الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
88 - باب الخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ
741 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا؟ وَاللهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا خُشُوعُكُمْ، وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي". [انظر: 418 - مسلم: 424 - فتح: 2/ 225]
742 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي -وَرُبَّمَا قَالَ: مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي - إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ". [انظر:419 - مسلم: 425 - فتح: 2/ 225]
ذكر فيه قوله تعالى: {والَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}
(1)
وحديث أبي هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا؟ والله مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكوعُكُمْ وَلَا خُشُوعُكُمْ، وَإِنِّي لأَرَاكُمْ من وَرَاءَ ظَهْرِي".
هذا الحديث تقدم في باب: عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة
(2)
.
ثم ساق بعده حديث أنس نحوه. وقد سلف هناك أيضًا من وجه آخر عن أنس
(3)
.
والخشوع في الصلاة مأمور به، قال تعالي:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنُونَ:1 - 2].
(1)
كذا بالأصل وليست في نسخ البخاري المطبوعة، ولا إشارة لها في "اليونينية".
(2)
برقم (418) كتاب: الصلاة.
(3)
برقم (419) كتاب: الصلاة، باب: عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، وذكر القبلة.
قال ابن عباس: يعني: خائفين ساكنين
(1)
.
وعن عليّ: الخشوع في القلب وأن لا تلتفت في صلاتك
(2)
. وفي الحديث -في شخص عبث في صلاته-: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه"
(3)
.
(1)
رواه الطبري في "تفسيره" 9/ 198 (25428).
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" 9/ 197 (25421).
(3)
رواه ابن المبارك في "الزهد"(1188)، وعبد الرزاق في "المصنف" 2/ 266 - 267 (3308 - 3309)، وابن أبي شيبة 2/ 87 (6786)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" 1/ 194 (151) من طرق عن سعيد بن المسيب، من قوله.
وكذا ذكره البيهقي 2/ 285 دون إسناد.
ورواه المروزي (150) عن حذيفة، قوله: أي: موقوفًا.
ورواه الحكيم الترمذي في "النوادر" كما في "فيض القدير" 5/ 406 عن أبي هريرة، مرفوعًا.
وكذا عزاه العراقي في "تخريج الإحياء" 1/ 105 (401)، والسيوطي في "الجامع الصغير"(7447)، ورمز لضعفه، والمتقي الهندي في "كتر العمال" 3/ 144 (5891).
قال العراقي: سنده ضعيف، والمعروف أنه من قول سعيد بن المسيب رواه ابن أبي شيبة، وفيه رجل لم يسم. وقال المناوي في "الفيض" 5/ 406: قال الزين العراقي في "شرح الترمذي": في إسناده سليمان بن عمر، وهو أبو داود النخعي متفق على ضعفه، وإنما يعرف هذا عن ابن المسيب. اهـ. بتصرف.
وأورده الهندي في "الكنز" 8/ 197 (22530) عن علي مرفوعًا، وعزاه للعسكري في "المواعظ" وقال: فيه: زياد بن المنذر متروك. والحديث خرجه الألباني في "الإرواء"(373)، و"السلسلة الضعيفة" (110) وصدَّر التخريج بقوله: موضوع.
ثم قال في "الإرواء" 2/ 93: لا يصح لا مرفوعًا ولا موقوفًا، والمرفوع أشد ضعفًا بل هو موضوع. وقال في "الضعيفة" 10/ 228: فالحديث موضوع مرفوعًا ضعيف موقوفًا، بل مقطوعًا، ثم وجدت لحديث سعيد طريقًا آخر، فقال: حدثنا سعيد بن خيثم، قال: حدثنا محمَّد بن خالد، عن سعيد بن جبير، قال: انظر سعيد إلى رجل وهو قائم يصلي
…
إلخ، قلت: وهذا إسناد جيد، يشهد لما تقدم عن العراقي أن الحديث معروف عن ابن المسيب. اهـ بتصرف.
وفي "صحيح مسلم" من حديث جابر بن سمرة: "اسكنوا في الصلاة"
(1)
.
وفيه أيضًا: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة"
(2)
.
وفيه أيضًا في آخر حديث: "إن قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده الذي هو أهله وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه"
(3)
.
وذهب بعض العلماء إلى اشتراط الخشوع وذلك في جزء من صلاته، وحسب الإنسان أن يقبل على صلاته بقلبه ونيته ويريد بذلك وجه الله تعالى، ولا طاقة له فيما أعرض من الخاطر.
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: إني لأجهز جيشي في الصلاة
(4)
.
وعنه إني لأحسب جزية البحرين وأنا في صلاتي
(5)
.
ثم الحديث دال على النهي عن نقصان الركوع والسجود لتوعد الشارع على ذلك، وقد يحتج به من يرى أن الطمأنينة في الركوع والسجود ليست فرضًا حيث لم يأمرهم بالإعادة- وسيأتي الكلام فيه في بابه.
وفيه: جواز الحلف من غير استحلاف.
(1)
"صحيح مسلم"(430) كتاب: الصلاة، باب: الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة ..
(2)
"صحيح مسلم"(234) كتاب: الطهارة، باب: الذكر المستحب عقب الوضوء.
(3)
"صحيح مسلم"(832) كتاب: صلاة المسافرين، باب: إسلام عمرو بن عبسة.
(4)
روى ذلك ابن أبي شيبة 2/ 188 (7951) كتاب: الصلوات، باب: في حديث النفس في الصلاة.
(5)
المصدر السابق برقم (7950).
89 - باب مَا يَقرأ بَعْدَ التَّكْبِيِر
743 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2]. [مسلم: 399 - فتح: 2/ 226]
744 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ:"أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ" .. [مسلم: 598 - فتح: 2/ 227]
ذكر فيه حديثين:
أحدهما:
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَن أَنَس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} .
وهو حديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة
(1)
رواه عن أنس جماعة منهم قتادة وإسحاق بن عبد الله ومنصور بن زاذان وأيوب على اختلاف فيه، وأبو نعامة قيس بن عباية الحنفي وعائذ بن شريح بخلاف عنه، والحسن وثابت البناني.
(1)
مسلم (399) كتاب: الصلاة، باب: حجة من قال لا يجهر بالبسملة، وأبو داود (782) كتاب: الصلاة، باب: من لم ير الجهر ببسم الله، والترمذي (246) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في افتتاح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} ، والنسائي 2/ 135 كتاب: الافتتاح، باب: ترك الجهر ببسم الله ..
وأما حديث قتادة فرواه شعبة وهشام وأبو عوانة وأيوب وسعيد بن أبي عروبة والأوزاعي وشيبان، رواه عن شعبة خلق: حفص بن عمر كما سلف عن البخاري.
وفي رواية عنه: القراءة بدل الصلاة
(1)
.
وعن شعبة أيضًا غندر في مسلم، ولفظه: صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم
(2)
، ورواه أبو يعلي بلفظ: فلم يكونوا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم
(3)
.
قال الدارقطني في "سننه": وكذا رواه معاذ بن معاذ، وعدّد جماعةً عن شعبة مثل قول غندر وعلي بن الجعد، عن شعبة سواء.
ورواه وكيع وأبو قيس عامر، عن شعبة بلفظ: فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم، قال: وتابعه عبيد الله بن موسى، عن شعبة، وهمام، عن قتادة. ورواه من طريق زيد بن الحباب، عن شعبة. وفيه: فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
قال: ورواه يزيد بن هارون، وعدّد جماعةً، ثم قال: وغيرهم عن شعبة كانوا يفتتحون القراءة، وكذا رواه الأعمش، عن قتادة وثابت، عن أنس
(4)
قلت: وأخرجه أبو نعيم من حديث أبي داود عنه قال شعبة: قلت لقتادة أنت سمعته منه؛ قال: نعم، نحن سألناه. وحديث هشام، عن قتادة أخرجه أبو داود بلفظ: القراءة
(5)
.
(1)
رواها مسلم برقم (399/ 52).
(2)
"صحيح مسلم"(399/ 50).
(3)
"مسند أبي يعلى" 5/ 360 (3005) و 6/ 18 (3245).
(4)
انظر: "سنن الدارقطني" 1/ 315 - 316 بنحوه.
(5)
"سنن أبي داود" برقم (782) كتاب: الصلاة، باب: من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وحديث أبي عوانة أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ: القراءة. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح
(1)
.
وحديث أيوب أخرجه الشافعي والنسائي وابن ماجه بلفظ: القراءة. عدا النسائي، فلفظه: فافتتحوا بالحمد
(2)
، قال الدارقطني: اختلف فيه علي (أيوب)
(3)
، فقيل: عن قتادة، عن أنس، وقيل: عن أبي قلابة، عن أنس، وقيل: عن أيوب، عن أنس، قال: وعسى أن يكون القولان محفوظان
(4)
.
وحديث ابن أبي عروبة أخرجه النسائي بلفظ: يجهر
(5)
.
وحديث الأوزاعي أخرجه مسلم حدثنا محمد بن مهران، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك
(6)
.
وعن قتادة
(7)
أنه كتب إليه يخبره عن أنس أنه حدثه، فقال: صليت
خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ
(1)
"سنن الترمذي"(246) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، "سنن النسائي" 2/ 133 كتاب: الافتتاح، باب: البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة، "سنن ابن ماجه" (813) كتاب: إقامه الصلاة، باب: افتتاح القراءة.
(2)
"مسند الشافعي" 1/ 78 (219)، النسائي 2/ 133، ابن ماجه (813).
(3)
"علل الدارقطني" 12/ 161 - 162.
(4)
وقع في الأصل: أبي أيوب. خطأ.
(5)
"سنن النسائي" 2/ 135.
(6)
مسلم (339/ 52).
(7)
في هامش الأصل: من خط الشيخ: هو قول الأوزاعي كما صرح به الحميدي في "جمعه".
رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها
(1)
.
وعن الأوزاعي، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك يذكر ذلك، وليس للأوزاعي، عن قتادة، عن أنس في الصحيح غير هذا
(2)
، وحديث شيبان أخرجه النسائي بلفظ: يجهر
(3)
.
قال البيهقي عقب حديث: كانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ} هذا اللفظ أولى أن يكون محفوظًا، فقد رواه أصحاب قتادة عن قتادة بهذا اللفظ، منهم: حميد الطويل وأيوب السختياني وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وأبان بن يزيد العطار وحماد بن سلمة وغيرهم، وقال: قال الدارقطني وهو المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس
(4)
.
وأما حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس فأخرجه مسلم كما سلف
(5)
. وحديث منصور، عن أنس أخرجه النسائي وقال: فلم يسمعنا قراءتها
(6)
.
وحديث أيوب ذكره الدارقطني كما سلف، وحديث أبي نعامة أخرجه البيهقي بلفظ: لا يقرءون. بمعنى: لا يجهرون بها. وفي لفظ: لا يقرءون. فقط
(7)
.
(1)
"صحيح مسلم"(399/ 52).
(2)
السابق.
(3)
النسائي 2/ 135 من طريق شعبة وابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس.
(4)
"سنن البيهقي الكبرى" 2/ 51.
(5)
مسلم (399/ 52).
(6)
"سنن النسائي" 2/ 135.
(7)
"السنن الكبرى" 2/ 52 كتاب: الصلاة، باب: من قال لا يجهر بها.
وقال البيهقي: أبو نعامة قيس بن عباية لم يحتج به الشيخان والله اعلم.
وحديث عائذ بن شريح قال الدارقطني: اختلف عنه فقيل عنه عن أنس، وقيل: عنه عن ثمامة، عن أنس
(1)
.
وحديث الحسن، عن أنس رواه الطبراني بلفظ: كان يسر بها
(2)
.
وحديث ثابت ذكره البيهقي
(3)
.
إذا تقرر ذلك:
فالمراد بافتتاح الصلاة: القراءة، والقراءة تسمى صلاة. قال تعالى {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110].
وقال صلى الله عليه وسلم: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"
(4)
فذكر فاتحة الكتاب ولو كان ما ترجم به الباب لكان حديثه الثاني فيما يقول بين التكبير والقراءة مرفوعًا بهذا وهذا بذاك؛ لأن هذا قول شيء بعد التكبير سوى الفاتحة.
وقد تمسك بالحديث أصحاب مالك وغيرهم على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة، وأنها ليست منها
(5)
وتأوله الشافعي.
والأكثرون القائلون بأنها من الفاتحة
(6)
على أن المراد: يستفتح القراءة بسورة الحمد لا بسورة أخرى.
وقد قامت أدلة على أن البسملة منها في عدة أحاديث، وقد صنف
(1)
"علل الدارقطني" 12/ 162.
(2)
"المعجم الكبير" 1/ 255 - 256 (739). وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 108 رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" ورجاله موثقون.
(3)
"سنن البيهقي" 2/ 51.
(4)
رواه مسلم برقم (395) كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(5)
"المدونة" 1/ 68، "عيون المجالس" 1/ 292، "المنتقى" 1/ 150.
(6)
"الأم" 1/ 93، "الأوسط" 3/ 119 - 125، "المجموع" 3/ 289.
في ذلك وفي الجهر بها: سليم الرازي
(1)
والخطيب
(2)
حتى ابن عبد البر من المالكية
(3)
. وشفي فيها أبو شامة في مجلد
(4)
.
(1)
سليم الرازي هو ابن أيوب، تقدمت ترجمته في باب: إمامة العبد والمولى. ومصنفه المشار إليه هو كتاب "البسملة". قال الذهبي في ترجمته من "السير" 17/ 647: وله كتاب: "البسملة" سمعناه. اهـ. وقيل اسمه "المقنعة في البسملة" أشار إليه أبو شامة في كتابه الآتي التعريف به، وقد أشار المصنف إليه أيضًا في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 3/ 35.
(2)
تقدمت ترجمة الخطيب في المقدمة، وتقدم ذكره مرارًا وتكرارًا. ومصنفه المشار إليه هو كتاب "البسملة وأنها من الفاتحة" هكذا ذكره الذهبي في "السير" 18/ 291، وفي "تاريخ الإسلام" 31/ 98، وكذا الصفدي في "الوافي بالوفيات" 7/ 198. وذكره ابن الجوزي في "المنتظم" 8/ 266 باسم:"لهج الصواب في أن التسمية من فاتحة الكتاب" وذكره ياقوت في "معجم الأدباء" 1/ 500 باسم: "منهج الصواب في أن التسمية من فاتحة الكتاب" وفي "المستفاد من تاريخ بغداد" ص 59 باسم: "منهج -أو نهج- سبيل الصواب في أن التسمية آية في فاتحة الكتاب".
وللخطيب كتاب آخر اسمه "الجهر بالبسملة" ذكره الذهبي في "السير" 18/ 291 وفي "تاريخ الإسلام" 31/ 98، والصفدي 7/ 198، وابن الجوزي 8/ 226، وياقوت 1/ 500. ووجه ابن الجوزي انتقادًا لهذا الكتاب فقال: ثم تجرد الخطيب لجمع أحاديث الجهر، فأزرى على علمه بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف، وقد حصرنا ما ذكره وبينا وهنه ووهيه على قدر ما يحتمله التعليق. اهـ. "التحقيق" 1/ 357.
ولمحمد بن عبد الهادي الحنبلي كتاب في الرد على كتاب الخطيب هذا، ذكر ذلك في "التنقيح" 2/ 831.
وللحافظ الذهبي كتاب "مختصر الجهر بالبسملة" للخطيب مطبوع. وممن ذكر أن للخطيب تصنيف في هذا الباب الحافظ ابن رجب في "الفتح" 6/ 407، والمصنف في "الإعلام" 3/ 35.
(3)
تقدمت ترجمة ابن عبد البر في المقدمة، وتقدم ذكره أيضًا كثيرًا جدًّا، ومصنفه المشار إليه هو كتاب:"الإنصاف فيما بين علماء المسلمين في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب من الاختلاف"، وهو مطبوع.
(4)
أبو شامة هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، الإِمام العلامة =
وعندنا وعند أحمد أنها آية منها
(1)
.
وقال أبو حنيفة ومالك: ليست آية منها ولا من غيرها
(2)
.
وعندنا يستحب الجهر بها في ما يجهر فيه
(3)
. وبه قال أكثر العلماء.
وخالف أحمد
(4)
(5)
وأبو حنيفة
(6)
. ثم الأحاديث الواردة في الجهر كثيرة
= ذو الفنون، شهاب الدين، أبو القاسم، المقدسي الأصل الدمشقي، الشافعي، الفقيه- المقرئ، النحوي.
كتب الكثير من العلوم وأتقن الفقه ودرس وأفتى، وبرع في فن العربية، وصنف في القراءات شرحًا نفسيًا للشاطبية، واختصر ""تاريخ دمشق" مرتين، وله كتاب "ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري" وكتاب "البسملة" وكتاب "السواك" وكتاب "الأصول من الأصول"، وكان فوق حاجبه الأيسر شامة كبيرة توفي أبو شامة سنة خمس وستين وستمائة.
انظر تمام ترجمته في: "تاريخ الإسلام" 49/ 194 (164)، "الوافي بالوفيات" 18/ 113 (128)، "فوات الوفيات" 23/ 269 (251)، "كشف الظنون" 2/ 1402.
وقد ذكر أصحاب الكتب الأربعة المذكورة كتاب "البسملة" ضمن مؤلفات أبي شامة.
تتمة: وممن صنف أيضًا في هذا الباب: محمَّد بن نصر المروزي، كما في "المجموع" 3/ 299، وابن خزيمة واسم كتابه "المسألة في البسملة" أشار إليه في "صحيحه" 1/ 428، وابن حبان كما في "المجموع" 3/ 299، والدارقطني واسم كتابه "الجهر بالبسملة في الصلاة" أشار إليه في "سننه" 1/ 311، والحاكم له كتاب "البسملة"، أشار إليه في "المستدرك" 1/ 234، والبيهقي كما في "المجموع" 3/ 299 وغير ذلك.
(1)
انظر: "الأم" 1/ 93، وعن أحمد روايتان انظر "المغني" 2/ 151 - 152.
(2)
انظر: "المبسوط" 1/ 15، "عيون المجالس" 1/ 292.
(3)
انظر: "المجموع" 3/ 289.
(4)
في هامش الأصل تعليق نصه: من خط الشيخ: استثنى شهر رمضان في الفواصل بين السورة والفاتحة.
(5)
انظر: "المغني" 2/ 150.
(6)
"الأصل" 1/ 31.
متعددة عن جماعة من الصحابة يرتقي عددهم إلى أحد وعشرين صحابيًا رووا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم من صرح بذلك ومنهم من فهم من عبارته ولم يرد تصريح بالإسرار عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا روايتان أحدهما: عن ابن مغفل وهي ضعيفة
(1)
. والثانية: عن أنس وهي معللة بما أوجب سقوط
(1)
رواه الترمذي (244)، وابن ماجه (815)، وأحمد 4/ 85، 5/ 55، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 202، وابن عبد البر في "الإنصاف" ص 167 - 168، وابن الجوزي في "التحقيق 1/ 350 - 351 (457) من طريق سعيد بن إياس الجريري.
ورواه النسائي 2/ 135، وأحمد 5/ 54، والبيهقي 2/ 52، وابن عبد البر في "الإنصاف" ص 171 - 172 من طريق عثمان بن غياث، كلاهما عن قيس بن عباية -أي: نعامة الحنفي- عن ابن عبد الله بن مغفل قال: سمعني أبي وأنا في الصلاة أقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال لي: أي بني! محدث، إياك والحدث. قال: ولم أر أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام، يعني منه، قال: وقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يقولها فلا تقلها، إذا أنت صليت، فقل: الحمد لله رب العالمين. لفظ الترمذي.
والحديث أشار المصنف إلى ضعفه. وقال ابن عبد البر في "الإنصاف" ص 166 - 167: وقد زعم قوم أن الجريري انفرد به، وليس هو عندي كذلك؛ لأنه قد رواه غيره عن قيس. وهو ثقة عند جميعهم -يعني: عثمان بن غياث- وكذلك الجريري، ثقة، إلا أنه اختلط في آخر عمره، وأما ابن عبد الله بن مغفل فلم يرو عنه أحد إلا أبو نعامة، فيما علمت، ومن لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو مجهول، والمجهول لا تقوم به حجة. وقال النووي في "الخلاصة" 1/ 369: قال الحفاظ: هو حديث ضعيف؛ لأن مداره على ابن عبد الله بن مغفل، وهو مجهول، وممن صرح بهذا ابن خريمة وابن عبد البر والخطيب وآخرون.
وقال نحوًا من هذا الكلام مع زيادة بيان في "المجموع" 3/ 310 - 311.
وضعف الحديث أيضًا الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(174).
ونص الزيلعي في "نصب الراية" 1/ 332 - 333 على أن الحديث قد رواه عن =
الاحتجاج بها
(1)
. ومنهم من احتج بحديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"
(2)
ولا دليل فيه للإسرار.
وأما حديث الجهر فالحجة قائمة بما شهد له بالصحة منها، وهو ما روي عن ستة من الصحابة: أبي هريرة وأم سلمة وابن عباس وأنس وعلي بن أبي طالب وسمرة بن جندب، نبه على ذلك كله أبو شامة في "مصنفه" ولا مزيد عليه
(3)
، ثم مذهبنا ومذهب الجمهور تعيين الفاتحة كل ركعة، وبه قال مالك وأحمد
(4)
.
= ابن عبد الله بن مغفل غير أبي نعامة، هما عبد الله بن بريدة وأبو سفيان السعدي، فيكون بذلك قد روى هذا الحديث ثلاثة عنه، وهذا كاف في رفع الجهالة عنه، فالحديث وإن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن، والحديث الحسن يحتج به. وكذا أشار إلى ارتفاع جهالته برواية أكثر من واحد عنه، ابن رجب في "الفتح" 6/ 416. وقال الحافظ في "النكت على ابن الصلاح" 2/ 768: هو حديث حسن؛ لأن رواته ثقات، ولم يصب من ضعفه.
(1)
رواه ابن خزيمة 1/ 250 (498)، والطبراني في "الكبير" 1/ 255 - 256 (739)، وفي "الأوسط" 8/ 162 (8277)، وابن عدي في "الكامل" 4/ 495، وأبو أحمد الحاكم في "شعار أصحاب الحديث"(39)، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 179، والضياء في "المختارة" 5/ 249 - 250 (1877 - 1878)، والحافظ في "موافقة الخبر الخبر" 1/ 297. من طرق عن الحسن، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة وأبو بكر وعمر.
قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 108: رجاله موثقون.
(2)
رواه مسلم (395).
(3)
انظر بسط هذِه المسألة وتخريج هذِه الأحاديث في "الإنصاف" و"المجموع" 3/ 288 - 313، "نصب الراية" 1/ 323 - 363، "فتح الباري" لابن رجب 6/ 388 - 432، "فتح الباري" لابن حجر 2/ 227 - 231، "التحقيق في أحاديث الخلاف" 1/ 343 - 357.
(4)
انظر: "المجموع" 3/ 318، "المدونة" 1/ 69 - 70، "المغني" 2/ 156.
وقال أبو حنيفة: لا تتعين بل تستحب. وفي رواية عنه: تجب ولا تشرط. قال: ولو قرأ غيرها من القرآن أجزأه
(1)
وفي قدر الواجب روايات عنده.
قال الرازي: وأصحها ما تناوله الاسم ولا يجب في غير الركعتين الأوليين عنده، وليس هذا محل الخوض في ذلك وبسطه، فإنه يطول، ومحله كتب الخلافيات.
الحديث الثاني:
حديث أبي هريرة قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ القِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ:"أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ .. " الحديث.
وهو حديث أخرجه مسلم أيضًا
(2)
وهو دال على الاستفتاح.
وخالف فيه مالك فقال: لا شيء بعد التكبير إلا قراءة الفاتحة، وكره السكوت؛ لأنه- عليه السلام لما علم الأعرابي قال:"كبر، ثم اقرأ"
(3)
.
أما ابن العربي فذكر عنه أنه كان يقول كلمات عمر بعد التكبير: سبحانك اللهم وبحمدك .. إلى آخره
(4)
.
(1)
"بدائع الصنائع" 1/ 111.
(2)
مسلم (598) كتاب: المساجد، باب: ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، ورمز فوقها بالأصل (د س ق) إشارة إلى أن الحديث عند أبي داود والنسائي وابن ماجه، وهو كذلك انظر:"سنن أبي داود"(781)، والنسائي 1/ 50، وابن ماجه (805).
(3)
سيأتي برقم (757) باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم.
(4)
"عارضة الأحوذي" 2/ 41 - 42.
وقال الأوزاعي والشافعي وأحمد: يستحب
(1)
. وأخذ الشافعي بحديث عليّ الثابت في "صحيح مسلم": "وجهت وجهي .. " إلى آخره
(2)
.
وزاد عليه أبو يوسف التسبيح في أوله
(3)
، واقتصر عليه أبو حنيفة ومحمد، فقالا: يسبح
(4)
، وكذا قال أحمد، فيقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك
(5)
. والأصح وقفه على عمر كما قاله الدارقطني والحاكم وابن خزيمة والبيهقي
(6)
. وهو في مسلم من حديث عبدة عنه، ولم يسمع منه. كما قاله أبو علي الجياني
(7)
وغيره وبعض أصحابنا. هذا الأول أيضًا.
وفي "المحيط" من كتب الحنفية: يستحب قوله: وجهت وجهي
(8)
، قبل التكبير، وقيل: لا يستحب؛ لتطويل القيام مستقبل القبلة من غير
(1)
انظر: "المجموع" 3/ 275 - 279، "المستوعب" 2/ 137، "الشرح الكبير" 3/ 425 - 429.
(2)
مسلم برقم (771) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 200.
(4)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 26.
(5)
انظر: "المستوعب" 2/ 137، "المغني" 2/ 142.
(6)
"سنن الدارقطني" 1/ 699 كتاب: الصلاة، باب: دعاء الاستفتاح بعد التكبير، ورواه من عدة وجوه مرفوعًا وموقوفًا، "المستدرك" 1/ 235 كتاب: الصلاة، باب: دعاء افتتاح الصلاة. ورواه موقوفًا وقال: وقد أسند هذا الحديث عن عمر ولا يصح، "صحيح ابن خريمة" 1/ 240 (471) كتاب: الصلاة، باب: إباحة الدعاء بعد التكبير وقبل القراءة، "السنن الكبرى" 2/ 34 - 35 كتاب: الصلاة، باب: الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك.
(7)
"تقييد المهمل" 3/ 809. ووافقه القاضي عياض وأثنى على كلامه هذا في "إكمال المعلم" 2/ 289. وللنووي إجابة على هذا الإشكال. انظره في "شرح مسلم" 4/ 111 - 112.
(8)
"المحيط البرهاني" 2/ 110.
صلاة، وإنما قدم الشافعي الاستفتاح بـ "وجهت وجهي .. "؛ لموافقة ألفاظ القرآن، وإلا فحديث أبي هريرة في الباب أقوى منه.
وأجاب عنه ابن الجوزي بأنه كان في أول الأمر أو في النافلة. قلت: في النسائي من حديث محمد بن مسلمة أنه عليه السلام كان إذا قام يصلي تطوعًا
(1)
قاله. لكن في "صحيح أبي حاتم بن حبان": كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة قاله
(2)
.
وقال ابن قدامة: العمل به متروك، فإنا لا نعلم أحدًا استفتح بالحديث كله، وإنما يستفتحون بأوله
(3)
وهو عجيب منه!
قال الشافعي في "الأم" باستحباب جميعه
(4)
. وممن نقله عنه: ابن الأثير في "شرح المسند"، وأما المزني فروى عنه إلى قوله: والمسلمين
(5)
. وهو في حق الإِمام فقط. ووقع في ابن بطال أن الشافعي قال: أحب للإمام أن تكون له سكتة بين التكبير والقراءة؛ ليقرأ المأموم فيها. ثم قال: وحديث أبي هريرة يرد على العلة التي علل بها الشافعي هذِه السكتة؛ لأن أبا هريرة سأل الشارع عنها فقال: "أقول: اللهم باعد .. " إلى آخره، ولو كانت ليقرأ من وراء الإمام فيها لذكر ذلك، فبين أن السكتة لغير ما قاله الشافعي
(6)
.
(1)
النسائي 2/ 131 كتاب: الافتتاح.
(2)
"صحيح ابن حبان" 5/ 68 - 71 (1771 - 1772) كتاب: الصلاة، باب: صفة الصلاة. من حديث علي بن أبي طالب، وهو في "صحيح مسلم"(771).
(3)
"المغني" 2/ 145.
(4)
"الأم" 1/ 92.
(5)
"الشافي شرح مسند الشافعي" 1/ 537.
(6)
"شرح ابن بطال" 2/ 361 - 362.
وهذا الذي قاله عن الشافعي غلط من أصله فإن الذي استحبه الشافعي السكتة فيها؛ لأجل قراءة المأموم الفاتحة إنما هو السكتة الثالثة بعد قوله: آمين، فتنبه لذلك، ثم قال ابن بطال: ولو كانت هذِه السكتة فيما واظب عليها الشارع لم يخف ذلك، ولنقلها أهل المدينة عيانًا وعملًا، فيحتمل أنه عليه السلام فعلها في وقت ثم تركها، فتركها واسع
(1)
.
قلت: الحديث ورد بلفظ: كان إذا قام إلى الصلاة، وبلفظ: كان إذا قام يصلي تطوعًا. وبلفظ: كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة قاله. وكان هنا تشعر بكثرة الفعل أو المداومة عليه.
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
قوله: (إسكاتة): هو بكسر الهمزة: إفعالة من السكوت.
قال ابن التين: معناه: سكوتًا يقتضي كلامًا بعده أو قراءة مع قصر المدة. والمراد بالسكوت هنا سكوت عن الجهر لا سكوت مطلق عن القول لا عن الذكر والدعاء بدليل قوله بعده: ما تقول؟ فإنه مشعر بأنه فهم في سكوته قولًا.
ثانيها:
(هنية) القليل من الزمان، وأصله: هنة، ثم صغر هنية -كما في رواية الكتاب- ثم أبدلت الياء المشددة هاء في رواية أخرى
(2)
. وضبطها
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 362.
(2)
أخرج هذِه الرواية النسائي 2/ 128 - 129 كتاب: الافتتاح، باب: الدعاء بين التكبير والقراءة، وابن حبان في 5/ 76 - 77 (1776 - 1777). كتاب: الصلاة، باب: صفة الصلاة، وابن خزيمة 3/ 63 (1630) كتاب: الصلاة، باب: الرخصة في خصوصية الإمام نفسه بالدعاء دون المأمومين.
القرطبي بالهمز عن رواية الجمهور
(1)
. وخالف النووي في "شرحه لمسلم" فقال: من همزها فقد أخطأ
(2)
.
ثالثها:
فيه تفدية الشارع بالأباء والأمهات، وهو إجماع، وهل يجوز تفدية غيره من المؤمنين؟ فيه مذاهب أصحها: نعم بلا كراهة، وثانيها: المنع وذلك خاص به، وثالثها: يجوز تفدية العلماء الصالحين الأخيار دون غيرهم؛ لأنهم هم الوراث المنتفع بهم بخلاف غيرهم
(3)
. رابعها: المراد بالمباعدة ترك المؤاخذة، وكذا الغسل. والدنس: الوسخ، ولا شك أنه في الثوب الأبيض أظهر من غيره من الألوان، ولذا وقع التشبيه به.
وقوله: "بالماء والثلج والبرد": فيه استعارة للمبالغة في التنظيف من الذنوب، والمراد: أذاقه لذة غفران ذنوبه. وقد أوضحت الكلام على هذا الحديث في "شرح العمدة" فليراجع منه
(4)
.
وفي "مسند البزار" الأمر بذلك أخرجه من حديث خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم فليقل: اللهم باعد بيني وبين خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك أن تصد عني بوجهك يوم القيامة، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيضج من الدنس، اللهم
(1)
"المفهم" 2/ 216.
(2)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 5/ 96.
(3)
انظر: "الإعلام" 3/ 16 - 17.
(4)
"الإعلام" 3/ 5.
أحيني مسلمًا وأمتني مسلمًا"
(1)
، خبيب ووالده، وثقهما ابن حبان
(2)
فردُّ ابن القطان حديثه لجهالتهما غير جيد
(3)
.
قال الشافعي: قال بعض من خالفنا: استفتح بسبحانك اللهم وبحمدك. وأن أول ما يبدأ بقوله وفعله ما كان في كتاب الله تعالى وسنة رسوله، قال: قد رويت هذا القول عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بعض أهل مدينتكم، قلنا له ولبعض من حضره: أحافظٌ من رويت عنه هذا القول وتحتج بحديثه؟ قال عامة من حضره: لا ليس بحافظ. قال: قلت: فكيف يجوز أن يعارض برواية من لا يحفظ ولا يقبل حديث مثله على الانفراد رواية من يحفظ ويثبت حديثه؟
(4)
قال البيهقي في "المعرفة": وإنما أراد أبو عبد الله حديث حارثة عن عائشة
(5)
. أي: في أبي داود والترمذي والدارقطني.
قال الترمذي: لا نعرفه من حديث عائشة إلا من هذا الوجه.
وأعله أبو داود، وقال الدارقطني: ليس بقوي. وقال البيهقي: غير محفوظ. وأما الحاكم فصححه من طريق أبي داود على شرط الشيخين ثم قال: وله شاهد صحيح الإسناد، فذكر حديث حارثة، قال: وإن لم يكن مالك يرضاه فقد رضيه أقرانه من الأئمة، قال: ولا أحفظ في
(1)
"البحر الزخار" 10/ 456 (4628)، باب: ما يستفتح به الصلاة. قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 106: إسناده ضعيف. وقال الحافظ ابن رجب في "الفتح" 6/ 376: حديث غريب، إسناده فيه ضعف.
(2)
"الثقات" 4/ 314، ترجمة سليمان بن سمرة، 6/ 274 ترجمة خبيب بن سليمان.
(3)
"بيان الوهم والإيهام" 3/ 367 (1110)، 5/ 138 (2379). قال ابن القطان في الموضع الأول: علة حديث سمرة، هي الجهل بحال خبيب وأبيه. اهـ. بتصرف.
(4)
نقل كلام الشافعي هذا البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 2/ 345 - 346.
(5)
"المعرفة" 2/ 346.
قوله: "سبحانك اللهم وبحمدك" أصح من هذين الحديثين.
قلت: الأول من رواية أبي الجوزاء عن عائشة، وبينهما انقطاع كما نبه عليه أبو عمر في "تمهيده"
(1)
.
(1)
خلاصة ما ذكره المصنف رحمه الله أن حديث عائشة هذا روي من طريقين:
الأول: عن طلق بن غنام، عن عبد السلام بن حرب الملائي، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة. رواه من هذا الطريق أبو داود (776)، والدارقطني 1/ 229، والحاكم 1/ 235، والبيهقي في "السنن" 2/ 34 - 35، وفي "المعرفة" 2/ 347 - 348 (3002).
قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بالمشهور، لم يروه إلا طلق بن غنام، وقد روى قصة الصلاة عن بديل جماعة لم يذكروا فيه شيئًا من هذا. وقال الدارقطني: ليس هذا الحديث بالقوي. وقال البيهقي في "المعرفة": ليس بمحفوظ. ومال المصنف إلى تقويته في "البدر المنير" 3/ 533 وقال: لكنه مرسل، فإنه من رواية أبي الجوزاء عن عائشة. وقال الحافظ في "التلخيص" 1/ 226: رجال إسناده ثقات، لكن فيه انقطاع. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(749).
الطريق الثاني: عن أبي معاوية، عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة.
ورواه من هذا الطريق الترمذي (243)، وابن ماجه (806)، وابن خزيمة 1/ 239 (470)، والدارقطني 1/ 301، والحاكم كما في "إتحاف المهرة" 17/ 730 - 731 (23136)، والبيهقي في "سننه" 2/ 34، وفي "المعرفة"2/ 346.
تنبيه هام: الحديث بهذا الإسناد سقط من مطبوع "المستدرك"، لذا عزوناه "للإتحاف" وقد علق محقق "الإتحاف" -وقد وضع إسناد الحاكم للحديث وقوله: صحيح الإسناد بين هلالين أو قوسين- قال: ما بين الهلالين ساقط من المطبوع، وهو موجود في أجل مخطوطة رواق المغاربة "للمستدرك" 1/ 115/ أ. اهـ.
قال ابن خزيمة: حارثة ليس من يحتج أهل الحديث بحديثه. وقال البيهقي في "السنن": وهذا لم نكتبه إلا من حديث حارثة بن أبي الرجال، وهو ضعيف. وزاد في "المعرفة": لا يحتج به، ضعفه ابن معين وأحمد والبخاري وغيرهم. وضعفه الحافظ أيضًا في "التلخيص" 1/ 229 بحارثة. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 3/ 365: بهذين الطريقين يأخذ الحديث قوة، وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحيح. وانظر:"التمهيد" 20/ 205 - 206، "نتائج الأفكار" 1/ 396 - 400.
وفي الدارقطني من حديث جابر: كان صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بسبحانك اللهم وبحمدك.
قال ابن الجوزي وابن قدامة: رجال إسناده كلهم ثقات.
وضعفه البيهقي. وقال أبو زرعة. كذب لا أصل له
(1)
.
(1)
حديث جابر بهذا اللفظ رواه البيهقي 2/ 35 من طريق بشر بن شعيب بن أبي حمزة، عن أبيه شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر أن رسول الله كان إذا استفتح الصلاة قال:"سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له". أما الدارقطني فرواه 1/ 298 من طريق شريح بن يزيد، عن شعيب بن أبي حمزة به بلفظ: كان إذا استتفتح الصلاة قال: "إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين .. " الحديث.
وليس فيه القطعة التي ذكرها المصنف. ورواه من هذا الطريق وبهذا اللفظ أيضًا، النسائي 2/ 129، الطبراني في "مسند الشاميين" 4/ 149 - 150 (2974)، وفي "الدعاء" 2/ 1030 - 1031 (449)، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 342.
وقال الحافظ في "نتائج الأفكار" 1/ 405: سنده جيد، وقال في 1/ 409: سنده قوي.
تتمة هامة: الحديث الذي رواه الدارقطني باللفظ الذي ذكره المصنف رحمه الله رواه 1/ 298 - 299 عن أبي سعيد الخدري.
ورواه أيضًا أبو داود (775)، والترمذي (242)، والنسائي 2/ 132، وابن ماجه (804)، وأحمد 3/ 50، 69، والبيهقي 2/ 34، وفي "المعرفة" 2/ 348 (3005)، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 341 (441)، والحافظ في "نتائج الأفكار" 1/ 402.
فيقول -والله أعلم- أن المصنف رحمه الله قد جانب الصواب لما ذكر هذا الحديث فذكره عن جابر، أو أنه خطأ من الناسخ، والله اعلم.
ونقل المصنف عن ابن قدامة كلامه على هذا الحديث ففيه نظر؛ لأن ابن قدامة لم يقل هذا الكلام على حديث جابر ولا حديث أبي سعيد، بل قاله على حديث أنس =
قلت: ويلي حديث أبي هريرة وعلي
(1)
في الصحة، حديث أنس الثابت في "صحيح مسلم" أن رجلًا جاء إلى الصلاة وقد حفزه النفس فقال: الله أكبر الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال:"أيكم المتكلم فإنه لم يقل بأسًا لقد رأيت اثني عشر ملكًا يبتدرونها أيهما يرفعها"
(2)
.
وفي الباب عدة أحاديث لا تقاوم بما ذكرناه.
= الذي رواه الدارقطني 1/ 300 فقال في "المغني" 2/ 144: وعن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، رواه النسائي والترمذي، ورواه أنس وإسناد حديثه كلهم ثقات، رواه الدارقطني.
وحديث أبي سعيد ضعفه النووي في "المجموع" 3/ 277، وخالفه الحافظ فحسنه في "نتائج الأفكار" 1/ 402 - 403، وكذا الألباني فقال في "صحيح أبي داود" (748): إسناده صحيح.
(1)
حديث أبي هريرة هو حديث الباب (744)، ورواه مسلم (598). وحديث علي رواه مسلم (771).
(2)
"صحيح مسلم"(600) كتاب: المساجد، باب: ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة.
90 - باب
745 -
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ؛ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ:"قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا، وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ: أَيْ رَبِّ، وَأَنَا مَعَهُمْ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لَا أَطْعَمَتْهَا، وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ" -قَالَ نَافِعٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: -"مِنْ خَشِيشِ -أَوْ خُشَاشِ- الأَرْضِ". [2364 - فتح: 2/ 231]
ذكر فيه حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الكُسُوفِ، فقام وأطال القيام .. الحديث بطوله.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في بابه، وفي كتاب: الشرب
(1)
. وقد سلف طرف منه في رؤية الجنة والنار، في باب: من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس
(2)
، وحذفه ابن بطال من "شرحه"، وكذا أبو نعيم، ولما ذكره الإسماعيلي قال: بلا ترجمة وانظر وجه مناسبته لها. والذي ظهر لي فيه أن الإمام له أن ينظر ما أمامه، فإن الشارع رأى الجنة والنار في الصلاة.
(1)
سيأتي برقم (2364) باب: فضل سقي الماء.
(2)
برقم (86) كتاب العلم.
وقد ذكر بعده حكم رفع البصر إلى الإِمام وإلى السماء.
وقوله: ("اجترأت") أي: أقدمت. والقطاف: العنقود.
وقوله: ("وأنا معهم"): كذا هنا. وفي ابن ماجه: "وأنا فيهم"
(1)
.
قال الإسماعيلي: والصحيح: "وأنا معهم" وقد يسقط ألف الاستفهام في مواضع.
وقال ابن الجوزي: "وأنا معهم": استفهام أسقط منه الألف.
وفيه: أن الجنة والنار مخلوقتان وهو مذهب أهل السنة.
وقوله: ("فإذا امرأة") أي: حميرية كما جاء في بعض الروايات
(2)
.
وقوله: ("تخدشها هرة") قال ابن الأثير: خدش الجلد: قشره بعود أو نحوه
(3)
.
و (الخشاش): مثلث الخاء: هو هوامها.
(1)
"سنن ابن ماجه"(1265).
(2)
رواه مسلم (904) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ما عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، وأحمد 3/ 374 من حديث جابر.
(3)
"النهاية في غريب الحديث" 2/ 14.
91 - باب رَفْ البَصَرِ إِلَى الإِمَامِ في الصَّلَاةِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الكُسُوفِ: "فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ". [انظر: 1044 - فتح: 2/ 231]
746 -
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ. [760، 761، 777 - فتح: 2/ 232]
747 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ يَخْطُبُ قَالَ: حَدَّثَنَا البَرَاءُ -وَكَانَ غَيْرَ كَذُوبٍ- أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا، حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ. [انظر: 690 - مسلم: 474 - فتح: 2/ 232]
748 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلُ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ. قَالَ:"إِنِّى أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا". [انظر: 29 - مسلم: 907 - فتح: 2/ 232]
749 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَقَا الْمِنْبَرَ، فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ:"لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلَاةَ الجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" ثَلَاثًا. [انظر: 93 - مسلم: 2359 - فتح: 2/ 232]
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الكُسُوفِ: "فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ".
وهذا يأتي مسندًا في باب: إذا انفلتت الدابة في الصلاة
(1)
.
ثم ساق حديث أبي معمر -واسمه عبد الله بن سخبرة- قُلْنَا لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأ في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فقُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ.
وحديث البراء أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا، حَتى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ.
وحديث ابن عباس: في تكعكعه فيها.
وحديث أنس: في رؤيته عليه السلام الجنة والنار فيها.
وهذا سلف في باب: عظة الإِمام الناس في إتمام الصلاة
(2)
.
وقد اختلف العلماء في أي موضع ينظر المصلي في صلاته؟
فقال الكوفيون
(3)
والشافعي
(4)
إسحاق وأبو ثور
(5)
: ينظر إلى موضع سجوده.
وروي ذلك عن إبراهيم وابن سيرين
(6)
.
قال الشافعي: وهو أقرب إلى الخشوع
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (1212) كتاب: العمل في الصلاة.
(2)
برقم (419). كتاب: الصلاة.
(3)
انظر: "الأصل" 1/ 8، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 200، "الاختيار" 1/ 66.
(4)
انظر: "الأوسط" 3/ 273، "معرفة السنن والآثار" 3/ 205، "حلية العلماء" 2/ 82.
(5)
انظر: "الأوسط" 3/ 273، "شرح ابن بطال" 2/ 363.
(6)
روى ذلك عنهم ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 64 (6501، 6502).
(7)
لم أقف على هذا القول للشافعي، لكن ورد ما يدل عليه من قوله كما في "معرفة السنن والآثار" 3/ 205 حيث قال: واستحب الشافعي في كتاب البويطي أن ينظر المصلّي في صلاته إلى موضع سجوده، قال: وإن رمى بصره أمامه كان خفيفًا والخشوع أفضل، ولا يلتفت في صلاته يمينًا ولا شمالًا. اهـ. والله اعلم.
وفيه حديث من طريق ابن عباس في "كامل ابن عدي" ليس من شرط هذا الصحيح، بل فيه رجل مجهول منكر الحديث
(1)
. نعم السنة أن لا يجاوز بصره إشارته في التشهد لحديث ابن الزبير في "سنن أبي داود" بإسناد جيد صحيح
(2)
.
واستثنى بعض أصحابنا ما إذا كان مشاهد الكعبة فإنه ينظر إليها
(3)
.
قال القاضي الحسين
(4)
: ينظر إلى موضع سجوده في حال قيامه، إلى قدميه في ركوعه، وإلى أنفه في سجوده وحجره في تشهده؛ لأن امتداد النظر يلهي فإذا قصر كان أولى
(5)
.
وقال مالك: ينظر أمامه، وليس عليه أن ينظر إلى موضع سجوده
(1)
رواه ابن عدي في "الكامل" 6/ 313، فقال: حدثنا منصور بن سلمة، حدثنا أبو التقي: هشام بن عبد الملك، ثنا بقية، قال: حدثني علي بن أبي علي القرشي، قال: حدثني ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة لم ينظر إلا إلى موضع سجوده.
(2)
أبو داود (990)، ورواه أيضًا: النسائي 3/ 39، وأحمد 4/ 3، وابن خزيمة 1/ 355 (718)، وابن حبان 5/ 271 (1944).
(3)
انظر: "النجم الوهاج" 2/ 177، "مغني المحتاج" 1/ 180.
(4)
هو حسين بن محمد بن أحمد، العلامة شيخ الشافعية بخراسان، أبو عليّ المروذي، ويقال أيضًا: المرورذي، تفقه بأبي بكر القفال، له:"التعليقة الكبرى"، "الفتاوى" وغير ذلك، وكان من أوعية العلم، وكان يعرف بحبر الأمة، مات بمرو الروذ في المحرم سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
انظر ترجمته في: "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 164 - 165، "وفيات الأعيان" 2/ 134 - 135، "سير أعلام النبلاء" 18/ 260 - 262، "الطبقات" للسبكي 4/ 356 - 365.
(5)
عزاه النووي في "المجموع" 3/ 270، والدميري في "النجم الوهاج" 2/ 177 إلى البغوي والمتولي. قلت: وهو قول بعض الحنفية، وقول شريك بن عبد الله. انظر:"تبين الحقائق" 1/ 108، "المغني" 2/ 390.
وهو قائم، ولا يحد في موضع نظره حدًّا
(1)
.
وأحاديث الباب تشهد له؛ لأنهم لو لم ينظروا إليه عليه السلام ما رأوا تأخره حين عرضت عليه جهنم، ولا رأوا اضطراب لحيته، ولا استدلوا بذلك على قراءته، ولا نقلوا ذلك، ولا رأوا مناولة ما تناول في قبلته حين مثلت له الجنة.
ومثل هذا الحديث قوله عليه السلام: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"
(2)
؛ لأن الائتمام به لا يكون إلا بمراعاة حركاته في خفضه ورفعه.
وإنما لم يأخذ عليه السلام العنقود؛ لأنه من طعام الجنة وهو لا يفنى، ولا يؤكل في الدنيا إلا ما يفنى؛ لأن الله خلقها للفناء، فلا يكون فيها شيء من أمور البقاء
(3)
.
وقوله: في حديث البراء: (حتى يروه قد سجد) كذا بخط الدمياطي: (يروه)، وبخط شيخنا قطب الدين في "شرحه": يرونه، ثم
(1)
انظر: "المدونة" 1/ 73، "التمهيد" 17/ 393، "المنتقى" 1/ 289، "الذخيرة" 2/ 166.
وقد استدلوا على ذلك بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144].
قال القرطبي: في هذِه الآية حجة واضحة لما ذهب إليه مالك، ومن وافقه في أن المصلي حكمه أن ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده. اهـ. "الجامع لأحكام القرآن" 2/ 147. قال ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 274 بعد أن ذكر قول مالك: وهذِه غفلة منه، استحب ماكره أهل العلم، وكره ما استحبوه مما هو أسلم للمصلي ولقد كان بن تحفُّظ أهل العلم في صلاتهم وحفظهم لأبصارهم أن قال بعضهم: إن لم يستطع ذلك غمض عينيه. اهـ.
(2)
جزء من حديث سلف برقم (688) باب: إنما جعل الإمام ليأتم به من حديث عائشة.
(3)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 363.
قال: قال ابن التين: صوابه: يروه؛ لأنه منصوب. قال: وكذلك هو في بعض الروايات.
و (التكعكع): التأخر. قال الخطابي: وأصله تكعع فأدخلت الكاف؛ لئلا يجمع بين حرفين من نوع واحد
(1)
.
واعترض ابن التين فقال: يظهر لي أنه لئلا يجمع بين ثلاثة أحرف مثل: {دَسَّهَا}
(2)
.
وأما جمع حرفين فكثير.
قوله: ("لأكلتم منه ما بقيت الدنيا") أي: لكان كلما أزيلت حبة عادت مكانها مثلها كما تعود في الجنة.
وقوله في حديث أنس: (ثم رقى المنبر)، قال ابن التين: رويناه بكسر القاف، وكذا هو في القرآن قال تعالى {أَو تَرْقَى في اَلسَّمَآءِ} [الإسراء: من الآية 93] قال: ووقع في بعض النسخ: رقى. بفتح القاف.
وقوله: ("ممثلتين في قبلة هذا الجدار") يحتمل أن وقع ذلك وهما في مكانهما، وظاهر الحديث أنهما أدنيا له.
(1)
"أعلام الحديث" 1/ 490.
(2)
قال أبو زيد: أجل كعكعت: كععت، فاستثقلت العرب الجمع بين ثلاثة أحرف من جنس واحد ففرقوا بينهما بحرف مكرر، ومثله كفكفته عن ذلك، وأصله: كفّفته. اهـ. نظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3154.
وأما دسّاها، فقد قال الأنباري: أصلها: دسَّسَها، فاجتمعت الأمثال، فوجد الاستثقال، فأبدل من السين الأخيرة ياء، فصار: دسّيها، ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. اهـ. "البيان في غريب إعراب القرآن" 2/ 517.
92 - باب رَفْعِ البَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ
750 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ؟! ". فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: "لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ". [فتح: 2/ 332]
ذكر فيه حديث أنس بن مالك: عن عَلِيّ بْن عَبْدِ الله، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ثنا ابن أَبِي عَرُوبَةَ، ثنا قتادَةُ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا بَالُ أَقْوَام يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ فِي صَلَاِتهِمْ؟! ". فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ في ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: "لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ".
هذا الحديث من أفراد البخاري عن مسلم.
قال علي بن المديني في "علله الكبير"، وعبد الله بن أحمد عن أبيه: حدثنا يونس بن أنس قال: حلف لي سعيد بن أبي عروبة: بالله ما كتبت عن قتادة شيئًا إلا أن أبا معشر كتب إليَّ أن اكتب له من تفسير قتادة.
وأخرجه مسلم منفردًا به من حديث جابر بن سمرة وأبي هريرة
(1)
.
وفي البيهقي من حديث محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة أن قوله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون: 2] نزلت في ذلك، ثم قال: والصحيح إرساله
(2)
، وصحح شيخه الحاكم اتصاله على شرط الشيخين
(3)
.
(1)
"صحيح مسلم" 428، 429.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 283 كتاب: الصلاة، باب: لا يجاوز بصره موضع سجوده.
(3)
"المستدرك" 2/ 393. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين لولا خلاف فيه على محمد -أي: ابن سيرين- فقد قيل عنه مرسلًا ولم يخرجاه. اهـ.
والإجماع قائم على العمل بمقتضى الحديث، وأنه يكره رفع بصره إلى السماء
(1)
.
وقال شريح لرجل رآه رفع بصره ويده إلى السماء: اكفف يدك واخفض بصرك فإنك لن تراه ولن تناله
(2)
.
واختلفوا في رفعه في الدعاء خارج الصلاة، كما قال القاضي: فكرهه شريح كما ذكرناه وآخرون
(3)
.
وذكر الطبري عن إبراهيم التيمي أنه قال: كان يكره أن يرفع الرجل بصره إلى السماء في الدعاء. يعني: في غير الصلاة
(4)
.
وجوزه الأكثرون وقالوا: إن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة
(5)
فلا ينكر رفع البصر إليها كما لا يكره رفع اليد. قال تعالى:
(1)
نقل الإجماع على ذلك ابن بطال في "شرحه" 2/ 364.
(2)
رواه عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 48 (6320).
(3)
انظر: "إكمال المعلم" 2/ 341.
(4)
ذكره ابن بطال في "شرحه" 2/ 364.
(5)
اعلم رحمك الله تعالى أن السلف وأئمة المسلمين يقولون بأن الله فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه كما دلّ على ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، بل ودلّ عليه أيضًا العقل، والفطرة التي فطر الله عليها خلقه من إقرارهم به وقصدهم إياه سبحانه وتعالى، فإن أحببت يا عبد الله الإنصاف فقف مع نصوص القرآن والسنن؛ ثم انظر ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذِه الآيات، وما حكوه من مذاهب السلف، فإما أن تنطق بعلم وإما أن تسكت بحلم، ودع المراء والجدال، فإن المراء في القرآن كفر. "العلو" للذهبي 1/ 247.
قال إمام الأئمة ابن خزيمة: من لم يقل أن الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم ألقي على مزبلة؛ لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة. اهـ. "مجموع الفتاوى" 5/ 52.
وقيل لابن المبارك: كيف نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق السماء السابعة على العرش =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بائن من خلقه. رواه الدارمي في "الرد على الجهمية" ص 47.
واعلم أن الذين ذهبوا إلى أن السماء قبلة الدعاء؛ قد توهموا أنه على القول بأن الله إذا كان فوق سماواته لكان في جهة، وإذا كان في جهة كان محدودًا وجسمًا، وهذا مردود لوجوه:
1 -
أنه لا يجوز إبطال دلالة النصوص بمثل هذِه التعليلات، ولو جاز هذا لأمكن كل شخص لا يريد ما يقتضيه النصّ أن يعلله بمثل هذِه العلل العليلة.
2 -
أن ربَّ السماوات والأرض يستحيل عقلًا أن يصف نفسه بما يلزمه محذور ويلزمه محال أو يؤدي إلى نقص، كل ذلك مستحيل عقلا، فإن الله لا يصف نفسه إلا بوصف بالغ من الشرف والعلو والكمال ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين على حد قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
3 -
أنه إن كان ما ذكر لازمًا العلو لزومًا صحيحًا فلنقل به؛ لأن لازم كلام الله ورسوله حق، إذ أن الله تعالى يعلم ما يلزم من كلامه وما لا يلزم، ولو كانت نصوص العلو تستلزم معنى فاسدًا لبينه، كما بين في الحديث القدسي:"يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني .. " الحديث. "آيات الأسماء والصفات" للشنقيطي ص 37، "شرح العقيدة الواسطية" لابن عثيمين 1/ 354 - 355.
أما قولهم: إن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة فمردود من وجوه: أحدها: أن القول بأن السماء قبلة الدعاء، لم يقله أحد من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان، وهذا من الأمور الشرعية الدينية، فلا يجوز أن يخفي على جميع سلف الأمة وعلمائها.
الثاني: أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، فإنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة في دعائه في مواطن كثيرة، فمن قال: إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة أي إن له قبلتين، إحداهما الكعبة والأخرى السماء فقد ابتدع في الدين وخالف جماعة المسلمين.
الثالث: أن القبلة هي ما يستقبله العابد بوجهه كما يستقبل الكعبة في الصلاة والدعاء والذكر والذبح ولذلك سميت وجهة، والاستقبال خلاف الاستدبار، فالاستقبال بالوجه والاستدبار بالدبر، فأمَّا ما حاذاه الإنسان برأسه أو يديه أو =
{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)}
(1)
[الذاريات: 22].
وقال ابن حزم: لا يحل ذلك، وبه قال طائفة من السلف قال: والعجب ممن يجيز صلاة من تعمد في صلاته عملًا صح النص بتحريمه عليه وشدة الوعيد
(2)
.
= جنبه، فهذا لا يسمى قبلة لا حقيقة ولا مجازًا، فلو كانت السماء قبلة الدعاء؛ لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها، وهذا لم يشرع، والموضع الذي ترفع اليد إليه لا يسمى قبلة لا حقيقة ولا مجازًا.
الرابع: أن أمر التوجه في الدعاء إلى الجهة العلوية مركوز في الفطر، والمستقبل للكعبة يعلم أن الله تعالى ليس هناك، بخلاف الداعي، فإنه يتوجه إلى ربّه وخالقه ويرجو الرحمة أن تنزل من عنده.
انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" 2/ 392، ويراجع ما ذكره ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية" 2/ 431 وما بعدها.
(1)
انظر: "إكمال المعلم" 2/ 341 "المفهم" 2/ 60، "مسلم بشرح النووي" 4/ 152.
(2)
"المحلى" 4/ 16، 17.
93 - باب الالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ
751 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ:"هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ". [3291 - فتح: 2/ 234]
752 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَقَالَ:"شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ، اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِى بِأَنْبِجَانِيَّةٍ". [انظر: 373 - مسلم: 556 - فتح: 2/ 234]
ذكر فيه حديث عائشة: سُئل رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ الالْتِفَاتِ في الصلاة، فَقَالَ:"هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ العَبْدِ".
هذا انفرد البخاري أيضًا بإخراجه، بل لم يخرج مسلم فيه شيئًا.
وتعجبت من الحاكم حيث قال في "مستدركه": اتفقا على إخراجه
(1)
.
وطرقه الدارقطني في "علله" وقال: رفعه أصح من وقفه
(2)
.
وسلف فقهه، في باب من دخل ليؤم الناس.
ثم ذكر بعده حديث عائشة أيضًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَقَالَ: "شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هذِه، اذْهَبُوا بِهَا إلى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنبِجَانِيَّةٍ".
وهذا الحديث سلف أيضًا في باب: إذا صلى في ثوب له أعلام
(3)
.
(1)
"المستدرك" 1/ 237.
(2)
نقل ذلك أيضًا عنه ابن رجب في "الفتح" 6/ 445.
(3)
سبق برقم (373) كتاب الصلاة.
ووجه مناسبة إيراده هنا أن العلم إنما يكون على الكتف، ولا شك في كراهة الالتفات عند العلماء، بل قال المتولي
(1)
من أصحابنا: إنه حرام
(2)
، لقوله عليه السلام:"لا يزال الله مقبلًا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت انصرف عنه"، رواه أبو داود والنسائي من حديث أبي ذر
(3)
.
وقال الحاكم في "مستدركه": صحيح الإسناد
(4)
.
والأشهر عندنا: الكراهة
(5)
، وذلك أنه إذا التفت يمينًا وشمالًا ترك الإقبال على صلاته، وفارق الخشوع المأمور به في الصلاة؛ ولذلك جعله الشارع اختلاسًا للشيطان من الصلاة.
(1)
هو العلامة، شيخ الشافعية، أبو سعد، عبد الرحمن بن مأمون بن علي النيسابوري المتُولِّي، دَرّس ببغداد بالنّظامية بعد الشيخ أبي إسحاق، ثم عزل بابن الصباغ ثم بعد مُديدة أُعيد إليها. تفقه بالقاضي حسين، وبأبي سهل أحمد بن عليّ ببخارى، وعلى الفوراني بمرو، وبرع وبذّ الأقران. له كتاب "التتمة" الذي تمَّم به كتاب "الإبانة" لشيخه الفوارني فعاجلته بمنية عن تكميله، انتهى فيه إلى الحدود، وله مختصر في الفرائض. مات ببغداد سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 133 - 134، "سير أعلام النبلاء" 18/ 585 - 586، "الطبقات الكبرى" للسبكي 5/ 106 - 108.
(2)
انظر: "النجم الوهاج" 2/ 237، "مغني المحتاج" 1/ 421.
(3)
رواه أبو داود (909)، والنسائي 3/ 8، وأحمد 5/ 172، وابن خزيمة 1/ 243 - 244 (481، 482)، وقال المنذري في "مختصره" 1/ 249: أبو الأحوص هذا لا يعرف له اسم، وهو مولى بني ليث، وقيل: مولى بني غفار. ولم يرو عنه غير الزهري، قال يحيى بن سعيد: ليس هو بشيء، وقال أبو أحمد الكرابيسي: ليس بالمتين عندهم.
وقال النووي في "خلا صة الإحكام" 1/ 480: رواه أبو داود والنسائي بإسناد فيه رجل فيه جهالة، ولم يضعفه أبو داود فهو عنده حسن. وانظر:"صحيح أبي داود"(843).
(4)
"المستدرك" 1/ 236.
(5)
انظر: "الحاوي" 2/ 188، "البيان" 2/ 317، "المجموع" 4/ 29، "أسنى المطالب" 1/ 183.
وأما إذا التفت لأمر يعنُّ له من أمر الصلاة أو غيرها فمباح له ذلك وليس من الشيطان
(1)
.
وفيه حض على إحضار المصلي ذهنه ونيته لمناجاته ربه ولا يشتغل بأمر دنياه، وذلك [أن]
(2)
المرء لا يستطيع أن يخلص صلاته من الفكر في أمور في نياه؛ لأن الشارع أخبر أن الشيطان يأتي إليه في صلاته فيقول له: اذكر كذا، اذكر كذا
(3)
؛ لأنه موكل به في ذلك. وقد قال عليه السلام: "من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه"
(4)
، وهذا إنما هو لمغالبة الإنسان، فمن جاهد شيطانه ونفثه وجبت له الجنة.
وقد نظر عليه السلام إلى عَلَم الخميصة وقال أنها شغلته، فهذا مما لا يستطاع على دفعه في الأعم.
(1)
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة واستدلوا على ذلك بحديث أبي بكر عندما التفت في الصلاة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأخر. يأتي برقم (684)، ومسلم (421)، وبما رواه أبو داود (916) عن سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة يعني صلاة الصبح فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب. قال أبو داود: وكان أرسل فارسًا إلى الشعب من الليل يحرس.
وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
والالتفات في الصلاة يكره
…
إلا الحاجة فسهل أمره
انظر: "الاستذكار" 2/ 310، "الذخيرة" 2/ 149، "شرح منح الجليل" 1/ 163، "البيان" 2/ 318، "المجموع" 4/ 29، "أسنى المطالب" 1/ 183، "المغني" 2/ 391، "الفروع" 1/ 483، "المبدع"1/ 476.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
جاء هذا المعنى في حديث سلف برقم (608) باب: فضل التأذين، وهو بنصه عند مسلم (389) كتاب: الصلاة، باب: فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه.
(4)
رواه أحمد في "مسنده" 4/ 117 عن زيد بن خالد الجهني بلفظ: "مَنْ توضأ فأحسن وضوءه ثمَّ صلَّى ركعتين لا يسهو فيهما، غفر الله له ما تقدم من ذنبه". ورواه عنه أيضًا 5/ 194 بلفظ: "مَن صلى سجدتين لا يسهو فيهما؛ غفر الله له ما تقدم من ذنبه".
وقد اختلف السلف في ذلك، فممن كان لا يلتفت فيها الصديق
(1)
والفاروق
(2)
، ونهى عنه أبو الدرداء
(3)
، وأبو هريرة
(4)
.
وقال ابن مسعود: إن الله لا يزال مقبلًا على العبد ما دام في صلاته، ما لم يحدث أو يلتفت
(5)
.
وقال عمرو بن دينار: رأيت ابن الزبير: يصلي في الحجر فجاءه حجر قدامه فذهب بطرف ثوبه فما التفت
(6)
.
وقال ابن أبي مليكة: إن ابن الزبير كان يصلي بالناس، فدخل سيل في المسجد، فما أنكر الناس من صلاته شيئًا حتى فرغ منها
(7)
.
وقال الحكم: من تأمل من عن يمينه أو شماله في الصلاة حتى يعرفه فليست له صلاة
(8)
.
(1)
من ذلك ما سيأتي برقم (684) كتاب: الأذان، باب: من دخل ليؤم الناس، فجاء الإمام الأول، ومسلم (421) كتاب الصلاة، باب: تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم.
(2)
لم أقف على نصّ صريح في أن عمر بن الخطاب ما كان يلتفت في الصلاة، لكن روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 395 (4533) ما يدل على نهيه عن ذلك، فعن زيد بن موهب أن عمر بن الخطاب رأى رجلًا صلى ركعتين بعد غروب الشمس وقبل الصلاة، فجعل فضربه بالدرة حين قضى الصلاة، فقال: لا تلتفت، لا تعب الركعتين.
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 395 (4535).
(4)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 2/ 257 (3270)، وابن أبي شيبة 1/ 395 (4538).
(5)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 395 (4534)، والطبراني في "الكبير" 9/ 269 (9345) من طريق خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود.
قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 81: أبو قلابة لم يسمع من ابن مسعود.
(6)
رواه أحمد في "الزهد" 1/ 249.
(7)
أورده ابن بطال في "شرحه" 2/ 365.
(8)
أورده ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 97، بلفظ روينا، وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 395 (4545) عن الحكم أنه قال: إنّ من تمام الصلاة أن لا تعرف =
وقال أبو ثور: إن التفت ببدنه كله أفسد صلاته
(1)
.
وقال الحسن البصري: إذا استدبر القبلة استقبل صلاته، وإن التفت عن يمينه أو شماله مضى في صلاته
(2)
.
ورخصت فيه طائفة؛ فقال ابن سيرين: رأيت أنس بن مالك: يشرف إلى الشيء في صلاته ينظر إليه
(3)
.
وقال معاوية بن قرة: قيل لابن عمر: إن ابن الزبير إذا قام في الصلاة لم يتحرك ولم يلتفت قال: لكنا نتحرك ونلتفت
(4)
.
وكان إبراهيم يلحظ يمينًا وشمالًا
(5)
، وكان ابن معقل يفعله
(6)
.
وقال عطاء: الالتفات لا يقطع الصلاة
(7)
.
وهو قول مالك
(8)
والكوفيين
(9)
والأوزاعي
(10)
.
= من عن يمينك ولا من عن شمالك.
(1)
أورده ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 97، وابن عبد البر في "التمهيد" 21/ 103.
(2)
أورده سحنون في "المدونة" 1/ 103 من طريق الربيع عنه، وابن المنذر في "الأوسط" 3/ 97 بلفظ: روينا.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 396 (4552).
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 396 (4553).
(5)
السابق 1/ 396 (4555).
(6)
السابق 1/ 396 (4556).
(7)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 256 (3266).
(8)
انظر: "المدونة" 1/ 103.
(9)
ذهب الحنفية إلى أن الالتفات على ثلاثة أضرب:
الأول: مكروه: وهو أن يلوي عنقه يمينًا وشمالًا.
الثاني: مباح: وهو أن ينظر بمؤخر عينيه يمنة ويسرة من غير أن يلوي عنقه.
الثالث: مبطل: وهو أن يحول صدره عن القبلة.
انظر: "المبسوط" 1/ 25، "بدائع الصنائع" 1/ 215، "منية المصلي" ص 233، "تبيين الحقائق" 1/ 163.
(10)
انظر: "الأوسط" 3/ 97، "نيل الأوطار" 2/ 139.
وقال ابن القاسم
(1)
: فإن التفت بجميع جسده لا يقطع الصلاة
(2)
.
ووجهه أنه عليه السلام لم يأمر فيه بالإعادة حين أخبر أنه اختلاس من الشيطان، ولو وجبت فيه الإعادة لأمرنا بها؛ لأنه بعث معلمًا، كما أمر الأعرابي بالإعادة مرةً بعد أخرى
(3)
.
وقال المتولي -من أصحابنا-: إذا التفت وبدنه باقٍ إلى القبلة فلا تبطل صلاته، وإن صرف صدره عنها بطلت.
وقال القفال في "فتاويه": إذا التفت في صلاته التفاتًا كثيرًا في حال قيامه، إن كان جميع قيامه كذلك بطلت صلاته، وإن كان في بعضه فلا؛ لأنه عمل يسير. قال: وكذا في الركوع والسجود لو صرف وجهه وجبهته عن القبلة لم يجز؛ لأنه مأمور بالتوجه إلى الكعبة في ركوعه وسجوده. قال: ولو حول أحد ساقيه عن القبلة بطلت؛ لأنه كثير.
(1)
هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقيّ، عالم الديار المصرية ومفتيها، أبو عبد الله المصري صاحب الإمام مالك، روى عن مالك، وعبد الرحمن ابن شريح، وبكر بن مضر وطائفة قليلة، وكان ذا مال ودنيا، فأنفقها في العلم.
قال النسائي: ثقة مأمون، وقال أبو بكر الخطيب: ثقة. توفي في صفر سنة إحدى وتسعين ومائة.
انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" 3/ 129، "تهذيب الكمال" 17/ 344 - 347، "سير أعلام النبلاء" 9/ 120 - 125، "شذرات الذهب" 1/ 329.
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 103، "المنتقى" 1/ 289، "الذخيرة" 2/ 149.
(3)
يأتي برقم (757).
94 - باب هَلْ يَلْتَفِتُ لأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ، أَوْ يَرى شَيْئًا أَوْ بُصَاقًا فِي القِبْلَهَ
؟!
وَقَالَ سَهْلٌ: التَفَتَ أَبُو بَكْرٍ صلى الله عليه وسلم فَرَأى النبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
753 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، وَهْوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ:"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ أَحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ". رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ. [انظر: 406 - مسلم: 547 - فتح: 2/ 235]
754 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ: بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ، فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلَاتِهِمْ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [انظر: 680 - مسلم: 419 - فتح: 2/ 235]
هذا الحديث سلف من رواية أبي حازم عنه في إمامة أبي بكر في باب: من دخل ليؤم الناس
(1)
.
ثم ذكر فيه حديث الليث عن نافع، عن ابن عمر: رأى نُخامة.
وقد سلف في أبواب المساجد فراجعه
(2)
. ثم قال: (رواه موسى بن عقبة وابن أبي رواد عن نافع).
وهذا التعليق أخرجه مسلم عن هارون بن عبد الله، حدثنا حجاج
(1)
برقم (684).
(2)
برقم (406) باب: حك البزاق باليد من المسجد.
قال: قال ابن جريج عن موسى، عن نافع به
(1)
.
واسم (ابن أبي رواد): عبد العزيز بن ميمون، خراساني، سكن مكة، مات سنة خمسين أو نيف وخمسين ومائة
(2)
، مولى المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة ابن عم عمارة بن أبي حفصة
(3)
.
ثم ذكر حديث أنس في وفاته عليه السلام، وقد سلف في الإمامة
(4)
ويأتي في المغازي. ولا شك أن الالتفات فيما ينوب المصلي ويحتاج إليه إذا كان خفيفًا لا يضر الصلاة.
وقد قال النخعي إذا دخل على الإمام السهو فليلمح من خلفه ولينظر ما يصنع
(5)
. فإن قلت: ما وجه الترجمة من حديث أنس؟
قلتُ: وجهها أن الصحابة لما كشف الستر التفتوا إليه، يدل عليه قول أنس: فأشار إليهم أن أتموا صلاتكم، ولولا (التفاتهم)
(6)
ما رأوا إشارته.
وحتَّه عليه السلام النخامة ظاهرُه أنه كان في الصلاة، وفي بعض الطرق ما يدل على أنه كان بعد انقضائها
(7)
، وكيف كان، فهو عمل يسير لا يضر
(1)
مسلم (547/ 51).
(2)
ورد في هامش (س) ما نصه: قال الذهبي في "الكاشف" سنة 159.
(3)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 493، "التاريخ الكبير" 6/ 22 (1561)، "الجرح والتعديل" 5/ 394 - (1830)، "الكامل" لابن عدي 6/ 507 (1429)"تهذيب الكمال" 18/ 136 - 140 (3447).
(4)
سبق برقم (680) باب: أهل العلم والفضل أحق بالإمامة.
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 396 (4551).
(6)
في الأصل: التفاته، وهو خطأ.
(7)
من ذلك ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 430 (1682)، وأحمد 2/ 35 من طريق عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: صلى الله عليه وسلم في المسجد، فرأى في القبلة نخامة، فلما قضى صلاته، قال: .. وساق الحديث.
وهو كبصاقه في ثوبه في الصلاة وردّ بعضه على بعض، وكإباحته تحت قدمه وحكه، وهو كله متقارب.
وقد أخبر الشارع بمعنى كراهية التنخم قبل الوجه، وهو أن الرب جل جلاله قبل وجهه، فوجب أن يكون التنخم قبل الوجه سوء أدب.
وقوله: (فتوفي من آخر ذلك اليوم) أي: من بعد أن رأوه، كما أوله الداودي؛ لأنه توفي قبل انتصاف النهار.
وقال ابن سعد: حين زاغت الشمس
(1)
.
(1)
"الطبقات الكبرى" 2/ 273.
95 - باب وُجُوبِ القِرَاءَةِ لِلإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ
.
755 -
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ - رضى الله عنه -، فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ. قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ. فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الْكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلاَّ سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ.
قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللهِ لأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ. وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِى فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ. [758،770 - مسلم: 453 - فتح: 2/ 236]
756 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ". [مسلم: 394 - فتح: 2/ 236]
757 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ وَقَالَ:"ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ".
فَرَجَعَ يُصَلِّى كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ". ثَلَاثًا. فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي. فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا"[793، 6251، 6252، 6667 - مسلم: 397 - فتح: 237]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث جابر بن سمرة: شَكَا أَهْلُ الكُوفَةِ سَعْدًا إلى عُمَرَ، فَعَزَلَهُ .. الحديث، وفيه: فَأَرْكُدُ في الأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ في الأُخْرَيَيْنِ.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضًا
(1)
، ولفظه في إحدى روايتيه: فأمد في الأوليين بدل: فأركد
(2)
. وهو بمعناه، أي: أطول وأمد، وهو بضم الكاف من قولك: ركدت السفن والريح: إذا سكن وسكنت.
و (الركود): الثبوت والدوام عند أهل اللغة؛ ومنه: نهيه عليه السلام عن البول في الماء الراكد
(3)
. أي: الدائم، رواه البخاري مرة بزيادة:
(1)
مسلم (453) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الظهر والعصر، أبو داود (803)، النسائي 2/ 174.
(2)
سيأتي برقم (770) كتاب: الأذان، باب: يطول في الأوليين ويحذف في الأخريين.
(3)
سبق برقم (239) بلفظ: الماء الدائم، ورواه مسلم (281) في كتاب: الطهارة، باب: النهي عن البول في الماء الراكد. بهذا اللفظ.
(تعلمني الأعراب الصلاة)
(1)
. وقال هنا: (أصلي صلاة العشاء). وقال في الباب بعده: (صلاتي العشي)
(2)
، قال ابن الجوزي: وهما الظهر والعصر، كذا في الرواية.
وقوله: (فقال عبد الملك: وأنا رأيته بعد) عبد الملك هذا هو ابن عمير.
ثانيها:
قوله: (ما أخرم عنها): هو بفتح الهمزة وكسر الراء، أي: لا أنقص.
وقال أبو سليمان: لا أقطع. وأصل الخرم النقص والقطع
(3)
.
قال ابن التين: وضبط في بعض الكتب بضم الهمزة على أنه رباعي وليس هو في اللغة.
ومعنى (أخف في الأخريين): أقصرهما عن الأوليين، لا أنه يُخل بالقراءة ويحذفها أصلًا.
وقوله: (الأوليين) و (الأخريين) هو بيائين مثناتين تحت.
ثالثها:
(سعد) المشكو هو سعد بن أبي وقاص أحد العشرة رضوان الله عليهم.
و (الكوفة): أمر عمر ببنائها؛ سميت بذلك لاستدارتها؛ أو لاجتماع الناس بها؛ أو لأن ترابها خالطه حصا. ويقال لها كوفان، ويقال: إنها
(1)
ولعل رمز البخاري تحرَّف من رمز مسلم لتقاربهما في الخط. بل هي في "صحيح
مسلم" (453)(160) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الظهر والعصر.
(2)
سيأتي برقم (758).
(3)
يعني الخطابي، وكلامه في "أعلام الحديث" 1/ 491.
كانت منزل نوح عليه السلام
(1)
.
رابعها: في فوائده:
الأولى: أن الإمام إذا شُكِى إليه نائبه بعث إليه، واستفسره على ذلك.
الثانية: أنه إذا خاف مفسدة باستمراره في ولايته ووقوع فتنة عزله، ولهذا عزله عمر مع أنه لم يكن فيه خلل، ولم يثبت ما يقدح في ولايته وأهليته، وسيأتي في "صحيح البخاري" في حديث مقتل عمر والشورى أن عمر قال: إن أصابت الإمارة سعدًا فذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة
(2)
.
الثالثة: مدح الرجل الجليل في وجهه؛ فإن الفاروق قال لسعد: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق؛ ومحله إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه، والنهي عن ذلك إنما هو لمن خيف عليه الفتنة
(3)
؛ وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيح بالأمرين، والجمع بينهما بما ذكرته.
الرابعة: خطاب الرجل الجليل بكنيته دون اسمه.
الخامسة: إثبات القراءة في الصلاة، وسيأتي واضحًا.
السادسة: تخفيف الأخريين بالنسبة إلى الأوليين.
وقد اختلف قول الشافعي رضي الله عنه وغيره في قراءة السورة في
(1)
انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 1141 - 1142، "معجم البلدان" 4/ 490 - 494.
(2)
سيأتي برقم (3700) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: قصة البيعة.
(3)
يومئ المصنف رحمه الله إلى الأحاديث التي نهي فيها عن المدح، من ذلك ما سيأتي برقم (2662، 6061، 6162)، ورواه مسلم (3000) من حديث أبي بكرة. ومنها ما سيأتي برقم (2663، 6060)، ورواه مسلم (3001) من حديث أبي موسى. ومنها أيضًا: ما رواه مسلم (3002).
الأخريين من الرباعية وثالثة المغرب، والأصح أنه لا يستحب
(1)
، والأصح عند أصحابنا أنه لا يطول الأولى على الثانية
(2)
، والمختار الموافق للسنة التطويل
(3)
.
وعندهم خلاف في استحباب تطويل الثالثة على الرابعة إذا قلنا بتطويل الأولى على الثانية
(4)
.
وبه قال محمَّد بن الحسن
(5)
والثوري
(6)
وأحمد
(7)
.
(1)
اختلف الفقهاء في حكم القراءة بعد الفاتحة في الأخريين من الرباعية والثالثة من المغرب على قولين:
القول الأول: أنها لا تسن، وبه قال الحنفية والمالكية والشافعي في القديم، وهو الأصح عند الشافعية، والصحيح من مذهب الحنابلة.
القول الثاني: أنها تسن، وهو قول الشافعي في الجديد، ورواية عن أحمد.
انظر: للحنفية: "المبسوط" 1/ 18، "تبيين الحقائق" 1/ 122، "البناية" 2/ 316، وللمالكية:"المنتقى" 1/ 147، "قوانين الأحكام الشرعية" ص 75، "الفواكه الدواني" 1/ 206، وللشافعية:"الحاوي" 2/ 134 - 135، "حلية العلماء" 2/ 94، "العزيز" 1/ 507، "المجموع" 3/ 351، وللحنابلة:"الإفصاح" 1/ 288، "التحقيق" 3/ 111، "المغني" 2/ 281 - 282، "الإنصاف" 3/ 579 - 580.
(2)
انظر: "البيان" 2/ 204، "العزيز" 1/ 507، "المجموع" 3/ 351.
(3)
انظر: "المجموع" 3/ 351، "تذكرة التنبيه" 2/ 470، "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 3/ 197، "أسنى المطالب" 1/ 155.
(4)
قال النووي في "المجموع" 3/ 352: فيه طريقان، نقل القاضي أبو الطيب الاتفاق على أنها لا تطول لعدم النصّ فيها، ولعدم المعنى المذكور في الأولى، ونقل الرافعي فيها الوجهين. انظر:"العزيز" 1/ 507، "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 3/ 197 - 198.
(5)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 28، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 203، "الاختيار" 1/ 79، "تبيين الحقائق" 1/ 130.
(6)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 203، "البناية" 2/ 363، "البيان" 2/ 204، "المجموع" 3/ 351.
(7)
انظر: "التحقيق" 3/ 112، "المستوعب" 2/ 145، "المغني" 2/ 277.
وعند أبي حنيفة وأبي يوسف: لا يطيل الأولى على الثانية إلا في الفجر خاصة
(1)
.
واتفقوا
(2)
على كراهة إطالة الثانية على الأولى إلا مالكًا فإنه قال: لا بأس بذلك
(3)
؛ مستدلًا بأنه عليه السلام قرأ في الركعة الأولى سورة الأعلى وهي تسع عشرة آية، وفي الثانية بالغاشية وهي ست وعشرون آية
(4)
.
وانفرد أبو حنيفة فلم يوجب في الأخريين قراءة بل خيره بينها وبين التسبيح والسكوت
(5)
، وعزوه إلى ابن مسعود
(6)
وعلي
(7)
(1)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 28، "بدائع الصنائع" 1/ 206، "تبيين الحقائق" 1/ 130، "مجمع الأنهر" 1/ 105.
(2)
يعني: الحنفية، ولم أقف على ما ذكر هذا الاتفاق إلا عندهم. انظر:"حاشية شلبي" 1/ 130، "البناية" 2/ 362، "منية المصلي" ص 216، "البحر الرائق" 1/ 597.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 176، "التاج والإكليل" 2/ 241.
(4)
روى مسلم في "صحيحه"(878) عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} . وروى ابن خزيمة في "صحيحه" 1/ 257 (512) عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسمعون منه النغمة في الظهر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} .
(5)
انظر: "الهداية" 1/ 73، "بدائع الصنائع" 1/ 111 - 112، "المبسوط" 1/ 19، "تبين الحقائق" 1/ 173.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 327 (3742).
(7)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 327 (3743، 3747)، وابن المنذر في "الأوسط" 3/ 114، والبيهقي في "المعرفة" 3/ 328 من طريق أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن عليّ أنه قال: يقرأ في الأوليين ويسبح في الأخريين. قال ابن المنذر: حديث الحارث غير ثابت، وكان الشعبي يكذبه. اهـ. وقال البيهقي: لا يحتج به. اهـ. وقال النووي: ضعيف، الحارث الأعور متفق على ضعفه، وترك الاحتجاج به. اهـ. "المجموع" 3/ 286. ورواه أيضًا ابن أبي شيبة 1/ 327 (3742) عن عليّ وعبد الله أنهما قالا: اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين.
وعائشة
(1)
. وبه قال النخعي والأسود
(2)
والثوري
(3)
، وأحمد في رواية ضعيفة
(4)
.
والجمهور على قراءة الفاتحة فيهما وهو الموافق للسنة الصحيحة.
ومن عجيب استدلالهم: أن الأمر بالقراءة لا يقتضي التكرار وإنما وجب في الثانية لتشاكلها من كل وجه
(5)
.
وأبعد الأصم وابن علية والحسن بن صالح وابن عيينة فقالوا: لا تجب القراءة في الصلاة أصلًا
(6)
؛ ولا يعبأ بذلك.
وحكي أيضًا عن مالك وهو شاذ
(7)
، وحكى المازَري عن بعضهم عدم تعين أم القرآن
(8)
.
وقال مالك: من تركها في ركعة في غير الصبح سجد للسهو قبل السلام
(9)
.
(1)
قال الحافظ في "الدارية" 1/ 201: لم أجده عن عائشة. اهـ. وقال العيني: غريب لم يثبت. اهـ. انظر: "الهداية" 1/ 73، "تبيين الحقائق" 1/ 105، "البناية" 2/ 630.
(2)
أثر النخعي فرواه ابن أبي شيبة 1/ 327 (3744، 3745). وأما الأسود فروى ابن أبي شيبة 1/ 237 (3746) قال: حدثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن ابن الأسود.
(3)
انظر: "اختلاف الفقهاء" ص 109، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 216، "الاستذكار" 1/ 451، "البيان" 2/ 192.
(4)
انظر: "الانتصار" 2/ 202 - 203، "المستوعب" 2/ 175، "الفروع" 1/ 414 "المبدع" 1/ 436.
(5)
انظر: "الهداية" 1/ 73، "شرح فتح القدير" 1/ 451، "تبيين الحقائق" 1/ 173.
(6)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 110، "شرح فتح القدير" 1/ 451، "البناية" 2/ 626، "الحاوي" 2/ 103، "المجموع" 3/ 285.
(7)
انظر: "الاستذكار" 1/ 451 - 452، "المنتقى" 1/ 156، "الذخيرة" 2/ 181.
(8)
انظر: "الذخيرة" 2/ 181.
(9)
انظر: "التفريع" 1/ 247، "الاستذكار" 1/ 429 - 449، "المنتقى" 1/ 156.
وقال ابن الماجشون: من ترك القراءة من ركعة من الصبح أو أي صلاة كانت، تجزئه سجدتا السهو
(1)
.
وقال ابن أبي زيد: روي عن المغيرة فيمن لم يقرأ في الظهر إلا في ركعة منها تجزئه سجدتا السهو قبل السلام
(2)
.
وأثر عمر أنه صلى المغرب فلم يقرأ فيهما فقيل له؛ فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسن، قال: فلا بأس إذًا
(3)
؛ منقطع، والأصح عنه الإعادة
(4)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 351.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 305.
(3)
رواه الشافعي في "الأم" 7/ 120 في كتاب اختلاف مالك والشافعي، وعبد الرزاق 2/ 122 (2749)، والبيهقي 2/ 381 من طريق محمَّد بن إبراهيم، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن أنَّ عمر ..
قال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 3/ 328: وقد روينا عن غير أبي سلمة، قال الشافعي: أخبرنا رجل عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عمر صلى المغرب .. ثم ذكره. قال الشافعي: أبو سلمة يحدثه بالمدينة وعند آل عمر، لا ينكره أحد. اهـ.
وقال: حديث أبي سلمة مرسل، وكذلك حديث محمد بن عليّ مرسل.
وقال ابن عبد البر: هذا حديث منكر اللفظ، ومنقطع الإسناد؛ لأنه يرويه محمد ابن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر، ومرة يرويه محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عمر؛ وكلاهما منقطع، لا حجة فيه عند أحد من أهل العلم بالنقل. اهـ. "التمهيد" 20/ 193.
وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح، بل باطل، قال ابن حبان: محمد بن مهاجر كان يضع الحديث. اهـ. "العلل المتناهية" 2/ 461 (1572). وقال النووي: ضعيف؛ لأن أبا سلمة ومحمد بن عليّ لم يدركا عمر. اهـ. "المجموع" 3/ 286.
(4)
من ذلك ما رواه البيهقي في "سننه" من طرق عن عمر:
الأولى: عن إبراهيم أن عمر صلى بالناس المغرب فلم يقرأ شيئًا، وفيه: فأعاد عمر وأعادوا. =
وأثر زيد: القراءة في الصلاة سنة
(1)
؛ مراده كما قال البيهقي
(2)
أن القراءة لا تجوز إلا على حسب ما في المصحف؛ لأنها سنة متبعة فلا يجوز مخالفتها، وإن كانت على مقاييس العربية
(3)
.
وللشافعي قول قديم أنه إذا ترك الفاتحة ناسيًا تصح صلاته
(4)
.
وقال الحسن البصري
(5)
، وزفر
(6)
، والمغيرة المالكي
(7)
: تجب في ركعة واحدة.
وقال به بعض الظاهرية
(8)
. والصحيح عند أحمد وجوبها في كل
= الثانية: عن إبراهيم أن أبا موسى قال: يا أمير المؤمنين أقرأت في نفسك؟ قال: لا، قال: فإنك لم تقرأ، فأعاد الصلاة.
الثالثة: عن الشعبي أن أبا موسى قال لعمر .. ثم ساقه. "السنن الكبرى" 2/ 382.
(1)
انظر: "الحاوي" 2/ 181، "معرفة السنن والآثار" 2/ 327، "التهذيب" 2/ 96، "البيان" 2/ 181 "المجموع" 3/ 286 - 287.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 385، و"معرفة السنن والآثار" 3/ 329.
(3)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 115. قال الحافظ في "الفتح" 2/ 242: إسناده صحيح.
(4)
رواه البيهقي 2/ 385 كتاب: الصلاة، باب: وجوب القراءة على ما نزل، بلفظ:"القراءة سنة".
(5)
"السنن الكبرى" 2/ 385، "معرفة السنن والآثار" 3/ 329.
(6)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 173، "منية المصلي" ص 197، "حاشية ابن عابدين" 1/ 99.
(7)
انظر: "الاستذكار" 1/ 451، "المنتقى" 1/ 156، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 99.
(8)
صرح الماوردي في "الحاوي" 2/ 109، والشوكاني في "نيل الأوطار" 2/ 781 بأن هذا القول قول داود: أن الواجب عليه أن يقرأ في ركعة واحدة، ولا يجب عليه في غيرها، وصرح ابن عبد البر في "الاستذكار" 1/ 449، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 103، والكلوذاني في "الانتصار" 2/ 193، والنووي في "المجموع" 3/ 318. أن قول داود هو قول الجمهور، لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وأنها متعينة في كل ركعة، ثم قال النووي: والقول بأن الواجب عليه أن يقرأ في ركعة واحدة هو قول بعض أصحاب داود. فالله أعلم بالصواب.
ركعة
(1)
، وبه قال مالك
(2)
والأوزاعي
(3)
والشافعي
(4)
.
وحديث أبي قتادة الآتي بعد: "وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب". دال لهم.
وادعى ابن بطال أنه لا خلاف بين الأمة في وجوب القراءة في الركعتين الأوليين
(5)
؛ وقد علمت ما فيه.
وعند أبي حنيفة: أنه لا تتعين الفاتحة لكن تستحب
(6)
.
وفي رواية عنه: تجب ولا تشترط، قال: ولو قرأ غيرها من القرآن أجزأه
(7)
.
وفي قدر الواجب روايات عنه: أصحها كما قال الرازي: ما تناوله الاسم
(8)
، وقد سبق كل ذلك وبسط المسألة في كتب الخلاف.
(1)
انظر: "المسائل الفقهية" 1/ 117، "الانتصار" 2/ 193، "المستوعب" 2/ 141 - 142، "المغني" 2/ 156، "الفروع" 1/ 414، "المبدع" 1/ 436.
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 69، 70، "الاستذكار" 1/ 428، 449، 450، "المنتقى" 1/ 156، "قوانين الأحكام الشرعية" ص 74، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 99، "التاج والإكليل" 2/ 213.
(3)
انظر: "الأوسط" 3/ 114، "المجموع" 3/ 318، "المغني" 2/ 156.
(4)
انظر: "الأم" 1/ 93، "اختلاف الفقهاء" ص 109، "حلية العلماء" 2/ 84، "روضة الطالبين" 1/ 243، "أسنى المطالب" 1/ 149.
(5)
"شرح ابن بطال" 2/ 372.
(6)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 28، "المبسوط" 1/ 19، "الاختيار" 1/ 74.
(7)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 105، "البناية" 2/ 245، "البحر الرائق" 1/ 515، "مجمع الأنهر" 1/ 88.
(8)
في قدر الواجب عند أبي حنيفة ثلاث روايات: أحدها: آية تامة. الثانية: ما يتناوله اسم القراءة. الثالثة: ثلاث آيات قصار أو آية طويلة.
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 112، "تبيين الحقائق" 1/ 128، وانظر قول الرازي في "المجموع" 3/ 284.
وفيه من الفوائد: إجابة دعوة المظلوم، وقد كان مجاب الدعوة.
روى الطبري عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه يعوده في مرضه بمكة فرقاه وقال: "اللهم أصح جسمه وقلبه واكشف سقمه وأجب دعوته"
(1)
.
الحديث الثاني:
حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ"، أخرجه من حديث سفيان -وهو ابن عيينة- عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عنه.
وأخرجه مسلم أيضًا وأصحاب السنن الأربعة
(2)
، ولمسلم زيادة:"فصاعدًا" وهي من أفراده
(3)
.
وعند الإسماعيلي "إذا كان وحده". وعنده أيضًا: "لاتجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب".
وأخرجه بهذا اللفظ الدارقطني في "سننه" وقال: إسناده صحيح
(4)
.
وهي صريحة في وجوب قراءتها، ورافع لمن أضمر نفي الكمال.
ويجب على المأموم عندنا في السرية والجهرية على المشهور
(5)
كما هو ظاهر عموم الحديث.
(1)
لم أقف عليه بهذا اللفظ إلا في "المدونة" 4/ 281.
(2)
مسلم (394) كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة .. وأبو داود (822)، والترمذي (247)، والنسائي 2/ 137، وابن ماجه (837).
(3)
مسلم (394/ 37).
(4)
"سنن الدارقطني" 1/ 321 - 322.
(5)
انظر: "الحاوي" 2/ 141، "حلية العلماء" 2/ 88، "التهذيب" 2/ 98، "البيان" 2/ 194، "العزيز" 2/ 492، "المجموع" 3/ 321.
قلت: وهو مروي عن عمر، وعثمان، وعليّ، وابن عباس، ومعاذ، وأُبي بن كعب، وبه قال مكحول، والأوزاعي، وأبو ثور. انظر:"شرح السنة" 3/ 85.
وإليه أشار البخاري في الترجمة أيضًا، وخالف فيه الثوري
(1)
، والكوفيون
(2)
، ولا يجب ما زاد على الفاتحة.
وروي عن عمر وعثمان بن أبي العاص وجوب ثلاث آيات
(3)
.
الحديث الثالث:
حديث أبي هريرة في المسيء صلاته، وفيه: فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبَّرْ، ثُمَّ اقْرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ .. " الحديث. خرجه عن محمد بن بشار، ثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة. وأخرجه في مواضع أخر منها: إذا حلف ناسيًا؛ في الأيمان
(4)
.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 204، "الاستذكار" 1/ 469، "الأوسط" 3/ 103، "المجموع" 3/ 323.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 204، "المبسوط" 1/ 199، "بدائع الصنائع" 1/ 110، "الهداية" 1/ 59. "الاختيار" 1/ 69، "تبيين الحقائق" 1/ 131.
قلت: وذهب المالكية إلى أن المأموم يقرأ مع الإمام فيما يسر فيه، ولا يقرأ معه فيما يجهر فيه، وهو قول الشافعي في القديم. وذهب الحنابلة إلى أنه يجب على المأموم القراءة، ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وما لا يجهر فيه أو لا يسمعه لبعده.
انظر: للمالكية: "عيون المجالس" 1/ 295، "الاستذكار" 1/ 464، "قوانين الأحكام الشرعية" ص 76، "الفواكه الدواني" 1/ 240.
وللشافعية: "حلية العلماء" 2/ 88، "البيان" 2/ 194، "العزيز" 2/ 492، "المجموع" 3/ 321.
وللحنابلة: "المستوعب" 2/ 313، 314، "المغني" 2/ 259، "شرح الزركشي" 1/ 328، "المبدع" 2/ 51.
(3)
أما أثر عمر فقد رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 317 (3624)، وأما أثر عثمان بن أبي العاص فقد رواه ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 101.
(4)
سيأتي برقم (6667).
وزعم الدارقطني في "علله" أن محمد بن بشار لم يقل في روايته: عن أبيه
(1)
. وزعم في "التتبع" أن يحيى خالف أصحاب عبيد؛ كلهم قالوا: سعيد، عن أبي هريرة. وهو المحفوظ إلا هو
(2)
.
وقال البزار في "سننه": لم يتابع يحيى في روايته هذا الحديث.
قال الترمذي: ومنهم من قال: سعيد، عن أبيه هنا أصح
(3)
.
وجاء في حديث يحيى بن خلاد عن أبيه نحو هذا الحديث، فادعى بعض المتأخرين
(4)
أن خلادًا هو المسيء صلاته، والله أعلم.
والمراد بقوله: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" فاتحة الكتاب بدليل رواية ابن حبان في "صحيحه" في حديث المسيء صلاته من رواية رفاعة بن رافع الزرقي: "ثم اقرأ بأم القرآن" إلى أن قال: "ثم اصنع ذلك في كل ركعة"
(5)
.
فإن قلت: وجه الدلالة على ما بوب به البخاري في هذا الحديث والذي قبله من القراءة ظاهر أن حديث عبادة قال عليه بعمومه، وحديث أبي هريرة في الفذ والمأموم بالقياس عليه فما وجهه من الحديث الأول؟
قلتُ: وجهه قوله: ("أركد في الأوليين، وأخف في الأخريين").
(1)
"علل الدارقطني" 10/ 360.
(2)
"الإلزامات والتتبع" 1/ 131 - 132.
(3)
الترمذي 2/ 104.
(4)
ورد بهامش (س) ما نصه: ادعى أنه خلاد ابن بشكوال في "مبهماته" (
…
) وهو الحديث الثالث والتسعون (
…
) المائة. وذكر له شاهدا وأظنه في (
…
) ابن أبي شيبة ولعله المراد في (
…
) ببعض المتأخرين، والله اعلم.
(5)
"صحيح ابن حبان" 5/ 88 - 89 (787) كتاب: الصلاة، باب: صفة الصلاة.
بقي عليك وجه ما في الترجمة وهو الجهر والمخافتة، نعم ذكر ما يخافت فيه فقط كما أوضحناه، وأصل صلاة النهار على الإسرار إلا ما خَرَج بدليل كالجمعة والعيد، والليل على الجهر، فإن خالف فلا سجود عليه عند الشافعي
(1)
؛ خلافًا لأبي حنيفة
(2)
، وكذا لو جهر بحرف عند أبي يوسف
(3)
.
وعنه أنه إن زاد في المخافتة على ما تسمع أذنيه سجد
(4)
. والصحيح عندهم أنه إذا جهر بمقدار ما تجوز به الصلاة
(5)
.
وعند ابن القاسم: أنه إذا جهر فيما يسر فيه لا سجود عليه إذا كان يسيرًا
(6)
. وروي عن مالك: إذا جهر الفذ فيما يسر فيه جهرًا خفيفًا فلا بأس به
(7)
.
وروى أشهب عن مالك أن من أسر فيما يجهر فيه عامدًا صلاته تامة
(8)
. وقال أصبغ: فيه وفي عكسه يستغفر الله ولا إعادة عليه
(9)
.
وقال ابن القاسم: يعيد لأنه عابث
(10)
.
(1)
انظر: "الحاوي" 2/ 150، "المجموع" 3/ 357.
(2)
انظر: "المبسوط" 1/ 222، "بدائع الصنائع" 1/ 166، "تبيين الحقائق" 1/ 194.
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 166.
(4)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 194، "العناية" 1/ 505، "الجوهرة النيرة" 1/ 77.
(5)
لم أقف على هذِه الرواية بهذا النص، لكن ورد عنه أنه قال: إن زاد في المخافتة على ما يسمع فقد أساء.
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 161، "الجوهرة النيرة" 1/ 56.
(6)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 377.
(7)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 173.
(8)
انظر: "المنتقى" 1/ 161.
(9)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 377.
(10)
انظر: "المنتقى" 1/ 161، "شرح ابن بطال" 2/ 377.
وقال الليث: إذا أسر فيما يجهر فيه فعليه سجود السهو
(1)
.
وقال الكوفيون فيما حكاه ابن بطال: إذ أسر في موضع الجهر أو جهر في موضع السر وكان إمامًا سجد لسهوه، وإن كان وحده فلا شيء عليه، وإن فعله عامدًا فقد أساء وصلاته تامة. وقال ابن أبي ليلى: يعيد بهم الصلاة إذا كان إمامًا
(2)
. اهـ.
قال ابن بطال: ومن لم يوجب السجود في ذلك أشبه بدليل حديث قتادة الآتي في الباب بعده: وكان يسمعنا الآية أحيانًا. وهو دال على القصد إليه والمداومة عليه، فإنه لما كان الجهر والإسرار من سنن الصلاة، وكان عليه السلام قد جهر في بعض صلاة السر ولم يسجد لذلك كان كذلك حكم الصلاة إذا جهر فيها؛ لأنه لو اختلف الحكم في ذلك لبينه، ولا وجه لتفريق الكوفيين السالف إذ لا حجة لهم فيه من كتاب ولا سنة ولا نظر
(3)
.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 283.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 377.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 378.
96 - باب القِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ
758 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ لَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أَرْكُدُ في الأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ. [انظر: 755 - مسلم: 453 - فتح: 2/ 237]
759 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَال: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ. [762، 776، 778، 779 - مسلم: 451 - فتح: 2/ 243]
760 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي عُمَارَةُ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْنَا خَبَّابًا: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْنَا بِأَيِّ شَيءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ. [انظر: 746 - فتح: 2/ 244]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث جابر بن سمرة في الباب قبله. وقال: (وأحذِف في الأُخريين).
والمعنى: أقصر كما سلف، وأصل الحذف من الشيء النقص منه.
ثانيها:
حديث أبي قتادة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانًا. وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الأولى، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة
الصبح ويقصر في الثانية.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها: هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وذكره البخاري مرات قريبًا
(2)
. وفي أبي داود: فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى
(3)
.
وهذا حكمة تطويل الأولى على الثانية.
ثانيها: الأوليان تثنية أولى، وكذلك الأخريان (تثنية)
(4)
أخرى ومرجوح في اللغة: الأولة والأولتان.
ثالثها: الحكمة في قراءة السورة في الأوليين من الظهر والعصر. وفي الصحيح أن الظهر في وقت قائلة، والعصر في وقت شغل الناس بالبيع والشراء وتعب الأعمال، والصبح في وقت غفلة بالنوم آخر الليل فطولتا بالقراءة ليدركها المتأخر؛ لاشتغاله مما ذكرنا وإن كانت قراءتهما في العصر أقصر من الصبح والظهر.
رابعها: إسماعه عليه السلام الآية أحيانًا يحتمل أنه كان مقصودًا وأن يكون للاستغراق في التدبر؛ وهو الأظهر، لكن الإسماع يقتضي القصد له، وفيه دلالة على عدم السجود لذلك.
خامسها: فيه: أنّ (كان) فيه يقتضي الدوام في الفعل.
سادسها: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وقد سلف ما فيه
(1)
مسلم (453) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الظهر والعصر.
(2)
يأتي برقم (770) باب: يطول في الأوليين ويحذف في الأخريين، و (793) كتاب: الأذان، باب: أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة.
(3)
"سنن أبي داود"(800) باب: ما جاء في القراءة في الظهر.
(4)
وردت بالأصل: تأنيث والمثبت هو الصواب.
سابعها: فيه: أن السورة لا تشرع في الأخريين من الظهر والعصر، وكذا العشاء وثالثة المغرب، وهو أشهر قولي الشافعي، إلا أن يكون المصلي مسبوقًا كما نص عليه؛ لئلا تخلو صلاته عن سورة.
تاسعها: فيه: أن قراءة سورة كاملة أفضل من قدرها من طويلة؛ لأنه قد يخفي الارتباط، ولو اقتصر على بعض سورة ففي الكراهة قولان للمالكية
(1)
.
ومن منع
(2)
استدل بأن الشارع قرأ ببعض سورة في صلاة الصبح.
وأجيب بأنه كان لسعلةٍ إذ في النسائي: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سورة المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون ثم أخذته سعلة فركع
(3)
.
وقيل: تجوز الزيادة عليها؛ لقول ابن مسعود: لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة سورتين في ركعة، وسيأتي قريبًا
(4)
.
وأجيب بأنه محمول على النوافل.
ومشهور مذهب مالك أنه لا يقسم سورة في ركعتين، فإن فعل أجزأه
(5)
.
وقال مالك في "المجموعة": لا بأس به وما هو الشأن
(6)
.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 148، "الذخيرة" 2/ 209.
(2)
انظر: "التفريع" 1/ 227، "النوادر والزيادات" 1/ 176.
(3)
"سنن النسائي" 2/ 176، والحديث رواه مسلم (455) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الصبح.
(4)
سيأتي برقم (775) باب: الجمع بين السورتين في الركعة.
(5)
أي منع الكراهة، وإلا فالمعنى خطأ؛ لأن ما بعده دليل الجواز لا المنع.
(6)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 176.
والصحيح عند الحنفية أن تفريقها في ركعتين لا يكره قالوا: ولا ينبغي أن يقرأ في الركعتين من وسط السورة ومن آخرها، ولو فعل لا بأس به لما سلف
(1)
.
وقال في "المغني": لا يكره قراءة آخر السورة وأوساطها في إحدى الروايتين عن أحمد، والثانية مكروه
(2)
.
العاشر: فيه: تطويل الأولى على الثانية، وقد سلف في الباب قبله ما فيه، وفيه غير ذلك مما أوضحته في "شرح العمدة" فراجعه منه
(3)
.
قال ابن بطال
(4)
: وإنما ساق البخاري هذِه الأحاديث؛ لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس ما يعارضها ثم ذكر ذلك وأجاب عنه فقال: روى (أبو ذر)
(5)
، عن شعبة مولى ابن عباس، عنه أنه سأله رجل: في الظهر والعصر قراءة؟ فقال: لا
(6)
.
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 206، "الاختيار" 1/ 78، " منية المصلي" ص 305 - 306.
(2)
المغني" 2/ 278 - 279.
(3)
"الإعلام بشرح عمدة الأحكام" 3/ 196 - 198.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 373 - 376. وسيطيل المصنف رحمه الله النقل عنه، وذلك إلى نهاية الباب تقريبًا.
(5)
كذا بالأصل وفي "شرح ابن بطال" 2/ 373، وعلق محققه أنه أيضًا هكذا في أصل الشرح. وهو خطأ صوابه: ابن أبي ذئب؛ ففي ترجمة شعبة هو ابن دينار القرشي مولى ابن عباس من "التهذيب" 12/ 497 - 498 (2741) أنه يروي عنه ابن أبي ذئب.
والحديث ذكره الحافظ ابن رجب في "فتحه" 7/ 7 فقال: وروى ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس
…
وساقه، وهذا يدل لما قلنا.
(6)
لم أهتد إليه من هذا الطريق، وإنما روى أبو داود (808)، والترمذي (1707) مختصرًا، والنسائي 6/ 224 - 225، وأحمد 1/ 249 من طريق أبي جهضم موسى بن سالم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: كنت عند ابن عباس فسأله رجل .. =
وروى عكرمة عنه أنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلوات وسكت، فنقرأ فيما قرأ ونسكت فيما سكت، فقيل له: لعله كان يقرأ في نفسه؛ فغضب وقال: تتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
؟!
قال الطحاوي: فذهب قوم إلى ما روي عن ابن عباس فقالوا: لا نرى لأحد أن يقرأ في الظهر والعصر البتة، وهو قول سويد بن غفلة
(2)
.
وقال الطبري: قال آخرون: في كل صلاة قراءة، غير أنه يجزئ فيما أمر المصلي أن يخافت فيه بالقراءة قراءته في ركعتين منها، وله أن يسبح في باقيها، وروي ذلك عن ابن مسعود والنخعي
(3)
فجعل أهل هذِه المقالة سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخصوص، وقالوا: إنما كان يسكت عنها في الأخريين، فأما الأوليين فلأنه كان يقرأ فيهما؛ لأنه لا خلاف بين الجميع أنه عليه السلام كان يقرأ فيما يجهر فيه من الصلوات في الأوليين، قالوا: فحكم ما يخافت فيه الإمام بالقراءة حكم ما يجهر فيه، في أن في الأوليين قراءة وترك القراءة في الأخريين، هذا قول الكوفيين.
وقال آخرون: لم يكن عليه السلام يترك القراءة في شيء من صلاته ولكنه كان يجهر في بعض ويخافت في بعض، هذا قول أهل الحجاز وأحمد وإسحاق.
= قال الترمذي: حديث حسن صحيح. اهـ. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(769): إسناده صحيح.
(1)
رواه أحمد 1/ 218 - 219. والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 205، والطبراني 11/ 357 (12005).
(2)
"شرح معاني الآثار" 1/ 205.
(3)
رواها ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 327 (3742، 3744، 3745).
وأنكروا قول ابن عباس، وقالوا: قد روي عنه خلاف ذلك بإسناد (أصح)
(1)
من إسناد الخبر عنه بالإنكار.
ثم ساق الطبري من حديث عكرمة عنه قال: قد علمت السنة كلها غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا
(2)
؟ ولا يندفع العلم اليقين بغير علم.
قال الطحاوي: وقد روي عنه من رأيه خلاف ما سلف عنه، روينا عنه أنه قال: اقرأ خلف الإمام بالفاتحة في الظهر والعصر.
وإذا كان هذا في المأموم مع أن الإمام يحمل عنه فالإمام أولى
(3)
.
وإذا قد صح عنه أنه قال: لا أدري أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا. فقد انتفي ما قال من ذلك؛ لأن غيره قد حقق قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيهما وهو نص أحاديث الباب.
ورواية البخاري الآتية -في باب: يقرأ في الأخريين بأم الكتاب. في حديث أبي قتادة: كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الأخريين بأم الكتاب
(4)
- قاطع للخلاف.
وحديث عطاء عن أبي هريرة: في كل الصلاة قراءة فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفاه عنا أخفيناه عنكم
(5)
.
(1)
في الأصل: صحيح، والمثبت هو الموافق لما في "شرح ابن بطال" 2/ 374.
(2)
رواه أبو داود (809)، وأحمد 1/ 249، 1/ 257، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 205، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (770): إسناده صحيح على شرط البخاري.
(3)
"شرح معاني الآثار" 1/ 206.
(4)
الحديث الآتي برقم (759).
(5)
سيأتي برقم (772) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الفجر.
وحديث جابر بن سمرة: كان عليه السلام يقرأ في الظهر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1]
(1)
، وفي رواية: كان يقرأ في الظهر والعصر بـ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)} و {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)}
(2)
، وليس في خبر ابن عباس إنكاره القراءة في الظهر والعصر خلاف ما ثبت عن الشارع أنه قرأ فيهما؛ لأن ابن عباس لم يذكر أنه قال له: لا قراءة في الظهر والعصر. وإنما أخبر أنه سكت فيهما، وغير نكير أن يقول: إذا لم يسمعه يقرأ أنه يسكت، فيخبر مما كان من حاله عنده، فالذي أخبر ابن عباس أنه عليه السلام لم يقرأ كان الحق عنده، والذي أخبر أنه قرأ فإنه سمع قراءته، فمن سامع منه الآية، ومن سامع قراءة سورة، ومن سامع أمره بالقراءة في جميع الصلاة.
وَوَجَّهَهُ غيره إلى أنه أمر بذلك في بعض الصلاة. ومن رآه يحرك شفتيه في الظهر والعصر فوجهه أنه لم يحركهما إلا بالقراءة، فكل أخبر مما كان عنده، وكلهم كان صادقًا عند نفسه، والمصيب عين الحق أخبر أنه كان يقرأ فيهما، وذلك أن في خبر أبي قتادة أنه كان يسمعهم الآية أحيانًا، فالشاهد إنما يستحق الاسم إما بالسماع أو بالرؤية، فأما من أخبر أنه لم يسمع ولم ير فغير جائز أن يجعل خبره خلافًا لخبر من قال: رأيت أو سمعت؛ لأنه شاهد وغيره أخبر عن نفسه؛ لأنه لا شهادة عنده. في ذلك.
والنفي لا يكون شهادة في قول أحد من أهل العلم.
(1)
رواه مسلم (460) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الصبح.
(2)
رواه أبو داود (805)، والترمذي (307)، والنسائي 2/ 166.
قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح، والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" 3/ 390 - 391 (767).
وقال الطحاوي: فأما النظر في ذلك فإنا رأينا القيام والركوع والسجود فرائض لا تجزئ الصلاة إذا ترك شيئًا منها، وكان ذلك في سائر الصلوات سواء، فرأينا القعود الأول سنة في الصلوات كلها سواء، ورأينا الأخير فيه الاختلاف، مِنهم مَن سَنَّهُ ومنهم من افترضه، وكل فريق منهم قد جعل ذلك في كل الصلوات سواء، فكانت هذِه الأشياء ما كان منها فرضًا في صلاة كان كذلك في كل الصلوات، فلما رأينا القراءة في الصبح والمغرب والعشاء واجبة في قول المخالف لا بد منها كذلك في الظهر والعصر، وهذِه حجج قاطعة على من نفي القراءة في الظهر والعصر ويراها فرضًا في غيرها
(1)
.
الحديث الثالث:
حديث خباب، وقد سلف في باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة
(2)
، وهو من أفراد البخاري.
وفيه وفي حديث أبي قتادة: أن الحكم في السر أن يسمع الإنسانُ نفسه.
وفيه أيضًا: الحكم بالدليل؛ لأنهم حكموا لاضطراب لحيته -شرفها الله- أنه كان يقرأ.
(1)
"شرح معاني الآثار" 9/ 201، وإلى هنا انتهى كلام ابن بطال 2/ 373 - 376 بتصرف.
(2)
سبق برقم (746).
97 - باب القِرَاءَةِ فِي العَصْرِ
762 -
حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا. [انظر:759 - مسلم:451 - فتح: 2/ 246]
761 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قُلْتُ لِخَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الظُّهْرِ وَالعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: بِأَيِّ شَيءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ. [انظر:746 - فتح:2/ 245]
ذكر فيه حديث أبي قتادة السالف، وكذا حديث خباب.
وشيخه فيه هو محمد بن يوسف الفريابي، قاله أبو نعيم وغيره.
وشيخه سفيان هو الثوري كما صرَّح به أبو نعيم في روايته.
وروي أيضًا القراءة فيهما من السلف عن عمر وابنه وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وأبي الدرداء وخباب وعبد الله بن مغفل وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة وعائشة
(1)
.
وقال أبو العالية: العصر على النصف من الظهر. وقال إبراهيم: يضاعف الظهر على العصر أربع مرات. وقال الحسن البصري: القراءة في الظهر والعصر سواء. وقال حماد: القراءة في الظهر والصبح سواء
(2)
.
(1)
انظر: "المصنف" لعبد الرزاق 2/ 100 - 107، "المصنف" لابن أبي شيبة 1/ 312 - 313.
(2)
روى ذلك عنهم ابن أبي شيبة 1/ 313 - 314 (3579، 3584، 3587، 3588).
98 - باب القِرَاءَةِ فِي المَغْرِبِ
(1)
763 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1] فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، وَاللهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ. [4429 - مسلم: 462 - فتح: 2/ 246]
764 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِطُولِ الطُّولَيَيْنِ؟! [فتح: 2/ 246]
ذكر فيه حديث ابن عباس أنَّ أُمَّ الفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرأُ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)} [المرسلات: 1] فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هذِه السُّورَةَ، إِنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا في المَغْرِبِ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا وله: ثم ما صلى بعدها حتى قبضه الله عز وجل
(2)
.
وأخرجها البخاري في كتاب: المغازي، وقال: ثم ما صلى لنا بعدها
(3)
.
وأخرجه الترمذي بلفظ: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب بالمرسلات فما صلى بعدها حتى لقي الله عز وجل.
وأخرجه النسائي بلفظ: صلى بنا في بيته المغرب فقرأ بالمرسلات
(1)
جاء في هامش (س) ما نصه: ثم بلغ في الثالث بعد السبعين كتبه مؤلفه.
(2)
مسلم (462) باب: القراءة في الصبح.
(3)
يأتي برقم (4429) باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ..
وما صلى بعدها صلاة حتى قبض صلى الله عليه وسلم
(1)
. وفي "الأوسط": ثم لم يصل لنا عشاء حتى قبض
(2)
.
وذكر البخاري في الباب أيضًا حديث ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي زيدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ في المَغْرِبِ بِقِصَارٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِطُولِ الطُّولَيَيْنِ؟! وهو من أفراده.
وقول الحاكم في "مستدركه" أنه مما اتفقا عليه
(3)
. من أوهامه، ورواه أبو داود، كذلك قال: قلت ما طولى الطوليين، قال: الأعراف، ونقله ابن بطال عن العلماء، وقال ابن أبي مليكة من قبل نفسه: الأعراف والمائدة
(4)
.
وفي البيهقي عنه أنه قال: ما طولى الطوليين؟ قال: الأنعام والأعراف
(5)
.
وفي "أطراف ابن عساكر": قيل لعروة: ما طول الطوليين؟ قال: الأعراف ويونس، ورواه النسائي وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي الأسود سمع عروة، قال زيد لمروان: أبا عبد الله، تقرأ في المغرب بـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} .
قال زيد: فحلفت بالله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول
(1)
الترمذي (308) باب: ما جاء في القراءة في المغرب، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2)
"المعجم الأوسط" 6/ 235 (6280).
(3)
"المستدرك" 1/ 237.
(4)
أبو داود (812) وفيه: قلت: ما طول الطوليين؟ قال: الأعراف والأخرى الأنعام.
وانظر: "شرح ابن بطال" 2/ 381.
(5)
"السنن الكبرى" 2/ 392.
الطوليين وهي {المص (1)}
(1)
.
قال ابن القطان: ففي هذا أن عروة سمعه من زيد بن ثابت، ووقع في أبي داود بينهما مروان
(2)
أي: وكذا في البخاري كما سلف، وما مثله يصح؛ لأنه قد علل حديث بسرة بذلك مع أنه قد قال فيه كما قال هنا، فيكون سمعه بعد أن حدثه مروان عنه أو حدثه به زيد أولًا، وسمعه أيضًا من مروان، فصار يحدث به على الوجهين
(3)
.
إذا تقرر ذلك، فالطولى: وزن فعلى تأنيث أطول، وقد سلف كذلك في رواية.
و (الطوليين): تثنية الطولي، وطولى الطوليين. يريد: أطول السورتين.
قال الخطابي: وبعض المحدثين يقول: بطِوَل الطوليين. بكسر الطاء وفتح الواو وهو خطأ فاحش، إنما الطِّوَل: الحبل، وليس هذا موضعه
(4)
.
وكذا قال ابن الجوزي: أصحاب الحديث يروونه: (بطول) وهو غلط، إنما هو بطولى على وزن فعلى
(5)
.
فإن قلت: هل يجوز أن تكون البقرة؛ لأنها أطول السبع الطوال؟
فالجواب: أنه لو أرادها لقال: بطول الطول. ثم الحديثان المذكوران ظاهران فيما ترجم له البخاري رحمه الله.
(1)
النسائي 2/ 169 - 170، وابن حبان في "صحيحه" 5/ 144 (1836).
(2)
أبو داود (812).
(3)
"بيان الوهم والإيهام" 5/ 231 - 232 (2441).
(4)
"معالم السنن" 1/ 175.
(5)
"غريب الحديث" 2/ 45.
قال ابن بطال: ويحتمل أن يكون قرأها في الركعتين؛ لأنه لم يذكر أنه قرأ معها غيرها
(1)
.
قلت: صرح به زيد بن ثابت في روايته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بسورة الأعراف في الركعتين كلتيهما، رواه الحاكم
(2)
وقال: صحيح على شرط الشيخين إن لم يكن فيه إرسال
(3)
.
قلت: وفي الصحيحين قراءته عليه السلام في المغرب بالطور كما ذكره البخاري بعد
(4)
.
وفي ابن ماجه -بإسناد صحيح- من حديث ابن عمر قراءته فيها بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)}
(5)
.
وفي الطبراني -بإسناد صحيح- أنه أمَّهم فيها بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)}
(6)
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 381.
(2)
ورد بهامش (س) ما نصه: أصل حديث زيد في صلاته عليه السلام بالأعراف في الصحيح. وفي "مسند أحمد" عن (
…
) وعن زيد بن ثابت كذا على الشك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين.
(3)
"المستدرك" 1/ 237، وقال الذهبي في "التلخيص" 1/ 237: فيه انقطاع؛ وانظر تمام تخريجه في "البدر المنير" 3/ 180 - 187.
(4)
سيأتي برقم (765).
(5)
رواه ابن ماجه (833)، وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 248: ظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول، قال الدارقطني: أخطأ فيه بعض رواته.
وقال الألباني: شاذ، والمحفوظ أنه كان يقرأ بهما في سنة المغرب. اهـ. "ضعيف سنن ابن ماجه"(177).
(6)
رواه الطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" 2/ 118 من حديث عبد الله بن يزيد، قال الهيثمي: فيه جابر الجعفي، وثقه شعبة وسفيان وضعفه بقية الأئمة. اهـ.
ورواه أيضًا ابن أبي شيبة 1/ 314 (3592)، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 442 (492).
وخرجه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه
(1)
.
وعند ابن بطال عن الشعبي عنه: قرأ عليه السلام في المغرب بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)}
(2)
.
وفي "صحيح ابن حبان" من حديث جابر بن سمرة قراءته عليه السلام فيها ليلة الجمعة بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} وقراءته في العشاء الآخرة ليلة الجمعة بالجمعة والمنافقين فاستفده
(3)
.
وفي الأحاديث غير ذلك بالصافات وبالدخان وبالبقرة.
وعند أبي داود: أن عروة بن الزبير كان يقرأ في صلاة المغرب بنحو ما يقرءون والعاديات ونحوها من السور.
قال أبو داود: هذا يدلك على أن ذاك منسوخ
(4)
.
وللنسائي عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، فذكر أنه كان يقرأ في الأوليين من صلاة المغرب بقصار المفصل
(5)
. وعند ابن شاهين كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري أن أقرأ في الصحيح بطوال المفصل، وفي الظهر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره، وبنحوه ذكره ابن أبي شيبة في "مصنفه".
(1)
ابن حبان 5/ 146 (1838)، عن حديث البراء بن عازب، وهو في صلاة العشاء لا المغرب. وكذا رواه الجماعة العشاء لا المغرب. وهو في البخاري فيما يأتي برقم (767)، ومسلم (464)، أبو داود (1221)، الترمذي (310)، النسائي 2/ 173، ابن ماجه (835).
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 381.
(3)
ابن حبان 5/ 149 - 150 (1841)، وقال في "الثقات" 6/ 367: المحفوظ عن سماك أن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(559).
(4)
"سنن أبي داود"(813) وقال: وهذا أصح. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(774): هذا مقطوع وإسناده صحيح على شرط مسلم.
(5)
"إكمال المعلم" 2/ 370.
99 - باب الجَهْرِ فِي المَغْرِبِ
765 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ. [3050، 4023، 4854 - مسلم: 463 - فتح: 2/ 247]
حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أنا مَالِكٌ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ محَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الَمغْرِبِ بِالطُّورِ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
وزاد البخاري أيضًا في باب بإسناد غير متصل
(2)
.
ووصله ابن ماجه، فلما بلغ هذِه الآية:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} إلى {الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35: 37] كاد قلبي أن يطير
(3)
.
وذكره في المغازي
(4)
مختصرًا في باب: شهود الملائكة بدرًا، وفيه: ذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي
(5)
. وذكره بطريق أخرى أنه كان جاءه في أسارى بدر يعني في فدائهم
(6)
. ولما أخرجه البزار بلفظ: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أهل بدر فسمعته يقرأ في المغرب وهو يؤم الناس بـ {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)} .
قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعلمه يروى
(1)
مسلم برقم (463) باب: القراءة في الصبح.
(2)
سيأتي برقم (4854) كتاب: التفسير، باب: سورة والطور.
(3)
"سنن ابن ماجه"(832) باب: القراءة في صلاة المغرب.
(4)
ورد في هامش (س) ما نصه: من خط الشيخ يأتي في التفسير أيضًا.
(5)
سيأتي برقم (4023).
(6)
سيأتي برقم (3050) كتاب: الجهاد والسير، باب: فداء المشركين.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه أنه قرأ في المغرب بالطور إلا في هذا الحديث
(1)
.
قلتُ: قد أخرجه الحافظ أبو موسى المديني في كتابه "معرفة الصحابة" من حديث الزهري، عن الأعرج قال: سمعت عبيد الله بن الحارث بن نوفل يقول: آخر صلاة صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فقرأ في الأولى بـ {وَالطُّورَ} وفي الثانية بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}
(2)
.
إذا تقرر ذلك؛ فالحديث ظاهر لما ترجم له من الجهر بالمغرب، وهو إجماع.
وقد ذهب قوم -كما قال الطحاوي- إلى الأخذ بحديث جبير هذا، وحديث زيد وأم الفضل السالفين في الباب قبله وقلدوها، وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا: لا ينبغي أن يقرأ في المغرب إلا بقصار المفصل؛ وقالوا: قد يجوز أن يكون يريد بقوله: (قرأ بالطور) ببعضها وهو جائز لغة، يقال: فلان يقرأ القرآن إذا قرأ بشيء منه.
قال الطحاوي: والدليل على صحة ذلك ما روى هشيم، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر، فانتهيت إليه وهو يصلي بأصحابه صلاة المغرب، فسمعته يقول:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)} [الطور:7 - 8] فكأنما صدع قلبي؛ فبين هشيم القصة على وجهها وأخبر أن الذي سمعه قوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ
(1)
"البحر الزخار" 8/ 337 (3409).
(2)
أورد هذِه الرواية بسندها الحافظ في "الإصابة" ثمَّ قال: هذا إسنادٌ غريب؛ فيه مَن لا يعرف اهـ. "الإصابة" 2/ 436 (5296) ترجمة عبيد الله بن الحارث بن نوفل.
لَوَاقِعٌ (7)}
(1)
لا أنه سمع الطور كلها وهو عجيب منه، ترده رواية البخاري السالفة، وقد رواه الطبراني في "معجمه الصغير"، عن إبراهيم بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جده .. وقال: لم يروه عن إبراهيم إلا هشيم، تفرد به عروة بن سعيد الربعي، وهو ثقة
(2)
.
وقوله: (فأتيته وهو يصلي) يخالفه ما ذكره ابن سعد من حديث نافع ابنه عنه. قال: قدمت في فداء أسارى بدر فاضطجعت في المسجد بعد العصر، وقد أصابني الكرى فنمت فأقيمت صلاة المغرب فقمت فزعًا لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)[الطور:1 - 2] فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد وكان يومئذٍ أول ما دخل الإِسلام قلبي.
وفي "الاستيعاب": روى جماعة من أصحاب ابن شهاب عنه، عن محمد بن جبير، عن أبيه: المغرب أو العشاء
(3)
.
وزعم الدارقطني أن رواية من رواه عن ابن شهاب، عن نافع بن جبير وَهَمٌ في ذكره نافعًا.
ثم قال الطحاوي: وكذلك قول زيد لمروان في الطوليين: يجوز أن يكون قرأ ببعضها.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 212.
(2)
"المعجم الصغير" 2/ 265 - 266 (1141) والذي وقع فيه: تفرد به سعيد بن عروة وهو ثقة، وكذا وقع في الإسناد سعيد بن عروة الربعي البصري، حدثنا هشيم، ووقع في "المعجم الكبير" 2/ 117: عروة بن سعيد، عن عروة الربعي المصري، ثنا هشيم، ووقع في "تاريخ الإسلام" للذهبي 22/ 325 (554) في ترجمة يعقوب ابن غيلان شيخ الطبراني أنه حدث بالبصرة عن سعيد بن عروة.
(3)
"الاستيعاب" 1/ 304.
والدليل على ذلك ما روى جابر أنهم كانوا يصلون المغرب ثم ينتضلون. وعن أنس: كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرمي أحدنا فيرى مواقع نبله
(1)
. فلما كان هذا وقت انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة المغرب استحال أن يكون ذلك، وقد قرأ فيها بالأعراف أو نصفها
(2)
.
وهو عجيب منه؛ فقد صح أنه فرقها في الركعتين كما أسلفناه في الباب قبله، والظاهر أن ذلك كان في بعض الأحيان منه فلا استحالة إذن.
ثم قال الطحاوي: وقد أنكر على معاذ حين صلى العشاء بالبقرة مع سعة وقتها فالمغرب أحرى بذلك
(3)
. وهو عجيب منه؛ فإنكاره إنما هو للرفق بالمأمومين المعذورين، وقد روي أن ذلك كان في المغرب
(4)
، وقد أخبر أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل، أخرجه ابن أبي شيبة
(5)
.
(1)
رواه أبو داود (416) باب: في وقت المغرب، وأحمد 3/ 114، وابن خزيمة في "صحيحه" 1/ 174 (338).
قال الألباني: إسناده صحيح، وله شواهد في الصحيحين وغيرهما من حديث رافع بن خديج وغيره "صحيح أبي داود" 3/ 287 - 288 (443).
(2)
"شرح معاني الآثار" 1/ 212.
(3)
"شرح معاني الآثار"1/ 214.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 213.
(5)
أشار إلى هذِه الرواية ابن بطال في "شرحه" فقال: روى ابن أبي شيبة عن زيد بن الحباب قال: حدثنا الضحاك بن عثمان، قال: حدثنا بكير بن الأشج، عن سليمان ابن يسار، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بقصار المفصل.
ورواها من طريقه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 214 قال: حدثنا يحيى بن إسماعيل أبو زكريا البغدادي قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا زيد بن الحباب .. الحديث.
فلو حملنا حديث جبير، وزيد بن ثابت على ما حمله المخالف لتضادت تلك الآثار.
وحديث أبي هريرة هذا وإن حملناه على ما ذكرنا ائتلفت، وهو أولى من التضاد فينبغي إذن القراءة بقصار المفصل.
وهو قول مالك
(1)
، والكوفيين
(2)
، والشافعي
(3)
، وجمهور العلماء
(4)
.
قلتُ: قد أسلفنا أن قراءته كذلك كان في بعض الأحيان لبيان الجواز أو لامتداد وقت المغرب فلا تضاد.
وقراءة الشارع ليست كقراءة غيره، فإنه كان من أخف الناس صلاة في تمام، وكان يقرأ بالستين إلى المائة.
وقد أخبر الشارع عن داود صلى الله عليهما وسلم أنه كان يأمر بدابته أن تسرج فيقرأ الزبور قبل إسراجها
(5)
.
فنبينا أَحْرى بذلك وأولى، ودعوى من ادعى أن السورة لم يكمل إنزالها فلذلك قرأ ببعضها وَهَمٌ؛ فالإجماع قائم على نزول الأعراف والأنعام بمكة شرفها الله.
(1)
انظر: "التفريع" 1/ 227، "النوادر والزيادات" 1/ 174، "المعونة" 1/ 95.
(2)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 28، "الهداية" 1/ 59، "تبيين الحقائق" 1/ 129 - 130.
(3)
انظر: "الحاوي" 2/ 236 - 237، "المهذب" 1/ 248، "البيان" 2/ 202.
وانظر للحنابلة: "المغني" 2/ 274 - 275، "المبدع" 1/ 443، "كشاف القناع" 2/ 319.
(4)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 381.
(5)
سيأتي برقم (3417) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} .
ومنهم من استثنى في الأنعام ست آيات نزلن بالمدينة.
وطولى الطوليين هي الأعراف على ما سلف؛ لأنها أطول من الأنعام فلا يتجه ذلك. وفي الحديث أيضًا من متعلقات الأصول والفقه والحديث: أن شهادة المشرك بعد إسلامه مقبولة فيما عمله قبل إسلامه؛ لأن جبيرًا كان يوم سمع الشارع مشركًا قدم في أسارى بدر كما سلف -وكذا روايته- ومثله الفاسق، والصبي أولى.
100 - باب الجَهْرِ فِي العِشَاءِ
766 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] فَسَجَدَ، فَقُلْتُ لَهُ، قَالَ: سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ. [768، 1074، 1078 - مسلم: 578 - فتح: 2/ 250]
767 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي العِشَاءِ فِي إِحْدى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيتُونِ. [769، 4952، 7546 - مسلم: 464 - فتح: 2/ 250]
ذكر فيه حديث أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ العَتَمَةَ فَقَرَأَ:
{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} فَسَجَدَ، فَقُلْتُ لَهُ، قَالَ: سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ.
وحديث البراء: أنه عليه السلام كَانَ في سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي العِشَاءِ في إِحْدى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، فما سمعت أحدًا أحسن صوتا أو قراءةً منه.
الشرح:
حديث أبي هريرة يأتي قريبًا وفي سجود القرآن
(1)
.
وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
وحديث البراء يأتي في التفسير
(3)
.
وأخرجه باقي الجماعة
(4)
، وهما دالان على ما ترجم له وهو الجهر بالعشاء.
(1)
سيأتي برقم (768)، وبرقم (1074) باب: سجدة: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} .
(2)
مسلم (578) باب: سجود التلاوة.
(3)
سيأتي برقم (4952) باب: سورة التين.
(4)
رواه مسلم برقم (464) باب: القراءة في العشاء، وأبو داود (1221) باب: قصر قراءة الصلاة في السفر، والترمذي (310) باب: ما جاء في القراءة في صلاة =
أما في حديث البراء فهو ظاهر فيه.
وأما حديث أبي هريرة فلأنه سجد بها خلفه وذلك مقتضٍ أنه سمعها منه، والإجماع قائم على ذلك.
وموضع السجدة في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} . {لَا يَسْجُدُونَ} وأغرب من قال: إنه آخر السورة.
و (العتمة): المراد بها العشاء، وإن سلف النهي في تسميتها بذلك لما فيه.
وسجود أبي هريرة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلزم منه أن يكون في صلاة؛ لاحتمال سماعه لها منه خارجها.
وقوله في حديث البراء: في إحدى الركعتين. جاء في النسائي أنها الأولى
(1)
.
وتأسى عمر رضي الله عنه بقراءته لها في إحداهما
(2)
.
وقوله: (أو قراءة)، الظاهر أن (أو) بمعنى الواو؛ واستدل بذلك من لا يرى توقيتًا بالقراءة فيها بل بحسب الحال.
وعن مالك: يقرأ فيها بالحاقة ونحوها
(3)
.
وعندنا وعند أشهب: بأوساط المفصل
(4)
.
وهو قول عمر بن عبد العزيز، وفيه حديث عن أبي هريرة مرفوعًا،
= العشاء، والنسائي 2/ 173، وابن ماجه (834 - 835) باب: القراءة في صلاة العشاء.
(1)
النسائي 2/ 173.
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 2/ 109 (2697).
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 174.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 174، "التهذيب" 2/ 101، "الدر" 1/ 507.
وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري أن اقرأ بالناس في العشاء الآخرة بوسط المفصل، وقرأ فيها عثمان بالنجم، وابن عمر بالذين كفروا
(1)
والفتح؛ وأبو هريرة بالعاديات
(2)
، فيحتمل أن تكون قراءتها له لسفر أو أعجلته حاجة لذلك.
وأجاز العلماء للمسافر إذا أعجله أصحابه واستغيث به في أمرٍ أن يقرأ بسورة قصيرة اتباعًا للشارع في التين والزيتون في السفر، وهو قول مالك
(3)
.
وفي "شرح الهداية": يقرأ في الفجر أربعين آية سوى الفاتحة. وفي رواية خمسين. وفي أخرى ستين إلى المائة. وهي أبين الروايات عندهم.
قالوا: في الشتاء يقرأ مائة، وفي الصيف أربعين، وفي الخريف خمسين أو ستين.
وذكر أن في رواية الأصل أن يكون في الظهر دون الفجر والعصر قدر عشرين آية سوى الفاتحة
(4)
.
ونص أصحابنا على أنه يستحب أن يكون في الصبح والظهر من طوال المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساطه، وفي المغرب من قصاره
(5)
.
(1)
أي سورة محمد صلى الله عليه وسلم.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 175.
(3)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 1/ 316 (3612، 3613، 3614).
(4)
"شرح فتح القدير" 1/ 334 - 335، "العناية" 1/ 334 - 335.
(5)
انظر: "المهذب" 1/ 248، "التهذيب" 2/ 101، "العزيز" 1/ 507.
101 - باب القِرَاءَةِ فِي العِشَاءِ بِالسَّجْدَةِ
768 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] فَسَجَدَ، فَقُلْتُ مَا هَذِهِ؟ قَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ. [انظر: 766 - مسلم: 578 - فتح: 2/ 250]
ذكر فيه حديث أبي رافع السالف، وهو حجة لنا في السجود في المفصل، وأجاز القراءة بها في العشاء وسائر المكتوبات من يراه.
واختلفت الرواية عن مالك في ذلك، ففي "المدونة": كره مالك للإمام أن يتعمد قراءة سورة فيها سجدة، لئلا يخلط على الناس، فإن قرأها فليسجد، وأكره أن يتعمدها الفذ
(1)
.
وروى عنه أشهب أنه إذا كان مع الإمام قليل من الناس لا يخاف أن يخلط عليهم فلا بأس بذلك
(2)
.
وروى عنه ابن وهب أنه قال: لا بأس أن يقرأ الإمام بالسجدة في الفريضة
(3)
، ولا يكره عندنا قراءتها للإمام سرية كانت الصلاة أو جهرية، ويسجد متى قرأها
(4)
، وقد عرفت مذهب مالك فيه
(5)
.
وقال أبو حنيفة: يكره في السرية دون الجهرية
(6)
.
قال الروياني -من أصحابنا- في "بحره": وعلى مذهبنا يستحب
(1)
"المدونة" 1/ 106.
(2)
انظر: "المنتقى" 1/ 350، "الذخيرة" 2/ 415.
(3)
انظر: "المنتقى" 1/ 350، "الذخيرة" 2/ 415.
(4)
انظر: "البيان" 2/ 291، "روضة الطالبين" 2/ 320.
(5)
"الذخيرة" 2/ 415.
(6)
انظر: "الأصل" 1/ 319، "المبسوط" 2/ 10، "الاختيار" 1/ 101.
تأخير السجود حتى يسلم لئلا يهوش على الناس
(1)
.
قلت: فيه نظر؛ لأن في "سنن أبي داود" من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع، فرأينا أتى قرأ {تَنْزِيلٌ} السجدة
(2)
.
ورواه الحاكم في "مستدركه" وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. قال: وهو سنة صحيحة (عزيزة)
(3)
أن الإمام يسجد فيما يسر بالقراءة مثل سجوده فيما يعلن
(4)
.
(1)
انظر: "المجموع" 3/ 568.
(2)
أبو داود (807) وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(143).
(3)
في مطبوع "المستدرك": غريبة.
(4)
"المستدرك" 1/ 221.
102 - باب القِرَاءَةِ فِي العِشَاءِ
769 -
حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، سَمِعَ الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)} [التين: 1] فِي العِشَاءِ، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ أَوْ قِرَاءَةً. [انظر: 767 - مسلم: 464 - فتح: 2/ 251]
ذكر فيه حديث البراء، وقد سلف
(1)
. ولو أخر الجهر في العشاء عن القراءة فيها كما فعل في الصبح كان أولى.
(1)
سلف آنفًا برقم (767).
103 - باب يُطَوِّلُ فِي الأُولَيَيْنِ وَيَحْذِفُ فِي الُأخْرَيَيِنْ
770 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: لَقَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلَاةِ. قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِي الأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ، وَلَا آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ صَدَقْتَ، ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ، أَوْ ظَنِّي بِكَ. [انظر: 755 - مسلم: 453 - فتح: 2/ 251]
ذكر فيه حديث جابر بن سمرة: قال: قال عُمر لسعد: شَكَوْكَ في كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى في الصَّلَاةِ. قَالَ: قال أَما إني فَأمُدُّ فِي الأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ، وَلَا آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: صَدَقْتَ، ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ. أَوْ ظَنِّي بِكَ.
وقد سلف الكلام عليه أول باب: وجوب القراءة مستوفًا
(1)
، والمراد بالحذف: التقصير، وأصل الحذف من الشيء: النقص، وهو بمعنى الرواية الأخرى السالفة هناك، وأخف في الأخريين.
ومعنى (لاآلو): لا أقصر. تقول العرب: ما آلوت في حاجتك وما آلوتك نصحًا: ما قصرت بك عن جهدي.
والحديث ظاهر لما ترجم له، فإن عكس خالف السنة، والصلاة صحيحة وهو عام في الرباعية والثلاثية وكذا الثنائية.
واستثنى أبو حنيفة وأبو يوسف فقالا: إن ركعتي الظهر سواء
(2)
، وخالفهما محمد فقال: الأولى أطول في كل الصلوات
(3)
.
(1)
في شرح حديث (755).
(2)
"فتح القدير" 1/ 336، "العناية" 1/ 336.
(3)
المرجعان السابقان.
104 - باب القِرَاءَةِ فِي الفَجْرِ
(1)
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالطُّورِ
(2)
.
771 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأسْلَمِيِّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى الَمدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ -وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الَمغْرِبِ- وَلَا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَلَا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَلَا الحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الِمائَةِ. [انظر: 541 - مسلم: 461، 647 - فتح 2/ 251]
772 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُقْرَأُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ. [مسلم: 396 - فتح 2/ 251]
كذا أخرجه معلقًا، وكذا علقه في باب: الجهر بقراءة الصبح بعده، وسيأتي مسندًا غير مرة في الحج
(3)
، وأن الصلاة كانت الصبح.
(1)
وقع بعده في (س) الجملة الآتية: ذكر فيه حديث أي رافع السالف وهو حجة لنا في السجود في المفصل وأجاز القراءة بها في العشاء وسائر المكتوبات من يراه.
[وعلم عليها (لا
…
إلى) (من
…
إلى).
قلت: لأنه في الباب السالف].
(2)
ورد في هامش (س) ما نصه: مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
(3)
التعليق يأتي معلقًا أيضًا في الباب التالي (105). وسيأتي مسندًا برقم (1619) باب: طواف النساء مع الرجال. وسلف مسندًا برقم (464) باب: إدخال البعير في المسجد للعلة.
ثم ذكر في الباب حديثين:
أحدهما:
حديث أبي برزة وتقدم في وقت الظهر وغيره، وفي آخره: ويصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه، وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة
(1)
.
والثاني:
حديث عطاء عن أبي هريرة قال: فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُقْرَأ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ القُرْآنِ أَجْزَاتْ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم
(2)
من هذا الوجه، ولفظه في آخره: فقال له رجل: إن لم أزد على أم القرآن [فقال]
(3)
: إن زدت عليها فهو خير، وإن انتهيت إليها أجزأت عنك
(4)
. وفي أوله: لا صلاة إلا بقراءة
(5)
. ولما ذكره عبد الحق في "جمعه" وعزاه إلى مسلم قال: لم يخرج البخاري هذا الحديث الموقوف.
وقد علمت أنه فيه كما سقناه لك. وفي "الأوسط" للطبراني في كل صلاة قراءة، ولو بفاتحة الكتاب
(6)
. وتتبع ذلك الدارقطني. وقال:
(1)
سلف برقم (541) باب: وقت الظهر عند الزوال. وبرقم (547) باب: تأخير الظهر إلى العصر. وبرقم (568) باب: ما يكره من النوم بعد العشاء.
(2)
عليها في الأصل (أبو داود، والنسائي).
(3)
في الأصل: فقالت.
(4)
مسلم (396/ 43) كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ..
(5)
مسلم (396/ 42).
(6)
رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادين إلى أبي هريرة:
أحدهما: من طريق داود بن أبي الفرات عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء بن أبي =
الصواب من قول أبي هريرة وهو محفوظ عن أبي أسامة على الصواب
(1)
.
قال الحافظ أبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد [الله] الدمشقي في كتابه "الرد على الدارقطني" في كتاب "التتبع": لعل الوَهَمَ فيه من مسلم أو من ابن نمير، أو من أبي أسامة، وأما أن نلزم مسلم فيه بالوَهَم من بينهم فلا، حتى يوجد من غيره حديث مسلم عن ابن نمير على الصواب، فحينئذٍ يلزمه الوَهَم وإلا فلا
(2)
.
و (أجزات) رويناه بغير همز. قال تعالى: {لا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيئًا} [البقرة: من الآية 48] وأجزات لغة بني تميم، أجزيت عني، أي: قضيت، وقال أبو سليمان: جزى وأجزى مثل وفي وأوفي. وقال ابن قرقول: أجزيت عنك عند القابسي، وعند غيره: أجزأتك.
أما حكم الباب: فالإجماع قائم على أن أطول الصلوات قراءة صلاة الفجر، وبعدها الظهر، واقتصر البخاري فيه على حديث أبي برزة وأم سلمة وذكر في الباب بعده أنه عليه السلام قرأ {قُلْ أُوحِىَ} [الجن: من الآية 1].
وفي مسلم من حديث جابر بن سمرة قراءته عليه السلام بقاف، قال: وكانت قراءته بعد تخفيفًا
(3)
.
= رباح، عن أبي هريرة به. ثم قال: لم يروه عن إبراهيم الصائغ إلا داود بن أبي الفرات. "الأوسط" 8/ 92 (8066).
الثاني: من طريق إبراهيم بن طهمان، عن الحجاج بن أرطاة، عن عبد الكريم، عن أبي عثمان، عن أبي هريرة به. ثم قال: لم يرو هذا الحديث عن الحجاج إلا إبراهيم بن طهمان. "الأوسط" 9/ 159 (9415).
(1)
"الإلزامات والتتبع" ص 143.
(2)
"الأجوبة عما أشكل الدارقطني على صحيح مسلم" لأبي مسعود الدمشقي ص 152.
(3)
مسلم (458) باب: القراءة في الصبح.
وفيه من حديث قطبة بن مالك بـ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)}
(1)
[ق: 10]، وفيه من حديث عمرو بن حريث: القراءة بـ {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)}
(2)
[التكوير: 15] وفيه: أمر بالمعوذتين، صححه الحاكم على شرط الشيخين
(3)
.
و {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الركعتين كلتيهما رواه أبو داود بإسناد صحيح
(4)
.
وفي "الأوسط": قراءته بـ {يس (1)}
(5)
، وعنده أيضًا بالواقعة ونحوها من السور
(6)
. صحح هذا الحاكم على شرط مسلم
(7)
.
وقرأ بالصافات وبسورتي الإخلاص والكافرون.
و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} ، وبسورة الحج سجد فيها سجدتين وغير ذلك.
(1)
مسلم (457) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الصبح.
(2)
مسلم (457) كتاب: الصلاة، باب: متابعة الإمام والعمل بعده.
(3)
"المستدرك" 1/ 240.
(4)
"سنن أبي داود"(816) باب: الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين. قال النووي: رواه أبو داود بإسناد صحيح. اهـ. "الخلاصة" 1/ 389 (1226)، وقاله الشوكاني في "نيل الأوطار" 1/ 802: ليس في إسناده مطعن بل رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني: إسناده حسن "صحيح أبي داود" 3/ 399 (775).
(5)
"المعجم الأوسط" 4/ 175 (3903).
ثم قال: لم يرو هذا الحديث عن سماك إلا شعبة وأيوب بن جابر، ولا رواه عنهما إلا أبو داود، تفرد به عبد الله بن عمران. وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 119: رجاله رجال الصحيح. اهـ
(6)
"المعجم الأوسط" 4/ 222 - 223 (4036). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن سماك إلا إسرائيل، ولا عن إسرائيل إلا سلمة بن رجاء، تفرد به يعقوب بن حميد. قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 119: فيه يعقوب بن حميد بن كاسب ضعفه جماعة، قال بعضهم: لأنه كان محدودًا، وذكره ابن حبان في "الثقات" وبقية رجاله رجال الصحيح.
(7)
"المستدرك" 1/ 240.
واختلفت الآثار عن الصحابة في ذلك أيضًا فقرأ الصديق فيها [بالبقرة]
(1)
في الركعتين، وعُمَر بيونس وهود، وعُثمان بيوسف والكهف، وعَلي بالأنبياء، وعبد الله بسورتين أخراهما: بنو إسرائيل، ومُعاذ بالنساء، وعَبيدة بالرحمن ونحوها، وإبراهيم بـ {يس (1)} وأشباهها، وعُمر بن عبد العزيز بسورتين من طوال المفصل، وغير ذلك
(2)
. وهذا كله باختلاف الأحوال، والتخفيف لا شك في مطلوبيته.
(1)
في الأصل بالقراءة، وهو خطأ.
(2)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 310 - 311.
105 - باب الجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلَاةِ الفَجْرِ
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَيقْرَأُ بِالطُّورِ.
773 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ. فَقَالُوا مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ بِنَخْلَةَ، عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)} [الجن: 1 - 2] فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن: 1] وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ. [4921 - مسلم: 449 - فتح: 64]
774 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أُمِرَ، وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم، 64]{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. [فتح: 2/ 253]
هذا التعليق سلف الكلام عليه في الباب قبله
ثم ساق حديث ابن عباس: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ .. الحديث بطوله؛ وفيه: وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا
القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الجِنِّ.
ثم ساق قول عكرمة عن ابن عباس: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أُمِرَ، وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} ، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
وهذا من أفراد البخاري، والأول أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وأخرجه
البخاري في التفسير أيضا
(2)
، واستدركه الحاكم على شرطهما، وأنهما لم يخرجاه بهذِه السياق، وإنما أخرج مسلم وحده حديث داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله بطوله بغير هذِه الألفاظ
(3)
.
والحديث الأول والثاني ظاهر فيهما ما ترجم له من الجهر بالقراءة في صلاة الفجر.
وأما الثالث فوجه الدلالة منه عموم قوله: (فيما أمر) يعني: جهر، بدليل قوله:(وسكت فيما أمر) أي: أسر، فيدخل الفجر في الذي جهر فيه اتفاقا، والدليل عليه قول خباب: إنهم كانوا يعرفون قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أسر فيه باضطراب لحيته
(4)
، فسمى السر سكوتا، ولا يظن بالشارع أنه سكت في صلاة صلاها؛ لأنه قال:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وقال الإسماعيلي: إن سلم الحديث من قبل عكرمة من الطعن فالذي يصلح أن يوجه عنه أنه سكت عن الإعلان لا عن القراءة.
(1)
مسلم (449).
(2)
سيأتي برقم (4921).
(3)
"المستدرك" 2/ 503.
(4)
سلف برقم (746).
وقال الخطابي: لو شاء أن ينزل ذكر بيان أفعال الصلاة وأقوالها حتى يكون قرآنا متلوًّا لفعل، ولم يتركه عن نسيان، لكنه وكل الأمر في بيان ذلك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم أمرنا بالاقتداء به، وهو معنى قوله {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}
(1)
[النحل: 44].
ولم تختلف الأمة في أن أفعاله التي في بيان مجمل الكتاب واجبة، كما لم يختلفوا في أن أفعاله التي هي من نوم وطعام وشراب وشبهها غير واجبة.
وإنما اختلفوا في أفعاله التي تتصل بأمر الشريعة مما ليس بيان مجمل الكتاب، فالذي نختار أنها واجبة.
وحديث ابن عباس دال على أن الشهب إنما رميت في أول الإسلام من أجل استراق الشياطين السمع، لكن رميها لم يزل قبل الإسلام، وعلى ممر الدهور، روى معمر أو غيره، عن الزهري
(2)
، عن علي بن حسين، عن ابن عباس في قوله تعالى:{يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه إذ رمي بنجم فاستنار، فقال:"ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية؟ " قالوا: كنا نقول يموت عظيم، أو يولد عظيم؛ قال:"فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، لكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمرًا يسبح حملة العرش، ثم يسبح أهل السماء الذي يلونهم حتى يبلغ التسبيح هذِه السماء، ثم يستخبر أهل السماء حملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ثم يستخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى السماء الدنيا، ويخطف الجن السمع فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يزيدون فيه".
(1)
" أعلام الحديث" 1/ 502 - 503.
(2)
في هامش (س) ما نصه: من خط الشيخ: هذا في مسلم.
قلت للزهري: أو كان يُرمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم، قلت: أرأيت قوله تعالى {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)} [الجن: 9] قال: غلظت، وشدد أمرها، حيث بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وكذا قال الزمخشري وغيره: إن الصحيح إنه كان قبل المبعث أيضًا، وقد جاء ذكره في شعر أهل البادية، وكانت تسترق في بعض الأحوال، فلما وقع البعث كثر الرجم، وزاد زيادة ظاهرة حتى تنبَّه لها الإنس والجن، ومنع الاستراق أصلًا.
وقال ابن الجوزي: الذي أميل إليه أن الشهب لم ترم إلا قبيل مولده، ثم استمر ذلك وكثر حين بعث.
فوائد:
الأولى: قرئ (وحي) على الأصل: (واحي).
و (النفر): جماعة منهم ما بين الثلاثة إلى العشرة، وفي "صحيح الحاكم" عن ابن مسعود: هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة وكانوا تسعة، أحدهم زوبعة. وقال: صحيح الإسناد
(2)
.
الثانية: اختلف في أصلهم فقال الحسن: إنهم ولد إبليس، وكافرهم يسمى شيطانا، وعن ابن عباس: هم ولد الجان، والشياطين ولد إبليس.
(1)
رواه أحمد 1/ 218 من طريق معمر عن الزهري، به سواء، ورواه أيضًا الترمذي (3224) من طريق معمر، به، دون قوله: أو كان يرمي بها ..
والحديث رواه مسلم في "صحيحه"(2229) من طريق صالح عن الزهري وهو المعنيُّ من قول المصنف: (روى معمر أو غيره- به)، دون الزيادة أيضًا كما عند الترمذي.
(2)
"المستدرك" 2/ 456.
وأبعد من أنكر وجودهم، وإنما قيل: بإنكار تسلطهم على البشر، والصواب الذي لا شك فيه أنهم موجودون.
وهل هم أجسام أو جواهر قائمة بأنفسها؟ قولان.
وقام الاتفاق على تعذيبهم قال تعالى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} والصواب أن مؤمنيهم يدخل الجنة ينعم، قال تعالى:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} بعد قوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} الآيات. وعن أبي حنيفة: لا، وإنما تحصل لهم النجاة من النار، قال تعالى:{وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ثم يصيرون ترابًا.
الثالثة: كان خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف واستماع الجن بعد موت عمه وخديجة، وقبل المعراج، فلم يستجب له أحد، ورجع في جوار المطعم بن عدي، وذلك -يعني: خروجه- في شوال سنة عشر من النبوة، وكان معه زيد بن حارثة فاستمع له الجن وهو يقرأ سورة الجن، كذا في "طبقات ابن سعد"، وتأمل رواية البخاري التي سقناها فإن ظاهرها أن سورة الجنّ إنما نزلت بعد استماعهم
(1)
.
الرابعة: زعم جماعة أن الشهب قد لا تصيبهم، منهم السهيلي، وهذا فائدة تعرضهم لذلك بعد علمهم به، ويجوز أن ينسوه لينفذ فيهم القضاء كما قيل في الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض، ولا يرى الفخ على ظاهرها.
قال ابن عباس: كانت لا تحجب عن السموات، فلما ولد عيسى منعت من ثلاث، فلما ولد نبينا منعت من الكل.
(1)
انظر ذلك بتفصيل في: "سيرة ابن هشام": 28/ 2 - 31، و"البداية والنهاية": 3/ 147 - 150، و"تاريخ الإسلام" للذهبي: 1/ 197 - 202 و 282 - 286.
الخامسة: إن قلت: أيزول الكوكب الذي رمي به؟
قلت: يجوز أن يفنى ويتلاشى، ويجوز أن لا، فربما فصل شعاع من الكوكب وأحرق، نبه عليه ابن الجوزي.
وقال النووي في قوله تعالى: {رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} قيل: هو مصدر فتكون الكواكب هي الراجمة المحرقة بشهبها لا بأنفسها، وقيل: هو اسم فتكون هي بأنفسها التي ترجم بها، وتكون (رجوم) بمعنى رجم بفتح الراء.
خاتمة: في ألفاظ وقعت في الحديث الثاني.
(السوق): يذكر ويؤنث، قال في "الجامع": اشتقاقها من سوق الناس بضائعهم إليها، وقال ابن التين: لقيام الناس فيها على سوقهم.
و (عكاظ): سوق معروف بناحية مكة، وقيل: ما ذكره الزمخشري، وقد ذكره الأزهري
(1)
، وابن سيده
(2)
، والجوهري
(3)
، وغيرهم
(4)
.
ولم يكن فيه عشور ولا خفارة، يذكر فيها الشعراء مما أحدثوه من الشعر، يصرف ولا يصرف.
ومعنى (عامدين): قاصدين تهامة، وهو نخل. قال: خرجه البخاري وقال: بنخلة، وهو الصواب.
و (الأسوة): بكسر الهمزة وضمها، قرئ بهما، ومعناها: القدوة.
(1)
"تهذيب اللغة" 3/ 2532.
(2)
"المحكم" 1/ 159.
(3)
"الصحاح" 3/ 1174.
(4)
انظر: "النهاية" 3/ 284، و"تاج العروس" 10/ 475 - 476.
106 - باب الجَمْعِ بَيْن السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ
وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِيمِ، وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ، وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ.
[وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المُؤْمِنُونَ في الصُبْحِ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى، أَخَذتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ. وَقَرَأَ عُمَرُ في الرَّكْعَةِ الأُولَى بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنَ البَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ المَثَانِي. وَقَرَأَ الأَحْنَفُ بِالْكَهْفِ في الأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونُسَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه الصُّبْحَ بِهِمَا. وَقَرَأَ ابن مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنَ الأَنْفَالِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ المُفَصَّلِ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِيمَنْ يَقْرأُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ: كُلٌّ كِتَابُ الله].
774 م - وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا [أَنْ] تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى. فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ. وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ:"يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ؟ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ ". فَقَالَ: إِنِّى أُحِبُّهَا. فَقَالَ: "حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ". [فتح: 2/ 255]
775 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ
قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابن مَسْعُودٍ فَقَالَ قَرَأْتُ الُمفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةِ. فَقَالَ هذا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ التِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ. فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الُمفَصَّلِ، سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةِ. [4996، 5043 - مسلم: 822 - فتح: 2/ 255]
وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المُؤْمِنُونَ فِي الصُّبحِ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى، أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ.
وهذا التعليق أسنده مسلم في "صحيحه"، وقال: بمكة شرفها الله تعالى
(1)
. وعند أبي داود: الشك من محمد بن عباد بن جعفر
(2)
، وعند ابن ماجه: فلما بلغ ذكر عيسى وأمه أخذته سعلة -أو قَالَ: شهقة- وفي رواية: شرقة
(3)
، وعند الطبراني: يوم الفتح.
و (السَّعلة) -بفتح السين- كما قيده النووي في "شرح مسلم"، وقال ابن التين: بفتح السين كذا رويناه، وروي بضمها.
وفيه: جواز قطع القراءة، والقراءة ببعض السور، ولا خلاف في جوازه ولا كراهة فيه إن كان القطع لعذر، وكذا لغير عذر، لكنه خلاف الأولى، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وبه قَالَ مالك في رواية عنه، والمشهور عنه: كراهته
(4)
، وهو رواية عند الحنفية، والصحيح: موافقتنا
(5)
.
وهذا الحديث وقع عند مسلم في إسناده: عبد الله بن عمرو بن
(1)
مسلم (455) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الصبح. وليس في النسخ التي بين أيدينا: (شرفها الله تعالى).
(2)
"سنن أبي داود"(649) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة في النعل.
(3)
"سنن ابن ماجه"(820) كتاب: إقامة الصلاة، باب: القراءة في صلاة الفجر.
(4)
"مسلم بشرح النووي" 4/ 177 - 178.
(5)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 347، "البناية" 2/ 365.
العاصي، وصوابه: عبد الله بن عمرو المخزومي، كما ذكره البخاري في "تاريخه" وابن أبي حاتم، وخلائق
(1)
، وعبد الله بن السائب هذا هو عبد الله بن السائب بن أبي السائب صيفي بن عابد المخزومي قارئ مكة، لَهُ صحبة، مات قبل ابن الزبير، وأسلم عام الفتح وكان شريك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لَهُ صلى الله عليه وسلم:"نعم الشريك كنت؛ لا تداري ولا تماري" أو "لا تشاري ولا تماري"
(2)
.
ثم قَالَ البخاري: وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنَ البَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ المَثَانِي.
وهذا التعليق ذكره ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن عبد الأعلى، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن أبي رافع قَالَ: كان عمر يقرأ في الصبح بمائة من البقرة، ويتبعها بسورة من المثاني أو من صدور المفصل، ويقرأ بمائة من آل عمران، ويتبعها بسورة من المثاني أو من صدور المفصل
(3)
.
وسميت المثاني؛ لكونها قصرت عن المئين، وتزيد عَلَى المفصل، كان المئين جعلت مبادئ، والتي تليها مثاني، ثمَّ المفصل، وعن ابن مسعود وطلحة بن مصرف: المئون إحدى عشرة سورة، والمثاني عشرون سورة. وفي "المحكم": المثاني من القرآن ما يثنى مرة بعد
(1)
"التاريخ الكبير" 5/ 154 (470) و"الجرح والتعديل" 5/ 117 (533).
(2)
رواه أبو داود (4836)، النسائي في "الكبرى" 6/ 86 (10144) كتاب: عمل اليوم والليلة، باب: ما يقول للقادم إذا قدم عليه، والطبراني 7/ 139 - 140 (6618 - 6620)، والحاكم 2/ 61 كتاب: البيوع، والبيهقي 6/ 78 كتاب: الشركة، باب: الاشتراك في الأموال والهدايا. قال الحاكم: صحيح على الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 311 (3563) كتاب: الصلوات، باب: ما يقرأ في صلاة الفجر.
مرة. وقيل: فاتحة الكتاب. وقيل: سور أولها البقرة، وآخرها براءة.
وقيل: القرآن العظيم كله
(1)
. وعند الأزهري: سمي القرآن العظيم كله مثاني؛ لأن القصص والأمثال ثنيت فيه
(2)
.
ثم قَالَ البخاري: وَقَرَأَ الأَحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بيونس أو بيوسف، وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ الصُّبْحَ بِهِمَا.
وهذا الأثر أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه": عن مخلد بن جعفر، ثنا جعفر الفريابي، ثنا قتيبة، عن حماد بن زيد، عن بديل، عن عبد الله ابن شقيق قَالَ: صلى بنا الأحنف بن قيس الغداة فقرأ في الركعة الأولى بالكهف، وفي الثانية بيونس، وزعم أنه صلى خلف عمر بن الخطاب فقزأ في الأولى بالكهف، وفي الثانية بيونس، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا عن معتمر، عن الزبير بن الخريت، عن عبد الله بن قيس، عن الأحنف قَالَ: صليت خلف عمر الغداة فقرأ بيونس، وهود ونحوهما
(3)
، وحَدَّثَنَا وكيع، عن مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب أن عمر قرأ في الفجر بالكهف
(4)
.
وفي "صحيح مسلم" من حديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة بالنساء، ثمَّ بآل عمران
(5)
، قَالَ مالك: لا بأس بأن يقرأ سورة قبل سورة، ولم
(1)
"المحكم" 11/ 176 (ثنى).
(2)
"تهذيب اللغة" 1/ 506 (ثنى).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 310 (3546) كتاب: الصلوات، باب: ما يقرأ في صلاة الفجر.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 310 (3547) كتاب: الصلوات، باب: ما يقرأ في صلاة الفجر.
(5)
"صحيح مسلم"(772) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل.
يزل الأمر عَلَى ذَلِكَ من عمل الناس، وقراءة التي بعدها أحب إلينا
(1)
، وفي "شرح الهداية": هو مكروه، قَالَ: وعليه جمهور الفقهاء، منهم أحمد
(2)
.
فائدة:
ترتيب السور من ترتيبه صلى الله عليه وسلم، أو من اجتهاد المسلمين؟ قَالَ ابن الباقلاني: الثاني أصح القولين مع احتمالهما
(3)
، وتأولوا النهي عن
(1)
انظر: "البيان والتحصيل" 1/ 241، "مواهب الجليل"241.
(2)
"البناية" 2/ 366، وانظر "المغني" 2/ 169.
(3)
قال القاضي عياض: تعليقًا على حديث حذيفة في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران: وتقديمه هنا النساء على آل عمران حجة لمن يقول: إن ترتيب السور اجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف لم يكن ذلك من تحديد النبي عليه السلام وإنما وكله إلى أمته بعده وهو قول جمهور العلماء، وهو قول مالك واختيار القاضي أبي بكر الباقلاني وأصح القولين عنده، مع احتمالها. قال: والذي نقوله: إن تأليف السور ليس بواجب في الكتابة ولا في الصلاة، ولا في الدرس ولا في التلقين والتعليم، وإنه لم يكن من الرسول في ذلك نص واحد لا يحل تجاوزه؛ فلذلك اختلفت تأليفات المصاحف قبل مصحف عثمان، واستجاز النبي صلى الله عليه وسلم والأمة بعده في سائر الأعصار ترك الترتيب للسور في الصلاة والدرس والتلقين والتعليم، وعلى قول من يقول من أهل العلم: إن ذلك توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما حده ورسمه لهم حسب ما استقر في مصحف عثمان، وأن موجب اختلاف المصاحف قيل في الترتيب، وإنما كان قبل التوقيف وعلى ما جاء هنا كانت هاتان السورتان في مصحف أبي، ولا خلاف أنه يجوز للمصلى من الركعة الثانية أن يقرأ بسورة قبل التي صلى بها في الأولى، أو إنما يقع الكراهة بذلك في ذلك في ركعة واحدة أو لمن يتلو القرآن وقد أجاز هذا بعضهم وتأول نهى من نهى من السلف عن قراءة القرآن، مُنكَّسًا أن يقرأ من آخر السورة آية بعد آية إلى أولها كما يفعل من يُظهر قوة الحفظ، ولا خلاف أن تأليف كل سورة وترتيب آياتها توقيف من الله تعالى على ما هي عليه الآن في المصحف، وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها عليه السلام. "إكمال المعلم" 3/ 137.
قراءة القرآن منكوسًا عَلَى من يقرأ من آخر السورة إلى أولها، وأما ترتيب الآيات فلا خلاف أنه توقيف من الله عَلَى ما هي عليه الآن في المصحف.
ثمَّ قَالَ البخاري وَقَرَأَ ابن مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنَ الأَنْفَالِ، وَفِي الثَّانِي بِسُورَةٍ مِنَ المُفَصَّلِ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِيمَنْ يَقْرَأُ بسُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً في رَكْعَتَيْنِ: كُلُّ كِتَابُ اللهِ.
وقول قتادة هو موضع الاستشهاد عَلَى القراءة بالخواتيم، فيقرأ في الثانية النصف الثاني منها، وقد سلف قريبًا قراءته صلى الله عليه وسلم في الصبح:{إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة: 1] في الركعتين كلتيهما، وكذا قراءته الأعراف فيهما، وعن أبي بكر أنه قرأ بالبقرة في الفجر في الركعتين
(1)
، وعن عمر أنه قرأ بآل عمران في الركعتين الأوليين من العشاء قطعها فيهما، ونحوه عن سعيد بن جبير، وابن عمر، والشعبي، وعطاء، وقال مالك: إِذَا بدأ بسورة، وختم بأخرى لا شيء عليه، وقد كان بلال يقرأ من غير سورة
(2)
، وسلف حديث السعلة، وقرأ ابن مسعود بأربعين آية من الأنفال.
ثمَّ قَالَ البخاري:
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرى
(1)
رواه مالك 1/ 85 (220) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في قراءة الصبح. وابن أبي شيبة 1/ 310 (3545) كتاب: الصلوات، باب: ما يقرأ في صلاة الفجر.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 176.
مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلُّمَهُ أَصْحَابُهُ .. الحديث. وفي آخره:"وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُوم هذِه السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ". فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ: "حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ".
وهذا التعليق أخرجه الترمذي مسندًا بنحوه، ثمَّ قَالَ: صحيح غريب من حديث عبيد الله عن ثابت
(1)
. وروى مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس أن رجلًا قَالَ: يا رسول الله، إنى أحب هذِه السورة:- لـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص:1]: قَالَ: "إن حبك إياها يدخلك الجنة"
(2)
.
ورواه أبو نعيم من حديث الدراوردي، عن عبيد الله فذكره مختصرًا، والقصة مسندة في الصحيحين من حديث عائشة
(3)
، وأنه كان يختم بـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} كما ستعلمه في باب: الاعتصام إن شاء الله تعالى. وذكر أبو موسى في "الصحابة" أن هذا الرجل اسمه: كلثوم بن الهِدْم
(4)
، وقال ابن بَشكوال في "مبهماته" هو: قتادة بن النعمان الظفري
(5)
.
(1)
"سنن الترمذي"(2901) كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء في سورة الإخلاص، قال الألباني في "صحيح الترمذي": حسن صحيح.
(2)
رواه الترمذي (2901) كتاب: فضائل القرآن،، باب: ما جاء في سورة الإخلاص، وأحمد 3/ 141، والدارمي 4/ 2162 (3478) كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} ، أبو يعلى 6/ 83 - 84 (3336)، وابن حبان في "صحيحه" 3/ 72 (792) كتاب: الرقائق، باب: قراءة القرآن، وقال الألباني في "صحيح الترمذي": حسن صحيح.
(3)
سيأتي برقم (7375) كتاب: التوحيد، باب: ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى. ومسلم برقم (813) كتاب: صلاة المسافرين، باب: فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} .
(4)
نقله عنه ابن الأثير في "أسد الغابة" 4/ 495 - 496.
(5)
"غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 84.
وقال الدارقطني: رواه حماد بن سلمة، عن ثابت، عن حبيب بن سُبيعة عن الحارث مرسلًا، قَالَ أبو الحسن: وحماد بن سلمة أشبه بالصواب
(1)
. يعني: من حديث عبيد الله، ومبارك.
واختلف العلماء في جمع السورتين في كل ركعة، فأجاز ذَلِكَ ابن عمر، وكان يقرأ بثلاث سور في ركعة
(2)
، وقرأ عثمان بن عفان، وتميم الداري القرآن كله في ركعة
(3)
، وكذا سعيد بن جبير، وأبو حنيفة، وكان عطاء يقرأ سورتين في ركعة أو سورة في ركعتين من المكتوبة
(4)
.
وعند ابن أبي شيبة: كره أبو جعفر أن يقرن بين سورتين في ركعة، وزيد بن خالد الجهني، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية
(5)
.
وقال مالك: لا بأس أن يقرأ سورتين وثلاثًا في ركعة، وسورة أحب إلينا، ولا يقرأ بسورة في ركعتين، فإن فعل أجزأه، وقال مرة: لا بأس
(1)
"علل الدارقطني" 12/ 37.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 322 (3689) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يقرن السور في الركعة من رخص فيه.
(3)
رواه عبد الرزاق 3/ 354 (5952) في فضائل القرآن، باب: إذا سمعت السجدة وأنت تصلي وفي كم يقرأ القرآن، وابن أبي شيبة 1/ 322 (3690)، (3691) في الصلوات، باب في الرجل يقرن السورة في الركعة من رخص فيه؟.
(4)
رواه عبد الرزاق 3/ 354 - 355 (5953) كتاب: فضائل القرآن، باب: إذا سمعت السجدة، وابن أبي شيبة 1/ 323 (3696) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يقرن السور في الركعة متى رخص فيه؟.
(5)
ابن أبي شيبة 1/ 324 (3705 - 3708)، (3710) كتاب: الصلوات، باب: من كان لا يجمع بين السورتين في ركعة ..
به، وما هو من الشأن
(1)
، وأجاز ذَلِكَ كله الكوفيون
(2)
، وروي ذَلِكَ عن الربيع بن خثيم، والنخعي، وعطاء
(3)
، زاد ابن حزم: وعمر بن الخطاب، وطاوس
(4)
. وقال عطاء: كل سورة حظها من الركوع والسجود. وروي عن ابن عمر أنه قَالَ: إن الله فصَّل القرآن؛ لتُعطى كل سورة حظها من الركوع والسجود، ولو شاء لأنزله جملة واحدة
(5)
.
والقول الأول أشبه بالصواب لحديث ابن مسعود الآتي
(6)
.
وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة طول القنوت"
(7)
أي: القيام، وهو حجة عَلَى من خالف ذَلِكَ، ودليل واضح أن الأفضل من الصلوات ما أطلت فيه القراءة، ولا يكون ذَلِكَ إلا بالجمع بين السور الكثيرة في ركعة، وقد فعل ذَلِكَ الصحابة والتابعون.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 176.
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 347 - 349، "البناية" 2/ 365، "منية المصلي" ص 306.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 323 (3692)، (3693)، (3695) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يقرن السور من رخص فيه.
(4)
"المحلى" 4/ 103.
(5)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 3/ 149 (2855).
(6)
وإليه ذهب الشافعية: وهو رواية عن الإمام أحمد وهي الأصح، انظر:"الإعلام" 3/ 213 - 214، "المبدع" 1/ 485، "كشاف القناع" 2/ 417.
(7)
رواه أبو داود (1325) كتاب: التطوع، باب: افتتاح صلاة الليل بركعتين، والنسائي 5/ 58 كتاب: الزكاة، باب: جهد المقل، والدارمي 2/ 892 (1464) كتاب: أي الصلاة أفضل. وأبو نعيم في "الحلية" 2/ 14 ترجمة (104)، والبيهقي 3/ 9 كتاب: الصلاة، باب: من استحب الإكثار من الركوع والسجود.
كلهم عن عبد الله بن حبشي. قال الألباني في "صحيح أبي داود"(1196): إسناده صحيح على شرط مسلم، لكن الصواب في لفظه: أي الصلاة.
وثبت عن ابن عمر أنه فعله، خلاف ما روي عنه، وفي ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يقرأ في الركعة بعشر سور أو أقل، أو أكثر. ومن جهة النظر أنا رأينا فاتحة الكتاب تقرأ هي وسورة غيرها في كل ركعة، ولا بأس بذلك، فالنظر عَلَى ذَلِكَ أن يكون كذلك سائر السور، وعن معبد بن خالد: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبع الطوُّل في ركعة
(1)
، وقال عبد الله بن شقيق: قُلْتُ لعائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور في ركعة؟ قالت: نعم المفصل
(2)
. إسناده صحيح.
ثمَّ ساق البخاري من حديث شُعْبَة، ثنا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابن مَسْعُودٍ فَقَالَ: قَرَأتُ المُفَصَّلَ اللَّيلَةَ فِي رَكْعَةِ. فَقَالَ هذا كَهَذِّ الشِّعْرِ، لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ التِي كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ، فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ المُفَصَّلِ، سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
وهذا الحديث قَالَ البزار فيه: لا نعلم رواه عن عمرو إلا شعبة
(3)
، قُلْتُ: وساقه مسلم أطول من ذَلِكَ من حديث أبي وائل قَالَ: جاء رجل يقال له: نهيك بن سنان إلى أبي عبد الرحمن فقال: إني لأقرأ المفصل في ركعة، فقال عبد الله: هذا كهذِّ الشعر، إلى أن قَالَ: إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن سورتين في كل ركعة.
وفي رواية لَهُ: فقال رجل من القوم: قرأت البارحة المفصل كله. فقال عبد الله: هذا كَهَذِّ الشعر، لقد سمعت القرائن التي كان يقرؤهن
(1)
انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 323 (3699) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يقرن السور في الركعة من رخص فيه.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 323 (3702) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يقرن السور في الركعة من رخص فيه.
(3)
"مسند البزار" 5/ 129 (1715) و (شعبة) وقعت بالأصل: شعيب، خطأ.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثماني عشرة من المفصل، وسورتين من آل (حم).
وفي رواية لَهُ: اثنتين في كل ركعة، عشرين سورة في عشر ركعات، وفي أخرى: عشرون سورة من المفصل في تأليف عبد الله
(1)
، وفي بعض طرق البخاري كما ستعلمه: عشرون سورة من أول المفصل -عَلَى تأليف ابن مسعود- آخرهن من الحواميم: الدخان، وعم يتساءلون
(2)
، وفي أخرى لَهُ: ثماني عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل (حم)
(3)
.
وقد جاء بيان هذِه السور في "سنن أبي داود": الرحمن والنجم
(4)
في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، وهل أتى ولا أقسم في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة، وزاد في رواية ابن الأعرابي: والمدثر والمزمل في ركعة
(5)
(6)
.
إِذَا تقرر ذَلِكَ، فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
المفصل فيه أقوال عشرة أشهرها: من الحجرات، وأبعد من قَالَ: المراد به القرآن كله؛ لأنه مفصل
(7)
.
(1)
"صحيح مسلم"(822) كتاب: صلاة المسافرين، باب: ترتيل القراءة واجتناب الهذ وهو الإفراط في السرعة.
(2)
سيأتي برقم (4996) كتاب: فضائل القرآن، باب: تأليف القرآن.
(3)
سيأتي برقم (5043) كتاب: فضائل القرآن، باب: الترتيل في القراءة.
(4)
ورد في هامش الأصل: والقمر.
(5)
"سنن أبي داود"(1396) كتاب: الصلاة، باب: تحزيب القرآن.
(6)
ورد في هامش الأصل ما نصه: وفي رواية: الدخان وعم.
(7)
المفصل: ما يلي المثاني من قصار السور؛ سمي مفصلًا، لكثرة الفصول التي بين =
والهَذُّ: بالذال المعجمة: السرعة وشدة الاستعجال في القراءة، وقوله:(هذا): هو بتشديد الذال وتنوينها كما ضبطه الخطابي في
= السور (بسم الله الرحيم الرحيم) وقيل: لقلة المنسوخ فيه. وآخره: قُل {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} .
وفي أوله اثنا عشر قولًا: أحدها: الجاثية. ثانيها: القتال. وعَزَاه الماوردي للأكثرين. ثالثها: الحجرات. رابعها: (ق) قيل: وهي أوله في مصحف عثمان رضي الله عنه.
وفيه حديث ذكره الخطابي في "غريبه"، يرويه عيسى بن يونس بن يونس قال: حدثنا عبد الرحمن بن يعلى الطائفي قال: حدثني عمر بن عبد الله بن أوس بن حذيفة عن جده أنه وقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحزب القرآن. قال: وحزب المفصل من (ق). وقيل: إن أحمد رواه في "المسند". وقال الماوردي في "تفسيره": حكاه عيسى بن عمر عن كثير من الصحابة؛ للحديث المذكور.
الخامس": الصافات. السادس: الصف. السابع: تبارك. حكى هذِه الثلاثة ابن أبي الصيف اليمنى في: "نكت التنبيه".
الثامن: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} ؛ حكاه الدزماري في شرح "التنبيه" المسمى: "رفع التمويه".
التاسع: {الرَّحْمَنِ} ، حكاه ابن السيد في "أماليه" على "الموطأ" وقال: إنه كذلك في مصحف ابن مسعود. قلت: رواه أحمد في "مسنده" كذلك.
العاشر: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} .
الحادي عشر: {سَبَّحَ} ؛ حكاه ابن الفركاح في "تعليقه" عن المرزوقي. الثاني عشر: {وَالضُّحَى (1)} ، وعزاه الماوردي لابن عباس؛ حكاه الخطابي في "غريبه" ووجه بأن القارئ يفصل بين هذِه السور بالتكبير. قال: وهو مذهب ابن عباس وقراء مكة.
والصحيح عند أهل الأثر أن أوله (ق)، قال أبو داود في "سننه" في باب: تحزيب القرآن: حدثنا مسدد، حدثنا جرار بن تمام. ح. وحدثنا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد سليمان بن حبان -وهذا لفظه- عن عبيد الله بن عبد الرحمن ابن يعلى عن عثمان بن عبد الله بن أوس، عن جده أوس، قال عبد الله بن سعيد في حديث أوس بن حذيفة قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: في وقد ثقيف، قال: فنزلت =
"معالمه"
(1)
؛ لأن الدخان: ستون آية، وعم: أربعون، ويجوز أن يكون أطلق ذَلِكَ، لاشتراك ما بينهما في الموعظة أو الحكم أو القصص أو للمقارنة، فإن القرين يقال له: نظير.
قَالَ المحب الطبري في "أحكامه": وكنت أتخيل أن النظير بين هذِه السور؛ لتساويهما في عدد الآي حتَّى اعتبرتها فلم أجد شيئًا منها يساوي شيئًا، وقد ذُكرَتْ نظائر في عدد الآي، أحد وعشرون نظيرًا عدد آياتها
= الأحلاف على المغيرة بن شعبة، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قُبَّة له قال مسدد: وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيف -قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة بعد العشاء يحدثنا- قال مسدد: بمكة- فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجالُ الحرب بيننا وبينهم؛ ندال عليهم ويدالون علينا، فلما كانت ليلة، أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلت: لقد أبطأت علينا الليلة، قال:"إنه طرأ على حزبي من القرآن، فكرهت أن أجئ حتى أتمه". قال أوس: فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده.
رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر به. ورواه أحمد في "مسنده" عن عبد الرحمن بن مهدي وأبو يعلى الطائفي به. وحينئذ فإذا عددت ثمانيًا وأربعين سورة كانت التي بعدهن سورة (ق). بيانه: ثلاث: البقرة، وآل عمران، والنساء. وخمس: المائدة، والأنعام، والأعراف والأنفال، وبراءة. وسبع: يونس، وهود، ويوسف، والرعد، وإبراهيم، والحجر والنحل، وتسع: سبحان، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، والحج والمؤمنون، والنور، والفرقان. وإحدى عشرة: الشعراء، والنمل، والقصص، والعنكبوت، والروم، ولقمان، وآلم السجدة، والأحزاب، وسبأ، وفاطر، ويس. وثلاث عشرة: الصافات، وص، والزمر، وغافر، وحم السجدة، حم عسق، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، والقتال، والفتح، والحجرات، ثم بعد ذلك حزب المفصل- وأوله سورة (ق)، "البرهان في علوم القرآن" 1/ 245 - 248.
(1)
"معالم السنن" 1/ 246.
متساوٍ: الفاتحة الماعون، الأنفال الزمر، يوسف الإسراء، إبراهيم نون، (الجاثية)
(1)
الحج الرحمن، القصص ص، الروم الذاريات، السجدة الملك الفجر، حم السجدة
(2)
سبأ، فاطر ق، الفتح الحديد، الحجرات التغابن، المجادلة البروج، الجمعة المنافقون الضحى العاديات القارعة، الطلاق التحريم، نوح الجن، (المزمل)
(3)
المدثر، القيامة عم يتساءلون، الانفطار سبح العلق، ألم نشرح التين لم يكن الزلزلة ألهاكم، القدر الفيل تبت، الفلق، العصر النصر، الكوثر، (قريش)
(4)
انتهى.
وهو أكثر مما عده أولا.
ثالثها:
الحديث قال عَلَى قراءة سورتين في ركعة، وحديث أنس قال عَلَى ترداد سورة واحدة في الركعتين، وقال مالك: لا بأس به، وسئل مرة عن تكرير:{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} في النافلة فكرهه وقال: هذا مما أحدثوا
(5)
. يريد: في ركعة واحدة يكررها مرارًا، وحديث أنس وعائشة السالف حجة لمن أجاز تكرارها في الفريضة في كل ركعة؛ لأنه دخل الجنة لحبه إياها، وحديث الدارقطني من طريق مالك، عن عبد الله بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قَالَ: وحدثني أخي قتادة بن النعمان أن رجلًا قام من الليل يقرأ: {قُلْ هُوَ
(1)
لم يذكر المصنف لها نظرًا وقد تناسبها (محمد) فما تزيد عنها إلا آية.
(2)
لعله يقصد فصلت.
(3)
لم يذكر لها نظيرًا ويناظرها (الإخلاص).
(4)
لم يذكر لها نظيرًا ويناسبها (البلد).
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 177.
اللهُ أَحَدٌ (1)} يرددها لا يزيد عليها، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره - وكان يَتَقَالُّها- فقال:"إنها لتعدل ثلث القرآن"
(1)
. فهو دال عَلَى إجازة تكرارها في ركعة واحدة في النافلة.
وروى وكيع عن عبد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن محمد بن كعب القرظي قَالَ: من قرأ في سبحة الضحى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} عشر مرات بني لَهُ بيت في الجنة
(2)
.
قُلْتُ: وفي "المعرفة" للبيهقي أن الشافعي احتج في جواز الجمع بين السور مما رواه بإسناده عن ابن عمر، وبما رواه في موضع آخر عن عمر أنه قرأ بالنجم فسجد فيها، ثمَّ قام فقرأ سورة أخرى. قَالَ الربيع: قُلْتُ للشافعي: أتستحب أنت هذا وتفعله؟ قَالَ: نعم، وأفعله -يعني: الجمع بين السور- وهذا نص غريب في استحباب ذَلِكَ، وظاهر حديث أنس وعائشة يدل له.
رابعها:
إنكار ابن مسعود؛ لأنه مظنة عدم التدبر، وفي الحديث:"إن في كل حرف عشر حسنات"
(3)
فإن تدبره كان أعظم لأجره إلى ما لا نهاية له من الإفضال.
(1)
انظر: "علل الدارقطني" 11/ 282 - 283.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 178 (7818) كتاب: الصلاة، باب: ما يقرأ في صلاة الضحى.
(3)
رواه الترمذي (2910) كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء فيمن قرأ حرفًا من القرآن ماله من الأجر، وعبد الرزاق في "المصنف" 3/ 367 (5993) كتاب: فضائل القرآن، باب: تعليم القرآن وفضله، والدرامي في "مسنده" 4/ 2084 (3351) كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل من قرأ القرآن، والبخاري في "تاريخه الكبير" 1/ 216 ترجمة (679)، والطبراني 9/ 130 (8646)، (8647)، =
خامسها:
فيه دلالة عَلَى أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل كانت عشر ركعات ويوتر بواحدة
(1)
، ووجه ذَلِكَ قوله: لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين في ركعة.
= (8649)، وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه قال الألباني في "المشكاة" 9/ 651 (2137): صحيح، وفي "السلسلة الصحيحة" 7/ 970 (3327): صحيح.
(1)
سيأتي برقم (4569) كتاب: التفسير، باب: قوله: (إن في خلق السماوات والأرض).
107 - باب يَقرَأُ فِي الأُخرَيَيْن بِفَاتِحَةِ الكتَابِ
776 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأوُلَيَينِ بِأُمِّ الكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرُّكعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ، وُيسْمِعُنَا الآيَةَ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكعَةِ الأوُلَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الرَّكعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي العَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ. [انظر: 759 - مسلم: 451 - فتح: 2/ 260]
ذكر فيه حديث أبي قتادة السالف في باب: القراءة في الظهر
(1)
فراجعه منه، ويأتي أيضًا.
(1)
سبق برقم (759) كتاب: الآذان، باب: القراءة في الظهر.
108 - باب مَنْ خَافَتَ القِرَاءَةَ في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ
777 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ: قُلْتُ لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْنَا مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ. [انظر: 746 - فتح: 2/ 261]
ذكر فيه حديث خباب السالف في باب: رفع البصر إلى الإمام
(1)
فراجعه.
(1)
سبق برقم (746) كتاب: الآذان، باب: رفع البصر إلى الإمام في الصلاة.
109 - باب إِذَا أَسْمَعَ الإِمَامُ الآيَةَ
778 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأوزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأوُلَيَيْنِ مِنْ صَلَأةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأولَى. [انظر: 759 - مسلم: 451 - فتح: 2/ 261]
ذكر فيه حديث أبي قتادة السالف. وكذا:
110 - باب يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى
779 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. [انظر: 759 - مسلم: 451 - فتح 2/ 261]
ذكر فيه حديث أبي قتادة المذكور.
111 - باب جَهْرِ الإِمَامِ بِالتَّأمِيِن
وَقَالَ عَطَاءٌ: آمِينَ دُعَاءٌ. أَمَّنَ ابن الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةَ. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الإِمَامَ: لَا تَفُتْنِي بِآمِينَ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابن عُمَرَ لَا يَدَعُهُ وَيَحُضُّهُمْ عليه، وَسَمِعْتُ مِنْهُ في ذَلِكَ خَيْرًا.
780 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "آمِينَ". [781، 782، 4475، 6402 - مسلم: 410 - فتح: 2/ 262]
ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وَقَالَ ابن شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "آمِينَ".
الشرح:
أما قول عطاء: (آمين دعاء) فهو قول الجمهور. أي: اللَّهُمَّ استجيب.
وتعليقه: (أمن ابن الزبير) إلى آخره، أسنده الشافعي عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء قَالَ: كنت أسمع الأئمة: ابن الزبير ومن بعده يقولون: آمين، ويقول من خلفه: آمين حتَّى إن للمسجد لجة
(1)
، وفي "المصنف": حَدَّثَنَا ابن عيينة قَالَ: لعله عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن الزبير قَالَ: كان للمسجد رجة -أو قَالَ: لجة- إِذَا قَالَ
(1)
انظر: "مسند الشافعي" 1/ 82 (230 - 231) كتاب: الصلاة، باب: في صفة الصلاة.
الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ}
(1)
.
ورواه ابن حزم من طريق الدبري، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قَالَ: قُلْتُ لعطاء: أكان ابن الزبير يؤمن عَلَى إثر أم القرآن؟ قَالَ: نعم، ويؤمن من وراءه حتَّى إن للمسجد للجة
(2)
.
وفي البيهقي بإسناده إلى عطاء قَالَ: أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم في هذا المسجد إِذَا قَالَ الإمام: {عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] سمعت لهم رجة بآمين
(3)
.
و (اللجة) -بفتح اللامين وتشديد الجيم- الاختلاط.
قوله: (للمسجد) أي: لأهله. وأما أثر أبي هريرة: فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا وكيع، ثنا كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة أنه كان يؤذن بالبحرين فقال للإمام: لا تسبقني بآمين، وحَدَّثنَا أبو أسامة، عن هشام، عن محمد، عنه مثله
(4)
.
ورواه البيهقي من حديث أبي رافع، أن أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم فاشترط أن لا يسبقه بـ {الضَّالِّينَ} حتَّى يعلم أنه قَدْ دخل الصف، فكان مروان إِذَا قَالَ:{وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ أبو هريرة: آمين، يمد بها صوته، وقال: إِذَا وافق تأمين أهل الأرض تأمين أهل السماء غفر لهم
(5)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 190 (7980) كتاب: الصلوات، باب: ما ذكروا في آمين ومن كان يقولها.
(2)
"المحلى" 3/ 264.
(3)
"الكبرى" للبيهقي 2/ 59 كتاب: الصلاة، باب: جهر المأموم بالتأمين.
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 189، 190 (7962)، (7978) كتاب: الصلوات، باب: ما ذكر في آمين ومن كان يقولها.
(5)
"السنن الكبرى" 2/ 58 - 59 كتاب: الصلاة، باب: جهر المأموم بالتأمين.
ورواه ابن حزم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة أنه كان مؤذنًا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين، فاشترط عليه أن لا يسبقه بآمين
(1)
، وقال ابن بطال: معنى قول أبي هريرة للإمام: لا تسبقني بآمين. أي: لا تحرم في الصلاة حتَّى أفرغ من الإقامة؛ لئلا تسبقني بقراءة أم القرآن فيفوتني التأمين معك، وهو حجة لمذهب الكوفيين؛ لأنهم يقولون: إِذَا بلغ المؤذن: قَدْ قامت الصلاة، يجب عَلَى الإمام الإحرام، والفقهاء عَلَى خلافه لا يرون إحرامه إلا بعد تمامها وتسوية الصفوف، وقد سلف هذا في أثناء الأذان
(2)
، وأما أثر ابن عمر: فأخرج البيهقي عنه أنه كان إِذَا قَالَ الناس: آمين. أمَّن معهم، ورأى ذَلِكَ من السنة
(3)
.
وقوله: (وسمعت منه في ذلِكَ خيرًا)، قَالَ ابن التين: أي: خيرا موعودًا لمن فعله، قَالَ: ورُوِيَ (خبرًا) أي: حديثًا.
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم والأربعة
(4)
، ومناسبته للترجمة أنه لما كان الإمام يجهر بها، ولولا ذَلِكَ لما سمعه المأمومون، وكانوا مأمورين باتباعه في فعله، فالجهر عليهم كالإمام.
و (آمين) فيها خمس لغات:
أفصحها: بالمد.
(1)
"المحلى" 3/ 264.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 396 - 397.
(3)
"معرفة السنن والآثار" 2/ 393 (3179) كتاب: الصلاة، باب: التأمين.
(4)
"صحيح مسلم"(410) كتاب: الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين، وأبو داود (934 - 936)، والترمذي (250) والنسائي 2/ 143 - 144، وابن ماجه (851).
ثانيها: بالقصر.
ثالثها: بالمد والإمالة مخففة الميم.
رابعها: بالمد وتشديد الميم، وأنكرت، وفي البطلان بها وجه.
خامسها: القصر وتشديد الميم وهي غريبة، وقد أوضحت الكلام عَلَى ذَلِكَ في "لغات المنهاج" فراجعه منها.
قَالَ ابن الأثير: لو قَالَ: آمين رب العالمين، وغير ذَلِكَ من ذكر الله تعالى كان حسنًا
(1)
.
واختلف العلماء في الموافقة عَلَى أقوال: أظهرها: أنها في القول لقوله فيما سيأتي: "وقالت الملائكة في السماء آمين". وقوله: "فمن وافق قوله قول الملائكة" وقيل: الخشوع والإخلاص، وقيل: وافق الملائكة في استجابة الدعاء، وقيل: في لفظه. والملائكة: الحفظة، وفي كتاب ابن بزيزة: المتعاقبون.
وقوله: ("غفر له ما تقدم من ذنبه") قَالَ ابن بزيزة: أشار إلى الصغائر، وما لا يكاد ينفك عنه في الغالب من اللمم.
قَالَ الداودي: وقوله هذا قبل قوله في المؤمن: إنه يخرج من ذنوبه ويكون مشيه إلى الصلاة نافلة
(2)
. وقيل: إنه يمكن أن يكون أحدث شيئًا
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 202 - 203، "بدائع الصنائع" 1/ 207، "المعونة" 1/ 95، "بداية المجتهد" 1/ 281، "المغني" 2/ 160، "التمهيد" 3/ 202، "الشرح الكبير" 3/ 447، "الأم" 1/ 94، "الحاوي" 2/ 111، "إحكام الأحكام" ص 235.
(2)
إشارة إلى حديث عثمان رضي الله عنه أنه توضأ ثم قال: ألا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة". رواه مسلم (229) كتاب الطهارة، باب: فضل الوضوء.
في مشيه أو في المسجد أو غير ذَلِكَ فيما بين الوضوء والصلاة، وهو فيما بين العباد وربهم.
إِذَا تقرر ذَلِكَ، فاختلف العلماء في الإمام يقول: آمين: فعن مالك أن الإمام يقول: آمين كالمأموم عَلَى حديث أبي هريرة، وهو قول أبي حنيفة والثوري، والليث، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد
(1)
، وإسحق وأبي ثور. وقالت طائفة: لا يقولها الإمام، وإنما يقول ذَلِكَ من خلفه، وإن كان وحده قالها، وحكي عن مالك في "المدونة"، والمصريين من أصحابه
(2)
. حجة هذا القولِ حديث أبي هريرة الآتي: "إِذَا قَالَ الإمام: {عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين" قالوا: فلو كان الإمام يقول: آمين لقال صلى الله عليه وسلم: إِذَا قَالَ الإمام: آمين، فقولوا: آمين. ووجدنا الفاتحة دعاء فالإمام داع والمأموم مؤمن، وكذلك جرت العادة أن يدعو واحد ويؤمن المستمع، وقد قَالَ تعالى في قصة موسى وهارون {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89] فسماهما داعيين، وإنما كان موسى يدعو وهارون يؤمن كما سلف، فدل ذَلِكَ أن الإمام داعٍ بما في الفاتحة والمأموم مستجيب؛ لأن آمين معناها لغة: استجيب له.
واحتج أهل المقالة الأولى بحديث الباب: "إِذَا أمن الإمام فأمنوا" وذلك يدل أن المأموم يقول: آمين، ومعلوم أن قول المأموم هو: آمين، كذلك ينبغي أن يكون قول الإمام، وكذلك قول أبي هريرة للإمام:
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: بخط الشيخ في هامشه: عنه موافقة الثاني.
(2)
"المدونة" 1/ 73، "التمهيد" 3/ 201.
لا تسبقني بآمين. يدل أن الإمام يؤمن، ألا ترى قول ابن شهاب: وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "آمين"
(1)
.
واختلفوا في الجهر بها، فذهب الشافعي في أظهر قوليه، وأحمد إسحاق وأبو ثور إلى الجهر بها
(2)
، وحكي عن مالك أن الإمام يسر
(1)
ذكر أبو عوانة في "مسنده" 1/ 455 عقب الراوية (1687) كتاب: الصلوت، باب: إيجاب قراءة الفاتحة على الإمام والمأموم. وذكره البيهقي 2/ 55 كتاب: الصلاة، باب: التأمين.
(2)
مذهب الشافعية أنه يستحب الجهر بالتأمين للإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية.
قال النووي:
وأما المأموم فقد قال المصنف وجمهور الأصحاب: قال الشافعي في الجديد: لا يجهر، وفي القديم يجهر، وهذا أيضًا غلط من الناسخ أو من المصنف بلا شك؛ لأن الشافعي قال في "المختصر" وهو من الجديد: يرفع الإمام صوته بالتأمين ويسمع من خلفه أنفسهم.
وقال في "الأم" يرفع الإمام بها صوته فإذا قالها قالوها وأسمعوا أنفسهم، ولا أحب أن يجهروا، فإن فعلوا فلا شيء عليهم. هذا نصه بحروفه، ويحتمل أن يكون القاضي حسين رأى فيه نصا في موضع آخر من الجديد.
ثم للأصحاب في المسألة طرق أصحها وأشهرها والتي قالها الجمهور أن المسألة على قولين: (أحدهما) يجهر (والثاني) يسر. قال الماوردي: هذِه طريقة أبي إسحاق المروزي وابن أبي هريرة. ونقلها إمام الحرمين والغزالي في "الوسيط" عن أصحابنا (والثاني) يجهر قولًا واحدا (والثالث) إن كثر الجمع وكبر المسجد جهر. وإن قلوا أو صغر المسجد أسر (والرابع) حكاه الإمام والغزالي وغيرهما أنه إن لم يجهر الإمام جهر، وإلآ فقولان، والأصح من حيث الحجة أن الإمام يجهر به، ممن صححه المصنف في "التنبيه" والغزالي في "الوجيز" والبغوي والرافعي وغيرهم، وقطع به المحاملي في "المقنع" وآخرون، وحينئذ تكون هذِه المسألة مما يفتى فيها على القديم على ما سبق إيضاحه في مقدمة هذا الشرح.
وهذا الخلاف إذا أمن الإمام، أما إذا لم يؤمن الإمام فيستحب للمأموم التأمين جهرا بلا خلاف، نص عليه في "الأم" واتفقوا عليه ليسمعه الإمام، فيأتي به، قال =
بها
(1)
، وهو قول الكوفيين
(2)
، وروي ذَلِكَ عن عمر وعلي وابن مسعود، وعن النخعي والشعبي وابن أبي ليلى. حجة من جهر بها أن تأمينه تابع لتأمين الإمام، فيتبعه في كيفيته، وما أسلفناه عن ابن الزبير حجة من أمر القياس عَلَى سائر الأذكار، وقال ابن وهب عن مالك: لم أسمع في الجهر بها للإمام إلا حديث ابن شهاب، ولم أره في حديث غيره، قَالَ ابن التين: مرسل لم يسنده، ولو أسنده لم يكن فيه دليل للمتعلق به؛ لأنه لم يقل أنه كان يقوله في صلاة الجهر، ولعله قاله فيما صلى سرًّا، وقد قَالَ الخطابي: قوله: "فأمنوا" يريد لمن قرب منه؛ لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض منه بالقراءة، فقد تسمع قراءة من لا يُسمع تأمينه
(3)
.
= أصحابنا: سواء تركه عمدا أو سهوا، ويستحب للمأموم الجهر. ممن صرح بأنه لا فرق ببن ترك الإمام له عمدا أو سهوا: الشيخ أبو حامد في "التعليق" وهو مقتضى نص الشافعي في "الأم" فإنه قال: وإن تركه الإمام قاله من خلفه وأسمعه لعله يذكر فيقوله ولا يتركونه لتركه. كما لو ترك التكبير والتسليم لم يكن لهم تركه. هذا نصه، "المجموع" 3/ 331 - 332، وانظر:"المغني" 2/ 162، "المبدع" 1/ 439، "المحلى" 3/ 264.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 163، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 100، "الذخيرة" 2/ 222.
(2)
انظر: "الأصل" 1/ 11، "مختصر الطحاوي" ص 26، "منية المصلي" ص 214، "المبسوط" 1/ 32.
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 510.
112 - باب فَضْلِ التَّأْمِيِن
781 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ. وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ. فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". [انظر: 780 - مسلم: 410 - فتح: 2/ 266]
ذكر فيه حديث أَبِي الزِّنَادِ عبد الله بن ذكوان، عَنِ الأَعْرَجِ عبد الرحمن ابن هرمز، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ. وَقَالَتِ المَلَائِكَةُ فِي السَّمَاء: آمِينَ. فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرى، غفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا وزاد: "وإذا قَالَ أحدكم في صلاته: آمين"
(1)
ولم يذكر البخاري لفظة الصلاة، وقد سلف الكلام عَلَى الحديث فيما سلف، وأن المراد بالموافقة: الموافقة في القول، وادعى الأصيلي أنه لا تراعى موافقة الزمان؛ لأنه قَدْ يقول القائل: وافقت فلانا عَلَى كذا إِذَا قَالَ مثله سواء قاله قبله أو بعده، والأجر عَلَى الاتفاق في القول والنية، لا عَلَى وقوع القول في زمن واحد، وظاهر الحديث -كما قَالَ المهلب- خلافه، وأن قول الملائكة والمصلين في زمن واحد، وقال غيره: تأمين الملائكة هو استغفارهم للمصلين ودعاؤهم أن يستجيب الله منهم كما قَالَ تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} الآية [غافر:7].
(1)
"صحيح مسلم" 410/ 74 - 75 - كتاب: الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين.
وإذا كان تأمين العبد مع تأمين الملائكة مرتفعًا إلى الله تعالى في زمن واحد، وتأمين الملائكة مجاب وشفاعتهم يوم القيامة مقبولة فيمن استشفعوا له، فلا يجوز مع تفضل الله أن يجاب الشفيع، إلا وقد عم المشفوع لَهُ الغفران، والله اعلم، وهذا أولى بتأويل الحديث كما قاله ابن بطال
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 397 - 398.
113 - باب جَهْرِ المأْمُوم بالتَّأْمِينِ
782 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ -مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا قَالَ الإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا: آمِينَ. فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَنُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه. [انظر: 780 - مسلم: 410 - فتح: 2/ 226].
ذكر فيه حديث أبي صالح ذكوان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ. فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
هذا الحديث أخرجه مسلِم من حديث أبي هريرة أيضًا بلفظ: "إِذَا قَالَ القارئ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فقال من خلفه: آمين فوافق قوله قول أهل السماء؛ غفر لَهُ ما تقدم من ذنبه"
(1)
.
قَالَ البخاري: تَابَعَهُ مُحَمَّد بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَنُعَيْمٌ المُجْمِرُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أما متابعة محمد بن عمرو فأخرجها البيهقي من حديث النضر بن شميل عنه به بلفظ مسلم السالف
(2)
، وأخرجها الدارمي في "مسنده" من حديث يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو به
(3)
، ومتابعة نعيم أخرجها البيهقي من حديث سعيد بن هلال عنه، قَالَ: صلى بنا
(1)
"صحيح مسلم" 410/ 76 كتاب: الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 55 كتاب: الصلاة، باب: التأمين.
(3)
"مسند الدارمي" 2/ 793 (1281) كتاب: الصلاة، باب: في فضل التأمين.
أبو هريرة فقرأِ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)} ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمين، ثمَّ قَالَ: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: رواته ثقات
(1)
، وعزاه ابن عساكر إلى النسائي ولم نره فيه. وقال البزار: أصح حديث في هذا الباب حديث الزهري عن سعيد، عن أبي هريرة.
إِذَا تقرر ذَلِكَ، فاختلف العلماء في تأويل هذا الحديث عَلَى قولين: أحدهما: أنه خطاب للمأمومين أن يقولوا: آمين، وهي رواية ابن القاسم عن مالك
(2)
.
والثاني معناه: إِذَا بلغ الإمام موضع التأمين وهو قوله: {وَلَا الضَّالِّينَ} وقال: آمين، فقولوا: آمين، واحتجوا مما رواه معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إِذَا قَالَ الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين؛ فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين، فمن وافق
…
" الحديث، وبحديث نعيم السالف عن أبي هريرة، فهذا فعله، وهو راوي الحديث، فلا تعارض إذن بين هذا الحديث وبين قوله: "إِذَا أمن الإمام فأمنوا".
وجمع الطبري بينهما بأن الغفران حاصل إِذَا أمن بعد فراغ إمامه من الفاتحة أو بعد تأمين إمامه، فاتفقا على حصول الثواب أمن الإمام أو لم يؤمن، وافترقا بأن في أحدهما أمر من خلف الإمام به إِذَا أمن القارئ، وفي الآخر الأمر به إِذَا قَالَ الإمام {وَلَا الضَّالِّينَ} وإن لم يؤمن الإمام.
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 58 كتاب: الصلاة، باب: جهر الإمام بالتأمين.
(2)
انظر: "التمهيد" 3/ 201، "الجامع لأحكام القرآن" 1/ 112، "بداية المجتهد" 1/ 281.
فإن قُلْتَ: فأين وجه الترجمة من الحديث فإنه لا يقتضي الجهر دون السر؟ قُلْتُ: لكن لما كان الإمام يجهر به، ولولا ذَلِكَ ما سمعه المأموم، وكانوا مأمورين باتباع الإمام في فعله، جهر المأموم بها كإمامه، وقد اختلف العلماء فيِ ذَلِكَ، فقال عطاء وعكرمة: لقد أتى علينا زمان إِذَا قَالَ الإمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} سمعت لأهل المسجد رجة من قولهم: آمين -وقد أسلفناه عن عطاء في باب: جهر الإمام به مبسوطًا- وقالت طائفة: يسر بها المأموم.
قَالَ الطبري: والخبر بالجهر به والمخافتة صحيحان، وقد عمل بكل واحد منهما جماعة من علماء الأمة، وذلك يدل أنه مما خيرَّ الشارع فيه، ولذلك لم ينكر بعضهم عَلَى بعض كان منهم في ذَلِكَ، وإن كنتُ مختارًا خفض الصوت بهان؛ إذ كان أكثر الصحابة والتابعين عَلَى ذَلِكَ
(1)
. كذا ادعاه.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 2/ 399 - 400.
114 - باب إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ
783 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنِ الأَعْلَمِ -وَهْوَ زِيَادٌ- عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"زَادَكَ اللهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ". [فتح: 2/ 267]
ذكر فيه حديث همام، عن الأعلم -وهو زياد
(1)
- عن الحسن، عن أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"زادك الله حفظًا ولا تعُدْ".
وهو من أفراد البخاري.
وفي النسائي عن الأعلم، ثنا الحسن أن أبا بكرة حدثه به
(2)
، وعند أبي داود: فركع دون الصف ثمَّ مشى إلى الصف
(3)
وهو عند ابن حبان في "صحيحه" من حديث عنبسة الأعور عن الحسن، ومن حديث شعبة، عن زياد، عن الحسن، وقال: إنه مدحض لقول من زعم أن عنبسة تفرد به
(4)
. وأعله الدارقطني بأن الحسن لم يسمع
(5)
من أبي بكرة
(6)
. لكن لَهُ
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: وزياد هذا هو ابن حبان. وقال خليفة: ابن حيان بن قرة الأعلم الباهلي البصري.
(2)
"سنن النسائي" 2/ 118 كتاب: الإمامة، باب: الركوع دون الصف.
(3)
"سنن أبي داود"(684) كتاب: الصلاة، باب: الرجل يركع دون الصف.
(4)
"صحيح ابن حبان" 5/ 568 - 569 (2194)، (2195) كتاب: الصلاة، باب: فرض متابعة الإمام.
(5)
ورد في هامش الأصل ما نصه: ثبت سماعه من أبي بكرة، إذ في هذا "الصحيح" قوله صلى الله عليه وسلم:"إن ابني هذا سيد" صرح بالسماع فيه الحسن من أبي بكرة، وهو في النسائي "الصغير" بصيغة: سمعت، وقد رأيت له في "مسند أحمد" غير ما حديث، وقد ذكرت بعضها على نسختي لـ"مراسيل العلائي".
(6)
"الإلزامات والتتبع" ص 223.
عنه في "صحيحه" عدة أحاديث منها هذا، وقصة الكسوف
(1)
وليس فيها التصريح بالسماع، لكن البخاري لا يكتفي بالإمكان -أعني: إمكان اللقاء- كما أسلفناه في الفصول أوائل هذا الكتاب، فلابد أن يكون ثبت عنده سماعه منه، وغاية ما اعتل به الدارقطني أن الحسن روى أحاديث عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة، وذلك لا يمنع من سماعه، منه ما أخرجه البخاري.
وقد اختلف العلماء فيمن ركع دون الصف، فروي عن زيد بن ثابت
(2)
وابن مسعود
(3)
أنهما فعلاه، ومشيا إلى الصف ركوعًا، وفعله عروة وسعيد بن جبير وأبو سلمة وعطاء
(4)
.
وقال مالك والليث: لا بأس بذلك إِذَا كان قريبًا قدر ما يلحق به
(5)
.
وحد القرب فيما حكاه القاضي إسماعيل عن مالك أن يصل إلى الصف قبل سجود الإمام، وقيل: يقرب قدر ما بين الفرجتين، وفي "العتبية": ثلاث صفوف
(6)
. وفي "الأوسط" للطبراني من حديث ابن جريج عن عطاء أن ابن الزبير قَالَ عَلَى المنبر: إِذَا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل، ثمَّ يَدِبّ راكعًا حتَّى يدخل في الصف؛ فإن ذَلِكَ السنة. قَالَ عطاء: وقد رأيته يصنع ذَلِكَ.
(1)
سيأتي برقم (1040) كتاب: الكسوف، باب: الصلاة في كسوف الشمس.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 229 (2624)، (2625) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يدخل والقوم ركوع فيركع قبل أن يصل الصف.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 229 (2622) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يدخل والقوم ركوع فيركع قبل أن يصل الصف.
(4)
روى عنهم هذِه الآثار ابن أبي شيبة 1/ 230 (2626)، (2628، 2631) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يدخل والقوم ركوع فيركع قبل أن يصل الصف.
(5)
انظر: "الاستذكار" 2/ 315.
(6)
انظر: "الذخيرة" 2/ 273.
وقال: لم يروه عن ابن جريج -يعني: عن عطاء- إلا ابن وهب، تفرد به حرملة، ولا يروى عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد.
(1)
وفي "المصنف" بسند صحيح عن زيد بن وهب قَالَ: خرجت مع عبد الله من داره، فلما توسطنا المسجد ركع الإمام فكبر عبد الله، ثمَّ ركع وركعت معه، ثمَّ مشينا إلى الصف الأخير حين رفع القوم رءوسهم، فلما قضى الإمام الصلاة قمت لأصلي، فأخذ بيدي عبد الله فأجلسني، وقال: إنك قَدْ أدركت. وصف أبو عبيدة -كما نقله عن أبيه- مثل هذا، وبسند صحيح أن أبا لبابة فعل ذَلِكَ، وزيد بن ثابت وسعيد بن جبير وعروة وأبو سلمة، وعطاء كما سلف، ومجاهد والحسن
(2)
.
وقال أبو حنيفة والثوري: يكره ذَلِكَ للواحد ولا يكره للجماعة
(3)
.
ذكره الطحاوي قَالَ: وأجاز أبو حنيفة ومالك والشافعي والليث صلاة المنفرد وحده دون الصف
(4)
.
وقال مالك: لا يجذب إليه رجلًا.
وقال الأوزاعي وأحمد وأهل الظاهر: إن ركع دون الصف بطلت صلاته، محتجين بقوله:"ولا تعد" وقَالَ أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أتى أحدكم إلى الصف فلا يركع دون الصف، ولا تكبر حتَّى تأخذ مقامك من الصف" ذكره ابن أبي شيبة بإسناد صحيح
(5)
،
(1)
"المعجم الأوسط" 7/ 115 (7016).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 229 - 230 (2622 - 2632).
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 234.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 398 بتصرف.
(5)
انظر: "المصنف" 1/ 230 (2633)، (2636) كتاب: الصلوات، باب: من كره أن يركع دون الصف.
ونهى عنه الحسن في رواية، وكذا إبراهيم
(1)
، واحتج الأولون بأنه لم يأمره بالإعادة، ولو كان من صلى خلف الصف وحده يعيد لكان من دخل في الصلاة خلف الصف لا يكون داخلًا فيها. فلما كان دخول أبي بكرة في الصلاة دون الصف دخولًا صحيحًا، كانت صلاة المصلي كلها دون الصف صحيحة.
فإن قُلْتَ: فما معنى قوله: "ولا تَعُد" وهو بفتح التاء وضم العين؟ قُلْتُ: معنيان:
أحدهما: لا تعد أن تركع دون الصف حتَّى تقوم في الصف. حكاه ابن التين عن الشافعي، ويؤيده حديث أبي هريرة السالف من عند ابن أبي شيبة.
والثاني: لا تعد أن تسعى إلى الصلاة سعيًا يحفزك فيه النفس. وقد جاء في حديث أبي بكرة: جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع وقد حفزني النفس
(2)
(3)
. الحديث رواه حماد بن سلمة عن الأعلم به: فجاء يلهث. وكان أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يأتوا الصلاة وعليهم السكينة.
ويحتمل معنى ثالثًا وهو: لا تعد إلى الإبطاء.
وأحسن من الكل ما جاء مصرحًا به وهو: دخوله في الصف راكعًا، فإنها كمشية البهائم، قاله المهلب بن أبي صفرة.
(1)
رواه عنهما ابن أبي شيبة 1/ 230 (2634)، (2635) كتاب: الصلوات، باب: من كره أن يركع دون الصف.
(2)
ورد في هامش الأصل ما نصه: من خط الشيخ: وفي "صحاح ابن السكن" فانطلقت أسعى حتى دخلت في الصف، فلما قضى عليه السلام الصلاة قال:"من الساعي آنفًا؟ " قال أبو بكرة: أنا. فذكر الحديث.
(3)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 395 كتاب: الصلاة، باب: من صلى خلف الصف وحده.
وقال ابن القطان في "علله": وهذا هو المراد، فإن في "مصنف حماد بن سلمة" عن الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وقد ركع فركع ثمَّ دخل الصف وهو راكع، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أيكم دخل الصف وهو راكع" فقال لَهُ أبو بكرة: أنا، فقال:"زادك الله حرصًا ولا تَعُد".
قَالَ ابن القطان: فتبين بهذِه الزيادة أن الذي أنكر عليه الشارع إنما هو أن دَبَّ راكعًا، وقد كان هذا متنازعًا فيه إلى أن تبين أن هذا هو المراد
(1)
.
قُلْتُ: لكن ما رواه عن "الأوسط" يخالفه، قَالَ الطحاوي: ولا يختلفون فيمن صلى وراء الإمام في صف فخلا موضع رجل أمامه أنه ينبغي له أن يمشي إليه، وفي تقدمه من صف إلى صف هو فيما بين الصفين في غير صف، فلم يضره ذَلِكَ ولم يخرجه عن الصلاة، فلو كانت الصلاة لا تجوز إلا لقائم في صف لفسدت عَلَى هذا صلاته لما صار في غير صف، وإن كان ذَلِكَ أقل القليل، كما أن من وقف عَلَى موضع نجس أقل القليل وهو يصلي أفسد ذَلِكَ عليه صلاته، فلما أجمعوا أنهم يأمرون هذا بالتقدم إلى ما قد (صلى)
(2)
أمامه من الصف، ولا يفسد ذَلِكَ عليه كونهُ فيما بين الصفين في غير صف، دل ذَلِكَ أن من صلى دون الصف أن صلاته تجزئ
(3)
(4)
.
(1)
"بيان الوهم والإيهام " 5/ 609 - 610.
(2)
كذا بالأصل، ولعلها: خلا.
(3)
ورد في هامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في السابع بعد الستين، كتبه مؤلفه.
(4)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 397.
115 - باب إِتْمَامِ التَّكْبِيِر فِي الرُّكُوعِ
قاله ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم[787] فيه مالك بن الحويرث. [انظر: 677]
784 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ - رضى الله عنه - بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلَاةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ. وَضَعَ. [786، 826 - مسلم: 393 - فتح: 2/ 269]
785 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي لأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. [789، 795، 803 - مسلم: 392 - فتح: 2/ 269]
قَالَهُ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. هذا ذكره بعد هذا الباب مسندًا.
قَالَ: وفِيهِ عن مَالِك بْنِ الحُوَيْرِثِ.
ويعني به الحديث السالف في الإمامة ثمَّ ساق بإسناده من حديث خَالِد، عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي العَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: ذَكَّرَنَا هذا الرَّجُلُ صَلَاةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وخالد هو ابن عبد الله الطحان، والجُرَيري هو سعيد بن إياس أبو مسعود، وأبو العلاء: هو يزيد بن عبد الله بن الشخير، ومطرف هو ابن عبد الله بن الشخير.
قَالَ البزار في "سننه": هذا الحديث رواه غير واحد، عن مطرف،
(1)
"صحيح مسلم"(393) كتاب: الصلاة، باب: إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع.
عن عمران، وعن الحسن، عن عمران، وهذِه الأحاديث فيها أحاديث صحاح
(1)
: حديث ابن مسعود وأبي هريرة، وسائر الأسانيد حسان، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يتم التكبير، روى الحسن بن عمران
(2)
، ولا نعلم روى عنه إلا شعبة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه به، ومعناه أنه كان يكبر في بعض صلاته ويترك في خفض أو رفع عَلَى أن هذا الحديث لا يصح من جهة النقل فاستغنينا عن التكثير في ذَلِكَ.
ثمَّ ساق البخاري بإسناده من حديث ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي لأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أخرجه مسلم أيضًا
(3)
، قَالَ البزار في "سننه": رواه غير واحد عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة
(4)
.
وسيأتي في باب: يكبر وهو ينهض من السجدتين ما يخدش في هذِه الرواية.
ثمَّ ساق
(5)
من حديث قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ
(1)
إلى هنا ذكر بمعناه في "البحر الزخار" 9/ 27 (3533).
(2)
رواه أبو داود (837) كتاب: الصلاة، باب: تمام التكبير، والبخاري في "تاريخه الكبير" 2/ 300 ترجمة (2540)، والبيهقي 2/ 68 كتاب: الصلاة، باب: التكبير للركوع وغيره، وابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 178 - 179، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" (150): إسناده ضعيف مضطرب.
(3)
"مسلم"(392) في الصلاة، باب: إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة.
(4)
رواه البزار في "مسنده" 14/ 276 (7868 - 7869) من طريق أبي سلمة مثل البخاري، ولم يعلق بعده. فالله أعلم.
(5)
أي في الباب الآتي بعده.
بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ اثْنَتَين وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أَحْمَقُ. فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، سُنَّةُ أَبِي القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثنَا أَبَانُ، ثَنَا قَتَادَة، ثَنَا عِكْرِمَةُ. انتهى.
أراد البخاري بهذا تبيين سماع قتادة من عكرمة وهو مخرج في "سنن البزار"، وقال في حديث سعيد عن قتادة: رواه أيضًا همام عن قتادة، ورواه خالد الحذاء وعبد الله بن المختار وأبو بشر، عن عكرمة، ولم يسند ابن المختار عن عكرمة غير هذا الحديث، وروى قتادة، عن شهر، عن عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك الأشعري قَالَ: لأصلين بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة.
قَالَ أبو بكر: وهذا الحديث رواه بديل بن ميسرة أيضًا عن شهر.
وقد ذكر الإسماعيلي أيضًا في "صحيحه" من حديث سعيد، ثنا قتادة أن عكرمة حدثهم فذكره، وحديث عكرمة هذا من أفراد البخاري.
إِذَا عرفت ذَلِكَ فاعلم أن البخاري ترجم لحديث عمران باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي السُّجُودِ، وزاد فيه: وكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ.
وذكر فيه حديث عكرمة أيضًا، وأبو بشر فيه هو جعفر بن أبي وَحْشِيَّة إياس
(1)
، وشيخ البخاري في حديث عمران: هو أبو النعمان، واسمه: محمد بن الفضل عارم.
وترجم لحديث أبي هريرة باب التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ، وقال فيه: وَقَالَ مُوسَى بن إسماعيل: ثَنَا أَبَانُ، ثَنَا قَتَادَةُ، ثَنَا عِكْرِمَةُ. وأراد به تبيين سماع قتادة من عكرمة كما سلف؛ لتزول تهمة تدليسه.
(1)
اليَشْكُري الواسطي، انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 2/ ت 1927، "تهذيب الكمال" 5/ 5.
وأبان هو ابن يزيد أبو يزيد العطار البصري، استشهد به البخاري، وذكر فيه حديثًا آخر كما ستعلمه
(1)
.
وهذِه الآثار دالة على أن التكبير في كل خفض ورفع لم يكن مستعملًا عندهم، ولولا ذَلِكَ ما قَالَ عمران: ذكرنا عليٌّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا قَالَ أبو هريرة: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أنكر عكرمة عَلَى الذي كبر اثنتين وعشرين تكبيرة، ولا نسبه إلى الحمق، وهذا يدل أن التكبير في غير الإحرام لم يتلقه السلف عَلَى أنه من أركان الصلاة، وقد فعله جماعة من السلف وتركه جماعة، ولم يقل أحد ممن فعله لمن لم يفعله: إن صلاتك لا تتم إلا به.
فممن كان يتم التكبير ولا ينقصه من الصلاة في كل خفض ورفع: الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عمر وجابر وأبو هريرة، ومن التابعين: مكحول والنخعي
(2)
، وهو قول مالك والأوزاعي والكوفيين والشافعي وأبي ثور وعوام العلماء
(3)
.
وممن كان ينقص التكبير ذكر الطبري قَالَ: سُئِلَ أبو هريرة: من أول من ترك التكبير إِذَا رفع رأسه وإذا وضعه؟ قَالَ: معاوية.
(1)
سيأتي برقم (788) كتاب: الآذان، باب: التكبير إذا قام من السجود.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في 1/ 216 - 217 (2477 - 2481)، (2482 - 2492) كتاب: الصلوات، باب: من كان يتم التكبير ولا ينقصه في كل رفع وخفض.
(3)
انظر: "الأم" 1/ 95، "المدونة" 1/ 72، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 222، "المبسوط" 1/ 19، "الأوسط" 3/ 135، "المجموع" 3/ 364 - 365، "المغني" 2/ 170 - 171، "الذخيرة" 2/ 210، "المبدع" 1/ 396، "نيل الأوطار" 2/ 6 - 7.
وعن عمر بن عبد العزيز وابن سيرين والقاسم وسالم وسعيد بن جبير مثله
(1)
.
وذكر أبو القاسم البلخي في كتابه "معرفة الرجال": عن أبي عاصم عن أبي حباب، قَالَ: شهدت عمرو بن عبيد أتى ابن سيرين فقال: يا أبا بكر، ألم يقل عمران حين صلى بهم فلان فجعل يكبر كلما خفض ورفع؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فما بالك تحذف تكبيرتين؟ فقال: إن مروان وأهل المدينة لا يكبرون، فقال عمرو: سبحان الله يا أبا بكر، يقول عمران: ذكرني صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت: مروان وأهل المدينة لا يكبرون. قَالَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] فقال عمرو: أوَ مروان ممن أمر الله أن يقتدى به؟ لا والله، لا أجالسُك أبدا.
واحتجوا مما رواه شعبة عن الحسن بن عمران، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قَالَ: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم التكبير يعني: إِذَا خفض وإذا رفع وقد سلف، وأنه ضعيف والحديث في "مسند أحمد".
قَالَ البخاري في "تاريخه" عن أبي داود الطيالسي: هذا عندنا باطل
(2)
.
وقال الطبري: راويه الحسن بن عمران وهو مجهول لا يجوز الاحتجاج به
(3)
، قَالَ البيهقي: وقد يكون كبر ولم يسمع الراوي أو
(1)
رواه عنهم ابن أبي شيبة 1/ 218 (2498)، (2499)، (2501 - 2503) كتاب: الصلوات، باب: من كان لا يتم التكبير وينقصه وما جاء فيه.
(2)
"التاريخ الكبير" 2/ 300 ترجمة (2540).
(3)
هو: الحسن بن عمران الشامي، أبو عبد الله، ويقال: أبو علي العسقلاني قال أبو حاتم: شيخ، وقال أبو داود الطيالسي: هذا عندنا لا يصح وذكره ابن حبان في =
يكون تركه مرة؛ لبيان الجواز
(1)
، وتأوله الكرخي على حذفه، وذلك نقصان صفة لا نقصان عدد، وفي "المصنف" عن أبي عبيد: أول من نقصه زياد
(2)
.
وفي "شرح الهداية" سُئِلَ أبو حنيفة عن التكبير، فقال: احذفه واجزمه. ومثله عن صاحبيه.
وكان ابن عمر ينقص التكبير، وقال مسعر: إِذَا انحط بعد الركوع لم يكبر
(3)
، وإذا أراد أن يسجد الثانية من كل ركعة لم يكبر.
وقال سعيد بن جبير: إنما هو شيء يزين به الرجل صلاته. وقال قوم من العلماء: التكبير إنما هو إذن بحركة الإمام وليس بسنة إلا في الجماعة، فأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر، وقال أحمد بن حنبل: كان ابن عمر لا يكبر إِذَا صلى وحده
(4)
، وقد قَالَ بسنية تكبيرات الانتقالات الخلفاء الأربعة ومن سلف، وقيس بن (عباد)، والشعبي، وسعيد بن عبد العزيز، وابن الزبير.
= "الثقات" قال ابن حجر في "التقريب" لين الحديث، من السابعة.
انظر: "التاريخ الكبير" 2/ 300 (2540)، "الجرح والتعديل" 3/ 27 (114)، و"تهذيب الكمال" 6/ 289 (1261)، و"تقريب التهذيب" 163 (1273).
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 68 كتاب: الصلاة، باب: التكبير للركوع وغيره.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 218 (2500) كتاب: الصلوات، باب: من كان لا يتم التكبير وينقصه وما جاء فيه.
(3)
انظر: "الاستذكار" 1/ 417 - 418.
(4)
انظر: "التمهيد" 3/ 93، وقال ابن رجب رحمه الله: ولما حكاه ابن عبد البر، عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده، وذكر أن أحمد بن حنبل حكاه عنه في رواية ابن منصور. فهذا وهم منه رحمه الله على أحمد. فإن مراد أحمد التكبير في أدبار الصلوات أيام التشريق. =
وقال أهل الظاهر وأحمد في رواية: كلها واجبة
(1)
.
ومن الأحاديث الدالة عَلَى المشروعية ما رواه النسائي عن واسع بن حبان أنه سأل ابن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله أكبر كلما وضع وكلما رفع
(2)
.
وما رواه الترمذي محسنًا مصححًا من حديث ابن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود
(3)
.
وما رواه مالك من حديث وهب بن كيسان أن جابرًا كان يعلمهم التكبير في الصلاة، وكان يأمرنا أن نكبر كلما خفضنا ورفعنا
(4)
.
وما رواه النسائي من حديث أنس مرفوعًا
(5)
وابن أبي شيبة من
= ويدل عليه: أن أحمد في تمام هذِه الرواية حكى -أيضًا-، عن قتادة أنه كان يكبر إذا صلى وحده ثم قال: وأحب إلى أن يكبر من صلى وحده في الفرض. وأما النافلة فلا، ولم يرد أحمد أن صلاة النافلة لا يكبر فيها للركوع، والسجود، والجلوس، فإن هذا لم يقله أحمد قط. ولا فرق أحمد بين الفرض والنفل في التكبير، "فتح الباري" 7/ 140 - 141.
(1)
والرواية الثانية أنها ركن لا يسقط بالسهو، والرواية الثالثة أنها ركن لا يسقط إلا في حق المأموم، والرواية الرابعة أنها سنة، انظر:"شرح الزركشي" 1/ 304، "المبدع" 1/ 496، "فتح الباري" لابن رجب 7/ 141 - 143.
(2)
"سنن النسائي" 3/ 63 كتاب: السهو، باب: كيف السلام على اليمين، قال الألباني في "صحيح النسائي": صحيح الإسناد.
(3)
"سنن الترمذي"(253) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود، قال: حديث عبد الله حديث حسن صحيح، قال الألباني في "صحيح الترمذي": صحيح.
(4)
"الموطأ" 1/ 81 (211) كتاب: الصلاة، باب: افتتاح الصلاة والتكبير في كل خفض ورفع.
(5)
"سنن النسائي" 3/ 2 كتاب: السهو، باب: التكبير إذا قام من الركعتين. وقال الألباني في "صحيح النسائي" صحيح الإسناد.
حديث علي مرفوعًا بنحوه
(1)
، وغير ذَلِكَ.
وفي "سنن البزار" بإسناد جيد من حديث أنس قَالَ: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يتمون التكبير، ثمَّ قَالَ: لا نعلمه يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد.
واختلف أصحاب مالك فيمن ترك التكبير في الصلاة، فقال ابن القاسم: من أسقط ثلاثًا فأكثر أو التكبير كله سوى تكبيرة الإحرام، سجد قبل السلام وإن لم يسجد قبله سجد بعده، وإن لم يسجد حتَّى طال بطلت صلاته، وفي "الواضحة": وإن نسي تكبيرتين سجد قبل أن يسلم، فإن لم يسجد لم تبطل صلاته وإن ترك تكبيرة واحدة، فاختلف قوله هل عليه سجود أم لا؟ فقال ابن عبد الحكم وأصبغ: ليس على من ترك التكبير سوى السجود، فإن لم يفعل حتَّى تباعد فلا شيء عليه. واختاره ابن المواز وابن حبيب
(2)
، وآثار الباب تدل على صحة هذا القول، ولا سجود عليه عند الشافعي
(3)
.
قَالَ ابن القصار: وعلى أصل أبي حنيفة: فيه السجود. وحكى الطحاوي خلاف هذا القول، قَالَ: أجمعوا أن من ترك تكبير الركوع والسجود فصلاته تامة
(4)
.
وقال الطبري: لا نرى صلاته فاسدة وإن كان مخطئا لسنة الشارع؛ لإجماع سلف الأمة وخلفها أن صلاة من فعل ذَلِكَ غير فاسدة
(5)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 217 (4292) كتاب: الصلوات، باب: من كان يتم التكبير ولا ينقصه في كل رفع وخفض.
(2)
انظر: "التمهيد" 3/ 108.
(3)
انظر: "البيان" 2/ 336.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 228.
(5)
انظر "شرح ابن بطال" 2/ 404 - 405.
وفي "شرح الهداية": لا يجب السجود بترك الأذكار كالثناء والتعوذ وتكبيرات الركوع والسجود، وتسبيحاتها.
وفي تكبير أبي هريرة كلما خفض ورفع، من الفقه أن التكبير ينبغي أن يكون معهما سواء، من غير تقدم ولا تأخر، وهو قول أكثر العلماء، ذكره الطحاوي عن الكوفيين والثوري والشافعي، قالوا: ينحط للركوع والسجود وهو يكبر وكذلك يفعل في حال الرفع والقيام من الجلسة الأولى يكبر في حال القيام، وكذلك قَالَ مالك إلا في حال القيام من الجلسة الأولى فإنه يقول: لا يكبر حتَّى يعتدل قائمًا. هذا قوله في "المدونة"
(1)
، وفي "المبسوط" روى ابن وهب عن مالك: إن كبر بعد استوائه فهو أحب إلى، وإن كبر في نهوضه بعد ما يفارق الأرض، فأرجو أن يكون في سعة.
قَالَ الطحاوي: فأخبر في هذا الحديث أن التكبير كان في حال الخفض والرفع، ولما اتفقوا في الخفض والرفع أن الذكر مفعول فيه وجب أن يكون كذلك حال القيام من الجلسة الأولى
(2)
، وسيأتي توجيه قول مالك في أنه لا يكبر حتَّى يعتدل قائمًا في أبواب السجود في باب: يكبر وهو ينهض بين السجدتين إن شاء الله تعالى.
وللشافعي قولان في مد التكبير في الانتقالات، والأظهر الاستحباب
(3)
، ومذهب الكوفيين مقابله فيما ذكره الطحاوي.
(1)
"المدونة" 1/ 72.
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 222.
(3)
انظر: "المجموع" 3/ 364.
116 - باب إِتْمَامِ التَّكْبِيِر فِي السُّجُودِ
786 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضى الله عنه - أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. أَوْ قَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 784 - مسلم: 393 - فتح: 2/ 271]
787 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنه -، قَال: أَوَلَيْسَ تِلْكَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا أُمَّ لَكَ؟! [788 - فتح: 2/ 271]
ذكر فيه حديث عمران وابن عباس وقد سلفا في الباب قبله.
117 - باب التَّكْبِيِر إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ
788 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أَحْمَقُ. فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ. [انظر: 787 - فتح: 2/ 272]
789 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ:"سَمِعَ اللهُ لَمِنْ حَمِدَهُ". حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ:"رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ" - قَالَ عَبْدُ اللهِ [بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ]: "وَلَكَ الْحَمْدُ"- ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ. [انظر: 785 - مسلم: 392 - فتح: 2/ 272]
ذكر فيه حديث عكرمة السالف عن ابن عباس، وحديثًا آخر عن أبي هريرة وسيأتي قريبًا بطوله.
118 - باب وَضْعِ الأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ
وقال أبو حميد في أصحابه: أمكن النبي صلى الله عليه وسلم يديه من ركبتيه.
790 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ. [مسلم: 535 - فتح: 2/ 273]
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ في أَصْحَابِهِ: أَمْكَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ.
هذا التعليق أخرجه مسندًا في باب سنة الجلوس في التشهد
(1)
مطولًا.
وأبو حميد اسمه: عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد الساعدي، حكى في عشرة من الصحابة منهم أبو قتادة فصدَّقوه.
ثمَّ ساق حديث شُعبةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ. وهو حديث أخرجه مسلم والأربعة
(2)
.
وأبو يعفور -بالفاء- اسمه واقد، ولقبه وقدان
(3)
، والد يونس بن
(1)
سيأتي برقم (828) كتاب: الآذان، باب: سنة الجلوس في التشهد.
(2)
"صحيح مسلم"(535) كتاب: المساجد، باب: الندب إلى وضع الأيدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق. وأبو داود (734)، والترمذي (259)، والنسائي 2/ 185، وابن ماجه (873).
(3)
في هامش الأصل: قال الذهبي: اسمه وقدان وقيل: واقد.
أبي يعفور العبدي الكبير
(1)
، وادعى النووي أنه الصغير عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس
(2)
روى عن أبي الضحى وفيه نظر؛ لأن الصغير لم يذكر في الأخذ عن مصعب ولا في أشياخ شعبة.
إذَا عرفت ذَلِكَ، فإجماع فقهاء الأمصار عَلَى القول بهذا الحديث، وروي ذَلِكَ عن عمر وعلي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وجماعة من التابعين، وكان ابن مسعود والأسود بن يزيد وأبو عبيدة يطبقون أيديهم بين ركبهم إِذَا ركعوا
(3)
. وقال ابن مسعود هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
قَالَ الطحاوي: وما روي عن ابن مسعود من ذَلِكَ منسوخ بحديث سعد، ألا ترى قوله:(كنا نفعله فنهينا عنه؟)
(5)
وقال عمر: قَدْ سنت لكم الركب. وكذا قَالَ الترمذي: إنه منسوخ عند أهل العلم بهذا الحديث
(6)
وبقول عمر المصحح عنده: إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب
(7)
.
لا اختلاف بينهم في ذَلِكَ إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض
(1)
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد": 6/ 348، و"تهذيب الكمال": 30/ 459 (6694).
(2)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 5/ 17.
(3)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 1/ 220 - 221 (2528 - 2531، 2534، 2539)
كتاب: الصلوات، باب: من كان يقول: إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك، ورواه ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 152 - 153.
(4)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 151 - 152.
(5)
"شرح معاني الآثار" 1/ 230.
(6)
"سنن الترمذي" 2/ 44 عقب الرواية (258) كتاب: الصلاة، باب: مما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع.
(7)
رواه الترمذي (258) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع، وقال: حسن صحيح، قال الألباني: صحيح الإسناد.
أصحابه أنهم كانوا يطبقون وبنحوه ذكره النسائي
(1)
واستدل البيهقي بحديث عمرو بن مرة عن خيثمة بن عبد الرحمن عن أبي سبرة الجعفي قَالَ: قدمت المدينة فجعلت أطبق كما يطبق أصحاب عبد الله، فقال رجل من المهاجرين: ما يحملك عَلَى هذا؟ قُلْتُ: كان عبد الله يفعله ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله، فقال: صدق عبد الله، ولكن رسول الله ربما صنع الأمر ثمَّ يحدث الله لَهُ أمرًا، فانظر ما اجتمع عليه المسلمون فاصنعه، فكان بعدُ لا يطبق. قَالَ البيهقي: وهذا الذي صار إليه موجود في وصفة أبي حميد ركوع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
، وعند النسائي من حديث أبي مسعود بن عمرو أنه ركع فوضع يديه عَلَى ركبتيه وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي
(3)
.
وعند أبي داود عن رفاعة بن رافع أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك"
(4)
.
(1)
"سنن النسائي" 2/ 183 كتاب: الافتتاح، باب: التطبيق، ورواه أيضًا مسلم (534) كتاب: المساجد، باب: الندب إلى وضع الأيدي على الركب، وأبو داود (868) كتاب: الصلاة، باب: تفريغ أبواب الركوع والسجود: وأبو يعلى في "مسنده" 9/ 129 (5203).
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 84 كتاب: الصلاة، باب: السنة في وضع الراحتين على الركبتين ونسخ التطبيق.
(3)
النسائي 2/ 186 كتاب: الافتتاح، باب: مواضع الراحتين وأصابع اليدين في الركوع ورواه أبو داود (863) كتاب: الصلاة، باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود،، وابن خزيمة في "صحيحه" 1/ 302 - 303 (598) كتاب: الصلاة، باب: وضع الراحة على الركبة في الركوع وأصابع اليدين، قال الألباني في "صحيح أبي داود" (809): صحيح.
(4)
"سنن أبي داود"(859) كتاب: الصلاة، باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، قال الألباني في "صحيح أبي داود" (805): إسناده حسن.
وعند الحاكم عَلَى شرط مسلم لما بلغ سعدًا التطبيق عن عبد الله قَالَ: صدق عبد الله، كنا نفعل هذا ثمَّ أمرنا بهذا ووضع يديه على ركبتيه
(1)
.
وفي "الأوسط" للطبراني: كان صلى الله عليه وسلم إذاركع وضع راحتيه عَلَى ركبتيه وفرج بين أصابعه
(2)
. وقال ابن عمر -في حديث غريب، قَالَه الحازمي-: إنما فعله الشارع مرة
(3)
.
وفي كتاب "الفتوح" لسيف عن عمرو بن محمد، عن الشعبي عن مسروق: سألت عائشة عن إطباق ابن مسعود يديه بين ركبتيه فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، زيادة من الله زاده إياها في حجته، فرأى أناسًا يصنعون كما كان يصنع الرهبان فحولهم من ذَلِكَ إلى ما عليه الناس اليوم من إطباق الركب بالأكف وتفريج الأصابع.
وفي "علل الخلال" عن يحيى بن معين: هذان ليسا بشيء. يعني حديث ابن عمر وحديث محمد بن سيرين أنه صلى الله عليه وسلم ركع فطبق.
قَالَ الطحاوي: ثمَّ التمست ذَلِكَ من طريق النظر، فرأيت التطبيق فيه التقاء اليدين، ورأيت وضع اليدين عَلَى الركبتين فيه تفريقهما، فأردنا أن ننظر في حكم ذَلِكَ كيف هو، فرأينا السنة جاءت بالتجافي في الركوع والسجود، وأجمع المسلمون عَلَى ذَلِكَ، وكان ذَلِكَ تفريق الأعضاء،
(1)
"المستدرك" 1/ 224 كتاب: الصلاة، قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذِه السياقة.
(2)
"المعجم الأوسط" 2/ 304 (2050)، قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير إلا عكرمة بن إبراهيم الأزدي.
(3)
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" ص 67.
وكان من قام إلى الصلاة أمر بأن يراوح بين قدميه، وقد روي ذَلِكَ عن ابن مسعود راوي التطبيق، فلما رأينا تفريق الأعضاء أولى من إلزاق بعضها ببعض واختلفوا في إلصاقها وتفريقها في الركوع كان النظر عَلَى ذَلِكَ أن يكون ما اختلفوا فيه من ذَلِكَ معطوفًا عَلَى ما أجمعوا عليه، ولما كانت السنة: التفريق كان فيما ذكرنا أيضًا، فثبت نسخ التطبيق ووجوب وضع اليدين على الركبتين
(1)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 230 - 232 باختصار.
119 - باب: إِذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكوعَ
791 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ التِى فَطَرَ اللهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم. [انظر: 389 - فتح: 2/ 274]
ذكر فيه حديث حذيفة أنه رَأى رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَلا السُّجُودَ قَالَ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَ عَلَى غَيْرِ الفِطْرَةِ التِي فَطَرَ اللهُ مُحَمَّدًا عليها.
هذا الحديث من أفراد البخاري وفي حديث أبي وائل: على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وللنسائي: منذ كم صليتَ هذِه الصلاة؟ قَالَ: منذ أربعين عامًا
(2)
.
ولأبي نعيم: رأى رجلًا يخف صلاته
(3)
. الحديث.
وللترمذي من حديث أبي مسعود الأنصاري مصححًا: "لا تُجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود"
(4)
.
وللطبراني في "أوسط معاجمه" من حديث أبي قتادة: " أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته" قالوا: يا رسول الله، وكيف يسرق منها؟ قَالَ:"لا يتم ركوعها ولا سجودها"
(5)
.
(1)
سلفت روايته برقم (389) كتاب: الصلاة، باب: إذا لم يتم السجود.
(2)
"سنن النسائي" 3/ 58 - 59 كتاب: السهو، باب: تطفيق الصلاة، قال الألباني في "صحيح النسائي": صحيح.
(3)
"الحلية" 4/ 174.
(4)
"سنن الترمذي"(265) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، قال: حسن صحيح، وقال الألباني في "صحيح الترمذي": صحيح.
(5)
"المعجم الأوسط" 8/ 130 (8179)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا الوليد، ولا عن الوليد إلا الحكم بن موسى، سليمان بن أحمد الواسطي.
ولابن خزيمة من حديث عمرو بن العاصي وغيره: "إنما مثل الذي يصلي ولا يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا تمرة أو تمرتين فما تُغنيان عنه، فأتموا الركوع والسجود"
(1)
وفي "الحدائق" لابن الجوزي من حديث عمر: "ما من مصل إلا وملك عن يمينه وملك عن يساره، فإن أتمها عرجا بها وإن لم يتمها ضربا بها وجهه".
إِذَا عرفت ذَلِكَ، فالفطرة هنا: الدين والملة، وإن كانت تطلق على الجبلة وغيرها، وسمى الصلاة فطرة؛ لأنها أكبر عرى الإيمان. قَالَ المهلب: نفي عنه الفعل مما انتفي عنه من التجويد.
وهذا معروف في لسان العرب كما قَالَ صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"
(2)
نفي عنه بقلة التجويد للإيمان اسمه.
وكذا قول حذيفة للرجل: ما صليت. أي: صلاة كاملة. وأراد تبكيته وتوبيخه عَلَى فعله ليرتدع، وإنما خص الركوع والسجود؛ لأن الإخلاص غالبًا يظهر فيهما.
واختلف العلماء في الطمأنينة:
هل هي فرض أو سنة، عَلَى قولين، والذي ذهب إليه جماعة فقهاء الأمصار: الشافعي، وأحمد، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق،
(1)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 332 - 333 (665) كتاب: الصلاة، باب: إتمام السجود والزجر عن انتقاصه، وساقه ابن خزيمة من حديث أبي عبد الأشعري، وفي آخره: قال أبو صالح، فقلت لأبي عبد الله الأشعري: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أمراء الأجناد عمرو بن العاص وخالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، كل هؤلاء سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
سيأتي برقم (2475) كتاب: المظالم، باب: النهي يغير إذن صاحبه.
وابن وهب، وداود والطبري الأول
(1)
.
وقال أبو حنيفة: يكفيه في الركوع أدنى انحناء، ولا تجب الطمأنينة في شيء من الأركان محتجًّا بقوله:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]
وقال أبو يوسف: الفرض: المكث مقدار تسبيحة واحدة وفي "تخريج الجرجاني": الطمأنينة في الركوع والقومة والسجود، والجلسة بين السجدتين عند أبي حنيفة ومحمد سنة.
وفي "تخريج الكرخي": واجب يجب سجود السهو بتركها
(2)
. وفي "الجواهر" لو لم يرفع في ركوعه وجبت الإعادة في رواية ابن القاسم، ولم تجب في رواية على بن زياد في الساهي. وابن القاسم فيمن رفع من الركوع والسجود ولم يعتدل يجزئه ويستغفر الله ولا يعود، ولأشهب: لا يجزئه
(3)
وسيأتي الكلام عَلَى المسألة -إن شاء الله- في موضعه قريبًا.
(1)
انظر: "المحلى" 3/ 254، "البيان" 2/ 207، "المغني" 2/ 177، "البناية" 2/ 266، "نيل الأوطار" 2/ 24، قال ابن رجب: قد روي عن طائفة من السلف ما يدل على ذلك. فإنه روي عن جماعة أنهم قالوا: إذا وضع يديه على ركبتيه أجزأه في الركوع، وممن روي عنه: سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وابن سيرين، ومجاهد، وعطاء، وقال: هو أدنى ما يجزئ في الركوع، "فتح الباري" 7/ 156 - 158، قال ابن رجب رحمه الله: وأما المثل المضروب في هذا الحديث لمن لا يتم ركوعه ولا سجوده، ففي غاية الحسن، فإن الصلاة هي قوت قلوب المؤمنين وغذاؤها، مما اشتملت عليه من ذكر الله، ومناجاته، وقربه، فمن أتم صلاته فقد استوفي غذاء قلبه، وروحه، فما دام على ذلك كملت قوته، ودامت صحته، وعافيته، ومن لم يتم صلاته فلم يستوف قلبه وروحه قوقها وغذاءها، فجاع قلبه، وضعف، وربما مرض أو مات لفقد غذائه كما يمرض الجسد ويسقم إذا لم يكمل بتناول غذائه وقوته الملائم له، "فتح الباري" 7/ 162.
(2)
انظر: "البناية" 2/ 266 - 267.
(3)
انظر: "الذخيرة" 2/ 190، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 103.
120 - باب اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ. [828 - فتح: 2/ 275]
هذا التعليق سلف، و (هصر) بتخفيف الصاد أي: ثناه وعطفه للركوع. وأبو حميد اسمه: عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك ابن خالد، ابن عم سهل بن سعد بن سعد بن مالك الساعدي وقد سلف قريبًا.
121 - باب حَدِّ إِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالاِعْتِدَالِ فِيهِ وَالاِطْمَأْنِينَةِ
792 -
حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ -مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ- قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. [801، 820 - مسلم: 471 - فتح: 2/ 276]
ذكر فيه حديث ابن أَبِي لَيْلَى، عَنِ البَرَاءِ قَالَ: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ -مَا خَلَا القِيَامَ وَالْقُعُودَ- قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار، وقيل: بلال. وهو دال عَلَى طول الطمأنينة فيما ذكر من الأركان، واعترض ابن المنير فقال: الحديث لا يطابق الترجمة؛ لأن المذكور فيها الاستواء والاعتدال، والحديث إنما فيه تساوي الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين، اللَّهُمَّ إلا أن نأخذه من جهة أن المتأني المطمئن في غالب الحال يستقر كل عضو منهم مكانه، فيلزم الاعتدال
(2)
.
وقوله: (قريبًا من السواء) دال عَلَى أن بعضها كان فيه طول يسير عَلَى بعض، وذلك في القيام والتشهد؛ لأنه يقتضي إما تطويل ما العادة فيه التخفف، أو تخفيف ما العادة فيه التطويل في القيام كقراءة
(1)
"صحيح مسلم"(471) كتاب: الصلاة، باب: اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام.
(2)
"المتواري" ص 105.
ما بين الستين إلى المائة في الصبح وغيرها مما تقدم، ويوافق هذا أن مسلمًا لم يعد في روايته القيام بخلاف رواية البخاري السالفة فإنها شاملة لقيام القراءة والاعتدال والقعود والتشهد والجلوس بين السجدتين، فيجاب بأنها باعتبار أحوال، ففي وقت يخفف وآخر يطول، وذهب بعضهم إلى أن التخفيف هو المتأخر من فعله بعد ذَلِكَ التطويل، وأبعد من وهم رواية القيام، ثمَّ الحديث يوافق المختار أن الاعتدال ركن طويل حتَّى يجوز إطالته بالذكر، وإن كان المجزوم به في المذهب أنه قصير، والجمهور -كما قَالَ الإمام أن الجلوس بين السجدتين طويل أيضًا، خلاف ما وقع في "المحرر" ومن تبعه.
وقد أوضحت ذَلِكَ في كتب الفروع و"شرح العمدة" أيضًا
(1)
.
وقال المهلب هذِه الصفة أكمل صفات صلاة الجماعة، وأما صلاة الرجل وحده فله أن يطول في الركوع والسجود أضعاف ما يطول في القيام بين السجدتين، وبين الركعة والسجدة.
وأما أقل ما يجزئ من ذَلِكَ كما قَالَ ابن مسعود: إِذَا أمكن الرجل يديه من ركبتيه فقد أجزأه، وكانت ابنة لسعد تفرط في الركوع، تطأطأ منكرًا، قَالَ لها سعد: إنما يكفيك إِذَا وضعت يديك عَلَى ركبتيك
(2)
.
وقاله ابن سيرين وعطاء ومجاهد
(3)
، وهو قول عامة الفقهاء
(4)
.
(1)
"الإعلام" 3/ 104، 105.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 225 (2578) كتاب: الصلوات، باب: في أوفى ما يجزئ من الركوع.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 225 (2577) السابق.
(4)
"البيان" 2/ 207، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 103، "الكافي" 1/ 299.
122 - باب أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذِي لَا يُتِمُّ رُكوعَهُ بِالإِعَادَةِ
793 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عليه السلام فَقَالَ:"ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ". ثَلَاثًا. فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي. قَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا". [انظر: 757 - مسلم: 397 - فتح: 2/ 276]
ذكر فيه حديث أبي هريرة وقد سلف في باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات
(1)
، واستدل به جماعة من الفقهاء فقالوا: الطمأنينة في الركوع والسجود فرض لا تجزئ الصلاة إلا بها، ألا ترى أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ له:"ارجع فصل فإنك لم تصل" ثمَّ علمه الصلاة وأمره بالطمأنينة. واستدل ابن أبي صفرة لمن نفاها بأنه صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل حين لم يكمل الركوع والسجود بالإعادة، ولم يأمر من نقص الركوع والسجود بالإعادة حين قَالَ لهم:"إني لأراكم من وراء ظهري"
(2)
فدل ذَلِكَ من فعله أن الطمأنينة لو كانت فريضة لبين لهم ذلك، والدليل عَلَى صحة ذَلِكَ أنه صلى الله عليه وسلم أمر المسيء صلاته بالإعادة مرة بعد أخرى ولم يحسن، قَالَ له: والله ما أحسن غير هذا
(1)
سلف برقم (757).
(2)
سبق برقم (718) كتاب: الأذان، باب: تسوية الصفوف عند الإقامة.
فعلمني. فوصف له هيئة الصلاة ولم يأمره أن يعيد الصلاة التي نقصها مرة أخرى على الصفة التي علمه، ولم يقل لَهُ: لا تجزئك حتَّى تصلي هذِه الصلاة، إنما علمه كيف يصلي فيما يستقبل.
واحتج من نفاها أيضًا بحديث رفاعة بن رافع في تعليم المسيء صلاته أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ له: "ثمَّ ارفع فاعتدل قائمًا"
(1)
وذكر الحديث، قَالَ:"إِذَا صليت عَلَى هذا فقد أتممتها، وما انتقصت من ذَلِكَ فإنما تنقص من صلاتك" فجعلها ناقصة تدل عَلَى الجواز، ويؤيد من أوجب: الحديث السالف في باب: إِذَا لم يتم الركوع: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود". وقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي"
(2)
.
والقول بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وتلقاه الجمهور بالقبول أولى من كل ما خالفه، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم:"جعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار عَلَى من خالف أمري"
(3)
وكفي بهذا شدة ومخافة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى قولًا وفعلا.
(1)
سبق تخريجه أثناء شرح الحديث (161).
(2)
سبق برقم (631) كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافر.
(3)
ذكره البخاري معلقًا بصيغة التمريض قبل الرواية (2914)، كتاب: الجهاد، باب: ما قيل في الرمح من حديث ابن عمر، ورواه أحمد 2/ 50، وعبد بن حميد 2/ 50 (846)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" كما في "تحفة الأخيار" 4/ 360 (2716)، والطبراني في "مسند الشاميين" 1/ 135 - 136 (216)، والبيهقي في "شعب الإيمان" 2/ 75 (1199)، والهروي في "ذم الكلام" 2/ 391 - 392 (476).
وذكره الهيثمي في "المجمع" 5/ 267، ثم قال: فيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وثقة ابن المديني، وأبو حاتم وغيرهما، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات.
وصححه الألباني في "إرواء الغليل"(1269)، قلت: وللحديث شواهد من حديث: أبي هريرة، وأنس.
123 - باب الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ
794 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي". [817، 4293، 4967، 4968 - مسلم: 484 - فتح 2/ 281]
ذكر فيه حديث أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي".
هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة
(1)
، ويأتي قريبًا، وفي المغازي والتفسير
(2)
، وترجم عليه البخاري قريبًا باب: التسبيح والدعاء في السجود وزاد فيه بعد قوله: "اللَّهُمَّ اغفر لي": يتأول القرآن. وفيه أنه يكثر ذَلِكَ
(3)
وفي لفظ لَهُ: قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد ما أنزلت عليه {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر:1] إلا يقول: "سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك اللَّهُمَّ اغفر لي"
(4)
وعند ابن السكن بعد قولها: يتأول القرآن. قَالَ أبو عبد الله: يعني: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر:3]، أي: حين أعلمه الله
(1)
"صحيح مسلم"(484) كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، وأبو داود (877)، والنسائي 2/ 190، وابن ماجه (889)، وأما الترمذي فلم يروه في "سننه"! انظر:"تحفة الأشراف"(17635).
(2)
سيأتي برقم (4293) كتاب. المغازي، وبرقم (4967)، (4968) كتاب: التفسير، باب: سورة النصر.
(3)
سيأتي برقم (817) كتاب: الأذان.
(4)
يأتي برقم (4967).
بانقضاء أجله، وفي "صحيح مسلم" عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ نزل عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} يصلي صلاة إلا دعا أو قَالَ فيها: "سبحانك ربي وبحمدك، اللَّهُمَّ اغفر لي"
(1)
، وعنهما: كان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت: "سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك" قالت: قُلْتُ: يا رسول الله، ما هذِه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قَالَ: "جعلت لي علامة في أمتي إِذَا رأيتها قلتها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} إلى آخر السورة
(2)
. وفي لفظ له: كان يكثر من قول: "سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه" قالت: فقلت: يا رسول الله، إنك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده، فقَالَ: "أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول ذَلِكَ، فقد رأيتها {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} فتح مكة الآية
(3)
.
وفي "أسباب النزول" للواحدي من حديث ابن عباس: لما أقبل صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين، وأنزل الله عليه:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] قَالَ: "يا علي ويا فاطمة، قَدْ جاء نصر الله" إلى أن قَالَ: "فسبحان ربي وبحمده، وأستغفره إنه كان توابًا"
(4)
.
وفي "تفسير مقاتل": عاش بعد نزولها ستين يومًا
(5)
، وفي "تفسير القرطبي" وغيره أنها نزلت بمنى أيام التشريق في حجة الوداع
(6)
.
(1)
"صحيح مسلم"(484/ 219).
(2)
مسلم (484/ 218).
(3)
مسلم (484/ 220).
(4)
"أسباب النزول" ص 497 (875).
(5)
انظر: "تفسير البغوي" 8/ 577.
(6)
"الجامع لأحكام القرآن" 20/ 233.
واختلف العلماء فيما يدعو به الرجل في ركوعه وسجوده: فقالت طائفة: لا بأس أن يدعو الرجل في ذَلِكَ مما أحب، وليس عندهم في ذَلِكَ شيء موقت
(1)
، وقد رويت آثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بها، منها:"اللَّهُمَّ لك ركعت .. " إلى آخره، "اللَّهُمَّ لك سجدت .. " إلى آخره، أخرجه مسلم من حديث علي
(2)
، ومنها في السجود:"اللَّهُمَّ إني أعوذ برضاك من سخطك .. " إلى آخره، وأخرجه مسلم أيضًا من حديث عائشة
(3)
، وفي رواية: فإذا هو راكع أو ساجد يقول: "سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت"
(4)
ومنها في سجوده: "اللَّهُمَّ اغفر لي ذنبي كله، دِقَّه وجِلَّه، أولَه وآخره، وعلانيته وسره" أخرجه مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة
(5)
، والكل لم يخرجها البخاري وغير ذَلِكَ؛ إلا أن مالكا كره الدعاء في الركوع ولم يكرهه في السجود، واقتصر في الركوع عَلَى تعظيم الرب جل جلاله والثناء عليه
(6)
، وأظنه ذهب إلى حديث علي: "أما الركوع فعظموا فيه
(1)
انظر: "شرح المعاني الآثار" 1/ 235.
(2)
مسلم (771).
(3)
"صحيح مسلم"(486).
(4)
"صحيح مسلم"(485).
(5)
"صحيح مسلم"(483).
(6)
انظر: "المدونة الكبرى" 1/ 74.
قال ابن عبد البر رحمه الله:
وأجمعوا أن الركوع موضع لتعظيم الله بالتسبيح وأنواع الذكر، واختلف الفقهاء في تسبيح الركوع والسجود.
فقال ابن القاسم، عن مالك: إنه لم يعرف قول الناس في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، وأنكره ولم يجد في الركوع دعاءً مؤقتًا، ولا تسبيحًا مؤقتًا، وقال: إذا أمكن المصلي يديه من ركبتيه في الركوع، وجبهته من الأرض في السجود فقد أجزأ عنه.
الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم" أخرجه مسلم من حديث ابن عباس
(1)
أي: حقيق وجدير. فجعل الركوع لتعظيم الرب وإن كانت قراءة القرآن أفضل من ذكر التعظيم؛ ولذلك ينبغي في كل موضع ما جعل فيه وإن كان غيره أشرف منه، ويؤيد هذا المعنى ما روى الأعمش عن النخعي: كان يقال إِذَا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء: استوجب، وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء: كان عَلَى الرجاء
(2)
.
وروى ابن عيينة عن منصور بن المعتمر، عن مالك بن الحويرث، قَالَ: يقول الله عزوجل: "إذا شغل عبدي ثناؤه عَلَى عن مسألتي؛ أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"
(3)
فلهذه الآثار كره مالك الدعاء في الركوع واستحبه في السجود.
وقال أهل المقالة الأولى: تعظيم الرب والثناء عليه عند العرب
= قال أبو عمر: إنما قال ذلك -والله اعلم- فرارًا من إيجاب التسبيح في الركوع والسجود، ومن الاقتصار على سبحان ربي العظيم في الركوع، وعلى سبحان ربي الأعلى في السجود، كما اقتصر عليه غيره من العلماء دون غيره من الذكر.
والحجة له قوله عليه السلام: "إذا ركعتم فعظموا الرب، وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء".
ولم يخص ذكرًا من ذكر، وأنه عليه السلام قد جاء عنه في ذلك ضروب وأنواع تنفي الاقتصار على شيء بعينه من التسبيح والذكر، فمنها حديث مطرف، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: "سبوح قدوس، رب الملائكة والروح". "الاستذكار" 1/ 431 - 432.
(1)
"صحيح مسلم"(479) كتاب: الصلاة، باب: النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 6/ 22 (29162) كتاب: الدعاء، باب: في فضل الدعاء.
(3)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 1/ 414 (575) باب: في محبة الله عز وجل، فصل في إدامة ذكر الله عز وجل، وابن عبد البر في "تمهيده" 6/ 43 - 44.
دعاء، قاله ابن شهاب، وهو حجة في اللغة، وقد ثبت في حديث عائشة المذكور في الباب الدعاء في الركوع والسجود وغيره، فلا معنى لمخالفة ذَلِكَ.
وقالت طائفة: ينبغي أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم. ثلاثًا، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثًا؛ لحديث عقبة بن عامر في ذَلِكَ، أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم، والتثليث في أبي داود، وقال: أخاف أن لا تكون محفوظة
(1)
، وفي ابن ماجه في حديث حذيفة بإسناد ضعيف
(2)
، وأصل التسبيح فيه في "صحيح مسلم"
(3)
، وعند الحاكم: يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم وصلى الله على محمد وآله"
(4)
. هذا قول الكوفيين والأوزاعي
(1)
"سنن أبي داود"(869، 870) كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، "سنن ابن ماجه" (887) كتاب: إقامة الصلاة، باب: التسبيح في الركوع والسجود، "صحيح ابن حبان" 5/ 225 (1898) كتاب: الصلاة، باب: صفة الصلاة، "المستدرك" 1/ 225 كتاب: الصلاة.
وقال: هذا حديث حجازي صحيح الإسناد، وقد اتفقا على الاحتجاج برواته غير إياس بن عامر، وهو عم موسى بن أيوب القاضي، وهو مستقيم الإسناد، ولم يخرجاه بهذِه السياقة إنما اتفقا على حديث الأعمش عن سعيد بن عبيدة عن المستورد بن الأحنف عن صلة عن زفر عن حذيفة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وصلى الله على محمد وأله وسلم. وقال: إياس ليس بالمعروف. اهـ. وقال الألباني في "ضعيف أبي داود"(152 - 153): كلاهما ضعيف.
(2)
ابن ماجه (888).
(3)
مسلم (772) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل.
(4)
"المستدرك" 1/ 225، كتاب: الصلاة.
والشافعي وأبي ثور إلا أنهم لم يوجبوا ذَلِكَ، وقالوا: من ترك التسبيح في الركوع والسجود فصلاته تامة
(1)
وقال إسحاق وأهل الظاهر: إن ترك ذَلِكَ عليه الإعادة، وقالوا: حديث عقبة ورد مورد البيان فوجب امتثاله.
ووافقهم أحمد في رواية وقال: لو نسيه لم تبطل ويسجد للسهو. وقال مرة أخرى: إنه سنة كالجماعة
(2)
.
وقال ابن حزم: هو فرض فان نسيه سجد للسهو
(3)
، وأجاب الجمهور بأن البيان إنما يرد في المجمل والركوع والسجود مفسران فلا يفتقران إلى بيان، فحمل حديث عقبة على الاستحباب بدليل إسقاطه من حديث المسيء صلاته وهو موضع الحاجة، قَالَ ابن القصار: لو قَالَ: سبحان ربي الجليل أو الكبير أو القدير لكان معظمًا له، وإذا ثبت أن نفس التسبيح ليس بواجب فتعينه والعدول عنه إلى ما في معناه جائز.
(1)
انظر: "الأوسط" 3/ 186 - 187، "تبيين الحقائق" 1/ 114 - 115.
(2)
انظر: "الكافي" 1/ 300 - 301، "فتح الباري" لابن رجب 7/ 181.
قال القرافي رحمه الله:
ولما كانت العادة جارية عند الأماثل والملوك بتقديم الثناء عليهم قبل طلب الحوائج منهم؛ لتنبسط نفوسهم لإنالتها، أمرنا الله سبحانه وتعالى بتقديم الثناء على الدعاء، كقول أمية بن أبي الصلت:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
…
حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يومًا
…
كفاه من تعرضك الثناء
كريم لا يغيره صباح
…
عن الخلق الجميل ولا مساء
فيكون الدعاء في السجود لوجهين، أحدهما: لهذا المعنى، والثاني: أنه غاية حالات الذل والخضوع بوضع أشرف ما في الإنسان الذي هو رأسه في التراب فيوشك أن لا يرد عن مقصده وأن يصل إلى مطلبه. "الذخيرة" 2/ 189.
(3)
"المحلى" 3/ 259 - 260.
فائدتان:
الأولى: في "شرح الطحاوى": يسبح الإمام ثلاثًا، وقيل: أربعًا؛ ليتمكن المقتضي من الثلاث
(1)
، وقال الروياني في "الحلية": لا يزيد الإمام على خمس. وقال الماوردي: أدنى الكمال ثلاث، والكمال إحدى عشرة أو تسع، وأوسطه خمس
(2)
. وفي "شرح الهداية": إن زاد عَلَى الثلاث حتَّى ينتهي إلى اثنتي عشرة فهو أفضل عند الإمام، وعندهما إلى سبع. وعن بعض الحنابلة: الكمال أن يسبح مثل قيامه
(3)
، وعن
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 332. بتصرف.
(2)
"الحاوي" 2/ 120.
(3)
قال المرداوي رحمه الله: قوله: ثلاثًا. وهو أدنى الكمال. هذا بلا نزاع أعلمه في تسبيحي الركوع والسجود. وما أعلى الكمال، فتارة يكون في حق الإمام، وتارة يكون في حق المنفرد، فإن كان في حق الإمام، فالصحيح من المذهب، أن الكمال في حقه يكون إلى عشر. قال: المجد، وتابعه صاحب "مجمع البحرين": الأصح ما بين الخمس إلى العشر. قالا: وهو ظاهر كلامه. وقدمه في "الفروع". وقيل: ثلاثٌ، ما لم يوتر المأموم. قال في "التلخيص"، و"البلغة": ولا يزيد الإمام على ثلاثٍ. وقيل: ما لم يشق. وقاله القاضي، وقيل: لا يزيد على ثلاث إلا برضا المأموم، أو بقدر ما يحصل الثلاث له. وقيل: لا يزيد على ثلاث إلا برضا المأموم، أو بقدر ما يحصل الثلاث له. وقيل: سبعٌ. قدمه في "الحاويين"، و"حواشي ابن مفلح". قال صاحب "الفائق"، وابن تميم: هو ظاهر كلام الإمام أحمد. وظاهر كلام ابن الزاغوني في "الواضح"، أن الكمال في حقه قدر قراءته. وقال الآجري: الكمال خمس، ليدرك المأموم ثلاثًا. وقيل: ما لم يخف سهوًا. وقيل: ما لم يطل عرفا. وقيل: أوسطه سبع، وأكثره بقدر قيامه. ونسبه المجد إلى غير القاضي من الأصحاب. وقدمه في "الفائق". وأطلقهما ابن تميم. وقيل: العرف. وأطلقهن في "الفروع"، وقيل: سبعٌ، وقدمه في "الحاويين"، و"الحواشي". وقيل: عشرٌ. وقيل: أوسطه سبعٌ، وأكثره بقدر قراءة القيام. كما تقدم في حق الإمام. "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" 3/ 481 - 484.
الشافعي: عشرة
(1)
وهو منقول عن عمر، ورواه أبو داود من حديث أنس
(2)
وفيه مقال.
الثانية: ادعى الطحاوي -فيما حكاه البيهقي- نسخ الأحاديث بحديث عقبة، وقال: يجوز أن يكون {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}
(1)
ذكر هذا القول بدر الدين العيني في كتابه "البناية" 2/ 287، ولم نجده في كتب الشافعية، والله اعلم.
قال النووي رحمه الله: قال الشافعي رحمه الله في "المختصر": يقول سبحان ربي العظيم ثلاثًا، وذلك أدنى الكمال. وقال في "الأم": أحب أن يبدأ الراكع فيقول سبحان ربي العظيم ثلاثًا، ويقول ما حكيته عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني حديث علي رضي الله، عنه قال أصحابنا: يستحب التسبيح في الركوع، ويحصل أجل السبحة بقوله: سبحان الله أو سبحان ربي وذلك أدنى الكمال أن يقول: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، فهذا أدنى مراتب الكمال، قال القاضي حسين: قول الشافعي يقول: سبحان ربي العظيم ثلاثًا. وذلك أدنى الكمال، لم يرد أنه لا يجزيه أقل من الثلاث؛ لأنه لو سبح مرة واحدة كان آتيًا بسنة التسبيح، وإنما أراد أن أول الكمال الثلاث، قال: ولو سبح خمسًا أو سبعًا، أو تسعًا أو إحدى عشرة كان أفضل وأكمل؛ لكنه إذا كان إمامًا يستحب أن لا يزيد على ثلاث. وكذا قال صاحب "الحاوي" أدنى الكمال ثلاث وأعلى الكمال إحدى عشرة أو تسع وأوسطه خمس، ولو سبح مرة حصل التسبيح.
وقال: قال أصحابنا: والزيادة على ثلاث تسبيحات تستحب للمنفرد، وأما الإمام فلا يزيد على ثلاث تسبيحات، وقيل خمس إلا أن يرضى المأمومون بالتطويل ويكونوا محصورين لا يزيدون. هكذا قاله الأصحاب، وقد قال الشافعي في "الأم": وكل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوع أو سجود أحببت أن لا يقصر عنه إمامًا كان أو منفردًا، وهو تخفيف لا تثقيل، هذا لفظ نصه، وظاهره استحباب الجميع للإمام، لكن الأقوى ما ذكره الأصحاب فيتأول نصه على ما إذا رضي المأمومون أو على غيره والله أعلم. "المجموع" 3/ 383 - 384 بتصرف.
(2)
"سنن أبي داود"(888) كتاب: الصلاة، باب: مقدار الركوع والسجود. قال الألباني في "ضعيف أبي داود"(157) إسناده ضعيف، وهب بن مانوس مجهول.
[الأعلى: 1]، أنزلت بعد ذَلِكَ قبل وفاته، قَالَ: ولم يعلم أن حديث ابن عباس صدر منه غداة يوم الاثنين والناس خلف أبي بكر في صلاة الصبح، وهو اليوم الذي توفي فيه
(1)
، وروينا في الحديث الثابت عن النعمان بن بشير أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العيدين والجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1]
(2)
وفي هذا دلالة أن نزول {سَبِّحِ} كان قبل ذَلِكَ بزمان كثير، وروينا عن الحسن البصري وعكرمة وغيرهما أنها نزلت بمكة شرفها الله.
تنبيه: ليس بين السجدتين عند الحنفية ذكر مسنون، قالوا: والذي روي في ذَلِكَ محمول عَلَى التهجد
(3)
، وهو بعيد، وأهل الظاهر يقولون: إن تعمد تركه يبطل الصلاة.
فائدة: معنى: "سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك": سبحانك بجميع آلائك وبحمدك، سبحتك -أي: نزهتك- عن كل عيب، ونصبه عَلَى المصدر
(4)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 235 - 236، وانظر:"معرفة السنن" 2/ 443 - 444 كتاب: الصلاة، باب: الذكر في الركوع.
(2)
رواه مسلم 62 (878) عن علي، (479) عن ابن عباس كتاب: الجمعة، باب: ما يقرأ به في الجمعة.
(3)
انظر: "البناية" 2/ 287، "تبيين الحقائق" 1/ 118، "حاشية ابن عابدين" 1/ 544.
(4)
ورد بهامش (س) ما نصه: آخر (1) من الرابع من تجزئة المصنف.
باب: القراءة في الركوع والسجود
هذا الباب في بعض نسخ البخاري ولم يذكر فيه حديثًا، وكأنه بيض له لما لعله يجده على شرطه فلم يجده، وذكره ابن بطال مع الترجمة الآتية بعد ذَلِكَ، واعترض فقال: ترجم لذلك ولم يذكر فيه حديثًا؛ لجواز ذَلِكَ ولا منعه
(1)
، وتبعه ابن المنير فقال: وضعها ليذكر فيها حديثًا بالإجازة أو المنع، ثمَّ عرض لَهُ مانع من ذَلِكَ وبقيت الترجمة بلا حديث يطابقها
(2)
.
قُلْتُ: وفي أفراد مسلم حديث علي قَالَ: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد. وفي لفظ له: نهاني عن القراءة في الركوع والسجود. وفي لفظ: ولا أقول: نهاكم، وحديث ابن عباس قَالَ: نهيت أن أقرأ وأنا راكع
(3)
.
واتفق فقهاء الأمصار عَلَى القول بهذا الحديث، وخالفه قوم من السلف فأجازوه. قَالَ عمرو بن ميمون: سمعت أخي سليمان بن ربيعة وهو ساجد وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. ما لو شاء رجل أن يذهب إلى أهله يتوضأ ثمَّ يجي وهو ساجد لفعل. وقال عطاء: رأيت عبيد بن عمير يقرأ وهو راكع. في المكتوبة. وأجازه الربيع بن خثيم وقال النخعي في الرجل ينسى الآية فيذكرها وهو راكع قال: يقرأ وهو راكع. وعندنا لو فعل ذَلِكَ كره ولم تبطل صلاته، وفي وجه: تبطل،
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 415.
(2)
"المتواري" ص 106.
(3)
"صحيح مسلم"(480) كتاب: الصلاة، باب: النهي عن قراءة القرآن في الركع والسجود.
ولعل من أجازه لم يبلغه الحديث، أو بلغه فلم يصححه، ورأوا القراءة حسنة في كل حال، والخبر صح كما أسلفناه؛ فلا ينبغي القراءة في ركوعه وسجوده من أجله، وعلى هذا جماعة أئمة الأمصار.
124 - باب مَا يَقُولُ الإِمَامُ وَمَن خَلْفَهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ
795 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ:"اللهُ أَكْبَرُ". [انظر: 785 - مسلم: 392 - فتح: 2/ 282]
ذكر فيه حديث ابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ". وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَكَعَ وإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ:"اللهُ أَكْبَرُ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا.
وقد اختلف العلماء فيما يقول الإمام ومن خلفه إِذَا رفع رأسه من الركوع، فذهبت طائفة إلى الأخذ بهذا الحديث، وقالوا: ينبغي للإمام أن يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، يجمعهما جميعًا، ثمَّ يقول المأموم: ربنا ولك الحمد، خاصة. وهذا قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن
(1)
وابن نافع صاحب مالك
(2)
، قَالَ الحلواني الحنفي: كان شيخ شيخي يميل إليه. وقال الشافعي: يجمع بينهما كالإمام
(3)
. وقالت طائفة: يقول الإمام: سمع الله لمن حمده،
(1)
انظر: "الأصل" 1/ 4، "المبسوط" 1/ 20. وروي عن أبي حنيفة مثل قولهما.
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 209 - 210.
(2)
انظر: "المنتقى" 1/ 164، وبه قال عيسى بن دينار من المالكية أيضًا.
(3)
انظر: "الوسيط" 1/ 228، "حلية العلماء" 2/ 98، "المجموع" 3/ 391.
وكذا المنفرد، وفي "المعرفة" للبيهقي: كان عطاء يقول: يجمعهما الإمام والمأموم أحب إلى
(1)
. وبه قَالَ ابن سيرين وأبو بردة وأبو هريرة: دون الإمام، ويقول المأموم: ربنا ولك الحمد، وهو قول مالك والليث وأبي حنيفة. وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وأبي هريرة والشعبي والثوري والأوزاعي، وأحمد قَالَ: وبه أقول، وحكى غيره عن أحمد كالأول
(2)
.
حجة الآخرين: قوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَالَ الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد" أخرجه البخاري في الباب بعده
(3)
، ومسلم أيضًا
(4)
.
وحجة الأولين: حديث الباب وقد قَالَ: "صلوا كما رأيتموني أصلي" والجواب عن حديثهم أن معناه: قولوا ذَلِكَ مع ما قد علمتموه من قوله: سمع الله لمن حمده، وإنما خص هذا بالذكر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالتسميع، فهم يعلمونه ولا يعرفون: ربنا لك الحمد؛ لأنه يسر به؛ فلذلك علمهم إياها، واحتج الثاني أيضًا فحمل الحديث عَلَى المنفرد، وإنما سقط: سمع الله لمن حمده للمأموم؛ لاختلاف حاله وحال الإمام في الصلاة، وأن الإمام مجيب للدعاء كما قسم الشارع الذكر بين العاطس والمشمت، كذا قسم هذا الذكر بين الإمام
(1)
"معرفة السنن والآثار" 3/ 12.
(2)
"الأوسط" لابن المنذر 3/ 161 - 162، "المغني" 1/ 186، "المدونة" 1/ 73، "شرح معاني الآثار" 1/ 238، "التمهيد" 3/ 85، "بداية المجتهد" 1/ 291، "بدائع الصنائع" 1/ 209، "البناية" 2/ 262.
(3)
حديث (796).
(4)
"صحيح مسلم"(409) كتاب: الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين.
والمأموم، وقول الإمام: سمع الله لمن حمده، استجابة لدعاء داع، وقول المأموم: ربنا ولك الحمد عَلَى وجه المقابلة؛ لأنه لا حامد لَهُ غير المؤتم به في هذِه الحال فلا يشرك أحدهما صاحبه.
وأجاب الأول بأنه لا دلالة فيه عَلَى اختصاص ذَلِكَ بالإمام، فالمنفرد مشارك لَهُ وهو إجماع، وفي الدارقطني -بإسناد ليس بذاك- من حديث بريدة، قَالَ لي النبي صلى الله عليه وسلم:"يا بريدة، إِذَا رفعت رأسك من الركوع فقل: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد"
(1)
ويجوز: "ربنا ولك الحمد" بالواو ودونها، "واللهم ربنا لك الحمد" كذلك
(2)
، وكلها ثابت في "الصحيح"، قَالَ الشافعي في "الأم": والإتيان بالواو في ربنا ولك الحمد أحب إلى
(3)
، قُلْتُ؛ لأنها تجمع معنيين: الدعاء والاعتراف، أي: ربنا استجيب لنا، ولك الحمد عَلَى هدايتك إيانا. ومذهب أبي حنيفة حذف الواو من قوله: ولك الحمد. وفي "المحيط": اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد أفضل لزيادة الثناء
(4)
، وعن أبي حفص منهم: لا فرق بين قوله: لك، وبين قوله: ولك.
(1)
"سنن الدارقطني" 1/ 339. قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 2/ 117: سنده ضعيف.
(2)
الحديث الآتي (796).
(3)
"الأم" 1/ 97.
(4)
"المحيط البرهاني" 2/ 118.
125 - باب فَضلِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ
796 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَى، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". [3228 - مسلم: 409 - فتح: 2/ 283]
ذكر فيه حديث أَبِي صَالِحٍ ذكوان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ. فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنْبِهِ".
هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي أيضًا
(1)
، وقد سلف الكلام عليه آنفا.
(1)
مسلم (409)، أبو داود (848)، الترمذي (267)، النسائي 2/ 196.
قلت: وكذا ابن ماجه (875).
126 - باب
797 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لأُقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، بَعْدَ مَا يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ. [مسلم: 676 - فتح: 2/ 284]
798 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ. [1004 - فتح: 2/ 284]
799 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلاَّدٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ:"سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ "مَنِ الْمُتَكَلِّمُ". قَالَ: أَنَا. قَالَ: "رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ". [فتح: 284]
كذا هذا الباب في الأصول وترجم عليه ابن أبي أحد عشر: باب التكبير إِذَا قام من السجود، ثمَّ ساق الأحاديث فيه، وذكر فيه ابن بطال في الباب قبله حديث أبي هريرة أولًا، ثمَّ قَالَ: قَالَ أبو هريرة: لأقربن، فذكره
(1)
.
وحاصل ما في الباب ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث أبي هريرة: لأُقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 418 - 419.
رَكْعَةِ الأخُرى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَصَلَاةِ العِشَاءِ، وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، بَعْدَ مَا يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيلْعَنُ الكُفَّارَ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضًا
(1)
، ولفظه: والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء وصلاة الصبح ويدعو للمسلمين ويلعن الكفار، وفي طريق آخر سمى القبائل الملعونة.
وفيه: أن القنوت كان في الصلوات المذكورة لأجل النازلة ثمَّ ترك في الظهر والعشاء.
وقوله: (لأقربن): قيل: الوجه فيه: لأقرِبَن أو لأستقربن. أي: لأتبعن، كذا رأيته بخط الدمياطي عَلَى حاشية "الصحيح" بخطه، وفي "المطالع" زعم بعضهم أن صوابه: لأقتربن، بمعنى: لأتتبعن، وفيه تكلف لا يحتاج إليه.
الحديث الثاني:
حديث أبي قلابة عن أنس: كَانَ القُنُوتُ فِي المَغْرِبِ وَالْفَجْرِ.
وأبو قلابة اسمه: عبد الله بن زيد الجرمي البصري، وفي سنده إسماعيل، وهو: ابن علية، وشيخ البخاري: عبد الله بن أبي الأسود، وهو: عبد الله بن محمد بن حميد بن أبي الأسود بن الأسود أبو بكر البصري الحافظ قاضي همدان، ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي،
(1)
"صحيح مسلم"(676) كتاب: المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، و"سنن أبي داود" (1440) كتاب: الوتر، باب: القنوت في الصلاة، و"النسائي" 2/ 202 كتاب: التطبيق، باب: القنوت في صلاة الظهر.
الإمام، روى عنه مع البخاري: أبو داود والترمذي، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين
(1)
، وفقهه كما في الذي قبله، ويأتي أيضًا
(2)
.
الحديث الثالث:
حديث رفاعة بن رافع، قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الركوع قَالَ:"سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"مَنِ المُتَكَلِّمُ؟ ". قَالَ: أَنَا. قَالَ: "رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاِثينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أيُّهُمْ يَكْتبهَا أَوَّلُ".
وهو من أفراد البخاري، بل لم يخرج مسلم عن رفاعة في "صحيحه"، شيئًا ورفاعة بدري وأبوه نقيب بقي إلى إمرة معاوية.
وفيه: ثواب التحميد لله تعالى والذكر له، وما عند الله أوسع وأكثر {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] وفيه دليل عَلَى جواز رفع المذكر صوته بالتكبير والتحميد في المساجد الكثيرة الجمع؛ ليسمع الناس، وليس ذَلِكَ بكلام تفسد به الصلاة، وكيف يفسدها رفع الصوت؟! أولم يرفع وهو مندوب إليه فيها، وكما لا يجوز لأحد أن يتكلم في الصلاة بكلام الناس، وإن لم يرفع صوته، فكذلك لا يضره رفع الصوت بالذكر، يدل عَلَى ذَلِكَ حديث
(1)
وينسب إلى جده.
قال أبو بكر الخطيب: سكن بغداد، وحدث بها، وكان حافظًا متقنًا، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى له الترمذي، قال ابن معين: لا بأس به.
انظر: "التاريخ الكبير" 5/ 189 (594)، و"الجرح والتعديل" 5/ 159 (733)، و"الثقات" 8/ 348، و"تهذيب الكمال" 16/ 46 (3529).
(2)
برقم (1004).
معاوية بن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: "إن صلاتنا هذِه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هو التهليل والتكبير وقراءة القرآن"
(1)
فأطلق أنواع الذكر في الصلاة، فلهذا قلنا إن المذكر إِذَا رفع صوته بـ: ربنا ولك الحمد، وسائر التكبير لا يضره، وقد خالف في ذَلِكَ بعض المتأخرين بلا دليل ولا برهان، وقد ترجم البخاري فيما سلف: من أسمع الناس تكبير الإمام.
(1)
رواه "مسلم"(537) كتاب: المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته.
127 - باب الاطْمَاْنِينَةِ حِيَن يَرْفَعُ رأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ
وقَالَ أَبُو حُمَيْدً رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَوى جَالِسًا، حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ. [انظر: 828]
800 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَليدِ، قَالَ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يُصَلِّي وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ. [821 - مسلم: 472 - فتح: 2/ 287]
801 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الَحكَمِ، عَنِ ابن أبي لَيْلَى، عَنِ البَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسُجُودُهُ، وإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. [انظر: 792 - مسلم: 471 - فتح: 2/ 288]
802 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يُرِينَا كَيْفَ كَانَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ، فَقَامَ فَأَمْكَنَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَمْكَنَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَنْصَتَ هُنَيَّةً، قَالَ: فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ شَيْخِنَا هَذَا أَبِي بُرَيْدٍ. وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الآخِرَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ نَهَضَ. [انظر: 677 - فتح: 2/ 288]
وقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَوى جَالِسًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ.
هذا الحديث منقطع من حديث يأتي إن شاء الله تعالى مسندًا في باب: سنة الجلوس
(1)
.
والفقار: بفتح الفاء وكسرها: خرزات الصلب، وهي: مفاصله، الواحدة: فقارة، ويقال: اطمان طمأنينة وطمأنينا، والاطمأنينة: الواحدة كالضربة من الضرب.
(1)
سيأتي برقم (828) كتاب: الأذان.
ثمَّ ذكر البخاري بعد ذَلِكَ ثلاثة أحاديث.
أحدها:
حديث ثابت: كَانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يُصَلِّي، وَإِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ.
وهو من أفراده، وإن كان مسلم أخرجه من وجه آخر
(1)
، وعند الإسماعيلي: فإذا قَالَ: سمع الله لمن حمده، يقوم حتَّى نقول: قد نسي، وعزاه المزي في "أطرافه" إلى البخاري من هذِه الطريق بهذا اللفظ، والموجود ما قدمته، وكذا ذكره أصحاب الأطراف، وأبو نعيم في "مستخرجه".
ثانيها:
حديث البراء: قَدْ مضى في باب: حد إتمام الركوع
(2)
، والبخاري رواه هنا عن أبي الوليد عن شعبة، وفيما مضى: عن بدل بن المحبر، عن شعبة، وأسقط المزي الحافظ
(3)
شيخنا أبا الوليد، وأبدل بدله سليمان بن حرب
(4)
، ولم نره، وكأنه انتقال منه، فالبخاري ذكر حديث مالك بن الحويرث، عن سليمان بن حرب. فاعلمه.
(1)
"صحيح مسلم"(472) كتاب: الصلاة، باب: اعتدال أركان الصلاة، وتخفيفها في تمام.
(2)
رقم (792) كتاب: الأذان.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: قال شيخنا: المصنف أجاز (
…
) المزي فكان النهي سنة إحدى وأربعين.
(4)
"تحفة الأشراف" 2/ 26 (1781).
ونبه على ذلك أيضًا الحافظ في "النكت الظراف" 2/ 26، وقال: ذكره خلف على الصواب.
ثالثها:
حديث أبي قلابة قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ يُرِينَا
…
الحديث، وقد سلف في مواضع
(1)
، ولفظه هنا: ثمَّ رفع رأسه فأنصب هنية. قَالَ ابن التين: ضبطه بعضهم بوصل الألف وتشديد الباء، وبعضهم بقطعها وفتحها وتخفيف الباء من الإنصات، وهو: السكوت، قَالَ: والأول الوجه عندي.
وقوله: (صلاة شيخنا هذا أبي بريد، وكان أبو بريد) إلى آخره، هو بضم الباء الموحدة، عمرو بن سلمة -بكسر اللام- الجرمي، لَهُ إدراك، ووقع في "شرح ابن بطال": بريدة بالهاء
(2)
، وهو غلط، وصوابه بحذفها كما ذكره بعد، وقال في "المطالع" للكافة: في البخاري بالزاي إلا الحموي فبالراء
(3)
، وكذا ذكره مسلم في "الكنى"، وذكره ابن ماكولا فيهما
(4)
.
إِذَا تقرر ذَلِكَ: فهذِه الصفة في الصلاة حسنة لمن أكثر بها في حاجة نفسه، غير أن فعل أنس ومالك بن الحويرث، ونعتهما صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذِه الصفة يدل أنهم كانوا لا يبالغون في الطمأنينة في الرفع من الركوع ولا بين السجود، مثل ما ذكر في الحديث عن الشارع، فأراهما ذَلِكَ ولم يقولا لهم: إن صلاتكم هذِه التي تقصرون فيها عن
(1)
سبق برقم (677) كتاب: الأذان، باب: من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي وسنته.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 420.
(3)
انظر: "مشارق الأنوار" 1/ 111 حيث نقل القاضي عياض الخلاف في اسمه، وبدأ كلامه بأنه: أبو يزيد، ثم قال: كذا الجميع الرواة إلا الحموي فعنده: أبو بريد.
(4)
"الإكمال" 1/ 228 - 229.
بلوغ هذا الحد من الطمأنينة لا تجوز، وإن كانت هذِه الصفة أفضل لمن قدر عليها، وقد قَالَ أبو أيوب في باب: المكث بين السجدتين، بعد هذا: وقد كان أبو بريد يفعل شيئًا لم أرهم يفعلونه
(1)
، وكذا قَالَ ثابت عن أنس في ذَلِكَ الباب: إنه كان يصنع شيئا لم أركم تصنعونه، كان إِذَا رفع رأسه من الركوع قام حتَّى يقول القائل: قد نسي
(2)
. وبين السجدتين كذلك، فدل أن الذي كانوا يصنعونه في ذَلِكَ من خلاف هذِه الآثار جائز أيضًا؛ إذ لا يجوز أن يتفق الصحابة عَلَى صفة من الصلاة إلا وهي جائزة، هذا هو المفهوم من هذِه الآثار، وقد ترجم البخاري أيضًا لحديث أنس والبراء ومالك بن الحويرث: المكث بين السجدتين، كما ستعلمه.
(1)
سيأتي برقم (818) كتاب: الأذان.
(2)
سيأتي رقم (820) كتاب: الأذان.
128 - باب يَهْوِي بِالتَّكْبِيِر حِيَن يَسْجُدُ
وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابن عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ.
803 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. ثُمَّ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ. حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الْجُلُوسِ فِي الاِثْنَتَيْنِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقُولُ: حِينَ يَنْصَرِفُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. [انظر: 785 - مسلم: 392 - فتح: 2/ 290]
804 -
قَالا: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ. [1006، 2932، 3386، 4560، 4598، 6200، 6393، 6940 - مسلم: 675 - فتح: 2/ 290]
805 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَقَطَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: مِنْ فَرَسٍ- فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْنَا -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: صَلَّيْنَا قُعُودًا- فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا سَجَدَ
فَاسْجُدُوا". قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا جَاءَ بِهِ مَعْمَرٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لَقَدْ حَفِظَ، كَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: "وَلَكَ الْحَمْدُ". حَفِظْتُ: مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ. فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ -وَأَنَا عِنْدَهُ-: فَجُحِشَ سَاقُهُ الأَيْمَنُ. [انظر: 378 - مسلم: 411 - فتح: 2/ 290]
(وقال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبيته): هذا التعليق رواه
الحاكم من حديث محرز بن سلمة، عن عبد العزيز، عن عبيد الله، عن نافع، عنه به وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذَلِكَ ثمَّ قَالَ: صحيح عَلَى شرط مسلم ولم يخرجاه، وله معارض من حديث أنس ووائل بن حجر
(1)
.
وقال الحازمي: هذا الحديث يعد من مفاريد عبد العزيز عن عبيد الله.
وقال البيهقي: رواه ابن وهب وأصبغ عن عبد العزيز قَالَ: والمشهور عن ابن عمر. ثم ساق بإسناده إلى أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قَالَ: إِذَا سجد أحدكم فليضع يديه، فإذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه
(2)
.
وبإسناده إلى أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رفعه:"إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه وإذا رفعه فليرفعهما". وهذا الأخير خرجه ابن خزيمة في "صحيحه"
(3)
.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ثمَّ قَالَ ابن خزيمة: ذكر الدليل عَلَى أن الأمر بوضع اليدين عند السجود منسوخ، وأن وضع الركبتين قبل اليدين ناسخ. ثمَّ ساق حديثًا عن سعد قَالَ: كنا نضع
(1)
"المستدرك" 1/ 226: الصلاة.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 101 كتاب: الصلاة، باب: من قال: يضع يديه قبل ركبتيه.
(3)
"السنن الكبرى" 2/ 101، "صحيح ابن خزيمة" 1/ 320 (630) كتاب: الصلاة، باب: وضع اليدين على الأرض في السجود.
اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين
(1)
. وأعله البيهقي وغيره
(2)
. وعند الشافعي أن الأفضل أن يضع ركبتيه ثمَّ يديه
(3)
.
وبه قَالَ أحمد وأصحاب الرأي وأكثر العلماء
(4)
، كما نقله الترمذي وغيره.
وقال مالك: يقدم يديه عَلَى ركبتيه. وهو رواية عن أحمد، وبه قَالَ الأوزاعي والحسن وابن حزم
(5)
، وفيه حديث عن أبي هريرة رواه أبو داود والترمذي والنسائي، واستغربه الترمذي، وأعله البخاري والدارقطني
(6)
.
(1)
"المستدرك" 1/ 226.
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 319 (628).
(3)
"السنن الكبرى" 2/ 100.
(4)
"الأم" 1/ 98، "البيان" 2/ 215، "المجموع" 3/ 396.
"سنن الترمذي" 2/ 57 عقب الرواية (268)، انظر:"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 211، "المبسوط" 1/ 31، 32، "بدائع الصنائع" 1/ 210، "المغني" 2/ 193، "شرح الزركشي" 1/ 310، "المبدع" 1/ 452.
(5)
انظر: "المحلى" 4/ 128 - 130، "المغني" 2/ 193، "المبدع" 1/ 452، "الممتع" 1/ 435.
(6)
رواه أبو داود (840)، والنسائي 2/ 207 من طريق عبد العزيز بن محمد، كما رواه أبو داود (841)، والترمذي (269)، والنسائي 2/ 207 من طريق عبد الله بن نافع، كلاهما -عبد العزيز وعبد الله- عن محمد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه".
وأعله البخاري بمحمد بن عبد الله بن الحسن، فذكر الحديث ثم قال: لا يتابع عليه، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا؟ "التاريخ الكبير" 1/ 139 (418)، وضعفه كذلك ابن العربي في "العارضة" 2/ 69.
بينما صححه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام" 1/ 399، وقال النووي في "المجموع" 3/ 396، "الخلاصة" (1248): إسناده جيد. اهـ. =
وعن مالك رواية أيضًا أنه يقدم أيهما شاء
(1)
. وعنه كالشافعي
(2)
، وقال قتادة: يصنع أهون ذَلِكَ عليه، وتوقف النووي في ذَلِكَ فقال
(3)
: لا يظهر لي الآن ترجيح أحد المذهبين من حيث السنة
(4)
. قَالَ الشافعي في "الأم": فإن خالف الترتيب المذكور كرهته ولا إعادة عليه
(5)
.
قال الطحاوي: اتفقوا أنه يضع رأسه بعد يديه وركبتيه، ثمَّ يرفعه قبلهما، ثم كانت اليدان متقدمتين في الرفع، فوجب أن يكونا مؤخرتين في الوضع
(6)
.
وذكر البخاري أيضًا في الباب حديثين آخرين:
= وكذا المباركفوري في "تحفة الأحوذي": 2/ 120، والألباني في "الإرواء": 2/ 78، وفي "صحيح أبي داود"(789).
(1)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 133.
(2)
انظر: "بداية المجتهد" 1/ 226، "الذخيرة" 2/ 195، "الخرشي" 1/ 287.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: قال النووي في "المهذب".
(4)
"المجموع" 31/ 395.
(5)
"الأم" 1/ 98.
(6)
"شرح معاني الآثار" 1/ 256.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" 1/ 90 - 91:
أما الصلاة بكليهما فجائزة باتفاق العلماء، إن شاء المصلي يضع ركبتيه قبل يديه، وإن شاء وضع يديه قبل ركبتيه وصلاته صحيحة في الحالتين باتفاق العلماء ولكن تنازعوا في الافضل فقيل: الأول كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وقيل: الثاني كما هو مذهب مالك وأحمد في الرواية الأخرى وقد روي بكل منهما حديث في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم ففي السنن عنه: أنه كان إذا صلى وضع ركبتيه ثم يديه وإذا رفع رفع يديه ثم ركبتيه وفي "سنن أبي داود" وغيره أنه قال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك بروك الجمل ولكن يضع يديه ثم ركبتبه" وقد روي ضد ذلك، وقيل: أنه منسوخ والله أعلم. اهـ.
أحدهما:
حديث أبي هريرة أَنه كَانَ يُكَبَّرُ فِي كُلِّ صَلَاةِ مِنَ المَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا.
الحديث الثاني:
حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن أَنَسٍ: سَقَطَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ .. الحديث.
وقد سلفا فيما مضى
(1)
، وعزاه شيخنا المزي
(2)
في "أطرافه" إلى النسائي، (وأنه رواه عن هشام بن عمار عن ابن عيينة، وهذا ينبغي أن يعلم أنه سند ابن ماجه)
(3)
. وقد سلف معنى هذا الباب: في باب إتمام التكبير في الركوع
(4)
، ولا خلاف فيه بين الفقهاء إلا في تكبير القيام من اثنتين، وسيأتي ذَلِكَ في باب: يكبر وهو ينهض بين السجدتين
(5)
.
(1)
حديث أبي هريرة سلف برقم (785)، وحديث أنس سلف برقم (378).
(2)
ورد بهامش الأصل تعليق نصه: هو شيخه، بمعنى أنه أجازه من دمشق.
(3)
كذا في الأصل، وهو خلاف في "التحفة"؛ فإن المزي رحمه الله لما طرَّفه في "التحفة"(1485) عزاه للنسائي من وراية هناد بن السري، وعزاه لابن ماجه من رواية هشام بن عمار كلاهما عن ابن عيينة!!
قلت: وحديث هناد عند النسائي 2/ 83، 195 - 196، وحديث هشام عند ابن ماجه برقم (1238)
(4)
راجع شرح حديث (784، 785).
(5)
سيأتي برقم (825، 826).
129 - باب فَضْلِ السُّجُودِ
806 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا، أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ:"هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ ". قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ ". قَالُوا: لَا. قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَى جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ الرُّسُلُ، وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ "فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ اللهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا. فَيَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ:
806
لَا وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِي اللهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ، قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَهُ فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ. فَيُعْطِى رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا، فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ اللهُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْنِى أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَضْحَكُ اللهُ عز وجل مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللهُ عز وجل: تَمَنَّ كَذَا وَكَذَا. أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنهما: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قَوْلَهُ: "لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". [6573، 7437 - مسلم: 495 - فتح: 2/ 294]
ذكر فيه حديث أبي هريرة في الرؤية بطوله وفيه: "وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ" وفي آخره: "لك ذلك وعشرة أمثاله".
وهو حديث عظيم يأتي في (الجنة)
(1)
والتفسير
(2)
، أخرجه مسلم
(1)
كلمة غير واضحة في الأصل، ولعل المثبت هو الصواب؛ فالحديث يأتي في أبواب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق.
(2)
سيأتي برقم (4581) باب: قوله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40] من =
أيضًا مطولًا، وفيه: قَالَ أبو هريرة: "وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولًا الجنة" -وهو في الرواية هنا-. وفيه: " فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون" وقال قبله: "في صورة غير صورته التي يعرفون"
(1)
وكذا ذكره البخاري في كتاب: الرقاق، وذكر مرة الإتيان مرتين -كما أخرجه مسلم- وذكره مرة ثلاثًا، وأخرجاه من حديث ابن مسعود أيضًا مطولًا:"إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها وآخر أهل الجنة دخولًا الجنة" فذكراه
(2)
، وفي (الرواة عن مالك للدارقطني)
(3)
من حديث ابن عمر أن اسم هذا الرجل: جهينة، من جهينة:"فيقول أهل الجنة: عند جهينة الخبر اليقين سلوه: هل بقي من الخلائق أحدٌ؟ "
(4)
.
وقال السهيلي: اسمه هناد. وفي "الحلية" لأبي نعيم من حديث ليث عن مجاهد عن أبي هريرة يرفعه: "يخرج أهل الكبائر من النار إلا رجلًا
= حديث أبي سعيد الخدري، ومن حديث أبي هريرة يأتي برقم (6573) كتاب: الرقاق، باب: الصراط جسر جهنم.
وبرقم (7437) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} .
(1)
"صحيح مسلم"(182) كتاب: الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية.
(2)
سيأتي برقم (6571) كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار، ومسلم (186) كتاب: الإيمان، باب: آخر أهل الجنة خروجًا.
(3)
كذا في الأصل، ولعل صوابه:"الرواة عن مالك" للخطيب، "غرائب مالك" للدارقطني فهكذا العزو في مصادر التخريج كما سيأتي، فضلًا عن أنه هكذا ضبط اسمي مصنف الخطيب، ومصنف الدارقطني. انظر:"الرسالة المستطرفة" ص 84.
(4)
رواه الدارقطني في "غرائب مالك" كما في "لسان الميزان" 2/ 164 (1910)، "كنز العمال"(39433)، وكذا رواه الخطيب في "رواة مالك"، كما. في "الكنز" أيضًا وقال الدارقطني: هذا الحديث باطل. اهـ. وكذا أشار لضعفه الحافظ في "الفتح" 11/ 459، وقال الألباني في "الضعيفة" (377): موضوع.
يمكث ألف سنة ينادي: يا حنّان يا منّان. فيبعث الله إليه ملكًا فيخوض في النار في طلبه سبعين عامًا لا يقدر عليه حتَّى يدله عليه رب العزة عز وجل"
(1)
.
إذا عرفت ذَلِكَ فالكلام عليه من وجوه:
أحدها:
"تمارون" قد سلف في باب فضل صلاة العصر
(2)
أن معناها: تجادلون، أي: لا يدخلكم شك، وهو مخفف الراء من المرية وهو الشك.
قَالَ الخطابي: وأصله: يتمارون، وليس هو من المراء
(3)
، قَالَ ابن التين: والذي ضبط في هذا الموضع بضم التاء وهو خلاف قول الخطابي: أصله: يتمارون وهي رواية الأصيلي بالفتح.
ثانيها:
"الطواغيت": جمع طاغوت، وهو ما عبد من دون الله، يقع عَلَى الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث، وزنه فعلوت وإنما هو طغيوت، قدمت الياء عَلَى الغين وهي مفتوحة وقبلها فتحة قلبت ألفًا. قاله ابن سيده
(4)
.
ونص الحديث فرق بينه وبين من عبد الشمس ومن عبد القمر، وقال
(1)
لم أقف عليه في "الحلية" هكذا، والذي فيها إنما هو من قول سعيد بن جبير، بنحوه انظر:"الحلية" 4/ 285، بينما حديث أبي هريرة قد رواه الحكيم الترمذي في "النوادر" ص 139 الأصل الثاني والمائة، وهكذا لما أورده صاحب "الكنز"(39549) عزاه للحكيم فقط!
(2)
رقم (554) كتاب: مواقيت الصلاة.
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 523.
(4)
"المحكم" 6/ 8.
القزاز: هو: فاعول من طاغوت، وأصله: طاغو فحذفوا وجعلوا التاء كأنها عوض من المحذوف فقالوا: طاغوت. وإنما جاز فيه التذكير والتأنيث؛ لأن العرب تسمي الكاهن والكاهنة طاغوتا. وفي ديوان الأدب: تاؤه غير أصلية. وسئل الشارع فيما رواه جابر عنه، عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال: كانت في جهينة واحد، وفي أسلم واحد، وفي كل حي واحد
(1)
. وقيل الطاغوت: الشيطان.
وقيل: كل معبود من حجرٍ أو غيره فهو جبت وطاغوت، وفي "الغريبين" الطاغوت: الصنم، وقال الجوهري: هو كل رأس في الضلال
(2)
وفي العبث، هو الشيطان أو ما زين لهم أن يعبدوه
(3)
.
وقيل: إنه الساحر. وقيل: الكاهن. وقيل: مردة أهل الكتاب.
ثالثها:
قوله: ("وتبقى هذِه الأمة فيها منافقوها") يدل عَلَى أن المنافقين يتبعون محمدًا صلى الله عليه وسلم لما انكشف لهم من الحقيقة رجاءً منهم أن ينتفعوا بذلك، ويلتزموا الرياء في الآخرة ما التزموه في الدنيا حتَّى تبينهم الغرة والتحجيل من أثر الوضوء عند الحوض، فيتبين حينئذ المنافق إذ لا غرة له ولا تحجيل، ويؤخذ منهم ذات الشمال في جملة من ارتد بعده صلى الله عليه وسلم، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول:"سحقًا سحقًا"
(4)
فظنوا أن تسترهم بالمؤمنين في الآخرة ينفعهم كما في الدنيا جهلًا منهم، فاختلطوا بهم أو حشروا معهم لما كانوا يظهرونه من
(1)
سيأتي معلقًا قبل حديث (4583).
(2)
"الصحاح" 6/ 2413.
(3)
"المجموع المغيث" 2/ 357.
(4)
سيأتي برقم (6584 - 6585).
الإِسلام، فحفظ ذَلِكَ عليهم حتَّى ميز الله بين الخبيث والطيب، أو إنه لما قيل: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد. والمنافقون لم يعبدوا شيئًا فبقوا هناك حيارى حتَّى ميزوا.
رابعها:
قوله: "فيأتيهم الله" الإتيان هنا إنما هو كشف الحجب التي بين أبصارنا وبين رؤية الله عز وجل، لأن الحركة والانتقال لا تجوز عَلَى الله تعالى؛ لأنها صفات الأجسام المتناهية، والله تعالى لا يوصف بشيء من ذَلِكَ
(1)
، فلم يبق من معنى الإتيان إلا ظهوره عز وجل إلى الأبصار،
(1)
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية:
وقد قال الجد أبو عبد الله في تفسيره:
أما الإتيان المنسوب إلى الله فلا يختلف قول أئمة السلف، كمكحول والزهري، والأوزاعي، وابن المبارك، وسفيان الثوري، والليث ابن سعد، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد، وأتباعهم، أنه يمر كما جاء. وكذلك ما شاكل ذلك مما جاء في القرآن، أو وردت به السنة كأحاديث النزول ونحوها، وهي طريقة السلامة، ومنهج أهل السنة والجماعة: يؤمنون بظاهرها، ويكلون علمها إلى الله، ويعتقدون أن الله منزه عن سمات الحدث. على ذلك مضت الأئمة خلفًا بعد سلف، كما قال تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} .
وقال ابن السائب في قوله: {أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} هذا من المكتوم الذي لا يفسر.
وقال أيضًا: أما كون إتيانه ومجيئه ونزوله ليس مثل إتيان المخلوق ومجيئه ونزوله، فهذا أمر ضروري متفق عليه بين علماء السنة ومن له عقل؛ فإن الصفات والأفعال تتبع الذات المتصفة الفاعلة، فإذا كانت ذاته مباينة لسائر الذوات ليست مثلها لزم ضرورة أن تكون صفاته مباينة لسائر الصفات ليست مثلها. ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفة كل موصوف إلى ذاته، ولا ريب أنه العلي الأعلى الأعظم، فهو أعلى من كل شيء، وأعظم من كل شيء، فلا يكون نزوله وإتيانه بحيث تكون المخلوقات تحيط به أو تكون أعظم منه وأكبر هذا ممتنع. =
لم تكن تراه ولا تدركه، والعادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالإتيان، فعبر به عن الرؤية مجازًا، ولا شك أن ما كان عليه السلف من التسليم أسلم، لكن مع القطع بأن الظواهر المذكورة يستحيل حملها على ظواهرها لما يعارضها من ظواهر أخر، والمتأول أولها عَلَى ما يليق بها عَلَى حسب مواقعها، وإنما يسوغ تأويلها لمن كان عارفا بلسان العرب، وقواعد الأصول والفروع.
= وأما لفظ الزوال والانتقال فهذا اللفظ مجمل، ولهذا كان أهل الحديث والسنة فيه على أقوال. فعثمان بن سعيد الدرامي وغيره أنكروا على الجهمية قولهم: إنه لا يتحرك، وذكروا أثرًا أنه لا يزول، وفسروا الزوال بالحركة. فبين عثمان بن سعيد أن ذلك الأثر إن كان صحيحًا لم يكن حجة لهم؛ لأنه في تفسير قوله {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ذكروا عن ثابت: دائم باق لا يزول عما يستحقه، كما قال ابن إسحاق: لا يزول عن مكانته.
وقال أيضًا: والكلبي بنفسه الذي روى هذا الحديث هو يقول: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} : استقر، ويقول:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} : صعد إلى السماء، وأما الانتقال فابن حامد وطائفة يقولون: ينزل بحركة وانتقال. وآخرون من أهل السنة، كالتميمي من أصحاب أحمد، أنكروا هذا وقالوا: بل ينزل بلا حركة وانتقال. وطائفة ثالثة، كابن بطة وغيره يقفون في هذا، وقد ذكر الأقوال الثلاثة القاضي أبو يعلق في كتاب "اختلاف الروايتين والوجهين" ونفي اللفظ بمجمله، والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص، فيثبت ما أثبت الله ورسوله باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه. وهو أن يثبت النزول. والإتيان، والمجئ، وينفي المثل، والسمي والكفؤ، والند. "مجموع الفتاوى" 16/ 429، 422 - 424.
وقال أيضًا: والقول المشهور عن السلف عند أهل السنة والحديث: هو الإقرار بما ورد الكتاب والسنة من أنه يأتي وينزل، وغير ذلك من الأفعال اللازمة: قال أبو عمرو الطلمنكي: أجمعوا -يعني: أهل السنة والجماعة- على أن الله يأتي يوم القيامة والملائكة صفًا لحساب الأمم وعرضها كما يشاء وكيف يشاء. قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} وقال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} . "مجموع الفتاوى" 5/ 577 - 578.
وزعم القاضي عياض أن الإتيان فعل من أفعال الله تعالى سماه إتيانًا. قَالَ: والأشبه أن المراد يأتيهم بعض الملائكة، ويكون هذا الملك الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات الحدث الظاهرة عليه، أو يكون معناه: يأتيهم في صورة لا تشبه صفات الإلهية؛ ليختبرهم وهو آخر امتحان المؤمنين، فإذا قَالَ لهم هذا الملك أو هذِه الصورة: أنا ربكم. رأوا عليه من علامات المخلوق ما ينكرونه ويعلمون أنه ليس ربهم فيستعيذون بالله منه
(1)
.
وقال القرطبي: هذا مقام هائل يمتحن الله فيه عباده؛ ليميز المحق من المبطل، وذلك أنه لما بقي المنافقون والمراءون متلبسين بالمؤمنين المخلصين زاعمين أنهم منهم، امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع: أنا ربكم. فأجاب المؤمنون بإنكار ذَلِكَ لما سبق لهم من المعرفة به تعالى، وأنه منزه عن صفات هذِه الصورة؛ إذ سماتها سمات الحدث؛ فلذلك قالوا في حديث أبي سعيد: نعوذ بالله منك، لا نشرك باللهِ شيئًا. مرتين أو ثلاثًا، حتَّى أن بعضهم ليكاد أن ينقلب، وهذا البعض الذي هم بالانقلاب لم يكن لهم رسوخ العلماء ولا ثبوت العارفين، ولعل هذِه الطائفة هي التي اعتقدت الحق من غير بصيرة، فلذلك كان اعتقادهم قابلًا للانقلاب. ثمَّ يقال بعد هذا للمؤمنين: هل بينكم وبينه آية تعرفونها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق، أي: يوضح الحق ويتجلى لهم الأمر، فيروه حقيقة معاينة -وكشف الساق مثل يستعمله العرب في الأمر إِذَا حق ووضح- وعند هذا يسجد الجميع، فمن كان مخلصًا في الدنيا صح لَهُ سجوده عَلَى نهايته
(1)
انظر: "إكمال المعلم" 1/ 545 - 546.
وكماله، ومن كان مناففا أو مرائيًا عاد ظهره طبقة واحدة كلما رام السجود خر عَلَى قفاه، فعلى هذا تكون الصورة التي لا يعرفونها مخلوقة، والفاء التي دخلت عليها بمعنى الباء ويكون معنى الكلام أن الله تعالى يجيئهم بصورة. كما في قوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة:210]، ويكون معنى الإتيان هنا: يحضر لهم تلك الصورة.
وأما الصورة الثانية التي يعرفون عندما يتجلى لهم الحق فهي صفته تعالى التي لا يشاركه فيها شيء من الموجودات، وهذا الوصف الذي كانوا قد عرفوه في الدنيا، وهو المعبر عنه بقوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشوري: 11] ولهذا قالوا: إِذَا جاء ربنا عرفناه. فقيل لهم في الحديث: وكيف تعرفونه؟ قالوا: إنه لا شبيه له ولا نظير وقد جاء مرفوعًا في كتاب "التصديق بالنظر إلى الله تعالى" للآجري من حديث أبي موسى كذلك، ولا يستبعد إطلاق الصورة بمعنى الصفة والمجيء والإتيان المضاف إلى الرب جل جلاله.
ثانيا: هو عبارة عن تجليه لهم فكأنه كان بعيدًا فقرب أو غائبًا فحضر، وكل ذَلِكَ خطاب عَلَى وجه الاستعارة، جار عَلَى المتعارف من توسعات العرب، فإنهم يسمون الشيء باسم الشيء إِذَا جاوره أو قاربه، والتحول المنسوب إليه تعالى في رواية أخرى في الصحيح عبارة عن إزالة تلك الصورة الأولى المتعوذ منها، فيكون قوله:"تحول"
(1)
حالًا متقدمة قبل سجودهم؛ بمعنى: وقد كان تحوّل. أي: حول تلك الصورة وأزالها وتجلى هو بنفسه، فيكون المراد بهذا
(1)
رواه مسلم (183/ 302).
الكلام: أنه تعالى لما تجلى لعباده المؤمنين أول مرة رأوه فيها، لم يزل كذلك، لكنهم انصرفوا عن رؤيته عند سجودهم، ثمَّ لما فرغوا منه عادوا إلى رؤيته مرةً ثانية
(1)
.
والخطابي قَالَ: الإتيان هنا: كشف الحجاب لهم
(2)
وقد مر.
والصورة إما بمعنى: الصفة، كقولنا: صورة هذا الأمر كذا وكذا. إذ المذكور من المعبودات صور فخرج الكلام عَلَى نوع من المطابقة.
وقوله: ("في أدنى صورة") يدل عَلَى أن المراد بالصورة: الصفة كما مر؛ لأنهم ما رأوه قبلها، فعلم أن المراد الصفة التي عرفوه بها.
وقوله: ("نعوذ بالله منك") هو قول المنافقين وإن كان اللفظ عامًّا، والرؤية هنا تكون بمعنى: العلم. قَالَ الله تعالى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] أي: علمنا، وعند أبي الفرج بن الجوزي: يأتيهم بأهوال القيامة وصور الملائكة وما لم يعهدوا مثله في الدنيا فيستعيذون من تلك الحال ويقولون: إِذَا جاء ربنا. أي: أتانا بما نعرفه من لطفه، وهي الصورة التي يعرفون. فيكشف عن ساق أي: عن شدةٍ. كأنه يرفع تلك الشدائد فيسجدون شكرًا
(3)
.
(1)
"المفهم" 1/ 416 - 418.
(2)
"أعلام المحدثين" 1/ 525.
(3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات، فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، ما رووه من الحديث، ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد -إلى ساعتي هذِه- عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئًا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف، بل عنهم من تقرير ذلك وتثبيته، وبيان أن ذلك من صفات الله ما يخالف كلام المتأولين ما لا يحصيه =
وقال الكلاباذي: يجوز أن يكون المعنى: أنهم عرفوا الله في الدنيا بقلوبهم من غير كيفية ولا تشبيه بتعريفهم لَهُ باسم نفسه، لا أنهم عرفوه بصفاتهم من حيث هم، ولكنهم عرفوه بأنه أحدث فيهم لطائف عرفهم بها نفسه، يدل عَلَى هذا ما رواه ابن مسعود: فيقولون: سبحانه إِذَا اعترف لنا عرفناه
(1)
.
قَالَ: وكشف الساق: زوال الخوف عنهم والهول الذي غيَّبَهم عن كثير من حالهم كما غابوا عن رؤية عوراتهم إذ هم عراة
(2)
.
= إلا الله. وكذلك فيما يذكرونه آثرين وذاكرين عنهم شيء كبير.
وتمام هذا أنى لم أجدهم تنازعوا إلا في مثل قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} فروى عن ابن عباس وطائفة أن المراد به الشدة، إن الله يكشف عن الشدة في الآخرة، وعن أبي سعيد وطائفة أنهم عدوها في الصفات؛ للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين.
ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذِه من الصفات فإنه قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله، ولم يقل عن ساقه، فمع عدم التعريف بالإضافة يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر. "مجموع الفتاوى" 6/ 394 - 395.
(1)
قطعة من حديث طويل، رواه العقيلي في "الضعفاء" 2/ 314 - 316 (900)، و 4/ 496 - 498 كلهم من طريق سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله موقوفًا. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. اهـ. بينما أعلم الهيثمي في "المجمع" 10/ 330، قلت: في الإسناد: أبو الزعراء وهو عبد الله بن هانئ.
قال البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال العقيلي: سمع ابن مسعود، وفيه كلام ليس في حديث الناس. ثم ساق له الحديث بطوله. بينما قد وثقه العجلي وابن حبان.
انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 16/ 240 (3627).
هذا وقد صحت هذِه القطعة عند ابن حبان وغيره في حديث طويل -بنحو حديث الباب- عن أبي هريرة مرفوعًا. "صحيح ابن حبان" 16/ 478 - 480 (7445).
(2)
"بحرالفوائد" للكلاباذي ص 606 (رسالة ماجستير).
خامسها:
الصراط: يأتي في ذكر البعث إن شاء الله تعالى.
وقوله: ("بين ظهراني جهنم"). كذا للعذري، ولغيره:"ظهري" قَالَ ابن الجوزي: أي على وسطها. يقال: نزلت بين ظهريهم وظهرانيهم بفتح النون أي: في وسطهم متمكنا بينهم لا في أطرافهم.
سادسها:
قوله: ("فأكون أول من يجيز بأمته") وهو. بضم الياء، أي: أول من يمضي عليه ويقطعه. قَالَ: أجزت الوادي وجزته لغتان بمعنى. وقال الأصمعي: أجزته: قطعته. وجزته: مشيت عليه. ومعنى الرباعي: لا يجوز أحد عليه حتَّى يجوز هو وأمته، فكأنه يجيز الناس.
وقوله: ("ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل") أي: في حال الإجازة وإلا ففي يوم القيامة مواطن يتكلم الناس وتجادل كل نفس عن نفسها، ويسأل بعضهم بعضًا ويتلاومون، وبخاصم التابعون المتبوعين.
سابعها:
الكلاليب: جمع كَلُّوب -بفتح الكاف وضم اللام المشددة- حديدة معطوفة كالخطاف
(1)
. والسعدان: نبت معروف.
وقوله: ("لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله") قَالَ القرطبي: قيدناه عن بعض مشايخنا بضم الراء على أن يكون أسبقها "ما" خبرًا مقدمًا و"قدر" مبتدأ، وبنصبها عَلَى أن تكون "ما" زائدة و"قدر" مفعول
(2)
.
(1)
"الصحاح" 1/ 214، "النهاية في غريب الحديث" 4/ 195، "لسان العرب" 7/ 3912.
(2)
"المفهم" 1/ 420.
وتخطف -بكسر الطاء وفتحها والفتح أفصح-: وقرئ بالكسر وهو الأخذ بسرعة واستلاب. ومعنى الحديث: تأخذهم الكلاليب وتستلبهم بسرعه عَلَى قدر ذنوبهم.
وقوله: ("يوبق") قَالَ في "المطالع": هو بياء موحدة عند العذري ومعناه: المهلك. وللطبري بثاء مثلثة من الوثاق.
ثامنها:
قوله: ("يخردل") هو بالخاء المعجمة ودال مهملة. وقال يعقوب: بذال معجمة. قَالَ صاحب "المطالع": كذا هو لكافة الرواة
(1)
، وهو الصواب إلا الأصيلي فإنه ذكره بالجيم
(2)
ومعناه: الإشراف عَلَى السقوط والهلاك، وسبقه إلى ذَلِكَ عياض أجمع، من خردلت اللحم -بالمهملة والمعجمة- إِذَا قطعته قطعًا صغارًا، ومعناه: يقطعهم بالكلاليب
(3)
. وقيل بل المعنى: إنا نقطعهم عن لحوقهم بالناجين، وهذا بعيد. وقيل المخردل: المصروع المطروح. قاله الخليل، والأول أعرف وأظهر لقوله في الكلاليب:"تخطف الناس بأعمالهم". وفي حديث آخر: "فناج مسلم ومخدوش"
(4)
وأما جردلت -بالجيم- فقيل: هو الإشراف عَلَى السقوط.
وعن الأصيلي مجزذل بالجيم والزاي وذال بعدها، وهو وهم عليه.
ورواه بقية رواة مسلم سوى السجزي.
(1)
جاء في هامش الأصل: يعني بالمهملة.
(2)
ورد في هامش الأصل: يعني في كتاب الرقائق.
(3)
انظر: "إكمال المعلم" 1/ 551.
(4)
سيأتي برقم (7439) كتاب: التوحيد، باب قول الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} .
المجازى: من الجزاء والأول أصح، والخلاف أيضًا في البخاري بالخاء والجيم وجاء فيه في كتاب التوحيد: أو المجازى
(1)
. عَلَى الشك، وقال ابن سيده: خردل اللحم قطع أعضاءه وافرة، وقيل: قطعه وفرقه
(2)
. وفي "الصحاح": خردل اللحم، أي: قطعه صغارًا
(3)
.
تاسعها:
قوله: ("وحرم الله عَلَى النار أن تأكل آثار السجود") هو موضع الترجمة، وهو دال عَلَى أن الصلاة أفضل الأعمال؛ لما فيها من الركوع والسجود، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اعلمو اأن خير أعمالكم الصلاة"
(4)
وصح أيضًا أنه قَالَ: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"
(5)
وقرأ: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] ولعن الله إبليس؛ لإبائه عن السجود لعنة أبلسه بها وآيسه من رحمته إلى يوم القيامة.
وقال ثوبان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دلني عَلَى عمل أكون به معك في الجنة.
(1)
يأتي برقم (7437).
(2)
ورد بهامش الأصل تعليق نصه: قال بن سيده في "المحكم": خرذل اللحم: قطعة وفرقه ذكره في الخاء المعجمة والراء والذال المعجمة أيضًا، وذكر في أكثر من ..... قال خردل اللحم قطع أعضاءه وافرة، وقيل: خردل اللحم قطعة ومزقه الذال فيه لغة يعني الإعجام. والله أعلم. قلت -المحقق-: انظر "المحكم" 5/ 206 مادة: (خد)، 5/ 208، مادة (خذ).
(3)
"الصحاح" 4/ 1684.
(4)
رواه ابن ماجه (277)، وابن حبان 3/ 311 (1037)، والحاكم 1/ 130 - وصححه على شرط الشيخين- والبيهقي 1/ 82، وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 318 من حديث ثوبان. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأبي أمامة وجابر بن ربيعة، وصححه الألباني في "الإرواء"(412).
(5)
رواه مسلم (482) كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود.
قَالَ: "أكثر من السجود"
(1)
وقيل في قوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] هو أثر السهر والصفرة التي تعلو الوجه من التعب أو الصلاة والخشوع والوقار، أو ما تعلق من التراب بموضع السجود وندى الطهور، أو تبدو صلاتهم في وجوههم يوم القيامة، فإن مواضع السجود أشد بياضًا يوم القيامة، أو السمت الحسن في الدنيا، أو سيما الإسلام وسمته وتواضعه، أقوال.
عاشرها:
آثار السجود يعم أعضاءه السبعة. قَالَ عياض: والمراد الجبهة خاصة. وكأنه اعتمد عَلَى ما في مسلم: "إن قومًا يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم"
(2)
. وقد يجاب بأنه أراد المرء أو قومًا مخصوصين بأعيانهم، إما لأنهم أخلصوا في غسل وجوههم فقط ولم يخلصوا، أو لأمر آخر.
الحادي عشر:
قوله: ("امتحشوا") هو بتاء مثناة وحاء وشين معجمة، ذكره القاضي عياض عن متقني شيوخه، قَالَ: وهو وجه الكلام
(3)
، وبه ضبطه الخطابي
(4)
وغيره، ومعناه: احترقوا. قَالَ: ورواه بعض شيوخنا بضم التاء وكسر الحاء. وعن الداودي: امتحشوا: انقبضوا اسودوا، وفي بعض الروايات: صاروا حممًا
(5)
. ومحش وامتحش لغتان.
(1)
رواه مسلم (488) كتاب: الصلاة، باب: فضل السجود والحث عليه.
(2)
مسلم (191/ 319) كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها.
(3)
"إكمال المعلم" 1/ 554.
(4)
" أعلام الحديث" 1/ 533.
(5)
رواه أحمد 3/ 94 - 95، وعبد الرزاق في "المصنف" 11/ 409 - 411 (20857)، والبغوي في "شرح السنة" 15/ 181 - 182 (4348).
الثاني عشر:
الحبة -بكسر الحاء-: بذر البقل أو حب الريحان أو غيرهما مما سلف في باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال
(1)
. وماء الحياة: هو الذي من شربه أو صب عليه لم يمت أبدًا، قاله القرطبي
(2)
. وشبه نباته بنبات الحبة؛ لبياضها كما جاء في الحديث ولسرعة نباتها، لأنها تنبت في يوم وليلة؛ لأنها رويت من المياه وترددت في غثاء السيل، وروِّيت وتشرَّب قلبها للخروج، فإذا خرجت إلى موضع في حميل السيل غرزت عرقها فيه لحينها فنبتت بسرعة.
الثالث عشر:
قوله: ("ثمَّ يفرغ الله من القضاء بين العباد") معناه: تمم عليهم حسابهم وكمَّله وفصَّله؛ لأنه تعالى لا يشغله شيء عن شيء. وعند القرطبي: كمل خروج الموحدين من النار
(3)
.
الرابع عشر:
قوله: ("قشبني") هو بقاف مفتوحة، ثم شين معجمة مخففة مفتوحة. وقال ابن التين: كذا هو عند المحدثين، وكذا ضبطه بعضهم. والذي في اللغة بتشديد الشين ومعناه: سمني. وقال الفارابي في باب فعل يفعل: قشبه: سقاه السم. وقشبه طعامه، أي: سمه. وفي "المنتهى" لأبي المعالي القشب: أخلاط تخلي للنسر فيأكلها فيموت، فيؤخذ ريشه. يقال: ريش قشيب ومقشوب، وكل مسموم قشيب. وقال
(1)
سلف برقم (22).
(2)
"المفهم" 1/ 422.
(3)
"المفهم" 1/ 422.
أبو عمرو: القشب: السم. قشبه: سقاه السم. وحكى ابن سيده: القشب أيضًا بالفتح
(1)
. وقال صاحب "الأفعال": تقول العرب: قشبت الشيء قذرته، وقشب -بكسر الشين- قشبًا: قذر
(2)
.
وقال ابن قتيبة: هو من القشيب: وهو السم. كأنه قَالَ: سمني ريحها. وقال الخطابي: يقال: قشبه الدخان إِذَا ملأ خياشيمه وأخذ بكظمه وكانت ريحه طيبة، وأصله: خلط السم، يقال: قشبه: إذا سمه
(3)
. وقشبتنا الدنيا: فتنتنا، فصار حبها كالسم الضار، ثمَّ قيل عَلَى هذا: قشبه الدخان والريح الذكية إِذَا بلغت منه الكظم، ومنه حديث عمر: أنه كان بمكة فوجد ريح طيب فقال: من قشبنا؟ فقال معاوية: يا أمير المؤمنين، دخلتُ عَلَى أم حبيبة فطيبتني
(4)
.
الخامس عشر:
قوله: ("وأحرقني ذكاؤها") كذا هو في جميع روايات الحديث بالمد وبفتح الذال المعجمة ومعناه: لهبها واشتعالها وشدة وهجها. والأشهر في اللغة القصر، وبه جزم خلق منهم، وذكر جماعات أن المد والقصر لغتان
(5)
.
(1)
"المحكم" 6/ 107 - 108.
(2)
"الأفعال" لابن القوطية ص 222.
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 533.
(4)
رواه مالك في "الموطأ" ص 218، والبيهقي 5/ 35.
(5)
ما تقدم هو من قول النووي في "شرح مسلم" 3/ 23، وقد ذكره عنه الحافظ في "الفتح" أيضًا 11/ 459، ثم قال: وتعقبه مغلطاي بأنه لم يوجد عن أحد من المصنفين في اللغة ولا في الشارحين لدواوين العرب حكايه المد إلا عن أبي حنيفة الدينوري في كتاب "النبات" في مواضع .... ثم قال: وتعقبه علي بن حمزة الأصبهاني، فقال: أما الذكاء بالمد فلم يأت عنهم في النار، وإنما جاء في الفهم. اهـ. قلت: وهذا ما سيشير إليه المصنف متعقبًا.
قُلْتُ: وخطئوا أبا حنيفة صاحب "النبات" في مده؛ لأنه بالمد: الفهم والسِّنُّ.
السادس عشر:
"عسيت" بفتح السين، وحكي كسرها، وهما قراءتان
(1)
، وهي من
الآدميين يكون للشك والترجي واليقين- كما قاله صاحب "الواعي".
وقول الرب جلَّ وعلا: "ما أغدرك" تلطف بعبده وتأنيس لكثرة إدلاله عليه وسؤاله. والضحك من صفات الرب جل جلاله، ومعناه: الاستبشار والرضا لا الضحك بلَهَواتٍ وتعجب
(2)
.
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: في السبعة. قلت -المحقق-: أجل قرئ بهما في السبع، قرأ نافع بالكسر، والباقون بالفتح، وهو الأفصح الأشهر في اللغة. انظر:"الحجة للقراء السبعة" 2/ 349 - 350.
(2)
قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" 7/ 355 متعقبًا مثل هذا القول: فسره بالمجاز الذي يؤدي بهم إلى أن يفسروا وجود ذاته تعالى بالمجاز أيضًا؛ لأن للمخلوقات وجودًا أيضًا، فإذا قالوا: لا ينسب الضحك إلى الله؛ لأن الضحك من صفة الإنسان، فلينفوا إذن وجوده تعالى؛ لأن الإنسان موجود أيضًا! فسيقولون: وجوده تعالى ليس كوجودنا، فنقول: قولوا إذن في كل صفة لله ثبتت في الكتاب أو السنة: إنها ليست كصفتنا، تستريحوا وتهتدوا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فله سمع ولكن ليس كسمعنا، وبصر ليس كبصرنا
…
ويضحك ولكن ليس كضحكنا، فإنه يقال في الصفات كلها ما يقال في الذات إثباتًا وتنزيهًا.
فهذا الحق ما به من خفاءٍ
…
فدعني عن بُنَيَّاتِ الطريق
وقال أيضًا سماحة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين في: قوله صلى الله عليه وسلم: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة": ففي هذا: إثبات الضحك لله عز وجل، وهو ضحك حقيقي لكنه لا يماثل ضحك المخلوقين ضحك يليق بجلاله وعظمته ولا يمكن أن نمثله؛ لأننا لا نستطيع أن نقول إن لله فمًا أو أسنانًا أو ما أشبه ذلك، ولا يجوز لنا أن نقول ذلك لكن نثبت الضحك لله، ولكنه ضحك يليق به سبحانه وتعالى، فإذا قال قائل: يلزم من إثبات الضحك أن يكون الله مماثلًا للمخلوق. =
السابع عشر:
"لا أكونَّ أشقى خلقك" كذا هنا، وعند أبي الحسن:"لأكون". ولعله يريد إن أنت أبقيتني على هذِه الحالة ولا تدخلني الجنة لأكونن أشقى خلقك الذين دخلوها والألف زائدة.
الثامن عشر:
قول أبي سعيد: "وعشرة أمثاله". يحتمل أن يكون جميع ما أعطي ذَلِكَ، وأن يكون هو وعشرة أمثاله.
= فالجواب: لا يلزم من إثبات الضحك أن يكون الله مماثلًا للمخلوق؛ لأن الذي قال: يضحك هو الذي أنزل عليه قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
ومن جهة أخرى: فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم في مثل هذا إلا عن وحي؛ لأنه من أمور الغيب ليس من الأمور الاجتهادية التي قد يجتهد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يقره الله على ذلك، أو لا يقره، ولكنه من الأمور الغيبية التي يتلقاها الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي. لو قال قائل: المراد بالضحك الرضى؛ لأن الإنسان إذا رضي عن الشيء سر به وضحك، والمراد بالرضى الثواب، أو إرادة الثواب كما قال ذلك الأشاعرة؟
فالجواب: أن نقول: هذا تحريف للكلم عن مواضعه، فما الذي أدراكم أن المراد بالرضى الثواب؟
فأنتم الآن قلتم على الله ما لا تعلمون من وجوه:
الوجه الأول: صرفتم النص عن ظاهره بلا علم.
الثاني: أثبتم له معنى خلاف الظاهر بلا علم.
الثالث: أن نقول لهم الإرادة إذا قلتم أنها ثابتة لله عز وجل، فإنه تنتقض قاعدتكم؛ لأن للإنسان إرادة كما قال تعالى:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152]. فللإنسان إرادة بل للجدار كما قال تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]، فأنتم إما أن تنفوا الإرادة عن الله عز وجل كما نفيتم بقية الصفات وإما أن تثبتوا لله عز وجل ما أثبته لنفسه وإن كان مخلوق نظيره في الاسم لا في الحقيقة، فنقول: هذا الضحك حقيقة لكنه لا يماثل ضحك المخلوقين. "شرح العقيدة الواسطية" 2/ 443 - 445.
ووجه الجمع بين قول أبي سعيد هذا وقول أبي هريرة: "لك ذَلِكَ ومثله معه" أنه عليه السلام أخبر أولًا بالمثل، ثمَّ أطلع عَلَى الزيادة تكرمًا، و [لا]
(1)
يحتمل العكس؛ لأن الفضائل لا تنسخ.
التاسع عشر:
إمساك العبد عن السؤال حياءً من الرب، والله تعالى يحب السؤال؛ لأنه يحب صوت عبده فيباسطه بقوله:"إن أعطيت هذا تسأل غيره؟ " وهذا حال المقصر، فكيف حال المطيع؟! وليس نقض هذا العبد عهده وترك إقسامه جهلًا؛ بل نقضه عالمًا بأنه أولى؛ لأن سؤاله ربه أفضل من إبراره قسمه، وقول الرب جل جلاله له "أليس قَدْ أعطيت العهود؟ " إيناس لَهُ وتبسط، وقول العبد في بعض الروايات:"أتهزأ بي؟ "
(2)
نفي عنه جل وعز الاستهزاء الذي لا يجوز عليه، كأنه قَالَ: أعلم أنك لا تهزأ لأنك رب العباد، و (قولك)
(3)
: "لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها" حق، ولكن العجب من فضلك. و"أتهزأ" ألفه ألف نفي عَلَى هذا كقوله:{أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} [الأعراف: 155] وهي لفظة متبسط متذلل.
وفي الحديث "فرأى ضوءًا فخر ساجدًا، فيقال: مالك؟ فيقول: أليس هذا ربي؟ فإذا بشخص قائم"
(4)
قَالَ: ليس سجوده للقائم الذي
(1)
ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.
(2)
رواه أحمد 1/ 391 - 392 من حديث ابن مسعود.
(3)
عليها في الأصل علامة تصحيح (صح).
(4)
قطعة من حديث رواه الطبراني 9/ 357 - 361 (9763)، والحاكم 4/ 589 - 592 عن ابن مسعود مرفوعًا، وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه. اهـ. وكذا الهيثمي في "مجمع" 10/ 343، والألباني في "الصحيحة"(3129)، "صحيح الترغيب"(3591، 3704).
هو قهرمانه
(1)
ولا قوله: "أليس هذا ربي؟ " إشارة منه إليه، وكيف يكون كذلك وهو له موحد به عارف؟! وإنما سجد لله كأنه قَالَ: أليس هذا الضوء علامة تجليه لي، كأنه قَالَ: أليس عند هذا النور يكون تجلى ربي لي وراء هذا؟ ألا ترى إلى حديث جابر: "بينما أهل الجنة في نعيمهم سطع لهم نور من فوقها وإذا الرب قد أشرق عليهم"
(2)
فسجود العبد يجوز أن يكون استدعاء لرؤية ربه؛ وذلك لأنه سمع الله تعالى يقول: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} فلم يشر بقوله: (هذاربي) إلى عين قائمة؛ بل أراد ذاتًا موجودة وذلك؛ لأنه طلب الجنة المخلوقة تصريحًا، وطلب الرؤية لسيد ليس كمثله شيء تعويضًا وقسمة؛ لأنها لم تكن جزاء كالجنة التي هي جزاء الإيمان بل فضلًا، فمن محبته وشوقه لربه إِذَا سطع لَهُ نور يهيج شوقه فيرى أن وراءه يكون تجلي ربه فيسجد شكرًا؛ لإنجازه وعده، ومسارعة لاستنجاز الموعود؛ لأنه لما سكنت نفسه وأمن روعه انبعثت محبته التي خلقها الله في قلبه، فسها عن نعيم الجنة؛ لأنه قَالَ: ما اشتهته فيها نفسه، ويطلع إلى ما تلذ بها عينه، فلو أعطي ما تلذ عينه -وهو النظر إلى الرب جل جلاله لسها عن نعيم الجنة ولم يلتذ به.
الخاتمة:
فيه إثبات الرؤية للرب جل جلاله نصًّا من كلام الشارع، وهو تفسير لقوله جل جلاله:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23]
(1)
القهرمان: هو القائم بأمور الرجال، وهو كالخازن والوكيل والحافظ لما تحت يده. انظر:"النهاية في غريب الحديث" 4/ 129.
(2)
رواه ابن ماجه (184)، وضعف البوصيري إسناده في "مصباح الزجاجة" 1/ 26، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(33).
يعني: مبصرة بالله تعالى، ولو لم يكن هذا القول من الشارع بالرؤية نصًّا لكان في الآية كفاية لمن أنصف، وذلك أن النظر إِذَا قرن بذكر الوجه لم يكن إلا نظر البصر، وإذا قرن بذكر القلب كان بمعنى اليقين، فلا يجوز أن ينقل حكم الوجوه إلى حكم القلوب، فإن قُلْت: فقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وأنه عَلَى العموم قُلْتُ: الإدراك: الإحاطة، تعالى عن ذَلِكَ، وهو أولى من جواب ابن بطال أن الآية مخصوصة بالسنة
(1)
. وسلف القول في ذَلِكَ في باب: فضل صلاة العصر ويكون لنا -إن شاء الله- عودة إليه في: الاعتصام في الكلام عَلَى الآية.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 424.
130 - باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ
807 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ [انظر: 390 - مسلم: 495 - فتح: 2/ 294]
ذكر حديث عبد الله بن مالك ابن بحينة في التفريج، وقد سلف في باب: يبدي ضبعيه في أوائل الصلاة
(1)
واضحًا بفقهه.
وهي صفة مستحبة عند العلماء، ومن تركها لم تبطل صلاته. وقد اختلف السلف في ذَلِكَ فممن روي عنه المجافاة في السجود: علي والبراء وابن مسعود وأبو سعيد الخدري وابن عمر، وقَالَ الحسن: حَدَّثَنِي أحمر
(2)
صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إن كنا لنأوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما يجافي بمرفقيه عن جنبيه. وفعله الحسن.
وقال النخعي: إِذَا سجد فليفرج بين فخذيه
(3)
.
وممن رخص أن يعتمد بمرفقيه:
قَالَ ابن مسعود: هيئت عظام ابن آدم للسجود فاسجدوا حتَّى
(1)
سبق برقم (390) كتاب: الصلاة، باب: يبدي ضبعيه ويجافي في السجود.
(2)
هو أحمر بن جزي الدوسي وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا ولابنه شعيل -وكان أحمر يُكنى بأبي شِعْيل- هذا كتاب لأحمر بن معاوية وشعيل بن أحمر في رحالهم وأموالهم، فمن آذاهم فذمة الله منه خلية إن كانوا صادقين.
وقد حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه الحسن البصري. قال ابن عبد البر: لم يَرْوِ عنه غيره فيما علمت. انظر: "معجم الصحابة" للبغوي 1/ 171، "الاستيعاب" 1/ 166، "الإكمال" 1/ 18، 2/ 82.
(3)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 231 - 232 كتاب: الصلاة، باب: التجافي في السجود.
بالمرافق، وأجاز ابن سيرين أن يعتمد بمرفقيه عَلَى ركبتيه في سجوده، وقال نافع: كان ابن عمر يضم يديه إلى جنبيه إِذَا سجد، وسأله رجل: هل يضع مرفقيه عَلَى فخذيه في سجوده؟ قَالَ: أسجد كيف تيسر عليك، وقال أشعث بن أبي الشعثاء عن قيس بن سكن: كل ذَلِكَ كانوا يفعلون ينضمون ويتجافون كان بعضهم ينضم وبعضهم يجافي، وروى ابن عيينة عن سمي عن النعمان بن أبي عياش قَالَ: شكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإرغام والاعتماد في الصلاة، فرخص لهم أن يستعين الرجل بمرفقيه عَلَى ركبتيه أو فخذيه. ذكر هذا كله ابن أبي شيبة في "مصنفه"
(1)
.
وإنما كان يجافي صلى الله عليه وسلم سجوده ويفرج بين يديه حتَّى يرى بياض إبطيه -والله اعلم- ليخف عَلَى الأرض ولا يثقل عليها، كما ذكر أبو عبيد عن عطاء بن أبي رباح أنه قَالَ: خفوا عَلَى الأرض. قَالَ أبو عبيد: وجهه أنه يريد ذَلِكَ في السجود، يقول: لا ترسل نفسك عَلَى الأرض إرسالًا ثقيلًا فيؤثر في جبهتك، ويبين ذَلِكَ حديث مجاهد أن حبيب بن أبي ثابت سأله قَالَ: إني أخشى أن يؤثر السجود في جبهتي، قَالَ: إِذَا سجدت فتجاف. يعني: خفف نفسك وجبهتك عَلَى الأرض. وبعض الناس يقولون: فتجاف. والمحفوظ عندي بالحاء
(2)
.
وقد ذكر ابن أبي شيبة من كره ذَلِكَ ومن رخص فيه:
ذكر عن ابن عمر أنه رأى رجلًا قَدْ أثر السجود في جبهته فقال:
لا يشينن أحدكم وجهه، وكرهه سعد بن أبي وقاص وأبو الدرداء والشعبي وعطاء.
(1)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 1/ 232 - 233 (2658، 2660، 2661، 2662) كتاب: الصلاة، باب: من رخص أن يعتمد بمرفقيه.
(2)
انظر: "غريب الحديث" 2/ 445.
وممن رخص في ذَلِكَ: قَالَ أبو إسحاق السبيعي: ما رأيت سجدةً أعظم من سجدة ابن الزبير، ورأيت أصحاب علي وأصحاب عبد الله وآثار السجود في جباههم وأنوفهم.
وقال الحسن: رأيت ما يلي الأرض من عامر بن عبد فيجس مثل ثفن البعير
(1)
(2)
.
وقد أسلفنا في الباب قبله أقوال المفسرين في قوله تعالى:
{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] فراجعها، وعن مالك: أنه ما يعلق بالجبهة من أثر الأرض
(3)
، وهذا يشبه الرخصة في هذا الباب.
(1)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 1/ 273 - 274 (3137، 3138، 3139، 3140، 3141، 3142، 3143، 3144) كتاب: الصلاة، باب: من كره أن يؤثر السجود في وجهه.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: الثفنة واحدة ثفنات
…
وهو ما يقع على الأرض من الـ
…
إذا أقمته سبع، وغلط
…
وغيرهما.
(3)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 16/ 293.
131 - باب يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ
قَالَهُ أَبُو حُمَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث مقتطع من حديث طويل ستعلمه
(1)
.
ولا يختلف العلماء في استحباب هذِه الصفة في السجود، وكذلك يستحبون أن يستقبل الساجد بأنامل يديه القبلة في سجوده، وإن فعل غير ذَلِكَ فصلاته جائزةٌ عندهم.
(1)
سيأتي رقم (828) كتاب: الأذان، باب: سنة الجلوس في التشهد.
132 - باب إِذَا لَم يُتِمَّ السُّجُودَ
808 -
حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ -قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ:- وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 389 - فتح: 2/ 295]
ذكر فيه حديث حذيفة السالف في باب: إِذَا لم يتم الركوع
(1)
.
وشيخ البخاري فيه الصلت بن محمد هو الخاركي -بالخاء المعجمة-
البصري -وخارك: جزيرة في بحر البصرة
(2)
- صالح الحديث
(3)
.
وشيخه مهدي هو ابن ميمون البصري المعولي مولاهم، ختن هشام ابن حسان، مات سنة اثنتين وسبعين ومائة وقيل: في زمن المهدي
(4)
.
وشيخه واصل وهو ابن حبان الأحدب، مات سنة عشرين ومائة. وشيخه أبو وائل شقيق بن سلمة، مات بعد الجماجم. وحذيفة بن اليمان حسل العبسي ثمَّ الأشهلي حليفهم الصحابي صاحب السر، مات سنة ست وثلاثين.
(1)
سبق رقم (791) كتاب: الأذان.
(2)
خارك: جزيرة في وسط البحر الفارسي، وهي جبل عالٍ في وسط البحر، وهي من أعمال فارس، انظر:"معجم البلدان" 2/ 337.
(3)
أبو همام الخاركي، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وانظر:"التاريخ الكبير" 4/ 304 (2919)، و"الجرح والتعديل" 4/ 441 (1933)، و"الثقات" 8/ 324، و"تهذيب الكمال" 13/ 228 - 229 (2899).
(4)
هو: مهدي بن ميمون الأزدي المعولي، مولاهم، أبو يحيى البصري، قال أبو سعيد الأشج، عن عبد الله بن إدريس: قلت لشعبة: أي شيء تقول في مهدي =
133 - باب السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ
809 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، وَلَا يَكُفَّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا: الجَبْهَةِ وَاليَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. [810، 812، 815، 816 - مسلم: 490 - فتح: 2/ 295]
810 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أُمِرْنَا أَنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلَا نَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعَرًا".
811 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ، حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ- قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ. [انظر: 690 - مسلم: 474 - فتح: 2/ 295]
ذكر فيه حديث ابن عباس من طرق ثلاث:
أحدها: طريق سفيان عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عَبَّاس قال: أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، وَلَا يَكُفَّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا: الجَبْهَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرَّجْلَيْنِ.
ثانيها: طريق شعبة عَنْ عَمْرٍو، به، بلفظ:"أُمِرْنَا أَنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلَا نَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعَرًا".
= ابن ميمون؟ قال: ثقة وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: مهدي ابن ميمون ثقة. وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين، وأبو عبد الرحمن النسائي وابن خراش: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر ترجمته في "التاريخ الكبير" 7/ 425 (1861)، و"معرفة الثقات" 2/ 301 (1804)، و"الجرح والتعديل" 8/ 335 - 336 (1547)، و"تهذيب الكمال" 28/ 592 - 595 (6224).
ثالثها: طريق وهيب عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الجَبْهَةِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ- وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتينِ، وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثّيَابَ وَالشَّعَرَ".
وذكر فيه حديث البراء في وضع الجبهة.
أما حديث البراء فسلف في باب: متى يسجد خلف الإمام
(1)
.
وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم أيضًا باللفظ الثالث وقال: "إلى أنفه": بدل: "على أنفه". وباللفظ الأول: وقال: "أعظم" بدل "أعضاء"، "والكفين" بدل "واليدين"، و"القدمين" بدل "الرجين".
وفي رواية له: "أمرت أن أسجد عَلَى سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب: الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين"
(2)
وعند ابن ماجه: قَالَ ابن طاوس: فكان أبي يقول: اليدين والركبتين والقدمين، وكان يعد الجبهة والأنف واحدًا
(3)
.
وفي "مسلم" من حديث العباس بن عبد المطلب، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إِذَا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وقدماه، وركبتاه"
(4)
.
إِذَا علمت ذَلِكَ، فاختلف العلماء فيما يجزئ السجود عليه من
(1)
سبق (690) كتاب: الأذان.
(2)
مسلم (490) كتاب: الصلاة، باب: أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة.
(3)
ابن ماجه (884) كتاب: إقامة الصلاة، باب: السجود.
(4)
مسلم (491) كتاب: الصلاة، باب: أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر، وقال:"أطراف" بدل "آراب" وقَدَّم الركعتين فقال: "وركبتاه وقدماه".
الآراب السبعة عند القدرة، بعد إجماعهم عَلَى أن السجود عَلَى الجبهة فريضة، فقالت طائفة: إِذَا سجد عَلَى جبهته دون أنفه أجزأه، وروي ذَلِكَ عن ابن عمر وعطاء وطاوس والحسن وابن سيرين والقاسم وسالم والشعبي والزهري والشافعي في أظهر قوليه، ومالك ومحمد وأبي يوسف وأبي ثور، والمستحب أن يسجد عَلَى أنفه معها
(1)
.
وقالت طائفة: يجزئه أن يسجد عَلَى أنفه دون جبهته وهو قول أبي حنيفة، وهو الصحيح في مذهبه
(2)
.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 253 - 254، "بدائع الصنائع" 1/ 105، "عيون المجالس" 1/ 315، "عارضة الأحوذي" 2/ 72، "بداية المجتهد" 1/ 267 - 268، قال ابن شاس رحمه الله: وفي إثبات الإجزاء ونفيه عند الاقتصار من الجبهة والأنف على أحدهما، ثلاثة أقوال: يخصص الإجزاء في الثالث بالاقتصار على الجبهة دون الاقتصار على الأنف، وهو المشهور. واختار القاضي أبو بكر نفي الإجزاء بإسقاط أيهما كان، وهو قول ابن حبيب. وحكى القاضي أبو الفرج ما ظاهره تعلق الوجوب بأحدهما على البدل. انظر:"عقد الجواهر الثمينة" 1/ 104، "الأم" 1/ 98 - 99، "الأوسط" 3/ 176 - 177، "البيان" 2/ 216 - 217، "المجموع" 3/ 397 - 400، وحكى القول الثاني صاحب "البيان"، وقال النووي رحمه الله: السنة أن يسجد على أنفه مع جبهته. قال البندنيجي وغيره: يستحب أن يضعهما على الأرضي دفعة واحدة لا يقدم أحدهما، فإن اقتصر على أنفه دون شيء من جبهته لم يجزئه بلا خلاف عندنا، فإن اقتصر على الجبهة أجزأه.
قال الشافعي في "الأم": كرهت ذلك وأجزأه، وهذا هو المشهور في المذهب وبه قطع الجمهور. وحكى صاحب "البيان" عن الشيخ أبي يزيد المروزي أنه حكى قولا للشافعي أنه يجب السجود على الجبهة والأنف جميعًا. وهذا غريب في المذهب، وإن كان قويًا في الدليل.
"المجموع" 3/ 399.
(2)
انظر: "الأصل" 1/ 13، "أحكام القرآن" للجصاص 5/ 35، "تبيين الحقائق" 1/ 116، وقال ابن نجيم رحمه الله: في "الشرنبلالية": هذا قول أبي حنيفة أولًا =
وروى أسد بن عمرو: لا يجوز إلا من عذر
(1)
.
وهو قول صاحبيه، وفي "شرح الهداية" عنه إن وضع الجبهة وحدها من غير عذر جاز بلا كراهة، وفي الأنف وحده يجوز مع الكراهة، والمستحب الجمع بينهما.
وفي "الإشراف" للدبوسي: يجزئه. وأشار في "المنظومة" عنه الجواز من غير عذر، ونسب ابن قدامة في "المغني"، والنووي في "شرح المهذب": انفراد أبي حنيفة به وقالا: لا نعلم أحدًا سبقه إليه
(2)
؛
= والأصح رجوعه إلى قولهما بعدم جواز الاقتصار في السجود على الأنف بلا عذر في الجبهة كما في البرهان أهـ. وفي شرح الشيخ إسماعيل: ثم في "الهداية" أن قولهما رواية عن أبي حنيفة وفي المجمع وروي عنه قولهما وعليه الفتوى. وفي "الحقائق": وروى عنه مثل قولهما. قال في "العيون": وعليه الفتوى. وفي "درر البحار": والفتوى رجوعه إلى قولهما لأنه المتعارف والمتبادر إلى الفهم أهـ. وفي "شرح الملتقى" للحصكفي: وعليه كما في "المجمع" وشروحه و"الوقاية" وشروحها و"الجوهرة" و"صدر الشريعة والعيون"، و"البحر الرائق" 1/ 554
(1)
انظر: "البناية" 2/ 277.
(2)
انظر: "الأوسط" 3/ 177، "المجموع" 3/ 399، "المغني" 2/ 197، وقال بدر الدين العيني: قال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا أسبقه إلى هذا القول ولا تابعه عليه، حكي ذلك عن النووي في شرح "المهذب" وابن قدامة في "المغني". قلت: ذكر الطبري في "تهذيب الآثار": أن حكم الجبهة والأنف سواء. وقال أبو يوسف عن طاووس أنه سئل عن السجود على الأنف وقال: ليس أكرم الوجه قال أبو هلال: سئل ابن سيرين عن الرجل يسجد على أنفه فقال: أوما تقرأ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107]، فالله مدحهم بخرورهم على الأذقان في السجود فإذا يسقط السجود على الذقن بالإجماع بصرف الجواز إلى الأنف؛ لأنه أقرب إلى الحقيقة؛ لعدم الفصل بينهما بخلاف الجبهة، إذ الأنف فاصل بينهما فكان من الجبهة وقال تقي الدين العبدي: وهو قول مالك.
وذكر في "المبسوط" جواز الاقتصار على الأنف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال =
لكن ابن شاس في "جواهره" قَالَ: إنه قول مالك
(1)
. وقال ابن جرير في "تهذيبه": حكم الجبهة والأنف سواء، فواضع الأنف دون الجبهة كواضع راحتيه دون الأصابع أو الأصابع دونها، فرق بين ذَلِكَ
(2)
.
وقال: وبنحو هذا الذي قلناه قَالَ جماعة من السلف.
قَالَ ابن بطال: وروي مثله عن طاوس وابن سيرين، وهو قول ابن القاسم
(3)
، وفي "المبسوط": ونقل عن ابن عمر مثل قول إمامنا
(4)
، وذكر أصحاب التشريح أن عظمي الأنف يبتدئان من قرنة الحاجب وينتهيان إلى الموضع الذي فيه الثنايا والرباعيات، فعلى هذا يكون الأنف والجبهة التي هي أعلى الخد واحدًا، وهو المشار إليه في الحديث عَلَى الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه فسوى بينهما، ولأن أعضاء السجود سبعة إجماعًا، ولا يتم ذَلِكَ إلا إِذَا عدَّا واحدًا.
وفي الترمذي: "لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض بمصيب الجبين"، وصحح إرساله عن عكرمة من غير ذكر ابن عباس
(5)
.
وقالت طائفة من أهل الحديث: يجب السجود عليهما جميعًا، روي
= في "العارض" في بعض طرق حديث ابن عباس رضي الله عنهما أمر النبي عليه السلام أن يسجد على سبعة أعظم، الجبهة أو الأنف، وقال بعض شراح مسلم: إن المراد من ذكر الجبهة أو الأنف؛ لئلا تصير ثمانية، ويدل عليه أو الأنف في الرواية المذكورة. وقال ابن المنذر: لا أعلم أيضًا فيه منه إذ ما جهله أكثر مما علمه. وما ذكره تحامل منه وتعصب، وقد بينا من قال بقوله قبله وبعده من السلف والخلف، "البناية" 2/ 276 - 277.
(1)
"عقد الجواهر الثمينة"1/ 104.
(2)
"تهذيب الآثار" 2/ 2 (346).
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 431.
(4)
"المبسوط" 1/ 34 - 35.
(5)
"علل الترمذي الكبير" 1/ 222 - 223. =
ذَلِكَ عن النخعي وعكرمة وابن أبي ليلى وسعيد بن جبير، وهو قول أحمد وطائفة، وهو مذهب ابن حبيب
(1)
.
وقال ابن عباس: من لم يضع أنفه في الأرض لم يصل
(2)
. وفي بعض طرق حديث ابن عباس: (أمرت أن أسجد عَلَى سبعة أعضاء منها الوجهه)، فلا يختص بالجبهة دون الأنف، وبهذا الحديث احتج أبو حنيفة في الاقتصار عَلَى الأنف، وقال: ذكره للوجه يدل عَلَى أنه أي شيء وضع منه أجزأه، وإذا جاز عند من خالف الاقتصار عَلَى الجبهة فقط جاز عَلَى الأنف فقط؛ لأنه إِذَا سجد عَلَى أنفه قيل: سجد عَلَى وجهه كما إِذَا اقتصر عَلَى جبهته
(3)
.
وقالت طائفة: لا يجزئه من ترك السجود عَلَى شيء من الأعضاء السبعة، وهو قول أحمد وإسحاق
(4)
.
= ورواه الدارقطني 1/ 348، والحاكم 1/ 270، والبيهقي في "السنن" 2/ 104، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 392 (526) عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا.
قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ورواه البيهقي 2/ 104 عن عكرمة مرسلًا. وصوب الدارقطني المرسل كالترمذي، وكذا البيهقي في "المعرفة" 3/ 23 وغلَّط من رفعه.
والحديث ضعفه النووي في "الخلاصة" 1/ 407 - 408 (1300)! لكن صوب ابن الجوزي رفع الحديث؛ لأنها زيادة ثقة. وذكره الحافظ في "الدراية" 1/ 144 - 145 مرفوعًا وقال: ورواته ثقات، لكن قال الدارقطني: الصواب مرسل. وصححه الألباني مرفوعًا في "تمام المنة" ص 170 وقال: حديث صحيح على شرط البخاري.
(1)
انظر: "الذخيرة" 2/ 193، "مواهب الجليل" 2/ 216، "الأوسط" 3/ 174، "المغني" 2/ 196.
(2)
رواه الطبري في "تهذيبه" 1/ 188 مسند عبد الله بن عباس.
(3)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 117.
(4)
انظر: "المغني" 2/ 194.
وأصح قولي الشافعي فيما رجحه المتأخرون خلاف ما رجحه الرافعي
(1)
، وهو مذهب ابن حبيب، وأظن البخاري مال إلى هذا القول وحجته حديث ابن عباس السالف أنه أمران يسجد عَلَى سبعة أعضاء، فلا يجزئ السجود عَلَى بعضها إلا بدلالة.
واحتج من لم ير الاقتصار عَلَى الأنف بأن الأحاديث إنما ذكر فيها
(1)
قال الرافعي رحمه الله: وضع اليدين والركبتين والقدمين على مكان السجود فيه قولان:
أحدهما: وبه قال أحمد: يجب، وهو اختيار الشيخ أبي علي؛ لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة، واليدين، والركبتين، أطراف القدمين" يروى: "على سبعة آراب".
وأظهرهما: لا يجب، وبه قال أبو حنيفة، ويروى عن مالك أيضًا؛ لأنه لو وجب وضعها لوجب الإيماء بها عند العجز، وتقريبها من الأرض كالجبهة، فإن قلنا: يجب فيكفي وضع جزء من كل واحد منها، والاعتبار في اليدين بباطن الكف، وفي الرجلين ببطون الأصابع، وإن قلنا: لا يجب فيعتمد على ما شاء منها، فيرفع ما شاء، ولا يمنكه أن يسجد مع رفع الجميع، وهذا هو الغالب، أو المقطوع به، "الشرح الكبير" 1/ 520 - 521. وقال النووي رحمه الله: ففي وجوب وضع اليدين والركبتين والقدمين قولان مشهوران نص عليهما في "الأم"، قال الشيخ أبو حامد: ونص في "الإملاء" أن وضعها مستحب لا واجب، واختلف الأصحاب في الأصح من القولين فقال القاضي أبو الطيب: ظاهر حديث الشافعي أنه لا يجب وضعها، وهو قول عامة الفقهاء. وقال البغوي: هذا هو القول الأشهر، وصححه الجرجاني في "التحرير" والروياني في "الحلية" والرافعي. وصحح جماعة قول الوجوب، ومنهم البندنيجي وصاحب "العدة" والشيخ نصر المقدسي. وبه قطع الشيخ أبو حامد في "التبصرة"، وهذا هو الأصح وهو الراجح في الدليل، فإن الحديث صريح في الأمر بوضعها والأمر للوجوب على المختار، وهو مذهب الفقهاء والقائل الأول يحمل الحديث على الاستحباب، ولكن لا نسلم له؛ لأن أصله الوجوب فلا يصرف عنه بغير دليل فالمختار الصحيح: الوجوب، وقد أشار الشافعي رحمه الله في "الأم" إلى ترجيحه. "المجموع" 3/ 402.
الجبهة ولم يذكر الأنف، فدل عَلَى أن الجبهة تجزئ، وأن الأنف تبع، وأما الرواية السالفة: وأشار بيده على أنفه. فالأنف غير مشترط في ذَلِكَ؛ لأنه إنما أشار بيده إلى أنفه إلى جبهته، فجعل الأنف تبعًا للجبهة، ولم يقل: إلى نفسه. كذا قَالَ المهلب
(1)
، وقد سلف رواية: إلى أنفه.
قَالَ ابن القصار: والإجماع حجة ووجدنا عصر التابعين عَلَى قولين، فمنهم من أوجب السجود عَلَى الجبهة والأنف، ومنهم من جوز الاقتصار عَلَى الجبهة، فمن جوز الاقتصار عَلَى الأنف دون الجبهة خرج عن إجماعهم
(2)
، لكن في "العارضة" لابن العربي في بعض طرقه: الجبهة أو الأنف
(3)
، ويقال لمن أوجب السجود عَلَى الآراب السبعة: إن الله تعالى ذكر السجود في مواضع من كتابه فلم يذكر فيها غير الوجه فقال: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسراء: 109]{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29].
وقال الشارع: "سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره"
(4)
، ولم يذكر غير الوجه. وقال للأعرابي الذي علمه: "مكن
(1)
كما في "شرح ابن بطال" 2/ 432.
(2)
كما في "شرح ابن بطال" 2/ 432.
(3)
"عارضة الأحوذي" 2/ 71.
(4)
رواه أبو داود (1414) كتاب: سجود القرآن، باب: ما يقول إذا سجد، والترمذي (580) كتاب: الجمعة، باب: ما يقول في سجود القرآن، وبرقم (3425)، كتاب: الدعوات، باب: ما يقول في سجود القرآن، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي 2/ 222، كتاب: الافتتاح، باب: الدعاء في السجود، وأحمد 6/ 30، والدارقطني 1/ 406 كتاب: الصلاة، باب: سجود القرآن، والحاكم 1/ 220 كتاب: الصلاة، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، =
جبهتك من الأرض"
(1)
، ولم يذكر باقي الأعضاء، ولو كان حكم السجود متعلقًا بذلك لكان مع العجز عنه ينتقل إلى الإيماء كالرأس، فلما كان مع العجز يقع الإيماء بالرأس حسب، ولا يؤمر بإيماء الباقي علمنا أن الحكم يعلق بالجبهة فقط.
وأما أمره صلى الله عليه وسلم بالسجود عَلَى الأعضاء السبعة فلا يمتنع أن يؤمر بفعل الشيء ويكون بعضه مفروضًا وبعضه مسنونًا ولا يكون وجوب بعضه دليلًا عَلَى وجوب باقيه إلا بدالة الجمع بين ذَلِكَ، والخلاف في الأعضاء الستة ثابت عند الحنفية أيضًا، ففي "شرح الهداية": لا تجب. وفي "الواقعات": لو لم يضع ركبتيه عَلَى الأرض عند السجود لا يجزئه.
ونقل أبو الطيب عن عامة الفقهاء عدم الوجوب، وعند زفر وأحمد الوجوب
(2)
، وعند أحمد في الأنف روايتان
(3)
. وفي الترمذي عن أحمد: وضعها سنة
(4)
.
وادعى ابن العربي أن قوله: أمر أو أمرت أو أمرنا. مخصوص به في الظاهر، واختلف الناس فيما فرض عليه هل تدخل معه الأمة؟ فقيل: نعم. والأصح لا إلا بدليل، وقيل: إِذَا خوطب بأمر أو نهي فالمراد به
= والبيهقي 2/ 325 كتاب: الصلاة، باب: ما يقول في سجود التلاوة. من حديث عائشة، قال الألباني في "صحيح أبي داود" 5/ 157 (1273): صحيح.
(1)
سبق تخريجه في شرح حديث رقم (161).
(2)
انظر: "البناية" 2/ 280، "الكافي" 1/ 304.
(3)
انظر: "الكافي" 1/ 304 - 305.
(4)
قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل الحديث أن يسجد على جبهته وأنفه فإن سجد على جبهته دون أنفه فقد قال قوم من أهل العلم: يجزئه. وقال غيرهم: لا يجزئه حتى يسجد على الجبهة والأنف. ذكر هذا عقب الرواية رقم (271)، ولم يصرح فيها بذكر الإمام أحمد.
الأمة معه، وهذا لا يثبت إلا بدليل. قَالَ: والدليل عَلَى توجب ذَلِكَ علينا إجماع الأمة عَلَى وجوب السجود عَلَى هذِه الأعضاء، ولعل ذَلِكَ أخذ من قوله:"صلوا كما رأيتموني أصلي"
(1)
، ومن دليل آخر سواه.
ولا خلاف أعلمه في الأعضاء السبعة إلا في الوجه
(2)
، وكلامه كله عجيب، وأين الإجماع فيما ذكره والأصل عدم الخصوصية.
وقوله في رواية: "أعضاء" وفي رواية: "أعظم" إما من باب تسمية الجملة باسم بعضها أو سمى كل واحد منها عظمًا باعتبار الجملة، وإن اشتمل كل واحد منها عَلَى عظام.
وأما كف الشعر والثوب فسيأتي في بابه قريبًا.
وقوله: "واليدين" يريد: الكفين. خلافًا لمن حمله عَلَى ظاهره؛ لأنه لو حمل عَلَى ذَلِكَ لدخل تحت النهي عنه في افتراش السبع والكلب.
(1)
هو جزء من حديث سبق برقم (631) كتاب: الأذان، باب: للمسافر إذا كان جماعة.
(2)
"عارضة الأحوذي" 2/ 71.
135 (*) - باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ فِي الطِّيِنِ
813 -
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ فَقُلْتُ: أَلَا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ نَتَحَدَّثْ؟ فَخَرَجَ. فَقَالَ: قُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟. قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ. فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِى تَطْلُبُ أَمَامَكَ. فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلْيَرْجِعْ، فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ". وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ. [انظر: 669 - مسلم: 1167 - فتح: 2/ 298]
ذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ إلى أن قال: وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأنَّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ". وَكَانَ سَقْفُ المَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ وَمَا نَرى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَى رَأَيتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُويَاهُ.
وسيأتي بطوله في موضعه في الصيام
(1)
.
والأرنبة: طرف الأنف، وهو حجة لمن أوجب السجود عَلَى الأنف والجبهة وقالوا: هذا الحديث مفسر لقوله: "أمرت أن أسجد عَلَى سبعة أعضاء" فذكر منها الوجه، وأبانَ في هذا الحديث أن سجوده صلى الله عليه وسلم كان
(1)
سيأتي رقم (2040) كتاب: الاعتكاف، باب: من خرج من اعتكافه عند الصبح.
(*) قال معد الكتاب للشاملة: من هنا اختل الترقيم، وحقه أن يكون رقمه:134.
عَلَى أنفه وجبهته، واحتج من قَالَ: يجزئه السجود عَلَى جبهته بأن قَالَ: إنما أمر الساجد أن يمس من وجه الأرض ما أمكنه إمساسه محاذيًا بها القبلة ولا شيء من وجه ابن آدم يمكنه إمساسه منه غير أنفه وجبهته، فإذا سجد عليهما فقد فعل أكثر ما يقدر عليه فإن قصر من ذَلِكَ وسجد عَلَى جبهته دون أنفه فقد أدى فرضه، وهذا إجماع من جمهور الأمة.
وفي الحديث أن المصلي في الطين يسجد عليه، وهذا عند العلماء إِذَا كان يسيرا لا يمرث وجهه ولا ثيابه، ألا ترى أن وجهه كان سالمًا من الطين وإنما كان منه شيء عَلَى جبهته وأرنبته، فإذا كان كثيرًا فالسنة فيه ما روى يعلق بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إيماءً عَلَى راحلته في الماء والطين
(1)
، وبه قال أكثر الفقهاء.
واختلف قول مالك فيه، فروى أشهب عنه أنه لا يجزئه إلا النزول ويسجد عَلَى الأرض عَلَى حسب ما يمكنه استدلالًا بحديث أبي سعيد.
وقال ابن حبيب: مذهب مالك أنه يومئ، إلا عبد الله بن عبد الحكم فإنه كان يقول: يسجد عليه، ويجلس فيه إِذَا كان لا يعم وجهه، ولا يمنعه من ذَلِكَ إلا إحراز ثيابه. وقال ابن حبيب: وبالأول أقول؛ لأنه أشبه بيسر الله في الدين وأنه لا طاعة في تلويث الثياب في الطين وإنما يومئ في الطين إِذَا كان لا يجد المصلي موضعًا نقيًّا من الأرض يصلي عليه فإن طمع أن يدرك موضعًا نقيًا قبل خروج الوقت لم يجزئه الإيماء في الطين
(2)
.
(1)
رواه الترمذي (411) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين، وقال: حديث غريب، وأحمد 4/ 174، والطبراني 22/ 356 (663)، والدارقطني 1/ 380 - 381 كتاب: الصلاة، باب: صلاة المريض لا يستطيع القيام والفريضة على الراحلة، والبيهقي 2/ 7 كتاب: الصلاة، باب: النزول للمكتوبة، وقال الألباني في "ضعيف الترمذي": ضعيف الإسناد.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 253 - 254.
وفي بعض نسخ البخاري: قَالَ أبو عبد الله: كان الحميدي يحتج بهذا الحديث أن لا يمسح الجبهة في الصلاة بل يمسح بعدها
(1)
؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رئي الماء في أرنبته وجبهته بعدما صلى.
(1)
ورد ذلك في نسخة ابن عساكر، قال أبو عبد الله: كان الحميدي يحتج بهذا الحديث يقول: لا يمسح. انظر: "اليونينة" 1/ 163.
136 - باب عَقْدِ الثِّيَابِ وَشَدِّهَا
وَمَنْ ضَمَّ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِذَا خَافَ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ.
814 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ عَاقِدُو أُزْرِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ: "لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِىَ الرِّجَالُ جُلُوسًا". [انظر: 362 - مسلم: 441 - فتح: 2/ 298]
ذكر فيه حديث أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل، وقد سلف في باب: إِذَا كان الثوب ضيقًا
(1)
.
(1)
سبق رقم (362) كتاب: الصلاة.
137 - باب لَا يَكُفُّ شَعَرًا ولا ثوبا
815 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلَا يَكُفَّ ثَوْبَهُ وَلَا شَعَرَهُ. [انظر: 809 - مسلم: 490 - فتح: 2/ 299]
ذكر فيه حديث ابن عباس: أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلَا يَكُفَّ ثَوْبَهُ وَلَا شَعَرَهُ.
138 - باب لَا يَكُفُّ ثَوْبَهُ فِي الصَّلَاةِ
816 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ، لَا أَكُفُّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا". [انظر: 809 - مسلم: 490 - فتح: 2/ 299]
ذكر فيه حديث ابن عباس أيضًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ أعظم، لَا أَكُفُّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا".
وقد أخرجهما مسلم أيضًا وعنده: "ولا يكف الثياب ولا الشعر"
(1)
وكلاهما بمعنى واحد، وهو الجمع والضم.
وفي الحديث "اكفتوا صبيانكم عند فحمة العشاء"
(2)
ومنه {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)} [المرسلات: 25].
وقال ابن الأثير: قوله: "لا أكف" إلى آخره: يعني: في الصلاة؛ ويحتمل أن يكون بمعنى: لا أمنعهما من الاسترسال حال السجود ليقعا عَلَى الأرض، قَالَ: ويحتمل أن يكون بمعنى: الجمع. أي: لا يضمهما ويجمعهما
(3)
.
وقد اتفق العلماء عَلَى النهي عن الصلاة وثوبه مشمر أو كمه ورأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته أو نحو ذَلِكَ، وهو كراهة تنزيه، ولو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته.
(1)
مسلم (490) كتاب: الصلاة، باب: أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب.
(2)
سيأتي برقم (3361) كتاب: بدء الخلق، باب: خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم. ولفظ البخاري: "اكفتوا صبيانكم عند المساء .. "، وفي "الأدب المفرد" (1231) ص 452 باب: ضم الصبيان عن فورة العشاء، بلفظ:"كفتوا صببانكم عند فحمة العشاء .. ".
(3)
"النهاية في غريب الحديث" 4/ 190.
وحكى الطبري في ذَلِكَ إجماع الأمة، قَالَ: مع أنه غير جائز أن يصلي عَلَى تلك الحالة. قَالَ: وممن روي عنه ذَلِكَ من السلف علي وابن مسعود وحذيفة وابن عمر وأبو هريرة، وكان ابن عباس إِذَا سجد يقع شعره عَلَى الأرض. وقال ابن عمر لرجل رآه سجد معقوصًا شعره: أرسله يسجد معك
(1)
.
وقال ابن المنذر: عَلَى هذا قول أكثر أهل العلم غير الحسن البصري فإنه قَالَ: من صلى عاقصًا شعره أو كافًا ثوبه فعليه إعادة الصلاة
(2)
.
قُلْتُ: وفي أفراد "صحيح مسلم" من حديث ابن عباس أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص، فقام من ورائه فجعل يحله، فلما انصرف أقبل عَلَى ابن عباس فقال: مالك ورأسي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف"
(3)
.
وفي "سنن أبي داود" بإسناد جيد: رأى أبو رافع الحسن بن علي يصلي قَدْ غرز ظفرته في قفاه، فحلها وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذَلِكَ كفل الشيطان" أو قَالَ: "مقعد الشيطان"
(4)
يعني: مغرز ظفرته.
وقال ابن التين: هذا مبني عَلَى الاستحباب وليس من الوجوب وذلك إِذَا صنع ذَلِكَ من أجل الصلاة، فأما إِذَا فعله لشغلٍ فحضرت الصلاة فلا بأس أن يصلي كذلك.
(1)
انظر: "البناية" 2/ 530 - 532.
(2)
"الأوسط" 3/ 183 - 184.
(3)
مسلم (492) كتاب: الصلاة، باب: أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب.
(4)
أبو دواد (646) كتاب: الصلاة، باب: الرجل يصلي عاقصًا شعره، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" 3/ 213 (653).
وقال أبو جعفر: إِذَا كان ينوي أن يعود لعمله.
وأجمع الفقهاء أنه يجوز السجود عَلَى اليدين في الثياب، وإنما كرهه سالم وأبوه وبعض التابعين؛ لأن اليدين حكمهما حكم الوجه لا حكم الركبتين، وقياسًا عَلَى أن اليدين من المرأة تبع الوجه في كشفهما في الإحرام فكذلك اليدان مع الوجه في كشفهما في السجود.
وحجة الجماعة ما رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يكشف الثوب عن يده إِذَا سجد
(1)
.
وقال الحسن: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ذكره ابن أبي شيبة
(2)
.
وإجماع الأمة عَلَى جواز السجود عَلَى الركبتين مستورتين؛ لأنهما إما عورة وإما أنهما مظنة كشفها.
ولا نعلم أيضًا خلافًا في القدمين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو لابس الخف، وللشافعي قولان في مباشرة المصلي بالكف، والأصح عدم الوجوب
(3)
.
واحتج الطحاوي بهذا الحديث في جواز السجود عَلَى كور العمامة
(4)
قَالَ: لأنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أمرت أن أسجد عَلَى سبعة أعظم"
(1)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 402 (1572) كتاب: الصلاة، باب: الرجل يسجد متلحفًا لا يخرج يديه.
(2)
"المصنف" 1/ 238 (2739) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يسجد ويداه في ثوبه.
(3)
انظر: "المجموع" 3/ 405.
(4)
قال ابن حجر: حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور عمامته، رواه عبد الرزاق من حديث أبي هريرة وفيه عبد الله بن حجر وهو واه، وعن عبد الله بن عمر مثله =
ولو سجد عَلَى باقي الأعضاء وهي مستورة جاز فكذا الجبهة
(1)
، وهو عجيب فالفرق لائح.
قَالَ البيهقي: وإنما وجب كشف الجبهة لما روى صالح بن حيوان وغيره أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسجد على جبهته. قَالَ: وهذا المرسل شاهد لحديث ابن عباس المذكور. قَالَ: ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على كور العمامة شيءٌ، وروينا عن عبادة بن الصامت وابن عمر قريبًا من حديث صالح
(2)
.
وقال الشافعي في القديم: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ لرجل: "إذا سجدت فأمكن جبهتك حتى تجد حجم الأرض"
(3)
.
وفرق مالك بين الستر الكثيف في الجبهة فمنعه وبين الخفيف فجوزه
(4)
.
= أخرجه تمام في "فوائده"، وفي إِسناده سويد بن عبد العزيز وهو واه، وعن أبي أوفى قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على كور عمامته أخرجه الطبراني في "الأوسط" وإسناده ضعيف، وعن جابر مثله أخرجه ابن عدي في ترجمة عمرو بن شمر أحد المتروكين، وعن ابن عباس كالأول أخرجه أبو نعيم في ترجمة إبراهيم بن أدهم من "الحلية" بإسناد ضعيف، وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على كور عمامته، أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" ونقل عن أبيه أنه منكر، وهو من رواية حسان بن سياه وهو ضعيف، وقال البخاري: قال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه ووصله البيهقي، وعن صالح بن حيوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسجد، وقد اعتم على جبهته فحسر عن جبهته، أخرجه أبو داود في "المراسيل". "الدراية" 1/ 145 - 146 (170).
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 233.
(2)
انظر: "معرفة السنن والآثار" 3/ 24 (3524، 3525، 3526).
(3)
انظر: "معرفة السنن والآثار" 3/ 22 (3511). والحديث رواه أحمد 1/ 287 من حديث ابن عباس، وصححه الألباني في "الصحيحة"(1349).
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 184.
وقد سلف اختلاف العلماء في السجود على كور العمامة في باب السجود عَلَى الثوب في شدة الحر فراجعه منه.
139 - باب التَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ
817 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي" يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. [انظر: 794 - مسلم: 484 - فتح: 2/ 299]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي". يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ.
هذا الحديث سلف قريبًا في باب: الدعاء في الركوع
(1)
، وسلف الكلام عليه.
(1)
سبق برقم (794).
140 - باب المُكْثِ بَيْن السَّجْدَتَيْنِ
818 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ قَالَ لأَصْحَابِهِ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: وَذَاكَ فِي غَيْرِ حِينِ صَلَاةٍ، فَقَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَامَ هُنَيَّةً، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ هُنَيَّةً، فَصَلَّى صَلَاةَ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ شَيْخِنَا هَذَا. قَالَ أَيُّوبُ: كَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُونَهُ، كَانَ يَقْعُدُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. [انظر:677 - فتح: 2/ 300]
819 -
قَالَ: فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ:"لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى أَهْلِيكُمْ صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ". [628 - مسلم: 674 - فتح: 2/ 300]
820 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنِ الَحكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ البَرَاءِ قَالَ: كَانَ سُجُودُ النُّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرُكُوعُهُ وَقُعُودُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. [انظر: 792 - مسلم: 471 - فتح: 2/ 300]
821 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنِّي لا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا. قَالَ ثَابِتٌ: كَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ. وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ. [انظر: 800 - مسلم: 472 - فتح: 2/ 301]
ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث والبراء وأنس
وقد سلف الكلام عليها فيما سلف.
وقوله في حديث مالك بن الحويرث: (كان يقعد في الثالثة والرابعة كذا هو ثابت هنا، وفي بعض النسخ: (أو الرابعة).
وقال ابن التين في رواية أبي ذر (والرابعة): وأراه غير صحيح.
قَالَ ابن قدامة: والمستحب عند أحمد أن يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي؟ يكرره مرارًا، والواجب مرة
(1)
.
وهذا قاعدته في الوجوب وعندنا يستحب أعني: الذكر- وعند الحنفية: ليس بينهما ذكر مسنون؛ لأن الاعتدال فيه تبع، وليس بمقصود، فلا يسن فيه، وما روي في ذَلِكَ فمحمول على التهجد
(2)
، وعند داود وأهل الظاهر أنه فرض إن تعمد تركه بطلت صلاته
(3)
.
(1)
"المغني" 2/ 207.
(2)
انظر: "البناية" 2/ 287.
(3)
انظر: "المحلى" 3/ 255.
141 - باب لَا يَفْتَرشُ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ
وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَوَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا.
822 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ". [انظر: 532 - مسلم: 493 - فتح: 2/ 301]
ثمَّ ذكر حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكَلْبِ".
الشرح:
أما الحديث فهو قطعة من حديث طويل، وأما الثاني فأخرجه مسلم والأربعة
(1)
، وفي حديث معاذ، عن شعبة عند أبي نعيم عن قتادة، سمعت أنسًا. وفي الترمذي -محسنًا- من حديث جابر:"لا يفترش ذراعيه افتراش الكلب"
(2)
، وفي مسلم من حديث عائشة: نهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع
(3)
. وفي ابن خزيمة من حديث أبي هريرة: "إِذَا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب وليضم فخذيه"
(4)
، وفي
(1)
مسلم (493) كتاب: الصلاة، باب: الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض، وأبو داود (897)، الترمذي (276)، والنسائي 2/ 211 - 213، وابن ماجه (892).
(2)
الترمذي (275) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الاعتدال في السجود، وقال: حسن صحيح.
(3)
مسلم (498) كتاب: الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع والاعتدال منه.
(4)
ابن خزيمة 1/ 328 (653) كتاب: الصلاة، باب: ضم الفخذين في السجود.
مسلم من حديث البراء: "إِذَا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك"
(1)
. وفي "المستدرك" مصححًا من حديث عبد الرحمن بن شبل: نهي عن افتراش السبع
(2)
.
فإن قُلْتَ: يعارض ذَلِكَ حديث أبي هريرة في ابن خزيمة و"المستدرك" مصححًا عَلَى شرط مسلم: شكى أصحاب رسول الله مشقة السجود عليهم إِذَا انفرجوا فقال: "استعينوا بالركب" وذلك أن يضع مرفقيه عَلَى ركبتيه إِذَا طال السجود وأعيا
(3)
.
قُلْتُ: قَالَ أبو داود: كان هذا رخصة
(4)
. وذكره الترمذي في باب: ما جاء في الاعتماد إِذَا قام من السجود، واستغربه
(5)
.
وقال ابن سيرين: وسئل: الرجل يعتمد بمرفقيه على ركبتيه؟ قَالَ: ما أعلم به بأسًا
(6)
.
وكان ابن عمر يضع يديه إلى جنبيه إِذَا سجد
(7)
.
(1)
مسلم (494) كتاب: الصلاة، باب: الاعتدال في السجود.
(2)
"المستدرك" 1/ 229 كتاب: الصلاة، وقال: صحيح ولم يخرجاه.
(3)
"المستدرك" 1/ 299 كتاب: الصلاة، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(4)
قال أبو داود ذلك مترجمًا لهذا الحديث، ولعل المصنف أخذ فقهه من هذِه الترجمة. انظر:"سنن أبي داود"(902) كتاب: الصلاة، باب: الرخصة في ذلك أي: للضرورة.
(5)
الترمذي (286) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الاعتماد في السجود، وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه من حديث الليث عن ابن عجلان؛ وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي".
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 232 (2659) في الصلاة، باب: من رخص أن يعتمد بمرفقيه.
(7)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 232 (2660) السابق.
وقال قيس بن سكن: كل ذَلِكَ قَدْ كانوا يفعلون، ينضمون ويتجافون، وقد سلفا. وسئل ابن عمر: أضع مرفقي على فخذي إِذَا سجدت؟ فقال: اسجد كيف تيسر عليك
(1)
. وأسانيدها جيدة.
وفي "الأوسط" من حديث أبي هريرة: نهى أن أقعي إقعاء القرد
(2)
، وفي ابن ماجه من حديث علي:"لا تقع بين السجدتين"
(3)
، وفي لفظ:"لا تقعِ إقعاء الكلب"
(4)
، وفي رواية لَهُ -ضعيفة- عن أنس:"إِذَا رفعت رأسك من الركوع فلا تقع كما يقعي الكلب، ضع إليتيك بين قدميك والزق ظاهر قدميك بالأرض"
(5)
.
وفي البيهقي من حديث سمرة: نهي عن الإقعاء
(6)
وللحاكم: أمرنا أن نعتدل في السجود ولا نستوفز
(7)
.
وترجم الترمذي الرخصة في الإقعاء فذكر حديث ابن عباس: الإقعاء على القدمين من سنة نبيكم، وحسنه
(8)
، وهو عند مسلم
(9)
، وفي "مشكل الطحاوي" عن عطية العوفي: رأيت العبادلة: ابن عباس،
(1)
المصدر السابق 1/ 233.
(2)
"المعجم الأوسط" 5/ 266 (5275).
(3)
رواه ابن ماجه (894) كتاب: إقامة الصلاة، باب: الجلوس بين السجدتين، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(188).
(4)
المصدر السابق (895)، وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(730).
(5)
ابن ماجه (896) كتاب: إقامة الصلاة، وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(189)، وفي "الضعيفة" (2615): موضوع.
(6)
رواه البيهقي 2/ 120 كتاب: الصلاة، باب: الإقعاء المكروه في الصلاة.
(7)
الحاكم 1/ 271 كتاب: الصلاة، عن سمرة بن جندب، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستوفز الرجل في صلاته. وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
(8)
رواه الترمذي (283) كتاب: الصلاة، باب: الإقعاء المكروه في الصلاة.
(9)
رواه مسلم (536) كتاب: المساجد، باب: جواز الإقعاء على العقبين.
وابن عمر، وابن الزبير يقعون في الصلاة ويراهم الصحابة فلا ينكرونه
(1)
، وعند الخلال: عن ابن مسعود قَالَ: هيئت عظام ابن آدم للسجود فاسجدوا حتىَّ تسجدوا عَلَى المرافق. وقد سلف. وقال أحمد: تركه الناس.
افتراش السبع لا شك في كراهته واستحباب نقيضها، وهو التجنح الثابت في حديث ميمونة وغيره، والحكمة في ذَلِكَ أنه إِذَا جنح كان اعتماده على يديه، فيجب اعتماده عَلَى وجهه فلا يتأذى بملاقاة الأرض ولا يتشوش في الصلاة، بخلاف ما إِذَا بسط يديه؛ فإن اعتماده يكون عَلَى وجهه فيتأذى ولا يبدو وضح إبطيه كما كان يبدو من الشارع.
وأما أثر ابن عباس السالف فلعله عند الازدحام؛ لأن المعروف عنه أن آدم بن علي صلى إلى جنبه فافترش ذراعيه، فقال: لا تفترش افتراش السبع وادعم على راحتيك وابد ضبعيك، فإذا فعلت ذَلِكَ سجد كل عضو منك
(2)
؛ فروي عنه الوجهان فيؤنس الأول.
(1)
ذكره الطحاوي في "المشكل" كما في "تحفة الأخيار" 2/ 362 (1019) كتاب: الصلاة، باب: بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن الإقعاء في الصلاة ما هو؟.
(2)
المعروف من حديث آدم بن عليّ أنه عن ابن عمر لا ابن عباس، فروى عبد الرزاق 2/ 170 عن آدم بن عليّ، قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي لا أتجافي عن الأرض بذراعي، فقال: يا ابن أخي لا تبسط بسط السبع وادْعم علي راحتيك .. الأثر. وقد روي مرفوعًا من حديث آدم بن عليّ عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبسط ذراعيك كبسط السبع .. " الحديث، رواه ابن خزيمة 1/ 325، وابن حبان 5/ 242، والحاكم 1/ 227، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 227.
قال الحاكم: صحيح لم يخرجاه
ولا إعادة عند جميع العلماء على تارك ذَلِكَ لاختلاف السلف فيه كما مر.
واختلف أصحابنا في تفسير الإقعاء المنهي عنه عَلَى ثلاثة أوجه:
أصحها: أن يجلس على وركيه ناصبًا ركبتيه، وضَمَّ إليه أبو عبيد: أن يضع يديه عَلَى الأرض.
وثانيها: أن يفرش رجليه ويضع إليتيه عَلَى عقبيه.
وثالثها: أن يضع يديه عَلَى الأرض ويقعد عَلَى أطراف أصابعه، والصواب هو الأول والباقي غلط، وقد ثبت في "صحيح مسلم" أن الإقعاء سنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
(1)
. وفسره العلماء مما قاله الثاني ونص عَلَى استحبابه إمامنا في البويطي والإملاء في الجلوس بين السجدتين
(2)
.
والإقعاء ضربان: مكروه، وهو الأول، وغيره الثاني. وكذا بينه البيهقي في "سننه"، ثمَّ قَالَ: وأما حديث النهي عن عقبة الشيطان، فيحتمل أن يكون واردًا في الجلوس في التشهد الأخير؛ فلا منافاة
(3)
.
(1)
"صحيح مسلم"(536) كتاب: المساجد، باب: جواز الإقعاء على القدمين، من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن الإقعاء، فقال: هي السنة. فقيل له: إنا لنراه جفاءً بالرجل، فقال: بل هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
(2)
انظر: "العزيز" 1/ 481، "المجموع" 3/ 415 - 417.
(3)
وحكى البيهقي عن أبي عبيدة أنه قال: الإقعاء: هو أن يلصق إليته بالأرض وينتصب على ساقه ويضع يديه بالأرض، وقال في موضع آخر: الإقعاء جلوس الإنسان على إليتيه ناصبًا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع، وقال البيهقي: وهذا النوع من الإقعاء غير ما روينا عن ابن عباس وابن عمر، وهذا منهي عنه، وما روينا عن ابن عباس وابن عمر مسنون، وأما حديث أبي الجوزاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهي عن عقب الشيطان، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، =
وأغرب الجويني في "التبصرة" فقال: لا يجوز الإقعاء في الجلوس بين السجدتين إقعاء الكلب، قَالَ: وهو أن يجلس عَلَى قدميه، وهما منتصبتان
(1)
.
= فيحتمل أن يكون واردًا في الجلوس للتشهد الأخير، فلا يكون منافيًا لما روينا عن ابن عباس وابن عمر في الجلوس بين السجدتين والله أعلم، انظر:"السنن الكبرى" 2/ 120 كتاب: الصلاة، باب: الإقعاء المكروه في الصلاة.
(1)
"التبصرة" ص 365.
142 - باب مَنِ اسْتَوى قَاعِدًا فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ نَهَضَ
823 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ اللَّيْثِىُّ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا. [فتح: 2/ 302]
ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث أَنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَإذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا.
هذا الحديث دال عَلَى ما ترجم لَهُ وهو جلسة الاستراحة، وقد أوضحنا الكلام عليها في باب: من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم
(1)
، في الكلام عَلَى الحديث المذكور فراجعه من ثم.
وقال ابن بطال: ذهب جمهور الفقهاء إلى ترك الأخذ بهذا الحديث وقالوا: ينهض عَلَى صدور قدميه ولا يجلس
(2)
. روي ذَلِكَ عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس
(3)
. وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من الصحابة إِذَا رفع رأسه من السجدة في الركعة الأولى والثالثة قام كما هو ولم يجلس
(4)
، وكان النخعي يسرع القيام في ذَلِكَ.
وقال الزهري: كان أشياخنا يقولون ذَلِكَ.
(1)
سبق برقم (677) كتاب: الأذان.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 437.
(3)
روى ذلك ابن أبي شيبة 1/ 346 كتاب: الصلاة، باب: من كان ينهض على صدور قدميه.
(4)
انظر: المصدر السابق: 1/ 347.
قَالَ أبو الزناد: تلك السنة.
وبه قَالَ مالك والثوري والكوفيون وأحمد وإسحاق. وقال أحمد بن حنبل: أكثر الأحاديث عَلَى هذا. وذكره عن عمر وعلي وعبد الله.
وذهب الشافعي إلى الأخذ بهذا الحديث وقال: يقعد في وتر من صلاته ثمَّ ينهض
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 437، وانظر ما ذهب إليه الجمهور في:"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 213، "المبسوط" 1/ 23، "عيون المجالس" 1/ 314 - 315، "التمهيد" 3/ 229، واختلفت الرواية عن أحمد، فروي عنه أنه لا يجلس وهو اختيار الخرقي، والرواية الثانية أنه يجلس اختارها الخلال، وقال: رجع أبو عبد الله إلى هذا -أي ترك قوله بترك الجلوس، والمذهب أنه لا يجلس، انظر:"الممتع" 1/ 442، "المغني" 2/ 212 - 213، "المبدع" 1/ 459، "الإنصاف" 3/ 524 - 526، وعند الشافعية قولان، الأول: لا يجلس كالجمهور
الثاني: يجلس وهو المذهب. قال النووي: مذهبنا الصحيح المشهور أنها مستحبة، انظر:"الحاوي" 2/ 131، "حلية العلماء" 2/ 102 - 103، "البيان" 2/ 266، "المجموع" 3/ 421، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: جلسة الاستراحة قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلسها؛ لكن تردد العلماء هل فعل ذلك من كبر السنن للحاجة، أو فعل ذلك لأنه من سنة الصلاة، فمن قال بالثاني استحبها كقول الشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين.
ومن قال بالأول لم يستحبها إلا عند الحاجة، كقول أبي حنيفة ومالك، وأحمد في الرواية الأخرى. ومن فعلها لم ينكر عليه. وإن كان مأمومًا، لكون التأخر بمقدار ما ليس هو من التخلف المنهي عنه عند من يقول باستحبابها، وهل هذا إلا فعل في محل اجتهاد فإنه قد تعارض فعل هذِه السنة عنده، والمبادرة إلى موافقه الإمام فإن ذلك أولى من التخلف. لكنه يسير، فصار مثل ما إذا قام من التشهد الأول قبل أن يكمله المأموم، والمأموم يرى أنه مستحب، أو مثل أن يسلم وقد بقي عليه يسير من الدعاء، هل يسلم أو يتمه؟ ومثل هذِه المسائل هي من مسائل الاجتهاد، والأقوى أن متابعة الإمام أولى من التخلف، لفعل مستحب، والله أعلم، "مجموع الفتاوى" 22/ 451 - 452.
قَالَ الطحاوي: حجة الجماعة عَلَى الشافعي: حديث عطاء عن ابن عباس أن سهلًا الساعدي كان في مجلس فيه أبوه -وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- وفي المجلس أبو هريرة وأبو أسيد وأبو حميد الساعدي والأنصار؛ وأنهم تذاكروا الصلاة. قَالَ أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله. قالوا: فأرنا. فقام يصلي فكبر ورفع يديه في أول التكبير، ثمَّ ذكر حديثًا طويلًا فيه: أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى قام ولم يتورك، فلما جاء هذا الحديث كما ذكرنا وخالف حديث مالك بن الحويرث احتمل أن يكون ما فعله صلى الله عليه وسلم فيه لعلة كانت به فقعد من أجلها لا لأن ذَلِكَ من سنة الصلاة، فلما كان ابن عمر يتربع في الصلاة، فلما سُئِلَ عن ذَلِكَ قَالَ: إن رجلاي لا تحملاني؛ فكذلك احتمل أن يكون ما فعله صلى الله عليه وسلم من القعود كان لعلة أصابته حتَّى لا يضاد حديث مالك بن الحويرث، وهذا أولى بنا من حمل ما روي عنه عَلَى التنافي والتضاد.
وحديث أبي حميد أيضًا حكاه بحضرة جماعة من الصحابة فلم ينكر ذَلِكَ أحد منهم، فدل أن ما عندهم في ذَلِكَ غير مخالف لما حكاه لهم في حديث مالك بن الحويرث من قول (أيوب)
(1)
أن ما كان عمرو بن سَلِمة يفعله من ذَلِكَ لم ير الناس يفعلونه، وهو قَدْ رأى جماعة من جلة التابعين، فذلك حجة في دفع حديث مالك بن الحويرث أن يكون سنة.
ثمَّ إن النظر يوافق ما رواه أبو حميد وذلك أنا رأينا الرجل إِذَا خرج في صلاته من حال إلى حال استأنف ذكرًا، من ذَلِكَ إنا رأيناه إِذَا أراد
(1)
في الأصل: أبي أيوب والمثبت من "شرح معاني الآثار" 4/ 355.
الركوع كبر وخر راكعًا، وإذا رفع رأسه من الركوع قَالَ: سمع الله لمن حمده. وإذا خر من القيام إلى السجود كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا عاد إلى السجود كبر، وإذا رفع رأسه لم يكبر من بعد رفع رأسه إلى أن يستوي قائمًا غير تكبيرة واحدة، فدل ذَلِكَ أنه ليس بين سجوده وقيامه جلوس، ولو كان بينهما جلوس لاحتاج إلى أن يكون يكبر بعد رفعه رأسه من السجود للدخول في ذَلِكَ الجلوس، ولاحتاج إلى تكبيرة أخرى إِذَا نهض للقيام، فلما لم يؤمر بذلك ثبت أن لا قعود بين الرفع من السجدة الأخيرة والقيام إلى الركعة التي بعدها؛ ليكون ذَلِكَ وحكم سائر الصلاة مؤتلفًا غير مختلف
(1)
. هذا آخر كلامه.
ونفيه إياها في حديث أبي حميد عجيب بل هي ثابتة فيه، بل هي ثابتة في البخاري في حديث المسيء صلاته، كما ستعلمه في كتاب الاستئذان في باب: من رد فقال: عليكم السلام
(2)
. وقد أسلفنا ذَلِكَ في الموضع السالف فاستفده.
(1)
انظر: "شرح معاني الآثار" 4/ 354 - 355 كتاب: الزيادات، باب: ما يفعله المصلي بعد رفعه من السجدة الأخيرة من الركعة الأولى.
(2)
سيأتي برقم (6251).
143 - باب كَيْفَ يَعْتَمِدُ عَلَى الأَرْضِ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَةِ
؟
824 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ فَصَلَّى بِنَا فِي مَسْجِدِنَا، هَذَا فَقَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي. قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْتُ لأَبِي قِلَابَةَ وَكَيْفَ كَانَتْ صَلَاتُهُ؟ قَالَ: مِثْلَ صَلَاةِ شَيْخِنَا هَذَا -يَعْنِى عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ- قَالَ أَيُّوبُ: وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ قَامَ. [انظر: 677 - فتح: 2/ 303]
ذكر فيه حديث مالك بن الحويرث أيضًا، في آخره: وإِذَا رَفَعَ رَأسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ الثَّانيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ قَامَ.
هذا الحديث سلف أيضًا هناك.
واختلف العلماء في اعتماد الرجل عَلَى يديه عند القيام، فروي عن ابن عمر أنه كان يعتمد عَلَى يديه إِذَا أراد القيام
(1)
، وروي مثله عن مكحول وعطاء ومسروق والحسن، وهو قول الشافعي وأحمد.
والحجة لهم هذا الحديث
(2)
، وأجازه مالك في "العتبية" ثمَّ كرهه
(3)
.
(1)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 3/ 199 (1508).
(2)
"الأم" 1/ 101، "الحاوي" 2/ 131، أما ما ذكره عن أحمد ففيه نظر؛ لأن مذهب أحمد أنه يعتمد على صدور قدميه عند القيام من السجود، لكنه أجاز للرجل أن يعتمد على يديه إذا كان شيخًا كبيرًا أو لضعف أو لمرض، انظر:"المغني" 2/ 213 - 214، "الممتع" 1/ 443، "المبدع" 1/ 459.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 186.
ورأت طائفة أن لا يعتمد عَلَى يديه إلا إِذَا كان شيخًا كبيرًا أو ضعيفًا، وروي ذَلِكَ عن علي، وبه قَالَ النخعي والثوري، وكره الاعتماد ابن سيرين
(1)
.
وقال الشافعي: كان عمر وعلي وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة عَلَى صدور أقدامهم، وعن ابن مسعود مثله.
(1)
انظر: "الأوسط" 3/ 199 - 200.
144 - باب يُكَبِّرُ وَهْوَ يَنْهَضُ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ
وَكَانَ ابن الزُّبَيْرِ يُكَبِّرُ فِي نَهْضَتِهِ.
825 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ قَالَ: صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَحِينَ سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ، وَحِينَ قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [فتح: 2/ 303]
826 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ صَلَاةً خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي فَقَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. أَوْ قَالَ: لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 784 - مسلم: 393 - فتح 2/ 303]
هذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة، عن عبد الوهاب الثقفي، عن ابن
جريج، عن عمرو بن دينار أن ابن الزبير كان يكبر لنهضته
(1)
.
ثمَّ ذكر البخاري بعده حديثين:
أحدهما:
حديث سعيد بن الحارث قَالَ: صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَحِينَ سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ، وَحِينَ قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
وهو من أفراده عن أصحاب الكتب، وطوله الإسماعيلي وفيه: اشتكى أبو هريرة أو غاب، فصلى أبو سعيد. الحديث.
(1)
ابن أبي شيبة 1/ 217 (2489) كتاب: الصلوات، باب: من كان يتم التكبير ولا ينقصه في كل رفع وخفض.
وذكر الحميدي في "جمعه" أن البرقاني خرجه في "صحيحه" بلفظ: إن الناس قد اختلفوا في صلاتك
(1)
.
وفي سياق القصة دلالة أن أبا هريرة كان يصلي خلاف هذِه الصلاة، وينظر روايته السالفة في باب: إتمام التكبير: كان يصلي بهم ويكبر كلما خفض ورفع
(2)
. فإنها مخالفة لذلك.
الحديث الثاني: حديث عمران.
وقد سلف في باب إتمام التكبير في الركوع
(3)
، وأن مذاهب أكثر العلماء أن التكبير في القيام من الركعتين مع قيامه كسائر تكبير الصلاة، التكبير في حال الخفض والرفع عَلَى ما جاء في حديث هذا الباب، واختلف فيه قول مالك، فروى ابن وهب عنه أنه قَالَ: إن كبر بعد استوائه فهو أحب إلي، وإن كبر في نهوضه بعد ما يفارق الأرض فهو في سعة.
وذكر في "الموطأ" عن أبي هريرة وجابر وابن عمر أنهم كانوا يكبرون في حال قيامهم
(4)
. وقال في "المدونة": لا يكبر حتَّى يستوي قائمًا
(5)
، ويحتمل أن يكون وجه هذِه الرواية إجماعهم عَلَى أن تكبير افتتاح الصلاة هو بعد القيام فشبه القيام إلى الثنتين الباقيتين بالقيام في أول الصلاة والله أعلم إذ كان فرض الصلاة ركعتين ركعتين ثمَّ زيد فيها ركعتان، فجعل افتتاح الركعتين المزيدتين كافتتاح المزيدة عليهما، وقوله الذي وافق فيه الجماعة أولى، وهو الذي تشهد لَهُ الآثار.
(1)
"الجمع بين الصحيحين" 2/ 461 (1793).
(2)
سبق رقم (785) كتاب: الأذان.
(3)
سبق رقم (784) كتاب: الأذان.
(4)
"الموطأ" 1/ 70 - 81 كتاب: الصلاة، باب: افتتاح الصلاة والتكبير في كل خفض ورفع.
(5)
"المدونة الكبرى" 1/ 72.
145 - باب سُنَّةِ الجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ
وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْداءِ تَجْلِسُ فِي صَلَاتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ، وَكَانَتْ فَقِيهَةً.
827 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا جَلَسَ، فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ، فَنَهَانِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ اليُمْنَى وَتَثْنِيَ اليُسْرَى. فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ! فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي. [فتح: 2/ 305]
828 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ.
وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْنَا صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى وَنَصَبَ اليُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ.
وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، وَيَزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ، وَابْنُ حَلْحَلَةَ مِنَ ابْنِ عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ: كُلُّ فَقَارٍ. وَقَالَ ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ: كُلُّ فَقَارٍ. [فتح: 2/ 305]
وهذا الأثر رواه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن ثور، عن مكحول أن
أم الدرداء كانت تجلس في الصلاة بجلسة الرجل
(1)
.
وقوله: (وكانت فقيهة). الظاهر أنه من قول البخاري وكان أنس أيضًا يقول ذَلِكَ، وبه قَالَ النخعي، ومالك
(2)
. وروي عن مالك أنها تجلس على وركها الأيسر، ثمَّ تضع فخذها الأيمن عَلَى الأيسر وتضم بعضها إلى بعض قَدْر طاقتها، ولا تفرج في ركوع ولا سجود ولا جلوس بخلاف الرجل
(3)
.
وقالت طائفة: تجلس كيف شاءت إِذَا تجمعت، منهم عطاء والشعبي والحنفيون
(4)
والشافعيون
(5)
، وكانت صفية تصلي متربعة، ونساء ابن عمر كن يفعلنه.
وقال بعض السلف: كن النساء يؤمرن أن يتربعن إِذَا جلسن في الصلاة ولا يجلسن جلوس الرجل عَلَى أوراكهن فتتقي أن يكون منهن الشيء. وقال الشعبي تجلس كيف تيسر. وقاله جماعة وعطاء، ذكره ابن أبي شيبة
(6)
.
وأم الدرداء اسمها: هجيمة. وقيل: جهيمة. وقيل: جهانة بنت حيي الوصابية، وهي الصغرى، حجت سنة إحدى وثمانين، خطبها معاوية، لا صحبة لها
(7)
.
(1)
ابن أبي شيبة 1/ 242 (2785) كتاب: الصلوات، باب: في المرأة كيف تجلس في الصلاة.
(2)
"المدونة" 1/ 74.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 186 - 187.
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 212.
(5)
"الأم" 1/ 100.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 243.
(7)
الحميرية الدمشقية، اشتهرت بالعلم والعمل والزهد، وقال مكحول: كانت أم الدرداء فقيهة. روت عن أبي الدرداء، وروى لها الجماعة. انظر: "الجرح =
أما أم الدرداء الكبرى فهي خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي، نزلت الشام وتوفيت في إمرة عثمان
(1)
.
و (الِجلسة) -بكسر الجيم-: الحالة التي يكون عليها الجالس. قَالَ ابن التين: وكذا رويناه. ثمَّ ذكر البخاري بعد ذَلِكَ حديث ابن عمر وحديث أبي حميد. أما حديث ابن عمر فرواه مالك عن عبد الرحمن ابن القاسم عن عبد الله بن عبد الله أنه كان ير عبد الله بن عمريتربع في الصلاة ففعلته -وأنا يومئذ حديث السن- فنهاني عبد الله بن عمر، وقال: إنها سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى فقلت: إنك تفعل ذلك، قال: إن رجليَّ لا تحملاني
(2)
.
وللنسائي: من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقبالك بأصابعها القبلة، والجلوس عَلَى اليسرى
(3)
.
وفي رواية: من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى
(4)
.
وللبيهقي: من حديث مالك عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن
محمد كان إِذَا جلس في التشهد نصب رجله اليمنى وثنى اليسرى، وجلس عَلَى وركه اليسرى، ولم يجلس عَلَى قدمه ثمَّ قَالَ: أراني
= والتعديل" 9/ 463 (2372)، "تهذيب الكمال" 35/ 352 (7974)، "سير أعلام النبلاء" 4/ 277 (100).
(1)
انظر: "معرفة الصحابة" 6/ 3322 (3864)، "الاستيعاب" 4/ 488 (3584)، "أسد الغابة" 7/ 100 (6894)، "الإصابة" 4/ 295 (386).
(2)
"الموطأ" ص 77 كتاب: الجمعة، باب: العمل في الجلوس في الصلاة.
(3)
النسائي 2/ 236 كتاب: الافتتاح، باب: الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبة عند القعود للتشهد، والحديث صححه الألباني في "صحيح النسائي".
(4)
النسائي 2/ 235 كتاب: الافتتاح، باب: كيف الجلوس للتشهد الأول؟.
عبد الله بن عبد الله بن عمر وحَدَّثَنِي أن أباه كان يفعل ذَلِكَ
(1)
.
وللإسماعيلي: مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عبد الله، وكذا رواه ابن نافع، والأكثرون عن القعنبي فقالوا: عن أبيه. وفي "الموطآت" للدارقطني: وقال عبد الرزاق، عن مالك: صلى ابن عمر متربعًا ففعلت. الحديث.
وقول ابن عمر: (إن رجلاي لا تحملاني) يريد أنه كان فُدِعَ بخيبر فلم يقدر عَلَى أكثر مما فعل.
وقوله: (رجلاي). قَالَ ابن التين: كذا روي ويُحتمل وجهان: أن تكون (أن) بمعنى نعم. كقوله:
ويقلن شيب قَدْ علاك
…
وقد كبرت، فقلت: إنه
ويحتمل أن يريد ما ذكر عن بعض العرب أن التثنية عَلَى صفة واحدة في حال الرفع والنصبِ والجر، كقوله تعالى:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه:63].
وقوله:
إن أباها وأبا أباها
…
قَدْ بلغا في المجد غايتاها
ولم يقل: غايتيها. وليس هناك ضرورة شعر.
وهذا الحديث من المسند؛ لأن الصحابي إِذَا قَالَ سنة فإنما يريد سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرد عَلَى ذَلِكَ قول عليّ لما حلف الوليد بن عقبة: جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وجلد أبو بكر كذا، وكلٌّ سنة
(2)
؛ لأنه أراد بالنسبة إلى فعل أبي بكر: الطريقة.
(1)
البيهقي 2/ 131 كتاب: الصلاة، باب: كيف يضع يديه على فخذيه؟.
(2)
رواه مسلم (1707).
وقول ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى). هي صفة جلوس الصلاة عند مالك
(1)
.
الحديث الثاني:
حديث أبي حميد أخرجه عن يَحْيَى عن بُكَيْرٍ ثنا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ بن يزيد، عَنْ سَعِيدٍ يعني ابن أبي هلال، عَنْ مُحَمَّد بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ. قال: وحدثني اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَيزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْنَا صَلَاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأُسَهُ اسْتَوى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرى وَنَصَبَ اليُمْنَى فإذا جلس فِي الركعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب الأخرى وقعد على مقعدته، وفي نسخة: وإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الأخيرة قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرى وَنَصَبَ الأُخْرى.
قال أبو عبد الله: وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، وَيزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عمر بن حَلْحَلَةَ، وَابْنُ حَلْحَلَةَ عن عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ: كُلُّ فَقَارٍ. وَقَالَ ابن المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثهُ: كُلُّ فَقَارٍ.
(1)
"المدونة" 1/ 74.
الشرح:
تعليق أبي صالح عن الليث رواه الطبراني في أكبر معاجمه: ثنا مطلب بن شعيب الأزدي، ثنا عبد الله بن صالح، حَدَّثَنِي الليث، عن يزيد بن محمد القرشي ويزيد بن أبي حبيب، فذكره.
وأخرجه ابن خزيمة من حديث سهل بن سعد وأبي حميد وأبي أسيد الساعدي
(1)
، وفي لفظ عبد الحميد: وفيهم أبو قتادة
(2)
. واعترض ابن القطان فقال: أبو قتادة مات زمن علي، وسن محمد بن عمرو نقص من إدراك ذَلِكَ، وقد قيل في وفاة أبي قتادة: سنة أربع وخمسين ولم يصح
(3)
.
قُلْتُ: محمد بن عمرو سمع أبا قتادة كما صرح به ابن حبان في "ثقاته"
(4)
، وما ضعفه في وفاته هو ما ذكره البخاري والترمذي وخلائق.
و (الفقار) بفتح الفاء وكسرها كما سلف، وصوب ابن قرقول الفتح، وقول أبي صالح عن الليث: كل قفار بتقديم القاف، كذا للأصيلي كما ذكره ابن قرقول، وعند ابن السكن بكسر الفاء ولغيرهما فتحها، وصححه ابن التين وقال: إنه الذي رويناه، قَالَ: ورواية أبي صالح: قفار، بسبق القاف وكسرها، وليس ببين، وإنما الفقار جمع فقر
(5)
، وهي الفقار.
(1)
رواه ابن خزيمة 1/ 298 (589) كتاب: الصلاة، باب: الاعتدال في الركوع والتجافي ووضع اليدين على الركبتين.
(2)
المصدر السابق رقم (588).
(3)
"بيان الوهم والإيهام" 2/ 461 - 462 (462).
(4)
"ثقات ابن حبان" 5/ 368.
(5)
ضبطها الناسخ بإسكان القاف وفتحها وعلم على الكلمة (معًا) يعني: بالسكون والتحريك.
واختلف العلماء في صفة الجلوس في الصلاة، فذهب قوم إلى حديث ابن عمر وقالوا: سنة الجلوس في الصلاة كلها وبين السجدتين أن ينصب رجله اليمنى، ويثني اليسرى، ويقعد على وركه الأيسر حتىَّ يستوي قاعدًا. هذا قول مالك
(1)
، وروي عن النخعي وابن سيرين.
وذهب آخرون إلى حديث أبي حميد وقالوا: إنما القعود في آخر الصلاة، فكما قَالَ أهل المقالة الأولى لأن الجلسة الآخرة فيه متقاربة كما قَالَ ابن عمر، وأما الأولى فعلى الرجل اليسرى على ما في حديث أبي حميد، هذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وعن أحمد: يفترش في الثانية ويتورك في آخر الرباعية
(2)
.
وذهب الثوري والكوفيون في الجلوس كله إلى الجلسة الأولى من حديث أبي حميد، وهو الافتراش
(3)
.
حجة الأولين قول ابن عمر: "إن ذَلِكَ سنة الصلاة". وهو مرفوع كما سلف.
وحجة الثانية حديث أبي حميد كما سلف ولم ينكر عليه، فدل عَلَى أنه السنة.
وحجة الثالثة حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم كان إِذَا جلس في الصلاة فرش رجله اليسرى ثمَّ قعد عليها
(4)
، وجمع بعضهم بأن هذِه أحوال
(1)
"المدونة" 1/ 74، "التمهيد" 3/ 223.
(2)
انظر: "الأم" 1/ 72، "اختلاف الفقهاء" ص 138، "البيان" 2/ 230، "لتحقيق" 3/ 168 - 169، "المغني" 2/ 225.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 212، "المبسوط" 1/ 24.
(4)
رواه أبو داود (957)، والترمذي (292).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(716، 884).
جائزة كلها، وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يقعدون متربعين في الصلاة، كما كان يفعل ابن عمر منهم ابن عباس وأنس، وفعله سالم وعطاء وابن سيرين ومجاهد، وأجازه الحسن في النافلة
(1)
، وكرهه ابن مسعود وقال: لأن أصلي على رضفتين أحبُّ إلى من أن أتربع في الصلاة، وكرهه الحسن والحكم
(2)
، وحكمه التفرقة بين الجلوس أنه أقرب إلى تذكر الصلاة وعدم اشتباه عدد الركعات، ولأن الأول بعضه حركة بخلاف الثاني، وليتوقر للدعاء، ولأن المسبوق إِذَا رآه علم في أي التشهدين هو.
قَالَ الشافعي: حديث أبي حميد صريح في التفرقة بينهما، وبقية الأحاديث مطلقة فيجب حملها عليه، فمن روى التورك أراد الآخر ومن روى الافتراش أراد الأول
(3)
.
وقول أبي حميد: (أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم). فيه جواز ذَلِكَ للعالم ليؤكد ذَلِكَ عند سامعه لما في التعليم من الأجر.
وقوله: (كنت). يعني: فيما مضى وما يأتي، فيصف نفسه بالعناية لهذا الأمر وتحفظه عليه
(4)
.
(1)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 2/ 32 كتاب: الصلوات، باب: من رخصَّ في التربع في الصلاة.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 33 كتاب: الصلوات، باب: من كره التربع في الصلاة.
(3)
انظر: "المجموع" 3/ 431.
(4)
جاء عند نهاية الباب في الأصل: ثم بلغ في التاسع بعد الستين، كتبه مؤلفه.
146 - باب مَنْ لَمْ يَرَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ وَاجِبًا؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَين وَلَمْ يَرْجِعْ
829 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ -مَوْلَى بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَقَالَ مَرَّةً: مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ- أَنَّ عَبْدَ اللهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ -وَهْوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهْوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ. [830، 1224، 1225، 1230، 6670 - مسلم: 570 - فتح: 2/ 309]
ذكر فيه حديث الزهري عن عبد الرحمن بن هرمز مَوْلَى بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَقَالَ مَرَّةً: مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ -أن عَبْدَ اللهِ ابن بُحَيْنَةَ- وَهْوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ ولَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهْوَ جَالسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلَّمَ ثُمَّ سَلَّمَ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا والأربعة
(1)
وترجم لَهُ عَقَبهُ باب: التشهد في الأولى وباب: إِذَا حنث ناسيًا من الأيمان والنذور
(2)
. وعند مسلم: وقال الليث، عن ابن شهاب: قام في صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم، وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس.
(1)
رواه مسلم (570) كتاب: المساجد، باب: السهو في الصلاة والسجود له، أبو داود (1034)، والترمذي (391)، والنسائي 3/ 20019، وابن ماجه (1207).
(2)
سيأتي برقم (6670).
قَالَ النووي في "شرح مسلم": قوله: حليف بني عبد المطلب. كذا وقع في مسلم، والذي ذكره ابن سعد
(1)
وغيره أنه حليف بني المطلب بن عبد مناف
(2)
، وكان جده حالف المطلب بن عبد مناف
(3)
. هذا كلامه، وكأنه اعتقد أن هذا ينصرف إلى ابن بحينة فذكر ما عند ابن سعد، وإنما ينصرف إلى الأعرج وهو الموصوف بولاء ابن عبد المطلب فليتأمل.
أما حكم الباب فأجمع فقهاء الأمصار: أبو حنيفة، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، والليث، وأبو ثور على أن التشهد الأول غير واجب
(4)
، حاشى أحمد فإنه أوجبه
(5)
، كذا قَالَ ابن القصار لكن وافقه إسحاق فيما حكاه ابن الأثير، ونقله ابن التين أيضًا عن الليث وأبي ثور، وفي "شرح الهداية" قراءة التشهد في القعدة الأولى واجبة عند أبي حنيفة وهو المختار والصحيح، وقيل: سنة. وهو أقيس لكنه خلاف ظاهر الرواية، وفي "المغني": إن كانت الصلاة مغربًا أو رباعية فهما واجبان فيهما عَلَى إحدى الروايتين، وهو مذهب الليث وإسحاق
(6)
؛ لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه وأمر به.
(1)
"الطبقات" 4/ 342.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ما قاله النووي صحيح وقد ذكر مثله أبو محمد الدمياطي والذي قاله المؤلف في الأعرج صحيح في نفسه لكن سند مسلم لا يساند أنه المنسوب الأعرج نمنعه عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن عبد الله بن بحينه الأزدي حليف بني عبد المطلب.
(3)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 5/ 59.
(4)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 163، "بداية المجتهد" 1/ 262، "التفريع" 1/ 228، "التهذيب" 2/ 119، "المجموع" 3/ 429.
(5)
انظر: "الإفصاح" 2/ 299، "المغني" 2/ 217، "الممتع" 1/ 476.
(6)
"المغني" 2/ 217.
وفي حديث ابن عباس بقوله: فقولوا: "التحيات لله"
(1)
وجبره بالسهو حين نسيه، وقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"
(2)
.
وفي مسلم عن عائشة: وكان يقول في كل ركعتين التحية
(3)
.
وللنسائي من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "إِذَا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات" الحديث
(4)
، وحديث المسيء وحديث رفاعة السالف، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قَالَ: من لم يتشهد فلا صلاة له
(5)
.
حجة الجمهور هذا الحديث، ولو كان واجبًا لرجع إليه حين سبح فيه ولم ينسب منابه سجود السهو لأنه لا ينوب عن الفرض، ألا ترى أنه لو نسي تكبيرة الإحرام أو سجدة لم ينسب عنها سجود السهو فثبت أنه غير واجب.
واعترض ابن التين فقال، عن أبي جعفر: ليس تأويل من لم ير التشهد الأول فرضًا بين؛ لأن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين
(6)
؛ ولأن المسافر فرضه أن يجلس في الركعتين، وليس جعل الشارع السجود بدلًا منه مما يوجب زوال فرضيته. قَالَ: ولأن من تعمد ترك الجلوس تبطل صلاته، كذا ادعى، وفيه أيضًا أن الجلسة الأولى سنة
(1)
رواه مسلم (403) كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة.
(2)
سبق برقم (631).
(3)
رواه مسلم (498) كتاب: الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به، وصفة الركوع والاعتدال منه.
(4)
رواه النسائي 2/ 238 كتاب: الافتتاح، باب: كيف التشهد الأول.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 255 (8713) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل ينسى التشهد.
(6)
سبق رقم (350) كتاب: الصلاة، باب: كيف فرضت الصلاة في الإسراء.
لأن سجوده صلى الله عليه وسلم للسهو نائب عن التشهد، وعن الجلوس، فدل أن الجلوس فيها كالتشهد، وحكم السهو يأتي في موضعه إن شاء الله.
147 - باب التَّشَهُّدِ فِي الأُولَى
.
830 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ فَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ. [انظر: 829 - مسلم: 570 - فتح: 2/ 310]
ذكر فيه حديث ابن بحينة السالف في الباب المذكور.
148 - باب التَّشَهُّدِ فِي الآخِرَ
831 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ. فَالتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ لله، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ -فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ للهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ- أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". [835، 1202، 6230، 6265، 6328، 7381 - مسلم: 402 - فتح: 2/ 311]
ذكر فيه حديث عبد الله قال: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: السَّلَامُ على الله قبل عباده، السلام عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ. فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لله، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أيّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ- فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لله صَالِحِ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ- أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ".
الشرح:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا والأربعة
(1)
، وهو أشدها صحة باتفاق المحدثين.
وأخرجه البخاري في مواضع جمة منها غير ما في الصلاة:
(1)
رواه مسلم (402) كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة.
الدعوات
(1)
والتوحيد
(2)
، والاستئذان، وباب: الأخذ باليد من كتاب الاستئذان، ولفظه، عن عبد الله: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن. فذكره، وفي آخره: وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا: السلام. يعني: على النبي عليه السلام
(3)
.
ولمسلم فقال لنا ذات يوم: "إن الله هو السلام"، وفي "المنتقى""السلام على إسرافيل"، وفي "المصنف": ما كنا نكتب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديث إلا التشهد والاستخارة. واختلف العلماء في التشهد الأخير، فذهب الكوفيون ومالك والأوزاعي إلى أنه ليس بفرض
(4)
، وقال الشافعي وأحمد: هو فرض
(5)
. واحتج الشافعي بقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله" والأمر للوجوب، واعترض بأن كل أمر ليس كذلك بدليل تكبيرات الانتقالات مع الأمر بها وفعله، وقال حين نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ (52)} [الحاقة: 52] "اجعلوها في ركوعكم" ولما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] قَالَ: "اجعلوها في سجودكم"
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (6328) كتاب: الدعوات، باب: الدعاء في الصلاة.
(2)
سيأتي رقم (7381) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى السلام المؤمن.
(3)
سيأتي برقم (6265).
(4)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 63، "تبيين الحقائق" 1/ 122.
(5)
"الأم" 1/ 102، "المهذب" 1/ 265، "المجموع" 3/ 442، "المغني" 2/ 226، "الممتع" 1/ 472، "شرح الزركشي" 1/ 321.
(6)
رواه أبو داود (869) كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، وابن ماجه (887) كتاب: إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب: التسبيح في الركوع والسجود، والدارمي 2/ 825 - 826 (1344) كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع، وابن خزيمة 1/ 303 (600) كتاب: الصلاة، باب: الأمر بتعظيم =
وتلقى العلماء والشافعي هذا الأمر عَلَى الندب ولم يقم عنده فرضه بفعله صلى الله عليه وسلم وأمره به، فلذلك فعله صلى الله عليه وسلم التشهد وأمره به لأن كليهما عنده ذكر ليس من عمل بدن، وقد يأمر بالسنن كما يأمر بالفرائض، وأيضًا فإنه كما ناب سجود السهو عن التشهد في الأولى وعن الجلوس فيها فأحرى أن ينوب عن التشهد في الآخرة إِذَا جلس فيها وسهى عن التشهد.
فإن قُلْت: الجلسة الآخرة فرض. وكذا ذكرها، كما أن الأولى سنة، وكذا ذكرها.
وأجيب بأنه لا تكون الجلسة الآخرة مقدرة بذكرها وإنما هي للسلام، وقد روي عن جماعة من السلف أنه من رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته، روي ذَلِكَ عن علي وابن المسيب والحسن وإبراهيم
(1)
.
وقال عطاء: من نسي التشهد فصلاته جائزة. وعن الحكم وحماد مثله.
وقال الطبري والطحاوي: أجمع جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على أن الصلاة عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد غير واجبة، وشذ الشافعي في ذَلِكَ فقال: من لم يصل عليه في التشهد الأخير وقبل السلام فصلاته فاسدة، وإن صلى عليه قبل ذَلِكَ لم يجزئه، ولا سلف لَه في هذا القول ولا سنة تبعها، وتشهد ابن مسعود ليس
= الرب عز وجل في الركوع، و (670) باب: التسبيح في الركوع، وابن حبان 5/ 225 (1898) كتاب: الصلاة، باب: صفة الصلاة، من حديث عقبة بن عامر. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(152).
(1)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 122، "بدائع الصنائع" 1/ 163، "عيون المجالس" 1/ 305، "بداية المجتهد" 1/ 250، "المجموع" 3/ 443.
فيه ذكرها؛ وليس كما قالا، فقد وافق الشافعي على ذَلِكَ جماعة من الصحابة، وروي عن أحمد أيضًا
(1)
، وابن المواز من المالكية
(2)
، حكاه الروياني في "بحره" عن عمر وابنه وابن مسعود وأبي مسعود البدري، ونقله الماوردي عن محمد بن كعب القرظي التابعي
(3)
، ورواه البيهقي عن الشعبي وغيره عن علي بن الحسين
(4)
، وقال إسحاق: إن تركها عمدًا لا يصح، وإن تركها سهوًا رجوت أن تجزئه
(5)
.
وروى ابن حبان والحاكم في صحيحهما من حديث أبي مسعود عقبة ابن عمرو الأنصاري قَالَ: أقبل رجل حتَّى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقال: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إِذَا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ قَالَ:"قولوا: اللَّهُمَّ صلى على محمدٍ"
(6)
الحديث، وهو في "صحيح مسلم" بدون: إِذَا
(1)
هذِه إحدى الروايات الثلاث عن أحمد، والرواية الثانية أنها فرض وعليها المذهب، والرواية الثالثة أنها واجبة، وهي اختيار الخرقي وأبي البركات، ونقل عنه أبو زرعة رجوعه من الأولى، فقال: قد كنت أتهيب ذلك -أي: القول بالفرضية- ثم تبينت، فإذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمر، فمن تركها في الصلاة أعاد الصلاة.
انظر: "الانتصار" 2/ 284 - 286، "المغني" 2/ 228، "الفروع" 1/ 464، "شرح الزركشي" 1/ 321.
(2)
انظر: "الذخيرة" 2/ 218.
(3)
"الحاوي" 2/ 137.
(4)
"السنن الكبرى" 2/ 530.
(5)
انظر: "المجموع" 3/ 449.
(6)
رواه ابن حبان 5/ 289 (1959) كتاب: الصلاة، باب: صفة الصلاة، والحاكم 1/ 268 كتاب: الصلاة، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه فذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلوات.
نحن صلينا عليك في صلاتنا
(1)
. وفي "سنن الدارقطني" و"سنن البيهقي" -وقالا: إسناده صحيح- عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده، السلام عَلَى جبريل وميكائيل، السلام على فلان. فقال صلى الله عليه وسلم:"لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله" الحديث
(2)
.
ففيه دليلان:
أحدهما: قول ابن مسعود: قبل أن يفرض التشهد. فدل عَلَى أنه قَدْ فرض.
والثاني: قوله: "قولوا" وهو أمر والأمر للوجوب، وعند أبي حنيفة أن الجلوس بقدر التشهد واجب ولا يجب التشهد
(3)
، والأشهر عن مالك أنه يجب الجلوس بقدر السلام
(4)
، ثمَّ اعلم أنه ورد في الباب تشهدات عددتها في تخريجي لأحاديث الرافعي، فبلغت ثلاثة عشر تشهدًا
(5)
، واختار الشافعي تشهد ابن عباس في مسلم والأربعة
(6)
.
(1)
مسلم (405) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد.
(2)
رواه الدارقطني 1/ 350 كتاب: الصلاة، باب: صفة التشهد ووجوبه واختلاف الروايات فيه، وقال: إسناد صحيح، والبيهقي 1/ 138 كتاب: الصلاة، باب: مبتدأ فرض التشهد.
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 163، "تبيين الحقائق" 1/ 122.
(4)
انظر: "الذخيرة" 2/ 199، "قوانين الأحكام الشرعية" ص 79.
(5)
"البدر المنير" 4/ 12 - 41.
وقال بعد أن سبرها: فاستفد ما ذكرنا لك من ذكر التشهدات والكلام عليها فإنه من المهمات الجليلة التي يرحل إليها.
(6)
رواه مسلم (403) كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، وأبو داود (974)، والترمذي (290)، والنسائي 2/ 242 - 243، وابن ماجه (900).
ومالك تشهد عمر في "الموطأ"
(1)
، وخالف عمر فيه ابنه كما قَالَ ابن حزم
(2)
. وأبو حنيفة: تشهد ابن مسعود، وأكثر المحدثين وأحمد
(3)
، وقد بسطت ذَلِكَ في الكتاب المذكور فراجعه منه، والرواية السالفة: فلما قبض قلنا: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. يدل على أن الخطاب خاص بزمنه.
وروى أبو موسى المديني في "ترغيبه وترهيبه" من حديث سعد بن إسحاق بن كعب قَالَ: كانت الصحابة يقولون إِذَا سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فقال عليه السلام: "هذا السلام علي وأنا حي، فإذا مت فقولوا: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ورحمة الله وبركاته"
(4)
(5)
.
(1)
"الموطأ" ص 77 كتاب: الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، من طريق عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب، وهو على المنبر، وهو يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(2)
"المحلى" 3/ 270.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 214، "المبسوط" 1/ 27، "المغني" 2/ 220، "الممتع" 1/ 445.
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 2/ 203 عن ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي: "السلام عليك أيها النبي" فلما مات قالوا: "السلام على النبي"، وقال ابن حجر في "الفتح" 2/ 314: هذا إسناد صحيح.
(5)
قال ابن رجب رحمه الله: وقد اختار بعضهم أن يقال بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم: "السلام على النبي"، وقد ذكر البخاري في موضع آخر من كتابه أنهم كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته في التشهد كذلك، وهو رواية عن ابن عمر وعائشة. "فتح الباري"7/ 831.
فائدة:
السلام: الله. كما نطق به في الحديث، وهو المسلم لعباده. وقيل: ذو السلام.
و (التحيات): جمع تحية، وهو الملك أو البقاء أو العظمة أو السلامة أو الحياة.
(الصلوات)، أي: الخمس أو النوافل أو العبادات أو الدعاء.
الطيبات، أي: طيب القول أو الأعمال الزاكية.
تنبيه: وقع في "شرح ابن التين" عزو حديث ابن عمر في كيفية وضع اليد في التشهد إلى البخاري، وهو وهم، وإنما هو في أفراد مسلم
(1)
، ووقع فيه أيضًا أن مسلمًا زاد فيه:"هي مُدْيَة الشيطان لا يسهو أحدكم مادام يشي بإصبعه" وهذا لم نره في مسلم أصلًا، فاجتنبت ذلك.
(1)
مسلم (580) كتاب: المساجد، باب: صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين. عن ابن عمر بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها.
149 - باب الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ
.
832 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَفِتْنَةِ المَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ". فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ المَغْرَمِ فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ".
833 -
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. [انظر: 832 - مسلم: 587 - فتح: 2/ 317]
834 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه. أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ". [6326، 7387، 7388 - مسلم: 2705 - فتح: 2/ 317]
ذكر فيه حديث عائشة أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وفِتْنَةِ المَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأثمِ وَالمَغْرَمِ". فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ المَغْرَمِ فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأخْلَفَ".
وفي رواية عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.
وحديث أبي الخير -واسمه مرثد بن عبد الله اليزني- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو، عَنْ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ".
150 - باب مَا يُتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
835 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَى اللهِ. فَإِنَّ اللهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ- فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ- أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو"[انظر: 831 - مسلم: 402 - فتح: 2/ 320]
ذكر فيه حديث ابن مسعود السالف، وقال في آخره:"ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو".
وحديث أبي بكر قَدْ أخرجه البخاري كما ترى، وأخرجه في الدعوات والتوحيد
(1)
.
وأخرجه النسائي في "اليوم والليلة" عن أبي الطاهر فقال: عن ابن عمرو أن أبا بكر
(2)
.. فجعله من مسند ابن عمرو.
ورواه مسلم عن أبي الطاهر فجعله من مسند أبي بكر
(3)
، والله أعلم.
(1)
سيأتي رقم (6326) كتاب: الدعوات، باب: الدعاء في الصلاة، (7388) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} .
(2)
النسائي في "الكبرى" 6/ 53 (10007) كتاب: عمل اليوم والليلة، باب: ما يقول إذا دخل بيته.
(3)
مسلم (2705) كتاب: الذكر والدعاء، باب: استحباب خفض الصوت بالذكر.
وصح في الباب أحاديث منها حديث علي: "اللَّهُمَّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت" أخرجه مسلم
(1)
.
ومنها حديث أبي هريرة: "اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال" أخرجاه
(2)
.
ومنها حديث ابن عباس: "اللَّهُمَّ إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ونعوذ بك من عذاب القبر، ونعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات" أخرجه مسلم
(3)
.
ومنها حديث عائشة: "اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل" أخرجه مسلم
(4)
. ومنها حديث محجن بن الأدرع: "اللَّهُمَّ إني أسألك بالله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم" أخرجه ابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح عَلَى شرط الشيخين
(5)
.
(1)
مسلم (771) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامها.
(2)
سيأتي برقم (1377) كتاب: الجنائز، باب: التعوذ من عذاب القبر، ومسلم (588) كتاب: المساجد، باب: ما يستعاذ منه في الصلاة.
(3)
مسلم (590) كتاب: المساجد، باب: ما يستعاذ منه في الصلاة، ورواه أبو داود (984) كتاب: الصلاة، باب: ما يقول بعد التشهد، وابن ماجه (3840) كتاب: الدعاء، باب: تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأحمد 1/ 305.
(4)
مسلم (2716) كتاب: الذكر والدعاء، باب: التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، ورواه أبو داود (1550) كتاب: الوتر، باب: في الاستعاذة، والنسائي 3/ 56 كتاب: السهو، باب: التعوذ في الصلاة، وأحمد 6/ 278.
(5)
رواه ابن خزيمة 1/ 358 (724) كتاب: الصلاة، باب: الاستغفار بعد التشهد وقيل: السلام، والحاكم 1/ 267 كتاب: الصلاة، ورواه أبو داود (985) كتاب: =
ومنها حديث شداد بن أوس: "اللَّهُمَّ إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا، وأستغفرك لما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم" رواه أحمد والنسائي
(1)
.
ومنها حديث عمار بن ياسر: "اللَّهُمَّ بعلمك الغيب وبقدرتك عَلَى الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي، أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضراء مضرة وفتنة مضلة، اللَّهُمَّ زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين".
رواه أحمد من حديث عطاء بن السائب، عن أبيه عنه
(2)
، وغير ذلك.
واختلف العلماء في هذا الباب، فقال مالك والشافعي وجماعة:
لا بأس أن يدعو الرجل في صلاته مما شاء من أمر الدين والدنيا.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يدعو في الصلاة إلا بالأدعية المأثورة
= الصلاة، باب: ما يقول بعد التشهد، والنسائي 3/ 52 كتاب: السهو، باب: الدعاء بعد الذكر، وفي "الكبرى" 1/ 386 (1223) كتاب: صفة الصلاة، باب: الدعاء، وأحمد 4/ 338، وقال الألباني: إسناده صحح على شرط مسلم انظر: "صحيح أبي داود" 4/ 140 (905).
(1)
رواه أحمد 4/ 123، والنسائي 3/ 54 كتاب: السهو، باب: الدعاء بعد الذكر، والطبراني 7/ 287 (7357)، وابن حبان 3/ 215 (935) كتاب: الرقاق، باب: ذكر الأمر باكتناز سؤال المرء ربه جل وعلا الثبات على الأمر، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 267.
(2)
رواه أحمد 4/ 264 من طريق أبي مجلز قال: صلى بنا عمار .. الحديث. ولم أجده من طريق عطاء بن السائب.
أو الموافقة، وهو قول النخعي وطاوس، زاد ابن أبي شيبة: وإبراهيم ومحمد بن سيرين، واحتجوا بحديث معاوية بن الحكم لما شَمَّت الرجل في صلاته، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن صلاتنا هذِه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" أو كما قَالَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وهو من أفراد مسلم
(1)
.
قالوا: ولا يجوز أن يريد جنس الكلام؛ لأن جميع ما يوجد في الصلاة من الأذكار من نفس الكلام، فوجب أن يكون المراد ما يتخاطبون به في العادة.
وقوله: (يرحمك الله). دعاء، وقد نهى الشارع عنه، وهذا يمنع من فعل الدعاء بهذا الجنس، والجواب: أن هذا وشبهه يعني أن يوجه دعاءه إلى إنسان يخاطبه به في الصلاة، وكأنه جواب: على شيء كان منه، فأما أن يدعو لنفسه ولغيره ابتداء من غير أن يخاطب فيه إنسانا فلا، فصار قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" متوجهًا إلى هذا.
ومن حجة الأولين: حديث ابن مسعود "ثمَّ ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو" ولم يخص دعاءً من دعاء، ولو كان لا يجوز الدعاء إلا بما قاله المخالف بينه صلى الله عليه وسلم، فلما لم يخص عم الجميع، واستعاذة الشارع بما في حديث عائشة وغيره ليس شيء منه في القرآن، وقد روي عن جماعة من السلف مثل ذَلِكَ.
روي عن ابن عمر أنه قَالَ: إني لأدعو في صلاتي حتىَّ لشعير حماري وملح بيتي.
(1)
مسلم برقم (537) كتاب: المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته.
وعن عروة بن الزبير مثله، وكان الشارع يدعو في صلاته عَلَى أحياء من العرب
(1)
، لا يقال: إن ذَلِكَ كان وقت إباحة الكلام في الصلاة ثمَّ نسخ؛ لأنه قَدْ روي عن السلف استعمال الحديث، ولا يجوز أن يخفى عليهم نسخه لو نسخ، وكان علي يقنت في صلاته على قوم يسميهم، وكان أبو الدرداء يدعو لسبعين رجلًا في صلاته، وعن ابن الزبير أنه كان يدعو للزبير في صلاته
(2)
.
وإذا انضاف قول هؤلاء إلى قول ابن عمر وعروة جرى مجرى الإجماع إذ لا مخالف لهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده:"أعوذ برضاك من سخطك .. " إلى آخره
(3)
.
وروي عن ابن شبرمة أنه قَالَ: يجوز الدعاء في المكتوبة بأمر الآخرة، فأما الدنيا فلا.
وقال ابن عون: أليس في القرآن {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32] فسكت، وقد ترجم البخاري في كتاب الدعاء: باب: الدعاء في الصلاة، وستعلمه إن شاء الله
(4)
.
وانفرد ابن حزم قَالَ بفرضية التعوذ الذي في حديث عائشة، ولأن مسلمًا ذكر عن طاوس أنه أمر ابنه بإعادة صلاته التي لم يدع بها فيها
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (1003) كتاب: الوتر، باب: القنوت قبل الركوع وبعده.
(2)
روى أثر علي وأبي الدرداء وابن الزبير ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 201 كتاب: الصلوات، باب: في تسمية الرجل في الدعاء.
(3)
رواه مسلم (486) كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود.
(4)
انظر ما سيأتي برقم (6328).
(5)
مسلم (590) كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يستعاذ منه في الصلاة، قال مسلم: بلغني أن طاوسًا قال لابنه: أدعوت بها في صلاتك؟ قال: أعد صلاتك لأن طاوسًا رواه عن ثلاثة أو أربعة، أو كما قال.
وفي الحديث: إثبات عذاب القبر وقد مضى ما فيه.
و (المسيح الدجال): بفتح الميم وتخفيف السين، ويروى بكسر الميم وتشديد السين، أي: لأنه ممسوح العين، أو لتمرده، أو شبه بالدرهم الأطلس الذي لا نقش عليه، والتخفيف من السياحة.
قَالَ خلف بن عامر: لا فرق بينهما، أحدهما عيسى عليه السلام، والآخر: الدجال، وقيل: سمي المسيح لمسحه الأرض، وقيل: لأنه ممسوح العين اليمنى أعورها.
قَالَ ابن فارس: المسيح: الذي أحد شقي وجهه ممسوح لا عين له ولا حاجب، وبذلك سمي الدجال مسيحًا؛ لأنه ممسوح العين
(1)
.
وأما عيسى عليه السلام فقيل: سمي مسيحًا لحسنه أو لسياحته، أو لأنه كان يقطع الأرض ويمسحها، أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بلا دهن، أو لأنه لا أخمص لرجله وهو ما حفي عن الأرض من باطن الرجل، أو لأن زكريا مسحه، أو لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ، أو أنه اسم خصه الله به، أو المسيح: المدبر.
قَالَ أبو عبيد: أصله (بالعبرانية: مَشِيحًا)
(2)
فعرب
(3)
، كما عرب موسى. والدجال قَالَ ابن دريد
(4)
: سمي بذلك؛ لأنه يغطى الأرض بالجمع الكثير، وقيل: لتغطيته الحق بكذبه، وفي "الغريبين": لأنه يقطع الأرض. قَالَ ثعلب: الدجال: المموه، وهذا من معنى الكذب؛ لأنه يموه بتكذيبه ويلبس.
(1)
"مجمل اللغة" لابن فارس 2/ 830 - 831.
(2)
في الأصول: بالعربية ماشيًا، والتصويب من عند ابن الأثير، وصدرها أبو عبيد بقيل.
(3)
"النهاية في غريب الحديث" 4/ 327.
(4)
"جمهرة اللغة" 2/ 535.
وقال ابن دحية في "تنويره": قيل: إنه من طلي البعير بالقطران، سمي بذلك؛ لتغطيته نواحي الأرض أو لوطئه جميع البلاد إلا ما استثني، أو لأنه (بمخرق)
(1)
وعن أبي عمرو أن منهم من قَالَ: إنه بالخاء المعجمة، وهو خطأ.
والمراد بـ"المحيا والممات": الحياة والموت. ويحتمل زمن ذَلِكَ؛ لأن ما كان معتل العين من الثلاثي فقد يأتي منه المصدر والزمان والمكان بلفظ واحد.
ويريد بذلك: محنة الدنيا وما بعدها حالة الاحتضار، وحالة المساءلة في القبر، فكأنه لما استعاذ من فتنة هذين المقامين سأل التثبت فيهما، كما قَالَ تعالى:{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] وأما الماثم: فهو: الإثم الذي يجر إلى الذم والعقوبة. والمغرم: الذي غرم بكسر الراء: أدان.
وكل هذا منه تعليم لنا لندعو به، وأما هو فقد عوفي من ذَلِكَ كله واستعاذ من الغرم؛ لأنه إما أن يكون في مباح ولكن لا وجه عنده لقضائه فهو، متعرض لهلاك مال أخيه، وإما مستدين وله إلى القضاء سبيل، غير أنه يرى ترك القضاء.
ولا يعارض هذا حديث عبد الله بن جعفر يرفعه: "إن الله مع الدائن حتَّى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله عز وجل". وكان ابن جعفر يقول لخازنه: اذهب فخذ لي بدين فإني أكره أن أبيت الليلة إلا والله معي
(2)
.
(1)
كذا في الأصول.
(2)
رواه ابن ماجه (2409)، والحاكم 2/ 23، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 204، والبيهقي 5/ 355 من طريق ابن أبي فديك عن سعيد بن سفيان الأسلمي عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر. =
فإن قُلْت: كيف استعاذ من الدجال وقد ثبت أن الدجال إِذَا رأى المسيح عليه السلام يذوب، فكيف نبينا؟
قُلْتُ: أراد تعليمنا، أو أنه تعوذ منه لأمته، أو أنه معصوم ويظهر الاستعاذة.
وأما قوله: (كثيرًا). فهو بالثاء المثلثة، وفي مسلم بالباء الموحدة وينبغي جمعهما كما قاله النووي أو يقول: ذا مرة وذا أخرى
(1)
.
فإن قُلْتَ: المغفرة لا تكون إلا من عند الله، فكيف قَالَ: مغفرة من عندك؟
قُلْتُ: المعنى: هب لي الغفران بفضلك وإن لم أكن أهلا له بعملي، وقد أوضحت الكلام عَلَى هذا الحديث في "شرحي للعمدة"
(2)
فراجعه منه تجد نفائس، وكذا عَلَى حديث أبي هريرة وهو في معنى حديث عائشة الذي في "العمدة".
ومعنى: "يتخير من الدعاء أعجبه" ما يجوز الدعاء به، كما قَالَ الداودي.
تنبيه: هذا حكم التشهد الأخير، فأما الأول فلا دعاء فيه؛ لثباته عَلَى التخفيف، وعن مالك كذلك، وروى عنه ابن نافع: لابأس أن (يُدعى)
(3)
بعده
(4)
.
= قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 375 (2784)، والحافظ في "الفتح" 5/ 54، وفي "مختصر الترغيب والترهيب" (170): إسناده حسن. وقال البوصيري في "الزوائد"(799): إسناده صحيح. وصححه الألباني في "الصحيحة"(1000).
(1)
"الأذكار" ص 129 عقب الحديث رقم (180).
(2)
"الإعلام" 3/ 506.
(3)
كذا بالأصول، وفي "النوادر الزيادات": يدعو ولعله الصواب.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 188، "المنتقى" 1/ 198.
151 - باب مَنْ لَمْ يَمْسَحْ جَبْهَتَهُ وَأَنفَهُ حَتَّى صَلَّى
836 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي المَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ. [انظر: 669 - مسلم: 1167 - فتح: 2/ 322]
ذكر فيه حديث أبي سلمة قَالَ: سَأَلْت أَبَا سَعِيدِ الخُدْرِيَّ فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي المَاءِ وَالطّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ.
هذا الحديث سلف مطولًا في باب: السجود عَلَى الأنف في الطين
(1)
، ويأتي إن شاء الله في الصوم والاعتكاف أيضًا
(2)
، واستحب العلماء ترك مسح الوجه حتَّى يفرغ من صلاته؛ لأنه من التواضع لله تعالى، وخفف مالك مسحه في الصلاة
(3)
.
(1)
سلف برقم (813) كتاب: الأذان باب: السجود على الأنف والسجود على الطين.
(2)
سيأتي برقم (2016) كتاب: فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر.
(3)
وخفف فيه أيضًا الأحناف، انظر:"الأصل" 1/ 9، "المبسوط" 1/ 27، "بدائع الصنائع" 1/ 219، "المدونة" 1/ 104، "النوادر" 1/ 238، "الذخيرة" 2/ 151، وكرهه ابن المنذر وقال: وكره ذلك أحمد والأوزاعي، وقال الشافعي: لو ترك مسح وجهه من التراب حتى يسلم كان أحب إلي، فإن فعل فلا شيء عليه، "الأوسط" 3/ 276، ومذهب الحنابلة كراهة مسح الجبهة من التراب في الصلاة، انظر:"الكافي" 1/ 390، "كشاف القناع" 2/ 416، "الروض المربع" ص 97، "منار السبيل" 1/ 93.
152 - باب التَّسْلِيمِ
837 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأُرَى -وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنَّ مُكْثَهُ لِكَىْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ القَوْمِ. [849، 850 - فتح: 2/ 322]
ذكر فيه حديث هند بنت الحارث أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ ابن شِهَابٍ: فَأُرى -والله أَعْلَمُ- أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ القَوْمِ.
هذا الحديث لم يخرجه مسلم -ويأتي أيضًا-
(1)
، وفيه من حديث عائشة: كان صلى الله عليه وسلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: "أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والاكرام"
(2)
. ولابن خزيمة من حديث ابن مسعود: كان صلى الله عليه وسلم إِذَا سلم في الصلاة لا يجلس إلا مقدار ما يقول: "اللَّهُمَّ أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"
(3)
.
ولأبي نعيم في "اليوم والليلة" من حديث أبي سعيد، بإسناد فيه ضعف: كان صلى الله عليه وسلم لا يجلس بعد أن ينصرف من الصلاة إلا قدر ما
(1)
يأتي برقمي (849 - 850).
(2)
مسلم (592) كتاب: المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته.
(3)
ابن خزيمة 1/ 362 - 363 (736) كتاب: الصلاة، باب: الثناء على الله عز وجل بعد السلام من الصلاة.
يقول: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ} [الصافات: 180] إلى آخر السورة.
واختلف العلماء في وجوب التسليم:
فذهبت جماعة منهم إلى أنه فرض لا يصح الخروج من الصلاة إلا به، وممن أوجب ذلك ابن مسعود قَالَ: مفتاح الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم
(1)
.
ذكره الطبري.
وبه قَالَ عطاء والزهري ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم حتَّى لو أخل بحرف من حروفه لم تصح صلاته
(2)
.
وذهب أبو حنيفة والثوري والأوزاعي إلى أن السلام سنة، وأن الصلاة يصح الخروج منها بغير سلام، وعنه أنه واجب
(3)
.
وفي "العتبية" عن ابن القاسم: إِذَا أحدث الإمام متعمدًا قبل السلام صحت صلاته كقول أبي حنيفة، واحتجوا بحديث ابن مسعود لما ذكر التشهد.
فإذا قُلْتَ هذا -أو قضيتَ هذا- فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد.
(1)
رواه البيهقي 2/ 15 - 16 كتاب: الصلاة، باب: ما يدخل به في الصلاة من التكبير، و 2/ 173 - 174 كتاب: الصلاة، باب: تحليل الصلاة بالتسليم، وصححه البيهقي فقال: وهذا الأثر الصحيح عن عبد الله بن مسعود يدل على صحة ما نقول.
(2)
انظر: "التفريع" 1/ 270، "عيون المجالس" 1/ 306 - 307، "الأم" 1/ 106، "البيان" 2/ 243، "المجموع" 3/ 462، "المغني" 2/ 240، "شرح الزركشي" 1/ 326، "المبدع" 1/ 469.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 222، "بدائع الصنائع" 1/ 194، "البناية" 2/ 337.
والجواب أن هذِه مدرجة من عند ابن مسعود باتفاق الحفاظ كما أوضحه الدارقطني
(1)
والبيهقي
(2)
والخطابي
(3)
والخطيب
(4)
، وخلق، قَالَ البيهقي: ذهب الحفاظ إلى أن هذا وهم، وأن ذَلِكَ من قول ابن مسعود أدرج في الحديث
(5)
.
وذهب بعض أهل العلم أن ذَلِكَ قبل أن ينزل التسليم.
قُلْتُ: ويتنزل ويجاب بأن المراد: فقد قضيت معظم صلاتك وبقي عليه الخروج منها بالسلام، فكنى عن التسليم بالقيام؛ إذ كان القيام إنما يقع عقبه جمعًا بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم:"تحريمها التكبيروتحليلها التسليم" قالوا: وروي عن علي رضي الله عنه أنه قَالَ: إِذَا رفع رأسه من آخر سجدة ثمَّ أحدث فقد تمت صلاته؛ قُلْتُ: وروي أيضًا مرفوعًا
(6)
وهو ضعيف.
قَالَ الشافعي: ليسوا يقولون به
(7)
، وقد روي عن رجل: فيه كلام كثير هم ينكرونه، وعن سعيد بن المسيب والنخعي مثله، واحتج الطحاوي بأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا، فلما أخبر بصنعه ثنى رجله فسجد سجدتين، فقد خرج منها إلى الخامسة لا بتسليم، ولو جاء بالخامسة وقد بقي عليه بما قبلها سجدة، كان ذَلِكَ مفسدًا للأربع،
(1)
الدارقطني 1/ 353 (11 - 12) كتاب: الصلاة، باب: صفة الجلوس للتشهد وبين السجدتين.
(2)
"معرفة السنن والآثار" 3/ 63 (3700) كتاب: الصلاة، باب: التشهد.
(3)
"معالم السنن" 1/ 198 كتاب: الصلاة، باب: ومن باب التشهد.
(4)
"الفصل للوصل" 1/ 155.
(5)
انظر: "معرفة السنن والآثار" 2/ 101.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 234 كتاب: الصلاة، باب: في الإمام يرفع رأسه من الركعة ثم يحدث قبل أن يتشهد مرفوعًا وموقوفًا.
(7)
انظر: "معرفة السنن والآثار" 3/ 100.
فلو كان واجبًا كالسجدة لكان حكمه كالسجدة، فعلم أنه ليس بركن ولا نسلم له ذَلِكَ
(1)
.
قَالَ الطبري: السلام من الأعمال التي علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته العمل به، كما علمهم التحريم فيها والقراءة، فمن ضيع ذَلِكَ أو تركه عامدًا فهو مفسد؛ لأنه ضيع ما قامت به الحجة لجواز الصلاة معهم، وكما لا يجوز الدخول في الصلاة إلا بالاحرام فكذلك لا يجوز الخروج منها إلا بالسلام.
واختلفوا في صفة السلام من الصلاة، قالت طائفة: يسلم تسليمتين عن يمينه وعن يساره، روي ذَلِكَ عن أبي بكر الصديق وعمر وعلي وابن مسعود وعمار، وروي ذَلِكَ عن الشعبي وعطاء وعلقمة والأسود وأبي عبد الرحمن السلمي، وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد إسحاق وأبي ثور
(2)
. قَالَ ابن المنذر: وبه أقول
(3)
.
واحتجوا بآثار كثيرة رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، منها حديث ابن مسعود وأبي موسى وعمار ووائل بن حجر وأبي حميد الساعدي وأبي رمثة وواثلة وابن عمر وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة والبراء بن عازب وقبيصة بن ذؤيب ويعقوب بن الحصين وعدي بن عميرة الحضرمي وسهل بن سعد وأبي سلمة الأشعري وعائشة وسلمة بن الأكوع وأنس، وبعضها عند مسلم وابن خزيمة وابن حبان، وغالبها
(1)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 275 كتاب: الصلاة، باب: السلام في الصلاة هل هو من فروضها أو من سننها.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 219، "البناية" 2/ 330، "روضة الطالبين" 1/ 268، "المغني" 2/ 241.
(3)
"الأوسط" 3/ 223.
عند الطبراني والطبري، فالأولى واجبة والثانية سنة.
قَالَ ابن المنذر: أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر عَلَى تسليمة واحدة جائزة
(1)
، وعند الطحاوي: عن الحسن بن (حي)
(2)
: هما واجبتان
(3)
وهي رواية عن أحمد، وبها قَالَ بعض أصحاب مالك
(4)
.
وقالت طائفة: يسلم تسليمة واحدة فقط.
روي ذَلِكَ عن ابن عمر وأنس وعائشة وسلمة بن الأكوع، ومن التابعين سليمان بن يسار وأبي وائل وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن، وهو قول مالك والليث والأوزاعي
(5)
ودفعوا الأحاديث الأول، وذكر محمد بن عبد الحكم عن عبد الرحمن بن مهدي قَالَ: أحاديث التسليمتين لا أصل لها.
وقال الأصيلي: حديث أم سلمة المذكور في الباب يقتضي تسليمة واحدة، وكذلك حديث ابن بحينة، وحديث ذي اليدين، لأن قول أم سلمة: كان صلى الله عليه وسلم إِذَا سلم؛ يقتضي ظاهره أن كل ما وقع عليه اسم سلام يتحلل به من الصلاة.
قَالَ المهلب: لما كان السلام تحللًا من الصلاة وعلمًا عَلَى فراغها
(1)
انظر: "الأوسط" 3/ 220 - 223.
(2)
في الأصل: الحي. والصواب ما أثبتناه.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 222.
(4)
وهي إحدى الروايتين عن أحمد، والثانية: أنها سنة، انظر:"المستوعب" 2/ 172، "المغني" 2/ 243، "شرح الزركشي" 1/ 326، "الذخيرة" 2/ 200، "عقد الجواهو الثمينة" 1/ 106.
(5)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 220، "المدونة" 1/ 134، "الذخيرة" 2/ 200، "الأوسط" 3/ 223، وهو قول قديم للشافعي، انظر:"المجموع" 3/ 458.
دلت التسليمة الواحدة عَلَى ذَلِكَ، وإن كان في التسليمتين كمالًا فقد مضى العمل بالمدينة في مسجده صلى الله عليه وسلم عَلَى تسليمة واحدة فلا تجب مخالفة ذَلِكَ.
وذكر الطبري بإسناده إلى أنس قَالَ: صليت خلف علي بن أبي طالب فسلم واحدة، ذكره ابن أبي شيبة
(1)
. قَالَ الطبري: والقول في ذَلِكَ أن يقال: كلا الخبرين الواردين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم واحدة وثنتين صحيح، وأنه كان من الأمور التي كان يفعل هذا مرة وهذا مرة، يعلم بذلك أمته أنهم مخيرون في العمل بأي ذَلِكَ شاءوا، كرفعه يديه في الركوع والرفع منه وتركه ذَلِكَ مرة أخرى، وبجلوسه في الصلاة على قدمه اليسرى ونصبه اليمنى فيها مرة، وإفضائه بإليتيه إلى الأرض، وإدخاله قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى مرة، في أشباه ذَلِكَ كثيرة.
وعند الشافعية قول آخر: أنه إن كان منفردًا أو في جماعة قليلة ولا لغط عندهم، فتسليمة وإلا فثنتان
(2)
. وروي أنه صلى الله عليه وسلم سلم ثلاثًا، وهي معلولة. وعن مالك في "الواضحة": يسلم الفذ تسليمتين. وقد قَالَ مالك: يأخذ في خاصة نفسه
(3)
. وقال عمار بن أبي عمار: كان مسجد الأنصار يسلمون فيه تسليمتين، وكان مسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة واحدة لا يردون عَلَى الإمام
(4)
. واعتذر في "المحيط" فقال: لما كانت التسليمة الثانية أخفض من الأولى خفيت
(1)
"المصنف" 1/ 267 كتاب: الصلوات، باب: من كان يسلم تسليمة واحدة.
(2)
انظر: "المجموع" 3/ 458.
(3)
انظر: "المنتقى" 1/ 169.
(4)
انظر: "الأوسط" 3/ 223، "المجموع" 3/ 463.
على من كان بعيدًا عنه صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن التين: ذكر السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث، وقيل ما يأتي من طريق صحيح كيفية سلامه. وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين حتَّى يرى صفح خده. وفي مسلم: حتَّى يرى بياض خده
(1)
.
قَالَ: ورواية أنه كان يسلم واحدة غير ثابتة. وروي عنه: ثنتين. أخرجه مسلم
(2)
، وهي أخبار تحتمل التأويل، والقياس يقتضي إفراد السلام في حكم الإمام والمنفرد.
فرع:
صفة السلام بالتعريف، وفي تنكيره خلاف عندنا، والأصح المنع
(3)
.
(1)
مسلم (582) كتاب: المساجد، باب: السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها، وكيفيته عن عامر بن سعد عن أبيه الحديث.
(2)
مسلم (581) كتاب: المساجد.
(3)
قال النووي رحمه الله: وإن قال: سلام عليكم بالتنوين فوجهان مشهوران في الطريقتين، وحكاهما الجرجاني قولين وهو غريب:
أحدهما: يجزئه ويقوم التنوين مقام الألف واللام كما يجزئه في سلام التشهد، وهذا هو الأصح عند جماعة من الخراسانيين، منهم إمام الحرمين والبغوي والرافعي.
الثاني: لا يجزئه، وهو الأصح المختار، ممن صححه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب. هذا هو الأصح وهو الذي ذكره أبو إسحاق المروزي في الشرح وهو نص الشافعي رحمه الله قال الشيخ أبو حامد: هو ظاهر نص الشافعي وقول عامة أصحابنا. قال: ومن قال: يجزئه فقد غلط. ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وبينت الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "السلام عليكم" ولم ينقل عنه سلام عليكم بخلاف التشهد فإنه نقل بالأحاديث الصحيحة بالتنوين وبالألف واللام. اهـ. "المجموع" 3/ 456.
فصل:
وفي الحديث خروج النساء إلى المساجد وسبقهن بالانصراف، فالاختلاط بهن مظنة الفساد، ويمكث الإمام في مصلاه والحالة هذِه، فإن لم يكن هناك نساء فالمستحب للإمام أن يقوم من مصلاه عقب سلامه. كذا قاله الشافعي في "المختصر"
(1)
.
وفي "الإحياء" للغزالي: أن ذَلِكَ فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وصححه ابن حبان في غير "صحيحه" ولم يذكر عمر.
وفي "النهاية" لإمام الحرمين أن في الحديث: "إِذَا لم يقم إمامكم فانخسوه" وحاصل كلام ابن الرفعة في "كفايته": أن الإمام يستحب لَهُ إِذَا لم يكن نسوة أن يمكث بعد السلام للدعاء، فإذا فرغ منه وثب قائمًا ثمَّ جلس ويستقبل الناس، عَلَى الخلاف في كيفية الاستقبال، وهذا المجموع عَلَى هذا الترتيب غريب منه لم يقل به أحد، ولا معنى لَهُ أيضًا، وكلام النووي في "شرح المهذب" يخالفه، وكلام الماوردي في "حاويه" أقرب منه
(2)
.
قَالَ النووي عقب النص السالف: اتفق عَلَى هذا النص الأصحاب وعللوه بعلتين:
أحدهما: لئلا يشك هو ومن خلفه هل سلم أم لا.
الثانية: لئلا يدخل غريب فيظنه بعد في الصلاة فيقتدي به
(3)
.
قُلْتُ: لكن ظاهر حديث البراء بن عازب -الثابت في "صحيح مسلم": رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت قيامه فركعته، فاعتداله
(1)
"مختصر المزني" 1/ 77.
(2)
"الحاوي" 2/ 148.
(3)
"المجموع" 3/ 470.
بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبًا من السواء
(1)
- يعطي أنه لم يكن يُثب ساعة ما سلم بل كان يجلس بعد السلام جلسة قريبة من السجود وما قبله.
قَالَ الشافعي في "الأم": وللمأموم أن ينصرف إِذَا قضى الإمام السلام قبل قيام الإمام، وإن أخر ذَلِكَ حتَّى ينصرف بعد الإمام أو معه كان ذَلِكَ أحب إلى
(2)
.
وفي "الذخيرة": إِذَا فرغ من صلاته أجمعوا أنه لا يمكث في مكانه مستقبل القبلة، وجميع الصلوات في ذَلِكَ سواء، فإن لم يكن بعدها تطوع إن شاء انحرف عن يمينه أو يساره أو ذهب في حاجته، وإن شاء استقبل الناس بوجهه إِذَا لم يكن أمامه من يصلي، وإن كان بعد الصلاة سنن يقوم إليها -وبه نقول- ويكره تأخيرها عن أداء الفريضة فيتقدم أو يتأخر، أو ينحرف يمينًا أو شمالًا، أو يذهب إلى بيته فبه. وعن الحلواني من الحنفية جواز تأخير السنن بعد المكتوبة، والنص: إن التأخير مكروه
(3)
. ويدعو في الفجر والعصر؛ لأنه لا صلاة بعدهما، فجعل الدعاء بدل الصلاة، ويستحب أن يدعو بعد السلام
(4)
.
فرع: إِذَا أراد الإمام أن ينفتل في المحراب ويقبل عَلَى الناس للذكر والدعاء جاز أن ينفتل كيف شاء، وأما الأفضل فأن يجعل يمينه إليهم ويساره إلى المحراب. وقيل عكسه، وبه قَالَ أبو حنيفة
(5)
.
(1)
"صحيح مسلم"(470) كتاب: الصلاة، باب: اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها.
(2)
"الأم" 1/ 127.
(3)
"مراقي الفلاح" ص 170.
(4)
انظر: "المبسوط" 1/ 38، "بدائع الصنائع" 1/ 159.
(5)
وفي مذهب أبي حنيفة أقوال: الأول الانحراف إلى اليمين أولى. كما في =
وقال الإمام: إن لم يصح حديث تخير.
قُلْتُ: وصح بالأول، ففي مسلم من حديث البراء قَالَ: كنا إِذَا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه، فسمعته يقول:"رب قني عذابك يوم تبعث -أو تجمع- عبادك"
(1)
.
وفي "فوائد الرحلة" للشيخ تقي الدين بن الصلاح عن "المدخل" لزاهر السرخسي أن الإمام إِذَا سلم من الظهر أو المغرب أو العشاء قام؛ ليركع السنة إما عن يمينه أو عن شماله، وإن سلم من الصبح أو العصر أقبل بوجهه عَلَى الناس.
فصل:
وفي الحديث أيضًا وجوب غض البصر، ومكث الإمام في موضعه لعلة -وقد علمت ما فيه- ومكث القوم في أماكنهم.
= "الخانية"، الثاني: الانحراف عن اليمين أولى، كما في "شرح المنية"، الثالث: والتسوية بينهما هو ما صححه في "البدائع"، انظر:"بدائع الصنائع" 1/ 160، "رد المحتار"1/ 570.
(1)
مسلم (709) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب يمين الإمام.
153 - باب يُسَلِّمُ حِيَن يُسَلِّمُ الإِمَامُ
وَكَانَ ابن عُمَرَ يَسْتَحِبُّ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ أَنْ يُسَلمَ مَنْ خَلْفَهُ.
838 -
حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. [فتح 2/ 323].
ثمَّ ذكر فيه عن محمود بن الربيع عَنْ عِتْبَانَ، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ.
هذا الحديث تقدم مطولًا في باب: المساجد في البيوت
(1)
.
ثم ترجم عليه بعد ذَلِكَ:
(1)
سبق برقم (425) كتاب: الصلاة، باب: المساجد في البيوت
154 - باب مَنْ لَمْ يَرَدد السَّلَامِ عَلَى الإِمَامِ وَاكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الصَّلَاةِ
839 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَ فِي دَارِهِمْ.
840 -
قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَ:"أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ". فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ:"أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ ". فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ المَكَانِ الذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. [انظر: 424 - مسلم: 33 - فتح: 2/ 323]
وساقه مطولًا
(1)
وفي آخره: ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ.
قَالَ ابن التين وغيره: يريد البخاري أن من كان خلفه صلى الله عليه وسلم إنما سلم واحدة ينوي بها الخروج من الصلاة ولم يرد عَلَى الإمام، ولا عن يساره.
قَالَ الداودي: وليس هذا مما يسقط السلام عن المأموم. قَالَ: ويحتمل قوله: (وسلمنا حين سلم). أي: عَلَى الإمام، وسكت عنه لعلم السامع.
وقال بعضهم في قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} الآية [النساء: 86]: إنه السلام، وهو عَلَى عمومه، وقد أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يأتموا به في. أفعاله.
قَالَ: ومجه صلى الله عليه وسلم في وجه محمود بن الربيع في الحديث؛ لتناله بركته وبركة يلقه.
(1)
يعني حديث الباب السابق.
وقوله: (مجة مجها من دلو كان في دارهم) كذا في رواية أبي الحسن، وفي رواية أبي ذر: كانت.
و (الدلو) تذكّر وتؤنث، والتأنيث أكثر.
وقوله: (زعم أنه عقل) ليس عَلَى معنى التهمة.
قَالَ: (وكان ابن عمر لا يرد عَلَى الإمام). وقد أسلفنا في الباب قبله كلام عمار في ذَلِكَ. وقال النخعي: إن شاء رد أو لم يرد. ومالك يرى أنه يرد
(1)
، وبه قَالَ ابن عمر في أحد قوليه وجماعة من التابعين.
وبالرد قَالَ الشعبي وسالم وسعيد بن المسيب وعطاء.
وقال ابن بطال: أظن البخاري أراد بالباب الثاني رد قول من أوجب التسليمة الثانية، ولم يوجبها إلا أحمد والحسن بن صالح
(2)
، وفي صفة سلام المأموم في الرد روايتان: السلام عليكم، سلام عليكم. رواهما أشهب
(3)
، والمأموم يرد بالثانية عَلَى الإمام
(4)
ودليله حديث جابر: أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده عَلَى فخذه ثمَّ يسلم عَلَى أخيه من عن يمينه ويسلم من عن يساره، ثمَّ يرد هو عليه بعد ذَلِكَ"
(5)
، فإن سلموا هذا فيمن عن يساره قسنا عليه الإمام؛ لأنه يسلم عَلَى من معه في صلاته، فكان حكمه للرد كالمأمومين، وعندنا أن الإمام ينوي السلام من عن يمينه ويساره من ملائكة وإنس وجن، والسلام عَلَى المأمومين، وهم: الرد عليه
(6)
.
(1)
انظر: "التمهيد" 5/ 103.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 456.
(3)
انظر: "الذخيرة" 2/ 204.
(4)
انظر: "المعونة" 1/ 101.
(5)
رواه مسلم (431) كتاب: الصلاة، باب: الأمر بالسكون في الصلاة.
(6)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 268، "البيان" 2/ 246 - 247.
واختلف فيما حكاه القاضي أبو محمد: هل تجزئ بتسليمة الإمام عن كل من على يساره أو يفرد المأمومين بتسليمة ثالثة. واختلف عن مالك بأيهما يبدأ
(1)
، فروى ابن بطال الكلام في سلام الإمام والمأمومين كالكلام في إحرامهما
(2)
، وقد سلف في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به واضحًا، ولا شك أن المصلي لا يكون داخلًا في الصلاة إلا بتمام التكبير، ولا ينبغي للمأموم الدخول في صلاة لم يصح فيها دخول إمامه بعد، والسلام كذلك، ولا ينبغي أن يفعله المأموم إلا بعد إمامه لأنه تحليل، أو بعد تقدمه بلفظ بعض السلام. هذا حق الائتمام في اللغة أن يكون فعل المأموم تاليًا له، ألا ترى قول عتبان: فسلمنا حين سلم، وهو يقتضي أن سلامهم كان بعد تمام سلامه، وهو الذي كان يستحبه ابن عمر
(3)
.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 170، "الذخيرة" 2/ 202.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 455.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: آخر 2 من 4 من تجزئة المصنف.
155 - باب الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ
841 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ -مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ. [مسلم: 583 - فتح: 2/ 324]
842 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حدَّثنا عَمْرٍو قَال: أَخْبَرَنِي أَبُو مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ. [انظر: 841 - مسلم: 583 - فتح: 2/ 325]
843 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَا وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ قَالَ:"أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ". فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ:"تَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ لله، وَاللهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ". [6329 - مسلم: 595 - فتح: 2/ 325]
844 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: "لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ،
وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ". وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بِهَذَا، وَعَنِ الحَكَمِ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ وَرَّادٍ بِهَذَا. وَقَالَ الحَسَنُ: الجَدُّ غِنًى. [1477، 2408، 5975، 6330، 6473، 6615، 7292 - مسلم: 593 - فتح: 2/ 325]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث معبد عن ابن عباس أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ المَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ.
وفي لفظ: كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ. وقال سفيان عن عمرو قَالَ: كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس.
الشرح:
قوله: (وقال ابن عباس) هو من كلام أبي معبد عنه، كما بينه أحمد في "مسنده"، فإنه ذكره إلى قوله:(عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثمَّ قَالَ: وإنه يعني: أبا معبد. قَالَ: قَالَ ابن عباس. فذكره
(1)
.
وفي مسلم: عن ابن عيينة، عن عمرو قَالَ: أخبرني بها أبو معبد ثمَّ أنكره بعد عن ابن عباس، قَالَ: نعرف انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير. ثمَّ ساقه به.
قَالَ عمرو: فذكرت لأبي معبد فأنكره، وقال: لم أحدثك بهذا. قَالَ عمرو: فقد أخبرتنيه قبل ذَلِكَ
(2)
.
قَالَ الشافعي: كأنه نسيه بعد ما حدثه إياه
(3)
.
(1)
"مسند الإمام أحمد" 1/ 222.
(2)
مسلم (583) كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: الذكر بعد الصلاة.
(3)
"مسند الشافعي" 1/ 99.
قُلْتُ: ولا يقدح ذَلِكَ إِذَا كان الراوي عنه ثقة عند الجمهور خلافًا للكرخي.
و (أبو معبد) اسمه: نافذ -بالذال المعجمة- مات سنة أربع أو تسع ومائة
(1)
، والحديث دال عَلَى ما ترجم له.
ووجهه تقريره صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ من غير تكبر منه، وان نقل عن مالك وعبيدة أنه محدث، فالسلف عَلَى خلافه.
ووجه الجهر التعليم، ثمَّ ظاهره المداومة.
قَالَ الشافعي: وأختار للإمام والمأموم أن يذكر الله تعالى من الفراغ من الصلاة ويخفيان ذَلِكَ، إلا أن يقصدا التعليم فيعلما ثمَّ يسرا
(2)
، وفيه أنه لم يكن يسمع جهر الصوت بتبليغ السلام، والذكر أعم من التكبير وغيره، وإنما لم يحضر ابن عباس الجماعة لصغره.
وقول ابن عباس: (إن رفع الصوت بالذكر .. ) إلى آخره يدل أنه لم يكن يفعل ذَلِكَ الصحابة حين حدث ابن عباس به، إذ لو كان يفعل ذَلِكَ الوقت لم يكن، لقوله:(إن ذَلِكَ كان عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم). معنى، وهذا كما كان أبو هريرة يكبر في كل خفض ورفع، ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. فالتكبير إثر الصلاة، مثل هذا مما لم يواظب الشارع عليه طول حياته، وفَهِمَ أصحابه أن ذَلِكَ ليس بلازم فتركوه؛ خشية أن يظن أن من قصر علمه أنه مما لا تتم الصلاة إلا به، فلذلك كرهه من كرهه من الفقهاء؛ قاله ابن بطال
(3)
.
(1)
نافذ أبو معبد، حجازي، من أصدق موالي ابن عباس، انظر:"الطبقات" 5/ 294، "التاريخ الكبير" 8/ 132 (2455)، "الجرح والتعديل" 8/ 507 - 508 (2321)، "الثقات" لابن حبان 5/ 484.
(2)
"الأم" 1/ 110.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 458.
الحديث الثاني:
حديث سمي، عن أبي صالح عن أبي هريرة: جَاءَ فقراء المهاجرين إلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَا
…
الحديث بطوله.
وقد أخرجه مسلم أيضًا مطولًا، وفي رواية له أدرج قول أبي صالح: ثمَّ رجع فقراء المهاجرين إلى آخره، وفي آخره يقول سهيل: إحدى عشرة، إحدى عشرة، إحدى عشرة. فجميع ذَلِكَ كله ثلاث وثلاثون
(1)
. وللبخاري في كتاب الأدعية: "تسبحون في كل صلاة عشرًا وتحمدون عشرًا وتكبرون عشرًا" ثمَّ قَالَ: ورواه أبو صالح عن أبي الدرداء
(2)
.
قُلْتُ: أخرجه النسائي
(3)
، وفي الترمذي في الأول:"والله أكبر أربعًا وثلاثين، ولا إله إلا الله عشرًا" ثمَّ قَالَ: حسن غريب
(4)
.
وفي أفراد مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "سبح الله عند دبر
كل صلاة ثلًاثا وثلاثين، وحمد الله ثلًاثا وثلاثين وكبر الله ثلًاثا وثلاثين، فذلك تسعة وتسعون ثمَّ قَالَ تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه
(1)
"صحيح مسلم"(595) كتاب: المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته.
(2)
سيأتي برقم (6329) كتاب: الدعوات، باب: الدعاء بعد الصلاة.
(3)
"السنن الكبرى" 6/ 43 (9975) كتاب: عمل اليوم والليلة، باب: التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد دبر الصلوات.
(4)
الترمذي (410) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في التسبيح في أدبار الصلاة. وقال الألباني في "ضعيف الترمذي": ضعيف الإسناد، والتهليل منكر.
وإن كانت مثل زبد البحر"
(1)
. وفي أفراده من حديث كعب بن عجرة مرفوعًا: "معقبات لا يخيب قائلهن -أو فاعلهن- دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة"
(2)
.
قَالَ الدارقطني: ورواه منصور وشعبة عن الحكم موقوفًا، وهو الصواب، فلعل لأجل ذا لم يخرجه البخاري.
وفي "جامع الترمذي" -وقال: حسن صحيح- من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "خصلتان -أو خلتان- لا يحافظ عليهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير. ومن يعمل بهما قليل". قالوا: وما هما يا رسول الله؟ قَالَ: "أن يحمد الله ويسبحه ويكبره في كل صلاة عشرًا عشرًا"
(3)
.
وفي "صحيح ابن حبان"
(4)
من حديث ابن عمر أن رجلًا رأى فيما يرى النائم: أي شيء أمركم نبيكم؟ قَالَ: أمرنا أن نسبح ثلاثًا وثلاثين .. الحديث، فقال: سبحوا خمسًا وعشرين، واحمدوا خمسًا وعشرين، وكبروا خمسًا وعشرين، وهللوا خمسًا وعشرين، فتلك مائة؛ فلما أصبح ذكر ذَلِكَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"افعلوا كما قَالَ الأنصاري".
وأخرجه ابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح الإسناد
(5)
.
(1)
مسلم (597) كتاب: المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته.
(2)
مسلم (596) كتاب: المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته.
(3)
الترمذي (3410) كتاب: الدعوات، باب:(25)، وقال: حديث حسن صحيح، وقال الألباني في "صحيح الترمذي": صحيح.
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وهو في النسائي من طريقين عن ابن عمر وزيد بن ثابت ورجاله.
(5)
حديث ابن عمر رواه الطبراني في "الدعاء" 2/ 1134 - 1135 (730) وعزاه ابن حجر في "الإتحاف" 9/ 143 (10730) للسراج. فقط، وأما الحديث الذي أخرجه =
إذَا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
(الدثور): بضم الدال. الأموال الكثيرة، واحدها (دثر) بالإسكان، وحكي التحريك. قَالَ ابن سيده: لا يثنى ولا يجمع
(1)
، وخالفه أبو عمر المطرز، وقال الداودي: الدثور: الغنى، والدثور الاندراس، وهو من الأضداد.
والدرجات يجوز أن تكون حسية ومعنوية.
و (النعيم): ما يتنعم به. و (المقيم): الدائم. والسبقية يحتمل أن تكون في المعنى أو الزمن.
وقوله: "كل صلاة" تشمل الفرض والنفل، وإن وقع التقييد في حديث كعب بن عجرة بالمكتوبة.
وقوله: (فرجعت إليه) هو أبو صالح الراوي، عن أبي هريرة، وظاهر الحديث أولى من تأويله كما قاله القاضي
(2)
.
الثاني:
فيه تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر، وهو أصح المذاهب الخمسة فيه، وإن كان جمهور الصوفية عَلَى ترجيح الفقير الصابر؛
= ابن حبان وابن خزيمة والحاكم فهو من حديث زيد بن ثابت، رواه ابن حبان 5/ 360 - 361 (2017) كتاب: الصلاة، والحاكم 1/ 253 كتاب: الصلاة، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ، ورواه الترمذي (3413) كتاب: الدعوات، باب: ما جاء في التسبيح، والنسائي 3/ 76 كتاب: السهو، باب: نوع آخر من التسبيح، وابن حجر في "نتائج الأفكار" 2/ 277، وقال: هذا حديث صحيح.
(1)
"المحكم" 10/ 18.
(2)
انظر: "إكمال المعلم" 2/ 547.
لسبقه قبل الأغنياء بخمسمائة عام، وهم مسئولون
(1)
.
الثالث:
فيه فضل الذكر أدبار الصلوات، فإنه وقت فاضل، وفيه غير ذَلِكَ كما أوضحته في "شرح العمدة"
(2)
، فراجعه منه، وستكون لنا عودة إليه في كتاب الرقاق وغيره إن شاء الله تعالى.
(1)
انظر: "الإعلام" 4/ 54 - 60، "إحكام الأحكام" ص 336 - 337، قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله: قد كثر تنازع الناس: أيهما أفضل الفقير الصابر، أو الغني الشاكر؟ وأكثر كلامهم فيها مشوب بنوع من الهوى، أو بنوع من قلة المعرفة، والنزاع فيها بين الفقهاء والصوفية، والعامة والرؤساء وغيرهم. وقد ذكر القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى في كتاب "التمام لكتاب الروايتين والوجهين" لأبيه فيها عن أحمد روايتين:
أحدهما: أن الفقير الصابر أفضل. وذكر أنه اختار هذِه الرواية أبو إسحاق بن شاقلا، ووالده القاضي أبو يعلى، ونصرها هو.
الثانية: أن الغني الشاكر أفضل، اختاره جماعة منهم ابن قتيبة.
والقول الأول يميل إليه كثير من أهل المعرفة والفقه والصلاح. من الصوفية والفقراء. ويحكى هذا القول عن الجنيد وغيره والقول الثاني يرجحه طائفة منهم كأبي العباس بن عطاء وغيره.
وربما حكى بعض الناس في ذلك إجماعًا، وهو غلط.
وفي المسألة قول ثالث: وهو الصواب أنه ليس هذا أفضل من هذا مطلقًا ولا هذا أفضل من هذا مطلقًا بل أفضلهما أتقاهما. كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وقال عمر بن الخطاب: الغنى والفقر مطيتان لا أبالي أيتهما ركبت. وقد قال تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] وهذا القول اختيار طائفة منهم الشيخ ابن حفص السهروردي، وقد يكون هذا أفضل لقوم، وفي بعض الأحوال. وهذا أفضل لقوم وفي بعض الأحوال، فإن استويا في سبب الكرامة استويا في الدرجة، وإن فضل أحدهما الآخر في سببها ترجح عليه، هذا هو الحكم العام. "مجموع الفتاوى" 11/ 122 - 125.
(2)
"الإعلام" 4/ 54.
الحديث الثالث:
حديث سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن وراد، عن المغيرة بن شعبة أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ مَكْتُوبَةِ:"لَا إله إِلَّا اللهُ .. " الحديث.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بهذا، وَعَنِ الحَكَمِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ وَرَّادٍ بهذا. وَقَالَ: الجَدُّ غِنًى.
وذكره في الدعوات والرقاق والاعتصام وغيرها كما ستعلمه
(1)
.
وأخرجه مسلم: كان إِذَا فرغ من الصلاة وسلم قَالَ ذَلِكَ
(2)
، وفي أخرى للبخاري: كان يقولها في دبر كل صلاة
(3)
. ولم يقل: مكتوبة. وأدخله البخاري في كتاب القدر
(4)
، وكذا مالك لأجل:"لا مانع لما أعطيت .. ". إلى آخره
(5)
.
والقاسم هذا احتج به مسلم والأربعة، واستشهد به البخاري كما ترى.
والتعليقان أخرجهما السراج في "مسنده" بإسناد صحيح، قَالَ في الأول: حَدَّثنَا معاذ بن المثنى، حَدَّثَنِي أبي، ثنا أبي، عن عبد الملك
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (6330) كتاب: الدعوات، باب: الدعاء بعد الصلاة، و (6473) كتاب: الرقاق، باب: ما يكره من قيل وقال، و (6615) كتاب: القدر، باب: لا مانع لما أعطى، و (7292) كتاب: الاعتصام، باب: ما يكره من كثرة السؤال وتكلف مالا يعنيه.
(2)
مسلم (593) كتاب: المساجد، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته.
(3)
سيأتي برقم (6330).
(4)
سيأتي برقم (6615).
(5)
رواه مالك في "الموطأ" 2/ 900 - 901 رواية يحيى الليثي.
(6)
"مسند السراج"(ق 76/ 2)، وانظر:"حديث السراج" للشحامي 2/ 154.
وقال في الثاني: حَدَّثَنَا أبو المثنى، حَدَّثَنِي أبي، عن شعبة، حَدَّثَنِي الحكم بن عتيبة
(1)
.
و (سفيان) السالف هو: الثوري. كما قاله خلف والبيهقي، ولابن خزيمة: لا إله إلا الله. ثلاث مرات
(2)
.
وفي الباب حديث ابن الزبير في مسلم
(3)
، وغير ذَلِكَ مما محله "عمل اليوم والليلة" للنسائي
(4)
، وأبي نعيم
(5)
، وغيرهما
(6)
.
و (دُبُر): بضم الدال والباء، وتسكن.
و (الجد): بفتح الجيم عَلَى الأشهر: الغنئ والحظ، وحكي الكسر فيهما، أي: الاجتهاد في الدنيا.
و (منك): عَلَى بابها، بمعنى: البدل، ولا بمعنى: عندك، كما في "الصحاح"، المعنى: لا ينفع ذا المال ماله إن أنت أردته بسوء، وقد أوضحت الكلام عليه في "شرح العمدة"، فليراجع منه أيضًا
(7)
.
(1)
"مسند السراج"(ق 77/ 2)، وانظر:"حديث السراج" للشحامي 2/ 329.
(2)
ابن خزيمة 1/ 365 (742) كتاب: الصلاة، باب: التهليل والثناء على الله بعد السلام.
(3)
مسلم (139/ 594).
(4)
"عمل اليوم والليلة" للنسائي (128).
(5)
ورواه أبو نعيم في "المستخرج على مسلم" 2/ 192 (1318).
(6)
ورواه أيضًا أبو داود (1506)، وأحمد 4/ 5.
(7)
"الإعلام" 4/ 22 - 23.
156 - باب يَسْتَقْبِل الإِمَامُ النَّاسَ إِذَا سَلَّمَ
845 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. [1143، 1386، 2085، 2791، 3236، 3254، 4674، 6096، 7074 - مسلم: 2275 - فتح: 2/ 333]
846 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ ". قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ". [1038، 4147، 7503 - مسلم: 71 - فتح:2/ 333]
847 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، سَمِعَ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ:"إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ". [انظر: 572 - مسلم: 640 - فتح: 2/ 334]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
حديث جرير بن حازم عن أبي رَجَاءٍ عمران بن ملحان، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: كَانَ النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً أقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ.
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الجنائز، والبيوع، وبدء
الخلق، والجهاد، والأدب، وصلاة الليل
(1)
، وأخرجه مسلم أيضًا وفيه: إِذَا صلى الصبح
(2)
. ولأبي نعيم والإسماعيلي: الغداة.
و (جرير) هذا ثقة، ولما اختلط حجبه ولده. وقال ابن التين: هو ثقة، لنكه قيل: يغلط. والبخاري لا يدخل ما غلط فيه، وذكره البخاري أيضًا في باب: ما قيل في أولاد المشركين. وفي بعض النسخ: لما ذكر أولاد المشركين. قَالَ: (باب). ولم يترجم له، ثمَّ ساق بالسند المذكور الحديث، وفيه: فقال: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟ " وذكر رؤياه بطولها، ولم يذكر ما ترجم له وهو: أولاد المشركين. وكأنه أحال عَلَى أنه في الحديث الذي ذكره في كتاب التعبير عَلَى ما هو عادته
(3)
، وهو قال عَلَى استحباب إقبال الإمام بعد صلاته عَلَى أصحابه، وقد أسفلنا الخلاف في كيفيته.
قَالَ المهلب: وهو عوض من قيامه من مصلاه؛ لأن قيامه إنما هو ليعرف الناس بفراغ الصلاة
(4)
، وقد قَالَ مالك، في إمام مسجد القبائل والجماعات: لا بد أن يقوم من موضعه ولا يقوم في داره وسفره إلا أن يشاء
(5)
-قَالَ ابن خربوذ: من غير أن يستقبل القبلة- وفي بقاء الإمام في موضعه تخليط عَلَى الداخلين، وأن موضع الإمام موضع حظه وولائه،
(1)
سيأتي برقم (1386) كتاب: الجنائز، باب: ما قيل في أولاد المشركين، وبرقم (2085) كتاب: البيوع، باب: آكل الربا وشاهده وكاتبه، وبرقم (2791) كتاب: الجهاد والسير، باب: درجات المجاهدين في سبيل الله، وبرقم (3236) كتاب: بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم: آمين.
(2)
مسلم (2275) كتاب: الرؤيا، باب: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
سيأتي برقم (7047) كتاب: التعبير، باب: تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح.
(4)
كما في "شرح ابن بطال" 2/ 460.
(5)
انظر: "التفريع" 1/ 271، "الكافي" ص 47.
فإذا قضى صلاته زال منه، وفيه ضرب من الرياء فإنه يجب أن يعلم الناس أنه الإمام. ذكره ابن التين. وكان علي إِذَا صلى استقبل القوم بوجهه
(1)
، وكان النخعي إِذَا سلم انحرف واستقبل القوم
(2)
، وفي طريقه الآخر إباحة الكلام في العلم وغيره، وكان يسألهم عن الرؤيا لما كانوا عليه من الصلاح والصدق فيحصل به الاطلاع عَلَى المغيبات، وفيه: اهتمام بالرؤيا والتشوق إلى فوائدها، وأن تعبيرها إنما يكون عَلَى ذي ود.
ولنتكلم عَلَى ألفاظ وقعت في هذِه الرؤيا المطولة؛ لتخف علينا المؤنة عند الوصول إلى موضعها -إن شاء الله وقدره- ومسارعة إلى الخيرات.
فقوله: "من رأى منكم الليلة رؤيا؟ " كذا هنا، وفي مسلم "البارحة" بدل "الليلة"
(3)
والمراد به: الليلة الذاهبة، اسم فاعل من برح الشيء إِذَا ذهب، ومنه قولهم: برح الخفاء، أي: ذهب، وإذا دخل حرف النفي عَلَى (برح) صار من أخوات (كان) التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، وصوب ابن الجوزي ما في البخاري، وذاك من تغيير الرواة للرواية بالمعنى، وغلط من سوى بينهما.
قَالَ أبو منصور اللغوي: من الغلط أن تقول فيما بين صلاة الفجر إلى الظهر: فعلت البارحة كذا، والصواب أن تقول: فعلت الليلة كذا، إلى الظهر، وتقول بعد ذَلِكَ: فعلت البارحة إلى آخر اليوم.
قُلْتُ: لعله من باب المجاز، والحقيقة ما ذكر.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 269 (3094).
(2)
رواه عنه ابن أبي شيبة 1/ 269 (3092).
(3)
"صحيح مسلم"(2275).
واستدل به بعضهم عَلَى أن ما بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من الليل، ولا يصح لأنه إنما أشار إلى الليلة الماضية لا إلى الساعة الحاضرة، بدليل رواية:"البارحة" ومعناها: الماضية باتفاق، ولما كانت قرينة الانصرام أشار إليها، واكتفي بذكر الليلة عن صفتها للعلم بها، ولما كانت البارحة صفة معلومة لليلة استعملها غير متابعة استعمال الأسماء، وكان الأصل الجمع بين التابع والمتبوع، فيقال: الليلة، والبارحة. لكن جاز ذَلِكَ لما ذكرنا.
قَالَ ابن العربي: وكان صلى الله عليه وسلم يسأل عن الرؤيا استشرافًا للبشرى، واستطلاعًا لما يكون، وحرصًا عَلَى الخير، فلما ذكر له ابن زئل
(1)
تلك الرؤيا وعلم ما فيها من الشدائد ترك السؤال حتى يأتي الله مما شاء من أمره، وهو حديث مظلم السند، فيه: قَالَ: رأيت كأنك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات وأنت في أعلاها درجة، وعن يمينك رجل آدم طوال، إِذَا تكلم يكاد يفزع الرجال، وعن يسارك رجل ربعة أحمر، كثير خيلان الوجه، إِذَا تكلم أصغيتم له، وأمام ذَلِكَ شيخ تقتدون به، وإذا أمام ذَلِكَ ناقة عجفاء، وإذا أنت كأنك تبعتها. فانتقع لون رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثمَّ سري عنه وقال: "أما المنبر فالدنيا سبعة آلاف سنة وأنا في آخرها ألفًا، وأما الرجل الطويل فموسى، والربعة عيسى، والشيخ إبراهيم، وأما الناقة العجفاء فهي
(1)
كذا بالأصل، وورد بهامش: إنما هو زمل، وهو خزاغي، قص على النبي صلى الله عليه وسلم. رؤيا. ولا يصح ذلك، وذكره السهيلي، وقد ذكره المؤلف على الصواب في باب من أدرك ركعة قبل الغروب، فاعلمه.
[قلت: وقد علق سبط هناك، وأضاف نقلًا عن "تجريد الذهبي" وأحال إلى هنا].
الساعة، علينا تقوم، لا نبي بعدي، ولا أمة بعد أمتي"
(1)
.
قَالَ ابن العربي: فما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا عن رؤيا إلا أن يجيء الرجل متبرعًا فيحدثه
(2)
.
وذكر أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الحذاء في كتابه "البشرى في تأويل الرؤيا"، في قولهْ "هل رأى منكم أحد الليلة رؤيا" دليل عَلَى أن تأويلها والإخبار بها في صبيحة الليلة التي رؤيت فيها أولى؛ لقرب ذَلِكَ من رؤيتها، وإذا بعدت دخل ذَلِكَ النسيان والسهو وتأويل الرجل المضطجع يدل عَلَى غفلة في الدين، ولا غفلة أكثر من تضييع القرآن والصلاة.
والذي يشق شدقه، فلأن الشدق موضع الكلام، فوقعت العقوبة فيه كما وقعت في رأس النائم الغافل، إذ الرأس موضع النوم والغفلة، وأما الزناة وعريهم فلأن اللباس ستر الله الذي كان يسترهم به، فلما كشفوه كشفه الله تعالى وفضحهم.
والنهر من الدم، وفيه آكل الربا، فلا شك أن آكل الربا يؤذن بحرب من الله ورسوله، ومن حاباه قتل، ومن قتل سأل دمه، فكأنه غرق فيه؛ لكثرته.
(1)
رواه ابن حبان في "المجروحين" 1/ 325 - 327، والطبراني في "الكبير" 8/ 303 (8146)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 2/ 213 - 214 (1171) وقال: هذا حديث لا يصح؛ قال ابن حبان: سليمان بن عطاء يروى عن مسلمة أشياء موضوعة لا أدري التخليط منه أو من مسلمة. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 183 - 184. وقال: رواه الطبراني، وفيه: سليمان بن عطاء القرشي، وهو ضعيف. وانظر "الضعيفة"(3611).
(2)
"عارضة الأحوذي" 9/ 166 - 167.
وقوله: أرض مقدسة. جاء في الإسماعيلي: مستوية.
وقوله: "يدخل ذَلِكَ الكلوب في شدقه" وفي رواية أخرى له: "فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه فيشق".
وفي أخرى: "ثمَّ تحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به كذلك"
(1)
. وقد فسره في الحديث.
وقول البخاري: (وقال بعض أصحابنا عن موسى بن إسماعيل) هذا
ذكره أبو نعيم فقال: حَدَّثَنَا الطبراني، ثنا العباس بن الفضل، ثنا موسى ابن أبي إسماعيل فذكره.
وقوله: "ثمَّ يفعل الآخر بشدقه". كذا وقع هنا، وفي رواية:"ثمَّ يفعل بشدقه الآخر". وصحح.
وقوله: "فيشدج" أي: يكسر. وفي رواية: "فيثلغ"
(2)
أي: يشق ويفضخ.
وقوله: "يتدهده" وفي أخرى: "فيتدهدى" أي: يتدحرج، تقول: دهدهت الحجر ودهديتُه.
والنقب: قَالَ صاحب "المطالع": رواه بعضهم بمثلثة، وللأصيلي بنون وقاف مفتوحة، وهو الطريق.
وقوله: "فإذا أقترت ارتفعوا" قَالَ ابن التين: كذا وقع في رواية أبي الحسن: قترت، وعند أبي ذر: أقترت، وصوابه قترت بالقاف ومعناه: ارتفعت، أي: لهبت وارتفع فوارها، لأن القتر: الغبار. قَالَ أبو نصر: قتر اللحم يقتر بالكسر إِذَا ارتفع قتاره، وقتر بالكسر لغة فيه، قَالَ: وأما
(1)
سيأتي برقم (7047) بالروايتين.
(2)
هو أيضًا في حديث (7047).
فترت بالفاء فلا أعلم له وجهًا، لكن بعده إِذَا خمدت، وهو بمعنى: فترت، وأما أقترت فمثل قترت، وفي "المطالع": قترت. للقابسي وابن السكن وعبدوس، وعند أبي ذر والأصيلي: أقترت. وعند النسفي: "فإذا وقدت ارتفعوا" وهو الصحيح بدليل قولة بعد: "فإذا خمدت رجعوا".
الحديث الثاني:
حديث زيد بن خالد الجهني أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْح بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ .. الحديث. وفي آخره "وَأمَّا مَنْ قَالَ مطرنا بِنَوْءِ كذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ".
الشرح:
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في الاستسقاء، والمغازي، والتوحيد
(1)
، وأخرجه مسلم في الإيمان
(2)
.
ثانيها:
المختار تخفيف ياء الحديبية، ولحن من شدَّدها، وهو لغة أهل العراق. قَالَ ابن سيده: قيل: إن حكي التخفيف عن بعضهم، فالحديبية
(1)
سيأتي برقم (1038) كتاب: الاستسقاء، باب: قول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} و (4147) كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، و (7503) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللهِ} .
(2)
"صحيح مسلم"(71) كتاب: الإيمان، باب: بيان كفر مَن قال: مطرنا بالنوء.
وورد بهامش الأصل ما نصه: وأبو داود في الطب والنسائي في الصلاة.
موضع، وقيل: بئر سمي المكان بها
(1)
. وهي من الحل، خلافًا لمالك.
والسماء هنا المطر؛ لأنه يأتي منها، وكل عال فهو سماء.
والإثر مثلث الهمزة، وفيه أن السماء مؤنثة، ولعل ذَلِكَ عَلَى لفظها، لا على معناها؛ لأن السماء تذكر وتؤنث إِذَا لم يرد بها المطر.
وقوله: (فلما انصرف أقبل عَلَى الناس) هو موضع الترجمة، وقال القرطبي: أي انصرف من صلاته وفرغ منها، وظاهره أنه لم يكن يثبت في مكان صلاته بعد سلامه بل كان ينتقل عنه، ويتغير عن حالته، وهذا يستحبه مالك للإمام في المسجد
(2)
. وقد سلف.
قوله: ("هل تدرون؟ ") لفظة استفهام ومعناها: التنبيه. يعني: اعلموا ما قَالَ ربكم. والظاهر أن المراد هنا بالكفر الحقيقي؛ لأنه قابله بالإيمان الحقيقي، فمن اعتقد أن المطر من فعل الكواكب فهو كافر كما ستعلمه، ومن اعتقد أن الله خلقه واخترعه فهو مخطئ لا كافر، ووجهه أنه خالف الشرع، فإنه حذر من الإطلاق؛ ولأنه تشبه بأهل الكفر في قولهم؛ لأنا أُمرنا بمخالفتهم، ونهينا عن التشبه بهم، وذلك يقتضي الأمر بمخالفتهم في الأقوال والأفعال، فلو قَالَ غير هذا اللفظ الممنوع يريد به الإخبار عما أجرى الله به سببه جاز.
وفي "موطأ مالك": إِذَا نشأتْ بَحْرَّية ثمَّ تشامت فتلك عين غديقة
(3)
.
(1)
"المحكم" 3/ 197.
(2)
"المفهم" 1/ 258.
(3)
"الموطأ" ص 136، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 377: هذا حديث لا أعرفه كوجه من الوجوه في غير "الموطأ" إلا ما ذكره الشافعي في كتاب الاستسقاء عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نشأت بحرية ثم استحالت شآمية فهو أمطر لها". وابن أبي يحيى مطعون عليه متروك وإن كان فيه نبل ويقظة، اتهم بالقدر والرفض، وبلاغ مالك خير من حديثه.
والنوء: الكوكب. وجمعه أنواء، وهي ثمانية وعشرون نجمًا معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها، يسقط منها في كل ثلاثة عشر نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر مقابله في المشرق في ساعته، وسمي نوءًا؛ لأنه إِذَا سقط الساقط ناء الطالع، وذلك النهوض هو النوء، فسمي النجم نوءًا لذلك، وانقضاء هذِه الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة، وكانت الجاهلية إِذَا سقط منها نجم وطلع آخر يقولون: لا بد أن يكون عند ذَلِكَ مطر ورياح، فيقولون: مطرنا بنوء كذا.
وقال ابن الأعرابي: الساقطة منها في الغرب هي الأنواء، والطالعة منها في الشرق هي البوارح. قَالَ صاحب "المطالع": فمنهم من يجعله الطالع؛ لأنه ناء، ومنهم من ينسبه للغارب، قَالَ: وقد أجاز العلماء أن يقال: مطرنا في نوء كذا، ولا يقال: بنوء كذا. ويحكى عن أبي هريرة أنه كان يقول: مطرنا بنوء الله. وفي رواية: مطرنا بنوء الفتح، ثمَّ يتلو:{مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}
(1)
[فاطر: 2] وفي "المحكم" بعضهم يجعل النوء السقوط. كأنه من الأضداد
(2)
.
وفي "الأنواء الكبير" لأبي حنيفة: الذي عندي في الحديث أن المطر كان من أجل أن الكوكب ماء، وأنه هو الذي هاجه، ثمَّ أنشد عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: وأما من زعم أن الغيث حصل عند سقوط الثريا فهذا وما أشبهه إنما هو إعلام للأوقات والفصول، وليس من وقت ولا زمن إلا وهو معروف بنوع من مرافق العباد يكون فيه دون غيره، وقد قَالَ عمر
(1)
رواه الإمام مالك في "الموطأ" ص 136 وابن أبي حاتم في "تفسيره" 10/ 3171 (17926)، وذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 16/ 286، والحافظ ابن كثير في "تفسيره" 11/ 305 - 306 وعزاه للإمام مالك.
(2)
"المحكم" 12/ 190.
للعباس وهو يستسقي الناس: يا عم رسول الله، كم بقي علينا من نوء الثريا
(1)
؟ فإن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعًا.
وقال ابن عباس لامرأة: خطأ الله نوءها
(2)
. يريد أخطأها الغيث. فلو لم يدلك عَلَى افتراق المذهبين في ذكر الأنواء إلا هذان الخبران لكفى بهما دليلًا. هذا وابن عباس يقول في قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} [الواقعة: 82] وكان علي يقرؤها: (وتجعلون شكركم)
(3)
.
وقد اختلف العلماء في كفر من قَالَ: مطرنا بنوء كذا. عَلَى قولين حكاهما النووي:
أحدهما: نعم، إِذَا اعتقد أنه فاعل مدبر منشئ المطر كما كان بعض الجاهلية يزعم، ومن اعتقد هذا فلا شك في كفره، وهذا القول هو الذي ذهب إليه الجمهور منهم الشافعي
(4)
، وهو ظاهر الحديث، قالوا: وعلى هذا القول لو قَالَ: مطرنا بنوء كذا، معتقدًا أنه من الله وبرحمته، وأن النوء صفات له وعلامة اعتبارًا بالعادة، فكأنه قَالَ: مطرنا في وقت كذا، فهذا لا يكفر، واختلف في كراهته، والأظهر نعم تنزيهًا؛ لترددها بين الكفر وغيره، ويساء الظن بصاحبها؛ لأنها شعار الجاهلية كما سلف.
والقول الثاني: في أجل تأويل الحديث أن المراد: كفر نعمة الله
(1)
رواه البيهقي 3/ 358 - 359 كتاب: الاستسقاء، باب: كراهية الاستمطار بالأنواء، وابن عبد البر في "التمهيد" 24/ 380 - 381.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 4/ 90 (18082، 18083، 18085) كتاب: الطلاق، باب: ما قالوا فيه إذا جعل أمر امرأته بيدها، فتقول: أنت طالق ثلاثًا، والبيهقي 7/ 349 - 350 كتاب: الخلع والطلاق، باب: المرأة تقول في التمليك: طلقتك وهي تريد الطلاق.
(3)
انظر: "تفسير الطبري" 11/ 662، و"زاد المسير" 8/ 154.
(4)
"الأم" 1/ 223.
تعالى؛ لاقتصاره عَلَى إضافة الغيث إلى الكوكب، وهذا فيمن لا يعتقد تدبيره
(1)
.
الحديث الثالث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن منير، سَمِعَ يَزِيدَ، أنبأ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ:"إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا"
…
الحديث.
سلف الكلام عليه في باب: وقت العشاء إلى نصف الليل
(2)
. ويزيد هذا هو ابن هارون، وقد جاء مصرحًا به في بعض الروايات: يعني: ابن هارون. وصرح به أيضًا أبو نعيم، ورواه عن حميدٍ يزيدُ بن زريع كما سيأتي بعد وزائدة
(3)
، كما سلف.
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 2/ 60 - 61.
(2)
راجع حديث (572).
(3)
سيأتي برقم (5869).
157 - باب مُكثِ الإِمَامِ فِي مُصَلَّاهُ بَعْدَ السَّلَامِ
848 -
وَقَالَ لَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الذِي صَلَّى فِيهِ الفَرِيضَةَ، وَفَعَلَهُ القَاسِمُ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ:"لَا يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِي مَكَانِهِ". وَلَمْ يَصِحَّ. [فتح: 2/ 334]
849 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَنُرَى -واللهُ أَعْلَمُ- لِكَيْ يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنَ النِّسَاءِ. [انظر: 837 - فتح: 2/ 344]
850 -
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الحَارِثِ الفِرَاسِيَّةُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ مِنْ صَوَاحِبَاتِهَا- قَالَتْ: كَانَ يُسَلِّمُ، فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ، فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ الفِرَاسِيَّةُ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الفِرَاسِيَّةُ. وَقَالَ الزُّبَيْدِىُّ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ الحَارِثِ القُرَشِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ مَعْبَدِ بْنِ المِقْدَادِ -وَهْوَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ- وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ القُرَشِيَّةُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ الفِرَاسِيَّةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَدَّثَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 837 - فتح: 2/ 334]
وقال لنا اَدَمُ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ: كَانَ ابن عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الذِي صَلَّى فِيهِ الفَرِيضَةَ، وَفَعَلَهُ القَاسِمُ. وُيذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ:"لَا يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِي مَكَانِهِ".
وَلَمْ يَصِحَّ.
الشرح:
قوله: (وقال لنا آدم) هو من باب المذاكرة، وقد أسنده ابن أبي شيبة، عن ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يصلي سبحته مكانه
(1)
. وأثر القاسم أخرجه ابن أبي شيبة، عن معتمر، عن عبيد الله بن عمر قَالَ: رأيت القاسم وسالمًا يصليان الفريضة ثمَّ يتطوعان في مكانهما قَالَ: وأنبأني نافع أن ابن عمر كان لا يرى به بأسًا
(2)
.
وحديث أبي هريرة رواه أبو داود وابن ماجه من حديث حماد وعبد الوارث، عن ليث، عن حجاج بن عبيد، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن أبي هريرة قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيعجز أحدكم أن يتَقَدَّمَ أو يَتَأَخَّرَ، أو عن يمينِه أو عن شِماله في الصلاة"
(3)
يعني: في السُّبْحَةِ، سكت عليه أبو داود، وفيه مجهول كما قَالَه أبو حاتم
(4)
،
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 23 (6015) كتاب: الصلوات، باب: مَن رخص أن يتطوع في مكانه.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 23 (6016) السابق.
(3)
"سنن أبي داود"(1006) كتاب: الصلاة، باب: في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلَّى فيه المكتوبة، و"سنن ابن ماجه" (1427) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في صلاة النافلة حيث تصلى المكتوبة.
(4)
"الجرح والتعديل" 2/ 83 (195).
ورد في هامش الأصل: مقتضى كلام الذهبي في "الكاشف" أنه ليس بمجهول، فإنه روى عنه عمرو بن غفار وحجاج بن عبيد الله، وقد علمت من اصطلاح أهل هذا الشأن أن الشخص إذا روى عنه اثنان يخرج عن جهالة العين، وقد عنيت كلامه في "الكاشف" فنقل تجهيله عن أبي حاتم وقال في "المغني" في إسماعيل بن إبراهيم: لا يعرف. وفي إبراهيم بن إسماعيل: مجهول. وقال أيضًا في "الميزان": إبراهيم بن إسماعيل حجازي عن أبي هريرة لا يدرى من ذا ويقال: إسماعيل بن إبراهيم في الصلاة. قال البخاري: لم يصح إسناد حديثه وذكر كلاما آخر.
وهو إبراهيم بن إسماعيل. قَالَ البخاري
(1)
: وإسماعيل بن إبراهيم أصح.
وليث بن أبي سليم، وأخرجه البيهقي من طرقٍ إليه
(2)
.
ونقل عن البخاري أنه قَالَ: الليث يضطرب فيه، وطرقه الدارقطني في "علله"، ثمَّ قَالَ: ولا يصح، والاضطراب من ليث بن أبي سليم
(3)
.
ونقل المزي في "تهذيبه" عن البخاري أن الحديث لم يثبت ولم يصح إسناده
(4)
.
ثمَّ ساق البخاري حديث الزهري عن هند بنت
(5)
الحارث عن أم سلمة.
أنه عليه السلام -كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا
…
الحديث.
وقد سلف في باب التسليم
(6)
.
ثم قَالَ: وَقَالَ ابن أَبِي مَرْيَمَ: أنبا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبيعَةَ، أَنَّ ابن شِهَاب كَتَبَ إِلَيْهِ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الحَارِثِ الفِرَاسِيَّةُ، عَنْ أُمَّ سَلَمَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم، وَكَانَتْ مِنْ صواحبها- وَقَالَ ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ: أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ الفِرَاسِيَّةُ. وهذا أسنده النسائي، عن محمد بن مسلمة، عن ابن وهب
(7)
.
(1)
"التاريخ الكبير" 1/ 340 - 341 (1073).
(2)
"السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 190 كتاب: الصلاة، باب: الإمام يتحول عن مكانه إذا أراد أن يتطوع في المسجد.
(3)
"علل الدارقطني" 9/ 74 (1651).
(4)
"تهذيب الكمال" 2/ 52 وقال النووي في "المجموع" 3/ 473: إسناده ضعيف، وقال في "الخلاصة" 1/ 474: اتفقوا على ضعفه.
(5)
في الأصل: ابن.
(6)
سلف برقم (837) كتاب: الأذان، باب: التسليم.
(7)
النسائي 3/ 67.
ثم قال: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: أنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَتْنِي هِنْدُ القرشية.
هذا رواه بعد، عن عبد الله بن محمد، عن عثمان به، ثمَّ علقه بعد من طريقين وفيه: القرشية. وفي إحداهما: وكانت تحت معبد بن المقداد وهو حليف بني زهرة، وكانت تدخل على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي ثالث: الفراسية. وفي رابع: عن امرأة من قريش حدثته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحاصل ما ذكره أن جعفر بن ربيعة وابن أبي عتيق ويونس في حديث ابن وهب يقولون: الفراسية. وأن عثمان بن عمر، عن يونس والزبيدي وشعيب والليث، عن يحيى بن سعيد: القرشية. وقال يحيى: عن امرأة من قريش حدثته.
قَالَ الداودي: وليس هذا الاختلاف بمانع من أن تكون فراسية من
بني فراس ثمَّ من بني فارس ثمَّ من قريش، فنسبت مرة إلى أب من آبائها ومرة إلى أب آخر ومرة إلى غيره من آبائها، كما يقال في جابر بن عبد الله: السلمي والأنصاري، وسعد بن ساعدة: الساعدي والأنصاري.
واعترض ابن التين على قول الداودي: ثمَّ من بني فارس. وقال: ما علمت له وجهًا؛ لأن فارس أعجمي، وفراس وقريش عرب، وليس في البخاري ذكر فارس.
وذكر عن الشيخ أبي عمران أنه قَالَ جعلها قرشية لما حالف زوجها فيهم؛ لما سلف في رواية الزبيدي.
أما فقه الباب وهو مكث الإمام في مصلاه بعد السلام، فأكثر العلماء -كما نقله عنهم ابن بطال- عَلَى كراهته، إِذَا كان إمامًا راتبًا إلا أن يكون مكثه لعلة كما فعله الشارع. قَالَ: وهو قول الشافعي
وأحمد
(1)
(2)
. وقد أسلفنا قول مالك فيه في الباب قبله. وقال أبو حنيفة: كل صلاة يتنفل بعدها يقوم بعد، وما لا يتنفل بعدها كالعصر والصبح، فهو غير
(3)
، وهو قول أبي مجلز
(4)
.
وقال القاضي في "شرح الرسالة": من أصحابنا من يحمل قول مالك عَلَى صلاة لا نافلة بعدها، أما إِذَا كان يتنفل بعدها فلا بأس أن يجلس في موضعه، وظاهر قول مالك الأفضل فإن كان ذَلِكَ مجلسه فذلك واسع؛ لأنه إنما يستحب لَهُ ذَلِكَ إِذَا كان قصده لأجل الصلاة.
وقال أبو محمد: ينتقل في الصلوات كلها؛ ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه من سجوده سهو ولا غيره، كذا نقله عن أبي محمد ابن بطال
(5)
.
وحكاه شيخنا قطب الدين في "شرحه" عن محمد بن الحسن وتوبع
(6)
، ورأيته في "شرح ابن التين" أيضًا.
وذكر ابن أبي شيبة، عن ابن مسعود وعائشة قالا: كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا سلم لم يقعد إلا بقدر ما يقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" وقال ابن مسعود أيضًا: كان صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته انفتل سريعًا، إما أن يقوم، وإما أن ينحرف
(7)
.
وقال ابن جبير: شرق أو غريب ولا تستقبل القبلة. وقال قتادة: كان
(1)
"الأم" 1/ 110، "المغني" 3/ 255.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 461.
(3)
انظر: "الأصل" 1/ 17، "بدائع الصنائع" 1/ 160.
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 268 حديث رقم (3088).
(5)
"شرح ابن بطال" 2/ 462.
(6)
غير واضحة بالأصل ولعل ما أثبتناه الصواب.
(7)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 268 (3085، 3086).
الصديق إِذَا سلم كأنه عَلَى الرضف حتَّى ينهض
(1)
. وقال ابن عمر: الإمام إِذَا سلم قام
(2)
. وقال مجاهد: قَالَ عمر: جلوس الإمام بعد السلام بدعة
(3)
. وذهب جماعة الفقهاء إلى أن الإمام إِذَا سلم قَالَ: من صلى خلفه من المأمومين يجوز لهم القيام قبل قيامه إلا رواية عن الحسن والزهري. وذكرها عبد الرزاق قَالَ: لا تنصرفوا حتَّى يقوم الإمام
(4)
.
قَالَ الزهري: "إنما جعل الإمام ليؤتم به"
(5)
. وجماعة الناس عَلَى خلافهما، وروى معمر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قَالَ: إِذَا فرغ الإمام ولم يقم ولم ينحرف، وكانت لك حاجة، فاذهب ودعه، فقد تمت صلاتك
(6)
.
وروى ابن شاهين في "المنسوخ" من حديث سفيان، عن سماك، عن جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا صلى الغداة لم يبرح من مجلسه حتَّى تطلع الشمس حسنًا
(7)
. وفي حديث ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس:
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 263 (3017) كتاب: الصلوات، باب: قدركم يقعد في الركعتين الأوليين.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 268 (3081) كتاب: الصوات، باب: مَن كان يستحب إذا سلم أن يقوم أو ينحرف.
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 268 (3083) كتاب: الصلوات، باب: مَن كان يستحب إذا سلم أن يقوم أو ينحرف.
(4)
"مصنف عبد الرزاق" 2/ 444 (3223).
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 116 (7133) كتاب: الصلوات، باب: في الإمام يصلي جالسًا.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 272 (3136) كتاب: الصلوات، باب: مَن رخص أن يقضي قبل أن ينحرف، ولكن من طريق أبي خالد الأحمر عن حجاج عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله.
(7)
"ناسخ الحديث ومنسوخه" لابن شاهين 1/ 216 (226).
صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ساعة يسلم يقوم، ثمَّ صليت مع أبي بكر فكان إِذَا سلم وثب من مكانه كأنه يقوم عَلَى رضفه
(1)
. ثمَّ حمل ابن شاهين الأول عَلَى صلاة لا يعقبها نافلة، والثاني عَلَى مقابله. ثمَّ اعلم أن الجمهور عَلَى أن الإمام لا يتطوع في مكانه الذي صلى فيه الفريضة.
وذكر ابن أبي شيبة عن علي: لا يتطوع الإمام حتَّى يتحول من مكانه أو يفصل بينهما بكلام، وكرهه ابن عمر للإمام ولم ير به بأسًا لغيره. وعن عبد الله بن عمرو مثله
(2)
.
وروى موسى عن القاسم: إن الإمام إِذَا سلم فواسع أن ينتقل من مكانه
(3)
. قَالَ ابن بطال: وهذا لم أجده لغيره من العلماء
(4)
.
قُلْتُ: لكنه قول أشهب فيما حكاه ابن التين ودل عَلَى الفصل من السنة الصحيحة حديث مسلم أن معاوية رأى السائب ابن أخت نمر صلى معه الجمعة في المقصورة قَالَ: فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فأرسل إلي: لا تعد، إِذَا صليت الجمعة فلا تَصِلْهَا بصلاة حتَّى تتكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك
(5)
. وفي "سنن أبي داود" من حديث عطاء الخراساني عن المغيرة، مرفوعًا
(1)
رواه ابن عدي في "الكامل" 5/ 332 - 333. ترجمة: عبد الله بن فروخ، وابن شاهين في "ناسخ الحديث ومنسوخه" 1/ 217 (227)، وابن بشكوال في "غوامض الأسماء المبهمة" 2/ 761.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 24 (6020) كتاب: الصلوات، باب: من كره للإمام أن يتطوع في مكانه.
(3)
"النوادر والزيادات" 1/ 292.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 461.
(5)
"صحيح مسلم"(883) كتاب: الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة.
"لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتَّى يتحول" ثم قَالَ: عطاء لم يدرك المغيرة
(1)
.
وفي البيهقي من حديث علي: قَالَ: من السنة إِذَا سلم الإمام أن لا يقوم من موضعه الذي صلى فيه حتَّى ينحرف أو يفصل بكلام
(2)
.
ولفظ ابن أبي شيبة: لا يتطوع الإمام حتَّى يتحولَ من مكانه أو يفصل بينهما بكلام
(3)
.
وفي حديث أم سلمة من الفقه أن خروج النساء ينبغي أن يكون قبل خروج الرجال.
(1)
"سنن أبي داود"(616) كتاب: الصلاة، باب: الإمام يتطوع في مكانه، والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود" 3/ 177 (629).
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 191 كتاب: الصلاة، باب: الإمام يتحول عن مكانه إذا أراد أن يتطوع في المسجد.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 24 (6020) كتاب: الصلوات، باب: من كره للإمام أن يتطوع في مكانه.
158 - باب مَنْ صلَّى بِالنَّاسِ فَذَكرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُمْ
851 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ:"ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ"[انظر: 1221، 1420، 6275، فتح 2/ 336]
ذكر فيه حديث عمر بن سعيد، عن ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزعَ النَّاسُ .. الحديث.
الشرح:
هذا الحديث ذكره البخاري هنا وفي أواخر الصلاة في باب: يفكر الرجل الشيء في الصلاة. ولفظه: "ذكرت وأنا في الصلاة تبرًا عندنا فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا"
(1)
والزكاة في باب: من أحب تعجيل الصدقة في يومها
(2)
، وفي الاستئذان في موضعين
(3)
.
وعقبة هذا هو: ابن الحارث أبو سروعة، بكسر السين وفتحها ويقال: بالفتح وضم الراء، أسلم يوم الفتح، وأهل النسب: الزبير وعمه مصعب وغيرهما يقولون: إن أبا سروعة هو أخو عقبة بن الحارث، وإنهما أسلما جميعًا يوم الفتح، وعقبة هو الذي قتل
(1)
سيأتي برقم (1221) كتاب: العمل في الصلاة، باب: يفكر الرجل الشيء في الصلاة.
(2)
سيأتي برقم (1430) كتاب: الزكاة، باب: مَن أحب تعجيل الصدقة في يومها.
(3)
سيأتي برقم (6275) كتاب: الاستئذان، باب: في أسرع في مشيه لحاجة أو قصد.
خبيبًا
(1)
وصلبه
(2)
. كذا في البخاري كما ستعلمه
(3)
، وكذا ذكر مسلم أن أبا سروعة اسمه عقبة بن الحارث.
وقال أبو حاتم: أبو سروعة قاتل خبيب، له صحبة، اسمه: عقبة بن الحارث وليس هو عندي بعقبة بن الحارث الذي روى عنه ابن أبي مليكة.
كذا قَالَ في "الكنى". وقال في موضع آخر: عقبة بن الحارث بن عامر أبو سروعة له صحبة، روى عنه ابن أبي مليكة، أخرج له البخاري ثلاثة أحاديث، وأخرج لَهُ أبو داود والترمذي والنسائي
(4)
.
وعمر بن سعيد
(5)
الراوي عنه هو ابن أبي حسين النوفلي، ثقة، روى لَهُ الجماعة إلا أبا داود، ففي "مراسيله"
(6)
.
وشيخ البخاري: محمد بن عبيد بن ميمون هو العلاف التبان المديني القرشي، روى عنه ابن ماجه أيضًا. قَالَ أبو حاتم: شيخ. وقال ابن حبان: ربما أخطأ
(7)
.
(1)
في الأصل: خبيب.
(2)
حكى ذلك مصعب الزبيري في "نسب قريش" ص 204 - 205.
(3)
سيأتي هذا الحديث برقم (3045).
(4)
انظر ترجمة عقبة بن الحارث في: "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 273 (798)، "معرفة الصحابة" 4/ 2154 (2242)، "الاستيعاب" 3/ 182 (1841)، "أسد الغابة" 4/ 50 (3698)، "الإصابة" 2/ 488 (5592).
(5)
عمر بن سعيد هذا: قال عنه أحمد بن حنبل: مكي، قرشي، ثقة، من أمثل من يكتبون عنه، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة، وكذلك قال النسائي. انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 6/ 159 (2021)، "الجرح والتعديل" 6/ 110 (583)، "تهذيب الكمال" 21/ 364 (4242).
(6)
"المراسيل" ص 160.
(7)
محمد بن عبيد هذا قال ابن حجر في ترجمته: صدوق يخطئ، وانظر ترجمته في:"التاريخ الكبير" 1/ 173 (519)، "الجرح والتعديل" 8/ 11 (42)، "الثقات" لابن حبان 9/ 82، "تهذيب الكمال" 26/ 72 (5447)، "تقريب التهذيب"(6121).
وقوله: (ففزع الناس) سببه أنهم كانوا إِذَا رأوا منه غير ما يعهدون تخوفوا أن يكون أتى فيهم شيء.
وقوله: (فخرج عليهم) سببه إما علمه بأنهم قد فزعوا، أو لعله يفرقه عليهم قبل أن يتفرقوا، والتبر: قطع الذهب. قيل: والفضة. قيل: جميع ما يستخرج من المعدن قبل أن يضرب دنانير. والقطعة منه: تبرة. قَالَ تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} [الأعراف: 139] أي: منقطع ذاهب. وقيل: من التبر، وهو الهلاك والتبديد. وقيل: لأن صاحبه يلحقه من التعزير ما يوجب هلاكه، فهو من التبار، وهو الهلاك.
وقوله: ("فيحبسني") أي: يشغل ضميري فيحبسه عما يريده من الأعمال. وقيل: يحبسني في الآخرة. حكاه ابن التين.
وأما حكم الباب فالتخطي لما ترجم له مباح، ومثله ما لا غنى للإنسان عنه كإزالة حقنه ورعافه، والمكروه إِذَا كان في موضع يشغل الناس فيه عن الصلاة أو عن سماع الخطبة، فهو مكروه لأجل ذَلِكَ، وفيه أن من حبس صدقة المسلمين من وصية أو زكاة أو شبههما يخاف عليه أن يحبس في القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم:"كرهت أن يحبسني" يعني: في الآخرة، وفيه السرعة للحاجة المهمة، ولعله صلى الله عليه وسلم أسرع؛ لئلا ينسى ما أراد فعله، أو لعله فعل ذَلِكَ ليفرقه عليهم قبل تفرقهم كما سلف.
قَالَ الداودي: وفيه أنه كان لا يمسك شيئًا من الأموال غير الرباع، كما في الحديث الآخر:"ما يسرني أن لي مثل أحد ذهبًا تمرُّ عليَّ ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيئًا أرصده لدين"
(1)
.
وفيه: أن من وجب عليه فرض فالمبادرة إليه أفضل.
(1)
سيأتي برقم (2389) كتاب: في الاستقراض، باب: أداء الديون.
159 - باب الاِنْفِتَالِ وَالاِنْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ
وَكَانَ أَنَسٌ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَيعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى، أَوْ يَعْمِدُ الانْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ.
852 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَا يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ، يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ. [مسلم: 707 - فتح: 2/ 337]
هذا الأثر لا يحضرني من أسنده، نعم روى ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه
(1)
، وفي مسلم والنسائي عنه: أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه
(2)
.
وفي "صحيح ابن حبان" من حديث قبيصة بن هُلْب عن أبيه قَالَ: أمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ينصرف عن جانبيه جميعًا
(3)
، وأخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: صح الأمران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 271 (3110) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل إذا سلَّم ينصرف عن يمينه أو عن يساره.
(2)
"صحيح مسلم"(708) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال، "سنن النسائي" 3/ 81 كتاب: السهو، باب: الانصراف من الصلاة.
(3)
"صحيح ابن حبان" 5/ 339 (1998) كتاب: الصلاة، باب: القنوت.
(4)
"سنن أبي داود"(1041) كتاب: الصلاة، باب: كيف الانصراف من الصلاة، "سنن الترمذي" (301) كتاب: الصلاة، باب: في الانصراف عن يمينه وعن شماله، "سنن ابن ماجه" (929) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: الانصراف من الصلاة.
ولابن ماجه -بإسناد جيد- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: ينفتل عن يمينه ويساره في الصلاة
(1)
.
ثمَّ ساق البخاري بإسناده من حديث سليمان عن عمارة بن عمير، عن الأسود قَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَا يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ عليه شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ، يَرى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ شماله.
وفي الإسناد المذكور ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض: سليمان، وهو الأعمش أولهم.
وعبد الله هو ابن مسعود، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه بلفظ:"لا يجعلن أحدكم للشيطان"
(2)
. بنون التأكيد، ومعنى: يرى أن حقًّا عليه أو واجبًا أو مسنونًا فاضلًا.
أما حكم الباب: فالسنة أن ينصرف المصلي إمامًا وغيره في جهة حاجته -أي جهة كانت- وإلا فيمينه؛ لأنها أولى، وكان صلى الله عليه وسلم تارة يفعل هذا وتارة يفعل هذا، فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يفعله، فدل عَلَى جوازهما، ولا كراهة في واحد منهما، والكراهة
(1)
"سنن ابن ماجه"(931) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: الانصراف من الصلاة.
(2)
"صحيح مسلم"(707) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال، و"سنن أبي داود" (1042) كتاب: الصلاة، باب: كيف الانصراف من الصلاة، "سنن النسائي" 3/ 81 كتاب: السهو، باب: الانصراف من الصلاة، "سنن ابن ماجه" (930) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: الانصراف من الصلاة.
التي اقتضاها كلام ابن مسعود هي فيمن يرى وجوب أحدهما كما أسلفناه.
قَالَ ابن التين: وذلك بدعة، وهي من الشيطان. وانفرد الحسن البصري فاستحب الانصراف عن اليمين، ورأى أبو عبيدة رجلًا انصرف عن يساره فقال: أما هذا فقد أصاب السنة. وكان علي لا يبالي انصرف عن يمينه أو عن يساره، وعن ابن عمر مثله
(1)
. وهو في "الموطأ" عنه أنه قَالَ لواسع بن حبان: إن قائلًا يقول: انصرف عن يمينك، فإذا صليت فانصرف حيث شئت. وهو قول النخعي
(2)
. وقال علي: إِذَا قضيت الصلاة وأنت تريد حاجتك، فإن كانت حاجتك عن يمينك أو عن يسارك فخذ نحو حاجتك
(3)
.
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 271 (3112، 3114، 3115، 3116) كتاب: الصلوات، في الرجل إذا سلَّم ينصرف عن يمينه أو عن يساره.
(2)
"الموطأ" ص 122، "مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 271 (3117) كتاب: الصلوات، في الرجل إذا سلَّم ينصرف عن يمينه أو عن يساره.
(3)
روى هذا الأثر ابن أبي شيبة 1/ 271 (3111) كتاب: الصلوات، في الرجل إذا سلم ينصرف عن يمينه أو عن يساره.
160 - باب مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النَّيِّ وَالبَصَلِ وَالكُرَّاثِ
وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوِ البَصَلَ مِنَ الجُوعِ أَوْ غَيرِهِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا".
853 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يَعْنِي: الثُّومَ - فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا". [4215، 4217، 4218، 5521، 5522 - مسلم: 561 - فتح: 2/ 339]
854 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يُرِيدُ الثُّومَ- فَلَا يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا". قُلْتُ: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلَّا نِيئَهُ. وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: إِلاَّ نَتْنَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أُتِيَ بِبَدْرٍ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَعْنِي طَبَقًا فِيهِ خُضَرَاتٌ. وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ القِدْرِ، فَلَا أَدْرِى هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الحَدِيثِ. [855، 5452، 7359 - مسلم: 564 فتح: 2/ 339]
855 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا -أَوْ قَالَ: - فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا- وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ". وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ البُقُولِ، فَقَالَ:"قَرِّبُوهَا" إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ:"كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي".
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ بَعْدَ حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهْوَ يُثْبِتُ قَوْلَ يُونُسَ. [انظر: 854 - مسلم: 564 - فتح: 2/ 339]
856 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ قَالَ: سَألَ
رَجُلٌ أَنَسًا: مَا سَمِعْتَ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبْنَا" أَوْ: "لَا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا". [5451 - مسلم: 562 - فتح: 2/ 339]
ذكر فيه أحاديث ثلاثة:
أحدها:
حديث ابن عمر أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبرَ "مَنْ أَكَلَ مِنْ هذِه الشَّجَرَةِ -يَعْني: الثُّومَ- فَلَا يَقْرَبنَّ مَسْجدَنَا".
ثانيها: حديث جابر من طريقين:
أحدهما: قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هذِه الشَّجَرَةِ -يُرِيدُ الثُّومَ- فَلَا يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا". قُلْتُ: مَا يَعْنِي بهِ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلَّا نِيئَهُ. وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابن جُرَيْج: إِلَّا نَتْنَهُ.
ثانيهما: من حديث ابن وهب عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزلْنَا -أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا- وَلْيَقْعُدْ في بَيْتِهِ".
وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقِدْرِ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ البُقُولِ، فَقَالَ:"قَرِّبُوهَا" إلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ:"كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي".
قَالَ أحمد بن صالح بعد حديث يونس عن ابن شهاب: نُثْبِتُ قول يونس.
وقال أحمد بن صالح عن ابن وهب: أتي ببدر. قال ابن وهب يعني طبقا فيه خضرات ولم يذكر الليث وأبو صفوان عن يونس قصة القدر، فلا أدري هو من قول الزهري أو في الحديث.
ثالثها:
حديث عبد العزيز بن صهيب قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا: مَا سَمِعْتَ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هذِه الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبْنَا ولَا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا".
الشرح:
هذِه الأحاديث الثلاثة أخرجها مسلم أيضًا
(1)
ولفظه في حديث ابن عمر: "فلا يأتين المساجد"
(2)
. وفي لفظ له: "من أكل من هذِه البقلة فلا يقربن مسجدنا حتى يذهب ريحها" يعني: الثوم
(3)
، وأورده ابن بطال في "شرحه" بلفظ:"فلا يغشنا في مسجدنا". قُلْتُ: ما يعني به؟ قَالَ: ما أراه يعني إلا نيئه
(4)
. وهذا لم يرد في حديث ابن عمر، إنما هو في حديث جابر الذي بعده
(5)
، ولفظه في حديث جابر الأول من طريق أبي الزبير عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال:"من أكل من هذِه الشجرة الخبيثة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس"
(6)
.
ولفظه في الثاني لرواية البخاري، وفي رواية له:"من أكل من هذِه البقلة، الثوم" وقال مرة: "من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"
(7)
وفي أخرى له:
(1)
"صحيح مسلم"(561، 562، 564) كتاب: المساجد، باب: نهي من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا أو نحوها عن حضور المسجد.
(2)
مسلم (681/ 56).
(3)
مسلم (561/ 69).
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 465.
(5)
حديث رقم (854).
(6)
"صحيح مسلم"(564/ 72).
(7)
"صحيح مسلم"(564/ 74).
"من أكل من هذِه الشجرة -يريد الثوم- فلا يغشنا في مسجدنا"
(1)
. ولفظه في حديث أنس كالبخاري وقال: "ولا يصلي معنا"
(2)
. وفي بعض ألفاظ البخاري: "فلا يقربن مسجدنا"
(3)
وأخرجه البخاري أيضًا في الأطعمة
(4)
.
إِذَا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
اعترض ابن التين عَلَى تبويب البخاري من وجهين:
أحدهما: ليس فيما أورده من الأحاديث ذكر الجوع.
ثانيهما: لم يذكر في الكراث حديثًا، وكأنه قاسه عَلَى البقلتين.
والجواب عن الأول أن ما ذكره من الأحاديث إطلاقها يدخل فيه حالة الجوع، وما أوردناه من عند مسلم صريح فيه، فإن الحاجة هي الجوع.
وفي "صحيح مسلم" أيضًا عن أبي سعيد الخدري قَالَ: لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة -الثوم- والناس جياع، فأكلنا منها أكلًا شديدًا ثمَّ رحنا إلى المسجد، فوجد صلى الله عليه وسلم الريح فقال:"من أكل من هذِه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يقربنا في المسجد" فقال الناس: حرمت حرمت. فبلغ ذَلِكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس، إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة
(1)
"صحيح مسلم"(564/ 75).
(2)
"صحيح مسلم"(562/ 70).
(3)
رواية رقم (853).
(4)
سيأتي برقم (5451) كتاب: الأطعمة، باب: ما يكره من الثوم والبقول.
أكره ريحها"
(1)
وإنما لم يذكره البخاري، وكذا حديث أبي الزبير عن جابر السالف؛ لأنهما ليسا عَلَى شرطه.
والجواب عن الثاني أنه لم يقع له عَلَى شرطه ذكر الكراث فلذا قاس عليه، وقد علمت أن مسلمًا أخرجهما من حديث أبي الزبير عنه، ومن غير طريقه أيضًا كما سلف، وسيأتي أيضًا.
وفي "مسند الحميدي" بإسناد عَلَى شرط الصحيح: سُئِلَ جابر عن الثوم، فقال: ما كان بأرضنا يومئذ، إنما الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه البصل والكراث
(2)
.
ولابن خزيمة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلهما، ولم يكن ببلدنا يومئذ الثوم
(3)
. وفي "مسند السراج": نهى صلى الله عليه وسلم عن أكل الكراث فلم ينتهوا، ثمَّ لم يجدوا بدًّا من أكلها، فوجد ريحها، فقال:"ألم أنهكم؟ " الحديث
(4)
.
ثمَّ تقييد البخاري في تبويبه الثوم بكونه نيئًا اعتمادًا عَلَى ما وقع في تفسيره عَلَى إحدى الروايتين المذكورتين.
(1)
"صحيح مسلم"(565) كتاب: المساجد، باب: نهي من أكل ثومًا أو بصلًا أو كرَّاثًا أو نحوها عن حضور المسجد.
(2)
"مسند الحميدي" 2/ 347 (1315).
(3)
"صحيح ابن خزيمة" 3/ 85 (1668) كتاب: الإمامة في الصلاة.
(4)
انظر "حديث السراج" 3/ 182 وقال ابن حجر في "تغليق التعليق" 2/ 341: قال أبو العباس السراج في "مسنده": حدثنا أبو كريب، ثنا مخلد بن يزيد، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، سمع جابرًا يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجل الكراث فلم ينتهوا. الحديث.
قلت: هذِه الرواية رواها أيضًا النسائي في "الكبرى" 4/ 159 (6687) في أبواب الأطعمة، وابن حبان في "صحيحه" 4/ 524 - 525 (1646) كتاب: الصلاة، باب: المساجد. من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر.
الثاني:
لما أخرجه الترمذي من حديث عطاء عن جابر قَالَ: وفي الباب عن عمر وأبي أيوب وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر بن سمرة وقرة وابن عمر
(1)
. وقد علمت من أخرجه من طريق ابن عمر وأبي سعيد، وطريق أبي هريرة أخرجه مسلم منفردًا به بلفظ:"من أكل من هذِه الشجرة فلا يقربن مسجدنا، ولا يؤذينا بريح الثوم"
(2)
.
وأخرجه ابن ماجه بلفظ: "من أكل من هذِه الشجرة -يعني الثوم- فلا يؤذينا في مسجدنا هذا".
قَالَ إبراهيم بن سعد أحد رواته: وكان أبي يزيد فيه الكراث والبصل
(3)
.
وطريق عمر أخرجاه بلفظ: ثمَّ إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا وجد ريحهما من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخًا
(4)
.
وفي "علل ابن أبي حاتم": وقيل: سئل عن حديث عمرو بن ميمون عن عمر: كان صلى الله عليه وسلم يكره الكراث، فمن أكل منكم فلا يحضر المساجد وتلاوة القرآن، فقال: إنما هو مرسل عن هلال بن يساف عن عمر
(5)
.
(1)
"سنن الترمذي"(1806) كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل.
(2)
مسلم (563/ 71).
(3)
ابن ماجه (1016).
(4)
هذِه رواية لم أقف عليها عند البخاري وأخرجها مسلم في موضعين: في كتاب: المساجد برقم (567/ 78)، وفي كتاب: الفرائض برقم (1617).
(5)
"علل ابن أبي حاتم" 1/ 100 (275).
وحديث أبي أيوب أخرجه الترمذي
(1)
، وحديث قرة أخرجه البيهقي بلفظ:"من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا، فإن كنتم لا بد آكليهما فأميتوهما طبخًا"
(2)
.
قُلْتُ: وفي الباب أيضًا عن حذيفة وأبي ثعلبة الخشني والمغيرة بن شعبة وعلي، أما حديث حذيفة فأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما:"من أكل من هذِه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثا"
(3)
وأما حديث أبي ثعلبة فأخرجه الطبراني في "الأوسط"، وفي إسناده بقية، ولفظه: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبنا بصلًا، فأكلوا منه والقوم جياع، فقال صلى الله عليه وسلم:"من أكل من هذِه الشجرة" الحديث
(4)
، وحديث المغيرة عند الترمذي
(5)
، وحديث علي في "الحلية" لأبي نعيم
(6)
.
الثالث:
قوله: (وقال أحمد بن صالح، عن ابن وهب). في بعض النسخ ساق حديث سعيد بن عفير عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، زعم عطاء السالف عنه، والصواب تقديمه عليه كما أسلفناه؛ لأن شأن التعليق أن يبين بعض الحديث الذي قبله وهو حديث سعيد بن عفير، وقد أخرجه في كتاب الاعتصام عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب إلى آخره
(7)
،
(1)
"سنن الترمذي"(1807) كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 78.
(3)
"صحيح ابن خزيمة" 3/ 82 (1662). و"صحيح ابن حبان" 5/ 442 (2088).
(4)
"المعجم الأوسط" 4/ 22 - 23 (3512).
(5)
سبق تخريجه عند الترمذي آنفًا.
(6)
"حلية الأولياء" 8/ 357 - 358 و 10/ 316.
(7)
سيأتي برقم (7359) كتاب: الاعتصام، باب: الأحكام التي تعرف بالدلائل.
وأخرج رواية يونس عن ابن شهاب هنا. وفي الأطعمة
(1)
والاعتصام، ومسلم
(2)
في الصلاة
(3)
.
الرابع: في ألفاظه:
قوله: (زعم) السالف ليس عَلَى معنى التهمة، لكن لما كان أمرًا مختلفًا فيه عبر عنه بالزعم، وقد يستعمل فيما يختلف فيه كما يستعمل فيما يرتاب فيه، نبه عليه الخطابي وغيره
(4)
.
والنيئ -بكسر النون ممدود مهموز- ضد المطبوخ، وكذا قوله:(إلا نيئه) و (نتنه) عَلَى رواية ابن جريج بفتح النون، أي: الرائحة الكريهة.
قَالَ ابن التين: كذا رويناه بفتحها، وضبط في بعض الكتب المصححة بكسرها، ولا أعلم له وجهًا.
والثوم بضم الثاء المثلثة، وفي قراءة ابن مسعود:(وثومها)
(5)
ومعنى: "لا يقربنا": لا يدنو منا، و"مسجدنا" لأبي ذر ولأبي الحسن:"مساجدنا".
وقوله: (بقدر) هو ما اقتصر عليه مسلم. وذكر البخاري بعده رواية: ببدر -ببائين موحدتين- وهو الصواب أي: بطبق، سمي بدرًا؛ لاستدارته
(6)
. و (خضرات) بفتح أوله وكسر ثانيه قَالَ ابن التين: كذا
(1)
سيأتي برقم (5452) كتاب: الأطعمة، باب: ما يكره من الثوم والبقول.
(2)
ورد في هامش الأصل: أبو داود في الأطعمة والنسائي في الوليمة.
(3)
"صحيح مسلم"(564) كتاب: المساجد، باب: كراهية الصلاة بحضرة الطعام.
(4)
"أعلام الحديث" 1/ 559، وانظر:"النهاية في غريب الحديث" 2/ 303، "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري 2/ 111.
(5)
"تفسير الطبري" 2/ 130.
(6)
"شرح مسلم للنووي" 5/ 50.
روايتنا. وضبطه بعضهم على خلاف الأصل بضم الخاء وفتح الضاد قَالَ: وأنكر بعض أهل اللغة فتح الخاء.
والبقول: جمع بقل، وهو كل نبات اخضرت به الأرض، وسماها: شجرة وهو خلاف الأصل، فإنها من البقول، والشجر في كلام العرب ما كان عَلَى ساق تحمل أغصانه، وإلا فهو نجم، وتسميتها: خبيثة. في رواية مسلم
(1)
المراد به: المستكره.
وقوله: (فيه خضرات). الضمير يعود إلى القدر، وقد أنثها بعد قوله:(بما فيها). وهما لغتان، ولو قلنا بالتأنيث فالضمير يعود إلى الطعام الذي فيه، والضمير في:(قربوها) عائد إلى البقول، ويحتمل عوده إلى (خضرات)
(2)
.
وقوله: ("فإني أناجي من لا تناجي") أي: أسارر من لا تسارر.
وقوله: (في غزاة خيبر). يعني: حين أراد الخروج أو حين قدم، قاله أبو جعفر الداودي، ولا يصح، فإن ظاهر الكلام أنه قاله وهو في الغزاة نفسها.
الخامس: في أحكامه مختصرة، وهي موضحة في "شرح العمدة"
(3)
.
فيه: إباحة أكل الثوم والبصل ونحوهما، وهو إجماع، وشذ أهل الظاهر فحرموها؛ لإفضائها إلى ترك الجماعة، وهي عندهم فرض عين
(4)
،
(1)
مسلم (564).
(2)
انظر: "لسان العرب" 2/ 1185، "الصحاح" للجوهري 2/ 647 - 648، "الفائق في غريب الحديث" 1/ 379.
(3)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 30/ 408 - 417.
(4)
قال ابن حزم: أكل الثوم والبصل حلال إلا أن من أكل منهما شيئًا فحرام عليه دخول المسجد حتى تذهب الرائحة "المحلى" 7/ 437.
وقد أسلفنا أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ليس لي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها"
(1)
. بل الأصح أنه يكره في حقه ولا يحرم، وقد أكله جماعة من السلف.
وفيه: احترام الملائكة، ولا دلالة فيه عَلَى تفضيلهم عَلَى البشر؛ لأنه سوى بينهم وبين بني آدم في الأذى، ولا تختص بمسجده صلى الله عليه وسلم بل المساجد كلها سواء عملا برواية:"مساجدنا" و"المساجد"
(2)
، وشذ من خصه بمسجده، فالنهي في مسجده ثابت في الباقي عملًا بالعموم.
قَالَ الداودي: ويحمل قوله: "مسجدنا" عَلَى "مساجدنا"، ويلحق بما نص عليه في الحديث كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها، وخصه بالذكر؛ لكثرة أكلهم لها، وقد ورد الفجل أيضًا في الطبراني في "أصغر معاجمه"
(3)
، ولم يظفر به القاضي عياض ولا النووي بل ألحقاه مما ذكر
(4)
.
وقال مالك -فيما حكاه ابن التين- الفجل إن كان يؤدي ويظهر فكذلك، وألحق بذلك بعضهم من بفيه بخر أو به جرح له رائحة،
(1)
هذِه الرواية سلف تخريجها.
(2)
سلف تخريجهما.
(3)
روى الطبراني في "المعجم الصغير" 1/ 45 (37) من حديث أبي الزبير عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أكل من هذِه الخضروات: الثوم، والبصل، والكرَّات، والفجل، فلا يقربنَّ مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما تتأذى منه بنو آدم". ثم قال: لم يروه عن هشام القردوسي إلا يحيى بن راشد، تفرد به سعيد بن عضير، والقراديسي فخذ من الأزد اهـ، قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 17: فيه يحيى بن راشد البراء البصري، وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان، وقال: يخطئ ويخالف، وبقية رجاله ثقات، والحديث في الصحيح خلا قوله:"والفجل".
وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 344: في إسناده يحيى بن راشد وهو ضعيف.
(4)
"إكمال المعلم" 2/ 497، "شرح النووي" 5/ 48.
وكذا القصاب والسماك والمجذوم والأبرص أولى بالإلحاق، وصرح بالمجذوم ابن بطال
(1)
، ونقل عن سحنون: لا أرى الجمعة تجب عليه. واحتج بالحديث
(2)
.
وألحق بالحديث كل من آذى الناس بلسانه في المسجد، وبه أفتى ابن عمر وهو أصل في نفي كل ما يتأذى به، وقاس العلماء عَلَى المساجد مجامع الصلاة في غيرها، وكذا مجامع العلم والولائم، وخصها بعضهم بالمحيطة المبنية، ويمتنع الدخول بهذِه الروائح المسجد وإن كان خاليًا؛ لأنه محل الملائكة، ولا يبعد أن يعذر من كان معذورًا بأكل ما له ريح كريهة، وقد صرح به ابن حبان -من أصحابنا- في "صحيحه"
(3)
. وحكم رحبة المسجد حكمه؛ لأنها منه، وقد سلف أنه كان يخرج به إلى البقيع
(4)
.
وخص القاضي عياض الكراهة مما إِذَا كان معهم غيرهم ممن يتأذى، أما إِذَا أكلوه كلهم فلا، لكن يبقى احترام الملائكة، وليس المراد بالملائكة الحفظة.
وفيه: التعليل بعلتين فصاعدًا، والنهي إِذَا لم يطبخ دون ما إِذَا طبخت، وقد يستدل به عَلَى أن أكل هذِه الأمور من الأعذار المرخصة في ترك الجماعة. وقد يقال: إن ذَلِكَ خرج مخرج الزجر عنها، فلا يقتضي ذَلِكَ أن يكون عذرًا في تركها إلا أن تدعو إلى أكلها ضرورة، لكن يبعده تقريبه إلى بعض أصحابه، فإن ذَلِكَ ينافي الزجر
(5)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 466.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 458.
(3)
"صحيح ابن حبان" 5/ 450 - 451.
(4)
انظر: "الإعلام" 3/ 412 - 413.
(5)
"إكمال المعلم" 2/ 496 - 501.
وفيه: أن الخضر كانت عندهم بالمدينة، وفي إجماع أهلها عَلَى أنه لا زكاة فيها دليل عَلَى أن الشارع لم يأخذ منها الزكاة، ولو أخذ منها لم يخف على جميعهم، ولنقل ذَلِكَ، وهو قول مالك والشافعي وجماعة، خلافًا لأبي حنيفة
(1)
.
وفيه: اختصاص البر بطائفة حيث خص أهل المسجد دون الأسواق.
وفيه: أن من ترك طعامًا لا يحبه أنه لا لوم عليه، كما فعل في الضب
(2)
.
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 117 - 118، "المدونة" 1/ 252، "الذخيرة" 3/ 74، "الأم" 2/ 29، "البيان" 3/ 356.
(2)
سيأتي في البخاري برقم (2575) -وهذا لفظه- ورواه مسلم (1947) عن ابن عباس قال: أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقطًا وسمنًا وأضبًّا، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن، وترك الضب تقذرًا .. الحديث.
161 - باب وُضُوءِ الصِّبْيَانِ، وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمُ الغَسْلُ وَالطُّهُورُ، وَحُضُورِهِم الجَمَاعَةَ
وَالعِيدَيْنِ وَالجَنَائِزَ وَصُفُوفِهِمْ
؟
857 -
حَدَّثَنَا ابْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ، فَأَمَّهُمْ وَصَفُّوا عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ.
858 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ". [879، 880، 895، 2665 - مسلم: 846 - فتح 2/ 344]
859 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا -يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ جِدًّا- ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، فَأَتَاهُ المُنَادِي يَأْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ. قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: إِنَّ رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ: {إِنِّى أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 2/ 344]
860 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ فَقَالَ "قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ". فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاليَتِيمُ مَعِي، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى
بِنَا رَكْعَتَيْنِ. [انظر: 380، مسلم: 658، فتح: 2/ 345]
861 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ. [انظر: 76 - مسلم: 504 - فتح: 2/ 345]
862 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي العِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: قَدْ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ يُصَلِّي هَذِه الصَّلَاةَ غَيْرُكُمْ". وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي غَيْرَ أَهْلِ المَدِينَةِ. [انظر: 566 - مسلم: 638 - فتح: 2/ 345]
863 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ لَهُ رَجُلٌ: شَهِدْتَ الخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلَا مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ -يَعْنِى: مِنْ صِغَرِهِ- أَتَى العَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُهْوِي بِيَدِهَا إِلَى حَلْقِهَا تُلْقِي فِي ثَوْبِ بِلَالٍ، ثُمَّ أَتَى هُوَ وَبِلَالٌ البَيْتَ. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح: 2/ 345]
ذكر فيه أحاديث:
أحدها:
عن سليمان الشيباني قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ، فَأَمَّهُمْ وَصَفُّوا عَلَيْهِ. قال الشيباني: فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ: ابن عَبَّاسٍ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، ويأتي في الجنائز حيث ذكره البخاري
(2)
.
والمنبوذ: المفرد عن القبور، قَالَ ابن الجوزي: وقد رواه قوم: عَلَى قبرِ منبوذٍ. بكسر الراء مع الإضافة، وفسروه باللقيط، قَالَ: وهذا ليس بشيء؛ لأن في بعض الألفاظ: أتى قبرًا منبوذًا. وفي رواية: أتى عَلَى قبر قَدْ دفن البارحة، فصففنا خلفه، ثمَّ صلى عليها
(3)
.
وفيه: دلالة أن حكم اللقيط إِذَا وجد في دار الإِسلام حكم المسلمين، وكذا ذكر الخطابي أنه يروى عَلَى وجهين: بالإضافة وقبر منبوذ. بمعنى: أن المنبوذ نعت للقبر، أي: منتبذًا ناحية عن القبور. قَالَ: اوفيه: كراهة الصلاة إلى المقابر؛ لأنه جعل انتباذ القبر عن القبور شرطًا في جواز الصلاة
(4)
. وفي هذا نظر.
وفيه: جواز الصلاة عَلَى القبر، وهو أحد قولي مالك، وقول الشافعي
(5)
، وبخط شيخ شيوخنا الحافظ شرف الدين الدمياطي: من رواه منونًا فيهما على النعت، أي: منتبذا عن القبور ناحية، يقال: جلست نبذة. بالفتح والضم، أي: ناحية، ويرجع إلى معنى الطرح، وكأنه طرح في غير موضع قبور الناس. ومن رواه بغير تنوين عَلَى الإضافة فمعناه: قبر لقيط وولد مطروح، والرواية الأولى أصح؛ لأنه
(1)
"صحيح مسلم"(954) كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر.
(2)
سيأتي برقم (1247) كتاب: الجنائز، باب: الإذن بالجنازة.
(3)
سيأتي برقم (1321).
(4)
"أعلام الحديث" 1/ 560 - 561.
(5)
انظر: "التفريع" 1/ 267، "عيون المجالس" 1/ 440 - 441، "البيان" 1/ 109، "روضة الطالبين"1/ 279.
جاء في بعض طرق البخاري عن ابن عباس في التي كانت تقم المسجد
(1)
.
الثاني:
حديث أبي سعيد الخدري عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ".
ويأتي -إن شاء الله- قريبًا في أبواب الجمعة والشهادات بالسند الذي ساقه به
(2)
.
الثالث:
حديث ابن عباس: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ .. الحديث.
وتقدم في باب التخفيف في الوضوء
(3)
، وفيه عبيد بن عمير، يقال: له رؤية، مات قبل ابن عمر ومات ابن عمر بعد ابن الزبير، آخر سنة ثلاث وأول سنة أربع وسبعين.
الرابع:
حديث أنس بن مالك أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ
…
الحديث.
وتقدم في أوائل الصلاة في باب: الصلاة عَلَى الحصير
(4)
.
الخامس:
حديث ابن عباس: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ
…
الحديث.
(1)
سلف برقم (458) كتاب: الصلاة، باب: كنس المسجد، والتقاط الخرق والقذى والعيدان.
(2)
سيأتي هذا الحديث برقم (879) كتاب: الجمعة، باب: فضل الغسل يوم الجمعة و (2665) كتاب: الشهادات، باب: بلوغ الصبيان وشهادتهم.
(3)
سلف هذا الحديث برقم (138) كتاب: الوضوء، باب: التخفيف في الوضوء.
(4)
تقدم برقم (380) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الحصير.
تقدم في كتاب العلم في باب: متى يصح سماع الصغير، وفي غيره
(1)
.
السادس:
حديث عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى .. فذكره.
تقدم في فضل العشاء
(2)
، وهذا التعليق قَالَ أبو نعيم في "مستخرجه": إن البخاري رواه عن عياش عن عبد الأعلى، ورواه الإسماعيلي عن الفريابي، ثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الأعلى، ورواه النسائي في الصلاة، عن نصر بن علي، عن عبد الأعلى
(3)
، وكذا رواه أبو نعيم أولا، وعياش هو ابن الوليد الرقام البصري، مات سنة لست وعشرين ومائتين، وانفرد به البخاري.
السابع:
حديث سفيان عن عبد الرحمن بن عابس: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ وَقالَ لَهُ رَجُلٌ: شَهِدْتَ الخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ، الحديث.
ويأتي إن شاء الله تعالى في أبواب العيدين والاعتصام
(4)
.
وسفيان هو الثوري، وعبد الرحمن هو النخعي الكوفي، اتفقا عليه وعلى أبيه.
(1)
تقدم برقم (76) كتاب: العلم، باب: متى يصحُّ سماع الصغير، و (493) كتاب: الصلاة، باب: سترة الإمام سترة مَنْ خلفه.
(2)
سلف برقم (566) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فضل العشاء.
(3)
"سنن النسائي" 1/ 23 كتاب الصلاة.
(4)
سيأتي برقم (977) كتاب: العيدين، باب: العلم الذي بالمصلى، (7325) كتاب: الاعتصام، باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم.
وفيه: فجعلت المرأة تهوي بيدها.
قَالَ القاضي: أهوى بيده، وأهوى يده للشئ: تناوله
(1)
. وقال صاحب "الأفعال": هوى إليه بالسيف وأهوى: أماله إليه
(2)
، وقال ابن التين: أهوى بيده كذا إِذَا تناوله بيده، قَالَ: فهو بضم الياء، وهذِه الأحاديث دالة عَلَى ما ترجم له.
أما الأول ففيه حضور الصبي صلاة الجنازة وكونه في الصف، ألا ترى إلى قوله:(فصففنا خلفه).
وأما الثاني هو غسل الجمعة فمناسبته للباب وقت وجوب الغسل عليهم، وأنه واجب على كل محتلم، وأنه لا يجب عَلَى الصبيان، قَالَ تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ} [لنور: 59]، ومعنى الوجوب: التأكد عند الشافعي ومالك وأكثر الفقهاء، وعن أحمد ومالك والحسن وأبي هريرة وأبي قتادة وبعض أصحاب الحديث وأهل الظاهر وجوبه، ذكره الخطابي
(3)
. وأصحاب أحمد ينكرونه، وحكي الوجوب عن الشافعي أيضًا، وهو غريب
(4)
، ولا خلاف في فضيلته، ويدل عَلَى التأكد وعدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل"
(5)
.
(1)
"مشارق الأنوار" 2/ 273.
(2)
"الأفعال" لابن القوطية ص 12.
(3)
انظر: "معالم السنن" 1/ 91.
(4)
انظر: "طرح التثريب" 3/ 161.
(5)
هذا الحديث رواه أبو داود (354) كتاب: الطهارة، باب: الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، والترمذي (497) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الوضوء يوم الجمعة. والنسائي في "المجتبى" 3/ 94 كتاب: الجمعة، باب: الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" 2/ 688 (1447)، وأحمد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= في "مسنده" 5/ 15، 5/ 16، 5/ 22، والدارمي 2/ 963 (1581) كتاب: الصلاة، باب: الغسل يوم الجمعة. وابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" ص 288، وابن الجارود في "المنتقى" 1/ 250 - 251 (285)، والروياني في "مسنده" 2/ 42 (787)، وابن خزيمة في "صحيحه" 3/ 128 (1757) كتاب: الجمعة، باب: ذكر دليل أن الغسل يوم الجمعة فضيلة لا فريضة. والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 119، والطبراني في "الكبير" 7/ 199 (6817 - 6820)، والبيهقي في "السنن" 3/ 190، وفي "معرفة السنن والآثار"4/ 332 (6374) كتاب: الطهارة، باب: الغسل للجمعة والخطبة وما يجب في صلاة الجمعة، وابن عبد البر في "التمهيد" 10/ 79، 16/ 212، 214، والخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 352. كلهم من حديث قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب، وقد اختلف في سماع الحسن من سمرة بن جندب كما حكاه الزيلعي على ثلاثة أقوال أولها: أنه سمع منه مطلقًا وهو قول ابن المديني؛ فقد نقل عنه البخاري في أول: "تاريخ واسط": سماع الحسن من سمرة صحيح. وتابعه الترمذي والحاكم أيضًا في ذلك.
ثانيها: أنه لم يسمع منه شيئًا. اختاره ابن حبان في "صحيحه" وقال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة. وقال شعبة: الحسن لم يسمع من سمرة.
ثالثها: أنه سمع منه حديث العقيقة فقط. قاله النسائي، وإليه مال الدارقطني، واختاره عبد الحق في "أحكامه" والبزار في "مسنده" ا. هـ بتصرف. انظر:"نصب الراية" 1/ 88 - 93. والحديث قال عنه الترمذي: حديث حسن، وقد رواه بعض أصحاب قتادة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب، ورواه بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ا. هـ.
وقال عنه الدارقطني بعد إيراد بعض طرقه: وكلها وهمٌ، والمحفوظ: ما رواه شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة ا. هـ. انظر: "علل الدارقطني" 10/ 263. وقال ابن عبد البر: وحديث الحسن عن سمرة أحسنها إسنادًا ا. هـ بتصرف. انظر: "التمهيد" 10/ 88.
وقال النووي في "مجموعه" 4/ 533: حديث حسن. وقال في "شرحه على صحيح مسلم" 6/ 133: حديث حسن. وقال في "تهذيب الأسماء" 3/ 35: حديث صحيح. وقال ابن حجر: ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن =
وأما الحديث الثالث: وهو حديث ابن عباس ومبيته عند خالته ميمونة ففيه وضوء الصبيان وإقامته في الصلاة عن يمينه، وإليه أشار البخاري في الترجمة بقوله:(وصفوفهم). أي: وصفوف الصبيان.
وفيه من الفوائد أيضًا نوم الصبي عند خالته.
والشن المذكور فيه هو السقاء البالي.
وفيه أيضًا: أن الواحد يقوم عن يمين الإمام، وخالف فيه ابن المسيب مستدلًا بأنه صلى الله عليه وسلم وقف عن يسار أبي بكر في مرضه، وكان أبو بكر الإمام
(1)
، وهو ناسخ لهذا، وأنه الآخر. وهو عجيب منه.
وفيه: أن الإمام يديره، وأن نية الإمامة لا تجب. قَالَ ابن التين: وهو رد عَلَى الشافعي، قُلْتُ: لا، فهو مذهبه
(2)
. وقال أبو حنيفة: يأتم به الرجال دون النساء
(3)
.
وفيه: دليل عَلَى صحة صلاة الصبي، وإن لم يبلغ الحلم إِذَا عقل الصلاة، ويحتمل أن يكون سن ابن عباس إِذ ذاك عشر سنين
(4)
.
وقد ذكر البخاري في فضائل القرآن أنه توفي النبي صلى الله عليه وسلم وسن ابن
= سمرة، وله علتان: إحداهما أنه من عنعنة الحسن، والأخرى: أنه اختلف عليه فيه ا. هـ بتصرف. انظر: "الفتح" 2/ 362. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 2/ 184 (381): حديث حسن. ا. هـ والحديث له غير شاهد من حديث أنس وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد الرحمن بن سمرة وابن عباس، حكم ابن حجر على أكثرها بالضعف، انظر:"الفتح" 2/ 362.
(1)
سلف هذا الحديث برقم (713) كتاب: الأذان، باب: الرجل يأتم بالإمام، ويأتم الناس بالمأمون.
(2)
انظر: "الأم" 1/ 141، "البيان" 2/ 367.
(3)
انظر: "الأصل" 1/ 191، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 266.
(4)
انظر: "حلية العلماء" 2/ 8.
عباس عشر سنين
(1)
، وستعلم الخلاف فيه هناك، وقد صح الأمر بالصلاة لسبع والضرب عليها لعشر
(2)
.
وقال به جماعة من الفقهاء منهم مالك ومكحول والأوزاعي وأحمد والشافعي إسحاق
(3)
، وأغرب أشهب فقال عن مالك في "العتبية": يضرب عَلَى تركها لسبع، والحديث يرده لا جرم، قَالَ به ابن القاسم
(4)
، وقال عروة: يؤمر بالصلاة إِذَا عقلها
(5)
. وقال ابن عمر: يعلم الصبي الصلاة إِذَا عرف يمينه من شماله
(6)
.
(1)
سيأتي هذا الحديث برقم (5035) كتاب: فضائل القرآن، باب: تعليم الصبيان القرآن.
(2)
دل على ذلك حديث رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 168، وأبو داود (495، 496) كتاب: الصلاة، باب: متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ وابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 304 (3482) كتاب: الصلوات، متى يؤمر الصبي بالصلاة؟ وأحمد 2/ 180، 2/ 187، والدولابي في "الكنى" 1/ 346 (1225)، وابن عدي في "الكامل" 3/ 507، والدارقطني 1/ 230 - 231، والحاكم في "المستدرك" 1/ 197 كتاب: الصلاة، وأبو نعيم في "الحلية" 10/ 26، والبيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 228 - 229 كتاب: الصلاة، باب: عورة الرجل و 3/ 84 كتاب: الصلاة، باب: ما على الآباء والأمهات من تعليم الصبيان، والخطيب في "تاريخ بغداد" 2/ 278.
والحديث قال عنه النووي في "المجموع" 3/ 10، وفي "خلاصة الأحكام" 1/ 252 (687): رواه أبو داود بإسناد حسن. وقال الألباني في "صحيح أبي داود" 2/ 401 (509): حسن صحيح ا. هـ وله شاهد من حديث سبرة الجهني، وآخر من حديث أبي هريرة، وثالث من حديث أنس.
(3)
انظر: "الأوسط" 4/ 385، "المغني" 3/ 350.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 268 - 269.
(5)
رواه عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 305 (3488) كتاب: الصلاة، باب: متى يؤمر الصبي بالصلاة.
(6)
رواه عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 305 (3485) كتاب: الصلاة، باب: متى يؤمر الصبي بالصلاة.
وهو قول ابن سيرين وابن المسيب، وهو متقارب. وكره فضيل وسفيان أن يضرب على الصلاة وقالا: أرشه عليها وهو حسن لمن يقدر عليه، فإن لم يقدر أو أبي بعد أن أرشي ضرب.
وقوله فيه: (فأتاه المؤذن يأذنه بالصلاة) كذا وقع هنا (يأذنه)، وصوابه يؤذنه، أي: يعلمه. كما نبه عليه ابن التين. قَالَ: ومعنى (يأذنه): من أذنت لك في كذا، وليس له هنا موضع.
وفيه أيضًا: إباحة العمل اليسير في الصلاة، وأن يمشي الصغير عن يمين الكبير، والمفضول عن يمين الفاضل.
وفي رواية: فأخذ بأذني يفتلها
(1)
؛ وفتلها ليدور أو للتأدب؛ وليكون أذكر لَهُ فيما يستأنف بعد. ويقال: إن المعلم إِذَا فتل أذن التلميذ كان أذكى لفهمه.
وأما الحديث الرابع: وهو حديث أنس، ففيه: الاصطفاف به.
وأما الخامس: وهو حضوره مع الجماعة بمنى وقد ناهز الاحتلام، أي: قارب، ووصفه لنفسه بذلك، يفيد أن إقرار الشارع له دليل عَلَى إباحته؛ لأنه كان يعقل الأمر والنهي، وقد ورد الشرع بتقرير من هو دونه، وقد نزع تمرة من يد الحسين بن علي وقال:"أما علمت أنا لا نأكل الصدقة"
(2)
.
وأما السادس: وهو قوله: (نام النساء والصبيان) ففيه حضور الصبيان. ومعنى: أعتم بالعشاء: أخرها، والعتمة: الظلمة.
(1)
سلفت هذِه الرواية برقم (183) في الوضوء، باب قراءة القرآن بعد الحديث ..
(2)
سيأتي برقم (1491) كتاب: الزكاة، باب: ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية العشاء عتمة
(1)
.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم: "من سماها العتمة فليستغفر الله". وكان ابن عمر إِذَا سمع أحدًا يسميها عتمة صاح وغضب عليه
(2)
.
وقوله: (ولم يكن أحد يومئذ يصلي غير أهل المدينة)، أي: جماعة، ويحتمل أن يكون ذَلِكَ الوقت.
وأما السابع ففيه: حضور العيد؛ لأن الخروج كان لها، وإليه يرشد قول ابن عباس:(ولولا مكاني منه ما شهدته) يعني: من صغره. وعليه بوب البخاري: حضورهم العيد. وذكره في الترجمة الطهور بعد الغسل. لعله يريد الوضوء، وكرره؛ لأجل الوجوب.
وحاصل الباب: تمرين الصبيان عَلَى الوضوء والصلاة، وحضور الجماعات في النفل والفرض، وتدريبهم عَلَى ذَلِكَ؛ ليعتادوها عند البلوغ، ولا خلاف أن الاحتلام أول وقت لزوم الفرائض والحدود والأحكام. واختلفوا إِذَا أتى عليه من السنين ما يحتلم في مثلها ولم يحتلم على أقوال ستأتي في موضعها، إن شاء الله ذَلِكَ وقدره.
(1)
لم أقف على هذا الأثر مرفوعًا من حديث ابن عمر، وأخرجه ابن عدي في "الكامل" مرفوعًا من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى أن نسمي العشاء العتمة قال: "إنما سماها العتمة شيطان" ثم قال: ولفرات بن السائب غير ما ذكرت من الحديث خاصة أحاديثه عن ميمون بن مهران مناكير، انظر:"الكامل" 7/ 133 وابن حجر في "لسان الميزان" 5/ 438.
(2)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 1/ 566 (2154) كتاب: الصلاة، باب: اسم العشاء الآخرة، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 199 (8078) كتاب: الصلوات، باب: من كره أن يقول: العتمة.
162 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى المَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ وَالغَلَسِ
864 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالعَتَمَةِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ". وَلَا يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ بِالمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ العَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ. [انظر: 566 - مسلم: 638 - فتح: 2/ 347]
(1)
.
865 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى المَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ". تَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [873،899، 900، 5238 - مسلم: 442 - فتح: 2/ 347]
867 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ. [انظر: 372 - مسلم: 645 - فتح: 2/ 349]
868 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ". [انظر: 707 - فتح: 2/ 349]
869 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَوَ مُنِعْنَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. [مسلم: 445 - فتح: 2/ 349]
(1)
سيأتي حديث رقم 866 لاحقًا بعد حديث 870 حسب ترتيب المصنف.
ذكر فيه أحاديث عن عائشة، وحديثًا عن ابن عمر من طريقين، وحديثًا عن أبي قتادة.
أولها: حديث عروة عنها: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالعَتَمَةِ
…
الحديث.
وقد سلف في الباب قبله آنفًا بهذا السند.
ثانيها: حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اسْتَاْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ"
…
الحديث. تَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه مسلم
(1)
. وحنظلة -في إسناده- هو ابن أبي سفيان الأسود، مات سنة إحدى وخمسين ومائة
(2)
، وأخواه عبد الرحمن وعمرو ثقتان، وأخرجاه من حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إِذَا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها"
(3)
.
(1)
"صحيح مسلم"(442) كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة.
(2)
هو حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية القرشي الجمحي المكي أخو عمرو بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن أبي سفيان، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: كان وكيع إذا أتى على حديث لحنظلة يقول: حدثنا حنظلة بن أبي سفيان وكان ثقة ثقة. وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ثقة. وقال عبد الله بن شعيب، عن يحيى بن معين: حنظلة بن أبي سفيان وأخوه عمرو بن أبي سفيان: ثقتان.
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 5/ 493، "التاريخ الكبير" 3/ 44 - 45 (170)، "الجرح والتعديل" 3/ 241 (1071)، " تهذيب الكمال" 7/ 443 (1561).
(3)
سيأتي برقم (873) كتاب: الأذان، باب: استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد، ورواه مسلم (442) كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة.
ثالثها: حديث عائشة في التغليس بالصبح وقد سلف
(1)
. وفيه: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصَلِّي الصُّبْحَ.
وهو بكسر (إن) مخففة من الثقيلة.
رابعها: حديث أبي قتادة في التجوز في الصلاة مخافة الافتتان.
خامسها: حديث عائشة: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائيلَ. قُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَوَ مُنِعْنَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ.
وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
وخص في حديث ابن عمر الليل لما فيه من الستر، والغلس مثله. وقوله:("فأذنوا لهن")، فيه أن للزوج منعها من ذَلِكَ، وكذا وليها، ولولاه لخوطب النساء بالخروج كما خوطبن بالصلاة.
وقول عائشة: (ما يعرفن من الغلس) أي: لا يتميزن نساءً كن أو رجالا، يوضحه حديث قَيْلة قالت: قدمت عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس صلاة الغداة حين انشق الفجر، فصففت مع الرجال وأنا امرأة حديثة عهد بجاهلية، فقال لي الرجل الذي يليني: امرأة أنت أم رجل؟ فقلت: امرأة
(3)
.
(1)
سلف برقم (372).
(2)
"صحيح مسلم"(445) كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة.
(3)
هذا جزء من حديث قيلة بنت مخرمة العنبرية، وهو حديث طويل، قال عنه أبو عمر: هو حديث طويل فصيح حسن وقد شرحه أهل العلم بالغريب وقال أبو علي ابن السكن روي عنها حديث طويل فيه كلام فصيح قال ذلك ابن حجر في "الإصابة" 4/ 391. =
وينبغي إِذَا استاذنته ألا يمنعها مما فيه منفعتها، وهو محمول عَلَى أمن الفتنة كما أسلفناه في باب: كم تصلي المرأة من الثياب؛ لأنه كان الأغلب من حال أهل ذَلِكَ الزمان. وحديث عائشة دال على المنع إذ حدث في الناس الفساد. وهذا عند مالك محمول عَلَى العجائز، وروى عنه أشهب قَالَ: وللمتجالة أن تخرج إلى المسجد، ولا تكثر الترداد، وللشابة أن تخرج إليه المرة بعد المرة، وتخرج في جنائز أهلها
(1)
.
وقال أبو حنيفة: أكره للنساء شهود الجمعة والصلاة المكتوبة، وأرخص للعجوز أن تشهد العشاء والفجر، وأما غير ذَلِكَ فلا. وقَالَ أبو يوسف: لا بأس أن تخرج العجوز في الصلوات كلها وأكره للشابة
(2)
. وقال الثوري: ليس للمرأة خير من بيتها وإن كانت
= الحديث أخرجه مختصرًا البخاري في "الأدب المفرد"(1178)، وأبو داود (3070) كتاب: الخراج والغنيمة والفيء، باب: في إقطاع الأرضين، و (4847) كتاب: الأدب، باب: في جلوس الرجل، والترمذي (2814) كتاب: الأدب، باب: ما جاء في الثوب الأصفر. وقال: حديث قيلة لا نعرفه إلا من حديث عبد الله ابن حسَّان. وأبو داود الطيالسي في "مسنده" 3/ 223 (1763)، وابن سعد مطولًا في "الطبقات الكبرى" 1/ 317 - 321، وابن أبي عاصم في "الآحاد المثاني" 6/ 262 (3492)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 177، والطبراني 3/ 302 (3469)، 25/ 7 - 11 (1)، وابن منده كما في "الإصابة" 4/ 391 - 393، والبيهقي 3/ 235 كتاب: الجمعة، باب: الاحتباء المباح في غير وقت الصلاة، 6/ 150، وابن الأثير في "أسد الغابة" 7/ 246، والمزي في "تهذيب الكمال" 35/ 275 - 280. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 6/ 10 - 12 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. قال ابن حجر في "فتح الباري" 3/ 155: حسن الإسناد.
(1)
انظر: "النوادر" 1/ 536.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 231، "البناية" 2/ 420 - 421.
عجوزا
(1)
. وقال ابن مسعود: المرأة عورة، وأقرب ما تكون إلى الله في قعر بيتها، فإذا خرجت استشرفها الشيطان
(2)
. وكان ابن عمر يقوم بحصب النساء يوم الجمعة يخرجهن من المسجد
(3)
. وقال أبو عمرو الشيباني: سمعت ابن مسعود حلف فبالغ في اليمين: ما صلت امرأة صلاة أحب إلى الله من صلاتها في بيتها إلا في حج أو عمرة إلا امرأة قد يئست من البعولة
(4)
. وقال ابن مسعود لامرأة سألته عن الصلاة في المسجد يوم الجمعة، فقال: صلاتك في مخدعك أفضل من صلاتك في بيتك، وصلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك أفضل من صلاتك في مسجد قومك
(5)
. وكان إبراهيم يمنع نساءه الجمعة والجماعة. وسئل الحسن
(1)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 23/ 402.
(2)
رواه الطبراني 9/ 295 (9481).
ورواه ابن خزيمة 3/ 93 (1685 - 1687) كتاب: الإمامة في الصلاة، باب: اختيار صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد، وقال: وإنما شككت أيضًا في صحته؛ لأني لا أقف على سماع قتادة هذا الخبر من مورق، والطبراني 10/ 108 (10115)، وفي "الأوسط" 8/ 101 (8096)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 8/ 451 مرفوعًا.
(3)
لم أقف عليه لابن عمر، ووجدته لابن مسعود أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 159 (7616) كتاب: الصلوات، باب: ما كره من خروج النساء إلى المسجد.
(4)
روى هذا الأثر ابن أبي شيبة 2/ 159 (7618) السابق.
(5)
لم أقف على هذا الأثر لابن مسعود، وقد روى أحمد 6/ 371 حديثا عن أم حميد -امرأة أبي حميد الساعدي- رضي الله عنهما أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. قال: "صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في حجرتك .. " الحديث.
ورواه أيضًا ابن خزيمة (1689)، وابن حبان (2217) والحديث حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(340).
البصري عن امرأة حلفت إن خرج زوجها من السجن أن تصلي في كل مسجد تجمع فيه الصلاة بالبصرة ركعتين، فقَالَ الحسن: تصلي في مسجد قومها؛ لأنها لا تطيق ذَلِكَ، لو أدركها عمر لأوجع رأسها
(1)
.
وفي "المدونة": لا تمنع النساء المساجد
(2)
. فيحتمل أن يريد: يحكم لهن به، ويحتمل أن يريد به حض الأزواج عَلَى إباحة ذَلِكَ لما كان لهم المنع، وعليه جماعة أهل العلم أن خروجهن مباح، قَالَه ابن التين.
وقول عائشة: (ما أحدث النساء) تعني: من الطيب والتجمل وقلة التستر، قَالَ: وقولها: (كما منع نساء بني إسرائيل) يحتمل أن تكون شريعتهم المنع، ويحتمل أن يكون منعهن بعد الإباحة، ويحتمل غير ذَلِكَ مما لا طريق لنا إلى معرفته إلا بالخبر. وقال ابن مسلمة في "المبسوط": إنما يكره من خروجهن الفتنة للرائحة، أو الجميلة المشتهرة التي يكون في مثلها الفتنة
(3)
.
قال الداودي: فكيف لعائشة لو أدركت وقتنا هذا. قُلْتُ: فكيف لو أدركت وقتنا هذا
(4)
. وكانت عاتكة بنت زيد امرأة عمر تقول: لأخرجن إلا أن يمنعني، وكان عمر شديد المغيرة، فكره منعها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم، وكره خروجها، فذكر أنه جلس لها في الغلس في طريق المسجد، فمس طرف ثوبها وهي لا تعرفه، فرجعت، فقال لها: لم لا تخرجين، قالت: كنا
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 159 (7617) كتاب: الصلوات، باب: من كره للنساء في الخروج إلى المسجد.
(2)
"المدونة" 1/ 103.
(3)
"المبسوط" 2/ 41.
(4)
قلت: وكيف لو أدركوا وقتنا هذا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
نخرج حين كان الناس ناسا، وذكر أنه أعلمها بعد ذَلِكَ أنه فاعل ذَلِكَ، فقالت: ولو. وأبت أن تخرج. والبخاري ذكر بعض هذا في كتاب الجمعة كما ستعلمه
(1)
. وروى ابن عباس أن امرأة جميلة دخلت المسجد، فوقفت في الصف الأول من صفوف النساء فمن الناس من تقدم حتَّى لا يراها، ومنهم من تأخر يلاحظها، فأنزل الله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَقْدِمِينَ} الآية [الحجر: 24]
(2)
.
(1)
سيأتي برقم (900).
(2)
أخرجه الترمذي (3122) كتاب: التفسير، باب: ومن سورة الحجر، والنسائي في "المجتبى" 2/ 118 كتاب: القبلة، باب: المنفرد خلف الصف 1/ 302 (942) كتاب: الإمامة والجماعة، وفي "الكبرى" 6/ 374 (11273) كتاب: التفسير، وابن ماجه (1046) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: الصلاة في الثوب الواحد، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" 4/ 433 - 434 (2835)، وأحمد 1/ 305، والطبري في "تفسيره" 7/ 509 - 510 (21136، 21137) وابن خزيمة في "صحيحه" 3/ 97 - 98 (1696 - 1697) كتاب: الصلاة، باب: التغليظ في قيام. وابن أبي حاتم في "تفسيره" 7/ 2261 (12361)، وابن حبان في "صحيحه" 2/ 1261 (401) كتاب: البر والإحسان، باب: الإخلاص وأعمال السر، والطبراني 12/ 171 (12791)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 353 كتاب: التفسير، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 81، والبيهقي 3/ 98 كتاب: الصلاة، باب: الرجل يقف في آخر صفوف الرجال لينظر إلى النساء. وزاد السيوطي نسبته في "الدر المنثور" 4/ 180 لـ: سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن مردويه، قال الترمذي: وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه، ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح ا. هـ، وقال أبو نعيم: غريب من حديث أبي الجوزاء عن ابن عباس تفرد برفعه نوح بن قيس. وقال الذهبي: صحيح، وقال الفلاس: لم يتكلم أحد في نوح بن قيس بحجة، هو صدوق خرج له مسلم ا. هـ بتصرف. وقال ابن كثير في "تفسيره" 8/ 253 - 254: غريب جدًّا فيه نكارة شديدة، وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن عمرو ابن مالك -وهو النكري- أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا =
وفي أفراد مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"
(1)
.
قَالَ الخطابي: في حديث أبي قتادة دليل عَلَى أن الراكع إِذَا ما أحس بمقتدٍ مقبلا طوّلَ ليدركها، كما جاز التخفيف لسببه
(2)
. وفيه نظر كما أبداه ابن التين؛ لأن طول المقام ضرر بمن خلفه، ولا يستدل بالتخفيف عنهم عَلَى الشدة عليهم، وقد قَالَ القاضي أبو محمد: يكره فعل ذَلِكَ
(3)
. وفي كتاب ابن الحارث عن سحنون: تبطل صلاتهم.
وفيه: أن من طول في صلاةٍ أو عرض له ما يخفف يراعيه، ويتجوز أيضًا؛ ليكلم أبويه، ومن عرضت له حاجة أيضًا، ومن دخل في نافلة قائمًا لا بأس أن يجلس لغير علة، قاله ابن القاسم. وقال أشهب: لا يجلس إلا من علة
(4)
.
= المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ .. } الحديث فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ليس فيه لابن عباس ذكر ا. هـ بتصرف يسير.
قلت: في إسناده عمرو بن مالك النكري؛ لم يوثقه غير ابن حبان، فقد ذكره في "الثقات" 8/ 487 وقال: يخطئ ويغرب. قال ابن عدي في "الكامل" 6/ 259: ولعمرو أحاديث مناكير بعضها سرقها من قوم ثقات ا. هـ بتصرف يسير. وأما رواية أبي الجوزاء التي أشار إليها الترمذي وابن كثير فقد أخرجها عبد الرزاق في " تفسيره" 1/ 301 (1445)، والطبري في "تفسيره" 7/ 509 (21135)، وعزاها السيوطي في "درِّه" 4/ 180 لابن المنذر. وقد ذكرنا آنفًا قول الترمذي فيها: وهذا أشبه أن يكون أصح. وهذا ما أقره القرطبي فقال في "تفسيره" 10/ 19 عند الكلام على رواية أبي الجوزاء: وهو أصح ا. هـ. والحديث ذكره الألباني في "الصحيحة"(2472). وله شاهد من مرسل مروان بن الحكم، أخرجه الطبرى في "تفسيره" 7/ 509 (21134).
(1)
"صحيح مسلم"(440) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف، وإقامتها وفضل الأول.
(2)
"معالم السنن" 1/ 174.
(3)
"المعونة" 1/ 122.
(4)
انظر: "المنتقى" 1/ 242.
163 - باب صَلَاةِ النِّسَاءِ خَلْفَ الرَّجَالِ
870 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ: نَرَى -وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ [أَحَدٌ] مِنَ الرِّجَالِ. [875 - فتح: 2/ 350]
حَدَّثَنَا يَحْييَ بْنُ قَزَعَةَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ .. الحديث.
وقد سلف.
ويحيى من أفراد البخاري، وأم سلمة: هند بنت أبي أمية بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم أم المؤمنين.
164 - باب انْتِظَارِ النَّاسِ قِيَامَ الإِمَامِ العَالِمِ
866 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَتْنِى هِنْدُ بِنْتُ الحَارِثِ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَخْبَرَتْهَا، أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ المَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ الرِّجَالُ. [انظر: 837 - فتح: 2/ 349]
871 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا. [انظر: 380 - مسلم: 658 - فتح: 2/ 351]
ذكر فيه حديث هند عن أم سلمة السالف.
وحديث أنس: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، فقمت ويتيم خلفه وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا.
هكذا سنة صلاة النساء أن يقمن خلف الرجال كما سلف في الباب قبله، وذلك -والله أعلم- خشية الفتنة بهن، واشتغال النفوس بما جبلت عليه من أمورهن عن الخشوع في الصلاة، والإخلاص والإقبال عليها، وإخلاص الفكر فيها لله تعالى، إِذ النساء مزينات في القلوب، ومقدمات عَلَى جميع الشهوات، وهو أجل في سد الذرائع. ووجه ما بوب له قوله:(فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال).
165 - باب سُرْعَةِ انصِرَاف النِّسَاءِ مِنَ الصُّبْحِ، وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ فِي المَسْجِدِ
872 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ المُؤْمِنِينَ، لَا يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ، أَوْ لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا. [انظر: 372 - مسلم: 645 - فتح: 2/ 351]
ذكر فيه حديث فليح عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ المُؤْمِنِينَ، لَا يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ، أَوْ لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا.
وقد سلف
(1)
.
وفليح لقب، واسمه: عبد الملك بن سليمان العدوي مولاهم المدني، مات سنة ثمانٍ وستين ومائة.
قَالَ ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي
(2)
. وهذِه السنة المعمول بها أن ينصرف النساء في الغلس قبل الرجال؛ ليخفين أنفسهن، ولا يبن لمن لقيهن من الرجال، فهذا يدل أنهن لا يقمن في المسجد بعد تمام الصلاة، وهذا من باب سد الذرائع، والتحظير عَلَى حدود الله تعالى، والمباعدة بين الرجال والنساء خوف الفتنة ومواقعة الإثم في الاختلاط بهن.
وقوله: (فينصرفن) قَالَ بعض من فسره: يبادرن بالخروج؛ لئلا يزاحمن الرجال.
(1)
برقم (372).
(2)
سبقت ترجمته.
قَالَ ابن التين: وعندي أنهن يخرجن بانقضاء الصلاة؛ لأن الفاء تقتضي التعقيب، ويصح أن يبادرن لستر الظلام لهن، ويصح أن يفعلنه مبادرة لبيوتهن، وفعل ما يلزمهن فعله من أمور دنياهن.
11
كتاب الجمعة
11 - كتاب الجمعة
1 - باب فَرْضِ الجُمُعَةِ
لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ} الآية.
876 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ -مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ- حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، اليَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ". [انظر: 238 - مسلم: 855 - فتح: 4/ 352]
ثمَّ ذكر حديث أبي هريرة سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هذا يَوْمُهُمُ الذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللهُ له، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، اليَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارى بَعْدَ غَدٍ".
الشرح:
الجمعة: بضم الميم وإسكانها وفتحها، حكاها الواحدي، وقرئ بها في الشواذ كما قاله الزمخشري
(1)
، وعن "المعاني" للزجاج أنه قرئ بكسرها أيضًا، والمشهور الضم، وبه قرئ في السبعة، سميت بذلك، لاجتماع الناس لها. وقيل: لما جمع فيها من الخير. وقيل: لاْن الله جمع فيه خلق آدم. وقيل: لاجتماع آدم فيه مع حواء في الأرض، وفيه حديث، وقيل: لأنه آخر الأيام الستة التي خلق الله فيها المخلوقات، فاجتمع جميع الخلق فيه. وفي "أمالي ثعلب": سمي بذلك لأن قريشًا كانت تجتمع إلى قصي في دار الندوة. وفي "الإنساب" للزبير: كانت تسمى: العروبة، وأن كعب بن لؤي كانوا يجتمعون إليه فيها فيخطبهم ويعلمهم بخروج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من ولده، قَالَ: فسميت الجمعة بذلك
(2)
.
وقال ابن حزم: هو اسم إسلامي، ولم يكن في الجاهلية، وإنما كان يسمى في الجاهلية: العروبة. فسمي في الإِسلام الجمعة؛ لأنه يجتمع فيه للصلاة، اسمًا مأخوذًا من الجمع
(3)
. وادعى الشيخ أبو حامد في "تعليقه" أن الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة، وفيه نظر. والآية المذكورة مذكررة كلها في رواية أبي الوقت، وهذِه السورة مدنية، وهي من آخر ما نزل بها، وأنه لم ينزل بعدها إلا التغابن والتوبة والمائدة. كما ذكره الأستاذ أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب في كتاب "ترتيب التنزيل".
(1)
"الكشاف" 4/ 393.
(2)
المصدر السابق 4/ 394.
(3)
"المحلى" 5/ 45.
والنداء: الأذان، والمراد به: الأذان عند قعود الإمام عَلَى المنبر.
وقوله: {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] أي: امضوا. وقد قرئ بها، وقيل: المراد به: القصد دون العدو.
والذكر: الخطبة والصلاة.
وفي هذِه الآية خمس فوائد: النداء للجمعة، والأمر بالسعي، والنهي عن البيع -وهو تنبيه عن كل ما يشغله مما هو في معناه- ووجوب الخطبة؛ لأن الذكر الذي يحضره الساعي هو في وقت إتيانه الخطبة، والخطبةُ غير محصورٍ ما يذكر فيها، وسيأتي اختلاف العلماء فيه.
وأما الحديث فأخرجه مسلم أيضًا، وفيه:"نحن أول من يدخل الجنة"
(1)
.
وفيه: "فهم لنا فيه تبع"
(2)
وسيأتي في البخاري فيه زيادة أخرى في الغسل عن قريب في باب: هل عَلَى من لم يشهد الجمعة غسل
(3)
وأخرجه مسلم منفردًا به من حديث حذيفة بلفظ: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا".
وفيه: "فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم فيه لنا تبع يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق"
(4)
. ومعنى: "نحن الآخرون السابقون": الآخرون الذين جاءوا آخر الأمم، السابقون في الفضل والكرامة، والذين سبقوا
(1)
"صحيح مسلم"(855/ 20) كتاب: الجمعة، باب: هداية الأمة ليوم الجمعة.
(2)
"صحيح مسلم"(855/ 20) كتاب: الجمعة، باب: هداية الأمة ليوم الجمعة.
(3)
سيأتي برقم (896).
(4)
"صحيح مسلم"(856) كتاب: الجمعة، باب: هداية هذِه الأمة ليوم الجمعة.
الناس يوم القيامة إلى الموقف، فحازوا سرعة الحساب والتقدم عَلَى العباد، وسبقوا في الدخول إلى الجنة. ورواية حذيفة السابقة توضحه، وحصل لهم ذَلِكَ أجمع بهذا النبي العظيم، وبشفاعته فيهم، خير أمة أخرجت للناس، وقد سلف في حديث:"إنما مثلكم فيمن خلا من الأمم قبلكم"
(1)
إن هذِه الأمة أعطيت أجر أهل الكتابين، فالوصفان أعني: الآخرون السابقون ثابتان، وبذكرهما يعرف الآخر، ورواية مسلم:"نحن الآخرون ونحن السابقون"
(2)
بالعطف وله فائدتان:
الأولى: ما في إعادة ضمير المتكلم الذي يضاف الخبر إليه من الفائدة يقرع السمع به في كل خصلة.
الثانية: ليبين أن السبق لهم دون غيرهم، كأن قائلًا قَالَ لما قَالَ: نحن الآخرون فماذا لكم بذلك إِذَا ثبت لكم التأخر وتركتم المتقدم؟ فقال: ونحن السابقون.
و (بيد) بفتح الباء ثم مثناه تحت ساكنة يعني: غير. قال القرطبي: نصبه على الاستثناء ويمكن على ظرف الزمان. وقيل بمعنى على أنهم. وعن الشافعي: يعني: من أجل، وحكي بالميم بدل الباء؛ لقرب المخرج. قَالَ ابن سيده: والأولى عَلَى وزن بأيد أي: بقوة إنا أعطينا، حكاها صاحب "مجمع الغرائب" وهي غلط، قَالَ أبو عبيد: هو غلط ليس له معنى يعرف
(3)
. وكذا قَالَ في "الواعي" وابن الأثير: لا أعرفها لغة ولا في كتاب، ولا أعلم وزنها، وهل الباء أصلية أم زائدة؟
(4)
وقال
(1)
سيأتي برقم (3459).
(2)
"صحيح مسلم"(855/ 19) كتاب: الجمعة، باب: هداية هذِه الأمة ليوم الجمعة.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 89.
(4)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/ 171.
القرطبي: وقوله: "أوتوا الكتاب من قبلنا" يريد به: التوراة والإنجيل
(1)
.
واختلف في كيفية ما وقع لليهود، هل أمروا بيوم معين وهو الجمعة، أو بيوم غير معين؟ على قولين، ويؤيد الأول وهو الظاهر، كما قال القاضي
(2)
.
قوله: ("هذا يومهم الذي فرض عليهم") وعينت اليهود السبت، قالوا: لأن الله فرغ فيه من الخلق؛ فنحن نستريح فيه عن العمل، ونشتغل بالشكر، وعينت النصارى الأحد؛ لأن الله تعالى بدأ الخلق فيه، وهذِه الأمة عينه الله لهم، ولم يكلهم إلى اجتهادهم فضلًا منه ونعمة، فهو خير يوم طلعت عليه الشمس وفيه ساعة يستجاب فيها الدعاء.
ويؤيد الآخر، وهو ما جزم به ابن بطال
(3)
، قوله:("فاختلفوا فيه") أي: في تعيينه، ("فهدانا الله له") أي: بتعيينه لنا لا باجتهادنا، إذ لو عين لهم فعاندوا فيه لما أجيب بالاختلاف، بل بالمخالفة والعناد، ويؤيده رواية حذيفة السالفة:"أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا" وقد جاء أن موسى صلى الله عليه وسلم أمرهم بالجمعة، وأعلمهم بفضلها، فناظروه أن السبت أفضل، فقيل له: دعهم.
قَالَ النووي: ويمكن أن يكونوا أمروا به صريحًا ونص على عينه، فاختلفوا فيه، هل لهم إبداله
(4)
فغلطوا في إبداله، أم ليس لهم إبداله؟ قَالَ الداودي: وفيه أنزلت: {فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 213].
(1)
"المفهم" 2/ 491.
(2)
"إكمال المعلم" 3/ 248 - 249.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 475 - 476.
(4)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 6/ 143 - 144.
وروي نحوه عن زيد بن أسلم قَالَ: اختلفوا فيه وفي القبلة والصلاة والصيام، وفي إبراهيم وعيسى
(1)
، فهدى الله هذِه الأمة للحق من ذَلِكَ بإذنه أي: بعلمه، ولسبق الجمعة على السبت والأحد معنى، وذلك لأن ترتيب الأيام الثلاثة إِذَا سردت متتابعة لا يصح إلا بأن يتقدمها الجمعة، وليس ذَلِكَ لواحد من السبت والأحد.
وفيه: دلالة عَلَى وجوب الجمعة -وهو إجماع إلا من شذ
(2)
- وفضيلة هذِه الأمة، وفيه: سقوط القياس مع وجود النص وذلك أن كلًّا منهما قال بالقياس مع وجود النص على قول التعيين فضلَّا.
وفيه: التفويض وترك الاختيار؛ لأنهما اختارا فضلَّا، ونحن علقنا الاختيار عَلَى من هو بيده فهدى وكفى.
قَالَ مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: 124] تركوا الجمعة واختاروا السبت
(3)
، وقال قتادة: أحله بعضهم وحرمه بعضهم
(4)
.
ونصبَ غدًا عَلَى الظرف، وهو متعلق بمحذوف، التقدير: فاليهود
يعظمون غدًا والنصارى بعد غد، وسببه أن ظروف الزمان لا تكون أخبارًا عن الجثث، فيقدر فيه معنى يمكن تقديره خبرًا، ويجوز أن يكون فرض عليهم الاجتماع للعبادة في ذَلِكَ اليوم، ونسكه وتعظيمه، فهدينا نحن
(1)
روى هذا ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 378 (1994).
(2)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر ص 44.
(3)
رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 312 (1521)، والطبري في "تفسيره" 7/ 222 (21988، 21989)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 7/ 2307 (12685)، وزاد السيوطي نسبته في "الدر المنثور" 4/ 254 لابن المنذر.
(4)
رواه الطبري في "تفسيره" 7/ 222 (21991).
لذلك فاجتمعنا فيه لها بفرض الله، وهو قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ} الآية [الجمعة: 9]، وهذا يصلح أن يكون مناسبة الباب للحديث.
وفي قوله: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا" دلالة لمذهب أهل السنة أن الهدى والإضلال، والخير والشر كله بإرادة الله تعالى، وهو فعله خلافًا للمعتزلة.
2 - باب فَضْلِ الغُسْلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَهَل عَلَى الصَّبِيِّ شُهُودُ يَوْمِ الجُمُعَةِ أَوْ عَلَى النِّسَاءِ
؟
877 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ". [894، 919 - مسلم: 844 - فتح: 2/ 356]
878 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الخُطْبَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ قَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ، فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ. فَقَالَ وَالوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِالغُسْلِ.؟! [882 - مسلم: 845 - فتح: 2/ 356]
879 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ". [انظر: 858 - مسلم: 846 - فتح: 2/ 357].
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ".
وهو حديث صحيح أخرجه مسلم أيضًا والأربعة
(1)
، وفي رواية
(1)
"صحيح مسلم"(844) كتاب: الجمعة، و"سنن أبي داود" (342) كتاب: الطهارة، باب: في الغسل يوم الجمعة، و"سنن الترمذي" (492) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة، و"المجتبى" 3/ 105 كتاب: الجمعة، =
لمسلم "إِذَا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل"
(1)
وفي رواية له: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل"
(2)
، وفي رواية لابن حبان في "صحيحه" وأبي عوانة في "مستخرجه":"من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل"
(3)
، ورواه ابن خزيمة بزيادة:"ومن لم يأتها فليس عليه كسل من النساء والرجال"
(4)
ووهم أبو غسان فجعله عن ابن عمر، عن عمر كما نبه عليه الدارقطني، ذاك في الحديث بعده.
الحديث الثاني:
حديث: ابن عمر عن عمر: بَيْنَمَا هُوَ قَائمٌ فِي الخُطْبَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلينَ الحديث.
وفي آخره: "إِذَا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل"
(5)
، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، وسمى هذا الرجل عثمان بن عفان
(6)
، وفي لفظ له يأتي من طريق أبي هريرة: "إِذَا راح أحدكم إلى الجمعة
= باب: حض الإمام في خطبته على الغسل يوم الجمعة، "سنن ابن ماجه" (1098) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء الزينة يوم الجمعة.
(1)
"صحيح مسلم"(844/ 1) كتاب: الجمعة.
(2)
"صحيح مسلم"(844/ 2) كتاب: الجمعة.
(3)
"مسند أبي عوانة" 2/ 138 (2594) كتاب: الجمعة، بيان: الخبر المبين الذي يوجب الغسل على من يأتي الجمعة، و"صحيح ابن حبان" 4/ 27 (1226) كتاب: الطهارة، باب: غسل الجمعة.
(4)
"صحيح ابن خزيمة" 3/ 126 (1752) كتاب: الجمعة، باب: أمر النساء بالغسل لشهود الجمعة.
(5)
هذا اللفظ ليس في الحديث كما هو واضح، وإنما في الحديث الآتي برقم (882) وعند شرحه أحال المصنف عَلَى هذا الحديث، واكتفي.
(6)
"صحيح مسلم"(845) كتاب: الجمعة، و"سنن أبي داود" (340) كتاب: الطهارة، باب: الغسل يوم الجمعة. والنسائي في "الكبرى" 1/ 520 (1670).
فليغتسل"
(1)
قَالَ الدارقطني: هو في "الموطأ" بإسقاط ابن عمر، والصواب إثباته
(2)
.
الحديث الثالث:
حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ".
ويأتي أيضًا في الباب مكررًا، وفي الشهادات بلفظ: أشهد عَلَى أبي سعيد قَالَ: أشهد عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
. الحديث.
وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه أيضًا
(4)
، ووهم من قَالَ: عطاء بن يزيد كما نبه عليه الدارقطني، وطرقه.
إِذَا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
اعترض أبو عبد الملك عَلَى البخاري، فقال: بوب هل عَلَى الصبي شهود الجمعة أو عَلَى النساء. وأراد به: "إِذَا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" أي: إِذَا جاءها النساء والصبيان فليغتسلوا، وليس فيه ذكر وجوب شهود كما ذكر، ولا غير ذَلِكَ. وأجاب عنه ابن التين، فقال: عندي إنما أراد البخاري -والله أعلم- أنها ليست بواجبة عليهما؛ لأنه
(1)
سيأتي برقم (882) كتاب: الجمعة، باب: فضل الجمعة.
(2)
"علل الدارقطني" 2/ 42 - 44.
(3)
سيأتي برقم (2665) كتاب: الشهادات، باب: بلوغ الصبيان وشهادتهم.
(4)
"صحيح مسلم"(846) كتاب: الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ، "سنن أبي داود" (341) كتاب: الطهارة، باب: في الغسل يوم الجمعة، "سنن النسائي" 3/ 93 كتاب: الجمعة، باب: إيجاب الغسل يوم الجمعة، "سنن ابن ماجه" (1089) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة.
قَالَ: وهل عليهم؛ فأبان بحديث: "غسل الجمعة واجب عَلَى كل محتلم" أنها غير واجبة عَلَى الصبيان
(1)
، وقال أبو جعفر: فيه أيضًا دليل عَلَى سقوطها عن النساء؛ لأن أكثرهن إنما يجب عليه الفروض بالحيض لا بالاحتلام، والاحتلام في حقهن كالحيض.
ثانيها:
هذِه الأحاديث دالة عَلَى مطلوبية الغسل يوم الجمعة، ورواية:"من جاء" أبلغ؛ لأنه شرط وجزاء، فهو يتناول كل جاء، وإذا جاء، وإن أعطى معنى الشرط فليس بشرط حقيقي، وقوله:"فليغتسل" أمر، وهو مجزوم لأنه جواب الشرط، وهو أبلغ في الدلالة عَلَى ثبوت الغسل وتقريره والحث عليه، وقد أسلفنا في باب: وضوء الصبيان قريبًا خلاف العلماء في وجوبه، وأن أكثر الفقهاء عَلَى عدم الوجوب، والمراد التأكد.
قَالَ الشافعي: احتمل الوجوب أن لا يجزئ غيره أو في الاختيار والنظافة كما تقول: وجب حقك عليَّ
(2)
. وفي رواية لابن حزم من حديث ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما اغتسل يوم الجمعة وربما لم يغتسل
(3)
. ويسن عندنا لكل من أراد الحضور، وإن لم يجب عليه عَلَى الأصح، وهو مذهب مالك
(4)
. وقيل لكل أحد بناء عَلَى أنه لليوم، ويتأكد في الذكور أكثر من النساء؛ لأنه في حقهن قريب من الطيب وفي حق البالغ أكثر من الصبي.
(1)
انظر: "فح الباري" 2/ 357.
(2)
"اختلاف الحديث" ص 109، "الأوسط" 4/ 48، "المجموع" 4/ 405.
(3)
"المحلى" 2/ 11.
(4)
"المدونة" 1/ 136، "النوادر والزيادات" 1/ 463.
الثالث: في ألفاظه:
قوله: (بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة) فيه مطلوبية القيام فيها، وفي رواية:(عَلَى المنبر) وهو مطلوب أيضًا إجماعًا كما سيأتي في بابه، فإن لم يكن، فعلى موضع عال؛ ليسمع صوته جميعهم ويبصروه فيكون أوقع في النفوس.
وقوله: (آية ساعة هذِه؟) آية: تأنيث أي، وهو اسم يستفهم به، تقول: أي شخص هو هذا؟ وأية امرأة هي هذِه؟ وهو تقرير وتوبيخ إشارة إلى أنها ليست من ساعات الرواح؛ لأن الصحف طويت.
والساعة اسم لجزء من الزمان مخصوص، ويطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءًا هي مجموع اليوم والليلة وعلى جزءٍ ما غيرُ مقدر من الزمان، ولا يتحقق، وعلى الوقت الحاضر، والهندسي يقسم اليوم عَلَى اثني عشر قسمًا وكذا الليلة طالا أم قصرا يسمونه ساعة، ويسمون هذِه الساعات المعوجة وتلك الأدلة المستقيمة، ففيه تفقد الإمام رعيته، وأمرهم بمصالح دينهم، والإنكار عَلَى المخالف وإن جل، والإنكار عَلَى الكبار بمجمع من الناس، والكلام في حال الخطبة بالأمر بالمعروف؛ لأنه من باب الخطبة.
والانقلاب: الرجوع من حيث جاء وهو انفعال من قلبت الشيء أقلبه إِذَا كببته أو رددته، وفيه الاعتذار إلى ولاة الأمر، وإباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء.
وقوله: (التأذين)، كذا هنا، وفي رواية أخرى:(النداء)
(1)
، وهو بكسر النون أشهر من ضمها.
(1)
سيأتي برقم (882) كتاب: الجمعة، باب: فضل الجمعة.
وقوله: (والوضوء أيضًا؟) كذا هو بإثبات الواو، وروي بحذفها، والأول يفيد العطف عَلَى الإنكار الأول؛ لأنه أراد بقوله:(أية ساعة هذِه؟) التعريض بالإنكار عليه، والتوبيخ عَلَى تأخر المجيء إلى الصلاة، وترك السبق إليها في أول وقتها، وهذا من أحسن التعريضات وأرشق الكنايات، ثمَّ إن عثمان لما علم مراد عمر من سؤاله عن الساعة اعتذر بأنه لما سمع النداء لم يشتغل بغير الوضوء فقال له: ألم يكفك أن أخرت الوقت، وفوت نفسك فضيلة السبق حتَّى أتبعته بترك الغسل، والقناعة بالوضوء، فتكون هذِه الجملة المبسوطة مدلول عليها بتلك اللفظة، وهي معطوفة عَلَى الجملة الأولى، فخشي عثمان فوات الجمعة، فرأى أن تركه أولى من تركها، وقال القرطبي: الواو عوض من همزة الاستفهام كما قرأ ابن كثير (قال فرعون وآمنتم به)
(1)
[الأعراف: 123] وأما مع حذف الواو فيكون -إن صحت الرواية- إما لأنه مبتدأ وخبره محذوف، التقدير: الوضوء عذرك أو كفايتك في هذا المقام. أو لأنه خبر مبتدأ محذوف، التقدير: عذرك وكفايتك الوضوء، ويجوز في الوضوء الرفع عَلَى أنه مبتدأ وخبره محذوف، التقدير: الوضوء تقتصر عليه، ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار فعل، التقدير: فعلت الوضوء وحده أو توضأت، ويعضده قوله: وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل، وتكون هذِه الجملة حالًا منه، والعامل فيها الفعل المقدر، ويكون العامل في الحال مع الرفع ما دل عليه مجموع الجملة المقدرة، ولعل عثمان رأى أن سماعه للخطبة أولى، وكذلك عمر لم يأمره بالخروج.
وروى ابن القاسم في "المستخرجة": من نسي الغسل حتَّى أتى
(1)
"المفهم" 2/ 481.
المسجد فإن علم أنه يغتسل ويدرك الجمعة خرج، وإلا صلى ولا شيء عليه، قَالَ ابن حبيب: لا يؤثم تاركه
(1)
، وقد يجري فيه الخلاف عن الوتر هل يحرج تاركه لأنهما سنتان مؤكدتان؟ والأصح عند الشافعية أن ترك الغسل يوصف بالكراهة
(2)
، وقوله:(أيضًا)، منصوب لأنه من آض يئيض أيضا، أي: عاد ورجع، قاله ابن السكيت
(3)
. تقول: فعلته أيضًا إِذَا كنت قد فعلته بعد شيء آخر، كأنك قد أفدت بذكرهما الجمع بين الأمرين أو الأمور.
وقوله: (يأمر با لغسل) وفي رواية: أمرنا ويأمرنا، وهو من ألفاظ رواية الحديث، ورفعه، وفي قوله:(يأمرنا): زيادة حجة لعمر فإنه عام، بخلاف يأمر، فإنه ليدل صريحًا عليه، والمحتلم: البالغ، وعبر به؛ لأنه الغالب، ويعرفه كل أحد، وهو مشترك فيه، وقوله:("غسل يوم الجمعة") هو أظهر ثباتًا من رواية مسلم: "الغسل يوم الجمعة"
(4)
؛ لأنه أضاف الغسل إلى اليوم فكان مخصوصًا به، وليس غسلًا مطلقًا، فكأنه اعتبر فيه الاختصاص به والنية فيه، وأما إطلاق الغسل فلا، فإنه لو اغتسل فيه ولم ينوه لم يجزه؛ لأنه وجد صورة غسل. ولما ذكر ابن أبي شيبة في باب: القائلين بإجزاء الوضوء عن الغسل، قول أبي الشعثاء وإبراهيم وعطاء وأبي وائل وأبي جعفر: ليس غسل واجب إلا من جنابة، ساق بإسناده حديث أبي سعيد مرفوعًا
(5)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 463.
(2)
انظر: "روضة الطالبين" 2/ 43، و"المجموع" 2/ 232 - 233.
(3)
"إصلاح المنطق" لابن السكيت ص 342.
(4)
مسلم (846) وسلفت أيضًا برقم (858).
(5)
"المصنف" لابن أبي شيبة 1/ 436 - 437.
وفيه: قرن الغسل بالطيب والاستنان، والإجماع قائم فيما ذكره الطحاوي والطبري أن تاركهما غير حرج إِذَا لم يكن لَهُ رائحة مكروهة يؤدي بها أهل المسجد، فكذا حكم تارك الغسل؛ لأن مخرج الأمر واحد
(1)
.
الرابع:
الفاء في قوله: ("فليغتسل") للتعقيب، وهو مخصوص بالإرادة، كما سلف في الرواية الأخرى، وعمم أبو ثور وقال أحمد: لا يستحب للمرأة إِذَا حضرت
(2)
. وحكاه النووي في "شرح مسلم" وجهًا عندنا
(3)
. وقال مالك: لا تغتسل
(4)
. قَالَ: وكذا المسافر إن أتاها للصلاة لا للفضل، وإن أتاها للفضل اغتسل
(5)
، ووقته من الفجر وتقريبه من ذهابه أفضل، وقال مالك: لا يكون إلا عند الرواح. وبه قَالَ الليث في أحد قوليه
(6)
، وخالفه ابن وهب، وهو قول مجاهد والحسن البصري والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، انفرد الأوزاعي فقال بالإجزاء قبل الفجر
(7)
، وقد أسلفنا عن الظاهرية وجوب الغسل.
قَالَ ابن حزم: هو فرض لازم لكل بالغ ولو امرأة لليوم لا للصلاة، فإن صلى الجمعة والعصر ولم يغتسل أجزأه ذَلِكَ، قَالَ: ووقته اليوم إلى
(1)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 36.
(2)
انظر: "المغني" 3/ 228.
(3)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 6/ 134 - 135.
(4)
"المدونة" 1/ 136.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 463، "المنتقى" 1/ 186.
(6)
"المدونة" 1/ 136، "الاستذكار" 2/ 17.
(7)
انظر: "البيان والتحصيل" 2/ 154، "الأوسط" 4/ 44 - 45، "المغني" 3/ 227.
أن يبقى ما يتم غسله قبل الغروب. قال: وهو لازم للحائض والنفساء كغيرهما، وروى حديث البخاري الآتي:"اغتسلوا يوم الجمعة وإن لم تكونوا جنبًا"
(1)
، وحديث مسلم:"حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده"
(2)
وحديثه أيضًا من طريق أبي هريرة: "حق عَلَى كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده"
(3)
ويأتي أيضًا
(4)
. وللبزار: "وهو يوم الجمعة" ورواه ابن أبي شيبة من حديث جابر
(5)
، وروي من حديث البراء أيضًا
(6)
، فصح هذا أنه لليوم لا للصلاة، وكان ابن عمر يغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة، فيجزئ به عن غسل الجمعة
(7)
، وكذلك نقل عن مجاهد: إِذَا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه
(8)
. وكذا عن الحسن والنخعي
(9)
، ثمَّ قَالَ: فإن قيل رويتم عن ابن عمر مرفوعًا: "إِذَا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل"
(10)
وعن ابن عمر مرفوعًا: "إِذَا أراد أحدكم"
(11)
وعنه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وهو قائم عَلَى المنبر: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل"
(12)
.
(1)
سيأتي برقم (884) كتاب: الجمعة، باب: الدهن للجمعة.
(2)
"صحيح مسلم"(849) كتاب: الجمعة، باب: الطين والسواك يوم الجمعة.
(3)
"صحيح مسلم"(849) كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة.
(4)
برقم (896 - 897).
(5)
"المصنف" 1/ 434 (4993) كتاب: الصلوات، باب: في غسل الجمعة.
(6)
"المصنف" 1/ 433 (4989) كتاب: الصلوات، باب: في غسل الجمعة.
(7)
روى ذلك ابن أبي شيبة 1/ 439 (5055) كتاب: الصلوات.
(8)
روى ذلك ابن أبي شيبة 1/ 438 (5041 - 5043) كتاب: الصلوات.
(9)
روى ذلك عنهم ابن أبي شيبة 438/ 1 (5042) كتاب: الصلوات.
(10)
سيأتي برقم (882) كتاب: الجمعة، الطيب للجمعات.
(11)
رواه مسلم (844)(1) كتاب: الجمعة.
(12)
سيأتي برقم (877) كتاب: الجمعة، باب: فضل الغسل يوم الجمعة.
قُلْتُ: هذِه آثار صحاح، ولا خلاف فيها لقولنا
(1)
. أما الأول فهو نص فيه، وإنما فيه الأمر به لمن جاء، وليس فيه أي وقت، ولا إسقاطه عمن لا يأتي إليها، وفي الآخر إيجابه عَلَى كل مسلم ومحتلم، فهي زائدة، حكمًا عَلَى ما في حديث ابن عمر، وكذا قوله:"إِذَا أراد" وقد يريد إتيانها من أول النهار، ولفظ:"إِذَا راح" ظاهره أن الغسل بعد الرواح.
وقال مالك: إن بال أو أحدث بعد الغسل لم ينقض غسله ويتوضأ فقط، وإن أكل أو نام انتقض غسله
(2)
. وقال طاوس والزهري وقتادة ويحيى بن أبي كثير: من اغتسل للجمعة ثمَّ أحدث فيستحب أن يعيد غسلًا
(3)
.
وعن أبي يوسف أن الغسل لليوم
(4)
، ثمَّ استدل من قَالَ بالوجوب بالأحاديث التي فيها غسل يوم الجمعة واجب.
قَالَ ابن حزم: وروينا إيجاب الغسل مسندًا من طريق عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وأبي هريرة كلها في غاية الصحة.
قَالَ: وممن قَالَ بوجوب فرض غسل يوم الجمعة عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة لم يخالفه فيه أحد، منهم أبو هريرة وابن عباس وأبو سعيد وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعمرو بن سليم وعطاء وكعب والمسيب بن رافع.
واحتج من قَالَ بعدم الوجوب بحديث عمر المذكور في هذا الباب
(1)
آخر كلام ابن حزم "المحلى" 2/ 8، 19 - 21.
(2)
"المدونة" 1/ 136.
(3)
انظر: "الأوسط" 4/ 45.
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 159.
وحديث أبي هريرة: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثمَّ أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له"
(1)
الحديث، وبحديث "كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم، ومن العوالي" الحديث يأتي، وفيه:"لو أنكم تطهرتم" أخرجاه
(2)
، وبحديث سمرة السالف في ذَلِكَ الباب:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" أخرجه الأربعة وحسنه الترمذي
(3)
، وبحديث أورده ابن حزم عن الحسن: أنبئنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يغتسل يوم الجمعة، ولكن كان أصحابه يغتسلون. وبحديث ابن عباس: كان صلى الله عليه وسلم ربما اغتسل يوم الجمعة وربما لم يغتسل
(4)
. وبحديث من طريقه أيضًا: إن غسل يوم الجمعة خير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس بواجب، وسأخبركم كيف بدء الغسل، كان الناس مجهودين
(5)
يلبسون الصوف ويعملون عَلَى ظهورهم الحديث بطوله، وهو في أبي داود
(6)
، ثمَّ
(1)
رواه مسلم (857/ 27) كتاب: الجمعة، باب: فضل من استمع وأنصت في الخطبة.
(2)
سيأتي برقم (902) كتاب: الجمعة، باب: من أين تؤتي الجمعة وعلى من تجب، ورواه مسلم (847) كتاب: الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ وبيان ما أمروا به.
(3)
أبو داود (354، 355)، الترمذي (497) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، النسائي 3/ 94، ابن ماجه (1091).
(4)
رواها الطبراني في "الكبير" 12/ 242 (12999)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 175 فيه: محمد بن معاوية النيسابوري، وهو ضعيف، ولكنه أثنى عليه أحمد، وقال عمرو بن علي: ضعيف ولكنه صدوق.
(5)
في الأصل: مجهودون.
(6)
"سنن أبي داود"(353) كتاب: الطهارة، باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، والحديث رواه أحمد 1/ 268 - 269، وعبد بن حميد في "منتخبه" 1/ =
عللها
(1)
، وقالوا في حديث عمر وعثمان لو كان واجبًا عند عمر وعثمان ومن حضرهما من الصحابة لما تركه عثمان، ولا أقر عمر وسائر الصحابة عَلَى تركه.
قَالَ ابن حزم: ومن أين لكم بأن عثمان لم يكن اغتسل في صدر يومه إذ ذاك عادة له؟ ومن أين لكم من أن عمر لم يأمره بالرجوع إلى الغسل؟ قالوا: فأنتم من أين لكم أنه اغتسل، وأن عمر أمره بالرجوع له؟ قلنا: هبكم أنه لا دليل عندنا بهذا فلا دليل عندكم بخلافه. ثمَّ ذكر حديث مسلم بن حمران قَالَ: كنت أضع لعثمان طهوره، فما أتى عليه يوم إلا وهو يفيض عليه
(2)
. فإذا كان ذَلِكَ كل يوم فيوم الجمعة أولى، وقد قطع عمر الخطبة وأنكر، فلو لم يكن ذَلِكَ فرضًا عنده لما
= 513 - 514 (588)، وابن خزيمة في "صيححه" 3/ 127 (1755) كتاب: الجمعة، باب: ذكر علة ابتداء الأمر بالغسل للجمعة، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 116 - 117، والطبراني 11/ 219 (11548)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 280 - 281 كتاب: الجمعة- وقال: صحيح على شرط البخاري- و 4/ 189 كتاب: اللباس، والبيهقي 1/ 295 كتاب: الطهارة، باب: الدلالة على أن الغسل يوم الجمعة سنة اختيار كلاهم من حديث عكرمة عن ابن عباس، وقد ضعفه ابن حزم في المحلى 2/ 12، وحسنه ابن حجر في "الفتح" 2/ 362، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" 2/ 182 - 184 (380).
قلت: ومدار الاختلاف في تصحيحه وتحسينه وتضعيفه على عمرو بن أبي عمرو، وهو إن كان من رجال الصحيحين إلا أنه قد اختلف في حفظه، فقال ابن معين: في حديثه ضعف، ليس بالقوي. وقال أبو زرعة: ثقة وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: لا بأس به. وقال ابن حبان في "ثقاته": ربما أخطأ، فيتلخص من أقوالهم هذِه كما قال الألباني: في نفسه ثقة، وأن في حفظه ضعفًا ا. هـ.
(1)
"المحلى" 2/ 11 - 12.
(2)
رواه مسلم (231) كتاب: الطهارة، باب: فضل الوضوء والصلاة عقبه.
قطعها، وحلف: والله ما هو بالوضوء. فلو لم يكن فرضًا لما كانت يمينه صادقة
(1)
.
وقد ذكر البخاري في الباب أحاديث تدل عَلَى المطلوبية، وتأتي، وفي أبي داود والنسائي من حديث حفصة
(2)
، وفيهما والترمذي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد
(3)
، وفي أبي داود من حديث عائشة
(4)
وغير ذَلِكَ.
(1)
"المحلى" 2/ 15 - 16.
(2)
أبو داود (342) والنسائي 3/ 89 والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود"(370).
(3)
رواه أبو داود (343) والترمذي (498) من حديث أبي هريرة والنسائي 3/ 92 من حديث أبي سعيد وحسنه النووي في "المجموع" 4/ 409، وفي "الخلاصة"(2734)، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(371).
(4)
"سنن أبي داود"(352) كتاب: الطهارة، باب: في الرخصة في ترك الغسل في يوم الجمعة.
3 - باب الطِّيبِ يوم الجمعة
880 -
حَدَّثَنَا عَلِىٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ". قَالَ عَمْرٌو: أَمَّا الغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الاِسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاللهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا، وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الحَدِيثِ. [انظر: 858 - مسلم: 846 - فتح: 2/ 364]
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، وَلَمْ يُسَمَّ أَبُو بَكْرٍ هَذَا. رَوَاهُ عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ الأَشَجِّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، وَعِدَّةٌ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ يُكْنَى بِأَبِى بَكْرٍ وَأَبِى عَبْدِ اللهِ.
ذكر فيه حديث علي -هو ابن المديني- ثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ المُنْكَدِرِ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الأَنْصَاريُّ أشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمِ، وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ". قَالَ عَمْروٌ: أَمَّا الغُسْلُ فَأَشْهًدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الاسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فالله أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا، ولكن هَكَذَا فِي الحَدِيثِ.
وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وطرقه الدارقطني في "علله"
(2)
، والبخاري صح عنده سماع عمرو من أبي سعيد، فإن الشهادة لا تكون إلا بالسماع، وإن رواه مرة عن ابن أبي سعيد عبد الرحمن، فيكون سمعه منهما، وإن
(1)
"صحيح مسلم"(846) كتاب: الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به.
(2)
"علل الدارقطني" 11/ 253 (2270).
صحح الدارقطني الأول، وأبو بكر بن المنكدر لم يسم، كما قَالَ البخاري، وكذا قَالَ أبو حاتم: إنه لا يسمى
(1)
، وهو أخو محمد بن المنكدر وعمر بن المنكدر، وكان أسن من أخيه محمد، ومحمد يكنى: أبا بكر أيضًا، وأبا عبد الله، كما ذكره البخاري، وكلهم ثقات.
والاستنان: مأخوذ من السنن، يقال: سننت الحديد: حككته عَلَى السن. وقيل له: الاستنان؛ لأنه إنما يستاك عَلَى الأسنان. و ("يمس"): بفتح الميم، وحكي ضمها.
وقوله: ("وأن يمس") كذا روي، وروي بحذف "أن".
وفي مسلم: "ولو من طيب المرأة"
(2)
أي: لأن طيبها مكروه
للرجال، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه، وطيب الرجال بالعكس، وأباحه هنا للرجال للضرورة لعدم غيره، وهو دال عَلَى تأكده.
وقوله: (أما الغسل فأشهد أنه واجب). أي: متأكد. وقوله في باب: الدهن للجمعة: أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أدري
(3)
. وكذا في الدهن. يعني: أنه ليس كوجوب الغسل.
وذكر الطحاوي والطبري أنه صلى الله عليه وسلم لما قرن الغسل بالطيب يوم الجمعة وأجمع الجميع عَلَى أن تارك الطيب يومئذ غير حرج، إِذَا لم يكن لَهُ رائحة مكروهة يؤدي بها أهل المسجد، فكذا حكم تارك الغسل؛ لأن مخرجهما من الشارع واحد، وكذا الاستنان بالإجماع أيضًا، فكذا هما، وإن كان العلماء يستحبون لمن قدر عليه كما يستحبون اللباس الحسن
(4)
.
(1)
"الجرح والتعديل" 9/ 343.
(2)
"صحيح مسلم"(846/ 7) كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة.
(3)
سيأتي برقم (884).
(4)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 36.
وفي "المصنف": وكان ابن عمر يجمر ثيابه كل جمعة
(1)
. وقال معاوية بن قرة: أدركت ثلاثين من مزينة كانوا يفعلون ذَلِكَ
(2)
. وحكاه مجاهد عن ابن عباس
(3)
، وعن أبي سعيد وابن مغفل وابن عمر ومجاهد نحوه
(4)
، وخالف ابن حزم لما ذكر فرضية الغسل عَلَى الرجال والنساء، قَالَ: وكذلك الطيب والسواك
(5)
. وشرع الطيب؛ لأن الملائكة عَلَى أبواب المسجد يكتبون الأول فالأول، فربما صافحوه أو لمسوه. وفي حديث:"إن من الحق عَلَى المسلمين أن يغتسل أحدهم يوم الجمعة، وأن يمس من طيب إن كان عنده، وإن لم يكن فالماء له طيب"
(6)
.
(1)
"المصنف" لابن أبي شيبة 1/ 481 (5547) كتاب: الصلوات، من كان يأمر بالطيب.
(2)
رواه عنه ابن أبي شيبة 1/ 481 (5546) السابق.
(3)
رواه عنه ابن أبي شيبة 1/ 481 (5543) السابق.
(4)
رواه عنهم ابن أبي شيبة 1/ 480 - 481 (5541، 5542، 5544) السابق.
(5)
"المحلى" 2/ 8.
(6)
رواه الترمذي برقم (528 - 529) من حديث البراء بن عازب، قال الترمذي: حديث البراء حديث حسن، ورواية هشيم أحسن من رواية إسماعيل بن إبراهيم التيمي، وإسماعيل بن إبراهيم التيمي يضعف في الحديث.
وقال في "علله الكبير" 1/ 284 - 285: سألت محمدًا عن هذا الحديث: فقال: عن ابن أبي ليلى عن البراء موقوف، وإسماعيل بن إبراهيم التيمي ذاهب الحديث، كان ابن نمير يضعفه جدًّا، ولم يعرف حديث هشيم عن يزيد بن أبي زياد، وحديث هشيم أصح وأحسن من حديث إسماعيل.
قلت: مدار الحديث على يزيد بن أبي زياد، وقد اختلف في جرحه وتعديله: فعن شعبة: كان رفاعًا، وعن أحمد: ليس حديثه بذاك، وقال مرة: ليس بالحافظ، وعن ابن معين: ليس بالقوي. وقال العجلي: جائز الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة في نفسه إلا أنه اختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب. والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي".
فرع: اختلف في الاغتسال في السفر، فممن كان يراه عبد الله بن الحارث وطلق بن حبيب وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين وطلحة بن مصرف
(1)
.
قَالَ الشافعي: ما تركته في حضر ولا سفر، وإن الشربة منه بدينار.
وممن كان لا يراه علقمة وعبد الله بن عمر وابن جبير وابن مطعم ومجاهد وطاوس والقاسم بن محمد والأسود وإياس بن معاوية
(2)
.
وفي كتاب ابن التين قبيل باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر، عن طلحة وطاوس ومجاهد أنهم كانوا يغتسلون للجمعة في السفر، واستحبه أبو ثور، وحكاه ابن بطال عنهم أيضًا
(3)
.
فرع: عند مجاهد إِذَا اغتسل يوم الجمعة بعد الفجر من الجنابة أجزأه من غسل الجمعة
(4)
، وهو قول للشافعي
(5)
.
آخر: اغتسل ثمَّ أحدث، فعن النخعي: يعيده. وكذا ذكره طاوس، وخالفه عبد الرحمن بن أبزى وابن سيرين والحسن، وقالوا: لا يعيده. ذكره ابن أبي شيبة
(6)
، ونقل ابن التين عن الحسن الإعادة.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 437 - 438 (5037 - 5040) باب من كان يغتسل في السفر يوم الجمعة.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 437 (5030 - 5036).
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 490.
(4)
روى ذلك عنه ابن أبي شيبة 1/ 438 (5041) كتاب: الصلوات من قال: إذا اغتسل يوم الجمعة بعد الفجر أجزأه.
(5)
انظر: "الأوسط" 4/ 44، "المجموع" 4/ 406.
(6)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 438 (5048 - 5050).
4 - باب فَضْلِ الجُمُعَةِ
881 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَى -مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". [مسلم: 850 - فتح: 2/ 366]
ذكر حديث أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً".
أخرجه مسلم والجماعة
(1)
، ويأتي في الباب أيضًا.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
قوله: ("غسل الجنابة") كذا رواه الجمهور، ولابن ماهان: غسل الجمعة. والمراد: غسلًا كغسل الجنابة في صفاته، وأبعد من قَالَ: إنه حقيقة حتَّى يستحب أن يواقع زوجته؛ ليكون أغض لبصره وأسكن لنفسه، وإن كان يؤيده حديث أوس في السنن الأربعة: "من غسل يوم
(1)
مسلم برقم (850) كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة، وأبو داود برقم (351) كتاب: الطهارة، باب: في الغسل يوم الجمعة، والترمذي برقم (499) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في التبكير يوم الجمعة، والنسائي في "المجتبى" 3/ 99 كتاب: الجمعة، باب: وقت الجمعة، وفي "السنن الكبرى" 1/ 526 (1695) كتاب: الجمعة، باب: التبكير إلى الجمعة، وابن ماجه (1092) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في التهجير إلى الجمعة.
الجمعة واغتسل"
(1)
إلى آخره، عَلَى تفسير من فسر:"اغتسل" بغسل الجنابة، والأشبه فيه حمل غيره عَلَى الغسل بالحث والترغيب، وأبعد من قَالَ: إن المراد غسل ثيابه، واغتسل بجسده، حكاه ابن التين.
ثانيها:
المراد بالرواح هنا: الذهاب أول النهار. وقد نبه عليه ابن حبان في "صحيحه"، وقال: في الخبر دليل عليه ضد من قَالَ: لا يكون إلا بعد الزوال
(2)
. وهذا مذهب الكوفيين والأوزاعي والشافعي، وجماهير أصحابه، وأحمد وابن حبيب المالكي، ومحمد بن إبراهيم العبدري
(3)
.
وذهب مالك وكثير من أصحابه والقاضي الحسين وإمام الحرمين أن
المراد بالساعات هنا: لحظات لطيفة بعد الزوال، وكره مالك التبكير
(1)
أبو داود (345)، والترمذي (496)، النسائي 3/ 95 - 96، ابن ماجه (1087). قال النووي في "المجموع" 4/ 416، وفي "تهذيب الأسماء واللغات" 1/ 129: حديث حسن، وقال في "الخلاصة" 2/ 775 (2717): رواه الثلاثة بأسانيد حسنة.
وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(373): إسناده صحيح.
(2)
"صحيح ابن حبان" 7/ 13.
(3)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 223، "النوادر والزيادات" 1/ 465، "الحاوي الكبير" 2/ 452، "المغني" 3/ 164 والشافعية على خلاف حكاه النووي رحمه الله فقال: اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب التبكير إلى الجمعة في الساعة الأولى للحديث السابق، وفيما يعتبر منه الساعات ثلاثة أوجه الصحيح: عند المصنف والأكثرين من طلوع الفجر والثاني: من طلوع الشمس، وبه قطع المصنف في "التنبيه"، وينكر عليه الجزم به والثالث: أن الساعات هنا لحظات لطيفة بعد الزوال، واختاره القاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهما من الخراسانيين وهو مذهب مالك، واحتجوا بأن الرواح إنما يكون بعد الزوال، وهذا ضعيف أو باطل، والصواب أن الساعات من أول النهار؛ وأنه يستحب التبكير من أول النهار، وبهذا قال جمهور العلماء، وحكاه القاضي عياض عن الشافعي وابن حبيب المالكي وأكثر العلماء، "المجموع" 4/ 413 - 414.
في أول النهار
(1)
. والأصح عند أصحابنا أن أولها من طلوع الفجر لا من طلوع الشمس
(2)
، ونقل ابن بطال مقابله عن الكوفيين
(3)
، وبسطنا الكلام عليه في "شرح العمدة" فليراجع منه
(4)
.
ثالثها:
معنى "قرب": تصدق. والبدنة: الواحدة من الإبل والبقر والغنم، وخصها جماعة بالإبل، وهو المراد هنا، ويعجب مالك ممن قَالَ: لا تكون البدنة إلا من الإناث
(5)
. ونقله ابن التين عن الشافعي، وأبعد من قَالَ: إن الغنم لا تسمى هديًا.
والبقرة: تطلق عَلَى الذكر والأنثى، الأهلي والوحشي، ووصف الكبش بالأقرن؛ لكماله به، ففيه فضيلة عَلَى الأجم، والدجاجة مثلثة الدال، وحضر بفتح الضاد أفصح من كسرها.
رابعها: في فقهه:
فيه: الحث عَلَى التبكير إلى الجمعة، وأن مراتب الناس في الفضيلة فيها وفي غيرها بحسب أعمالهم، وأن القربان والصدقة تقع عَلَى القليل كالكثير، وقد جاء في النسائي بعد الكبش بطة ثمَّ دجاجة ثمَّ بيضة، وفي أخرى: دجاجة ثمَّ عصفور ثمَّ بيضة، بإسنادهما صحيح
(6)
.
وفيه: إطلاق القربان عَلَى الدجاجة والبيضة، والمراد: الصدقة.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 183.
(2)
انظر: "المجموع" 4/ 414.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 480.
(4)
"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" 4/ 158 - 161.
(5)
"المدونة" 1/ 308.
(6)
"المجتبى" 3/ 98 - 99، كتاب: الجمعة، باب: التبكير إلى الجمعة.
وقيل: هو محمول عَلَى حكم ما تقدمه كقولك: أكلت طعامًا وشرابًا، وعلفتها تبنًا وماءً باردًا.
وفيه: أن التضحية بالإبل أفضل من البقر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قدمها أولًا وتلاها بالبقرة، وأجمعوا عليه في الهدايا، واختلفوا في الأضحية
(1)
، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة والجمهور أن الإبل أفضل ثمَّ البقر ثمَّ الغنم كالهدايا
(2)
، ومذهب مالك أن الغنم أفضل ثمَّ البقر ثمَّ الإبل
(3)
.
قالوا: لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين
(4)
، وهو فداء إسماعيل. وحجة الجمهور حديث الباب مع القياس عَلَى الهدايا، وفعله لا يدل عَلَى الأفضلية بل عَلَى الجواز، ولعله لما لم يجد غيره، كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر
(5)
.
الخامس:
الملائكة المذكورون غير الحفظة وظيفتهم كتابة حاضريها، قاله المازري ثمَّ النووي
(6)
.
وقال ابن أبي بزيزة: لا أدري هم أو غيرهم.
وقوله: ("فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر") لا تنافي بينه وبين الراوية الأخرى في الصحيح: "فإذا جلس الإمام
(1)
انظر: "التمهيد" 4/ 16.
(2)
انظر: "مختصرالطحاوي" ص 301، "المجموع" 4/ 412، "المغني" 13/ 366.
(3)
انظر: "عيون المجالس" 2/ 932.
(4)
سيأتي الحديث الدالُّ على هذا برقم (5553) كتاب: الأضاحي، باب: في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين.
(5)
سلف الحديث الدال على هذا برقم (294) كتاب: الحيض، باب: الأمر بالنفساء إذا نفس.
(6)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 6/ 137.
طووا الصحف"
(1)
لأن بخروج الإمام يحضرون من غير طي، فإذا جلس عَلَى المنبر طووها. وفي رواية لابن خزيمة:"على كل باب من أبواب المسجد يوم الجمعة ملكان يكتبان الأول فالأول" الحديث
(2)
. وفي حديث عبد الله بن عمرو: "ورفعت الأقلام فتقول الملائكة بعضهم لبعض: ما حبس فلانًا؟ فتقول الملائكة: اللَّهُمَّ إن كان ضالًا فاهده، وإن كان مريضًا فاشفه وإن كان عائلًا فأغنه"
(3)
.
وفي "الديباج" للختلي من حديث عائشة مرفوعًا: "الأول فالأول حتَّى يكتبان أربعين ثمَّ يطويان الصحف، ويقعدان يسمعان الذكر"
(4)
.
والمراد بالذكر: الخطبة، وقد بين ذَلِكَ في حديث ابن المسيب عن أبي هريرة، وقال: يستمعون الخطبة، فمن أتى والإمام في الخطبة فاته الكتابة في الصحف، وله أجر المدرك لا المسارع.
(1)
ستأتي هذِه الرواية برقم (929) باب: الاستماع إلى الخطبة.
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 3/ 134 (1770) كتاب: الجمعة، باب: ذكر عدد من يقعد على كل باب من أبواب المسجد يوم الجمعة من الملائكة.
(3)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه" 3/ 134 - 135 (1771) كتاب: الجمعة، باب: ذكر دعاء الملائكة للمتخلفين عن الجمعة بعد طيهم الصحف. وسكت عنه الحافظ ابن حجر في "الفتح" 2/ 361 وقال الألباني: إسناده ضعيف.
(4)
"الديباج" ص.
5 - باب
882 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ، فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَحْتَبِسُونَ عَنِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ مَا هُوَ إِلاَّ سَمِعْتُ النِّدَاءَ تَوَضَّأْتُ. فَقَالَ أَلَمْ تَسْمَعُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إِلَى الجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ"؟! [انظر: 878 - مسلم: 845 - فتح: 2/ 370]
ذكر فيه حديث أبي هريرة أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، الحديث.
وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
وقد سلف من طريق عمر قريبًا واضحًا
(2)
.
(1)
"صحيح مسلم"(845) كتاب: الجمعة.
(2)
برقم (878).
6 - باب الدُّهْنِ لِلجُمُعَةِ
(1)
883 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ وَدِيعَةَ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى". [910 - فتح: 2/ 370]
884 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ طَاوُسٌ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي. [855 - مسلم: 848 - فتح: 2/ 370]
885 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الغُسْلِ يَوْمَ الجُمُعَة، فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: أَيَمَسُّ طِيبًا أَوْ دُهْنًا إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ. [انظر: 884 - مسلم: 848 - فتح: 2/ 371]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث ابن وديعة عن سلمان الفارسي قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الامَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرى".
(1)
في هامش الأصل ما نصه: بلغ في الحادي بعد الثمانين. كتبه مؤلفه.
ويأتي إن شاء الله قريبًا
(1)
وهو من أفراده، ونعلم بعضه من طريق أبي هريرة، وأخرجه النسائي وابن خزيمة من حديث قرثع الضبي عن سلمان
(2)
، وأخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن وديعة عن أبي ذر الغفاري
(3)
، وذكره الإسماعيلي فقال: رواه المقبري، عن أبيه، عن ابن وديعة، عن أبي ذر، ورواه مرة بإسقاط أبيه وزيادة:"ثلاثة أيام" ورواه ابن سعد من حديث سعيد المقبري، عن أبيه، عن ابن وديعة، عن رسول الله، ذكره في الطبقة الثالثة من الصحابة في ترجمة ثابت بن وديعة، ورواه أيضًا من حديث ثابت بن وديعة بن خذام عن رسول الله، ولثابت صحبة، وذكره في الطبقة الثالثة
(4)
، ورواه المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (910) كتاب: الجمعة، باب: لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة.
(2)
"السنن الكبرى" 1/ 518 (1665) كتاب: الجمعة، باب: ذكر فضل يوم الجمعة، و"صحيح ابن خزيمة" 3/ 118 (1732) كتاب: الجمعة، باب: ذكر العلة التي أحسب لها سميت الجمعة: جمعة.
(3)
"سنن ابن ماجه"(1097) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في الرخصة يوم الجمعة.
(4)
"الطبقات الكبرى" 4/ 373.
(5)
حديث أبي هريرة رواه ابن خزيمة في "صحيحه" 3/ 152 (1803) كتاب: الجمعة، باب: فضل الإنصات والاستماع للخطبة، والبيهقي 3/ 243 (5957) كتاب: الجمعة، باب: السند في التنظيف يوم الجمعة بغسل، قال ابن أبي حاتم في "علله" 1/ 201 - 202 (581): وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث: رواه سليمان بن بلال، عن صالح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان يوم الجمعة .. " الحديث. فقالا: هذا خطأ، هو عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن عبد الله بن وديعة، قال: ابن عجلان عن أبي ذر، وقال: ابن أبي ذئب، عن سلمان الخير، وقال أبو زرعة: حديث ابن عجلان أشبه، وقال أبي: حديث ابن أبي ذئب أشبه؛ لأنه قد تابعه الضحاك بن عثمان، وقال أبي: قال يحيى بن معين: ابن أبي ذئب أثبت في المقبري من ابن عجلان أ. هـ.
وفيه: أن غسل الجمعة مطلوب لهذا الثواب، وأن الادهان لخروجه إليها كذلك كالطيب، وهو إجماع كما قاله ابن بطال
(1)
.
قَالَ: وروي في حديث قرثع عن سلمان مرفوعًا: "إِذَا توضأ الرجل" الحديث فذكر مكان الغسل الوضوء، وهو دال عَلَى أن الثواب الموصوف إنما هو لمن شهد الجمعة بالصفة التي وصفها، وأنصت لخطبة إمامه وقراءته في صلاته دون من لم ينصت، والمعذور لعدم السماع ملحق به.
وابن وديعة اسمه: عبد الله بن وديعة بن خذام تابعي، وذكره أبو حاتم الرازي وغيره في الصحابة، وتبعهم الذهبي في "تجريده" فجزم به
(2)
، وليس لَهُ في البخاري غير هذا الموضع الواحد، ووديعة منافق، ووالده
(3)
رد صلى الله عليه وسلم نكاح بنته خنساء
(4)
.
وسلمان الخير المعمر مات سنة ست وثلاثين بعد الجمل، كذا قاله الدمياطي في "حاشيته"، وقال الواقدي: مات في خلافة عثمان بالمدائن.
الحديث الثاني:
حديث طاوس لابن عباس: ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رؤوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا". وقد سلف.
ثمَّ ذكره من طريق آخر عنه: فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: أَيَمَسُّ طِيبًا أَوْ دُهْنًا
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 483.
(2)
وبيض له مغلطاي في "الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة" 1/ 388 (627).
(3)
في هامش الأصل: يعني والد وديعة وهو خذام.
(4)
حديث ردِّ النبي صلى الله عليه وسلم نكاح خنساء بنت خذام بعد أن زوجها أبوها وهي كارهة سيأتي برقم (5138) كتاب: النكاح، باب: إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود.
إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ؟ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُهُ. وهذِه في مسلم
(1)
، وهو محمول عند الفقهاء عَلَى الندب كما سلف. وقال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يقولون: يجزئ غسل واحد للجنابة والجمعة
(2)
.
قَالَ ابن بطال: ورويناه عن ابن عمر ومجاهد ومكحول ومالك والثوري والأوزاعي وأبي ثور
(3)
، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه
(4)
، وهو قول أشهب وغيره
(5)
، وبه قَالَ المزني
(6)
، وقال آخرون: لا يجزئه عن غسل الجنابة حتَّى ينويها، وهو قول مالك في "المدونة" وذكره ابن عبد الحكم
(7)
، وذكر ابن المنذر عن بعض ولد أبي قتادة أنه قَالَ: من اغتسل للجنابة يوم الجمعة، اغتسل للجمعة
(8)
، وقال ابن حبيب: لم يختلف قول مالك ومن علمت من أصحابنا فيمن اغتسل للجنابة وهو ناسٍ للجمعة؛ أن ذَلِكَ لا يجزئه عن غسل الجمعة غير محمد بن عبد الحكم فإنه قَالَ: غسل الجنابة يجزئ عن غسل الجمعة، ولا يجزئ عكسه
(9)
، قَالَ الأبهري: لأن غسل الجنابة فرض بخلاف غسل الجمعة.
وقوله في الحديث الأول: ("ويتطهر ما استطاع") يعني: إن لم يمنعه من ذَلِكَ مانع ووجد الطيب، وقال الداودي: يعني: إن استطاع الغسل وإلا تطهر بالوضوء.
وقوله: ("أو يمس من طيب بيته") أي: امرأته.
(1)
"صحيح مسلم"(848) كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة.
(2)
"الأوسط" لابن المنذر 4/ 43.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 484.
(4)
انظر: "المغني" 3/ 228.
(5)
انظر: "الاستذكار" 2/ 19.
(6)
"مختصر المزني" ص 21.
(7)
"المدونة" 1/ 136.
(8)
"الأوسط" 4/ 44.
(9)
انظر: "الاستذكار" 2/ 20.
وقوله: ("ولا يفرق بين اثنين") أي: لا يتخطاهما أو يجلس بينهما عَلَى ضيق الموضع، وقال ابن أبي صفرة: سألت الأصيلي عنه قَالَ لي: يريد أنه قائم يصلي النافلة عَلَى قدميه، ولم يفرق بين قدميه، وفيه نظر، فانه ذكر الصلاة بعد التفرقة، ولو كان كما قَالَ، لقال: ثمَّ يصلي غير مفرق بين اثنين. وسيأتي له مزيد في بابه، وممن كره التخطي القاسم بن مخيمرة، وسعيد بن المسيب، وعروة وابن سيرين وأبو مسعود وشريح، وسلمان الخير، وأبو هريرة، وكعب الحبر.
وقال الحسن: لا بأس أن يتخطى رقاب الناس إِذَا كان في المسجد سعة
(1)
.
وقوله: ("ثمَّ يصلي ما كتب له") فيه أن التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة مستحب وأن النوافل المطلقة لا حد لها لقوله: "ما كتب له"، وفي رواية:"ما قدر له"
(2)
.
وقوله: "ثمَّ ينصت إِذَا تكلم الإمام" ووقع في بعض الروايات: "ثمَّ أنصت" وهو نقل الجمهور في مسلم
(3)
، ووقع في بعض الأصول:"انتصت" بزيادة تاء مثناة فوق، ووهمها عياض
(4)
، وليس كذلك بل لغة صحيحة، قَالَ الأزهري: قال: أنصت، وتنصت وانتصت ثلاث لغات، والإنصات: السكون
(5)
، والاستماع: الإصغاء.
(1)
رواه عن الحسن ابن أبي شيبة 1/ 473 (5478) كتاب: الأذان والإقامة، باب: في تخطي الرقاب يوم الجمعة.
(2)
رواها مسلم (857) كتاب: الجمعة، باب: فضل مَن استمع وأنصت في الخطبة.
(3)
التخريج السابق.
(4)
"إكمال المعلم" 3/ 252.
(5)
"تهذيب اللغة" 4/ 3582.
واختلف العلماء في الكلام هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه؟
وهما قولان للشافعي: قديم وجديد
(1)
.
قَالَ القاضي: قَالَ مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة
(2)
، وحكي عن الشعبي والنخعى وبعض السلف أنه لا يجب إلا إِذَا تلي فيها القرآن.
قالَ: واختلفوا إِذَا لم يسمع الإمام هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه؟ فقال الجمهور: يلزمه، وقال النخعي وأحمد والشافعي في أحد قوليه: لا يلزمه، ولو لغا الإمام هل يلزم الإنصات أم لا؟ فيه قولان لأهل العلم
(3)
، وفي قوله:"إِذَا تكلم الإمام" دليل أن الإنصات إنما هو في حال كلامه في الخطبة
(4)
، وعن أبي حنيفة: يجب الإنصات بخروج الإمام
(5)
.
وقوله: ("إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى") قيل: المراد ما بينهما من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل ذَلِكَ الوقت من الجمعة الأخرى حتَّى تكون سبعة أيام سواء، وأما الثلاثة الأيام السالفة الزائدة؛ فلأجل أن الحسنة بعشر أمثالها، كما فسر في الحديث.
قَالَ الداودي: وهذا لا يكون إلا قبل ما سمع منه عثمان وغيره في الوضوء أنه يغفر له مع آخر قطر الماء يبشرهم بالشيء ثمَّ بأكثر منه.
(1)
انظر: "روضة الطالبين" 2/ 28.
(2)
انظر: "المبسوط" 2/ 28 - 29، و"المدونة" 1/ 138 - 139 و"الأم" 1/ 180.
(3)
حكاهما القرطبي في "المفهم" 3/ 1438.
(4)
"الإعلام" 4/ 147 - 148.
(5)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 338، "المبسوط" 2/ 29.
فرع:
إِذَا بلغ في الخطبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] صلى القوم. وقال الطحاوي: يجب عليهم أن يصلوا عليه
(1)
والذي عليه عامة المشايخ أنهم ينصتوا من أولها إلى آخرها من غير أن يذكروا الله ورسوله. قَالَ ابن المنذر: وهذا أحب إليَّ
(2)
.
وعن أبي يوسف: يصلون عليه سرًّا، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق
(3)
، وهذا كله في حق القريب من الإمام، وأما البعيد فليس فيه رواية عندهم، وكان الحكم بن زهير شيخ الحنفية ينظر في الفقه
(4)
، وأجمعوا أنه لا يتكلم بكلام الناس.
واختلفوا في القراءة والذكر، وقال ابن قدامة: لا فرق بين القريب والبعيد أن يذكر الله ويقرأ القرآن، ويصلي عَلَى النبي ولا يرفع صوته، وله أن يذاكر بالفقه ويصلي النافلة
(5)
.
(1)
انظر: "الفتاوى التاتارخانية" 2/ 67.
(2)
"التمهيد" 4/ 48.
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 264، "النوادر والزيادات" 1/ 475، "الأوسط" 4/ 81، "المغني" 3/ 197.
(4)
انظر: "المبسوط" 2/ 28.
(5)
"المغني" 3/ 197.
7 - باب يَلْبَسُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ
886 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَأَى حُلَّةَ سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ". ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه مِنْهَا حُلَّة، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ! قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّى لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا". فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا. [948، 2104، 2612، 2619، 3054، 5841، 5981، 6081 - مسلم: 2068 - فتح: 2/ 373]
ذكر فيه حديث ابن عمر أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَأى حُلَّةَ سِيَرَاءَ .. الحديث.
هذا الحديث أخرجه هنا، وفي صلاة العيد والبيوع والهبة والجهاد
(1)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
، وجعله هنا من مسند ابن عمر، وكذا مسلم في رواية والنسائي
(3)
، وفي روايته الأخرى والنسائي في الزينة من مسند عمر
(4)
.
(1)
سيأتي برقم (948) في العيدين، باب: في العيدين والتجمل فيهما. و (2104) في البيوع، باب: التجارة فيما يكره لبسُهُ للرجال والنساء. و (2612) كتاب الهبة، باب: هدية ما يُكرَهُ لبسُه. و (3054)، كتاب: الجهاد، باب: التجمل للوفود.
(2)
مسلم (2068) في اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة ..
(3)
مسلم (2068/ 6)، والنسائي 3/ 96 كتاب الجمعة، باب: الهيئة للجمعة.
(4)
النسائي 8/ 196 كتاب: الزينة، باب: ذكر النهي عن لبس السيراء. من طريق نافع عن ابن عمر بن الخطاب أنه رأى حلة. الحديث. ورواه البزار في "مسنده" 1/ 252 (144).
وقال: وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمران عمر رأى حلة. ولم يقل: عن عمر إلا ابن نمير.
وطرقه الدارقطني وقال: الصواب عن ابن عمر أن عمر، قَالَ: ورواه سالم بن راشد عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن عمر، ووهم في ذكر أبي هريرة
(1)
.
وقال أبو عمر: كلاهما سواء في الاحتجاج إلا أن أيوب قَالَ: عليه حلة عطارد أو لبيد، عَلَى الشك. وفي حديث سالم: من إستبرق. وفيه: ثمَّ أرسل إليه بجبة ديباج. وفيه: "تبيعها وتصيب بها حاجتك"
(2)
.
إِذَا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
قوله: (حلة سيراء) قَالَ صاحب "المطالع": حلة سيراء عَلَى الإضافة، ضبطناه عن ابن سراج ومتقني شيوخنا، وقد رواه بعضهم بالتنوين عَلَى الصفة.
وقال الخطابي: حلة سيراء كما يقال: ناقة عشراء، يريد: أن عشراء مأخوذة من عشرة. أي: إِذَا كمل حمل الناقة عشرة أشهر سميت: عشراء
(3)
.
قَالَ صاحب "المطالع": وأنكره أبو مروان. قَالَ سيبويه: لم يأت فعلاء صفة، لكن اسمًا. وزعم بعضهم أنه بدل لا صفة
(4)
، وعن ابن التين: شك الراوي فقال: حريرًا وسيراء ولم أره في شرحه هنا.
(1)
"علل الدارقطني" 2/ 12.
(2)
"التمهيد" 14/ 240. والحديث رواه أبو داود (4041) كتاب: اللباس، باب: ما جاء في لبس الحرير.
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 575.
(4)
"الكتاب" 4/ 257.
والحلة: ثوبان غير لفقين: رداء وإزار، برد أو غيره، سميا بذلك؛ لأن كلًّا منهما يحل عَلَى الآخر.
وقال الخليل: لا يقال: حلة لثوب واحد
(1)
. وقال أبو عبيد: الحلل برود اليمن
(2)
.
وقال بعضهم: لا يقال حتَّى تكون جديدة، يحلها عن طيها. وقال ابن الأثير: الحلة من الثياب واحد الحلل، والحلة: إزار ورداء من جنس واحد، ولا تسمى حلة حتَّى تكون من ثوبين
(3)
.
والسيراء: بكسر السين وفتح الياء المثناة تحت والمد، وفيه أقوال: أحدها: الحرير الصافي، فمعناه: حلة حرير. قاله صاحب "المطالع".
ثانيها: وشيء من حرير. قاله مالك، وقال الخليل
(4)
والأصمعي: المخططة بالحرير. قَالَ ابن الأنباري: والسيراء أيضًا: الذهب. وقيل: نبت ذو ألوان وخطوط ممتدة، كأنها السيور، ويخالطها الحرير.
وفي كتاب أبي حنيفة: هي نبت، وهي أيضًا ثياب من ثياب اليمن.
وقال الخطابي: المضلعة بالحرير، وسميت سيراء لما فيها من الخطوط التي تشبه السيور
(5)
.
وتبعه ابن التين مقتصرًا عليه. وفي "الصحاح": برود فيها خطوط صفر
(6)
.
(1)
"العين" 3/ 28.
(2)
"غريب الحديث" 1/ 139.
(3)
"النهاية في غريب الحديث" 1/ 432 - 433.
(4)
"العين" 7/ 291.
(5)
"أعلام الحديث" 1/ 575.
(6)
"الصحاح" 2/ 692.
وفي "المحكم": قيل: هو ثوب مسير فيه خطوط تعمل من القز، وقيل: من ثياب اليمن
(1)
. وفي "الجامع": قيل: هي ثياب يخالطها حرير.
وفي "العين"
(2)
: يخالطها حرير، يقال: سيرت الثوب والسهم: جعلت فيه خطوطًا، ولم يذكر ابن بطال غيره
(3)
.
وقال ابن الأثير: البرد إِذَا كان فيه خطوط صفر، قاله في "شرح المسند"
(4)
تبعًا "للصحاح" كما سلف، وقال في "النهاية": نوع من البرود يخالطه حرير كالسيور، فهو فعلاء من السير القد
(5)
، وهو ما في "المغيث"
(6)
.
وقال أبو عمر: أهل العلم يقولون: إنها كانت حلة من حرير. وجاء في البخاري ومسلم: من إستبرق، وهو الحرير الغليظ
(7)
.
وقال الداودي: هو رقيق الحرير، وأهل اللغة عَلَى خلافه، وأصله فارسي: إستبره، فرد: إستبرق. ذكرها في "الصحاح" في فصل: الباء من حرف القاف
(8)
.
عَلَى أن الهمزة والسين والتاء زوائد، ثمَّ ذكرها في حرف السين والراء، وذكرها الأزهري عَلَى أن الهمزة وحدها زائدة، وقال: أصلها بالفارسية: استقره، وقال: إنها وأمثالها من الألفاظ حروف عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية
(9)
.
(1)
"المحكم" 8/ 378.
(2)
"العين" 7/ 291.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 486.
(4)
"الشافي شرح مسند الشافعي" 2/ 174.
(5)
"النهاية" 2/ 433.
(6)
"المجموع المغيث" 2/ 162.
(7)
"التمهيد" 14/ 240.
(8)
"الصحاح" 4/ 1450.
(9)
"تهذيب اللغة" 1/ 159.
قَالَ الجوهري: تصغيره: أبيرق
(1)
.
وفي أخرى: من ديباج أو خز. وفي رواية: حلة سندس
(2)
. وكلها دالة عَلَى أنها كانت حريرًا محضًا، وهو الصحيح؛ لأنها هي المحرمة، وأما المختلط من الحرير وغيره فلا يحرم إلا إِذَا كان أكثر وزنًا. قُلْتُ: يجوز أن تكون كذلك وفي النسائي.
الثاني: في "صحيح مسلم": رأى عمر عطاردًا التميمي يقيم بالسوق حلة سيراء
(3)
.
وفي البخاري في موضع آخر: رأى عَلَى رجل من آل عطارد قباء ديباج أو حرير
(4)
، وقد أسلفناه عَلَى الشك، حلة عطارد أو لبيد.
وعطارد هو ابن حاجب بن زرارة التميمي، لَهُ وفادة في طائفة من وجوه تميم فأسلموا، وذلك في سنة تسع، وقيل: عشر. والأول أصح، وكان سيدًا في قومه، وهو الذي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب ديباج كان كساه إياه كسرى، تعجب منه الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم:"لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذِه"
(5)
، ولما ادعت سجاح التميمية النبوة تبعها ثمَّ أسلم وحسن إسلامه، وله في سجاح لما كذبت:
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها
…
وأصبحت أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله رب الناس كلهم
…
على سجاح ومن بالإفك أغرانا
(6)
(1)
انظر المصدر السابق.
(2)
رواها النسائي 8/ 198.
(3)
رقم (2068) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة.
(4)
سيأتي برقم (2619) كتاب: الهبة، باب: الهدية للمشركين.
(5)
سيأتي برقم (2615) كتاب: الهبة، باب: قبول هدية من المشركين.
(6)
انظر ترجمته في: "معرفة الصحابة" 4/ 2253 (2365). و"الاستيعاب" 3/ 310 (2056). و"الإصابة" 2/ 483 (5566). و"أسد الغابة" 4/ 42 (3679).
الثالث:
قوله: (فكساها عمر أخا له بمكة مشركًا). هكذا في الصحيحين، وفي رواية للبخاري: أرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم. وهذا يدل عَلَى إسلامه بعد ذلك، وفي النسائي و"صحيح أبي عوانة": فكساها أخا له من أمه مشركًا
(1)
.
وبخط الحافظ الدمياطي عَلَى البخاري: قيل: اسمه عثمان بن حكيم السلمي، وليس بأخ له، إنما أخوه لأمه زيد بن الخطاب لا عمر بن الخطاب، وأخته خولة بنت حكيم زوج عثمان بن مظعون، وأم سعيد بن المسيب بنت عثمان بن حكيم.
الرابع:
قوله: (فلبستها يوم الجمعة، وللوفد). وفي رواية للبخاري: للعيد والوفود
(2)
.
وفي رواية الشافعي عن مالك: الوفود
(3)
وهو جمع وقد، والوفد: جمع وافد، وهو اسم جنس، وهو القادم رسولًا أو زائرًا أو منتجعًا أو مسترفدًا.
الخامس:
قوله: ("إنما يلبس هذِه من لا خلاق لَهُ في الآخرة") وفي رواية: "إنما يلبس الحرير"
(4)
.
(1)
"سنن النسائي" 8/ 196 - 197، كتاب: الزينة، باب: ذكر النهي عن لبس السيراء، "مسند أبي عوانة" 5/ 224 (8489).
(2)
سيأتي برقم (948) كتاب: العيدين، باب في العيدين والتجمل فيهما.
(3)
"مسند الشافعي" 1/ 62.
(4)
سيأتي برقم (6081) كتاب: الأدب، باب: من تجمل للوفود.
والخلاق: النصيب من الخير والحظ. وقيل: الحرمة. وقيل: الدين.
فعلى الأول هو محمول عَلَى الكفار بخلاف الآخرين.
السادس: في أحكامه:
فيه ما ترجم له، وهو: لبس أحسن ما يجد. فإن سكوته صلى الله عليه وسلم يدل عَلَى مشروعية تجمل الإنسان للجمعة والوفود ومجامع المسلمين الذي يقصدونها؛ لإظهار جمال الإِسلام، والإغلاظ عَلَى العدو، وكان ذَلِكَ عند عمر مقررًا -أعني: التجمل- فلذا قاله.
وفي "مسند أحمد" من حديث أبي أيوب مرفوعًا: "من اغتسل يوم الجمعة ولبس أحسن ثيابه ثمَّ خرج وعليه السكينة"
(1)
الحديث.
وفي ابن أبي شيبة -بإسناد عَلَى شرط الصحيح- من حديث أبي سعيد: "إن من الحق عَلَى المسلم إِذَا كان يوم الجمعة السواك، وأن يلبس من صالح ثيابه، وأن يتطيب بطيب إن كان"
(2)
وعن ابن عمر أنه كان يغتسل للجمعة، ويلبس من أحسن ثيابه
(3)
.
وفي بلاغات مالك عن يحيى بن سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ما عَلَى أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته"
(4)
ورواه أبو داود عن ابن سلام مرفوعًا،
(5)
وابن ماجه عن عائشة
(1)
"المسند" 5/ 421.
(2)
"المصنف" 1/ 480 (5541) كتاب: الصلوات، باب: من كان يأمر بالطيب.
(3)
"المصنف" 1/ 481 (5549) كتاب: الصلوات، باب: في الثياب النظاف والزينة لها.
(4)
"الموطأ" ص 89.
(5)
"سنن أبي داود"(1078) كتاب: الصلاة، باب: اللبس للجمعة. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(989): إسناده صحيح، وصححه عبد الحق الإشبيلي.
مرفوعًا
(1)
، وروي من حديث جابر أيضًا لكن بإسناد ضعيف
(2)
.
وروى أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر يوم الجمعة، وأحسن ثيابه، وكذلك في العيدين
(3)
.
قَالَ عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت أصحاب بدر وأصحاب الشجرة إِذَا كان يوم الجمعة لبسوا أحسن ثيابهم، وإذا كان عندهم طيب مسوا منه ثمَّ راحوا إلى الجمعة
(4)
.
وعن مجاهد: البس أفضل ثيابك يوم الجمعة. وعن معاوية بن قرة قَالَ: أدركت ثلاثين من مزينة إِذَا كان يوم الجمعة اغتسلوا ولبسوا من أحسن ثيابهم وتطيبوا
(5)
.
(1)
"سنن ابن ماجه"(1096) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الزينة يوم الجمعة. وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 481 (5551 - 5552) كتاب: الصلوات، باب: في الثياب النظاف والزينة لها.
وفي إسناده موسى بن عبيدة بن نشيط، أبو عبد العزيز الربذي، قال البخاري عن أحمد: منكر الحديث. وقال علي بن المديني عن يحيى القطان: كنا نتقيه تلك الأيام. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وعنه قال: مدني ضعيف، لا يحتج بحديثه. وقال أبو زرعة: ليس بقوي الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 291 (1242). "الجرح والتعديل" 8/ 151 (686). و"الكامل" لابن عدي 8/ 44 (1813). "تهذيب الكمال" 29/ 104 (6280).
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 481 (5548) كتاب: الصلوات، باب: في الثياب النظاف.
والبيهقي 3/ 280 كتاب: صلاة العيدين، باب: الزينة للعيد.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 481 (5550).
(5)
رواهما ابن أبي شيبة 1/ 481 (5545، 5546) كتاب: الصلوات، باب: من كان يأمر بالطيب.
وفي "صحيح ابن حبان" عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعًا: "من اغتسل يوم الجمعة واستن، ومس من طيب إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه". وفيه: "كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها"
(1)
.
وفيه: عرض المفضول عَلَى الفاضل والتابع عَلَى المتبوع، ما يحتاج إليه من مصالحه التي قد لا يذكرها.
وفيه: إباحة الطعن عَلَى مستحقه.
وفيه: المنع من الحرير.
قَالَ القرطبي: اختلف الناس فيه، فمن مانع ومن مجوز عَلَى الإطلاق، وجمهور العلماء عَلَى منعه للرجال وإباحته للنساء، لما في هذا الحديث وما في بابه وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"شققها خُمرًا بين نسائك"
(2)
.
وصح من حديث عَلَي أنه والذهب حرام عَلَى ذكورِ أمتي حل لإناثها
(3)
.
(1)
"صحيح ابن حبان" 7/ 16 - 17 (2778) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الجمعة.
(2)
"المفهم" 5/ 386، والحديث رواه مسلم (2068) كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة.
(3)
رواه أبو داود (4057) كتاب: اللباس، باب: في الحرية للنساء، والنسائي 8/ 160 - 161 كتاب: الزينة، باب: تحريم الذهب على الرجال، وابن ماجه (3595) كتاب: اللباس، باب: لبس الحرير والذهب للنساء. بلفظ: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حريرًا بشماله وذهبًا بيمينه ثم رفع بهما يديه فقال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها".
وأحمد 1/ 96، 115، وأبو يعلى 1/ 235 (272)، 1/ 273 - 274 (325)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/ 250، وابن حبان في "صحيحه" 12/ 249 - 250 (5434) كتاب: اللباس وآدابه، والبيهقي 2/ 425 كتاب: الصلاة، باب: الرخصة في الحرير والذهب للنساء، والضياء في "الأحاديث المختارة" =
وحسنه ابن المديني، وقال أبو عمر: لا يختلفون في الثوب المصمت الحرير الصافي الذي لا يخالطه غيره؟ أنه لا يحل للرجال لبسه
(1)
.
فأما العلم في الثوب وسداه فلا بأس به.
وأجمعوا عَلَى أن لباس الحرير للنساء جائز، وكذلك التحلي بالذهب، لا يختلفون في ذَلِكَ للنساء، واختلفوا في الثوب الذي يخالطه الحرير، وسيأتي لذلك زيادة في بابه إن شاء الله تعالى.
وفيه: جواز البيع والشراء عَلَى أبواب المساجد كما قَالَ أبو عمر
(2)
وفي أبي داود أنه أخذها فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ابتع هذِه
(3)
.
وفيه: مباشرة الصالحين والفضلاء البيع والشراء.
وفيه: جواز تملك ما لا يجوز لبسه له. وجواز هديته وتحصيل المال منه، وقد جاء:"لتصيب بها مالا"
(4)
.
وفيه: ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من السخاء وصلة الإخوان والأصحاب بالعطاء.
وفيه: صلة الأقارب والإحسان إليهم. وجواز الهدية إلى الكافر.
وعليه بوب البخاري أيضًا، وإهداء الثياب الحرير للرجال؛ لأنها
= (588، 589)، 2/ 234 (613).
وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه"(2896): صحيح.
(1)
"التمهيد" 14/ 240، وانظر:"المفهم" 5/ 386.
(2)
"التمهيد" 14/ 261.
(3)
أبو داود (1077).
(4)
سيأتي برقم (6081) كتاب: الأدب، باب من تجمل للوفود، ومسلم (2068) كتاب: اللباس والزينة.
لا تتعين للبسهم، فإن قُلْتَ: يؤخذ منه عدم مخاطبة الكفار بالفروع حيث كساه عمر إياه. قُلْتُ: لا، فإنه ليس فيه الإذن فيه، وإنما فيه الهدية إلى الكافر، وقد بعث الشارع ذَلِكَ إلى عمر وعلي وأسامة، ولم يلزم منه إباحة لبسها لهم، بل صرح صلى الله عليه وسلم بأنه إنما أعطاه؛ لينتفع بها بغير اللبس.
8 - باب السِّوَاكِ يَومَ الجُمُعَةِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَسْتَنُّ. [انظر: 858]
887 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي -أَوْ عَلَى النَّاسِ- لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ". [7240 - مسلم: 252 - فتح: 2/ 374]
888 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ الحَبْحَابِ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ". [فتح: 2/ 374]
889 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَحُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ. [انظر: 245 - مسلم:255 - فتح: 2/ 375]
ذكر فيه حديثًا معلقًا، وثلاثة أحاديث مسندة، قَالَ: وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَسْتَنُّ.
وهذا التعليق سلف في باب الطيب مسندًا
(1)
.
ثمَّ ذكر حديث عبد الله بن يوسف، ثنا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أَمَّتِي -أَوْ عَلَى النَّاسِ- لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عند كُلِّ صَلَاةٍ". هذا الحديث رواه عن أبي هريرة جعفر بن ربيعة بلفظ:"عَلَى أمتي لأمرتهم بالسواك"
(2)
.
وفي حديث مالك: "مع كل صلاة"، وفي رواية النسائي عن قتيبة عن مالك
(3)
.
(1)
سبق برقم (880) كتاب: الجمعة.
(2)
سيأتي برقم (7240) كتاب: التمني، باب: ما يجوز من اللو.
(3)
"سنن النسائي" 1/ 12 كتاب: الطهارة.
وزعم أبو عمر أن رواية عبد الله بن يوسف وجماعات: "لولا أن أشق عَلَى المؤمنين -أو عَلَى الناس- لأمرتهم بالسواك " وزاد معن: "عند كل صلاة" وكذا قَالَ قتيبة، ولم يقل:"أو عَلَى الناس" كل هذا قد روي عن مالك، عن أبي الزناد
(1)
.
وكذا ذكر أبو العباس أحمد بن طاهر الداني في "أطراف الموطأ"، وذكر أنه في "الموطأ" في آخر الطهارة مختصر ليس فيه تحديد، ثم ذكر أن في آخر "الموطأ" أن أبا هريرة قال: لولا أن يشق عَلى أمته لأمرهم مع كل وضوء
(2)
. وأنه موقوف عند يحيى بن يحيى وطائفة، ورفعه مطرف وجماعة عن مالك، وذكر أن رواية معن ومطرف وجويرية:"مع كل صلاة"
(3)
.
وذكر الدارقطني في "الموطآت" أن يوسف ومحمد بن يحيى قالا كما في الكتاب: "عَلَى أمتي، أو عَلَى الناس" وقال معن: "عَلَى المؤمنين، أو عَلَى الناس" زاد معن: "عند كلل صلاة".
وادعى ابن التين أنه ليس في هذا الحديث في "الموطأ": "مع كل صلاة" ولا قوله: "أو عَلَى الناس" وقد ظهر لك خلافه، وفي الباب عن سبعة عشر صحابيًّا ذكرهم الترمذي
(4)
.
(1)
"التمهيد" 18/ 299.
(2)
"الموطأ" ص 64.
(3)
"الإيماء إلى أطراف الموطأ" 3/ 346 - 347.
(4)
عدهم الترمذي بعد حديث (22). قال: وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعلي وعائشة وابن عباس وحذيفة وزيد بن خالد وأنس وعبد الله بن عمرو وابن عمر وأم حبيبة وأبي أمامة وأبي أيوب وتمام بن عباس وعبد الله بن حنظلة وأم مسلمة وواثلة بن الأسقع وأبي موسى، انظر تخريج الحديث من هذِه الطرق وزيادات في الإمام لابن دقيق العيد 4/ 351 - 379، و"البدر المنير" 1/ 698 - 722، 2/ 39 - 54 و"تلخيص الحبير" 1/ 62 وما بعدها و"الإرواء"(70).
إِذَا عرفت ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
الأول:
الاستدلال بهذا الحديث مطابق؛ لأنه إِذَا ثبت السواك في غيرها من الصلوات فهي مع الندب إلى الاغتسال لها وإحسان الهيئة أولى بالسواك، ويحتمل أن يكون مراده كما نبه عليه ابن المنير
(1)
. ما هو منطوق به في حديث أبي سعيد الذي علقه في أوّل هذا الباب، وقد أسنده في باب: الطيب للجمعة كما سلف
(2)
، وأن مراده من حديث الباب: مع كل صلاة، وصلاة الجمعة صلاة فتدخل تحت ذلك، ثم ساق في الباب غيره كما ستعلمه استطرادًا في السواك مطلقًا.
الثاني:
معنى: "لولا أن أشق": لولا أن أحرجهم. وقد أسلفنا عن ابن حزم أن السواك فرضٌ يوم الجمعة، وهو من جموده
(3)
.
قال الإمام الشافعي: لو كان واجبًا لأمرهم به، شق أو لم يشق
(4)
.
الثالث: في أحكامه:
فيه: أن الأمر للوجوب، وأن المندوب ليس مأمورًا به. وشرعية
(1)
"المتواري" ص 108.
(2)
سلف برقم (858).
(3)
قال ابن حجر رحمه الله: قال الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه قال: هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامدًا بطلت صلاته. "فتح الباري" 2/ 376.
وقال ابن رجب رحمه الله:
قيل: إنه لا يصح عنه. "فتح الباري" 8/ 123.
(4)
انظر: "الأم" 1/ 23.
السواك للفرض والنفل، وجواز الاجتهاد للشارع فيما لم يرد فيه نص، وما كان عليه من الرفق بأمته، وأنه لا كراهة فيه للصائم بعد الزوال، وعليه بوب النسائي
(1)
.
"وإباحة السواك في المسجد؛ لأن (عند) تقتضي الظرف حقيقة فيقتضي استحبابه بحضرة كل صلاة وعندها، وعند بعض المالكية كراهته في المسجد لاستقزاره، والمسجد منزه عنها
(2)
.
وأن الأمر للتكرار؛ لأن الحديث دال على كون المشقة مانعة من الأمر بالسواك، ولا مشقة في وجوبه مرة لمسمى السواك مع عدم الكلفة أو قلتها، وإنما المشقة في التكرار مع الوجوب، فلو لم يكن الأمر للتكرار لما كانت المشقة مانعة؛ لأنه ممتنع كون المشقة مانعة ولا مشقة، لكن المشقة مانعة من الوجوب فالأمر للتكرار.
قال المهلب: وفيه أن السنن والفضائل ترتفع عن الناس إذا خشي منها الحرج عليهم، وإنما أكد في السواك لمناجاة الرب وتلقي الملائكة لتلك المناجاة، فلزم تطهير النكهة، وتطيب الفم
(3)
.
الحديث الثاني:
حديث أنس مرفوعًا: "أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ".
وهو من أفراده، ومعناه: أكثرت عليكم، وحقيقٌ أن أفعل، وحقيقٌ عليكم أن تسمعوا وتطيعوا دون الإكثار، وشيخه فيه أبو معمر عبد الله بن عمرو المقعد
(1)
"سنن النسائي" 1/ 12 كتاب: الطهارة.
(2)
انظر: "مواهب الجليل" 1/ 383.
(3)
انظر "شرح ابن بطال" 2/ 486.
الثالث:
حديث أبي وائل شقيق بن سلمة عن حذيفة: كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بالسواك.
وقد سلف في باب: السواك، من باب: الطهارة
(1)
ويحتمل أن يكون قيامه لأجل الصلاة فتؤخذ الجمعة من باب أولى.
(1)
سبق برقم (245) كتاب: الوضوء.
9 - باب مَنْ تَسَوَّكَ بِسِوَاكِ غَيِرْهِ
890 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ. فَأَعْطَانِيهِ، فَقَصَمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ مُسْتَسْنِدٌ إِلَى صَدْرِي. [1389، 3100، 3774، 4438، 4446، 4449، 4450، 4451، 5217، 6510 - مسلم: 2443 - فتح: 2/ 377]
ذكر في حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ .. الحديث
وقد ذكره البخاري هنا وفي الخمس والمغازي، ومرضه صلى الله عليه وسلم، وفضل عائشة
(1)
، وأخرجه مسلم فيه
(2)
.
وقولها: (ومعه سواك يستن به) وفي أخرى للبخاري تأتي في وفاته: سواك رطب يستن به.
فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره
(3)
وفي يده جريدة رطبة
(4)
.
وقولها: (فقصمته) روي بالصاد المهملة والمعجمة
(5)
، قال صاحب "المطالع": والإهمال لأكثرهم.
(1)
سيأتي برقم (3100) كتاب: فرض الخمس، باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهن، و (4438، 4446، 4449، 4450، 4451) كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
(2)
مسلم (2443) كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فصل عائشة رضي الله عنها.
(3)
يأتي برقم (4438).
(4)
يأتي برقم (4451).
(5)
ورد بهامش الأصل: إذا كان بالمهملة تكون مفتوحة وإذا كان بالمعجمة تكون مكسورة وهو الأصح ( .... ) كلام المؤلف.
وادعى ابن الجوزي أن الإعجام أصح، وكذا ذكرها ابن الأثير
(1)
.
وقال ابن التين: ضبط بالصاد المهملة وبالقاف، وبالفاء أيضًا، وكله يصح في المعنى؛ لأن الفضم -بالفاء- الكسر، قال: وصوابه القاف والصاد المهملة، قال: وكذا رويناه. قال: وقد يصح بالمعجمة؛ لأنه الأكل بأطراف الأسنان، فكأنها أخذته بأطراف أسنانها. وقال ثعلب: قضمت الدابة شعيرها بكسر ثانيه تقضم.
وحكى الليثي عن ثابت وابن طلحة: قضمت بالفتح ولم أره لغيرهما.
وفيه من الأحكام: طهارة ريق ابن آدم، وعن النخعي: نجاسة البصاق، والاستنان بالرطب؛ لئلا يجرح.
وقال بعض الفقهاء: إن الأخضر لغير الصائم أحسن
(2)
. وإصلاح السواك وتهيئته، والاستياك بسواك الغير، والعمل مما يفهم عند الإشارة والحركات.
(1)
"النهاية في غريب الحديث" 4/ 78، 87.
(2)
انظر: "التفريع" 1/ 308، "الذخيرة" 2/ 508.
10 - باب مَا يُقرَأُ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ يَومَ الجُمُعَةِ
891 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ هُرْمُزَ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ: {الم (1) تَنْزِيلُ} [السجدة: 1، 2] وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1]. [1068 - مسلم: 880 - فتح: 2/ 377]
ذكر فيه حديث أبي هريرة قَالَ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الفجر يوم الجُمُعَةِ: {الم (1) تَنْزِيلُ} [السجدة: 1، 2] و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان:1]. رواه عن أبي نعيم، ثنا سفيان، عن سعيد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة. وفي بعض النسخ بدل (أبي نعيم):(محمد بن يوسف)، وعليه ضبة، وما أسلفناه هو ما في أصل الدمياطي بخطه في الحاشية: ومحمد بن يوسف. وذكر خلف في "أطرافه" أن البخاري رواه عنهما في الصلاة، وعلى الحاشية لم أجد حديث محمد ولا ذكره الدمشقي، وأما أبو نعيم فأورده كما سقناه، وقال في سفيان الثوري. ثم قال: رواه البخاري عن أبي نعيم، ورواه الإسماعيلي من طريق جماعة منهم: أبو نعيم، فلم يذكر منهم محمد بن يوسف.
وأخرجه مسلم عن زهير، عن وكيع، عن سفيان
(1)
، وأخرجه من حديث ابن عباس أيضًا
(2)
، وفي "شريعة البخاري"
(3)
من حديث أبان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: غدوت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة من المئين في الركعة الأولى
(1)
مسلم (880/ 65).
(2)
مسلم (879).
(3)
جاء في "فتح الباري" 2/ 379، "عمدة القاري" 5/ 269:"شريعة ابن أبي داود".
فيها سجدة، فسجدت، ثم غدوت عليه من الغد فقرأ في الركعة الأخيرة سورة من المئين فيها سجدة فسجد.
وسقط سعد بن إبراهيم في رواية أبي الحسن وأُلْحِقَ ولابد منه، والقراءة بهاتين السورتين أخرجه ابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص
(1)
.
وفي "الطبراني الصغير": حدثنا محمد بن بشر، ثنا دحيم، ثنا الوليد بن مسلم، حَدَّثَنِي ثور بن يزيد، عن عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله مرفوعًا بزيادة: يديم ذلك ثم قال: لم يروه عن عمرو إلا ثور، ولا عن ثور إلا الوليد، تفرد به دحيم، ولا كتبناه إلا عن ابن بشر
(2)
.
قلت: وهو فائدة جليلة فارحل إليها.
إذا تقرر ذلك فذهب أكثر العلماء -كما حكاه عنهم ابن بطال- إلى القول بهذا الحديث، روي ذلك عن علي وابن عباس، وأجازوا أن يقرءوا بسورة فيها سجدة في الفجر يوم الجمعة، واستحبه النخعي وابن سيرين
(3)
وهو قول الكوفيين والشافعي وأحمد وإسحاق، وقالوا: هو سنة.
واختلف قول مالك في ذلك، فروى ابن وهب عنه أنه لا بأس أن
(1)
"سنن ابن ماجه"(822) كتاب: إقامة الصلاة، باب: القراءة في صلاة الفجر يوم الجمعة.
(2)
"المعجم الصغير" 2/ 178 - 179 (986).
(3)
روى هذِه الآثار ابن أبي شيبة 1/ 470 - 471. كتاب: الصلوات، باب: من كان يستحب أن يقرأ في الفجر يوم الجمعة بسورة فيها سجدة. وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 127.
يقرأ الإمام بالسجدة في الفريضة، وروى عنه أشهب أنه كره للإمام ذلك إلا أن يكون من خلفه قليل لا يخاف أن يخلط عليهم
(1)
.
وروى ابن أبي شيبة -بإسناد جيد- عن أبي حمزة الأعور، عن إبراهيم أنه صلى بهم يوم الجمعة الفجر فقرأ بهم، {كهيعص (1)} [مريم: 1]
(2)
. وعن علي أنه قرأ في الفجر يوم الجمعة بسورة الحشر وسورة الجمعة
(3)
.
ومذهب الكوفيين كراهة قراءة شيء من القرآن موقتة بشيء من الصلوات، وأن يقرأ سورة السجدة، و {هَلْ أَتَى} في الفجر في كلِّ جمعة، وذلك لما فيه من هجران باقي القرآن، وليس فيه مهجور. وإيهام تفضيل بعضه على بعض، وكلام الله في الحقيقة سواء، لقيامه بذات الله وشرفه بها.
قال الطحاوي: معناه إذا رآه حتمًا واجبًا لا يجزي غيره أو رأى القراءة بغيرها مكروهة، أما لو قرأها في تلك الصلاة تبركًا أو تأسيًا بالشارع أو لأجل التيسير فلا كراهة، وفي "المحيط" من كتبهم: بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانًا؛ لئلا يظن الجاهل أنه لا يجوز غيره
(4)
، وقال المهلب: القراءة في الصلاة محمولة على قوله:
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 487.
وانظر: "حلية العلماء" 2/ 94، "روضة الطالبين" 1/ 248، "الكافي" 1/ 509 - 510، "المبدع" 2/ 165، "الذخيرة" 2/ 415.
(2)
"المصنف" 1/ 471 (5450).
(3)
"المصنف" 1/ 470 - 471 (5445).
(4)
وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله:
ليست قراءة {الم (1) تَنْزِيلُ} التي فيها السجدة ولا غيرها من ذوات السجود واجبة في فجر الجمعة باتفاق الأئمة، ومن اعتقد ذلك واجبًا أو ذم من ترك ذلك فهو ضال =
{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] وإنما كره مالك ذلك خشية التخليط على الناس
(1)
.
ولذلك ترك الشارع في آخر فعله السجود في المفصل؛ لأنه الذي يقرأ به في الخمس. وقال ابن العربي: خرَّج البخاري قراءة الصبح يوم الجمعة عن سعد بن إبراهيم بلفظ (كان) المقتضية للمداومة، وهو مضعف عند مالك وغيره، وقد جاءت الرواية أيضًا من غير طريقه، ولكنه أمر لم يعلم بالمدينة والله أعلم من قطعه كما قطع غيره، فينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب للقدوة، ويقطع أحيانًا؛ لئلا يظنه العامة من السنة
(2)
.
= مخطئ، يجب عليه أن يتوب من ذلك باتفاق الأئمة. وإنما تنازع العلماء في استحباب ذلك وكراهيته. فعند مالك يكره أن يقرأ بالسجدة في الجهر. والصحيح أنه لا يكره، كقول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد؛ لأنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد في العشاء الباب {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} وثبت عنه في الصحيحين أنه كان يقرأ في الفجر يوم الجمعة {الم (1) تَنْزِيلُ} و {هَلْ أَتَى} . وعند مالك يكره أن يقصد سورة بعينها. وأما الشافعي وأحمد فيستحبون ما جاءت به السنة، مثل الجمعة والمنافقين، وفي الجمعة. والذاريات و {اقْتَرَبَتِ} في العيد، {الم (1) تَنْزِيلُ} {هَلْ أَتَى} في فجر الجمعة.
لكن هنا مسألتان نافعتان:
(الأولى) أنه لا يستحب أن يقرأ بسورة فيها سجدة أخرى باتفاق الأئمة، فليس الاستحباب لأجل السجدة، بل للسورتين، والسجدة جاءت اتفاقا، فإن هاتين السورتين فيهما ذكر ما يكون في يوم الجمعة من الخلق والبعث.
(الثانية) إنه لا ينبغي المداومة عليها، بحيث يتوهم الجهال أنها واجبة، وأن تاركها مسيء، بل ينبغي تركها أحيانًا لعدم وجوبها، والله أعلم. "مجموع الفتاوى" 24/ 204 - 205.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 350.
(2)
"عارضة الأحوذي" 2/ 309 - 310.
وهو عجيب منه فهو سنة عند الخاصة والعامة، وصاحب الشرع داوم عليه كما سلف بالإسناد الصحيح، فكيف المعدل عنه؟
وقوله في ابن إبراهيم، ولا نعلم أحدًا ضعفه ولا ذكره في الضعفاء، وفي "شرح ابن التين": إن هذا الحديث يرد على من قال: لم يُرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد في غير المفصل؛ إذ يفيد أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ السجدة ولا يسجدها. قلت: وقد قدمنا سجوده فيها.
11 - باب الجُمُعَةِ فِي القُرى وَالمُدْنِ
892 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ -بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ عَبْدِ القَيْسِ بِجُوَاثَى مِنَ البَحْرَيْنِ. [4371 - فتح: 2/ 379]
893 -
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"كُلُّكُمْ رَاعٍ". وَزَادَ اللَّيْثُ: قَالَ يُونُسُ: كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ -وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي القُرَى-: هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ؟ وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا، وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ، فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ -وَأَنَا أَسْمَعُ- يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ -قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". [2409، 2554، 2558، 2751، 5188، 5200، 7138 - مسلم: 1829 - فتح: 2/ 380]
القرى: جمع قرية على غير قياس، قال الجوهري: لأن ما كان على فَعْلَة بفتح الفاء من المعتل فجمعه ممدود، مثل ركْوَة وركاء، وَظْبية وظِبَاء، وجاء القرى مخالفًا لبابه لا يقاس عليه، ويقال: قرية: لغة يمانية، ولعلها جمعت على ذلك مثل لحية ولحى، والنسبة إليها قروي
(1)
.
(1)
"الصحاح" 6/ 2460.
وقال ابن الأثير: القرية من المساكن والأبنية والضياع، وقد تطلق على المدن
(1)
.
وقال صاحب "المطالع": القرية: المدينة، وكل مدينة قرية؛ لاجتماع الناس فيها، من قريت الماء في الحوض، أي: جمعته، وأما المدن فجمع مدينة وتجمع أيضًا على مدائن بالهمز، ومدن مخفف الدال وتثقل، واشتقاقها من: مدن بالمكان إذا أقام به.
وقال ابن التين: المدن جمع مدينة تخفف الدال. وتثقل إذا قلنا أن وزنها فعيلة من مدن بالمكان إذا أقام به، وأما إن قلنا: من دنت، أي: ملكت، فوزنها مفعلة قال: وجمعها مداين بغير همز.
ذكر فيه حديثين:
أحدهما:
حديث ابن عباس: إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ- بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ عَبْدِ القَيْسِ بِجُوَاثَى مِنَ البَحْرَيْنِ.
رواه من طريق أبي عامر العقدي، واسمه: عبد الملك بن عمرو، وأبو جمرة راويه عن ابن عباس بالراء، واسمه نصر بن عمران الضبعي، والحديث من أفراد البخاري، وأخرجه أبو داود بلفظ: إن أول جمعة جمعت في الإِسلام -بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة- لجمعة جمعت بجواثى، قرية من قرى البحرين.
وقال عثمان بن أبي شيبة قرية من قرى عبد القيس
(2)
. وللإسماعيلي: أول جمعة جمعت بحواثى بالبحرين بعد جمعة جمعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
"النهاية" 4/ 56.
(2)
"سنن أبي داود"(1068) كتاب: الصلاة، باب: الجمعة في القرى.
وجواثي بضم الجيم، وفتح الواو، وقد تهمز، ثم ألف وثاء مثلثة: قرية أو مدينة بالبحرين
(1)
.
وحكى ابن التين عن الشيخ أبي الحسن أنها مدينة، ثم قال: وهو خلاف ما ذكر القاضيان: أبو محمد وأبو الوليد أنها قرية. (وحكى الجوهري وابن الأثير أنها اسم لحصن بالبحرين
(2)
، وكذا هو في "البلداني" للزمخشري)
(3)
.
وقال البكري: جواثى على وزن فعالى: مدينة بالبحرين لعبد القيس
(4)
.
إذا تقرر ذلك فالإجماع قائم على وجوب الجمعة على أهل المدن، واختلفوا في وجوبها على أهل القرى، فقال مالك: كل قرية فيها مسجد أو سوق فالجمعة واجبة على أهلها، ولا تجب على أهل العمود وإن كثروا؛ لأنهم في حكم المسافرين
(5)
، وبه قال الشافعي وجماعة
(6)
، وأوجبها منهم أحمد على القرية إذا كان لها أبنية مجتمعة وفيها أربعون من أهل وجوب الجمعة، وهم: الأحرار، البالغون، العقلاء، المقيمون، الذين لا يظعنون شتاء ولا صيفًا إلا ظعن حاجة
(7)
.
وقال أبو حنيفة: لا تصح إلا في مصرٍ جامع أو في مصلى العصر،
(1)
انظر: "معجم ما استعجم" 2/ 401، و"معجم البلدان" 2/ 174.
(2)
انظر: "الصحاح" 1/ 178. و"النهاية" 1/ 311.
(3)
من (ج).
(4)
"معجم ما استعجم" 2/ 401.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 451، 452.
(6)
انظر: "التهذيب" 2/ 324، "روضة الطالبين" 2/ 4، "المغني" 2/ 203.
(7)
انظر: "الكافي" 1/ 482.
ولا تجوز في القرى
(1)
، وتجوز بمنى إذا كان الأمير أمير الحج
(2)
، أو كان الخليفة مسافرًا. ووافقه أبو يوسف، وهو قول الثوري.
وقال محمد: لا جمعة بمنى، ولا يصح بعرفات في قولهم جميعًا
(3)
، وعند أصحابنا لها شروط: أن تقام في أبنية مجتمعة يستوطنها صيفًا وشتاء من تنعقد بهم الجمعة، سواء أكان البناء من حجر أو خشب أو طين أو قصب أو غيرها، وسواء فيه البلاد الكبار وذوات الأسواق والقرى الصغار، فإن كانت الأبنية متفرقة لم تصح قطعًا؛ لأنها لا تعد قرية ويرجع في الاجتماع والتفرق إلى العرف وأما أهل الخيام وإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاءً وصيفًا لم تصح الجمعة قطعًا، وإن كانوا ملازمين فيها صيفًا وشتاءً وهي مجتمعة بعضها إلى بعض فقولان:
أظهرهما: لا وجوب عليهم، ولا تصح منهم. وبه قال مالك وأبو حنيفة
(4)
. والثاني: نعم
(5)
. وبه قال أحمد وداود
(6)
، ونُقِلَ قول أبي حنيفة عن علي وحذيفة وعطاء وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم والحسن والنخعي ومحمد ومجاهد وابن سيرين والثوري وعبد الله بن الحسن وسُحنون
(7)
.
(1)
انظر: "الهداية" 1/ 89.
(2)
في الأصل: الحاج والمثبت من "بداية المبتدي" ص 26.
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 260.
(4)
"الهداية" 1/ 89، "منية المصلي" ص 327، "المعونة" 1/ 161، "الاستذكار" 2/ 57.
(5)
انظر: "المجموع" 4/ 367 - 368.
(6)
انظر: "الكافي" 1/ 482، "شرح الزركشي" 1/ 465، "المحلى" 5/ 49، 52.
(7)
انظر: "البناية" 3/ 49.
وقال الرازي في "أحكامه": اتفق فقهاء الأمصار على أنها مخصوصة بموضع، لا يجوز فعلها في غيره؛ لأنهم مجمعون على أنها لا تجوز في البوادي ومناهل الأعراب، ونقل عن أصحابهم أنها مخصوصة بالأمصار ولا تصح في القرى
(1)
.
قلت: ذكر ابن المنذر أن ابن عمر كان يرى أن أهل المناهل والمياه يجمعون، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب بذلك، فروى جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: إنا أهل قرية ليسوا بأهل عمود ينتقلون. فأمرَّ عليهم أميرًا يجمع بهم
(2)
.
قال الرازي: فلو كانت الجمعة واجبة في القرى لورد النقل به كما ورد في الأمصار، لعموم الحاجة، ولبينه صلى الله عليه وسلم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وللمدينة قرى كثيرة، ولم ينقل عنه أنه أمر أهلها بالجمعة.
واختلف في المصر الذي تجوز فيه الجمعة عندهم، فعن أبي يوسف: كل موضع يكون فيه كل محترف، ويوجد فيه جميع ما يحتاج الناس إليه في معايشهم وفي التبايع عادة، وبه فقيه يفتي وقاض يقيم الحدود. وعنه: إن بلغ سكانه عشرة آلاف، وقيل: عشرة آلاف مقاتل.
وقيل: بحيث لو قصدهم عدو أمكنهم دفعه. وقيل: كل موضع فيه منبر وقاض ينفذ الأحكام، ويقيم الحدود
(3)
.
قال في "المحيط ": وبه نأخذ، وهو ظاهر الرواية. وقيل: أن لو اجتمعوا إلى أكبر مساجدهم لم يسعهم. وقيل: أن تكون مجال يعيش
(1)
"أحكام القرآن" 5/ 337.
(2)
"الأوسط" 4/ 26 - 27 (1747).
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 259 - 260، "تبيين الحقائق" 1/ 217.
فيها كل محترف بحرفته من سنة إلى سنة من غير أن يشتغل بحرفة أخرى.
وعن محمد: كل موضع مصره الإمام فهو مصر، حتى لو بعث إلى قرية نائبًا؛ لإقامة الحدود والقصاص تصير مصرًا، وإذا عزله ودعاه يلحق بالقرى
(1)
.
يؤيد هذا أن عثمان بن عفان أرسل عبدًا أسود إلى الربذة، فكان أبو ذر يصلي خلفه
(2)
، وكذا غيره من الصحابة الجمعة وغيرها. ولا جمعة في المغارة والبراري إجماعًا إلا عند الظاهرية.
ذكر ابن حزم أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بعرفات قال: إنه لا خلاف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خطب وصلى ركعتين وهذِه صفة صلاة الجمعة. ولا روى أحد أنه ما جهر فيها، وعنده: لو صلى المعذور بامرأته صلاهما ركعتين، وكذا النساء في جماعة
(3)
.
وفي "التحفة" من كتب الحنفية: إن فعلها يكون على وجه الشهرة، حتى أن أميرًا لو جمع جنده في الحصين وغلق بابه، ولم يأذن بالدخول فيه للعامة جازت
(4)
.
وفي "المحيط": الأداء على سبيل الاشتهار شرط حتى لو أغلق الأمير باب قصره وصلى فيه بجنده لا يجوز، وإن فتح باب قصره وأذن للناس في الدخول جاز ويكره
(5)
.
استدل من أجاز الجمعة في القرى بالحديث الذي أورده البخاري في
(1)
انظر: "الفتاوى التاتارخانية" 2/ 49.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 30 (6099 - 6101) كتاب: الصلوات. باب: إمامة العبد.
(3)
"المحلى" 5/ 50، 55.
(4)
"تحفة الفقهاء" 2/ 162.
(5)
"المحيط" 2/ 464.
الباب، وبما رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي، وصححه ابن خزيمة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك -وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره- عن أبيه أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم على أسعد بن زرارة، فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة؟ قال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت
(1)
من حرة بني بياضة في نقيع يعرف بنقيع الخضمات
(2)
.
وللبيهقي في "سننه": كان أسعد أول من جمع بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلًا
(3)
.
وللبيهقي في "المعرفة": قال الزهري: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى المدينة؛ ليقرئهم القرآن جمع بهم وهم اثنا عشر رجلًا، فكان مصعب أول من جمع الجمعة بالمدينة بالمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي: يريد: الاثنى عشر النقباء الذين
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: هزم الأرض ما تَهزَّم منها، أي: تكسر وتشقق وهو بفتح الهاء وإسكان الزاي، قال أبو عبيد البكري: وقد روى سعيد في هرم بني بياضة بالراء، والنبيت بفتح النون ثم باء موحدة مكسورة وسكون المثناة تحت ثم تاء مثناة باثنتين فوق. قال البكري: جبل بصدر قناة على بريد من المدينة.
(2)
رواه أبو داود (1069)، ابن ماجه (1082)، ابن خزيمة 3/ 112 - 113 (1724)، البيهقي 3/ 177. قال البيهقي: حديث حسن الإسناد صحيح.
وصححه الحاكم 1/ 281 على شرط مسلم، ووافقه المصنف. رحمه الله في "البدر المنير" 4/ 600 ونقل عن البيهقي أنه قال في "الخلافيات": رواته كلهم ثقات.
وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 56: إسناده حسن. وقال في "الدراية" 1/ 215: رجاله ثقات.
وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(980).
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 177، كتاب: الجمعة، باب: العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة.
خرجوا به إلى المدينة وكانوا له ظهرًا
(1)
.
وفي حديث كعب: جمع بهم أسعد وهم أربعون. وهو يريد جميع من صلى معه ممن أسلم، من أهل المدينة مع النقباء، وأيضًا فقول كعب متصل، وقول الزهري منقطع.
وفي "مغازي موسى بن عقبة" وابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم حين ركب من بني عمرو بن عوف إلى المدينة مر على بني سالم -وهي قرية بين قباء والمدينة- فأدركته الجمعة، فصلى بهم الجمعة، فكانت أول جمعة صلاها حين قدم
(2)
، ولم أجد فيها ذكر عدد من صلى بهم.
وفي "سنن سعيد بن منصور" عن أبي هريرة أنهم كتبوا إلى عمر بن الخطاب من البحرين يسألونه عن الجمعة، فكتب إليهم: اجتمعوا حيثما كنتم
(3)
. ورواه ابن أبي شيبة بإسنادٍ جيد بلفظ: جمعوا
(4)
. وفي "المعرفة" للبيهقي أن أبا هريرة هو السائل، وحسن سنده
(5)
. وعند الدارقطني -بإسنادِ ضعيف- عن أم عبد الله الدوسية مرفوعًا: "الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة"
(6)
(1)
"معرفة "السنن" 4/ 319 (6315).
(2)
انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 112.
(3)
رواه البيهقي في "معرفة السنن" 4/ 323 (6334) كتاب: الجمعة، باب: العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة.
(4)
"المصنف" 1/ 440 (5068) كتاب: الصلوات.
(5)
"المعرفة" 4/ 319.
(6)
"سنن الدارقطني" 2/ 7. ورواه أيضًا البيهقي 3/ 179 من طريق معاوية بن يحيى عن معاوية بن سعيد التجيبي عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية، مرفوعًا به.
قال الدارقطني: لا يصح هذا عن الزهري.
ورواه الدارقطني 2/ 8 من طريق الوليد بن محمد الموقدي عن الزهري، به.
وقال: الوليد بن محمد الموقدي متروك ولا يصح هذا عن الزهري، كل من رواه =
زاد أبو أحمد الجرجاني: حتى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة. وعن مالك -فيما ذكره في "المصنف"- قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في هذِه المياه بين مكة والمدينة يجمعون
(1)
.
واستدل المانع بقول علي رضي الله عنه: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصرٍ جامعٍ. رواه ابن أبي شيبة بإسناد جيدٍ، وفي رواية: ولا صلاة فطرٍ ولا أضحى إلا في مصرٍ جامع أو مدينة عظيمة
(2)
.
قال ابن حزم: صح ذلك عن علي
(3)
. وأما النووي فقال: حديث علي ضعيف متفق على ضعفه، وهو موقوف عليه بإسناد ضعيف منقطع
(4)
.
= عنه متروك. ورواه الدارقطني 2/ 9 من طريق مسلمة بن علي عن محمد بن مطرف.
والبيهقي 3/ 179 من طريق معاوية بن يحيى عن معاوية بن سعيد التجيبي.
كلاهما عن الحكم بن عبد الله عن الزهري، به.
قال الدارقطني: الزهري لا يصح سماعه من الدوسية. والحكم هذا متروك. وكذا قال البيهقي.
والحديث ضعفه النووي في "الخلاصة" 2/ 770 (2692) والمصنف رحمه الله في "البدر المنير" 4/ 598.
وقال الحافظ في "التلخيص" 2/ 57: حديث منقطع. وقال في "الدراية"1/ 216: إسنادة واه جدًا.
وقال الألباني في "الضعيفة"(1204): موضوع.
والحديث ذكره عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام" 2/ 104 وقال: ولا يصح في عدد الجمعة شيء.
(1)
"المصنف" 1/ 440 (5071) كتاب: الصلوات، باب: من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها.
(2)
انظر: "المصنف" 1/ 349 (5059) كتاب الصلوات، باب من قال: لا جمعة ولا تشريق
(3)
انظر: "المحلى" 5/ 52.
(4)
انظر "المجموع" 4/ 373.
ويقويه قول إمامه الشافعي رضي الله عنه: ذكر بعض الناس أنه لا تجوز الجمعة إلا في مصر جامع. وذكر فيه شيئًا ضعيفًا، واستدل أيضًا بما رواه ابن أبي شيبة عن حذيفة: ليس على أهل القرى جمعة، إنما الجمعة على أهل الأمصار مثل المدائن
(1)
.
وزعم أبو زيد في "الأسرار" أن محمد بن الحسن قال: رواه مرفوعًا معاذ وسراقة بن مالك.
وروى ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام، عن عمر بن عامر، عن
حماد، عن إبراهيم، عن حذيفة: ليس على أهل القرى جمعة
(2)
.
وللترمذي مضعفًا من حديث ثُوَيْر، عن رجلٍ من أهل قباء، عن أبيه -وكان له صحبة- قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشهد الجمعة من قباء
(3)
.
ولابن ماجه بإسناد جيد عن ابن عمر قال: كان أهل قباء يجمعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
. وعن أبي هريرة رفعه: "الجمعة على من سمع النداء"
(5)
أنكره أحمد إنكارًا شديدًا، ولم يعده شيئًا.
(1)
انظر: "المصنف" 1/ 439 (5060) كتاب: الصلوات، باب: من قال: لا جمعة ولا تشريق
…
(2)
انظر التخريج السابق
(3)
"سنن الترمذي"(501) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء من كم تؤتى الجمعة.
وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا يصح في هذا الباب شيء.
وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي".
(4)
"سنن ابن ماجه"(1124) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء من أين تؤتى الجمعة. لكن ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(232).
(5)
رواه أبو داود (1056). والدارقطني 2/ 6، والبيهقي 3/ 173 من طريق قبيصة، عن سفيان، عن محمد بن سعيد الطائفي عن أبي سلمة بن نبيه، عن عبد الله بن هارون، عن عبد الله بن عمرو -لا عن أبي هريرة- مرفوعًا به. =
وللحاكم عنه مرفوعًا: "عسى أحدكم أن يتخذ الصبة
(1)
من الغنم فينزل بها على ميلين أو ثلاثة من المدينة فتأتي الجمعة فلا يجمع، فيطبع على قلبه"
(2)
أعله ابن عدي بمعدي بن سليمان
(3)
.
وفي "الصحيح" عن عائشة: كانوا ينتابون الجمعة من العوالي ومن منازلهم
(4)
. وأقرب العوالي ثلاثة أميال.
= وأشار أبو داود أن جماعة رووا والحديث فوقفوه على عبد الله بن عمرو- وأنه لم يرفعه إلا قبيصة.
وذكر البيهقي كلام أبي داود هذا، وقال: وقبيصة من الثقات ووثقه أيضًا النووي في "الخلاصة"(2762).
وصحح عبد الحق الإشبيلي في "أحكامه" 2/ 102 وقفه.
وانظر: "صحيح أبي داود"(966).
والحديث رواه الدارقطني 2/ 6، والبيهقي 3/ 173 من طريق زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، به.
قال النووي في "الخلاصة"(2674)، والحافظ ابن كثير في "إرشاد الفقية" 1/ 191، والمصنف في "البدر المنير" 4/ 645: إسناده جيد.
والحديث من طريقيه حسنه الألباني في "الإرواء"(935) وأما حديث أبي هريرة الذي أنكره الإمام أحمد فهو عند الترمذي (502) بلفظ: "الجمعة على من آواه الليل إلى أهله".
وقال النوي في "المجموع" 4/ 355: حديث ضعيف جدًّا.
وضعفه أيضًا في "الخلاصة" 2/ 765 (21676).
(1)
ورد بهامش الأصل: الصبة السرية من الخيل والإبل والغنم أو ما بين العشرة إلى الأربعين أو هي من الإبل ما دون المائة والجماعة من الناس والقليل من المال والبقية من الماء واللبن.
(2)
"المستدرك" 1/ 292 كتاب: الجمعة، باب: التشديد على التخلف.
(3)
"الكامل" 4/ 20 (649). وأيضًا أنكر حديثه أبو زرعة والبخاري وذكره ابن حبان وابن الجوزي في الضعفاء وكذلك ابن حجر.
(4)
رواه مسلم (847) كتاب: الجمعه، باب: وجوب غسل الجمعه على كل بالغ.
وفي "المصنف": حَدثَنَا وكيع عن أبي البختري قال: رأيت أنسًا شهد الجمعة بالزاوية، وهي على فرسخين من البصرة
(1)
. وحَدَّثَنَا أزهر، عن ابن عون قال: كان أبو المليح عاملًا على الأيلة، فكانت إذا أتت الجمعة جمع فيها
(2)
.
وعن الزهري أنهم كانوا يشهدون الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة
(3)
.
وكان ابن عمرو يشهد الجمعة في الطائف، وهو في قرية يقال لها: الوهط
(4)
. على رأس ثلاثة أميال. رواه عن ابن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبيه عنه
(5)
.
وجه الدلالة من هذِه الآثار أن الجمعة لو أقيمت في القرى لما احتاجوا أن يأتوا إليها من مسيرة أميال، وقد يجاب بأنهم إنما أتوا؛ لينالوا فضل الصلاة خلفه عليه أفضل الصلاة والسلام، فإنه لا يعادلها شيء.
(1)
"المصنف" 1/ 440 (5076) كتاب: الصلوات، باب: من كم تؤتى الجمعة؟
والزاوية: موضع قرب البصرة كانت به الواقعة الشهيرة بين الحجاج وعبد الرحمن ابن محمد بن الأشعت، قتل فيها خلق كثير من الفريقين وذلك سنة 83 هـ انظر:"معجم ما استعجم" 2/ 693 و"معجم البلدان" 3/ 128.
(2)
"المصنف" 1/ 440 (5077).
(3)
"المصنف" 1/ 441 (5088).
(4)
الوهط: بفتح أوله وسكون ثانية وطاء مهملة، وهو المكان المطمئن المستوي ينبت العضاه والسمر والطلح، وقيل: إن الوهط قرية بالطائف على ثلاثة أمثال من وجّ كانت لعمرو بن العاص.
انظر: "معجم ما استعجم" 4/ 1384. و"معجم البلدان" 5/ 386.
(5)
"المصنف" 1/ 441 - 442 (5093).
وأجابوا عن حديث الباب بأن المراد بالقرية: المدينة. كما سلف.
والمدائن تسمى قرى. قال تعالى: {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ} [الزخرف: 31] يعني: مكة والطائف. وقال: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} [الأنعام: 92]، وقال:{مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} [محمد: 13]
والجواب:
أن العرف غيره، ويبعد أن يقال: أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم؛ لأنها ثاني جمعة في الإسلام.
وأجابوا عن حديث أسعد بأن ذلك كان قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن بإذنه ولا أمرهم عليه.
وادعى بعضهم أن الظاهر أن أسعد لم يجمع بهم إلا بعده صلى الله عليه وسلم، أما في زمانه فلم تقم جمعة إلا في مسجده، وهو عجيب، فالنص أنه كان قبل قدومه، كما سلف، وأسعد مات في السنة الأولى قبل بدر.
الحديث الثاني:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا عَبْدُ اللهِ، أنا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أخبرني سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عن أبيه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:"كُلُّكُمْ رَاعٍ". وَزَادَ اللَّيْثُ: قَالَ يُونُسُ: كَتَبَ رُزيقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابن شِهَابٍ -وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي القُرى-: هَلْ تَرى أَنْ أُجَمِّعَ؟ وَرُزيقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا، وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَرُزيقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ، فَكَتَبَ ابن شِهَابٍ -وَأَنَا أَسْمَعُ- يَأُمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حدَّثهُ أَنَّ ابن عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كلُّكُمْ رَاعٍ"
…
الحديث بطوله.
الشرح:
حديث: "كلكم راع" أخرجاه
(1)
، والبخاري اختصره مرة، وطوله في مواضع، وأخرجه مسلم في المغازي
(2)
(3)
، وفي إسناده عبد الله ابن وهب. خبَّرني رجل سماه، وعمرو بن الحارث. وهذا الرجل هو: عبد الله بن لهيعة، كما بينه أبو عبد الرحمن الإسفراييني.
وطريق الليث ذكرناها، وقد روى الليث حديث:"كلكم راع" بغير هذِه القصة، عن نافع، عن ابن عمر، وهو في مسلم.
ورواه البخاري أيضًا في النكاح، ويأتي إن شاء الله تعالى عن عبد الله ابن عبد الله بن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن نافع، وقد رواه عن ابن عمر نافع وغيره أيضًا، وعن الزهري شعيب أيضًا، ويونس. رواه عنه عبد الله -وهو ابن المبارك- وعبد الله بن وهب.
وشيخ البخاري: بشر بن محمد، مروزي، من أفراد البخاري، ذكره ابن حبان في "ثقاته" وقال: كان مرجئًا،
(4)
مات سنة أربع وعشرين ومائتين
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (2409) كتاب: الاستقراض، باب: العبد راع في مال سيده. و (2554) كتاب: العتق، باب: كراهية التطاول و (2558) باب: العبد راع في مال سيده و (2751) كتاب: الوصايا، باب: تأويل قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} و (5188) كتاب: النكاح، باب:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} . وغيرها.
(2)
"صحيح مسلم"(1829) كتاب: الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل.
(3)
ورد بهامش الأصل: من خط الشيخ: وفي الخراج والعتق. والترمذي في الجهاد وصححه، والنسائي في عشرة النساء وغيره. وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وأبي موسى، وهما غير محفوظين.
(4)
"ثقات ابن حبان" 8/ 144.
(5)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 84 (1772). و"تهذيب الكمال" 4/ 145 =
إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
رُزيق. بتقديم الراء المضمومة على الزاي. وحُكيم بضم الحاء مصغرًا كما قيده ابن ماكولا
(1)
وهو أبو حُكيم بضم الحاء أيضًا الفزاري، مولى بني فزارة الأيلي -بفتح الهمزة ثم مثناة تحت والي أيلة لعمر بن عبد العزيز، وقال ابن الحذاء: كان حاكمًا بالمدينة، قال ابن ماكولا: كان عبدًا صالحًا. وقال النسائي: ثقة، وأخرج له في "سننه". وقال علي بن المديني: حَدَّثَنَا سفيان مرة: رزيق بن حكيم، أو حكيم، وكثيرًا ما كان يقول: ابن حكيم بالفتح، والصواب الضم
(2)
.
ثانيها:
وادي القرى من أعمال المدينة، وقال ابن السمعاني: وادي القرى: مدينة بالحجاز مما يلي الشام، وفتحها عليه أفضل الصلاة والسلام في جمادى الآخرة سنة سبع من الهجرة لما انصرف من خيبر بعد أن امتنع أهلها وقاتلوا، وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم قاتل فيها، ولما فتحها عنوة قسم أموالها، وترك الأرض والنخل في أيدي اليهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر، وأقام بها أربع ليال
(3)
.
= (705). و"تقريب التهذيب"(701).
(1)
"الإكمال" 2/ 486.
(2)
وثقة ابن سعد وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال ابن حجر: ثقة من السادسة.
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 7/ 52. و"الجرح والتعديل" 3/ 504 (2285). و"تهذيب الكمال" 9/ 179 (1904). و"التقريب"(1935).
(3)
انظر: "معجم البلدان" 5/ 345.
ثالثها:
أيلة -بفتح الأول- على وزن فعلة: مدينة على شاطئ البحر في منتصفج ما بين مصر ومكة، كذا ذكر أبو عبيد
(1)
، والمشاهدة تدفعه.
وقال ابن قرقول: مدينة بالشام. وقال السمعاني: بلدة على ساحل بحر القلزم مما يلي مصر. قال البكري: وسميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم، قال: وقد روي أن أيلة هي القرية التي كانت حاضرة البحر، قال: وبتبوك ورد صاحب أيلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه الجزية.
وقال محمد بن حبيب وقد أنشد قول كثير عزة:
رأيت وأصحابي بأيلة مَوْهِنا
…
أيلة من رضوى وهو جبل ينبع.
وقال اليعقوبي: أيلة مدينة جليلة على شاطئ البحر المالح، وبها يجتمع الحجاج، ومن القلزم إلى أيلة ست مراحل
(2)
.
رابعها:
إيراد البخاري هذا الحديث؛ لأجل أن أيلة إما مدينة أو قرية كما سلف، وقد ترجم لهما، والظاهر أن رزيق بن حكيم لما سأل عن الأرض التي فيها السودان، وأقل ذلك أنها تكون قرية صغيرة؛ لأن أيلة بلدة مشهورة كما سلف، ومثلها ممتنع ألا تقام الجمعة فيها قبل ذلك. وجواب الزهري له بقوله:"كلكم راعٍ" معناه: أنه يجب عليك أن تقيم فيهم الأحكام الشرعية؛ لأنه كان واليًا عليهم، فهم رعيته، وإقامتها من الأحكام الشرعية التي يجب إقامتها.
(1)
"معجم ما استعجم" 1/ 216.
(2)
انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 216 - 217. "معجم البلدان" 1/ 292. "اللباب" لابن الأثير 1/ 98.
خامسها:
الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره، فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته، فإن وفى ما عليه من الرعاية؛ حصل له الحظ الأوفر، والأجر الأكبر، وإن كان غير ذلك طالبه كل أحدٍ من رعيته بحقه.
وقال الخطابي: الرعاية: حسن التعهد للشيء، وقد اشتركوا في التسمية على سبيل التسوية، ثم معانيهم مختلفة، فرعاية حياطة الشريعة: إقامة الحدود والأحكام فيهم، ورعاية الرجل أهله: السياسة لأمرهم وتوفية الحق في النفقة والعشرة، ورعاية المرأة: حسن التدبير في بيته، والنصح له، ورعاية الخادم لسيده: حفظ ما في يده من ماله، والقيام مما يستحق من خدمته.
قال: وقد استدل ابن شهاب من هذا الحديث على أن للسيد إقامة الحد على مماليكه، قال: وفي الحديث دليل على إقامة الجمعة بغير سلطان
(1)
. وفيه نظر كما أبداه ابن التين.
وقد قال ابن بطال: فيه حجة للكوفيين على أن الجمعة لا تقوم إلا بالأمراء ومن أذن له الأمراء، وزعموا أن الإمامة فيها شرط؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم يوم الجمعة، وخلفاؤه بعده
(2)
.
قال الخطابي: وفيه دليل على أن الرجلين إذا حكَّما بينهما رجلًا نفذ حكمه إذا أصاب
(3)
.
(1)
"أعلام الحديث" 1/ 579 - 580.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 488 - 489.
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 580.
وذكر المنذري عن بعضهم أنه استدل به على سقوط القطع عن المرأة إذا سرقت من مال زوجها، وعن العبد إذا سرق من مال سيده، إلا فيما حجبهما عنه، ولم يكن لهما فيه تصرف
(1)
.
خاتمة:
قد علمت ما في اشتراط المصر من الخلاف، وجوزته الظاهرية في القرى وإن صغرت، وذكر ابن حزم عن عمر بن عبد العزيز أنه صلى بالبطحاء.
قال ابن حزم: ومن أعظم البرهان أنه صلى الله عليه وسلم أتى المدينة وهي قرى صغار متفرقة: بنو مالك بن النجار، وبنو عدي بن النجار، وبنو مازن بن النجار، وبنو ساعدة، وبنو سالم، وبنو الحارث بن الخزرج، وبنو عمرو بن عوف، وبنو عبد الأشهل، كذلك وسائر بطون الأنصار، فبنى مسجده في بني مالك بن النجار وجمع فيه في قرية ليست بالكبيرة ولا مصر هناك
(2)
. وأثر علي قد علمت ما فيه، وهو أعلم بحال المدينة.
ومن شروطها السلطان على قول. قال ابن المنذر: مضت السنة بأن الذي يقيم الجمعة السلطان، أو من قام بها بأمره، فإذا لم يكن ذلك صلوا الظهر
(3)
.
وقال الحسن البصري: أربع إلى السلطان، فذكر منها الجمعة
(4)
،
(1)
انظر "مختصر سنن أبي داود" 4/ 192.
(2)
"المحلى" 5/ 50 - 51، 54.
(3)
"الأوسط" 4/ 113 كتاب: الجمعة، باب: ذكر أهل القرية لا يحضرهم أو غاب الأمير فصلوا الجمعة بغير إمام.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 385 (10198) كتاب: الزكاة، باب: من قال: تدفع الزكاة إلى السلطان.
وقال حبيب بن أبي ثابت: لا تكون الجمعة إلا بأمير وخطبة
(1)
، وهو قول الأوزاعي، ومحمد بن مسلمة، ويحيى بن عمر المالكي
(2)
.
وعن مالك: إذا تقدم رجل بغير إذن الإمام لم يجزئهم
(3)
، وذكر صاحب "البيان" قولًا قديمًا للشافعي أنها لا تصلح إلا خلف السلطان، أو من أذن له
(4)
.
وعن أبي يوسف أن لصاحب الشرطة أن يصلي بهم دون القاضي، وقيل: يصلي القاضي
(5)
. ورد ابن القصار على من قال باشتراط السلطان بغيرها من الصلوات؛ لأنه صلى الله عليه وسلم متولي ذلك، لكن العادة جرت بحضورهما لمقامها لا أن غيره لا يجوز.
ومن شروطها الوقت، وقد اتفق أصحاب الشافعي ومالك وأبي حنيفة أن وقتها وقت الظهر، وبه قال جمهور الصحابة والتابعين والمروي في غالب الأحاديث
(6)
.
وقال ابن العربي: اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن الجمعة لا تجب حتى تزول الشمس، ولا تجزئ قبل الزوال إلا ما روي عن أحمد أنها تجوز قبله
(7)
.
(1)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 113 كتاب: الجمعة، باب ذكر أهل القرية.
(2)
انظر: "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 159.
(3)
انظر: "الذخيرة" 2/ 334.
(4)
"البيان" 2/ 618. وقال النووي رحمه الله عقب هذا القول: وهذا شاذ ضعيف. "المجموع" 4/ 450.
(5)
انظر: "الفتاوى التاتارخانية" 2/ 55.
(6)
انظر: "المبسوط" 2/ 24، "بدائع الصنائع" 1/ 268، "المعونة" 1/ 158، "عيون المجالس" 1/ 402 - 403، "الأم" 1/ 172، "الأوسط" 2/ 350.
(7)
"عارضة الأحوذي" 2/ 292.
ونقله ابن المنذر عن عطاء وإسحاق
(1)
والماوردي عن ابن عباس في السادسة
(2)
، وفي "المصنف": كان سعد بن أبي وقاص يقيل بعد الجمعة، وعن سهل بن سعد: كنا نتغدى ونقيل بعد الجمعة. وعن سعد الأنصاري قال: كنا نُجمع مع عثمان ثم نرجع فنقيل. وكذا قاله أنس وابن عمر، وحُكي عن عمر وأبي وائل، وسويد بن غفلة، وابن مسعود، وأبي سلمة، وابن أبي الهذيل.
وقال مجاهد: ما كان للناس عيد إلا أول النهار، وقال عطاء: كان من قبلكم يصلون الجمعة وإن ظِلَّ الكعبة كما هو. وعن عبد الله بن سلمة: صلى بنا عبد الله الجمعة ضحى وقال: خشيت عليكم الحر
(3)
.
وعبد الله هذا تغير في آخر عمره
(4)
. ويشبه أن يكون غير محفوظ كما قاله ابن الأثير
(5)
، وعن سويد بن سعيد قال: صلى بنا معاوية الجمعة ضحى
(6)
.
(1)
"الأوسط" 4/ 91 - 92 كتاب: الجمعة، باب: ذكر الصلاة نصف النهار يوم الجمعة.
(2)
"الحاوي" 2/ 428.
(3)
"المصنف" 1/ 444 - 445 (5121 - 5134) كتاب: الصلوات، باب: من كان يقيل بعد الجمعة ويقول: هي أول النهار.
(4)
هو عبد الله بن سلمة -بكسر اللام- المرادي الكوفي. قال العجلي: كوفي، تابعي، ثقة، وقال البخاري: لا يتابع في حديثه، وقال أبو حاتم: تعرف وتنكر. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال ابن حجر: صدوق تغير حفظه.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 99 (285). و"الجرح والتعديل" 5/ 73 (345). و"الكامل" لابن عدي 5/ 279 (989). و"تهذيب الكمال" 15/ 50 (3313). و"التقريب"(3364).
(5)
"أسد الغابة" 3/ 266.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 445 (5135).
قال ابن قدامة: والمذهب جوازها في وقت صلاة العيد، والصحيح عنه أن وقتها من عن صلاة العيد إلى آخر وقت الظهر
(1)
، ويأتي مزيد للمسألة في باب: وقت الجمعة إن شاء الله تعالى.
ومن شروطها الخطبة أيضًا، وهي شرط لصحتها كما ستعلمه في بابه.
وشرطها الوقت، فلو خطب قبله وصلى بعده فلا إجزاء وتعاد، وقال مالك: يعيدون الجمعة بخطبة ما لم تغرب. زاد سحنون: ويعيدون الظهر أفرادًا أبدًا، وهو قول جمهور الفقهاء، وانفرد أحمد من الأربعة فقال: يُؤذَّنُ لها وتصلى بعد الزوال
(2)
.
ومن شروطها عند مالك: الجامع
(3)
. وعندنا: أن تقام في خطة أبنية أوطان المجتمعين
(4)
.
ومن شرطها عند الحنفية: فعلها على وجه الشهرة وقد سلف.
ومن شرطها: الجماعة، وقد قام الإجماع على عدم صحتها من المنفرد، وانفرد القاشاني أنها تنعقد بواحد، ولا يعتد بخلافه
(5)
.
وحكى ابن حزم عن بعضهم: أنها ركعتان للفذ والجماعة، وقال:
(1)
"الكافي" 1/ 480 - 481.
(2)
انظر: "المبسوط" 2/ 24، "بدائع الصنائع" 1/ 268، "المعونة" 1/ 158، "عيون المجالس" 1/ 402، 403، "الأم" 1/ 172، "الأوسط" 2/ 350.
(3)
انظر: "الذخيرة" 2/ 335.
(4)
انظر: "روضة الطالبين" 2/ 4.
(5)
قال النووي رحمه الله: وحكى الدارمي عن القاشانى أنها تنعقد بواحد منفرد، والقاشانى لا يعتد به في الإجماع. "المجموع" 4/ 371، وحكاه صاحب "البحر الزخار" 3/ 18 عن الحسن بن صالح. "نيل الأوطار" 2/ 495.
إنه خطأ؛ لأن الجمعة اسم إسلامي سمي بذلك؛ لاجتماع الناس فيه للصلاة، اسمًا مأخوذًا من الجمع؛ فلا تكون صلاة الجمعة إلا في جماعة
(1)
.
وحكاه القرطبي عن الظاهرية أنها تلزم المنفرد، وهي ظهر ذلك اليوم عنده لكل أحد
(2)
.
واختلف العلماء في العدد الذي تنعقد به الجمعة ولا تنعقد بدونه على ثلاثة عشر قولًا:
أحدها: لا جمعة إلا بأربعين رجلًا فصاعدًا، قاله أبو هريرة والشافعي للاتباع، ففي الدارقطني عن جابر بن عبد الله: مضت السنة في كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطر
(3)
. وفيه ضعف.
وقال عبيد الله بن عبد الله: كل قرية فيها أربعون رجلًا فعليهم الجمعة
(4)
، وفيه إبراهيم بن محمد وحاله معروف.
(1)
"المحلى" 5/ 45.
(2)
"المفهم" 2/ 499.
(3)
الدارقطني 2/ 3 - 4 وراه أيضًا البيهقي 3/ 177 وضعفه وضعفه أيضًا في "المعرفة" 4/ 323 وقال: لا ينبغي أن يحتج به. وضعفه المصنف في "البدر المنير" 4/ 595 قال: ضعيف لا يصح الاحتجاج به، ونقل عن البيهقي أنه قال في "الخلافيات": لا أراه يصح.
وضعفه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام" 2/ 104. وضعفه النووي في "المجموع" 4/ 368 وفي "الخلاصة" 2/ 769 (2690 - 2691)، وكذا الحافظ ابن كثير في "الإرشاد" 1/ 194.
وقال الحافظ في "الدراية" 1/ 216: إسناده ضعيف وقال الألباني في "الإرواء"(603): ضعيف جدًا.
(4)
رواه الشافعي في "مسنده" 1/ 130 - 131 (386).
والبيهقي 3/ 177 - 178 كتاب: الجمعة.
وقال سليمان بن موسى: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المياه: جمعوا إذا بلغتم أربعين رجلًا. رواه الشافعي عن الثقة عبدة
(1)
.
وقد سلف حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك فيه، وهو أقل عدد ثبت فيه التوقيف، والجمعة خصت بمزيد تعبد ولم يثبت غيره، فليقتصر عليه، وادعى المزني أنه لا يصح عند أصحاب الحديث ما احتج به الشافعي من أنه صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة جمع أربعين رجلًا
(2)
؛ لأنه معلوم أنه قدم المدينة وقد تكاثر المسلمون وتوافروا، فيجوز أن يكون جمع في موضع نزوله قبل دخوله نفس المدينة فاتفق له أربعون رجلًا.
ثانيها: بخمسين رجلًا فصاعدًا، قاله عمر بن عبد العزيز
(3)
، وهو
رواية عن أحمد
(4)
، وفي الدارقطني من حديث أبي أمامة مرفوعًا:"في الخمسين جمعة، وليس فيما دون ذلك" وفيه من تكلم فيه
(5)
.
ثالثها: ثلاثين رجلًا حكاه ابن حبيب عن مالك، وحكى مطرف عنه ثلاثون رجلًا وما قاربهم، ولابن الماجشون عنه مثله
(6)
، وحكى ابن حزم عنه خمسون رجلًا
(7)
، وقال ابن التين المالكي: ليس لعدده حد محصور، ثم حكى بعد عنه ما حكيناه عن مطرف.
(1)
رواه البيهقي من طريق الشافعي 3/ 178 كتاب: الجمعة.
وفي "معرفة السنن والآثار" 4/ 321 (6323).
(2)
انظر: "الحاوي" 2/ 410.
(3)
رواه البيهقي 3/ 178 كتاب: الجمعة، باب: العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت.
(4)
انظر: "المغني" 3/ 204، "الفروع" 2/ 98.
(5)
"سنن الدارقطني" 2/ 4 كتاب: الجمعة، باب: ذكر العدد في الجمعة.
وقال: جعفر بن الزبير متروك.
(6)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 451، "الاستذكار" 2/ 58.
(7)
"المحلى" 5/ 46.
رابعها: بعشرين رجلًا
(1)
.
خامسها: بسبعة رجال لا أقل، حكي عن علي ولا دليل لهما.
سادسها: قاله أبو حنيفة والليث وزفر ومحمد بن الحسن: إذا كان ثلاثة رجال والإمام رابعهم صلوا جمعة، ولا تكون بأقل، وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي، وأبي ثور، واختاره المزني، وهو أحد قولي الثوري.
سابعها: قاله الحسن البصري: تنعقد برجلين والإمام ثالثهم، وهو قول سفيان الثوري الآخر، ورواية عن أحمد، وقول أبي يوسف، وحكي عن أبي ثور أيضًا
(2)
.
وحديث أم عبد الله الدوسية مرفوعًا: "الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلا أربعة" وفي لفظ: "ثلاثة"
(3)
ضعيف.
(1)
"النوادر والزيادات" 1/ 452.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 330، "أحكام القرآن" للجصاص 5/ 341، "الحاوي" 2/ 409.
وقد حكي قولًا قديمًا للشافعي. انظر: "البيان" 2/ 561، "روضة الطالبين" 2/ 7، "فتح الباري" لابن رجب 8/ 936.
وقال النووي رحمه الله:
ونقل ابن القاص في "التلخيص" قولا الشافعي قديما أنها تنعقد بثلاثة: إمام ومأمومين، هكذا حكاه عن الأصحاب، والذى هو موجود في التلخيص ثلاثة مع الإمام، ثم إن هذا القول الذي حكاه غريب أنكره جمهور الأصحاب وغلطوه فيه.
قال القفال في شرح "التلخيص": هذا القول غلط لم يذكره الشافعي قط ولا أعرفه، وإنما هو مذهب أبي حنيفة. وقال الشيخ أبو علي السنجي في شرح "التلخيص": أنكر عامة أصحابنا هذا القول وقالوا: لا يعرف هذا للشافعى. قال: ومنهم من سلم نقله. "المجموع" 4/ 369 - 370.
(3)
تقدم تخريجه.
ثامنها: بواحد مع الإمام، قاله النخعي والحسن بن حي وداود وأتباعه، ومنهم ابن حزم
(1)
.
تاسعها: باثني عشر رجلًا، قاله ربيعة
(2)
وكأنه استدل بحديث جابر في قصة العير وتفرقهم عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلًا، أخرجاه في الصحيحين
(3)
ولا دلالة فيه، وقد روي: فلم يبق إلا أربعون
(4)
. لكن الأول أصح، قال ابن مسعود: فقال صلى الله عليه وسلم: "لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد؛ لسال منكم الوادي نارا"
(5)
وما قيل: إن الانفضاض كان في الخطبة بعد الصلاة. أنكر.
العاشر: بثلاثة عشر رجلًا
(6)
.
(1)
انظر: "البناية" 3/ 74، "الاستذكار" 2/ 58، "المجموع" 4/ 370، "فتح الباري" لابن رجب 8/ 312، "المحلى" 5/ 47.
(2)
انظر: "البناية" 3/ 74، "حلية العلماء" 2/ 230، "البيان" 2/ 561، "المغني" 3/ 205، "نيل الأوطار" 2/ 496.
وحكى الماوردي هذا القول عن الأوزاعي والزهري ومحمد بن الحسن، ولم نره لغيره. والله أعلم. "الحاوي" 2/ 409.
(3)
سيأتي هنا برقم (936) باب: إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة، ورواه مسلم (863) كتاب: الجمعة، باب: قوله تعالى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} .
(4)
رواه الدارقطني 2/ 4 كتاب: الجمعة، باب: ذكر العدد في الجمعة. والبيهقي 3/ 182.
(5)
رواه أبو يعلى في "مسنده" 3/ 468 - 469 (1979). وابن حبان 15/ 299 - 300 (6877) عن جابر بن عبد الله، والبيهقي في "الشعب" 3/ 107 (3019) فضل الجمعة عن الحسن مرسلًا.
(6)
حكاه ابن حجر عن إسحاق. "فتح الباري" 2/ 423، وحكاه العيني عن مالك في رواية ابن حبيب. "عمدة القاري" 5/ 342.
الحادي عشر: بأربعين من الموالي، حكاه ابن شداد عن عمر بن عبد العزيز
(1)
.
الثاني عشر: بثمانين، حكاه المازري
(2)
.
الثالث عشر: بمائتين
(3)
، حكاه عياض
(4)
، فإنه لما حكى رواية خمسين قال: وقال غيره: يشترط لانعقادها مائتين، كذا حكاه وهو غريب، ولا أبعد تصحيفه بثمانين، وفي "معرفة الصحابة" لأبي نعيم من حديث عبد العزيز بن سعيد، عن أبيه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن خمسة نفرٍ كانوا في سفرٍ فخطب بهم رجل منهم يوم الجمعة، ثم صلى بهم. فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم عليهم
(5)
.
وأكثر هذِه الأقوال دعوى بلا دليل، وإنما بعضها حالٌ وقع ولا يلزم منه التحديد، يدل على ما سقناه الآن من رواية الخمسة
(6)
.
(1)
انظر: "البناية" 3/ 74، "عمدة القاري" 5/ 342.
(2)
في الأصل: الماوردي والمثبت من "البناية" 3/ 74، "عمدة القاري" 5/ 342، "فتح الباري" لابن حجر 2/ 423، "نيل الأوطار" 2/ 496.
(3)
وهو مروي عن أبي هريرة كما قال ابن عبد البر في "الاستذكار" 2/ 58.
(4)
"إكمال المعلم" 3/ 260.
(5)
"معرفة الصحابة" 3/ 1304 (3272).
(6)
بهامش الأصل: ثم بلغ في الثاني بعد الثمانين. كتبه مؤلفه، آخر 3 من 4 من تجزئة المصنف.
12 - باب هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الجُمُعَةَ غُسْلٌ
مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيرهِمْ
؟
894 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ". [انظر: 877 - مسلم: 844 - فتح: 2/ 382]
895 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ". [انظر: 858 - مسلم: 846 - فتح: 2/ 382]
896 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا اليَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللهُ، فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى". فَسَكَتَ. [انظر: 238 - مسلم: 855 - فتح: 2/ 832]
897 -
ثُمَّ قَالَ: "حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ". [898، 3487 - مسلم: 849 - فتح: 2/ 382]
898 -
رَوَاهُ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لله تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا". [انظر: 897 - مسلم: 849 - فتح: 2/ 382]
899 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ إِلَى المَسَاجِدِ". [انظر: 865 - مسلم: 442 - فتح 2/ 382]
900 -
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ
فِي المَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟ قَالَتْ وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ". [865 - مسلم: 442 - فتح: 2/ 382]
ذكر فيه عن ابن عمر تعليقًا: إِنَّمَا الغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الجُمُعَةُ.
وخمسة أحاديث:
أحدها:
حديث سالم عن أبيه مرفوعًا: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ".
وقد سلف في باب: فضل الغسل يوم الجمعة
(1)
، وقال الإسماعيلي: قال فيه الزبيدي ومعمر وغيرهما: عن جده، ووجه المناسبة للباب أن النساء والصبيان لا يجب عليهم المجيء للجمعة فلا غسل إذن، فإن حضروا فقد سلف الخلاف فيه.
ثانيها:
حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "غُسْلُ يَوْم الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ". وقد سلف في الباب المذكور بما فيه
(2)
.
ثالثها:
حديث أبي هريرة: "نَحْنُ الآخِرُونَ" .. الحديث
رَوَاهُ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ. والحديث سلف أول الجمعة
(3)
، وفيه هنا زيادة، وهي قوله:(فسكت، ثم قال: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما، يغسل فيه رأسه وجسده").
(1)
برقم (877) كتاب: الجمعة.
(2)
برقم (879) كتاب: الجمعة.
(3)
برقم (876) باب: فرض الجمعة.
ورواية أبان فيه: "على كل مسلم حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما" وأبان هذا ثقة حاكم بالمدينة.
والحديث قال على مطلوبية الغسل على الصبي والمرأة؛ لدخولهما في قوله: "كل مسلم" ويؤيده قول من يقول: إنه من سنة اليوم.
وأجمع أئمة الفتوى على أنه لا جمعة على النساء والصبيان
(1)
، وقال ابن المنير: لا خلاف أن من لم يشهدها ليست واجبة عليه؛ إذ لا يخاطب بها
(2)
.
رابعها:
حديث ابن عمر: "ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ"
خامسها:
حديثه أيضًا. (كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح).
وفي آخره: "لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ".
وهو من أفراد البخاري بهذِه السياقة، وشيخ البخاري: يوسف بن موسى وهو القطان، لم يخرج له مسلم، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
ووجه المناسبة أنهن إذا لم يمنعهن ليلًا منعهن نهارًا، والجمعة نهارية، ولم يأذن فيها أيضًا.
والحديث الآخر على إذا أرادتها، وشهود زوجة عمر العشاء والصبح قال على أن الصحابة فهمت الإذن بالليل والغلس فقط، على ما بوب به البخاري قبل هذا، وأن الجمعة لا إذن لهن فيها، وقوله
(1)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر ص 44.
(2)
"المتواري" ص 110.
في حديث أبي هريرة: "فغدًا لليهود" قال ابن التين: كذا وقع بالألف وصوابه: فغد، وأصل غد: غدو مثل يد أصلها يدي، فحذفت واو غد بغير عوض. ووقع في كلام ابن بطال أن الشافعي لا يستحب الغسل لغير المحتلمين إذا حضروا، ومشهور مذهبه ستحبابه، قال: وقوله صلى الله عليه وسلم: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" يرد على من استحبه في السفر؛ لأنه شرط الغسل لشهود الجمعة، فمن لزمته اغتسل، ومن لا سقط عنه الغسل كما قاله ابن عمر
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 490.
14 - باب الرُّخصَةِ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الجُمُعَةَ فِي المَطَرِ
901 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، قَالَ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ، فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ. [انظر: 616 - مسلم: 699 - فتح: 2/ 384]
ذكر فيه حديث عبد الله بن الحارث قَالَ ابن عَبَّاسٍ لِمُؤَذنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ .. الحديث.
وقد سلف في باب: الكلام في الأذان
(1)
وباب: هل يخطب يوم الجمعة في المطر
(2)
، وقد اختلف العلماء في التخلف عن الجمعة بالمطر، فممن كان يتخلف عنها بذلك ابن سيرين وعبد الرحمن بن سمرة، وهو قول أحمد وإسحاق، واحتجوا بهذا الحديث
(3)
، وقالت طائفة: لا يتخلف عن الجمعة، وروى ابن نافع: قيل لمالك: أيتخلف عن الجمعة في اليوم المطير؟ قال: ما سمعت. قيل له: في الحديث: "ألا صلوا في الرحال"
(4)
قال: ذلك في السفر وقد رخص في تركها بأعذار أخر غير المطر، روى ابن القاسم عن مالك أنه أجاز أن يتخلف عنها بجنازة أخ من إخوانه؛ لينظر في أمره، قال ابن حبيب عن مالك: وكذا إن كان له مريض يخشى عليه الموت
(5)
.
(1)
سبق برقم (616) كتاب: الأذان.
(2)
برقم (668) كتاب: الأذان.
(3)
انظر: "المغني" 3/ 218.
(4)
قطعة من حديث سلف برقم (632)، ورواه مسلم (697) عن ابن عمر.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 458.
وقد رأى ابن عمر ابنا لسعيد بن زيد ذكر له شكواه فأتاه إلى العقيق وترك الجمعة
(1)
، وهو مذهب عطاء والأوزاعي، وقاله الشافعي في الولد أو
(2)
الوالد إذا خاف فوات نفسه، وقال عطاء: إذا استُصرخ على أبيك يوم الجمعة والإمام يخطب فقم إليه واترك الجمعة، وقال الحسن: يرخص في الجمعة للخائف
(3)
.
قال مالك في "الواضحة": وليس على المريض والشيخ
(4)
الفاني جمعة
(5)
، وقال أبو مجلز: إذا اشتكى بطنه لا يأتي الجمعة
(6)
.
وقال ابن حبيب: أرخص صلى الله عليه وسلم في التخلف عنها لمن شهد الفطر والأضحى صبيحة ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة؛ لما في رجوعه من المشقة لما أصابهم من شغل العيد، وفعله عثمان لأهل العوالي
(7)
،
واختلف قول مالك فيه
(8)
، والصحيح عند الشافعية: السقوط
(9)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 479 (5524) كتاب: الصلاة، باب: من رخص في ترك الجمعة.
(2)
في الأصل: من. والمثبت من "الأم" 1/ 167.
(3)
رواهما ابن أبي شيبة 1/ 479 (5526، 5529).
(4)
في الأصل: الصحيح. والمثبت من "الذخيرة" 2/ 356.
(5)
انظر: "الذخيرة" 2/ 356.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 479 (5527).
(7)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 460.
(8)
روى ابن القاسم عن مالك أن ذلك غير جائز وأن الجمعة تلزمهم على كل حال.
وروى ابن وهب ومطرف وابن الماجشون عن مالك أن ذلك جائز. انظر: "المنتقى" 1/ 317، "حاشية الدسوقي" 1/ 391.
(9)
انظر: "البيان" 2/ 552، "روضة الطالبين" 2/ 79.
واختلف في تخلف العروس أو المجذوم
(1)
، حكاه ابن التين، واعتبر بعضهم شدة المطر.
واختلف عن مالك: هل عليه أن يشهدها؟ وكذا روي عنه ممن يكون مع صاحبه فيشتد مرضه لا يدع الجمعة إلا أن يكون في الموت
(2)
.
وقوله: (الطين والدَّحض): قال في "المطالع": كذا للكافة، وعند القابسي بالراء، وفسره بعضهم مما يجري في البيوت من الرحاضة، وهو بعيد، إنما الرحض: الغسل، والمرحاض: خشبة يضرب بها الثوب ليغسل عند الغسل. وأما ابن التين فذكره بالراء وقال: كذا لأبي الحسن بالراء.
والدحض: بالدال، كذا في رواية أبي ذر، وهو: الزلق. ورحضت الشيء: غسلته. ومنه: المرحاض. أي: المغتسل. وما له هنا وجه إلا أن يريد أنه يشبه الأرض أصابها المطر بالمغتسل، وهو المرحاضة؛ لأنها تكون حينئذٍ زلقة
(3)
.
(1)
قال ابن رشد رحمه الله عند حديثه عن أعذار التخلف عن الجمعة:-
ومنها ما يباح على اختلاف كالجذام، لما على الناس من الضرر في مخالطتهم في المسجد الجامع.
وقال: وفي تخلف العروس عنها اختلاف ضعيف. "مقدمات ابن رشد" 1/ 148.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 456.
(3)
انظر: "الصحاح" 3/ 1075 - 1077. و"النهاية في غريب الحديث" 2/ 104 - 105. و"لسان العرب" 3/ 1335، 1607.
15 - باب مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الجُمُعَةُ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ؟ لِقَوْلِ الله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ} [الجمعة:9]
وقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةِ جَامِعَةٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا، سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ.
وَكَانَ أَنَسٌ فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ وَأَحْيَانًا لَا يُجَمِّعُ، وَهْوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ.
902 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالعَوَالِى، فَيَأْتُونَ فِي الغُبَارِ، يُصِيبُهُمُ الغُبَارُ وَالعَرَقُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ العَرَقُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهْوَ عِنْدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا"[903، 2071 - مسلم: 847 - فتح: 2/ 385]
وهذا التعليق
(1)
رواه ابن أبي شيبة بنحوه كما سلف في باب الجمعة في القرى. وذكر فيه حديث عائشة قَالَتْ: كَانَ النَاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلهِمْ وَالعَوَالِي .. الحديث.
وهذا الحديث يأتي إن شاء الله في البيوع
(2)
، وأخرجه مسلم أيضًا عن أحمد بن عيسى بإسناده
(3)
.
(1)
رواه عبد الرزاق 3/ 168 - 169 (5179) كتاب: الصلاة، باب: القرى الصغار.
(2)
رقم (2071) كتاب: البيوع، باب: كسب الرجل وعمله بيده.
(3)
رقم (847) كتاب: الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال.
ووقع في "أطراف خلف" أنه رواه عن هارون بن عيسى، وهو غريب ولا أعلم في مشايخه من يسمى بذلك. وقال الطرقى: أخرجه مسلم عن أحمد بن عيسى وهارون الأيلي، وهو هارون بن سعيد، ولا أعلم في أجداده عيسى، ورواه أبو داود عن أحمد بن صالح
(1)
.
وشيخ البخاري: أحمد، وهو ابن عبد الله، كما ذكره أبو نعيم
(2)
، ثم روى الحديث هو والإسماعيلي كطريق مسلم: أحمد بن عيسى كما سلف.
وذكر الجياني أن البخاري روى عن أحمد -يعني: غير مسمى- عن ابن وهب في: كتاب الصلاة في موضعين، وقال: حَدَّثَنَا أحمد، ثنا ابن وهب. قال: ونسبه أبو علي بن السكن في نسخة فقال: فيه أحمد بن صالح المصري.
وقال الحاكم أبو عبد الله: روى البخاري في باب الصلاة في ثلاث مواضع
(3)
: عن أحمد، عن ابن وهب. فقيل: إنه ابن صالح المصري.
وقيل: ابن عيسى التستري. ولا يخلو أن يكون واحدًا منهما، وقد روى عنهما في "الجامع"، ونسبهما في مواضع.
وذكر أبو نصر الكلاباذي قال: قال لي أبو أحمد: -يعني: الحاكم- أحمد عن ابن وهب في "الجامع"، هو ابن أخي ابن وهب.
قال الحاكم أبو عبد الله: من قال هذا فقد وهم وغلط، دليله أن المشايخ الذين ترك البخاري الرواية عنهم في "الجامع" قد روى عنهم
(1)
"سنن أبي داود"(1055) كتاب: الصلاة، باب: من تجب عليه الجمعة.
(2)
قال الحافظ في "الفتح" 2/ 386: عن أبي نعيم في "مستخرجه" أنه ابن عيسى.
(3)
الموضع الأول حديث رقم (471)، الثاني (698)، الثالث (902).
في سائر مصنفاته، كأبي صالح وغيره، وليس له عن ابن أخي ابن وهب رواية في موضع، فهذا يدل على أنه لم يكتب عنه أو كتب عنه، ثم ترك الرواية عنه أصلًا
(1)
.
وقال الكلاباذي: قال ابن منده: كلما قال البخاري في "الجامع": حَدَّثَنَا أحمد. عن ابن وهب. فهو ابن صالح، ولم يخرج عن ابن أخي ابن وهب في "الصحيح"، وإذا حدث عن أحمد بن عيسى نسبه
(2)
.
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
وجه مناسبة الآية الباب ظاهر، فقوله:(وعلى من تجب). أي: إنها تجب على كل مؤمن، ومفهومه: نفيه عمن لم يؤمن.
وللوجوب شروط محل الخوض فيها كتب الفقه، وأوجبها داود على العبيد
(3)
، وهو قول لمالك، والمشهور خلافه
(4)
، وفيه خلاف شاذ في حق المسافر.
ثانيها: في ألفاظه:
معنى: ينتابون: يجيئون. والانتياب: المجيء يوما، والاسم: الثوب. وأصله ما كان من قريب كالفرسخ والفرسخين.
وقولها: (فيأتون في الغبار)، يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم
(1)
"المدخل إلى الصحيح" 4/ 241.
(2)
"تقييد المهمل" للجياني 3/ 943 - 946.
(3)
انظر: "المحلى" 5/ 49.
(4)
نَقَلَ القول بالوجوب على العبد ابن شعبان عن مالك. انظر: "الذخير" 2/ 338.
والمذهب على عدم وجوبها على العبد. انظر: "المدونة" 1/ 147، "التفريع" 2/ 338.
العرق. قال صاحب "المطالع": كذا رواه الفربري، وحكاه الأصيلي عن النسفي، قال: وهو وهم، والصواب: فيأتون في الغبار، ويصبهم الغبار، فيخرج منهم الريح. وقال: كذا هو عند القابسي.
قلت: وهو ما شرحه النووي في "شرحه" حيث قال: فيأتون في العباء، هو بالمد جمع عباءة بالمد، وعباية بزيادة ياء لغتان مشهورتان
(1)
.
ثالثها: في أحكامه:
اختلف العلماء في هذا الباب -أعني من كان خارج العصر- فقالت طائفة: تجب الجمعة على من آواه الليل إلى أهله، روي ذلك عن أبي هريرة وأنس وابن عمر ومعاوية، وهو قول نافع، والحسن، وعكرمة، والحكم، والنخعي، وأبي عبد الرحمن السلمي، وعطاء، والأوزاعي، وأبي ثور، حكاه ابن المنذر عنهم بحديث أبي هريرة مرفوعًا:"الجمعة على من آواه الليل إلى أهله"
(2)
رواه الترمذي والبيهقي وضعفاه
(3)
وعن أبي يوسف في رواية: من ثلاثة فراسخ. وأخرى: إذا كان منزله خارج المصر. وعنه: إن شهدها وأمكنه المبيت في أهله تجب. واختاره كثير من مشايخ الحنفية، وعن أبي حنيفة: تجب إذا كان يجبى خراجها مع المصر.
وفي "الذخيرة" للحنفية في ظاهر الرواية: لا يجب شهودها إلا على
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 6/ 134.
(2)
"الأوسط" 4/ 34 - 35.
(3)
"سنن الترمذي"(502) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء من كم تؤتى الجمعة و"سنن البيهقي الكبرى" 3/ 176 كتاب: الجمعة، باب: من أتى الجمعة من أبعد من ذلك اختيارًا وتقدم تخريجه والكلام عليه.
من سكن المصر والإرباض دون السواد، سواء كان قريبًا من المصر أو بعيدًا عنها.
وعن محمد: إذا كان بينه وبين المصر ميل أو ميلان أو ثلاثة فعليه الجمعة، وهو قول مالك والليث.
وفي "منية المفتي": على أهل السواد الجمعة إذا كان على قدر فرسخ، هو المختار. وعنه: إذا كانوا أقل من فرسخين تجب
(1)
.
وعن معاذ بن جبل: يجب الحضور من خمسة عشر فرسخًا
(2)
.
وفي "المحيط" عن أبي يوسف: إذا سمع النداء. وفي المرغيناني: وقيل: منتهى صوت المؤذن. واعتبر الشافعي سماع النداء إذا بلغه بشرط علوه مع الهدوء من طرف يليه لبلد الجمعة، وبه قال ابن عمرو وابن المسيب وأحمد وإسحاق
(3)
.
وحكاه ابن بطال عن مالك
(4)
أيضًا لحديث ابن عمرو يرفعه: "الجمعة على من سمع النداء"
(5)
وروي موقوفًا أيضًا. قال البيهقي: الذي رفعه ثقة وله شواهد
(6)
.
قال ابن المنذر: يجب عند ابن المنكدر وربيعة [و]
(7)
الزهري في
(1)
انظر: "البناية" 3/ 48 - 49.
(2)
ثبت عن معاذ بن جبل أنه أوجبها على من خمسة عشر ميلًا أي خمسة فراسخ. رواه عبد الرزاق 3/ 164 (5162) كتاب: الجمعة، باب: من يجب عليه شهود الجمعة. وانظر: "التمهيد" 10/ 279.
(3)
انظر: "المجموع" 4/ 353، 354، "الكافي" 1/ 478.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 494.
(5)
سبق تخريجه في حديث (892).
(6)
"السنن الكبرى" 3/ 173 كتاب: الجمعة.
(7)
زيادة ليست من الأصل، مثبتة من "الأوسط" 4/ 37.
رواية: من أربعة أميال
(1)
. وقال الزهري أيضًا: ستة أميال
(2)
. وحكاه ابن التين عن النخعي، وعن مالك
(3)
والليث: ثلاثة أميال وقد سلف ووجهه أنها نهاية ما يبلغه النداء على ما جرت. وحكى أبو حامد عن عطاء: عشرة أميال.
واختلف أصحاب مالك: هل مراعاة ثلاثة أميال من المنار أو من طرف المدينة؟ فالأول قاله القاضي أبو محمد
(4)
، والثاني قاله محمد بن عبد الحكم
(5)
. قال مالك: لأن بين أبعد العوالي وبين المدينة ثلاثة أميال
(6)
.
وسميت العوالي: لإشراف موضعها، وقال أحمد بن خلف: العوالي من طرف المدينة. وليس بصحيح. كما قال ابن التين، بل قباء من أدنى العوالي.
وفي البخاري عن أنس: وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال
(7)
.
ونقل ابن بطال عن الكوفيين: لا تجب إلا على أهل المصر، ومن كان خارجه فلا تجب عليه وإن سمع النداء.
وعن حذيفة: ليس على من علا رأس ميل جمعة
(8)
.
(1)
"الأوسط" 4/ 37.
(2)
رواه عبد الرزاق 3/ 162 (5154) باب: من يجب عليه شهود الجمعة.
(3)
"المعونة" 1/ 162.
(4)
"المعونة" 1/ 162، "الذخيرة" 2/ 341، "كفاية الطالب" 1/ 332، "الثمر الداني" ص 142.
(5)
انظر: "الذخيرة" 2/ 341، "كفاية الطالب" 1/ 332، "الثمر الداني" ص 142.
(6)
"المدونة" 1/ 142.
(7)
سبق برقم (550) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت العصر.
(8)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 441 (5092) في الصلوات، باب: من كم تؤتى الجمعة.
وقال المهلب: نص القرآن دال على أن الجمعة تجب على من سمع النداء وإن كان خارج المصر، وهذا أصح الأقوال.
قال ابن القصار: اعتل الكوفيون لقولهم: إن الجمعة لا تجب على من كان خارج المصر؛ لأن الأذان علم لمن لم يحضر، والأذان بعد دخول الوقت، ومعلوم أن من يسمع على أميال يأخذ في المشي فلا يلحق، فيقال لهم معنى الآية: إذا قرب وقت النداء لها بمقدار ما يدركها كل ساع إليها، وليس على أنه لا يجب السعي إليها إلا حين النداء.
والعرب قد تضع البلوغ بمعنى المقاربة، لقوله:"إن ابن أم مكتوم لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت"
(1)
. أي: قاربت الصباح، ومثله:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] أي: قاربن. لأنه إذا بلغت آخر أجلها لم يكن له إمساكها.
وفي الإجماع على أن من كان في طرف المصر العظيم وإن لم يسمع النداء يلزمه السعي دليل واضح أنه لم يرد بالسعي حين النداء خاصة، وإنما أريد قربه.
وأما من كان خارج المصر إذا سمع النداء فهو داخل في عموم قوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاة} [الجمعة: 9] الآية، ولم يخص من في المصر أو خارجه، وأما حديث الباب ففيه رد لقول الكوفيين: إن الجمع لا تجب على من كان خارج المصر؛ لأنها أخبرت عنهم بفعل دائم: أنهم كانوا ينتابون الجمعة. فدل على لزومها عليهم.
قال محمد بن مسلمة: ومما يبين أن الجمعة لازمة لأهل العوالي إذن عثمان لهم يوم العيد في الانصراف، ولولا وجوبها عليهم ما أذن لهم،
(1)
سبق برقم (617) كتاب: الأذان، باب: أذان الأعمى إذا كان له من يخبره.
وما روي عن أنس السالف، فالفرسخ: ثلاثة أميال. ولو كان لازمًا عنده شهودها لمن كان على ستة أميال لما تركها بعض المرات
(1)
.
قال ابن التين: وفعل أنس يرد على النخعي في اعتبار ستة أميال؛ لأن الفرسخ: ثلاثة أميال وزيادة يسيرة. وإن كان خارج المصر.
وقوله: (كان أنس أحيانًا يجمع). يعني: أحيانًا يأتي المصر وأحيانًا لا يأتي؛ لأن فرسخين كثير، فإذا أراد الفضل أتى، وإن ترك كان في سعة.
وقول عائشة: (كان الناس ينتابون الجمعة). ليس مما يمنع تأكد الغسل؛ لأن بعض السنن تترك لسبب كما في الرمل.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 494 - 495.
16 - باب وَقْتُ الجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ
وَكَذَلِكَ يُرْوى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيِّ وَالنُعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْث رضي الله عنه.
903 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنِ الغُسْلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَتْ: قَالَت عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا إِذَا رَاحُوا إِلَى الجُمُعَةِ رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ. [انظر: 902 - مسلم: 847 - فتح: 2/ 386]
904 -
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ. [فتح: 2/ 386]
905 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا نُبَكِّرُ بِالجُمُعَةِ، وَنَقِيلُ بَعْدَ الجُمُعَةِ. [940 - فتح: 2/ 387]
ثم ساق حديث يحيى بن سعيد أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنِ الغُسْلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا إِذَا رَاحُوا إِلَى الجُمُعَةِ رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ.
وحديث أنس أنه عليه السلام كَانَ يُصَلِّي الجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ.
وحديثه أيضًا: كُنَّا نُبَكِّرُ بِالجُمُعَةِ، وَنَقِيلُ بَعْدَ الجُمُعَةِ.
الشرح:
إنما صدر البخاري رحمه الله بالصحابة الباب؛ لأنه قد روي عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال من طريق لا يثبت. كما قال ابن بطال: رواه وكيع، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج الكلابي عن عبد الله بن سيدان السلمي. قال:
شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق، فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان، فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار، فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره
(1)
.
رواه الدارقطني
(2)
، وأحمد في رواية ابنه عبد
(3)
الله، وثابت ثقة، كما قاله أبو داود وغيره
(4)
، وابن سيدان وثقه العجلي
(5)
، وذكره ابن حبان في "ثقاته"
(6)
، وابن سعد في جملة الصحابة
(7)
، وكذا ابن شاهين وبعده أبو موسى وغيره
(8)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 497.
(2)
الدارقطني 2/ 17 كتاب: الجمعة، باب: صلاة الجمعة قبل نصف النهار ورواه عبد الرزاق 3/ 175 (5210) كتاب: الجمعة، باب: وقت الجمعة. وابن أبي شيبة 1/ 444 - 445 (5132) كتاب: الصلوات، باب: من كان يقتل بعد الجمعة- ويقول: هي أول النهار. وابن المنذر في "الأوسط" 2/ 354.
قال الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 195 - 196: حديث ضعيف، وقال النووي في "الخلاصة" 2/ 773: اتفقوا على ضعفه وضعف ابن سيدان.
قال ابن عدي في "الكامل" 5/ 369: هو شبه مجهول. وقال البخاري في "التاريخ الكبير" 5/ 110 لا يتابع على حديث. ثم ذكر له هذا الحديث. وقال ابن حجر في "الفتح" 2/ 321: غير معروف العدالة.
(3)
"مسائل أحمد رواية عبد الله" ص 125 - 126 من حديث ابن مسعود، وسهل بن سعد.
(4)
انظر: "الطبقات الكبرى" 7/ 479. و"التاريخ الكبير" 2/ 162 (2059). و"تهذيب الكمال" 4/ 35 (813).
(5)
"معرفة الثقات" 2/ 33 (900).
(6)
"الثقات" 3/ 247، 5/ 31.
(7)
"الطبقات الكبرى" 7/ 438.
(8)
انظر: "أسد الغابة" 3/ 273 (2999). و"الإصابة" 2/ 323 (4729).
وحكى ابن حجر في ترجمته قول البخاري وابن عدي كما تقدم في تخريج الحديث. اهـ.
وأما ابن بطال فقال: عبد الله بن سيدان لا يعرف، والصحيح عن الصحابة ما ذكره البخاري، ونحوه ذكر عن مالك عن عمر في قصة طنفسة عقيل
(1)
.
قلت: ورواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن وكيع، عن جعفر بن برقان به
(2)
.
وقال ابن حزم: روينا عن عبد الله بن سيدان قال: شهدت الجمعة مع الصديق، فذكره، ثم ذكر حديث "الموطأ" السالف. وفيه: ثم يرجع بعد صلاة الجمعة فيقيل قائلة الضحى. قال: وهذا يوجب أن صلاة عمر الجمعة كانت قبل الزوال؛ لأن ظل الجدار ما دام في المغرب منه شيء فهو قبل الزوال، فإذا زالت الشمس صار الظل في الجانب الشرقي ولابد
(3)
.
وطريق علي قد ذكره ابن أبي شيبة عن وكيع عن (أبي العنبس عن عمرو بن مروان)
(4)
عن أبيه قال: كنا نجمع مع علي إذا زالت الشمس
(5)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 497.
(2)
"المصنف" 1/ 444 (5132).
(3)
"المحلى" 5/ 42 - 43.
(4)
كذا بالأصل ووقع في "مصنف" ابن أبي شيبة: أبو القيس عمرو بن مروان وكلاهما تصحيف.
والصواب ما ذكره البخاري في "تاريخه الكبير" 6/ 375 (2683): أبو العنبس عمر بن مروان.
وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 6/ 261 (1445).
(5)
"المصنف" 1/ 445 (5139) كتاب: الصلوات، باب: من كان يقول: وقتها زوال الشمس.
وعن علي بن مسهر، ثنا إسماعيل بن سميع، عن ابن أبي رزين قال: كنا نصلي مع علي الجمعة، فأحيانًا نجد فيئًا وأحيانًا لا نجد
(1)
، وهو إسناد جيد.
وقال ابن حزم: روينا عن أبي
(2)
إسحاق: شهدت عليًّا يصلي الجمعة إذا زالت الشمس
(3)
.
وقال ابن الأثير: روى زهير، عن أبي إسحاق أنه صلى خلف علي الجمعة، فصلاها بالهاجرة بعد ما زالت الشمس، وأنه رآه قائمًا يصلي.
وطريق النعمان رواه ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن عبيد الله بن موسى، ثنا حسن بن صالح، عن سماك قال: كان النعمان يصلي بنا الجمعة بعد ما تزول الشمس
(4)
.
والنعمان بن بشير هذا قتل بأرض حمص سنة أربع وستين.
وطريق عمر بن حريث رواه ابن أبي شيبة أيضًا بإسناد جيد: حَدَّثَنَا محمد بن بشر العبدي، ثنا عبد الله بن الوليد، عن الوليد بن العيزار قال: ما رأيت إمامًا كان أحسن صلاة للجمعة من عمرو بن حريث، كان يصليها إذا زالت الشمس
(5)
.
وعمرو هذا والي الكوفة، مات بها سنة خمس وثمانين، كانت أمه
(1)
"المصنف" 1/ 445 (5144) كتاب: الصلوات، باب: من كان يقول: وقتها زوال الشمس.
(2)
في الأصل: ابن. والمثبت من "المحلى" 5/ 45. وهو أبو إسحاق السبيعى.
(3)
"المحلى" 5/ 45.
(4)
"المصنف" 1/ 446 (5145) كتاب: الصلوات، باب: كان يقول: وقتها زوال الشمس وقت الظهر.
(5)
"المصنف" 1/ 446 (5146).
حاملًا به يوم بدر، وقال الواقدي: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثنتي عشرة سنة
(1)
.
وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم أيضًا
(2)
، ولأبي داود: مهان أنفسهم
(3)
.
وللبيهقي: عمال أنفسهم
(4)
. وللإسماعيلي: كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كُفاة، فكان يكون لهم تفل.
ومناسبة الحديث للباب أن في الحديث: فكانوا إذا راحوا إلى الجمعة. والرواح لا يكون إلا بعد الزوال، وقد سلف ما نحن فيه.
ومهنة أنفسهم. أي: يباشرون خدمة أموالهم، وهي بفتح الميم، وقد تكسر. قال ابن التين: رويناه بفتح الميم والهاء، جمع ماهن، وهو الخادم. وفي رواية أبي ذر: المهنة -بكسر الميم وسكون الهاء- الخدمة. يكون معناه بإسقاط محذوف. أي: ذو خدمة أنفسهم.
وأما حديث أنس الأول فهو من أفراده، وأخرجه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح
(5)
. وفي لفظ: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة إذا زالت الشمس
(6)
.
(1)
انظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" 6/ 23. و"الاستيعاب" 3/ 256 (1928) و"أسد الغابة" 4/ 314 (3897) و"الإصابة" 2/ 531 (5808).
(2)
مسلم (847) كتاب: الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة.
(3)
أبو داود (352) كتاب: الطهارة، باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة.
(4)
"السنن الكبرى" 1/ 295 كتاب: الطهارة، باب: الدلالة على أن الغسل يوم الجمعة سنة اختيار.
(5)
"سنن أبي داود"(1084) كتاب: الصلاة، باب: في وقت الجمعة.
"سنن الترمذي"(503 - 504) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في وقت الجمعة.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 445 (5138) من حديث سلمة بن الأكوع عن أبيه.
وشيخ البخاري فيه سريج بن النعمان بالسين المهملة. أما بالمعجمة فتابعي، عن عليِّ ليس في "الصحيح"
(1)
.
وأما حديثه الثاني فهو من أفراده أيضًا، وعبد الله المذكور في إسناده هو ابن المبارك. قال الترمذي: وفي الباب عن سلمة بن الأكوع وجابر والزبير بن العوام، وهو الذي أجمع عليه أكثر أهل العلم أن وقت الجمعة إذا زالت الشمس كوقت الظهر، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. قال: ورأى بعضهم أن صلاة الجمعة إذا صليت قبل الزوال أنها تجوز أيضًا. وقال أحمد: ومن صلاها قبل الزوال كأنه لم ير عليه إعادة
(2)
، وحديث سلمة وجابر أخرجهما ابن أبي شيبة
(3)
.
ومعنى: (نبكر بالجمعة): أي: نصليها بعد الزوال في أول الوقت، وهو وقت الرواح عند العرب، قاله ابن بطال
(4)
.
وأغرب ابن التين فقال: يبكر، أي: يعجل بذلك قبل الزوال ما بين الغدو إلى أن تزول الشمس بكرة وغدوة.
وقوله: (نقيل بعد الجمعة). يعني: أنهم كانوا يقيلون بعد الصلاة به، بدلًا من القائلة التي امتنعوا منها بسبب تبكيرهم إلى الجمعة.
(1)
شريح بن النعمان الصائدي الكوفي. قال أبو إسحاق السبيعي: كان رجل صدق.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه وعن هبيرة بن يريم. قال: ما أقربهما. قلت: يُحْتُج بحديثهما؟ قال: لا، هما شبيهان بالمجهولين. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن حجر: صدوق من الثالثة. انظر: "الثقات" 4/ 353. و"تهذيب الكمال" 12/ 450 (2728). و"التقريب"(2777).
(2)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (503) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في وقت الجمعة.
(3)
"المصنف" 1/ 445 (5137، 5138) كتاب: الصلوات، باب: من كان يقول: وقتها زوال الشمس.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 498.
ويقيل بفتح أوله؛ لأنه ثلاثي. قال تعالى: {بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4] وقد أجمع العلماء على أن وقت الجمعة بعد زوال الشمس، إلا ما روي عن مجاهد أنه قال: جائز فعلها في وقت صلاة العيد
(1)
لأنها صلاة عيدٍ، كذا نقل الإجماع، وحكى هذِه الحكاية عن مجاهد ابن بطال في "شرحه"، ثم قال: وقال أحمد: يجوز قبل الزوال
(2)
.
وقد أسلفنا عن الترمذي إجماع أكثر أهل العلم أيضًا على أن وقتها بعد الزوال، وكذا قال ابن العربي: اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن الجمعة لا تجب حتى تزول الشمس ولا يجزئه قبل الزوال، إلا ما روي عن أحمد بن حنبل أنه يجوز قبل الزوال
(3)
.
ونقله ابن المنذر عن عطاء إسحاق
(4)
، ونقله الماوردي عن ابن عباس في السادسة
(5)
.
قال ابن المنذر: وروي ذلك بإسناد لا يثبت عن أبي بكر وعمر وابن مسعود ومعاوية
(6)
.
وقال ابن قدامة: المذهب جوازها في وقت صلاة العيد
(7)
، وقد أسلفنا ذلك في أثناء باب: الجمعة في القرى والمدن بزيادة.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 444 (5131) كتاب: الصلوات، باب: من كان يقيل بعد الجمعة.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 497 - 498.
(3)
"عارضة الأحوذي" 2/ 292 وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 2/ 387: وأغرب ابن العربي في ذلك.
(4)
"الأوسط" 2/ 353، 355.
(5)
"الحاوي" 2/ 428.
(6)
"الأوسط" 2/ 355.
(7)
"المغني" 2/ 239.
قال ابن حزم: وفرق مالك بين آخر وقت الجمعة وبين آخر وقت الظهر على أنه يوافق أن وقتها هو أول وقت الظهر
(1)
.
ونقل ابن التين أن آخر وقتها عند ابن القاسم وأشهب ومطرف آخر وقت الظهر ضرورة واختيارًا؛ لأنها بدلًا عنها
(2)
.
وعند ابن الماجشون وأصبغ وابن عبد الحكم: إلى صلاة العصر
(3)
.
واحتج الإمام أحمد بأحاديث:
أحدها: حديث جابر: كان صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم نذهب بجمالنا -يعني: النواضح- فنريحها حين تزول الشمس. أخرجه مسلم
(4)
.
نعم في النسائي: ثم نرجع فنريح نواضحنا. قال محمد بن علي: قلت: أية ساعة؟ قال: زوال الشمس
(5)
. وأيضًا فإنه أخبر أن الصلاة والرواح كانا حين الزوال؛ لأن الصلاة قبله.
فإن قلت: قوله: (حين تزول الشمس). لا يسع هذِه الجملة، فالجواب أن المراد نفس الزوال ما يدانيه.
ثانيها: حديث سلمة بن الأكوع: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به أخرجاه، وفي رواية لهما: وليس للحيطان ظل
(6)
. وهذِه حجة للجماعة في كونها
(1)
"المحلى" 5/ 45.
(2)
انظر قول ابن القاسم وأشهب ومطرف في "المنتقى" 1/ 19.
(3)
انظر: "المنتقى" 1/ 19.
(4)
مسلم (858) كتاب: الجمعة، باب: صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
(5)
"المجتبى" 3/ 100، "السنن الكبرى" 1/ 527 (1699).
(6)
سيأتي برقم (4168) كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، مسلم (860) كتاب: الجمعة، باب: صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
بعد الزوال؛ لأنه ليس فيه نفي الظل مطلقًا، وإنما هو نفي فيء كثير يستظل به المار، ويوضحه الرواية الأخرى: نتتبع الفيء. فصرح بوجود الفيء، لكنه قليل، ومعلوم أن حيطانهم قصيرة وبلادهم متوسطة من الشمس، فلا يظهر هناك الفيء بحيث يستظل به إلا بعد زمن طويل، وقد جاء في رواية لمسلم: كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء
(1)
.
ولم يذكر البخاري هذِه الزيادة، وهي: إذا زالت الشمس. وهي محل الحاجة.
الثالث: حديث سهل بن سعد: ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجاه وسيأتي
(2)
.
الرابع: حديث أنس الذي ذكره البخاري آخر الباب، ونستدل له أيضًا مما رواه عطاء قال: اجتمع يوم فطر ويوم جمعة على عهد ابن الزبير فجمعهما جميعًا، فصلاهما ركعتين بكرة، ثم لم يزد عليهما حتى صلى العصر. رواه أبو داود
(3)
، وفي رواية: فسئل ابن عباس عن ذلك. فقال: أصاب السنة
(4)
.
وأسلفنا أثر عبد الله ومعاوية في الباب المشار إليه.
(1)
انظر التخريج السابق.
(2)
سيأتي برقم (939) كتاب: الجمعة، باب: قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} ، ومسلم (859) كتاب: الجمعة، باب: صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
(3)
"سنن أبي داود"(1072) كتاب: الصلاة، باب: إذا وافق يوم الجمعة يوم العيد. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(983): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(4)
"سنن أبي داود"(1071).
وفي "الموطأ" عن عمرو بن يحيى، عن ابن أبي سليط، عن عثمان ابن عفان: صلى الجمعة بالمدينة وصلى العصر بملل. قال ابن أبي سليط: وكنا نصلي الجمعة مع عثمان وننصرف وما للجدر ظل. قال مالك: وذلك التهجير وسرعة السير
(1)
.
وقال ابن حزم: بين المدينة وملل اثنان وعشرون ميلًا
(2)
، ولا يجوز البتة أن تزول الشمس ثم يخطب ويصلي الجمعة، ثم يمشي هذِه المسافة قبل اصفرار الشمس، إلا من ركض ركض البريد
(3)
.
ولأن الجمعة عيد لقوله صلى الله عليه وسلم: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان"
(4)
ولقوله: "إن هذا يوم جعله الله عيد المسلمين"
(5)
فصار كالفطر والأضحى، فيصح في وقتها، ولأنها جهر شابهته.
(1)
"الموطأ" ص 33.
(2)
ملل: بالتحريك ولامين، اسم موضع في طريق مكة بين الحرمين.
انظر: "معجم البلدان" 5/ 194. و"معجم ما استعجم" 4/ 1256.
(3)
"المحلى" 5/ 34.
(4)
رواه أبو داود (1073) كتاب: الصلاة، باب: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، وعبد الرزاق 3/ 304 - 305 (5729) كتاب: صلاة العيدين، وابن الجارود 1/ 260 (302) كتاب: الصلاة، باب: الجمعة، والحاكم 1/ 288 - 289 كتاب: الجمعة، والبيهقي 3/ 318 كتاب: صلاة العيدين، باب: اجتماع العيدين بأن يوافق يوم العيد يوم الجمعة.
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم فإن بقية بن الوليد لم يختلف في صدقه إذا روى عن المشهورين، وهذا حديث غريب من حديث شعبة والمغيرة وعبد العزيز وكلهم ممن يجمع حديثه. وقال الذهبي: صحيح غريب.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(984).
(5)
رواه عبد الرزاق 3/ 197 (5301) كتاب: الجمعة، باب: الغسل يوم الجمعة والطيب والسواك، والشافعي 1/ 133 (391) كتاب: الصلاة، باب: في صلاة الجمعة، والبيهقي 3/ 243 و 345، كتاب: الجمعة.
واحتج الجمهور بحديث أنس الأول: كان صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس. وفي رواية: إذا مالت الشمس
(1)
.
ورجح بعضهم حديثه هذا على حديثه الآخر بأمرين:
أحدهما: أن هذِه الرواية أضافها أنس إلى زمنه صلى الله عليه وسلم بخلاف الأخرى.
الثاني: أن قوله: (كنا نبكر). أي: نأتيها بكرة لأجل البدنة وما بعدها، وكان يؤخر القيلولة إلى بعد صلاة الجمعة؛ لأنه لو قال قبلها لفاتهم فضيلة البدنة، وهذا سبب إخراج البخاري له في هذا الباب.
واحتجوا أيضًا بحديث عائشة في الباب، وبحديث سلمة وجابر السالف، وبحديث الزبير بن العوام: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نبتدر الفيء فما يكون إلا موضع القدم أو القدمين. أودعه الحاكم في "مستدركه"، ثم قال: صحيح الإسناد
(2)
.
وروى ابن أبي شيبة، عن سفيان، عن عمرو، عن يوسف بن ماهك قال: قدم معاذ مكة وهم يجمعون في الحجر، فقال: لا تجمعوا حتى تفيء الكعبة من وجهها
(3)
.
ورواه الشافعي عن سفيان، وقال: وجهها الباب. يريد معاذ: حتى تزول الشمس
(4)
.
(1)
رواه أبو داود (1084) كتاب: الصلاة، باب: في وقت الجمعة، وابن أبي شيبة 1/ 445 (5136) كتاب: الصلوات، باب: من كان يقول: ومنها زوال الشمس وقت الظهر، وأبو يعلى 7/ 296 (4329).
(2)
"المستدرك" 1/ 291 كتاب: الجمعة- ورواه أحمد 1/ 167. والبيهقي 3/ 271 كتاب: الجمعة، استحباب التعجيل بصلاة الجمعة إذا دخل وقتها.
(3)
"المصنف" 1/ 445 (5141) كتاب: الصلوات، باب: من كان يقول: وقتها زوال الشمس وقت الظهر.
(4)
"الأم" 1/ 194.
وروى هشيم، عن منصور، عن الحسين قال: وقت الجمعة عند الزوال
(1)
. وعنه عن مغيرة عن إبراهيم قال: وقت الجمعة وقت الظهر
(2)
. وبالآثار السالفة.
وقال ابن حزم: روينا عن ابن عباس: خرج علينا عمر حين زالت الشمس، فخطب. يعني: للجمعة
(3)
.
وفي "المصنف" عن المغيرة، قال: وقت الجمعة وقت الظهر. وعن بلال العبسي: أن عمارًا صلى بالناس الجمعة، والناس فريقان، بعضهم يقول: زالت الشمس. وبعضهم يقول: لم تزل
(4)
.
وقال ابن عون: كانوا يصلون الجمعة في عهد عمر بن عبد العزيز والفيء هنيهة.
وعن الحسن: وقت الجمعة عند زوال الشمس.
وعند ابن ماجه عن سعد القرظ قال: كان يؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الفيء مثل الشراك
(5)
، وهو المعروف من فعل السلف والخلف قاطبة.
قال الشافعي: صلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان والأئمة بعدهم كل جمعة بعد الزوال
(6)
، وأما حديث جابر وما بعدها فكلها
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 445 (543).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 446 (5147). عن هشيم عن إبراهيم.
(3)
"المحلى" 5/ 45.
(4)
"المصنف" 1/ 445 (5143، 5142، 5140).
(5)
"سنن ابن ماجه"(1101) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في وقت الجمعة.
وقال الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(227): ضعيف.
(6)
انظر: "معرفة السنن والآثار" 4/ 335.
محمولة على شدة المبالغة في تعجيلها بعد الزوال من غير إبراد ولا غيره.
والإبراد بها ستعلمه بعد هذا إثر الباب.
وأما حديث سهل فلأنهم ندبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فواتها أو فوات التبكير إليها، فكانوا يؤخرون القيلولة والغداء في هذا اليوم إلى بعد الصلاة، وقد أسلفنا ذلك، ويؤيده فعل عمر في حديث الطنفسة السالف، وأما الأثر عن أبي بكر وعمر وعثمان فقد أسلفناها.
وادعى النووي الاتفاق على ضعفها قال: لأن ابن سيدان ضعيف عندهم، كذا قال، وقد عرفت حاله. قال: ولو صح لكان متأولًا لمخالفة الأحاديث الصحيحة
(1)
.
وكأنه استند إلى قول ابن المنذر: الأثر عن أبي بكر وعمر وابن مسعود في جواز صلاة الجمعة قبل الزوال لا يثبت
(2)
. وقال ابن بطال: الآثار عن هؤلاء الصحابة لا تثبت
(3)
.
وكذا قال ابن التين، ثم الجمعة لا تخلو إما أن تكون ظهر اليوم فوقتها لا يختلف، أو بدلًا عنها فكذلك؛ لأن الأبدال لا تتقدم مبدلاتها، كالقصر في السفر لا يخرج الصلاة عن أوقاتها.
وقد أسلفنا أن البخاري إنما صدر الباب بالصحابة؛ لأنه قد روي عنهم خلافه من طريق لا يثبت، وهو أولى من قول أبي عبد الملك؛ لأنه لم يجد من الشارع في وقت صلى فيه حديثًا
(4)
؛ بل هو عجيب، فقد ذكر فيه حديث أنس، وهو صريح فيه.
(1)
"المجموع" 4/ 381.
(2)
"الأوسط" 2/ 355.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 497.
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر 2/ 388.
17 - باب إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ يَومَ الجُمُعَهَ
906 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ -هُوَ: خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ- قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَدَّ البَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، يَعْنِى: الجُمُعَةَ. قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ فَقَالَ: بِالصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الجُمُعَةَ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَمِيرٌ الجُمُعَةَ ثُمَّ قَالَ لأَنَسٍ رضي الله عنه: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ؟ [فتح: 2/ 388]
ذكر فيه حديث حرمي بن عمارة عن أبي خلدة خالد بن دينار: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَدَّ البَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ. يَعْنِي: الجُمُعَةَ. وقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ فَقَالَ: بِالصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الجُمُعَةَ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ: ثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَمِيرٌ الجُمُعَةَ ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ رضي الله عنه: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ؟
الشرح:
هذا الحديث انفرد به عن مسلم، وأخرجه النسائي
(1)
وفي روايةٍ أن الحكم بن أيوب أخر صلاة الجمعة، فتكلم يزيد الضبي، ونادى أنس بن مالك: يا أبا حمزة، شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت الصلاة معنا، فكيف كان يصلي؟ الحديث
(2)
.
وأخرجه الإسماعيلي كذلك بلفظ: الصلاة فقط. ثم أسند تعليق يونس عن أبي الحسن الصوفي: ثنا أبو هشام عن يونس بلفظ: إذا
(1)
"سنن النسائي" 1/ 248 كتاب: المواقيت، باب: تعجيل الظهر في البرد.
(2)
رواه البيهقي 3/ 191 كتاب: الجمعة، باب: من قال: يبرد بها إذا اشتد الحر.
كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد بكَّر بها. يعني: الظهر.
وأسنده البيهقي أيضًا من حديث عبيد بن يعيش عنه بلفظ الصلاة فقط
(1)
. ثم أسند تعليق بشر بن ثابت -أعني: الإسماعيلي- من حديث إبراهيم بن مرزوق، عن بشر، عنه، عن أنس بلفظ: إذا كان الشتاء يبكر بالظهر، وإذا كان الصيف أبرد بها، ولكن يصلي العصر والشمس بيضاء نقية. وأخرجه البيهقي أيضًا
(2)
.
وأبو خلدة (خ. د. ت. س) بإسكان اللام، ثقة مأمون، روى له
البخاري هذا الحديث الواحد، مات سنة اثنتين وخمسين ومائة. ذكره ابن نافع، وذكر عبد الغنى في "الكمال" أن أحمد بن حنبل قال: شيخ ثقة
(3)
. وهذا إنما قاله في خالد بن دينار أبي الوليد فاعلمه.
وروى له ابن ماجه والبخاري في "أفعال العباد"، وبشر بن ثابت بصري بزار ثقة، ذكره ابن حبان في "ثقاته". وقال أبو حاتم: مجهول، ويونس بن بكير الكوفي الجمال احتج به مسلم، مات مع
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 191 - 192 كتاب: الجمعة، باب: من قال: يبرد بها.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 191 - 192.
(3)
هو خالد بن دينار التميمي السعدي، أبو خلدة البصري الحناط.
قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: صالح وقال عثمان بن سعيد، عن يحيى: ثقة.
قال أبو زرعة: أبو خلدة أحب إليَّ من الربيع بن أنس. وقال النسائي: ثقة. وقال ابن حجر: صدوق.
روى له الجماعة سوى مسلم وابن ماجه.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 3/ 147 (500). و"ثقات العجلي" 1/ 330 (386). و"الجرح والتعديل" 3/ 327 (1471). و"تهذيب الكمال" 8/ 56 (1606). و"التقريب"(1627).
عبد الله بن نمير سنة تسع وتسعين ومائة
(1)
.
وهذا الباب في معنى الذي قبله: أن وقتها وقت الظهر، وأنها تصلى بعد الزوال، ويبرد بها في شدة الحر، ولا يكون الإبراد إلا بعد تمكين الوقت، والإبراد بها وجه قوي، وإن كان المشهور في المذهب خلافه
(2)
.
وقد أسلفنا في الباب قبله بأن الأحاديث السالفة محمولة على المبالغة في التعجيل من غير إبراد ولا غيره.
وقال ابن قدامة في "المغني": لا فرق في استحباب إقامتها عقب الزوال بين شدة الحر وبين غيره، فإن الجمعة يجتمع لها الناس، فإذا انتظروا غيرهم شق عليهم، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يصليها إذا زالت الشمس شتاءً وصيفًا على ميقات واحد
(3)
.
(1)
هو بشر بن ثابت البصري، أبو محمد البزار روى عنه، إبراهيم بن مرزوق البصري.
قال ابن أبي حاتم: بشر بن ثابت، سئل أبي عنه فقال: مجهول. وقال بشر بن آدم حدثنا بشر بن ثابت، وكان ثقة. وذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات. وقال ابن حجر: صدوق من التابعة. انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 352 (1338). و"الثقات" 8/ 141. و"تهذيب الكمال" 4/ 97 (680) و"إكمال مغلطاي" 2/ 391 (723) وقال ابن حجر في "التقريب" (678)
(2)
انظر: "المجموع" 3/ 63، "الإعلام" 3/ 358.
(3)
"المغني" 3/ 159.
18 - باب المَشْيِ إِلَى الجُمُعَةِ
وَقَوْلِ اللهِ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة: 9] وَمَنْ قَالَ: السَّعْيُ: العَمَلُ وَالذَّهَابُ، لِقَوْلِهِ الله تَعَالَى:{وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَحْرُمُ البَيْعُ حِينَئِذِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: تَحْرُمُ الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهْوَ مُسافر فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ.
907 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ: أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الجُمُعَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ". [2811 - فتح: 2/ 390]
908 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". [انظر: 636 - مسلم: 602 - فتح: 2/ 390]
909 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ -لَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنْ أَبِيهِ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ". [انظر: 637 - مسلم: 604 - فتح: 2/ 390]
ثم ساق ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث يَزِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ: أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الجُمُعَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ".
ثانيها:
حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ .. " الحديث.
ثالثها:
حديث عبد الله بن أبي قتادة -أراه عن أبيه- مرفوعًا: "لَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ".
الشرح:
السعي في لسان العرب: الإسراع في المشي والاشتداد فيه
(1)
، ومنه حديث أبي هريرة، كذا ذكره الهروي وغيره
(2)
، والعمل أيضًا. قال تعالى:{وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] وقال: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] وقال: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 107].
وقال ابن سيده: السعي: عدو دون الشد، سعى يسعى سعيًا، والسعي: الكسب، وكل عمل من خير أو شر سعي
(3)
، والفعل كالفعل. وذهب مالك وما حكاه ابن التين إلى أن المشي والمضي
(1)
"لسان العرب" 4/ 2019.
(2)
انظر: "غريب الحديث" 2/ 230. و"النهاية" 2/ 369 - 370.
(3)
"المحكم" 2/ 159.
يسميان سعيًا من حيث شدته أو غيره فقد سعى، وأما السعي بمعنى الجري فهو الإسراع، يقال: سعى إلى كذا. بمعنى: العدو والجري، فيتعدى بـ (إلى)، وإن كان بمعنى العمل تعدى باللام، قال تعالى:{وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] وإنما يتعدى سعي الجمعة بـ (إلى) لأنه بمعنى المضي
(1)
.
وقال الحسن: أما والله ما هو بالسعي على الأقدام، وقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار، ولكن بالقلوب والنيات والخشوع. وإلى هذا ذهب مالك وأكثر العلماء، وهو مذهب البخاري، وكان عمر وابن مسعود يقرآن:(فامضوا إلى ذكر الله)
(2)
. قالا ولو قرأناها: {فَاسْعَوْا} لسعينا حتى يسقط رداؤنا
(3)
.
وقال عمر لأُبي وقرأ: {فَاسْعَوْا} : لا يزال يقرأ المنسوخ. كذا ذكر ابن الأثير، والذي في "تفسير عبد بن حميد": قيل لعمر: إن أبيًّا يقرأ: {فَاسْعَوْا} . فقال عمر: أُبي أعلمنا بالمنسوخ. وكان يقرأ: (فامضوا)
(4)
.
وفي "المعاني" للزجاج: وقرأ أُبي وابن مسعود: (فامضوا).
وكذا ابن الزبير فيما ذكره ابن التين عن النحاس، وقد رويت عن عمر -كما في "الموطأ"
(5)
- لكن اتباع المصحف أولى ولو كان عند عمر فامضوا لا غير، فغيرَّوا في المصحف.
(1)
انظر: "غريب الحديث" 2/ 230. و"النهاية" 2/ 369 - 370.
(2)
"شواذ القرآن" لابن خالويه ص 157.
(3)
رواه عبد الرزاق 3/ 207 (5349، 5350) كتاب: الجمعة، باب: السعي إلى الصلاة، والطبراني 9/ 307. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 264: رواه الطبراني، وإبراهيم لم يدرك ابن مسعود، ورجاله ثقات.
(4)
انظر: "تفسير الطبري" 12/ 94 (34103).
(5)
"الموطأ" ص 87.
والدليل على أن معنى السعي: التصرف في كل عمل قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النجم: 39] فلا اختلاف في أن معناه: وأن ليس للإنسان إلا ما عمل. وعن ابن عباس: ليس السعي إليها بالرجلين ولكن نقول: امضوا إليها
(1)
.
والذكر: صلاة الجمعة. وفي "تفسير أبي القاسم الجوزي" المسمى "بالإفصاح": {فَاسْعَوْا} أي:
(2)
فاقصدوا إلى صلاة الجمعة.
قال ابن التين: ولم يذكر أحد من المفسرين أنه: الجري. واحتج به الزهري لما سأله مالك عن معنى الآية
(3)
.
واحتج بها الزهري، وإن لم تكن في المصحف؛ لأنها تجري عن جماعة من الأصوليين مجرى خبر الآحاد سواء أسندها القارئ أو لم يسندها، وذهبت طائفة إلى أنها لا تجري مجرى خبر الآحاد إلا إذا أسندت للشارع، وذهب القاضي أبو بكر إلى أنه لا يجوز القراءة بها ولا العمل بمتضمنها، وهو أبين.
وللسعي وقتان: مستحب، وقد سلف، وواجب، وهو وقت النداء، وينبغي أن يقال: إن قلنا حضور الخطبة واجب فيجب رواحه بعد ما يعلم أنه يحصل؛ ليحضرها، وإن قلنا: غير واجب. راح بقدر ما يدرك الصلاة، ذكره ابن التين نصًّا، قال: ونحوه للشيخ أبي إسحاق.
وقوله: {مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] أي: في يومها.
وأما أثر ابن عباس: (يحرم البيع حيئنذٍ) فقال ابن حزم: رويناه من
(1)
أخرجه عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" 6/ 329.
(2)
في الأصل: أن.
(3)
"الموطأ" ص 87.
طريق عكرمة عنه: لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادى بالصلاة، فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع
(1)
.
وأما أثر عطاء: (تحرم الصناعات كلها) فأخرجه عبد بن حميد الكشي في "تفسيره الكبير" عن روح، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: هل من شيء يحرم إذا نودي بالأولى سوى البيع؟ فقال عطاء: إذا نودي بالأولى حرم اللهو والبيع، والصناعات كلها بمنزلة البيع، وأن يأتي الرجل أهله، وأن يكتب كتابًا
(2)
.
وأما أثر الزهري فأخرج أبو داود في "مراسيله" من حديثه أنه خرج لسفر يوم الجمعة من أول النهار، فقيل له في ذلك فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج لسفر يوم الجمعة من أول النهار
(3)
. وهذا منقطع.
ورواه ابن أبي شيبة من طريقه بغير واسطة بين ابن أبي ذئب وبينه
(4)
، خلاف رواية أبي داود، وقال ابن المنذر: اختلف فيه عن الزهري وقد روي عنه مثل قول الجماعة أنه لا جمعة على مسافرٍ
(5)
. وحكاه ابن بطال عنه وقال: أكثر العلماء أنه لا جمعة عليه
(6)
.
وحكاه ابن أبي شيبة عن علي وابن عمر ومكحول وعروة بن المغيرة
(7)
. وغيره من أصحاب عبد الله وأنس وعبد الرحمن بن سمرة
(1)
"المحلى" 5/ 81.
(2)
رواه عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" 6/ 330.
(3)
"مراسيل أبي داود" ص 237 (310) باب: في فضل الجهاد.
(4)
"المصنف" 1/ 443 (5113) كتاب: الصلوات، باب: من رخص في السفر يوم الجمعة.
(5)
"الأوسط" 4/ 20 - 21.
(6)
"شرح ابن بطال" 2/ 490.
(7)
"المصنف" 1/ 442 (5095 - 5098، 5105) كتاب: الصلوات، باب: من قال ليس على المسافر جمعة.
وإبراهيم النخعي وعبد الملك بن مراون وابن مسعود والشعبي وعمر بن عبد العزيز.
وقال ابن التين في قول الزهري السالف: إن أراد وجوبها عليه فهو قول شاذ.
وأما حديث أبي عبس فيأتي -إن شاء الله تعالى- في أوائل الجهاد أيضًا
(1)
، وأخرجه النسائي
(2)
والترمذي فيه وقال: حسن صحيح غريب
(3)
. وأبو عبس (خ. ت. س) اسمه عبد الرحمن بن جبر، وفي الباب عن أبي بكر ورجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويزيد بن أبي مريم شامي
(4)
، وبريد بن أبي مريم كوفي، أبوه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه مالك بن ربيعة
(5)
.
(1)
برقم (2811) باب: من اغبرت قدماه في سبيل الله.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 11 (4324) كتاب: الجهاد، باب: ثواب من اغبرت قدماه في سبيل الله.
(3)
سنن الترمذي (1632).
(4)
يزيد بن أبي مريم بن أبي عطاء، ويقال يزيد بن ثابت بن أبي مريم بن أبي عطاء، الشامي.
قال عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين وعن دحيم: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال الدارقطني: ليس بذاك. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات". وقال ابن حجر في "مقدمة فتح الباري": هذا جرح غير مفسر فهو مردود وليس له في البخاري سوى حديث واحد أخرجه في الجهاد والجمعة من رواية الوليد بن مسلم ويحيى بن حمزة: كلاهما عن يزيد بن أبي مريم عن عباية بن رافع عن أبي عيسى بن جبر في فضل من اغبرت قدماه في سبيل الله ساعة.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 361 (3339). و"الجرح والتعديل" 9/ 291 (1243). و"الثقات" لابن حبان 5/ 536. و"تهذيب الكمال" 32/ 243 (3049). هدي الساري ص 453.
(5)
بريد بن أبي مريم، واسمه مالك بن ربيعة السلولي البصري. وقال أبو بكر بن أبي =
قلت: ويزيد بالمثناة تحت في أوله لا بالباء الموحدة، ذاك ليس في الصحيحين، بل في السنن الأربعة، تابعي ثقة كوفي، وهذا شامي، مات الشامي سنة أربع وأربعين ومائة.
وأبعد من قال: اسم أبي عبس عبد الله. وقيل: كان اسمه في الجاهلية: عبد العزى. فسمي في الإسلام عبد الرحمن، شهد بدرًا وما بعدها، وهو أنصاري أوسي، وعنه: ابنه زيد والدميمون، وابن ابنه أبو عبس بن محمد بن أبي عيسى بن جبر، وهو الذي قتل كعب ابن الأشرف فيمن معه، مات سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان ابن عفان وهو ابن سبعين سنة، ودفن بالبقيع. وقيل: كان يكتب بالعربية قبل الإسلام، انفرد به البخاري، وكان من كتاب الصحابة.
وشيخ البخاري فيه هو ابن المديني، وقد روى البخاري أيضًا عن علي بن عبد الله بن إبراهيم، ولكن ذاك إنما روى له حديثًا واحدًا في النكاح
(1)
، وهو قال على أن المشي للجمعة أفضل، وكذلك الأعمال الصالحة إذا أريد بها وجه الله فكلها في سبيله، فإن منعه ماءٌ أو طين كان له حينئذٍ أن يركب إليها إذا شاء.
وكان أبو هريرة يأتى الجمعة ماشيًا من ذي الحليفة، وكان عبد الله ابن رواحة يأتيها ماشيًا، فإذا رجع إن شاء ماشيًا، وإن شاء راكبًا.
وعن إبراهيم قال: كانوا يكرهون الركوب إلى الجمعة والعيدين،
= خيثمة عن يحيى بن معين، وأبو زرعة، والنسائي: ثقةٌ. وقال أبو حاتم: صالح.
"التاريخ الكبير" 1/ 140 (1975). و"الجرح والتعديل" 2/ 426 (1693).
"الثقات" 4/ 82. وتهذيب الكمال 4/ 52 (660).
(1)
يأتي هذا الحديث برقم (5179) كتاب: النكاح، باب: إجابة الداعي في العرس وغيره.
ذكره ابن أبي شيبة
(1)
.
وفي "الفضل" لحميد بن زنجويه حديث من طريق الصديق: إن المشي إليها بكل قدم كعمل عشرين سنة، فإذا فرغ من الجمعة أجير بعمل مائتي سنة.
وأما حديث أبي هريرة فسلف في باب: ما أدركتم فصلوا
(2)
. وإنما ذكره هنا لأجل قوله: (وأنتم تسعون)، وإن السعي هو المشي لا العدو، فيكون مفسرًا للآية، كذا قاله شيخنا قطب الدين في "شرحه"، وليس بجيدٍ، والظاهر أن المراد بالسعي هنا: العدو.
وكذا فسره ابن بطال في "شرحه" قال: وممن كان يسعى إذا سمع أنس بن مالك
(3)
، وكذا قال ابن التين: السعي هنا الجري. منع منه في الإتيان؟ لما فيه من ترك الوقار والشروع فيها. أما ما لا ينافي الوقار لمن خاف فوت بعض الصلاة، فهو مندوب إليه.
وقال مالك: فيمن سمع مؤذن الحرس يحرك قدميه للإدراك: لا بأس به. ومعناه أن يسرع دون جري يخرج عن حد الوقار، ودليل ذلك حديث "الموطأ" أن ابن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد
(4)
. هذا قول القاضي أبي الوليد.
وقال الداودي الخطا تكثر مع السكينة وتترك مع السرعة، كما جاء في الحديث الآخر:"يكتب بكل خطوة حسنة ويمحى عنه سيئة وترفع له درجة"
(5)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 467 (5406) كتاب الصلوات، باب: من كان يحب أن يأتي الجمعة ماشيًا.
(2)
برقم (636) كتاب: الأذان.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 499.
(4)
"الموطأ" ص 68.
(5)
رواه أحمد 2/ 283.
وقوله: ("فما أدركتم فصلوا") يقتضي الدخول مع الإمام على الهيئة التي يوجد عليها وإن كان مما لا يعتد به كالسجدة التي فاتت ركعتها، فإنه مما أدرك فعله.
وقوله: ("فأتموا"). كذا رواها الأكثرون عن الزهري، وروى ابن عيينة عنه:"فاقضوا" ويبنى عليهما ما أدركه المسبوق هل هو أول صلاته أم لا؟ وقد سلف في موضعه.
وأما حديث أبي قتادة فتقدم في باب: متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة من حديث أبي قتادة من غير ظن
(1)
؛ فإنه قال هنا: أراه عن أبيه.
وشيخ شيخ البخاري فيه أبو قتيبة، وهو سلم بن قتيبة، انفرد به البخاري، بصري، مات هو وحرمي بن عمارة وأبو أسامة سنة إحدى ومائتين، كذا بخط الدمياطي عن ابن أبي عاصم. وقال المزي: سنة مائتين
(2)
.
وفيه قول ثالث، وهو قول ابن قانع: سنة اثنتين ومائتين.
ووقع في "الكمال" وتبعه "التهذيب"
(3)
: نسبة سلم هذا الفريابي وصوابه: العرماني بعينٍ وراءٍ مهملتين، ثم ميم، ثم ألف ثم نون، كما نبه عليه الرشاطي، نسبة إلى عرمان بن عمرو بن الأزد
(4)
.
قال الداودي: فيه أن الصلاة تقام والإمام في داره إذا كان يسمع الإقامة، وفيه: أن يقام إلى الصلاة بالسكينة كما يفعل فيها.
(1)
برقم (637) كتاب: الأذان.
(2)
"تهذيب الكمال" 11/ 232 - 235 (2433).
(3)
"تهذيب الكمال" 11/ 232 (2433).
(4)
قاله مغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال" 5/ 432.
وقوله: ("حتى تروني") يريد: لأنه قد يبطئ لوضوء يجدده أو غيره، فكره أن ينتظروه قيامًا. وقال أبو عبد الملك: إنهم إذا قاموا عنوة للإحرام، وذهب التوقير الذي أمروا به. قال مالك: ليس لقيام الناس عند الإقامة حد، منهم الثقيل والخفيف
(1)
.
وقال الشافعي: يقومون إذا قال: قد قامت الصلاة. وحكاه ابن حبيب عن ابن عمر، كذا حكاه ابن التين عن الشافعي، ومشهور مذهبه خلافه
(2)
.
إذا تقرر ذلك فالكلام على ما ذكره فيه من الأحكام من أوجه:
أحدها:
في البيع وقت النداء، فعندنا: يحرم على من تجب عليه الجمعة التشاغل بالبيع وغيره بعد الشروع في الأذان بين يدي الخطيب، فإن باع صح، ويكره قبل الأذان بعد الزوال
(3)
.
وعبارة الزجاج: البيع من وقت الزوال من يوم الجمعة إلى انتفاء الصلاة كالحرام.
وقال الفراء: إذا أذن المؤذن حرم البيع والشراء؛ لأنه إذا أمر بترك البيع فقد أمر بترك الشراء؛ لأن المشتري والبائع يقع عليهما البيعان.
(1)
انظر: "الاستذكار" 3/ 100.
(2)
لم نقف على هذا القول، ومذهب الشافعية أن المأموم لا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة.
انظر: "حلية العلماء" 2/ 69، "البيان" 2/ 159، "المجموع" 3/ 233.
لكن قال الماوردي رحمه الله:
ينبغي لمن كان منهم شيخًا بطيء النهضة أن يقوم عند قوله: قد قامت الصلاة، ومن كان شابا سريع النهضة أن يقوم بعد فراغه من الإقامة. "الحاوي" 2/ 59.
(3)
انظر: "حلية العلماء" 2/ 228 - 229، "المجموع" 4/ 366.
وفي "تفسير إسماعيل بن زياد الشامي" عن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا: "تحرم التجارة عند الأذان، ويحرم الكلام عند الخطبة، ويحل الكلام بعد الخطبة، وتحل التجارة بعد الصلاة" الحديث.
وذكر عند سبب نزول الآية الكريمة أن رجلين من الصحابة كانا يختلفان في تجارتهما إلى الشام، فربما قدما يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب، فيدعانه ويقومان فيما هما إلا بيعًا حتى تقام الصلاة، فأنزل الله:{وَذَرُوا البَيْعَ} [الجمعة: 9] فحرم عليهما ما كانا قبل ذلك
(1)
. رواه عن عبيد الله بن موسى، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي، فذكره.
وعن قتادة: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة حرم البيع والشراء
(2)
.
وعن الضحاك: إذا زالت الشمس
(3)
. وعن عطاء والحسن مثله
(4)
.
وعن أيوب: لأهل المدينة ساعة يوم الجمعة ينادون: حرم البيع. وذلك عند خروج الإمام.
وعن ميمون بن مهران: كان ذلك إذا أذن المؤذن. وابتاع أهل القاسم بن عطاء شيئًا، وخرج القاسم إلى الجمعة فوجد الإمام قد خرج، فلما رجع أمرهم أن يتناقضوه.
(1)
عزاه السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 329 لعبد بن حميد من رواية محمد بن كعب.
(2)
رواه عبد الرزاق 3/ 178 (5225) كتاب: الجمعة، باب: وقت الجمعة.
(3)
رواه عبد الرزاق 3/ 177 (5223) كتاب: الجمعة، باب: وقت الجمعة.
وابن أبي شيبة 1/ 465 (5385) كتاب: الصلوات، باب: الساعة التي يكره فيها الشراء والبيع.
(4)
رواهما ابن أبي شيبة 1/ 465 (5386).
وفي "المصنف" عن مسلم بن يسار: إذا علمت أن النهار قد انتصف يوم الجمعة، فلا تبتاعنَّ شيئًا.
وكان عمر بن عبد العزيز يمنع الناس البيع يوم الجمعة إذا نودي بالصلاة. وعن مجاهد: من باع شيئًا بعد الزوال يوم الجمعة، فإن بيعه مردود. وعن برد: قلت للزهري: متى يحرم البيع والشراء يوم الجمعة؟ فقال: كان الأذان عند خروج الإمام. فأحدث عثمان التأذينة الثالثة، فأذن على الزوراء ليجمع الناس، فأرى أن يترك البيع والشراء عند التأذينة، وعن الشعبي في الساعة التي ترجى في الجمعة قال: فيما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل
(1)
.
وفي "الهداية" للحنفية: إذا أذن المؤذن الأذان الأول ترك الناس البيع وتوجهوا إلى الجمعة للآية، ولا اعتبار بالأذان قبل الزوال، وفي النافع لهم إن كان أذان يكون قبل الزوال، فذاك غير معتبر، والمعتبر الأذان بعد الزوال
(2)
.
وذكر الرازي عن مسروق والضحاك، ومسلم بن يسار أن البيع يحرم بالزوال. وروي ذلك عن عطاء والقاسم، والحسن، ومجاهد، وقالت طائفة: عند النداء الثاني والإمام على المنبر. رواه ابن القاسم عن مالك، وأنكر منع الناس البيع قبل ذلك
(3)
.
ثم اختلفوا في جواز البيع وقت النداء، فقال أبو حنيفة وصاحباه وزفر والشافعي: يجوز مع الكراهة. وهو قول الجمهور، كذا حكي
(1)
"المصنف" 1/ 465 - 466 (5391، 5389، 5388، 5383) كتاب: الصلوات، باب: الساعة التي يكره فيها الشراء والبيع.
(2)
"الهداية" 1/ 91.
(3)
انظر: "المدونة" 1/ 144، "النوادر والزيادات" 1/ 468.
عن الشافعي، ولعل المراد بها التحريم، وبالصحة قال أبو حنيفة وأصحابه أيضًا
(1)
. وقال أحمد وداود والثوري ومالك في رواية عنه: لا يصح
(2)
.
قال الثوري: البيع صحيح، وفاعله عاص؛ لأن النهي لم يقع على البيع، وإنما جرى ذلك البيع لأنهم كانوا يشتغلون بالتجارة عن الجمعة، والمعنى المقصود من ذلك: كل ما منع من إتيانها فالإجماع قائم على أن المصلي لا يحل له في صلاته بيعٌ ولا شراء، فإن خالف صح وكان عاصيًا. أي: وتبطل إن كان بلفظ الخطاب.
وروى ابن القاسم عن مالك أن البيع مفسوخ، وهو قول أكثر المالكية، كما حكاه ابن التين، وروى عنه ابن وهب وعلي بن زياد: بئس ما صنع وليستغفر الله
(3)
. وقال عنه علي: ولا أرى الربح فيه حرامًا.
قال ابن القاسم: لا يفسخ ما عقد حينئذٍ من النكاح ولا تفسخ الهبة والصدقة والرهن والحمالة. وقال أصبغ: يفسخ النكاح
(4)
.
قال: ابن التين: كل من لزمه النزول للجمعة يحرم عليه ما يمنعه منه من بيع، أو نكاح، أو عمل. قال: واختلف في النكاح والإجازة قال:
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 62، "البناية" 7/ 280، "البحر الرائق" 6/ 165، "الأم" 1/ 173، "حلية العلماء" 2/ 228، "البيان" 2/ 558، "المجموع" 4/ 367.
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 143، "التفريع" 1/ 233، "المعونة" 1/ 166، "المستوعب" 3/ 18، "المغني" 3/ 163، "فتح الباري" لابن رجب 8/ 194.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 469 - 470، "المنتقى" 1/ 195، "حاشية الدسوقي" 1/ 388.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 469، "الذخيرة" 2/ 352، "مواهب الجليل" 2/ 556.
وذكر القاضي أبو محمد أن الهبات والصدقات مثل ذلك. قال أبو محمد: من انتقض وضوؤه فلم يجد ماءً إلا بثمن جاز له أن يشتريه؛ ليتوضأ به، ولا يفسخ شراؤه، ولبعض الحنفية المتأخرين احتمال في حرمة البيع قبل الزوال إذا كان منزله بعيدًا عن الجامع بحيث تفوت عليه الجمعة.
قال الشافعي في "الأم" والأصحاب: ولو تبايع رجلان ليسا من أهل فرض الجمعة لم يحرم بحال ولم يكره، وإذا تبايع رجلان من أهل فرضها أو أحدهما من أهل فرضها، فإن كان قبل الزوال فلا كراهة، وإن كان بعده وقبل ظهور الإمام أو قبل جلوسه على المنبر، وقبل شروع المؤذن في الأذان بين يدي الخطيب كره كراهة تنزيه، وإن كان بعد جلوسه وشرع المؤذن فيه حرم على المتبايعين جميعًا، سواء كانا من أهل الفرض أو أحدهما، ولا يبطل البيع
(1)
؛ لأن النهي لايختص بالعقد، فلم يمنع صحته كالبيع عند ضيق الوقت المؤدي لفرض الوقت، والبيع في الأرض المغصوبة، والبيع في المسجد نهي عن البيع فيه، وينعقد.
وقال ابن قدامة: مشروعية الأذان قبل صعود الإمام هو الذي يمنع البيع، ويلزم السعي؛ لأن الله تعالى أمر به، ونهى عن البيع بعد النداء، والنداء الذي كان على عهده هو عقب الجلوس على المنبر، ولا فرق في ذلك بين قبل الزوال أو بعده. أي: على مذهبه في جواز فعلها قبل الزوال، وحكى القاضي رواية عن أحمد أن البيع يحرم بالزوال، وإن لم يجلس الإمام على المنبر، ولا يصح هذا، وتحريم البيع ووجوب السعي مختص بالمخاطبين بالجمعة، فأما غيرهم كالنساء فلا يثبت في
(1)
"الأم" 1/ 173، انظر "المجموع" 4/ 366.
حقه ذلك. قال: وذكر ابن أبي موسى في غير المخاطبين روايتين
(1)
.
وقال ابن حزم: لا يحل البيع من إثر الاستواء، ومن أول أخذها في الزوال والميل إلى أن تنقضي صلاة الجمعة، فإن كانت قرية قد منع أهلها الجمعة، أو كان ساكن بين الكفار ولا مسلم معه فإلى أن يصلي ظهر يومئذٍ، فإن لم يصل فإلى أول وقت العصر، ويفسخ البيع حينئذ أبدًا إن وقع
(2)
؛ لما سلف عن ابن عباس.
قال ابن قدامة: ولا يحرم غير البيع من العقود كالأجارة والصلح والنكاح، وقيل: يحرم؛ لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع
(3)
. وبالأول قال ابن حزم، حيث قال: لا يحرم حينئذ لا نكاح ولا إجارة ولا سلم ولا ما ليس بيعًا
(4)
.
الحكم الثاني: غير البيع، فحيث حرم البيع حرم جميع العقود والصنائع، وكل ما فيه تشاغل عن السعي إلى الجمعة، وهو متفق عليه، وممن صرح به الشيخ نصر في "تهذيبه"، ولا يزال التحريم حتى يفرغوا من الجمعة
(5)
، قال ابن القاسم: لا يفسخ ما عقد حينئذ من النكاح، وهذا قد سلف قريبًا بزيادة.
الحكم الثالث: السفر بعد الزوال وهو حرام إلا أن تمكنه الجمعة في طريقه أو يتضرر بتخلفه عن الرفقة، وبه قال مالك وأحمد وداود
(6)
.
(1)
"المغني" 3/ 162 - 164.
(2)
"المحلى" 5/ 79.
(3)
"المغني" 3/ 164.
(4)
"المحلى" 5/ 79.
(5)
انظر: "المجموع" 4/ 367.
(6)
انظر: "التفريع" 1/ 233، "الذخيرة" 2/ 355، "قوانين الأحكام" ص 95، "المستوعب" 3/ 16، "الكافي" 1/ 497، "الممتع" 1/ 631، "المبدع" 2/ 146.
وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وعائشة، وابن المسيب
(1)
قال: وقال أبو حنيفة: يجوز
(2)
.
وقبل الزوال قولان: الجديد أنه كبعده إن كان سفرا مباحًا أو طاعة، وبعض أصحابنا قال: إن كان طاعة جاز
(3)
، ويكره عندنا السفر ليلتها، وجائز عندنا، وعند العلماء كافة إلا ما حكاه العبدري عن إبراهيم النخعي أنه قال: لا يسافر بعد دخول العشي من يوم الخميس حتى يصليها وهو بالحل، لا أصل له كما قاله النووي
(4)
.
وإن روى ابن أبي شيبة، عن أبي معاوية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة قالت: إذا أدركتك ليلة الجمعة فلا تخرج حتى تصلي الجمعة.
وجوز عمر والزبير بن العوام وأبو عبيدة بن الجراح وابن عمر والحسن وابن سيرين السفر قبل الزوال
(5)
، وبه قال مالك وابن المنذر
(6)
.
واحتج لهم بحديث ابن رواحة
(7)
وهو حديث ضعيف جدًّا، وليس
(1)
"الأوسط" 4/ 22.
(2)
انظر: "البناية" 3/ 106.
(3)
قال النووي رحمه الله في "المجموع" 4/ 366: والأصح أنه لا يجوز، وهو نصه في أكثر كتبه الجديدة.
(4)
المصدر السابق.
(5)
"المصنف" 1/ 443 (5112، 5106، 5114) كتاب: الصلوات، باب: من كره إذا حضرت الجمعة أن يخرج حتى يصلي.
(6)
"المجموع" 4/ 366، "النوادر والزيادات" 1/ 459.
(7)
ورد بهامش الأصل ما نصه: روى حديث ابن رواحة أحمد في "المسند" من حديث الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. وعلله أن الحكم لم يسمعه من مقسم.
في المسألة حديث صحيح، وحرمته عائشة
(1)
والنخعي، وحكي عن ابن عمر أيضًا، حكاه عنه في "شرح المهذب"
(2)
.
وابن أبي شيبة حكى عنه الجواز كما قدمناه أولًا، وإسناده جيد، وحكاه البيهقي عن سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز وحسان بن عطية، وروي عن معاذ بن جبل ما يدل على ذلك
(3)
.
(1)
رواه عنها ابن أبي شيبة 1/ 443 (5114) كتاب: الصلوات، باب: من كره إذا حضرت الجمعة أن يخرج حتى يصلي.
(2)
"المجموع" 4/ 367.
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 187 كتاب: الجمعة، باب: من قال: لا ينشئ يوم الجمعة سفرًا حتى يصليها.
ورواه ابن أبي شيبة عن حسان بن عطية 1/ 443 (5117).
19 - باب لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ اثْتَين يَوْمَ الجُمُعَةِ
910 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ وَدِيعَةَ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ أَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى". [انظر: 883 - فتح: 2/ 392]
ذكر فيه حديث سلمان الفارسي: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ" الحديث.
وقد سلف في باب: الدهن للجمعة
(1)
واضحًا، والاختلاف في التفرقة بين اثنين وأن الأشبه بتأويله أن لا يتخطى رجلين أو يجلس بينهما على ضيق الموضع، ويؤيده ما في "الموطأ" عن أبي هريرة: لأن يصلي أحدكم بظهر الحرة خير له من أن يقعد حتى إذا قام الإمام يخطب جاء يتخطى رقاب الناس
(2)
.
ومعناه أن الماثم عنده في التخطي أكثر من المأثم في التخلف عن الجمعة، كذا تأوله القاضي أبو الوليد، وتأوله أبو عبد الملك: أن صلاته بالحرة -وهي: حجارة سود بموضع بعيد من المسجد- خير له.
وروى ابن أبي شيبة بلفظ: لأن أصلي بالحرة أحب إلى من أن أتخطى رقاب الناس يوم الجمعة
(3)
.
وعن سعيد بن المسيب مثله
(4)
، وقال كعب: لأن أدع الجمعة أحب
(1)
سلف برقم (883).
(2)
"الموطأ" ص 89.
(3)
"المصنف" 1/ 474 (5481) كتاب: الصلوات، باب: في تخطي الرقاب يوم الجمعة.
(4)
"المصنف" 1/ 473.
إليّ من أن أتخطى رقاب الناس يوم الجمعة
(1)
.
وقال سلمان: إياك والتخطي، واجلس حيث بلغتك الجمعة
(2)
، وهو قول الثوري وعطاء وأحمد، وما قدمناه
(3)
من أن الأشبه ما سلف، هو ما ذكره ابن التين في "شرحه".
وجزم ابن بطال في "شرحه" بأن المراد: لا يتخطى، يدل على ذلك حديث أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما" رواه ابن وهب
(4)
، وروى ابن أبي خيثمة من حديث الأرقم الصحابي: "الذي يتخطى رقاب الناس يفرق بين اثنين يوم الجمعة بعد خروج الإمام كالجار قصبه في النار
(5)
.
وذكره ابن التين مرفوعًا من غير عزو لراوٍ وفي الترمذي وأبي داود من حديث معاذ بن أنس الجهني مرفوعًا: "من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرًا إلى جهنم". قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 474 (5482).
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 474 (5480).
(3)
انظر: "المغني" 3/ 235 - 231.
(4)
رواه أبو داود (4845) كتاب: الأدب، باب: في الرجل يجلس بين الرجلين بغير إذنهما، والبخاري في "الأدب المفرد" 423 - 424 (1142) من طريق عبد الله بن وهب عن أسامة بن زيد به، ورواه الترمذي (2752)، وأحمد 2/ 213 من طريق عبد الله بن المبارك عن أسامة بن زيد، به. قال الألباني في "صحيح الترمذي" (2210): حسن صحيح.
(5)
رواه أحمد 3/ 417، والطبراني: 1/ 307 (908) والحاكم في "المستدرك" 3/ 504 كتاب: معرفة الصحابة. قال الذهبي: في إسناده هشام وهو واه. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 178: وفيه هشام بن زياد وقد أجمعوا على ضعفه.
رشدين
(1)
وقد ضعفه بعض أهل العلم.
وفي أبي داود والنسائي من حديث عبد الله بن بسر: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال:"اجلس فقد آذيت"
(2)
.
وقد اختلف العلماء في التخطي، فمذهبنا أنه مكروه إلا أن يكون
(1)
هذا الحديث لم يخرجه أبو داود وإنما رواه الترمذي (513)، وابن ماجه (1116) من طريق رشدين بن سعد عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه، به.
قال النووي في "الخلاصة" 2/ 786 (2758): إسناده ضعيف.
وقال الحافظ ابن كثير في "إرشاد الفقيه" 1/ 201: حديث لا يثبت، في إسناده رشدين بن سعد عن زبان بن فائد، وهما ضعيفان.
وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(230).
(2)
"أبو داود"(1118): حدثنا هارون بن معروف، حدثنا بشر بن السري، حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية قال: كنا مع عبد الله بن بسر -صاحب النبي صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، فجاء رجل يتخطى رقاب الناس، فقال عبد الله بن بسر: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة
…
الحديث.
قال النووي في "الخلاصة" 2/ 785، والمصنف في "البدر المنير" 4/ 680، والألباني في "صحيح أبي داود" (1024): إسناد صحيح على شرط مسلم.
والنسائي 3/ 103: أخبرنا وهب بن بيان، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: سمعت معاوية بن صالح، به.
ومن هذا الطريق صححه ابن حبان 7/ 29 - 30 (2790).
وقال النووي في "الخلاصة" 2/ 785: إسناده صحيح. وقال المصنف في "البدر المنير" 4/ 680: إسناد كل رجاله ثقات لا نعلم فيهم جرحًا.
والحديث رواه ابن خزيمة 3/ 156 (1811)، والحاكم 1/ 288 من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح به، بزيادة:"وآنيت".
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه المصنف في "البدر" 4/ 681. وقال النووي 2/ 785: إسناده صحيح.
قدامهم فرجة لا يصلها إلا بالتخطي فلا يكره حينئذ، وبهذا قال الأوزاعي وآخرون، وقال ابن المنذر: كراهته مطلقًا عن سلمان الفارسي، وأبي هريرة وكعب وسعيد بن المسيب وعطاء، وأحمد بن حنبل
(1)
.
وعن مالك كراهته إذا جلس الإمام على المنبر، ولا بأس به قبله، وقال قتادة: يتخطاهم إلى مجلسه، وقال الأوزاعي: يتخطاهم إلى السعة
(2)
.
وهذا يشبه قول الحسن قال: لا بأس بالتخطي إذا كان في المسجد سعة
(3)
، وقال أبو نضرة: يتخطاهم بإذنهم
(4)
.
وكان مالك لا يكره، وعن مالك أنه لا يكره إلا إذا كان الإمام على المنبر، ولا بأس به قبل ذلك إذا كان بين يديه فرج
(5)
.
وذكر الطحاوي عن الأوزاعي مثله، قال: التخطي الذي جاء فيه القول إنما هو والإمام يخطب؛ لأن الآثار تدل عليه
(6)
، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم:"الذي يتخطى رقاب الناس يفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه في النار"
(7)
وقال ابن المنذر: لا يجوز شيء من ذلك عندي؛ لأن الأذى يحرم قليله وكثيره
(8)
.
(1)
"الأوسط" 4/ 84 - 85.
(2)
"الأوسط" 4/ 85.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 473 (5478) كتاب: الصلوات، باب: في تخطي الرقاب يوم الجمعة.
(4)
"الأوسط" 4/ 86.
(5)
انظر: "المدونة" 1/ 148.
(6)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 335.
(7)
تقدم تخريجه قريبًا.
(8)
"الأوسط" 4/ 86.
قلت: وهو المختار. وفي كتب الحنفية: لا بأس بالتخطي والدنو من الإمام إذا لم يؤذ الناس، وقيل: لا بأس به إذا لم يأخذ الإمام في الخطبة، ويكره إن أخذ، وهو قول مالك، قال الحلواني منهم: والصحيح أن الدنو من الإمام أفضل لا التباعد منه
(1)
.
وفي قوله: ("لا يفرق بين اثنين") مطلوبية التبكير إلى الجمعة ليصل إلى مكان مصلاه دون تخط، ولا يفرق بين اثنين. وقال ابن التين: التخطي ضربان: قبل جلوس الإمام على المنبر، والثاني بعده، فالأول إذا تخطى لفرجة يباح له التخطي، رواه ابن القاسم عن مالك إلا أن يؤمر بالتحفظ من أذى الناس، ويرفق في التخطي.
والثاني: لا يتخطاها ولا غيرها لأن تأخره عن وقت وجوب السعي أبطل حقه من التخطي إلى فرجة، يبينه ما روى بشير أنه عليه السلام قال للذي دخل يوم الجمعة:"اجلس فقد آذيت"، هذا مذهب مالك
(2)
والأوزاعي أن التخطي المنهي عنه إذا جلس الإمام على المنبر ولا بأس به قبل ذلك، وروي عن أبي نضرة أنه قال: يتخطاهم بإذنهم
(3)
.
(1)
انظر: "الفتاوى التاتارخانية" 2/ 68.
(2)
انظر: "المنتقى" 1/ 203.
(3)
ورد في هامش الأصل: ثم بلغ في الثالث بعد الثامن كتبه مؤلفه ..
20 - باب لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ يَومَ الجُمُعَةِ وَيَقْعُدُ فِي مَكَانِهِ
911 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ. قُلْتُ لِنَافِعٍ: الجُمُعَةَ؟ قَالَ: الجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا. [6269، 6270 - مسلم 2177 - فتح: 2/ 393]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، ثنا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، عن ابْنِ جُرَيْجٍ، عن نافع، عن ابْن عُمَرَ: نَهَى النُّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ. قُلْتُ لِنَافِعٍ: الجُمُعَةَ؟ قَالَ: الجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا.
الشرح:
هذا الحديث أخرجه مسلم في الاستئذان
(1)
، ولأبي اليمان عن ابن جريج:"لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه" ولأبي الفضل بن موسى السيناني عن ابن جريج أنه صلى الله عليه وسلم كره أن يقيم الرجل من المجلس فيجلس فيه.
ومحمد هو ابن سلام البيكندي، وقد صرح به في بعض النسخ، انفرد به البخاري، مات سنة خمس وعشرين ومائتين.
ومخلد (خ م د س ق) حراني مات سنة ثلاث وتسعين ومائة، كناه أبو زرعة: أبا يحيى، والبخاري: أبا خداش، والنسائي وغيره: أبا الحسن، وفي "مسند أبي قرة السكسكي" عن نافع: فكان ابن عمر
(1)
"صحيح مسلم"(2177) كتاب: السلام، باب: تحريم إقامة الإنسان في موضعه المباح الذي سبق إليه.
يقوم له الرجل من مجلسه فلا يجلس فيه
(1)
.
قال: وذكر ابن جريج عن سليمان بن موسى أن جابر بن عبد الله [قال]
(2)
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقيم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يخالفه إلى مقعده، ولكن ليقل: افسحوا"
(3)
.
إذا تقرر ذلك فإنما كره ذلك؛ لأنه لا يفعل إلا تكبرًا واحتقارًا للمقام، قال تعالى:{نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} [القصص: 83] وهذا من الفساد، والإيثار ممنوع من الأعمال الأخروية، ولأن المسجد بيت الله، والناس فيه سواء فمن سبق إلى مكان فهو أحق به، فإن قدم صاحبًا فجلس في موضع حتى إذا جاء قام وأجلسه مكانه جاز، فَعَله ابن سيرين، فإن لم يكن له نائب، وجاء فقام له شخص فيجلسه مكانه جاز؛ لأنه قام باختياره، والقائم إن انتقل إلى
(1)
مخلد بن يزيد القُرَشي أبو يحيى، ويقال: أبو خياش ويقال: أبو الجيش، ويقال: أبو الحسن، ويقال: أبو خالد الحَرَّانيُّ.
قال أبو بكر الأثْرَم عن أحمد بن حنبل: لا بأس به، وكان يَهم.
وقال عثمان بن سعيد الدارمى عن ابن معين، وأبو داود، ويعقوب بن سفيان: ثقة.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال أحمد بن علي الأبار: سألت عليّ بن ميمون عنه، فقال: كان قُرَشيًّا، نعم الشيخ.
وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات".
روى له الجماعة سوى الترمذي.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 7/ 437 - 438 (1913)، "الجرح والتعديل" 8/ 347 (1591)، "الثقات" 9/ 186. "تهذيب الكمال" 27/ 343 (5843).
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
رواه عبد الرزاق 3/ 268 (5591) كتاب: الجمعة، باب: إقامة الرجل أخاه ثم يختلف. وأحمد 3/ 295. والشافعي في "مسنده" 2/ 187 (663) كتاب: الأدب.
مكان أقرب لسماع الخطبة فلا بأس، وإن انتقل إلى دونه كره؛ لأنه يؤثر في دينه، ويحتمل كما قال ابن قدامة أن لا يكره لأن تقديم أهل الفضل إلى ما يلي الإمام مشروع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ليليني منكم أولو الأحلام والنهى"
(1)
.
ولو آثر شخصًا بمكانه لم يجز لغيره أن يسبقه إليه؛ لأن الحق للجالس آثر به غيره فقام مقامه في استحقاقه، كما لو تحجر مواتًا، ثم آثر به غيره، قاله ابن قدامة
(2)
.
وقال ابن عقيل الحنبلي: يجوز لأن القائم أسقط حقه بالقيام فبقي على الأصل، فكان السابق إليه أحق به، كمن وسع لرجل في طريق فمر غيره. وإن فرش مصلاه في مكان ففيه وجهان:
أحدهما: يجوز رفعه والجلوس في موضعه؛ لأنه لا حرمة له؛ ولأن السبق بالأجسام لا بالمصلى.
والثاني: لا يجوز لأن فيه افتياتًا على صاحبه، ولأنه ربما أفضى إلى الخصومة، ولأنه سبق إليه فصار كمتحجر الموات
(3)
.
وقال القاضي أبو الطيب من أصحابنا: يجوز إقامته في ثلاث صور:
وهو أن يقعد في موضع الإمام، أو في طريق يمنع الناس من المرور فيه، أو بين يدي الصف مستقبل القبلة
(4)
.
(1)
رواه "مسلم"(432) كتاب: الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها، من حديث أبي مسعود البدري.
(2)
"المغني" 3/ 233.
(3)
"المغني" 3/ 233 - 234.
(4)
انظر: "المجموع" 4/ 421.
وقال المهلب: هو على العموم كما قال نافع لا يجوز أن يقيم أحد أحدًا من مكانه؛ لأنه من سبق إلى موضع من مواضع الجماعات التي نتساوى الناس فيها فهو أحق به، لبداره إليه.
قلت: وكأن البخاري أشار بترجمته إلى كثرة الزحام يوم الجمعة فربما احتيج في الجلوس مكان الغير، ويؤخذ منه التبكير، فمن بكر لم يحتج إلى شيء من ذلك.
21 - باب الأَذَانِ يَومَ الجُمُعَةِ
912 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى المِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ. [913، 915، 916 - فتح: 2/ 393]
ذكر فيه حديث السائب بن يزيد قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى المِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ.
وترجم له باب: المؤذن الواحد يوم الجمعة، وزاد فيه عن السائب قال: ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذنٌ غير واحد، وكان التأذين حين يجلس الإمام على المنبر
(1)
. وذكره أيضًا في باب: الجلوس على المنبر
(2)
وموضعين آخرين من الباب
(3)
ويأتي في الاعتصام
(4)
، وهو من
(1)
الحديث الآتي (913).
(2)
حديث (915).
(3)
يأتي في باب: التأذين عند الخطبة، برقم (916).
(4)
لم أجد حديث الباب في كتاب الاعتصام، ولكن وجدت حديثًا عن السائب بن يزيد سيأتي برقم (7338) باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم. بلفظ: أخبرني السائب بن يزيد، سمع عثمان بن عفان خطبنا على منبر النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 13/ 310: بقية الحديث أوهم صنيع الإسماعيلي أنه فيما يتعلق بالأذان الذي زاده عثمان، فإنه أخرجه هنا وليس فيه شيء يتعلق عطية عثمان على المنبر، والحق أنه حديث آخر. اهـ.
قلت: وقد تبع المصنف الإسماعيلي في وهمه. والله أعلم. اهـ.
أفراده، وأخرجه الأربعة
(1)
وفي لفظ له: أمر عثمان بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك
(2)
. وفي لفظ: أمر عثمان بالأذان الثاني
(3)
.
وللشافعي: حَدَّثَنَا بعض أصحابنا عن ابن أبي ذئب، وفيه: ثم أحدث عثمان الأذان الأول على الزوراء
(4)
.
وللنسائي عن السائب: كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة فإذا نزل أقام، ثم كان كذلك في زمن أبي بكر وعمر
(5)
. ولأبي داود: يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب المسجد وأبي بكر وعمر
(6)
.
ولابن خزيمة عن السائب: كان النداء الذي ذكره الله في القرآن يوم الجمعة إذا خرج الإمام وإذا قامت الصلاة، في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، حتى كان عثمان، فكثر الناس، فأمر بالنداء الثالث
(7)
.
وفي رواية له: كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة، حتى كان زمن عثمان فأمر بالنداء الأول بالزوراء
(8)
.
(1)
رواه أبو داود (1088)، والترمذي (516)، والنسائي 3/ 100 - 101 وابن ماجه (1135).
(2)
سيأتي برقم (916).
(3)
سيأتي برقم (915).
(4)
رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 4/ 337 (6388) من طريق الشافعي.
(5)
"سنن النسائي" 3/ 100 - 101 كتاب: الجمعة، باب: الأذان للجمعة.
(6)
"سنن أبي داود"(1088) كتاب: الصلاة، باب: النداء يوم الجمعة.
(7)
"صحيح ابن خزيمة" 3/ 136 (1773) كتاب: الجمعة، باب: ذكر الأذان الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر الله
…
(8)
"صحيح ابن خزيمة" 3/ 137 (1774).
وفي رواية لعبد بن حميد في "تفسيره": في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعامة خلافة عثمان، فلما تباعدت المنازل وكثر الناس أمر بالنداء الثالث، فلم يعب ذلك عليه وعيب عليه إتمام الصلاة بمنى
(1)
. الحديث.
وفي "مصنف عبد الرزاق" عن ابن جريج: قال سلمان بن موسى: أول من زاد الأذان بالمدينة عثمان. فقال عطاء: كلا، إنما كان يدعو الناس دعاء ولا يؤذن غير أذان واحد
(2)
.
وفي "المصنف" عن الحسن: النداء الأول يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الإمام، والذي قبل ذلك محدث، وكذا قاله ابن عمر. وفي رواية عنه: الأذان الأول يوم الجمعة بدعة.
وعن الزهري: أول من أحدث الأذان الأول عثمان؛ ليؤذن أهل الأسواق.
وفي لفظ: فأحدث عثمان التأذينة الثالثة على الزوراء؛ ليجتمع الناس
(3)
.
وفي "تفسير جويبر"، عن الضحاك، عن برد بن سنان، عن مكحول، عن معاذ أن عمر هو الذي زاده، فلما كانت خلافة عمر وكثر المسلمون أمر مؤذنين أن يؤذنا للناس بالجمعة خارجا من المسجد حتى يسمع الناس الأذان، وأمران يؤذن بين يديه كما كان يفعل المؤذن بين يدي
(1)
رواه عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" 6/ 326.
(2)
"مصنف عبد الرزاق" 3/ 206 (5340) كتاب: الجمعة، باب: الأذان يوم الجمعة.
(3)
"المصنف" 1/ 470 (5434، 5435، 5437) كتاب: الصلوات، باب: الأذان يوم الجمعة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين يدي أبي بكر، ثم قال عمر: أما الأذان الأول فنحن ابتدعناه؛ لكثرة المسلمين، فهو السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ماضية
(1)
.
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
قوله: (كان النداء يوم الجمعة هو النداء). هو: الأذان.
وقوله: (إذا جلس الإمام على المنبر). هذا سنة وعليه عامة العلماء، خلافًا لأبي حنيفة
(2)
، كذا قال ابن بطال
(3)
وتبعه ابن التين، وقالا: خالف الحديث.
وفي "الهداية" على مذهبهم: وإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذن بين يدي المنبر، بذلك جرى التوارث، ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى هذا الأذان
(4)
.
قال المهلب: إنما جعل التأذين في هذا الحديث؛ ليعرف الناس جلوس الإمام فينصتون له.
ثانيها:
المنبر -بكسر الميم- مشتق من المنبر، وهو الارتفاع، وكان صلى الله عليه وسلم يقف على الدرجة التي تلي المستراح.
وقوله: (ولم يكن له مؤذن غير واحد). يعني: لصلاة الجمعة، وإلا
(1)
قال ابن حجر في "الفتح" 2/ 395: هذا منقطع بين مكحول ومعاذ، ولا يثبت، ولقد تواردت الروايات أن عثمان هو الذي زاده فهو المعتمد. اهـ.
(2)
"المبسوط" 1/ 134.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 503.
(4)
"الهداية" 1/ 91.
فله صلى الله عليه وسلم أربعة من المؤذنين كما هو معروف
(1)
. أو المراد: بلال لمواظبته.
قال الإسماعيلي: وأراد به التأذين، فجاء بلفظ: المؤذن؛ لأن فيه دلالة على التأذين. وعبارة ابن حبيب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رقى المنبر وجلس أذن المؤذنون على المنابر واحدًا بعد واحد، وكانوا ثلاثة، فإذا فرغ الثالث خطب صلى الله عليه وسلم. وهو غريب منه، يرده ما سلف في باب المؤذن الواحد.
وقال مالك في "المجموعة": إن هشام بن عبد الملك هو الذي أحدث الأذان بين يديه، وإنما الأذان على المنار واحدًا بعد واحدٍ إذا جلس الإمام على المنبر
(2)
.
وذكر ابن التين عن هشام خلافه، فذكر أنه نقل في إمارته الأذان الذي في الزوراء، فجعله مؤذنًا واحدًا يؤذن عند الزوال على المنار، فإذا جلس هشام على المنبر أذنوا بين يديه، وهذا أخذ بفعل عثمان قال ابن حبيب: وفعل الشارع أحق أن يتبع
(3)
.
قال ابن عبد البر: وقد شُبِّه على قومٍ من أصحابنا في موضع الأذان يوم الجمعة، وأنكروا أن يكون الأذان في الجمعة بين يدي الإمام كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وزعموا أن ذلك أحدث في زمن هشام بن عبد الملك، وهذا يدل على قلة علم قائله
(4)
.
والنداء الثالث هو: الإقامة. وقد بينا من "المصنف" وغيره ما هو هذا النداء، وأنه قبل الأذان الذي بين يدي الإمام، وأن الأذان الثاني في
(1)
وقد أذن للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة هم: بلال، وأبو محذورة، وابن أم مكتوم، وسعد القرظ.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 467.
(3)
انظر السابق.
(4)
"الاستذكار" 5/ 56.
حديث السائب إنما نعني به: الإقامة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"بين كل أذانين صلاة"
(1)
يعني: بين كل أذان وإقامة. ولأنها في الاشتقاق: أذان؛ لأنها إعلام بحضور الصلاة، وقيل: سميت بذلك للمجاورة، كما قيل: البيعان. وإنما هو بائع ومشتر- والأسودان، وغير ذلك.
وقال القاضي أبو محمد: للجمعة أذانان: عند الزوال، والآخر عند جلوس الإمام
(2)
. قال أبو عمر
(3)
: وكان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدث الثاني، وإنما أحدثه معاوية. وعنه: أنه كان يدعو الناس بدعاءٍ ولم يؤذن غير واحد
(4)
.
واختلف الفقهاء، كما قال أبو عمر: هل يؤذن بين يدي الإمام واحد أو مؤذنون؟ فذكر ابن عبد الحكم عن مالك: إذا جلس الإمام على المنبر ونادى المنادي منع الناس من البيع تلك الساعة.
وهذا يدل على أن النداء عنده واحد بين يدي الإمام. ونص عليه الشافعي
(5)
، ويشهد له حديث السائب: ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير مؤذن واحدٍ. وهذا يحتمل أن يكون أراد بلالًا المواظب على الأذان دون ابن أم مكتوم وغيره.
عن ابن القاسم عن مالك: إذا جلس الإمام على المنبر وأخذ
(1)
سلف برقم (624) كتاب: الأذان، باب: كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة؟ و (627) كتاب: الأذان، باب: بين كل أذانين صلاة لمن شاء. ورواه مسلم: (838) كتاب: صلاة المسافرين، باب: بين كل أذانين صلاة.
(2)
"المعونة" 1/ 165.
(3)
"الاستذكار" 2/ 56 - 57.
(4)
رواه عبد الرزاق 3/ 205 (5339) بأطول مما ذكره المصنف وفيه: أول من أحدثه الحجاج بن يوسف.
(5)
"الأم" 1/ 173.
المؤذنون في الأذان حرم البيع. فذكر المؤذنون بلفظ الجماعة
(1)
.
ويشهد لهذا حديث الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج وجلس على المنبر وأذن المؤذنون الحديث
(2)
.
وكذا حكاه الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه: وأذن المؤذنون. بلفظ الجماعة.
قال أبو عمر: ومعلوم عند العلماء أنه جائز أن يكون المؤذنون واحدًا وجماعةً في كل صلاة، إذا كان ذلك مترادفًا لا يمنع من إقامة الصلاة في وقتها
(3)
.
وعن الداودي: كانوا يؤذنون في أسفل المسجد ليسوا بين يدي الإمام، فلما كان عثمان جعل من يؤذن على الزوراء، وهي كالصومعة، فلما كان هشام جعل المؤذنين أو بعضهم يؤذن بين يديه، فصاروا ثلاثة، فسمي فعل عثمان تاليا لذلك.
قلت: والآية يدخل فيها ما يقع عليه اسم نداء، وهو واحدٌ.
الثالث: الزوراء -بزاي في الأول، ثم واو ساكنة بعدها راء ممدودة- موضع عند سوق المدينة بقرب المسجد، قال البخاري في بعض نسخه: الزوراء موضع بالسوق بالمدينة. وقال ابن بطال: هو حجر كبير عند باب المسجد
(4)
.
وقال ابن التين: هو موضع السوق. وقال أبو عبيد: هي ممدودة
(1)
"النوادر والزيادات" 1/ 467.
(2)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 370.
(3)
"الاستذكار" 5/ 56.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 505.
ومتصلة بالمدينة، وبها مال أحيحة بن الجلاح، وهي التي عني بقوله:
إني مقيم على الزوراء أعمرها
…
إن الكريم على الإخوان ذو مالٍ
وقال أبو عبيد الحموي: هي قرب الجامع، مرتفعة كالمنارة، وفرق بينها وبين أرض أحيحة
(1)
.
(1)
"معجم البلدان" 3/ 155.
22 - باب المُؤَذِّنِ الوَاحِدِ يَوْمَ الجُمُعَةِ
913 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ المَاجِشُونُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ الَّذِي زَادَ التَّأْذِينَ الثَّالِثَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه حِينَ كَثُرَ أَهْلُ المَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنٌ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ، يَعْنِى عَلَى المِنْبَرِ. [انظر: 912 - فتح: 2/ 395]
ذكر فيه حديث السائب وقد أسلفناه، وفيه أن الأذان الثالث هو الذي أحدثه عثمان.
قال الإسماعيلي: الأخبار الكثيرة في اتخاذ المؤذنين أشهر من ذلك، وكأن السائب يريد أنه لم يكن له يوم الجمعة إلا مؤذن واحد -على ما تأوله أبو عبد الله- لا في كل وقت، أو أراد به التأذين، فجاء بلفظ (المؤذن)؛ لأن فيه دلالة على التأذين.
23 - باب يُجيب الإِمَامُ عَلَى المِنْبرَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ
914 -
حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى المِنْبَرِ، أَذَّنَ المُؤَذِّنُ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا. فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذَا المَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ المُؤَذِّنُ، يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنّي مِنْ مَقَالَتِي. [انظر: 612 - فتح: 2/ 396]
ذكر فيه حديث أبي أمامة: قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى المِنْبَرِ، أَذَّنَ المُؤَذِّنُ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: اللهُ أَكْبَرُ .. الحديث
وقد سلف في الأذان
(1)
، وشيخ البخاري فيه هو محمد بن مقاتل المروزي المجاور بمكة، انفرد به البخاري ولقبه: رُخ. ثقة، صاحب حديث، مات سنة ست وعشرين ومائتين، ومات بعده محمد بن مقاتل العباداني بعشر سنين، ومحمد بن مقاتل الرازي الفقيه بعشرين.
وشيخه عبد الله هو ابن المبارك
(2)
.
وفيه: إباحة الكلام للإمام على المنبر قبل أن يدخل في الخطبة، بما فيه معنى تعليم الناس السنن؛ لأن القول مثلما يقول المؤذن قد حض عليه صلى الله عليه وسلم، وقد سلف هناك اختلاف العلماء فيمن كان في صلاة: هل يقول مثل ما يقول المؤذن؟
(1)
رقم (612) باب: ما يقول إذا سمع المنادي.
(2)
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 1/ 242، "الجرح والتعديل" 8/ 105، "تهذيب الكمال" 26/ 491.
وفيه: الاختصار من القول، فإنه تعالى يعلم المراد.
وفيه: تعليم العلم من الإمام وهو على المنبر.
وفيه: الجلوس قبل الخطبة، وقد سلف ما فيه.
وفيه: أن الخطيب إذا جلس على المنبر يؤذن بعد جلوسه، ثم يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان خروجه من بيته وطلوعه على المنبر كان قبل الزوال بيسير، إن كان المؤذن يؤذن عند الزوال؛ لأنه ما كان يؤذن إلا أذانًا واحدًا، وإن كان يؤذن بعده، فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم خروجه عنده.
وفيه: أن الخطيب يجيب المؤذن ولا يمنعه من ذلك كونه على المنبر، وعلى هذا فيرد السلام إلى غير ذلك.
وفيه: أن الأذان مرة واحدة على ما جاء في هذه الرواية وتأول.
فائدة:
قال الهروي: عوام الناس يضمون الراء من أكبر
(1)
، وكان أبو العباس يقول بالسكون، يحتج بأن الأذان سمع موقوفًا غير معرب في مقاطعه، ونقلت فتحة الألف إلى الراء.
(1)
"النهاية في غريب الحديث" 4/ 244 وورد بهامش الأصل ما نصه: بفتح أكبر الأول وسكون الثاني كذا نقله النووي عن الهروي عن المبرد في "شرح المهذب".
24 - باب الجُلُوسِ عَلَى المِنْبَرِ عِنْدَ التَّأْذِينِ
.
915 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ التَّأْذِينَ الثَّانِيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ حِينَ كَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ، وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ. [انظر: 912 - فتح: 2/ 396]
ذكر فيه حديث السائب، وقد سلف
(1)
، وهو من أفراده أيضًا، وفي "صحيح الحاكم" من حديث ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج قعد على المنبر فأذن بلال، فإذا فرغ من خطبته أقام الصلاة. ثم قال: صحيح الإسناد
(2)
، وله طريق آخر إلى ابن عمر أيضًا، ثم الجلوس على المنبر إنما هو لمن يخطب عليه، ومن جلس في الأرض فإنما يجلس في موضع خطبته، وهذه الجلسة قبل التأذين وضعت له، وهي سنة كما سلف، فلذلك قال العلماء: لا جلوس في العيد قبل الخطبة؛ لأن العيد لا أذان فيه
(3)
، وفي "جزء ابن نجيح" من حديث سماك قال: رأيت المغيرة بن شعبة صلى يوم الجمعة بغير أذان ولا إقامة، ثم خطبهم على بعير. نقلته من خط الحافظ الدمياطي.
(1)
برقم (912).
(2)
"المستدرك" 1/ 283 كتاب: الجمعة. قال: صحيح الإسناد فإن هشام بن الغاز ممن يجمع حديثه ولم يخرجاه. قال الذهبي: صحيح ومصعب ليس بحجة.
(3)
هذا عند الأحناف، وعند المالكية يستحب الجلوس قبلها.
وعند الشافعية وجهان: أصحهما أنه يستحب. وعند الحنابلة القولان.
انظر: "رد المحتار" 2/ 190، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 174، "جواهر الإكليل" 1/ 103، "المجموع" 5/ 28، "المغني" 3/ 278، "الشرح الكبير" 5/ 353.
25 - باب التَّأْذِينِ عِنْدَ الخُطْبَةِ
.
916 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: إِنَّ الأَذَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَكَثُرُوا، أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِالأَذَانِ الثَّالِثِ، فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ، فَثَبَتَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. [انظر: 912 - فتح 2/ 396]
ذكر فيه حديث السائب
(1)
، وقد سلف أيضًا
(2)
.
والسائب هذا صحابي، وهو ابن أخت نمر الكندي، وله عن عمر أيضًا، مات سنة إحدى وتسعين، وقيل: سبع. وقيل: سنة ست وثمانين، وولد في السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة، وحُجَّ به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهبت خالته إليه فقالت: إن ابن أختي وجع، فدعا له ومسح برأسه، وشرب من وضوئه، ورأى الخاتم بين كتفيه
(3)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: السائب بن يزيد بن سعيد بن يزيد. (د. س).
(2)
برقم (912).
(3)
الحديث سلف برقم (190)، ورواه مسلم (2345) وفيه: ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، مثل زر الحجلة.
وانظر ترجمه السائب في: "معرفة الصحابة" 3/ 1376 (1265)، "والاستيعاب" 2/ 144 (907)، "وأسد الغابة" 2/ 321 (1926).
26 - باب الخُطْبَةِ عَلَى المِنْبِرَ
قَالَ أَنَسٌ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ.
917 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيُّ القُرَشِيُّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَقَدِ امْتَرَوْا فِي المِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ، وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى فُلَانَةَ -امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ-:"مُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ". فَأَمَرَتْهُ، فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الغَابَةِ ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا، ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَيْهَا، وَكَبَّرَ وَهْوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَكَعَ وَهْوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ نَزَلَ القَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ المِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:"أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي". [انظر: 377 - مسلم: 544 - فتح: 2/ 397]
918 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قَال: كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ المِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ العِشَارِ، حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. قَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ يَحْيَى، أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا. [انظر: 449 - فتح: 2/ 397]
919 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: "مَنْ جَاءَ إِلَى الجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ". [انظر: 877 - مسلم: 844 - فتح: 2/ 397]
(قال أنس: خطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر).
وعن أبي حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَقَدِ امْتَرَوْا فِي المِنْبَرِ .. الحديث.
وعن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، عن يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا قَالَ: كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
…
الحديث.
وعن ابن عمر سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: "مَنْ جَاءَ إِلَى الجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ".
الشرح:
أما حديث أنس فذكره بعد مسندًا في حنين الجذع، وغيره
(1)
.
وحديث سهل سلف في باب: الصلاة في السطوح والمنبر
(2)
وفي إسناده: يعقوب بن عبد الرحمن القاري، بتشديد الياء المثناة تحت، من القارة، حليف بني زهرة، مدني، ولي الإسكندرية، ومات بها سنة إحدى وثمانين ومائة، اتفقا عليه
(3)
.
وسهل بن سعد مات سنة ثمان وثمانين، أو سنة إحدى وتسعين، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة على قول
(4)
.
(1)
برقم (3583) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام عن عبيد الله بن أنس عن جابر.
(2)
برقم (377) كتاب: الصلاة.
(3)
هو يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبيد القاريّ المدني، حليف بني زهرة. قال عباس الدُّوريّ، عن يحيى بن معين: ثقة. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات". قال أبو سعيد بن يونس توفي بالاسكندرية سنة إحدى وثمانين ومائة. روى له الجماعة سوى ابن ماجه. قال ابن حجر في التقريب: ثقة، من الثمانية، مات سنة إحدى وثمانين.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 8/ 398 (3471). "الجرح والتعديل" 9/ 210 (877). "تهذيب الكمال" 32/ 348 (7095). "تقريب التهذيب"(7824).
(4)
انظر ترجمته في: "معجم الصحابة" للبغوي 3/ 87 و"معرفة الصحابة" لأبي نعيم 3/ 1312 (1185) و"الاستيعاب" 2/ 224 (1094) و"أسد الغابة" 2/ 472 (2293).
وحديث جابر يأتي في علامات النبوة أيضًا أتم منه
(1)
. وسلف في: الاستعانة بالنجار والصناع من [حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه]
(2)
بنحوه
(3)
وتعليق سليمان يأتي مسندًا في الباب المذكور عن يحيى عن حفص
(4)
، وذكر أبو مسعود وخلف أن سليمان هذا هو ابن بلال. قالا: وقد روى هذا الحديث عن يحيى بن حفص سليمان عن كثير العبدي، كما قال ابن بلال، ولم يذكر سماع بعضهم من بعضٍ، كذا ذكرا، والذي ذكره الدارقطني أن سليمان بن كثير رواه عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن جابر
(5)
، قال أبو مسعود: وإنما لم يسم البخاري ابن أنس؛ لأن محمد بن جعفر يقول فيه: عن يحيى عن عبيد الله بن حفص بن أنس. فقال البخاري: عن ابن أنس. ليكون أقرب إلى الصواب. كذا قال أبو مسعود.
وقد رواه أبو نعيم من طريق البخاري وقال: عن يحيى عن عبيد الله ابن حفص بن أنس أنه سمع جابرًا، والظاهر أن الاختلاف من يحيى، فتارة يقول عن حفص بن عبيد الله، وتارة يعكس، يدل على ذلك أن الإسماعيلي رواه من طريق يعقوب بن محمد، ثنا عبد الله بن يعقوب ابن إسحاق -مولى معاوية- ثنا يحيى بن سعيد، حَدَّثَنِي عبيد الله بن حفص بن أنس.
(1)
سيأتي برقم (3584) كتاب المناقب.
(2)
ما بين المعقوفتين كلام غير واضح بالأصل، فأثبتناه من تخريج الرواية التي أشار إليها المصنف.
(3)
سلف برقم (449) كتاب: الصلاة.
(4)
برقم (3585) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
(5)
"العلل" 13/ 358.
قال يعقوب: وإنما هو حفص بن عبيد الله بن أنس، ولكن هكذا حَدَّثَنَا عن جابر، فقد وافق محمد بن جعفر يعقوب هذا، وكذا سويد بن سعيد. قال الدارقطني: وهو الصواب.
قال الحميدي في "جمعه": ليس لابن أنس عن جابر في "الصحيح" إلا هذا الحديث. قال: وقد اختلف الرواة في اسمه، فقيل: حفص بن عبيد الله. وقيل عكسه
(1)
. وقال البخاري في "تاريخه": قال بعضهم: عبيد الله بن حفص. ولا يصح
(2)
.
وفي نسخة أبي ذر: حفص بن عبد الله، وصوابه عبيد الله بالتصغير.
وحفص هذا روى له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، روى عن جده وجابر وابن عمر وأبي هريرة.
قال أبو حاتم: لا يثبت له السماع إلا من جده
(3)
، كذا قال، وهو في البخاري عن جابر
(4)
في علامات النبوة مصرحًا به
(5)
.
وأما حديث ابن عمر فسلف من رواية مالك عن نافع عنه
(6)
، وأخرجه مع البخاري الترمذي والنسائي
(7)
.
إذا تقرر ذلك: فالعشار في حديث جابر بكسر العين وهي: النوق
(1)
"الجمع بين الصحيحين" للحميدي 2/ 369 - 370 (1603).
(2)
"التاريخ الكبير" 2/ 360 (2750).
(3)
وانظر تمام ترجمته في: "تهذيب الكمال" 7/ 25 (1396). "الجرح والتعديل" 3/ 176 (754).
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وهنا أيضًا صرح أنه سمع جابرًا.
(5)
سيأتي برقم (3585) كتاب: المناقب.
(6)
برقم (877) كتاب: الجمعة، باب: فضل الغسل يوم الجمعة.
(7)
"سنن الترمذي"(492) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة، و"سنن النسائي" 3/ 93 كتاب: الجمعة، باب: الأمر بالغسل يوم الجمعة.
الحوامل. قاله في "المطالع". وقال الجوهري: هي جمع عشراء وهي الناقة التي أتت عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر، وزال عنها اسم المخائض ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع وبعدما تضع أيضًا
(1)
.
وقيل: هي النوق التي وضع بعضها وبعضها بعد لم يضع. وقال الداودي: هي التي معها أولادها.
وقال الخطابي: هي التي قاربت الولادة، يقال: ناقة عشراء ونوق عشار، على غير قياس
(2)
.
ونقل ابن التين أنه ليس في الكلام فعلاء على فعال غير نفساء وعشراء وتجمع على عشراوات ونفساوات، والصواب المذكور، مثله بأصواتها عند فراق أولادها.
والجذع أصل النخل، ولما وضع يده عليه سكن حسه، وجاء في رواية:"لو لم أفعل ذلك حن إلى قيام الساعة"
(3)
.
وذكر البخاري في هذا الباب الأحاديث الثلاثة، وهي دالة على ما بوب له، وهو الخطبة على المنبر، وهو إجماع، وسببه أنه أبلغ في الإعلام، وأعظم في الوقع؛ لأجل المشاهدة، ويستحب أن يكون على يمين المحراب مستقبل القبلة، فإن لم يكن منبر، فموضع عال،
(1)
"الصحاح" 2/ 747.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 582.
(3)
رواها الدارمي في "مسنده" 2/ 976 (1604 - 1605) كتاب: الصلاة، باب: مقام الإمام إذا خطب، وابن أبي شيبة 6/ 323 (31737) كتاب: الفضائل، باب: ما أعطى الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم، والبيهقي في "الدلائل" 2/ 558 باب: ذكر المنبر الذي اتخذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كلهم عن ابن عباس.
وإلا فإلى خشبة للاتباع، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل اتخاذه، فلما صنع تحول إليه كما ساقه في الباب.
ويكره المنبر الكبير جدًا الذي يضيق على المصلين إذا لم يكن المسجد متسعًا، وسلف في باب: الصلاة في السطوح والمنبر، الكلام عليه، وعلى من عمله، ومن أي شيء كان فراجعه
(1)
. وفيه علم عظيم من أعلام نبوته، ودليل على صحة رسالته، وهو حنين الجماد، وذلك بأن الله تعالى جعل للجذع حياة حيى بها، وهذا من باب الأفضال من الرب الذي يحي الموتى بقوله: كن.
وذكر ابن العربي في كتابه "أنوار الفجر"، وذكر فيه ألف معجزة لنبينا وأنها على قسمين: منها ما هو في القرآن وهو تواتر، ومنها ما نقل آحادًا، ومجموعها خرق العادة على يديه على وجه لا ينبغي إلا لنبي بتحد أو لولي تكرمة له، إن حنين الجذع اليابس وأنينه أغرب من اخضراره وإثماره، فإن الإثمار والاخضرار يكونان فيه بصفة، والحنين والأنين لا يكونان في جنسه بحال، وإنما حنت على فقد ما كانت تأنس به من الذكر، وخُصت به من الشرف والبركة.
وفيه كلام ما لا يعرف له الكلام من الجمادات وشبهها، إذا أتانا ذلك من طريق النبوة كانت هي آية معجزة أراد الله تعالى أن يريها عباده؛ ليزدادوا إيمانا، وما جرى على مجرى الإعجاز فهو خرق العادات، وأما نحن فلا يجوز كلام الجمادات إلينا، كذا قاله ابن بطال في البيوع في باب: النجار
(2)
، ويجوز أن يقع ذلك منا على
(1)
راجع شرح حديث (377).
(2)
"شرح ابن بطال" 6/ 227.
وجه الكرامة، فما كان للنبي معجزة جاز أن يكون للولي كرامة.
وحكى ابن التين عن ابن القزاز أن فيه ردًّا على القدرية؛ لأن الصياح ضرب من الكلام، وهم لا يجيزون الكلام إلا ممن له فم ولسان. وفي "شرح ابن بطال": إذا كان الخليفة هو الذي يخطب فسنته أن يجلس على المنبر إذا خطب، فإن كان غيره قام إن شاء على المنبر أو شاء على الأرض
(1)
.
قال مالك: ومن لا يرقى بأعلى المنبر عندنا فجلهم يقوم عن يسار المنبر ومنهم من يقوم عن يمينه، وكل واسع. وروي أن الصديق نزل بعد النبي صلى الله عليه وسلم درجة من المنبر تواضعًا منه، ولم ير نفسه أهلًا لذلك الموضع، وكذلك فعل عمر، نزل بعده فكان يخطب على الأولى، وكان المنبر من ثلاث درجات.
فرع:
جماعة الفقهاء على أن الخطبة من شرط الجمعة لا تصح إلا بها، ومتى لم يخطب الإمام صلى أربعًا
(2)
، وشذ الحسن فقال: تجزئهم جمعتهم خطب الإمام أو لم يخطب، ذكره ابن المنذر عنه
(3)
، وذكر عبد الوهاب أنه قول أهل الظاهر
(4)
، (وحكاه ابن الماجشون عن ابن
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 506.
(2)
انظر: "المبسوط" 2/ 24، "بدائع الصنائع" 1/ 262، "البناية" 3/ 62 - 63، "التفريع" 1/ 2321، "الاستذكار" 2/ 59، "المعونة" 1/ 160، "الحاوي" 2/ 432، "حلية العلماء" 2/ 234، "البيان" 2/ 567، "المستوعب" 3/ 24، "المغني" 3/ 171.
(3)
"الأوسط" 4/ 59.
(4)
"المعونة" 1/ 160.
أبي زيد عن مالك، وشارح "الرسالة" عن عبد الملك)
(1)
، ويرد قولهم الاتباع فيما نقله الكافة عن الكافة، ومن لا يجوز السهو عليه، ولو كانت الجمعة تجزئ بغير خطبة لبينه.
وقد قال الفاروق: إنما قصرت الصلاة من أجل الخطبة
(2)
.
وقال سعيد بن جبير: إن الخطبة جعلت مكان الركعتين
(3)
.
فرع:
من شرط صحتها إسماع أربعين كاملين خلافًا لأبي حنيفة
(4)
.
تنبيهات:
أحدها: ادعى بعضهم أن حديث سهل: "أعوادًا أجلس عليهن"
(1)
هذِه العبارة فيها اضطراب:
أولًا: هو أبو زيد، وليس ابن أبي زيد صاحب "الرسالة".
ثانيًا: هو أبو زيد عبد الرحمن بن يحيى بن يزيد الأندلسي، رحل إلى المشرق وأخذ بالمدينة عن ابن كنانه وابن الماجشون ومطرف، وأَلَّفَ من سؤالهم كتاب "الثمانية". ت 258 هـ، لذا فلا يصح أن يروي عنه ابن الماجشون.
قال أبو الوليد الباجي رحمه الله: قال ابن الماجشون في رواية أبي زيد عنه من ترك الخطبة على أي وجه تركها، فإن جمعته ماضية، ورواه عن مالك في الثمانية. "المنتقى" 1/ 198.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 461 (5331) كتاب: الصلوات، باب: الرجل تفوته الخطبة.
(3)
رواه البيهقي 3/ 196 كتاب: الجمعة، باب: وجوب الخطبة وأنه إذا لم يخطب صلى ظهرًا أربعًا لأن بيان الجمعة أخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصل الجمعة إلا الخطبة.
(4)
انظر "المبسوط" 2/ 24 - 25، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 330 - 331، "الأم" 1/ 169، ونقل أبو محمد في "المعونة" 1/ 160 أنها تصح بأقل من ذلك خلافًا للشافعي.
يعارض حديث جابر: وكان جذع يقوم إليه. ولا تعارض عندي، فإن المراد بالجلوس الأول القيام. وحمل بعضهم حديث سهل في غير الجمعة؛ لوعظ أو تعليم، وحديث جابر فيها، وذكره ابن بطال وابن التين، وليس بطائل، وأيده ابن بطال أنه صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه خطب للجمعة قط إلا قائمًا
(1)
.
وقد قال بعض العلماء في قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] أي: قائمًا تخطب، قال: ويؤيدها حديث ابن عمر، وقد ترجم له باب: الخطبة قائمًا كما ستعلمه
(2)
.
ثانيها: قيل: إن المنبر المقام الذي ذكره الله تعالى وصنعه؛ ليراه أقصى من حضره ويسمع كلامه، ويكون ذلك سنة لأمته؛ ليسمع موعظته وليتأهب به؛ ولتكون الصلاة أول ما تفعل عليه، وذلك مستحب أن يفعل في كل جديد، وصلاته على المنبر شكرًا لله وتواضعًا. وكونها فوقه يحتمل أن يكون للارتفاع يسيرا، ولا يعلل هنا بالكبر؛ لأنه ليس من شأنه، ونزوله وصعوده احتمل للتعلم، قال ابن التين: والأشبه أن ذلك له خاصة، وجوزه بعضهم إذا كان معه بعض المأمومين. وصلى عمر بن عبد العزيز على أرفع مما عليه أصحابه، وليس للمنع وجه إذا لم يرد التكبر.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 507.
(2)
الحديث الاتي (920).
27 - باب الخُطْبَةِ قَائِمًا
وَقَالَ أَنَسٌ: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ قَائِمًا.
920 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَقْعُدُ، ثُمَّ يَقُومُ، كَمَا تَفْعَلُونَ الآنَ. [928 - مسلم: 861 - فتح: 2/ 401]
(وقال أنس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا)
(1)
.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَقْعُدُ، ثُمَّ يَقُومُ، كَمَا تَفْعَلُونَ الآنَ.
الشرح:
أما تعليق أنس فأسنده في الاستسقاء كما ستعلمه في حديث: ادع الله أن يسقينا
(2)
. وأما حديث ابن عمر فسيأتي قريبًا
(3)
، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه أيضًا
(4)
.
وأما حكم الباب فالقيام للقادر شرط لصحتها، وكذا الجلوس بينهما عند الشافعي وأصحابه
(5)
، فإن عجز عنه استخلف، فإن خطب قاعدًا أو
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: تعليق أنس غير مسند هنا.
(2)
سيأتي برقم (1013) باب الاستسقاء في المسجد الجامع.
(3)
برقم (928) كتاب: الجمعة، باب: القعدة بين الخطبتين.
(4)
"صحيح مسلم"(861) كتاب: الجمعة، باب: ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة.
و"سنن الترمذي"(506) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الجلوس بين الخطبتين.
و"سنن النسائي" 3/ 109 كتاب: الجمعة، باب: الفصل بين الخطبتين بالجلوس.
و"سنن ابن ماجه"(1103) كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في الخطبة يوم الجمعة.
(5)
"الأم" 1/ 176 - 177.
مضطجعًا للعجز جاز قطعًا كالصلاة، ويصح الاقتداء به حينئذٍ، وعندنا وجه أنها تصح قاعدًا للقادر، وهو شاذ، نعم هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد كما حكاه النووي عنهم
(1)
، قاسوه على الأذان، وحكى ابن بطال عن مالك، كالشافعي
(2)
.
وعن ابن القصار كأبي حنيفة، ونقل ابن التين عن القاضي أبي محمد أنه مسيء ولا يبطل
(3)
حجة الشافعي حديث الباب.
قال ابن بطال: وهو قال على تكرار فعله في ذلك ودوامه، وأنه لم يخالف ذلك، ولا خطب جالسًا.
وذكر ابن أبي شيبة عن طاوس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا، وأبو بكر وعمر وعثمان قائمًا، وأول من جلس على المنبر معاوية. قال الشعبي: حين كثر شحم بطنه ولحمه
(4)
.
ورواه ابن حزم عن علي أيضًا
(5)
.
قلت: وقد قال تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] وفي "صحيح مسلم" من حديث جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائمًا ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائمًا، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسًا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة
(6)
. وممن كان
(1)
"المجموع" 4/ 383 - 384.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 508.
(3)
"المعونة" 1/ 165.
(4)
"المصنف" 1/ 448 (5179 - 5180) كتاب: الصلوات، باب: من كان يخطب قائمًا. و 1/ 449 (5193) كتاب: الصلوات، باب: من كان يخطب قائمًا.
وانظر: "شرح ابن بطال" 2/ 508.
(5)
"المحلى" 5/ 58.
(6)
"صحيح مسلم"(862) كتاب: الجمعة، باب: ذكر الخطبتين قبل وما فيهما من الجلسة.
يخطب قائمًا أو أمر به عليٌّ إكمالًا للخلفاء الأربعة، والمغيرة والنعمان بن بشير وأبو هريرة وابن مسعود، وابنه أبو عبيدة وابن سيرين
(1)
، ورواه جعفر بن محمد عن أبيه: كان صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا
(2)
، وابن عباس أيضًا
(3)
، وفي "صحيح مسلم" أن كعب بن عجرة دخل المسجد، وعبد الرحمن بن الحكم يخطب قاعدًا فقال: انظروا إلى هذا يخطب قاعدًا، وقد قال تعالى:{وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}
(4)
[الجمعة: 11].
ومن أجاب عن أحاديث القيام والآية بأن ذلك من باب الإخبار عن حالتهم عند الانفضاض، وبأنه صلى الله عليه وسلم يواظب على الفاضل مع جواز غيره عجيب، فلم ينقل أحد عنه أنه خطب قاعدًا، وفي "المغني": قال الهيثم بن خارجة لأحمد: كان عمر بن عبد العزيز يخطب قاعدًا فأنكره شديدًا
(5)
.
فرع:
قد أسلفنا أن الجلوس بين الخطبتين شرط في صحتها عند الشافعي وأصحابه، وذكر الطحاوي أنه لم يشترط ذلك إلا الشافعي، وذكر عياض
(1)
رواها عنهم ابن أبي شيبة 1/ 448 - 449 (5181 - 5186 - 5188 - 5192) كتاب: الصلوات، باب: من كان يخطب قائمًا.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 448 (5178) كتاب: الصلوات، باب: من كان يخطب قائمًا.
(3)
رواه أحمد 1/ 256. ورواه ابن أبي شيبة 1/ 449 (5189). وأبو يعلى في "مسنده" 4/ 372 - 373 (2490). والطبراني 11/ 390 (12091). والبزار كما في "كشف الأستار"(640)، كتاب: الصلاة، باب: الجلوس بين الخطبتين. قال: لا نعلمه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه.
(4)
"صحيح مسلم"(864) كتاب: الجمعة، باب: في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} .
(5)
"المغني" 3/ 171.
عن مالك أن الجلوس بينهما شرط
(1)
، وهو خلاف المشهور كما قاله ابن التين قال: ووجهه أنهما ذكران يتقدمان الصلاة، فلم يكن الجلوس بينهما شرطًا في صحتهما كالأذان والإقامة، وقد خطب المغيرة بن شعبة بحضرة الصحابة والتابعين ولم يجلس في خطبته
(2)
.
وقد حصر عثمان عن الخطبة، فتكلم ونزل ولم يجلس، ولم ينكره أحد.
قلت: الحجة في فعله، وكان فعله الجلوس، فلو كان سنة لتركه ولو مرة.
(1)
"إكمال المعلم" 3/ 256.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 449 (5186) كتاب: الصلوات، باب: من كان يخطب قائمًا.
وذكر ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 58 - 59.
28 - باب يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ القَوْمَ وَاسْتِقْبَالِ النَّاسِ الإِمَامَ إِذَا خَطَبَ
.
وَاسْتَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ الإِمَامَ.
921 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى المِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ. [1465، 2842، 6427 - مسلم: 1052 - فتح: 2/ 402]
وعن أَبَي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى المِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ.
الشرح:
أما أثر ابن عمر وأنس فأخرجهما البيهقي
(1)
، وأخرج أثر أنس ابن أبي شيبة
(2)
.
وأما حديث أبي سعيد فاختصره هنا، وأخرجه في الزكاة والرقاق أيضًا
(3)
، وأخرجه مسلم والنسائي
(4)
، ووجه مطابقته للباب قوله:(وجلسنا حوله).
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 199 كتاب: الجمعة، باب: يحول الناس وجوههم إلى الإمام ويسمعون الذكر.
(2)
"المصنف" 1/ 453 (5233) الصلاة، باب: من كان يستقبل الإمام يوم الجمعة.
(3)
سيأتي برقم (1465) كتاب: الزكاة، باب: الصدقة على اليتامى. وبرقم (6427) باب: ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها.
(4)
"صحيح مسلم"(1052/ 123) كتاب: الزكاة، باب: تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا.
و"سنن النسائي" 5/ 90 كتاب: الزكاة، باب: الصدقة على اليتيم.
وقوله: (جلس) لعله يريد ثم قام بعد، أو كانت خطبة غير جمعة.
ويحيى المذكور في إسناده هو ابن أبي كثير، مات بعد المائة
(1)
، وأخرجه الترمذي من حديث ابن مسعود، وضعفه، قال: وفي الباب عن ابن عمر ثم قال: والعمل عليه عند أهل العلم من الصحابة وغيرهم، ولا يصح في هذا الباب عن رسول الله شيء
(2)
.
وأما حكم الباب: فالسنة أن يقبل الخطيب على القوم في جميع خطبته ولا يلتفت في شيء منها، ولا يفعل ما يفعله الخطباء يمنة ويسرة في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا أجل له، واتفقوا على كراهة الالتفات، وهو معدود في البدع المنكرة، ونقل الشيخ أبو حامد عن أبي حنيفة أنه يلتفت يمينًا وشمالًا في بعض الخطبة كما في الأذان.
ويستحب للقوم الإقبال بوجوههم عليه، وفيه أحاديث كثيرة؛ ولأنه مقتضى الأدب وأبلغ في الوعظ، وهو إجماع.
وسبب ذلك أنه يخاطبهم، فلو استدبرهم قبح، وإن وقف في أخرياته واستدبروه قبح أيضًا، وإن استقبلوه واستدبروا القبلة، فاستدبار واحد واستقبال الجميع أولى من عكسه، فلو خالف الخطيب فاستدبرهم واستقبل القبلة كره، وصحت، وفيه وجه شاذ، لكن الاتباع يقويه.
وباستقبال القوم الإمام قال به أيضًا شريح وعطاء، وأبو إسحاق عمرو بن أبي صعصعة ومالك والأوزاعي والثوري وسعيد بن عبد العزيز وابن جابر ويزيد بن أبي مريم والشافعي وأحمد إسحاق،
(1)
ورد بهامش الأصل: 129 سنة في "الكاشف".
(2)
"سنن الترمذي"(509) في الجمعة، باب: ما جاء في استقبال الإمام إذا خطب.
وقبلهم طاوس ومجاهد وسالم والقاسم وزاذان، وعمر بن عبد العزيز، وقال: الواعظ قبلة، والشعبي والنضر بن أنس وإبراهيم. قال ابن المنذر: وهذا كالإجماع
(1)
.
وفي "المغني" روي عن الحسن أنه استقبل القبلة ولم ينحرف إلى الإمام، وكان سعيد بن المسيب لا يستقبل هشام بن إسماعيل إذا خطب، فوكل به هشام الشرط يعطفه إليه. وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: يكون الإمام عن يميني متباعدًا، وإذا أردت أن أنحرف إليه حولت وجهي عن القبلة. فقال: نعم تنحرف إليه
(2)
.
وفي "المبسوط" من كتب الحنفية: إن القوم الآن يستقبلون القبلة بوجوههم في حال الخطبة للحرج من تسوية الصفوف ولكثرة الزحام
(3)
.
فرع:
من فاته الخطبة لاتفوته الجمعة خلافًا لعطاء ومكحول ومجاهد وطاوس
(4)
، دليل الجمهور: الحديث السالف: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"
(5)
وهو عام في جميع الصلوات.
(1)
"الأوسط" 4/ 74 - 75.
(2)
"المغني" 3/ 172 - 173.
(3)
"المبسوط" 2/ 30.
(4)
روى عنهم هذِه الآثار ابن أبي شيبة 1/ 460 (5325: 5328) كتاب: الصلوات، باب: الرجل تفوته الخطبة.
(5)
سلف برقم (580). ورواه مسلم (607) من حديث أبي هريرة وأخرجه البخاري في مواضع عدة.
29 - باب مَنْ قَالَ فِي الخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ: أَمَّا بَعْدُ
.
رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
922 -
وَقَالَ مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ. قَالَتْ: فَأَطَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِدًّا حَتَّى تَجَلاَّنِي الغَشْيُ وَإِلَى جَنْبِي قِرْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَفَتَحْتُهَا فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا عَلَى رَأْسِي، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَحَمِدَ اللهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ". قَالَتْ وَلَغِطَ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْكَفَأْتُ إِلَيْهِنَّ لأُسَكِّتَهُنَّ فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قَال: "مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مِثْلَ -أَوْ قَرِيبَ مِنْ- فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ -أَوْ قَالَ: المُوقِنُ. شَكَّ هِشَامٌ- فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللهِ، هُوَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم جَاءَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَالهُدَى فَآمَنَّا وَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا وَصَدَّقْنَا. فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ. وَأَمَّا المُنَافِقُ -أَوْ قَالَ: المُرْتَابُ. شَكَّ هِشَامٌ- فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِى، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ". قَالَ هِشَامٌ: فَلَقَدْ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ: فَأَوْعَيْتُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا يُغَلِّظُ عَلَيْهِ. [نظر: 86 - مسلم: 905 - فتح: 2/ 402]
923 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ سَبْىٍ فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللهِ إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ
وَالهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِنَى وَالخَيْرِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ". فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُمْرَ النَّعَمِ. تَابَعَهُ يُونُسُ. [3145، 7535 - فتح: 2/ 403]
924 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا". تَابَعَهُ يُونُسُ. [انظر: 729 - مسلم: 761، 782 - فتح: 2/ 403]
925 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ العَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ فِي:"أَمَّا بَعْدُ". [1500، 2597، 6636، 6979، 7174، 7197 - مسلم: 1832 - فتح: 2/ 404]
926 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ:"أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. [3110، 3714، 3729، 3767، 5230، 5278 - مسلم: 2449 - فتح: 2/ 404]
927 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الغَسِيلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المِنْبَرَ، وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِلَيَّ". فَثَابُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَذَا الحَيَّ مِنَ الأَنْصَارِ يَقِلُّونَ، وَيَكْثُرُ النَّاسُ، فَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضُرَّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعَ فِيهِ أَحَدًا، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيِّهِمْ". [3628، 3800 - فتح: 2/ 404]
ثم ذكر تعليقًا عن أسماء في الكسوف فقال: وَقَالَ مَحْمُودٌ، فذكره، وفيه: ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ".
ثم أسند من حديث عمرو بن تغلب وعائشة وأبي حميد، والمسور
بن مخرمة وابن عباس، وفيها كلها بعد الثناء على الله:"أما بعد".
الشرح:
أما حديث ابن عباس الأول فقد أسنده آخر الباب
(1)
، وأما حديث أسماء فذكره مطولًا، ومختصرًا، وقد رواه في باب: من أجاب الفتيا بإشارة الرأس واليد من كتاب العلم عن موسى بن إسماعيل
(2)
، وفي باب: من لم ير الوضوء إلا من الغشي عن إسماعيل
(3)
، وسيأتي في الكسوف
(4)
والسهو
(5)
.
وأسماء جدة فاطمة بنت المنذر جدة أبيها، ومحمود هو ابن غيلان المروزي الحافظ، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين.
وأخرجه مسلم أيضًا
(6)
، وسياق البخاري هنا يؤذن أن أسماء روته
(1)
حديث (927).
(2)
سلف برقم (86).
(3)
سلف برقم (184) كتاب: الوضوء.
(4)
برقم (1053) باب: صلاة النساء مع الرجال في الكسوف.
(5)
وبرقم (1253) باب: الإشارة في الصلاة.
(6)
"صحيح مسلم"(905) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار.
عن عائشة، وهو خلاف ما ذكره في العلم والطهارة من رفعه عنها، ولعل الصواب ما هنا.
وأما حديث عمرو بن تغلب فأخرجه في الخمس والتوحيد
(1)
وهو من أفراده.
وعمرو (بن تغلب)
(2)
صحابي خرج له البخاري والنسائي وابن ماجه.
و (تغلب) بمثناة فوق ثم غين معجمة، قال المزي تبعًا لعبد الغني: لم يرو عنه غير الحسن البصري فيما قاله غير واحد
(3)
، ولعل المراد إذا في "الصحيح" وإلا فقد ذكر ابن عبد البر أن الحكم بن الأعرج روى عنه أيضًا
(4)
كما نبه عليه المزي
(5)
.
وأبو عاصم -شيخ شيخ البخاري فيه- هو النبيل، الضحاك بن مخلد.
وأما حديث عائشة فسلف في باب: إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة، ويأتي في الصوم
(6)
، وقال هنا:(تابعه يونس) وهذه
(1)
سيأتي برقم (3145) كتاب: فرض الخمس، باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه.
وبرقم (7535) كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)} .
(2)
في الأصل: ربعي.
(3)
"تهذيب الكمال" 21/ 553 (4332).
(4)
"الاستيعاب" 3/ 252 (1920).
(5)
ورد بهامش الأصل: قد ذكر ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" أن الحكم بن الأعرج روى عنه، ذكره شيخنا العراقي.
(6)
سلف برقم (729) كتاب: الأذان. =
المتابعة أخرجها مسلم، عن حرملة، عن ابن وهب، عنه
(1)
وأخرجها النسائي، عن زكريا بن يحيى، عن إسحاق، عن عبد الله بن الحارث، عن يونس
(2)
.
وقوله: تابعه يونس أي: في قوله: "أَمَّا بَعْدُ"، كذا قاله خلف وتابعه المزي
(3)
، واعتراض شيخنا قطب الدين عليه أنه روى عن الزهري جميع الحديث فلا يختص بـ"أما بعد" ليس بجيد؛ لأنه موضع التبويب فلذا فسره به.
وأما حديث أبي حميد فهو بعض من حديث ذكره البخاري في الزكاة، وترك الحيل، والاعتكاف، والنذور
(4)
: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأزد يقال له: ابن (اللتبية)
(5)
، على الصدقة، فلما قدم
= وسيأتي برقم (1129) باب: تحريض النبي على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب.
(1)
"صحيح مسلم" 178 (761) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح.
(2)
"سنن النسائي" 4/ 155 كتاب: الصيام، باب: ثواب من قام رمضان وصامه إيمانًا واحتسابًا والاختلاف على الزهري في الخبر في ذلك.
(3)
"تحفة الأشراف" 8/ 141 (10711).
(4)
سيأتي برقم (1500) كتاب: الزكاة، باب: قول الله تعالى: {وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا} وبرقم (6636) كتاب: الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم.
وبرقم (6979) كتاب: الحيل، باب: احتيال العامل ليهدى له، وليس فيه ذكر في الاعتكاف. ولعلها كانت بالأصل الإيمان والنذور، فتحرفت إلى الاعتكاف لتشابه الرسم، والله أعلم.
(5)
ورد بهامش الأصل: اللتْبيّة بضم اللام وإسكان التاء، بعدها ياء موحدة أتى من (
…
) الأزد بإسكان الزاي وبالدال، قال التقي: (
…
) ويقال فيه (
…
) وبفتح التاء ويقال: ابن اللتْبية بإسكان التاء وليستا بصحيحتين (
…
) ما قدمته يفي أنه الضبط (
…
).
قال: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم" أخرجه مسلم في المغازي
(1)
.
ثم قَالَ البخاري: تابعه أبو معاوية وأبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن أبي حميد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ" تابعه العدني عن سفيان في: "أما بعد".
أما متابعة أبي معاوية- واسمه محمد بن خازم الضرير، كوفي، فأخرجها مسلم في المغازي، عن أبي كريب محمد بن العلاء، عن أبي معاوية به
(2)
.
وأما متابعة أبي أسامة فتأتي -إن شاء الله- مسندة
(3)
، وأخرجها مسلم أيضًا
(4)
واسمه حماد بن أسامة، ومتابعة سفيان -وهو ابن عيينة- فذكرها بَعْدُ عن الزهري، عن عروة، عن أبي حميد
(5)
، وأخرجها مسلم عن العدني عن هشام
(6)
.
والعدني اسمه محمد بن يحيى احتج به مسلم
(7)
.
(1)
"صحيح مسلم"(1832) كتاب: الإمارة، باب: تحريم هدايا العمال.
(2)
مسلم (1832/ 28) كتاب: الإمارة، باب: تحريم هدايا العمال.
(3)
ستأتي برقم (1500) كتاب: الزكاة، باب: قول الله تعالى: {وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا} .
(4)
مسلم (1832/ 27) كتاب: الإمارة، باب: تحريم هدايا العمال.
(5)
ستأتي برقم (2597) كتاب: الهبة، باب: من لم يقبل الهدية.
(6)
مسلم (1832/ 28) كتاب: الإمارة، باب: تحريم هدايا العمال.
(7)
ابن أبي عمر العدني، أبو عبد الله نزيل مكة، وقد ينسب إلى جده، وقيل: إن أبا عمر كنية أبيه يحيى، قال أبو حاتم: كان رجلًا صالحًا وكان به غفلة وكان صالحًا، ذكره ابن حبان في "الثقات". روى له النسائي. مات سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
انظر: "التاريخ الكبير" 1/ 265 (847)، و"الجرح والتعديل" 8/ 124 (560)، و"الثقات" 9/ 98، و"تهذيب الكمال" 26/ 639 (5692).
واسم أبي حميد عبد الرحمن
(1)
، وقيل: المنذر بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة، مات في خلافة معاوية.
وأما حديث علي بن حسين عن المسور بن المخرمة فهو من حديث: أنه صلى الله عليه وسلم خطب وقال: "إن عليًّا خطب بنت أبي جهل، وإنما فاطمة بضعة مني" الحديث. ويأتي في الفضائل إن شاء الله
(2)
. وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
.
وتابعه ابن سيرين، أخرجه الرهاوي من طريقه عن المسور بن مخرمة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ".
والمسور هذا قدم المدينة سنة ثمان من الهجرة، فسمع وحفظ، أمه عاتكة بنت عوف، قتل أيام ابن الزبير بالمنجنيق سنة أربع وستين.
ومتابعة الزبيدي لا يحضرني من أسندها
(4)
.
وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضًا في علامات النبوة، وفضائل الصحابة
(5)
، وأخرجه الترمذي في "شمائله"
(6)
.
وابن الغسيل المذكور في إسناده هو أبو سليمان عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة ابن الغسيل.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: قال الذهبي في "التجريد": أبو حميد اسمه عبد الرحمن بن عمرو بن سعد، وقيل: المنذر بن سعد.
(2)
سيأتي برقم (3729) باب: ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
مسلم (2449) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: فضائل فاطمة.
(4)
قلت: أسندها الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" 12/ 515 (4989)، والطبراني في "مسند الشاميين" 3/ 14 (1707).
(5)
سيأتي برقم (3628) كتاب: المناقب، وبرقم (3800) كتاب: مناقب الأنصار، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اقبلوا من محسنهم".
(6)
"الشمائل"(119) باب: ما جاء في عمامة النبي صلى الله عليه وسلم.
قيل: عاش مائة وستين سنة، ذكره ابن التين، وقيل: إنما سمي والده بذلك؛ لأنه غسلته الملائكة يوم أحد
(1)
.
إذا تقرر ذَلِكَ فالكلام على ذَلِكَ من أوجه:
أحدها:
هذه الأحاديث دالة لما ترجم له، وهو ذِكْرُ هذه اللفظة في الخطبة بعد الثناء، وهي من فصيح الكلام، وهو فصل بين الثناء على الله وبين ابتداء الخبر الذي يريد الخطيب إعلام الناس به، وهو فصل الخطاب الذي أوتيه داود صلى الله عليه وسلم؛ لأنها فصل ما تقدم من كلام المتكلم، وقال الحسن: هي فصل القضاء، وقيل: البينة على المدعي واليمين على من أنكر
(2)
. وهو المبتدئ بها على أحد الأقوال، ورواه النحاس من حديث بلال بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم أول من قالها، وأنه فصل الخطاب، وكذا ذكره عبد في "تفسيره"، عن الشعبي، وزياد بن أمية.
ثانيها: أنه كعب بن لؤي جد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثها: قُس بن ساعدة، قاله ابن الكلبي.
رابعها: يعرب بن قحطان.
(1)
قال يحيى بن معين: ثقة، ليس به بأس، صويلح، وقال أبو زرعة، والنسائي، والدارقطني: ثقة، وقال النسائي في موضع آخر: وليس بالقوى، ليس به بأس، قال ابن حجر في "مقدمة فتح الباري": تضعيفهم له بالنسبة إلى غيره ممن هو أثبت منه من أقرانه، وقد احتج به الجماعة سوى النسائي.
انظر: "تاريخ بغداد" 10/ 225 (5357)، و"تهذيب الكمال" 17/ 154 (3840)، و"مقدمة فتح الباري" ص 417.
(2)
انظر: "تفسير الطبري" 10/ 564 - 565 (29813 - 29825).
خامسها: سحبان.
وفي ضبطها أربعة أوجه: ضم الدال وتنوينها، ونصبها وتنوينها
(1)
.
وفي "غرائب مالك" للدارقطني بسند ضعيف: لما جاء ملك الموت إلى يعقوب عليه السلام، قَالَ يعقوب في جملة كلام: أما بعد، فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء .. الحديث.
قَالَ سيبويه: معناه: مهما يكن من شيءٍ
(2)
. وقال أبو إسحاق: إذا كان رجلٌ في حديثٍ وأراد أن يأتي بغيره قَالَ: أما بعد.
وفي "المحكم" معناها: أما بعد دعائي لك
(3)
. وفي "الجامع": يعني: بعد الكلام المتقدم، أو بعد ما يبلغني من الخبر. ثم حذفوا هذا وضموا على أصل ما ذكرناه، وذكر عبد القادر الرهاوي أن اثنين وثلاثين من الصحابة رووا ذَلِكَ عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه ومواعظه وكتبه.
ثانيها:
معنى: (تَجَلَّانِي الغَشْيُ): غطَّاني وغشاني، وأصله: تجللني فأبدلت إحدى اللامات ألفًا، قاله ابن الأثير، قَالَ: ويحتمل أن يكون معناه: ذهب بقوتي وصبري، من الجلاء، أو ظهر لي وبان عليَّ
(4)
.
(1)
وقد نظمها بعضهم فقال:
جرى الخُلْفُ أما بعد من كان قائلًا
…
لها خمسُ أقوالٍ وداودُ أقربُ
وكانت له فصلَ الخطابِ وبعدَه
…
فقُسٌ فسحبانُ فكعبٌ فَيْعُربُ
انظر: "حاشية الباجوري" 1/ 7.
(2)
"الكتاب" 4/ 235، ونص عبارته: وأما (أما) ففيها معنى الجزاء، كأنه يقول: عبد الله مهما يكن من شيء من أمره، فمنطلق.
(3)
"المحكم" 2/ 25.
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 1/ 291.
وقولها: (وَلَغطَ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ). اللغط: الأصوات المختلفة التي لا تفهم. قَالَ ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح الغين وبعضهم بكسرها، وهو بالفتح عند أهل اللغة.
قولها: (وانْكَفَأُتُ). أي: ملت بوجهي ورجعت إليهن لأسكتهن.
أي: بالإشارة، وأصله: من كفأت الإناء: إذا أملته وكببته.
والفتنة أصلها: الاختبار، ولا فتنة أكبر من الفتنة المذكورة. منكر -بفتح الكاف- كما قيده به ابن العربي، ونكير -وقد ثبت فيها أحاديث- أعاذنا الله منها.
وقوله: ("أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في القبور") أي: أتاه الملك بذلك، وفيه: بيان أنه اعلم به في ذَلِكَ الوقت.
وقوله: ("حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ") يعني: أنه رأى أمورًا عظامًا.
وقوله: ("من فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ") يعني: ما يبلو به الله عز وجل الناس إذا خرج الدجال من الفتنة، فيضل الله به قومًا ويثبت المؤمنين، وقيل له: المسيح؛ لأنه يمسح الأرض، أو لأنه ممسوح العين أعورها، وقد أسلفنا ذَلِكَ مع رواية كسر الميم وتشديد السين.
والمنافق: الذي يظهر خلاف ما يبطن. والمرتاب: الشاك. قاله أبو الوليد المالكي
(1)
. وقال أبو جعفر: المنافق: المرتاب، ومعناهما متقارب في الكفر، إلا أن قوله:"سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ" أقرب إلى نفي المرتاب، وفي بعض الروايات أنه إذا قَالَ: لا أدري. قيل له: "لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ"
(2)
. ومعنى تليت: اتبعت.
(1)
"المنتقى" 1/ 331.
(2)
رواه أحمد 3/ 3 - 4.
وقوله: ("أَمَّا المُؤْمِنُ") أو"المُوقِنُ" الأظهر كما قَالَ ابن التين أنه المؤمن؛ لقوله: "قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ" ولقوله: "فَأَجَبْنَا" ولم يقل: فأيقنا. والنوم هنا: هو العود إلى ما كان عليه، ووصفه به وإن كان مؤمنًا لما يناله من الراحة.
وقوله: ("فأوعيته")
(1)
قَالَ الدمياطي في حاشية "الصحيح" بخطه ومنه نقلت الوجه: وعيته قَالَ تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] يقال: وعيت العلم، وأوعيت المتاع.
وقوله: (أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ بسَبْىٍ). وفي بعض النسخ: أو بشيء، وهو ما في "المستخرج" لَأبي نعيم، وفي كتاب الإسماعيلي: أتي بمالٍ من البحرين.
وقوله: (أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ). كذا بخط الدمياطي، وقال شيخنا قطب الدين: الذي في أجل روايتنا: (أن الذي ترك)، ونسخة:(أن الذين ترك).
وقوله: (عتبوا) أي: وجدوا في أنفسهم كراهية لذلك.
وقوله: ("لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ") هذا من نظر القلب لا من نظر العين.
و (الجزع) ضد الصبر، وهو شدة القلق، وقيل: القول السيء.
و (الهلع) شدة الجزع.
(1)
ورد بهامش الأصل تعليق نصه: قال في "المطالع" الوعي الحفظ للشيء، ووعيت العلم وأوعيته: حفظته، وجمعته، وقال في "الأفعال": وعيت العلم فحفظته، ووعيت الأذن: سمعت، وأوعى المال: جمعه في الوعاء. انتهى. فهذا الذي قاله أولًا مخالف للدمياطي، وما نقله عن "الأفعال" موافق له وكذا قال في "الجمهرة" على وفاق قول الدمياطي، وبذلك الدمياطي (
…
) في الصحاح.
وقوله: ("مِنَ الغِنَى وَالخَيْرِ") أي: أتركهم مع ما وهب الله لهم من غنى النفس فصبروا وتعففوا عن الطمع والشره.
و ("حُمْرَ النَّعَمِ") قيل: المراد: إهداءها أو الصدقة بها فيكون أجر ذَلِكَ له، وهي كلمة تقولها العرب، وإلا فما كان يجب أن يكون له الدنيا وما فيها
(1)
.
وقوله: ("مُتَعَطِّفًا"). أي: مترديًا، والتعطف التردي بالرداء، ويسمى الرداء عطافًا؛ لوقوعه على عطفي الرجل، وهما ناحية عنقه، ومنكب الرجل عطفه، وكذلك المعطف، ويعطف، ذكره الهروي
(2)
.
وفي "المحكم": والجمع: عُطف، وقيل: المعاطف: الأردية، لا واحد لها
(3)
. والملحفة: بكسر الميم.
وقوله: (قد عصب رأسه بعصابة دسمة) وفي رواية: (دسماء). ذكرها
في اللباس
(4)
، ضبط صاحب "المطالع": دسِمة بكسر السين، قيل: كانت سوداء، وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء، والعصابة: العمامة.
ومنه الحديث: أمرنا أن نمسح على العصائب
(5)
. سميت بذلك؛
(1)
في هامش الأصل: ثم بلغ في الرابع بعد الثمانين. كتبه مؤلفه.
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" 3/ 257.
(3)
"المحكم" 1/ 346.
(4)
علقها البخاري قبل الرواية (5807) كتاب: اللباس، باب: التقنع، وأسندها -فيما يأتي- برقم (3800) كتاب: مناقب الأنصار، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اقبلوا من محسنهم". من حديث ابن عباس.
(5)
رواه أبو داود (146) كتاب: الطهارة، باب: المسح على العمامة، وأحمد 5/ 277، والطبراني في "مسند الشاميين" 1/ 274 (477)، والحاكم 1/ 169 كتاب: الطهارة، والبيهقي 1/ 62 كتاب: الطهارة، باب: إيجاب المسح على الرأس، والبغوي في "شرح السنة" 1/ 452 (233 - 234) كتاب: الطهارة، باب: المسح =
لأنها تعصب الرأس. أي: تربطه، قيل: لونها لون الدسم كالزيت وشبهه، من غير أن يخالطها شيء من الدسم، وقيل: متغيرة اللون من الطيب والغالية.
وقال أبو عبد الملك: ملونة بالصبغ، وقيل: الصفيقة، والدسمة في اللغة: الوسخة.
وقال ابن دريد وغيره فيها سواد
(1)
، وقيل: الغليظة، وليس بشيء.
وزعم الداودي أنها على ظاهرها وأنه لما نالها من عرقه في المرض.
وقوله: (فَثَابُوا إِلَيْهِ). أي رجعوا بعضهم إثر بعض، وقيل: أي اجتمعوا.
وقوله: ("إِنَّ هَذَا الحَيَّ مِنَ الأَنْصَارِ يَقِلُّونَ") وفي رواية: "حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام"
(2)
هو من معجزاته وإخباره عن المغيبات، فإنهم الآن فيهم قلة.
وقوله: ("فَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ") فيه: دلالة على أن الخلافة لا تكون في الأنصار؛ لأنه وصَّى بهم، ولو كانت فيهم لوصَّاهم.
وقوله: ("وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيِّئهِم") أي: في غير الحدود وحقوق الآدميين، والمراد بالحي هنا المدينة وما حولها.
= على الخفين. من حديث ثوبان.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ إنما اتفقا على المسح على العمامة بغير هذا اللفظ. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(134): صحيح.
(1)
"الجمهرة" 2/ 647. (دسم).
(2)
ستأتي برقم (3628) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
ثالثها: في فوائده:
فيه: الخروج إلى المسجد جوف الليل.
وفيه: صلاته النافلة جماعة.
وفيه: الفرار من القدر إلى القدر وليس ذَلِكَ ناج من القدر.
وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد المبالغة في الموعظة طلع المنبر فيتأسى به.
وفيه: الخطبة بالوصية، والخطبة مما قل من الثياب، وفيه: فضيلة الأنصار.
وفيه: قبول خبر المرأة، وخبر المرأة عن المرأة، ورواية الرجل عن المرأة، وعن امرأته.
وفيه: استجازة أسماء سؤال المصلي، ومخاطبته باليسير الذي لا يشغله؛ لأنه مباح له الإشارة، حسبما صنعت عائشة.
وفيه: أن حكم النساء كان عندهم.
وفيه: الافتتان في القبر، وهو بمنزلة التكليف والعبادة، ومعناه: إظهار العمل وإعلام بالمآل؛ لأن العمل والتكليف انقطع بالموت.
وفتنة الدجال بمعنى: التكليف والتعبد، وشبهها بها؛ لصعوبتها وعظم المحنة بها وقلة الثبات.
وفيه: الخطبة للكسوف، وهو حجة لأبي حنيفة والشافعي
(1)
، وأبعد
(1)
وهذا فيه نظر؛ فإن مذهب الأحناف أنه ليس في الكسوف خطبة، انظر:"الهداية" 1/ 295، "بدائع الصنائع" 1/ 282، "الاختيار" 1/ 96، "تبين الحقائق" 1/ 229، "البناية" 3/ 171، "البحر الرائق" 2/ 292، "ملتقى الأبحر" 1/ 121، "مجمع الأنهر" 1/ 139، "حاشية ابن عابدين" 2/ 197.
وانظر مذهب الشافعية في "المهذب" 1/ 402، "الوسيط" 1/ 341، "حلية العلماء" 2/ 269، "البيان" 2/ 668.
من قال: إنما استفتح كلامه بالحمد، وليس بخطبة والصلاة لها.
وفيه: أخذ المصلي الماء من جانبه، وصبه إياه على رأسه؛ وقال أبو عبد الملك: قد يكون ذَلِكَ بعد فراغها.
وفيه: انصراف الإمام إذا تجلت الشمس.
وفيه: البداءة بالحمد والثناء.
وفيه: ما كان صلى الله عليه وسلم من الرأفة بالمؤمنين، وائتلافه إياهم بالعطاء؛ ليحبب إليهم الإيمان، ولما له في ذَلِكَ من الأجر الجزيل.
وفيه: حلف الصادق ليؤكد.
وفيه: خطبة المريض إذا خاف الموت.
وفيه -كما قَالَ أبو جعفر-: لباس العصابة الدسمة، لما ينالها مما يكون بالمريض من العرق، فهذه أربع وعشرون فائدة.
وفيه: أيضًا أن الموعظة تكون بعد الصلاة عشية.
واختلف العلماء في الخطبة: هل هي شرط لصحة الصلاة أو ركن من أركانها أم لا؟ فعند عطاء والنخعي وقتادة وأبي حنيفة والشافعي وأحمد والثوري إسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي هي شرط في الجمعة لا تصح بدونها
(1)
.
قَالَ ابن قدامة في "المغني": ولا نعلم فيه مخالفًا إلا الحسن البصري، فإنه قَالَ: تجزئهم جمعتهم
(2)
خطب الإمام أو لم يخطب؛ لأنها صلاة عيدٍ، فلم يشترط لها الخطبة كصلاة الأضحى
(3)
.
(1)
انظر: "الأوسط" 4/ 59 - 60، "المعونة" 1/ 160، "المغني" 3/ 170 - 171.
(2)
كتب فوقها في الأصل: بيان جمعتهم.
(3)
"المغني" 3/ 171.
قُلْتُ: وحكى ابن المنذر عن داود وعبد الملك المالكي مثل قول الحسن، قَالَ القاضي: وروي ذَلِكَ عن مالك أيضًا
(1)
، وحكاه ابن حزم أيضًا عن ابن سيرين.
قَالَ ابن حزم: وليست الخطبة فرضًا، فلو صلاها إمام دون خطبة صلاها ركعتين جهرًا ولا بد.
وقال عطاء وطاوس ومجاهد: من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة لم يصلها. وقد أسلفنا ذَلِكَ؛ قَالَ: وروينا من طريق عبد الرزاق، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب قَالَ: الخطبة موضع الركعتين، فمن فاتته الخطبة صلى أربعًا
(2)
.
احتج الجمهور بالاتباع، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين. رواه جابر وابن عمر
(3)
، وقد قَالَ:"صلوا كما رأيتموني أصلي"
(4)
، ولأن كل خطبة قيمت مقام ركعة إذا قلنا أنها تدل على الركعتين.
فرع: أركانها عند الشافعي خمسة: حمد لله، والصلاة على نبيه، ولم أرَ هذا في خُطَبِهَ صلى الله عليه وسلم بعد الفحص، نعم رأيت في "دلائل النبوة" للبيهقي في باب المعراج من حديث عيسى بن ماهان، عن الربيع بن
(1)
"التفريع" 1/ 230، "الذخيرة" 2/ 341، "المنتقى" 1/ 198.
(2)
"المحلى" 5/ 57 - 58.
(3)
سلف برقم (920) كتاب: الجمعة، باب: الخطبة قائمًا. من حديث ابن عمر، وحديث جابر بن سمرة رواه أحمد 5/ 91 - 92 بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين، يخطب ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب، وكانت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته قصدًا، والطبراني 2/ 225 (1930)، ورواه مسلم مختصرًا (166) كتاب: الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة.
(4)
سبق برقم (631) كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافر، إذا كانوا جماعة، والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع.
أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه جل جلاله في جمل أوصافه التي منحها تعالى له:"وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي"
(1)
.
وروى فيه في باب: أول خطبة خطبها حين قدم المدينة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قَالَ: كانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. فذكرها، وقال في آخرها:"والسلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته"
(2)
.
وقراءة آية في إحداهما على الأصح والوصية بالتقوى والدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح، ووقع في كلام ابن التين عن الشافعي: أن يحمد الله ويسبح. ولم أر هذا في كلامه ولا كلام أحد من أصحابنا عنه فاحذره.
وقال أبو حنيفة: إن اقتصر على ذكر الله جاز
(3)
. وعن الشعبي أنه كان يخطب بأقل أو أكثر
(4)
، وفي "قاضي خان": التسبيحة الواحدة تجزي في قول أبي حنيفة.
الآخر: وهو قول أبي يوسف الآخر إلا أنه يكون مسيئًا بغير عذر لترك السنة، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يخطب خطبة خفيفة، يحمد الله ويثني عليه، ويتشهد ويصلى على رسوله، ويعظ الناس ويذكرهم، ويقرأ سورة
(5)
.
(1)
"دلائل النبوة" 2/ 397 - 402 وهي قطعة من حديث طويل.
(2)
"دلائل النبوة" 2/ 524.
(3)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 36، "المبسوط" 2/ 30، "بدائع الصنائع" 2/ 262.
(4)
رواه عبد الرزاق 3/ 222 (5412) كتاب: الجمعة، باب: وجوب الخطبة. وفيه: ما قل أو كثر.
(5)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 344 - 345.
وعن مالك: إن سبح وهلل وصلى على نبيه فلا إعادة عليه، وعنه: إن سبح فقط أعاد ما لم يصل، فإن صلى أجزأ
(1)
، وعنه: يسبحون واحدة، وهو قول الأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وإسحاق وأبي ثور
(2)
.
قَالَ ابن حبيب: ولو لم يتم الأولى وتكلم بما خف من الثناء على الله وعلى نبيه أجزأ
(3)
.
وعن مالك: إن لم يخطب من الثانية ماله بال لم يجزءوا وأعادوا
(4)
، واستدل لذلك بقوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] ذكره مطلقًا من غير قيد فأجزأ ما يسمى ذكرا.
قُلْتُ: الاتباع أولى، والشرط أن يكون عنده على قصد الخطبة حتى لو عطس فقال: الحمد لله، على عطاسه لا ينوب عن ذَلِكَ، وحديث الرجل الذي قَالَ: علمني عملًا أدخل به الجنة فقال: "لئن أقصرت في الخطبة لقد أعرضت في المسألة"
(5)
. لا دلالة فيه، وكذا ما ذكره
(1)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 408، "الذخيرة" 2/ 344.
(2)
وهذِه النسبة فيها نظر؛ لأنه عند أبي يوسف ومحمد لا يجزئ إلا ما يقع عليه اسم الخطبة، قال النووي رحمه الله في "المجموع" 4/ 392: وقال الأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وابن القاسم المالكي وأبو يوسف ومحمد ودواد: الواجب ما يقع عليه اسم الخطبة.
وانظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 344، "المبسوط" 2/ 30، "الهداية" 1/ 89، "الأوسط" 4/ 61، "حلية العلماء" 2/ 235.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 473.
(4)
انظر: "المدونة الكبرى" 1/ 145، "عيون المجالس" 1/ 409، "الذخيرة" 2/ 344.
(5)
رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" 2/ 104 (775) وأحمد 4/ 299، والبخاري في "الأدب المفرد" ص 37 (69) باب: فضل من يصل ذا الرحم الظالم، وابن حبان في "صحيحه" 2/ 97 - 98 (374) كتاب: البر والإحسان، باب: ما جاء في =
جماعة من المؤرخين أن عثمان أُرْتج عليه بعد قوله: الحمد لله، فاعتذر، وقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال، وصلى بحضرة الصحابة. منكر، كما قَالَ ابن العربي
(1)
.
وفي "المبسوط": أن الحجاج أُرْتج عليه بعد قوله: الحمد لله. فقال: يا أيها الناس قد هالني كثرة رءوسكم وإحداقكم إليَّ بأعينكم، وإني لا أجمع عليكم بين الشح والعي، إن لي نعما في بني فلان، فإذا قضيتم الصلاة فانتهبوها، ونزل وصلى، ومعه أنس بن مالك وغيره من الصحابة
(2)
.
وروي عنه أنه كتب إلى الوليد بن عبد الملك يشكو إليه الحصر في الخطبة، وقلة الشهوة للأكل، وضعف شهوة الجماع، فكتب إليه الوليد: إنك إذا خطبت انظر إلى أخريات (النساء)
(3)
، ولا تنظر إلى (ما)
(4)
يكون
= الطاعات وثوابها، والدارقطني 2/ 135 كتاب: الزكاة، باب: الحث على إخراج الصدقة وبيان قسمتها، قال الألباني في "مشكاة المصابيح" (3384): إسناده صحيح.
(1)
قال ابن العربي: وحكى المؤرخون عن عثمان كذبة عظيمة أنه صعد المنبر فأُرْتج منه فقال كلامًا منه: وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال. فيا لله والعقول أن أقلنا اليوم لا يرتج عليه فكيف عثمان لا سيما وأقوى أسباب الحصر في الخطبة أنه لا يدري ما يرمي السامعين ويميل قلوبهم؛ لأنه يقصد الظهور عندهم ومن كان خطبته لله فليس يحصر عن حمد وصلاة وحض على خير وتحذير من شر أي شيء كان ولم يخلق من تحصير إلا من كان له غرض غير الحق فربما أعانه عليه بالفصاحة فتنة وربما خلق له العى تعجيزًا. "عارضة الأحوذي" 2/ 296.
(2)
"المبسوط" 2/ 31.
(3)
كذا بالأصل في "البناية" 3/ 71: الناس.
(4)
كتب فوقها بالأصل: كذا.
بقرب منك، وأكثر ألوان الأطعمة؛ فإنك لو أكلت من كل لون شيئًا يسيرًا اكتفيت، وأكثر السراري؛ فإن لكل واحدة لذة
(1)
.
وعند أبي يوسف ومحمد: لا يجزىُ أقل من مقدار التشهد إلى قوله: عبده ورسوله
(2)
.
وفي "ملتقى البحار": أن يثني على الله ويصلي على نبيه ويدعو للمسلمين.
قَالَ ابن حبيب: وتكون الثانية أقصر من الأولى، قَالَ: وكان صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يقرأ في خطبته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)} إلى قوله: {عَظِيمًا} [الأحزاب:70]. وينبغي أن يقرأ في خطبته الأولى بسورة تامة من قصار المفصل قَالَ: وكان عمر بن عبد العزيز يقرأ تارة بـ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)} ، وتارة بالعصر
(3)
.
وحديث عمار في "صحيح مسلم" أجل في (تقصير)
(4)
الخطبتين، وفيه:"إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّةٌ من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرًا"
(5)
.
ومعنى (مَئِنَّة): علامة، مأخوذ من أنَّ فوزنها: مفعلة، وهي فعيلة من يئن.
(1)
ذكره صاحب "البناية" 3/ 71 من قول السروجي.
(2)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 220.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 472 - 473، "الذخيرة" 2/ 235.
(4)
صورتها في الأصل: (نقر) أو (تفسير).
(5)
مسلم (869) كتاب: الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة.
30 - باب القَعْدَةِ بَيْن الخُطْبَتَين يَوْمَ الجُمُعَةِ
928 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا. [انظر: 920 - مسلم: 861 - فتح: 2/ 406]
ذكر فيه حديث عمر قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا.
هذا الحديث سلف في باب: الخطبة قائمًا
(1)
وشرحه واضحًا.
وقال ابن قدامة: هي مستحبة للاتباع، وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم؛ لأنها جلسة ليس فيها ذكر مشروع، فلم تكن واجبة
(2)
، وصرح إمام الحرمين -من أصحابنا- بأن الطمأنينة بينهما واجبة، وهو خفيف جدًّا قدر قراءة سورة الإخلاص تقريبًا
(3)
، وفي وجه شاذ أنه يكفي السكوت في حق القائم؛ لأنه فصل
(4)
.
وذكر ابن التين أن مقدارها كالجلسة بين السجدتين، وعزاه لابن القاسم، قَالَ: وجهه أنه فصل بين مشتبهين، كالجلوس بين السجدتين. وادعى ابن بطال أن حديث الباب قال على السنية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله، ولم يقل: لا يجزئه غيره؛ لأن عليه فرض البيان، قَالَ: ومن قَالَ بالفرض لا حجة له؛ لأنها فصل بين الذكرين واستراحة للخطيب وليست من الخطبة في شيء، والمفهوم من لسان العرب أن الخطبة اسم للكلام الذي يخطب به لا للجلوس
(5)
.
(1)
سلف برقم (920) كتاب: الجمعة.
(2)
"المغني" 3/ 176.
(3)
انظر: "المجموع" 4/ 384.
(4)
انظر: "روضة الطالبين" 2/ 27.
(5)
"شرح ابن بطال" 2/ 512.
وقال الطحاوي: ولما كان لو خطب قاعدًا جاز ولم يقع بينهما فصل فكذا إذا قام موضع القعود
(1)
، وكل هذا عجيب فما ذكره لا يسلم له.
وقال ابن التين: لا خلاف أن من شأن الخطبة أن تفصل على خطبتين، فإن ترك الثانية لانحصار أو نسيان أو حدث وصلى غيره أجزأهم، وكذلك لو لم يتم الأولى، وأتى منها مما له بال كما سلف.
فرع: هكذا تفصل في غيره من الخطب كالاستسقاء وغيره، أما خطب الحج سواها؛ فكلها فردة إلا التي بنمرة، بقرب عرفة.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 345.
31 - باب الاِسْتِمَاعِ إِلَى الخُطبَةِ
929 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَقَفَتِ المَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَمَثَلُ المُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِى بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِى بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". [3211 - مسلم: 850 - فتح: 2/ 407]
ذكر فيه حديث أبي عبد الله الأغر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا:"إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَقَفَتِ المَلَائِكَةُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأوَّلَ، وَمَثَلُ المُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَاسْتَمَعُوا الذِّكْر".
الشرح:
هذا الحديث ذكره البخاري أيضًا في باب: بدء الخلق كما ستعلمه، بزيادة أبي سلمة مع الأغر
(1)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
و (الأغر) اسمه: سلمان، جهني مولاهم القاص المدني، وأصله من أصبهان، اتفقا عليه
(3)
، وانفرد مسلم بالأغر بن سليك بن حنظلة أبو مسلم الكوفي، روى أيضًا عن أبي هريرة وغيره
(4)
.
(1)
سيأتي برقم (3211) كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة.
(2)
مسلم (850) كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة.
(3)
أبو عبد الله المدني، روى له الجماعة، قال محمد بن سعد: كان ثقة قليل الحديث.
انظر: "الطبقات الكبرى" 5/ 284، و"التاريخ الكبير" 4/ 137 (2238)، و"الجرح والتعديل"4/ 297 (1292).
(4)
قال ابن سعد: لعله نسب إلى جده سليك بن حنظلة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
انظر: "الطبقات الكبرى" 6/ 243، و"الثقات" 4/ 53، و"تهذيب الكمال" 3/ 314 (540)
وهؤلاء غير الحفظة كما نبه عليه ابن التين.
أما فقه الباب: فالإنصات لسماع الخطبة مطلوب بالاتفاق. والجديد الصحيح من مذهب الشافعي أنه لا يحرم الكلام، ويسن الإنصات، وبه قَالَ عروة بن الزبير وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي
(1)
، والثوري وداود. والقديم أنه يحرم، وبه قَالَ مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد
(2)
.
وقال ابن بطال
(3)
: استماع الخطبة واجب وجوب سنة عند أكثر العلماء، ومنهم من جعله فريضة، وروي عن مجاهد أنه قَالَ: لا يجب الإنصات للقرآن إلا في موضعين: في الصلاة، والخطبة. ثم نقل عن أكثر العلماء أن الإنصات واجب على من سمعها ومن لم يسمعها، وأنه قول مالك
(4)
.
وقد قَالَ عثمان: للمنصت الذي لا يسمع من الأجر مثل ما للمنصت الذي يسمع
(5)
. وكان عروة لا يرى بأسًا بالكلام إذا لم يسمع الخطبة، ذكره ابن المنذر
(6)
.
(1)
رواه عبد الرزاق 3/ 226 (5432 - 5433) كتاب: الجمعة، باب: ما يقطع الجمعة. وابن أبي شيبة 1/ 459 (5309 - 5311) كتاب: الصلوات، باب: من لخص في الكلام والإمام يخطب.
وذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 66 - 67، والنووي في "المجموع" 4/ 395.
(2)
انظر: "حلية العلماء" 2/ 229، "روضة الطالبين" 2/ 28، "النوادر والزيادات" 1/ 474، "المعونة" 1/ 166، "المبسوط" 2/ 28، "تبيين الحقائق" 1/ 223، "المغني" 3/ 194.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 513.
(4)
انظر: "المدونة" 1/ 139.
(5)
رواه عبد الرزاق 3/ 213 (5373) كتاب: الجمعة، باب: ما أوجب الإنصات يوم الجمعة، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 69 - 70.
(6)
"الأوسط" 4/ 70.
وقال إبراهيم: إني لأقرأ حزبي إذا لم أسمع الخطبة
(1)
.
وقال أحمد: لا بأس أن يذكر الله ويقرأ من لم يسمع الخطبة
(2)
.
وقال ابن عبد البر: لا خلاف نعلمه بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات لها على من سمعها، واختلف فيمن لم يسمعها.
قَالَ: وجاء في هذا المعنى خلافٌ عن بعض التابعين، فروي عن الشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وأبي بردة أنهم كانوا يتكلمون والإمام يخطب إلا في حين قراءة القرآن في الخطبة خاصة؛ لقوله تعالى:{فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204].
وفعلهم مردود عند أهل العلم، وأحسن أحوالهم أنهم لم يبلغهم الحديث في ذَلِكَ، وهو قوله:"إذا قُلْتَ لصاحبك: أنصت" الحديث
(3)
؛ لأنه حديث انفرد به أهل المدينة، ولا علم لمتقدمي أهل العراق به.
وقال ابن قدامة: يجب الإنصات ويحرم الكلام على الحاضرين.
وكره ذَلِكَ عامة أهل العلم، منهم مالك وأبو حنيفة والأوزاعي، وعن أحمد رواية أخرى: لا يحرم الكلام.
قَالَ: وكان سعيد بن جبير وإبراهيم بن مهاجر وأبو بردة والنخعي والشعبي يتكلمون والحجاج يخطب. وقال بعضهم: إنما لم نؤمر أن ننصت لهذا
(4)
.
(1)
رواه عبد الرزاق 3/ 213 (5374) كتاب: الجمعة، باب: ما أوجب الإنصات يوم الجمعة.
(2)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 71.
(3)
يأتي عن أبي هريرة برقم (934) ورواه مسلم (851).
(4)
"المغني" 3/ 194.
واختلف العلماء في وقت الإنصات، فقال أبو حنيفة: خروج الإمام يقطع الكلام والصلاة جميعًا لقوله: "فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر"
(1)
.
وقالت طائفة: لا يجب الإنصات إلا عند ابتداء الخطبة، ولا بأس بالكلام قبلها، هذا قول مالك والثوري وأبي يوسف ومحمد والأوزاعي والشافعي، حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم:"وينصت إذا تكلم الإمام" ذكره في باب: الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب بعد هذا
(2)
.
وقال صاحب "البداية" من الحنفية: إذا خرج الإمام يوم الجمعة.
أي: صعد على المنبر ترك الناس الصلاة والسلام حتى يفرغ من خطبته، وعندهما: لا بأس بالكلام قبل الشروع فيها، وإذا نزل، قبل أن يكبر
(3)
.
وفي "جوامع الفقه" عند أبي يوسف: يباح الكلام عند جلوسه إذا سكت. وعند محمد: لا يباح
(4)
. وفي "جوامع الفقه" أنه ينصت ولا يقرأ، ولا يصلي نفلًا، ولا يشتغل بالذكر وغيره، ويكره السلام ورده، وتشميت العاطس، والأكل والشرب.
قَالَ: وقال الأوزاعي: إن شرب عند الخطبة بطلت جمعته. وهو قول أحمد، ذكرها ابن المنذر
(5)
، وروى محمد عن أبي يوسف أنهم يردون
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 264 - 265.
(2)
سيأتي برقم (934) كتاب: الجمعة، باب: الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 338، "النوادر والزيادات" 1/ 470.
(3)
"البداية" 1/ 91.
(4)
انظر: "تبيين الحقائق" 1/ 223، "البناية" 3/ 99.
(5)
انظر: "الأوسط" 4/ 73 - 74.
السلام ويشمتون، وهل يرد بعد الفراغ من الخطبة؟ عند محمد: يرده، وعند أبي يوسف: لا. والتشميت مثله، وعن أبي حنيفة: يرد في قلبه ولا يرد بلسانه
(1)
.
وقال الحسن والنخعي والشعبي والحكم وحماد والثوري وأحمد وإسحاق: يرد ويشمت
(2)
.
وقال قتادة: يرد ويسمعه
(3)
.
وقال مالك: لا يشمت سرًّا ولا جهرًا، ولا يرد السلام، ولا يشرب الماء، ويسكت عن التسبيح والإشارة ولا يحصبهم
(4)
.
قَالَ: واختلف المشايخ فيما إذا لم يتكلم بلسانه، ولكنه أشار بيده، أو أومأ برأسه، أو بعينيه بنعم أو لا، أو رأى منكرًا، فمنهم من كره ذَلِكَ كفعل اللسان، والصحيح أنه لا بأس به. وفي "الذخيرة": ويكره الكلام في وقت الخطبة
(5)
.
ومن العلماء من قَالَ: كان السكوت لازمًا في حقهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان بسمعهم ما ينزل عليه من القرآن، بخلاف اليوم؛ لأنه قد يكون في القوم من هو أعلم من الإمام وأورع منه، فلا يلزمه استماع خطبة من هو دونه، ومنهم من قَالَ: مادام في الحمد والثناء على الله والوعظ للناس فعليهم
(1)
انظر: "المبسوط" 2/ 28، "مختصر اختلاف العلماء"1/ 339 - 340.
(2)
رواه عبد الرزاق عن إبراهيم 3/ 227 (5437) كتاب: الجمعة، باب: العطاس يوم الجمعة والإمام يخطب، وابن أبي شيبة 1/ 455 (5258 - 5260)، وذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 72، وانظر:"التمهيد" 5/ 50.
(3)
رواه عبد الرزاق 3/ 227 (5440) كتاب: الجمعة، باب: رد السلام في الجمعة، وذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 72.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 474، "الذخيرة" 2/ 347.
(5)
"الذخيرة" 2/ 346 - 347.
أن يستمعوا، فإذا أخذ في مدح الظلمة والدعاء لهم فليس عليهم أن يستمعوا.
وكان الطحاوي يقول: على القوم أن ينصتوا، فإذا بلغ قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] فحينئذٍ يجب على القوم أن يصلوا عليه
(1)
. والذي عليه عامة المشايخ أن عليهم أن ينصتوا من أولها إلى آخرها.
وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا ذكر الله والرسول استمعوا، ولم يذكروا الله بالثناء عليه، ولم يصلوا على نبيه.
قَالَ ابن المنذر: هذا أحب إليَّ، وهو قول الثوري. وعن أبي يوسف: يصلون عليه سرًا، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق
(2)
، وهذا كله في حق القريب من الإمام، وقال في "الذخيرة": لا رواية في البعيد. وأشار محمد بن سلمة إلى السكوت
(3)
، وكان محمد هذا ونصر بن يحيى يقرءان القرآن، وهكذا رواه حماد عن إبراهيم.
وأما دراسة الفقه وكتابته والنظر فيه، فمن الأصحاب من أباحه، وروي عن أبي يوسف
(4)
. وكان الحكم بن زهير الحنفي الكبير ينظر في الفقه، وكان مولعًا بالتدريس
(5)
.
وفي "المرغيناني": اختلفوا في التسبيح والتهليل للنائي. أي: عن
(1)
انظر: "مختصر إختلاف العلماء" 1/ 333، "المبسوط" 2/ 29، "بدائع الصنائع" 1/ 264.
(2)
"الأوسط" 4/ 81.
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 264.
(4)
انظر: "البحر الرائق" 2/ 272.
(5)
انظر: "المبسوط" 2/ 28، "بدائع الصنائع" 1/ 264.
الإمام، وأجمعوا أنه لا يتكلم بكلام الناس، وأما قراءة القرآن والذكر والفقه فقال بعضهم: الاشتغال بقراءة القرآن والذكر أفضل من الإنصات. وقال بعضهم: الإنصات أفضل
(1)
.
وأما دراسة العلم فالنظر في كتبه وكتابته، فمن الأصحاب من كره ذَلِكَ، ومنهم من قَالَ: لا بأس به إذا كان لا يسمع الخطبة.
وقال ابن قدامة: لا فرق بين البعيد والقريب، وللبعيد أن يقرأ القرآن، ويذكر الله ويصلي على نبيه، ولا يرفع صوته.
قَالَ أحمد: لا بأس بالصلاة عليه سرًّا. قَالَ: ورخص له في القراءة والذكر عطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشافعي، وليس له أن يرفع صوته ولا يذاكر في الفقه ولا يصلي ولا يجلس في حلقة. وذكر ابن عقيل أن له المذاكرة في الفقه، وصلاة النافلة
(2)
.
وأما تفاريع مذهب الشافعي وتحريره وفاقًا وخلافًا، فلو سردناه هنا طال وخرج عن موضوعه، وقد حررناه في "شرح المنهاج" وغيره فليراجع منه.
قَالَ أبو محمد ابن حزم: وفرض على كل من حضر الجمعة -سمع الخطبة أم لم يسمع- أن لا يتكلم مدة خطبة الإمام بشيء (البتة)
(3)
إلا التسليم ورد السلام، وحمد الله إن عطس، ويشمت إن حمد، والرد على المشمت، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر الخطيب بالصلاة عليه، والتأمين على دعائه، وابتداء مخاطبة الإمام في
(1)
انظر: "التجنيس والمزيد" 2/ 188.
(2)
"المغني" 3/ 196 - 197.
(3)
في الأصل: كلمتان غير مقروءتين، والمثبت من "المحلى".
الحاجة، ومجاوبة الإمام فيمن ابتدأه الإمام بالكلام في أمر ما فقط، ولا يحل أن يقول أحد حينئذٍ لمن يتكلم: أنصت، ولكن يشير إليه أو يغمزه أو يحصبه.
ومن تكلم بغير ما ذكرنا ذاكرًا عالمًا بالنهي فلا جمعة له، فإن أدخل الخطيب في خطبته ما ليس من ذكر الله ولا من الدعاء المأمور به فالكلام مباح حينئذٍ، وكذلك إذا جلس بين الخطبتين وبين الخطبة وابتداء الصلاة
(1)
وهذا جمود منه كعوائده.
استدل من قَالَ بالاستماع بقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وبهذا الحديث في استماع الملائكة الخطبة حض على الاستماع لها والإنصات.
وفي قوله: ("فإذا خرج الإمام طويت الصحف، واستمعوا الخطبة")
دلالة على أنه لا عمل إذا خرج الإمام إلا ذَلِكَ لطي الصحف فيما عداه.
ونهى عن الكلام عثمان وابن عمر
(2)
.
وقال ابن مسعود: إذا رأيته يتكلم والإمام يخطب فاقرع رأسه بالعصى
(3)
، وبالحديث الآتي -إن شاء الله-:"فَقَدْ لَغَوْتَ"
(4)
وبما روي عن أبيٍّ بن كعب أنه صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة {تَبَارَكَ} فذكرنا بأيام الله، وأبو الدرداء
(5)
يغمزني، فقال: متى أنزلت؟ فإني لم أسمعها
(1)
"المحلى" 5/ 61 - 62.
(2)
رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر 1/ 451 (5297) كتاب الصلوات، باب: في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 69.
(3)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 66.
(4)
حديث (934).
(5)
في هامش الأصل: أبو ذر.
إلا الآن، فأشار إليه أن اسكت، فلما انصرفوا قَالَ: سألتك: متى أنزلت هذه السورة؟ فلم تخبرني. قَالَ أبيٌّ: ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له ذَلِكَ، وأخبره بما قَالَ، فقال صلى الله عليه وسلم:"صدق أبيُّ" رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي، وقال: إسناده صحيحٌ
(1)
.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة نحوه
(2)
، وعن ابن عباس مرفوعًا: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار
(1)
"مسند أحمد" 5/ 143، "سنن ابن ماجه"(1111) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي بن كعب، به.
قال البوصيري في "الزوائد"(367): إسناد صحيح رجاله ثقات. وقال الألباني في "الإرواء" 3/ 80: إسناده جيد.
وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(912).
أما البيهقي فرواه في "السنن" 3/ 219 - 220 من طريق محمد بن جعفر بن أبي كثير، عن شريك، عن عطاء، عن أبي ذر، به. فجعله من مسند أبي ذر، لا أبي. وبنحوه صححه ابن خزيمة 3/ 154 - 155 (1807 - 1808)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 287 - 288 فقال: صحيح على شرط الشيخين و 2/ 229 - 230 وقال: إسناده صحيح.
وكذا صححه النووي في "الخلاصة" 2/ 804 - 805.
وقال البيهقي -كما ذكره المصنف- في "المعرفة" 4/ 379: إسناده صحيح.
لكن قال الذهبي في "التلخيص" 1/ 287: ما أحسب عطاء أدرك أبا ذر. وقال في "المهذب" 3/ 1148 (5187): حديث مرسل؛ فإن عطاء لم يدرك أبا ذر.
وإلي هذا أشار الحافظ، فإنه ذكر الحديث في "الإتحاف" 14/ 173 (17585) وعزاه لابن خريمة والحاكم. وقال: أظن فيه انقطاعًا.
(2)
"المصنف" 1/ 458 (5295) كتاب: الصلوات، باب: في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب. ورواه أيضًا البيهقي 3/ 220.
يحمل أسفارًا"
(1)
رواه ابن أبي خيثمة.
وذكر ابن حزم أن ثلاثة من الصحابة يبطلون صلاة من تكلم عامدًا في الخطبة: أبيٌّ، وابن عمر، وابن مسعود. قَالَ: وبه نقول؛ وعليه إعادتها في الوقت؛ لأنه لم يصلها
(2)
.
وقالوا: لأن الخطبة بدل من الركعتين، فحرم فيهما الكلام كالصلاة.
استدل من قَالَ بالإباحة بالأحاديث الصحيحة المشهورة أنه صلى الله عليه وسلم تكلم في خطبته يوم الجمعة مرات.
وبحديث أنس: دخل رجل المسجد والشعبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ فأشار الناس إليه أن اسكت، فسأله ثلاث مرات، كل ذَلِكَ يشيرون إليه أن اسكت، فقال له صلى الله عليه وسلم:"ويحك، ما أعددت لها؟ " رواه البيهقي بإسنادٍ صحيح
(3)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 458 (3505)، وأحمد 1/ 230، والطبراني 12/ 90 (12563)، والبزار كما في "كشف الأستار"(644) من طريق ابن نمير، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس.
قال الحافظ ابن كثير -طيب الله ثراه- في "إرشاد الفقيه" 1/ 201: إسناده حسن، وإن كان قد تكلم في مجالد من قبل حفظه. وقال الحافظ في "بلوغ المرام" (479): رواه أحمد بإسناد لا بأس به.
لكن الحديث ضعفه الألباني في "الضعيفة"(1760)، وفي "ضعيف الجامع"(5238)، وفي "ضعيف الترغيب"(440)، وفي "المشكاة"(1397)، وفي "تمام المنة" ص 337 - 338. وفي الأخير تعقيب على كلام الحافظ.
(2)
"المحلى" 5/ 63.
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 221 كتاب: الجمعة، باب: الإشارة بالسكوت دون التكلم.
وصحح النووي إسناده في "المجموع" 4/ 396، وفي "الخلاصة" 2/ 806 (2841).
وعن أنس: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال .. الحديث أخرجاه
(1)
.
(1)
سيأتي برقم (933) كتاب: الجمعة، باب: الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة، ومسلم (897) كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: الدعاء في الاستسقاء.
32 - باب إِذَا رَأَى الإِمَامُ رَجُلًا جَاءَ وَهوَ يَخطُبُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْن
.
930 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ:"أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ ". قَالَ لَا. قَالَ "قُمْ فَارْكَعْ". [931، 1166 - مسلم: 875 - فتح: 2/ 407]
ذكر فيه حديث جابر بن عبد الله قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ:"أَصَليْتَ يَا فُلَانُ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: "قُمْ فاركع ركعتين".
33 - باب مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخطُبُ صَلَّى رَكعَتَين خَفِيفَتَيْنِ
931 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، فَقَالَ:"أَصَلَّيْتَ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: "فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ". [انظر: 930 - مسلم: 875 - فتح: 2/ 412]
ذكر فيه حديث جابر المذكور وليس فيه: خفيفتين.
وأخرجه في التطوع مثنى مثنى
(1)
، وأخرجه مسلم وباقي الجماعة
(2)
، وشيخ البخاري في الأول أبو النعمان، وهو محمد بن الفضل السدوسي، ولقبه عارم، تغير بأَخَرَةٍ. قَالَ البخاري: جاءنا نعيه سنة أربع وعشرين ومائتين
(3)
. وروى مسلم عن جماعة عنه.
وشيخه في الثاني: علي بن عبد الله -وهو ابن المديني- روى عن سفيان -وهو ابن عيينة- ورواه الحسن عن جابر، كما أخرجه الترمذي، ورواه ابن ماجه بنحوه، ورواه جابر عن سليك بن هدبة الغطفاني كما أفاده المنذري
(4)
، ورواه الترمذي مصححًا من حديث
(1)
سيأتي برقم (1166) كتاب: التهجد، باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى.
(2)
مسلم (875) كتاب: الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب، و"سنن أبي داود" (1115) كتاب: الصلاة، باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب، و"سنن الترمذي" (510) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب، و"سنن النسائي" 3/ 107 كتاب: الجمعة، باب: كيف الخطبة، "سنن ابن ماجة" (1112) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب.
(3)
انظر: "التاريخ الكبير" 1/ 208 (564).
(4)
انظر: "مختصر سنن أبي داود" 2/ 22 - 23.
أبي سعيد الخدري وأنه جاء في هيئة بذة
(1)
، وفي رواية يحيى بن سعيد القطان: أمرته أن يصلي ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له رجلٌ فيتصدق عليه. ورواه أبو داود من حديث أبي سفيان، عن جابر وأبي صالح، عن أبي هريرة قالا: جاء سليك .. الحديث. وفيه: " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليركع ركعتين"
(2)
، وفي مسلم:"قم فاركع ركعتين تجوز فيهما"
(3)
وإليه إشار البخاري في الترجمة بقوله: صلى ركعتين خفيفتين.
وفي رواية له أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وأنه جلس قبل أن يصلي، فقال له:"قم فاركع" وفي رواية له: "إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما"
(4)
.
وفي ابن ماجه: "أصليت ركعتين قبل أن تجيء؟ " قَالَ: لا، قَالَ:"فصل ركعتين وتجوز فيهما"
(5)
وفي رواية للدارقطني من حديث أنس: وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته
(6)
.
(1)
"سنن الترمذي"(511) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب، قال: حديث حسن صحيح، قال الألباني في "صحيح الترمذي": حسن صحيح.
(2)
"سنن أبي داود"(1116) كتاب: الصلاة، باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب، قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1022): إسناده صحيح.
(3)
مسلم (875/ 59).
(4)
مسلم (875) كتاب: الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب.
(5)
"سنن ابن ماجه"(1114) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب.
(6)
"سنن الدارقطني" 2/ 15 كتاب: الجمعة، باب: في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب.
قَالَ: والصواب إرساله. وفي رواية له من حديث مجاهد عن جابر: "اركع ركعتين ولا تعد لمثل هذا" قَالَ: فركعهما ثم جلس
(1)
.
ولابن حبان في حديث أبي سعيد السالف: ثم حث الناس على الصدقة، فألقوا ثيابًا فأعطاه منها ثوبين، وأنه جاء في الجمعة الأخرى وطرح أحد ثوبيه لما أمر صلى الله عليه وسلم بالصدقة. وخرجه ابن خزيمة، وصححه الحاكم على شرط الشيخين
(2)
.
وفي "صحيح ابن حبان" أنه أمره بأن يصلي ركعتين في ثاني جمعة وثالثها
(3)
. وحديث: "إذا صعد الإمام المنبر لا تصلوا والإمام يخطب" واهٍ
(4)
.
وفي "الأسرار" من كتب الحنفية عن الشعبي عن ابن عمر مرفوعًا: "إذا صعد إلامام المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ" والصحيح من الرواية: "إذا جاء أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولاكلام"
(5)
.
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 16 كتاب: الجمعة ومن تجب عليه، باب: في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب.
(2)
"صحيح ابن حبان" 6/ 249 - 205 (2503)، (2505) كتاب: الصلاة، باب: النوافل، و"صحيح ابن خزيمة" 4/ 114 (2481) كتاب: الزكاة، باب: التغليظ في مسألة الغني الصدقة، و"المستدرك" 1/ 285، وقال: صحيح على شرط مسلم وهو شاهد للحديث الذي قبله.
(3)
"صحيح ابن حبان" 6/ 249 (2503) كتاب: الصلاة، باب: النوافل.
(4)
قال ابن حجر في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية" 1/ 216 - 217: أخرجه أبو سعيد الماليني فيما ذكره عبد الحق، وإسناده واه.
(5)
ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 184 من حديث ابن عمر وقال: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه أيوب بن نهيك، وهو متروك ضعفه جماعة، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ.
وحديث ابن عمر يرفعه: "من دخل المسجد يوم الجمعة فصلى أربع ركعات قرأ في كل ركعة الفاتحة وخمسين مرة {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} فذلك مائة مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له" ذكره الدارقطني في "غرائبه" وضعفه.
إذا تقرر ذَلِكَ، فاختلف العلماء فيمن دخل يوم الجمعة والإمام يخطب.
ومذهبنا أنه يستحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويخففهما، ويكره له تركها، وبه قَالَ الحسن البصري ومكحول وعبد الله بن يزيد وابن عيينة وأبو ثور والحميدي وأحمد وإسحاق وابن المنذر وداود وآخرون
(1)
.
قَالَ الترمذي: العمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعضهم: إذا دخل والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، والقول الأول أصح
(2)
، وذكر ابن عبد البر أن الطبري قَالَ كذلك -يعني: بالصلاة
(3)
- ورواه ابن العربي عن محمد بن الحسن عن مالك
(4)
.
وقال عطاء بن أبي رباح وشريح وعروة وابن سيرين والنخعي وقتادة
(1)
روى بعض هذِه الآثار ابن شيبة 1/ 447 (5162، 5164، 5165) كتاب: الصلاة، باب: في الرجل يحيى يوم الجمعة والإمام، وانظر:"المجموع" 4/ 429، "المحلى" 5/ 68.
(2)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (511) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب.
(3)
"الاستذكار" 2/ 25.
(4)
"عارضة الأحوذي" 2/ 299.
ومالك والليث والثوري والشعبي وأبو حنيفة وسعيد بن عبد العزيز: لا يصلي شيئًا
(1)
.
وقال أبو مجلز: هو غير بين الصلاة وتركها جمعًا بين الأحاديث
(2)
.
وقال الأوزاعي: إن كان صلاهما في بيته جلس، وإلا ركعهما والإمام يخطب عملًا بالرواية السالفة:"أصليت قبل أن تجيء؟ "
(3)
واحتج من يرى الصلاة بحديث سليك هذا، وبعموم:"إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين"
(4)
أو بغيره من الأحاديث السالفة، وحمله على غير هذه الحالة بعيد.
قَالَ ابن حزم: ولولا البرهان (بأن)
(5)
لا فرض غير الخمس، لكانت هاتان فرضًا، ولكنهما في غاية التأكيد، ولا شيء من السنن أوكد منهما؛ لتردد أمره صلى الله عليه وسلم
(6)
بهما.
احتج من منع -ونقل ابن بطال أنه قول جمهور أهل العلم
(7)
، وذكره ابن أبي شيبة عن عمر وعثمان وعليٍّ وابن عباس
(8)
- بقول ابن شهاب:
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 337، "عيون المجالس" 1/ 416، "الأوسط" 4/ 95.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 447 (5166).
(3)
انظر: "الأوسط" 4/ 95.
(4)
سبق برقم (444) كتاب: الصلاة، باب: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين.
(5)
كذا في الأصل، وفي "المحلى": ولولا البرهان الذي قد ذكرنا من قبل بأن لا فرض إلا الخمس.
(6)
"المحلى" 5/ 69.
(7)
"شرح ابن بطال" 2/ 514.
(8)
"المصنف" 1/ 447 - 448 (5167)، (5173)، (5175) كتاب: الصلوات، باب من كان يقول: إذا خطب الإمام فلا تصل، وانظر:"شرح ابن بطال" 2/ 514 - 515.
خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام
(1)
. وروي عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، أنصتنا فلم يتكلم منا أحد
(2)
.
وفي "الإكمال" لعياض أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يمنعون من الصلاة عند الخطبة
(3)
، وقال ابن بزيزة: هو مروي عن الخلفاء الثلاثة: عمر وعثمان وعلي، وفي كتاب "اللباب" روى علي بن عاصم عن خالد الحذاء أن أبا قلابة جاء يوم الجمعة والإمام يخطب فجلس ولم يصل، وروي عن عقبة بن عامر: الصلاة والإمام على المنبر معصية
(4)
.
واحتج أيضًا بالحديث الذي فيه أن رجلًا جاء يتخطى رقاب الناس، فقال له:"اجلس فقد آذيت" فأمره بالجلوس، وقيل دون الصلاة
(5)
.
(1)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 170 (440) كتاب: الجمعة، باب: في الإنصات يوم الجمعة.
(2)
رواه مالك في "الموطأ" 1/ 170 (439) كتاب: الجمعة، باب: في الإنصات يوم الجمعة، وابن أبي شيبة 1/ 448 (5173)، و 1/ 458 (5296) كتاب: الصلوات، باب: في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب.
(3)
"إكمال المعلم" 3/ 278، وفيه: عمر وعثمان وعلي، وليس فيها أبو بكر.
(4)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 370.
(5)
رواه أبو داود (1118) كتاب: الصلاة، باب: تخطي رقاب الناس يوم الجمعة، السائي 3/ 103 كتاب: الجمعة، باب: النهي عن تخطي رقاب الناس والإمام على المنبر يوم الجمعة، وأحمد 4/ 188، 190، ابن الجارود في "المنتقى" 1/ 256 (294) كتاب: الصلاة، باب: الجمعة، وابن خزيمة في "صحيحه" 3/ 156 (1811) كتاب: الجمعة، باب: النهي عن تخطي الناس يوم الجمعة والإمام يخطب وإباحة زجر الإمام عن ذلك في خطبته، والطحاوي في "معاني الآثار" 1/ 366، وابن حبان في "صحيحه" 7/ 29 - 30 (2790) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الجمعة. =
وذكر سَنَدٌ في كتاب "الطراز": وترك الخطباء الركوع إذا خرجوا لحاجة الخطبة، ولم ينقل عن الشارع أنه ركع قبلها في المسجد، فكذا الحاجة للاستماع والإنصات.
وقال ابن العربي: الصلاة حين ذاك حرام من ثلاثة أوجه: الآية، فكيف يترك الفرض الذي شرع الإمام فيه إذا دخل عليه فيه، ويشتغل بغير فرض، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ:"إذا قُلْتَ لصاحبك: أنصت فقد لغوت"
(1)
، فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -الأصلان المفروضان الركنان في الملة- يحرمان حال الخطبة، فالنفل أولى بالتحريم، ولو دخل والإمام في صلاة لم يركع، والخطبة صلاة؛ إذ يحرم فيها من الكلام والعمل ما يحرم في الصلاة.
قَالَ: وأما حديث سليك فلا يعترض على هذه الأصول من أربعة أوجه:
أولها: فلأنه خبرُ واحدٍ (تعارضه)
(2)
أخبار أقوى منه، وأصول من القرآن والشريعة فوجب تركه.
ثانيها: يحتمل أنه كان في وقت كان الكلام مباحًا في الصلاة؛ لأنا لا نعلم تاريخه، فكان مباحًا في الخطبة، فلما حرم بالخطبة الأمر
= والحاكم في "المستدرك" 1/ 288 كتاب: الجمعة. قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه، ووافقه الذهبي، والبيهقي 3/ 231 كتاب: الجمعة، باب: لا يتخطى رقاب الناس من حديث عبد الله بن بسر.
قال الألباني في "صحيح أبي داود"(1024): صحيح على شرط مسلم وقد تقدم تخريج هذا الحديث بأفضل من ذلك.
(1)
سيأتي برقم (934) كتاب: الجمعة، باب: الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب.
(2)
في الأصل: (فلا تعارضه)، وفي "العارضة"(فلا) غير مثبتة، والسياق يقتضي حذفها.
بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو آكد فرضية من الاستماع فأولى أن يحرم ما ليس بفرض.
الثالث: أن الشارع كلم سليكا وقال له: "قم فصل" فلما كلمه وأمره سقط عنه فرض الاستماع، إذ لم يكن هنالك قولٌ ذَلِكَ الوقت (إلا)
(1)
منه صلى الله عليه وسلم إلا مخاطبته له وسؤاله وأمره.
الرابع: أن سليكا كان ذا بذاذة وفقر، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يشهره؛ ليُرى حاله
(2)
.
وكذا سلف في رواية، وكذا قَالَ الداودي: إنما فعل ذَلِكَ به ليُتَصَدَّقَ عليه، قَالَ: وفي الحديث أنهم كسوه ثوبين فأمر صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فقام الرجل فألقى أحد الثوبين، فنهاه وأمره بإمساكه.
وهذا من الأمور التي يفعلها الإمام في الخطبة؛ ورده ابن التين بالحديث، ولو كان كما ذكره لما سأله:"هل صليت؟ ".
وقال الطحاوي: يجوز أنه لما أمره قطع خطبته ثم استأنف، ويجوز أن يكون بني عليها. قَالَ: ومن الدليل على أن ذَلِكَ كان وقت إباحة الكلام في خطبته أنه ذكر في حديث أبي سعيد الخدري، فذكر ما سلف، قَالَ: ولا نعلم خلافًا أن مثل هذا الكلام محظور في الخطبة لأمره فيها بالإنصات
(3)
.
وعند ابن بزيزة: رأى بعض المالكية أن قصة سليك قضية عين
(4)
، وأراد صلى الله عليه وسلم أن يراه الناس فيتصدقوا عليه.
(1)
كذا بالأصل وهي زيادة ليست من كلام ابن العربي.
(2)
"عارضة الأحوذي" 2/ 299 - 302.
(3)
"شرح معاني الآثار" 1/ 366.
(4)
انظر: "الذخيرة" 2/ 346.
قَالَ: وقد قيل: إنَّ ترك الركوع سنة ماضية، وعمل مستفيض في زمن الخلفاء، واستدلوا أيضًا بحديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا:"لا تصلوا والإمام يخطب"
(1)
قَالَ: وذكر الدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لسليك: "اركع ركعتين ولا تعد لمثل هذا"
(2)
وقد سلف مع رواية الإمساك أيضًا، واستدلوا أيضًا بواقعة عثمان حين دخل وعمر يخطب، وإنكار عمر عليه في ترك الغسل فقط
(3)
، ولم ينقل أمره بالركعتين، ولا نقل أنه
(1)
هذا الحديث لم أقف عليه بهذا اللفظ مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبي سعيد الخدري، وما وقفت عليه مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبي سعيد الخدري مخالف لذلك ولفظه: أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب فقال:"صل ركعتين" ثم جاء الجمعة اثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال:"صل ركعتين" الحديث وهذا اللفظ للنسائي رواه أبو داود (1675) كتاب: الزكاة، باب: الرجل يخرج من ماله. والترمذي (511) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الركعتين، وقال: حديث أبي سعيد الخدري حديث حسن صحيح؛ والنسائي 5/ 63، كتاب: الزكاة، باب: إذا تصدق وهو محتاج إليه هل يرد عليه.
وابن ماجه (1113) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب، وأحمد 3/ 25، وأبو يعلى 2/ 279 (994)، وابن خزيمة 3/ 15 (799) كتاب: الجمعة، باب: أمر الإمام الناس في خطبة يوم الجمعة بالصدقة، إذا رأى حاجة وفقرًا، والبيهقي في "الكبرى" 3/ 194 (5693) كتاب: الجمعة، باب: من دخل المسجد يوم الجمعة والإمام على المنبر ولم يركع ركع ركعتين. أما هذا اللفظ فقد عزاه الزيلعي في "نصب الراية" 2/ 204 لأبي سعيد الماليني في كتابه عن محمد بن أبي مطيع عن أبيه عن محمد بن جابر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي.
قال ابن القطان: وأبو سعيد الماليني اسمه: أحمد بن محمد وهو الذي روى عن ابن عدي كتابه "الكامل". اهـ
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 16 كتاب: الجمعة، ومن تجب عليه، باب: في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب.
(3)
سلفت برقم (882) كتاب: الجمعة، باب: فضل الجمعة.
صلاهما، وأجابوا عن حديث سليك بأنه لا دلالة فيه؛ لأن عندهم فوات التحية بالجلوس، خلافًا لأبي حنيفة.
وفي "المدونة" أن الإمام إذا دخل قبل أن يحرم المتنفل يجلس لقربه، وخوف الفوت
(1)
. وفي "المختصر": الصلاة جائزة إلى أن يجلس على المنبر، وإن دخل بعد جلوسه والمؤذن يؤذن جلس، فإن أحرم ساهيًا أو جاهلًا، ففي الإتمام قولان عن مالك
(2)
.
وفي الحديث حجة لمن أجاز للخطيب يوم الجمعة أن يتكلم في خطبته بما عرض له من كلام من غير جنس الخطبة ما فيه نفع للناس وتعليم لهم، وقد روي عن علي ذَلِكَ حين تخطى الأشعث بن قيس رقاب الناس، ذكره الطبري.
وفي "المدونة": جائز أن يتكلم الإمام في خطبته لأمرٍ أو نهيٍ ولا يكون لاغيًا، ومن كلمه الإمام فرد عليه لم يكن لاغيًا
(3)
(4)
.
(1)
"المدونة الكبرى" 1/ 138.
(2)
انظر: "الذخيرة" 2/ 346، "النوادر والزيادات" 1/ 470.
(3)
"المدونة الكبرى" 1/ 140.
(4)
ورد بهامش الأصل: بلغ في الخامس بعد الثمانين، كتبه مؤلفه غفر الله له.
وبعده تعليق على سماع وهو: من أوله إلى هنا سمع الإمام عز الدين الحاضري. اهـ
وبعده تعليق آخر: آخر 4 من 4 من تجزئة المصنف.
34 - باب رَفْعِ اليَدَيْنِ فِي الخُطْبَةِ
932 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ يُونُسَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ الكُرَاعُ، وَهَلَكَ الشَّاءُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. [933، 1013، 1014، 1015، 1016، 1017، 1018، 1019، 1021، 1029، 1033، 3582، 6093، 6342 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 412]
ذكر فيه عن أنس: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةِ .. الحديث.
وترجم له:
35 - باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي الخُطْبَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ
933 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ المَالُ، وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الغَدِ، وَبَعْدَ الغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ -أَوْ قَالَ غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا". فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ المَدِينَةُ مِثْلَ الجَوْبَةِ، وَسَالَ الوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِيءْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالجَوْدِ. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 413]
وزاد فيه: في باب من تمطر بالمطر: حَتَّى سالَ الوَاْدِي -وَادِي قَنَاةَ- شَهْرًا. وَلَمْ يَجِيءْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلا حَدَّثَ بِالجَوْدِ.
الشرح:
هذا الحديث ذكره البخاري مطولًا ومختصرًا في مواضع هنا، وفي الاستسقاء وعلامات النبوة
(1)
والاستئذان
(2)
، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضًا
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (1013) باب: الاستسقاء في المسجد الجامع، وبرقم (3582) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
(2)
ليس فيه، وإنما هو في الدعوات برقم (6342) باب الدعاء غير مستقبل القبلة، وفي الأدب قبله (6093) باب التبسم والضحك.
(3)
رواه مسلم (897) كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: الدعاء في الاستسقاء، وأبو
داود (1174) كتاب: الصلاة، ب باب: رفع اليدين في الاستسقاء. والنسائي 3/ =
و (ثابت) راويه، هو ابن أسلم البناني، وعبد العزيز الراوي عن أنس هو ابن صهيب، وحماد هو ابن زيد، ويونس هو ابن عبيد.
والأوزاعي اسمه عبد الرحمن بن عمرو بن محمد، الإمام.
قيل: روى عن مالك، وعنه مالك.
وقوله: (إِذْ قَامَ رَجُلٌ). وفي رواية الحديث الذي بعده: قَالَ أعرابي.
وفي أخرى: فقام بعض المسلمين
(1)
. وفي أخرى: جاء من نحو دار القضاء
(2)
.
وفي أخرى تأتي في الاستسقاء: فقام الناس فصاحوا: يا رسول الله، قحط المطر
(3)
.
وقوله: (هَلَكَ الكُرَاعُ). هو بضم الكاف، وهو اسم لجميع الخيل، قاله الجوهري
(4)
. قَالَ ابن قرقول: وضبطه بعضهم عن الأصيلي بكسر الكاف، وهو خطأ.
وقوله: (هَلَكَ الشَّاءُ). الشاء: جمع كثرة، وشياه بالهاء من ثلاث إلى عشر، فإذا جاوز العشر فبالتاء، فإذا كثرت قُلْتَ: شاء كثيرة، وجمع شاء
= 166 - 167 كتاب: الاستسقاء، باب: رفع الإمام يديه عد مسأله إمساك المطر.
(1)
رواها النسائي 3/ 165 - 166 كتاب: الاستسقاء، باب: مسألة الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره، والبخاري في:"الأدب المفرد" ص 209 (612) باب: رفع الأيدي في الدعاء، وابن حبان في "صحيحه" 7/ 107 (2859) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الاستسقاء.
(2)
ستأتي برقم (1014) كتاب: الاستسقاء، باب: الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة.
(3)
ستأتي برقم (1021) كتاب: الاستسقاء، باب: الدعاء إذا كثر المطر حوالينا لا علينا.
(4)
"الصحاح" 3/ 1276.
شوى، إنما كان شاء جمع شاة مثل تمرة وتمر؛ لأن أجل شاة: شاهة، ظهرت الهاء في الجمع؛ لأن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها، وأبدل من الهاء همزة.
وقال ابن الأثير: جمع النساء: شياه وشياء وشوى، (وجمعها)
(1)
: شويهة وشوية، وعينها واو، وإنما انقلبت في شياه لكسرة الشين.
وهلاكها بسبب عدم الرعى
(2)
.
وقوله: (أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ). أي: شدة وجهد وجدب، وهو من قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} [الأعراف: 130]
و (المال) هنا وما بعده: الحيوان كذا فسره في حديث "الموطأ": هلكت إذ لم تجد ما ترعى
(3)
.
و (القَزَعة) بفتح القاف والزاي: القطعة من السحاب.
وقيل: قطع دقاق متفرقات، ومنه قزعُ الشَّعْرِ المنهي عنه، وهو ما ذكره ابن التين، والجمع: قُزع.
قَالَ: وقيل: القطعة الدقيقة من السحاب كأنها ظل يمر من تحت السحاب، والجمع: قزع. كقصبة وقصب.
وقال أبو عبيد: وأكثر ما يكون ذَلِكَ في الخريف
(4)
.
وقوله: (ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ). أي: لكثرتها وسيرها وتحادر المطر؛ لأن السقف لم يكن يرده.
(1)
كذا بالأصول، ولعله يقصد:(وتصغيرها).
(2)
"النهاية في غريب الحديث" 2/ 521.
(3)
"الموطأ" 1/ 240 (611) كتاب: الجمعة، باب: صلاة الاستسقاء.
(4)
"غريب الحديث" 1/ 115.
وقوله: (وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ). قَالَ ابن التين: بيَّن في حديث أيوب أنه ذكر ذَلِكَ الرجل بعد هذا.
وقوله: ("حَوَالَيْنَا") بفتح اللام، ولا يجوز كسرها، وفيه إضمار. أي: أمطر حوالينا. أي: حولنا وما دار بنا. وفي رواية: "حولنا"
(1)
وبين صلى الله عليه وسلم الحوالي بقوله: "على الآكام" إلى آخره كما ستعلمه في بابه
(2)
.
(الجَوْبَة) -بفتح الجيم، وإسكان الواو، ثم باء موحدة- الفجوة.
وقال أبو عبد الملك: أي: الجيب. وفي حديث آخر: مثل الإكليل
(3)
. أي: دار بها السحاب، وكذا قَالَ ابن القاسم في معنى حديث مالك: انجابت عن المدينة انجياب الثوب، أي: تدورت كما يدور جيب القميص.
وقال ابن وهب: معناه: انقطعت عن المدينة كما يقطع الثوب. وقال ابن شعبان: خرجت عن المدينة كما يخرج الجيب عن الثوب.
وقال الداودي: مثل الجوبة. أي: صارت مستديرة كالحوض المستدير، وأحاطت بها المياه، ومنه قوله تعالى:{وَجِفَانٍ كَالجَوَابِ} [سبأ:13].
قَالَ ابن التين: وهذا عندي وَهَمٌ؛ لأن اشتقاق الجابية من جبا العين، فيكون اسم الفعلة منه: جبوة. وإنما هو من جاب يجوب إذا قطع، من قوله تعالى:{جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ} [الفجر: 9] فالعين منه واو فتكون الفعلة منه جوبة كما في الحديث.
(1)
مسلم (897) كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: الدعاء في الاستسقاء.
(2)
ستأتي برقم (1013) كتاب: الاستسقاء، باب: الاستسقاء في المسجد الجامع.
(3)
سيأتي برقم (1021) كتاب: الاستسقاء، باب: الدعاء إذا كثر المطر حوالينا ولا علينا.
وقال الجوهري: (الجَوْبَةِ): الفرجة من السحاب والجبال
(1)
، وقد أسلفناه.
وقال ابن فارس: الجوبة كالغائط من الأرض
(2)
.
وقال الخطابي: هي الترس
(3)
، وفي حديث آخر: فبقيت المدينة كالترس؛ قال: والجوبة أيضًا: الوهدة المنقطعة عمّا علا من الأرض، وهذا نحو ما ذكر ابن فارس
(4)
.
و (قَنَاةُ) بفتح القاف: اسم لواد من أودية المدينة
(5)
.
و (الجَوْد): المطر الكثير. والقناة: مجمع الماء. وقيل: القناة: اسم الوادي، لم يصرفه؛ لأنه معرفة بدل معرفة.
وفي أبواب الاستسقاء: حتى سال وادي قناة
(6)
غير مصروف أيضًا؛ لأن قناة معرفة، وهي اسم للبقعة لا ينصرف.
وأما أحكام البابين ففيه ما ترجم له، وهو رفع اليدين في الخطبة، وسؤال الغيث، وذلك عند الضراعة إلى الله والتذلل له.
ويأتي في الاستسقاء حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه
(7)
.
(1)
"الصحاح" 1/ 104.
(2)
"المجمل" 1/ 202.
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 585.
(4)
"المجمل" 1/ 102.
(5)
انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 1096، و"معجم البلدان" 4/ 401.
(6)
ستأتي برقم (1033) باب: من تمطر في المطر حتى يتحادر على لحيته.
(7)
سيأتي برقم (1031) كتاب: الاستسقاء، باب: رفع الإمام يده في الاستسقاء.
وليؤول على إرادة الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه؛ إلا في هذا الموضع، فإنه قد ثبت رفع يديه في مواطن غيره، ويجوز أن يكون المراد: لم أره يرفع ورآه غيره، فقدم المثبت.
وقد استحب جماعة من العلماء الرفع في الدعاء، وعن مالك كراهته، ونقل ابن بطال عنه أنه كان لا يرى الرفع إلا في خطبة الاستسقاء
(1)
.
واختلف في كيفية الرفع، فاختار مالك الإشارة بظهر كفيه إلى السماء كما جاء في الحديث في مسلم
(2)
، وقيل: ببطنهما، وهو رفع الرغب والطلب
(3)
.
وقال جماعة من العلماء من أصحابنا وغيرهم: السنة في كل دعاءٍ لدفع بلاءٍ كالقحط ونحوه كالأول. فإن كان لنوال شيء وتحصيله فالثاني.
وعن أبي يوسف: إن شاء رفع يديه في الدعاء، وإن شاء أشار بإصبعه. وفي "المحيط" و"القنية": بإصبعه السبابة
(4)
.
وفي "التجريد": من يده اليمنى.
وفيه: الاستسقاء بالدعاء بدون صلاة، وهو أحد أنواعه ولا يستدل به على عدم مشروعية الصلاة
(5)
، وإن استدل به جماعة فإنه فعل أحد أنواعه.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 518، وانظر:"النوادر والزيادات" 1/ 514.
(2)
مسلم (896) كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 513 - 514، "الذخيرة" 2/ 435.
(4)
انظر: "المبسوط" 2/ 77، "بدائع الصنائع" 1/ 284.
(5)
وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة قال الكاساني رحمه الله: ظاهر الرواية عن أبي حنيفة أنه قال لا صلاة في الاستسقاء وإنما فيه الدعاء وأراد بقوله لا صلاة في الاستسقاء =
قَالَ ابن بطال: رفع اليدين في الخطبة في معنى الضراعة إلى الجليل، والتذلل له، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا دعى الله تعالى وبسط كفيه أنه لا يردهما خائبتين من فضله، فلذلك رفع الشارع يديه، وقد أنكر بعضهم ذَلِكَ، فروي عن مسروق أن الإمام رفع يوم الجمعة يديه على المنبر، فرفع الناس أيديهم.
فقال مسروق: ما لهم قطع الله أيديهم
(1)
.
= الصلاة بجماعة أي: لا صلاة فيه بجماعة بدليل ما روى عن أبي يوسف أنه قال سألت أبا حنيفة عن الاستسقاء هل فيه صلاة أو دعاء موقت أو خطبة؟ فقال: أما صلاة بجماعة فلا ولكن الدعاء والاستغفار وإن صلوا وحدانا فلا بأس به؛ وهذا مذهب أبي حنيفة: وقال محمد: يصلي الإمام أو نائبه في الاستسقاء ركعتين بجماعة كما في الجمعة، ولم يذكر في ظاهر الرواية قول أبي يوسف ويذكر في بعض المواضع قوله مع قول أبي حنيفة وذكر الطحاوي قوله مع قول محمد وهو الأصح، "بدائع الصنائع" 1/ 282، وقال بدر الدين العيني رحمه الله: قال أبو حنيفة: ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة؛ وبه قال إبراهيم النخعي وأبو يوسف في رواية.
وقال النووي: لم يقل أحد غير أبي حنيفة هذا القول. قلت: هذا ليس بصحيح، وقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" بسند صحيح وقال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه خرج مع المغيرة بن عبد الله الثقفي ليستسقي قال فصلى المغيرة فرجع إبراهيم حيث رآه يصلي، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ابن أبي شيبة ثنا وكيع عن عيسى بن حفص بن عاصم عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي عن أبيه قال خرجنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليستسقي فما زاد على الإستغفار وقد تحرى بعض المتعصبين بمن لا يبالى بما لا يترتب عليه في تعصبه بالباطل فقال، قال أبو حنيفة إن صلاة الاستسقاء بدعة لما قال ليست بسنة، ولا يلزم من نفي السنة إثبات البدعة؛ لأن عدم السنة يحتمل الجواز ويحتمل الإستحباب، وفي المنافع مطلق الفعل لا يدل على كونه سنة. "البناية" 3/ 17 - 175
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 475 (5494) كتاب: الصلوات، باب: في رفع الأيدي في الدعاء يوم الجمعة.
وقال الزهري: رفع الأيدي يوم الجمعة محدث. وقال ابن سيرين: أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن عبد الله بن معمر
(1)
.
وفيه: الاستسقاء بالدعاء يوم الجمعة.
وفيه: الاكتفاء بدعاء الإمام، ولم يذكر فيه تحويل الرداء.
وفيه: إباحة أن يكلم الإمام في الخطبة عند الحاجة، ولا يكون من يكلمه لاغيًا
(2)
. وكلام الداخل مع الخطيب في حال الخطبة، ويحتمل أن يكون إنما كلمه في حال سكتةٍ كانت منه؛ إما لاستراحة في النطق، وإما حال الجلوس، لكن يُبْعِدُهُ قولُه: قائم يخطب.
وفيه: قيام الواحد بأمر العامة.
(1)
رواهما ابن أبي شيبة 1/ 475 (5491)، (5492) كتاب: الصلوات، باب: في رفع الأيدي في الدعاء يوم الجمعة. وانظر: "شرح ابن بطال" 2/ 517.
فائدة: سئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله؛ عن رفع اليدين في الدعاء فقال: لا يُشرع رفعهما في المواضع التي وجدت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرفع فيها كأدبار الصلوات الخمس وبين السجدتين وقبل التسليم من الصلاة وحين خطبة الجمعة والعيدين. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع في هذِه المواضع وهو عليه الصلاة والسلام الأسوة الحسنة فيما يأتي ويذر لكن إذا استسقى في خطبة الجمعة أو خطبة العيدين شرع له رفع اليدين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" 11/ 181
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 140 قال أبو اليد الباجي رحمه الله: وقد قال ابن القاسم في "المدونة" من كلمه الإمام فرد عليه لم أره لاغيا ووجه ذلك أن الانصات إنما هو للإمام والإصغاء إليه وإلى كلامه فإذا سأله عن أمر فقد أذن في الجواب عنه فليس بمفتات عليه ولا معرض عنه وليس لغيرهم أن يتكلم حينئذ لأن ما يأمر الإمام به وينهى عنه ويسأل بسببه ويجاب عنه حكمه حكم الخطبة فإن المقصود منه تبليغه إلى الجماعة وإعلامهم به فلا يجوز الاعراض عنه بالتكلم كما لا يجوز ذلك في نفس الخطبة، "المنتقى" 1/ 184 - 185.
وفيه: إتمام الخطبة في المطر.
وفيه: الدعاء برفع المطر إذا كثر، لما فيه: من الأذى.
وفيه: سؤال رفعه عن موضع البناء وبقاؤه في موضع النبات وغير ذَلِكَ.
فرع:
قَالَ ابن حبيب المالكي: إذا دعا الإمام في خطبته المرة بعد المرة أمَّن الناس وجهروا جهرًا ليس بالعالي. قَالَ: وذلك فيما ينوب الناس من قحطٍ وغيره كعدو يخشى، ولا بأس أن يأمرهم فيه بالدعاء ورفع اليدين بعد فراغ الخطبة. فأما أن يجعل ذَلِكَ حدًّا بعد كل خطبة فهو بدعة
(1)
.
قيل: وأول من أبدعه من الخلفاء عبد الملك بن مروان، وإذا كان لأمرٍ نزل فذلك جائزٌ، وكذا إذا قرأ:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] فلا خلاف في إجابته، وإنما الخلاف في صفة النطق به سرًّا أو جهرًا، ذكره القاضي أبو الوليد
(2)
.
وذكر ابن حارث عن محمد بن عبد الحكم: بل ينصت ولا يحرك لسانه، ويكفيه الضمير من ذَلِكَ.
فرع: هذا الدعاء كان منه صلى الله عليه وسلم بعد الزوال، وكذلك الاستسقاء الذي لا يجتمع بسببه ليس له وقت محدود؛ ولأنه دعاء مجرد، فيفعل في كل وقت.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 475، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 167.
(2)
"المنتقى" 1/ 188، "عقد الجواهر" 1/ 167.
وأما الدعاء للاستسقاء الذي (يبرز)
(1)
له، فوقته ضحوة
(2)
كما قاله ابن التين. والأصح عندنا: أنه لا يختص بوقت العيد
(3)
.
(1)
في الأصل: (ينزو) والمثبت من "المنتقى" 1/ 333.
(2)
انظر: "المتقى" 1/ 333.
(3)
قال النووي رحمه الله: وهو الصحيح بل الصواب أنها لا تختص بوقت بل تجوز وتصح في كل وقت من ليل ونهار، إلا أوقات الكراهة على أصح الوجهين، وهذا هو المنصوص للشافعي، وبه قطع الجمهور وصححه المحققون، ممن قطع به صاحبا "الحاوي" و"الشامل" وصاحب "التتمة" وآخرون، وصححه الرافعي في "المحرر" وغيره، ونقله صاحب "الشامل" وصاحب "جمع الجوامع" في نصوص الشافعي عن نص الشافعي، واستصوبه إمام الحرمين وقال: لم أر التخصيص بوقت لغير الشيخ أبي على السنجي، واستدلوا له بأنها لا تختص بيوم فلا تختص كصلاة الاستخارة وركعتي الاحرام وغيرهما، وليس لتخصيصها بوقت صلاة العيد وجه أصلًا فلا يغتر بوجوده في الكتب التي أضفته إليها، فإنه مخالف للدليل ولنص الشافعي ولأكثر الأصحاب.
فإن قيل: فقد قال الشافعي في "الأم" في آخر باب: كيف صلاة الاستسقاء قبل الزوال يصليها بعد الظهر وقبل العصر، هذا نصه، وظاهره مخالف للأصح.
(والجواب) أن هذا صريح في أنها لا تختص بوقت صلاة العيد، ومراد الشافعي أنه يصليها بعد الظهر ولا يصليها بعد العصر لأنه ووقت كراهة الصلاة، وقد سبق أن صلاة الاستسقاء لا تصلى في وقت النهى على الأصح فنصه موافق للصحيح وهو أنها لا تختص بوقت أصلًا، "المجموع" 5/ 77 - 78.
36 - باب الإِنصَاتِ يَومَ الجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخطُبُ
إِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: أَنْصِتْ. فَقَدْ لَغَا. وَقَالَ سَلْمَانُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّم الإِمَامُ.
934 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَنْصِتْ. وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ". [مسلم: 851 - فتح: 2/ 414]
ثم ساق بإسناده من حديث عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ".
الشرح:
أما حديث سلمان فسلف في باب: لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة
(1)
، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم والأربعة
(2)
.
قَالَ الترمذي: وفي الباب عن ابن أبي أوفي وجابر بن عبد الله
(3)
.
قَالَ الدارقطني: تفرد به الزهري، ثم طرقه، قَالَ: والمحفوظ ما في البخاري
(4)
.
(1)
سلف برقم (910) كتاب: الجمعة.
(2)
مسلم (851) كتاب: الجمعة، باب: في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة، وأبو داود (1112)، والترمذي (512)، والنسائي 3/ 104، وابن ماجه (1110).
(3)
"سنن الترمذي" عقب حديث (512) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في كراهية الكلام والإمام يخطب.
(4)
"علل الدارقطني" 7/ 266 - 268.
وذكر الاختلاف فيه أيضًا عبد الغني المقدسي وتابع سعيدًا إبراهيمُ ابن قارظ، وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ، أخرجهما مسلم
(1)
، وذكره الحميدي من طريق إبراهيم بن عبد الله بن قارط
(2)
.
ولأحمد وأبي داود: من دنا من الإمام فلغا ولم يستمع ولم ينصت كان عليه كفل من الوزر، ومن قَالَ: صه. فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له
(3)
.
ورواية سفيان ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة:"فَقَدْ لَغَيت" قال ابن عيينة: "لغيت" لغة أبي هريرة.
ولأحمد من حديث ابن عباس مرفوعًا: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له: أنصت. ليس له جمعة"
(4)
أي: كاملة مثل المنصت. وذكره ابن بطال عن ابن أبي شيبة مرفوعًا، وعن عمر وابنه كذلك
(5)
. وإنما أولناه بذلك؛ لأن جماعة الفقهاء يجمعون على أن جمعته مجزئة عنه، ولا يصلي أربعًا.
(1)
مسلم (1/ 851)؛ وفيه: عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ .. إلخ؛ ثم ساقه من طريق ابن جريج، وقال: غير أن ابن جريج قال: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ. اهـ.
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 1/ 72: والحق أنهما واحد، والاختلاف فيه على الزهري، وغيره. وقال ابن معين: كان الزهري يلغط فيه. اهـ
(2)
"الجمع بين الصحيحين" للحميدي 3/ 29 - 30 (2205).
(3)
"سنن أبي داود"(1051) كتاب: الصلاة، باب: فضل الجمعة، وأحمد 1/ 93، قال الألباني في "ضعيف أبي داود" (194): إسناده ضعيف.
(4)
"مسند أحمد" 1/ 230 وتقدم تخريجه.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 458 (5303 - 5305) كتاب: الصلوات، باب: في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب.
قَالَ ابن وهب: من لغا كانت صلاته ظهرًا ولم تكن له جمعة، وحرم فضلها
(1)
. وقال عطاء: لا يقطعها شيء.
ولابن ماجه لما قَالَ أُبي لأَبِي الدرداء وسأله: متى أنزلت هذه السورة؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {تَبَارَكَ} على المنبر، فلما انصرفنا قَالَ له أُبيّ: ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صدق أُبىُّ"
(2)
.
وفي "مسند أحمد": براءة
(3)
.
ولابن أبي شيبة أن عمر بن الخطاب هو المقول فيه: صدق عمر
(4)
. وهو مرسل. وفي رواية له ضعيفة أن سعد بن أبي وقاص سمع رجلًا يتكلم فقال له: لا جمعة لك، فأخبر صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:"صدق سعد"
(5)
وللبيهقي بإسنادٍ جيدٍ أن أبا ذر هو السائل لأُبيِّ بن كعب قَالَ: وقيل: إن جابرًا هو السائل لابن مسعود.
قَالَ: وهذا الاختلاف إنما هو في اسم صاحب القصة، واتفقت الرواة على تصديق النبي صلى الله عليه وسلم قائله
(6)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 519، وانظر:"الاستذكار" 2/ 22.
(2)
"سنن ابن ماجة"(1111) وليس فيه ذكر لأبي الدرداء، إنما هو مسند أبي، وقد تقدم تخريجه. وحديث أبي الدرداء رواه البيهقي في "المعرفة" 4/ 378 (6522).
وصححه النووي في "المجموع" 4/ 395.
(3)
"مسند أحمد" 5/ 143.
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 458 (5304) كتاب: الصلوات، باب: في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 459 (5306) كتاب: الصلوات، باب: في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب.
(6)
"السنن الكبرى" 3/ 219 - 220 كتاب: الجمعة، باب: الإنصات للخطبة. وتقدم تخريج هذا الحديث.
ولأحمد: لا جمعة لك؛ ولأبي داود عن عبد الله بن عمرو يرفعه: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو، وهو حظه منها، ورجل حضرها بدعاءٍ إن شاء الله أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكون، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدًا، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عز وجل يقول:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]
(1)
.
إذا تقرر ذَلِكَ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
أنصت ينصت إنصاتًا إذا سكت واستمع إلى الحديث، تقول منه: أنصتوا وأنصتوا له.
قَالَ (أبو المعالي)
(2)
في "المنتهى": نصت ينصت: إذا سكت،
وأنصت لغتان. أي: استمع. يقال: أنصت وأنصت له، وينشد:
إذا قالت حذام فانصنوتها.
ويروى: فصدقوها.
وفي "المحكم": أنصت عليَّ. والنصت الاسم من الإنصات.
وفي "الجامع": والرجل ناصت ومنصت.
وفي "المغرب" و"المجمل": الإنصات: السكوت للاستماع
(3)
.
السمع للعين، والإنصات للأذن.
(1)
"سنن أبي داود"(1113) كتاب: الصلاة، باب: الكلام والإمام يخطب، قال الألباني في "صحيح أبي داود" (1019): إسناده حسن.
(2)
جاء في "كشف الظنون" 2/ 1858 أنه أبو المعالي محمد بن تميم البرمكي صاحب كتاب "المنتهى" في الفروع.
(3)
"المغرب" للمطرزي مادة: نصت، "المجمل" 4/ 870.
ثانيها:
اللغو: الهدر من القول والباطلُ. يقال: لغا يلغو لغوًا؛ ولغى يلغي لغيًا. وعلى هذه اللغة جاءت الرواية الأخرى.
قَالَ قتادة: في قوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم
(1)
.
ثالثها:
المراد بالصاحب هنا: الجليس إلى جنبه. ثم في هذه الرواية زيادة: يوم الجمعة. وإن كان المراد بالروايات جميعها خطبة الجمعة، لكن هذه الرواية صرحت بها زيادة في البيان، وفي رواية قدَّم الإنصات على الجمعة
(2)
،
وفي (آخرها)
(3)
بعكسها
(4)
، وفي أخرى ذكر الإمام
(5)
. وكلٌ من هذه له فائدة.
فمن كانت عنايته أحد الأشياء الثلاثة قدمه في الذكر، والكل في
(1)
رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 8/ 2736 (15449)، وذكره البغوي في "معالم التنزيل" 6/ 98.
(2)
رواها مسلم (851) كتاب: الجمعة، باب: في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة.
(3)
كذا بالأصل، ولعلها: أخرى.
(4)
رواها النسائي في "الكبرى" 1/ 534 (1727) كتاب: الجمعة، باب: الإنصات للخطبة، وعبد الرزاق 3/ 223 (5416) كتاب: الجمعة، باب: ما يقطع الجمعة، وأحمد 2/ 280، وابن الجارود في "المنتقى" 1/ 259 (299) كتاب: الطهارة، باب: الجمعة وابن خزيمة في "صحيحه" 3/ 153 (1805) كتاب: الجمعة، باب: الزجر عن إنصات الناس بالكلام يوم الجمعة والإمام يخطب، والبيهقي 3/ 219 كتاب: الجمعة، باب: الإنصات للخطبة.
(5)
مسلم (851) كتاب: الجمعة، باب: في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة.
العناية سواء، فأيها قدم جاز؛ لأنه لا بد من ذكر الإنصات والجمعة، وبذكر الثلاثة يحصل كمال الغرض.
رابعها: في فقه الباب:
قَالَ الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم كرهوا للرجل أن يتكلم والإمام يخطب، وقالوا: إن تكلم غيره فلا ينكر عليه إلا بالإشارة، واختلفوا في رد السلام، وتشميت العاطس، فرخص بعض أهل العلم في ذَلِكَ، وهو قول أحمد وإسحاق -قُلْتُ: والنخعي والشعبي والحسن والثوري والأوزاعي
(1)
- وكره بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ذَلِكَ، وهو قول الشافعي
(2)
.
(1)
انظر: "المغني" 3/ 198 - 199.
(2)
"سنن الترمذي" عقب الراوية (512) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في كراهية الكلام والإمام يخطب. مذهب الشافعي أنه يستحب رد السلام بالإشارة، وفي تشميت العاطس ثلاثة أوجه، الصحيح تحريمه.
قال النووي رحمه الله: قال الشافعي في "مختصر المزني" والأصحاب: يكره
للداخل في حال الخطبة أن يسلم على الحاضرين، سواء قلنا: الإنصات واجب أم
لا، فإن خالف وسلم قال أصحاب: إن قلنا بتحريم الكلام حرمت إجابته باللفظ،
ويستحب بالإشارة كما لو سلم في الصلاة، وفي تشميت العاطس ثلاثة أوجه:
(الصحيح) المنصوص تحريمه كرد السلام
(والثاني) استحبابه لأنه غير مفرط بخلاف المسلم
(والثالث) يجوز ولا يستحب. وحكى الرافعي -وجها- أنه يرد السلام لأنه واجب، ولا يشمت العاطس؛ لأنه سنة، فلا يترك لها الانصات الواجب، وإذا قلنا: لا يحرم الكلام جاز رد السلام والتشميت بلا خلاف، ويستحب التشميت على أصح الوجهين لعموم الأمر به (والثاني) لا يستحب لأن الإنصات آكد منه فإنه مختلف في وجوبه.
وأما السلام ففيه ثلاثة أوجه: (أحدها) يجوز ولا يستحب، وبه قطع إمام الحرمين (والثاني) يستحب (والثالث) يجب، وهذا هو الأصح وهو ظاهر نصه في "مختصر المزني" وصححه البغوي وآخرون، "المجموع" 4/ 394.
قُلْتُ: ومالك والكوفي
(1)
(2)
.
وقال ابن بطال: جماعة أئمة الفتوى على وجوب الإنصات للخطبة.
وفي حديث سلمان حجة لمن رأى الإنصات عند ابتدائها، وقد سلف
(3)
.
وقال ابن الجوزي: اختلفت الروايات عن أحمد: هل يحرم الكلام حال سماع الخطبة؟ على روايتين، وعن الشافعي قولان
(4)
، فمن حرَّم أخذ بظاهره، ومن أباح حمله على الأدب.
وقال ابن قدامة: إذا سمع من يتكلم لا ينهه بالكلام لهذا الحديث، لكن يشير إليه، نص عليه أحمد، فيضع إصبعه على فيه، قَالَ: وممن رأى أن يشير ولا يتكلم زيد بن صوحان وعبد الرحمن بن أبي ليلى والثوري والأوزاعي؛ وابن المنذر قَالَ: وكره الإشارة طاوس
(5)
.
وزعم ابن العربي أن الشافعي وأحمد إسحاق قالوا: يشمت ويرد.
وخالفهم سائر فقهاء الأمصار، وهو الحق فإن العاطس ينبغي أن يخفض صوته في التحميد، وينبغي للداخل أن لا يسلم، فإن فعل ففرضهم أهم من فرضه وأولى
(6)
.
وقال ابن رشد: وفرق بعضهم بين السلام والتشميت، فقالوا: يرد ولا يشمت. وعن ابن وهب: من لغا فصلاته ظهر أربع
(7)
.
(1)
كذا في الأصل ولعل الصواب: الكوفيين.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 339 - 340، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 167.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 518.
(4)
"التحقيق" 4/ 198 - 199.
(5)
"المغني" 3/ 198.
(6)
"عارضة الأحوذي" 2/ 302.
(7)
"بداية المجتهد" 1/ 312.
وأما من لم يوجبها فلا أعلم له شبهة إلا أن يكونوا يرون أن هذا الأمر قد عارضه دليل الخطاب في قوله: {وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] أي: أن ما عدا القرآن لا يجب الإنصات له، وهذا فيه ضعف والأشبه أن يكون الحديث لم يصلهم.
ونُقل أن الكلام في حال الخطبة جائزٌ إلا في حال القراءة، فروي عن الشعبي وسعيد بن جبير والنخعي
(1)
.
وفي "جوامع الفقه" في "المجرد" أنه ينصت ولا يقرأ ولا يصلي نفلًا ولا يشتغل بالذكر وغيره، ويكره السلام وتشميت العاطس والأكل والشرب.
وفي "الذخيرة" عن محمد: لا يشمت ولا يرد، ولم يذكر فيه خلافًا.
وعن أبي يوسف خلافه
(2)
.
والخلاف بناءً على أنه إذا لم يرد السلام في الحال هل يرد بعد الفراغ من الخطبة؟ عند محمد: نعم. وعند أبي يوسف: لا. والتشميت مثله، وعن أبي حنيفة: يرده بقلبه دون لسانه، وهذا كالمتغوط إذا سمع الأذان يجيب بقلبه، فإذا فرغ أجاب بلسانه
(3)
.
(1)
"الأوسط" 4/ 66 - 67.
(2)
انظر: "المحيط البرهاني" 2/ 462.
(3)
وفي "الفتاوى التاتارخانية" 2/ 68 - 69: قال في "الأصل": لا تشمتوا العاطس ولا تردوا السلام يعني وقت الخطبة، ولم يذكر فيه خلافًا، وروى محمد عن أبي يوسف في صلاة الأثر أن ما ذكر في "الأصل" قول محمد، والخلاف بين أبي يوسف ومحمد في هذا بناء على أنه إذا لم يرد السلام في الحال هل يرده بعد ما فرغ الإمام من الخطبة؟ على قول محمد رحمه الله يرد، وعلى قول أبي يوسف لا يرد، وروى عن أبي حنيفة في غير رواية "الأصل": ويرد بقلبه ولا يرد بلسانه.
ولم يذكر محمد في "الأصل" أن العاطس هل يحمد الله تعالى؟ ذكر الحسن بن =
وحكى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان يسلم ويردون عليه، وعن إبراهيم مثله بزيادة: ويشمتون العاطس
(1)
، وعن الحكم وحماد وسالم وعامر: لا يرد السلام ويستمع
(2)
. وعن طاوس ومحمد وسعيد بن المسيب مثله
(3)
. وعن الباقر والقاسم: يرد في نفسه.
وروي عن إبراهيم -بسندٍ صحيح- أنه رئي يكلم رجلًا والإمام يخطب يوم الجمعة
(4)
، وكان عروة لا يرى بذلك بأسًا إذا لم يسمع الخطبة
(5)
.
وقال إسماعيل بن إبراهيم عن أبيه: رأيت إبراهيم وسعيد بن جبير
= زياد عن أبي حنيفة أن العاطس وقت الخطبة يحمد الله تعالى في نفسه ولا يجهر. وهذا صحيح، وعن محمد أن العاطس يحمد الله تعالى بقلبه ولا يحرك شفتيه. وفي النصاب: ويكره السلام وصلاة التطوع حالة الخطبة بالإجماع. وإذا شمت أو رد السلام في نفسه جاز. وعليه الفتوى.
وفي "الكبرى": والأصوب أنه لا يجيب، وبه يفتى. وفي "الحجة": وكان أبو حنيفة يكره تشميت العاطس ورد السلام إذا خرج الإمام؛ وإذا فرغ الإمام من الخطبة يحمد الله تعالى بلسانه، وهذا المتغوط إذا سمع الأذان يجب بقلبه وإذا فرغ من ذلك يجيب بلسانه ..
(1)
رواهما ابن أبي شيبة 1/ 455 (5258 - 5259) كتاب: الصلوات، باب: الرجل يسلم إذا جاء والإمام يخطب.
(2)
رواها عنهم ابن أبي شيبة 1/ 455 (5260 - 5261): بلفظ يسلم ويردون عليه.
(3)
رواها عنهم ابن أبي شيبة 1/ 455 (5262 - 5263)، (5265 - 5266) كتاب: الصلوات، باب: من كره أن يرد السلام ويشمت العاطس.
(4)
رواه عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 459 (5309) كتاب: الصلوات، باب: من رخص في الكلام والإمام يخطب.
(5)
روى ذلك عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/ 459 (5310) كتاب: الصلوات، باب: من رخص في الكلام والإمام يخطب.
يتكلمان والحجاج يخطب
(1)
، ومثله عن الشعبي وأبي بردة
(2)
.
وقال بعضهم: إنَّا لم نؤمر أن ننصت لهذا.
قَالَ ابن بطال: فلذا رخص جماعة من التابعين في الكلام والإمام يخطب إذا كان من أئمة الجور، أو أخذ في خطبته في غير ذلك
(3)
، وروى ابن أبي شيبة أن إبراهيم كُلِّم في ذلك فقال: إني كنت قد صليت
(4)
.
ورأى الليث إذا أخذ الإمام في ذكر الخطبة أن يتكلم ولا ينصت، وعن مالك: يُسكِت الناسَ بالتسبيح والإشارة ولا يحصبهم
(5)
لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن مس الحصى فقد لغا"
(6)
وكان ابن عمر يحصب
(7)
. وليس عليه العمل
(8)
، وروى ابن المنذر أيضًا عن مالك: لا بأس بالإشارة
(9)
.
وقال القاضي أبو الوليد: مقتضى مذهبه أن لا يشير؛ لأنها كالقول، وسماه الشارع: لاغيًا
(10)
.
(1)
رواهما ابن أبي شيبة 1/ 459 (5311) كتاب: الصلوات، باب: من رخص في الكلام والإمام يخطب.
(2)
رواهما ابن أبي شيبة 1/ 457 (5285) كتاب: الصلوات، باب: في الكلام والصحف تقرأ يوم الجمعة.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 519.
(4)
روى عنه ابن أبي شيبة 1/ 460 (5320) كتاب: الصلوات، باب: في الكلام يوم الجمعة.
(5)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 474.
(6)
رواه مسلم (857) كتاب: الجمعة، باب: فضل من استمع وأنصت في الخطبة.
(7)
رواه عنه ابن أبي شيبة 1/ 452 (5218) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يسمع الرجل يتكلم يوم الجمعة، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 66.
(8)
انظر: "المنتقى" 1/ 190، "الذخيرة" 2/ 347.
(9)
"الأوسط" 4/ 68.
(10)
"المنتقى" 1/ 190.
والأول أشبه؛ لأنها في الصلاة ليست كلامًا، وعن مالك أيضًا أن الإمام إذا لغا وشتم الناس فعليهم الإنصات ولا يتكلمون، وخالفه ابن حبيب قَالَ: وفعله ابن المسيب لما لغا الإمام أقبل سعيد على رجل يكلمه، وعنه أيضًا: إذا خطب في أمر ليس من الخطبة ولا من الصلاة من أمر كتاب يقرؤه ونحو ذلك فليس على الناس الإنصات
(1)
، وعن ابن مسعود: إذا رأيته يتكلم فاقرع رأسه بالعصى
(2)
.
وعن ابن المنذر: رخص مجاهد وطاوس في شرب الماء
(3)
، ونقله عن الشافعي، وعن أحمد: إن لم يسمع الخطبة شرب، وقد سلف جمله في ذلك في باب: الاستماع إلى الخطبة فراجعه أيضًا
(4)
.
وقال ابن التين: معنى الحديث: المنع من الكلام عند الخطبة وأكد ذلك بأن من أمر غيره بالإنصات إذن فهو لاغٍ، وخص هذا تنبيهًا على أن كل متكلم لاغٍ، ثم قَالَ: فإن قلت: معنى لغوت: أمرت بالإنصات من لا يجب عليه، فالجواب أنه لا خلاف بيننا في الأمر بالإنصات وإلا فلا معنى للخطبة إن لم ينصت فيها للإمام ويسمع وعظه ويفهم أمره ونهيه، فلا يجوز أن يكون الأمر بالإنصات لاغيًا؛ لأجل أمره؛ لأن الإنصات مأمورٌ به في الجمعة فلم يبق إلا أن يكون لاغيًا لمَّا تكلم في وقت هو ممنوع من الكلام فيه.
وروى ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذا خطب الإمام فاستقبلوه بوجوهكم وأصغوا إليه بأسماعكم، وارمقوه بأبصاركم"
(5)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 475.
(2)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 66.
(3)
"الأوسط" 4/ 73.
(4)
راجع شرح حديث (929).
(5)
سبق تخريجه.
فرع:
في المنع من الكلام من دخل رحاب المسجد والإمام يخطب خلاف، منعه أصبغ وأجازه مطرف وابن الماجشون
(1)
.
فرع:
اختلف في ابتداء الإنصات وفي آخره، فعند مالك وأصحابه: أوله من حيث يشرع في الخطبة وبين الخطبتين
(2)
، وكره ابن عيينة الكلام بعد انقضاء الخطبة حتى تنقضي الصلاة.
فرع:
من لم يسمع كالسامع عند عثمان ومالك، خلافًا لعروة وأحمد، وأحد قولي الشافعي
(3)
.
فائدة:
كلام حاضر القراءة ضربان: عبادة
(4)
كالقراءة والذكر فكثيره
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 474 - 475.
(2)
انظر: "المنتقى" 1/ 188.
(3)
انظر: "المنتقى" 1/ 188، 190، "المغني" 3/ 197، وعند الشافعية وجهان، قال النووي: وفي وجوب الإنصات على من لا يسمع الخطبة، وجهان: أحدهما: لا يجب. ويستحب أن يشتغل بالذكر، والتلاوة. وأصحهما: يجب، نص عليه، وقطع به كثيرون وقالوا: البعيد بالخيار بين الإنصات، وبين الذكر والتلاوة. ويحرم عليه كلام الآدميين، كما يحرم على القريب، "روضة الطالبين" 2/ 29.
(4)
كذا بالأصل وجاء في "المنتقى" 1/ 188: إذا ثبت ذلك فإن ما يتكلم به من حضر الجمعة على ضربين ضرب فيه عبادة كقراءة القرآن وذكر الله تعالى وضرب لا عبادة فيه فقليله وكثيره ممنوع لما ذكرناه وأما ما فيه عبادة فإن كثيره ممنوع لأن الخطبة مشروعة لمعنى التذكير والوعظ وأمر الإمام ونهيه وتعليمه فهو ذكر مخصوص يفوت ما قصد بها وما يأتي به من الذكر والتسبيح وقراءة القرآن لا يفوته وأما يسير =
ممنوع؛ لأن بذلك يفوت مقصود الخطبة، وهما لا يفوتان، ويسيره إن اختص به كالحمد للعطاس والتعوذ عند ذكر النار فخفيف.
قَالَ أشهب: الإنصات أحب إليَّ منه، فإن فعل فسرًّا
(1)
، وإن لم يختص به كالتشميت فهو ممنوع منه عند ابن المسيب
(2)
ومالك
(3)
.
ورخص فيه وفي رد السلام الحسنُ والنخعي والشعبي والحكم وحماد
(4)
وإسحاق، دليل الأول أن الاشتغال به يفوت الإنصات؛ ولذلك لا يجهر العاطس؛ لأن فيه استدعاء من يشمته، ذكره كله ابن التين.
= الذكر فإنه على ضربين ضرب يختص به كحمد الله عند العطاس والتعوذ من النار عند ذكرها فهذا خفيف لأنه ليس يشغل عن الإصغاء ولا يمنع من الإنصات إلى الخطبة.
وقال أشهب: الإنصات أحب إلى منه وإن فعلوا فسرا في أنفسهم. والضرب الثاني لا يختص به مثل أن يعطس غيره فيشمته فهذا ممنوع منه. وقد روى علي بن زياد عن مالك إذا قرأ الإمام: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] فليصل عليه في نفسه.
وقد قال ابن حبيب: إذا دعا الإمام في خطبته المرة بعد المرة أمن الناس وجهروا جهرا ليس بالعالي. قال: وذلك فيما ينوب الناس من قحط أو غيره ومعنى ذلك أنه بدعائه مستدع تأمينهم وآذن فيه وكذلك إذا قرأ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية مستدع منهم الصلاة عليه عليه صلى الله عليه وسلم تسليما فهذا لا خلاف في إباحته وإنما الاختلاف في صفة النطق به من سر وجهر.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 188.
(2)
رواه عنه ابن أبي شيبة 1/ 455 (5266) كتاب: الصلوات، باب: من كره أن يرد السلام ويشمت العاطس.
(3)
انظر: "الذخيرة" 2/ 347.
(4)
رواها عنهم ابن أبي شيبة 1/ 455 (5258 - 5260) كتاب: الصلوات، باب، الرجل يسلم إذا جاء والإمام يخطب.
37 - باب السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ
935 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَالَ:"فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ". وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. [5294، 6400 - مسلم: 852 - فتح: 2/ 415]
ذكر فيه حديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يَومَ الجُمُعَةِ فَقَالَ: "فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ". وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.
الشرح:
هذا الحديث رواه عن أبي هريرة: ابن عباس وأبو موسى ومحمد بن سيرين وأبو سلمة بن عبد الرحمن وهمام ومحمد بن زياد وأبو سعيد المقبري وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وأبو رافع وأبو الأحوص وأبو بردة ومجاهد وعبد الرحمن بن يعقوب.
أما طريق ابن عباس فأخرجها النسائي في "اليوم والليلة"
(1)
، وذكر الدارقطني فيه اختلافًا في رفعه ووقفه
(2)
.
وأما طريق أبي موسى فذكره الدارقطني في، "علله"
(3)
.
وأما طريق محمد فذكرها البخاري في الطلاق وسيأتي
(4)
.
(1)
"عمل اليوم والليلة"(477 - 478) باب: ما يستحب من الاستغفار يوم الجمعة.
(2)
"العلل" 9/ 100 - 101 (1663).
(3)
"العلل" 11/ 228 (2249).
(4)
سيأتي برقم (5294) باب: الإشارة في الطلاق والأمور.
وأما طريق أبي سلمة فأخرجها أبو داود والترمذي والنسائي
(1)
. وقال الطرقي: إنه أكمل الطرق إلى أبي هريرة، وفي آخره: قَالَ أبو هريرة: فلقيت عبد الله بن سلام فقال: هي آخر ساعة من يوم الجمعة.
وأما طريق همام فأخرجه مسلم
(2)
.
وأما طريق محمد ففي مسلم أيضًا
(3)
.
وأما طريق أبي سعيد فأخرجه النسائي في "اليوم والليلة"
(4)
.
وأما طريق سعيد ففيه أيضًا
(5)
.
وأما طريق عطاء -وأنها ما بين العصر إلى الغروب- فذكرها الدارقطني وقال: هو موقوف، ومن رفعه فقد وهم
(6)
.
وأما طريق أبي رافع فذكره الدارقطني في "علله" وقال: الأشبه قتادة عنه عن أبي هريرة
(7)
.
وأما طريق أبي الأحوص فذكره أيضًا وقال: الأشبه عن ابن مسعود، واختلف عن عطاء في رفعه
(8)
.
(1)
"سنن أبي داود"(1046) في الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، قال: هذا حديث حسن صحيح، و"سنن الترمذي"(491)، "سنن النسائي" 3/ 113 - 114 كتاب الجمعة، باب الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة، قال الألباني في "صحيح أبي داود" (961): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(2)
"صحيح مسلم"(852/ 15) في الجمعة، باب: في الساعة التي في يوم الجمعة.
(3)
مسلم (853/ 14).
(4)
"عمل اليوم والليلة"(475).
(5)
"عمل اليوم والليلة"(476) باب: ما يستحب من الاستغفار يوم الجمعة.
(6)
"العلل" 11/ 108 (2152).
(7)
"العلل" 11/ 206 (2224).
(8)
"العلل" 11/ 206 (2240).
وأما طريق أبي بردة ومجاهد؛ فذكرهما أيضًا
(1)
.
وأما طريق عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحُرَقَة؛ فذكره ابن عبد البر وصححه.
وأما طريق البخاري (وهو قائم) هنا؛ الأعرج عبد الرحمن بن هرمز عنه وأخرجها مسلم والترمذي والنسائي
(2)
.
قَالَ ابن عبد البر: عامة الرواة في هذا الحديث: (وهو قائم يصلي) إلا قتيبة وابن أبي أويس وعبد الله بن يوسف وأبا مصعب
(3)
فلم يقولوها، وهو محفوظ في هذا الحديث من رواية مالك وغيره عنه
(4)
.
قلتُ: وروى حديث ساعة الجمعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة: أبو موسى وأبو لبابة وعمرو بن عوف المزني وابن مسعود وعبد الله بن سلام وأبو سعيد وجابر وأنس، وذكر الترمذي أن في الباب أيضًا عن أبي ذر وسلمان وسعد بن عبادة
(5)
.
(1)
"العلل" 9/ 100 (1663).
(2)
"صحيح مسلم"(852) كتاب: الجمعة، باب: في الساعة التي في يوم الجمعة، و"سنن الترمذي" (488) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في فضل يوم الجمعة، و"سنن النسائي" 3/ 89 - 90 كتاب: الجمعة، باب: ذكر فضل يوم الجمعة.
(3)
كذا بالأصل، وفي "التمهيد" أبو مصعب.
(4)
"التمهيد" 4/ 51، وعقب الحافظ ابن حجر على كلام ابن عبد البر فقال: وحكى أبو محمد بن السيد عن محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذفها من الحديث، وكان السبب في ذلك أنه يشكل على أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذِه الساعة، وهما حديثان أحدهما: أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة، والثاني: أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس، "فتح الباري" 2/ 416.
(5)
"الترمذي" عقب الرواية (488) في الجمعة، باب: ما جاء في فضل يوم الجمعة.
أما حديث أبي موسى فأخرجه مسلم والترمذي: هي ما بين أن يجلس الإمام -يعني: على المنبر- إلى أن يقضى الصلاة
(1)
.
وذكر الدارقطني اختلافًا في إسناده، وأنه روي موقوفًا ولفظه: هي عند نزول الإمام، ولفظ رواية الموقوف: ما بين نزول الإمام عن منبره إلى دخوله في الصلاة.
وروى البيهقي بإسناده عن مسلم بن الحجاج قَالَ: هذا الحديث أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة
(2)
.
قلتُ: لكنه من رواية مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن أبي بردة، عن أبي موسى. وفي سماع مخرمة من أبيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه سمع منه مطلقًا. قاله أحمد وابن معين والبخاري
(3)
، وانتقد الدارقطني هذه الترجمة على مسلم
(4)
.
ثانيها: أنه سمع منه فرد حديث. قَالَ أبو داود: لم يسمع من أبيه إلا حديث الوتر
(5)
.
ثالثها: أنه سمع منه. قلتُ: وضعفه ابن معين أيضًا
(6)
.
وأما حديث أبي لبابة أخرجه ابن ماجه مطولًا؛ وأنه سيد الأيام،
(1)
"صحيح مسلم"(853) كتاب: الجمعة، باب: في الساعة التي في يوم الجمعة، و"الترمذي" (490) كتاب: الصلاة، باب ما جاء في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 250 كتاب: الجمعة، باب: الساعة التي في يوم الجمعة.
(3)
انظر: الجزء المتمم "للطبقات الكبرى" ص 308 (208)، "الجرح والتعديل" 8/ 363 (1660)، و"تهذيب الكمال" 27/ 324 (5829)، "التقريب"(6526).
(4)
"الإلزامات والتتبع" ص 166 - 167 (40).
(5)
انظر التخريج قبل السابق.
(6)
"معرفة الرجال" لابن معين 1/ 53.
وأنه أعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى
(1)
.
وأما حديث عمرو بن عوف فأخرجه ابن ماجه وحسنه الترمذي ولفظه: حين تقام الصلاة إلى الانصراف، واستغربه الترمذي أيضًا مع التحسين وقال: إنه أحسن شيء في الباب
(2)
. ولا نسلِّم له، فمداره على كثير بن عمرو بن عوف، وهو واهٍ.
قَالَ الشافعي: ركن من أركان الكذب
(3)
.
وأما حديث ابن مسعود فأورده الدارقطني من حديث أبي الأحوص عنه، ثم قَالَ: ورواه عطاء بن السائب والأغر بن الصباح عن أبي الأحوص عنه، وذكر أن حديثه أشبه.
وأما حديث عبد الله بن سلام فأخرجه ابن ماجه
(4)
.
وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد، وفيه:(وهي بعد العصر)
(5)
.
(1)
"سنن ابن ماجه"(1084) كتاب: إقامة الصلاة، باب: في فضل الجمعة، قال الألباني في "صحيح ابن ماجه" (888): حسن.
(2)
"سنن الترمذي"(490)، "سنن ابن ماجه"(1138).
(3)
كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة المزني المدني، قال أبو طالب عن الإمام أحمد: منكر الحديث، ليس بشيء، وقال عبد الله بن الإمام أحمد: ضرب أبي على حديث كثير بن عبد الله، وقال أبو خيثمة: قال لي أحمد بن حنبل ألا تحدث عنه شيئًا، قال أبو زرعة: واهي الحديث ليس بقوي، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث.
انظر ترجمته في: "طبقات ابن سعد" 5/ 412، "تهذيب الكمال" 24/ 136 (4948).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1139) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الساعة التي ترجى في الجمعة، قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" (376): إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه" (934): حسن صحيح.
(5)
"مسند أحمد" 2/ 272.
وأما حديث جابر فأخرجه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكم، وفيه:"التمسوها آخر ساعة بعد العصر"
(1)
. وذكر ابن عبد البر أن قوله: "فالتمسوها .. " إلى آخره. من قول أبي سلمة
(2)
، وقال العقيلي: الرواية في التوقيت لينة.
وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي واستغربه، وفيه:"التمسوها بعد العصر إلى غيبوبة الشمس"
(3)
.
إذا تقرر ذلك؛ فالحديث قال على فضيلة يوم الجمعة على سائر الأيام.
وفي يوم عرفة وجهان لأصحابنا: أصحهما أنه أفضل من يوم الجمعة
(4)
، وذاك على أن فيه ساعة هي أفضل من سائر ساعاته، ولا مانع من التفضيل على لسان هذا النبي العظيم.
وقوله: ("وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي") يحتمل الحقيقة، ويحتمل صلاة ذات سبب، ويحتمل الدعاء، ويحتمل الانتظار، ويحتمل المواظبة على
(1)
"سنن أبي داود"(1048) كتاب: الصلاة، باب: الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة، و"سنن النسائي" 3/ 100 كتاب: الجمعة، باب: وقت الجمعة، و"المستدرك" 1/ 279 كتاب: الجمعة، قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بالحلال بن كثير ولم يخرجاه. قال الألباني في "صحيح أبي داود"(963): إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذا قال الحاكم، ووافقه المنذري والذهبي، وصححه أيضًا النووي، وحسنه العسقلانى.
(2)
"التمهيد" 4/ 54.
(3)
"سنن الترمذي"(489)، وضعفه النووي في "المجموع" 4/ 426، وفي "الخلاصة" 2/ 755 (2639). وضعف الحافظ إسناده في "الفتح" 2/ 420، وفي "التلخيص" 3/ 228، وفي "النكت الظراف"1/ 415.
(4)
انظر: "المجموع" 6/ 430.
الشيء إلا الوقوف، من قوله تعالى:{مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] أي: مواظبا.
وقوله: (يقللها). وفي "صحيح مسلم": يزهدها
(1)
. وهو بمعناه، وفي لفظ: وهي ساعة خفيفة.
وقوله: ("شَيْئًا") كذا في "الصحيح" وللنسائي: "خيرًا"
(2)
.
وقد اختلفت الآثار في الساعة المذكورة، واختلف العلماء العظماء بسببها على أقوال كثيرة يحضرنا منها نحو عشرين قولًا:
أحدها: أنها بعد صلاة العصر إلى الغروب؛ قاله جماعة.
وهذا رواه عبد الله بن سلام وأبو سعيد الخدري وأنس وأبو هريرة كما سلف.
وذكر ابن بطال أنه مروي عن عبد الله بن سلام وأبي هريرة وابن عباس ومجاهد وطاوس
(3)
، وقد رواه ابن أبي شيبة عنهم بالأسانيد
(4)
.
وقال الترمذي: رأى بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم أن هذا هو الساعة التي ترجى. قَالَ: وبه يقول أحمد وإسحاق. قَالَ: وقال أحمد: أكثر الحديث في ساعة الإجابة أنها بعد العصر، وترجى بعد الزوال
(5)
، وتأول قوله:"وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي". على ما سلف، والملائكة
(1)
"صحيح مسلم"(852) كتاب: الجمعة، باب: في الساعة التي في يوم الجمعة.
(2)
"السنن الكبرى" 1/ 539 (1752) كتاب: الجمعة، باب: الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 521.
(4)
"المصنف" 1/ 472 - 473 (5460 - 5461، 5468، 5471) كتاب: الصلوات، باب: الساعة التي ترجى يوم الجمعة.
(5)
"سنن الترمذي" عقب الرواية رقم (489) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة.
يتعاقبون في صلاة العصر
(1)
، فهو عرض الأعمال على الرب، ولذلك شدد صلى الله عليه وسلم فيمن حلف على سلعة بعد العصر لقد أعطي بها أكثر
(2)
، تعظيمًا للساعة، وفيها يكون اللعان والقسامة، ذكره المهلب.
ثانيها: عند الزوال؛ قاله الحسن وأبو العالية
(3)
.
وعبارة الدزماري عن الحسن أنها من زوال الشمس إلى الغروب
(4)
.
ثالثها: أنها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ قاله أبو هريرة، وروي
(5)
عنه أيضًا كما سلف، وعبارة بعضهم فيه: ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، وكذا حكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وآخرون
(6)
.
رابعها: عند الأذان؛ رواه ابن أبي شيبة عن عائشة، وفي رواية: إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة
(7)
.
خامسها: إذا جلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة، رواه
(1)
يشير المصنف إلى حديث أبي هريرة السالف برقم (555) ورواه مسلم (632).
(2)
يشير رحمه الله إلى حديث أبي هريرة أيضًا الآتي برقم (2358)، ورواه مسلم (108).
(3)
عبد الرزاق 3/ 261 (5576) كتاب: الجمعة، باب: الساعة في يوم الجمعة، وابن أبي شيبة 1/ 472 (5466) كتاب: الصلوات، باب: الساعة التي ترجى يوم الجمعة، وذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 9.
(4)
انظر: "فتح الباري" 2/ 418.
(5)
ورد بهامش الأصل تعليق نصه: الذي نقله ابن القاسم عن أبي هريرة أنه قال: هي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، ذكره ابن المنذر عنه.
(6)
انظر: "المجموع" 4/ 423.
(7)
"المصنف" 1/ 473 (5469 - 5470) كتاب: الصلوات، باب: الساعة التي ترجى يوم الجمعة.
مسلم كما سلف، وصححه النووي
(1)
.
وقال ابن التين: إنه الصحيح عندي، وعبارة القاضي عياض: ما بين خروج الإمام وصلاته، وقيل: من حين تقام الصلاة حتى تفرغ.
سادسها: وقت صلاة الجمعة، وقد سلف أن هذه رواية عمرو بن عوف، ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر
(2)
، ونقله ابن بطال عن أبي بردة ومحمد بن سيرين
(3)
، وعبارة ابن عبد البر: وقال آخرون: من الإحرام بها إلى السلام منها، وذلك موافق لقوله:"قَائِم يُصلِّي".
سابعها: ما بين الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة، ذكر أبو السوار العدوي أنهم كانوا يرون ذلك، وعبارة ابن الصباغ في حكاية هذا القول كذلك: من الزوال إلى أن يدخل الإمام في الصلاة. وعبارة القاضي أبي الطيب: من الزوال إلى خروج الإمام، فيكون قولًا آخر.
ثامنها: ما بين أن ترتفع الشمس شبرًا إلى ذراع. نقله ابن بطال عن أبي ذر
(4)
، ورواه ابن عبد البر عن أبي ذر أن امرأته سألته عنها، فأجاب بذلك
(5)
.
تاسعها: رواه ابن أبي شيبة عن أبي أمامة، قَالَ: إني لأرجو أن تكون الساعة التي في الجمعة إحدى هذه الساعات، إذا أذن المؤذن أو الإمام على المنبر أو عند الإقامة
(6)
.
(1)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 6/ 140 - 141.
(2)
"المصنف" 1/ 472 (5463) كتاب: الصلوات، باب: الساعة التي ترجى يوم الجمعة.
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 521.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 520.
(5)
"التمهيد" 4/ 57.
(6)
"المصنف" 1/ 472 (5465) كتاب: الصلوات، باب: الساعة التي ترجى يوم الجمعة.
العاشر: ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل، ذكره ابن بطال عن الشعبي
(1)
، ورواه ابن أبي شيبة
(2)
.
الحادي عشر: آخر ساعة من يوم الجمعة، تقدم في رواية جابر وعبد الله بن سلام، وروى سعيد بن منصور في "سننه" عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، وسلف أنه رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: وهي الساعة التي خلق فيها آدم
(3)
.
وعن طاوس: أنها التي تقوم فيها الساعة، والتي أنزل فيها آدم، من حين تصفر الشمس إلى حين تغيب
(4)
.
وفي كتاب أبي القاسم الجُوذي من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "هي عشاء يوم الجمعة آخر ساعة من يوم الجمعة قبل غروب الشمس، أغفل ما يكون الناس". وهذا القول مال إليه ابن عبد البر
(5)
، وقال الطُرطُوسي: إنه في نفسي أقوى.
الثاني عشر: من عند الزوال إلى نصف ذراع؛ ذكره المنذري
(6)
.
الثالث عشر: أنها مخفية في اليوم كله، كليلة القدر والصلاة
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 521.
(2)
"المصنف" 1/ 473 (5467) كتاب: الصلوات، باب: الساعة التي ترجى يوم الجمعة.
(3)
ورواه عبد الرزاق 3/ 261 (5575) كتاب: الجمعة، باب: الساعة في يوم.
(4)
رواه عبد الرزاق 3/ 263 - 264 (5582) كتاب: الجمعة، باب: الساعة في يوم الجمعة.
(5)
"التمهيد" 4/ 63 - 64.
(6)
انظر: "نيل الأوطار" 2/ 511.
الوسطى، حكاه القاضي عياض وغيره، ونقله ابن الصباغ عن كعب الأحبار، والحكمة في إخفائها: الجد والاجتهاد في طلبها في كل اليوم كما أخفى أولياءه في خلقه تحسينًا للظن بالصالحين.
الرابع عشر: أنها الساعة الثالثة من النهار، حكاه ابن قدامة.
الخامس عشر: قَالَ كعب: لو قسم الإنسان جمعة في جمع أتى على تلك الساعة.
وقال الزهري -فيما حكاه ابن الأثير-: إذا قسم الإنسان ساعات نهار الجمعة على أيام الجمع صادف الساعة المخصوصة لا بعينها.
قلتُ: إلا على القول بأنها لا تنتقل.
السادس عشر: أنها متنقلة في اليوم. واختاره الغزالي في "الإحياء" وقال: إنه الأشبه كما في ليلة القدر
(1)
. وقال الحافظ محب الدين الطبري: إنه الأظهر.
السابع عشر: قَالَ ابن الجُوذي: وفي حديث فاطمة -بضعة رسول الله- أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: "إذا تدلى نصف عين الشمس".
قلتُ: وأخرجه البيهقي في "فضائل الأوقات"
(2)
، ثم قَالَ: كان صلى الله عليه وسلم يعلم هذه الساعة بعينها ثم نسيها كما أنسي ليلة القدر؛ ليستغرق العبد جميع النهار بالذكر والدعاء
(3)
. وهذا يأتي قريبًا مرفوعًا.
فهذه سبعة عشر قولًا وأنيف، وقد أفردتها قديمًا في جزء، وفي هذا
(1)
"إحياء علوم الدين" 1/ 246.
(2)
"فضائل الأوقات" ص 466، وفيه ذكره معلقًا، ورواه مسندًا في "شعب الإيمان" 3/ 93 (2977) وضعف إسناده.
(3)
"فضائل الأوقات" ص 467.
زيادة، وذكرت هناك قولًا: إنها ساعة بعد طلوع الشمس. حكاه الجيلي في "شرحه"، والحافظ محب الدين الطبري في "شرحه" أيضًا، وأن الغزالي في "الإحياء"
(1)
حكى قولًا عند طلوع الشمس، وآخر أنها مع الأذان، وقد سلف، وآخر أنها إذا صعد الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة، وآخر أنها إذا قام الناس إلى الصلاة، وآخر أنها آخر وقت اختيار العصر، وتأمل هذه الأقوال مع ما سلف تجدها أكثر مما ذكرناه. قَالَ القاضي عياض: وليس معنى هذه الأقوال أن هذا كله وقت لهذه الساعة بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك الوقت لقوله: (وأشار بيده يقللها).
قَالَ النووي: وهذا الذي قاله في نفسه صحيح
(2)
، وعلى كل من الأقوال فهي تختلف باختلاف البلاد؛ لاختلاف الأزمنة باختلافها، فإن قلتَ: كيف يسأل وهو يصلي؟ فالجواب: إما أن يكون في الصلاة بأن يكون في التلاوة: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] مثلًا فقد سأل، أو عند القراءة كما جاء في حديث حذيفة: إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية عذاب استعاذ
(3)
.
وهو محتمل للفرض والنفل، نعم ورد في النفل، أو يسأل بعد انقضاء التشهد، فإنه يسن عقيب الصلاة عليه إما بما صح في الحديث أو بقرآن، فيدعو مما شاء، وأيضًا فنفس قيامه إلى الصلاة سؤال.
إذا أثنى عليك المرء يومًا
…
كفاهُ من تعرضه الثناء
(1)
"الاحياء" 1/ 246 - 247.
(2)
"المجموع" 4/ 426.
(3)
رواه مسلم (772) كتاب: المسافرين، باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل.
وهذا مع مربوب فكيف برب الأرباب؟! وإما أن يكون خارجها ويسأل بعد السلام، والساعة لم تنقض فيكون معنى سؤاله في الصلاة عند فراغها.
وقال الأثرم في "ناسخه": لا تخلو هذه الأحاديث من وجهين: إما أن يكون بعضها أصح من بعض، وإما أن تكون متنقلة كما تنتقل ليلة القدر في العشر
(1)
.
وقَالَ ابن قدامة -لما أورد: "من حين تقام إلى الانصراف"
(2)
-: فعلى هذا تكون الساعة مختلفة، فتكون في حق كل قوم في وقت صلاة
(3)
.
وأبعَدَ قوم فقالوا: رفعت؛ حكاه ابن عبد البر، ثم قَالَ: وليس بشيء عندنا؛ لحديث ابن جريج، عن داود بن أبي عاصم، عن عبد الله بن قيس مولى معاوية، قلتُ لأبي هريرة: زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة قد رفعت. قَالَ: كذب من قَالَ ذلك. قلتُ: فهي في كل جمعة أستقبلها؟ قَالَ: نعم
(4)
.
قَالَ أبو عمر: على هذا تواترت الأخبار
(5)
.
وفي "صحيح الحاكم" من حديث أبي سلمة: قلتُ: يا أبا سعيد، إن أبا هريرة حَدِّثْنا عن الساعة التي في يوم الجمعة، هل عندك فيها علم؟ فقال: سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: "إني كنت أعلمها ثم أُنسيتها كما
(1)
"ناسخ الحديث ومنسوخه" 1/ 56.
(2)
هو حديث عمرو بن عوف، المتقدم تخريجه.
(3)
"المغني" 3/ 238.
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف" 3/ 266 (5586).
(5)
"التمهيد" 4/ 53.
أنسيت ليلة القدر" ثم قَالَ: صحيح
(1)
. وخرجه ابن خزيمة أيضًا في "صحيحه"
(2)
.
وفي كتاب ابن زنجويه عن محمد بن كعب القرظي أن كلبًا مر بعد العصر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من الصحابة: اللهم اقتله. فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد وافق الساعة التي إذا دعي فيها استجيب".
وروى الأوزاعي عمن حدثه عن أبي الخير، عن علي بن أبي طالب مرفوعًا: "إذا زالت الأفياء وراحت الأرواح فاطلبوا (
…
)
(3)
الله تعالى حوائجكم، فإنها ساعة الأوابين، وإنه كان للأوابين غفورًا"
(4)
.
(1)
"المستدرك" 1/ 279 - 280 كتاب: الجمعة، قال: وهذا شاهد صحيح على شرط الشيخين لحديث يزيد بن الهاد ومحمد بن إسحاق ولم يخرجاه.
(2)
"صحيح ابن خزيمة" 3/ 122 (1741) كتاب: الجمعة، باب: ذكر إمساك النبي صلى الله عليه وسلم وقت تلك الساعة بعد علمه إياها.
(3)
في الهامش: لعله (من).
(4)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 123 (3073) كتاب: الصلوات، باب: فضل الأذان والإقامة للصلاة المكتوبة وفضل المؤذنين.
38 - باب إِذَا نَفَرَ النَّاسُ عَنِ الإِمَامِ فِي صَلَاةِ الجُمُعَةِ
فَصَلَاةُ الإِمَامِ وَمَنْ بَقِيَ جَائِزَة.
936 -
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]. [فتح: 2/ 424]
ذكر فيه عن جابر بن عبد الله قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11].
الشرح:
هذا الحديث أخرجه أيضًا في البيوع والتفسير
(1)
، وأخرجه مسلم هنا
(2)
. قَالَ الحميدي: زاد أبو مسعود فيه: فقال صلى الله عليه وسلم: "لو تتابعتم حَتَّى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارًا" ولم أجد هذه الزيادة في الكتابين ولا فيما أخرجه الإسماعيلي والبرقاني، وهي فائدة من أبي مسعود
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (2058) كتاب: البيوع، باب: قول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} ، و (4899) في التفسير، باب:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} .
(2)
"صحيح مسلم"(863) كتاب: الجمعة، باب: في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} . وورد في هامش الأصل: من خط الشيخ: أبو داود والترمذي في التفسير (
…
) والنسائي هنا وفي التفسير.
(3)
"الجمع بين الصحيحين" للحميدي 2/ 355 (1576).
إذا تقرر ذلك؛ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
قوله: (بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) الظاهر أن المراد بالصلاة هنا: الخطبة، يسميه باسم ما قاربها، وهو من جنسها، أو لأنهم كانوا ينتظرونها.
وقال ابن الجوزي: معناه: حضرنا الصلاة وكان صلى الله عليه وسلم يخطب يومئذٍ قائمًا. وبين هذا في الحديث فإنه في "الصحيح" في حديث جابر هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائمًا.
وقال البيهقي: الأشبه أن يكون الصحيح رواية من روى أن ذلك في الخطبة، والمراد بالصلاة: الخطبة، فعبر بها عنها
(1)
، يدل على ذلك حديث كعب بن عجرة السالف في باب الخطبة قائمًا
(2)
، ويؤيده أيضًا حديث الدارقطني: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة .. الحديث
(3)
كما ستعلمه، وكذا أوله المهلب حيث يحتمل أن يكون في الخطبة، كما قَالَ الحسن؛ لأن من انتظر الصلاة فهو في صلاة ولا يظن بالصحابة إلا أحسن الظن. أي: لأن الله وصف أصحاب محمد بأنهم {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} [النور: 37] إلا أن يكون هذا الحديث قبل نزول الآية، كما نبه عليه الأصيلي.
ثانيها:
(العير)، مؤنثة، لا واحد لها من لفظها: القافلة أو الإبل التي تحمل
(1)
"معرفة السنن والآثار" 4/ 350 (6419) كتاب: الجمعة، باب: الخطبة قائمًا.
(2)
يراجع شرح حديث (920).
(3)
"سنن الدارقطني" 2/ 4 - 6 كتاب: الجمعة، باب: ذكر العدد في الجمعة.
الطعام أو التجارة لا تسمى عيرًا إلا هكذا.
وفي الدارقطني: أنهم نزلوا بالبقيع
(1)
.
ووقع في "الجمع بين الصحيحين" لعبد الحق أن البخاري لم يخرج قوله: عير تحمل طعامًا. وهو عجيب، وروى الشافعي عن إبراهيم بن محمد، حَدَّثَني جعفر بن محمد عن أبيه قَالَ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، وكانت لهم سوق يقال لها: البطحاء، كانت بنو سُليم يجلبون إليها الخيل والإبل والسمن فَقدِمُوا، فخرج إليهم الناس وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لهم لهو إذا تزوج أحد من الأنصار ضربوا بالكَبَرِ -بفتح الكاف والباء- وهو الطبل، فعيرهم الله بذلك، فقال:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [الجمعة: 11] الآية
(2)
، وهو مرسل؛ لأن محمدًا الباقر من التابعين.
وقال السهيلي: ذكر أهل التأويل والحديث: أن دحية بن خليفة الكلبي قدم من الشام بعير له تحمل طعامًا وبرًّا، وكان الناس إذ ذاك محتاجين، فانفضوا إليها وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن الجوزي نحو ذلك، وقال: إنه كان قبل إسلام دحية
(3)
.
وروى ابن طاهر في "صفة التصوف" عن جابر -وقال: إسناده مخرج في مسلم-: كان صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب، وكن الجواري إذا أنكحوهن يقرون وهم يضربون بالدفوف والمزامير فيهل الناس، ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا، فعاتبهم الله فقال:{وَإِذَا رَأَوْا} الآية.
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 4.
(2)
"مسند الشافعي" 1/ 130 (384) باب: في صلاة الجمعة.
(3)
"زاد المسير" 8/ 269.
ثالثها:
الانفضاض: التفرق؛ فضضت القوم فانفضوا. أي: فرقتهم فتفرقوا.
وقوله: (حتى ما بقي معه إلا اثنا عشر رجلًا) كذا في "الصحيح"، وفي الدارقطني: ليس معه إلا (أربعين)
(1)
رجلًا أنا (فيهم)
(2)
. ثم قَالَ: لم يقله كذلك غير علي بن عاصم عن حُصين، وخالفه أصحاب حُصين فقالوا: اثنا عشر رجلًا
(3)
.
وفي "المعاني" للفراء: إلا ثمانية نفر
(4)
. وفي "تفسير عبد بن حميد": إلا سبعة
(5)
.
وفي "مراسيل أبي داود" من حديث مقاتل بن حيان أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وقد صلى الجمعة، فدخل رجل فقال: إن دحية قدم بتجارته. وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفوف، فخرج الناس لم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء، فأنزل الله {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} الآية، فقدم الخطبة يوم الجمعة وأخَّر الصلاة، فكان لا يخرج أحد لرعاف أو حدث بعد النهي حَتَّى يستأذن رسول الله، يشير إليه بإصبعه التي تلي الإبهام، فيأذن له، ثم يشير إليه بيده
(6)
.
قَالَ السهيلي: هذا وإن لم يتصل من وجه ثابت، فالظن الجميل بالصحابة يوجب أن يكون صحيحًا.
(1)
كذا بالأصل وفي الدارقطني: أربعون وهو الجادة.
(2)
كذا بالأصل، وفي الدارقطني: منهم.
(3)
"سنن الدارقطني" 2/ 4 كتاب: الجمعة، باب: ذكر العدد في الجمعة.
(4)
"معاني القرآن" 3/ 157.
(5)
انظر: "الدر المنثور" 6/ 331.
(6)
"المراسيل"(62) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الجمعة.
وكذا قَالَ القاضي عياض: إن هذا أشبه بحال الصحابة، والمظنون بهم أنهم ما كانوا يدعون الصلاة معه، وإنما ظنوا جواز الانصراف بعد انقضاء الصلاة، وقد أنكر بعضهم كونه صلى الله عليه وسلم خطب قط بعد صلاة الجمعة هنا
(1)
.
رابعها:
جاء في "الصحيح": لما ذكر الاثني عشر رجلًا وأنا فيهم. وفي أفراد مسلم: ومنهم أبو بكر وعمر
(2)
.
وذكر السهيلي أنه جاء ذكر أسماء الباقين في حديث مرسل رواه أسعد
(3)
بن عمرو والد موسى بن أسد، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وبلال، وابن مسعود في رواية، وفي رواية: عمار بن ياسر، وأهمل جابرًا -وهو الصحيح كما سلف- وسالمًا مولى أبي حذيفة، ذكرها إسماعيل بن أبي زياد الشامي في "تفسير ابن عباس".
وجاء في رواية: فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلًا وامرأة
(4)
. وفي أخرى: وامرأتان. ذكرها إسماعيل هذا.
خامسها:
إن قلتَ: ما السر في قوله {إِلَيْهَا} دون قوله: إليهما؟
قلتُ: لأن التجارة كانت أهم إليهم. وفي قراءة عبد الله: (وإذا رأوا
(1)
"إكمال المعلم" 3/ 262.
(2)
"صحيح مسلم"(863) كتاب: الجمعة، باب: في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} .
(3)
في هامش الأصل: لعله أسد.
(4)
رواه الطبري في "تفسيره" 12/ 98 (34140، 34142).
لهوًا أو تجارة انفضوا إليها). ذكره الفراء
(1)
والمبرد.
والتقدير كما قَالَ الزجاج: إليها في كل واحد، وحذف؛ لأن الثاني يدل عليه. قَالَ: ويجوز في الكلام: انفضوا إليه وإليها وإليهما، أو أن العطف إذا كان بـ (أو) إذا كان ضميرًا، قياسه عوده إلى أحدهما لا إليهما، أو أن الضمير أعيد إلى المعنى دون اللفظ. أي: انفضوا إلى الرؤية التي رأوها. أي: مالوا إلى طلب ما رأوه. قاله ابن الأثير
(2)
.
سادسها:
اختلف العلماء في الإمام يفتتح الجمعة بالجماعة ثم يتفرقون، وهو ما ترجم له البخاري فقال الثوري: إذا ذهبوا إلا رجلين صلى ركعتين، وإن بقي واحد صلى أربعًا
(3)
.
وقال أبو ثور: إذا بقي معه واحد صلى جمعة اعتبارًا بالدخول. ورآه الشافعي
(4)
، وقال أبو يوسف ومحمد: إذا كبَّر ثم تفرقوا كلهم صلاها جمعة وحده
(5)
.
وقال أبو حنيفة: إذا نفروا قبل أن يركع ويسجد سجدة يستقبل الظهر، وإن نفروا بعد سجوده سجدة صلاها جمعة
(6)
؛ وحُكي عن مالك والمزني
(7)
.
(1)
انظر: "معاني القرآن" 3/ 157.
(2)
"الشافي في شرح مسند الشافعي" لابن الأثير 2/ 225.
(3)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 111.
(4)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 111، 112.
وورد بهامش الأصل: أي: في القديم.
(5)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 112، 113.
(6)
انظر: "الهداية" 1/ 90.
(7)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 404 - 406.
وقال زفر: إذا نفروا عنه قبل أن يجلس للتشهد بطلت صلاته
(1)
؛ لأنه يراعى فيها الاجتماع إلى آخرها.
وعن الشافعي أقوال:
أظهرها: البطلان إذا انفضوا.
ثانيها: لا، إن بقي اثنان.
ثالثها: لا، إن بقي واحد.
وخرج المزني قولين آخرين:
أحدهما: إن بقي وحده جاز أن يتم الجمعة.
والثاني: إنه إن صلى ركعة ثم انفضوا أتم الجمعة، وإن انفضوا قبل الركعة لم يتم الجمعة
(2)
.
وعن أشهب: إذا لم يبق معه [إلا]
(3)
عبيد أو نساء صلى بهم الجمعة
(4)
. وقال إسحاق: إن بقي معه اثنا عشر رجلًا صلى الجمعة ركعتين على ظاهر هذا الحديث.
وهذه المسألة فرع على اختلافهم في عدد من تقوم بهم الجمعة، وقد سلف.
قَالَ ابن بطال: والصحيح قول من قَالَ: إن نفروا عنه بعد عقد ركعة كاملة أنه يتمها جمعه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"
(5)
، ولا يكفي الدخول؛ لأنه لو كبَّر ولم يكبروا وانفضوا
(1)
انظر: "المبسوط" 2/ 34.
(2)
انظر: "المجموع" 4/ 374.
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 455، 456.
(5)
سلف برقم (580)، ورواه مسلم (607).
لا جمعة، فكذا إذا نفروا بعد أن كبَّر لا يقال: إن الجمعة استقرت بدخولهم فيها فلا اعتبار بعقد الركعة، فإنه بإدراك التشهد منها مدرك لتكبيرة الإحرام معه، ولا يعتد بها، ولا ينبني عليها جمعة
(1)
.
واحتج الطحاوي لأصحابه بأن قَالَ: شرط صحة الجمعة الإمام والمأموم، فلما كان المأموم تصح له الجمعة بأن يدرك بعض الصلاة مع الإمام وإن لم يدرك جميعها، كذلك ينبغي أن يصح للإمام مشاركة المأمومين له في بعض صلاته
(2)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 524.
(2)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 349.
39 - باب الصَّلَاةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا
937 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ العِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. [1165، 1172، 1180 - مسلم: 729، 882 - فتح: 2/ 425]
ذكر فيه حديث عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ العِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
الشرح:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا وأبو داود والنسائي
(1)
، وفي رواية معن عن مالك: حَتَّى ينصرف فيصلي في بيته. وفي رواية يحيى عن مالك: وكان لا يصلي بعد الجمعة في المسجد حتى ينصرف فيسجد سجدتين
(2)
.
قَالَ الدارقطني في "الموطآت": وكذلك قَالَ أبو علي الحنفي وبشر ابن عمر: حين ينصرف فيصلي. فقط. ورواية سالم عن أبيه لم يذكر فيها البيت في المغرب، وفي "الغرائب": وبعد صلاة العشاء ركعتين في بيته.
(1)
"صحيح مسلم"(729) كتاب: صلاة المسافرين، باب: فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن. أبو داود (1252) كتاب: التطوع، باب: تفريع أبواب التطوع وركعات السنة، النسائي 2/ 119 كتاب: الإمامة، باب: الصلاة بعد الظهر.
(2)
رواها مسلم (882/ 71) كتاب: الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة، ومالك ص 121 كتاب: الصلاة، باب: العمل في جامع الصلاة.
وفيها أيضًا: كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي بعد الجمعة شيئًا.
إذا تقرر ذلك؛ فالبخاري رحمه الله ذكر الصلاة بعد الجمعة كما ترى، ولم يذكر الصلاة قبلها إلا أن يريد أنها تداني الظهر.
وقد أفردته في جزء مفرد قديمًا، ومنه حديث ابن عمر أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، أخرجه أبو داود وابن حبان في "صحيحه"
(1)
، وذكرت فيه أحاديث عامة وخاصة، ولابد لك من مراجعته.
وفي ابن ماجه -بإسنادٍ ضعيف- عن ابن عباس قَالَ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع من قبل الجمعة أربعًا لا يفصل في شيء منهن
(2)
، وصح فيما بعدها حديث أبي هريرة مرفوعًا:"إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات"
(3)
، وفي لفظٍ:"من كان مصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا"
(4)
، وفي آخر:"إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعًا" أخرجه مسلم
(5)
.
وفي "علل الخلَّال": "فإن عجل بك شيءٌ فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت" وقال الخطيب: هذا مدرج
(6)
.
وقال الأثرم: قلتُ لأحمد: عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر عن حفصة: كان صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الجمعة وكعتين؟ فقال: عن حفصة!
(1)
"سنن أبي دواد"(1128) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة بعد الجمعة، و"صحيح ابن حبان" 6/ 227 (2476) كتاب: الصلاة، باب: النوافل.
(2)
"سنن ابن ماجه"(1129) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة قبل الجمعة، قال الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (234): ضعيف جدًّا.
(3)
رواه مسلم (881) كتاب: الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة.
(4)
رواه مسلم (881).
(5)
رواه مسلم (881).
(6)
"الفصل للوصل المدرج في النقل" 1/ 311.
كالمنكر، ليس هذا بشيء، من قَالَ هذا؟ قلت: حماد بن سلمة، فقال: حماد بن سلمة! ثم سكت.
ولأبي داود: فعلها ستًّا بعدها، من طريق ابن عمر. وفي "سنن سعيد بن منصور" عن أبي عبد الرحمن السلمي قَالَ: علَّمنا ابن مسعود أن نصلي بعد الجمعة أربعًا، فلما قدم علينا علي علَّمنا أن نصلي ستًّا.
وسيأتي في باب التطوع: مثنى مثنى من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين لم يرد
(1)
.
وأخرجه مسلم أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته، ثم قَالَ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك
(2)
.
ويأتي في باب الركعتين قبل الظهر أيضًا من حديث ابن عمر: ركعتين قبل الظهر أيضًا
(3)
، ولما أخرجه الترمذي قَالَ: وفي الباب عن علي وعائشة، وحديث ابن عمر حسنٌ صحيح
(4)
، وأخرجه من حديث عائشة أيضًا وقال: حسنٌ صحيحٌ
(5)
.
وأخرجه مسلم
(6)
وأبو داود وقالا: أربعًا
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (1165) كتاب: التهجد، باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى.
(2)
"صحيح مسلم"(729) كتاب: صلاة المسافرين، باب: فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن.
(3)
سيأتي برقم (1180) كتاب: التهجد.
(4)
"سنن الترمذي"(425) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الركعتين بعد الظهر.
(5)
"سنن الترمذي"(436) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الركعتين بعد العشاء.
(6)
"صحيح مسلم"(730) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز النافلة قائمًا وقاعدًا، وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا.
(7)
"سنن أبي داود"(1269 - 1270) كتاب: التطوع، باب: الأربع قبل الظهر وبعدها.
وأخرج الأربع قبلها البخاري من حديث عائشة كما سيأتي في بابه
(1)
، وكذا مسلم
(2)
.
وفي رواية للترمذي وابن ماجه: كان إذا لم يصل أربعًا قبلها صلاهن بعدها، وقال: حسنٌ غريب
(3)
.
ولابن ماجه أيضًا: كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر صلاها بعد
(4)
.
ولابن ماجه والترمذي عنها مرفوعًا: "من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بني الله له بيتًا في الجنة: أربع قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر" قَالَ: وفي الباب عن أم حبيبة (م، والأربعة) وأبي هريرة وأبي موسى وابن عمر
(5)
، وللنسائي مثله؛ إلا أنه أبدل ركعتين (قبل)
(6)
العشاء بركعتين قبل العصر
(7)
.
(1)
سيأتي برقم (1182) كتاب: التهجد، باب: الركعتين قبل الظهر.
(2)
"صحيح مسلم"(730).
(3)
"سنن الترمذي"(426) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الركعتين بعد الظهر عن عائشة، قال الألباني في "صحيح الترمذي": حسن.
(4)
"سنن ابن ماجه"(1158) كتاب: إقامة الصلاة، باب: من فاتته الأربع قبل الظهر، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(241)، وخرجه في "الضعيفة" (4208) وقال: منكر.
(5)
"سنن الترمذي"(414) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة ما له من الفضل، و"سنن ابن ماجه" (1140) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في ثنتي عشرة ركعة من السنة، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(935).
(6)
كذا بالأصل.
(7)
"سنن النسائي" 3/ 262 - 263 كتاب: قيام الليل، باب: ذكر ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة .. من حديث أم حبيبة.
وأخرج الأربعة أيضًا قبل الظهر: أبو داود
(1)
، والترمذي في "شمائله"
(2)
، وابن ماجه من حديث أبي أيوب
(3)
، والترمذي، وقال: حسن من حديث عبد الله بن السائب
(4)
، والترمذي من حديث علي، وحسَّنه
(5)
، ومن حديث عمر، وقال: غريب
(6)
.
وفي "سنن سعيد بن منصور" عن البراء مرفوعًا: "من صلى قبل الظهر أربعًا كان كأنما تهجد من ليلته، ومن صلاهن بعد العشاء كان كمثلهن من ليلة القدر".
وفي النسائي من حديث أبي هريرة: "ركعتين قبلها وبعدها" وفي الصحيحين من حديث أم سلمة: "ركعتين بعدها".
وقوله: ("وبعد المغرب ركعتين في بيته") كذا رواه مالك وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر، ورواه ولده سالم، ولم يذكر:"في بيته".
وأخرجه الترمذي من حديث أيوب عن نافع عنه، ثم قَالَ: حسنٌ صحيح. قَالَ: وفي الباب عن رافع بن خديج وكعب بن عجرة
(7)
.
(1)
"سنن أبي داود"(1251) كتاب: التطوع، باب: الأول من الكتاب.
(2)
"شمائل الترمذي"(296) باب: صلاة الضحى.
(3)
"سنن ابن ماجه"(1157) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الأربع ركعات قبل الظهر، وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه": صحيح دون جملة الفصل.
(4)
"سنن الترمذي"(478) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة عند الزوال، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
(5)
"سنن الترمذي"(424) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الأربع قبل الظهر، صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
(6)
"سنن الترمذي"(3128) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة النحل، وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي".
(7)
"سنن الترمذي"(432) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء أنه يصليهما في البيت.
وروى عن ابن مسعود -وقال: غريبٌ- أنه قَالَ: ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)}
(1)
.
وفيه: وقال: غريب
(2)
، وأبي داود وابن ماجه
(3)
من حديث كعب بن عجرة أنه صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بني عبد الأشهل فصلى فيه المغرب، فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها، فقال:"هذه صلاة البيوت" وفي رواية: "عليكم بهذه الصلاة في البيوت".
ولأبي داود عن ابن عباس قَالَ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حَتَّى يتفرق أهل المسجد
(4)
.
وذكر ابن الأثير في "جامع الأصول" عن مكحول يبلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من صلى بعد المغرب قبل أن يتكلم ركعتين -وفي رواية: أربع ركعات- رفعت صلاته في عليين".
وعن حذيفة: كان يقول: "عجلوا الركعتين بعد المغرب، فإنهما يرفعان مع المكتوبة"
(5)
، ولم يعزهما.
وللترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعًا -وقال: غريب-: "من صلى
(1)
"سنن الترمذي"(431).
(2)
الترمذي (604).
(3)
أبو داود (1300)، وابن ماجه (1165)، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(1176).
(4)
"سنن أبي داود"(1301) كتاب: التطوع، باب: ركعتي المغرب أين تصليان؟، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" (238) قائلًا: إسناده ضعيف، يعقوب بن عبد الله، ليس بالقوي ومثله شيخه.
(5)
ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 121 - 122 (3068) باب: فضل الأذان والإقامة.
بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عُدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة" قَالَ: وقد روت عائشة مرفوعًا: "من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بني الله له بيتًا في الجنة"
(1)
.
وقوله: ("وبعد العشاء ركعتين") وفي البخاري معلقًا كما سيأتي في بابه عن ابن عمر "بعد العشاء في أهله"
(2)
، ولأبي داود عن عائشة: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل عليَّ الأولى أربع ركعات أو ست ركعات
(3)
.
وعن ابن عباس قَالَ: بت عند خالتي ميمونة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم جاء إلى منزله فصلى أربع ركعات، ثم نام .. الحديث
(4)
.
وفي البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعًا: "من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة، قرأ في الركعتين الأوليين: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} وفي الأخيرتين {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ} و {الم (1) تَنْزِيلُ} السجدة كتب له كأربع ركعات ليلة القدر" قَالَ البيهقي: تفرد به ابن فروخ المصري، والمشهور ما رواه عن يثيع عن كعب قَالَ: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى العشاء الآخرة وصلى بعدها أربع ركعات، فأتم ركوعهن وسجودهن، يعلم ما يقترئ فيهن،
(1)
"سنن الترمذي"(435) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في فضل التطوع وست ركعات بعد المغرب، وضعفه الألباني في "ضعيف الترمذي" قائلًا: ضعيف جدًا.
(2)
برقم (1172 - 1173) كتاب: التهجد، باب: التطوع بعد المكتوبة.
(3)
"سنن أبي داود"(1303) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة بعد العشاء، قال الألباني في "ضعيف أبي داود" برقم (239): ضعيف، مقاتل لا يعرف.
(4)
سلف برقم (117) كتاب: العلم، باب: السمر في العلم.
فإن له -أو قَالَ: كن له- بمنزلة ليلة القدر"
(1)
.
وقال ابن بطال: اختلف العلماء في الصلاة بعد الجمعة، فقالت طائفة: يصلي بعدها ركعتين في بيته كالتطوع بعد الظهر، روي ذلك عن عمر وعمران بن حصين والنخعي وقال مالك: إذا صلى الإمام الجمعة فينبغي أن يدخل معزله ولا يركع في المسجد؛ لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان ينصرف بعد الجمعة ولم يركع في المسجد. قَالَ: ومن خلفه أيضًا إذا سلموا فأُحب أن ينصرفوا ولا يركعوا في المسجد وإن ركعوا فذاك واسع.
وقالت طائفة: يصلي بعدها ركعتين ثم أربعًا. روي ذلك عن علي وابن عمر وأبي موسى، وهو قول عطاء والثوري وأبي يوسف، إلا أن أبا يوسف استحب أن يقدم الأربع قبل الركعتين
(2)
.
وقال الشافعي: ما أكثر المصلي بعد الجمعة من التطوع فهو أحبُّ إليَّ
(3)
.
وقالت طائفة: يصلي بعدها أربعًا لا يفصل بينهن بسلام. روي ذلك عن ابن مسعود وعلقمة والنخعي
(4)
، وهو قول أبي حنيفة
(1)
"السنن الكبرى" للبيهقي 2/ 477 كتاب: الصلاة، باب: من جعل بعد العشاء أربع ركعات أو أكثر.
(2)
رواه عبد الرزاق عن ابن عمر 3/ 246 (5522 - 5523) كتاب: الجمعة، باب: الصلاة قبل الجمعة وبعدها، وابن أبي شيبة 1/ 464 (5367 - 5370) كتاب: الصلوات، باب: من كان يصلي بعد الجمعة ركعتين، وذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 125.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 342.
(4)
رواه عنهم ابن أبي شيبة 1/ 464 - 465 (5376 - 5377)، (5379) في الصلوات، باب: من كان يصلي بعد الجمعة أربعًا، وذكرها ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 125.
وإسحاق
(1)
. احتج الأولون بحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة إلا ركعتين في بيته.
قَالَ المهلب: وهما الركعتان بعد الظهر؛ وكرر ابن عمر ذكرها لأجل أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها في بيته؛ ووجهه أنه لما كانت الجمعة ركعتين لم يصل بعدها صلاة مثلها خشية أن يظن أنها التي حذفت منها وأنها واجبة، فلما زال عن موطن القصد صلى في بيته.
وقد روى ابن جريج عن عمر بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شيءٍ رآه منه معاوية في الصلاة. قَالَ: نعم، صليت معه الجمعة، فلما سلم الإمام قمت فصليتُ، قال: لا تَعُد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تَصِلْها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نصِل صلاةً بصلاةٍ حتى نتكلم أو نخرج. وهو من أفراد مسلم
(2)
.
وروى الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قَالَ: كنا نقرأ في المسجد فنقوم فنصلي في الصف، فقال (عبد الله)
(3)
: صلوا في رحالكم؛ لئلا يراكم الناس فيرونها سنة.
وقد أجاز مالك الصلاة بعد الجمعة في المسجد للناس، ولم يجزه للأئمة
(4)
.
وحجة الآخرين ما رواه أبو إسحاق عن عطاء قَالَ: صليت مع ابن عمر الجمعةَ، فلما سلم قام فركع ركعتين، ثم صلى أربع ركعات، ثم
(1)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 36.
(2)
"صحيح مسلم"(883) كتاب: الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة.
(3)
في الأصل: أبو عبد الله.
(4)
"المدونة" 1/ 147، "النوادر" 1/ 470.
انصرف
(1)
، وما رواه سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن، عن على: من كان مصليًا بعد الجمعة فليصل ستًا
(2)
.
ووجه قول أبي يوسف ما رواه الأعمش، عن إبراهيم، عن سليمان بن مسهر، عن خَرَشة بن الحُرِّ: أن عمر كره أن يصلي بعد صلاة مثلها
(3)
.
ووجه أهل المقالة الثالثة ما رواه ابن عيينة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا:"من كان منكم مصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا"
(4)
وقد سلف
(5)
.
وقال ابن التين: معنى: (كان يصلي قبل الظهر ركعتين): يتنفل بهما، ومقتضى هذا اللفظ المداومة عليهما، وكذلك: الركعتان بعدها، وترك ذكر ما قبل العصر، وهو مباح وبعدها ممنوع عند كافة الفقهاء، إلا داود فإنه أجازه
(6)
.
قَالَ: والتنفل بعد المغرب جائز، ولا اختصاص له يثبت ولا غيره أكثر من سرعة انصارفه لنظرٍ أو غيره. قَالَ: والمراد بالانصراف على
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 464 (5369)، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 126.
(2)
رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 4/ 411 (6645) كتاب: الجمعة، باب: الإمام ينصرف إلى منزله، ورواه عبد الرزاق 3/ 247 (5525) كتاب: الجمعة، باب: الصلاة قبل الجمعة وبعدها، وابن أبي شيبة 1/ 464 (5367) كتاب: الصلوات، باب: من كان يصلي بعد الجمعة ركعتين، كلاهما (عبد الرزاق وابن أبي شيبة) عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي .. الأثر.
(3)
رواه عبد الرزاق 3/ 67 (4819 - 4820) كتاب: الصلاة، باب: التطوع قبل الصلاة وبعدها، ورواه ابن أبي شيبة 2/ 21 (5997) كتاب: الصلوات، باب: من كره أن يصلي بعد الصلاة مثلها.
(4)
سلف تخريجه.
(5)
نهاية كلام ابن بطال من "شرحه" 2/ 525 - 527.
(6)
انظر: "المحلى" 3/ 8.
أصل مالك: إلى منزله. ويحتمل أن يريد الانصراف إلى مكانه.
ويدل عليه حديث البخاري في باب التطوع بعد المكتوبة: "فأما المغرب والعشاء ففي بيته"
(1)
، فلما خص المغرب والعشاء بالبيت دل بأن غيرهما بخلافهما، فيحمل هذا الانصراف على الانتقال في المسجد.
وظاهره هنا أن المغرب وحدها ببيته، وفي الحديث المذكور ذكر العشاء معها.
فإما في المسجد فلا يخلو المصلي أن يكون إمامًا أو مأمومًا، فأما الإمام فقال مالك: لا يصلي بعد الجمعة حَتَّى ينصرف إلى منزله، ثم نقل عن النخعي موافقة عمر وعمران.
قَالَ: ودليل مالك من القياس أنها صلاة فرض ركعتان غير مقصورة، يجهر بالقراءة فيها، فكان للمنع تكثير في التنفل بعدها كالصبح.
وأما المأموم فإن شاء ركع وإن شاء لم يركع، واختار ابن القاسم الثاني، والفرق بين الإمام والمأموم أنَّ الإمام شرع له سرعة القيام من موضع مصلاه ولا يقيم به، ولم يشرع ذلك للمأموم، وفي الحديث دليلٌ على أن صلاة التطوع مثنى مثنى وستعلمه.
(1)
يأتي برقم (1172).
40 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} الآية
938 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا، فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ، ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا، فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ، وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ، وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ. [939، 941، 2349، 5403، 6248، 6279 - مسلم: 859 - فتح: 2/ 427]
939 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ بِهَذَا، وَقَالَ: مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلاَّ بَعْدَ الجُمُعَةِ. [انظر: 938 - مسلم: 859 - فتح: 2/ 427]
ذكر فيه عن سَهَل قَالَ: كَانَتْ فِينَا امْرَأَة تحقل
(1)
عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا .. الحديث.
ويأتي إن شاء الله في المزارعة والأطعمة
(2)
، وأخرجه النسائي، وأهمله ابن عساكر والطرقي.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حدثني ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ بِهَذَا، وَقَالَ: مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نتَغَذَّى إِلَّا بَعْدَ الجُمُعَةِ.
ثم قَالَ:
(1)
كذا الأصل، وهو الموافق لرواية أبي ذر، والأصيلي، والكشميهني كما في "اليونينية".
(2)
برقم (2349) كتاب: المزارعة، باب: ما جاء في الفرس، وبرقم (5403) كتاب: الأطعمة، باب: السلق والشعير.
41 - باب القَائِلَةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ
940 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كُنَّا نُبَكِّرُ إِلَى الجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ. [انظر: 905 - فتح: 2/ 428]
941 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الجُمُعَةَ ثُمَّ تَكُونُ القَائِلَةُ. [انظر: 938 - مسلم: 859 - فتح: 2/ 428]
ذكر فيه عن أنس: كُنَّا نُبَكِّرُ إِلَى الجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ.
وعن سهل: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الجُمُعَةَ ثُمَّ تَكُونُ القَائِلَةُ.
الشرح
(1)
:
بعد أن (أقرر)
(2)
أني لم أعرف اسم هذه مع شدة البحث عنها.
الأربعاء: جمع ربيع، وهي الساقية الصغيرة تجري إلى النخل، حجازية. ذكره ابن سيده. وقال ابن التين: هي الساقية.
وقيل: النهر الصغير. وقال أبو عبد الملك: هو حافات الأحواض ومجاري المياه. وقال "صاحب العين": هي: الجداول، واحدها: ربيع
(3)
.
والعَرْق: عظم عليه لحم، والجمع: عُراق، وتحقل مأخوذة من الحقل، وهو الزرع المتشعب الورق. كذا قاله ابن بطال
(4)
، وتبعه ابن التين فقال: تحقل أي: تغرس. وقيل: تزرع. قَالَ: وفي رواية أبي ذر
(1)
جمع المصنف شرح البابين هنا.
(2)
في (ج): أقدم.
(3)
"العين" 2/ 133.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 528.
تجعل بالعين والجيم
(1)
.
قلتُ: وهو ما كتبه الدمياطي بخطه.
وفي سند الأول أبو غسان المسمعي، وهو: محمد بن مطرِّف الليثي
(2)
، وأبو حازم واسمه: سلمة بن دينار القاص، مات سنة أربعين ومائة، وقيل: ثلاث وثلاثين
(3)
.
وفي الثاني: ابن أبي حازم، واسمه: عبد العزيز بن سلمة بن دينار المدني، مات فجأة في يوم الجمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة اثنتين، وقيل: أربع وثمانين ومائة، ومولده سنة سبع وثما نين، وبيعت داره فوجد فيها أربعة آلاف دينار
(4)
. قَالَ أحمد: لم يكن يعرف بطلب الحديث، ولم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه، ويقال: إن كتب سليمان بن بلال وقعت له ولم يسمعها
(5)
.
(1)
سبق أن أشرنا أن رواية أبي ذر: تحقل، وفصل ذلك القسطلاني في "إرشاد الساري" قال: ولأبي ذر والأصيلي عن الكشميهني: تحقل بالحاء المهملة والقاف المكسورة. قال: وزاد في "اليونينية" بالفاء.
(2)
هو ابن داود بن مُطرِّف بن عبد الله بن سارية الليثي، أبو غسان المدني، يقال إنه من موالي عمر بن الخطاب، قدم على المهدي بغداد، وحدث بها ونزل عسقلان الشام، وثقه يزيد بن هارون، وأحمد وأثنى عليه، وأبو حاتم ويحيى بن معين، وقال ابن المديني: كان شيخًا وسطًا صالحًا. انظر "تهذيب الكمال" 27/ 470.
(3)
في هامش الأصل: وفي "الكاشف" (
…
) أنه 144، والقول الأول ما قدمه المصنف.
(4)
عبد العزيز أبي حازم، واسمه سلَمَة بن دينار المخزومي، مولاهم، أبو تمام
المدنيّ، قال أبو بكر بن أبي خَيْثَمة، عن يحيى بن معين: ثقة صدوق ليس به بأس.
وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في موضع آخر: ثقة. انظر: "الطبقات الكبرى" 5/ 424، و"التاريخ الكبير" 6/ 25 (1571)، و"الجرح والتعديل" 5/ 382 (1787)، و"تهذيب الكمال" 18/ 120 (3439).
(5)
انظر: "المعرفة والتاريخ" 1/ 429. ووقع في الأصل بعدها: وأبو حازم سلمة بن دينار أحد الأعلام. وعلّم عليها (مكرر. إلى).
إذا عرفت ذلك؛ فقوله تعالى: {فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] الإباحة بعد حظر بالاتفاق، وقيل: هو أمر على بابه. وعن الداودي أنه إباحة لمن كان له كفاف أو لا يقدر على الكسب وفرض على عكسه. وألحق غيره من يعطف عليه بسؤال أو غيره ممن له كسب.
قلتُ: ونظير {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]{فَكَاتِبُوهُم} -على اختلاف فيه- {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} ؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يحرمون لحوم الضحايا فأعلم بالإباحة، ومنه:{كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تَتَّبِعُوا} [الأنعام: 142]، ومنه قوله:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: 222].
وقوله: (كُنَّا نتَمَنَّى يَوْمَ الجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا). يحتمل التبرك به والحاجة إليه.
وفيه: اصطناع المعروف ومواساة الأنصار وإمساك الرباع؛ ليصونوا بها وجوههم وعدم الاحتقار لشيء من المعروف وإن قل، وفضل الكفاف، وفرح المرء مما يأتيه من الفضل، والتهجير بالجمعة، وزيارة الصالحين و (
…
)
(1)
والصالحة.
وقوله: (فتكون أصول السلق عُراقه) ضبطه في رواية أبي الحسن بالغين المعجمة وبالفاء، وفي رواية أبي ذر بالعين المهملة والقاف.
قيل: معناه: أنها جعلته مكان العرق، وهو اللحم.
وقوله: (مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نتَغَدى إِلَّا بَعْدَ الجُمُعَةِ) فقد سلف الجواب عنه في باب: وقت الجمعة. أي: لاشتغالهم بالغسل والتبكير
(2)
.
وفيه: نوم القائلة، وهو مستحب، وقد قَالَ تعالى: {وَحِينَ تَضَعُونَ
(1)
كلمة لم نتبين قراءتها.
(2)
سبق برقم (905) كتاب: الجمعة.
ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} [النور: 58] أي: من القائلة.
ثم موافقة الحديث للترجمة ظاهر؛ فإن انصرافهم كان لابتغاء الغداء، والقائلة عوض ما فاته من ذلك في وقته، وهذا الحديث رد على قول مجاهد وأحمد أن الجمعة تصلى قبل الزوال استدلالًا بقوله: وما كنا نقيل إلا بعد الجمعة. ولا يسمى بعد الجمعة وقت الغداء، فبان أن قائلتهم وغدائهم بعد الجمعة، إنما كان عوضًا عما فاتهم في وقته من أجل بكورهم، وعلى هذا التأويل جمهور الأئمة وعامة العلماء، وقد أسلفنا ذلك.
ووجه ذكر البخاري الحديث في باب: الغرس من كتاب المزارعة
(1)
ليستدل به على عمل الصحابة رجالًا ونساءً بأنفسهم، وذلك شعار الصالحين من غير عارٍ ولا نقيصة على أهل البصيرة.
واعترض الإسماعيلي في قوله: (في مزرعة لها سلقًا) المعروف أن السلق يزرع ولا يغرس، ولو استدل بحديث محمد بن جعفر بن الزبير عن أبي حاتم كان واضحًا إذ فيه: كانت لنا عجوز تزرع السلق، وفي لفظٍ: ترسل إليَّ بضاعة
(2)
.
قَالَ ابن مسلمة: نخل بالمدينة، فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر، وتكركر عليه حبات من شعير
(3)
(4)
.
(1)
سيأتي برقم (2349).
(2)
ستأتي برقم (6248) كتاب: الاستئذان، باب: تسليم الرجال علي النساء، والنساء على الرجال.
(3)
السابق.
(4)
في هامش الأصل: ثم بلغ في السادس بعد الثمانين كتبه مؤلفه.