
(3)
سيأتي برقم (719).
(4)
سيأتي برقم (725).
(5)
النسائي 2/ 87 كتاب: الإمامة، باب: كم مرة يقول استووا.
وقال أبو محمد بن حزم في قوله: "أو ليخالفن الله بين وجوهكم" هذا وعيد شديد، والوعيد لا يكون إلا في كبيرة من الكبائر.
وقال في الحديث الآتي -إن شاء الله-: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة"
(1)
.
وفي رواية: "إقامة الصلاة تسوية الصف": إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض
(2)
.
ولا يُسلم له ذلك؛ فإن لفظ التمام يشعر بالنقصان فقط، فينبغي للإمام تعاهد تسوية الصفوف من الناس، وللناس تعاهد ذلك من أنفسهم.
وكان لعمر وعثمان رجال يوكلون رجلًا بتسويتها
(3)
.
الثاني: وعد من لم يقم الصف بعذاب من جنس ذنبه وهو المخالفة بين الوجوه لاختلافهم في مقامهم، كما توعد من قتل نفسه بحديدة أنه يعذب بها.
ثم قيل: معناه: يمسخها ويحولها عن صورتها -كما سلف- في حق من يرفع رأسه قبل الإِمام
(4)
. وقيل: يغير صفاتها. وقيل: المراد بالوجوه: القلوب، وتؤيده رواية أبي داود وابن حبان:"بين قلوبكم"
(5)
.
والأظهر عند النووي أن معناه: يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء،
(1)
سيأتي برقم (723) باب: إقامة الصف من تمام الصلاة.
(2)
"المحلى" 4/ 55.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 309 (3532، 3537) كتاب: الصلوات، باب: ما قالوا في إقامة الصف.
(4)
سلف برقم (691) كتاب: الأذان، باب: إثم من رفع رأسه قبل الإِمام.
(5)
"سنن أبي داود"(662) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف، "صحيح ابن حبان " 5/ 530 - 531 (2157 كتاب: الصلاة، باب: فرض متابعة الإمام.
واختلاف القلوب كما يقال: تغير وجه فلان عليَّ، أي: ظهر لي من وجهه كراهة فيَّ، وتغير قلبه عليَّ؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن
(1)
.
الثالث: مذهب أهل السنة أن قوله عليه السلام: "فإني أراكم من وراء ظهري" يجوز أن يكون إدراكًا خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم محققًا انخرقت له فيه العادة، وخلق له عينًا وراءه أو يكون الإدراك العيني انخرقت له العادة فكان يرى به من غير مقابلة.
قال مجاهد: كان عليه السلام يرى من خلفه كما يرى من بين يديه
(2)
.
وفي حديث -ليس بالقوى-: كان عليه السلام يرى في الظلام كما يرى في الضوء
(3)
.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك راجع إلى العلم وأن معناه: إني لأعلم.
وهذا تأويل لا حاجة إليه -كما قاله القرطبي- بل حمل ذلك على
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 4/ 157.
(2)
رواه عنه الحميدي 2/ 192 - 193 (992)، والطبري في "تفسيره" 9/ 486 (26818 - 26820)، وابن أبي حاتم 9/ 2829 (16030 - 16031)، والبيهقي في "دلائل النبوة" 6/ 74، وابن عبد البر في "التمهيد" 18/ 347.
(3)
رواه ابن عدي 5/ 364 - 365، وتمام في "الفوائد" 2/ 133 - 134 (1345)، والبيهقي في "الدلائل" 6/ 74 - 75، والخطيب البغدادي 4/ 271 - 272، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 168 (266) من حديث عائشة.
قال البيهقي: هذا إسناد فيه ضعف، وروي ذلك من وجه آخر ليس بالقوي، وساقه بإسناده إلى ابن عباس به.
وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح، وقال الألباني في "الضعيفة" (341): موضوع. وقال عن حديث ابن عباس: إسناده مظلم.
ظاهره أولى، ويكون ذلك زيادة في كرامات الشارع
(1)
.
وقد ذكر الزاهدي مختار بن محمود
(2)
في "رسالة الناصرية"
(3)
أنه كان عليه السلام بين كتفيه عينان مثلي سم الخياط فكان يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب، وذكرناه في باب: عظة الإِمام الناس أيضًا
(4)
.
وأورد ابن الجوزي سؤالًا، فقال: إذا كان يرى وراء ظهره، فما الفائدة أنه أجلس الشاب من وفد عبد القيس وراء ظهره
(5)
؟ ثم أجاب بوجهين:
(1)
"المفهم" 2/ 58.
(2)
هو مختار بن محمود بن محمَّد، الزاهدي، الغزميني، الشيخ العلامة نجم الدين، أبو الرجاء، له التصانيف المشهورة المقبولة، منها:"شرح القدوري"، و"الجامع في الحيض"، و"الفرائض"، و"زاد الأئمة"، و"المجتني في الأصول"، و"الصفوة في الأصول" تفقه عليه وسمع منه خلق كثير توفي سنة 658 هـ. انظر:"تاريخ الإِسلام" 48/ 370 (472).
(3)
قال حاجي خليفة: "الرسالة الناصرية" للزاهدي، المتوفي سنة ثمان وخمسين وستمائة، أولها: الحمد لله باعث الرسل والأنبياء بالمعجزات الباهرة، إلخ، ألفها لبركة خان الجنكيزي، ورتبها على ثلاث أبواب، الأول في الدلالة على حقية رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، الثاني في ذكر المخالفين لنبوته والجواب عن شبههم، الثالث في المناظرة بين المسلمين والنصارى. اهـ. "كشف الظنون "1/ 895.
(4)
راجع الحديث السالف (418) كتاب: الصلاة، باب: عظة الإِمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة.
(5)
روى ابن الجوزي في "ذم الهوى"(345) بإسناده عن الشعبي، قال: قدم وقد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وراء ظهره، وقال: كانت خطيئة دواد النظر.
والحديث ضعفه ابن الصلاح وابن القطان وغير واحد، انظر:"البدر المنير" 7/ 510 - 511، "تلخيص الحبير" 3/ 148، وخرجه الألباني في "الضعيفة"(313) من طرق، وقال في "الإرواء" (1809): موضوع.
أحدهما: أنه سنَّ للناس والسنة إنما هي فعل ظاهر.
والثاني: أن رؤيته من بين يديه أمر طبيعي يزاحم فيه.
72 - باب إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ
719 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ فَقَالَ:"أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي". [انظر: 718 - مسلم: 434 - فتح: 2/ 208]
ذكر فيه حديث أنس: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ فَقَالَ:"أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي".
وقد سلف في الباب قبله. وفيه: دليل على جواز الكلام بين الإقامة والإحرام بالصلاة ولا بأس به عند الفقهاء الحجازيين، وهو رد على الكوفيين، وقد سلف ذلك في أبواب الأذان.
وقوله: "وتراصُّوا" أي: انضموا.
قال صاحب "العين": رصصت البنيان رصًا: ضممته. وتراصوا في الصفوف منه
(1)
. وقد ذكر الله تعالى: {الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: الآية 4].
ومدحهم بذلك وقضى بالمحبة للمصطفين في طاعة. فدل أن الصف في الصلاة كالصف في سبيل الله.
وفي "صحيح مسلم" من حديث جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها". فقلنا: يا رسول الله وكيف تصُّفُ الملائكة عند ربها؟.
(1)
"العين" 7/ 83.
قال: "يتمون الصفوت الأُوَل ويتراصُّون في الصف"
(1)
.
وفي "سنن أبي داود" و"صحيح ابن حبان" من حديث أنس
(2)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحازوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إن الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحَذَف"
(3)
.
الحذف: بحاء مهملة مفتوحة وذال معجمة مفتوحة أيضًا ثم فاء، وهي غنم صغار سود تكون باليمن
(4)
، وفسرها مسلم
(5)
بالنقد
(1)
"صحيح مسلم"(430) كتاب: الصلاة، باب: الأمر بالسكوت في الصلاة والنهي عن الإشارة.
(2)
في هامش (س): من خط الشيخ: أخرجه ابن أبي شيبة من حديث ابن عباس.
(3)
"سنن أبي داود"(667) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف، "صحيح ابن حبان" 5/ 539 - 540 (2166) كتاب: الصلاة، باب: فرض متابعة الإِمام. و 15/ 251 (6339) كتاب: التاريخ، باب: صفته صلى الله عليه وسلم وأخباره.
ورواه أيضًا ابن خزيمة 22/ 3 (1545)، والبيهقي 3/ 100، والبغوي في "شرح السنة" 3/ 368 - 369 (813)، والضياء في "المختارة" 7/ 40 - 41، 42، (2432، 2436) من طريق مسلم بن إبراهيم، وهو شيخ أبي داود في الحديث عن أبان، عن قتادة، عن أنس مرفوعًا به. وتابع شعبة أبان عن قتادة، عند ابن حبان في الموضع الأول (2166) ورواه النسائي من طريق أبي هشام، وأحمد 3/ 260 و 283 عن أسود بن عامر وعفان ثلاثتهم عن أبان به. ومن طريق أحمد رواه الضياء (2433 - 2434).
قال النووي في "المجموع" 4/ 124 وفي "خلاصة الأحكام"(246) وفي "رياض الصالحين" ص 446: حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(673): إسناده صحيح على شرط الشيخين، ووسم قول النووي أنه على شرط مسلم، بأنه قصور.
(4)
قاله النووي في الكتب الثلاث التي تكلم فيها على الحديث -كما مر- وقال الجوهري في "الصحاح" 4/ 1342: والحذف بالتحريك: غنم سود صغار من غنم الحجاز. وقال ابن الأثير في "النهاية" 1/ 356: هي الغنم الصغار الحجازية، وقيل: هي صغار جرد ليس لها أذان ولا أذناب، يجاء بها من جرشي اليمن.
(5)
مسلم القائل هنا هو: ابن إبراهيم الأزدي الفراهيدي مولاهم أبو عمرو البصري، =
-بالتحريك- وهي جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه تكون في البحرين، الواحدة: نقدة.
قال الأصمعي: أجود الصوف صوفها
(1)
.
وفي رواية للبيهقي: قيل: يا رسول الله وما أولاد الحذف؟ قال: "ضأن جرد سود تكون بأرض اليمن"
(2)
.
قال الخطابي: ويقال أكثر ما تكون بأرض الحجاز
(3)
. وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم" الحديث
(4)
.
= شيخ أبي داود في الحديث -وهو ما نقله عنه ابن خزيمة فقال 3/ 22: قال مسلم: يعني النقد الصغار. النقد الصغار: أولاد الغنم. اهـ. ونقله عنه أيضًا ابن حبان 14/ 251 تبعًا لابن خريمة.
(1)
انظر: "الصحاح" 2/ 544، "النهاية" 5/ 103 - 104 مادة:(نقد).
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 101 كتاب: الصلاة، باب: إقامة الصفوف وتسويتها.
(3)
"معالم السنن" 1/ 159 وقال: أكثر ما تكون باليمن.
(4)
"صحيح مسلم"(432/ 122) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف.
73 - باب الصَّفِّ الأَوَّلِ
720 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الشُّهَدَاءُ: الْغَرِقُ، وَالْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْهَدْمُ". [انظر: 653 - مسلم: 1914 - فتح: 2/ 208]
721 -
وَقَالَ: "وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا [إِلَيْهِ] وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَاسْتَهَمُوا". [انظر: 615 - مسلم: 437 - فتح: 2/ 208]
ذكر فيه حديث أبي هريرة: قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الشُّهَدَاءُ: الغَرِقُ، وَالْمَطْعُونُ .. " الحديث إلى قوله: "لو يعلمون ما في الصف المقدم لاستهموا عليه" هذا الحديث تقدم في باب: التهجير إلى الصلاة
(1)
. وتقدم الصف الأول في باب: الاستهام في الأذان
(2)
. فراجعه منه.
(1)
برقم (652 - 653) كتاب: الأذان.
(2)
برقم (615).
74 - باب إِقَامَةِ الصَّفوج مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ
722 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ". [734 - مسلم: 414، 417، 435 - فتح: 2/ 208]
723 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -قَالَ:"سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ". [مسلم: 433 - فتح: 2/ 209]
ذكر فيه حديثين.
أحدهما:
حديث أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ. وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، وَأَقِيمُوا الصفوف في الصَّلَاةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاة".
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
وسلف الكلام على أحكامه في باب: إنما جعل الإِمام ليؤتم به. وغيره.
وفيه: دلالة على أن إقامة الصفوف سنة غير واجب؛ لأن حسن الشيء زيادة على تمامه، وذلك زيادة على الوجوب.
(1)
"صحيح مسلم"(414) كتاب: الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام.
الحديث الثاني:
حديث قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"سَوُّوا صُفوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ".
وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
. وفي لفظ آخر: "من تمام الصلاة"
(2)
وهو قال أيضًا على الاستحباب، والتمام والحسن واحد. وقد سلف ما فيه.
والبخاري كأنه فهم أن المراد بالإقامة الإتمام فلذلك ترجم به.
قال أبو محمَّد بن حزم: وأيما رجل صلى خلف الصف فصلاته باطلة، ولا يضر ذلك المرأة شيئًا. قال: وفرض على المأمومين تعديل الصفوف الأول فالأول، والتراص فيها والمحاذاة بالمناكب والأرجل. فإن كان نقص كان في آخرها.
فمن صلى وأمامه فرجة يمكنه سدها بنفسه فلم يفعل بطلت صلاته، فإن لم يجد في الصف مدخلًا فليجذب إلى نفسه رجلًا يصلي معه، فإن لم يقدر فليرجع ولا يصلي وحده خلف الصف إلا أن يكون ممنوعًا فيصلي وتجزيه
(3)
.
قال: ببطلان صلاة من صلى خلف الصف منفردًا، يقول الأوزاعي والحسن بن حي وأحد قولي الثوري وهو قول أحمد إسحاق
(4)
، قلت: والنخعي
(5)
.
(1)
"صحيح مسلم"(433) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول ..
(2)
انظر التخريج السابق.
(3)
"المحلى" 4/ 52.
(4)
"المحلى" 4/ 60.
(5)
رواه عنه عبد الرزاق 2/ 59 (2483)، وبنحوه ابن أبي شيبة 2/ 11 (5888).
ثم استدل بحديث وابصة بن معبد أنه عليه السلام رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده فأمره بإعادة الصلاة. أخرجه أبو داود وابن ماجه، وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وتوقف فيه الشافعي
(1)
.
(1)
"سنن أبي داود"(682) كتاب: الصلاة، باب: الرجل يصلى وحده خلف الصف، "سنن الترمذي" (230) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده، "سنن ابن ماجه" (1004) كتاب: إقامة الصلاة، باب: صلاة الرجل خلف الصف وحده، "صحيح ابن حبان" 5/ 575 (2198) كتاب: الصلاة، باب: فرض متابعة الإِمام، وابن حزم في "المحلى" 4/ 52، والبيهقي 3/ 104 من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن هلال بن يساف، عن عمر بن راشد، عن وابصة به.
وتابع شعبةَ زيدُ بن أبي أنيسة عن عمرو عند ابن حبان 5/ 575 (2198).
قال الألباني في "الإرواء" 2/ 323 - 324: رجاله ثقات غير عمرو بن راشد، وهو مجهول العدالة، أورده ابن أبي حاتم 6/ 323، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وأما ابن حبان فذكره في "الثقات" 5/ 175 على قاعدته المعروفة! ومع ذلك فإنه يستشهد به كما أشار الحافظ ابن حجر بقوله فيه في "التقريب"(5027) مقبول، يعني: عند المتابعة، وقد توبع، فالحديث صحيح. وقد خولف في إسناده عمرو بن مرة. اهـ بتصرف.
قلت: فرواه الترمذي (230)، وابن ماجه (1004)، والشافعي في "المسند" 1/ 107 (316) و 1/ 300 - 301 (289) سنجر، وأحمد 4/ 228، والدارمي 2/ 815 - 816 (1322)، وابن حبان 5/ 577 (2200)، والبيهقي 3/ 104 - 105 من طرق عن حصن، عن هلال بن يساف قال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي -ونحن بالرقة- فقام بي على شيخ يقال له وابصة بن معبد -من بني أسد- فقال زياد: حدثني هذا الشيخ أن رجلًا صلى خلف الصف وحده .. الحديث. وقد تابعه منصور عن هلال به.
ورواه ابن الجارود (319)، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 184 (1995)، ورواه أحمد 4/ 228، والدارمي (1323)، وابن المنذر (1996) وابن حبان (2201)، والدارقطني 1/ 362 - 363، والبيهقي 3/ 105 من طريق يزيد بن زياد بن أبي =
وبحديث علي بن شيبان مرفوعًا: "لا صلاةَ للذي صلَّى خَلْفَ الصَّفِّ" أخرجه ابن ماجه
(1)
.
= الجعد، عن عمه عبيد بن أبي الجعد عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة به.
ورجح أبو حاتم رواية عمرو بن مرة كما في "العلل" 1/ 100 فقال: عمرو بن مرة أحفظ من حصين.
وقال الترمذي: اختلف أصحاب الحديث في حديث حصين وعمرو بن مرة عن هلال، فرأى بعض أهل الحديث أن رواية عمرو، عن هلال، عن وابصة أصح من حديث حصين، ومنهم من قال: حديث حصين، عن هلال، عن زياد أبي الجعد، عن وابصة أصح، وحديث حصين أصح عندي من حديث عمرو وأشبه؛ لأنه روي من غير طريقهما عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة. اهـ "علل الترمذي" 1/ 212 - 213 بتصرف. وقال نحوًا من هذا الكلام في "السنن" عقب حديث (230) فانظره.
وقال الدارمي: كان أحمد بن حنبل يثبت حديث عمرو بن مرة، وأنا أذهب إلى حديث يزيد بن زياد بن أبي الجعد.
وقال ابن المنذر: ثبَّت هذا الحديث أحمد وإسحاق. وقال ابن حبان 5/ 578: سمع الخبر هلال عن عمرو بن راشد، عن وابصة، وسمعه من زياد بن أبي الجعد، عن وابصة، والطريقان جميعًا محفوظان. وقال ابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 269: حديث وابصة مضطرب الإسناد، لا يثبته جماعة من أهل الحديث. قال ابن الأثير: قال الشافعي: قد سمعت من أهل العلم بالحديث من يذكر أن بعض المحدثين يدخل بين هلال بن يساف ووابصة رجلًا، ومنهم من يرويه عن هلال، عن وابصة سمعه منه، وسمعت بعض أهل العلم منهم كأنه موهنه بما وصفت. اهـ. "الشافي شرح مسند الشافعي" 51/ 2. فلا أعلم ماذا يعني المصنف رحمه الله بقوله: توقف فيه الشافعي. ورجح أيضًا الألباني رواية حصين في "الإرواء" 2/ 324 وصححه بجملته (541) وكذا في "صحيح أبي داود"(683) فانظره، وانظر تعليق الشيخ أحمد شاكر على هذا الحديث في "سنن الترمذي" 1/ 448 - 451 فهو تعليق نفيس جدًّا.
(1)
"سنن ابن ماجه"(1003) كتاب: إقامة الصلاة، باب: صلاة الرجل خلف الصف وحده، ورواه أيضًا أحمد 4/ 23 مطولًا. قال البوصيري في "الزوائد" (333): إسناده صحيح رجاله ثقات. وقال المصنف في "البدر المنير" 4/ 474 والحافظ في =
وحديث صلاته- عليه السلام بأنسٍ واليتيم خلفه والمرأة
(1)
. لا حجة فيه؛ لأن هذا حكم النساء خلف الرجال. وكذا حديث ابن عباس وجابر لما أحرما عن يساره عليه السلام فأدارهما وصارا خلفه في تلك الإدارة
(2)
؛ لأن هذِه الإدارة حق لا يبطل
(3)
.
قال: وحديث أبي بكرة -الآتي
(4)
- كان قبل النهي
(5)
.
قلت: لا نسلم له ذلك، وحديث أنس الآتي في الباب بعد
(6)
، يدل على عدم الإعادة. قال الأئمة الثلاثة: صلاته جائزة
(7)
وحملوا الإعادة على الاستحباب.
وعن بعض أصحاب أحمد: أنه إن افتتح صلاته منفردًا خلف الإِمام فلم يلحق به أحد من القوم حتى رفع رأسه من الركوع فإنه لا صلاة له
(8)
ومن تلاحق به بعد ذلك فصلاتهم كلهم فاسدة وإن كانوا مائة أو أكثر.
= "التلخيص" 2/ 37: قال الأثرم: قال أحمد: إنه حديث حسن. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 3/ 265: سنده صحيح، وكذا قال في "الإرواء" 2/ 329 وزاد: ورجاله ثقات. وانظر استدلال ابن حزم الذي نقله المصنف في: "المحلى" 4/ 52 - 53 وفيه روى الحديث بإسناده، ووثق رجاله.
(1)
سلف برقم (380) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الحصير، ويأتي قريبًا برقم (727) باب: المرأة وحدها تكون صفًا، ورواه مسلم (658).
(2)
حديث ابن عباس سلف برقم (117) كتاب: العلم، باب: السمر في العلم، ورواه مسلم (763) كتاب: الصلاة، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، وحديث جابر رواه مسلم (3010) كتاب: الزهد والرقائق.
(3)
"المحلى" 4/ 56 - 57.
(4)
سيأتي برقم (783).
(5)
" المحلى" 4/ 58.
(6)
الحديث الآتي (724).
(7)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 234، "المبسوط" 1/ 192، "المدونة" 1/ 102، "عيون المجالس" 1/ 371، "الحاوي" 2/ 34، "حلية العلماء" 2/ 181، "المجموع" 4/ 188.
(8)
انظر: "الكافي" 1/ 432، "الممتع" 1/ 580، "شرح الزركشي" 1/ 419.
75 - باب إِثمِ مَن لَم يُتِمَّ الصُّفُوفَ
724 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلاَّ أَنَّكُمْ لَا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ بِهَذَا. [فتح: 2/ 209]
ذكر فيه حديث أنس من طريق الفَضْلِ بْن مُوسَى عن سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلاَّ أَنَّكُمْ لَا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ بِهَذَا.
هذا الحديث انفرد به البخاري، وليس لبشير بن يسار عن أنس في الكتب الستة غير هذا الحديث، وتابع الفضل أبو معاوية وإسحاق الأزرق، عن سعيد. كما أخرجه الإسماعيلي عنهما، وأخرجه أبو نعيم من طريق أبي معاوية عن سعيد. والتعليق المذكور أخرجه أبو نعيم من طريق أحمد، ثنا أبو معاوية ويحيى بن سعيد قالا: ثنا عقبة.
و (بشير) بضم أوله تابعي ثقة
(1)
. و (سعيد بن عبيد) أخو عقبة بن عبيد، ولما كان تسوية الصف من السنة المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها دل ذلك أن تاركها يستحق العتب -كما قال أنس- غير أن من لم يقم الصفوف لا إعادة عليه، ألا ترى أن أنسًا لم يأمرهم بالإعادة؟!.
(1)
تقدمت ترجمته في حديث (209).
76 - باب إِلْزَاقِ المَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ، وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ.
725 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي". وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ. [انظر: 718 - مسلم: 434 - فتح: 2/ 211]
هذا التعليق أسنده أبو داود بإسناد صحيح
(1)
.
ثم ساق حديث أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي". وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ.
وقد سلف هذا الحديث في باب: إقبال الإِمام على الناس عند تسوية الصفوف
(2)
. وهذا الحديث يبين هيئة التراص المأمور به، وأن الكعب هو العظم الناتئ عند مفصل الساق والقدم، لا كما قال أهل الكوفة: إنه مؤخر القدم. لأن ذلك لا يمكن هنا.
والمنكب: هو ما بين الكتف والعنق.
(1)
"سنن أبي داود"(662) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف، ووصله الحافظ بإسناده في " تغليق التعليق" 2/ 302 - 304 وقال: إسناده حسن. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" برقم (668): إسناده صحيح.
(2)
برقم (719).
77 - باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ، تَمَّتْ صَلَاتُهُ
726 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ كُرَيْبٍ -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى وَرَقَدَ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 2/ 211]
ذكر فيه حديث كُرَيْبٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، .. الحديث.
وقد سلف في باب: التخفيف في الوضوء
(1)
، وداود الذي في إسناده هو ابن عبد الرحمن العطار
(2)
، والحديث مطابق لما ترجم له أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإِمام- وقد سلف الخلاف فيه هناك.
(1)
برقم (138) كتاب: الوضوء.
(2)
وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: لا بأس به صالح، وقال إبراهيم الشافعي: ما رأيت أحدًا أورع من داود بن عبد الرحمن العطار، وقال الحافظ: ثقة لم يثبت أن ابن معين تكلم فيه.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 3/ 241 (824)، "الجرح والتعديل" 3/ 417 (1907)، "تهذيب الكمال" 8/ 413 (1771)، "تاريخ الإِسلام" 11/ 112 (87)، "التقريب"(1798).
78 - باب المَرْأَةُ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفًّا
727 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا. [انظر: 380 - مسلم: 658 - فتح، 2/ 212]
ذكر فيه حديث أنس: صَلَّيْتُ أَنَا وَيتِيمٌ في بَيْتِنَا خَلْفَ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأمَّي خَلْفَنَا أمُّ سُلَيْمٍ.
هذا الحديث سلف في باب: الصلاة على الحصير
(1)
ويأتي إن شاء الله في باب صلاة النساء خلف الرجال
(2)
.
واعترض الإسماعيلي فقال: الواحد والواحدة لا يسمى صفًا إذا انفرد وإن جازت صلاته منفردًا خلف الصف. وأقل ما يسمى إذا جمع بين اثنين على طريقة واحدة. وفيما ذكره نظر، وقد قيل في قوله تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38].
إن الروح وحده صف، والملائكة صف.
وأما أحكامه فأمور:
أحدها: أن سنة النساء خلف الرجال ولا يقمن معهم في صف، فإن خالفت وصلت إلى جنب الرجل صحت عند الشافعي ومالك والأوزاعي
(3)
.
وعند الكوفيين: تصح صلاتها دونه
(4)
. فإن علل بطلان صلاته
(1)
برقم (380) كتاب: الصلاة.
(2)
برقم (871) كتاب: الأذان.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 266، "عيون المجالس" 1/ 320، "الذخيرة" 2/ 262، "حلية العلماء" 2/ 180، "المجموع " 3/ 231.
(4)
انظر: "المبسوط" 1/ 183، "تبيين الحقائق" 1/ 137، "منية المصلي" ص 317.
بالمخالفة في الوقف لمن صلى قدام الإمام فهي أيضًا قد خالفت ولا مخالفة منه.
ثانيها: صحة صلاة المنفرد، وقد سلف قريبًا ذكر ما فيه؛ لأن أم سليم صحت صلاتها وحدها وكانت صفًا، فالرجل أولى ولهذا المعنى أشار البخاري في ترجمته.
ثالثها: أن الاثنين يكونان صفًا وراء الإمام وقد خالف فيه الكوفيون كما سلف هناك.
رابعها: أن للصبي موقفًا في الصف. وعن أحمد كراهته في الفرائض.
خامسها: أن الصف من الرجال يكون من اثنين فصاعدًا.
وأن الصف من النساء إذا صلين مع الرجال يكون من امرأة واحدة.
79 - باب مَيْمَنَهَ المَسْجِدِ وَالإِمَامِ
728 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ بِيَدِي -أَوْ بِعَضُدِي- حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 2/ 213]
ذكر فيه حديث ابن عباس: قُمْتُ لَيْلَةَ أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأخَذَ بِيَدِي -أَوْ بِعَضُدِي- حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي.
هذا الحديث سلف
(1)
وهو دال لما ترجم له؛ لأن المأموم إذا كان على يمين إمامه كان في ميمنة المسجد.
وفي "سنن أبي داود" عن البراء قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببت أن أكون عن يمينه
(2)
.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف"
(3)
.
(1)
سلف برقم (117) كتاب: العلم، باب: السمر في العلم.
(2)
"سنن أبي داود"(615) كتاب: الصلاة، باب: الإمام ينحرف بعد التسليم، والحديث رواه مسلم برقم (709) بزيادة.
(3)
"سنن أبي داود"(676) كتاب: الصلاة، باب: ما يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التأخر من طريق معاوية بن هشام، عن سفيان، عن أمامة بن زيد، عن عثمان بن عروة، عن عائشة.
ومن هذا الطريق رواه ابن ماجه (1005)، وابن حبان 5/ 533 - 534 (2160)، والبيهقي 3/ 103 بهذا اللفظ.
ورواه أحمد 6/ 160 عن أبي أحمد. وعبد بن حميد 3/ 234 (1511) عن قبيصة. وابن خزيمة 3/ 23 (1550)، وابن حبان 5/ 536 (2163)، والحاكم 1/ 214، والبيهقي 3/ 101 من طريق ابن وهب، ثلاثتهم عن سفيان، عن أسامة، عن عثمان بن عروة، به، بلفظ:"علي الذين يصلون الصفوف". =
وعند ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعًا: وشكي إليه أن ميسرة المسجد تعطلت فقال: "من عمَّر ميسرة المسجد كتب الله له كفلين من الأجر"
(1)
.
= ورواه أحمد 6/ 67 عن عبد الله بن الوليد، عن سفيان، عن أسامة، عن عبد الله بن عروة، عن عروة، به، باللفظ السالف أيضًا.
وروه ابن ماجه (995)، وأحمد 6/ 89 من طريق إسماعيل بن عياش، عن هشام ابن عروة، عن أبيه به، باللفظ السالف أيضًا.
قال البيهقي: المحفوظ: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف".
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 189: رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن. والحديث ذكره النووي في "الخلاصة" 2/ 709 - 710، وفي "الرياض" ص 447، وقال: رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم، وفيه رجل مختلف في توثيقه، وزاد في "الخلاصة": وصححه الطبراني، وأشار البيهقي إلى تضعيفه، والمختار "صحيحه" فلم يذكر ما يقتضي ضعفًا.
وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 213: إسناده حسن. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 3/ 255 - 256: إسناده حسن، إلا أن معاوية بن هشام قد أخطأ؛ وذلك لأن جماعة من الثقات رووه عن سفيان بلفظ:"يصلون الصفوف". اهـ بتصرف.
لذا ذكره الألباني في "ضعيف أبي داود"(104) وقال: ضعيف بهذا اللفظ.
(1)
"سنن ابن ماجه" برقم (1007) كتاب: إقامة الصلاة، باب: فضل ميمنة الصف.
قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف لضعف ليث بن أبي أسلم. "زوائد ابن ماجه" ص 159 (334).
قال الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(210): ضعيف.
80 - باب إِذَا كَانَ بَيْنَ الإِمَامِ وَبَيْنَ القَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرةٌ
وَقَالَ الحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ.
729 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ، وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ لَيْلَةَ الثَّانِيَةِ، فَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَخْرُجْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ، فَقَالَ:"إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ". [730، 924، 1129، 2011، 2012، 5861 مسلم: 761 - فتح: 2/ 213]
730 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ، فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ، فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ. [انظر: 729 - مسلم: 761، 782 - فتح: 2/ 214]
731 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْر، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً - قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:"قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ". قال عَفَّان: حَدَّثَنَا وهَيْبّ، حَدَّثَنَا مُوسَى، سَمِعْتُ أَبَا النَّضْر، عَنْ بُسْرٍ، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [6113، 7290 - مسلم: 781 - فتح: 2/ 214]
تعليق أبي مجلز لاحق بن حميد رواه ابن أبي شيبة، عن معتمر، عن ليث، عن أبي مجلز في المرأة تصلي وبينها وبين الإِمام حائط، قال: إذا كانت تسمع التكبير أجزأها ذلك
(1)
.
ثم أورد البخاري بعد ذلك حديثين كل منهما بسندين، أحدهما عن عائشة، وأورده مطولًا ومختصرًا. وحديث زيد بن ثابت أورده مسندًا ومعلقًا.
أما حديث عائشة فلفظها: (كان يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ، وَجِدَارُ الحُجْرَةِ قَصِيرٌ .. ) الحديث بطوله، ويأتي في الجمعة أيضًا في باب: من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد
(2)
.
ومحمد شيخ البخاري فيه: هو ابن سلام كما نص عليه أبو نعيم، والمختصر لفظه: أنه كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجره بالليل، فثاب إليه رجال فصفوا وراءه. قال: ويأتي أيضًا في موضع آخر، وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
.
وأما حديث زيد المسند فلفظه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً- قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، .. الحديث.
وأما المعلق فلم يذكر فيه متنًا، وإنما قال: قَالَ عَفَّانُ: ثنَا وُهَيْبٌ، ثنَا مُوسَى، سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ، عَنْ بُسْرٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وهذا
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 35 (6159) كتاب: الصلوات، باب: من كان يرخص في ذلك.
(2)
سيأتي برقم (924).
(3)
مسلم (761) كتاب: المسافرين، باب: التركيب في قيام رمضان وهو التراويح.
التعليق أسنده في الاعتصام عن إسحاق، عن عفان
(1)
. وأخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان عن عفان
(2)
.
وزعم أبو مسعود وخلف أن في كتاب حماد بن شاكر -يعني- عن البخاري، قال: ثنا عفان. إلى آخره.
وحديث زيد هذا أخرجه البخاري هنا، وفي الأدب والاعتصام
(3)
، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضًا
(4)
، وحسنه الترمذي
(5)
وعدد جماعات رووه، ثم ذكر اختلافًا في رفعه ووقفه، وقال: وقفه أصح
(6)
. وكذا قال الدارقطني.
وذكر النسائي الاختلاف فيه على موسى
(7)
ثم اعلم أن في بعض نسخ البخاري بعد حديث عمرة عن عائشة الأول:
(1)
سيأتي برقم (7290) باب: ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه.
(2)
"المجتبى" 3/ 197 - 198 كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك.
(3)
سيأتي برقم (6113) باب: ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله، وبرقم (7290).
(4)
مسلم (781) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، و"سنن أبي داود" برقم (1447) كتاب: الوتر، باب: فضل التطوع في البيت، والنسائي 3/ 197 - 198.
(5)
في هامش (س): من خط الشيخ في هامشه: أغفله ابنة الأثير في "جامعه".
(6)
"سنن الترمذي"(450) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في مقبل صلاة التطوع في البيت.
(7)
"السنن الكبرى" 1/ 408 كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: الفضل في الصلاة في البيوت ..
81 - باب صَلَاةِ اللَّيْلِ
وذكر فيه حديثها الثاني، وحديث زيد، وكان الحذف أجود؛ لأن صلاة الليل له باب يأتي، ولما ساقه البخاري في باب: أما بعد، من الجمعة من حديث عقيل عن الزهري، عن عروة عنها. قال: تابعه يونس
(1)
. وساقه في الصوم بدون هذِه المتابعة
(2)
وكلام المزي تبعًا لخلف يوهم ذكرها في الصوم وليس كذلك فتنبه له
(3)
، ومتابعة يونس أخرجها مسلم والنسائي مطولًا
(4)
.
وقد اختلف العلماء في الإِمام يكون بينه وبين القوم طريق أو حائط فأجازته طائفة، روي ذلك عن أنس وأبي هريرة وابن سيرين وسالم. وكان عروة يصلي بصلاة الإمام وهو في دار بينها وبين المسجد طريق
(5)
.
وقال مالك: لا بأس أن يصلي وبينه وبينه طريق أو نهر صغير، وكذلك السفن المتقاربة يكون الإمام في إحداها أو نهر صغير تجزئهم
(1)
يأتي رقم (924).
(2)
يأتي برقم (2012) باب: فضل من قام رمضان.
(3)
انظر: "تحفة الأشراف"، قال المزي 12/ 66: وبه في الجمعة، وفي الصوم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته .. الحديث، وقال عقيبه: تابعه يونس- يعني: في قوله: "أما بعد".
ووافقنا على ذلك الحافظ فقال في "النكت الظراف" 12/ 66: ذكر المتابعة وقع في الجمعة خاصة، فلهذا خص المصنف بقوله:"أما بعد". وإلا فالواقع أن رواية يونس، عن الزهري لهذا الحديث موجودة بتمامها عند مسلم.
(4)
"صحيح مسلم"(761/ 178) باب: الترغيب في فضل رمضان وهو التراويح، والنسائي 4/ 155.
(5)
رواها عنهم ابن أبي شيبة: 2/ 35 - 36 (6157 - 6158، 6160، 6162 - 6163).
الصلاة معه
(1)
.
وقال عطاء: لا بأس أن يصلي بصلاة الإِمام من علمها.
وكرهت ذلك طائفة.
روي عن عمر بن الخطاب: إذا كان بينه وبين الإِمام طريق أو نهر أو حائط فليس هو معه.
وكره الشعبي وإبراهيم أن يكون بينهما طريق. زاد إبراهيم: أو نساء
(2)
.
وقال الكوفيون: لا يجزئه إلا أن تكون الصفوف متصلة في الطريق، وهو قول الليث والأوزاعي وأشهب
(3)
.
وكذلك اختلفوا فيمن صلى في دار محجر عليها بصلاة الإِمام فأجازه عطاء وأبو حنيفة في الجمعة وغيرها
(4)
، وبه قال ابن نافع صاحب مالك، وجوزَّه مالك إذا كان يسمع التكبير إلا في الجمعة خاصة
(5)
فلا تصح صلاتها عنده في موضع يمنع منه في سائر الأوقات، ولا تجوز إلا في الجامع ورحابه.
وقال الشافعي: لا يجوز أن يصلي في موضع محجر عليه في الجمعة وغيرها إلا أن تتصل الصفوف
(6)
. حجة المجيز وهو موضع ترجمة البخاري حديث عائشة وزيد بن ثابت أنه عليه السلام صلى في حجرته
(1)
"المدونة" 1/ 83، "الذخيرة" 2/ 259.
(2)
ابن أبي شيبة 1/ 35 (6145 - 6156).
(3)
"الأصل" 1/ 197، "النوادر والزيادات" 1/ 295 - 296.
(4)
"الأصل" 1/ 197، "الحاوي" 2/ 345.
(5)
"المدونة" 1/ 83.
(6)
انظر: "الحاوي" 2/ 347، "المهذب" 1/ 331.
وصلى الناس بصلاته فلو لم تجزئهم لأخبرهم بذلك؛ لأنه بعث معلمًا، وقد كان أزواجه عليه السلام يصلين في حجرهن بصلاته، وبعده بصلاة أصحابه، إذا لم يمنع الحائل بين الإِمام والمأموم من تكبيرة الإحرام ولا استماع التكبير لم يقدح في الصلاة، دليله: الأعمى، ومن بينه وبين الإِمام صفوف، أو سارية فلا معنى للمنع من ذلك.
قلت: والرواية السالفة أنه اتخذ حجرة من حصير دالة على أن هذا لا يمنع من الاقتداء.
وفي رواية أخرى: فأمرني فضربت له حصيرًا يصلي عليه
(1)
.
وفي أخرى: خرج من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته
(2)
.
وفي أخرى: احتجر بخصفة أو حصير في المسجد
(3)
.
وفي رواية يحيى بن سعيد عن عمرة عنها: صلى في حجرتي والناس يأتمون به من وراء الحجرة، يصلون بصلاته
(4)
. فلعلها كانت أحوالًا.
والحجرة: البيت وكل موضع حجر عليه فهو حجرة.
وفيه من الفقه -أيضًا- ما قاله المهلب: جواز الائتمام بمن لم ينو أن يكون إمامًا في تلك الصلاة؛ لأن الناس ائتموا به عليه السلام وراء الحائط ولم يعقد النية معهم على الإمامة، وهو قول مالك والشافعي. وقد سلف.
(1)
رواها أبو داود (1374) كتاب: الصلاة، باب: في قيام شهر رمضان.
(2)
ستأتي برقم (924) كتاب: الجمعة، باب: من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد.
(3)
رواها مسلم (781/ 213).
(4)
رواها أحمد 6/ 30.
وفيه أيضًا: أن فعل النوافل في البيت أفضل. وروى ابن القاسم عن مالك: إن التنفل في البيوت أحب إلى منه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا للغرباء.
وفيه: جواز النافلة في جماعة.
وفيه أيضًا: شفقته على أمته خشية أن تكتب عليهم صلاة الليل فيعجزوا عنها فترك الخروج؛ لئلا يدخل ذلك الفعل منه في حد الواجب عليهم من جهة الاقتداء فقط.
وقوله: (فثاب إليه ناس فصفوا وراءه)، أي: اجتمعوا.
قال ابن التين: كذا رويناه. وقال الخطابي: آبوا، أي: جاءوا من كل أوب أي: رجعوا بعد انصرافهم
(1)
.
وفيه: أن يقدم الأهم عند تعارض المصلحة وخوف المفسدة.
(1)
"أعلام الحديث" 1/ 484.
82 - باب إِيجَابِ التَّكْبِيِر وَافْتِتَاحِ الصَّلاةِ
732 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ فَرَسًا، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ. قَالَ أَنَسٌ - رضى الله عنه -: فَصَلَّى لَنَا يَوْمَئِذٍ صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، ثُمَّ قَالَ لَمَّا سَلَّمَ:"إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". [انظر: 378 - مسلم: 411 - فتح: 2/ 216]
733 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ خَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ، فَصَلَّى لَنَا قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا مَعَهُ قُعُودًا، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ:"إِنَّمَا الإِمَامُ -أَوْ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ - لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا"[انظر: 378 - مسلم: 411 - فتح: 2/ 216]
734 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ". [انظر: 722 - مسلم: 414، 417 - فتح: 2/ 216]
اختلف العلماء في تكبيرة الإحرام. فقال مالك والشافعي وأحمد: هي ركن
(1)
.
(1)
انظر: "المدونة" 1/ 65، "المعونة" 1/ 92، "حلية الطالبين" 2/ 76، "روضة الطالبين" 1/ 223، "المجموع" 3/ 250، "الإفصاح" 1/ 264.
وقال أبو حنيفة
(1)
: شرط، وهو وجه عندنا كما حكاه الروياني في "بحره". وتظهر فائدة الخلاف فيما لو كبَّر وفي يده نجاسة فألقاها في أثنائه وأحرم قبل الزوال ثم زالت في أثنائه، أو أحرم مكشوف العورة ثم ستر في أثنائه
(2)
، وفي المسألة قول ثالث أنها تنعقد بالنية بلا تكبير، حكاه ابن المنذر عن الزهري، وقال: لم يقل به غير
(3)
، وكذا قال ابن العربي في "قبسه" لم يقل: إنها ليست بفرض غيره، وحكاه ابن التين عن الحسن بن صالح.
وذهب الجمهور فيما حكاه ابن بطال إلى وجوبها
(4)
.
وذهبت طائفة إلى أنها سنة، روي ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن
(5)
والحكم والزهري والأوزاعي وقالوا: إن تكبيرة الركوع تجزئه من تكبيرة الإحرام.
وروي عن مالك في المأموم ما يدل على أنه سنة. ولم يختلف قوله في المنفرد والإمام أنها واجبة على كل واحد منهما، وأن من نسيها يستأنف الصلاة
(6)
.
وقال ابن العربي: وقع في "المدونة" وهم بنسبة هذا القول لابن المسيب وليس له، والصحيح أنها فرض
(7)
.
وقال ابن قدامة في "المغني": لا تنعقد الصلاة إلا بالتكبير سواء
(1)
"الأصل" 1/ 211، "الهداية" 1/ 49.
(2)
"الأوسط" 3/ 77.
(3)
"الأوسط" 3/ 77.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 352.
(5)
في هامش (س): من خط الشيخ: (وقتادة) زاده في "المغني".
(6)
"الموطأ" 70 - 71 رواية يحيى.
(7)
"القبس" 1/ 216.
تركه سهوًا أو عمدًا، وهو قول ربيعة والثوري ومالك والشافعي إسحاق وأبي ثور
(1)
.
قلت: وبه قال أحمد وداود، وحكى أبو الحسن الكرخي الحنفي عن ابن علية والأصم كقول الزهري السالف.
وقال ابن بزيزة: قالت طائفة بوجوب تكبير الصلاة كله. وعكس آخرون فقالوا: كل تكبيرة في الصلاة ليست بواجبة مطلقًا منهم ابن شهاب وابن المسيب وغيرهما. روى هؤلاء أنها -يعني: تكبيرة الإحرام- ليست بواجبة فأجازوا الإحرام بالنية لعموم: "الأعمال بالنيات".
والجمهور أوجبوها خاصة دون ما عداها.
واختلف مذهب مالك، هل يحملها الإِمام عن المأموم أم لا؟ قولان
حجة الجمهور: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كبر فكبروا" فذكر تكبيرة الإحرام دون غيرها من سائر التكبير، وكذا حديث المسيء في صلاته:"إذا قمت إلى الصلاة فكبر"
(2)
ثم ذكر الباقي من غير ذكر تكبير آخر.
والإجماع قائم على أن من ترك سائر التكبير غير تكبيرة الإحرام أن صلاته جائزة
(3)
. فدَّل على أن ما عداها غير لازم.
لكن عن أحمد أنها واجبة تبطل بالترك عمدًا، وتجبر بالسجود سهوًا
(4)
، وصح أيضًا:"تحريمها التكبير وتحليلها التسليم"
(5)
.
(1)
"المغني" 1/ 276.
(2)
يأتي برقم (757).
(3)
"الإقناع" 1/ 376.
(4)
انظر: "المستوعب" 1/ 186، 226.
(5)
قطعة من حديث رواه أبو داود (61) كتاب: الطهارة، باب: فرض الوضوء، و (618) كتاب: الصلاة، باب: الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة، =
وحجة من سنها أن المراد بها الإعلام، فصارت كغيرها، ثم اختلف العلماء هل يجزئ الافتتاح بالتسبيح والتهليل مكان التكبير؟ فقال مالك وأبو يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق: لا يجزئ إلا الله أكبر. وأجاز الشافعي: الله الأكبر.
وقال الكوفيون: يجزئ من التكبير ما قام مقامه من تعظيم الله وذكره
(1)
.
حجة الجمهور أنه عليه السلام -كان يقول: "الله أكبر" وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"
(2)
.
ثم استدل البخاري رحمه الله لما ذكره بحديثين:
أحدهما: حديث أنس من طريقين عنه، أنه عليه السلام رَكِبَ فَرَسًا، فَجُحِشَ شِقُّهُ .. الحديث. وقد سبق في باب: الصلاة في السطوح
(3)
وفي باب: إنما جعل الإِمام ليؤتم به
(4)
.
= والترمذي (3) كتاب الصلاة، باب: الطهارة، باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، وابن ماجه (275) كتاب: الطهارة وسننها، باب: مفتاح الصلاة الطهور، وأحمد 1/ 123، 129 من حديث علي. قال النووي في "المجموع" 3/ 289، وفي "الخلاصة" 1/ 348: إسناده حسن، وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 322: رواه أصحاب السنن بسند صحيح. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(55): إسناده حسن صحيح، وقال في "الإرواء" (301): صحيح.
وفي الباب عن ابن عباس وعبد الله بن زيد انظرها وزيادة في "البدر المنير" 3/ 447 - 454 ففيه غنية وكفاية عما سواه.
(1)
انظر: "المبسوط" 1/ 35 - 36، "شرح فتح القدير" 1/ 198، "المدونة" 1/ 62، "المجموع" 3/ 254 - 255، "المستوعب" 1/ 132.
(2)
سلف برقم (631) باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة ..
(3)
سلف برقم (378).
(4)
برقم (378) و (688).
وفي الطريق الثاني ما بوب له وهو: قال: "فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا". وهو دون الطريق الأول، فهو أمس بالتقديم عليه، نعم قدم الأول بتصريح سماع الزهري من أنس فأمن التدليس، ثم ساق الثاني لمطابقة ما ترجم له. واعترض الإسماعيلي فقال: ليس في الطريق الأول ذكر التكبير ولا ذكر الافتتاح، ومع هذا فالثاني ليس فيه إيجاب التكبير وإنما فيه إيجاب الذين يكبرون بما يسبقون إمامهم بها ولو كان ذلك إيجابًا لكان قوله:"وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا لك الحمد" إيجابًا له على المأموم، وفيما ذكره نظر، وقد أسلفنا بيان الوجوب منه فإنه أمر، والأمر للوجوب.
وأهل الظاهر أوجبوا قول: سمع الله لمن حمده عند القيام من الركوع.
قال ابن حزم: فإن كان مأمومًا ففرض عليه أن يقول بعد ذلك: ربنا لك الحمد أو: ولك الحمد
(1)
.
وأما قول البخاري: وافتتاح الصلاة. فلعل مراده: وافتتاح الصلاة به فإنه لم يذكر في الباب ما يدل للافتتاح، أو أنه لما ذكر التكبير الذي هو افتتاح الصلاة أحال على ما يأتي بعد من الأبواب التي فيها الرفع وشبهه.
الحديث الثاني: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، .. الحديث.
وقد سلف أيضًا
(2)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
(4)
.
(1)
"المحلى" 3/ 262.
(2)
برقم (722).
(3)
رواه مسلم (414) باب: ائتمام المأموم بالإمام.
(4)
في هامش الأصل: ثم بلغ في الخامس بعد السبعين، كتبه مؤلفه.
83 - باب رَفْعِ اليَدَيْنِ فِي التَّكْبِيَرةِ الأُولَى مَعَ الافْتِتَاحِ سَوَاءً
735 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ:"سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ [736، 738، 739، مسلم:390 - فتح 2/ 218]
ذكر فيه حديث الزهري، عَنْ سَالِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ:"سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ في السُّجُودِ.
ساقه عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن الزهري به. وهذا الحديث فيه الرفع عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وهو عند الإحرام مشروع بالإجماع
(1)
لهذا الحديث وغيره من الأحاديث الثابتة، ولا عبرة بخلاف الزيدية فيه وفيما سواه، قال به الشافعي وأحمد وجمهور الصحابة فمن بعدهم، وهو رواية عن مالك
(2)
.
وقال أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة: لا يستحب إلا في تكبيرة الإحرام وهو مشهور الروايات عن مالك.
قال ابن القاسم: ولم أر مالكًا يرفع اليد عند الإحرام، وأحب إلى
(1)
"الإجماع" لابن المنذر ص 42.
(2)
انظر: ما سبق من مصادر.
ترك الرفع عنده
(1)
. ويستدل له بأحاديث معلولة، وقد ذكرتها بعللها موضحة في تخريجي لأحاديث الرافعي، فسارع إليه فلا نطول بها فإنها تزيد على كراسة
(2)
.
قال البخاري في كتابه "رفع اليدين في الصلاة" بعد أن أخرجه من طريق على وكذلك روي عن [سبعة]
(3)
عشر نفرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع، وعدد أكثرهم
(4)
.
وزاد البيهقي: جماعات
(5)
. وذكر ابن الأثير في "شرحه" أن ذلك روي عن أكثر من عشرين نفرًا، وزاد فيهم: الخدري
(6)
.
قال الحاكم: ومن جملتهم العشرة المشهود لهم بالجنة
(7)
.
وقال القاضي أبو الطيب: قال أبو علي: روى الرفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نيف وثلاثون من الصحابة.
قلت: وأما حديث "مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْسٍ، اسكنوا في الصلاة"
(8)
فالمراد بالرفع هنا: رفعهم أيديهم عند
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 199، "البناية" 2/ 190، "المدونة" 1/ 71، "التمهيد" 3/ 71 - 73، "الأوسط" 3/ 72، "المهذب" 1/ 238، "المستوعب" 2/ 153.
(2)
"البدر المنير" 3/ 480 - 505. وانظره فندر أن يوجد مثل هذا البحث.
(3)
في الأصل: تسعة، والمثبت من كتاب "رفع اليدين في الصلاة"، وهو الصحيح.
(4)
"رفع اليدين في الصلاة" ص 22 - 23.
(5)
"السنن الكبرى" 2/ 75.
(6)
"الشافي في شرح مسند الشافعي" 1/ 514. قال: منهم: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس، وابن عمر وأبو قتادة وأبو أسيد ومحمد ابن مسلمة وأبو حميد وأبو موسى ومالك بن الحويرث وابن عمرو وابن الزبير ووائل بن حجر وأبو هريرة وأنس بن مالك وجابر وأبو سعيد الخدري وغيرهم.
(7)
قاله الحاكم كما في "نصب الراية" 1/ 417 - 418.
(8)
مسلم (430).
السلام، مشيرين إلى السلام من الجانبين كما صرح به في الرواية الأخرى
(1)
، ثم المشهور أنه لا يجب شيء من الرفع.
وحكي الإجماع عليه
(2)
وحكي عن داود إيجابه في تكبيرة الإحرام
(3)
، وبه قال ابن سيار من أصحابنا
(4)
.
وحكي عن بعض المالكية
(5)
. وحكي عن أبي حنيفة ما يقتضي الإثم بتركه
(6)
، وقال الحميدي: يجب عند الركوع وعند الرفع منه أيضًا، وهو رواية عن الأوزاعي. وقال ابن خزيمة: من ترك الرفع في الصلاة فقد ترك ركنًا من أركانها
(7)
.
وفي "قواعد ابن رشدد": عن بعضهم وجوبه عند السجود أيضًا
(8)
.
ثم اختلفت الروايات في صفة الرفع ففي رواية الباب إلى حذو المنكبين. والمنكب: مجمع عظم العضد والكتف.
وفي رواية لمسلم أنه رفعهما حتى حاذى بهما أذنيه
(9)
. وفي أخرى: فروع أذنيه
(10)
. وجمع الإِمام الشافعي بينهما بأنه عليه السلام جعل كفيه محاذيًا
(1)
رواه مسلم (431).
(2)
انظر: "المجموع" 3/ 262.
(3)
انظر: "المحلى" 3/ 236.
(4)
انظر: "المجموع" 3/ 262.
(5)
اَ نظر: "المعونة" 1/ 92، "المنتقى" 1/ 142.
(6)
انظر: "البحر الرائق" 1/ 527.
(7)
ابن رجب في "الفتح" 6/ 322: حكاه الحاكم في "تاريخ نيسابور" عن خاله أبي علي المؤذن -وأثنى عليه- أنه سمع ابن خزيمة يقوله.
(8)
"بداية المجتهد" 1/ 257.
(9)
"صحيح مسلم"(391/ 25) باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام ..
(10)
"صحيح مسلم"(391/ 26).
منكبيه وأطراف أصابعه أعلى أذنيه وإبهاميه شحمتي أذنيه
(1)
، فاستحسن الناس ذلك منه، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق
(2)
.
وروي عن مالك: إلى صدره. وعن أبي حنيفة أنه يرفع حذو الأذنين.
وعن طاوس أنه يرفع يديه حتى يجاوز بهما رأسه.
وفيه حديث ذكره ابن عبد البر فقال: روي عنه عليه السلام الرفع مدًا فوق الأذنين مع الرأس، ثم ذكر غير ذلك وقال: كلها آثار محفوظة مشهورة
(3)
.
وعن الطحاوي أن الرفع إلى الصدر والمنكبين في زمن البرد وإلى الأذنين وفوق الرأس في زمن الحر؛ لأن أيديهم في زمن البرد تكون ملفوفة في ثيابهم، وفي غيره تكون بادية. واعتمد رواية نافع: الرفع إلى الأذنين. وحمل رواية المنكبين أنهم فعلوا ذلك في البرد
(4)
. ويمنع من ذلك رواية سفيان بن عيينة الواقع فيها: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه. قال وائل ثم أتيتهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس. كذا رواه الشافعي والحميدي عن سفيان
(5)
. وهي مصرحة أن الرفع إلى المنكبين كان في
(6)
الشتاء. وقال ابن سريج: هذا من الاختلاف في المباح.
(1)
انظر: "حلية العلماء" 2/ 81، "روضة الطالبين" 1/ 231، "المجموع" 3/ 263.
(2)
انظر: "المعونة" 1/ 92، "بداية المجتهد" 1/ 259، "المستوعب" 2/ 134، "الشرح الكبير" 3/ 418.
(3)
"التمهيد" 9/ 229.
(4)
"شرح معاني الآثار"1/ 197.
(5)
"الأم" 7/ 200، "مسند الشافعي" 1/ 73 (214)، "مسند الحميدي" 2/ 136 (909). ورواه أيضًا البيهقي 2/ 24.
(6)
لعله سقط (غير) فالسياق يقتضيها.
واختلف في وقت الرفع، فظاهر رواية البخاري أنه يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير، ولم يتعرض فيها لوقت وضعهما.
وفي رواية لمسلم أنه رفعهما
(1)
ثم كبر
(2)
. وفي رواية له: ثم رفع يديه
(3)
فهذِه حالات فُعلت؛ لبيان جواز كل منها، وهي أوجه لأصحابنا، أصحها الابتداء مع الابتداء، أعني: ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير، وبه قال أحمد
(4)
.
وهو مشهور مذهب مالك
(5)
والاستحباب في الانتهاء.
وعن الجويني -ونسبه الغزالي إلى المحققين-: أن هذِه الكيفيات كلها سواء ولا أولوية، فقد صحت الروايات بها كلها
(6)
.
فائدة في حكمة الرفع:
قال الشافعي: فعلته إعظامًا لجلال الله واتباعًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجاء ثواب الله. وذكر غيره فيه معاني ذكرتها في "شرح العمدة" ولتراجع منه، وذكرت فيه فروعًا متعلقة بالرفع أيضًا
(7)
.
وقوله: "وقال سمع الله لمن حمده" قد سلف الكلام عليه.
وقوله: (ولا يفعل ذلك في السجود) أي: لأنه لا يرفع يديه في ابتداء السجود والرفع منه كما صرح به بعد في باب، إلى أين يرفع
(1)
في هامش الأصل: من خط الشيخ: قال في "المبسوط": وعليه أكثر مشايخنا، يعني الحنفية.
(2)
مسلم (390/ 23) باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين.
(3)
مسلم (391/ 24).
(4)
"المغنى" 2/ 215.
(5)
انظر: "التمهيد" 3/ 229.
(6)
"المجموع" 3/ 419 - 420.
(7)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 3/ 64 - 80.
رأسه
(1)
، وبه قال أكثر الفقهاء. وخالف فيه بعضهم.
وصح في النسائي من حديث أبي قلابة، وصححه بعضهم، ووهم فغلط من قوله: كان يكبر في كل خفض ورفع إلى الرفع.
ولبندار: ولا
(2)
يفعل ذلك بين السجدتين
(3)
.
قال الدارقطني: وهم فيه، وقول ابن سنان: ولا يفعل ذلك في السجود أصح
(4)
.
(1)
يأتي هذا في حديث (738) باب: إلى أين يرفع يديه؟
(2)
في هامش (س) تعليق: حذف: لا. هو الصواب، وانظر ما بعده تعلم ذلك.
(3)
في "سنن النسائي" 2/ 206 من حديث مالك بن الحويرث، وليس في إسناده أبو قلابة، ولكنه من طريق قتادة، عن مضر، عنه. وليس فيه (ولا) كما أشار إليه في هامش الأصل في التعليق السابق، ومما يؤكد أنه الذي يعنيه المصنف أن شيخ النسائي فيه هو بندار محمد بن المثنى.
(4)
لم أقف على كلامه، وفي "سننه" روى حديث مالك بن الحويرث المشار إليه في التعليق السابق ثم أتبعه بحديث أبي موسى الأشعري، وقع في آخره:"ولا يرفع بين السجدتين". اهـ. والله اعلم.
84 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ
736 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَقُولُ:"سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ .. [انظر: 735 - مسلم: 390 - فتح: 2/ 219]
737 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ هَكَذَا. [مسلم: 391 - فتح: 2/ 219]
ذكر فيه من حديث الزهري أيضًا. عن سَالِم، عَنْ أبيه الحديث نحوه.
حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أبنا عَبْدُ اللهِ أبنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ورواه عن ابن عمر نافعٌ أيضًا، وزاد في روايته، كما ستعلمه في باب: رفع اليدين إذا قام من الركعتين: وإذا قام من الركعتين رفع يديه
(1)
، ورواه عن الزهري وسليمان الشيباني، واشتهر عن الزهري فرواه عنه عشرة: مالك، ويونس، وشعيب بن أبي حمزة، وابن عيينة، وابن جريج، وعقيل، والزبيدي، ومعمر،
(2)
وعبيد الله بن عمر، ومحمد بن أبي حفصة
(3)
.
واشتهر عن مالك فرواه عنه جماعة منهم: القعنبي، ويحيى بن يحيى
(1)
تأتي هذِه الرواية برقم (739).
(2)
في هامش (س) ما نصه: من خط الشيخ: أخرجه وما بعده الأربعة.
(3)
عدَّ هؤلاء الرواة ابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 210 - 211 وزاد قوله: كما رواه ابن وهب ومن ذكرنا معه من أصحابه مالك ا. هـ.
الأندلسي، ولم يذكر فيه الرفع عند الانحطاط إلى الركوع، وتابعه على ذلك جماعات، ورواه عشرون نفسًا بإثباته كما ذكرهم الدارقطني في "جمعه لغرائب مالك"
(1)
التي ليست في "الموطأ".
وقال جماعة: إن الإسقاط إنما أتى من مالك، وهو الذي كان أوهم فيه، نقله ابن عبد البر قال: وهذا الحديث أحد الأحاديث الأربعة التي رفعها سالم عن ابن عمر، ووقفها نافع عن ابن عمر، منها ما جعله من قول ابن عمر وفعله، ومنها ما جعله عن ابن عمر عن عمر، والقول منها قول سالم، ولم يلتفت الناس فيها إلى نافع، فهذا أحدها
(2)
.
وذكر بعده حديث أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي أَنَّهُ رَأى مَالِكَ ابْنَ الحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صَنَعَ هَكَذَا.
وأخرجه مسلم من هذا الوجه، وفيه: أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ثم رفع، بلفظ: ثم، وأخرجه أيضًا من طريق آخر عن أبي قلابة
(3)
وقد سلف فقهه في الباب قبله.
(1)
انظر: "أطراف الغرائب والأفراد" 3/ 362.
(2)
"التمهيد" 9/ 212.
(3)
"صحيح مسلم"(391).
85 - باب إِلَى أَيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
؟
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ في أصْحَابِهِ: رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ.
738 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَال: أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَإِذَا قَالَ:"سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ: "رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ. [انظر: 735 - مسلم: 390 - فتح: 2/ 221]
هذا الحديث يأتي قريبًا في باب سنة الجلوس في التشهد
(1)
.
ثم ذكر بإسناده حديث سالم عن أبيه كما سلف، وقد أسلفنا الخلاف إلى أين يرفع.
(1)
يأتي برقم (828).
86 - باب رَفْعِ اليَدَيْنِ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْن
739 -
حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ. وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُخْتَصَرًا. . [انظر: 735 - مسلم: 390 - فتح: 2/ 222]
ذكر فيه حديث نافع عن ابن عمر، كما سلف، وفي آخره: وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ. وَيرَفَعَ ذَلِكَ ابن عُمَرَ إلَى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثم قال: ورَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عن أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ ابن طَهْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُخْتَصَرًا.
حديث نافع عن ابن عمر، قال أبو داود: الصحيح قول ابن عمر ليس بمرفوع
(1)
.
وقال الدارقطني: الأشبه الرفع
(2)
، وحديث حماد أسنده البيهقي من طريق عفان عنه
(3)
. وقيل: عن حماد بن زيد فإنما أراد ابن سلمة.
والصحيح: عن حماد بن زيد وقفه.
وحديث إبراهيم
(4)
أسنده البيهقي.
وكذا حديث موسى بن عقبة
(5)
واعترض الأسماعيلي وقال: هذا
(1)
"سنن أبي داود" 1/ 256. عقب حديث (741). وانظر: "صحيح أبي داود"(726).
(2)
"علل الدارقطني" 13/ 15، وفيه: رجح الموقوف على ابن عمر، وعده الصحيح.
(3)
"السنن الكبرى" 2/ 24 باب: من قال: يرفع يديه حذو منكبيه.
(4)
في هامش الأصل: يعني ابن طهمان.
(5)
"السنن الكبرى" 2/ 70 - 71 باب: رفع اليدين عند الركوع.
الباب هو في رفع اليدين إذا قام من الركعتين، وليس هذا في حديث حماد ولا ابن طهمان وإنما في حديثهما حذو منكبيه، ولعل المحدث عن أبي عبد الله دخل له هذا الحرف في هذِه الترجمة.
أما فقه الباب وهو الرفع إذا قام من التشهد الأول فقال به جماعات: ابن المنذر
(1)
، وأبو علي الطبري
(2)
، والبيهقي
(3)
، والبغوي عنه وفي "شرح السنة"
(4)
وغيرهم، وهو مذهب البخاري وغيره من المحدثين، ودليله ما أورده البخاري.
وحديث أبي حميد في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو قتادة، أنه وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيها: وإذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه.
رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح
(5)
، وحديث علي مثله
(1)
"الأوسط" 3/ 201.
(2)
نقله عنه أبو الحسين العمراني في "البيان" 2/ 228 فقال: وقال أبو علي في "الإفصاح": يستحب ذلك -أي: رفع اليدين- كلما قام إلى الصلاة من سجود أو تشهد. وأبو علي الطبري هو: الحسن بن القاسم، الإِمام شيخ الشافعية، الفقيه، صنف "المحرر في النظر" وهو أول كتاج صنف في الخلاف المجرد، والطبري هو أول من جرد الخلاف وصنفه، وصنف كتاب "الإفصاح" وألف في الجدل، وأخذ عنه الفقهاء، وهو صاحب وجه في المذهب، وله مصنفات في "الأصول" انظر تمام ترجمته في:"تاريخ بغداد" 8/ 87، "المنتظم" 7/ 5، "وفيات الأعيان" 2/ 76، "تاريخ الإِسلام" 25/ 440 (731)، "سير أعلام النبلاء" 16/ 62 (43)، "الوافي بالوفيات" 12/ 402.
(3)
انظر: "السنن الكبرى" 2/ 136 - 137، "معرفة السنن والآثار" 2/ 411 - 417.
(4)
"شرح السنة" 3/ 20 - 25 وما بعدها.
(5)
أبو داود (730)، الترمذي (304). وأصله دون هذِه الجملة سيأتي برقم (828).
وانظر: "البدر المنير" 3/ 467 - 468، "صحيح أبي داود"(720).
أخرجه البخاري في كتابه "رفع اليدين " وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح
(1)
.
قال البخاري في كتاب "رفع اليدين": ما زاد عليّ وأبو حميد في عشرة من الصحابة يعني: وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا قام من الركعتين كله صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فتختلف رواياتهم فيها بعينها مع أنه لا اختلاف في ذلك، وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم
(2)
.
وقال البيهقي في "المعرفة": قال الشافعي في حديث أبي حميد: وبهذا نقول. ومذهبه متابعة السنة
(3)
وقول أبي حامد في التعليق: انعقد الإجماع على أنه لا يرفع فيه، قال: واستدللنا بالإجماع على نسخ الحديث. لا يقبل منه فظهر القول باستحبابه.
(1)
"رفع اليدين في الصلاة"(8)، أبو داود (744)، الترمذي (266) ونحوه مطولًا (3423)، ابن ماجه (864). قال المصنف في "البدر" 3/ 466: قال ابن دقيق العيد في "الإمام": ورأيت في "علل الخلال" أن أحمد سئل عن حديث علي بن أبي طالب في الرفع فقال: صحيح. وانظر: "صحيح أبي داود"(729).
(2)
"رفع اليدين في الصلاة" ص 150 (170).
(3)
"معرفة السنن والآثار" 2/ 413 - 414.
87 - باب وَضْعِ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرى في الصلاة
740 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنْمِى ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ. وَلَمْ يَقُلْ: يَنْمِى [فتح: 2/ 224]
ذكر فيه حديث سهل بن سعد قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنْمِى ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ. وَلَمْ يَقُلْ: يَنْمِي.
هذا الحديث من أفراد البخاري، وإسماعيل هذا يشبه أن يكون إسماعيل بن إسحاق
(1)
الراوي عن القعنبي، كما أخرجه البيهقي من طريقه، وقال: ينمي ذلك أو كلمة تشبهها
(2)
، زاد الدارقطني في
(1)
في هامش (س) تعليق نصه: في كونه إسماعيل بن إسحاق القاضي نظر، وما قاله شيخنا رأيته عن مغلطاي في "شرحه" كذلك، ولم يذكر أحد فيما علمت إسماعيل القاضي المالكي فيمن أخرج له البخاري، ولا علق عنه، والقاضي توفي منة 281، ولو قالا: إنه إسماعيل بن أبي أويس لكان أوجه؛ لأنه مكثر عن خاله مالك، ويكون على ما قلته قد اختلف في هذا اللفظ على مالك، والله تعالى أعلم. ثم إني رأيت عن بعض محدثي القاهرة ممن نشأ بعد خروجنا، ورحيلنا عن القاهرة أنه قرأ على شيخنا العراقي، قيل: انه قرأ على ولده صاحبنا الحافظ أبي زرعة أنه تعقبه بهذا التعقيب فوافقني.
(2)
"سنن البيهقي الكبرى" 2/ 28.
وقال الحافظ: إسماعيل هذا هو إسماعيل بن أبي أويس المدني، ابن أخت مالك، وأحد المكثرين عنه، وقرأت بخط الشيخ: ابن أخت مالك، وأحد المكثرين عنه، وقرأت بخط الشيخ مغلطاي: يشبه أن يكون إسماعيل هذا هو إسماعيل بن إسحاق الراوي عن القعنبي، وكأن الذي أوقعه في ذلك ما رواه =
"موطآته": وقال يوسف عن مالك يرفع ذلك. وقال ابن وهب: ينمي يعني: يرفع. وقال أبو العباس أحمد بن طاهر الداني في "أطراف الموطأ": هذا حديث معلول؛ لأنه ظن وحسبان
(1)
.
وقال ابن الحصار
(2)
في "تقريب المدارك": هذا يدخل في المسند وإن بقي في النفس منه شيء، ويعضده أحاديث كثيرة في الباب منها حديث قبيصة بن هُلب عن أبيه أخرجه ابن ماجه، والترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان
(3)
.
= الجوزقي في "المتفق": أنا أبو القاسم بن بالويه، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا عبد الله بن مسلمة، فذكر مثل ما روي البخاري عن عبد الله بن مسلمة القعنبي سواء، وزاد في آخره: قال القعنبي: يرفعه، وهذا دليل على أن إسماعيل عند البخاري ليس هو القاضي؛ لأنه لم يخالف البخاري في سياقه، وقد راجعت كتاب:"الموطآت واختلاف ألفاظها" للدارقطني فلم أجد طريق إسماعيل بن أبي أويس فيه فينظر، ورواه معن عن مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم رواهما الدارقطني في "غرائب مالك" وإسناده صحيح، وهو"الموطأ" موقوف صورة، ولكن حكمه حكم الرفع. اهـ. "تغليق التعليق" 2/ 306 - 307.
وقال نحوًا من هذا الكلام في "الفتح" 2/ 325 وجزم أيضًا بأنه ابن أبي أويس، وزاد قائلًا: ولم يذكر أحد أن البخاري روى عن إسماعيل بن إسحاق، وهو أصغر سنًا من البخاري وأحدث سماعًا، وقد شاركه في كثير من مشايخه البصريين القدماء، لعل الحافظُ في جزمه بأنه ابن أبي أويس تبع، الحميديَّ فقد قال في:"الجمع بين الصحيحين" 1/ 558 (930): وفي رواية إسماعيل بن أبي أويس عن مالك: ينمي ذلك، ولم يقل ينمى. وممن جزم أيضًا بذلك الحافظ ابن رجب في "الفتح" 6/ 359، وكذلك الحافظ السيوطي في "التوشيح" 2/ 743 ويبدو أنه تبع فيه الحافظ وتقدمت إشارة سبط في حاشية على الأصل.
(1)
"أطراف الموطأ" 3/ 108.
(2)
تقدمت ترجمته في حديث (175).
(3)
الترمذي (252)، وابن ماجه (809)، ورواه ابن حبان كما في "إتحاف الخيرة المهرة" 13/ 636 (17237) وليس هو في المطبوع من "صحيح ابن حبان".
وقال ابن عبد البر
(1)
: فيه آثار ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها هذا الحديث، ومنها: حديث وائل في مسلم
(2)
، ومنها: حديث ابن مسعود في ابن ماجه
(3)
، وهو حديث صحيح كما قال ابن القطان وغيره
(4)
.
ومنها حديث جابر
(5)
صححه ابن القطان
(6)
، وغير ذلك من الأحاديث
(7)
.
وعن عليّ في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر: 2] قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة تحت الصدر: أخرجه الدارقطني
(8)
.
وإنما لم يذكر في حديث المسيء صلاته
(9)
؛ لأنه علمه الواجبات.
(1)
"التمهيد" 20/ 71 - 80.
(2)
مسلم (401).
(3)
ابن ماجه (811) والحديث رواه أبو داود (755)، والنسائي 2/ 126.
(4)
"بيان الوهم والإيهام" 5/ 339 - 342 وقد صححه ابن القطان، وردَّ ما ذكره عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" 1/ 369 من تضعيف لهذا الحديث.
وقال النووي في "المجموع" 3/ 269: رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 324: إسناده حسن. وكذا قال الألباني في "صحيح أبي داود"(736).
(5)
رواه أحمد 3/ 381، وابن عدي في "الكامل" 2/ 50.
(6)
"بيان الوهم والإيهام" 5/ 341 - 342 وفيه رد أيضًا على عبد الحق الأشبيلي، حيث أشار إلى ضعف الحديث في "الأحكام" 1/ 369. وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 104: رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 3/ 343: رجاله ثقات رجال مسلم، غير محمد بن الحسن، فمن رجال البخاري. وانظر:"علل الدارقطني" 5/ 338 - 339.
(7)
انظر: شيئًا منها في "فتح الباري" لابن رجب 6/ 360 - 363 وقال: لا تخلو أسانيدها من مقال.
(8)
"سنن الداوقطنى" 1/ 285.
(9)
سيأتي قريبًا برقم (757).
أما حكم الباب: فهو سنة عندنا، وبه قال الصديق وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة وعائشة وآخرون من الصحابة وسعيد بن جبير والنخعي وأبو مجلز
(1)
وآخرون من التابعين وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأبو عبيد وابن جرير وجمهور العلماء
(2)
.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
(3)
.
وحكى ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير والحسن البصري والنخعي أنه يرسلهما
(4)
، وحكاه القاضي أبو الطيب أيضًا عن ابن سيرين.
وحكى ابن حزم عن ابن سيرين عدمه
(5)
.
وقال الليث: يرسلهما فإن طال ذلك عليه وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة.
وقال الأوزاعي: هو مخير بين الوضع والإرسال والأشهر عن مالك: الإرسال؛ لأن الأخذ عمل في الصلاة، وربما يغفل صاحبه وربما دخله ضرب من الرياء، والخشوع هو الإقبال على الله والإخلاص ولا نسلم أن وضعهما منه
(6)
.
وفي "المدونة": يكره فعله في الفرض دون النفل إذا طال القيام
(7)
.
(1)
رواه عنهم ابن أبي شيبة 1/ 343 (3940، 3942، 3944، 3945، 3946).
(2)
انظر: "الهداية" 1/ 51، "بداية المجتهد" 1/ 264 - 265، "حلية العلماء" 2/ 81 - 82، "المجموع" 3/ 267 - 269، "الشرح الكبير" 3/ 422 - 423.
(3)
"سنن الترمذي" 2/ 33.
(4)
"الأوسط" 3/ 92.
(5)
"المحلى" 4/ 114.
(6)
"شرح ابن بطال" 2/ 358، وانظر:"المصنف" 2/ 343 - 344.
(7)
"المدونة" 1/ 76.
وروى ابن بطال عن سعيد بن جبير أنه رأى رجلًا يصلي واضعًا يمينه على شماله فذهب ففرق بينهما
(1)
، وإذا قلنا بأخذ اليمين باليسار فيكون ذلك تحت الصدر وفوق السرة؛ لحديث وائل بن حجر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره، رواه ابن خزيمة في "صحيحه"
(2)
، وللبزار: عند صدره
(3)
.
وقال أبو إسحاق المروزي: يجعل يديه تحت سرته وفيه حديث في الدارقطني ضعيف
(4)
وبه قال أبو حنيفة
(5)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 358، والأثر رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 344 (3953).
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 432 (479) وقال الألباني في (479): إسناده ضعيف؛ لأن مؤملًا، وهو ابن إسماعيل سيء الحفظ. والحديث أصله في مسلم بغير هذا الإسناد برقم (401).
(3)
"كشف الأستار"(268).
(4)
"سنن الدارقطني" 1/ 286 من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد بن زيد السوائي عن أبي جحيفة، وعن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد كلاهما عن علي. ورواه أيضًا أبو داود (756)، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" 1/ 110 (875)، والبيهقي 2/ 31 من الطريق الأول. ورواه البيهقي 2/ 31 من الطريق الثاني. قال الدارقطني 2/ 31 - 32: عبد الرحمن بن إسحاق هذا هو الواسطي القرشي، جرحه أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم، وهو متروك. وقال في "المعرفة" 2/ 341: لم يثبت إسناده، تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق وهو متروك. وضعف الحديث أيضًا ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 5/ 26 - 27 (2263): وقال النووي في "المجموع" 3/ 270، وفي "شرح مسلم" 4/ 115، وفي "خلاصة الأحكام" 1/ 358 - 359 (1097): حديث متفق على تضعيفه؛ لأنه من رواية عبد الرحمن بن إسحاق، منكر الحديث، مجمع على تضعيفه. وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 128: إسناده ضعيف. وقال في "التلخيص" 1/ 272: فيه عبد الرحمن بن إسحاق وهو متروك وقال الألباني في "ضعيف أبي داود"(129): إسناده ضعيف.
(5)
"الأصل" 1/ 70، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 202.
وحكي عن أحمد أيضًا
(1)
وقال ابن المنذر: في غير "الإشراف" وأظنه في "الأوسط": لم يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مخير بينهما
(2)
.
وقال الترمذي: كل ذلك واسع عندهم
(3)
.
فعلى الأول: يضع كف يمينه على يساره قابضًا كوعها وبعض رسغها: وهو المفصل وساعدها.
قال القفال: ويتخير بين بسط أصابع يمينه في عرض المفصل وبين نشرها في صوب الساعد. وقيل: يضع كفه اليمنى على زراعه الأيسر
(4)
، قاله بعض الحنفية، والأصح عندنا أنه يحط يديه بعد التكبير تحت صدره. وقيل: يرسلهما ثم يستأنف فعلهما إلى تحت صدره.
وعند محمَّد بن الحسن: يضعهما بعد الثناء
(5)
. وقال الصفار: يرسلهما إلى أن يفرغ من الثناء والتسبيح.
قال الشافعي في "الأم": والقصد من وضع اليمين على اليسار: تسكين يديه فإن أرسلهما ولم يعبث فلا بأس
(6)
.
وادعى المتولي أن ظاهر المذهب أن إرسالهما مكروه.
(1)
انظر: "الممتع" 1/ 415، "المغنى" 2/ 140.
(2)
"الأوسط" 3/ 94.
(3)
"سنن الترمذي" 2/ 33.
(4)
انظر: "المجموع" 3/ 232.
(5)
انظر: "البناية" 2/ 209.
(6)
"الأم" 1/ 211 بنحوه ومعناه.