الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
12 - كتاب صلاة الخوف]
(1)
1 - باب صلاة الخوف
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} إلى قوله: {مُهِينًا} [النساء: 101 - 102]
942 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ يَعْنِى: صَلَاةَ الخَوْفِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا العَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى العَدُوِّ، وَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ التِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا، فَرَكَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. [943، 4132، 4133، 4535 - مسلم: 839 - فتح: 2/ 429]
(1)
من اليونينية.
ذكر فيه حديث الزهري: سَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ يَعْنِي: صَلَاةَ الخَوْفِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا العَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ .. الحديث.
الشرح:
هذا الحديث يأتي أيضًا في المغازي والتفسير إن شاء الله
(1)
، وأخرجه مسلم
(2)
.
ورويت على وجوهٍ كثيرة.
قَالَ الترمذي: قَالَ الإمام أحمد: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الخوف على أوجه، وما أعلم في هذا الباب إلا حديثًا صحيحًا. وعنه: لا أعلم أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف إلا حديثٌ ثابتٌ، هي كلها صحاح ثابتة
(3)
، وقيل: أي حديث صلى منها المصلي صلاة الخوف أجزأه.
وقال ابن العربي: رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف روايات كثيرة، أصحها ست عشرة رواية مختلفة
(4)
، وقال في "القبس": صلاها أربعًا وعشرين مرة
(5)
.
(1)
برقم (4132) كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع، وبرقم (4535) كتاب: التفسير، باب: قوله عز وجل: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا} .
(2)
"صحيح مسلم"(839) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الخوف، ورمز الناسخ فوق كلمة يسلم (د، ت، س) يعني: ورواه أبو داود (1243)، والترمذي (564)، والنسائي 3/ 171، 173.
(3)
"سنن الترمذي"(564) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في صلاة الخوف.
(4)
"عارضة الأحوذي".
(5)
"القبس" 1/ 375.
وقال أبو عمر: المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ستة أوجه. وقال غيره: صح منه سبعة. وذكر ابن القصار أنه صلاها في عشرة مواطن، وصححها بعضهم في ثلاث فقط.
وقال ابن حزم: هو غير بين أربعة عشر وجهًا، كلها صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبارته: من حضره خوفٌ من عدو ظالمٍ كافرٍ أو باغٍ من المسلمين أو من سيل أو من نار أو وحشٍ أو سبع أو غير ذلك، وهم في ثلاثة فصاعدًا فأميرهم مخيَّر بين أربعة عشر وجهًا كلها صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
قَالَ ابن القطان: لم يذكر البخاري في أبواب صلاة الخوف غير حديث ابن عمر هذا، وليس كذلك لما ستعلمه، أحد الأحاديث حديث سهل بن أبي حثمة أخرجه البخاري في المغازي
(2)
ومسلم والأربعة
(3)
. وكان ابن ثمان حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم أو خمس عشرة والإشكال على هذا.
ثانيها: حديث جابر
(4)
أخرجه البخاري تعليقًا
(5)
.
ثالثها: حديث ابن عباس أخرجه البخاري والنسائي
(6)
.
رابعها: حديث أبي عياش الرزقي، أخرجه أبو داود والنسائي
(1)
"المحلى" 5/ 33.
(2)
سيأتي برقم (4131) باب: غزوة ذات الرقاع.
(3)
"صحيح مسلم"(841) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الخوف. وأبو داود (1237)، والترمذي (565)، والنسائي 3/ 170 - 171، وابن ماجه (1259).
(4)
فوقها في الأصل: س. يعني النسائي.
(5)
سيأتي برقم (4137) كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع.
(6)
سيأتي برقم (944) كتاب: صلاة الخوف، باب: يحرس بعضهم بعضًا في صلاة الخوف، و"سنن النسائي" 3/ 169 - 170 كتاب: صلاة الخوف.
وصححه الحاكم على شرط الشيخين
(1)
.
خامسها: حديث حذيفة أخرجه أبو داود والنسائي
(2)
.
سادسها: حديث أبي هريرة أخرجه البخاري
(3)
(4)
، وعائشة وابن مسعود أخرجهما أبو داود، وصحح الحاكم الأول على شرط مسلم، وهو أتم حديث في صلاة الخوف
(5)
، وأبي بكرة أخرجه أبو داود
(1)
"سنن أبي داود"(1236) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الخوف، و"سنن النسائي" 3/ 177 - 178 كتاب: صلاة الخوف، و"المستدرك" 1/ 337 - 178 كتاب: صلاة الخوف.
ورواه أحمد في "المسند" 4/ 59 - 60، وابن حبان في "صحيحه" 7/ 128 (2876) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الخوف، والدارقطني في "السنن" 2/ 59 - 60 (8)، كتاب الوتر، باب: صفة صلاة الخوف، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 254 - 255 (6017) كتاب: صلاة الخوف، باب: أخذ السلاح في صلاة الخوف، و 3/ 256 - 257 (6025) كتاب. صلاة الخوف، باب: العدو يكون وجاه القبلة، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" برقم (1121).
(2)
"سنن أبي داود"(1246) كتاب: الصلاة، من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون، و"سنن النسائي" 3/ 167 - 168 كتاب: صلاة الخوف.
ورواه أحمد في "المسند" 5/ 385، 395، 399، 404، 406، ابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 293 (1343) كتاب: الصلاة، جماع أبواب صلاة الخوف باب: صلاة الإمام في شدة الخوف، وابن حبان في "صحيحه" 4/ 302 (1452) كتاب: الصلاة، باب: فرض الصلاة، و 5/ 182 (2425) كتاب: الصلاة، باب: الوتر، والحاكم في "المستدرك" 1/ 335 كتاب: صلاة الخوف، والبيهقي في 3/ 261 (6046) كتاب: صلاة الخوف، باب: من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولم يقضوا، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" 4/ 409 (1133).
(3)
فوقها في الأصل: (د) يعني أبي داود.
(4)
سيأتي برقم (4137).
(5)
حديث عائشة: "سنن أبي داود"(1242) كتاب: الصلاة، باب: من قال يكبرون =
والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم على شرط الشيخين
(1)
وقال ابن حزم: إنه آخر فعله، فهي أفضل الصفات.
وقال أبو عمر: لا وجه لمن قَالَ: إنه وحديث جابر أنه كان في الحضر.
وعبد الله بن أنيس أخرجه أبو داود وترجم عليه: صلاة الطالب والمطلوب، وصححه ابن حبان
(2)
.
= جميعًا، "مسند أحمد" 6/ 275، "صحيح ابن خزيمة" 2/ 303 (1363) كتاب: الصلاة، باب: في صلاة الخوف، "صحيح ابن حبان" 7/ 124 (2873) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الخوف، "المستدرك" للحاكم 1/ 336 - 337 كتاب: الصلاة، باب: صلاة الخوف، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وهو أتم حديث وأشفاه في صلاة الخوف، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(1131).
وأما حديث ابن مسعود ففي: "سنن أبي داود"(1244 - 1245) كتاب: الصلاة، باب: من قال يصلي بكل طائفة ركعة، و"المسند" للإمام أحمد 1/ 375، 376، 1/ 409، "مسند أبي يعلى" 9/ 239 (5353)، و"المعجم الكبير" للطبراني 10/ 147 - 148 (10272)، "السنن الكبرى" للبيهقي، 3/ 261 (6044) كتاب: صلاة الخوف، باب: من قال في هذا: كبرَّ بالطائفتين جميعًا، وقال: وهذا الحديث مرسل، أبو عبيدة لم يدرك أباه، وخصيف الجزري ليس بالقوي، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(229 - 230).
(1)
"سنن أبي داود"(1248) كتاب: الصلاة، باب: من قال يصلي بكل طائفة ركعتين، "النسائي" 3/ 178 - 179 كتاب: صلاة الخوف، أحمد في "المسند" 5/ 49، ابن حبان في "صحيحه" 7/ 135 (2881)، كتاب: الصلاة، باب: صلاة الخوف، والدارقطني في "السنن" 2/ 61 (12) باب: صفة صلاة الخوف وأقسامها، والحاكم في "المستدرك" 1/ 337 كتاب: صلاة الخوف، البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 259 - 260 كتاب: صلاة الخوف، باب: الإمام يصلي بكل طائفة ركعتين ويسلم، وصححه الحاكم على شرط الشيخين وقال الذهبي: على شرطهما وهو غريب، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1135).
(2)
أبو داود (1249) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الطالب، وأحمد في "المسند" 3/ =
وخوات بن جبير والد صالح أخرجه البيهقي
(1)
.
وزيد بن ثابت أخرجه النسائي والبيهقي
(2)
.
وعلي أخرجه ابن أبي شيبة
(3)
.
وأبي موسى أخرجه البخاري
(4)
وغير ذلك.
واختار أصحابنا منها ثلاثة: صلاته بعسفان، وببطن نخل، وبذات الرقاع، وصلاة المسايفة. وزعم الداودي أن صلاة الخوف كانت بذات الرقاع فسميت بذلك لترقيع الصلاة فيها، وكانت في المحرم يوم السبت لعشرٍ خلون منه، وقيل: سنة خمس. وقيل: في جمادى الأولى سنة أربعٍ.
وذكرها البخاري قبل غزوة خيبر كما سيأتي إن شاء الله تعالى
(5)
، ويقال:
= 3/ 496، وأبو يعلى في "المسند" 2/ 201 (905)، وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 91 - 92 (982) (983) كتاب: الصلاة، باب: الرخصة في الصلاة ماشيًا عند طلب العدو، ابن حبان في "صحيحه" 16/ 114 (7160)، كتاب: إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة، ذكر عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 256، (6024) كتاب: صلاة الخوف، باب: كيفية صلاة شدة الخوف، ضعفه الألباني ثم أشار إلى نقله إلى الصحيح "صحيح أبي داود"(1135).
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 253 كتاب: صلاة الخوف، باب: كيفية صلاة الخوف في السفر، وفي "الدلائل" 3/ 378 - 379.
(2)
"سنن النسائي" 3/ 168 كتاب: صلاة الخوف، و"السنن الكبرى" 3/ 262 - 263 كتاب: صلاة الخوف، ورواه أحمد 5/ 183، وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 294 (1345) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الإمام في شدة الخوف بكل طائفة، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 310 كتاب: الصلاة، باب: صلاة الخوف كيف هي؟، وابن حبان في "صحيحه" 7/ 121 (2870) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الخوف، وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
(3)
"المصنف" 2/ 217 (8285) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف كم هي؟
(4)
سيأتي برقم (4126) كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع.
(5)
كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع، الأحاديث من (4125 - 4137).
كانت قبل بدرٍ الموعد
(1)
.
وحديث زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم صلاها مرة، ثم لم يصل قبلها ولا بعدها. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن مجاهد
(2)
، ووهاه ابن حزم فقال: خبر ساقط.
وعند ابن بزيزة: نزلت في عسفان في صلاة العصر. وفي حديث جابر: صلاها في غزوة جهينة. وقيل: في بطن نخل. وقيل: في ذات الرقاع، سنة خمس. وقيل: في غطفان.
وحديث ابن عمر في الكتاب استشكل من حيث أنه إنما أجيز في الخندق.
وغزوة نجد -المذكورة هنا- هي ذات الرقاع، وهي قبل الخندق إجماعًا، إلا ما شذ به البخاري من أنها بعد خيبر.
اللهم إلا أن يكون حضرها من غير إجازة، نعم لما كان يوم الخندق لم تنزل صلاة المسايفة، كما رواه الدارمي وأبو داود الطيالسي من حديث أبي سعيد، فاتجه ما قاله ابن عمر، وإن كان أهل السير على خلافه
(3)
.
(1)
قال ابن سعد: ذات الرقاع في المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرًا من مهاجره، خرج ليلة السبت لعشرٍ خلون من المحرم، وقال ابن هشام: في سنة أربع، قال ابن إسحاق: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى ثم غزا نجدًا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان حتى نزل نخلًا وهي غزوة ذات الرقاع. وقال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان، انظر:"طبقات ابن سعد" 2/ 61 و"سيرة ابن هشام" 3/ 214، 221.
(2)
"المصنف" 2/ 215 (8272) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف.
(3)
"مسند الدارمي" 2/ 954 (1565) كتاب: الصلاة، باب: الحبس عن الصلاة، و"مسند الطيالسي" 3/ 676 (2345).
وكذا وقع في كلام النووي
(1)
وابن القصار: إن صلاة الخوف كانت بعد الخندق في غزوة ذات الرقاع
(2)
.
وفي مسلم من حديث ابن عباس: وفي الخوف ركعة
(3)
. وأخرجه
الحاكم مطولًا: وصلاته بذي قرد. وقال صحيح على شرطهما
(4)
.
قَالَ ابن بطال: وإليه ذهب ابن أبي ليلى.
قَالَ الطحاوي وأبو يوسف أيضًا: إذا كان العدو في القبلة، فإن كانوا في غيرها فكما روى ابن عمر
(5)
.
وأما أبو حنيفة ومالك فتركا العمل به لمخالفته الكتاب
(6)
.
وقال أحمد فيما حكاه الخلال في "علله" عنه: لا أعلم أحدًا قَالَ في الماشي يصلي إلا عطاء، وما يعجبني أن يصلي الماشي.
قلتُ: حكاه عطاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه ابن أبي شيبة، وروى أيضًا عن مجاهد الصلاة وهو بمنًى
(7)
.
(1)
ورد في هامش الأصل: وقال النووي في "الروضة": في السير السنة الرابعة فيها غزوة الخندق وساق كلامًا إلى أن قال الخامسة وفيها غزوة ذات الرقاع في أول المحرم وبها صلى صلاة الخوف وهي أول صلاة للخوف وكذا قال في "التهذيب" أن الخندق سنة أربع وقيل سنة خمس.
[قلت (المحقق): انظر: "تهذيب الأسماء" 3/ 102، "روضة الطالبين" 7/ 410].
(2)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 6/ 128.
(3)
"صحيح مسلم"(687) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها.
(4)
"المستدرك" 1/ 335 كتاب: صلاة الخوف.
(5)
"شرح معاني الآثار" 1/ 319 - 320.
(6)
"شرح ابن بطال" 2/ 540، وانظر:"شرح معاني الآثار" 1/ 319 - 320.
(7)
"المصنف" 2/ 225 (8364 - 8365) كتاب: الصلوات، باب: الرجل يصلي وهو يمشي.
وقال مكحول: لا بأس به وفعله سعيد بن جبير وأبو برزة الصحابي
(1)
.
وفي "المصنف" عن عطاء وسعيد بن جبير وأبي البختري وأصحابهم قالوا: إذا التقى الزحفان وضرب الناس بعضهم بعضًا وحضرت الصلاة فقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فتلك صلاتك، ثم لا يعيد
(2)
.
وعن مجاهد والحكم: إذا كان عند الطراد وسَل السيوف أجزأ الرجل أن تكون صلاته تكبيرًا، فإن لم يكن إلا تكبيرةً واحدةً أجزأته أينما كان وجهه، وعن إبراهيم: إذا حضرت الصلاة في المطاردة فأوم حيث كان وجهك. وفي لفظٍ: ركعة
(3)
.
وقال هرم بن حيان لأصحابه وكانوا في جيش: ليسجد كل رجل منكم سجدة تحت جنته، وسئل الحسن عن الصلاة إذ ذاك. قَالَ: يصلي ركعة وسجدتين تلقاء وجهه. وقال حماد: ركعة حيث كان وجهه
(4)
.
ونهى ثابت بن السمط
(5)
-أو عكسه- عن النزول للصلاة حالتئذ
(6)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 225 (8365 - 8367) كتاب: الصلوات، باب: الرجل يصلي وهو يمشي.
(2)
"المصنف" 2/ 214 (8260) كتاب: الصلوات، باب: في الصلاة عند المسايفة.
(3)
"المصنف" 2/ 214 - 215 (8261، 8263).
(4)
"المصنف" 2/ 215 (8263 - 8265) كتاب: الصلوات، باب: الصلاة عند المسايفة.
(5)
ابن الأسود بن جبلة بن عدي بن ربيعة من أهل الشام، تابعي ثقة، يروي عن جماعة من الصحابة، انظر:"ثقات ابن حبان" 4/ 94، "إكمال مغلطاي" 3/ 70 (849)، "تهذيب التهذيب" 1/ 264.
(6)
"المصنف" 2/ 215 (8270) كتاب: الصلوات، باب: في الصلاة عند المسايفة.
وقال جابر بن عبد الله: صلاة الخوف ركعة
(1)
.
وللبزار عن ابن عمر مرفوعًا: "صلاة المسايفة ركعة، على أي وجه كان الرجل تجزئ عنه، فإذا فعل ذلك فيما أحسب لم يُعد"
(2)
.
وزعم ابن حزم أنه إن كان وحده فهو مخير بين ركعتين في السفر أو ركعة واحدة وتجزئه
(3)
.
وقد روي هذا عن حذيفة أنه صلى بكل طائفة ركعة ولم يقضوا
(4)
.
وعن زيد بن ثابت مثله. قَالَ: وصح هذا أيضًا مسندًا عن جابر
(5)
.
وأخبر جابر أن القصر المذكور في الآية عند الخوف هو هذا. وصح من طريق الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي أيضًا عن ابن عمر.
فهذِه آثار متظاهرة متواترة، وقال بها جمهور السلف، كما رويناه عن حذيفة أيام عثمان ومن معه من الصحابة، لا ينكر ذلك أحد منهم، وروينا عن أبي هريرة أنه صلى بمن معه صلاة الجمعة بكل طائفة ركعة، إلا أنه لم يقض ولا أمر بالقضاء، وعن الحسن أن أبا موسى صلى في الخوف ركعة
(6)
، وعن ابن عباس: يومئ بركعة عند القتال.
(1)
"المصنف" 2/ 217 (8281) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف كم هي؟
(2)
كما في "كشف الأستار" 1/ 326 (678) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الخوف، قال: محمد بن عبد الرحمن أحاديثه مناكير وهو ضعيف عند أهل العلم.
(3)
"المحلى" 5/ 33.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 215 (8273) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف كم هي؟
(5)
رواهما ابن أبي شيبة 2/ 215 - 216 (8272)، (8276).
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 217 (8290) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف كم هي؟
وعن مكحول: إذا لم يقدروا أن يصلوا على الأرض فيصلوا على ظهور الدواب ركعتين، فإن لم يقدروا فركعة وسجدتان، فإن لم يقدروا أخروا حَتَّى يأمنوا.
قَالَ ابن حزم: أما التأخير فلا يحل البتة، وبالأول يقول سفيان بن سعيد. قال: وملنا إلى هذا لسهولته، ولكثرة من رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكثرة من قَالَ به من الصحابة والتابعين لتواتر الخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم ولموافقته القرآن العظيم
(1)
.
وحكى ابن بزيزة عن جابر: صلاة الخوف ركعة للمأموم واثنتان للإمام.
وحكي عن طاوس والحسن وجماعة من التابعين، ولما ذكر المنذري القائلين بأنها ركعة: عطاء وطاوس والحسن ومجاهد والحكم وحماد وقتادة: يومئ إيماءً.
وكان ابن راهويه يقول: أما عند المسايفة فيجزئك ركعة واحدة تومئ بها إيماءً. وكان يقول: فإن لم تقدر فسجدة واحدة، فإن لم تقدر فتكبيرة؛ لأنها ذكر الله تعالى، وأما سائر أهل العلم، فلم ينقصوا منها شيئًا، ولكن يصلي بحسب الإمكان ركعتين أي وجه يوجهون إليه يومؤن إيماءً.
وحمل قول ابن عباس: وفي الخوف ركعة
(2)
. يعني مع الإمام فلا يكون مخالفًا لغيره من الأحاديث الصحيحة.
(1)
"المحلى" 5/ 35 - 36.
(2)
أورده أبو داود عقب الرواية (1247) كتاب: صلاة السفر، باب: من قال: يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون، ورواه النسائي 3/ 169 كتاب: صلاة الخوف، وابن أبي شيبة 2/ 217 (8282 - 8283) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف كم هي؟ وذكره ابن المنذر في "الأوسط" 5/ 27.
إذا تقرر ذلك، فمذهب العلماء كافة أن صلاة الخوف مشروعة اليوم كما كانت، إلا أبا يوسف والمزني فقالا: إنها مخصوصة به
(1)
.
قَالَ مكحول والحسن اللؤلؤي ومحمد بن الحسن
(2)
وبعض علماء الشاميين، كما نقله ابن بزيزة عنهم عملًا بقوله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] الآية.
والجواب: أن هذا خطاب مواجهة؛ لأنه المبلغ عن الله، لا خطاب تخصيص، لما صح أن الصحابة صلوها بعده، منهم علي وأبو هريرة وأبو موسى وغيرهم
(3)
، وقد قَالَ:"صلوا كلما رأيتموني أصلي"
(4)
.
وقالت طائفة، منهم: أبو يوسف وابن علية، فيما حكاه في "التمهيد": لا يصلي بعده إلا بإمامين كل واحد بطائفة ركعتين، واحتجوا بقوله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] الآية.
فإذا لم يكن فيهم لم يكن ذلك لهم؛ لأنه ليس كغيره في ذلك، ولم
(1)
هذا قول أبي يوسف الأول، أما الثاني: فهو موافقته لأبي حنيفة في كونها مشروعة انظر: "المبسوط" 2/ 45، "بدائع الصنائع" 1/ 242، "البيان" 2/ 500.
(2)
انظر: "البناية" 3/ 194، أما ما ذكره عن محمد بن الحسن ففيه نظر؛ لأنه لا يقول بعدم مشروعيتها، أو أنها مخصوصة به، بل قوله كقول أبي حنيفة أنها مشروعة، انظر:"المبسوط" 2/ 45، "بدائع الصنائع" 1/ 242، "الفتاوى الهندية" 1/ 154.
(3)
رواه النسائي عن حذيفة 3/ 168 كتاب: صلاة الخوف، وابن أبي شيبة 2/ 215 (8273) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف كم هي؟ ورواه أيضًا عن أبي موسى 2/ 217 (8290) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف كم هي؟ وروى البيهقي عن حذيفة وعلى وأبي موسى 3/ 252 كتاب: صلاة الخوف، باب: الدليل على ثبوت صلاة الخوف وأنها لم تنسخ.
(4)
سلف برقم (631) كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، والإقامة وكذلك بعرفة وجمع.
يكن من أصحابه من يؤثر بنصيبه منه غيره، وكلهم كان يحب أن يأتم به، والناس بعده يستوي أحوال أهل الفضل منهم أو يتقارب، فليس بالناس اليوم حاجة إلى إمام واحد عند الحرب.
والجواب أن الإجماع على أن قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] أن خلفاءه يقومون مقامه في ذلك، فكذا هذِه الآية وغيرها
(1)
.
وقيل: إن أبا يوسف رجع عن ذلك، حكاه الأقطع في "شرحه"
(2)
، وأجاب ابن العربى عن شبهة أبي يوسف أنه إذا زال الشرط بطل المشروط من أوجه:
أحدها: أن شرط كونه صلى الله عليه وسلم أنما دخل لبيان الحكم لا لوجوده، تقديره: بيِّن لهم بفعلك، فهو أوقع في الإيضاح من قولك.
ثانيها: أنه إذا جاز له فعل ذلك جاز لنا إلا ما خص.
ثالثها: أن كل عذر طرأ على
(3)
العبادة يستوي فيها الشارع وغيره كالسفر وغيره
(4)
، وذكر ابن التين أن المعنى الذي أمر به في صلاة الخوف؛ تعليمًا لحراسة المسلمين وحذرًا من العدو، وذلك واجبٌ على كافة المسلمين، فوجب أن لا يختص صلى الله عليه وسلم به دون أمته.
تنبيهات:
أحدها: أخذ أبو يوسف بحديث ابن مسعود وابن عمر، إلا أنه قَالَ: بعد سلام الإمام تأتي الطائفة الأولى إلى موضع الإمام فتقضي ثم
(1)
"التمهيد" 5/ 275 - 276.
(2)
انظر: "البناية" 3/ 194 - 195.
(3)
كذا بالأصل، والمثبت من "عارضة الأحوذي" 3/ 45.
(4)
"عارضة الأحوذي" 3/ 45.
تذهب، ثم تأتي الطائفة الثانية فتقضي ثم تذهب. وقد أنكرت عليه هذِه الزيادة، وقيل: إنها لم تذكر في حديث.
قَالَ ابن حزم: وأما قوله: تقضي الأولى الركعة التي بقيت عليها بلا قراءة شيء من القرآن فيها وتقضي الثانية التي بقيت عليها (بقراءة)
(1)
القرآن فيها، ولابد، وهذا لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة
(2)
، ووافق أبو حنيفة أشهب
(3)
والأوزاعي، ثم رجع فأخذ بحديث غزوة ذات الرقاع
(4)
.
والشافعي أخذ بحديث صالح بن خوات الآتي
(5)
، واختاره أحمد وأبو ثور، ورجع عنه مالك
(6)
. قَالَ الشافعي: والمصير إليه أولى
(7)
.
ثانيها: روى الدارقطني من حديث ابن عمر مرفوعًا: "ليس في صلاة الخوف سهو"
(8)
،
وهو واهٍ رده ابن عدي
(9)
ببقية
(10)
وشيخه عبد الحميد بن
(1)
في الأصل: (قراءة) والمثبت من "المحلى".
(2)
"المحلى" 5/ 40.
(3)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 366، "المنتقى" 1/ 322.
(4)
لم نقف على هذا القول.
(5)
انظر: "البيان" 2/ 505.
(6)
انظر: "عيون المجالس" 1/ 426، "المغني" 3/ 201 - 202.
(7)
"الأم" 1/ 192.
(8)
"سنن الدارقطني" 2/ 58 كتاب: صلاة الخوف، باب: صفة صلاة الخوف وأقسامها، قال: تفرد به عبد الحميد بن السري وهو ضعيف.
(9)
"الكامل" 7/ 12 ترجمة (1474).
(10)
هو بقية بن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز الكلاعي الحميري الميتمي، أبو يحمد الحمصي، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سئل أبي عن بقية وإسماعيل ابن عياش، فقال: بقية أحب إلي وقال محمد بن سعد: كان ثقة في روايته من =
السري
(1)
، وأما السهيلي فقال: سنده ثابت.
الثالث: قَالَ ابن حزم: روينا عن الضحاك ومجاهد والحكم بن عتيبة وإسحاق: أن تكبيرتين فقط تجزئان في صلاة الخوف، وروينا أيضًا عن الحكم ومجاهد تكبيرة واحدة تجزئ في صلاة الخوف.
قَالَ: وليس له أجل من كتاب ولا سنة
(2)
.
وعن إسحاق: إن لم يقدر على ركعة ربما صلى سجدة، وإن لم يقدر فتكبيرة، وسيأتي قريبًا قول الأوزاعي ومن وافقه، وقول أنس في تستر.
الرابع: القضاء في رواية ابن عمر في حالة واحدة، ويبقى الإمام كالحارس وحده، وفي رواية ابن مسعود القضاء متفرق على صفة صلاتهم، وقد تأول حديث ابن عمر على ما في حديث ابن مسعود.
الخامس: قَالَ مالك في حديث "سهل بن سعد"
(3)
: هذا أحسن ما سمعت في صلاة الخوف
(4)
، وفي رواية: إنه أحب ما سمعت
(5)
، ثم رجع وقال: يكون قضاؤهم بعد السلام أحبُّ إليَّ على حديث سهل
(6)
= الثقات، ضعيف في روايته من غير الثقات، وقال أحمد بن عبد الله العجلي: ثقة، فيما روى عن المعروفين، وما روى عن المجهولين فليس بشيء. وقال أبو زرعة: بقية عجيب إذا روى عن الثقات، فهو ثقة. انظر:"تهذيب الكمال" 4/ 192.
(1)
هو: عبد الحميد بن السري، قال أبو حاتم عنه: مجهول، من المجاهيل، والخبر منكر، انظر:"الجرح والتعديل" 6/ 14 (66)، "الكامل" لابن عدي 7/ 12 (1474)، و"لسان الميزان" 4/ 231 (4973).
(2)
"المحلى" 5/ 41.
(3)
كذا بالأصل، ووقع في "الموطأ" ص 130 سهل بن أبي حثمة.
(4)
"الموطأ" 1/ 234 (603) رواية أبي مصعب كتاب الجمعة، باب: صلاة الخوف.
(5)
وردت في راوية يحيى 132.
(6)
انظر: "المنتقى" 1/ 324.
ولم يذكر فيه سلام الطائفة الأولى إذا تمت صلاتها، ولا ذكر سلامه صلى الله عليه وسلم
قبل أن تتم لانفسها، وذكر مالك ذلك في روايته عن يحيى بن سعيد، والزيادة مقبولة.
سادسها: لا يعترض على بعض الأحاديث لمخالفة الأصول، فإن الصلاة نفسها خرجت عنه للحاجة إليه.
سابعها: دل الدليل على أن الطائفة الثانية لا تدخل في الصلاة إلا بعد انصراف الأولى، وقوله {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] دليلٌ على أن الطائفة الأولى تنصرف، فلم يبق عليها من الصلاة شيء تفعله بعد الإمام، وقد يقال: إن معنى {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} ما بقي من صلاتك ويقضون ما فاتهم، وقوله:{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} لا يقتضي قضاء الجميع معًا، وإنما هو إخبارٌ عما أبيح لهم فعله بعدها من الذكر وغيره.
ثامنها: حديث جابر أخذ به الشافعي أيضًا: يصلي بكل طائفة ركعتين بناءً على جواز صلاة الفرض خلف المتنفل، وهذا إذا كان في سفر، ولم يُحْفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الخوف قط في حضرٍ، ولم يكن له حرب في حضرٍ إلا يوم الخندق، ولم تكن نزلت صلاة الخوف بعد.
ودفع مالك وأبو حنيفة هذا التأويل، وقال أصحابهما: إنه صلى الله عليه وسلم كان في حضرٍ ببطن نخل على باب المدينة ولم يكن مسافرًا؛ وإنما كان خوف، فخرج منه محترسًا، ولم ينقل عنه سلام في ركعتين بهم، وادَّعى ابن القصار خصوصية ذلك به على تقدير أن يكون سفرًا، وهو بعيدٌ.
ويرد دعوى الحضر، أن جابرًا ذكر في الحديث أنهم كانوا بذات الرقاع، وقد كانت صلاة الخوف نزلت.
وادَّعى الطحاوي أنه قد يجوز أن يكون ذلك منه والفريضة حينئذٍ تصلى مرتين، وكان ذلك في أول الإسلام ثم نُسخ
(1)
.
تاسعها: روي عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم صلى أيضًا، فركع في الصف المتقدم ركعة كاملة، ثم تأخروا، ثم تقدم الآخرون فركع بهم ثانية كذلك، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وللناس ركعة ركعة
(2)
، ويجوز أن تكون هذِه صفة أخرى، وقد اْسلفنا عن أحمد أن أحاديث صلاة الخوف صحاح كلها، وهو قول الطبري وطائفة من أهل الحديث.
العاشر: (الضرب) في الآية التي ذكرها البخاري (السفر). وهذِه الآيات نزلت في عسفان بين الظهر والعصر، كما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي عياش الزرقي السالف.
وقوله: ({وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ})[النساء: 102] أي: وليأخذ الباقون أسلحتهم.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 316.
(2)
رواه النسائي 3/ 174 - 175 كتاب: صلاة الخوف، وابن ماجه (1260) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الخوف، أحمد في "المسند" 3/ 298، وابن أبي شيبة 2/ 216 (8276) كتاب: الصلوات، باب: في صلاة الخوف كم هي؟، وابن خزيمة 2/ 295 (1347 - 1348) كتاب: الصلاة، باب: ذكر البيان أن النبي صلى هذِه الصلاة بكل طائفة ركعة، وابن حبان 7/ 120 (2869)، كتاب: الصلاة، باب: ذكر وصف صلاة المرء في الخوف إذا أراد أن يصليها جماعة ركعة واحدة، وأبو عوانة 2/ 88 (2421)، والبيهقي 3/ 263 كتاب صلاة الخوف، باب: من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولم يقضوا وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1042)، وفي "صحيح أبو داود"(1122).
وقوله: ({وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}) يحتمل أن يكون الجميع، ويحتمل أن يكون لمن لم يصل.
الحادي عشر: الخلاف في صلاة الخوف في ثلاثة مواضع في جواز فعلها الآن، وهل تفعل في الحضر؟ وفي صفتها. وقد عرفت ذلك، وانفرد ابن الماجشون فمنعها في الحضر
(1)
؛ تمسكًا بظاهر: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101].
الثاني عشر: قوله في الحديث: (فوازينا العدو). أي: حاذيناهم.
وفي "الصحاح": وقد آزَيْتُهُ إذا حاذيته، ولا تقل: وازَيته
(2)
. وأقره ابن التين في "شرحه".
(1)
انظر: "الذخيرة" 2/ 437.
(2)
"الصحاح" 6/ 2268.
2 - باب صَلَاةِ الخَوْف رِجَالًا وَرُكْبَانًا
رَاجِلٌ: قَائِمٌ.
943 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ: إِذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا. وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا". [انظر: 924 - مسلم: 839 - فتح: 2/ 431]
ذكر فيه حديث ابن عمر نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ: إِذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا. وَزَادَ ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكبَانًا".
الشرح:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وبه أخذ الأئمة مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وعامة الفقهاء
(2)
.
وقال بعض العلماء: بحسب ما يتمكن منه، وقال جماعة من الصحابة والسلف: يصلي في الخوف ركعة يومئ بها إيماءً، وقد سلف هذا.
ولا شك أن صلاة الخوف رجالًا وركبانًا إنما تكون إذا اشتد الخوف واختلطوا في القتال، وتسمى: صلاة المسايفة، فيصلي إيماءً وكيف تمكَّن، وممن قَالَ بذلك ابن عمر، ذكره عنه مالك في "الموطأ"
(3)
، وهو قول مجاهد وطاوس وإبراهيم والحسن والزهري وطائفة من التابعين
(4)
.
(1)
مسلم (839).
(2)
انظر: "الأوسط" 5/ 39.
(3)
"الموطأ" ص 130 كتاب: الجمعة، باب: صلاة الخوف.
(4)
حكاها عنهم ابن المنذر في "الأوسط" 5/ 28.
روى ابن جريج عن مجاهد قَالَ: إذا اختلطوا فإنما هو الذكر والإشارة بالرأس
(1)
، فمذهب مجاهد إجزاء الإيماء عند شدة القتال كمذهب ابن عمر، وهو مذهب مالك والثوري والشافعي
(2)
.
وقول البخاري: (وزاد ابن عمر .. ) إلى آخره مراده: أنه رواه لا من رأيه، وكذلك قَالَ مالك. قَالَ نافع: ولا أرى ذكر ذلك عبد الله إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
ومراده بقوله: (وإن كانوا أكثر من ذلك) ما ذكره في "الموطأ" من قوله: فإن كان خوفًا هو أشد من ذلك. يعني: خوفًا لا يمكن معه القيام في موضع، ولا إقامة صف، فليصلوا قيامًا على أقدامهم، كما زاده في "الموطأ"
(4)
، يريد: أن ركوعهم وسجودهم إيماءً.
وقوله: (وركبانًا) يريد: على رواحلهم؛ لأن فرض النزول سقط.
قَالَ الشافعي في ذلك: لا بأس أن يضرب في الصلاة الضربة الخفيفة ويطعن، وإن تابع الضرب أو الطعن أو عمل عملًا يطول بطلت صلاته
(5)
.
وقال الطحاوي: وذهب قوم إلى أن الراكب لا يصلي الفريضة على دابته وإن كان في حال لا يمكنه فيها النزول.
قَالَ: وذهب آخرون إلى أن الراكب إن كان يقاتل فلا يصلي، وإن
(1)
روى عنه هذا الأثر البيهقي 3/ 255 كتاب: صلاة الخوف، باب: كيفية صلاة شدة الخوف.
(2)
ذكر عنهم ابن المنذر في "الأوسط" 5/ 28، 5/ 39.
(3)
"الموطأ" ص 130 كتاب: الجمعة، باب: صلاة الخوف.
(4)
السابق.
(5)
انظر: "البيان" 2/ 528.
كان راكبًا لا يمكنه النزول ولا يقاتل صلى؛ ويجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم يوم الخندق لم يصل؛ لأن القتال عمل، والصلاة لا عمل فيها، ورد الطحاوي القول الأول بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن صلى يوم الخندق؛ لأنها لم تشرع إذ ذاك.
وروى ابن وهب، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قَالَ: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب يوم الخندق بعد المغرب بهوي من الليل كما كان يصليها في وقتها
(1)
، وذلك قبل أن ينزل الله عليه في صلاة الخوف {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]
(2)
.
قَالَ الطحاوي: وأخبر أبو سعيد أن تركهم الصلاة يومئذ ركبانا إنما كان قبل أن يباح لهم ذلك، ثم أبيح بهذِه الآية، فثبت بذلك أن الرجل إذا كان في الخوف لا يمكنه النزول عن دابته أنَّ له أنْ يصلي عليها إيماءً، وكذلك لو أن رجلًا كان على الأرض خاف أن يفترسه سبع أو يضربه رجل بسيف فله أن يصلي قاعدًا إن كان يخاف ذلك في القيام ويومئ إيماء، وهذا كله قول أبي حنيفة وصاحبيه
(3)
.
(1)
رواه النسائي 2/ 17 كتاب: الأذان، باب: الأذان للفائت من الصلوات، وأحمد 3/ 25، والشافعي في "مسنده" 1/ 196 - 197 (553) كتاب: الصلاة، باب: في قضاء الفوائت، وابن أبي شيبة 1/ 416 (4780) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يتشاغل في الحرب أو نحو، كيف يصلي، الدارمي في "مسنده" 2/ 954 (1565) كتاب: الصلاة، باب: الحبس عن الصلاة، وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 99 (996) كتاب: الصلاة، باب: ذكر فوت الصلوات والسنة في قضائها، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 321.
(2)
"شرح معاني الآثار" 1/ 321.
(3)
انظر التخريج قبل السابق.
قَالَ في "المدونة": حيث توجهت به
(1)
، وكان أحبَّ إليه إن أمن أن يعيد في الوقت، ولم يره كالعدو.
وقال المغيرة: هما سواء، ويعيد الخائف من العدو في الوقت. وقال ابن المنذر: وكل ما فعله المصلي في حال شدة الخوف مما لا يقدر على غيره، فالصلاة مجزئة عنه قياسًا على ما وضع عنه من القيام والركوع والسجود لعلة ما هو فيه من مطاردة العدو، وهذا أشبه بظاهر الكتاب والسنة مع موافقته للنظر
(2)
.
وروي عن ابن زياد عن مالك فيمن خاف أن ينزل عن دابته من لصوص أو سباع، فإنه يصلي عليها الفريضة حيثما توجهت به ويومئ، وقاله أشهب
(3)
.
وقال ابن التين: الخوف ضربان:
يمكن فيه إقامة الصف لكن يخاف من ظهور العدو بالاشتغال بالصلاة، ولا يخلو أن يرجو أن يأمن في الوقت، فهذا ينتظر أن يأمن أو لا يرجو، فيصلي صلاة الخوف.
ولا يمكن معه إقامة الصف، ولا استدبار مثل المنهزم المطلوب، فهذا يصلي كيف أمكنه راجلًا وراكبًا؛ للآية لأنه لم يقدر على أكثر من ذلك، فلم يلزمه غيره.
فرع: ما سلف إذا كان مطلوبًا، فإن كان طالبًا فقال ابن عبد الحكم: لا يصلي إلا بالأرض صلاة الآمن.
(1)
انظر: "المدونة" 1/ 150.
(2)
انظر: "الأوسط" 5/ 38.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 484.
وقال ابن حبيب: هو في سعة من ذلك، كذا نقل أبو الوليد عن ابن عبد الحكم
(1)
، ونقل غير واحد عنه أن صلاته بالأرض أولى منها على الدواب.
(1)
"المنتقى" 1/ 325.
3 - باب يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي صَلَاةِ الخَوْفِ
944 -
حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ، وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَقَامَ الذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلَاةٍ، وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. [فتح: 2/ 433]
ذكر فيه حديث ابن عباس قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ .. الحديث.
وهو من أفراده، وفي رواية أنها كانت بذي قرد
(1)
.
وفي آخره: وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلَاةٍ، ولكن يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وهذا إذا كان العدو بينه وبين القبلة، فيصف الناس صفين، فيركع بالصف الذي يليه ويسجد معه، والصف الثاني قائم يحرس، فإذا قام من سجوده إلى الركعة الثانية تقدم الصف الثاني وتأخر الأول فركع صلى الله عليه وسلم بهم وأكمل الركعة، وهم كلهم في صلاة.
وقد روي الحديث من طريق آخر عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف بذي قرد والمشركون بينه وبين القبلة
(2)
، وقد روى نحوه أبو عياش الزرقي وجابر بن عبد الله مرفوعًا
(3)
، وبه قَالَ ابن عباس: إذا كان العدو في القبلة أن يصلي على هذِه الصفة
(4)
. وهو مذهب ابن أبي
(1)
ستأتي برقم (4125) كتاب: المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع.
(2)
رواه البخاري معلقًا عقب الرواية (4125).
(3)
سبق تخريجهما.
(4)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 319 - 320.
ليلى، وحكى ابن القصار عن الشافعي نحوه.
وقال الطحاوي: وذهب أبو يوسف إلى أن العدو إذا كان في القبلة فالصلاة هكذا، وإن كان في غيرها فالصلاة كما روى ابن عمر وغيره.
قَالَ: وبهذا تتفق الأحاديث.
قَالَ: وليس هذا بخلاف التنزيل؛ لأنه قد يجوز أن يكون قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] إذا كان العدو في غير القبلة، ثم أوحي إليه بعد ذلك كيف حكم الصلاة إذا كانوا في القبلة، ففعل الفعلين جميعًا كما جاء الخبران
(1)
.
وترك مالك وأبو حنيفة
(2)
العمل بهذا الحديث لمخالفته القرآن، وهو قوله:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى} الآية، والقرآن يدل على ما جاءت به الروايات في صلاة الخوف عن ابن عمر وغيره من دخول الطائفة الثانية في الركعة الثانية، ولم يكونوا صلوا قبل ذلك.
وقال أشهب وسحنون: إذا كان العدو في القبلة لا أحبُّ أن يصلى بالجيش أجمع؛ لأنه يتعرض أن يفتنه العدو ويشغلوه، ويصلى بطائفتين سنة صلاة الخوف
(3)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 319.
(2)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 319.
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 484.
4 - باب الصَّلَاةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الحُصُونِ وَلِقَاءِ العَدُوِّ
[وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الفَتْحُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ، حَتَّى يَنْكَشِفَ القِتَالُ أَوْ يَأمَنُوا. فَيُصَلُّوا رَكعَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، لَا يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ وُيؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا. وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ. وَقَالَ أنَسٌ: حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ القِتَالِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ، فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْدَ ارْتفَاعِ النَّهَارِ، فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى، فَفُتِحَ لَنَا. وَقَالَ أنَسٌ: وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا].
945 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا صَلَّيْتُ العَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَأَنَا وَاللهِ مَا صَلَّيْتُهَا بَعْدُ". قَالَ: فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ بَعْدَهَا. [انظر: 596 - مسلم: 631 - فتح: 2/ 434]
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الفَتْحُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ صَلَّوْا إِيمَاءً. إلى أن قال: وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ. وَقَالَ أنَسٌ: حَضَرْتُ مُنَاهَضَةَ حِصْنِ تُسْتَرَ .. إلى آخره.
ثم ذكر حديث جابر بن عبد الله قَالَ: جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ .. الحديث.
وقد سلف في مواضع منها: باب: من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت
(1)
.
وشيخ البخاري فيه: يحيى. قَالَ الجياني
(2)
، نسبه ابن السكن: يحيى بن موسى الحداني. ونسبه أبو ذر عن المستملي: يحيى بن جعفر البلخي. وروى الكلاباذي أن يحيى بن موسى ويحيى بن جعفر يرويان جميعًا عن وكيع في الجنائز، وبخط الدمياطي الحافظ هو: خت. وقيل: خت أبوه موسى، مات سنة تسع
(3)
وثلاثين
(4)
.
إذا عرفت ذلك، فالصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو، فهي صلاة حال المسايفة والقتال، الذي تقدم ذكرها في باب صلاة الخوف رجالًا وركبانًا
(5)
.
وحديث جابر هو حجة الأوزاعي ومكحول أن من لم يقدر على الإيماء أخَّر الصلاة حتى يصليها كاملة، ولا يجزئ عنها تسبيح ولا تهليل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد أخَّرها يوم الخندق، وإن كان ذلك قبل نزول صلاة الخوف، فإن فيه من الاستدلال أن الله تعالى لم يعب تأخيره لها لما كان فيه من شغل الحرب، فكذا الحال التي هي أشد من ذلك؛ إلا أنه استدلالٌ ضعيفٌ من أجل أن سُنَّة صلاة الخوف لم تكن نزلت قبل ذلك، فأما قول الأوزاعي: فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين. فقد
(1)
برقم (596) كتاب: مواقيت الصلاة.
(2)
"تقييد المهمل" 3/ 1059.
(3)
ورد في هامش الأصل: في "الكاشف"240.
(4)
يحيى بن موسى بن عبد ربه بن سالم الحداني، أبو زكريا البلخي السختياني المعروف، وثقة أبو زرعة والنسائي، قال محمد بن إسحاق الثقفي: ثقة مأمون، وقال الدارقطني: كان من الثقات، وذكره ابن حبان في "الثقات". انظر:"الكاشف"(6254).
(5)
سلف برقم (943) كتاب: صلاة الخوف.
روي مثله عن الحسن البصري وقتادة، وهو قول مكحول
(1)
.
وعن الحسن أن الإمام يصلي ركعتين والمأموم ركعة، فلعله اختلف قوله فيه، أو تكون صلاة المسايفة تخالف غيرها، ويحتمل أن مستند ذلك قول مجاهد عن ابن عباس: صلاة الخوف ركعة.
قَالَ الطحاوي: وهذا الحديث يعارضه القرآن، وذلك أنه تعالى قَالَ:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] الآية، ففرض الله صلاة الخوف، ونص فرضها في كتابه هكذا، وجعل صلاة الطائفة الأخرى بعد تمام الركعة الأولى مع الإمام، فثبت بهذا أن الإمام يصليها في حال الخوف ركعتين، وقد روى عبد الله عن ابن عباس خلاف ما روى عنه مجاهد
(2)
، وقد سلف.
والفقهاء وأكثر الصحابة على أن القصر في الخوف ليس بقصر عدد، وإنما هو قصر هيئة.
وأما التكبير فقد روي عن مجاهد أنه قَالَ: صلاة المسايفة تكبيرة واحدة
(3)
.
وعن سعيد بن جبير وأبي عبد الرحمن قَالَ: الصلاة عند المسايفة تهليل وتسبيح وتمجيد وتكبير
(4)
.
وذكر ابن المنذر عن إسحاق: تجزئك ركعة تومئ بها، فإن لم تقدر فسجدة واحدة، فإن لم تقدر فتكبيرة واحدة؛ لأنه ذكر الله
(5)
.
(1)
انظر: "المغني" 3/ 306.
(2)
"شرح معاني الآثار" 1/ 309.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 215 (8266) في الصلاة، باب: في الصلاة عند المسايفة.
(4)
رواهما ابن أبي شيبة 2/ 214 (8260) كتاب: الصلوات.
(5)
"الأوسط" 5/ 28.
وقال الحسن بن حَيّ: يكبر مكان كل ركعة تكبيرة. وقد سلف.
وأما أئمة الفتوى فلا يجزئ عندهم التكبير عن الركوع والسجود؛ لأن التكبير لا يسمى بركوع ولا سجود، وإنما يجزئ الإتيان بأيسرهما، وأقل الأعمال الثابتة عنها الإشارة والإيماء الدال على الخضوع لله تعالى فيهما.
قَالَ الأصيلي: ومعنى (قول أنس: فلم يقدروا على الصلاة): فإنهم لم يجدوا السبيل إلى الوضوء من شدةِ القتال، فأخروا الصَّلاةَ إلى وجود الماء، ويحتمل أن يكون تأخيره صلى الله عليه وسلم يوم الخندق حَتَّى غربت؛ لأنه لم يجد السبيل إلى الوضوء.
قلتُ: ويحتمل النسيان، ولأجل الخوف والشغل بحرب المشركين.
وقوله: (لَمْ يُصَلِّ إلاَّ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ). قَالَ خليفة بن خياط في "تاريخه": حدَّثَنَا ابن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، قَالَ: لم نُصَلِ يومئذِ الغداة حَتَّى انتصف النهار. قَالَ خليفة: وذلك في سنة عشرين.
وقوله: (مَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) وفي رواية خليفة: الدنيا كلها. بمعنى: أنهم أتوا بها في وقتها لم يفرطوا، ولم يكن عليهم أكثر من ذلك. وقيل: يريد: لو كانت في وقتها كان أحبَّ إليَّ من الدنيا وما فيها.
وقول الأوزاعي: فإن لم يقدروا على الإيماء أخَّروا الصلاة حتى ينكشف القتال. فيه مخالفة لقول مالك؛ لأنه لا يعجزه عن الإيماء طالبين ولا مطلوبين، ولا يمنعهم مسايفة
(1)
. وقوله: (لا يجزئهم التكبير). قد سلف ما فيه.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 325، و"عارضة الأحوذي" 3/ 46.
5 -
باب
صَلَاةِ الطَّالِبِ وَالمَطلُوبِ رَاكِبًا وَإِيمَاءً
وَقَالَ الوَلِيدُ: ذَكَرْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ صَلَاةَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، فَقَالَ كَذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا إِذَا تُخُوِّفَ الفَوْتُ، وَاحْتَجَّ الوَلِيدُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ".
- باب
946 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ". فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ العَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ. فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. [4119 - مسلم: 1770 - فتح: 2/ 436]
ذكر فيه حديث ابن عمر قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا في بَني قُرَيْظَةَ .. " الحديث.
كذا في بعض النسخ: (باب). وفي شرح شيخنا حذفه.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في المغازي
(1)
ومسلم أيضًا هناك
(2)
.
والأثر أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع، ثنا ابن عون، عن رجاء بن حيوة الكندي قَالَ: كان ثابت بن السَّمط -أو السَّمط بن ثابت- في مسيرٍ في خوفٍ، فحضرت الصلاة فصلوا ركبانًا، فنزل الأشتر. فقال: ما له؟
(1)
سيأتي برقم (4119) باب: مرجع النبي من الأحزاب.
(2)
"صحيح مسلم"(1770/ 69) كتاب: الجهاد والسير، باب: المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين.
قالوا: نزل يصلي. قَالَ: ما له خالف خولف به
(1)
.
وذكر ابن حبان أن ثابت بن السَّمط أخو شرحبيل بن السمط
(2)
، فإذا كان كذلك فيشبه أن يكونا كانا في ذلك الجيش فنسب إلى كل منهما؛ لأنهما كانا رئيسيه.
والسَّمط بفتح السين وكسر الميم، قيده الجياني
(3)
. وعن بعضهم بكسر السين وإسكان اليم، وقد ذكر شرحبيل جماعة في الصحابة، وثابتًا في التابعين، وشرحبيل هو الذي كان على حمص، وهو الذي افتتحها.
قال أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي صاحب "تاريخ حمص": مات بسلمية سنة ست وثلاثين، وقيل: سنة أربعين، هاجر إلى المدينة زمن عمر. وقَالَ أبو داود: مات بصفين
(4)
.
واختلفت الرواية: هل قَالَ: "لا يصلين أحد الظهر" أو"العصر"؟
ففي البخاري عن شيخه عبد الله بن محمد بن أسماء، عن جويرية:"العصر". ووافقه أبو غسان عن جويرة، أخرجهما الإسماعيلي.
وروى عنه مسلم "الظهر"
(5)
، وكذا رواه ابن حبان في "صحيحه" من طريق أبي غسان (عنه)
(6)
(7)
.
(1)
"المصنف" 2/ 215 (8270) كتاب: الصلوات، باب: في الصلاة عند المسايفة.
(2)
"الثقات" 4/ 91.
(3)
"تقييد المهمل" 2/ 301.
(4)
"سنن أبي داود" عقب الرواية (3967) كتاب: العتق، باب: أي الرقاب أفضل.
(5)
"صحيح مسلم"(1770) كتاب: الجهاد والسير، باب: المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين.
(6)
كذا في الأصل، وعلق عليه في الهامش قائلًا: هو رجل وهو جويرية بن أسماء.
(7)
"صحيح ابن حبان" 4/ 320 - 321 (1462) كتاب: الصلاة، باب: الوعيد على ترك الصلاة، وأبو غسان هو مالك بن إسماعيل النهدي.
واختلف على أبي يعلى الموصلي عنه، فرواه عنه الإسماعيلي بلفظ:"العصر" ورواه أبو نعيم في "مستخرجه" على البخاري "الظهر"، ورواه ابن سعد، عن مالك كذلك أيضًا
(1)
.
وذكر ابن إسحاق: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخندق راجعًا إلى المدينة، والمسلمون قد وضعوا السلاح، فلما كان الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لقد وضعت السلاح؟ قَالَ: "نعم". قَالَ جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح بعد، إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة، فإني عامد إليهم. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأذن في الناس: من كان سامعًا مطيعًا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة
(2)
.
قَالَ ابن سعد: ثم سار إليهم في المسلمين، وهم ثلاثة آلاف، وذلك يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة عقب الخندق
(3)
.
والاختلاف في الخندق هل هي سنة خمس أو أربع؟ فحاصرهم خمس عشرة ليلة، وقيل: خمسًا وعشرين ليلة.
وقال ابن عبد البر: بضعًا وعشرين ليلة. وذكر ابن حزم: وتتابع المسلمون، ولما كانت صلاة العصر وهم في الطريق ذكروا الصلاة، فقال بعضهم: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمركم أن تصلوا العصر في بني قريظة؟ فصلت طائفة منهم، وأخرت طائفة منهم العصر فصلوها في بني قريطة بعد العشاء.
وفي الجمع بين روايتي الظهر أو العصر احتمالان:
(1)
"الطبقات الكبرى" 2/ 76.
(2)
ذكره ابن هشام في "السيرة النبوية" 3/ 252 عنه.
(3)
"الطبقات الكبرى" 2/ 74.
أحدهما: أنه كان بعد دخول وقت الظهر، وقد صلاها بالمدينة بعضهم دون بعض، فقيل للذين لم يصلوها: لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة. وللذين صلوها بالمدينة: لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة.
الثاني: أنه قيل ذلك للجميع، ويحتمل ثالثًا وهو أنه قيل للذين ذهبوا أولًا: لا تصلوا الظهر إلا في كذا. وللذين ذهبوا بعدهم: العصر.
إذا تقرر ذلك، فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
صلاة شرحبيل ظاهرها أنها كانت في الوقت، وهو من قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] واحتجاج الوليد بحديث بني قريظة لا حجة فيه كما قاله الداودي؛ لأنه كان قبل نزول صلاة الخوف، أو لأنه إنما أراد سرعة سفرهم، ولم يجعل لهم في بني قريظة موضعًا للصلاة، وقيل: إنما صلى شرحبيل على ظهر الدابة؛ لأنه طمع بالفتح للحصن فصلى إيماءً ثم فتحه، وجوز ذلك بعض أصحاب مالك، وهو نحو ما سلف عن ابن حبيب، وقاله مالك أيضًا والأوزاعي في الأصل.
وقال عطاء والحسن والثوري والشافعي: لا يصلي الطالب إلا بالأرض
(1)
، ويحتمل أن يكون لما أمرهم صلى الله عليه وسلم بتأخير العصر ترك الفرض، وهو فرض ولم يعنفهم بذلك فشرع للطالب أن يصلي راكبًا في الوقت إيماءً، قياسًا على ترك الوقت.
الثاني:
اختلف العلماء في صلاة الطالب على ظهر الدابة بعد اتفاقهم على
(1)
ذكرها عنهم ابن المنذر في "الأوسط" 5/ 42.
جواز صلاة المطلوب راكبًا، فذهبت طائفة إلى أن الطالب لا يصلي على دابته وينزل فيصلي بالأرض، هذا قول عطاء -ومن أسلفناه- وأحمد وأبي ثور
(1)
.
وقال الشافعي: إلا في حالة واحدة، وهو أن يقطع الطالبون من أصحابهم فيخافوا عودة المطلوبين إليهم، فإذا كان هكذا جاز لهم الإيماء ركبانًا
(2)
.
وذكر ابن حبيب عن ابن عبد الحكم قَالَ: صلاة الطالب بالأرض أولى من الصلاة على الدواب وفيها قول ثان.
قَالَ ابن حبيب: هو في سعة، وإن كان طالبًا لا ينزل فيصلي إيماءً؛ لأنه مع عدوه لم يصل إلى حقيقة أمن، وقاله مالك
(3)
، وهو مذهب الأوزاعي وشرحبيل، وذكر المدائني عن الأوزاعي قَالَ: إذا خاف الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلوا حيث وجهوا على كل حال؛ لأن الحديث جاء أن النصر لا يرفع مادام الطلب.
ونقل ابن النقيب في "تفسيره" عن أبي حنيفة أن المطلوب يصلي وهو مسايف، والطالب لا يصلي على الدابة
(4)
.
وعن مالك وجماعة من أصحابه: هما كل واحد منهما يصلي على دابته
(5)
. وعن الأوزاعي والشافعي وفقهاء أصحاب الحديث كقول أبي حنيفة؛ لأن الطلب تطوع والصلاة المكتوبة فرضها أن يصلي الرجل
(1)
انظر التخريج السابق.
(2)
"الأم" 1/ 20.
(3)
انظر: "المنتقى" 1/ 325.
(4)
انظر: "البناية" 3/ 202.
(5)
انظر: "عارضة الأحوذي" 2/ 46.
حيثما أمكن ذلك، وهو قول عطاء ومن سلف
(1)
، وعن الأوزاعي مرة: إن كان الطالب قرب المطلوب أومأ وإلا فلا. وعن الشافعي ما سلف.
وروى أبو داود في صلاة الطالب حديث عبد الله بن أنيس قَالَ: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي، وكان نحو عرفة وعرفات، وقال:"اذهب فاقتله". قَالَ: فرأيته وحضرت صلاة العصر، فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما أن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي، أومئ إيماءً نحوه، فلما دنوت منه قَالَ: من أنت؟
قلتُ: رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذلك قَالَ: إني لفي ذلك قَالَ: فمشيت معه ساعة حَتَّى إذا أمكنني علوته بسيفي حَتَّى برد
(2)
.
قَالَ ابن بطال: وطلبت قصة شرحبيل بن السمط بتمامها لأبيِّن هل كانوا طالبين أم لا؟ فذكر الفزاري في "السير" عن ابن عون، عن رجاء بن حيوة، عن ثابت بن السمط -أو عكسه- قَالَ: كانوا في سفر في خوفٍ فصلوا ركبانًا، فالتفت فرأى الأشتر قد نزل للصلاة، فقال: خالف خولف به. فجرح الأشتر في الفتنة
(3)
.
فبان بهذا الخبر أنهم كانوا طالبين حين صلوا ركبانًا؛ لأن الإجماع حاصل على أن المطلوب لا يصلي إلا راكبًا، إنما اختلفوا في الطالب،
(1)
انظر: "الأوسط" 5/ 42.
(2)
"سنن أبي داود"(1249) كتاب: صلاة السفر، باب: صلاة الطالب، وصححه ابن خزيمة 2/ 91 - 92 (982) كتاب: الصلاة، باب: الرخصة في الصلاة ماشيًا.
وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 437: إسناده حسن. وانظر: "صحيح أبي داود"(1135)، و"الإرواء"(589).
(3)
تقدم عزو هذا الأثر عند المصنِّف قريبًا، فعزاه إلى ابن أبي شيبة 2/ 215 عن وكيع عن ابن عون، به.
وأما استدلال الوليد بقصة بني قريظة على صلاة الطالب راكبًا، فلو وجد في بعض طرق الحدشج أن الذين صلوا في الطريق صلوا ركبانًا لكان ثبتًا في الاستدلال، ولم يحتج إلى غيره، ولما لم يوجد ذلك احتمل أن يكون لما أمرهم صلى الله عليه وسلم بتأخير العصر إلى بني قريظة.
وقد علم بالوحي أنهم لا يأتونها إلا بعد مغيب الشمس، ووقت العصر فرضٌ، فاستدل أنه كما ساغ للذين صلوا في بني قريظة ترك الوقت وهو فرض، ولم يعنفهم صلى الله عليه وسلم، فلذلك سوغ للطالب أن يصلي في الوقت راكبًا بالإيماء، ويكون تركه للركوع والسجود المفترض كترك الذين صلوا في بني قريظة الوقت الذي هو فرض، وكان ذلك قبل نزول صلاة الخوف، قاله المهلب.
قَالَ: والأمر بالصلاة في بني قريظة أراد به إزعاج الناس إليها لما كان خبره جبريل أنه لم يضع السلاح بعد، وأمره ببني قريظة
(1)
، وقد أسلفنا ذلك.
وقال ابن المنير: أشكل ذلك على ابن بطال ثم لخص كلامه السالف، وقال: والأبين عندي والذي أعلم على غير ذلك. وإنما استدل البخاري بالطائفة التي صلَّت فظهر له إنما لم تنزل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالاستعجال إلى بني قريظة، والنزول ينافي مقصود الجد في الوصول، فمنهم من بني أن النزول للصلاة معصية للأمر بالجد، فتركها إلى أن فات وقتها لوجود المعارضين
(2)
، ومنهم من جمع بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الإسراع في هذ السير، فصلى راكبًا،
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 544 - 545.
(2)
كذا بالأصل، وفي "الفتح": المعارض، ولعله الصواب.
ولو فرضناها صُليت نازلة لكان ذلك مضادة لما أمر به الرسول، وهذا لا يظن بأحد من الصحابة على تقوية أفهامهم وحسن أفئدتهم، وأما صلاة المطلوب فمأخوذ بالقياس على الطالب بطريق أولى
(1)
.
وقال بعضهم: يحتمل أنه لما بوَّب ما سلف ثم ذكر قول الوليد أن هذا الأثر هو حكم التبويب، وأن الحديث الذي ساقه بعد ذلك لا تكون الترجمة له مطابقة، ولأجل ذلك فرق بينهما بباب كما سلف ولم يجعل فيه ترجمة، وأن يكون ما ذكره من قول الوليد والأوزاعي هو حكم صلاة الطالب والمطلوب عند البخاري، وأن يكون الحديث الذي أورده في الباب بعده حكم صلاة الطالب والمطلوب إما أن يصلي أو يؤخر، وهو قول بعضهم، أو يكون مراد البخاري لما ذكر استدلال الوليد بالحديث أورد لذلك الحديث سندًا ليعلم صحة الحديث عنده، واستدلاله.
الثالث:
استنبط أبو حاتم بن حبان منه معنًى حسنًا حيث قَالَ: لو كان تأخير المرء للصلاة عن وقتها إلى أن يدخل وقت الأخرى يلزمه بذلك اسم الكفر لما أمر المصطفي بذلك
(2)
.
الرابع:
قَالَ السهيلي: فيه دليل على أن كل مختلفَيْن في الفروع من المجتهدين مصيب، إذ لا يستحيل أن يكون الشيء صوابًا في حق إنسان خطأً في حق غيره، فيكون من اجتهد في مسألة فأدَّاه اجتهاده
(1)
"المتواري" ص 111 - 112.
(2)
"صحيح ابن حبان" 4/ 418 - 419 عقب الرواية (1460) كتاب: الصلاة، باب الوعيد على ترك الصلاة.
إلى الحل مصيبًا في حلها، وكذا الحرمة، وإنما المحال أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخصٍ واحدٍ، وإنما عرفهم هذا الأصل على طائفتين:
الظاهرية: لأنهم علقوا الأحكام بالنصوص، فاستحال عندهم أن يكون النص يأتي بحظر وإباحة معًا إلا على وجه النسخ.
والمعتزلة: فإنهم علقوا الأحكام بتقبيح العقل وتحسينه، فصار حسن العقل عندهم أو قبحه صفة عين، فاستحال عندهم أن يتصف فعلٌ بالحسن في حق زيد والقبح في حق عمرو، كما يستحيل ذلك في الألوان والأكوان، وغيرها من الصفات القائمة بالذوات.
وأما ماعدا هاتين الطائفتين فليس الحظر عندهم والإباحة بصفات أعيان، وإنما هي صفات أحكام.
وردَّ هذا الخطابي فقال: فيه حجة لمن يرى تساوي الأدلة ويقول: كل مجتهد مصيب، وليس كما ظنه، وإنما هو ظاهر خطاب خص بنوع من الدليل، ألا تراه قَالَ: بل نصلي، لم يرد منا ذلك؛ يريد أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به من إقامة الصلاة في بني قريظة لا توجب تأخيرها عن وقتها على عموم الأقوال، وإنما هو كأنه قَالَ: صلوا في بني قريظة إلا أن يدرككم وقتها قبل أن تصلوا إليها.
وكذا الطائفة الأخرى في تأخيرهم الصلاة، كأنه قيل لهم: صلوا الصلاة في أوَّل وقتها، إلا أن يكون لهم عذر، فأخروها إلى آخر وقتها، وتخصيص العموم بناء على أصل متقرر، ومن خصه بدليل فإنه لا يخصه
(1)
عن جملة أصله الموجوب
(2)
، وفي القول بتساوي الأدلة
(1)
في "أعلام الحديث": يخرجه.
(2)
في "أعلام الحديث" الموجب.
تجويز أحكام متضادة
(1)
.
وقال غيره: اختلاف الصحابة في المبادرة بالصلاة عند ضيق وقتها وتأخيرها سببه أن أدلة الشرع تعارضت عندهم، فإن الصلاة مأمورٌ بها في الوقت، مع أن المفهوم من قوله:"لَا يُصَلِّيَنَّ أحدٌ -كذا- إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ": المبادرةُ بالذهاب إليه، وأن لا يشتغل عنه بشيء؛ لأن تأخير الصلاة مقصودٌ في نفسه من حيث أنه تأخيرٌ، فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم، ونظر إلى المعنى لا إلى اللفظ، فصلوا حين خافوا الفوت، وأخَّر آخرون بظاهر اللفظ وحقيقته، ولم يعنف الشارع واحدًا منهما؛ لأنهم مجتهدون، ففيه دليل لمن يقول بالمفهوم والقياس ومراعاة المعنى، ولمن يقول بالظاهر أيضًا.
وفيه: أنه لا يعنف المجتهد فيما فعله باجتهاده إذا بذل وسعه في الاجتهاد. قَالَ: وقد يستدل به على أن كل مجتهد مصيب وللقائل الآخر أن يقول: لم يصرح بإصابة الطائفتين، بل ترك تعنيفهم، ولا خلاف في ترك تعنيف المجتهد وإن أخطأ إذا بذل وسعه في الاجتهاد.
الخامس: فيه أيضًا: كما قَالَ الداودي: إن المتأول إذا لم يتعد في التأويل ليس بمخطئ، وأن السكوت على فعل أمرٍ كالقول بإجازته.
فرع:
في جواز الجمع بالخوف قولان في مذهب مالك، وقال ابن القاسم: لا بأس به، أي: لأن مشقته أكثر من مشقة السفر والمطر
(2)
.
(1)
"أعلام الحديث" 1/ 588 - 589.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 2/ 486.
6 - باب التَّبْكِيرِ وَالغَلَسِ بِالصُّبْحِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ الإِغَارَةِ وَالحَرْبِ
.
947 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَثَابِتٍ البُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ:"اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ". فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ -قَالَ: وَالخَمِيسُ الجَيْشُ- فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَتَلَ المُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ، فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الكَلْبِيِّ، وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا. فَقَالَ عَبْدُ العَزِيزِ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسًا مَا أَمْهَرَهَا؟ قَالَ: أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا. فَتَبَسَّمَ. [انظر: 371 - مسلم: 1365 - فتح: 2/ 438]
ذكر فيه حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ .. الحديث.
وقد سلف في باب: ما يذكر في الفخذ
(1)
، وسيأتي في المغازي أيضًا
(2)
، وأخرج قطعة منه في البيوع
(3)
، وهو مشتمل على صلاته بغلس ونزوله بخيبر وعتق صفية.
و (الغلس): بقايا ظلام الليل، وكان نزوله بها ليلًا فصلى الصبح بغلس ثم ركب. وفيه: التكبير شكرًا لله تعالى عندما يرى الإنسان ما يسر به كبَلَدِهِ، وكذا لولادة الغلام، ورؤية الهلال؛ لأنه إعلام بما ظهر، ورفع الصوت به إظهارًا لعلو دين الله وظهور أمره.
فإن قلتَ: ثواب العتق معلوم، فكيف فوته وفعله في مقابلة النكاح؟
(1)
برقم (371) كتاب: الصلاة.
(2)
برقم (4083) باب: أحد يحبنا ونحبه.
(3)
سيأتي برقم (2228) باب: بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة.
فالجواب: أن صفية كانت بنت ملك، ومثلها لا تقنع بالمهر إلا بالكثير، فلم يكن بيده ما يرضيها ولم ير أن يقصر بها، فجعل صداقها نفسها، وذلك عندها أشرف من الأموال الكثيرة.
وقوله: (مَا مَهَرَهَا؟) قَالَ: أمْهِرْها نفسها. قَالَ شيخنا قطب الدين: صوابه: مهرها. يعني: بحذف الألف، وبخط الحافظ الدمياطي، يقال: مهرت المرأة وأمهرتها: أعطيتها الصداق. وأنكر أبو حاتم: أمهرت. إلا في لغةٍ ضعيفة.
قَالَ: وهذا الحديث يرد عليه، وصححها أبو زيد، وقال: تميم تقول: مهرت.
وكذا قَالَ ابن التين: يقال: مهرت المرأة وأمهرتها، وقيل: مهرتها، ثلاثي أفصح وأغرب. والتغليس بالصبح سنة سفرًا وحضرًا وكان من عادته ذلك، ولم يخالف ذلك إلا يوم الأعرابي الذي سأله عن المواقيت لأجل التعليم
(1)
.
وقوله: ("إنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ") يريد: أنهم تقدم إليهم الإنذار فعتوا، فنزل بساحتهم نزول الانتقام منهم والإذلال لهم، يقول: إذا حللنا مع قوم في ديارهم غلبناهم.
قَالَ ابن التين: والساحة: الموضع. وقيل: ساحة الدور.
وقوله: ("فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ") أي: أصابهم السوء من القتل على الكفر والاسترقاق.
(1)
سلف برقم (59) كتاب: العلم، باب: من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل.
وقوله: (جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا) قد أسلفنا أن هذا من خواصه، وحكاه ابن التين عن مالك، ثم قَالَ: وعند الشافعي: لا. وهذا نقل غريب عن الشافعي
(1)
، ولعله تبع الترمذي فيه
(2)
، وليس فيه ذكر الدعوة إلى الإسلام قبل القتال، وإن كان يحتمل وقوعه وعدم نقله لكنه بعيد.
(1)
ورد بهامش الأصل: صريح هذا اللفظ أن الشافعي لا يجوز ذلك، والذي رأيته للشافعية مثل ما قال، وأما قول المؤلف هذا نقل غريب إنما الغريب قوله بالجواز، وكأنه انعكس على المؤلف، ويدل على ذلك قوله: ولعله تبع فيه الترمذي، فإن الذي حكاه الترمذي في "السنن" عن الشافعي وأحمد وإسحاق هو الجواز. فاعلم ذلك.
(2)
انظر: "سنن الترمذي" 3/ 414 - 415.
13
كتاب العيدين
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
13 - كتاب العيدين]
(1)
1 - باب فِي العِيدَيْنِ وَالتَّجَمُّلِ فِيهِ
948 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ، بْنَ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْتَعْ هَذِهِ؛ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالوُفُودِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ". فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ قُلْتَ:"إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ". وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الجُبَّةِ! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ". [انظر: 886 - مسلم: 2068 - فتح: 2/ 439]
هو في اللغة: الوقت الذي يعود فيه الفرح والسرور، وأصله من الرجوع والمعاودة في كل سنة بفرحٍ، قلبت الواو منه ياء لسكونها
(1)
من اليونينية.
وانكسار ما قبلها كالميزان والميقات من الوزن والوقت، وجمعه: أعياد. فلم يعيدوا الواو لزوال علة القلب للفرق بينه وبين جمع عود، وقيل للزوم الياء في الواحد ولهذا صغر على عييد، بالياء، وقيل: سمي عيدًا لكثرة عوائد الله فيهما على عباده. وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، وأول عيد صلاه صلى الله عليه وسلم عيد الفطر من السنة الثانية من الهجرة، وفي "سنن أبي داود" والنسائي من حديث أنس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال:"ما هذان اليومان؟ " قالوا: كنا نلعب فيها في الجاهلية. فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكما بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى والفطر"
(1)
، إسناده صحيح
(2)
.
وصلاة العيد سنة مؤكدة، وقيل: فرض كفاية.
واختلف في النساء والعبيد والصبيان والمسافرين وأهل القرى الذين لا جمعة عليهم، ففي "المدونة": لا تجب على النساء والعبيد، ولا يؤمرون بالخروج كالجمعة
(3)
.
وقال مطرف وابن الماجشون: عند ابن حبيب: هي سنة لجميع المسلمين، النساء والعبيد والمسافرين ومن عقل الصلاة من الصبيان.
وقال في "العتبية": إنما يجمع في العيدين من تلزمهم الجمعة. وروى ابن القاسم عن مالك أنها تلزم قرية فيها عشرون رجلًا، والنزول إليها
(1)
"سنن أبي داود"(1134) كتاب: الصلاة، باب: صلاة العيدين، "سنن النسائي" 3/ 179 - 180 كتاب: الصلاة، باب: صلاة العيدين.
(2)
قلت: صححه الحاكم في "المستدرك" 1/ 294 على شرط مسلم. وصححه عبد الحق الإشبيلي في "أحكامه" 2/ 79. وصحح إسناده النووي في "الخلاصة" 2/ 819 (2883)، والحافظ في "الفتح" 2/ 442. وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(1039)، وفي "الصحيحة" (2021): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(3)
"المدونة" 1/ 155.
من ثلاثة أميال كالجمعة
(1)
.
ذكر في الباب حديث عبد الله بن عمر قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ .. الحديث.
سلف في الجمعة
(2)
، ولا شك أن التجمل بالثياب غير منكر شرعًا، وأن التهيؤ للقاء الناس بالتجمل المباح لا ينكر، ولهذا لم ينكر الشارع إلا كونها حريرًا، وهذا على خلاف بعض المتقشفين، وقد روي عن الحسن البصري أنه خرج يومًا وعليه حلة يمان، وعلى فرقد جبة صوف، فجعل فرقد ينظر ويمس حلة الحسن ويسبح، فقال له: يا فرقد، ثيابي ثياب أهل الجنة، وثيابك ثياب أهل النار -يعني: القسيسين والرهبان- ثم قَالَ له: يا فرقد، التقوى ليس في هذا الكساء إنما التقوى ما وقر في الصدر وصدقه العمل.
وفيه: استفهام الصحابة عند اختلاف القول والفعل؛ ليعلموا الوجه الذي يصرف إليه الأمر الثاني.
وفيه: ائتلاف أصحابه بالعطاءِ وقبول العطية، إذا لم تجر عن مسألة، وفضل الكفاف، وجواز بيع الحرير للرجال والنساء وهبته، وهذا أغلظ حديث جاء في لبس الحرير، وقد جاء في التجمل في العيد وغيره أحاديث سلف بعضها في الجمعة.
وقال الشافعي: أخبرنا إبراهيم، أنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس بردَ حبَرةٍ في كل عيد، وحَدَّثنَا إبراهيم، ثنا جعفر بن محمد قَالَ: كان صلى الله عليه وسلم يعْتَم في كل عيد
(3)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 498 - 500.
(2)
سلف برقم (886) باب: يلبس أحسن ما يجد.
(3)
"مسند الشافعي" 1/ 152 (441) باب: صلاة العيدين.
ولابن خزيمة من حديث الحجاج، عن أبي جعفر، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة. وقال: حجاج: أظنه ابن عثمان
(1)
.
وللبيهقي عن أبي رزين، عن علي بن ربيعة قَالَ: شهدت عليًا يوم عيدٍ معتمًا قد أرخى عمامته من خلفه، والناس مثل ذلك، وعن نافع أن ابن عمر كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه
(2)
، وصح أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء، أخرجه مسلم من رواية عمرو بن حريث، عن أبيه
(3)
.
وللبيهقي عن السائب بن يزيد قَالَ: رأيت عمر بن الخطاب معتمًّا قد أرخى عمامته من خلفه
(4)
.
(1)
"صحيح ابن خزيمة" 3/ 132 (1766).
وقال النووي في "الخلاصة" 2/ 820 (2889): إسناده ضعيف. وضعفه الألباني في "الضعيفة"(2455).
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 281 كتاب: صلاة العيدين، باب: الزينة للعيد.
(3)
"صحيح مسلم"(1359/ 452) كتاب: الحج، باب: جواز دخول مكة بغير إحرام.
(4)
"السنن الكبرى" 3/ 281 كتاب: صلاة العيدين، باب: الزينة للعيد.
2 - باب الحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَومَ العِيدِ
949 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم! فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ عليه السلام فَقَالَ: "دَعْهُمَا". فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا. [انظر: 952، 987، 2906، 3529، 3931 - مسلم: 892 - فتح: 2/ 440]
950 -
وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا قَالَ:"تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ:"دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ". حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: "حَسْبُكِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاذْهَبِي". [انظر: 454 - مسلم: 892 - فتح: 2/ 440]
حدثنا أَحْمَدُ، ثَنَا ابن وَهْبٍ، أنا عَمْروٌ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ علينا النبي صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ .. الحديث.
الشرح:
هذا الحديث أخرجه أيضًا عقب هذا الباب
(1)
، وفي باب: نظر المرأة إلى الحبشة
(2)
، وفي باب: إذا قام العبد يصلي ركعتين
(3)
، وفي باب: حسن العشرة مع الأهل
(4)
، وفي باب: أصحاب الحراب
(1)
يأتي برقم (952) كتاب: العيدين، باب: سنة العيدين لأهل الإسلام.
(2)
سيأتي برقم (5236) كتاب: النكاح.
(3)
سيأتي برقم (987 - 988) كتاب: العيدين، باب: إذا فاته العيد يصلي ركعتين.
(4)
برقم (5190) كتاب: النكاح.
في المسجد
(1)
، وفي باب: الدرق من الجهاد
(2)
، فهذِه سبعة أبواب، وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
.
وعمرو هذا هو ابن الحارث، مصري، مات سنة ثمان وأربعين ومائة
(4)
.
وأحمد هذا شيخ البخاري
(5)
، قَالَ الدمياطي في الحاشية: أحمد بن صالح، مات سنة ثمان وأربعين، وابن عيسى سنة ثلاث وأربعين.
وقال الجياني: أحمد هذا نسبه ابن السكن: أبو علي أحمد بن صالح المصري، وقال الحاكم: روى البخاري في كتاب الصلاة في
(1)
سبق برقم (454) كتاب: الصلاة.
(2)
سيأتي برقم (2906 - 2907) كتاب: الجهاد والسير.
(3)
"صحيح مسلم"(892) كتاب: صلاة العيدين، باب: الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد.
(4)
عمرو بن الحارث بن يعقوب بن عبد الله الأنصاري، أبو أمية المصري، مدني الأصل، مولى قيس بن سعد بن عُبادة. كان قارئًا، فقيهًا، مفتيًا، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين وأبو زرعة والعجلي، والنسائي، وغير واحد: ثقة، وقال أبو حاتم: كان أحفظ أهل زمانه. انظر: "تهذيب الكمال" 21/ 570.
(5)
أحمد بن صالح المصري أبو جعفر الحافظ المعروف بابن الطبري كان أبوه من أهل طبرستان من الهند، وكان أبو جعفر أحد الحفاظ المبرزين والأئمة المذكورين. قال البخاري عنه: أحمد بن صالح ثقة صدوق ما رأيت أحدًا يتكلم فيه بحجة، كان أحمد بن حنبل وعلي وابن نمير وغيرهم يُثبتون أحمد بن صالح، وقال ابن عدي: وكان النسائي سيئ الرأي في أحمد بن صالح، فأحمد بن صالح من حفاظ الحديث، وخاصة لحديث الحجاز، ومن المشهورين بمعرفته، وحدث عنه البخاري مع شدة استقصائه، ولولا أني شرطت في كتابي أن أذكر فيه كل من تكلم فيه متكلم، لكنت أُجلُّ أحمد بن صالح أن أذكره، قال ابن حجر: ثقة حافظ من العاشرة. انظر: "التاريخ الكبير" 2/ 6 (1510)، "الكامل" 1/ 295 (21)، "تهذيب الكمال" 1/ 340 (49)، "تقريب التهذيب"(48).
ثلاثة مواضع عن أحمد، عن عبد الله بن وهب، فقيل: إنه أحمد بن صالح.
وقيل: ابن عيسى التستري، ولا يخلو أن يكون واحدًا منهما، فقد روى عنهما في "جامعه"، ونسبهما في مواضع وذكر الكلاباذي عن أبي أحمد الحافظ: أحمد عن ابن وهب في "جامع البخاري" هو ابن أخي ابن وهب.
قَالَ الحاكم: وهذا وهمٌ وغلط، والدليل على ذلك أن المشايخ الذين ترك أبو عبد الله الرواية عنهم في "الصحيح" قد روى عنهم في سائر مصنفاته كابن صالح وغيره، وليس عن ابن أخي ابن وهب رواية في موضع، فهذا يدلك على أنه لم يكتب عنه أو كتب عنه ثم ترك الرواية عنه أصلاً.
قَالَ ابن منده: كل ما في البخاري: حَدَّثَنَا أحمد، عن ابن وهب.
فهو ابن صالح، ولم يخرج البخاري عن ابن أخي ابن وهب في "صحيحه" شيئًا، وإذا حدث عن أحمد بن عيسى نسبه
(1)
.
قلتُ: وقد ساق ابن حزم هذا الحديث من طريق البخاري وقال فيه عنه: حَدَّثَنَا أحمد بن صالح
(2)
.
ورواه الإسماعيلي وأبو نعيم، عن الحسن بن سفيان، ثنا أحمد بن عيسى، ثنا ابن وهب. وذكر أبو نعيم أن البخاري رواه عن أحمد بن عيسى، وذكره في المناقب في باب: قصة الحبش عن يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة
(3)
.
(1)
انتهى كلام ونقل الجياني بتصرف، "تقييد المهمل" 3/ 943 - 946.
(2)
"المحلى" 5/ 92.
(3)
سيأتي برقم (3529).
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
الجارية في النساء كالغلام في الرجال، ويقال على من دون البلوغ منهما.
ثانيها:
معنى تغنيان: ترفعان أصواتهما بالإنشاد، وكل من رفع صوته بشيءٍ ووالى به مرة بعد مرة فصوته عند العرب غناءٌ، وأكثره فيما ساق من صوت أو شجا من نغمة ولحن، ولهذا قالوا: غنت الحمام، ويغني الطائر. هذا قول الخطابي
(1)
، وفي رواية له في الباب بعده: وليستا بمغنيتين
(2)
، وللنسائي: تضربان الدف بالمدينة.
وفي قوله: (ليستا بمغنيتين) إرشاد إلى أن ذلك ليس بالغناء الذي يهيج النفوس إلى أمور لا تليق، وإنما لم يتخذا الغناء صناعة وعادة.
قَالَ القرطبي: ولا خلاف في تحريم هذا الغناء؛ لأنه من اللهو واللعب المذموم بالاتفاق، فأما ما يسلم من المحرمات فيجوز القليل منه في الأعراس والأعياد وشبهها
(3)
، ومذهب أبي حنيفة تحريمه، وبه يقول أهل العراق، ومشهور مذهبنا ومذهب مالك كراهته
(4)
، وقد ألَّف الناس في تحريمه وإباحته تصانيف عديدة، والتحقيق ما ذكرناه.
وقد بسطت المسألة في "شرح المنهاج" في الشهادات فراجعها منه تجد ما يشفي الغليل
(5)
.
(1)
"غريب الحديث" 1/ 656 - 657.
(2)
حديث (952).
(3)
"المفهم" 2/ 534.
(4)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي 3/ 1053.
(5)
وانظر لزامًا "تحريم آلات الطرب" للألباني.
ثالثها:
بغُاث -بالباء الموحدة، ثم غين معجمة- وتهمل وهو المشهور -كما قال ابن قرقول- وبعد الألف ثاء مثلثة، والأشهر ترك صرفه، موضع من المدينة على ليلتين وذكر ابن الأثير أنه أعظم حصن، وكان فيه حرب بين الأوس والخزرج. قَالَ: ومن قاله بالمعجمة فقد صحف
(1)
.
وقال ابن الجوزي: إنه يوم كان الأنصار في الجاهلية اقتتلوا فيه، وقالوا فيه الأشعار، وبقيت الحرب قائمة بين الأوس والخزرج مائة وعشرين سنة حَتَّى جاء الإسلام.
قَالَ القرطبي: وكان الظهور فيه للأوس
(2)
. وذكر ابن التين أنه قتل فيه صناديدهم توطئة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى لا يطول شغبه مع الرؤساء.
رابعها:
كان الشعر الذي تغنيان به في وصف الشجاعة والحرب، وإذا صرف إلى جهاد الكفار كان معونة على أمر الدين كما سلف، وأما الغناء الذي فيه غناء بمحظور كما سلف.
وحاشا من هو دون الشارع أن يقال بمحضره ذلك، فيترك النكير له فيحمل على ما قلناه، وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاد والترنم، وأجازوا الحداء، وفعلوه بحضرة الشارع، وفي هذا إباحة مثل هذا وما في معناه، وهذا ومثله ليس بحرام ولا يجرح الشاهد.
(1)
"النهاية في غريب الحديث" 1/ 139.
(2)
"المفهم" 2/ 534.
خامسها:
جاء في مسلم أن هذا كان أيام مني
(1)
، وكذا في النسائي: ورسول الله بالمدينة
(2)
. وفي مسلم أيضًا: والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله
(3)
. وقد سلف في أبواب المساجد، باب: أصحاب الحراب في المسجد، وذكر فيه حديثًا في ذلك
(4)
.
سادسها:
(مزمارة) بكسر الميم، وروي: أبمزمور الشيطان
(5)
؟ بضم الميم الأولى، وقد تفتح، وأصله: صوت تصفير، والزمير: الصوت الحسن، يطلق على الغناء أيضًا.
قَالَ القرطبي: إنكار أبي بكر مستصحبًا لما كان تقرر عنده من تحريم اللهو والغناء جملة، حَتَّى ظن أن هذا من قبيل ما ينكر، فبادر إلى ذلك قيامًا عنه بذلك على ما ظهر، وكأنه ما كان بين له أنه صلى الله عليه وسلم قررهن على ذلك بعد فقال له:"دَعْهُمَا" وعلل الإباحة بأنه يوم عيد، يعني: يوم سرور وفرح شرعي، فلا ينكر فيه مثل هذا
(6)
.
وقال المهلب: الذي أنكره أبو بكر كثرة التنغيم وإخراج الإنشاد عن وجهه إلى معنى التطريب بالألحان، ألا ترى أنه لم ينكر الإنشاد وإنما
(1)
"صحيح مسلم"(892/ 17) كتاب: صلاة العيدين، باب: الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد.
(2)
"سنن النسائي" 3/ 196 - 197 كتاب: صلاة العيدين، باب: الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد.
(3)
"صحيح مسلم"(892/ 18) كتاب: صلاة العيدين، باب: الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه.
(4)
سلف برقم (454) كتاب: الصلاة.
(5)
مسلم (892).
(6)
"المفهم" 2/ 534 - 535.
أنكر مشابهة الزمير، فما كان من الغناء الذي يجري هذا المجرى من اختلاف النغمات وطلب الإطراب فهو الذي يخشى فتنته واستهواؤه للنفوس، وقطع الذريعة فيه أحسن، وما كان دون ذلك من الإنشاد ورفع الصوت حَتَّى لا يخفي معنى البيت، وما أراده الشاعر بشعره فغير منهي عنه
(1)
.
وقد روي عن عمر أنه رخص في غناء الأعراب وهو صوت كالحداء يسمى: النصب. إلا أنه رقيق. قَالَ عمر لرباح بن المعترف: اسمع واقصر المسير، فإذا سحرت فارفع. فرفع عقيرته وتغنى
(2)
، فهذا لم ير به بأس؛ لأنه حداء، وفي هذا أن مواضع الصالحين وأهل الفضل ينزه عن اللهو واللغو ونحوه.
وفيه: أن التابع الكبير إذا رأى ما يستنكر أو لا يليق بمجلس الكبير ينكره، ولا يكون هذا من باب الافتيات على الكبير، بل هو أدب ورعاية حرمة وإجلال به وتسجيه بثوبه وتحويله وجهه إعراضًا عن اللهو؛ ولئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن، وهذا من رأفته وحلمه وحسن خلقه.
سابعها:
قولها: (بغناء بعاث). كذا هنا، وفي الباب بعده: بما تقاولت الأنصار يوم بعُاث
(3)
. وفي رواية: بما تقاذفت
(4)
. أي: رمى به
(1)
كما في "شرح ابن بطال" 2/ 550.
(2)
رواهما البيهقي 10/ 224 كتاب: الشهادات، باب: الرجل لا ينسب نفسه إلى الغناء.
(3)
ستأتي برقم (952) كتاب: العيدين، باب: سنة العيدين لأهل الإسلام، ورواها مسلم برقم (892) كتاب: صلاة العيدين، باب: الرخصة في اللعب.
(4)
ستأتي برقم (3931) في مناقب الأنصار، باب: مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة.
بعضهم بعضًا من الأشعار. وروي: تعازفت. والظاهر أنه من العزيف كعزيف الرياح وهو دويها، ويبعد أن يكون من عزف اللهو وضرب المعازف.
ثامنها:
قوله: ("دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ") كذا هنا، وفي باب: إذا فاته العيد: "أمنًا بني أرفدة"، يعني من الأمن
(1)
.
و (دونكم) منصوب على الظرف بمعنى الإغراء، والمغرى به محذوف دلت عليه الحالة، وهو لعبهم بالحراب، فكأنه قَالَ: دونكم اللعب. والعرب تغري بعليك وعندك ودونك، وشأنها أن يتقدم الاسم كما في هذا الحديث، وقد يتأخر شاذًّا كقوله:
يا أيها المائح دلوي دونكا
…
إني رأيت الناس يحمدونكا
و (بنو أرفدة): لقب للحبشة أو اسم أبيهم الأقدم. وقيل: جنس منهم يرقصون. وقيل: أراد بني الإماء. وأرفدة بتفح الفاء، وكسرها وهو أشهر، وهو في كتب اللغة بالفتح كما قاله ابن التين.
وفي نصب: "أمنًا". وجهان:
أحدهما: أن المعنى: آمنوا أمنًا ولا تخافوا.
والثاني: أنه أقام المصدر مقام الصفة كقوله: رجل صور. أي: صائم، والمعنى: آمنين.
قَالَ ابن التين: وضبط في بعض الكتب: آمنا على وزن فاعلا، وتكون أيضًا بمعنى آمنين اسم للجنس.
وقوله: ("حَسْبُكِ؟ ") هو استفهام، وحذفت همزته بدليل قولها:
(1)
ستأتي برقم (988) كتاب: العيدين، باب: إذا فاته العيد يصلي ركعتين.
قلتُ: نعم. تقديره: أحسبك؟ أي: هل يكفيك هذا القدر؟
وقوله: (فَزَجَرَهُمْ) يعني: أبا بكر، كما ذكره المهلب في "مختصره" عن الليث، وفي البخاري في باب: فوات العيد: فزجرهم عمر
(1)
.
تاسعها: في فوائده:
الأولى: جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد وقد سلف. ويلحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد، وأن السودان يلعبون بمثل هذا في المسجد.
وقال ابن التين: كان هذا في أول الإِسلام تعلمًا لقتال أعداء الله.
ونقل عن أبي الحسن في "تبصرته" أنه منسوخ بالقرآن والحديث {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} [التوبة: 18]"وجنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم" لكن هذا ضعيف
(2)
.
قَالَ ابن التين: حمل السلاح والحراب يوم العيد لا مدخل له عند العلماء في سنة العيد ولا في هيئة الخروج إليه، ولا استحبه أحد من العلماء ولا ندب إليه، ويمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم محاربًا خائفًا من بعض أعدائه، فرأى الاستعداد والتأهب بالسلاح وإذا كان كذلك فهو جائز عند العلماء.
(1)
سيأتي برقم (988) كتاب: العيدين، باب: إذا فاته العيد يصلي ركعتين.
(2)
رواه ابن ماجه (750) كتاب: المساجد، باب: ما يكره في المساجد، والطبراني 22/ 57 (136)، والبيهقي 10/ 103 كتاب: آداب القاضي، باب: ما يستحب للقاضي من أن لا يكون قضاؤه في المسجد. من حديث واثلة.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 25 - 26: رواه ابن ماجه والطبراني في "الكبير"، وفيه العلاء بن كثير الليثي الشامي، وهو ضعيف. قال الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (164): ضعيف.
قَالَ: ولعب الحبشة ليس فيه أن الرسول خرج بهذا في العيد ولا أمر أصحابه بالتأهب بها، ولم يكن الحبشة للنبي صلى الله عليه وسلم حشدًا ولا أنصارًا وإنما هم يلعبون.
قَالَ: وفائدة هذا الحديث إباحة النظر إلى اللهو إذا كان فيه تدريب الجوارح على تقليب السلاح لتخف الأيدي بها في الحرب، ولك أن تقول: البخاري بوب لذلك بيانًا للجواز أو بيانًا لضعفِ مرسل أبي داود عن الضحاك بن مزاحم قَالَ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج يوم العيد بالسلاح
(1)
، ومخالفة لما ذكره هو بعد من قوله للحجاج وجاءه يعوده: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه
(2)
.
ولابن ماجه بإسنادٍ جيد عن عياض الأشعري
(3)
: وشهد عيدًا بالأنبار فقال: ما لي أراكم تقلسون كما كان يقلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
(4)
وله أيضًا بإسنادٍ جيد عن قيس بن سعد قَالَ: ما كان شيء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد رأيته إلا شيءٌ واحدٌ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلس له يوم الفطر
(5)
. والتقليس: اللعب.
(1)
"المراسيل"(65) باب: ما جاء في العيدين.
(2)
سيأتي برقم (966) في العيدين، باب: ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم.
(3)
ورد بهامش الأصل: عياض بن عمرو الأشعري الأصح أنه تابعي، وكذا قال أبو حاتم: قال: مرسل.
(4)
"سنن ابن ماجه"(1302) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التقليس يوم العيد. قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه"(424): إسناد رجاله ثقات، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(267)، وفي "الضعيفة"(4285).
(5)
"سنن ابن ماجه"(1303) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التقليس يوم العيد، قال البوصيري 194 (425): إسناد حديث قيس صحيح، ورجاله ثقات، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(268)، وانظر:"الضعيفة"(4285).
الثانية: ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الخلق الحسن، وما ينبغي للمرء أن يتمثل مع أهله من إيثاره مسارهم فيما لا حرج عليهم فيه.
الثالث: قَالَ ابن حزم: الغناء واللعب والزمر أيام العيدين حسن في المسجد وغيره
(1)
. وساق هذا الحديث. وحديث مسلم من طريق أبي هريرة قَالَ: بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرابهم إذ دخل عمر فأهوى إليهم يحصبهم فقال: "دعهم يا عمر"
(2)
ثم قَالَ: أين يقع إنكار من أنكر من إنكار سيديِّ هذِه الأمة بعد نبيها؟! وقد أنكر صلى الله عليه وسلم عليهما فرجعا.
الرابعة: رخصة المثاقفة في المسجد.
الخامسة: راحة النفوس في بعض الأوقات وراحة من ينظر إليهم؛ ليستعين بذلك على ما وراءه من أداء الفرائض؛ لأن النفس تمل، ولا شك أن العيد موضوع للراحة، وبسط النفس إلى المباحات، والأخذ بالطيبات، وما أحل الله من اللعب والأكل والشرب والجماع، ألا ترى أنه أباح الغناء من أجل العيد حيث قَالَ:"دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد" وكان أهل المدينة على سيرة من أمر الغناء واللهو، وكان صلى الله عليه وسلم وأبو بكر على خلافه، ولذلك أنكر أبو بكر ذلك، فرخص في ذلك للعيد وفي ولائم إعلان النكاح.
السادسة: جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفس البدن، وأما نظرها إلى وجهه بغير شهوة ومخافة فتنة، فالأصح عندنا أنه حرام لقوله تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]
(1)
"المحلى" 5/ 92.
(2)
"صحيح مسلم"(893) كتاب: صلاة العيدين، باب: الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه أيام العيد.
ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وأم حبيبة: "احتجبا عنه" -أي: عن ابن أم مكتوم- فقالتا: إنه أعمى لا يبصرنا. فقال: "أفعمياوان أنتما؟ أليس تبصرانه؟ " حسنه الترمذي
(1)
.
وأجيب عن حديث عائشة بجوابين:
أقواهما: أنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت إلى لعبهم وحرابهم، ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى البدن، وإن وقع بلا قصد صرفته في الحال.
والثاني: لعل هذا كان قبل نزول الآية في تحريم النظر، أو أنها كانت صغيرة قبل بلوغها فلم تكن مكلفة على قول من يقول: إن
(1)
رواه أبو داود (4112) كتاب: اللباس، باب: في قوله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ، والترمذي (2778) كتاب: الأدب، باب: ما جاء في احتجاب النساء من الرجال، وقال: حسن صحيح، والنسائي في "السنن الكبرى" 5/ 393 (9241 - 9242) كتاب: عشرة النساء، باب: نظر النساء إلى الأعمى، وأحمد 6/ 296، وابن سعد في "الطبقات" 8/ 175 - 176، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/ 416، وأبو يعلى في "مسنده" 12/ 353 (6922)، والطحاوي في "مشكل الآثار" كما في "تحفة الأخيار" 7/ 70 (4949، 4950)، وابن حبان 12/ 387 (5575) كتاب: الحظر والإباحة، باب: الزجر عن أن تنظر المرأة إلى الرجل الأجنبي الذي لا يبصر، والطبراني 23/ 302 (678)، والبيهقي 7/ 91 - 92 كتاب: النكاح، باب: مساواة المرأة الرجل في حكم الحجاب والنظر إلى الأجانب، والخطيب في "تاريخه" 3/ 17 ترجمة رقم (939).
قال ابن حجر في "فتح الباري" 9/ 337: وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن بهمان مولى أم سلمة عنهما وإسناده قوي، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان، وليست بعله قادحة فإن من يعرفه الزهري، ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة، لم يجرحه أحد لا ترد روايته؛ وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".
الصغير المراهق لا يمنع النظر.
السابعة: من تراجم البخاري على هذا الحديث باب: إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وستعلم ما فيه من الخلاف هناك
(1)
، وروي عن ابن مسعود والضحاك: أنه يصلي أربعًا إذا فاتته الصلاة مع الإمام
(2)
، وقال عليٌّ فيمن لا يستطيع الخروج إلى (الجبانة)
(3)
لضعف: يصلي أربعًا
(4)
.
وفيه أيضًا: الرفق بالمرأة الصغيرة واستجلاب مودتها، وإنه لم يعب على أبي بكر تأويله وقوله:(مزمارة الشيطان) لأنه: أراد الخير.
وفيه: خوف عائشة من حدة أبيها.
وفيه: ستر الشارع إياها ولعلهم لم يكونوا يرونها.
وفيه: إغراء الشارع إياهم، وأن إظهار السرور في العيدين من شعار الدين والاستراحة. وفي حديث آخر:"إنها أيام أكل وشرب"
(5)
. وفي بعض الأخبار: وبعال
(6)
.
(1)
انظر الحديث الآتي برقم (987 - 988).
(2)
رواه عبد الرزاق 3/ 300 (5713) كتاب: صلاة العيدين، باب: من صلاها غير متوضئ ومن فاته العيدان، وابن أبي شيبة عنهما 2/ 4 (5798 - 5799 - 5804) كتاب: الصلوات، باب: الرجل تفوته الصلاة في العيد كم يصلي.
(3)
الجبَّانة- كما في "القاموس المحيط" 1/ 1530 فصل الجيم: المقبرة والصحراء والمنبت الكريم .. وهي هنا تعني الصحراء أي: الخلاء. والله أعلم.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 5 (5813) كتاب: الصلوات، باب: القوم يصلون في المسجد، كم يصلون؟.
(5)
مسلم (1141) كتاب: الصيام، باب: تحريم صوم أيام التشريق عن نبيشة الهذلي.
(6)
رواها الدارقطني في "سننه" 2/ 212 كتاب: الصيام، باب: طلوع الشمس بعد =
3 - باب سُنَّهَ العِيدَيْنِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ
951 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، عَنِ البَرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا". [955، 965، 968، 976، 983، 5545، 5556، 5557، 5560، 5563، 6673 - مسلم: 1961 - فتح: 2/ 445]
952 -
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ -قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا" .. [انظر: 949 - مسلم: 892 - فتح: 2/ 445]
ذكر فيه حديث البراء وحديث عائشة.
فأما حديث عائشة فسلف الكلام عليه في الباب قبله.
وأما حديث البراء: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هذا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا".
وقد أخرجه البخاري مطولًا ومختصرًا في هذا الكتاب، أعني:
= الإفطار. قال: الواقدي ضعيف، والبيهقي 4/ 298 كتاب: الصيام، باب: الأيام التي نهي عن صومها. من رواية مسعود بن الحكم عن جدته. ورواها الدارقطني في "سننه" 4/ 283 كتاب: الأشربة وغيرها، باب: الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك. من رواية أبي هريرة، ورواها أيضًا: ابن أبي شيبة 3/ 375 (15260) كتاب: الحج، باب: من قال: أيام التشريق أيام أكل وشرب، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 245، من رواية عمرو بن خالدة عن أمه. ورواها أيضًا: الطبراني 11/ 232 (11587) من رواية ابن عباس.
صلاة العيدين، وأخرجه في الأضحية في ثلاثة مواضع
(1)
، وفي الإيمان والنذور
(2)
، وأبو داود والترمذي في الأضاحي، والنسائي هنا والأضاحي
(3)
.
و (حجاج) - شيخ البخاري فيه، هو ابن منهال.
و (زبيد) بضم الزاي ثم باء موحدة هو ابن الحارث اليامي الكوفي، مات سنة اثنتين أو أربع وعشرين ومائة
(4)
، وقد أسلفنا أن كل ما في البخاري: زبيد، فهو بالباء الموحدة، وكل ما في "الموطأ" فهو بالياء المثناة
(5)
.
واختلف العلماء في صلاة العيدين، فعندنا أنها سنة مؤكدة.
وقال الإصطخري: فرض كفاية
(6)
. وهو مذهب أحمد، وقولٌ في
(1)
سيأتي برقم (5545) باب: سنة الأضحية. وبرقم (5560) باب: الذبح بعد الصلاة، وبرقم (5563) باب: من ذبح قبل الصلاة أعاد.
(2)
سيأتي برقم (6673) باب: إذا حنث ناسيًا في الأيمان.
(3)
"سنن أبي داود"(2800) باب: ما يجوز من السنن في الضحايا "سنن الترمذي"(1508) باب: ما جاء في الذبح بعد الصلاة، "سنن النسائي" 7/ 222 - 223 باب: ذبح الضحية قبل الإمام.
(4)
هو: زبيد بن الحارث بن الحارث بن عبد الكريم بن عمر بن كعب اليامي ويقال: الإيامي أيضًا، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عبد الله الكوفي، قال على ابن المديني، عن يحيى بن سعيد القطان: ثبت، وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة، وقال العجلي: كوفي ثقة ثبت في الحديث.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 3/ 450 (1499)، "معرفة الثقات" 1/ 367 (491)، "الجرح والتعديل" 3/ 623 (2818)، "تهذيب الكمال" 9/ 289 - 292 (1957).
(5)
بعد هذِه الجملة: (تحت. حكاه ابن الله) وضرب الناسخ عليها.
(6)
"الأم" 1/ 213، "الحاوي" 2/ 482، "المهذب" 1/ 386.
مذهب أبي حنيفة ومالك، وهو قول ابن أبي ليلى
(1)
، والصحيح عند مالك كمذهبنا
(2)
، وعند الحنيفة أنها واجبة، وقيل: سنة مؤكدة كمذهبنا
(3)
، ونقل القرطبي عن الأصمعي أنها فرضٌ
(4)
.
وقوله: (فننحر) يستدل به من يرى أن النحر كصلاة العيد سنة وواجب، وفيه أن الخطبة للعيد بعد الصلاة، فإن قوله:"أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر".
والنحر لا يكون إلا بعد الصلاة، ولو ذبح قبل مضي قدر الصلاة لم يجز عندنا كما ستعلمه في بابه، وأبو حنيفة اعتبر الفراغ من الصلاة، ومالك اعتبر صلاة الإمام وذبحه إلا أن يؤخر (
…
)
(5)
متعديًا فيسقط الاقتداء به.
وفيه: التعليم في الخطبة.
واختلف فيمن يخاطب بالعيد، فروى ابن القاسم عن مالك، في القرية فيها عشرون رجلاً: أرى أن يصلوا العيدين.
وروى ابن نافع عنه: أنه ليس ذلك إلا على من تجب عليه الجمعة
(6)
، وهو قول الليث وأكثر أهل العلم فيما حكاه ابن بطال
(7)
، وقال ربيعة: كانوا يرون الفرسخ وهو ثلاثة أميال.
(1)
انظر: "البناية" 3/ 112، "المعونة" 1/ 175، "الكافي" 1/ 513.
(2)
انظر: "التفريع" 1/ 233، "الذخيرة" 2/ 417.
(3)
انظر: "المبسوط" 2/ 37، "الاختيار" 1/ 113، "رد المحتار" 2/ 180.
(4)
"المفهم" 2/ 523.
(5)
كلمة غير واضحة في الأصل، ويقارب رسمها إلى (شيئًا).
(6)
انظر: "النوادر" 1/ 498.
(7)
"شرح ابن بطال" 2/ 549.
وقال الأوزاعي: من آواه الليل إلى أهله فعليه الجمعة والعيد
(1)
.
وقال ابن القاسم وأشهب: إن شاء من لا تلزمهم الجمعة أن يصلوها بإمام فعلوا، ولكن لا خطبة عليهم، فإن خطب فحسنٌ
(2)
.
(1)
ذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 35.
(2)
السابق.
4 - باب الأَكْلِ يَوْمَ الفِطرِ قَبْلَ الخُرُوجِ
(1)
953 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَال: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ. وَقَالَ مُرَجَّا بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا .. [فتح: 2/ 444]
ذكر فيه حديث هشيم عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ. وَقَالَ مُرَجَّا
(2)
بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَيَأُكُلُهُنَّ وِتْرًا.
الشرح:
هذا الحديث من أفراد البخاري. قَالَ أبو مسعود الدمشقي
(3)
: هذا من قديم حديث هشيم، وعنده فيه طريق آخر. يعني: المخرَّج عند الترمذي عن قتيبة، عنه، عن محمد بن إسحاق، عن حفص بن عبيد الله بن أنس، عن جده أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على تمرات يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى.
قَالَ الترمذي: حديث حسن صحيح غريب
(4)
.
وقال الدارقطني: رواه علي بن عاصم عن عبيد الله، وتابعه أبو الربيع فرواه عن هشيم، عن ابن إسحاق، عن حفص
(5)
.
(1)
ورد بهامش الأصل: ثم بلغ في السابع بعد الثمانين، كتبه مؤلفه غفر الله له.
(2)
كذا ضبطه في "الفتح" بغير همز مقصورًا بوزن مُعَلَّى وفي اليونينية مهموزًا وكذا ضبطه القسطلاني.
(3)
انظر: "تحفة الأشراف"(1082).
(4)
"سنن الترمذي"(543) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج.
(5)
"الإلزامات والتتبع" 357 - 358 (197).
وقد أنكر أحمد حديث أبي الربيع عن هشيم -يعني: المخرَّج في صحيحي أبي نعيم والإسماعيلي- وقال: هشيم مدلس
(1)
.
وقد روى عنه ابن أبي شيبة هذا الحديث: عن محمد بن إسحاق، عن حفص بن عبيد الله بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر يوم العيد على تمرات ثم يغدو؛ وأخبرناه محمد بن زياد، ثنا أحمد بن منيع، نا هشيم مثله
(2)
.
وقال المزي في "أطرافه": تابعه عمرو بن عون الواسطي عن هشيم.
قَالَ: ورواه سعيد بن سليمان وجبارة بن المغلس، عن هشيم، عن عبيد الله، عن أنس
(3)
.
وأما التعليق المذكور فأخرجه أحمد عن حرمي بن عمارة عن مرجَّا، به
(4)
.
ورواه أبو نعيم من حديث هاشم بن القاسم ثنا مرجا، به ولفظه: كان لا يخرج حَتَّى يأكل تمرات في يوم الفطر ويأكلهن وترًا. ورواه الإسماعيلي أيضًا كذلك، ورواه هو والدارقطني من حديث أبي النضر ثنا مرجا
(5)
.
قلتُ: ومرجا ضعفه يحيى وأبو داود مرة، وقال مرة: صالح. وقال أبو زرعة: ثقة
(6)
. وله طريق آخر رواه عمرو بن عون، عن هشيم، عن
(1)
"علل أحمد" 1/ 255 مسألة (363).
(2)
"المصنف" 1/ 484 (5581) في الصلاة، باب: في الطعام يوم الفطر ..
(3)
"تحفة الأشراف"(1082).
(4)
"مسند أحمد" 3/ 126.
(5)
"سننن الدارقطني" 2/ 45 كتاب: العيدين.
(6)
مرجا بن رجاء اليشكري، ويقال: العدوي، أبو رجاء البصري، خال أبي عمر الضرير، ويقال: خال أبي عمر الحوضي، استشهد له البخاري بحديث واحد، قال ابن حجر: صدوق ربما وهم، من الثامنة. =
حفص، عن أنس، أخرجه البيهقي
(1)
.
ورواه الإسماعيلي من طريق زهير، ثنا عتبة بن حميد الضبي، حَدَّثَني
عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس قَالَ: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر حَتَّى
يأكل تمرات ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أقل من ذلك أو أكثر؛ وترًا.
وله شواهد منها حديث بريدة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حَتَّى يأكل، ولا يأكل يوم الأضحى حَتَّى يرجع. أخرجه الترمذي وابن ماجه
(2)
، وللبيهقي: فيأكل من كبد أضحيته
(3)
.
ومنها حديث ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حَتَّى يغذي أصحابه من صدقة الفطر. أخرجه ابن ماجه من حديث عمرو بن صهبان -وهو متروك- عن نافع عنه
(4)
.
وروى الترمذي محسنًا عن الحارث عن عليٍّ قَالَ: من السنة أن
= انظر: "التاريخ الكبير" 8/ 62 (2154)، "الجرح والتعديل" 8/ 412 (1882)، "تهذيب الكمال" 27/ 361 (5853)، "تقريب التهذيب"(6550).
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 282 صلاة العيدين، باب: الأكل يوم الفطر قبل الغدو.
(2)
"سنن الترمذي"(542) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج، قال: حديث بريدة بن حصيب الأسلمي حديث غريب، "سنن ابن ماجه" (1756) كتاب: الصيام، باب: في الأكل يوم الفطر قبل أن يخرج، صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1422).
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 283 كتاب: صلاة العيدين، باب: يترك الأكل يوم النحر حتى يرجع. قال الذهبي في "المهذب" 3/ 1219 (5474): لم يتابع عليه، وظني أن عقبة هو ابن عتبة المذكور قبله غلط في اسمه.
(4)
"سنن ابن ماجه"(1755) كتاب: الصيام، باب: في الأكل يوم الفطر قبل أن يخرج، ضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (388) وخرجه في "الضعيفة" (4248) وقال: ضعيف جدًّا.
يطعم الرجل يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى
(1)
.
وأخرجه الدارقطني عنه وعن ابن عباس
(2)
.
وفي "الموطأ" عن ابن المسيب: إن الناس كانوا يؤمرون بالأكل قبل الغدو يوم الفطر
(3)
.
وللشافعي: حَدَّثَنَا إبراهيم بن محمد، أخبرني صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطعم قبل أن يخرج إلى الجبان، ويأمر به
(4)
. وهذا مرسل.
وقد روي مرفوعًا عن عليٍّ
(5)
، ورواه الشافعي بمعناه عن ابن المسيب وعروة بن الزبير
(6)
.
وفي "المصنف" من حديث ابن عقيل، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قَالَ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى
(7)
.
زاد البزار في "مسنده": فإذا خرج صلى ركعتين للناس، فإذا رجع صلى
(1)
"سنن الترمذي"(530) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في المشي يوم العيد، قال: هذا حديث حسن، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي"(437).
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 44 كتاب: العيدين.
(3)
"الموطأ" ص 128 (585) كتاب جامع الصلاة، باب الأكل قبل الغدو يوم الفطر.
(4)
"مسند الشافعي" 1/ 152 (443) كتاب: الصلاة، باب: في صلاة العيدين.
(5)
رواه العقيلي في "الضعفاء الكبير" 2/ 168 ترجمة (683)، والطبراني في "الأوسط" 6/ 75 (5836)، قال العقيلي: حدثني آدم قال: سمعت البخاري قال: سواء بن مصعب الأعمي: منكر الحديث، وقال الطبراني لا يروى هذا الحديث إلا بهذا الإسناد، تفرد به، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 199 وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه: سواد بن مصعب، وهو ضعيف جدًّا.
(6)
"الأم" 1/ 233.
(7)
"المصنف" 1/ 486 (5601) كتاب: الصلوات، باب: في الطعام يوم الفطر قبل أن يخرج.
في بيته ركعتين، وكان لا يصلي قبل الصلاة شيئًا. يعني: يوم العيد.
وفيه أيضًا من حديث الحجاج، عن عطاء، عن ابن عباس قَالَ: إن من السنة أن يخرج صدقة الفطر قبل الصلاة، ولا يخرج حَتَّى يطعم
(1)
.
وعن الشعبي قَالَ: إن من السُّنَّة أن يطعم قبل الفطر قبل أن يغدو، ويؤخر الطعام يوم النحر حَتَّى يرجع.
وعن السائب بن يزيد قَالَ: مضت السنة أن تأكل قبل أن تغدو يوم الفطر. وعن أبي إسحاق عن رجلٍ من الصحابة أنه كان يأمر بالأكل يوم الفطر قبل أن يأتي المصلى
(2)
.
وحكاه عن معاوية بن سويد بن مقرن، وابن مغفل، وعروة، وصفوان بن محرز، وابن سيرين، وعبد الله بن شداد، والأسود بن يزيد، وأم الدرداء، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وتميم بن سلمة، وأبي مجلز
(3)
.
وعن عبيد الله بن نمير: ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يخرج يوم العيد إلى المصلى ولا يطعم شيئًا؛ وحَدَّثَنَا هشيم أنا مغيرة عن إبراهيم قَالَ: إن طعم فحسن، وإن لم يطعم فلا بأس
(4)
.
(1)
ورواه ابن أبي شيبة 1/ 484 (5583) كتاب: الصلوات، باب: في الطعام يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى.
(2)
"المصنف" 1/ 485 - 486 (5590، 5593، 5599) كتاب: الصلوات، باب: في الطعام يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى.
(3)
"المصنف" 1/ 484 - 485 (5584 - 5589، 5591 - 5592، 5595 - 5598) كتاب: الصلوات، باب: في الطعام يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى.
(4)
"المصنف" 1/ 486 (5602 - 5603) كتاب: الصلوات، باب: من رخص أن لا يأكل أحد شيئًا ومن فعل ذلك.
وحكاه الدارقطني عن ابن مسعود: إن شاء أكل، وإن شاء لم يأكل.
وعن النخعي مثله
(1)
.
أما حكم المسألة فالأكل يوم الفطر قبل الصلاة مستحب لما ذكرناه، وكان بعض التابعين يأمرهم بالأكل في الطريق.
قَالَ ابن المنذر: والذي عليه الأكثر استحباب الأكل
(2)
.
وفرق بين العيدين في المعنى بأن ما قبل الفطر يحرم الأكل فيه فخالف، وبأنه ليشارك الفقراء في الفطر؛ لأنه يخرج فطرته قبل الصلاة. فإن قلتَ: ما الحكمة في الفطر على تمرات؟
قلتُ: لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء
(3)
. وقال الداودي: لأنه مثَّل النخلة بالمسلم؛ ولأنه قيل: إنها الشجرة الطيبة.
فإن قلتَ: فما الحكمة في كونها وترًا؟
قلت: لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الوتر في كل شيءٍ استشعارًا بالوحدانية، فإنه وترٌ يحب الوتر
(4)
.
(1)
ورواه ابن أبي شيبة 1/ 486 (5603).
(2)
"الأوسط" 4/ 254.
(3)
سيأتي برقم (5268) كتاب: الطلاق، باب:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} .
(4)
ستأتي برقم (6410) كتاب: الدعوات، باب: لله مائة اسم غير واحد، ورواه مسلم برقم (2677) كتاب: الذكر والدعاء، باب: في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها.
5 - باب الأَكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ
.
954 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ. وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَدَّقَهُ، قَالَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَا أَدْرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا. [984، 5546، 5549، 5561 - مسلم: 1962 - فتح: 2/ 447]
955 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَا نُسُكَ لَهُ". فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ -خَالُ البَرَاءِ-: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ اليَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذَبَحْتُ شَاتِي وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلَاةَ. قَالَ:"شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً هِىَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ، أَفَتَجْزِي عَنِّي قَالَ:"نَعَمْ، وَلَنْ تَجْزِىَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". [انظر: 951 - مسلم: 1961 - فتح 2/ 447]
ذكر فيه حديث أنس: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ".
رواه عن أنس محمد، وهو ابن سيرين، وإسماعيل هو ابن عُلية، ويأتي في الباب أيضًا، وفي الأضاحي في موضعين
(1)
، وفي النذور، وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
وحديث البراء: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَضْحَى.
(1)
سيأتي برقم (5546) باب: سنة الأضحية، وبرقم (5549) باب: ما يشتهي من اللحم يوم النحر.
(2)
"صحيح مسلم"(1962) كتاب: الأضاحي، باب: وقتها.
وسلف قريبًا
(1)
.
وشيخ البخاري فيه عثمان، هو: ابن أبي شيبة، ووجه مناسبة التبويب قوله: وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب. وأنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أبا بردة لما قال له: تغديت قبل أن آتي الصلاة.
وقوله: ("مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ") قد يستدل به من يرى وجوب الأضحية، وأن الذبح قبل الصلاة لا يجزئ عنها، وقد سلف الخلاف في وقته.
وقوله: (فَقَامَ رَجُلٌ). هو أبو بردة بن نيار كما جاء مبينًا.
وقوله: (وهذا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ). دال على أنه يوم فطر.
وقوله: (وَذَكَرَ يعني: هنة من جيرانه) - كذا في نسخة شيخنا قطب الدين، قَالَ: وفي بعض النسخ إسقاط: يعني: هنة. وبخط الدمياطي: وذكر من جيرانه. وفي نسخة: هنة. يعني: أنه أطعمهم منها. وسيأتي في باب: كلام الإمام في الخطبة
(2)
فيها أنه قَالَ: (جيران لي إما قَالَ: بهم خصاصة، وإما قَالَ: فقر). والهنة: الحاجة والفقر والفاقة، وحكى الهروي عن بعضهم شد النون في هن وهنة
(3)
، وأنكره الأزهري
(4)
.
وقال الخليل
(5)
: من العرب من يسكنه يجريه مجرى (من)، ومنه من ينونه في الوصل. قَالَ صاحب "المطالع": وهو أحسن من الإسكان.
(1)
سلف برقم (951) كتاب: العيدين، باب: سنة العيدين لأهل الإسلام.
(2)
سيأتي برقم (983) كتاب: العيدين.
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 278، مادة (هنن).
(4)
"تهذيب اللغة" 4/ 3808 - 3810.
(5)
"العين" 3/ 355.
قوله: (فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَدَّقَهُ). أي: بعذرٍ بيِّن. والجذعة ما قوي من الغنم قبل أن يحول عليه الحول، فإن حال صار ثنيًّا، ولا يجوز في الأضاحي دون الجذع من الضأن، وهو ما كمل سنة على الأصح.
ووقع في شرح شيخنا قطب الدين أنه ما كمل له ستة أشهر، وهو وجه مرجوح.
قَالَ القاضي عياض: أجمع العلماء على الأخذ بحديث أبي بردة، وأنه لا يجوز الجذع من المعز
(1)
.
واختلف في الجذع من الضأن، فانفرد عمر بن عبد العزيز فقال: لا يجزئ إلا الثني من كل شيء. وقال جميع الفقهاء بالإجزاء، فإن قلت: ما الفرق بين جذع الضأن وجذع المعز؟
قلتُ: النص، ولأن ابن الأعرابي قَالَ: المعز والإبل والبقر لا تضرب فحولها إلا أن تثني، والضأن تضرب فحولها إذا جذعت. قَالَ الحربي: لأنه ينزو من الضأن ويلقح، ولا ينزو إذا كان من المعز.
وفي رواية البخاري: فإن عندنا عناقًا لنا جذعة. والعناق: الأنثى من المعز، قاله الخليل
(2)
.
وقوله: (خَطَبَنَا يَوْمَ الأَضْحَى بعد الصلاة). فيه دلالة على أن الخطبة بعد الصلاة.
وقوله: ("وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فلَا نُسُكَ لَهُ") المراد، والله أعلم: ومن ذبح قبل الصلاة على قصد النسك فلا نسك له.
(1)
"إكمال المعلم" 6/ 410.
(2)
"العين" 1/ 169.
وتكلف ابن الجوزي فقال: لما ذبحها بنية القربة ظانًّا الكفاية أثيب بنيته، وسميت نسيكة. وقال ابن التين: سماها الشارع نسيكة، وإن ذبحت قبل الصلاة. قَالَ: واستنبط القابسي منه عدم جواز بيعها؛ لأجل التسمية.
وأصل نسكت: ذبحت، والنسيكة: الذبيحة المتقرب بها إلى الله، كانوا في أول الإسلام يذبحونها في المحرم، فنسخ ذلك بالأضاحي، والعرب تقول: من فعل كذا فعليه نسك. ثم اتسعوا فيه حَتَّى جعلوه لموضع العبادة والطاعة، ومنه قيل للعابد: ناسك، والنسك بإسكان السين وضمها، والنسك هو فعل النسك، وقيل: النسك: الصيد، قاله ابن عباس
(1)
.
وفي رواية في البخاري أيضًا: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فلَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ"
(2)
وهو أبين.
وقوله: (أحب إليّ من شاتين) يعني: من طيب لحمها، ولا أطيب من شاتين من الذي ذبحها (
…
)
(3)
.
قوله: "وَلَنْ تَجْزِيَ" هو بفتح التاء، جزى يجزي بمعنى: قضى. قَالَ تعالى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] وأجزأ يجزئ بمعنى: كفي، وهذا تخصيص لمعين بحكم المفرد، وليس من باب النسخ، فإن النسخ إنما يكون عمومًا غير خاص لبعضهم، فإن شبه على أحدٍ أمر النسخ في صلاة الليل فليعلم أن فرضها نُسخ عن الأمة، وكذا في حق نبينا على الأصح، والاعتراض بها على ما ذكرناه غير صحيح.
(1)
رواه الطبري 2/ 251 (3419) بلفظ: النسك أن يذبح شاة.
(2)
ستأتي برقم (968) كتاب: العيدين، باب: التكبير إلى العيد.
(3)
كلمة غير واضحة بالأصل.
وقوله: ("لَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ") يعني: العناق الجذع من المعز، ولا يتوهم أن المراد به الأولى، معللًا بأنه يتأول، فكان عذرًا وإن توهمه بعض الغفلة.
واحتج من قَالَ بوجوب الأضحية، وهو أبو حنيفة وغيره من العلماء بقوله:"وَلَنْ تَجْزِيَ".
وروي في بعض أخبار أبي بردة هذا أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالإعادة
(1)
، ولا دلالة فيه؛ لأنه لما أوقعها على غير الوجه المشروع بين له الجهة المشروعة، فقال:"اذبح مكانها". والمراد: بنفي الإجزاء نفي السُّنة، ولا يختص الإجزاء بالوجوب.
(1)
انظر: "البناية" 11/ 5، 8.
6 - باب الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى بِغَيْرِ مِنْبَرٍ
956 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ -وَهْوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ - فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا المُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ لَهُ غَيَّرْتُمْ وَاللهِ. فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ: قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ. فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاللهِ خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ. فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ. [مسلم: 889 - فتح 2/ 448]
ذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري. وقد سلف في باب ترك الحائض الصوم من الطهارة مختصرًا
(1)
، وزيدٌ فيه هو ابن أسلم العدوي.
وفيه هنا من الفوائد: أن الصلاة قبل الخطبة، وأنه كان يخطب قائمًا على غير منبر، وهو دليل الترجمة، وهو من باب التواضع للرب جل جلاله؛ ولأنه كان في فضاء، ولا يغيب عن أحدٍ منهم النظر إليه، فلما كثر الناس زمن عثمان [رضي الله عنه] خشي أن لا يسمع أقصاهم فبني له منبر من طين، قيل: بناه كثير بن الصلت. وقيل: إنما بناه عمروان. وفي "المدونة" أنه بناه عثمان أيضًا، وهو أول من أحدثه
(2)
.
(1)
سبق برقم (304) كتاب: الحيض.
(2)
"المدونة" 1/ 153.
وفي قوله: (فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ) دلالة على أن أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة مروان.
وذكر ابن بطال وابن التين عن مالك أنه قَالَ في "المبسوط": أول من فعله عثمان ليدرك الناس الصلاة
(1)
.
وحكى ابن التين عن يوسف بن عبد الله بن سلام أنه قَالَ: أول من بدأ بها قبل الصلاة يوم الفطر عمر بن الخطاب، وعن ابن شهاب: أول من فعله معاوية.
وخالف ابن بطال فقال عن يوسف هذا: أول من فعله عثمان
(2)
.
ولعله لا يصح عن عثمان؛ لأنه سيأتي في باب: الخطبة بعد العيد، عن ابن عباس قَالَ: شهدت العيد
(3)
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، وكلهم كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة
(4)
.
وروى الشافعي عن إبراهيم بن محمد حَدَّثَني داود بن الحصين عن عبد الله بن يزيد الخَطْمِي أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبدءون بالصلاة قبل الخطبة حَتَّى قدم معاوية فقدم الخطبة
(5)
. وهذا يدل على أن ذلك لم يزل إلى آخر زمن عثمان، وعبد الله صحابي، وإنما قدم معاوية في حال خلافته.
وحديث أبي سعيد هذا أوَّل قدمة قدمها مروان، ويمكن الجمع بأن مروان كان أميرًا على المدينة لمعاوية، فأمره معاوية بتقديمها، فنسب أبو
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 554.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 554.
(3)
شهدت العيد: مكررة في الأصل.
(4)
سيأتي برقم (962) كتاب: العيدين.
(5)
"مسند الشافعي" 1/ 156 (454) باب: في صلاة العيدين.
سعيد التقديم إلى مروان؛ لمباشرة التقديم، ونسبه عبد الله إلى معاوية؛ لأنه أمر به.
وروى القاضي أبو بكر بن العربي عن سفيان أن أوَّل من قدَّمها عثمان، ورواية "الموطأ" والبخاري أنه لم يفعل ذلك
(1)
، وعن مالك أن أوَّل من قدَّمها عثمان، وهي باطلة لا يلتفت إليها
(2)
.
وممن قَالَ بتقديم الصلاة على الخطبة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والمغيرة وابن مسعود وابن عباس
(3)
، وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي ثور وإسحاق والأئمة الأربعة وجمهور العلماء
(4)
، وروي عن عثمان، لما كثر الناس خطب قبل الصلاة كما سلف
(5)
، ومثله عن ابن الزبير ومروان كما نقله ابن المنذر
(6)
، وعند الحنفية والمالكية لو خطب قبلها جاز وخالف السُّنَّة ويكره، ولا يكره الكلام عندها
(7)
.
وقوله: (إِن النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ). المراد بالجلوس لسماعها، وهو مأمور به لمن شهد الصلاة مطلقًا، وعدم
(1)
ستأتي هنا برقم (962) باب: الخطبة بعد العيد، و"الموطأ" ص 127 - 128.
(2)
"عارضة الأحوذي" 3/ 5 - 6.
(3)
رواه عنهم ابن أبي شيبة 1/ 491 - 492 (5672)، (5676)، (5677)، (5678) كتاب: الصلوات، باب: من قال: الصلاة يوم العيد قبل الخطبة، ورواه عبد الرزاق 3/ 282 (5638) عن المغيرة.
(4)
انظر: "البناية" 3/ 137.
(5)
رواه عبد الرزاق 3/ 284 (5645) كتاب: الصلاة، باب: أول من خطب ثم صلى.
(6)
"الأوسط" 4/ 272.
(7)
انظر: "الاختيار" 1/ 113، "منية المصلي" ص 334، "النوادر والزيادات" 1/ 501. وسيأتي الحديث برقم (961) كتاب: العيدين، باب: المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة.
الجلوس؛ لأنه كان يؤدي في خطبه من لا يحل أذاه فينصرف الناس لئلا يسمعوا ذلك فيه، ولعل أبا سعيد لما ذكر له مروان عذره بين له وجهه، ولذلك اتصل العمل به دون إنكار من جمهور الناس حَتَّى قَالَ عطاء: لا أدرى من أحدثه
(1)
، ولا ينبغي أن يُؤمَر لصلاةٍ من يؤذي من لا يحل له أذاه في خطبته، فمن قدر أن يأتي بعد الخطبة للصلاة فحسن، قاله ابن التين.
فرع:
الخطبة للعيد سنة بأركان الجمعة، وعند بعض الحنفية أن شروط العيد كالجمعة من المصر والقوم والسلطان والوقت
(2)
، وعن عبد الله بن السائب: لما صلى صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنا نخطب فمن أحب أن يذهب فليذهب" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه
(3)
، وهو دال على سنية الخطبة إذ لو كانت واجبة لوجب الجلوس لاستماعها. وإنكار أبي سعيد كان على معنى الكراهة، ولذلك شهد مع مروان العيد، ولو كان ذلك مؤثرًا لما شهد الصلاة معه.
وبنيان كثير بن الصلت للمنبر يدل على أنه كان يخطب قبل ذلك للعيد على غير منبر، وهو ما بوب له البخاري، وقد جاء في حديث جابر بعد هذا: لما فرغ نبي الله نزل فأتى النساء
(4)
. يدل على أنه كان
(1)
انظر: "المنتقى" 2/ 316.
(2)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 275، "الاختيار" 1/ 113.
(3)
"سنن أبي داود"(1155) كتاب: الصلاة، باب: الجلوس للخطبة. و"النسائي" 3/ 185 في صلاة العيدين، باب: التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين.
و"ابن ماجه"(1290) في إقامة الصلاة، باب: ما جاء في انتظار الخطبة بعد الصلاة.
قال الألباني في "صحيح أبي داود"(1048): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(4)
يأتي برقم (978).
على مرتفع. وكذا قوله في الحديث: فيقوم مقابل الناس. وعن بعضهم: لا بأس بإخراج المنبر. وعن بعضهم كره بنيانه في الجبانة، ويخطب قائمًا أو على دابته
(1)
.
وعن أشهب خروج المنبر إلى العيدين واسمع، وعن مالك: لا يخرج
فيهما. من شأنه أن يخطب إلى جانبه
(2)
، وإنما يخطب عليه الخلفاء.
ومن فوائد الحديث: مواجهة الخطيب الناس وأنهم بين يديه، والبروز إلى مصلى العيد والخروج إليه، وأنه من سنتها، ولا تصلي في المسجد إلا من ضرورة. روى ابن زياد عن مالك قَالَ: السُّنَّة: الخروج إليها إلى المصلى إلا لأهل مكة، ففي المسجد
(3)
، وفيه كما قَالَ المهلب أنه يحدث للناس أمور بقدر الاجتهاد إذا كان صلاحًا لهم، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم خطب للجمعة قبلها فترك ذلك عثمان، والعلة أوجبت ذلك من افتراق الأمة لسنته في تقديمه الخطبة في الجمعة، فليس بتغيير، وإنما ترك فعلًا بفعل، ولم يترك بغير فعل الشارع، وإنما كانت قبل الصلاة لقوله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} [الجمعة: 10] فعلم الشارع من هذِه الآية أن ليس بعدها جلوس لخطبة ولا لغيرها.
وفيه: وعظ الإمام في العيد، ووصيته وأمره، وعلى ذلك شأن الأئمة.
وفيه أيضًا: جذب ثياب الإمام ليرجع للصواب.
(1)
انظر: "البناية" 3/ 137.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 504 - 505.
(3)
"النوادر والزيادات"1/ 449.
وفيه: حلف الواعظ والمحدث على تصديق حديثه.
وفيه: أن الزمان تغير في زمن مروان عما كان عليه.
فائدة: كثير بن الصلت هذا هو ابن معدي كرب أبو عبد الله الكندي أخو زبيد عدادهم في بني جمح، ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماه: كثيرًا. وكان اسمه قليلًا، وكان له شرف وحال جميلة في نفسه، وله دار كبيرة بالمدينة في المصلى، وقبلة المصلى في العيدين إليها، كان كاتبًا لعبد الملك بن مروان على الرسائل
(1)
.
قَالَ العجلي: مدني تابعي ثقة
(2)
.
(1)
انظر: "التاريخ الكبير" 7/ 205 (899)، و"الجرح والتعديل" 7/ 153 (855)، و"الاستيعاب" 3/ 368 (2201)، و"أسد الغابة" 4/ 460 (4424)، و"الإصابة" 3/ 310 (7479).
(2)
"معرفة الثقات" 2/ 225 (1543).
7 - باب المَشْيِ وَالرُّكُوبِ إِلَى العِيدِ بِغَيِرْ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ
957 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فِي الأَضْحَى وَالفِطْرِ، ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ. [963 - مسلم: 888 - فتح 2/ 451]
958 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمَ الفِطْرِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ. [961، 978 - مسلم: 885 - فتح: 2/ 451]
959 -
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي أَوَّلِ مَا بُويِعَ لَهُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ الفِطْرِ، إِنَّمَا الخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ. [960 - مسلم: 886 - فتح: 2/ 23]
960 -
وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَا لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الأَضْحَى. [انظر: 959 - مسلم: 886 - فتح: 2/ 451]
961 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ، فَلَّمَا فَرَغَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ، وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ، يُلْقِى فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَرَى حَقًّا عَلَى الإِمَامِ الآنَ أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاءَ فَيُذَكِّرَهُنَّ حِينَ يَفْرُغُ؟ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوا. [انظر: 958 - مسلم: 885 - فتح: 2/ 451]
ذكر فيه حديث ابن عمر: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يُصَلِّي فِي الأَضْحَى وَالفِطْرِ، ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ. ولا يطابق التبويب، وأوَّل من أحدث الأذان في العيد معاوية أو زياد، وهو الأشبه عند القرطبي
(1)
، أو
(1)
"المفهم" 2/ 528.
هشام أو مروان، قاله الداودي: أو عبد الله بن الزبير.
وذكره ابن المنذر في "الإشراف"
(1)
، وحكاه ابن التين عن أبي قلابة أقوال.
وقال الشعبي والحكم وابن سيرين: الأذان لهما بدعة، وينادى فيهما: الصلاة جامعة
(2)
.
وأما المشي إلى العيد ففي الترمذي عن علي: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيًا
(3)
. ولابن ماجه من حديث جماعة أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إليه ماشيًا
(4)
. وكذا قاله عمر بن عبد العزيز، وفعله عمر
(5)
، وكان إبراهيم يكره الركوب إليهما، وأتى الحسن العيدَ راكبًا
(6)
.
ثم ذكر البخاري في الباب أيضًا حديث جابر أنَّه صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمَ الفِطْرِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ .. الحديث بطوله.
وأخرجه مسلم أيضًا
(7)
ولا يطابق التبويب.
قَالَ الترمذي: والعمل عند أهل العلم من الصحابة وغيرهم أنه
(1)
انظر "الأوسط" 4/ 259.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 491 (5663)، (5667) كتاب: الصلوات، باب: من قال: ليس في العيدين أذان ولا إقامة عن محمد والحكم.
(3)
"سنن الترمذي"(530) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في المشي يوم العيد.
وحسنه، وكذا الألباني في "صحيح الترمذي"(437).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1294 - 1295) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الخروج إلى العيد ماشيًا.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 486 (5604)، (5606) كتاب: الصلوات، باب: في الركوب إلى العيدين والمشي.
(6)
رواها ابن أبي شيبة 1/ 486 (5607)، (5608) السابق.
(7)
"صحيح مسلم"(885) كتاب: صلاة العيدين.
لا يؤذن لهما ولا لشيء من النوافل
(1)
.
وفيه من الفوائد: الابتداء بالصلاة قبل الخطبة، والخطبة على مرتفع، وإليه يشير قوله: فلما فرغ نزل. وأن النساء: يحضرن العيد، والأمر لهن بالصدقة.
وقوله: (وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوا؟) يريد بذلك التأسي لهم، قَالَ تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وفي أبي داود، وهي من حديث ابن عباس -لا جابر- أن ما تصدقن به قسمه بين فقراء المسلمين
(2)
.
وحاصل مسائل الباب ثلاثة:
أحدها: المشي إلى العيد؛ لأنه من التواضع، والركوب مباح، وممن استحب عدم الركوب الأربعة والثوري وجماعة
(3)
، وقال مالك: إنما نجيء نمشي ومكاننا قريب، ومن بعُد ذلك عليه فلا بأس أن يركب
(4)
. وكان الحسن يأتي العيد راكبًا.
وكره النخعي الركوب في العيدين والجمعة
(5)
.
ثانيها: الصلاة قبل الخطبة، وهو إجماع من العلماء قديمًا وحديثًا
(1)
"سنن الترمذي" عقب حديث (532) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء أن صلاة العيدين بغير أذان وإقامة.
(2)
"سنن أبي داود"(1144) كتاب: الصلاة، باب: الخطبة يوم العيد.
قال الألباني في "صحيح أبي داود"(1038) إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وقد أخرجه مسلم في "صحيحه".
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 449، "الأوسط" 4/ 264.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 449.
(5)
سبق تخريجهما في حديث (957).
إلا ما كان من بني أمية من تقديم الخطبة
(1)
، وقد تقدم ذلك، وروي عن ابن الزبير مثله
(2)
.
ثالثها: أن سنة صلاة العيد أن لا يؤذن لها ولا يقام، وهو قول جماعة الفقهاء بل هو بدعة لما سلف
(3)
.
وقال عطاء: سأل ابن الزبير ابن عباس، وكان الذي بينهما حسن، فقال: لا يؤذن ولا يقيم، فلما ساء ما بينهما أذن وأقام
(4)
.
وقوله: (أَنَّ ابن عَبَّاسِ أَرْسَلَ إِلَى ابن الزُّبَيْرِ فِي أَوَّلِ مَا بُويعَ لَهُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ الفِطْرِ، إِنَّما الخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ).
سبب إرساله بما ذكر؛ ليبين أنه خشي أن يفعل ابن الزبير ذلك، وهذا لا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار ولا في الصدر الأول.
وفي الحديث شهود النساء صلاة العيد والتوكؤ على يد بعض أصحابه، وفضل بلال، ولعله خص به؛ لأنه الذي يؤذنه لصلاة المكتوبة، ويحمل العنزة بين يديه.
وفيه: الأمر بالصدقة للنساء، وخصهن بذلك في قول بعض العلماء؛ لقوله:"رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"
(5)
واحتج بهذا الحديث لوجوب زكاة
(1)
انظر: "التمهيد" 5/ 232.
(2)
"الأوسط" 4/ 272.
(3)
انظر: "التمهيد" 5/ 219، 227 - 228، "المجموع" 5/ 19 - 20، "الإعلام" 4/ 223، "المغني" 3/ 268.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 491 (5662) كتاب: الصلوات، باب: من قال: ليس في العيدين أذان ولا إقامة.
(5)
سيأتي برقم (1462) كتاب: الزكاة، باب: الزكاة على الأقارب. من حديث أبي سعيد الخدري.
الحلي، وهو قول أبي حنيفة
(1)
، واحتج به في تقديم الزكاة لأنه لم يسألهن: هل وجبت أم لا؟ وفيهما نظرٌ، وكذا من أخذ منه جواز فعل البكر وذات الزوج في أكثر من ثلثها، وقول عطاء: ذلك حق على الإمام؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].
(1)
انظر: "البناية" 3/ 442.
8 - باب الخُطْبَهَ بَعْدَ العِيدِ
962 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح 2/ 453]
963 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما يُصَلُّونَ العِيدَيْنِ قَبْلَ الخُطْبَةِ. [انظر: 957 - مسلم: 888 - فتح: 2/ 453]
964 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ، تُلْقِى المَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح: 2/ 453]
965 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَالَ:"اجْعَلْهُ مَكَانَهُ، وَلَنْ تُوفِيَ -أَوْ تَجْزِىَ- عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". [انظر: 951 - مسلم: 1961 - فتح: 2/ 453]
ذكر فيه أربعة أحاديث:
أحدها:
حديث ابن عباس: شَهدْتُ العِيدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ.
هذا الحديث أخرجه هنا عاليا، وفي تفسير سورة الممتحنة نازلًا
(1)
، أخرجه هنا عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد ثنا ابن جريج. وهناك عن محمد بن عبد الرحيم، عن هارون بن معروف، عن عبد الله بن وهب، عن ابن جريح. وأخرجه مسلم هنا
(2)
، وما ذكره عن عمر وعثمان هو الصحيح عنهما، وقد تقدم.
فإن قلتَ: ما الحكمة في تقديم الصلاة هنا على الخطبة؟
قلتُ: من أوجه:
أحدها: للتفرقة بين ما هو فرض عين، وكفاية، أو سنة.
ثانيها: اهتمام الناس بالعيدين، فقدمت؛ لئلا يشتغلوا عنها.
ثالثها: أن الخطيب يبين لهم ما يخرجون من الفطر وما يضحون، وذلك يفتقر إلى الحفظ، فأخَّر؛ لئلا يتفكر الحافظ له قبل الصلاة في الخطبة، فأما خطبة الجمعة فلا يزيد محل الموعظ في التي هي الصلاة من جنسها.
الحديث الثاني:
حديث ابن عمر: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُصَلُّونَ العِيدَيْنِ قَبْلَ الخُطْبَةِ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(3)
.
وأبو أسامة في إسناده اسمه: حماد بن أسامة.
وعبيد الله هو العمري.
(1)
سيأتي برقم (4895) كتاب: التفسير، باب:{إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} .
(2)
"صحيح مسلم"(884) كتاب: صلاة العيدين.
(3)
"صحيح مسلم"(888) كتاب: صلاة العيدين.
الحديث الثالث:
حديث ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأمَرَهُنَّ بِالصَّدقةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ، تُلْقِي المَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا.
هذا الحديث يأتي قريبًا، وذكره في اللباس والزكاة
(1)
، وأخرجه مسلم
(2)
والأربعة
(3)
أيضًا.
الحديث الرابع:
حديث البراء بن عازب مرفوعًا: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هذا أَنْ نُصَلِّيَ". الحديث، وقد تقدم.
إذا تقرر ذلك فالكلام عليها من أوجه:
أحدها:
هذِه الأحاديث دالة على تأخر الخطبة للعيدين عن الصلاة، أما حديث ابن عمر وابن عباس الأول فظاهر، وأما حديث ابن عباس الآخر فموضعه: ثم أتى النساء وأمرهن بالصدقة. وهذا هو الخطبة. وفي ابن ماجه من حديثه أنه صلى قبل الخطبة ثم خطب، فرأى أنه لم يسمع النساء، فأتاهن فذكَّرهن
(4)
، وأما حديث البراء ففيه أن أوَّل ما يفعل في اليوم الصلاة
(5)
.
(1)
سيأتي برقم (975) كتاب: العيدين، باب: خروج الصبيان إلى المصلى، وبرقم (1431) كتاب: الزكاة، باب: التحريض على الصدقة. وبرقم (5880) كتاب: اللباس، باب: الخاتم للنساء.
(2)
"صحيح مسلم"(884) كتاب: صلاة العيدين.
(3)
أبو داود (1159)، الترمذي (537)، النسائي 3/ 193، ابن ماجه (1291).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1273) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة العيدين.
(5)
سلف برقم (951) كتاب: العيدين، باب: سنة العيدين لأهل الإسلام.
ثانيها:
وقع للنسائي استدلاله بحديث البراء هذا على أن الخطبة قبلها، وترجم له باب: الخطبة يوم العيد قبل الصلاة. واستدل من ذلك بقوله: "أوَّل ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي ثم ننحر"
(1)
. وتأول أن قوله هذا قبل الصلاة؛ لأنه كيف يقول: "أول ما نبدأ به أن نصلي". وهو قد صلى.
قَالَ ابن بطال: غلط النسائي في ذلك؛ لأن العرب قد تضع الفعل
المستقبل مكان الماضي، فكأنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: أول ما يكون الابتداء به في هذا اليوم الصلاة التي قدمنا فعلها وبدأنا بها. وهو مثل قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ} [البروج: 8] المعنى: إلا الإيمان المتقدم منهم، وقد بين ذلك في باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد. فقال:"إن أوَّل نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة"
(2)
.
وللنسائي: خطب يوم النحر بعد الصلاة
(3)
.
ثالثها:
لم يذكر فعل عليًّ مع من تقدم، وقد كان يفعل مثله إلا ابن عباس لم
يكن شهد معه العيد بالكوفة؛ لأنه ولاه على البصرة، كما نبه عليه الداودي، وروى مثل ذلك مرفوعًا جابر وأبو سعيد وأنس والبراء وجندب وابن عمر، خرَّجه البخاري عنهم وجماعة من الصحابة
(4)
.
(1)
"سنن النسائي" 3/ 182 كتاب: صلاة العيدين.
(2)
سيأتي برقم (976) كتاب: العيدين، وانظر:"شرح ابن بطال" 2/ 558.
(3)
"سنن النسائي" 3/ 184 - 185 كتاب: الصلاة، باب: الخطبة في العيدين بعد الصلاة.
(4)
سلف برقم (951) كتاب: العيدين، باب: سنة العيدين لأهل الإسلام. عن البراء. =
قَالَ أشهب في "المجموعة": من بدأ بالخطبة قبل الصلاة أعادها بعد الصلاة، وإن لم يفعل أجزأه، وقد أساء
(1)
.
قَالَ مالك: والسُّنَّة تقديم الصلاة قبل الخطبة، وبذلك عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان صدرًا من ولايته
(2)
، وقد أسلفنا أنه إجماعٌ، وذكرنا من قدَّمها.
رابعها:
فيه أن لا يصلى قبلها ولا بعدها، وبه أخذ مالك. قَالَ: لا يتنفل في المصلى قبلها ولا بعدها
(3)
.
وفيه قول ثان: أنه يتنفل قبلها وبعدها كما في الجمعة، روي ذلك عن بريدة الأسلمي وأنس بن مالك والحسن وأخيه سعيد وعروة
(4)
.
قَالَ ابن بطال: وبه قَالَ الشافعي. أي لغير الإمام. وحكي القول الذي قبله عن عليًّ وابن مسعود وحذيفة وجابر وابن عمر وابن أبي أوفى والشعبي ومسروق والضحاك والقاسم وسالم والزهري ومعمر وابن جريج
(5)
، وهو قول أحمد، وحكي عن مالك.
= وبرقم (956) باب: الخروج إلى المصلى بغير منبر عن أبي سعيد.
وبرقم (957) باب: المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة. عن ابن عمر.
وسيأتي برقم (985) باب: كلام الإمام والناس خطبة العيد. عن جندب.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 501.
(2)
انظر: "المنتقى" 2/ 316.
(3)
"المدونة" 1/ 156.
(4)
"مصنف عبد الرزاق" 3/ 271 - 272. كتاب: صلاة العيدين، باب: الصلاة قبل خروج الإمام وبعد الخطبة.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 497 - 498. كتاب: الصلوات، باب: من كان لا يصلي قبل العيد ولا بعده.
وفيه قول ثالث: أنها إذا صليت في المسجد جاز التنفل قبلها وبعدها، حكاه ابن بطال عن مالك، وهي رواية ابن القاسم عنه
(1)
.
وفيه قولٌ رابع -عكسه- أنه لا يتنفل في الجامع قبلها ويباح بعدها، قاله ابن وهب وأشهب
(2)
، وأما في بيته فأجازه مالك في "المدونة"
(3)
.
وقال ابن حبيب: قَالَ قوم: هي سبحة ذلك اليوم فيقتصر عليها إلى الزوال. قَالَ: وهو أحب إليَّ
(4)
.
وفيه قولٌ خامس: أنه يصلي قبلها لا بعدها، روي ذلك عن أبي مسعود البدري، وبه قَالَ علقمة والأسود وابن أبي ليلى والنخعي ومجاهد
(5)
والثوري والكوفيون منهم أبو حنيفة والأوزاعي، وحكاه ابن شعبان عن مالك
(6)
.
وفيه قولٌ سادس: الكراهة في المصلى قبلها وبعدها والرخصة فيها في غيره
(7)
.
وسابعٌ: ذكره في "الجواهر": أنه لا يتنفل قبلها ولا بعدها في هذا اليوم.
وقال أحمد: أهل الكوفة لا يتطوعون قبلها ويتطوعون بعدها، وأهل البصرة يتطوعون قبلها وبعدها، وأهل المدينة لا يتطوعون قبلها ولا بعدها.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 574.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 504.
(3)
"المدونة" 1/ 156.
(4)
"النوادر والزيادات" 1/ 504.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 499 - 500 كتاب: الصلوات، باب: من رخص في الصلاة قبل خروج الإمام.
(6)
"الأوسط" 4/ 286 - 269.
(7)
انظر: "المدونة" 1/ 156.
وعند الحنفية أقوال غير ما سلف: ليس قبلها صلاة. عن محمد كما في "الذخيرة". وإن شاء تطوع قبل الفراغ من الخطبة. معناه: أنه ليس قبلها صلاة مسنونة لا أنها تكره، إلا أن الكرخي نص على الكراهة قبل العيد حيث قَالَ: يكره لمن حضر المصلى التنفل قبلها
(1)
.
وفي "التجريد": إن شاء تطوع بعد الفراغ من الخطبة. ولم يذكر أنه تطوع في الجبانة أو في بيته، وذكر في كتاب "العالم والمتعلم" ما يدل على أنه يتطوع في بيته ويكره ذلك في الجبانة، وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول: لا بأس بصلاة الضحى قبل الخروج إلى المصلى، وإنما تكره في الجبانة. وعامة المشايخ على الكراهة مطلقًا
(2)
.
قلتُ: والسنة الثابتة: المنع مطلقًا، فثبت أنها ليس كالجمعة.
واستخلف عليُّ أبا مسعود فخطب الناس وقال: لا صلاة قبل الإمام يوم العيد
(3)
، ولم يرو عن غيره خلافه، ومثل هذا لا يقال بالرأي وإنما طريقه التوقيف كما نبه عليه الطحاوي
(4)
، وقد عقد البخاري لهذِه المسألة بابًا قريبًا
(5)
.
خامسها:
إتيانه النساء بعد خطبته ورأى أنهن لم يسمعن كما سلف، فيستحب عظتهن، ويذكرهن الآخرة والأحكام، وحثهن على الصدقة، وهذا إذا
(1)
انظر: "المحيط البرهاني" 2/ 498.
(2)
"البناية" 3/ 122.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 497 - 498 (5739) كتاب: الصلوات، باب: من كان لا يصلي قبل العيد وبعده.
(4)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 378.
(5)
سيأتي قبل الحديث (989) كتاب: صلاة العيدين، باب: الصلاة قبل العيد وبعدها.
لم يترتب عليه مفسدة وخوف فتنة على الواعظ والموعوظ أو غيرهما.
وفيه: أن النساء إذا حضرن صلاة الرجال ومجامعهم يكن بمعزل عنهم؛ خوفًا من فتنة ونحوها.
وفيه: أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى إيجاب وقبول بل يكفي فيها المعاطاة؛ لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال من غير كلام منهن ولا من بلال ولا من غيره، وهو صحيح مذهب الشافعي وأكثر العراقيين يفتقر إلى الإيجاب والقبول باللفظ كالهبة.
وفيه: جواز صدقة المرأة من مالها، وعن مالك: لا تجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضا زوجها
(1)
.
سادسها:
قوله: (يُلْقِينَ). كذا هو في "الصحيح" وهو جائز على لغة أكلوني البراغيث. وفي مسلم: يلقين ويلقين مكرر، وهو صحيح، ومعناه: يلقين كذا ويلقين كذا.
والخُرص -بضم الخاء المعجمة ثم راء ثم صاد مهملة- حلقة تكون في الأذن. وفي "البارع": القرط، يكون فيه حبة واحدة، حكاه ابن قرقول.
وقال ابن الأثير: الخرص -بالضم والكسر-: الحلقة الصغيرة من الحلي، وهو من حلي الأذن
(2)
.
والسخاب -بسين مهملة، ثم خاء معجمة، ثم ألف ثم باء موحدة- خيط ينضم فيه خرزات ويلبسه الصبيان والجواري، وقيل: هو قلادة
(1)
"الإعلام" 4/ 244 - 245.
(2)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 22.
تتخذ من قرنفل ومحلب وسك ونحوه، وليس فيها من اللؤلؤ والجوهر شيءٌ. ونقل صاحب "المطالع" عن البخاري أنه القلادة من طيب أو مسك. وقال غيره: هو من المعاذات. وذكر في الزكاة بدل السخاب: القلب، وهو: الخلخال، قاله الخطابي
(1)
.
وقال ابن فارس والجوهري: القلب من السوار ما كان قلبًا واحدًا
(2)
.
وحكى النحاس عن يحيى بن سليمان الجعفي أنه قَالَ: القلب: السوار. ولم يزد على ذلك.
وقوله: (فصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) انعقد الإجماع كما قَالَ ابن بزيزة على أن صلاة العيد ركعتان لا أكثر، إلا ما روي عن علي أنها في الجامع أربع، فإن صليت في المصلى فهي ركعتان، كقول الجمهور كما تعلمه في باب: إذا فاته العيد.
وفي الحديث جواز خروج النساء للعيدين، واختلف السلف في خروجهن للعيدين، فرأى جماعة ذلك حقًّا عليهن، منهم أبو بكر وعلي وابن عمر وغيرهم
(3)
.
وقال أبو قلابة: قالت عائشة: كانت الكواعب تخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الفطر والأضحى. وكان علقمة والأسود يخرجان نساءهم في العيد ويمنعونهن الجمعة
(4)
.
(1)
"غريب الحديث" 2/ 89.
(2)
انظر: "الصحاح" 1/ 205، و"المجمل" 3/ 730.
(3)
روى ذلك عنهم ابن أبي شيبة 2/ 3 (5784: 5786) كتاب: الصلوات، باب: من رخص في خروج النساء إلى العيدين.
(4)
"المصنف" 2/ 3 (5789)، وذكره ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 262.
وروى ابن نافع عن مالك أنه لا بأس أن تخرج المتجالة إلى العيدين والجمعة، وليس بواجب، وهو قول أبي يوسف
(1)
. ومنهم من منعهن ذلك، منهم عروة والقاسم والنخعي ويحيى الأنصاري
(2)
ومالك وأبو يوسف، وأجازه أبو حنيفة مرة ومنعه أخرى
(3)
، وقول من رأى خروجهن أصح لشهادة السنة الثابتة له.
والمسنة: التي بدلت أسنانها كما قَالَ الداودي، وقال غيره: هي الثنية.
وقوله: ("وَلَنْ تُوفِيَ أَوْ تَجْزِيَ") وَفِيَ وأَوْفَى بمعنى، كذا جزى وأجزى، فجزى يجزي معنى قضى يقضي، وأجزأ يجزئ: كفاه وقام مقامه مهموز، يقال: هذا يجزئ من هذا. أي: يغني منه وليس هو هنا مهموزًا؛ لأن المهموز لا يستعمل معه عند العرب، إنما يقولون: هذا يجزي من هذا. أي: يكون مكانه.
وفي "الصحاح": جزى بمعنى: قضى. وبنو تميم يقولون: أجزأ يجزئ مهموز
(4)
.
(1)
انظر: "المبسوط" 2/ 41، "بدائع الصنائع" 1/ 275، "النوادر والزيادات" 1/ 449.
(2)
رواها عنهم ابن أبي شيبة 2/ 4 (5795: 5797) كتاب: الصلوات، باب: من كره خروج النساء إلى العيدين، وذكرها ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 263.
(3)
انظر: "السرخسي" 2/ 41، "بدائع الصنائع" 1/ 275، "المدونة" 1/ 155.
(4)
"الصحاح" 6/ 2302.
9 - باب مَا يُكْرَهُ من حَمْلِ السِّلَاحِ فِي العِيدِ وَالحَرَمِ
وَقَالَ الحَسَنُ: نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلَاحَ يَوْمَ عِيدٍ إِلَّا أَنْ يَخَافوا عَدُوًّا.
966 -
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَبُو السُّكَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ بِمِنًى، فَبَلَغَ الحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلَاحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلَاحَ الحَرَمَ وَلَمْ يَكُنِ السِّلَاحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ. [967 - فتح: 2/ 454]
967 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ الحَجَّاجُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: كَيْفَ هُوَ؟ فَقَالَ: صَالِحٌ. فَقَالَ مَنْ أَصَابَكَ؟ قَالَ: أَصَابَنِى مَنْ أَمَرَ بِحَمْلِ السِّلَاحِ فِي يَوْمٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُهُ، يَعْنِي: الحَجَّاجَ. [انظر: 966 - فتح: 2/ 455]
وذكر فيه عن سعيد بن جبير قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابن عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ. الحديث. وفي إسناده: المحاربي. وهو عبد الرحمن بن محمد الكوفي، مات سنة خمس وتسعين ومائة.
وشيخ البخاري فيه: زكرياء بن يحيى أبو السكين بضم السين طائي كوفي، مات سنة إحدى وخمسين ومائتين، انفرد به البخاري عن الخمسة، وجده الأعلى خريم بن أوس، له صحبة. وروى البخاري أيضًا عن زكريا بن يحيى بن صالح البلخي في الوضوء والتيمم والمزارعة، مات بعد الثلاثين ومائتين، وفي طبقتهما: زكريا بن يحيى آخران:
أحدهما: قضاعي مصري، أخرج له مسلم وحده.
وثانيهما: خياط السنة، روى عنه: النسائي ووثقه.
و (السنان): حديدة في الرمح. والأخمص: ما رَقَّ من أسفل القدم.
وقال يعقوب: المتجافي عن الأرض من بطن القدم. وقال الخليل:
(1)
الأخمص: خصر القدم، والجمع: الأخامص، قدم مخصرة ومخصورة: إذا كان في أرساغها تخصير، كأنه مربوط، أو فيه يمن مستدير
(2)
.
وذكر فيه البخاري أيضًا عن أحمد بن يعقوب: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ الحَجَّاجُ عَلَى ابن عُمَرَ وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: كَيْفَ هُوَ؟ الحديث.
زاد الإسماعيلي: وذلك؛ لأن الناس نفروا عشية نفرة ورجل من أصحاب الحجاج عارضٌّ حربته، فضرب ظهر قدم ابن عمر، فأصبح وهنًا منها حَتَّى مات.
وأحمد شيخ البخاري روى عنه في المناقب أيضًا من أفراد البخاري، يقال له: المسعودي، وهو كوفي. وإسحاق بن سعيد هو أخو خالد بن سعيد، وابن عم إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد، مات سنة سبعين ومائة، وقيل: ست وسبعين.
إذا عرفت ذلك فقول ابن عمر: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه. يدل أن حملها ليس من شأن العيد، وحملها في المشاهد التي لا يحتاج إلى الحرب فيها مكروه؛ لما يخشى فيها من الأذى
(1)
"العين" 4/ 191.
(2)
انظر: "الصحاح" 3/ 1038، و"لسان العرب" 3/ 1266.
والعقر عند تزاحم الناس، وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم للذي رآه يحمل:"أمسك بنصالها لا تعقرن بها مسلمًا"
(1)
فإن خافوا عدوًّا فمباح حملها
(2)
كما قَالَ الحسن، وقد أباح الله تعالى حمل السلاح في الصلاة عند الخوف.
وقوله: (وَلَمْ يَكُنِ السِّلَاحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ). إنما ذلك للأمن الذي جعله الله لجماعة المسلمين فيه؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97].
وقوله للحجاج: (أنت أصبتني). دليل على قطع الذرائع؛ لأنه لامه على ما أداه إلى أذاه، وإن كان الحجاج لم يقصد ذلك.
وقوله: (لو نعلم من أصابك). أي: لعاقبته.
ثم فيه فوائد أخر: عيادة الأمير العالم، وتلطف الحجاج لابن عمر، وإنكار ابن عمر على الحجاج إدخال السلاح الحرم، وأن يحمل في ذلك اليوم. وسياق ذكر مني يدل على أنه العيد، وهو مطابق لترجمة البخاري.
وأثر الحسين صريح، وأن من سن سنة كان عليه كفل منها.
قَالَ البيهقي: ورويناه عن الضحاك بن مزاحم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -مرسلًا- أنه نهى أن يخرج يوم العيد بالسلاح
(3)
.
(1)
سبق برقم (451) كتاب: الصلاة، باب: يأخذ نصول النبل إذا مر في المسجد، بلفظ: مر رجل في المسجد ومعه سهام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك بنصالها. عن جابر.
ورواه مسلم (2614) كتاب: البر والصلة، باب: أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما أن يمسك بنصالها، وأحمد 3/ 308.
(2)
ورد في هامش الأصل ما نصه: يستحب حمل السلاح في أنواع صلاة الخوف.
وفي قول: يحب.
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 285 كتاب: صلاة العيدين، باب: حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد.
10 - باب التَّبْكِيرِ للعِيدِ
(1)
[وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ: إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ].
968 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ البَرَاءِ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَىْءٍ". فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ:"اجْعَلْهَا مَكَانَهَا -أَوْ قَالَ: اذْبَحْهَا- وَلَنْ تَجْزِىَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". [951 - مسلم: 1961 - فتح: 2/ 456]
(وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ: إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هذِه السَّاعَةِ، وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ.) هذا أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث يزيد بن خمير الرحبي قَالَ: خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس في يوم عيد فطرٍ أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال: إن كنا قد فزعنا في هذِه الساعة، وذلك حين التسبيح. ولفظ ابن ماجه: وقال: إنا كنا فزعنا ساعتنا هذِه. وللبيهقي: وقال: إن كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
(1)
ورد في هامش الأصل: في نسخة: إلى العيد.
(2)
أبو داود (1135)، ابن ماجه (1317)، البيهقي 3/ 282.
ورواه أيضًا الحافظ في "التغليق" 2/ 375 - 376 جميعًا من طريق صفوان بن عمرو، عن يزيد بن خمير، به فقال: أما الحديث فصحيح الإسناد؛ لا أعلم له علة، وأما كونه على شرط البخاري فلا؛ فإنه لم يخرج ليزيد بن خمير في "صحيحه" شيئًا. والله أعلم اهـ.
وصححه عبد الحق في "أحكامه" 2/ 74. وقال النووي في "الخلاصة" 2/ 826 - =
واستدركه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري
(1)
.
وعبد الله بن بُسر، بالسين المهملة، السلمي، مات فجأة وهو يتوضأ سنة ثمانٍ وثمانين. وقيل: بعد ذلك، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام
(2)
.
ثم ذكر حديث زُبَيْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ البَرَاءِ: خَطَبَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ .. الحديث. وقد سلف.
أما حكم الباب، فالإجماع قائم على أن العيد لا يصلى قبل طلوع الشمس. قَالَ ابن بطال: ولا عند طلوعها
(3)
. وفيه نظرٌ، فمذهبنا يدخل بطلوعها، وهو ما حكاه ابن التين عن الشيخ أبي القاسم في تعريفه، وفسر تأخيرها بارتفاعها قدر رمح، ألا ترى إلى قول عبد الله بن بسر: وذلك حين التسبيح. أي: حين الصلاة، فدل على أن صلاة العيد سبحة ذلك اليوم، فلا تؤَّخر عن وقتها لقوله صلى الله عليه وسلم:"أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هذا أَنْ نُصَلَّيَ" ودل ذلك على التبكير بصلاة العيد كما ترجم له البخاري، نعم تؤخر في الفطر وتعجل في الأضحى؛ لورود السُّنَّة به.
واختلفوا في وقت الغدو إلى العيد، فكان ابن عمر يصلي الصبح ثم
= 827 (2914)، والحافظ ابن كثير في "إرشاد الفقيه" 1/ 203، والألباني في "صحيح أبي داود"، وفي "الإرواء" 3/ 101: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(1)
"المستدرك" 1/ 395.
قلت: تعقبه الحافظ في التغليق.
(2)
انظر: "معرفة الصحابة" 3/ 1595 (1577)، و"الاستيعاب" 10/ 3 (1490)، و"أسد الغابة" 3/ 186 (1837)، و"الإصابة" 2/ 281 (4564).
(3)
"شرح ابن بطال" 2/ 560.
يغدو كما هو إلى المصلى. وفعله سعيد بن المسيب. وقال إبراهيم: كانوا يصلون الفجر وعليهم ثيابهم يوم العيد
(1)
. وعن أبي مجلز مثله
(2)
. وعن رافع بن خديج أنه كان يجلس في المسجد مع بنيه فإذا طلعت الشمس صلى ركعتين، ثم يذهبون إلى الفطر والأضحى
(3)
. وكان عروة لا يأتي العيد حَتَّى يستقبل الشمس، وهو قول عطاء والشعبي
(4)
.
وفي "المدونة" عن مالك: يغدو من داره أو من المسجد إذا طلعت الشمس
(5)
. وقال علي بن زياد عنه ومن غدا إليها قبل الطلوع فلا بأس، ولكن لا يكبر حتى تطلع الشمس. ولا ينبغي للإمام أن يأتي المصلى حتى تحين الصلاة
(6)
وقال الشافعي: يأتي في المصلى حين تبرز الشمس في الأضحى، ويؤخر الغدو في الفطر عن ذلك قليلًا
(7)
.
وحديث البراء دالُّ أنه لا يجب أن يشتغل بشيءٍ غير الأهبة له والخروج إليه، وأن لا يُفعل قبل الصلاة شيءٌ غيرها.
(1)
روى ذلك ابن أبي شيبة 1/ 486 (5609)، (5610)، (5612) كتاب: الصلوات، باب: الساعة التي يتوجه فيها إلى العيد أية ساعة.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 487 (5613) كتاب: الصلوات، باب: الساعة التي يتوجه فيها إلى العيد أية ساعة.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 487 (5616).
(4)
رواهما ابن أبي شيبة 1/ 487 (5614 - 5615).
(5)
"المدونة" 1/ 154.
(6)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 498، "عمدة القاري" 5/ 390.
(7)
انظر: "المجموع" 5/ 7.
11 - باب فَضْلِ العَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ.
969 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"مَا العَمَلُ فِي أَيَّامِ العَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ العَمَلِ فِي هَذِهِ". قَالُوا: وَلَا الجِهَادُ قَالَ: "وَلَا الجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَىْءٍ". [فتح: 2/ 457]
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ: وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
كذا في كثير من نسخ البخاري: (معلومات).
والتلاوة: {مَعْدُودَاتٍ} .
وقد رواه عبد بن حميد في "تفسيره" عن قبيصة عن سفيان عن ابن جريج عن عروة بن دينار قَالَ: سمعت ابن عباس يقول: واذكروا الله في أيام معدودات الله أكبر. اذكروا الله في أيام معدودات، الله أكبر. ثم ذكر تفسيرها كما سلف.
ثم قَالَ البخاري: وَكَانَ ابن عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.
قلت: أخرجه الشافعي عن إبراهيم بن محمد، أخبرني عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حَتَّى يأتي المصلى يوم العيد ثم يكبر بالمصلى، حَتَّى إذا جلس
الإمام ترك التكبير. وزاد في "المصنف": ويرفع صوته حَتَّى يبلغ الإمام
(1)
.
قَالَ البيهقي: ورواه عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رفع الصوت بالتهليل والتكبير حَتَّى يأتي المصلى.
وروي في ذلك عن عليٍّ وغيره من الصحابة
(2)
.
ثم قال البخاري: وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ. محمد هذا هو أبو جعفر. قَالَ البيهقي: وكان أبو جعفر محمد بن علي يكبر بمنى أيام التشريق خلف النوافل
(3)
. قال ابن التين: ولم يتابعه عليه أحد.
ثم ساق البخاري حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا العَمَلُ فِي أَيَّامِ أَفْضَلَ منها فِي هذِه" .. الحديث.
وهو من أفراده، وأخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب. وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله ابن عمرو وجابر
(4)
.
وسليمان المذكور في إسناده هو الأعمش، وما ذكره من تفسير ابن عباس:(المعلومات)(والمعدودات)، وهي ثلاثة بعد النحر، هو قول
(1)
"مصنف ابن أبي شيبة" 1/ 487 (5618) كتاب: الصلوات، باب: في التكبير إذا خرج إلى العيد.
(2)
"سنن الكبرى" 3/ 279 كتاب: صلاة العيدين، باب: التكبير ليلة الفطر ويوم الفطر وإذا غدا إلى صلاة العيدين.
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 316 كتاب: صلاة العيدين، باب: سنة التكبير للرجال والنساء والمقيمين والمسافرين.
(4)
"سنن أبي داود"(2438) كتاب: الصيام، باب: في صوم العشر.
و"سنن الترمذي"(757) كتاب: الصوم، باب: ما جاء في العمل في أيام العشر.
و"سنن ابن ماجه"(1727).
النخعي والشافعي وعطاء ومجاهد وإبراهيم والضحاك، وهو قول أهل الكوفة
(1)
.
قَالَ النحاس: لا أعلم فيه اختلافًا. وحكاه الكرخي عن أبي حنيفة، وهو قول الحسن وقتادة. وروي عن عليٍّ وابن عمر أن المعلومات هي ثلاثة أيام: النحر ويومان بعده، والمعدودات أيام التشريق
(2)
، وهذا قول صاحبيه، وبه قَالَ مالك، سميت معدودات لقلتهن، ومعلومات لحرص الناس على علمها لأجل فعل المناسك في الحج، ولأنها معلومة للذبح فيتوخى المساكين القصد فيها فيعطون.
قَالَ الطحاوي: وإليه أذهب للآية، وهي أيام النحر، وعامة العلماء في المعدودات يقول بقول ابن عباس. وقيل: سميت معدودات؛ لأنه إذا زيد عليها في البقاء كان حصرًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبقين مهاجر بمكة بعد قضاء نسكه فوق ثلاث"
(3)
وقيل: معناه محصنات أُمروا بالتكبير فيها أدبار الصلوات وعند رمي الجمار. قال أبو عبيد: سميت أيام التشريق؛ لأن التشريق صلاة العيد؛ لأن وقتها من حين الشروق، ومنه حديث:"من ذبح قبل التشريق أعاد" فسميت الأيام كلها أيام التشريق؛ وقبل: لأن لحوم الأضاحي تشرق للشمس فيها. وقيل: تفرد. وقيل: لقولهم: أَشْرِقْ ثبيرُ كيما نُغِير. وأنكر مالك أن يقال: الأم التشريق، وقال: يقول الله: {فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} و {مَعْلُومَاتٌ} .
(1)
رواها الطبري في "تفسيره" 2/ 315 (3896، 3903، 3911).
وذكرها ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 297 - 298.
(2)
ذكرهما ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 297 - 298.
(3)
سيأتي برقم (3933) كتاب: مناقب الأنصار، باب: إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه. بلفظ "ثلاث للمهاجر".
والعمل في أيام التشريق هو التكبير المسنون، وهو أفضل من صلاة النافلة كما قَالَ المهلب؛ لأنه لو كان هذا الكلام خطأ على الصلاة والصيام في هذِه الأيام يعارض قول:"أيام أكل وشرب"
(1)
.
وقد نهي عن صيام هذِه الأيام، وهو دال على تفريغها للأكل والشرب واللذة، فلم يبق تعارض إذا عني بالعمل التكبير، وهو الذي ذكره على تأويل قوله:"أفضل منها في هذه الأيام" أن المراد بهذا الضمير أيام التشريق. والمراد أيام العشر. كما ورد مصرحًا به في الترمذي من حديث ابن عباس أيضًا: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذِه الأيام العشر" قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد؟ الحديث. ورواه أبو داود وابن ماجه أيضًا
(2)
، وفي روايتهما: يعني: العشر. أوردوه في الصيام، فعلى هذا لا مناسبة في الحديث للترجمة والمبوب عليه قول ابن عباس، نعم يوم العيد معلوم كما ذكره ابن عباس.
قوله: ("وَلَا الجِهَادُ") أي: ليس مطلق الجهاد كله بموجب، بل الموجب ما ذكر من المخاطرة بالنفس والمال ففضله لا يحاط به.
قَالَ الداودي: ولم يرد هنا أن هذِه الأيام خير من يوم الجمعة لأنه قد يكون فيها يوم جمعة، وفيه نظرٌ؛ لأنه إذا كان فيها زاد الفضل.
ومعنى: "يخاطر بنفسه": يكافح العدو بنفسه وسلاحه وجواده فيسلم من القتل أو لا يسلم منه، فهذِه المخاطرة، وهذا العمل أفضل منه في هذِه الأيام وغيرها مع أن هذا العمل لا يمتنع صاحبه من إتيان التكبير والإعلان به.
(1)
سلف برقم (955).
(2)
سبق تخريجه. وأصله حديث الباب.
وقوله: ("فلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ") يحتمل أن لا يرجع بشيءٍ من ماله ويرجع هو، ويحتمل أن لا يرجع هو ولا ماله فيرزقه الله الشهادة، وقد وعد عليها الجنة.
وأما خروج ابن عمر وأبي هريرة إلى السوق وتكبير الناس بتكبيرهما، فقد قالت طائفة به.
قَالَ أبو جعفر الحنفي: كان مشايخنا يرون التكبير في الأسواق في أيام العشر، والفقهاء لا يرون ذلك كما نقله عنهم ابن بطال، وإنما التكبير عندهم من وقت رمي الجمار؛ لأن الناس فيه تبع لأهل مني
(1)
، والمختار عندنا أنه يكبر من صبح مني ويختم بعصر آخر (أيام)
(2)
التشريق، خلف كل صلاة مفعولة في هذِه الأيام قضاء، وأداء، فرض عين، أو كفاية، أو سنة
(3)
، ويستحب عندنا التكبير في الأيام المعلومات إذا رأى شيئًا من بهيمة الأنعام.
وفي فعل ابن عمر وأبي هريرة هذا خروج العلماء إلى السوق يذكرون الناس في الأوقات التي يصلح الذكر فيها، وأما تكبير أبي جعفر خلف النافلة فهو قول الشافعي
(4)
.
قَالَ البيهقي: روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله"
(5)
وسائر الفقهاء كما قَالَ ابن بطال: لا يرون
(1)
"شرح ابن بطال" 3/ 563.
(2)
من (ج).
(3)
فيه ثلاثة أقوال انظر: "البيان" 2/ 654 - 659، "العزيز" 2/ 365 - 367.
(4)
انظر: "المجموع" 5/ 42.
(5)
"السنن الكبرى" 3/ 312 كتاب: صلاة العيدين، باب: من قال: يكبر في الأضحى خلف صلاة الظهر من يوم النحر.
التكبير إلا خلف الفريضة
(1)
.
وقال ابن التين: لم يتابعه أحد عليه؛ لأن في تخصيص الخمس بذلك تعظيمًا لها. قَالَ: ولأنه ذكر واجب فوجب أن يختص بالواجب، وهو المشهور من مذهب مالك
(2)
. أعني: تخصيصه بالفرائض.
قَالَ ابن المنذر: التكبير في المكتوبة في الجماعة مذهب ابن مسعود، وكان ابن عمر إذا صلى وحده لا يكبر، وبه قَالَ أبو حنيفة والثوري، وهو المشهور عن أحمد. وقال صاحباه ومالك والشافعي والأوزاعي: يكبر المنفرد
(3)
. والصحيح من مذهب أبي حنيفة أن التكبير واجب
(4)
. وفي "فتاوى قاضي خان" و"التجريد" أنه سنَّةٌ.
قَالَ أبو محمد بن حزم
(5)
: التكبير دبر كل صلاة وفي الأضحى وأيام التشريق ويوم عرفة حسن كله؛ لأن التكبير فعل خير، وليس ها هنا أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخصيص الأيام المذكورة دون غيرها، روينا عن الزهري وأبي وائل وأبي يوسف استحباب التكبير غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق عند العصر، وكان ابن مسعود يكبر في صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر يوم النحر
(6)
، وعن ابن عمر: من يوم النحر إلى صلاة الصبح آخر أيام التشريق
(7)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 563.
(2)
"المدونة" 1/ 157 وله رواية أخرى أنه يكبر بعد النافلة "الذخيرة" 2/ 426.
(3)
"الأوسط" 4/ 305 - 306.
(4)
انظر: "الفتاوى التاتارخانية" 2/ 104.
(5)
"المحلي" 5/ 89.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 488 (5632) كتاب: الصلوات، باب: التكبير من أي يوم هو إلى أي ساعة.
(7)
السابق 1/ 488 (5639).
12 - باب التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ
وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ المَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ، وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا. وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ. وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزَ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي المَسْجِدِ.
970 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ عَنِ التَّلْبِيَةِ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: كَانَ يُلَبِّي المُلَبِّي لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ المُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ. [1659 - مسلم: 1285 - فتح: 2/ 461]
971 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ العِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ البِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ اليَوْمِ وَطُهْرَتَهُ. [انظر: 324 - مسلم: 890 - فتح: 2/ 461]
(وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ المَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا).
وهذا رواه البيهقي من حديث عطاء عن عبد الله بن عمر أن عمر كان يكبر، وفيه: ليسمعه أهل السوق فيكبرون
(1)
.
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 312 صلاة العيدين، باب: من قال: يكبر في الأضحى.
ومعنى: (ترتج مني): تتحرك وتضطرب، فهو شبه الزلزلة، وهو مجاز. والمعنى: يرتج الحاضرون بهم. وهذا عبارة عن كثرة المكبرين ورفع أصواتهم.
ذكر هذا في "الموطأ" عن عمر فقال: خرج عمر الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئًا فكبَّر وكبَّر الناس معه، ثم خرج الثانية بعد ارتفاع النهار فكبَّر وكبَّر الناس معه بتكبيره، ثم خرج حين زاغت الشمس فكبَّر وكبَّر الناس معه، حَتَّى بلغ البيت فتعرفت أن عمر خرج يرمي
(1)
. وهذا منه على وجه التذكير للناس على ذكره لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أيام مني أيام أكل وشرب وذكر الله"
(2)
وخاف الغفلة على الناس عن ذكر الله تعالى، وقد قَالَ ابن حبيب: ينبغي لأهل مني أن يكبروا أوَّل النهار، وإذا ارتفع، ثم إذا زالت الشمس، ثم بالعشي. وكذا فعل عمر رضي الله عنه
(3)
.
ثم قَالَ البخاري: (وَكَانَ ابن عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ، وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ
(1)
"الموطأ" 1/ 541 (1405) كتاب: المناسك، باب: باب: تكبير أيام التشريق.
(2)
رواه ابن ماجه (1719) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في النهي عن صيام أيام التشريق، وأحمد 2/ 229، 287، 513، 535، وأبو يعلى في "مسنده" 10/ 320 (5913)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 245، وابن حبان في "صحيحه" 8/ 366 - 367 (3601)، (3602) كتاب: الصوم، باب: صوم أيام التشريق، وصححه البوصيري في "زوائد ابن ماجه"(583) على شرط الشيخين.
وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه": حسن صحيح.
ورواه مسلم. من حديث نبيشة الهذلي بلفظ: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله". (1141).
(3)
سبق تخريجه.
تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا) وهذا أيضًا ذكره البيهقي فقال: ويذكر عن ابن عمر. إلى آخره
(1)
.
والفسطاط: بيت من شعر، فيه ثلاث لغات حكاها في "الصحاح": فسطاط، وفستاط، وفساط. قَالَ: وكسر الفاء لغة فيهن
(2)
، وهو عند ابن فارس: ضرب من الأبنية
(3)
.
ثم قَالَ البخاري: (وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ) وهذا أيضًا ذكره البيهقي أيضًا هكذا، وذكر أيضًا قوله في البخاري:(وَكُنِّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزَ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي المَسْجِدِ)
قَالَ البيهقي: وكان الشعبي وإبراهيم النخعي يقولان هذا القول
(4)
.
ثم ساق البخاري حديثين:
أحد هما:
حديث محمد بن أبي بكر الثقفي
(5)
قَالَ: سَألْتُ أَنَسًا وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلى عَرَفَاتٍ عَنِ التَّلْبِيَةِ .. الحديث.
ويأتي في الحج إن شاء الله تعالى أيضًا
(6)
.
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 312 كتاب: صلاة العيدين، باب: من قال: يكبر في الأضحى.
(2)
"الصحاح" 3/ 1150.
(3)
"المجمل" 2/ 720.
(4)
"السنن الكبرى" 3/ 316 كتاب: صلاة العيدبن، باب: سنة التكبير للرجال والنساء.
(5)
ورد بهامش الأصل ما نصه: شيخه في حديث محمد بن أبي بكر الثقفي هذا أبو نعيم، وهناك عبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك.
(6)
سيأتي برقم (1659) باب: التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة.
وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه أيضًا
(1)
.
ومحمد (خ. م. س. ق) هذا هو ابن أبي بكر بن عوف بن رباح حجازي، وهذا التكبير يحتمل أن يكون نوعًا من الذكر أدخله الملبي في خلال تلبيته من غير ترك التلبية؛ لأن المروي عن الشارع أنه لم يقطع التلبية حَتَّى رمى جمرة العقبة، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.
وقال مالك: يقطع إذا زالت الشمس. وقال مرة أخرى: إذا وقف.
وقال أيضًا: إذا راح إلى مسجد عرفة. وهو قريب من قولهم: إذا زالت.
الثاني: قَالَ البخاري:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ العِيدِ .. الحديث.
هكذا في البخاري: حَدَّثَنَا محمد، ثنا عمر بن حفص. قَالَ الجياني: هكذا رواه أبو ذر. وكذلك خرجه أبو مسعود الدمشقي في كتابه عن محمد عن عمر بن حفص فقال: وفي روايتنا عن أبي علي بن السكن وأبي أحمد وأبي زيد: ثنا عمر بن حفص. لم يذكروا محمدًا قبل عمر، ويشبه أن يكون محمد بن يحيى الذهلي، وإليه أشار الحاكم في هذا الموضع
(2)
. وأما خلف والطرقي فذكرا أن البخاري رواه عن عمر بن حفص، لم يذكر محمدًا قبل عمر، وكذا ذكر أبو نعيم أن البخاري رواه عن عمر بن حفص. وذكر ابن عساكر أن عمر بن حفص هذا
(1)
"صحيح مسلم"(1285) كتاب: الحج، باب: التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات في يوم عرفة، وأبو داود (1816) كتاب: المناسك، باب: من يقطع التلبية -لكن حديث أبي داود عن ابن عمر عن أبيه- وابن ماجه (3008) كتاب: المناسك، باب: الغدو من منى إلى عرفات.
(2)
"تقييد المهمل" 3/ 1044.
روى عنه البخاري ومسلم، ورويا عن رجلٍ عنه، وسلف هذا الحديث في باب: شهود الحائض للعيدين من كتاب الطهارة
(1)
. وترجم له في الباب: خروج الحيض إلى المصلى واعتزال الحيض المصلى كما ستعلمه
(2)
.
قولها: (كُنَّا نُؤْمَرُ). هو مرفوع كما سلف، وقد جاء ذلك صريحًا كما ستعلمه، وفيه دليل على تساوي النساء في ذلك بالرجال، وحمل على الندب، بدليل الأمر للحيض بالخروج. والحيض بضم الحاء وفتح الياء المشددة جمع حائض. والخدر: السرير المضروب عليه القبة.
وفي "الصحاح": الخدر: الستر. يقال: جارية مخدرة. إذا لزمت الخدر
(3)
.
قولها: (يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ اليَوْمِ). هكذا شأن المؤمن يرجو عند العمل ولا يقطع ولا يدري ما يحدث له. قَالَ تعالى: {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] أي: خائفة مشفقة.
وقولها: (وَطُهْرَتَه). تعني: من الذنوب.
وقولها: (فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ). فيه تأخرهن عن الرجال. قَالَ المهلب: أيام منى هي أيام التشريق.
وتأول العلماء فيها قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] ومعنى التكبير في هذا: الفضل -والله أعلم- لأنه فضل الذبائح لله تعالى، وكانت الجاهلية تذبح لطواغيتها ونصبها، فجعل التكبير استشعارًا للذبح لله حَتَّى لا يذكر في أيام الذبح غيره، ومعنى ذكر التسمية على الذبح الاختصاص به، والإعلان بذكره؛ لتنسى
(1)
سلف برقم (324) كتاب: الحيض.
(2)
انظر: حديث (974).
(3)
"الصحاح" 2/ 643.
عبادة الجاهلية. واستحب العلماء التكبير أوَّل يوم العيد وليلته من طريق المصلى، وروي عن علي أنه كبَّر يوم الأضحى حَتَّى أتى الجبانة
(1)
.
وعن أبي قتادة أنه كان يكبر يوم العيد حَتَّى يبلغ المصلى
(2)
. وعن ابن عمر أنه كان يكبر في العيد حَتَّى يبلغ المصلى ويرفع صوته بالتكبير
(3)
، وهو قول مالك والأوزاعي
(4)
. قَالَ مالك: ويكبر في المصلى إلى أن يخرج الإمام، فإذا خرج قطعه، ولا يكبر إذا رجع
(5)
.
وقال الشافعي: أحبُّ إظهار التكبير ليلة النحر، وإذا غدوا (إلى)
(6)
المصلى حَتَّى يخرج الإمام، ولا يستحب عندنا ليلة الفطر عقب الصلوات في الأصح
(7)
.
وقال أبو حنيفة: يكبر يوم الأضحى يخرج في ذهابه ولا يكبر يوم الفطر. وذكر الطحاوي عن سفينة مولى ابن عباس قَالَ: كنت أقود ابن عباس إلى المصلى فيسمع الناس يكبرون، فيقول: ما شأن الناس؟ أكبَّر الإمام؟ فأقول: لا. فيقول: مجانين الناس. فأنكر التكبير في طريق المصلى، وهذا يدل على أن التكبير عنده الذي يكبر الإمام مما يصلح أن يكبر الناس معه
(8)
.
(1)
رواه الدارقطني في "سننه" 2/ 44 كتاب: العيدين، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 250.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 487 (5619) كتاب: الصلوات، باب: في التكبير إذا خرج إلى العيد.
(3)
السابق 1/ 487 (5618).
(4)
"المدونة" 1/ 154.
(5)
السابق 1/ 154.
(6)
في الأصل: إذا.
(7)
انظر: "المجموع" 5/ 48.
(8)
"مشكل الآثار" كما في " تحفة الأخيار" 2/ 431 (1101) كتاب: صلاة العيدين، باب: بيان مشكل ما روي عن رسول الله من إظهار التكبير.
قَالَ ابن بطال: ولم أجد أحدًا من الفقهاء ممن يقول بقول ابن عباس
(1)
.
قَالَ الطحاوي: ومن كبَّر يوم الفطر تأول فيه قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] وتأول ذلك زيد بن أسلم، قَالَ: ويحتمل ذلك تعظيم الله تعالى بالأفعال والأقوال لقوله تعالى: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}
(2)
[الإسراء: 111] قَالَ: والقياس أن يكبر في العيدين جميعًا، فإن صلاة العيدين لا يختلفان في التكبير فيهما والخطبة بعدهما وسائر سننهما، كذلك التكبير في الخروج إليهما.
وقال ابن أبي عمر: إن السُّنَّة عند أصحاب أبي حنيفة جميعًا في الفطر أن يكبر في الطريق إلى المصلى ولم يعرفوا قول أبي حنيفة.
وفي حديث أم عطية خروج النساء إلى المصلى كما ترجم، وقد فسرت أم عطية إخراج الحيَّض، فقالت ليشهدن الخير ودعوة المؤمنين؛ رجاء بركة اليوم وطهرته، ورغبت في دعاء المسلمين في الجماعات؛ لأن البروز إلى الله تعالى لا يكون إلا عن نية وقصد، فيرجى بركة القصد إلى الله تعالى والبروز إليه، والجماعة لا تخلو من فاضل من الناس، ودعاؤهم مشترك.
وفي حديث أم عطية حجة لمالك والشافعي في قولهما أن النساء يلزمهن التكبير عقب الصلوات أيام التشريق
(3)
، وأبو حنيفة لا يرى عليهن تكبيرًا، وخالفه صاحباه فقالا به. وقد ذكر البخاري عن ميمونة أم المؤمنين أنها كانت تكبر يوم النحر، وأن النساء كن يكبرن خلف
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 565.
(2)
"مشكل الآثار" كما في "تحفة الأخيار" 2/ 432.
(3)
"المدونة" 1/ 157.
أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز كما سلف، وهذا أمر مستفيض، وإنما أمر الحيض باعتزال المصلى خشية الاختلاف أن تكون طائفة تصلي وطائفة بينهم لا تصلي، وخشية ما يحدث للحائض من خروج الدم الذي لا يؤمن ذلك منها فتؤذي من جاورها وينجس موضع الصلاة.
فروع: من مذهب مالك رحمه الله: من غدا قبل طلوع الشمس، فعن مالك قولان: لا يكبر حَتَّى تطلع الشمس، يكبر بعد صلاة الصبح، وقيل: من خرج مسفرًا يكبر
(1)
.
وقال ابن حبيب: من اغتدى للعيدين لا يكبر حَتَّى يسفر
(2)
.
ولا يختلف قول مالك أن ابتداء التكبير من ظهر يوم النحر. وفي انتهائه أقوال: أشهرها: عقب الصبح.
وقال ابن المنذر عنه: إلى العصر من آخر أيام التشريق قال: وهو قول الشافعي
(3)
، وقال سحنون: بعض أصحابنا يرون أن يكبر بعد الظهر من آخر أيام التشريق، ونقل ذلك عن الشافعي.
وقال أبو حنيفة: أوَّله صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر. وقال صاحباه: من وقت الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق كالمختار عندنا
(4)
.
وقال الشافعي مرة: من المغرب ليلة النحر
(5)
. ووافق مالكًا في آخره
(1)
السابق 1/ 154.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 500.
(3)
"الأوسط" 4/ 302 بلفظ: إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وقال ابن المنذر: هذا قول مالك والشافعي.
(4)
"الأصل" 1/ 384 - 385، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 322.
(5)
"الأم" 1/ 213.
فيكبر على قوله عقب ثماني عشرة صلاة
(1)
. دليله المشهور: أن الله تعالى خاطب بالتكبير أهل مني فقال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ} وقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203].
وقد ثبت -كما قَالَ ابن التين- أن أوَّل التكبير هو عند الفجر بعد رمي جمرة العقبة، وأوَّل صلاة تلي ذلك الظهر إلى صلاة الصبح من آخر آيام التشريق، وهذِه مدة صلاة الناس بمنى، وصلاة الظهر آخر أيام التشريق، لما يصلي بهم، وإنما يرمي الحاج ثم ينفر فيصلي بالمحصب أو حيث أدركته الصلاة من طريقه، وروي ذلك عن ابن عمر وغيره من الصحابة، ووجه ما حكاه سحنون أن الناس وقت الظهر بمنى؛ لأن الرمي بعد الزوال.
فرع:
صفة التكبير كما قَالَ مالك في "المدونة": الله أكبر. ثلاثًا. وقال أيضًا: ليس في ذلك حدٌّ، إن شاء كبَّر ثلاثًا، أو أربعًا، أو خمسًا
(2)
.
وقال في "المختصر": الله أكبر -مرتين- لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. وإن اقتصر على ثلاث تكبيرات أجزأه، والأول أفضل؛ لأنه يجمع تهليلًا وتحميدًا، وهو كالتكبير في الخطبة؛ ولذلك كان الجميع واسعًا، وروي بلفظ آخر، وعن عطاء أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر كبيرًا -مرتين- الله أكبر على ما هدانا.
فرع:
في التكبير في غير عقب الصلاة أيام مني قَالَ مالك: رأيت الناس
(1)
"المدونة" 1/ 157، "الأم" 1/ 213.
(2)
"المدونة" 1/ 157.
يفعلونه، وأما من أدركتهم وأقتدي بهم فلم يكونوا يكبرون إلا دبر الصلوات
(1)
.
وقال مرة: لا بأس بتكبير أهل الآفاق في أيام مني في غير الصلاة.
وقال ابن حبيب: يكبر أهل الآفاق دبر الصلوات. وفي خلال ذلك، ولا يجهرون. وأهل مني لا يجهرون به
(2)
.
فرع:
في تكبير النساء قولان، عن مالك: يكبرن كالمسافرين
(3)
، ووجهه ما سلف في البخاري.
فرع:
قَالَ في "المدونة": إذا خرج الإمام قطع
(4)
. وعن سحنون في تأويله (خلف) فقال مرة: إذا كبَّر للصلاة. وقال مرة: إذا أخذ في الخطبة.
قَالَ مالك: ويكبر الناس إذا كبر الإمام على المنبر
(5)
. وقال المغيرة: يمسكون إذا كبر.
وجه الأول: ما رواه سفينة عن مولاه ابن عباس أنه سمع الناس يكبرون والإمام يخطب فقال له ابن عباس: ما لهم كبَّروا، أكبر الإمام؟ قلتُ: لا. قال: مجانين الناس
(6)
.
(1)
"المدونة" 1/ 157.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 506.
(3)
"المدونة" 1/ 157.
(4)
السابق 1/ 154.
(5)
"النوادر والزيادات" 1/ 505.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 488 (5629) باب: في التكبير إذا خرج إلى العيد.
وقد سلف، فدل ذلك على أن لهم أن يكبروا إذا كبَّر. وعن ابن عمر أنه كان يكبر مع الإمام إذا كبَّر. واحتج المغيرة بأن قَالَ: لأن شروع الإمام في الخطبة يقطع الكلام جملة، أصله في غير التكبير. وقول مالك أولى لما سلف.
فرع:
إذا ذكر صلاة في هذِه الأيام قولان في التكبير.
13 - باب الصَّلاةِ إِلَى الحرْبَةِ يَوْمَ العِيدِ
972 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ تُرْكَزُ الحَرْبَةُ قُدَّامَهُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالنَّحْرِ ثُمَّ يُصَلِّي. [انظر: 494 - مسلم: 501 - فتح: 2/ 463]
ذكر فيه حديث ابن عمر أَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ تُرْكَزُ الحَرْبَةُ قُدَّامَهُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالنَّحْرِ ثُمَّ يُصَلِّي إليها.
وترجم له أيضًا:
14 - باب حَمْلِ العَنَزَةِ أَوِ الحَرْبَةِ بَيْنَ يَدَيِ الإِمَامِ يَوْمَ العِيدِ
973 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْدُو إِلَى المُصَلَّى، وَالعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، تُحْمَلُ وَتُنْصَبُ بِالمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا. [انظر: 494 - مسلم: 501 - فتح: 2/ 463]
وقال فيه ابن عمر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَغْدُو إِلَى المُصَلَّى، وَالعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وقد سلف في الصلاة
(1)
. وحمل الحربة والعنزة بين يديه؛ ليكون له سترة في صلاته صلى الله عليه وسلم إذا كان المصلى في الصحراء، ولم يكن فيها من البنيان ما يستتر به، ومن سنته صلى الله عليه وسلم أن لا يصلي المصلي إلا إلى سترة إمامًا كان أو منفردًا. وأما صلاته صلى الله عليه وسلم بمنى إلى غير جدار في حديث ابن عباس، فيؤخذ منه أنها ليست شرطًا بل سنة، وكان ذلك نادرًا منه، والذي واظب عليه طول دهره الصلاة إلى سترة، وقد سلف ذلك في باب سترة الإمام سترة من خلفه
(2)
، والعنزة سلف بيانها في الطهارة
(3)
.
(1)
سلف برقم (494) باب: سترة الإمام سترة من خلفه.
(2)
انظر: التخريج السابق.
(3)
سلف برقم (187)، كتاب: الوضوء، باب: استعمال فضل وضوء الناس.
15 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ وَالحُيَّضِ إِلَى المُصَلَّى
(1)
974 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ العَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ. وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنَحْوِهِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ -قَالَ أَوْ قَالَتِ-: العَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، وَيَعْتَزِلْنَ الحُيَّضُ المُصَلَّى. [انظر: 324 - مسلم: 890 - فتح: 2/ 463]
ذكر فيه حديث أم عطية السالف
(2)
.
والعواتق: جمع عاتق، وهن الحديثات الإدراك.
وقولها: (أَوْ قَالَتِ العَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ). شكت
(3)
أي اللفظين قالت، فإن كان هذا هو المحفوظ فمعناه: تخرج العواتق حَتَّى ذوات الخدور فكرر للتأكيد، وهن من العواتق، وهذا أشبه بظاهر الحديث كما قال ابن التين؛ لأنه قال: العواتق: ذات الخدور، فقد خص بالخروج ذوات الخدور، وليس الخدر إلا للطفل منهن، وأراه إنما عزم عليهن؛ لما أراد أن يأمرهن بالصدقة.
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في الثامن بعد الثمانين كتبه مؤلفه سامحه الله.
(2)
سلف برقم (324) كتاب: الحيض، باب: شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى.
(3)
ورد في هامش الأصل ما نصه: الشاك حفصة.
16 - باب خُرُوجِ الصِّبْيَانِ إِلَى المُصَلَّى
975 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح: 2/ 464]
ذكر فيه حديث ابن عباس: قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى .. الحديث.
الشرح:
خروج الصبيان إلى المصلى هو في المميز، ألا ترى ضبط ابن عباس للقصة.
وفيه: شهودهم وشهود النساء العيد.
وفيه أيضًا: الصلاة قبل الخطبة، وأمره النساء بالصدقة، ولم يذكر أنه أمر بها الرجال؛ لأن النساء أكثر أهل النار.
وشيخ البخاري: عمرو بن عباس باهلي بصري، انفرد به عن الخمسة، مات في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين
(1)
.
(1)
انظر: "تهذيب الكمال" 22/ 94 (4394).
17 - باب اسْتِقْبَالِ الإِمَامِ النَّاسَ فِي خُطْبَةِ العِيدِ
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُقَابِلَ النَّاسِ.
976 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ البَرَاءِ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أَضْحًى إِلَى البَقِيعِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَقَالَ:"إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ:"اذْبَحْهَا، وَلَا تَفِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". [انظر: 951 - مسلم: 1961 - فتح: 2/ 465]
وهذا سلف مسندًا
(1)
.
وذكر فيه حديث البراء: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَضْحى إِلَى البَقِيعِ .. الحديث.
الشرح:
السنة استقبال الإمام الناس في خطبة العيد وغيرها؛ لأن كل من حضر الجمعة مأمور باستماعها، ولا يكون المستمع إلا مقبلًا بوجهه على المسموع منه؛ ليكون أوعى لموعظته.
(1)
سيأتي برقم (304) كتاب: الحيض، باب: ترك الحائض الصوم.
18 - باب العَلَمِ الَّذِي بِالمُصَلَّى
977 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ: أَشَهِدْتَ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلَا مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ، حَتَّى أَتَى العَلَمَ الذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يُهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلَالٌ إِلَى بَيْتِهِ. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح: 2/ 465]
ذكر فيه حديث ابن عباس: قِيلَ لَهُ: أَشَهِدْتَ العِيدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ .. الحديث.
وقوله: (وَلَوْلَا مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ). فيه تقديم وتأخير واختصار. يقول: لولا مكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتي لم أشهده لصغري. وقيل: أراد ما شهدت. وفيه: مضي بلال إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (يُهْوِينَ)
(1)
. هو بضم الياء، يقال: أهوى الرجل بيده إلى الشيء ليتناوله ويأخذه. وإتيانه النساء ووعظهن فهو خاص به عند العلماء- كما قَالَ ابن بطال؛ لأنه أب لهن، وهم مجمعون أن الخطيب لا تلزمه خطبة أخرى للنساء، ولا يقطع خطبته ليتمها عند النساء.
وفائدة هذا الحديث الرخصة في شهود الصبيان والنساء العيد
(2)
.
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: حاشية: يهوين، رباعي، وثلاثي أيضًا.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 568.
19 - باب مَوْعِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ يَوْمَ الْعِيدِ
978 -
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الفِطْرِ، فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ، وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ، يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: زَكَاةَ يَوْمِ الفِطْرِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ حِينَئِذٍ، تُلْقِى فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ. قُلْتُ: أَتُرَى حَقًّا عَلَى الإِمَامِ ذَلِكَ وَيُذَكِّرُهُنَّ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ لَا يَفْعَلُونَهُ. [انظر: 958 - مسلم: 885 - فتح: 2/ 466]
979 -
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي الحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: شَهِدْتُ الفِطْرَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم يُصَلُّونَهَا قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ يُخْطَبُ بَعْدُ، خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجْلِسُ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ مَعَهُ بِلَالٌ فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} الآيَةَ [الممتحنة:12] ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا "آنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ؟ ". قَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا: نَعَمْ. لَا يَدْرِى حَسَنٌ مَنْ هِيَ. قَالَ: "فَتَصَدَّقْنَ". فَبَسَطَ بِلَالٌ ثَوْبَهُ ثُمَّ قَالَ هَلُمَّ لكن فِدَاءٌ أَبِي وَأُمِّي، فَيُلْقِينَ الفَتَخَ وَالخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: الفَتَخُ: الخَوَاتِيمُ العِظَامُ كَانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ. [فتح: 2/ 467]
ذكر فيه حديث جابر: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الفِطْرِ، فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ .. الحديث.
والفتخ -بالخاء المعجمة-: خواتيم بلا فصوص كأنها حلق، الواحدة: فتخة، كذا جزم به ابن بطال
(1)
.
ونقل ابن التين عن عبد الرزاق أنها الخوتيم العظام كانت في
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 569.
الجاهلية، وهذا في البخاري في آخر الحديث.
والفتخ واحده الفتخة. محرك التاء
(1)
، وهي حلقة من فضة ليس لها فص، وإن كان فيها فص فهي: خاتم. وإنما جعلته المرأة في أصابع رجليها.
وقوله: (حين فرغ منها). يعني: من البيعة. وفيه أن قول المخاطب: نعم. يقوم مقام الخطاب، ثم جاوب عنه.
وفيه: أن جواب الواحد عن الجماعة كاف.
وفيه: الأمر بالصدقة وبسط الثوب لقبولها.
وقوله: هلم هي كلمة دعوة إلى شيء، يريد الإتيان إلى الطعام، ثم كثرت، ويحتمل أن يكون معناها: هل لك في الطعام أَمٌّ؟ أي: قصد. يقال: هلم للواحد والاثنين والجماعة، بلفظ واحد.
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: وساكنة أيضًا، حكاها في "القاموس" وليست في "صحاح الجوهري".
20 - باب إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَاب فِي العِيدِ
980 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ العِيدِ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَأَتَيْتُهَا، فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ. فَقَالَتْ فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى المَرْضَى وَنُدَاوِي الكَلْمَى، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ فَقَالَ:"لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، فَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ". قَالَتْ حَفْصَةُ: فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا، فَسَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي -وَقَلَّمَا ذَكَرَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ قَالَتْ: بِأَبِي- قَالَ: "لِيَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ -أَوْ قَالَ: العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ. شَكَّ أَيُّوبُ- وَالحُيَّضُ، وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى، وَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ". قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: آلْحُيَّضُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَلَيْسَ الحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا؟ [انظر: 324 - مسلم: 890 - فتح: 2/ 469]
ذكر فيه حديث حفصة: كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ العِيدِ .. الحديث.
وقد سلف في الحيض
(1)
، وشيخ البخاري فيه أبو معمر عبد الله ابن عمرو المقعد، مات سنة أربع وعشرين ومائتين
(2)
، وروى مسلم عن رجل عنه. وفي "الصحيح" أيضًا: أبو معمر إسماعيل ابن إبراهيم الهذلي نزيل بغداد، مات سنة ست وثلاثين ومائتين، رويا عنه
(3)
.
(1)
برقم (324) باب: شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى.
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 353 (3449).
(3)
السابق 3/ 19 (416).
والحديث دال على تأكد خروج النساء إلى العيدين؛ لأنه إذا أمرت المرأة أن تلبس من لا جلباب لها، فمن لها جلباب أولى أن تخرج وتشهد دعوة المؤمنين رجاء بركة ذلك. وقَالَ الطحاوي: وأمره صلى الله عليه وسلم الحيض أن يخرجن إلى العيد يحتمل أن يكون ذلك في أوَّل الإسلام والمسلمون قليل، فأريد التكثير بحضورهن إرهابًا للعدو، وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك
(1)
، وهذا كما قَالَ ابن بطال: يحتاج إلى معرفة تاريخ الوقت الذي أمر فيه الشارع النساء بذلك ونسخ أمره لهن بالخروج إلى العيدين، وهذا لا سبيل إليه، والحديث باق على عمومه لم ينسخه شيء ولا أحاله، والنسخ لا يثبت إلا باليقين، وأيضًا فإن النساء لسن ممن يُرهب بهن على العدو، وكذلك لا جهاد عليهن
(2)
.
وقول حفصة: (كنا نمنع جوارينا). كانوا يفعلون ذلك قبل أن يبلغهم عن الشارع ما بلَّغتهم أم عطية، ففيه قبول خبر الواحد، وفيه المواساة عند الضرورة.
وقولها: (أليس الحائض تشهد عرفات، وتشهد كذا. وتشهد كذا؟) تريد: مزدلفة ورمي الجمار، غير أنها لا تقرب البيت.
(1)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 388 بتصرف.
(2)
"شرح ابن بطال" 2/ 570.
21 - باب اعْتِزَالِ الحُيَّضِ المُصَلَّى
981 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: أُمِرْنَا أَنْ نَخْرُجَ، فَنُخْرِجَ الحُيَّضَ وَالعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: أَوِ العَوَاتِقَ ذَوَاتِ الخُدُورِ، فَأَمَّا الحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلْنَ مُصَلاَّهُمْ. [انظر: 324 - مسلم: 890 - فتح: 2/ 470]
ذكر فيه حديث أم عطية: أُمِرْنَا أَنْ نَخْرُجَ، فَنُخْرِجَ الحُيَّضَ .. الحديث.
وقد سلف
(1)
. وفيه ابن أبي عدي، واسمه محمد بن أبي عدي إبراهيم
(2)
، وابن عون، وهو عبد الله بن عون، ومحمد هو ابن سيرين.
(1)
برقم (324).
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 321 (5029).
22 - باب النَّحْرِ وَالذَّبْحِ بِالمُصَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ
982 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْحَرُ أَوْ يَذْبَحُ بِالمُصَلَّى. [1710، 1711، 5551، 5552 - فتح: 2/ 471]
ذكر فيه حديث ابن عمر أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْحَرُ أَوْ يَذْبَحُ بِالمُصَلَّى.
الذبح بالمصلى بمعنيين:
أحدهما: الإعلام بذبح الإمام ليترتب عليه ذبح الناس، ووقته سلف.
وهو المشهور من قول مالك. وقال أبو حنيفة: من ذبح بعد الصلاة قبل الإمام أجزأه، دليلنا قوله: فأمر صلى الله عليه وسلم من كان نحو قبله أن يعيد بنحو آخر، ولا تنحروا حَتَّى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى يختص بالإمام.
الثاني: أن الأضحية من القرب العامة، وإظهارها أفضل؛ لأن فيه إحياء لسنتها، وقد أمر ابن عمر نافعًا أن يذبح أضحيته بالمصلى، وكان مريضًا لم يشهد العيد، أخرجه في "الموطأ"
(1)
.
وقال ابن حبيب: يستحب الإعلان بها؛ لكي تعرف ويعرف الجاهل سنتها، وكان ابن عمر إذا ابتاع أضحية يأمر غلامه بحملها في السوق يقول: هذِه أضحية ابن عمر. وهذا المعنى يستوي فيه الإمام وغيره.
قَالَ الداودي: الأحاديث كلها: من ذبح قبل أن يصلي لم يجزه.
وقال مالك: من ذبح قبل الإمام لم يجزه. ومن كان بحضرة الإمام ولم يظهر للإمام ذبح أضحيته، ففي كتاب محمد: إن ذبح رجلٌ قبله في وقت لو ذبح الإمام بالمصلى لكان هذا ذبح بعده لم يجز.
(1)
"الموطأ" ص 298.
وقال أبو مصعب: إذا ترك الإمام الذبح بالمصلى فمن ذبح بعد ذلك فهو جائز. وقال ابن بطال: السنة -والله أعلم- الذبح في المصلى؛ لئلا يتقدم الإمام بالذبح. ولما كانت أفعال العيدين والجماعات إلى الإمام وجب أن يكون متقدمًا في ذلك والناس له تبع.
ولهذا قَالَ مالك: لا يذبح أحدٌ حَتَّى يذبح الإمام. وروي -مثل ذلك قول مالك- أثر انفرد به ابن جريج، وأكثر الآثار على مراعاة الصلاة فقط، وإنما قَالَ مالك ذلك ليكون للضعفاء وقت يقصدونه للصدقة ولا يجيئون حَتَّى يعم الناس الأفضال ويستوي بهم الحال، ويكفي الضعفاء بقية قوتهم، ولم يختلفوا أن من رمى الجمرة أنه قد حل له الحلق والذبح وإن لم يذبح الإمام إلا بعد ذلك؛ وكذلك عندهم من صلى يوم النحر أن المعنى المتعبد به الوقت لا الفعل، وقد أجمعوا أن الإمام لو لم يذبح يوم النحر أصلًا ودخل وقت الذبح أن الذبح حلال
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 570 - 571.
23 - باب كَلَامِ الإِمَامِ وَالنَّاسِ فِي خُطْبَةِ العِيدِ، وَإِذَا سُئِلَ الإِمَامُ عَنْ شَيْءٍ وَهْوَ يَخْطُبُ
983 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَنَسَكَ نُسْكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ". فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لَقَدْ نَسَكْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ اليَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَتَعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ، وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ". قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي عَنَاقَ جَذَعَةٍ، هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ، فَهَلْ تَجْزِي عَنِّي؟ قَالَ:"نَعَمْ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". [انظر: 951 - مسلم: 1961 - فتح: 2/ 471]
984 -
حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ يُعِيدَ ذَبْحَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِيرَانٌ لِي -إِمَّا قَالَ:[بِهِمْ] خَصَاصَةٌ، وَإِمَّا قَالَ: بِهِمْ فَقْرٌ- وَإِنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَعِنْدِي عَنَاقٌ لِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ. فَرَخَّصَ لَهُ فِيهَا. [انظر: 954 - مسلم: 1962 - فتح: 2/ 471]
985 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ فَقَالَ:"مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ". [5500، 5562، 6674، 7400 - مسلم: 1960 - فتح: 2/ 472]
ذكر فيه حديثي البراء وأنس، وقد سلفا.
وحديث جندب قَالَ: صلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ وقالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ
فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللهِ".
وشيخ البخاري فيه مسلم هو ابن إبراهيم الأزدي الفراهيدي مولاهم، وروى عنه أبو داود أيضًا، وروى الباقون عن رجل عنه، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين وولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وعمي بآخره، وكان يقول: ما حللت إزاري على حلال ولا حرام قط
(1)
.
وشيخ البخاري في الثاني: حامد بن عمر وهو البكراوي من ولد أبي بكرة قاضي كرمان، سكن نيسابور، ومات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، روى عنه مسلم أيضًا
(2)
.
وشيخ شيخه في الأول أبو الأحوص، وهو سلام بن سُلَيْم الحنفي الكوفي، مات مع مالك وحماد وخالد الطحان، كلهم سنة تسع وسبعين ومائة
(3)
.
إذا تقرر ذلك فالكلام في الخطبة مما كان من أمر الدين للسائل والمسئول جائزٌ. وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم للذين قتلوا ابن أبي الحقيق، حين دخلوا عليه يوم الجمعة وهو يخطب:"أفلحت الوجوه"
(4)
.
وقال عمر وهو على المنبر: املكوا العجين فإنه أحد الربعين
(5)
.
(1)
انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 487 (5916).
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 324.
(3)
السا بق 12/ 282 (2655).
(4)
رواه عبد الرزاق 3/ 215 (5382) كتاب: الجمعة، باب: يكلم الإمام على المنبر يوم الجمعة في غير الذكر، وأبو يعلى في "مسنده" 2/ 205 - 206 (907)، والبيهقي 3/ 222 كتاب: الجمعة، باب: حجم من زعم أن الإنصات للإمام اختيار وإن الكلام فيما يعنيه أو يعني غيره والإمام يخطب مباح.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة" 7/ 115 (34443) كتاب: الزهد، باب: كلام عمر بن الخطاب.
رواه هشام بن عروة عن أبيه. وقال هشام: أمرهم بما كان يأمر أهله، ورأى أن ذلك حق. وكره العلماء كلام الناس والإمام يخطب، روي ذلك عن عطاء والحسن والنخعي
(1)
، وقال مالك: لينصت للخطبة وليستقبل، وليس من تكلم في ذلك كمن تكلم في خطبة الجمعة
(2)
.
وقال شعبة: كلمني الحكم بن عتيبة يوم عيد والإمام يخطب
(3)
.
وقوله: (إن عندي عناقًا جذعة خير من شاتي لحم) يريد: لسمنها.
وقوله: ("فليذبح باسم الله") يحتمل أن يريد: من تأخر ذبحه شيئًا بعد الصلاة فليذبح، ويحتمل أن يأمر من لم يضح أن يضحي فيؤكد أمر الأضحية.
واختلفت عبارات المالكية في التسمية، فقال ابن الجلاب: هي شرط في صحة الذكاة همن تركها ناسيًا أكلت
(4)
. وقال القاضي أبو محمد: هي سنَّة. وقال غيره: هي واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان.
قَالَ في "المدونة": من تركها عمدًا لم تؤكل
(5)
. وقال أشهب: إن تركها جهلًا أُكلت، أو استخفافًا فلا
(6)
. يريد أن الجاهل كالناسي.
(1)
رواها عنهم ابن أبي شيبة 1/ 493 (5687: 5689) كتاب: الصلوات، باب: الكلام يوم العيد والإمام يخطب.
(2)
انظر: "مواهب الجليل" 2/ 579 - 580.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 493 (5692) كتاب: الصلوات، باب: الكلام يوم العيد والإمام يخطب.
(4)
"التفريع" 1/ 401 - 402.
(5)
لم أهتد لقوله في "المدونة، وهو في "التفريع" 1/ 392.
(6)
"النوادر والزيادات" 4/ 360.
24 - باب مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ العِيدِ
986 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُلَيْحٍ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ. [فتح: 2/ 472]
حَدَّثنَا مُحَمَّد، ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ فُلَيْحٍ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ.
الشرح:
هكذا في الرواية، وذكر الجياني
(1)
أن في روايته هكذا عن أبي الحسن والأصيلي وأبي ذر، وعند ابن السكن بزيادة بعد فليح: عن سعيد عن أبي هريرة. وحديث جابر أصح. وعن النسفي عن البخاري، تابعه يونس عن فليح لم يرد شيئًا في الباب.
وقال أبو مسعود في روايته عن البخاري: تابعه يونس عن فليح. وقال محمد بن الصلت: عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة. قَالَ أبو مسعود:(وأما ما)
(2)
رواه يونس عن أبي هريرة لا عن جابر، قَالَ: وكذلك رواه الهيثم بن جميل، عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة، كما رواه (الصلت)
(3)
.
ونقل المزي عن أبي مسعود أنه قَالَ بعد قوله: وتابعه يونس عن
(1)
كذا بالأصل، وفي "التقييد" 2/ 594: محمد بن الصلت وهنا انتهى كلام الجياني.
(2)
كذا بالأصل: وفي " تقييد المهمل" 2/ 594 - وهو المصدر-: (وإنما).
(3)
"تقييد المهمل" 2/ 593 - 594.
فليح: وقال محمد بن الصلت: عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة.
قَالَ أبو مسعود: كذا ذكره البخاري، وقد رواه محمد بن حميد عن أبي تميلة، عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة، هكذا رواه الناس عنه، وأما حديث (يوسف)
(1)
إنما رواه عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة لا عن جابر، وكذا رواه الهيثم بن جميل عن فليح به، فصار مرجع الحديث إلى أبي هريرة
(2)
.
قَالَ الجياني لما ذكر ما نقله عن أبي مسعود، وهذا تصريح منه في الرد على البخاري، وقول البخاري صحيح، ومتابعة يونس لأبي تميلة صحيحة. وذكر أبو مسعود في مسند أبي هريرة قَالَ: قَالَ البخاري في كتاب العيدين: وقال محمد بن الصلت، عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة بنحوه. يعني: بنحو هذا الحديث.
قَالَ الجياني: ورواية يونس لهذا الحديث من طريق جابر محفوظة صحيحة من رواية الثقات عن يونس.
ثم ذكر طريق سعيد بن السكن إلى محمد بن الصلت: ثنا فليح، عن سعيد، بن الحارث، عن أبي هريرة. الحديث. ويرى أن ذلك من اصطلاحه، وأورده كذلك الترمذي وقال: غريب. قَالَ وروى أبو تميلة ويوسف بن محمد هذا الحديث عن فليح، عن سعيد، عن جابر
(3)
، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة والعقيلي
(4)
(5)
.
(1)
كذا بالأصل: وهو خطأ، وفي "تحفة الأشراف" 2/ 180: يونس بن محمد.
(2)
"تحفة الأشراف" 2/ 180 بتصرف. (177)"الضعفاء الكبير" للعقيلي 3/ 319.
(3)
"سنن الترمذي" 2/ 424 - 425 عقب الرواية (541) كتاب: الصلوات، باب: ما جاء في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى العيد في طريق ورجوعه من طريق آخر.
(4)
"الضعفاء الكبير" 3/ 319 ترجمة (1337).
(5)
"تقييد المهمل" 2/ 593 - 597 بتصرف.
ورواه البيهقي من طريق أبي تميلة، عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة، وساقه بإسناده
(1)
، وساق بإسناده إلى يوسف بن محمد، عن سعيد، عن أبي هريرة
(2)
.
ومحمد بن الصلت، اثنان أخرج لهما البخاري:
أحدهما: أبو جعفر محمد بن الصلت الأزدي الكوفي الأصم، مات سنة تسع عشرة ومائتين، روى عن ابن المبارك في مناقب عمر
(3)
.
الثاني: أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي، وتوز من فارس
(4)
، أصله منها، سكن البصرة، ومات سنة ثمانٍ وعشرين ومائة، روى عن فليح وجماعة
(5)
.
وأما محمد شيخ البخاري فهو: محمد بن سلام البيكندي كما صرح
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 308 كتاب: صلاة العيدين، باب: الإتيان من طريق غير التي أتى منها.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 308 وساق بإسناده إلى يونس بن محمد ثنا فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن أبي هريرة.
(3)
قال محمد بن عبد الله بن نمير، وأبو زرعة، وأبو حاتم: ثقة، زاد ابن نمير: وأبو غسان النهدي أحب إليَّ منه، وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات"، روى له الترمذي والنسائي، وابن ماجه، انظر:"التاريخ الكبير" 1/ 118 (345)، و"الجرح والتعديل" 7/ 288 (1567)، و"ثقات ابن حبان" 9/ 77، و"تهذيب الكمال" 25/ 396 (5302).
(4)
انظر: "معجم البلدان" 2/ 58.
(5)
قال أبو حاتم: صدوق صدوق، كان يملي علينا من حفظه التفسير وغيره، وربما وهم، روى له النسائي، وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": صدوق يهم من العاشرة. (5971)، انظر:"التاريخ الكبير" 1/ 118 (346)، و"الجرح والتعديل" 7/ 289 (1568)، و"ثقات ابن حبان" 9/ 82، و"تهذيب الكمال" 25/ 400 (5303).
به الجياني
(1)
وابن بطال، وفي "أطراف خلف" على الحاشية: ابن مقاتل ثنا أبو تميلة. وتعجب ابن العربي من إخراج البخاري الحديث المذكور لأجل الاضطراب الذي فيه.
قَالَ الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر وأبي رافع
(2)
. ورواه البيهقي من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم، فإذا رجع رجع من الطريق الأخرى على دار عمار بن ياسر
(3)
. ورواه البخاري في "التاريخ"، ورواه البيهقي من طريق معاذ بن عبد الرحمن التميمي، عن أبيه، عن جده
(4)
.
إذا عرفت ذلك فجمهور العلماء على استحباب الذهاب يوم العيد
في طريقٍ والرجوع في أخرى، اقتداءً به. قَالَ مالك: وأدركنا الأئمة يفعلونه. وقال أبو حنيفة: يستحب له ذلك، فإن لم يفعل فلا حرج عليه.
واختلف الناس في سر ذلك على أقوال: قَالَ القاضي أبو محمد: ذكر الناس في فوائد هذا أشياء بعضها يقرب من الإمكان، ويحتمل أن يقال: وكثير منها دعاوى فارغة واختراعات عنه، ونحن نذكر ما قيل في ذلك، فأقوى ذلك أنه فعله؛ لتعم الناس بركته من كل جهة ويراه الناس في الطريق الذي رجع فيه من لم يره في الأخرى.
(1)
"تقييد المهمل" 3/ 1028 - 1029.
(2)
"سنن الترمذي" عقب حديث (541) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى العيد في طريق رجوعه من طريق آخر.
(3)
"معرفة السنن" 5/ 98 (6963) كتاب: صلاة العيدين، باب: الإتيان من طريق غير الطريق التي غدا منها.
(4)
"السنن الكبرى" 3/ 309 - 310 كتاب: صلاة العيدين، باب: الإتيان من طريق غير الطريق الذي غدا منها.
ثانيها: خشية الزحام، لئلا يتأذى الناس منه، واختاره الشيخ أبو حامد وابن الصلاح، وورد في رواية لابن عمر: لئلا يكثر الزحام.
ثالثها: لتعم الناس صدقته، إذ قد يكون من الفقراء من لا يمكنه الحركة.
رابعها: للاستفتاء فيهما.
خامسها: ليحصل لهما فضل مروره فيه.
سادسها: لاحتمال أن العدو كمن له كمينًا، وفيه نظرٌ.
سابعها: لتكثر خطاه فيكثر ثوابه، إذ حض على كثرة الخطا إلى المساجد.
ثامنها: ليكثروا في أعين الأعداء. قَالَ ابن بطال: ورأيت للعلماء في معنى رجوعه من طريق أخرى تأويلات كثيرة، وأَوْلاها عندي -والله أعلم- أن ذلك ليري المشركين كثرة عدد المسلمين ويرهب بذلك عليهم
(1)
.
قلتُ: والأصح أنه كان يقصد أطول الطريقين في الذهاب والأقصر في الرجوع؛ لأن الذهاب أفضل من الرجوع، ولا يختص ذلك بالعيد بل سائر العبادات كالجمعة والصلاة وغيرهما يفعل كذلك، ومن ذلك لمَّا سار إلى عرفة سار على طريق ضب وعاد على طريق المازمين.
(1)
"شرح ابن بطال" 2/ 572.
25 - باب إِذَا فَاتَهُ العِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
[وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ، وَمَنْ كَانَ فِي البُيُوتِ وَالقُرَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ". وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُمُ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ، فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ، وَصَلَّى كَصَلَاةِ أَهْلِ المِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي العِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ العِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.]
987 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ:"دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ". وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى. [انظر: 949 - مسلم: 892 - فتح: 2/ 47]
988 -
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"دَعْهُمْ، أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ". يَعْنِي: مِنَ الأَمْنِ. [انظر: 454 - مسلم: 892 - فتح: 2/ 474]
(وكذلكَ النِّساءُ، ومَنْ كانَ فِي البُيُوتِ وَالقُرى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "هذا عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ".)
(وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي العِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ العِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.)
هذا التعليق سلف في باب سنة العيدين خلا: أهل الإسلام
(1)
، وكأنه من البخاري.
(1)
سلف برقم (952) كتاب: العيدين، باب: سنة العيدين لأهل الإسلام.
قَالَ: (وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مالك مَوْلَاهُمُ ابن أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوَيةِ، فَجَمَعَ أَهْلَة وَبَنِيهِ، وَصَلَّى كَصَلَاةِ أَهْلِ المِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ).
وهذا رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية، عن يونس قَالَ: حَدَّثَني بعض آل أنسٍ أن أنسًا كان ربما جمع أهله وحشمه يوم العيد فيصلى بهم عبيد الله بن أبي عتبة ركعتين
(1)
.
وقال البيهقي في "المعرفة": وروينا عن أنس بن مالك أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد.
قَالَ: وفي رواية أخرى: أمر مولاه عبيد الله ابن أبي عتبة فيصلي بهم كصلاة أهل العصر ركعتين، ويكبر بهم كتكبيرهم. قَالَ: وهو قول محمد بن سيرين وعكرمة
(2)
.
وأسنده في "سننه" من حديث هشيم عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس ابن مالك قَالَ: كان أنس إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد. ثم قَالَ: ويذكر عن أنس أنه كان إذا كان بمنزله بالزاوية فلم يشهد العيد بالبصرة جمع مواليه وولده ثم يأمر مولاه عبد الله بن أبي عتبة فيصلي بهم كصلاة أهل العصر ركعتين، ويكبِّر بهم كتكبيرهم
(3)
.
وابن أبي عتبة (خ م س) جاء في بعض الروايات: عبد الله.
(1)
"المصنف" 2/ 4 (5802) كتاب: الصلوات، باب: الرجل تفوته الصلاة في العيد كم يصلي.
(2)
"معرفة السنن والآثار" 5/ 103.
(3)
انظر: "السنن الكبرى" 3/ 305 كتاب: صلاة العيدين، باب: صلاة العيدين سنة أهل الإسلام.
وفي بعضها: عبيد الله
(1)
. وفي "الجعديات" عن شعبة، عن قتادة، عن عبد الله -أو عبيد الله، مولى لأنس- عن أبي سعيد الخدري. وهو روى عن مولاه أنس وعدة من الصحابة، وروى له، مسلم أيضًا، وذكره ابن حبان في "ثقاته" في عبد الله مكبرًا
(2)
.
قال البخاري: (وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي العِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ.) وهذا رواه ابن أبي شيبة عن غندر، عن شعبة، عن قتادة عن عكرمة أنه قَالَ في القوم يكونون في السواد في السفر في عيد فطر أو أضحى، قَالَ: يجتمعون فيصلون ويؤمهم أحدهم
(3)
.
قَالَ البخاري: (وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ العِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) وهذا رواه ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء قَالَ: يصلي ركعتين ويكبر. ذكره ابن أبي شيبة في الرجل تفوته الصلاة في العيدين، كم يصلي؟
(4)
.
ثم ذكر حديث عائشة أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ .. الحديث.
(1)
عبد الله بن أبي عتبة الأنصاري البصري مولى أنس بن مالك، قال البخاري: قال بعضهم الأول أصح، وذكره ابن ابن حبان في "الثقات"، قال ابن حجر في "تقريب" ثقة، انظر:"التاريخ الكبير" 5/ 158 (487)، و"الجرح والتعديل" 5/ 124 (571)، و"الثقات" 5/ 71 (3413)، و"تقريب التهذيب" ص 313 (3462).
(2)
"الثقات" 5/ 24.
(3)
"المصنف" 2/ 10 (5875) كتاب: الصلوات، باب: في القوم يكونون في السواد فتحضر الجمعة أو العيد.
(4)
"المصنف" 2/ 4 (5801) كتاب: العيدين.
وسلف في باب: الحراب والدرق يوم العيد
(1)
.
أما فقه الباب:
فاختلف العلماء فيمن فاته صلاة العيد مع الإمام، فقالت طائفة: يصلي ركعتين مثل صلاة الإمام. روي ذلك عن عطاء والنخعي والحسن وابن سيرين
(2)
، وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور، إلا أن مالكًا قَالَ: يستحب له ذلك من غير إيجاب. قلتُ: وكذا قَالَ الشافعي. وقال الأوزاعي: يصلي ركعتين ولا يجهر بالقراءة، ولا يكبر بتكبير الإمام، وليس بلازم
(3)
.
وقالت طائفة: يصليها أربعًا إن شاء؛ لأنها إنما تصلى ركعتين إذا صليت مع الإمام بالبروز لها، كما على من لم يحضر الجمعة مع الإمام أن يصلي أربعًا. روي ذلك عن علي وابن مسعود
(4)
، وبه قَالَ الثوري وأحمد، لكن إن شاء بتسليمة وإن شاء بتسليمتين
(5)
.
(1)
برقم (950) كتاب: العيدين.
(2)
روى ابن أبي شيبة هذِه الآثار عنهم 2/ 4 - 5 (5801)، (5806)، (5807)، (5810) كتاب: الصلوات، باب: الرجل تفوته الصلاة في العيد كم يصلي؟
(3)
"المدونة" 1/ 155، "المنتقى" 2/ 319، "الأوسط" 4/ 292 - 293، "البيان" 2/ 251.
(4)
روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود.
رواه عبد الرزاق 3/ 300 (5713) كتاب: صلاة العيدين، باب: من صلاها غير متوضئ ومن فاته العيدان.
وابن أبي شيبة 2/ 4 (5798 - 5799) كتاب: الصلوات، باب: الرجل تفوته الصلاة في العيد كم يصلي؟
وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 291 - 292.
(5)
انظر: "المغني" 3/ 284.
وقال أبو حنيفة: إن شاء صلى وإن شاء لم يصل، فإن صلى صلى أربعًا، وإن شاء ركعتين
(1)
.
وقال إسحاق: إن صلى في الجبانة صلى كصلاة الإمام وإلا صلى أربعًا، وأولى الأقوال بالصواب أن يصليها كما سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أشار إليه البخاري، واستدل على ذلك بقوله:"هذا عيدنا أهل الإسلام" و"إنها أيام عيد" وذلك إشارة إلى الصلاة، وقد أبان ذلك بقوله:"أول نسكنا في يومنا هذا أن نصلي ثم ننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا"
(2)
ومن صلى كصلاة الإمام فقد أصاب السنة، واتفق مالك والكوفيون والمزني على أنه لا تصلى صلاة العيد في غير يوم العيد. وقال الشافعي في أظهر قوليه: إنها تقضى متى شاء
(3)
. وحكى ابن المنذر عنه مثل ذلك
(4)
، وفي قولٍ: تصلى من الغد أداءً
(5)
.
واحتج عليه المزني فقال: لما كان ما بعد الزوال أقرب إلى وقتها من اليوم الثاني
(6)
، وأجمعوا أنها لا تصلى إلا قبل الزوال فأحرى أن لا تصلى من الغد إذ هو أبعد.
وحرر بعض المتأخرين مذهب أبي حنيفة فقال: من فاتته مع الإمام
لم يقضها. يعني أنه صلاها الإمام في جماعة وفاتت بعضهم حَتَّى خرج
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 371.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 387، "النوادر والزيادات" 1/ 500، "الحاوي" 2/ 502.
(4)
"الأوسط" 4/ 292 - 293.
(5)
"الأوسط" 4/ 295.
(6)
"مختصر المزني" 1/ 156.
وقتها فإنه لا يصليها وحده ولا جماعة، وسقطت عنه. وأما إذا فاتت الإمام أيضًا فإنه يصليها مع الجماعة في اليوم الثاني، إذا كان الفوات لعذر، مثل أن يظهر أنهم صلوها بعد الزوال في يوم غير
(1)
.
وقال ابن حزم: من لم يخرج يوم الفطر ولا يوم الأضحى للعيد خرج لها ثانية، فإن لم تخرج غدوة خرجت ما لم تزل الشمس؛ لأنه فعل خير، والله تعالى يقول:{وَافْعَلُوا الخَيْرَ} [الحج: 77] ثم قَالَ: وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، ولو لم يخرج في الثاني من الأضحى وخرج في الثالث فقد قَالَ به أبو حنيفة، وهو فعل خير لم يأت عنه نهيٌ
(2)
، واستدل بحديث أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث أبي عمير بن أنس بن مالك عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ركبًا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا يغدو إلى مصلاهم
(3)
. صححه الخطابي والبيهقي وابن المنذر
(4)
.
(1)
"شرح معاني الآثار" 1/ 388.
(2)
"المحلى" 5/ 91 - 92.
(3)
"سنن أبي داود"(1157) كتاب: الصلاة، باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد، و"سنن ابن ماجه" (1653) كتاب: الصيام، باب: ما جاء في على رؤية الهلال.
ورواه أيضًا عبد الرزاق 4/ 165 (7339) كتاب: الصيام، باب: أصبح الناس صيامًا، وأحمد 5/ 58.
والدارقطني في "سننه" 2/ 170 كتاب: الصيام، باب: الشهادة على رؤية الهلال.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1050).
(4)
قلت: صححه الخطابي في "معالم السنن" 1/ 218، والبيهقي في "سننه" 3/ 316 وفي "المعرفة" 5/ 111 - 112، وابن المنذر في "الأوسط" 4/ 295. وهذا ما ذكره المصنف رحمه الله وحسن اسناده الدارقطني في "السنن" 2/ 170، وكذا =
فرع:
من تخلف عن الجماعة هل يصليها جماعة؟ قَالَ مالك: لا. وخالفه ابن حبيب.
= البيهقي في موضع ثانٍ من "سننه" في كتاب: الصيام 4/ 249. وصححه عبد الحق الإشبيلي في "أحكامه" 2/ 77، وابن حزم في "المحلى" 5/ 92، والنووي رحمه الله في "المجموع" 5/ 33، وفي "الخلاصة" 2/ 838 - 839: والمصنف رحمه الله في "البدر المنير" 5/ 95.
وقال ابن كثير -قدس الله روحه- في "إرشاد الفقيه" 1/ 203: إسناده جيد صحيح.
وقال الحافظ في "بلوغ المرام"(511). والألباني في "صحيح أبي داود"(1050): إسناده صحيح. وصححه أيضًا في "الإرواء"(634).
26 - باب الصَّلَاةِ قَبْلَ العِيدِ وَبَعْدَهَا
وَقَالَ أَبُو المُعَلَّى: سَمِعْتُ سعيد بن جبير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَرِهَ الصَّلَاةَ قَبْلَ العِيدِ.
989 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمَ الفِطْرِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَمَعَهُ بِلَالٌ. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح: 2/ 476]
ثم ساق حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمَ الفِطْرِ، فَصلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَمَعَهُ بِلَالٌ.
وهذا الحديث قد سلف في باب الخطبة بعد العيد
(1)
، وذكرنا مذاهب العلماء هناك واضحًا.
وأبو المعلى اسمه: يحيى بن ميمون العطار
(2)
، سماه الحاكم أبو أحمد ومسلم، ولم يذكره الكلاباذي.
(1)
برقم (964) كتاب: العيدين.
(2)
وثقه النسائي ويحيى بن معين، وقال ابن حاتم: صالح الحديث، واستشهد به البخاري، وروى له النسائي، وابن ماجه، انظر:"الطبقات الكبرى" 7/ 271، و"التاريخ الكبير" 8/ 306 (3112)، و"الجرح والتعديل" 9/ 188 (784)، و"تهذيب الكمال" 32/ 15 (6933).
14
كتاب الوتر
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
14 - كتاب الوتر]
(1)
1 - باب مَا جَاءَ فِي الوِتْرِ
990 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى". [انظر: 472 - مسلم: 749 - فتح: 2/ 477]
991 -
وَعَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الوِتْرِ، حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ. [فتح: 2/ 477]
992 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ -وَهْيَ خَالَتُهُ- فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادَةٍ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ
(1)
غير موجود بالأصل والمثبت من "الصحيح".
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ، خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. [انظر: 117 - مسلم: 763 - فتح: 2/ 477]
993 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ القَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْصَرِفَ فَارْكَعْ رَكْعَةً تُوتِرُ لَكَ مَا صَلَّيْتَ". قَالَ القَاسِمُ: وَرَأَيْنَا أُنَاسًا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ، وَإِنَّ كُلاًّ لَوَاسِعٌ، أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَأْسٌ. [انظر: 472 - مسلم: 749 - فتح: 2/ 477]
994 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلَاتَهُ -تَعْنِي: بِاللَّيْلِ- فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ المُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ. [انظر: 619 - مسلم: 736 فتح: 2/ 478]
ذكر فيه أربعة أحاديث:
أحدها:
حديث نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ اللَّيلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"صَلَاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى" .. الحديث.
وَعَنْ نَافِعٍ، أَنَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الوِتْرِ، حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ.
الشرح:
هذا الحديث أخرجه مسلم وباقي الجماعة
(1)
. قَالَ الترمذي: وفي الباب عن عائشة وجابر والفضل بن عباس وأبي أيوب وابن عباس، وحديث ابن عمر حديث حسن صحيح
(2)
، ورواه عن ابن عمر جماعات منهم محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وفي روايته:"صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"
(3)
وقال الدارقطني: هو غير محفوظ، وإنما نعرف صلاة النهار. وقد خالفه نافع، وهو أحفظ منه، وساق بسنده إلى الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا "صلاة الليل مثنى مثنى، وصلاة النهار أربعًا"
(4)
وساق بسنده إلى يحيى بن سعيد عن عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي بالليل مثنى مثنى ويصلي بالنهار أربعًا. ورواه عن نافع خلق، منهم بكير بن الأشج، وفي روايته:"صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" قاله الدارقطني، ثم ذكر فيه اختلافًا، ثم قَالَ: والمحفوظ عن ابن عمر: "صلاة الليل مثنى مثنى" وكان ابن عمر يصلي بالنهار أربعًا
(5)
.
(1)
"صحيح مسلم" 7491) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، و"سنن أبي داود" (1326) كتاب: التطوع، باب: صلاة الليل مثنى مثنى، و"الترمذي" (437) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء أن صلاة الليل مثنى مثنى، و (461) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الوتر بركعة، و"النسائي" 3/ 228 كتاب: قيام الليل، باب: كيف صلاة الليل، و"ابن ماجه" (1320) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الليل ركعتين.
(2)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (461) في الصلاة، باب: ما جاء في الوتر بركعة.
(3)
رواه أبو داود (1295)، والترمذي (597)، والنسائي 3/ 227 وابن ماجه (1322).
(4)
رواه الترمذي بعد حديث (597).
(5)
عزا الحافظ في "الفتح" 2/ 478 كلام الدارقطني هذا إلى كتابه "موطآت الدارقطني". =
إذا تقرر ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الرجل جاء أنه من أهل البادية، ولم أره مسمى، والمراد: صلاة الليل، وأفضله آخره. وأما النهار فأفضل أوقاته الهاجرة.
قَالَ مالك: إنما كانت عبادتهم آخر الليل والهاجرة والورع والفطرة.
وقال ابن عبد البر: "مثنى مثنى" كلام خرج على جواب السائل كأنه قَالَ له: يا رسول الله، كيف نصلي بالليل؟ فقال:"مثنى مثنى" ولو قَالَ له: بالنهار. جاز أن يقول له كذلك وجائز أن يقول بخلافه، فصلاة النهار موقوفة على دلائلها
(1)
، ومن الدليل على أنها وصلاة الليل مثنى مثنى جميعًا أنه قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ:"الصلاة مثنى مثنى يتشهد في كل ركعتين" لم يخص ليلًا من نهار، وإن كان حديثًا لا يقوم بإسناده حجة فالنظر يقصده والأصول توافقه، وأورد هذا الحديث من كتاب أبي داود عن عبد الله بن الحارث عن المطلب، وذكر أن الليث خالف شعبة في هذا الحديث
(2)
.
ثم أورد حديث ابن عمر مرفوعًا: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى".
وفي رواية: "ركعتين"
(3)
، وذكر أن في "الموطأ" أنه بلغه أن ابن عمر
= وسيأتي الكلام حول هذِه الزيادة وهي قوله: "والنهار" في أول حديث في كتاب: سجود القرآن. وهناك ذكرنا من صحح الزيادة ومن ضعفها مما يروي الغليل.
(1)
"الاستذكار" 5/ 254.
(2)
"سنن أبي داود"(1296) كتاب: التطوع، باب: في صلاة النهار، وقال الألباني في "ضعيف أبي دواد" (238): إسناده ضعيف.
(3)
رواها النسائي 3/ 233 - 234 كتاب: الصلاة، باب: كيف الوتر بواحدة، وأحمد 2/ 75.
كان يقول مثل ذلك، يسلم من كل ركعتين
(1)
، وقال: فهذِه فتيا ابن عمر.
وقد روي مرفوعًا: "صلاة الليل مثنى مثنى" وعلم مخرجه، وفهم مراده.
وحديث مالك هذا وإن كان من بلاغاته فإنه متصل عن ابن عمر، ثم ساقه بإسناده، وقال في آخره: يعني: التطوع.
قَالَ: ومن الدليل أيضًا على أن صلاة النهاركالليل مثنى مثنى سواء أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين، وبعد الجمعة ركعتين، وبعد الفجر، وكان إذا قدم من سفرٍ صلى في المسجد ركعتين، وصلاة الفطر والأضحى والاستسقاء وتحية المسجد، ومثل هذا كثير.
ودليل آخر أن العلماء لما اختلفوا في صلاة النافلة في النهار، وقام الدليل على حكم صلاة النافلة بالليل وجب رد ما اختلفوا فيه على ما اجتمعوا عليه قياسًا. وفي أبي داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح:"صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"
(2)
وهو محمول على بيان الأفضل، والليل والنهار فيه سواء، فإن جمع ركعات بتسليمة جاز، أو صلى ركعة فردة جاز.
وقال البخاري: وقد سئل عن زيادة النهار فصححها. وكذا قَالَ ابن الجوزي: إنها زيادة من ثقة فقبلت، فكان ابن عمر لا يصلي أربعًا إلا يفصل بينهن، إلا المكتوبة
(3)
.
(1)
"الموطأ" ص 94.
(2)
"سنن أبي داود"(1295) كتاب: التطوع، باب: في صلاة النهار، و"سنن الترمذي" (597) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، و"سنن النسائي" 3/ 227 كتاب: قيام الليل، باب: كيف صلاة الليل.
(3)
رواه البيهقي 2/ 487 كتاب: الصلاة، باب: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى بلفظ: كان ابن عمر لا يصلي أربعًا لا يفصل بينهن إلا المكتوبة.
واختلف العلماء في التطوع ليلًا ونهارًا، فقال مالك وأحمد والليث والشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور: صلاة الليل والنهار مثنى للحديث السالف
(1)
، لا يقال: إن معنى الحديث أن يجلس المصلي في كل ركعتين؛ لأن مثل هذا اللفظ لا يستعمل بالجلوس، وكذلك لا يقال: صلاة العصر مثنى مثنى، وإن كان يجلس في كل ركعتين، ويقال: الصبح مثنى؛ لما كان يسلم من ركعتين، وسيأتي في التطوع: مثنى مثنى
(2)
، عن يحيى بن سعيد: ما أدركت فقهاء أرضنا إلا يسلمون في كل اثنتين من النهار
(3)
.
وقال الداودي: لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم حديث صحيح مفسر أنه صلى النافلة أكثر من ركعتين، وثبت عنه من غير طريق أنه كان يصلي بالليل والنهار ركعتين
(4)
، ووقع في بعض طرق حديث ابن عمر هذا: يسلم من كل ركعتين. وكذا في حديث ابن عباس هنا: "ركعتين ثم ركعتين"
(5)
(1)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 334، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 223، "المدونة" 1/ 98، "التفريع" 1/ 263، "التمهيد" 4/ 171، "الأوسط" 5/ 235، "المجموع" 3/ 543.
(2)
سيأتي برقم (1137) باب: كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
سيأتي برقم (1162)، (1163)، (1165: 1167) كتاب: التهجد، باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى، (1168) باب: ركعتي الفجر، وبرقم (1179) باب: صلاة ركعتي الضحى.
(4)
رواه أحمد 2/ 44، 2/ 77، والبيهقي 3/ 23 في الصلاة، باب الوتر بركعة واحدة.
(5)
رواه ابن ماجه (288) كتاب: الطهارة وسننها، باب: السواك، و (1322) كتاب: إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب: ما جاء في صلاة الليل ركعتين، والنسائي في "الكبرى" 1/ 424 (1343) كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر الاختلاف على عبد الله بن عباس في صلاة الليل، وأحمد 2/ 218، وأبو يعلى 4/ 367 (2485)، والطبراني 12/ 17 (12337)، والحاكم في "المستدرك" =
وقال غيره: روي عن الشارع في ذلك أحاديث دالة على التوسعة، منها حديث عائشة: كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها
(1)
. وقال طائفة: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة ثم ينهض ولا يسلم، ويصلي التاسعة، فلما أسنَّ وأخذه اللحم أوتر بسبع، أخرجهما مسلم
(2)
. قَالَ: وحديث: كان صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل فيصلي أربعًا ثم أربعًا ثم ثلاثًا. أخرجه البخاري
(3)
.
وقال أبو حنيفة والثوري: صل بالليل والنهار إن شئت ركعتين، وإن شئت أربعًا أو ستًّا أو ثمانيًا
(4)
. وقال الثوري: صل ما شئت بعد أن تقعد في كل ركعتين
(5)
، وهو قول الحسن بن حَيّ
(6)
. وقال الأوزاعي: صلاة الليل مثنى والنهار أربعًا، وهو قول إبراهيم النخعي وابن معين
(7)
.
وقال أحمد فيما حكاه الأثرم: أما الذي أختار فمثنى مثنى، وإن
= 1/ 145 كتاب: الطهارة، قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الألباني في "صحيح ابن ماجه" (234): صحيح.
(1)
رواه مسلم (717) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، وأبو داود (1338) كتاب: الصلاة، باب: في صلاة الليل، والترمذي (459) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الوتر بخمس.
(2)
"صحيح مسلم"(746) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض.
(3)
سيأتي برقم (2013) كتاب: صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان.
(4)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 334.
(5)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 223.
(6)
انظر: "التمهيد" 4/ 171.
(7)
انظر: "التمهيد" 4/ 171، و"المجموع" 3/ 549.
صلى أربعًا فلا بأس، وأرجو أن لا يضيق عليه
(1)
.
وضعف ابن معين حديث: "النهار مثنى". وقال: مَنْ عليٌّ الأزدي حَتَّى أقبل منه هذا وأدع يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن، وآخذ بحديث عليٍّ الأزدي؟! لو كان حديث عليٍّ صحيحًا لم يخالفه ابن عمر، وقد كان شعبة يتقي هذا الحديث وربما لم يرفعه
(2)
، ولما أورده الترمذي ذكر فيه اختلافًا عن ابن عمر في الرفع والوقف. قَالَ: والصحيح ما روي عنه ذكر الليل فقط
(3)
. وقال النسائي: ذكر النهار خطأ
(4)
.
فرع:
قام إلى ثالثة سهوًا فالأصح أنه يقعد ثم يقوم للزيادة إن شاء. وقال ابن القاسم: يتمها أربعًا. وقال ابن عبد الحكم: يرجع إلى الجلوس يسجد بعد السلام. وقال محمد بن مسلمة: إن كان بالليل قطع -أي: رجع إلى الجلوس- وإن كان بالنهار أتم أربعًا، وهو يراعي قوله:"صلاة الليل مثنى مثنى"
(5)
.
ثانيها:
معنى "مثنى مثنى": اثنين اثنين. يريد: ركعتين ركعتين بتسليم في آخر كل ركعتين، ومثنى معدول عن اثنين اثنين، فهي لا تنصرف للعدل
(1)
انظر: "المغني" 2/ 537 - 538.
(2)
انظر: "نصب الراية" 2/ 143 - 144.
(3)
"سنن الترمذي"(579) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
(4)
"سنن النسائي" 3/ 227 كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: كيف صلاة الليل؟
(5)
انظر: "التفريع" 1/ 252، "الكافي" ص 60.
المكرر، وكأنها عدلت مرتين: مرة عن صيغة اثنين، ومرة عن تكررها، وهي نكرة تعرف بلام التعريف، تقول: المثنى. وكذا ثلاث ورباع، وقيل: إنما لم تنصرف للعدل والوصف، تقول: مررت بقوم مثنى. أي: مررت بقوم اثنين اثنين. وموضعها رفع لأنها خبر المبتدأ الذي هو قوله: "صلاة الليل" وفي رواية عن ابن عمر سئل: ما مثنى مثنى؟ قَالَ: يسلم في كل ركعتين
(1)
.
ثالثها:
قوله: ("فإذا خشي أحدكم الصبح") وجاء: "فإذا خفت الصبح"
(2)
و"إذا رأيت الصبح فأوتر بواحدة"
(3)
وفي أخرى: "أوتروا قبل الصبح"
(4)
وهذا دليل على أن السُّنَّة جعل الوتر آخر الليل، وعلى أن وقته يخرج بطلوع الفجر، وهذا هو المشهور من مذهبنا، وبه قَالَ جمهور العلماء، منهم ابن عمر وعطاء والنخعي وسعيد بن جبير، وقيل: يمتد بعده حَتَّى يصلي الفجر. وبقول الجمهور قَالَ الثوري وأبو حنيفة وصاحباه، واختلف فيه قول مالك، والمشهور من مذهبه أنه يصليه بعد طلوع الفجر ما لم يصل الصبح، والشاذ من مذهبه أنه لا يصلي بعد طلوع الفجر
(5)
.
(1)
سبق تخرجها.
(2)
رواه مسلم (749/ 147) باب: صلاة الليل مثنى مثنى. من حديث ابن عمر.
(3)
السابق.
(4)
مسلم (754) السا بق، والنسائي 3/ 231 كتاب: قيام الليل، باب: الأمر بالوتر قبل الصبح، وأحمد 3/ 13، وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 147 (1089) كتاب: الصلاة، باب: الأمر وأبو نعيم في "الحلية" 9/ 61، وأبو عوانة 2/ 45 (2258) كتاب: الصلوات، باب: إيجاب الوتر، وأبو نعيم في "الحلية" 9/ 16، والبيهقي 2/ 478 كتاب: الطهارة، باب: وقت الوتر، من حديث أبي سعيد الخدري.
(5)
انظر: "البناية" 2/ 36، "التمهيد" 4/ 177 - 178، "عقد الجواهر الثمنية" 1/ 133.
وادَّعى ابن بزيزة: أن بالمشهور من مذهب مالك قَالَ أحمد والشافعي
(1)
، وقال به السلف: ابن مسعود، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وحذيفة، وأبو الدرداء، وعائشة.
وقال جماعة من السلف بقول أبي حنيفة، وهو قول جماعة من الكوفيين، وهو رواية ابن مصعب عن مالك، وحكاه الخطابي عنه
(2)
، وقال طاوس: يصلي الوتر بعد صلاة الصبح
(3)
.
وقال أبو ثور والأوزاعي والحسن والليث والشعبي وطاوس
(4)
: يصلي ولو طلعت الشمس.
وقال سعيد بن جبير: يوتر من الليلة القابلة بعد العشاء
(5)
.
وقال عليُّ بن الجهم: الخلاف في ذلك مبني على الخلاف الذي بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، هل هو من الليل أو من النهار أو زمن قائم بنفسه؟
وقال ابن العربي: اختلف الناس في أقل النفل، فقال الشافعي: ركعة. قَالَ: ولا يشرع إلا في الوتر. قلتُ: قائل الحديث الصحيح: "الصلاة خير موضوع، فمن شاء استقل، ومن شاء استكثر"
(6)
. قَالَ:
(1)
"الإعلام" 3/ 582، "المبدع" 2/ 3.
(2)
"معالم السنن" 1/ 248.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 88 (6791 - 6792) باب: من قال: يوتر وإن أصبح ..
(4)
التخريج السابق.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 88 (6794).
(6)
رواه أحمد 5/ 178 - 179، وابن حبان في "صحيحه" 2/ 76 (361) كتاب: البر والإحسان، باب: ما جاء في الطاعات وثوابها، والطبراني 8/ 217 (7871)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 597 كتاب: التاريخ، والبيهقي في "شعب الإيمان" 3/ 291 (3576) باب: في الصيام، من حديث أبي ذر. وانظر "البدر المنير" 4/ 353 - 357، و"تلخيص الحبير" 2/ 21.
واختلفوا في الوتر فقالت طائفة: الوتر ركعة. وروي ذلك عن ابن عمر وقال: كذلك أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر
(1)
.
وروي عن عثمان أنه كان يحيى الليل بركعة يجمع فيها القرآن يوتر بها
(2)
، وعن سعد بن أبي وقاص وابن عباس ومعاوية وأبي موسى وابن الزبير وعائشة: الوتر ركعة. وبه قَالَ عطاء
(3)
ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، إلا أن مالكًا قَالَ: والوتر واحدة، ولابد أن يكون قبلها شفع، يسلم بينهن في الحضر والسفر. وعن مالك: لا بأس أن يوتر المسافر بواحدة. وعنه: يوتر بثلاث وأقل. وأوتر سحنون في مرضه بواحدة، وهو دالٌّ على أن الشفع ليس بشرط في صحة الوتر.
وقال الأوزاعي: إن شاء فصل بينهما، وإن شاء وصل.
وقالت طائفة: يوتر بثلاث لا يفصل بينهن بسلام. روي ذلك عن عمر وعليٍّ وابن مسعود وحذيفة وأُبي بن كعب وابن عباس وأنس وأبي أمامة، وبه قَالَ عمر بن عبد العزيز
(4)
والفقهاء السبعة بالمدينة.
وقال سعيد بن المسيب: لا يسلم في ركعتي الوتر
(5)
. وإليه ذهب الكوفيون والثوري
(6)
، وقال الترمذي: ذهب جماعة من الصحابة
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 88 - 89 (6802)، (6806) باب: من كان يوتر بركعة.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 89 - 90 (6816).
(3)
رواه عن بعضهم ابن أبي شيبة 2/ 89 (6808 - 6809)، (6811)، وذكره ابن المنذر في "الأوسط" 5/ 177.
(4)
رواه ابن أبي شيبة عن عمر وأنس وعلى 2/ 90 - 91 - 92 (6830)، (6839)، (6843) كتاب: الصلوات، باب: من كان يوتر بثلاث أو أكثر، ورواه ابن المنذر عنهم في "الأوسط" 5/ 180 - 181.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 91 (6836).
(6)
انظر: "التمهيد" 4/ 176.
وغيرهم إلى هذا.
وقال الزهري: يوتر بثلاث في رمضان، وفي غيره بواحدة.
قَالَ القاسم: ورأينا الناس منذ أدركنا يوترون بثلاث، وإن كلًّا لواسع، أرجو أن لا يكون بشيء منه بأس. ذكره البخاري في الحديث الثالث
(1)
.
وتأول الكوفيون حديث ابن عباس الآتي حين بات عند خالته ميمونة ورمق صلاته صلى الله عليه وسلم ليلًا، فذكر أنه صلى ركعتين ثم ركعتين، حَتَّى عدَّ ثنتي عشرة ركعة. قَالَ: ثم أوتر. فيحتمل أن يكون أوتر بواحدة مع اثنتين قد تقدمتاها. فتكون مع الواحدة ثلاثًا؛ ولذلك تأولوا في حديث عائشة الآتي: كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته بالليل. أن الوتر منها الركعة الأخيرة مع ركعتين تقدمتها، ويدل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد في رمضان وغيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا كذلك، ثم ثلاثًا، فدل أن الوتر ثلاث
(2)
.
وقال أهل المقالة الأولى: قوله: "صلاة الليل مثنى مثنى" تفسير حديث عائشة أنه كان يصلي أربعًا ثم أربعًا ثم ثلاثًا، وهي زيادة يجب قبولها. وقوله:"فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة توتر لك ما قد صليت" دلالة على أن الوتر واحدة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قَالَ في الوكعة: "إنما هي التي توتر ما كان قبلها"
(3)
.
(1)
"سنن الترمذي"(460) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الوتر بثلاث.
(2)
سيأتي برقم (1147) كتاب: التهجد، باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره.
(3)
سلف برقم (473) كتاب: الصلاة، باب: الحلق والجلوس في المسجد.
والوتر في لسان العرب هو الواحد، فلذلك قَالَ صلى الله عليه وسلم:"إن الله وترٌ"
(1)
أي: واحد لا شريك له والاسم يتعلق بأول الاسم، كما أن الظاهر من قوله:"مثنى مثنى" أي: ثنتين مفردتين، فدل ذلك أن الواحدة هي الوتر دون غيرها، وإذا جازت الركعة بعد صلاة ركعتين أو أكثر جازت دونها؛ لأنها منفصلة بالسلام منها، وكان مالك يكره الوتر بواحدة ليس قبلها نافلة، ويقول: أي شيء يوتر له الركعة وقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: "يوتر له ما قد صلى"؟
(2)
ألا ترى أنه لم يوتر قط إلا بعد عشر ركعات أو اثنتي عشرة ركعة على اختلاف الأحاديث في ذلك
(3)
، فلذلك استحب أن تكون للركعة الوتر نافلة توترها، وأقل ذلك ركعتان.
تنبيه: ادَّعى بعضهم أن معنى قوله: "فإذا خشي أحدكم الصبح" ظاهره: إذا خشي وهو في شفع انصرف من ركعة واحدة، فالوتر إذن لا يفتقر إلى نية، وليس كما زعم، بل ظاهره أنه يصلي ركعة كاملة بعد الخشية.
فرع:
هل يحتاج الوتر إلى نية؟ قَالَ مالك: نعم. وخالفه أصبغ، وقال محمد: إذا أحرم بشفع ثم جعله وترًا لا يجزئه.
(1)
رواه أبو داود (1416) كتاب: الوتر، باب: استحباب الوتر، والترمذي (453) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء أن في الوتر ليس بواحد، قال حديث حسن صحيح، وابن ماجه (1169) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الوتر، وأحمد 1/ 110، والحاكم في "المستدرك" 1/ 300، والبيهقي 2/ 468 كتاب: الصلاة، باب: ذكر البيان بأنه لا فرض في اليوم والليلة. من حديث علي، وصححه الألباني "صحيح أبي داود"(1274).
(2)
سلف برقم (473).
(3)
رواها مسلم (738) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعها:
قوله: "توتر له ما قد صلى" قد يستدل به مالك أن يكون قبل الوتر شفع، وهو مشهور مذهبه، وأقل الشفع: ركعتان عنده.
وقول البخاري: (وعن نافع .. ) إلى آخره. مبني على السند الذي قبله، وهو حديث "صلاة الليل مثنى مثنى" وإنما ذكره كذلك لأمرين: أن يكون سمع كلاًّ منهما مفترقًا عن الآخر، أو أراد أن يفرق بين الحديث والأثر. والبيهقي لما ذكر الأثر خاصة من طريق مالك عن نافع أن ابن عمر كان يسلم، فذكره وعزاه إلى البخاري
(1)
، ورواه الشافعي عن مالك، ولفظه: من الوتر. بدل: في الوتر
(2)
. وروي من طريق الأوزاعي عن المطلب بن عبد الله المخزومي قَالَ: أتى عبد الله بن عمر رجل قَالَ: وكيف أوتر؟ قَالَ: أوتر بواحدة. قَالَ: إني أخشى أن يقول الناس: البُتَيراء. قَالَ: أسُنَّة الله ورسوله تريد؟ هذِه سُنَّةُ الله ورسوله
(3)
. وفي رواية أخرى: البتيراء: أن يصلي الرجل الركعة الثانية
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 21 كتاب: الصلاة، باب: الوتر بركعة واحدة ومن أجاز أن يصلي.
(2)
"مسند الشافعي" 1/ 196 (552) كتاب: الصلاة، باب: في الوتر. و"الموطأ" ص 97 كتاب: الصلاة، باب: الأمر بالوتر.
(3)
رواه ابن ماجه (1176) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في الوتر بركعة. وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 140 (1074) كتاب: الصلاة، باب: ذكر الأخبار المنصوصة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والبيهقي 3/ 26 كتاب: الصلاة، باب: الوتر بركعة واحدة ومن أجاز أن يصلي.
قال البوصيري في "الزوائد"(385): هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع، قال البخاري: لا أعرف للمطلب سماعًا من أحد الصحابة، قال أبو حاتم: روى عن ابن عمر وما أدري سمع أم لا؟، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه". (246).
في ركوعها وسجودها وقيامها ثم يقوم في الأخرى ولا يتم لها ركوعها ولا سجودها ولا قيامها، فتلك البُتّيراء
(1)
. ثم ساق عن عثمان أنه أوتر بركعة، وعن ابن عباس أنه قَالَ لعطاء: ألا أعلمك الوتر؟ قلت: بلى. فقام فركع ركعة
(2)
.
وإنما ذكر البخاري عن ابن عمر هذا الأثر ليرد على أبي حنيفة قوله، وكل من روي عنه الفصل بين الشفع وركعة الوتر بسلام يجيز الوتر بواحدة ليس قبلها شيء. قَالَ الشعبي: كان آل سعيد وآل عبد الله بن عمر يسلمون في ركعتي الوتر ويوترون بركعة
(3)
.
خامسها:
أكثر العلماء على أن الوتر سُنَّة متأكدة، منهم عليُّ وعبادة بن الصامت وسعيد بن المسيب والحسن والشعبي وابن شهاب، وبه قَالَ الثوري والأئمة الثلاثة والليث وعامة الفقهاء، وقال القاضي أبو الطيب: إنه قول العلماء كافة حَتَّى أبو يوسف ومحمد. قَالَ: وقال أبو حنيفة وحده: هو واجب وليس بفرض، فإن تركه حَتَّى طلع الفجر أثم ولزمه القضاء. وقال أبو حامد في "تعليقه": الوتر سُنَّةٌ مؤكدة ليس بفرض ولا واجب، وبه قالت الأمة كلها
(4)
. وقال أبو حنيفة: هو واجب. وهو آخر أقواله، وعنه: فرض. وهو قول زفر. وسُنَّة، وهو قول صاحبيه كما سلف
(5)
.
(1)
رواه البيهقي 3/ 26 كتاب: الصلاة، باب: الوتر بركعة واحدة ومن أجاز أن يصلي.
(2)
التخريج السابق.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 89 (6812) كتاب: الصلوات، باب: من كان يوتر بركعة.
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 224، "الذخيرة" 2/ 392، "الأم" 1/ 125، "المجموع" 3/ 514، "الكافي" 1/ 336.
(5)
انظر: "البناية" 2/ 565 - 566.
وعن مالك فيما رواه ابن حزم عنه: ليس فرضًا، ولكن من تركه أُدب وكانت جرحة في شهادته
(1)
. ومال سحنون وأصبغ فيما حكاه عنه ابن العربي إلى وجوبه
(2)
، وعن أحمد فيما حكاه في "المغني" أنَّ تاركه عمدًا رجل سوءٍ، ولا ينبغي أن تقبل شهادته
(3)
. وحكى ابن بطال عن ابن مسعود وحذيفة والنخعي أنه واجب على أهل القرآن دون غيرهم
(4)
. وعن يوسف بن خالد السمتي شيخ الشافعي: واجب
(5)
.
وفي المرغيناني الحنفي: لو اجتمع أهل قرية على ترك الوتر أدبهم الإمام وحبسهم، فإن امتنعوا قاتلهم
(6)
. وفي "الذخيرة": يعصي في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف: لا. وعند محمد: أحبه
(7)
. وعند الشافعي: لا يجب القضاء.
وفي استحبابه قولان: أظهرهما: نعم
(8)
. وعن أحمد وأبي مصعب واللخمي: لا تقضى بعد الفجر وتقضى طلوعَ الشمس
(9)
. لا تقضى عند مالك
(10)
. حجة الجمهور حديث الأعرابي: لا أزيد على هذا ولا أنتقص قَالَ صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق" فيه أدلة أربعة
(11)
إخباره أن
(1)
"المحلى" 2/ 231.
(2)
"القبس" 1/ 295.
(3)
"المغني" 2/ 594.
(4)
"شرح ابن بطال" 2/ 585.
(5)
"المبسوط" 1/ 144.
(6)
"التجنيس والمزدي" لصاحب "الهداية" 2/ 89.
(7)
انظر: "البناية" 2/ 574.
(8)
انظر: "الحاوي الكبير" 2/ 287 - 288.
(9)
انظر: "المستوعب" 2/ 205، "الفروع" 1/ 537.
(10)
"المدونة" 1/ 120.
(11)
ورد في هامش الأصل ما نصه: استنبط هذِه الأحكام الشيخ أبو حامد وغيره.
الواجب الخمس فقط: هل علي غيرها؟ قال "لا إلا أن تطوع" فصريحه أن الزيادة تطوع
(1)
.
"أفلح إن صدق" دليل على أن لا إثم بترك غير الخمس، وحديث معاذ:"أعلمهم بأن الله فرض عليهم خمس صلوات". الحديث. أخرجاه
(2)
، وهو من أحسن الأدلة؛ لأن بعث معاذ كان قبل وفاته بقليل، وبحديث عبادة بن الصامت وتكذيبه المُخدَجي فإنه قَالَ: هو واجب. قَالَ عبادة: كذب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"خمس صلوات كتبهن الله على العباد" رواه مالك في "الموطأ"
(3)
وأبو داود والنسائي بإسنادٍ صحيح
(4)
.
احتج المخالف بأدلة: بحديث أبي أيوب مرفوعًا: "الوتر حق على كل مسلم" صححه الحاكم
(5)
، وبحديث على مرفوعًا:"يا أهل القرآن، أوتروا، فإن الله وترٌ يحب الوتر" رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه
(6)
. وبحديث بريدة مرفوعًا: "الوتر حق، فمن لم يوتر فليس
(1)
سلف برقم (46) كتاب: الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام.
(2)
سيأتي برقم (1395) كتاب: الزكاة، باب: وجوب الزكاة، ورواه مسلم (19) كتاب: الإيمان، باب: الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.
(3)
"الموطأ" ص 96 كتاب: الصلاة، باب: الأمر بالوتر.
(4)
"سنن أبي داود"(1420) كتاب: الوتر، باب: فيمن لم يوتر، و"سنن النسائي" 1/ 230 كتاب: الصلاة، باب: المحافظة على الصلوات الخمس، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1276).
(5)
"المستدرك" 1/ 302 - 303 كتاب: الوتر، قال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(6)
"سنن أبي داود"(1416) كتاب: الصلاة، باب: استحباب الوتر، و"سنن الترمذي" (453) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء أن الوتر ليس بحتم، و"سنن النسائي" 3/ 228 - 229 كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: الأمر بالوتر، =
منا" قَالَ ذلك ثلاثًا، رواه أبو داود وصححه الحاكم
(1)
. وبحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: "إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها، وهي الوتر" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه
(2)
، وبحديث أبي سعيد مرفوعًا:"أوتروا قبل أن تصبحوا"
(3)
وبحديث عائشة: كان صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل الوتر، فإذا أوتر قَالَ:"قومي يا عائشة فأوتري" رواه مسلم أيضًا
(4)
، وبحديث خارجة بن حذافة العدوي مرفوعًا:"إن الله قد أمركم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، الوتر الوتر" مرتين، أخرجه أبو داود والترمذي
(5)
، وبحديث أبي
= وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" برقم (1274).
(1)
"سنن أبي داود"(1419) كتاب: الصلاة، باب: فيمن لم يوتر، "المستدرك" 1/ 305 - 306 كتاب: الوتر، قال: هذا حديث صحيح، أبو المنيب العتكي مروزي ثقة، يجمع حديثه ولم يخرجاه. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" برقم (256).
(2)
لم أقف عليه عندهم، وقد رواه أحمد 2/ 180، والدارقطني في "سننه" 2/ 31، وانظر "البدر المنير" للمصنف 4/ 316.
والذي عند أبي داود (1418)، والترمذي (452)، وابن ماجه (1168) حديث خارجة بن حذافة مرفوعًا، ولفظه "إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم؛ الوتر؛ جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر" وسيأتي بعد.
(3)
رواه مسلم (754) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى.
(4)
"صحيح مسلم"(7449) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة.
(5)
"سنن أبي داود"(1418) كتاب: الصلاة، باب: استحباب الوتر.
و"سنن الترمذي"(452) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في فضل الوتر.
قال. حديث خارجة بن حذافة حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب. قال الألباني في: "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(1141): صحيح.
سعيد الخدري مرفوعًا: "من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره" روياه أيضًا
(1)
، والقضاء فرع الأداء لكن لا يسلم الوجوب، وبحديث معاذ مرفوعًا:"زادني ربي صلاة -وهي الوتر- وقتها بين العشاء إلى طلوع الفجر" رواه أحمد
(2)
، وبحديث جابر:"أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد" الحديث، أخرجه مسلم
(3)
. والزيادة والأمداد تكون من جنس اللاحق به كمد الله في عمرك، وأمد السلطان الجيش، ونسب زيادته للرب جل جلاله، فكان بأمره وإيجابه، ولو لم يكن واجبًا لكان كالتراويح والسنن التي واظب عليها ولم يجعلها زائدة في الفرائض، فجعل الوتر زيادة على الفرائض من الله، ولم يجعل السنن زيادة عليها، فدل على أن الوتر زيادة. وذكر الطحاوي
(4)
أن وجوب الوتر إجماع من الصحابة، وأجابوا عن حديث الأعرابي أنه كان قبل وجوبه؛ لأن قوله:"زادكم" يشعر بتأخيره عن الخمس، ولا نسلم لهم ذلك.
وأما صلاته الوتر على الراحلة، والفرض لا يؤدى عليها، فكان واجبًا عليه، ومن خصائصه تأدِّيه على الراحلة، وحديث:"ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع". وعد منها الوتر
(5)
، لا يصح، فلا أحتج به.
(1)
"سنن أبي داود"(1431) كتاب: الوتر، في الدعاء بعد الوتر، و"سنن الترمذي" (465) كتاب: الصلاة، باب: في الرجل ينام عن الوتر أو ينساه، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" برقم (1285).
(2)
"مسند أحمد" 5/ 242.
(3)
"صحيح مسلم"(755) كتاب: صلاة المسافرين، باب: من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله.
(4)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 430 - 431.
(5)
رواه أحمد 1/ 231، والبزار كما في "كشف الأستار" 3/ 144 (2433) كتاب: =
وادعى القرافي في "الذخيرة" أن الوتر في السفر ليس بواجب عليه، وفعله صلى الله عليه وسلم كان في السفر
(1)
، وهو غريب، وروى الطحاوي عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يصلي على راحلته ويوتر بالأرض
(2)
. ويزعم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك
(3)
. وفي "المحيط" للحنفية: لا يجوز أن يوتر قاعدًا مع القدرة على القيام، ولا على راحلته من غير عذر
(4)
. وفي "المبسوط": يوتر عندهما -يعني: الصاحبين على الدابة- من غير ضرورة. وإنما لم يكفر جاحده للاختلاف. وفي النسائي والترمذي محسنًا عن عليٍّ قَالَ: ليس الوتر يحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سُنَّة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
. وقال عبادة بن الصامت: الوتر أمر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده، وليس بواجب. أخرجه
= علامات النبوة، باب: فيما خصه الله به. قال: لا نعلم رواه ابن عباس، ولا رواه عن عكرمة إلا جابر، وأبو جناب روى عنه الثوري وغيره، ولم يكن بالقوي، واسمه يحيى بن أبي حية، والطبراني 11/ 260 (11674)، والدارقطني في "السنن" 2/ 21 كتاب: الوتر، باب: صفة الوتر، والبيهقي 9/ 264 كتاب: الضحايا، باب: الأضحية سنة نحب لزومها ونكره تركها. من حديث ابن عباس، قال الألباني في "ضعيف الجامع الصغير وزيادته" (2561): موضوع.
(1)
"الذخيرة" 2/ 392.
(2)
"شرح معاني الآثار" 1/ 429.
(3)
انظر: التخريج السابق.
(4)
"المحيط" 2/ 426.
(5)
"سنن الترمذي"(453 - 454) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء أن الوتر ليس بحتم.
قال: حديث عليًّ حسن، وقال عن ثانيهما: هذا أصح من حديث أبي بكر بن عياش.
و"سنن النسائي" 3/ 229 كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: الأمر بالوتر.
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(375).
الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين
(1)
؛ ولأنها صلاة لا يشرع لها أذان ولا إقامة فلم تكن واجبة على الأعيان كالضحى وغيرها، واحترزنا بالأعيان عن الجنازة والنذر. والأحاديث التي استدلوا بها للوجوب محمولة على الاستحباب والتأكد، ولا بد من ذلك للجمع بينهما وبين الأحاديث التي استدللنا بها على عدم الوجوب، وقال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى} [البقرة: 238] فأخبر أن لها وسطى. وإذا جعلنا الوتر واجبًا لزمنا المحافظة على ست، وإنما هي خمس. وحديث الباب:"فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى" أي: توتر له تلك الصلاة، وصلاة الليل ليست بواجبة فكذا ما يوتر بها.
الحديث الثاني:
حديث كريب عن ابن عباس أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ .. الحديث.
وقد سلف في باب: السمر في العلم، والتخفيف في الوضوء وغيرهما، ويأتي -إن شاء الله- في تفسير آل عمران بزيادة
(2)
، ومما لم يتقدم هناك قوله: فاضطجعت في عرض وسادة. كذا في الرواية؛ وفي رواية أخرى: الوسادة
(3)
.
والعرض بفتح العين: ضد الطول، قَالَ صاحب "المطالع": كذا لأكثرهم، ولبعضهم بضمها وهو: الناحية والجانب. والفتح أشهر. قَالَ ابن عبد البر: وهي الفراش وشبهه. قَالَ: وكان -والله أعلم-
(1)
"المستدرك" 1/ 300 كتاب: الوتر. وافقه الذهبي.
(2)
سلف برقم (117) كتاب: العلم، وبرقم (138) كتاب: الوضوء.
وسيأتي برقم (4571) كتاب: التفسير، باب:{إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ} .
(3)
ستأتي برقم (1198) كتاب: العمل في الصلاة، باب: استعانة اليد في الصلاة.
مضطجعًا عند رجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رأسه
(1)
. قَالَ ابن الأثير: الوسادة: المخدة، والجمع: وسائد
(2)
. وقد وسدته الشيء فتوسده. أي: جعلته تحت رأسه، وكذا هو في "الصحاح"
(3)
. وقال صاحب "المطالع": وقد قالوا إساد ووساد، واشتقاقهما واحد، والواو هنا بعد الألف ولعلها صورة الهمزة، والوساد: ما يتوسد إليه للنوم. يقال: إساد وإسادة ووسادة، وكانت هذِه الوسادة آدم حشوها ليف كما في أبي داود والنسائي
(4)
. قَالَ أبو الوليد: والظاهر أنه لم يكن عندهما فراش غيره، فلذلك ناموا جميعًا فيه.
واستنبط بعضهم منه قراءة القرآن على غير وضوء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نام ثم استيقظ فقرأ قبل أن يتوضأ. أقول: ولا يصح؛ لأن وضوءه صلى الله عليه وسلم لا ينتقض بالنوم كما هو معلوم، ولا شك أن الأولى قراءته على وضوء، وبهذا قَالَ عمر للذي قَالَ له: أتقرأ وأنت على غير وضوء؟! فقال له عمر: من أفتاك بهذا، أمسيلمة الكذاب
(5)
؟ وكان الرجل فيما زعموا من بني حنيفة قد صحب مسيلمة ثم هداه الله للإسلام.
وقول ابن عباس: فصنعت مثله. يحتمل كما قَالَ ابن التين: أن يريد به جميع ما فعله صلى الله عليه وسلم على وجه الاقتداء به والمبادرة إلى الانتفاع لما يعلم منه.
(1)
"الاستذكار" 5/ 246.
(2)
"النهاية في غريب الحديث" 5/ 182.
(3)
"الصحاح" 2/ 550.
(4)
"سنن أبي داود"(4146) كتاب: اللباس، باب: في الفرش من حديث عائشة.
و"سنن النسائي" 4/ 215 - 216 من حديث عبد الله بن عمرو.
(5)
رواه البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 437 ترجمة (1402)، والبيهقي 1/ 90 كتاب: الطهارة، باب: قراءة القرآن بعد الحدث.
وفيه: ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من التواضع كيف أمكنه.
وقوله: (فاستيقظ يمسح النوم عن وجهه). يحتمل أن يكون أراد بمسحه إزالة النوم عن وجهه أو إزالة الكسل به.
وقوله: (ثم قرأ عشر آيات من آل عمران). وفي رواية: العشر الآيات الخواتم منها
(1)
. وفي أخرى: فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 190] إلى آخر السورة
(2)
فيقتدى به ليبدأ يقظته بذكر الله تعالى، ويختمها به عند نومه.
وآخر شيء أنت أول هجعة
…
وأول شيء أنت عند هبوبي
فيذكر ما ندب إليه من العبادة وما وعد على ذلك من الثواب، وتوعد على المعاصي من العقاب، فإن الآيات المذكورة جامعة لكثير من ذلك، فينشط على العبادة.
وقوله: (ثم صلى ركعتين .. ) إلى آخره. مقتضاه الفصل بين كل ركعتين بسلام.
وقوله: (ثم اضطجع حَتَّى جاءه المؤذن). هذا الاضطجاع؛ لأجل طلوع الفجر، والخلاف في الاضطجاع بين الفجر والصبح.
وقوله: (فقام فصلى ركعتين) زاد في "الموطأ": خفيفتين
(3)
يعني بذلك: ركعتي الفجر. وفيه أن قيام الليل سُنَّة مسنونة لا ينبغي تركها لهذا الحديث.
وقد روى عبد الله بن سلام قَالَ: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة،
(1)
سلفت برقم (183) كتاب: الوضوء، باب: قراءة القرآن بعد الحدث وغيره.
(2)
رواها مسلم (763/ 19) صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
(3)
"الموطأ" 1/ 116 - 117 (296) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الليل.
وكان أول ما سمعته يقول: "يا أيها الناس أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنَّة بسلام"
(1)
وقد روي عن بعض التابعين أن قيام الليل فرض، حكاه ابن عبد البر
(2)
، وسيأتي.
واختلفت الآثار في اضطجاعه المذكور في هذا الحديث، فروي أن ذلك كان بعد وتره قبل أن يركع الفجر، وروي أن ذلك كان بعد ركوعه الفجر، وذلك في رواية عروة عن عائشة
(3)
.
وقوله: فقمت إلى جنبه. جاء أن ذلك على يساره فأخذ بأذنه فجعله عن يمينه.
الحديث الثالث: حديث ابن عمر: "صلاة الليل مثنى مثنى" .. الحديث. وقد سلف ما فيه.
الحديث الرابع: حديث عائشة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي إِحْدى عَشْرَةَ رَكْعَةً .. الحديث.
يأتى في صلاة الليل في باب: طول السجود
(4)
، فإنه أليق به،
(1)
رواه الترمذي (2485) في صفة القيامة، باب: ما جاء في صفة أواني الحوض.
قال: هذا حديث صحيح، وابن ماجه (1334) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في قيام الليل، وأحمد 5/ 451، والدرامي في "مسنده" 3/ 1720 (2674) كتاب: الاستئذان، باب: في إفشاء السلام، وعبد بن حميد في "المنتخب" 1/ 444 (495)، والحاكم في "المستدرك" 3/ 13 كتاب: الهجرة، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بولاة الأمر من بعده، والبيهقي 2/ 502.
صححه الألباني في "صحيح" الترمذي وابن ماجه.
(2)
"الاستذكار" 5/ 188.
(3)
سلفت برقم (626) كتاب: الأذان، باب: من انتظر الإقامة.
(4)
سيأتي برقم (1123) كتاب: التهجد.
وأخرجوه أيضًا
(1)
، ورواه جماعة عن ابن شهاب فزادوا فيه: يسلم من كل ركعتين، ويوتر منها بواحدة. كذا في "الموطأ"
(2)
، وروى مالك عن هشام، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين
(3)
.
وفيما سلف: لا يزيد على إحدى عشرة ركعة.
وذكر بعض من لم يتأمل قوله أن رواية عائشة اضطربت في الحج والرضاع وصلاته بالليل وقصر الصلاة في السفر، وهو عجيب، فإنه راجع إلى اختلاف حالاته، وأغلبها: إحدى عشرة
(4)
، ومرة وصلها: ثلاث عشرة
(5)
، ومرة: خمس عشرة بإضافة الركعتين أول قيامه إليها وركعتي الفجر، أو ركعتي سنة العشاء، ولم يعتد بذلك في غيرها فلا تضاد إذن.
وقوله: (ثم يضطجع على شقه الأيمن) هذِه الضجعة سنة، ويقوم مقامها الكلام، وعند المالكية: بدعةٌ، وإنما فعلت للراحة. ووافقنا ابن حبيب، وشذَّ ابن حزم فأوجبها وجعلها شرطًا للصحة -وستكون لنا عودة عند الكلام عليها- وكونها على الأيمن؛ لأنه كان يستحب التيمن في شأنه كله.
(1)
مسلم (736) باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، "سنن أبي داود" (1336) كتاب: التطوع، باب: في صلاة الليل، و"النسائي" 3/ 65 كتاب: السهو، باب: السجود بعد الفراغ من الصلاة، و"ابن ماجه" (1358) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في كم يصلي بالليل، ورواه أحمد 6/ 83.
(2)
"الموطأ" ص 94.
(3)
"الموطأ" ص 95.
(4)
ستأتي برقم (1123) كتاب: التهجد، باب: طول السجود في قيام الليل.
(5)
سلفت برقم (183) كتاب: الوضوء، باب: قراءة القرآن بعد الحدث وغيره.
2 - باب سَاعَاتِ الوِتْرِ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْصَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ.
995 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا القِرَاءَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الغَدَاةِ، وَكَأَنَّ الأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ. قَالَ حَمَّادٌ: أَيْ: سُرْعَةً. [انظر: 472 - مسلم: 749 - فتح: 2/ 486]
996 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ. [مسلم: 745 - فتح: 2/ 486]
وذكر فيه حديث أنس بن سيرين قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا القِرَاءَةَ؟ .. الحديث.
وحديث عائشة قالت: كُلَّ اللَّيْلِ قد أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ.
الشرح:
هذا التعليق أسنده البخاري، وسيأتي في باب الضحى في الحضر
(1)
، وأخرجه مسلم، ونحوه في النسائي
(2)
. وحديث أنس
(1)
سيأتي برقم (1178) كتاب: التهجد.
(2)
"صحيح مسلم"(721) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان.
و"سنن النسائي" 3/ 229 كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: الحث على الوتر قبل النوم.
أخرجه مسلم
(1)
، وشيخ البخاري فيه أبو النعمان، وهو محمد بن الفضل السدوسي، مات سنة أربع -وقيل: ثلاث- وعشرين ومائتين، ولقبه: عارم
(2)
.
والحديث الثاني أخرجه مسلم والأربعة
(3)
، ومسلم الذي في إسناده هو ابن صبيح العطار أبو الضحى، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز
(4)
.
ومسروق هو ابن الأجدع
(5)
، ووالد شيخ البخاري عمر بن حفص، وكان والده ثقة مأمونًا، إلا أنه كان يدلس.
وقد ورد أيضًا في وقت الوتر أحاديث منها: أنه ما بين العشاء وطلوع الفجر أخرجه أبو داود من حديث خارجة، واستغربه الترمذي
(6)
.
وأحمد من حديث أبي بكرة، وفي أبي داود والترمذي مصححًا من حديث ابن عمر:"بادروا الصبح بالوتر"
(7)
. وفي أبي داود من حديث أبي قتادة أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لأبي بكر: "متى توتر؟ " قَالَ: أوتر من أوَّل الليل. وقال لعمر: "متى توتر؟ " قَالَ: آخره. فقال لأبي بكر: "هذا
(1)
"صحيح مسلم"(749/ 157) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل.
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 26/ 287.
(3)
"صحيح مسلم"(745)، "سنن أبي داود"(1435)، "سنن الترمذي"(456)، "سنن النسائي" 3/ 230، "سنن ابن ماجه"(1185).
(4)
انظر: "تهذيب الكمال" 27/ 520.
(5)
السابق 27/ 451.
(6)
"سنن أبي داود"(1434) كتاب: الصلاة، باب: في وقت الوتر، "الترمذي"(452). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي دواد" برقم (255).
(7)
"سنن أبي داود"(1434) كتاب: الصلاة، باب: في الوتر قبل النوم، و"سنن الترمذي" (467) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر، والحديث رواه مسلم (750) صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى.
أخذ بالحزم " وقال لعمر: "هذا أخذ بالقوة"
(1)
. وفي رواية للبيهقي: "أخذت بالحزم، أو بالوثيقة"
(2)
. وفي رواية له من حديث ابن عمر.
وقال في حق الصديق: "بالحزم أخذت" وفي حق عمر قَالَ: "فعل القوي فعلت"
(3)
. ولابن ماجه نحوه عن جابر
(4)
. ولمسلم من حديث أبي سعيد: "أوتروا قبل أن تصبحوا"
(5)
وأخرجه الترمذي والنسائي، وفي رواية:"قبل الصبح"
(6)
وفي أخرى: "قبل الفجر"
(7)
.
ولمسلم أيضًا من حديث ابن عمر: "من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترًا قبل الصبح"
(8)
وله عن جابر: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فإن صلاة آخر الليل
(1)
"سنن أبي داود"(1434) كتاب: الصلاة، باب: في الوتر قبل النوم.
قال الألباني في "صحيح أبي داود"(1288): صحيح على شرط مسلم، وكذا قال الحاكم، اهـ.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 35 كتاب: الصلاة، باب: الاختيار في وقت الوتر وما ورد من الاحتياط في ذلك.
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 36.
(4)
"سنن ابن ماجه"(1202) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في الوتر أول الليل، قال الألباني في "صحيح ابن ماجه" (988): حسن صحيح.
(5)
"صحيح مسلم"(754) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل.
(6)
"سنن الترمذي"(468) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر.
و"سنن النسائي" 3/ 231 كتاب: قيام الليل، باب: الأمر بالوتر قبل الصبح.
(7)
رواها الترمذي (469) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر، وأحمد 2/ 150، والحاكم في "المستدرك" 1/ 203 كتاب: الوتر، والبيهقي 2/ 478 كتاب: الصلاة، باب: وقت الوتر.
(8)
"صحيح مسلم"(751) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل.
مشهودة، وذلك أفضل"
(1)
. وفي لفظٍ آخر له: "أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر ثم ليرقد، ومن وثق بقيام من الليل فليوتر من آخره، فإن قراءة آخر الليل محضورة، وذلك أفضل"
(2)
. وفي "الموطأ" عن عائشة كانت تقول: من خشي أن ينام حَتَّى يصبح فليوتر قبل أن ينام، ومن رجا أن يستيقظ آخر الليل فليؤخر وتره
(3)
. ولأحمد من حديث معاذ: "زادني ربي صلاة -وهي الوتر- وقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر"
(4)
.
واختلف العلماء في وقت الوتر، أما أوله ففيه ثلاثة أوجه:
أصحها وأشهرها، وهو قول الجمهور أنه يدخل بفراغه من فريضة العشاء، سواء صلى بينه وبين العشاء نافلة أم لا، وسواء أوتر بركعة أو بأكثر، فإن أوتر قبل فعل العشاء لم يصح وتره، سواء تعمده أو سها فظن أنه صلى العشاء أم ظن جوازه، وكذا لو صلى العشاء فظن الطهارة، ثم أحدث فتوضأ فأوتر، فبان حدثه في العشاء، فوتره باطل.
ثانيها: بدخول وقت العشاء، وله أن يصليه قبلها سواء تعمده أوسها.
ثالثها: إن أوتر بركعة فلا بد أن يسبقه نفل، فإن خالف وقع تطوعًا، بخلاف ما إذا أوتر بأكثر من ركعة
(5)
. وقال المرغيناني: أول وقته بعد
(1)
"صحيح مسلم"(755) كتاب: صلاة المسافرين، باب: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله.
(2)
"صحيح مسلم"(755/ 163).
(3)
"الموطأ" ص 97.
(4)
"مسند أحمد" 5/ 242.
(5)
انظر: "المجموع" 3/ 508.
العشاء، وهذا قولهما
(1)
، أما عند أبي حنيفة فأول وقتهما إذا غاب الشفق، ووقتهما واحدٌ، والوتر فرض على حدةٍ، عملًا عنده، وعندهما: سُنَّة
(2)
.
وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا صلى العشاء بغير طهارة ثم توضأ وأوتر ثم علم بحدثه فإنه يعيد العشاء ولا يعيد الوتر عنده، خلافًا لهما، وهو قول مالك وأحمد؛ لأنها سنة تبع للعشاء كركعتي العشاء، لا تقدم عليها. وفي أخرى: وهو أن الترتيب شرط بين فرض الوقت عنده حَتَّى يفسد الفجر عنده إذا كان ذاكرًا لترك الوتر، وعندهما كسنة الفجر، إلا عند أبي حنيفة: لا تقدم على العشاء مع الذكر حَتَّى لو أوتر قبل أن يصلي العشاء وهو ذاكر لها لم يجزه اتفاقًا لأدائها قبل وقتها المرتب
(3)
.
وفي "مختصر الطحاوي": وقت الوتر: وقت العشاء، فمن صلاها في أوَّل الوقت أو آخره يكون مؤديًا لا قاضيًا.
وأما آخر وقت الوتر فقد سلف في الباب قبله واضحًا. ونقل ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر
(4)
.
ثم حكي عن جماعة من السلف أنهم قالوا: يمتد وقته حَتَّى يصلي الصبح، وعن جماعة: يفوت بطلوع الفجر.
(1)
"الهداية" 1/ 42.
(2)
انظر: "المحيط" 2/ 265 - 267.
(3)
انظر: "الهداية"1/ 42.
(4)
"الأوسط" 5/ 190.
وقال ابن التين: أول وقته انقضاء صلاة العشاء، واختلف في آخره، فقال مالك: يصلى بعد الفجر ما لم يصل الصبح
(1)
، وقال أبو مصعب: لا يقضى بعد الفجر، وقال بعض الناس: من نسيه أو نام عنه فليصلِّه من الغد.
واختلف فيما إذا ذكره، وهو في الصبح، هل يقطعها أم لا؟ فقيل: يقطعها مطلقًا، وسواء كان إمامًا أو مأمومًا أو فذًّا لتأكده، وقيل: لا يقطع مطلقًا؛ لأنه سنة، وقيل: يقطع الإمام والفذ فقط؛ لأن المأموم تابع لغيره بخلافهما، وقيل: يقطع الفذ خاصة لتأكد الجماعة، وقيل: إن يذكر قبل أن يعقد ركعة قطع، وإلا فلا.
واستدل من رأى بجواز الوتر بعد الصبح بحديث أبي سعيد الخدري: "من نام عن وتره فليصل إذا أصبح" أخرجه الترمذي
(2)
، وله في رواية عنه:(من نام عن الوتر أو نسيه، فليصله إذا ذكر وإذا استيقظ). قَالَ الترمذي: والأول أصح
(3)
، وأخرج الثاني وأبو داود إلى قوله:"إذا ذكر"
(4)
، وفي النسائي من حديث محمد بن المنتشر قَالَ: كان في مسجد عمرو بن شرحبيل فأقيمت الصلاة فجعلوا ينتظرونه فقال: إني كنت أوتر. قَالَ: وسئل عبيد الله: هل بعد الأذان وتر؟ قَالَ: نعم، وبعد (الإقامة)
(5)
قَالَ: وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نام
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 220.
(2)
"سنن الترمذي"(466) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الرجل ينام عن الوتر وينساه، قال: هذا أصح من الحديث الأول:، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(386).
(3)
"سنن الترمذي"(465) كتاب: الصلاة.
(4)
"سنن أبي داود"(1431) كتاب: الصلاة، باب: في الدعاء بعد الوتر.
(5)
في الأصل [الإمامِ]. والمثبت ما يقتضيه للسياق.
عن الصلاة حَتَّى طلعت الشمس ثم صلى
(1)
.
وفي "الموطأ" عن ابن عباس: نام ليلة ثم استيقظ وقال لغلامه: انظر ما صنع الناس. وكان قد ذهب بصره، فذهب الخادم ثم رجع فقال: انصرفوا من الصبح، فقام فأوتر ثم صلى الصبح
(2)
.
وفيه عن عبادة: كان يؤم قومًا فخرج يومًا إلى الصبح فأقام المؤذن فأسكته حَتَّى أوتر، ثم أقام
(3)
.
وفيه: مالك بلغه أن ابن عباس وعبادة والقاسم بن محمد وعبد الله بن عامر بن ربيعة: إني لأوتر وأنا أسمع الإقامة بالصبح، أو بعد الفجر. شك راويه
(4)
.
وعن ابن مسعود فيما حكاه ابن الأثير من غير عزو: ما أبالي لو أقيمت الصلاة للصبح وأنا أوتر.
واستدلوا أيضًا بالحديث -السالف-: "فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر" وقد سلف وجهه. قَالَ ابن التين: فيه متعلقان: أحدهما: قوله: "إذا خشي" فنص على أنه مما ينبغي لصاحب الوتر، وذلك يدل على أن له تأثيرًا فيه، والثاني: قوله: "فليوتر" فأمر بالوتر إذا خشي الفجر، وذلك يقتضي فعله قبل الفجر.
وفي وصيته صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بالوتر قبل النوم
(5)
، وفعل أبي بكر دليل أن
(1)
"سنن النسائي" 3/ 231 كتاب: قيام الليل، باب: الوتر بعد الأذان، قال الألباني في "صحيح النسائي": صحيح الإسناد.
(2)
"الموطأ" ص 98.
(3)
السابق ص 98.
(4)
السابق ص 98.
(5)
سيأتي برقم (1178) كتاب: التهجد، باب: صلاة الضحى في الحضر.
ذلك مخافة فوات فعله، وإلا فلا شك أنهما يستيقظان بعد الفجر لصلاة الصبح.
واعلم أن البخاري ذكر في هذا الباب الأحاديث الثلاثة السالفة، وهي جامعة لأوقات الوتر، مطابقة لما بوب له، وذلك أن حديث أبي هريرة يقتضي أوائل الليل قبل النوم، وحديث:"يصلي من الليل مثنى مثنى ويوتر بركعة" مجموع الليل، وحديث:"انتهاء وتره إلى السحر"
(1)
آخر الليل. قَالَ المهلب: ليس للوتر وقت مؤقت لا يجوز غيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد أوتر كل الليل كما قالت عائشة، وقد اختلف السلف في ذلك، فعن الصديق وعثمان وأبي هريرة ورافع بن خديج أنهم كانوا يوترون أول الليل
(2)
، وكان يوتر آخره عمر وعلي وابن مسعود وأبو الدرداء وابن عباس وابن عمر، وجماعة من التابعين
(3)
.
واستحبه مالك والثوري والكوفيون وجمهور العلماء
(4)
، فإن قلتَ: ما وجه أمره صلى الله عليه وسلم بالوتر قبل النوم لأبي هريرة؟ قلتُ: خشية أن يستولي عليه النوم، فأمره بالأخذ بالثقة، وبهذا وردت الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم منها:
(1)
رواه مسلم (745)، كتاب الصلاة، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي.
(2)
رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة 3/ 16 (4622) كتاب: الصلاة، باب: أي ساعة يستحب فيها الوتر.
ورواه ابن أبي شيبة عن الصديق ورافع بن خديج 2/ 83 (1735)، (6736) باب: من قال: يصلي شفعًا ولا يشفع وتره، ورواه أيضًا عن عثمان 2/ 83 (6729) باب: في الرجل يوتر ثم يقوم بعد ذلك.
(3)
رواه عبد الرزاق عن عمر 3/ 14 (4617) باب: أي ساعة يستحب فيها الوتر، وابن أبي شيبة عن عمر 2/ 81 (6705) باب من قال يجعل الرجل آخر صلاته، ورواها أيضًا عنهم 2/ 84 - 85 (6749 - 6765) باب في من كان يؤخر وتره.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 491، "الأوسط" 5/ 173، "المجموع" 3/ 508، "المغني" 2/ 596، 597.
حديث عائشة: "من خاف أن لا يستيقظ آخر الليل؛ فليوتر أول الليل، ومن علم أنه يستيقظ آخر الليل؛ فإن صلاته آخر الليل محضورة، وذلك أفضل"
(1)
، ومنها حديث أبي قتادة السالف.
وقوله: (وكان الأذان بأذنيه). قَالَ حماد: أي: سرعة، المراد بالأذان هنا: الإقامة كما قَالَ المهلب، يريد أنه كان يسرع ركعتي الفجر قبل الإقامة من أجل تغليسه بالصبح.
وقول عائشة: (كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم) دال على أن الليل من فعل العشاء وقت له كما سلف، وقد يكون أوتر من أوله لشكوى حصلت، وفي وسطه لاستيقاظه إذ ذاك وآخره غاية له.
(1)
رواه مسلم (755) كتاب: صلاة المسافرين، باب: من يخاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله. من حديث جابر.
3 - باب إِيقَاظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ بِالوِتْرِ
997 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ. [انظر: 382 - مسلم: 512، 744 - فتح: 2/ 487]
ذكر فيه حديث عائشة: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأوْتَرْتُ.
هذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود
(1)
والترمذي
(2)
أيضًا، وفي رواية: كاعتراض الجنازة
(3)
. وفي رواية: يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة
(4)
. وفي أخرى: على الفراش الذي ينامان عليه
(5)
.
أما حكم الباب وهو إيقاظ الرجل أهله للوتر، فهو مطابق لما ترجم له، وهو امتثال بقول الرب جل جلاله:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132].
وفيه: الصلاة على الفراش، وتنبيه النائم للصلاة إذا خيف عليه خروج الوقت. قَالَ القرطبي: ولا يبعد أن يقال: إن ذلك واجب في الصلاة الواجبة؛ لأن النائم وإن لم يكن مكلفًا في حال نومه، لكن
(1)
مسلم (512/ 268) كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي، وأبو داود (711) كتاب: الصلاة، باب: من قال: المرأة لا تقطع الصلاة.
(2)
لم أقف عليه.
(3)
سلفت هذِه الرواية برقم (383) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الفراش.
ورواها مسلم (512/ 267) كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي.
(4)
التخريج السابق.
(5)
سلف برقم (384) كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الفراش.
مانعه سريع الزوال، فهو كالغافل، ولا شك أنه يجب تنبيه الغافل
(1)
.
وفيه: اعتراض المرأة بين يدي المصلي، وقد سلف ذلك في موضعه.
وفيه: تأكيد الوتر والأمر به والمواظبة عليه، ومشروعية الوتر في حق النساء.
وفيه: الوتر آخر الليل.
(1)
"المفهم" 2/ 376 - 377.
4 - باب لِيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا
998 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا". [انظر: 472 مسلم: 751 - فتح: 2/ 488]
ذكر فيه حديث نافع، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اجْعَلُوا آخِرَ صَلاِتكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا".
هذا الحديث أخرجه مسلم
(1)
، وهو دال على كون الوتر آخر الصلاة.
واختلف العلماء فيمن أوتر ثم نام ثم تهجد، هل يجعل آخر صلاته وترًا أم لا؟ فكان ابن عمر إذا عرض له ذلك صلى ركعة واحدة في ابتداء قيامه أضافها إلى وتره ينقضه بها ثم يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر بواحدة
(2)
.
روي ذلك عن سعد
(3)
وابن عباس
(4)
وابن مسعود
(5)
، وبه قَالَ إسحاق
(6)
.
(1)
مسلم (751) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة آخر الليل.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 82 (6725) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يوتر ثم يقوم بعد ذلك.
(3)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر 5/ 196 كتاب: الوتر، باب: ذكر ونقض الوتر.
(4)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 82 (6724) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يوتر ثم يقوم بعد ذلك.
(5)
رواه ابن المنذر في "الأوسط" 5/ 198 كتاب: الوتر، باب: ذكر نقض الوتر.
(6)
انظر: "الأوسط" لابن المنذر 5/ 197.
وممن روي عنه أنه يشفع وتره عثمان
(1)
وعليّ
(2)
، وعن عمرو بن ميمون
(3)
وابن سيرين
(4)
مثله.
وكانت طائفة لا ترى نقض الوتر.
روي عن الصديق أنه قَالَ: أما أنا فإني أنام على وترٍ، فإن استيقظت صليت شفعًا حَتَّى الصباح
(5)
.
وروي مثله عن عمار
(6)
وسعد وابن عباس.
وقالت عائشة في الذي ينقض وتره: هذا يلعب بوتره
(7)
.
وقال الشعبي: أمرنا بالإبرام ولم نؤمر بالنقض
(8)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 83 (6729) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يوتر ثم يقوم بعد ذلك.
(2)
رواه عبد الرزاق 3/ 30 (4684) كتاب: الصلاة، باب: الرجل يوتر ثم يستيقظ فيريد أن يصلي.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 82 (6726) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يوتر ثم يقوم بعد ذلك.
وعبد الرزاق 3/ 32 (4692) كتاب: الصلاة، باب: الرجل يوتر ثم يقوم بعد
(4)
رواه عبد الرزاق 3/ 30 (4683) كتاب: الصلوات، باب: الرجل يوتر ثم يستيقظ فيريد أن يصلي.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 81 (6707) كتاب: الصلوات، باب: من قال: يجعل الرجل آخر صلاته بليل وترًا.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 83 (6733) كتاب: الصلوات، باب: من قال: يصلي شفعًا ولا يشفع وتره.
(7)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 84 (6743) كتاب: الصلواج، باب: من قال: يصلى شفعًا ولا يشفع وتره.
(8)
السابق.
وكان لا يرى نقض الوتر: علقمة
(1)
ومكحول
(2)
والنخعي
(3)
والحسن، وهو قول مالك والأوزاعي، والصحيح من مذهب الشافعي وأحمد وأبي ثور
(4)
.
وقال ابن التين: ذكر بعض أهل العلم أن في الحديث دلالة لقول من قَالَ: إذا شفع وتره بركعة ساهيًا أنه يعيد وتره. وفي "المبسوط" فيمن أوتر ثم ظن أنه لم يصل إلا ركعتين فأوتر بركعة، ثم ظهر له أنه أوتر يعيد إليها أخرى، ثم يستأنف الوتر لظاهر الحديث. ومشهور مذهب مالك أن لا إعادة ويعتد بوتره؛ لأن الوتر يوتر ما قبله وما بعده من النوافل، إلا أن الفضل في تأخيره عن جميع ما يوتره
(5)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 82 (6739) كتاب: الصلوات، باب: من قال: يصلي شفعًا ولا يشفع وتره.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 83 (6731) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يوتر ثم يقوم بعد ذلك.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 84 (6747) كتاب: الصلوات، باب: من قال يصلي شفعًا ولا يشفع وتره.
(4)
انظر: "الاستذكار" 2/ 118، "المجموع" 3/ 521، "المغني" 2/ 598.
(5)
انظر "المنتقى" 1/ 224، "التاج والإكليل" 2/ 379.
5 - باب الوِتْرِ عَلَى الدَّابَّةِ
999 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. فَقَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ لَحِقْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ، فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى وَاللهِ. قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ عَلَى البَعِيرِ. [1000، 1095، 1096، 1098، 1105 - مسلم: 700 - فتح: 2/ 488]
ذكر فيه حديث ابن عمر أنه عليه السلام كَانَ يُوتِرُ عَلَى البَعِيرِ.
وفيه قصة.
وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه أيضًا
(1)
.
وفيه: أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني. قَالَ ابن الحذاء: لا نعرف اسمه. قَالَ: وقد قيل فيه بإسقاط عمر، والصحيح إثباته. قَالَ أبو حاتم: لا بأس به. ووثقه غيره أيضًا، روى له الجماعة سوى أبي داود هذا الحديث الواحد
(2)
.
(1)
رواه مسلم (700) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، وأبو داود (1226) كتاب: الصلاة، باب: التطوع على الراحلة والوتر، والترمذي (472) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الوتر على راحلة، وابن ماجه (1200) كتاب: إقامة الصلاة والسنة منها، باب: ما جاء في الوتر على الراحلة.
(2)
أبو بكر العدوي المدني. قال عنه أبو حاتم: لا بأس به، لا يُسَمَّى، وقال اللالكائي: ثقة. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات". انظر: "التاريخ الكبير" 8/ 13، "الجرح والتعديل" 9/ 337 (1491)، "تهذيب الكمال" 33/ 126 (7251).
وفيه: دلالة على تأكد الوتر، وأن الوتر قبل طلوع الفجر.
و (أسوة) بكسر الهمزة وضمها قراءتان مشهورتان، وهو ما يتأسى به، بمعنى: القدوة.
وفيه: استباحة اليمين بغير ضرورة في تصاريف الكلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن العالم يعلِّم من لم يعلم.
وفيه: الوتر على البعير، وبه قَالَ مالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وأبو ثور، وقد سلف ما في ذلك في باب ما جاء في الوتر. وقد صحَّ عن ابن عمر أنه كان يوتر على بعيره كما ذكره ابن المنذر عنه
(1)
، وهو معنى ما ذكره البخاري عنه
(2)
، وكان يفعل ذلك عليٌّ وابن عباس أيضًا
(3)
، وعن عطاء مثله.
قَالَ الطحاوي: ذكر عنهم -يعني: عن الكوفيين- أن الوتر لا يصلى على الراحلة
(4)
، وهو خلاف السنة الثابتة.
قَالَ ابن التين: والأفضل فعله على الأرض لتأكد أمره واختلاف الناس في وجوبه، هذا هو المشهور من المذهب.
وفي "مختصر ما ليس في المختصر": ويجب أن يوتر المسافر على الأرض ويصلي بقية نافلته على الجمل، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا حضره الوتر أناخ راحلته وصلى، وهذا هو الأفضل؛ وذاك لبيان الجواز.
(1)
"الأوسط" 5/ 201 كتاب: الوتر، باب: ذكر الوتر على الراحلة.
(2)
سيأتي برقم (1095) كتاب: تقصير الصلاة، باب: صلاة التطوع على الدواب وحيثما توجهت به.
(3)
أثر علي وابن عباس رواهما ابن أبي شيبة 2/ 98 كتاب: الصلوات، باب: من رخص في الوتر على الراحلة.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 431.
6 - باب الوِتْرِ فِي السَّفَرِ
1000 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلاَّ الفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ. [انظر: 999 - مسلم: 700 - فتح: 2/ 489]
ذكر فيه حديث ابن عمر: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ، يُومِئُ إِيمَاءً، صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الفَرَائِضَ، وُيوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ.
الوتر سنة مؤكدة في السفر والحضر، والسنة لا يسقطها السفر. وقد روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: الوتر في السفر سنة
(1)
. وهو رد على الضحاك أن المسافر لا وتر عليه
(2)
، وأيضًا فإن ابن عمر ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفل في السفر على راحلته حيث توجهت به، والوتر أولى بذلك؛ لأنه آكد من النافلة.
قَالَ المهلب: وهذا الحديث تفسير لقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] أن المراد به: الصلوات المفروضات، وأن القبلة فرض فيها، وبيَّن أن القبلة في النوافل سنة؛ لصلاته صلى الله عليه وسلم لها في أسفاره على راحلته حيثما توجهت به.
وفيه: النافلة بالليل في السفر، والتنفل على الراحلة حيث توجهت إيماءً. والوتر على الراحلة كما سلف.
وقوله: (إلا الفرائض). يعني: كان يصليها بالأرض، والأظهر عندنا
(1)
"المصنف" لابن أبي شيبة 2/ 96 (6898) باب: في المسافر يكون عليه وتر.
(2)
المصدر السابق.
أنه لا يختص بالسفر الطويل
(1)
.
ونقل ابن التين اعتبار القصر عن الشارع، وعن مالك اعتباره أيضًا
(2)
، وعند أبي حنيفة: ينزل لسنة الفجر لتأكدها، وعنده: لا يجوز مثلها قاعدًا، وعنه رواية: أنها واجبة. ومنعها أبو حنيفة في المصر. وجوَّزها أبو يوسف، وهو رأي الإصطخري، وكرهها محمد
(3)
(4)
.
(1)
انظر: "البيان" 2/ 151 - 152، "روضة الطالبين" 1/ 210.
(2)
انظر: "الذخيرة" 2/ 119 - 120.
(3)
ورد في هامش الأصل ما نصه: ثم بلغ في التاسع بعد الثمانين كتبه مؤلفه غفر الله له.
(4)
انظر: "البناية" 2/ 654، 655.
7 - باب القُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ
(1)
1001 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ سُئِلَ أَنَسٌ أَقَنَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ: أَوَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا. [1002،1003، 1300، 2801، 2814، 3064، 3170، 4088، 4089، 4090، 4092، 4094، 4095، 4096، 6394، 7341 - مسلم: 677 - فتح: 2/ 489]
1002 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ القُنُوتِ. فَقَالَ قَدْ كَانَ القُنُوتُ. قُلْتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قَالَ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ. فَقَالَ: كَذَبَ، إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا -أُرَاهُ- كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ القُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنَ المُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ. انظر: 1001 - مسلم: 677 - فتح: 2/ 489]
1003 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَنَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ. [انظر: 1001 - مسلم: 677 - فتح: 2/ 409]
1004 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ القُنُوتُ فِي المَغْرِبِ وَالفَجْرِ. [فتح: 2/ 490]
ذكر فيه أربعة أحاديث:
أحدها:
حديث أيوب عن محمد -هو ابن سيرين- قَالَ: سُئِلَ أنَسٌ أَقَنَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ: أَوَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا.
(1)
ورد في هامش الأصل ما نصه: آخر 9 من 4 تجزئة المصنف.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
. وقال الدارقطني: تفرد به أيوب ويونس بن عبيد. واختلف عنهما، فذكره واضحًا. وقال الطرقي عن أبي مجلز وأنس بن سيرين: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع. وتابعهما محمد بن سيوين على الاختصار وعلى قوله: بعد الركوع، إلا أنه قَالَ: يسيرًا. فكان: شهرًا، ومعناهما واحد؛ لأنه أراد يسيرًا من الزمان لا يسيرًا من القنوت؛ لأن أدنى القيام يسمى قنوتًا، فاستحال أن يوصف بالحقارة والخطارة. والقنوت في الصبح في غير النازلة سنة دائمًا
(2)
لحديث أنس: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حَتَّى فارق الدنيا. رواه أحمد في "مسنده" -وعنده كل ما فيه حجة- والدارقطني والبيهقي
(3)
والحاكم في "أربعينه". وقال: هذا حديث صحيح، ورواته كلهم ثقات. وصححه غيره من الحفاظ أيضًا
(4)
.
وروى البيهقي عن الخلفاء الأربعة القنوت فيه أيضًا
(5)
، وأعجبني قول القرطبي في "شرح مختصر مسلم": الذي استقر عليه أمر النبي
(1)
مسلم (677/ 297) كتاب: المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة.
(2)
انظر: "الحاوي" 2/ 151، "الوسيط" 1/ 229، "حلية العلماء" 2/ 111، "البيان" 2/ 252، "مختصر خلافيات البيهقي" 2/ 136، "طرح التثريب" 2/ 289.
(3)
"المسند" 3/ 162، والدارقطني 2/ 39، كتاب: الوتر، باب: صفة القنوت وبيان موضعه، والبيهقي في "المعرفة" 3/ 121 - 122 (3956)، كتاب: الصلاة، باب: القنوت في صلاة الصبح.
(4)
قلت: وللألباني رحمه الله في هذا الحديث بحث جيد انظره في "الضعيفة"(12380) حيث أورد الحديث، وصدر الكلام بقوله: منكر.
(5)
"السنن" 2/ 202 كتاب: الصلاة، باب: الدليل على أنه لم يترك أجل القنوت في صلاة الصبح ..
- صلى الله عليه وسلم في القنوت هذا الحديث المخرج عند الدارقطني بإسناد صحيح
(1)
، ووافقنا مالك
(2)
، لكن عنده: يقنت قبل الركوع. أي: ليدرك المتأخر الركعة
(3)
. حكاه ابن المنذر عن عثمان، وأبداه المهلب تفقهًا، وعندنا بعده
(4)
، وقال به أيضًا الحسن وابن أبي ليلى
(5)
، وخالف أبو حنيفة وأحمد فقالا: لا قنوت في الصبح
(6)
.
وروي عن عمر وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبي الدرداء وابن الزبير، وقال قتادة وإبراهيم: لم يقنت أبو بكر ولا عمر حَتَّى مضيا
(7)
. وعن ابن عمر: القنوت في الفجر بدعة
(8)
. وعن طاوس مثله، وبه قال الليث ويحيى الأنصاري ويحيى بن يحيى الأندلسي،
(1)
"المفهم" 2/ 304 - 305.
(2)
وهو عند المالكية مستحب. انظر: "المدونة" 1/ 100، "التفريع" 1/ 226، "المعونة" 1/ 113، "عيون المجالس" 1/ 346، "المنتقى" 1/ 282.
(3)
انظر: "المدونة" 1/ 100، "التفريع" 1/ 266.
(4)
انظر: "حلية العلماء" 2/ 112، "البيان" 2/ 253، "روضة الطالبين" 1/ 253.
(5)
هذا القول فيه نظر؛ لأن محل القنوت عند ابن أبي ليلى قبل الركوع وليس بعده.
(6)
انظر: "الأصل" 1/ 164، "المبسوط" 1/ 165، "التحقيق" 3/ 325، "المغني" 2/ 585.
(7)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 103 (6972) باب: من كان لا يقنت في الفجر.
(8)
رواه البيهقي 2/ 213 (3158) الصلاة، باب: من لم ير القنوت في صلاة الصبح.
وقال البيهقي: بشر بن حرب الندبي ضعيف، وإن صحت روايته عن ابن عمر ففيها دلالة على أنه إنما أنكر القنوت قبل الركوع دوامًا.
ثم روى أثر ابن عباس أن القنوت في صلاة الصبح بدعة. ثم قال: فإنه لا يصح، وأبو ليلى الكوفي متروك، وقد روينا عن ابن عباس أنه قنت في صلاة الصبح. انتهى.
وعلق على ذلك ابن التركماني فقال: قد تقدم أن ذلك رواية واحدة، وأن الذين رووا عنه أنه لم يقنت في الصبح جماعة.
ذكره أبو عمر في "الاستذكار"
(1)
فإن قلت: قد ثبت في الصحيح ثم تركه.
قلت: المراد ترك الدعاء على أولئك الكفار ولعنتهم لا أنه ترك القنوت جمعًا بين الأحاديث
(2)
، أما في النازلة إذا نزلت فيستحب القنوت ففي
(1)
"الاستذكار" 6/ 198 - 203.
(2)
قال الشوكاني رحمه الله: اعلم أنه قد وقع الاتفاق على ترك القنوت في أربع صلوات من غير سبب، وهي: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ولم يبق الخلاف إلا في صلاة الصبح من المكتوبات وفي صلاة الوتر من غيرها. فأما القنوت في صلاة الصبح فاحتج المثبتون له بحجج منها: حديث البراء وأنس الآتيان. ويجاب بأنه لا نزاع في وقوع القنوت منه صلى الله عليه وسلم، إنما النزاع في استمرار مشروعيته، فإن قالوا: لفظ: كان يفعل. يدل على استمرار المشروعية. قلنا: قد قدمنا عن النووي ما حكاه عن جمهور المحققين. أنها لا تدل على ذلك. سلمنا فغايته مجرد الاستمرار، وهو لا ينافي الترك آخرًا كما صرحت بذلك الأدلة الآتية على أن هذين الحديثين فيهما أنه كان يفعل ذلك في الفجر والمغرب، فما هو جوابكم عن المغرب فهو جوابنا في الفجر. وأيضًا في حديث أبي هريرة المتفق عليه أنه كان يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح، فما هو جوابكم عن مدلول لفظ كان ها هنا، فهو جوابنا. قالوا: أخرج الدارقطني وعبد الرزاق وأبو نعيم وأحمد والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على قاتلي أصحابه ببئر معونة ثم ترك. فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا: وأوّل الحديث في الصحيحين، ولو صحّ هذا لكان قاطعًا للنزاع، ولكنه من طريق أبي جعفر الرازي. قال فيه عبد الله بن أحمد: ليس بالقويّ. وقال عليّ بن المديني: إنه يخلط. وقال أبو زرعة: يهم كثيرًا. وقال الدوري: ثقة ولكنه يغلط صدوق سيّئ الحفظ. وقال ابن معين: ثقة ولكنه يخطئ. وقال الدوري: ثقة ولكنه يغلط وحكى السّاجي أنه قال: صدوق ليس بالمتقن، وقد وثقة غير واحد. ولحديثه هذا شاهد، ولكن في إسناده عمرو بن عبيد، وليس بحجة. قال الحافظ: ويعكر على هذا ما رواهُ الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان. قلنا لأنس: إن قومًا يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر، فقال كذبوا إنما قنت شهرًا واحدًا يدعو على حيّ من أحياء المشركين، وقيس وإن كان ضعيفًا لكنه لم يتهم بالكذب. وروى ابن خزيمة في "صحيحه" من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= طريق سعيد عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا إذا دعا لقوم زاد في نسخة:، دعا على قوم. فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت، فلا يقوم لمثل هذا حجة. انتهى.
إذا تقرر لك هذا علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال: إن القنوت مختصٌ بالنوازل، وأنه ينبغي عند نزول النازلة ألَّا تخص به صلاة دون صلاة. وقد ورد ما يدل على هذِه الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في "صحيحه"، وقد تقدم، ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان بلفظ: كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد، وأصله في البخاري كما سيأتي، وستعرف الأدلة الدالة على ترك مطلق القنوت ومقيده، وقد حاول جماعة من حذّاق الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته، وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل. وحاصله ما عرّفناك، وقد طوّل المبحث الحافظ ابن القيم في "الهدي"، وقال ما معناه: الإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه صلى الله عليه وسلم قنت وترك، وكان تركه للقنوت أكثر من فعله، فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء للقوم وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم وخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاءوا تائبين، وكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت. وقال في غضون ذلك المبحث: إن أحاديث أنس كلّها صحاح يصدّق بعضها بعضًا ولا تتناقض، وحمل قول أنس: ما زال يقنتُ حتى فارق الدنيا. على إطالة القيام بعد الركوع.
قال: وأجاب عن تخصيصه بالفجر بأنه وقع بحسب سؤال السائل، فإنه إنما سأل أنسًا عن قنوت الفجر فأجابه عما سأله عنه، وبأنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات، قال: ومعلوم أنه كان يدعو ربه، ويثني عليه، ويمجّده في هذا الاعتدال، وهذا قنوت منه بلا ريب فنحن لا نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، ولما صارت القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء المعروف:"اللهمّ اهدني فيمن هديت"
…
إلخ وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم، ونشأ من لا يعرف غير ذلك، فلم يشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا مداومين على هذا كل =
جميع الصلوات وفاقًا للثوري، وأحمد
(1)
، ووقع في شرح شيخنا قطب الدين ما نصه: اختلف العلماء في القنوت، فعن أبي حنيفة أنه واجب
(2)
.
وفي "المبسوط" أنه سنة، قال: وهو مذهب الشافعي وجماعة
(3)
، وعبارة ابن التين: القنوت مستحب وليس بسنة، ومن نسيه لم يسجد للسهو. وقال سحنون: هو سنة، ويسجد للسهو قياسًا. وقاله الحسن وغيره.
وقال علي بن زياد: من تركه متعمدًا فسدت صلاته. وكذا عبارة ابن رشد: القنوت في الصبح عن مالك مستحب. وعند الشافعي: سنة. قَالَ: وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز فيه، وأن القنوت إنما موضعه الوتر. قَالَ: وقال قوم: لا قنوت إلا في رمضان. وقال قوم: في النصف الآخر منه. وقال قوم: في النصف الأول
(4)
.
= غداة، وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهور العلماء، وقالوا: لم يكن هذا من فعله الراتب، بل ولا يثبت عنه أنه فعله. وغاية ما روي عنه في هذا القنوت أنه علمه الحسن بن عليّ إلى آخر كلامه، وهو على فرض صلاحية حديث أنس للاحتجاج وعدم اختلافه واضطرابه محمل حسن. واعلم أنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب القنوت مطلقًا؛ كما صرّح بذلك صاحب "البحر" وغيره. "نيل الأوطار" 2/ 156 - 158.
(1)
انظر: "الحاوي" 2/ 152، "المهذب" 1/ 274، "التهذيب" 2/ 148، "الفروع" 1/ 543، "الأخبار العلمية" ص 97، "المبدع" 2/ 13.
(2)
هذا عند أبي حنيفة، وعندهما سنة.
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 273، "البحر الرائق" 2/ 71.
(3)
"المبسوط" 1/ 220، وانظر:"المنتقى" 1/ 282، "اختلاف الحديث" ص 172.
(4)
انظر: "بداية المجتهد" 1/ 254، "المجموع" 3/ 520، "المغني" 2/ 585 - 586.
وممن حكي عنه القنوت قبل الركوع عمر وعلي وابن مسعود وأبو موسى الأشعري والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة السلماني وحميد الطويل وابن أبي ليلى، حكاه ابن المنذر عنهم
(1)
، وبه قَالَ مالك -كما سلف- وإسحاق وابن المبارك. وحكى ابن المنذر عن الخلفاء الأربعة أنه بعد الركوع
(2)
، وقد سلف أيضًا عن البيهقي وعن أنس، وحكى ابن المنذر التخيير قبل الركوع وبعده عن أنس وأيوب السختياني وأحمد
(3)
، وادَّعى الطحاوي أنه لم يقل بالقنوت في الصبح في غير النازلة أحدٌ قبل الشافعي معللًا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يزل محاربًا للمشركين، ولم يقنت في الصلوات
(4)
، وهذا غلط منه كما قاله أبو حامد: بل قنت عليٌّ في المغرب بصفين.
وفي "المدونة": القنوت في الصبح قبل الركوع وبعده واسع، والذي يستحب مالك في خاصة نفسه قبل الركوع، وهو حسن عنده
(5)
. وذكر الطبري حجة الكوفيين، وهي حديث سعد بن طارق الأشجعي، أنا مالك الأشجعي قَالَ: قلتُ لأبي: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي أكلهم يقنتون؟ قَالَ: لا يا بني محدث. ثم قَالَ: والصواب الأول فإنه صح وداوم عليه في الصبح إلى أن فارق الدنيا، ثم ساق حديث أنس السالف
(6)
.
(1)
"الأوسط" 5/ 208.
(2)
"الأوسط" 5/ 209.
(3)
"الأوسط" 5/ 209 - 210.
(4)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 215.
(5)
"المدونة" 1/ 100.
(6)
"تهذيب الآثار" 1/ 384 - 385 مسند ابن عباس رضي الله عنه.
وأما حديث. مالك فهو محمول على بيان الجواز وأنه لا حرج في تركه.
الحديث الثاني:
حديث عاصم -وهو ابن سليمان الأحول القاضي- قَالَ: سألت أنس بن مالك عن القنوت، فقال: قد كان القنوت.
قلت: قبل الركوع أو بعده؟ قال؟ قبله .. الحديث.
هذا الحديث أخرجه هنا وفي المغازي
(1)
والجنائز
(2)
والجزية
(3)
والدعوات
(4)
، وأخرجه مسلم هنا
(5)
، وذكر الإسماعيلي أن محمد بن فضيل يرويه عن عاصم بعد الركوع، وغيره يقول عن عاصم: قبله.
قَالَ الأثرم: ثنا أحمد. وقيل له في حديث عاصم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع: هل قَالَ أحد غيره؟ قَالَ: لا، قتادة عن أنس، والتيمي عن أبي مجلز عن أنس، وأيوب عن محمد، سألت أنسًا وحنظلة السدوسي، أربعتهم كلهم. يعني رووه بعد الركوع.
وقول أنس للسائل: (كذب) في نسبته إليه القنوت بعد الركوع. يريد أنه كذب إن كان قَالَ عنه: إن القنوت أبدًا بعد الركوع. قَالَ: فقد بيَّن الثوري هذا المعنى في سياقته لهذا الحديث، فروى عن عاصم عن أنس: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرًا. قلتُ: فكيف كان
(1)
سيأتي برقم (4069) باب: غزوة الوجيع ورعل وذكوان.
(2)
سيأتي برقم (1300) باب: من جلس عند المصببة يعرف فيه الحزن.
(3)
سيأتي برقم (3170) باب: دعاء الإمام علي من نكث عهدًا.
(4)
سيأتي برقم (6394) باب: الدعاء على المشركين.
(5)
مسلم (677) كتاب: المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة.
القنوت؟ قَالَ: قبل الركوع
(1)
.
وقال ابن التين: قوله: (كذب). يعني: أوهم عليه، لا أنه تعمده، وهذا ينزه عنه من دون الصحابة، فكيف بهم؟ والكذب يباح للإصلاح، بل يجب فيما إذا التجأ إليه من يقتل ظلمًا.
وقوله: (كان بعث قومًا يقال لهم: القراء) سبب هذا القنوت أن أبا براء المعروف بملاعب الأسنة الكلاعي قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام، فقال: يا محمد، لو بعثت معي رجالًا من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك، فقال صلى الله عليه وسلم:"أخشى عليهم أهل نجد" قَالَ: أنا لهم جار. وكان شباب من الأنصار يسمون القراء يصلون بالليل، حَتَّى إذا تقارب الصبح احتطبوا الحطب واستعذبوا الماء فوضعوه على أبواب حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثهم جميعًا، وكانوا سبعين. وقيل: أربعين. والأول هو الصحيح، وأمَّر عليهم المنذر بن عَمْرو أخا بني ساعدة المعروف بالمعتق ليموت -أي: يقدم على الموت- فساروا حَتَّى نزلوا بئر معونة -بالنون- وذلك في صفر على ستة وثلاثين شهرًا من مهاجره، فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه حَتَّى عدا على الرجل فقتله، ثم اجتمع عليه قبائل من سليم عصيَّة وذكوان ورعل، فنفروا ما حوله بالقوم في مرحالهم
(2)
، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ثم قاتلوهم حَتَّى قتلوا عن آخرهم، إلا كعب بن زيد، فإنهم تركوه وبه رمق، فعاش حَتَّى قتل
(1)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 243 كتاب: الصلاة، باب: القنوت في صلاة الفجر وغيرها.
(2)
هكذا في الأصل، وفي "البداية والنهاية": فأحاطوا بهم في رحالهم 4/ 453.
يوم الخندق شهيدًا، وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري، والمنذر ابن محمد بن أحيحة بن الجلاح، فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير يحوم على العسكر، فأقبلا وقاتل المنذر، وقال: ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل حَتَّى قتل. وأخذ عمرو بن أمية أسيرًا، فلما أخبرهم أنه من مضر أخذه عامر بن الطفيل فجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه، وبلغ أبا براء ذلك فشق عليه ذلك، فحمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه، ووقع عن فرسه
(1)
.
وقوله: (زُهاء سبعين). بضم الزاي، وهو بمعنى القدر. قَالَ صاحب "العين": الزهاء: القدر في العدد
(2)
.
الحديث الثالث:
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا زَائِدَةُ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَنَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وعصيَّة.
هذا الحديث أخرجه في المغازي عن محمد -هو ابن مقاتل- عن ابن المبارك
(3)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(4)
.
وشيخ البخاري: أحمد بن يونس هو أبو عبد الله أحمد بن عبد الله ابن يونس الكوفي، مات سنة سبع وعشرين ومائتين عن أربع وتسعين
(1)
انظر: "البداية والنهاية" 4/ 453.
(2)
"العين" 4/ 74.
(3)
سيأتي برقم (4094) كتاب: المغازي، باب: غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة.
(4)
مسلم (677) كتاب: المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة.
سنة، وروى عنه مسلم أيضًا، وروى البخاري عن يوسف بن موسى بن راشد عنه
(1)
.
وزائدة بن قدامة أبو الصلت الثقفي، مات سنة ستين أو إحدى وستين ومائة
(2)
.
والتيمي هو سليمان بن طرخان أبو المعتمر. وأبو مجلز اسمه: لاحق بن حميد السدوسي البصري الأسود الأعور، مات سنة تسع ومائة، وقيل في خلافة عمر بن عبد العزيز
(3)
(4)
.
ورعل، بكسر الراء المهملة ثم عين مهملة ساكنة ثم لام، قَالَ ابن التين: ضبط بفتح الراء، والمعروف أنه بكسرها، وهو في ضبط أهل اللغة بالفتح، وهما قبيلتان من سليم -أعني: رعلًا وذكوان- قال: وقد روينا: رِعلًا بكسر الراء.
(1)
التميمي اليربوعي، أبو عبد الكوفي، يقال: إنه مولى الفضيل بن عياض وثقه أبو حاتم، والنسائي. انظر:"التاريخ الكبير" 2/ 5 (1502)، "الجرح والتعديل" 2/ 57 (79)، "ثقات ابن حبان" 8/ 9، "تهذيب الكمال" 1/ 375 (64)، "إكمال التهذيب" 1/ 69 (67)، "تهذيب التهذيب" 1/ 32.
(2)
هو أبو الصلت الكوفي: قال ابن سعد عنه: كان زائدة ثقة مأمونا صاحب سنة وجماعة، وقال سفيان الثوري عنه: إن أردت التفسير فعنده، وقال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم، وقال العجلي: لا يحدث أحدًا حتى يسأل عنه.
"طبقات ابن سعد" 6/ 378، و"التاريخ الكبير" 3/ 432 (1441)، و"الجرح والتعديل" 3/ 613 (2777)، و"ثقات ابن حبان" 6/ 339، "تهذيب الكمال" 9/ 273 (1950)، "إكمال التهذيب" مغلطاي 5/ 28 (1631).
(3)
ورد في هامش الأصل: اقتصر في الكاشف على القول الثاني في وفاة زائدة .... في وفاة أبي مجلز
…
(4)
"تهذيب الكمال" 31/ 176 (6772).
الحديث الرابع:
حديث أبي قلابة عن أنس قَالَ: كَانَ القُنُوتُ فِي المَغْرِبِ وَالفَجْرِ.
وخالد الراوي عن أبي قلابة هو الحذاء. وإسماعيل هو ابن عُلية.
ورواه وهيب بلفظ: كنا نقنت في المغرب والفجر. قَالَ المهلب: ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم[أنه]
(1)
تمادى على القنوت في المغرب بل تركه تركًا لا يكاد يثبت معه أنه لو قنت فيها لترك الناس نقله، إلا أنه روي عن الصديق أنه كان يدعو في الثالثة من المغرب بعد قراءة أم القرآن:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] واستحبه الشافعي أي عند النازلة. وقال مالك: ليس العمل عندنا على هذا، وإنما جاء أن الناس كانوا يلعنون الكفرة في رمضان في الوتر.
وقال في "المدونة": ليس العمل على القنوت بلعن الكفرة في رمضان
(2)
.
وقال ابن نافع عنه: كانوا يلعنون الكفرة في النصف من رمضان حَتَّى ينسلخ، وأرى ذلك واسعًا، إن شاء فعل، وإن شاء ترك
(3)
.
(1)
ساقطة من الأصول، والمثبت كما في "شرح ابن بطال".
(2)
"المدونة" 1/ 195.
(3)
انظر: "الاستذكار" 2/ 74.
15
الاستسقاء
15 - الاستسقاء
1 - باب الاِسْتِسْقَاءِ وَخُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الاِسْتِسْقَاءِ
1005 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ. [1001، 1012،1023، 1024، 1025، 1026، 1027، 1028، 6343 - مسلم: 894 - فتح: 2/ 492]
الاستِسْقاء: طلب السقيا. يُقال: سقاه الله وأسقاه بمعنى. وقيل: سقاه: ناوله؛ ليشرب، وأسقاه: جعل له سقيا. وقيل سقيته من سقي الشنة، وأسقيته: دللته على الماء.
ثم هي أنواع أدناها الدعاء بلا صلاة، ولا خلف صلاة، وأوسطها الدعاء خلف الصلاة، وأفضلها الاستسقاء بركعتين وخطبتين، وكلها صحيحة كما ستقف عليه.
ذكر في الباب حديث عباد بن تميم، عَنْ عَمَّهِ -وهو عبد الله بن زيد ابن عاصم- قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ.
هذا الحديث ثابت في بعض النسخ هنا، وفي بعضها في باب تحويل
الرداء في الاستسقاء، وسيأتي في مواضع أخر في الباب، ويأتي في الدعوات أيضًا
(1)
.
وأخرجه مسلم أيضًا من طرق، والأربعة
(2)
.
أما حكم المسألة فالإجماع قائم على جواز الخروج إلى الاستسقاء، والبروز إليه في المصلى عند إمساك الغيث عنهم. ومن جملة تراجم البخاري عليه: الاستسقاء في المصلى، وزاد فيه: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي
(3)
.
واختلف العلماء في الخروج إليها للصلاة. فقال أبو حنيفة: يبرز المسلمون للدعاء والتضرع إلى الله فيما نزل بهم، وإن خطب مُذكِّرُ لهم ومخوف فحسن، ولم تعرف الصلاة في الاستسقاء
(4)
. وحكاه ابن بزيزة عن النخعي أيضًا. وحكى الراوي عن أبي حنيفة التخيير بين الفعل والترك، وعنه: تصلى فرادى لا جماعة
(5)
، واحتج بهذا الحديث الذي لا ذكر للصلاة فيه. وروى مغيرة عن إبراهيم أنه خرج مرة للاستسقاء، فلما فرغوا قاموا يصلون، فرجع إبراهيم ولم يصل
(6)
. وخالفه صاحباه، وسائر الفقهاء فقالوا: صلاة الاستسقاء
(1)
برقم (6343) كتاب: الدعوات، باب: الدعاء مستقبل القبلة.
(2)
"صحيح مسلم"(894) كتاب: صلاة الاستسقاء. رواه أبو داود (1207)، والترمذي (556)، والنسائي 3/ 155، وابن ماجه (1267)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(3)
يأتي برقم (1027).
(4)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 282، "منية المصلي" ص 263.
(5)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 282.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 223 (8344 - 8345) كتاب: الصلوات، باب: من قال: لا يصلى في الاستسقاء.
سنة، ركعتان لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. ويحمل على أنه فعل أحد الجائزات أو أُنسي الراوي، أو كان ذلك في دعاء عجلت إجابته، فاكتفي به عما سواه، ولم يقصد بذلك بيان سنته. ولما قصد البيان بينه كما في حديث عبد الله بن زيد.
وسيأتي الكلام على تحويل الرداء في بابه فهو أليق به.
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 380 - 384، "الهداية" 1/ 95، "الاختيار" 1/ 97، "المدونة" 1/ 153، "التفريع" 1/ 239، "عقد الجواهر" 1/ 179، "المهذب" 1/ 407، "حلية العلماء" 2/ 273، "روضة الطالبين" 2/ 92، "المحرر" 1/ 179، "الفروع" 2/ 160.
2 - باب دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ
"
1006 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَقُولُ:"اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الوَلِيدَ بْنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ". وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ". قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ: هَذَا كُلُّهُ فِي الصُّبْحِ. [انظر: 804 - مسلم: 675، 2515 - فتح: 2/ 492]
1007 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ: "اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ". فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الجُلُودَ وَالمَيْتَةَ وَالجِيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ قَالَ اللهُ تَعَالَى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} إِلَى قَوْلِهِ: {عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 10 - 16] فَالبَطْشَةُ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ. [1020، 4693، 4767، 4774، 4809، 4820، 4821، 4822، 4823، 4824، 4825 - مسلم: 2798 - فتح: 2/ 492]
ذكر فيه رحمه الله حديثًا معلقًا، وهو:"اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" وهذا يأتي بعدُ مسندًا.
وذكر بعده حديثين:
أحدهما:
حديث أبي الضحى -مسلم بن صبيح- عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ: "اللَّهُمَّ
…
" الحديث
ويأتي قريبًا في باب استشفاع المشركين بالمسلمين، وفي مواضع من التفسير في سورة يوسف والروم والدخان
(1)
. وأخرجه مسلم في التوبة والترمذي والنسائي في التفسير
(2)
.
والكلام عليه من أوجه:
أحدها:
قوله: (كنا عند عبد الله) هو ابن مسعود، وجاء عنه: كنا جلوسًا عنده، وهو مضطجع بيننا فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن قاصًا عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، وتأخذ المؤمن كهيئة الزكام فقال عبد الله -وجلس وهو غضبان-: يا أيها الناس، اتقوا الله. من علم منكم شيئًا، فليقل بما يعلم، ومن لا يعلم، فليقل: الله أعلم. فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما يعلم: الله أعلم، فإن الله قَالَ لنبيه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ
(1)
سيأتي برقم (1020) كتاب: الاستسقاء، باب: إذا استشفع المشركون و (4693) كتاب: التفسير، باب:{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} . و (4774) باب: سورة الروم. و (4822) باب: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)} .
(2)
"صحيح مسلم"(2798) كتاب: صفة الجنة والنار، باب: الدخان. و"سنن الترمذي"(3254) باب: ومن سورة الدخان. والنسائي في "الكبرى" 6/ 455 (11481) كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا} ، وقال الترمذي: حسن صحيح.
أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ (86)} [ص: 86] والمراد بالناس هنا: كفار قريش، كما قاله ابن التين. وجاء في رواية: لما دعا قريشًا كذبوه، واستعصوا عليه، فقال:"اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف"
(1)
.
الثاني:
قوله: "اللهم سبعا كسبع يوسف" هذا إشارة إلى قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ} [يوسف:48]، وقوله:{تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} [يو سف: 47]
وفيه: جواز الدعاء على الكفار بالجوع والجهد وغيرهما. وإنما دعا عليهم بالسبع إرادة بالإضعاف بالجوع عن طغيانهم؛ فإن نفس الجائع أخشع لله، وأقرب إلى الانقياد والتذلل، نبه عليه المهلب، وأجاب الله دعاء نبيه، فأخذتهم سنة حصَّت كل شيء، حَتَّى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وأعلمه أنهم سيعودون بعد أن يرغبوا في رد العذاب عنهم.
وفيه: الدعاء على الظلمة بالهلاك.
والسَّنة -بفتح السين-: القحط والجدب قَالَ تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} [الأعراف: 130] و"حصَّت" -بالحاء والصاد المهملتين- أي: استأصلت وأذهبت النبات، فانكشفت الأرض، والأحَصُّ: القليل الشعر، وحصَّ رحمه: قطعها.
ثالثها:
قوله: (فَيَنْظُر أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَنظر الدُّخانَ مِنَ الجُوعِ). قد فسر ابن مسعود -فيما ذكره ابن الجوزي- الدخان في هذا الحديث بأنه كان
(1)
سيأتي برقم (4823).
من شدة جوع أهل مكة كأن أحدهم يرى ما بينه وبين السماء، كهيئة الدخان، وأنه يمور فأنكر أن يكون دخان يجيء قبل يوم القيامة، وقال: أفيكشف عذاب الآخرة، يشير إلى قوله تعالى:{إِنَّا كَاشِفُو العَذَابِ قَلِيلًا} [الدخان: 15]
(1)
وقد ذهب إلى ما أنكره ابن مسعود جماعة، وقالوا: إنه دخان يأتي قبل قيام الساعة، وهو مروي عن علي، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، والحسن
(2)
، وعن حذيفة بن أَسِيد مرفوعًا:"إن من اشراط الساعة دخانًا يمكث في الأرض أربعين يومًا"
(3)
ويؤيد هذا القول قوله تعالى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)} [الدخان: 12] وقوله: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} .
رابعها:
قوج: فأتاه أبو سفيان: هو صخر بن حرب والد معاوية، وكان إذ ذاك كافرا؛ لأن هذه القضية كانت قبل الهجرة إلى المدينة.
وقوله: (وإن قومك). أي: قريش قد هلكوا أي: من القحط والجدب وقوله: فذلك {يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى} [الدخان: 16] يعني: يوم بدر، وقال جماعة إنها يوم القيامة. وفي رواية أسباط عن منصور، فدعا صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث فأطبقت عليهم سبعًا
(4)
.
(1)
"زاد المسير" 7/ 340.
(2)
انظر: "تفسير الطبري" 11/ 227 - 228 (31056 - 31062).
(3)
رواه مسلم (2901) كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: في الآيات التي تكون قبل الساعة. والترمذي (2183) كتاب: الفتن، باب: ما جاء في الخسف. وابن ماجه (4041) كتاب: الفتن، باب: أشراط الساعة، والطبري في "تفسيره" 3/ 172.
(4)
سيأتي برقم (1020) كتاب: الاستسقاء، باب: إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط.
وفيه من الفوائد:
إجازة استشفاع المشركين بالمسلمين، والإجابة إذا رجي رجوعهم إلى الحق، وقد ترجم عليه البخاري بذلك كما ستعلمه قريبًا. وكانت هذه القصة والشعبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة كما سلف آنفًا.
وفيه: أن الإمام إذا طمع بدار من دور الحرب أن يسلم أهلها أن يرفق بهم ويأخذ عفوهم، ويدعو لهم بالصلاح، ويكف عن ثمارهم وزرعهم، وإن أيس من إنابتهم فلا يدعو لهم بل عليهم، ولا بأس حينئذٍ بقطع ثمارهم وزرعهم.
وقال المهلب: الدعاء على المشركين يختلف معناه، فإذا كانوا منتهكين لحرم الدين وحرم أهله، فالدعاء عليهم واجب وعلى كل من سار بسيرهم من أهل المعاصي في الانتهاك، فإن لم ينتهكوا حرم الدين وأهله، وجب أن يُدعى لهم بالتوبة، كما قَالَ صلى الله عليه وسلم حين سُئل أن يدعو على دوس:"اللهم اهد دوسًا وأتِ بهم"
(1)
وقيل: إنما يجب الدعاء على أهل المعاصي في حين انتهاكهم وأما عند إدبارهم وتركهم، فيجب أن يُدعى لهم بالتوبة. ورُوي أن الصديق وزوجته كانا يدعوان على ابنهما عبد الرحمن بالهلاك يوم بدر إذا حمل على المسلمين، وإذا أدبر يدعوان له بالتوبة.
وفيه أيضًا: إقرار الكفار بفضل نبينا، وقربه من ربه، والتشفع به، وأن ذلك عادة من الله علموها، ولولاها ما لجأوا إليه في كشف الضر عند إشرافهم على الهلاك، وذلك أدل دليل على معرفتهم بصدقه، ولكن الحسد والأنفة الجاهلية حملتهم على معاندته ومعاداته
(1)
سيأتي برقم (6397) كتاب: الدعوات، باب الدعاء للمشركين.
ومخالفته، لما سبق في أم الكتاب من كفرهم، أعاذنا الله تعالى من العناد وغيره.
خامسها:
قوله: (وقد مضت البطشة يوم بدر). هذا على قول ابن مسعود وقد مضت، وعلى قول الجماعة السالفة تكون يوم القيامة.
وقوله: (وقد مضت الدخان) هو مجاز على قول ابن مسعود، واللزام: هو ما أصابهم من القتل يوم بدر، ذكره ابن أبي حاتم، عن ابن مسعود، وأُبي ومحمد بن كعب ومجاهد وقتادة والضحاك
(1)
.
قَالَ القرطبي: وعلى هذا فالبطشة واللزام واحد، وإليه نحا ابن مسعود
(2)
، وهو قول أكثر الناس. وعن الحسن: إن اللزام يوم القيامة، وعنه يكون موتًا، وعنه: يكون بذنبكم عذابًا لازمًا لكم
(3)
.
وفي رواية البرقاني قوله: فسوف يكون لزامًا يوم بدر
(4)
.
وقال ابن العربي: قَالَ أبو عيسى: اللزام: يوم بدر، والذي عندي أن المراد به الانتقام منهم بظهوره عليهم حَتَّى يؤمنوا أو يهلكوا.
قَالَ: وقال البخاري في حديث مسروق، عن عبد الله: أن البطشة الكبرى يوم بدر وهو الصحيح أقوى من كلام أبي عيسى عن نفسه
(5)
.
(1)
"تفسير ابن أبي حاتم" 8/ 2746 (15512).
(2)
رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 168، 169 (2803). وانظر:"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 13/ 86.
(3)
"تفسير ابن أبي حاتم" 8/ 2746 (15513).
(4)
رواه مسلم (2798) كتاب: صفة الجنة والنار، باب: الدخان.
(5)
"عارضة الأحوذي" 12/ 135 - 136.
وفي "الصحيح" عن مسروق، عن عبد الله قَالَ: خمسٌ قد مضين: الدخان، واللزام، والروم، والبطشة، والقمر
(1)
. وقوله: (وآية الروم) تأتي في سورة الروم إن شاء الله وحاصلها أن المسلمين حين اقتتلت فارس والروم كانوا يحبون ظهور الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، وكان كفار قريش يحبون ظهور فارس؛ لأنهم مجوس، وكفار قريش عبدة أوثان، فتخاطر
(2)
أبو بكر وأبو جهل في ذلك أي: أخرجا سبقًا وجعلوا بينهم مدة بضع سنين.
فقال صلى الله عليه وسلم للصديق: "إن البضع قد يكون إلى تسع- أو قَالَ: إلى سبع فزد في المدة -أو- في الخطار" ففعل، فغلبت الروم
(3)
فقال تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} يعني: المدة الأولى قبل الخطار ثم قَالَ: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) في بِضْعِ سِنِينَ} إلى قوله: {يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللهِ} [الروم: 4 - 5] يعني: بغلبة الرومِ
(1)
سيأتي برقم (4767) كتاب: التفسير، باب:{فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} . ورواه مسلم (2798) كتاب: صفة الجنة والنار، باب: الدخان.
(2)
الخَطَرُ: السبق الذي يتراهن عليه. "العين" 4/ 213.
(3)
رواه "الترمذي"(3193) كتاب: تفسير القرآن، باب: من سورة الروم، والنسائي في "الكبرى" 6/ 426 (11389) كتاب: التفسير، باب: سورة الروم، والبخاري في:"خلق أفعال العباد" 38 (115). وأحمد في 1/ 276، 1/ 304. والطبري في "التفسير" 10/ 163 (27865)، (27866) وابن أبي حاتم في "التفسير" 9/ 3086 (17457) والحاكم. 2/ 410 باب: تفسير سورة الروم، والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 330 - 331 جماع أبواب المبعث، باب: ما جاء في آية الروم وما ظهر فيها من الآيات كلهم عن ابن عباس.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
فارسَ وربما أخذوا من الخطار، ويفرحون بالآية العظيمة التي لا يعلمها إلا الله سبحانه خبَّرهم بما سيكون. قَالَ الشعبي: كان القمار في ذلك الوقت حلالًا.
الحديث الثاني:
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الأخِيرَةِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ .. " الحديث.
وأخرجه أيضًا في التفسير في مواضع، وفي الجهاد والأدب والإكراه
(1)
، وأخرجه مسلم والنسائي أيضًا
(2)
.
إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
كان إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة. صريح في الدعاء بعد ذلك. وكذا جاء مصرحًا به في رواية: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"
(1)
سبق برقم (804) كتاب: الأذان، باب: يهوي بالتكبير حين يسجد. وسيأتي في (2932) كتاب: الجهاد والسير، باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة.
و (3386) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} .
و (4560) كتاب: التفسير، باب:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ} .
و (4598) باب: قوله: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} .
و (6200) كتاب: الأدب، باب: تسمية الوليد.
و (6393) كتاب: الدعوات، باب الدعاء على المشركين.
و (6940) كتاب: الإكراه.
(2)
"صحيح مسلم"(675) كتاب: المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، و"سنن النسائي" 2/ 201 - 202 كتاب: الافتتاح، باب: القنوت في صلاة الصبح.
وهو قائم
(1)
وفي أخرى: من الركعة الثانية
(2)
، وهو قال على أنه كان في صلاة الصبح، ولهذا قَالَ أبو الزناد في آخره: وهذا كله في الصبح. نعم جاء في أخرى أن ذلك كان في العشاء، وفي أخرى الظهر والعشاء
(3)
.
ثانيها:
عيَّاش بالمثناة تحت وبالشين المعجمة، واسم أبي ربيعة عمرو بن المغيرة أخو أبي جهل لأمه وابن عمه، وكان إسلامه قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة، وهاجر إلى المدينة مع عمر، فقدم عليه أبو جهل والحارث ابنا هشام، فذكر له أن أمه حلفت أن لا تدخل رأسها دهن، ولا تستظل، حَتَّى تراه، فرجع معهما، فأوثقاه وحبساه بمكة، وقُتل يوم اليرموك، وقيل: مات بمكة
(4)
.
وسلمة بن هشام هو ابن المغيرة (بن عم)
(5)
خالد بن الوليد، أخو أبي جهل، أسلم قديمًا بمكة، وهاجر إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة، فأخذه أخوه أبو جهل فحبسه وضربه، ثم هاجر إلى المدينة بعد الخندق،
(1)
سبق برقم (804) كتاب: الأذان، باب: يهوي بالتكبير حين يسجد.
(2)
رواه النسائي 2/ 201 كتاب: الافتتاح، باب: القنوت في صلاة الصبح. وابن حبان 5/ 321 (1983) كتاب: الصلاة، فصل في القنوت. والبيهقي 2/ 197 (3086) كتاب: الصلاة، باب: القنوت في الصلوات عند نزول النازلة.
(3)
سبق برقم (797) كتاب: الأذان، باب: فضل اللهم ربنا ولك الحمد.
(4)
انظر: "معجم الصحابة" 2/ 306 (846)، و"أسد الغابة" 4/ 220 (4139)، و"الإصابة" 3/ 47 (6123).
(5)
في الأصل: بن عمر بن، وهو خطأ، والمثبت هو الصواب كما في مصادر الترجمة.
ولم يزل بها حَتَّى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل بمرج الصفر
(1)
في ربيع الأول سنة أربع عشرة، وقيل: بأجنادين
(2)
.
والوليد هو أخو خالد بن الوليد، أُسر يوم بدر كافرًا، فافتدى أسره أخواه خالد وهشام بأربعة آلاف درهم، ولما افتدي خرجا به، فلما بلغا ذا الحليفة أفلت، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، فقيل: هلا أسلمت قبل أن تُفتدى؟ قَالَ: كرهت أن يُقال: جزعت من الأسر، فأخذ وخرجا به إلى مكة وحبس ثم أفلت ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد عمرة القضية، وقيل: لم يشهدها، وقيل: بل لما أفلت بمكة مشى على رجله، ومات عند بئر أبي عنبة
(3)
.
ثالثها:
معنى "اشدد وطأتك" أي: اشدد بأسك وعقوبتك، وهو ما أصابهم من الجوع والشدة وأصله: وطأ الرجل، وقوله:"على مضر" هم: أهل مكة وما والاها، وقوله:"كسني يوسف" يعني: لا تنبت شيئًا، وقوله:"كسني" هذا على من جمع بالياء والنون. ومن قَالَ: سنون، ورفع النون فقيل وزنه فَعِيل، مثل مَكِيث وعَبِيد، وكسرت السين لكسرة ما بعدها.
قَالَ الأخفش: هو فِعْلين مثل غِسْلين، وهو جمع شاذ
(4)
.
(1)
انظر: "معجم الصحابة" للبغوي 5/ 101.
(2)
انظر: "معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 282 (335)، و"أسد الغابة" 2/ 435 (2189)، و"الاستيعاب" 2/ 403 (1037).
(3)
انظر: "معجم الصحابة" لابن قانع 3/ 188 - 189 (1167)، و"الاستيعاب" 4/ 118 - 119 (2753)، و"أسد الغابة" 5/ 454 - 455 (5472)، و"الإصابة" 3/ 639 - 640 (9151).
(4)
انظر: "لسان العرب" 4/ 2127 مادة: سنه.
وفيه: الدعاء على الظالم بالهلاك، وقد سلف. وللمستضعفين من المؤمنين الذين سَمّى الرسول وأجمل في دعائه، ولأسرى المؤمنين بالنجاة من أيدي العدو، وجواز الدعاء في الفرض بما ليس من القرآن، وخالف في هذا الكوفيون
(1)
. وقوله في غفار وأسلم، قَالَ ذلك تفاؤلًا لهما من أسمائهما فألًا حسنًا، وكان يحبه.
وقال الخطابي: خص غفارًا -والله أعلم- بالمغفرة لمبادرتهم إلى الإسلام، وحسن بلائهم فيه، ودعا لأسلم؛ لأن إسلامهم كان سلمًا من غير (خوف)
(2)
، ويقال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من أسلم أربعمائة، ومن غفار مثلها، وفي ذلك كله الدعاء بالمغفرة للمؤمنين
(3)
.
(1)
مذهب المالكية والشافعية أن المصلي يدعو في صلاته بما شاء سواء كان بما يوجد في القرآن أم لا.
وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يدعو إلا بما نُقل في الأثر.
انظر: "الهداية" 1/ 56، "عيون المجالس" 1/ 319 - 320، "روضة الطالبين" 1/ 265، "الإفصاح" 1/ 324.
(2)
كذا بالأصل، والسياق يقتضي: حرب.
(3)
"غريب الحديث" 1/ 183.
3 - باب سُؤَالِ النَّاسِ الإِمَامَ الاِسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا
1008 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ:
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ
…
ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
[انظر: 1009 - فتح: 2/ 494]
1009 -
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ: رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ:
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ
…
ثِمَالَ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
وَهْوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ. [انظر: 1008 - فتح: 2/ 494]
1010 -
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللهِ بْنُ المُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ فَيُسْقَوْنَ. [3710 - فتح: 2/ 494]
ذكر فيه حديث عبد الله بن دينار قال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ:
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ
…
ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأرَامِلِ
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: ثَنَا سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ: رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ: وَأَبْيَضَ .. البيت.
وَهوَ قَؤلُ أَبِي طَالِبٍ.
وفي الأول أبو قتيبة، وهو: مسلم بن قتيبة الخراساني البصري،
مات بعد المئتين
(1)
، وأبو طالب حضر استسقاء عبد المطلب والنبي صلى الله عليه وسلم معه، كما ذكره الخطابي
(2)
والسهيلي
(3)
والتعليق المذكور أسنده ابن ماجه، عن أحمد بن الأزهر، عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن أبي عقيل عبد الله بن عقيل، عن عمر بن حمزة
(4)
، وفي لفظ: على المنبر يستسقي
(5)
.
ثم ساق البخاري عن أنس: إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
…
الحديث.
وهو من أفراد البخاري عن الستة، وطوله الإسماعيلي، وجاء أنه استسقى به عام الرمادة، واعترض الإسماعيلي فقال: ما رواه خارج عن الترجمة إذ ليس فيه السؤال، تمحله ابن المنير فقال: فاعل يستسقي الناسُ، وهو محذوف
(6)
، وكذا قول عمر:(اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك محمد)، دل أنهم كانوا يتوسلون وأن لعامة المؤمنين مدخلًا في الاستسقاء.
قلتُ: ويؤخذ أيضًا من قوله على المنبر يستسقي، ومعلوم أنه استسقى على المنبر لَمَّا سأله الأعرابي وقال:(هلكت الأموال .. ) الحديث. وهو صريح فيه وقت القحط، وقد بوب عليه البيهقي
(1)
ورد بهامش الأصل: في "الكاشف" سنة مائتين.
(2)
"غريب الحديث" 2/ 243.
(3)
"الروض الأنف" 2/ 30.
(4)
"سنن ابن ماجه"(1272) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الدعاء في الاستسقاء. وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه": (1050).
(5)
رواه البيهقي 3/ 352 كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: الاستسقاء بمن ترجى بركة دعائه.
(6)
"المتواري" ص 114.
بذلك
(1)
، وبوب على حديثي البخاري: الاستسقاء بمن يرجى بركة دعائه
(2)
.
وعمر بن حمزة هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب ابن أخي سالم ابن عبد الله بن عمر، وأخرج له في "الأدب" أيضًا
(3)
، وتكلم فيه أحمد والنسائي، ووثقه ابن حبان، وقال: كان يُخطئ، وروى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وقال ابن عدي: هو ممن يُكْتَب حديثه
(4)
.
والثِمَال -بكسر الثاء المثلثة: المعتمد والملجأ والكافي، وقيل: هو المطعم في الشدة. وقوله: (عصمة للأرامل)، أي: ينلن ببركته وفضله ما يقوم لهن مقام الأزواج. والأرامل يقع على الرجال والنساء، وقيل: لا يقال: أرملة إلا في النساء، والصواب الأول، فقد صرح ابن الأثير أن الأرامل في البيت المذكور المساكين رجالًا ونساءً، يُقال لكل واحد منهما على انفراده أرامل، وهو بالنساء أخص وأكثر
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 344 كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: سؤال الناس الامام الاستسقاء إذا قحطوا.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 352 كتاب: صلاة الاستسقاء.
(3)
"الأدب المفرد"(1246، 1263).
(4)
هو: عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي العمري المدني. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: أحاديثه مناكير. قال النسائي: ضعيف. وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: عمر بن حمزة أضعف من عمر ابن محمد بن زيد. استشهد به البخاري في "الصحيح" وروى له في "الأدب" وروى له الباقون سوى النسائي.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 6/ 148 (1984)، و"الكامل" 6/ 35 (1192)، و"الجرح والتعديل" 6/ 104 (550)، و"تهذيب الكمال" 21/ 311 - 312 (14221).
استعمالا، والواحد أرمل وأرملة، وهو من مات زوجه، وسواء كانا غنيين أو فقيرين
(1)
.
وقوله: (كان إذا قحطوا) قَحَط -بفتح القاف والحاء، وبضم القاف مع كسر الحاء -أي: أبطأ عنهم الغيث.
وقوله: (حَتَّى يجيش كل ميزاب)، هو بالجيم، جاش البحر إذا هاج، وجاشت القدر جيشانًا إذا غلت، وجاش الوادي والشيء إذا ملئ وتحرك، فكأنه استعار ذلك للميزاب لتحرك الماء فيه عند كثرة المطر وانصبابه، وقيل: يُروى بالجيم والحاء، كذا رأيته بخط الدمياطي.
وفيه: أن أبا طالب كان يعرف نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعَث، بما أخبره مخبر، أو بما وصى به عبد المطلب بما سمع عبد المطلب من سيف بن ذي يزن. واستسقاء عمر بالعباس فللرحم التي كانت بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأراد عمر أن يصلها بمراعاة حقه ويتوصل إلى من أمر بصلة الأرحام، بما وصلوه من رحم العباس، وأن يكون ذلك السبب إلى رحمة الله.
وذكر الماوردي في "الأحكام السلطانية" عن أنس، أن أعرابيًا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يغط، ثم أنشده:
أتيناك والعذراء يُدمى لبانها
…
وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
وألقى بكفيه الصبي استكانة
…
من الجوع ضعفًا ما يمر وما يحلى
ولا شيء بما يأكل الناس عندنا
…
سوى الحنظل العامي
(2)
والعلهز الغسل
(1)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/ 266.
(2)
في الأصل: العاهي، والمثبت هو الصواب كما في مصادر التخريج، والحنظل العامي: الذي له عام.
وليست لنا إلاإليك فرارنا
…
وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حَتَّى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال:"اللهم اسقنا .. " الحديث، وفيه فضحك حَتَّى بدت نواجده، ثم قَالَ: "لله دَرُّ أبي طالب، لو كان حاضرًا لقرت عيناه (مِن الذي أنشدنا)
(1)
من شعره" فقَالَ علي: (يا)
(2)
رسول الله: كأنك أردت قوله: وأبيض .. البيت.
يلوذ به الهُلاك من آل هاشم
…
فهم عنده في نعمة فواضل
كذبتم وبيت الله يبزى محمدًا
…
ولما نناضل دونه ونقاتل
وننصره حَتَّى نصرع حوله
…
و (نذهل)
(3)
عن أبنائنا والحوائل
فقال صلى الله عليه وسلم: "أجل". فقام رجل من بني كنانة فأنشده:
لك الحمد، والحمد ممن شكر
…
سُقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه دعوة
…
وأشخص معها إليه البصر
فلم يك إلا كإلقاء الرِّدا
…
وأسرع حَتَّى رأينا الدرَر
.. القصيدة.
ثم قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يكن شاعر أحسن، فقد أحسنت"
(4)
.
فرع: الخروج إلى الاستسقاء والاجتماع متوقف على إذن الإمام؛ لما في الخروج بغير إذنه من الافتيات، وهذه سنن الأمم السالفة، قَالَ تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ} [الأعراف 160] وأما الدعاء في أعقاب الصلوات في الاستسقاء فجائز بغير إذنه.
(1)
كذا بالأصل، وفي مصادر التخريج: من ينشدنا شعره.
(2)
ساقطة من الأصل، ويقتضيها السياق.
(3)
في الأصل: نذهب، والمثبت من مصادر التخريج.
(4)
رواه ابن عدي في "الكامل" 4/ 468 - 470، والبيهقي في "دلائل النبوة" 6/ 141 - 142، وابن عبد البر في "التمهيد" 22/ 63 - 65.
4 - باب تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
1011 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فَقَلَبَ رِدَاءَهُ. [انظر: 1005 - مسلم: 894 - فتح: 2/ 497]
1012 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ أَبَاهُ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: هُوَ صَاحِبُ الأَذَانِ، وَلَكِنَّهُ وَهْمٌ، لأَنَّ هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ المَازِنِيُّ، مَازِنُ الأَنْصَارِ. [فتح: 2/ 497]
ذكر فيه حديث عَبَّاد بن تميم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فَقَلَبَ رِدَاءَهُ.
ومن حديث عباد أيضًا، عن عمه عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: هُوَ صَاحِبُ الأَذَانِ. وَلَكِنَّهُ وَهْمٌ؛ لانَّ هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ المَازِنِيُّ، مَازِنُ الأَنْصَارِ.
أي: وصاحب الأذان عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن الخزرج بن حارثة، فهما وإن جمعهما حسبهما الأكبر الخزرج؛ بن حارثة فقد افترقا في بطنيهما كما افترقا في جديهما؛ لأن صاحب النداء بطنه بنو الحارث بن الخزرج، وصاحب الاستسقاء والوضوء بطنه من بني مازن بن النجار بن عمرو بن الخزرج؛ لأنه عبد الله بن زيد بن عاصم بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن.
وكالذي قَالَ ابن عيينة: إن صاحب حديث الاستسقاء هو صاحب حديث الأذان. وقع في "مسند أبي داود الطيالسي" وغيره
(1)
وهو غلط على ما بيناه.
وروى مسلم لمحمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وهذه العمومة لعباد من جهة الأم؛ لأنه عباد بن تميم بن غَزِيَّة بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار، فتميم أخو عبد الله بن زيد بن عاصم بن عمرو بن عوف بن مبذول لأمه أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول. وقد نبهنا في أول كتاب الاستسقاء
(2)
أن هذا الحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع من هذا الباب وغيره، وأنه أخرجه باقي الستة أيضًا، قَالَ الترمذي: وفي الباب عن ابن عباس
(3)
وأبي هريرة وأنس وأبي اللحم
(4)
.
أما حكم الباب، فتحويل الرداء سنة عند الجمهور، وانفرد أبو حنيفة فأنكره
(5)
، ووافقه ابن سلاَّم من قدماء العلماء بالأندلس
(6)
، والسنة قاضية عليه، والحكمة فيه التفاؤل بتغيير الحال إلى الخصب والسعة، فإنه كان يعجبه الفأل الحسن إذا سمع من القول، فكيف من الفعل؟ وقد جاء مصرحًا به في الدارقطني، من حديث جعفر بن محمد، عن
(1)
"مسند أبي داود الطيالسي" 2/ 423 - 424 (1195 - 1199).
(2)
سبق برقم (1005) كتاب: الاستسقاء، باب: الاستسقاء.
(3)
فوقها في الأصل: أبو داود والنسائي.
(4)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (556) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء.
(5)
انظر "الهداية" 1/ 95.
(6)
هو صعصعة بن سلام كما في "إكمال المعلم" 3/ 314، وانظر:"المفهم" 2/ 540.
أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى وحَوّل رداءه؛ ليتحول القحط
(1)
.
قَالَ ابن العربي: وهذا أمارة بينه وبين ربه لا على طريق الفأل فإن من شرطه أن لا يكون بقصد، وإنما قيل له: حَوِّل رداءك فيتحول حالك، لا يُقال: إن ذلك لعل رداءه سقط ففعله؛ لأن الراوي أعرف بالحال
(2)
، وخالفه ابن بطال فقال: فيه دلالة على استعمال الفأل في الأمور، وإن لم يقع بالموافقة، ووقع استعمالا
(3)
، واختلف العلماء، هل يفعل من معه مثل الإمام؟ فذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور إلى إلحاقهم به
(4)
. وفي "مسند أحمد" من حديث عبد الله بن زيد أنه صلى الله عليه وسلم حول رداءه، فقلبه ظهرًا لبطنٍ، وحوَّل الناس معه
(5)
، ولمشاركتهم له في المعنى الذي شُرع له التحويل.
وأَبْعَدَ النُّجْعَةَ بعضُهم، فاحتج بحديث:"إنما جُعل الإمام ليُؤتَم به"
(6)
فما فعله الإمام واجب على المأموم فعله، ذكره ابن بطال
(7)
.
وقال الليث، وأبو يوسف، ومحمد بن عبد الحكم، وابن وهب: ينفرد به
(8)
. وعن مالك: إذا حوّل حوّل الناس قعودا
(9)
، وليس ذلك
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 66 كتاب: الاستسقاء.
(2)
"عارضة الأحوذي" 3/ 33.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 10.
(4)
انظر: "المدونة" / 153، "الأم" 1/ 222، "الأوسط" 4/ 323، "المغني" 3/ 341.
(5)
"المسند" 4/ 41.
(6)
سبق برقم (722) كتاب: الأذان، باب: إقامة الصف من تمام الصلاة. ورواه مسلم (414) كتاب: الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام.
(7)
"شرح ابن بطال" 3/ 10.
(8)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 383، "النوادر" 1/ 513، "إكمال المعلم" 3/ 315.
(9)
"الموطأ" ص 135.
على النساء؛ خوف التكشف، قاله ابن الماجشون
(1)
، وقيل: يحول الناس قيامًا كالإمام، وبه قَالَ محمد بن الحسن، واختلف قول الشافعي في تنكيسه، وأصح قوليه: استحبابه، فيجعل أعلاه أسفله وعكسه
(2)
.
وقد أخرجه أبو داود والنسائي (اهتمامًا منه)
(3)
، وصححه ابن حبان والحاكم
(4)
، وروى ابن عبد الحكم عن مالك
(5)
: أنه إذا فرغ من الخطبة استقبل وحول رداءه، ما على ظهره منه يلي السماء، وما كان يلي السماء على ظهره
(6)
، وبه قَالَ أحمد، وأبو ثور
(7)
، وخير ابن الجلاب بين التحويل والتنكيس
(8)
.
فائدة: نقل ابن بزيزة عن أهل الآثار أن رداءه صلى الله عليه وسلم كان طوله أربعة أذرع وشبر في عرض ذراعين وشبر كان يلبسه يوم الجمعة والعيد، وعن الواقدي: كان برده طوله ستة أذرع في ثلاثة وشبر، وإزاره من نسج عمان طوله أربعة أذرع وشبر في عرض ذراعين وشبر كان يلبسهما يوم الجمعة والعيد ثم يطويان
(9)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 514، "الذخيرة" 2/ 434.
(2)
"الأم" 1/ 222، "البيان" 2/ 683، "المجموع" 5/ 84.
(3)
كذا بالأصل.
(4)
"سنن أبي داود"(1161) كتاب: الاستسقاء. و"سنن النسائي" 3/ 157 كتاب: الاستسقاء، باب: متى يحول الإمام ردائه. و"صحيح ابن حبان" 7/ 116 (2865) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الاستسقاء. و"المستدرك" 1/ 326 كتاب: الاستسقاء.
(5)
"النوادر والزيادات" 1/ 513.
(6)
"الموطأ" 1/ 239 (608) باب: العمل في الاستسقاء.
(7)
انظر: "المغني" 3/ 340.
(8)
"التفريع" 1/ 239.
(9)
أورده السيوطي في "الجامع الصغير" 1/ 225.
خاتمة:
في الحديث الخروج إلى الصحراء للاستسقاء؛ لأنه أبلغ في الافتقار والتواضع، وأوسع للناس.
وذكر ابن الأثير فرقًا بين رواية: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي، وخرج إلى المصلى، فاستسقى؛ لأن الأولى أبلغ لفظًا من الثانية؛ لأن يستسقي في موضع نصب على الحال من خرج أي: خرج مستسقيًا، فكان الاستسقاء لها لازمًا حال خروجه، وليس كذلك قوله: خرج فاستسقى؛ لأنه معطوف على خرج بالفاء، وليس حالًا، فكان الاستسقاء في هذا مرتبًا على الخروج بخلاف تلك، فإنه كان ممتزجًا به دالُا على أن نيته في الخروج كان له وإن كانت الأخرى كذلك إلا أن اللفظ لا يدل عليه، ثم ذكر سؤالا، وأجاب عنه، ولا طائل تحته
(1)
.
فرع:
يكون التحويل عند استقبال القبلة، ويستقبلها بعد صدر الخطبة الثانية، قال أصحابنا: نحو ثلثها، كما نقله النووي عنهم في "شرح مسلم"
(2)
، وعن "الكافي" للزبيري: إذا بلغ نصفها، وقال الروياني في "بحره": إذا فرغ من الاستغفار، وقال ابن التين: قلب الرداء لا يكون إلا عند استقبال القبلة، قَالَ: واختلف قول مالك متى يستقبل القبلة ويحول رداءه؟ فروى عنه ابن القاسم: إذا فرغ من الخطبة، ورُوي عنه: في أثناء الخطبة، ويدعو ثم يستقبل الناس، ويتم الخطبة،
(1)
"الشافي في شرح مسند الشافعي" لابن الأثير 2/ 331 - 332.
(2)
"مسلم بشرح النووي" 6/ 188.
واختاره أصبغ، وذكر عن عبد الملك أنه يفعله بعد صدر من الخطبة، وعن أصبغ أيضًا: في آخر الخطبة الثانية
(1)
، وعن مالك: أنه يحول قبل الاستقبال، حسماها ابن بزيزة، وأغرب ابن العربي فقال: المراد بالاستقبال: الشروع في الصلاة، وإلا ليس في الدعاء استقبال، وإنما السماء قبلة الدعاء، والكعبة قبلة الصلاة. قَالَ: ويحتمل أن يكون الاستسقاء يخص الاستقبالين تأكيدًا فيه
(2)
.
فرع ثان:
قوله: وصلى ركعتين هو حجة الجمهور أن السنة في الاستسقاء أن يصلي ركعتين، ولا زيادة عليهما بالإجماع، ولا يكبر عندنا فيها على الأصح
(3)
، وعن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز، وأبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم، وداود: يكبر. وحكي عن ابن عباس
(4)
ومذهب مالك والأوزاعي، وأبي ثور، إسحاق أنها تُصَلَّى ركعتين كصلاة التطوع
(5)
، ولا أذان لها، ولا إقامة، بل: الصلاة جامعة
(6)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 514، "المنتقى" 1/ 332.
(2)
"عارضة الأحوذي" 3/ 33.
(3)
وهذا القول فيه نظر؛ لأن مذهب الشافعية أنه يكبر فيها كما يكبر في العيدين.
انظر: "الأوسط" 4/ 321، "الحاوي" 2/ 517، "حلية العلماء" 2/ 273، "البيان" 2/ 681، "روضة الطالبين" 2/ 92، "الإعلام" 4/ 325 - 326.
(4)
روى ذلك ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 321.
(5)
انظر: "الأوسط" 4/ 320.
(6)
انظر: "المبسوط" 2/ 78، "المعونة" 1/ 185 - 186، "المهذب" 1/ 406 - 407.
[5 - باب انْتِقَامِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَزَّ مِنْ خَلْقِهِ بِالقَحْطِ إِذَا انْتُهِكَ مَحَارِمُ اللهِ]
(1)
.
[فتح: 2/ 501]
6 - باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي المَسْجِدِ الجَامِعِ
1013 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وُجَاهَ المِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا". قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً وَلَا شَيْئًا، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ". قَالَ: فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي في الشَّمْسِ.
(1)
سقط هذا الباب من الأصل من هذا الموضع، وكذا في اليونينية، قال الحافظ في "الفتح" 2/ 501: هكذا وقعت هذِه الترجمة في رواية الحموي وحده خالية من حديث ومن أثر. قال ابن رشيد: كأنها وقعت في رقعة مفردة فأهملها الباقون، وكأنه وضعها ليُدْخل تحتها حديثًا، وأليق شيء بها حديث عبد الله بن مسعود يعني المذكور في ثاني باب من الاستسقاء، وأَخّر ذلك ليقع له التغيير في بعض مسنده كما جرت به عادته غالبًا فعاقه عن ذلك عائق، والله أعلم.
قَالَ شَرِيكٌ: فَسَألتُ أَنَسًا أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 501]
ذكر فيه حديث أنس أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وُجَاهَ المِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ .. الحديث.
وقد سلف مختصرًا ومطولًا في الجمعة
(1)
، وكرره في الباب مرات، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضًا
(2)
.
ولنذكر هنا ما لم يسبق:
فقوله: (دخل رجل من باب كان وجاه المنبر) يعني: مستدبر القبلة، كذا قاله ابن التين، وليتأمل، وفي الرواية التي بعد هذا الباب: من باب كان نحو دار القضاء، وسميت دار القضاء؛ لأنها بيعت في قضاء دين عمر كان أنفقه من بيت المال، وكتبه على نفسه، وأوصى ابنه عبد الله أن يُباع فيه ماله، فإن عجز ماله، استعان ببني عدي ثم بقريش، فباعها لمعاوية وما له بالغابة، وقضى دينه، وكان ثمانية وعشرين ألفا، كذا قاله القاضي
(3)
، والمشهور أنه كان ستة وثمانين ألفا. ونحوه، وهو في البخاري
(4)
وغيره من أهل التاريخ
(5)
، وكان يُقال لها: دار قضاء دين عمر، ثم اخْتَصَروا فقالوا: دار القضاء، وهي دار مروان، وقيل: دار الأمارة وكأنه ظن أن المراد بالقضاء الإمارة.
(1)
برقم (932)، باب: ما جاء والإمام يخطب.
(2)
"صحيح مسلم"(897) كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: رفع اليدين في الاستسقاء، وأبو داود 1174، 1175، و"سنن النسائي" 3/ 154 - 155 كتاب: الاستسقاء، باب: متى يستسقي الإمام.
(3)
"إكمال المعلم" 3/ 319.
(4)
سيأتي برقم (3700).
(5)
انظر: "أسد الغابة" 1/ 176.
وقوله: (وقطعت السبل) أي: الطرق، وفي رواية أبي ذر: وانقطعت، وهو أشبه كما قَالَ ابن التين، قَالَ: واختُلف في معناه، فقيل: ضعفت الإبل لقلة الكلأ أن يُسافَر بها، وقيل: لأنها لا تجد في أسفارها من الكلأ ما يبلِّغُها، وقيل: إن الناس أمسكوا ما عندهم من الطعام، ولم يجلبوه إلى الأسواق خوفًا من الشدة.
وقوله: (فادع الله يُغيثُنا) كذا هو في جميع النسخ بضم الياء، وفي الحديث في الباب بعده:"اللهم أغثنا"
(1)
بالألف رباعي من أغاث يغيث، والمشهور في كتب اللغة أنه إنما يُقال في المطر: غاث الله الناس والأرض يَغيثهم بفتح الياء
(2)
. قَالَ عياض عن بعضهم: المذكور هنا من الإغاثة بمعنى المعونة، وليس من طلب الغيث، إنما يُقال في طلب الغيث: اللهم غثنا، ويحتمل كما قَالَ القاضي أن يكون من طلب الغيث أي: هب لنا غيثًا أو ارزقنا غيثًا، كما يُقال: سقاه الله وأسقاه: أي: جعل له سقيًا على لغة من فرق بينهما
(3)
. وقوله (فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه).
فيه: الرفع في دعاء الاستسقاء، وقد أفرده البخاري بباب، وسيأتي
(4)
.
وفيه: الاستسقاء في الجامع دون الصحراء، وقد أجاب الله دعاءَ نبيه فسقى وأسقى، وهو علم من أَعلام نبوته، وجواز الاستسقاء من غير تحويلٍ، والدعاءِ مستدبرَ القبلة؛ لأنه لم يرد في حديث أنس هذا أنه
(1)
حديث (1014).
(2)
انظر: "لسان العرب" 6/ 3323.
(3)
"مشارق الأنوار" 2/ 140، "إكمال المعلم" 3/ 319.
(4)
برقم (1029) باب: رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء.
استقبل القبلة في دعائه على المنبر، وإن جاء في حديث غيره
(1)
، وفي رواية: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حذاء وجهه
(2)
،
وفيه: الاجتزاءُ بالدعاء عن الصلاة.
وقوله: "اللهم اسقنا" كرره ثلاثًا؛ لأن تثليثَ الدعاء مستحبٌ.
وسَلْع -بفتح السين المهملة وسكون اللام-: جبل بقرب المدينة
(3)
، ووقع لبعضهم فتح اللام، ولبعضهم بغين معجمة، وكله خطأ كما قَالَ صاحب "المطالع". ومراد أنس بذلك الإخبار عن معجزة هذا النبي العظيم، وعظيم قَدرِهِ عند ربه، بإنزال المطر حالًا، واستمراره سبعة أيام متوالية من غير تقدم سحاب، ولا قزع، ولا سبب آخر لا ظاهر ولا باطن، وهذا معنى قوله:(وما بيننا وبين سلع من بيت). وفي رواية: من دار، أي: نحن مشاهدون له من السماء، وليس هناك سبب للمطر أصلًا، وشبه السحابة بالترس؛ لكثافتها واستدارتها.
وقوله: ثم أمطرت كذا هو بالألف، وفي مسلم: أمطرنا
(4)
وهو صحيح، ودليل لمذهب الأكثرين المختار أنه يقال: مطرت وأمطرت لغتان في المطر رباعيًا وثلاثيًا بمعنى واحد، وقيل: لا: يقال أمطرت بالألف إلا في العذاب؛ لقوله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ} [الشعراء: 173]،
(1)
الحديث السابق.
(2)
رواها أبو داود (1175) كتاب: الصلاة، باب: رفع اليدين في الاستسقاء، والنسائي 3/ 159 كتاب: الاستسقاء، باب: كيف يرفع؟ وفي "السنن الكبرى" 1/ 557 (1818) كتاب: الاستسقاء، باب: كيف يرفع؟
(3)
انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 746. و"معجم البلدان" 3/ 237.
(4)
كذا عزى هذِه الرواية إلى "صحيح مسلم" ابن حجر في "الفتح" 2/ 504.
حيث قال: ولمسلم في رواية ثابت: فأمطرنا حتى رأيت الرجل تهمه نفسه أن يأتي أهله. وكذا العيني في "عمدة القاري" 6/ 22.
وقوله: (ما رأينا الشمس سبتًا) هو بسين مهملة، ثم باء موحدة، ثم مثناة فوق أي: قطعة من الزمان، وأصل السبت القطع وقد رواه الداودي (ستًا) وفسره ستة أيام وهو تصحيف.
وقوله: "اللهم على الآكام " قَالَ أهل اللغة: الإِكامُ -بكسر الهمزة- جمع أَكَمه، ويقال في جمعها: آكام بالفتح والمد، ويقال: أَكَم بفتح الهمزة والكاف، وأُكُم بضمهما، وهو دون الجبال، وقيل: تل، وقيل: أعلى من الرابية، وقيل: دونها.
والظِّراب -بالظاء المعجمة المكسورة- قَالَ الفراء: جمع ظرْب ساكن الراء، قَالَ: وقيل: بكسر الراء، وهو الجبل المنبسط ليس بالعالي وعن الداودي الظَرِب -بفتح الظاء وكسر الراء: الجبل الصغير، وكذا ذكره الجوهري
(1)
بكسر الراء، وقيل: الآكام أصغر من الظراب وبخط الدمياطي: قيل: بكسر الظاء وسكون الراء. والأودية: أي التي تحمل الماء. ومنابت الشجر: التي تُنبت الزرع والكلأ، يريد بالشجر: المرعى رغبة منه أن تكون الأمطار بحيث لا تضر بأحد كثرتها.
وفيه: الدعاء للدفع عن المنازل والمرافق عند الكثرة والضرر، ولا يشرع له صلاة، ولا اجتماع في الصحراء، وممن صرح به ابن بطال حيث قَالَ: ولا بروز فيه، ولا صلاة تفرد له، وإنما يكون الدعاء في الاستصحاء في خطبة الجمعة، أو في أوقات الصلوات وأدبارها، وقد سمى الله تعالى كثرة المطر أذى فقال:{إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} [النساء: 102] قَالَ: ولا يحوَّل الرداء في الاستصحاء أيضًا
(2)
.
(1)
"الصحاح" 1/ 174. مادة: ظرب.
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 12 - 13.
وقوله: (فانقطعت). وفي أخرى: فانقلعت، باللام وهما بمعنى، وفيه معجزة ظاهرة لسيد الأمة في إجابة دعائه متصلًا به، وأدبه في الدعاء؛ فإنه لم يسأل رفْعَه من أصْلِه، بل سأل رفعَ ضَررِه وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق، بحيث لا يتضرر به ساكن، ولا ابن سبيل، وسألَ بقاءه في موضع الحاجة، بحيث يبقى خصبه ونفعه، وهي بطون الأودية وغيرها من المذكور في الحديث، فيجب امتثال ذلك في نعم الله إذا كثرت، أن لا نسأل الله قطعها وصرفها عن العباد.
وقوله: (فسالت أنسًا أهو الرجل الأول؟ قَالَ: لا أدري). كذا هنا، وفي باب الرفع: فأتى الرجل
(1)
، وظاهره الأول، وفي باب: من اكتفي بالجمعة في الاستسقاء: جاء رجل في الأول، ثم قَالَ: ثم جاء فقال
(2)
.
وفي رواية: قام أعرابي. في الأول، ثم قَالَ: فقام ذلك الأعرابي
(3)
. وفي أخرى: أو قَالَ غيره
(4)
، وفي رواية للبخاري أنه الأول ذكرها في باب الرفع، وسيأتي.
قَالَ ابن التين: ولعله تذكر بعد ذلك، أو نسي إن كان هذا الحديث قبل قوله: لا أدري هو الأول أم لا؟
(1)
سيأتي برقم (1029) باب: رفع الناس أيديهم مع الإمام.
(2)
سيأتي برقم (1016).
(3)
سيأتي برقم (1033) كتاب: الاستسقاء، باب: من تمطر في المطر حتى يتحادر على لحيته.
(4)
سبق برقم (933).
7 - باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الجُمُعَةِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَةِ
1014 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا". قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللهِ مَا نَرَى في السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ". قَالَ: فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِى فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ فَقَالَ مَا أَدْرِي. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 507]
ذكر فيه حديث شريك، عن أنس أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ الجُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ .. الحديث.
وقد سلف
(1)
.
(1)
برقم (1013) الباب السابق، وقبله برقمي (932 - 933).
8 - باب الاِسْتِسْقَاءِ عَلَى المِنْبَرِ
1015 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَحَطَ المَطَرُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَدَعَا، فَمُطِرْنَا، فَمَا كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى مَنَازِلِنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ إِلَى الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ. قَالَ: فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمَالًا يُمْطَرُونَ وَلَا يُمْطَرُ أَهْلُ المَدِينَةِ. [انظر: 932 - مسلم: 997 - فتح: 2/ 508]
ذكر فيه حديث قتادة عن أنس: بَيْنَمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَحَطَ المَطَرُ
…
الحديث.
وقد سلف أيضًا
(1)
.
وترجم عليه أيضًا:
(1)
هو الحديث السابق.
9 - باب مَنِ اكْتَفَى بِصَلَاةِ الجُمُعَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
1016 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ. فَدَعَا، فَمُطِرْنَا مِنَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ المَوَاشِي، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا. فَقَامَ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ". فَانْجَابَتْ عَنِ المَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 508]
وأخرجه من حديث شريك عن أنس .. الحديث.
وفيه: (هلكت المواشي). أي: لعدم وجدان ما ترعى. وفيه: (انجابت عن المدينة انجياب الثوب)، وقد سلف في الجمعة
(1)
. ونقل ابن التين عن ابن شعبان أنه قَالَ في "زاهره": معناه: خرجت عن المدينة كما خرج الجيب عن الثوب. قَالَ: وفيه دليل على أن من أودع وديعة فجعلها في حبيب قميصه يضمن، وقيل: لا. قَالَ: والأول أحوط لهذا الحديث. قَالَ: وقوله: فقام صلى الله عليه وسلم فقال. يحتمل أن يكون جالسًا أول ما صعد، أو بين الخطبتين، أو يكون قَالَ له ذلك عند نزوله فثبت قائمًا فدعا.
ثم ترجم عليه:
(1)
برقم (932) باب: رفع اليدين في الخطبة.
10 - باب الدُّعَاءِ إِذَا تَقَطَّعَتِ السُّبُلُ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ
1017 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ الله، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمُطِرُوا مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ المَوَاشِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ عَلَى رُءُوسِ الجِبَالِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ". فَانْجَابَتْ عَنِ المَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 509]
وساقه من حديث شريك أيضًا عن أنس.
ثم ترجم عليه:
11 - باب مَا قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُحَوِّلْ رِدَاءَهُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الجُمُعَةِ
1018 -
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلَاكَ المَالِ وَجَهْدَ العِيَالِ، فَدَعَا اللهَ يَسْتَسْقِي، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَلَا اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 509]
وساقه من حديث إسحاق بن عبد الله عن أنس مختصرًا
وفيه: (جهد العيال): وهو ما أصابهم من الجوع.
وفيه: (ولم يذكر أنه حوَّل رداءه ولا استقبل القبلة)، ولا دلالة فيه لمن أنكر التحويل. وشيخ البخاري الحسن بن بشر- (خ. ت. س). وشيخه المعافي بن عمران (خ. د. س) من أفراد البخاري
(1)
، مات الأول سنة إحدى وعشرين
(2)
، والثاني مات سنة أربع
(3)
وثمانين ومائة بالموصل.
ثم ترجم عليه أيضًا
(1)
أي: على مسلم.
(2)
فوقها في الأصل كتب: يعني: ومائتين.
(3)
فوقها في الأصل كتب: في "الكاشف"
12 - باب إِذَا اسْتَشْفَعُوا إِلَى الإِمَامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدُّهُمْ
1019 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ الله. فَدَعَا الله، فَمُطِرْنَا مِنَ الجُمُعَةِ إِلَى الجُمُعَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ وَهَلَكَتِ المَوَاشِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ عَلَى ظُهُورِ الجِبَالِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ". فَانْجَابَتْ عَنِ المَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ. [انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح: 2/ 510]
وساقه من حديث شريك عن أنس.
ثم ترجم عليه بعد ذلك:
14 -
باب الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ المَطَرُ
(1)
[1021 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَحَطَ المَطَرُ وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ البَهَائِمُ، فَادْعُ الله يَسْقِينَا. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا". مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ المِنْبَرِ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ الله يَحْبِسُهَا عَنَّا. فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا". فَكُشِطَتِ المَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا وَلَا تَمْطُرُ بِالمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى المَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الإِكْلِيلِ. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 512]]
وساقه من حديث ثابت عن أنس.
وفيه: (واحمرت الشجر) أي: سقط ورقها من الجدب.
وفيه: (وايم الله) اختلف النحويون في ألف أيمن، هل هي وصل أم قطع؟ وليس هذا موضعه.
وقوله: (فنشأت سحابة) أي: طلعت وابتدأت وانتشرت.
وقوله: (وأمطرت). قَالَ الداودي: جعل الفعل لها كما يقال: مات زيد.
وقوله: (صاحوا إليه). قَالَ ابن التين: إن كان هذا محفوظًا، فقد يتكلم الرجل ثم يصيح الناس، فذكره أنس فنسيه الرواة؛ لأن في
(1)
كذا بالأصل: باب: الدعاء إذا كَثُر المطر، أتى به المصنف قبل باب: إذا استشفع المشركون بالمسلمين، مخالفًا لما في اليونينية، وسوف يعيد مرة أخرى في موضعه الصحيح باختصار، فتنبه.
حديث شريك وغيره: أن رجلًا قَالَ له. ويحتمل أن يعني بالناس: الرجل؛ لأنه يتكلم عنهم وهم حضور سكوت، ولعلهم صاحوا أو تكلم عنهم استشفاعًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فوافق ذلك قول عمر: كنا نستشفع به
(1)
.
قوله: (وإنها لفي مثل الإكليل) كل ما أحاط بشيء فهو إكليل، ومنه سمي الإكليل، وهي العصابة؛ لإحاطتها بالجبين. وقيل: هي الروضة، وعبارة "الصحاح" و"المجمل" هو: شبه عصابة تزين بالجوهر، زاد الجوهري: ويسمى التاج إكليلًا
(2)
. وممن رواه عن أنس يحيى بن سعيد الأنصاري، ذكره البخاري في باب: رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء. معلقًا
(3)
. ورواه (مع)
(4)
من حديث حفص بن عبيد الله بن أنس، عن أنس.
وفي ذلك أن الإمام إذ سُئل الخروج إلى الاستسقاء يجيب إليه؛ لما فيه من الضراعة إلى الجليل في صلاح أحوال عباده، ثم هو يأمرهم بالتوبة، والخروج من المظالم، وإصلاح نياتهم، ويعظهم.
وكذلك إذا سئل الإمام ما فيه صلاح أحوال الرعية يجيبهم إليه أيضًا؛ لأنه راعٍ ومسئول عن رعيته، فعليه حياطتهم، وإجابتهم إلى سؤالهم، وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم أن لا يرد حاجة سائل، وفيما سلف استباحة اليمين لغير ضرورة للتأكيد.
(1)
سبق برقم (1010) باب: سؤال الناس الإمام إذا قحطوا.
(2)
"الصحاح" 5/ 1812، "المجمل" 2/ 765.
(3)
رقم (1029).
(4)
هكذا رسمها في الأصل.
13 - باب إِذَا اسْتَشْفَعَ المُشْرِكُونَ بِالمُسْلِمِينَ عِنْدَ القَحْطِ
1020 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الإِسْلَامِ. فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وَأَكَلُوا المَيْتَةَ وَالعِظَامَ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فَادْعُ الله. فَقَرَأَ:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10] ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 16] يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ: وَزَادَ أَسْبَاطٌ، عَنْ مَنْصُورٍ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسُقُوا الغَيْثَ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا، وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ المَطَرِ، [فَ] قَالَ:"اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا". فَانْحَدَرَتِ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ، فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ. [انظر: 1007 - مسلم: 2798 - فتح 2/ 510]
ذكر فيه حديث مسروق، قال: أتيت ابن مسعود، فقال: إن قريشًا أبطئوا عن الإسلام .. الحديث. تقدم في أول الاستسقاء
(1)
.
وقال الداودي: في الحديث تقديم وتأخير واختصار، لما عتت قريش وطغت وآذوا النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى ألجئوه إلى الخروج من بينهم، وفتنوا من قعد من المسلمين بالعذاب، دعا عليهم الشارع وهو بالمدينة فأُنزل عليه -إما بعد الدعاء وإما قبله- {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10] وهو ما أصابهم من القحط والجدب، فلما اشتد عليهم، أتاه أبو سفيان يسأله أن يدعو لهم.
قَالَ: والذي زاد أسباط في البخاري عن منصور: فدعا رسول الله
(1)
برقم (1007) باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
- صلى الله عليه وسلم فسُقوا الغيث، وأطبقت عليهم سبعًا، وشكا الناس كثرة المطر،
فقال: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا". فانحدرت السحابة عن رأسه، فسقوا الناس حولهم، غلط.
وليس من شأن قريش في شيء؛ لأنه أدخل قصة المدينة في قصة قريش؛ لأنه إنما دعا على أهل مكة، والذي يليهم. والذي أصاب أهل المدينة لم يدعُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يُصابوا به بينه قوله:"حوالينا ولا علينا" وانحدرت السحابة عن رأسه.
وليس الوقت الذي أصيب فيه أهل مكة أصيب فيه أهل المدينة. قاله الداودي، وأبو عبد الملك، ونقله ابن التين عنهم، وكذا قَالَ الحافظ شرف الدين الدمياطي: إن الذي زاده أسباط وهم واختلاط، وهو أنه ركَّب سند حديث عبد الله بن مسعود على متن حديث أنس بن مالك، وهو قوله:(فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فسقوا الغيث) إلى آخره. وحديث عبد الله بن مسعود كان بمكة، وليس فيه هذا. والعجب من البخاري كيف أورد هذا؟ وإن كان معلقًا مخالفًا لما رواه الثقات.
و (أسباط) هو ابن محمد بن عبد الرحمن القاصر، ضعفه الكوفيون، مات أول سنة مائتين
(1)
.
(1)
هو أسباط بن محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة، وقيل: أسباط بن محمد ابن أبي عبد الرحمن القرشي، مولاهم، أبو محمد بن أبي عمرو الكوفي، والد عبيد بن أسباط، وقيل: إنه مولى السائب بن يزيد.
قال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح. وقال النسائي: ليس به بأس.
وقال يعقوب بن شيبة: كوفي ثقة صدوق، وكان من قريش.
انظر: "الجرح والتعديل" 2/ 332 - 333 (1263)، و"تاريخ بغداد" 7/ 45، و"تهذيب الكمال" 2/ 354 - 356 (320)، و"تهذيب التهذيب" 1/ 109.
14 - باب الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ المَطَرُ: حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا
1021 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَحَطَ المَطَرُ وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ البَهَائِمُ، فَادْعُ الله يَسْقِينَا. فَقَالَ:"اللَّهُمَّ اسْقِنَا". مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ المِنْبَرِ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ الله يَحْبِسُهَا عَنَّا. فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا". فَكُشِطَتِ المَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا وَلَا تَمْطُرُ بِالمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى المَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الإِكْلِيلِ. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 512]
ذكر فيه حديث ثابت عن أنس، وقد سلف بشرح ما فيه
(1)
.
(1)
سبق شرح الباب بعد حديث: (1019) السالف.
15 - باب الدُّعَاءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ قَائِمًا
1022 -
وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ، وَخَرَجَ مَعَهُ البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رضي الله عنهم فَاسْتَسْقَى، فَقَامَ بِهِمْ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ فَاسْتَغْفَرَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ بِالقِرَاءَةِ وَلَمْ يُؤَذِّنْ، وَلَمْ يُقِمْ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَرَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. [فتح: 2/ 513]
1023 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، أَنَّ عَمَّهُ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي لَهُمْ، فَقَامَ فَدَعَا اللهَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ القِبْلَةِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، فَأُسْقُوا. [انظر: 1005 - مسلم: 894 - فتح: 2/ 513]
وقال لنا أبو نُعَيْمٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ إلى آخره. وهو قوله: وَلَمْ يُؤَذِّنْ، وَلَمْ يُقِمْ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَرَأَى عَبْدُ الله بْنُ يَزِيدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
قلتُ: قد أخرجه البيهقي من طريق أبي غسان، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، ثم قَالَ: رواه البخاري، عن أبي نعيم، قَالَ: ورواه الثوري، عن أبي إسحاق، قَالَ: فخطب ثم صلى، ورواية شعبة، عن أبي إسحاق: فصلى ركعتين ثم استسقى، ورواية الثوري وزهير أشبه
(1)
. وقد رواه عن زهير، عن علي بن الجعد.
والذي يظهر أن رواية شعبة موافقة لرواية زهير والثوري، وذلك أنهما ذكرا أنه خطب ثم صلى؛ ولم يذكرا وقت الاستسقاء.
وأما شعبة فذكر أنه صلى ثم استسقى، ولم يذكر وقت الخطبة.
(1)
"سنن البيهقي" 3/ 349 كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: ذكر الأخبار التي تدل على أنه دعا.
وأخرج مسلم في المغازي من حديث غندر عن شعبة، عن أبي إسحاق، أن عبد الله بن يزيد خرج يستسقي بالناس فصلى ركعتين، ثم استسقى، قَالَ: فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: تسع عشرة غزوة .. الحديث
(1)
.
وجعله خلف من مسند زيد بن أرقم، وذكر في مسند عبد الله بن يزيد ما ذكره البخاري خاصة، وأورد له الحميدي في "جمعه" في المتفق حديثين -أعني: عن عبد الله بن يزيد الخطمي- وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجهما البخاري، ولم يخرج له مسلم شيئًا، وذكر الحديث الآخر، وهو طريق عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة والنهبى
(2)
، وقال: وقد رواه عدي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
ولعل مراد الحميدي بقوله: ولم يخرج له مسلم شيئًا يعني: حديثًا متصلًا مرفوعًا، لكن كان ينبغي له أن يذكره ممن انفرد عند البخاري من الصحابة.
وقد ذكر جماعة أن مسلمًا خرج له عن البراء وغيره من الصحابة، وذكره ابن طاهر في الصحابة الذين خرج لهم في الصحيحين، وقال: كان صغيرًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أمير الكوفة على عهد ابن الزبير
(4)
.
(1)
"صحيح مسلم"(1254) كتاب: الجهاد والسير، باب: عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
سيأتي برقم (2474) كتاب: المظالم، باب: النهى بغير إذن صاحبه. وبرقم (5516) كتاب: الذبائح والصيد، باب: ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة.
(3)
سيأتي برقم (5515) كتاب: الذبائح والصيد، باب: ما يكره من المثلة. وانظر: "الجمع بين الصحيحين" 1/ 490.
(4)
"الجمع بين رجال الصحيحين" 1/ 245.
قَالَ الواقدي: مات في زمن ابن الزبير. وممن نص على أنه كان صغيرًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو حاتم.
وقال أبو عبيد الآجري: قلتُ لأبي داود: عبد الله بن يزيد الخطمي له صحبة؟ قَالَ: يقولون رؤية، سمعت يحيى بن معين يقول هذا. قَالَ أبو داود: وسمعت مصعب الزبيري يقول: ليس له صحبة.
وهذا ذكره المزي بعد قوله في حقه، وتبع في ذلك أبا عمر بن عبد البر- أن عبد الله هذا شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة وكان أميرًا على الكوفة، وشهد مع علي صفين والجمل والنهروان
(1)
، فكيف يجتمع هذا القول مع ما سلف
(2)
.
ثم ذكر بعده حديث عباد بن تميم، أن عمه أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي .. الحديث.
أما فقه الباب: فالسنة في الاستسقاء لمن برز إليها أن يدعو الله قائمًا؛ لأنه حال خشوع وإنابة وخضوع، ولذلك لا خلاف بين العلماء أنه لا أذان ولا إقامة لصلاة الاستسقاء.
وقوله: (وخرجَ معَهُ البراءُ بنُ عازِب وزيدُ بنُ أرْقم)، إنما استسقى عبد الله بن يزيد؛ لأنه كان الأمير، ففيه: استحباب الخروج إلى المصلى في الاستسقاء.
وقوله: (فَقَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرِ)، فيه: الخطبة قائمًا بدون منبر، حَتَّى منع مالك في "المدونة" الاستسقاء عليه
(3)
، وأجازه في
(1)
"الاستيعاب" 3/ 124 (1703)، "تهذيب الكمال" 16/ 301 - 302 (3656).
(2)
انظر: "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 1136 (570).
(3)
1/ 153.
"المجموعة"
(1)
، وفي "الذخيرة" لا يخرج المنبر ولكن يتوكأ على عصا
(2)
.
وقوله: (ولم يُؤذن، ولم يُقِم). هذا حكمها، وقد سلف.
وقوله: (فَاسْتَغْفَرَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهما بِالقِرَاءَةِ)، أما الاستغفار فلقوله تعالى:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} الآية. جعل الاستغفار مكان الخطبة.
وأما صلاة ركعتين فهو مذهب الجمهور.
وأما الجهر فله باب يأتي
(3)
. وأسلفنا رواية الثوري أن الخطبة قبل الصلاة، ورواية مسلم أنه صلى ثم استسقى.
وممن قَالَ: الخطبة قبل الصلاة الليث بن سعد، وقاس على الجمعة
(4)
، ومن عكس شبه بالعيد.
وفيه: دليل على أن صلاة الاستسقاء كصلاة التطوع، وهو مذهب مالك، والأوزاعي، وأبي ثور، وإسحاق.
(1)
"النوادر والزيادات" 1/ 516.
(2)
انظر: "الذخيرة" 2/ 434.
(3)
هو الباب التالي.
(4)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 383.
16 - باب الجَهْرِ بِالقِرَاءَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
؟
1024 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي فَتَوَجَّهَ إِلَى القِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ. [انظر: 1005 - مسلم: 894 - فتح: 2/ 514]
ذكر فيه حديث عباد بن تميم، عن عمه قَالَ: خَرَج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي فَتَوَجَّهَ إِلَى القِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَة.
الشَرح:
السنة المجمع عليها الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء، وإنما اختلف في قراءة الكسوف على ما ستعلمه.
والحديث دال على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة؛ لأن (ثمَّ) للترتيب.
وروي ذلك عن عمر، وابن الزبير، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وعمر بن عبد العزيز، وهو قول الليث
(1)
.
وقال مالك، وأبو يوسف، ومحمد، والشافعي: يبدأ بالصلاة قبلها
(2)
.
وحجتهم ما رواه عباد، عن عمه، أنه صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي، فصلى ركعتين، وقلب رداءه، كما يأتي في البخاري في الاستسقاء في
(1)
روى هذِه الآثار ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 318 - 319.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 383. واختلف قول مالك فيه فكان يقول زمانًا أن الخطبة قبل الصلاة، ثم رجع إلى ما في "الموطأ" فقال الصلاة قبل الخطبة. انظر: "المنتقى" 1/ 332، "الأوسط" 4/ 319.
المصلى
(1)
. وحديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم صلى، ثم خطب
(2)
.
واحتج الطحاوي لأصحابه في ذلك فقال: لما اختلفت الآثار فيه نظرنا فوجدنا الجمعة فيها خطبة، وهي قبل الصلاة عكس العيد، وهي بالعيد أشبه منها بالجمعة
(3)
.
وقال القاضي أبو محمد: لا خلاف في تقديمها على الخطبة
(4)
، إلا ما حكي عن ابن الزبير
(5)
، وهو عجيب منه. فقد روي عن مالك خلافه، وهو قول العمرين. وبه قَالَ الليث، والذي في "الموطأ"
(6)
و"المدونة"
(7)
، وهو المشهور من مذهب مالك، وقول جميع الفقهاء ما سلف. وقال أشهب في "مدونته": اختلف الناس في ذلك، واختلف فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقول مالك. فكان قول الأول الخطبة قبل كالجمعة. ودليله الحديث المذكور.
(1)
برقم (1027).
(2)
رواه ابن ماجه (1268) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء.
وأحمد 2/ 326.
وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 338 (1422) كتاب: الصلاة، باب: إعادة الخطبة ثانية بعد صلاة الاستسقاء.
والبيهقي 3/ 347 كتاب: الاستسقاء، باب: الدليل على أن السنة في صلاة الاستسقاء السنة في صلاة العيدين. وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(261).
(3)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 326.
(4)
"المعونة" 1/ 187، وانظر:"المغني" 2/ 288.
(5)
روى ذلك عبد الرزاق 3/ 86 (4899) كتاب: الصلاة، باب: الاستسقاء.
(6)
"الموطأ" ص 206.
(7)
1/ 153.
17 - باب كَيْفَ حَوَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ إِلَى النَّاسِ
؟
1025 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قَالَ: فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ. [انظر: 1005 - مسلم: 894 - فتح: 2/ 514]
ذكر فيه حديث عباد بن تميم عَنْ عَمِّهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قَالَ: فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، ثمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلى لنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ.
ثم ترجم له:
18 - باب صَلَاةِ الاِسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ
.
1026 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ. [انظر: 1005 - مسلم: 894 - فتح: 2/ 514]
ثم ساقه من حديث عباد عَنْ عَمِّهِ أَن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ.
ثم ترجم له:
19 - باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي المُصَلَّى
.
1027 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ. قَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي المَسْعُودِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: جَعَلَ اليَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ. [انظر: 1005 - مسلم: 894 - فتح: 2/ 515]
ثم ساقه من حديث عَبَّاد، عَنْ عَمِّهِ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي .. الحديثُ. ثم قال: قَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي المَسْعُودِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ قَالَ: جَعَلَ اليَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ. والمسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبه بن مسعود أخو أبي العميس، عتبة أهمله الكلاباذي في "رجال البخاري".
ثم ترجم:
20 - باب اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
1028 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى يُصَلِّي، وَأَنَّهُ لَمَّا دَعَا -أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ- اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ زَيْدٍ هَذَا مَازِنِيٌّ، وَالأَوَّلُ كُوفِيٌّ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ. [انظر: 1005 - مسلم: 894 - فتح: 2/ 515]
وزاد فيه: أَنَّهُ لَمَّا دَعَا -أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ- اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الله هَذَا مَازِنِيٌّ، وَالأَوَّلُ كُوفِيٌّ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ.
الشرح:
سنة من برز إلى الاستسقاء أن يستقبل القبلة ببعض دعائه.
وسنة من خطب الناس معلمًا لهم وواعظًا أن يستقبلهم بوجهه أيضًا، ثم يعود عند دعاء الاستسقاء فيستقبل القبلة؛ لأن الدعاء مستقبلها أفضل.
واختلف قول مالك وأصحابه في وقت تحويل الإمام ردائه على أقوال أسلفناها في بابه، وهي خارجة من الحديث، من أجل شك المحدث في تحويل الرداء، إن كان قبل الدعاء أو بعده، ولم يذكر في الحديث التكبير في الصلاة كتكبير العيدين، وهو قول الشافعي كما نقله عنه الطحاوي، ثم ذكر حديثًا طعن في إسناده
(1)
. والصحيح من مذهبه أنه يبدله بالاستغفار.
وحديث: (خرج إلى المصلى يستسقي). فيه: أن الصلاة قبل الخطبة؛ لأنه فيه ذكر قلب الرداء، والعلماء قاطبة على أنه مختص
(1)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 324.
بالخطبة، إلا أن منهم من قَالَ: بعد تمامها. ومنهم من قَالَ: بعد صدر منها، ومنهم من قَالَ: عند فراغها على ما سلف. فإذا كانت الخطبة وقلب الرداء بعد الصلاة، فهو الذي ذهب إليه مالك أن الصلاة قبل الخطبة، وهو نص الحديث.
وقوله: (ثم جعل اليمين على الشمال)، قد سلف ما للعلماء فيه. قَالَ المهلب: وفيه دليل على أن الشارع كان يلبس الرداء على حسب لباسنا، وهو غير الاشتمال؛ لأنه حوَّل ما على يمينه على يساره، ولو كان لباسه اشتمالًا لما صحت العبارة عنه إلا بأن يقال: قلب أسفله أعلاه، أو حل رداءه فقلبه، وهذا ظاهر
(1)
.
وقوله: (وخرج بهم إلى المصلى) قال على أن له موضعًا يختص به وهو المصلى؛ لأن الألف والسلام للعهد.
وهل يصلى قبل الاستسقاء وبعدها؟ أجازه مالك في "الموطأ"
(2)
، و"المدونة"
(3)
، وقال ابن وهب: يكره فيهما. قَالَ ابن حبيب: وبه أقول
(4)
. وقاله جماعة من لقيت.
(1)
انظر: "شرح ابن بطال" 3/ 20.
(2)
1/ 239 (609) باب: العمل في الاستسقاء.
(3)
"المدونة" 1/ 154.
(4)
انظر: "الذخيرة" 2/ 436.
21 - باب رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإِمَامِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
1029 -
قَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ البَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَاشِيَةُ، هَلَكَ العِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ، قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَشِقَ المُسَافِرُ، وَمُنِعَ الطَّرِيقُ. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 516]
1030 -
وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ، سَمِعَا أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. [1031، 3565، 6341 - مسلم: 895 - فتح: 2/ 516]
وقال أيّوب بْنُ سُلَيْمَانَ بن بلال: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ البَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَاشِيَةُ .. الحديث، إلى أن قال: حَتَّى إذا كَانَتِ الجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَشِقَ المُسَافِرُ، وَمُنِعَ الطَّرِيقُ.
الشرح:
هذا الحديث أخرجه النسائي مختصرًا، عن بندار، عن أبي هشام المغيرة بن سلمة، عن وهيب، عن يحيى بن سعيد، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اللهم اسقنا"
(1)
، وأسنده البيهقي من حديث أبي إسماعيل
(1)
"المجتبى" 3/ 160، "السنن الكبرى" 1/ 560 (1823): أخبرنا محمد بن بشار به. ومحمد بن بشار يلقب: بندار.
محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا يوسف بن سليمان، ثم ساقه إلى آخره ثم قال: أخرجه البخاري في "الصحيح" فقال: وقال أيوب بن سليمان.
ورواه الإسماعيلي عن أبي إسماعيل المذكور به، وفيه: حبس المسافر، وانقطع الطريق
(1)
.
ورواه أبو نعيم من هذا الوجه أيضًا. ثم قَالَ: ذكره البخاري، عن أيوب بلا رواية، وفيه:(أشق) وقال غيره: (لشق). قَالَ ابن الجوزي عن البخاري (بشق) أي: اشتد السفر عليه، وقيل: انحصر، وقيل: حبس واعتقل. وقيل: بالباء خطأ إنما هو بالنون. وقال ابن دريد: بشق، وبشك إذا أسرع. وقال الخطابي: بشق ليس بشيء، وإنما هو لثق من اللثق وهو الوحل. يقال: لثق الطريق، ولثق الثوب إذا أصابه ندى المطر ولطخ الطين. ويحتمل أن يكون مشق بالميم، يريد أن الطريق صارت مزلة زلقا، ومنه مشق الخط
(2)
، والميم والباء يتقاربان.
وقال ابن الأثير: قيل: معناه: تأخر، وقيل: حبس، وقيل: ملّ، وقيل: ضعف
(3)
.
وذكر الرواة في الحديث على ما قاله ابن بطال (بشق) -بالباء
(4)
- ولم أجد له في اللغة، ووجدته في "نوادر اللحياني" نَشِق -بالنون وكسر الشين وارتبق وانربق ونشب، وعلق واستورط، وارتبط، واستبرق بمعنى: نشب، وعلى هذا يصح المعنى؛ لقوله ومنع الطريق
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 357 كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 606.
(3)
"النهاية" 1/ 130.
(4)
"شرح ابن بطال" 3/ 21.
وقال كراع: نشق الصيد في الحبالة نَشَقًا نشب. وكذلك فراشه القفل، وقال المطرز: النشاقة: حبالة الصائد. وقال أبو عبيد في "المصنف": الربقة والنشقة: الحلقة التي تشد بها الغنم. وقال ابن فارس في باب النون والشين: نَشِقَ الظبي في الحِبَالة: عَلِق، ورجل نَشِق: إذا وقع في أمر لا يكاد يتخلص منه
(1)
، وهذا أبين
(2)
مما ذكره أبو سليمان؛ لأن بشق يصح أن يكون تصحيفًا، بخلاف لثق. وقال الدمياطي: قيل: إنه الصواب، وقيد الأصيلي نَشق بفتح النون، وفي "المنضد" بكسرها، وقيل: إنه مشتق من الباشق، وهو ظاهر لا ينصرف إذا كثر المطر، وقيل: ينفر الصيد ولا يصيد، حكاه عياض
(3)
.
وقوله: (رفع يديه) هو سنة الاستسقاء، وقد سلف ما فيه في الجمعة.
قَالَ ابن حبيب: كان مالك يرى رفع اليدين في الاستسقاء للناس والإمام وبطونهما إلى الأرض. وذلك العمل عندنا للاستكانة والخوف والتضرع، وهو الرهب، وأما عند الرغب والمسألة فيبسط الأيدي، وهو الرغب، وهو معنى قوله:{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90]
(4)
: خوفًا وطمعًا، وقوله:(يدعون) فيه دلالة على أنهم يدعون معه والناس يؤمنون، أو يقولون مثل قوله.
(1)
"مجمل اللغة" 3/ 868.
(2)
انظر: "لسان العرب" 7/ 4431 - 4432.
(3)
"مشارق الأنوار" 1/ 101.
(4)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 513 - 514.
22 - باب رَفْعِ الإِمَامِ يَدَهُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
1031 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. [انظر: 1030 - مسلم: 895 - فتح: 2/ 517]
ذكر فيه حديث أنس: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ في شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا في الاِسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّة يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
.
وأول على أن المراد الرفع البليغ. وألحق ابن القاسم في "المدونة" مواضع الدعاء، ومنها الصفا والمروة، وعند الجمرتين، وبعرفات، وبالمشعر الحرام، رفعًا خفيفًا
(2)
.
(1)
"صحيح مسلم"(895) كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء.
(2)
1/ 71.
23 - باب مَا يُقَالُ إِذَا أَمْطَرَتْ
.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (كَصَيِّبٍ)[البقرة:19] المَطَرُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: صَابَ وَأَصَابَ يَصُوبُ.
1032 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ قَالَ:"صَيِّبًا نَافِعًا". تَابَعَهُ القَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ وَعُقَيْلٌ عَنْ نَافِعٍ. [فتح: 2/ 518]
ثم ذكر حديث عائشة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ قَالَ: "صَيِّبًا نَافِعًا".
هذا الأثر أخرجه الطبري في "تفسيره"
(1)
.
والحديث من أفراد البخاري: وفي رواية لأبي داود "صَيِّبًا هنيئًا"
(2)
وفي رواية لابن ماجه: "اللهم سيبًا نافعًا" مرتين أو ثلاثًا
(3)
، والسيب: العطاء. وللنسائي في "سننه الكبرى": "اجعله سيبًا نافعا"
(4)
.
و (الصيب): المطر. وقال الخطابي: المطر الشديد
(5)
. وذكر الدارقطني اختلافًا في إسناده، وقال: الصحيح طريق البخاري، قَالَ البخاري: تابعه القاسم بن يحيى، عن عبيد الله. ورواه الأوزاعي، عن عقيل، عن نافع.
ذكر الدارقطني رواية الأوزاعي مرة عن نافع، ومرة عن رجل عنه، ومرة
(1)
"تفسير الطبري" 1/ 182 (407).
(2)
أبو داود (5099).
(3)
"سنن ابن ماجه"(3889) كتاب: الدعاء، باب: الرجل إذا رأى السحاب والمطر.
(4)
"السنن الكبرى" 1/ 561 (1828).
(5)
"أعلام الحديث" 1/ 608.
عن محمد بن الوليد، عن نافع، وذكره مرة عن عقيل بن خالد عن نافع.
ونقل البيهقي عن يحيى بن معين، أنه كان يزعم أن الأوزاعي لم يسمع من نافع قول ابن عمر
(1)
.
و (القاسم بن يحيى) من أفراد البخاري.
وقول ابن عباس: ({كَصَيِّبٍ}: المطر) هو: فعيل من صاب يصوب إذا نزل من علو إلى سفل.
قوله: ("صيبًا") سلف تفسيره. قَالَ صاحب "المطالع": أصله: صَيْوِب في مذهب البصريين، وعند غيرهم صويب. وضبط الأصيلي (صيبًا) بتخفيف الياء يُقال: صاب السحاب وأصاب إذا مطر، وأظن الواو تصحفت بالألف. وفي كتاب "الأفعال": صاب يصوب صوبًا وصيبًا فأصاب مطره
(2)
. ويقال صاب الشيء نزل من علو إلى سفل، وصاب إذا قصد. وقال ابن الأثير: أصله: الواو؛ لأنه من صاب يصوب إذا نزل، وبناؤه صيوب، فأبدلت الواو ياء وأدغمت
(3)
.
وقال ابن التين: (صيبًا) مخفف في رواية أبي الحسن، ومشدد في رواية أبي ذر على وزن فيعل أصله: صيوب، إلا أن من أصلهم إذا التقت الواو والياء وسبق الأول منها بالسكون قلبت الواو ياء كانت أولًا أو آخرًا وأدغمت الأولى في الثانية مثل عجيز في تصغير عجوز، والأصل: عُجَيْوِز.
وقال ابن بطال: قَالَ ابن عيينة: حفظناه (سيبًا)
(4)
.
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 361 كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: ما كان يقول إذا رأى المطر.
(2)
"الأفعال" لابن القطاع 2/ 255.
(3)
"النهاية" 2/ 64.
(4)
"شرح ابن بطال" 3/ 22.
وقال الخطابي: المسيب: العطاء
(1)
، وقد سلف، والسيب مجرى الماء، والجمع سيوب، وقد ساب يسوب إذا جرى.
أما فقه الباب: ففيه: الدعاء في الازدياد من الخير والبركة فيه، والنفع فيه.
وقد صرح أصحابنا
(2)
باستحباب ذلك عند المطر
(3)
.
(1)
"أعلام الحديث" 2/ 432.
(2)
انظر: "روضة الطالبين" 2/ 95.
(3)
في هامش الأصل: ثم بلغ في التسعين كتبه مؤلفه غفر الله له.
24 - باب مَنْ تَمَطَّرَ فِي المَطَرِ حَتَّى يَتَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ
1033 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَ المَالُ، وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ الله لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، قَالَ: فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ، قَالَ: فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَفِي الغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ الله لَنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وَقَالَ:"اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا". قَالَ: فَمَا جَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلاَّ تَفَرَّجَتْ حَتَّى صَارَتِ المَدِينَةُ فِي مِثْلِ الجَوْبَةِ، حَتَّى سَالَ الوَادِى -وَادِي قَنَاةَ- شَهْرًا. قَالَ: فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالجَوْدِ. [انظر: 932 - مسلم: 897 - فتح: 2/ 519]
فيه حديث أنس: هَلَكَ المَالُ، وَجَاعَ العِيَالُ .. إلى آخره.
سلف في باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة
(1)
.
وهو دال على الاستزادة من المطر مع دوامه والصبر للوابل. ولا ينفر وجمعه في الثياب وغيرها عند الحاجة إليه، وكذلك في كل نعمة وفضل يستزاد منه ويشكر.
وفيه: بركة دعوة الشارع.
(1)
سبق برقم (933) باب: الاستسقاء في الخطبة.
و (تَمَطَّرَ للمَطَرِ) بمعناه تعرض، وتفعل عند العرب تأتي بمعنى: أجزل من الشيء بعضًا بعد بعض، نحو كسيت أكسا وتنقصته الأيام.
وقوله (وَادِي قَنَاة) هو مضاف غير مصروف؛ لأنه معرفة، وسلف في الجمعة حَتَّى سأل الوادي قناة
(1)
غير مصروف أيضًا؛ لأنه بدل من معرفة، وقد أسلفنا ذلك هناك.
(1)
سبق برقم (933) باب: الاستسقاء في الخطبة.
25 - باب إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ
1034 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إِذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [فتح: 2/ 520]
ذكر فيه عن أنس قال: كَانَتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إِذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وجهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. هذا الحديث من أفراده.
وفي حديث آخر في "الصحيح" أن عائشة قالت: قيل له ذلك، فذكر قصة عاد
(1)
، وقوله:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن يصيبهم عقوبة ذنوب العامة، كما أصاب الذين قالوا:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]. وفيه تذكر ما ينسى الناس من عذاب الله عز وجل للأمم الخالية، والتحذير من طريقهم في العصيان خشية نزول ما حل بهم، قَالَ تعالى {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى} إلى قوله:{الخَاسِرُونَ} [الأعراف: 97 - 98] وعلى هذا كان الأنبياء والصالحون يشعرون أنفسهم الخوف من الله تعالى، يقول الله:{وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ} [الحج: 34] وهم الخاشعون، كذا قَالَ الداودي، واعترضه ابن التين بأن المعروف أن المخبت: المطمئن بأمر الله تعالى، وقيل: الذي لا يظلم، وإذا ظلم لم ينتصر.
ومصدر (هبت الريح) هبوبًا، والتيس هبابًا، والنائم هبًا، والسيف هبة، والبعير هبابًا، إذا نشط من سفره. قَالَ أشهب: إذا هبت الريح الشديدة فافزع إلى الصلاة.
(1)
رواه مسلم برقم (899) كتاب: صلاة الاستسقاء.
26 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا
"
1035 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ". [3205، 3343، 4105 - مسلم: 900 - فتح: 2/ 520]
ذكر فيه حديث ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وأخرجه البخاري في بدء الخلق
(2)
، وأحاديث الأنبياء
(3)
، وغزوة الخندق من المغازي
(4)
، وبوب عليه البيهقي باب أي الريح يكون منها المطر
(5)
.
و (الصَّبا) بفتح الصاد المهملة، مقصورة: الريح الشرقية تأتي لينة، وهي القبول أيضًا.
قَالَ الشافعي: أخبرنا من لا أتهم، ثنا عبد الله بن عبيد الله، عن محمد بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"نصرت بالصبا، وكانت عذابًا على من كان قبلنا"
(6)
.
قلتُ: والصَّبا إحدى الرياح الأربع: الصبا؛ والدبور مقابلها، والشمال؛ والجنوب مقابلها. قَالَ الجوهري: مهب الصبا المستوى أن
(1)
"صحيح مسلم"(900) كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: في ريح الصبا والدبور.
(2)
سيأتي برقم (3205) كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في قوله {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} .
(3)
سيأتي برقم (3343) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قوله الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} .
(4)
سيأتي برقم (4105).
(5)
"السنن الكبرى" 3/ 364 كتاب: صلاة الاستسقاء.
(6)
"مسند الشافعي" 1/ 176 (505) باب: في الدعاء.
تهب من موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار
(1)
.
والشمال الريح التي تهب من ناحية القطب يعني: الجدي؛ لأنها تأتي من جهة الشمال، والجمع شمالات بالفتح، وشمائل على غير قياس. والوارد في أشعار العرب وأقوالهم أن الجنوب تجمع السحاب، والشمال تقصره؛ فتأتي بالمطر. والصبا تسلي عن المكروب. فهذه الثلاثة تأتي بخير وهي المنشآت. وعبارة ابن التين: الرياح ثمانية: قبول: وهي التي تأتي من مطلع الشمس، ودبور: وهي التي تأتي من دبر تلك القبلة، والصبا: عن يمين مستقبلة القبلة وهي الجنوب؛ لأنها من جانب الأيمن. وعند أهل اللغة أن الصبا هي القبول. والشمال عن شمال مستقبل تلك القبلة؛ لأنها عن شماله. وبين كل ريحين من هذه ريح تسمى النكباء.
و (نَصْرُهُ بالصبا) يريد ما أنعم الله به في غزوة الخندق على المسلمين، وكان صلى الله عليه وسلم المسلمون في شدة وضيق، وتجمعت المشركون لقتاله. فبعث الله على المشركين ريحًا باردة في ليالٍ شاتية شديدة البرد، وكانت ريح الصبا فأطفئت النيران، وقطعت الأطناب، وألقت المضارب والأخبية، وألقى الله عليهم الرعب، فانهزموا في غير قتال ليلًا.
وجاء في التفسير أن ريح الصبا هي التي حملت ريح يوسف قبل البشير إلى يعقوب فإليها يستريح كل محزون
(2)
.
(1)
"الصحاح" 6/ 2398.
(2)
انظر: "تفسير البغوي" 4/ 275. و"زاد المسير" لابن الجوزي 4/ 284.
وقال الداودي: إذا أراد نصر قوم أتت الرياح من جهتهم فسدت عيون مقاتليهم، فأوهنتهم، ومنه قوله تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] والريح القبول: هي التي تأتي من مطلع الشمس، وقيل لها قبول؛ لأنها كانت القبلة قبل الإسلام.
وقال القزاز: سميت الصبا قبولًا؛ لأنها تقابل باب الكعبة. يقال: صبت الريح تصبو صبًا إذا هبت بالقبول.
وغَلَّطَ ابن التين الداودي. وأما الدبور فهي بفتح الدال: الغربية وهي الريح العقيم؛ لأنها لا تلقح الشجر، وتهدم البنيان، وتقلع الأشجار، وهي مذمومة في القرآن العظيم، وهي التي تقابل الصبا، سميت بذلك؛ لأنها تأتي من دبر الكعبة.
وفي الحديث تفضيل المخلوقات بعضها على بعض، وإخبار المرء عن نفسه بما خصه الله به، والإخبار عن الأمم الماضية وإهلاكها على وجه التحدث بالنعم والاعتراف بها والشكر له لا على وجه الفخر في حقنا.
27 - باب مَا قِيلَ فِي الزَّلَازِلِ وَالآيَاتِ
1036 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ -وَهْوَ القَتْلُ القَتْلُ- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضُ". [انظر: 85 - مسلم: 157 - فتح: 2/ 521]
1037 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِى يَمَنِنَا. قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا. قَالَ: قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا. قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا قَالَ: قَالَ: هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ. [7094 - فتح: 2/ 521]
ذكر فيه حديثين:
أحدهما: حديث أبي هريرة: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْم .. " الحديث.
الحديث الثاني: حديث نافع عن ابن عمر: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا .. الحديث.
الشرح:
أما الحديث الأول فالمراد بقبض العلم فيه أكثره فيقل، ومنه "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا، ولكن بقبض العلماء"
(1)
يبينه قوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حَتَّى يأتي أمر الله"
(2)
، وقوله تعالى {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33] ولن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة، ومن مبين طريق المحجة.
(1)
سبق برقم (100) كتاب: العلم، باب: كيف يقبض العلم.
(2)
سبق برقم (71) كتاب: العلم، باب: من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين.
وقوله: ("وتكثر الزلازل") هو جمع زلزلة: وهي حركة الأرض بتحرك الموضع منها حَتَّى ربما سقط البناء. وظهورها والآيات وعيد من الرب جل جلاله لأهل الأرض: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، وكذا قَالَ صلى الله عليه وسلم إنه وعيد شديد لأهل الأرض. والتخويف والوعيد بهذه الآيات إنما يكون عند المجاهرة بالمعاصي والإعلان بها، ألا ترى قول عمر حين زلزلت المدينة في أيامه: يا أهل المدينة، ما أسرع ما أحدثتم؛ والله لإن عادت لأخرجن من بين أظهركم؛ فخشى أن تصيبه العقوبة معهم
(1)
. كما قالت عائشة لرسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قَالَ: "نعم، إذا كثر الخبث"
(2)
وإذا هلكت العامة بذنوب الخاصة بعث الله الصالحين على نياتهم.
واختلف في الصلاة عند الزلزلة والنار وسائر الآيات كما قَالَ ابن المنذر، فقالت طائفة: يصلى عندها كما في الكسوف، وروي عن ابن عباس أنه صلى في الزلزلة بالبصرة. وقال ابن مسعود: إذا سمعتم هذا من السماء فافزعوا إلى الصلاة
(3)
. وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور
(4)
، وكان مالك والشافعي لا يريان ذلك
(5)
. وروى الشافعي أن عليًّا صلى في الزلزلة جماعة، ثم قَالَ: إن صح قلتُ به
(6)
، فمن
(1)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 222 (8335)، ونعيم بن حماد المروزي في "الفتن" 2/ 620 - 621 (1731)، والبيهقي 3/ 342 من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد قاله زلزلت الأض على عهد عمر .. الحديث.
(2)
رواه الترمذي (2185)، وسيأتي برقم (3346). ورواه مسلم (2880) من حديث زينب بنت جحش.
(3)
"الأوسط" 5/ 314.
(4)
"المغني" 3/ 332 - 333.
(5)
انظر: "المدونة" 1/ 152، "التمهيد" 5/ 298، "الأم" 1/ 218، "البيان" 2/ 670.
(6)
انظر: "معرفة السنن والآثار" 5/ 158 (7163).
أصحابه من قَالَ: هذا قول آخر له في الزلزلة وحدها، ومنهم من عمم في جميع الآيات
(1)
، لكنه لم يصح عن علي، ولو ثبت فعل علي للصلاة منفردًا، ولنا ما جاء عن غير علي من نحو هذا،
وقال الكوفيون: الصلاة في ذلك حسنة
(2)
، وحديث الكسوف "فإذا رأيتم شيئًا من ذلك"
(3)
يعم الزلازل وجميع الآيات، لكن رواية "فإذا رأيتموهما"
(4)
يعني: الشمس والقمر تأباه، وما صلى الشارع إلا في الشمس والقمر، وهو المنقول عن فعله
(5)
.
وقال الشافعي: قَالَ الله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} [فصلت: 37] الآية، وقال:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ} [البقرة: 214] الآية. مع ذكر غيرها من الآيات في كتابه، فذكر الآيات ولم يذكر معها سجودًا إلا مع الشمس والقمر، وأمر أن لا يُسجد لهما وأمر أن يُسجد له. فاحتمل أمره أن يُسجد له عند ذكر الشمس والقمر، أن يؤمر بالصلاة عند حادث فيهما. واحتمل أن
(1)
انظر: "روضة الطالبين" 2/ 89. وقال القفال رحمه الله: ولا تسن هذِه الصلاة لآية سوى الكسوف. من الزلازل. والصواعق والظلمة بالنهار. وحكي في "الحاوي": أن الشافعي رحمه الله حكى في اختلاف علي أنه صلى في زلزلة. وحكي أن الشافعي رحمه الله قال: إن صح قلت به. فمن أصحابنا من قال: أراد إن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم من قال: أراد إن صح عن علي رضي الله عنه. ومنهم من قال. قلت به. أراد في الزلزلة خاصة. ومنهم من قال: في سائر الآيات. والأصح من ذكرناه. "حلية العلماء" 2/ 270.
(2)
انظر: "الأصل" 2/ 75، "المبسوط" 1/ 444.
(3)
سيأتي برقم (1059) كتاب: الكسوف، باب: الذكر في الكسوف.
(4)
سيأتي برقم (1045) كتاب: الكسوف، باب: الصلاة في كسوف الشمس.
(5)
انظر: "الأوسط" 5/ 314.
يكون إنما نهى عن السجود لهما كما نهى عن عبادة ما سواه، فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يصلى عند كسوفهما فاشتبه ذلك الاختصاص بهما، ولا يفعل في شيء غيرهما، هذا معنى كلامه ملخصًا.
وقال ابن التين: استحب بعض العلماء أن يفزع إلى الصلاة عند الزلازل والظلمة. نص عليه عند أشهب في الظلمة والريح الشديدة، وقال: يصلون أفرادًا وجماعةً
(1)
، وكره في "المدونة" السجود عند الزلازل وسجود الشكر
(2)
. ويروى عن مالك جواز السجود عند الشكر، وعلى هذا يجوز عند الزلازل أن يسجد خوفًا.
وقوله: "ويتقارب الزمان" في معناه أربعة أقوال، حكاها ابن الجوزي:
أحدها: أنه قرب القيامة، والمعنى إذا اقتربت القيامة كان من شرطها الشح والهرج.
ثانيها: أنه قصر مدة الأزمنة عما جرت به العادة، كما جاء حين تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم.
ثالثها: أنه قصر الأعمار يعني: قلة البركة فينا.
رابعها: أنه تقارب أحوال الناس في غلبة الفساد عليهم. ويكون المعنى: يتقارب أهل الزمان أي: تتقارب صفاتهم في القبائح. ولهذا ذكر على أثره الهرج والشح.
وقال ابن التين: قيل: إن الأيام والليالي والساعات تقصر.
ويحتمل أن يريد تقارب الآيات بعضها من بعض، وقرب الساعة. قَالَ
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 512.
(2)
1/ 104، 1/ 152.
تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء:1]، وقال:{قْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر:1].
وقال المنذري في "حواشيه": قيل: معناه: تطيب تلك الأيام، حَتَّى لا تكاد تُستطال بل تقصر. وقيل: على ظاهره من قصر مددها.
وقيل: تقارب أحوال أهله في قلة الدين حَتَّى لا يكون فيهم من يأمر بالمعروف، ولا يُنهى عن منكر؛ لغلبة الفسق وظهور أهله.
قَالَ الطحاوي: وقد يكون معناه في ترك طلب العلم خاصة.
وقوله: ("يكثر الهرج وهو القتل"). " قَالَ ابن التين: الهرج ساكن الراء: القتل، كما ذكر وبتحريكها: أن تظلم عينا البعير من شدة الحر.
وقوله: ("حَتَّى يكثر فيكم المال فيفيض") الفيض: الكثيرة، كما قاله أهل اللغة
(1)
. قَالَ صاحب "المطالع": يفيض المال أي: يكثر حَتَّى يفضل منه بأيدي ملاكه ما لا حاجة لهم به. وقيل: بل ينتشر في الناس ويعمهم، وهو الأولى.
وقد سلف نحو هذا الحديث في باب رفع العلم
(2)
، فليراجع منه.
وفي الحديث أشراط من الساعة قد ظهرت، قَالَ ابن بطال: ونحن في ذلك قد قُبض العلم، وظهرت الفتن، وعمت وطبقت، وكثر الهرج -وهو القتل- وكثر المال، ولا سيما عند أراذل الناس، كما جاء في الحديث "عند تقارب الزمان يكون أسعد الناس في الدعاء لكع بن لكع"
(3)
، "ويتطاول،
(1)
انظر: "الصحاح" 6/ 3500.
(2)
سبق برقم (85) كتاب: العلم.
(3)
رواه الترمذي برقم (2209) كتاب: الفتن، باب: منه. وأحمد 5/ 389. والبيهقي في "دلائل النبوة" 6/ 392. والبغوي في "شرح السنة" 14/ 346 (4154).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو. =
رعاة الإبل البهم في البنيان"
(1)
، وقد شاهدناه عيانًا، أعاذنا الله من سوء المنقلب، وختم أعمالنا بالسعادة والنجاة من الفتن
(2)
. هذا لفظه.
فكيف لو أدرك زماننا هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما الحديث الثاني فيأتي نحوه في الفتن، من طريق نافع عن ابن عمر
(3)
، وأخرجه الترمذي في المناقب، وقال: حسن صحيح غريب
(4)
. قَالَ: وقد روي هذا الحديث أيضًا عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في نسخ وقف هذا الحديث على ابن عمر، وفي نسخة الدمياطي رفعه، قَالَ الحميدي: وقد اختلف على ابن عون فيه، فروي عنه مسندًا وموقوفًا على ابن عمر من قوله
(5)
.
والخلاف إنما وقع من حسين بن حسن، فإنه هو الذي روى الوقف، أما غيره فرواه مرفوعًا.
قلتُ: وحسين هذا ثقة، مات سنة ثماني وثمانين ومائة، بعد معتمر لسنة.
= وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وله شاهد من حديث أنس بن مالك رواه الطبراني في "الأوسط" 1/ 197 (628) وذكره الهيثمي في "المجمع" 7/ 325 ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير الوليد بن عبد الملك بن مسرح، وهو ثقة.
وللحديث شواهد أخرى من حديث عمر بن الخطاب وأبي ذر وأبي هريرة وأبي بردة بن نيار.
(1)
جزء من حديث سبق برقم (50) كتاب: الإيمان، باب: سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة.
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 27.
(3)
برقم (7094) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم الفتنة من قبل المشرق.
(4)
"سنن الترمذي"(3953) باب: في فضل الشام واليمن.
(5)
"الجمع بين الصحيحين" 2/ 165.
ونقل ابن بطال عن القابسي أنه سقط من الحديث (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأن مثل ذلك لا يدرك بالرأي
(1)
. وهذا نقله ابن التين عن أبي الحسن.
إذا علمت ذلك؛ فالشام مأخوذ من اليد الشومى، وهي اليسرى أي: عن يسار الكعبة. واليمن مأخوذ عن اليمين؛ لأنها عن يمين الكعبة. قَالَ ابن الأعرابي: ما كان عن يمينك إذا خرجت من الكعبة فهو يمن، وما كان عن يسارك فهو شام. قَالَ: وقيل: إنما سمي اليمن؛ لأنه عن يمين الشمس.
وقوله: (قالوا: وفي نجدنا قَالَ: "اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا"، قالوا: وفي نجدنا. قَالَ: "هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان") وفي رواية أخرى: (ذكر ذلك مرتين)
(2)
، وفي أخرى:(ثلاثًا)
(3)
، وفي رواية عبيد الله، عن أبيه عبد الله بن عون -أخرجها الإسماعيلي- فلما كان في الثالثة أو الرابعة قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا، قَالَ: أظنه قَالَ: "وفي نجدنا" قَالَ: بها الزلازل والفتن.
وخصت الفتن بالمشرق؛ لأن الدجال ويأجوج ومأجوج يخرجون من هناك.
وروى معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن كعب قَالَ: يخرج الدجال من العراق
(4)
، وقال عن عبد الله بن عمرو بن العاص: يخرج الدجال من كورٍ من الكوفة
(5)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 3/ 27.
(2)
سيأتي برقم (7094) كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم الفتنة من قبل المشرق.
(3)
"جامع معمر" مع "المصنف" 11/ 396.
(4)
"جامع معمر" مع "المصنف" 11/ 396.
(5)
السابق 11/ 395 (30829) كتاب: الجامع، باب: الدجال.
و (قرن الشيطان) ذهب الداودي إلى أن له قرنًا حقيقة، يطلع مع الشمس، ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين به على الإضلال. ولا يمتنع أن يخلق الله شيئًا يسمى شيطانًا تطلع الشمس بين قرنيه، ويحتمل أن يريد به قبائل من الناس يستعين بهم الشيطان على كفره.
وفي حديث: "القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب البقر؛ حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر"
(1)
.
وقال ابن بطال: أمته وحزبه
(2)
، وقال المهلب: إنما ترك الدعاء لأهل المشرق -والله أعلم- ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم؛ ولاستيلاء الشيطان بالفتن فيها كما دعا على أهل مكة بسبع كسبع يوسف؛ ليؤذيهم بذلك. وكذا دعا أن ينقل الحمى إلى الجحفة. وذلك والله أعلم لما رآه من إرداف السوداء في المنام، فتأول أنهم أحق بمثل هذا البلاء؛ ليضعفوا عما كانوا عليه من أذى الناس، وإنما لم يقل: في نجدنا؛ لأنه لا يحب أن يدعو بما سبق في علم الله خلافه؛ لأنه لا يبدل القول لديه.
وقول ("هناك الزلازل") يعني: ما كان بتلك الجهة من الحروب والفتن.
(1)
سيأتي برقم (3302) كتاب: بدء الخلق، باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال.
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 28.
28 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)}
[الواقعة: 82]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شُكْرَكُمْ.
1038 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ ". قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ. فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا. فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ". [فتح: 2/ 522]
وهذا رواه عبد بن حميد في "تفسيره" من حديث عكرمة عنه، ومن حديث عمرو عنه الاستسقاء بالأنواء
(1)
.
ثم روى حديث زيد بن خالد الجهني: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ .. الحديث.
سلف في باب يستقبل الإمام الناس إذا سَلَّم
(2)
. كذا فسر ابن عباس الرزق بالشكر هنا، وروي عنه أنه قَالَ: هو استسقاؤهم بالأنواء
(3)
، وقد تقدم.
وكانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا، وروي عن علي بن أبي طالب أنه كان يقرأ:(وتجعلون شكركم أنكم تَكذِبون) بفتح التاء وتخفيف الذال،
(1)
رواه عبد بن حميد كما في "الدر المنثور" 6/ 236.
(2)
سبق برقم (846) كتاب: الأذان.
(3)
رواه الطبري في "تفسيره" 11/ 662 (33557 - 33559).
وهي قراءة تؤول على التفسير. وذكرت عن ابن عباس، إلا أنها مخالفة للمصحف الذي وقع الإجماع عليه.
وقيل: معناه شكر رزقكم كقوله: {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ} . وقيل هو مثل عتابك السيد أي: الذي يقوم مقام الشكر التكذيب؛ لقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28].
وقال الطبري: إن قلت: كيف يكون الرزق بمعنى الشكر؟ ثم أجاب عنه بمخارج في اللغة:
أحدها: أن يراد به وتجعلون ما جعله الله سببًا لرزقكم من الغيوث أنكم تكذبون به، ثم ترك ذكر السبب وأقيم الرزق مقامه إذ كان مؤديًا عنه كما قَالَ تعالى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَه} [آل عمران: 175] بمعنى يخوف بأوليائه، إذ كان معلومًا أنه لا يخاف من كان له وليا، وإنما يخوف من كان له عدوًّا، فاكتفي بذكر أوليائه.
ثانيها: أن يكون المراد: وتجعلون رزقكم الذي رزقكم من الغيث الذي به حياتكم، ووجب به عليكم شكر ربكم تكذيبكم به، فاكتفى بذكر الرزق من ذكر الشكر إذ كان معلومًا أن من رزق إنسانًا فقد اصطنع إليه معروفًا يستوجب به الشكر.
ثالثها: أن يكون الرزق اسمًا من أسماء الشكر، حديث عن الهيثم بن عدي أنه قَالَ: من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان فلانًا بمعنى: ما شكره
(1)
.
قَالَ المهلب: تعليق الترجمة بهذا الحديث هو أنهم كانوا ينسبون الأفعال إلى غير الله تعالى، فيظنون أن النجم يمطرهم ويرزقهم، فهذا
(1)
انظر: "تفسير الطبري" 11/ 662.
تكذيبهم، فنهاهم الله تعالى عن نسبة الغيوث التي جعلها الله تعالى حياة لعباده وبلاده إلى الأنواء، وأمرهم أن يضيفوا ذلك إليه؛ لأنه من نعمته وبفضله عليهم، وأن يفردوه بالشكر على ذلك، والحمد على تفضله.
فإن قلت: إن كان كما وصف من نهي الله ورسوله عن نسبة الغيوث إلى الأنواء، فما أنت قَائل فيما روي عن عمر أنه حين استسقى قَالَ للعباس: يا عم، كم بقي من نوء الثريا؟ فقال العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعًا. قَالَ: فما مضت سابعة حَتَّى مطروا
(1)
؟
قيل: إن ذلك من عمر لم يكن على المعنى المنهي عنه، وذلك أن المنهي عنه إضافة ذلك إلى أنه من فعل النوء وحده، فكان كفرًا. وأما ما كان من عمر فإنه كان [منه أنه]
(2)
من قبل الله تعالى عند نوء النجم، كما يقول القائل: إذا كان الصيف كان الحر، وإذا كان الشتاء كان البرد؛ لا على أن الشتاء والصيف يفعلان شيئًا من ذلك، بل الذي يأتي بها والحر والبرد الرب تعالى خالق كل ذلك. ولكن ذلك من الناس على ما جرت عادتهم فيه، وتعارفوا معاني ذلك في خطابهم، ومرادهم لا على أن النجوم تحدث شيئًا من نفع أو ضر بغير إذن خالقها لها بذلك.
(1)
رواه الحميدي 2/ 201 (1009)، والطبري في "تفسيره" 11/ 662 - 663 (33561)، والبيهقي 3/ 358 - 359 في الاستسقاء، باب كراهية الاستمطار بالأنواء. قال الذهبي في "المهذب" 3/ 1286 - 1287 (5731): حسن غريب.
(2)
طمس بالأصل والمثبت من "شرح ابن بطال" 3/ 29.
29 - باب لَا يَدْرِي مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ إِلَّا اللهُ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللهُ".
1039 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مِفْتَاحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللهُ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الأَرْحَامِ، وَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ". [4627، 4697، 4778، 7379 - فتح: 2/ 524]
هذا التعليق سلف في باب سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام
(1)
.
ثم ساق عن محمد بن يوسف، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "مِفْتَاحُ
(2)
الغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللهُ .. " الحديث.
وأخرجه أيضًا في التفسير
(3)
.
وأخرجه النسائي في النعوت من طريق سفيان الثوري، عن عبد الله ابن دينار، به
(4)
.
ورواه عن ابن عمر ولده سالم كما ستعلمه في سورة الرعد ولقمان من التفسير إن شاء الله
(5)
.
(1)
سبق برقم (50) كتاب: الإيمان.
(2)
في هامش بعد أن علم أنها نسخة: (مفاتيح).
(3)
برقم (4627) باب: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} .
(4)
"السنن الكبرى" 4/ 411 (7728)، باب: قوله جل جلاله: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)} .
(5)
برقم (4697) باب: قوله: {اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} .
و (4778) باب: قوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} .
و (محمد بن يوسف) هذا هو الفريابي، كما صرح به أبو نعيم. ثم قال: رواه -يعني: البخاري- عن الفريابي. وإذا كان الفريابي فسفيان هو الثوري، وبه صرح أصحاب الأطراف، وإن كان سفيان بن عيينة روى عن ابن دينار لكن الفريابي لا يروي إلا عن الثوري. وقد سبق بيان هذا الحديث فيما أسلفناه. ويأتي في التفسير أيضًا.
وقوله: ("لا يدري أحد متى يجيء المطر") يدل على صحة التأويل السالف في الباب قبله، أن نسبة الغيث إلى الأنواء كفر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه لا يعلم متى يجيء المطر إلا الله، فلو كان الغيث من قبل الأنواء لعلم متى يكون المطر على ما رسمه أهل الجاهلية في الأنواء، وقد وجدنا خلاف رسمهم في ذلك بالشهادة، وذلك أنه من فعل الله وحده.
ومصداق هذا الحديث في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية إلى قوله: {تَمُوتُ} [لقمان: 34] وهذه الآية مع هذا الحديث يبطل تحريض المنجمين في تعاطيهم علم الغيب، ومن ادعى علم ما أخبر الله به تعالى ورسوله، أن الله منفرد بعلمه وأنه لا يعلمه سواه فقد كذب الله ورسوله، وذلك كفر من قائله.
وفي حديث آخر: "ولا يدري متى تجيء الساعة" ودليله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} .
آخر الاستسقاء. ولله الحمد
16
الكسوف
[16 - الكسوف]
1 - باب الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
1040 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ". [1048، 1062، 1063، 5785 - فتح: 2/ 526]
1041 -
حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا". [1057، 3204 - مسلم: 911 - فتح: 2/ 526]
1042 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا". [3201 - مسلم: 914]
1043 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ". [1060، 6199 - مسلم: 915 - فتح: 2/ 526]
الكسوف: من كسفت حاله، أي: تغيرت، وأصله: التغطية بنقصان الضوء، والأشهر في ألسِنة الفقهاء: تخصيص الكسوف بالشمس، والخسوف بالقمر.
وادَّعى الجوهري أنه أفصح
(1)
، وقيل: هما فيهما، وبوب له البخاري بابًا كما سيأتي، وقيل: الكسوف للقمر والخسوف للشمس، عكس السالف؛ وهو مردود، وقيل: الكسوف أوله والخسوف آخره.
وقال الليث بن سعد: الخسوف في الكل، والكسوف في البعض فيهما
(2)
. وعن ابن حبيب وغيره: الكسوف أن يكسف ببعضهما، والخسوف أن ينخسف بكلهما، قَالَ تعالى:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81] وهو سنة، وأبعد من قَالَ إنها فرض كفاية.
وعن مالك إجراؤها مجرى الجمعة
(3)
.
ذكر في الباب أربعة أحاديث:
أحدها:
حديث خالد -هو ابن عبد الله- عن يونس -هو ابن عبيد- عن
(1)
"الصحاح" 4/ 1350.
(2)
انظر: "البناية" 2/ 157.
(3)
"المدونة" 1/ 153.
الحسن، عن أبي بكرة -واسمه نفيع بن الحارث- قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ .. الحديث.
ويأتي في الباب مكررًا، وفي اللباس أيضًا
(1)
، وترجمة الحسن عن أبي بكرة من أفراد البخاري، وأخرجه النسائي في الصلاة والتفسير
(2)
.
قَالَ الدارقطني: مرسل، إنما يرويه الأحنف عنه
(3)
؛ ولما أورده الترمذي من طريق، طاوس عن ابن عباس مرفوعًا أنه حكي في كسوف
…
الحديث.
قَالَ: وفي الباب عن عليّ، وعائشة، وعبد الله بن عمر، والنعمان ابن بشير (د. س. ق) والمغيرة، وأبي مسعود، وأبي بكرة، وسمرة بن جندب، وابن مسعود، وأسماء ابنة أبي بكر، وابن عمر، وقبيصة -يعني: ابن مخارق الهلالي- وجابر بن عبد الله، وأبي موسى، وعبد الرحمن بن سمرة، وأبي بن كعب
(4)
.
وقال ابن العربي: روى الكسوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة عشر
(5)
رجلًا
(6)
.
(1)
سيأتي برقم (1048) كتاب: الكسوف، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يخوف الله عباده بالكسوف". و (1062)، و (1063)، وبرقم (5785) كتاب: اللباس، باب: من جر إزاره من غير خيلاء.
(2)
"سنن النسائي" 3/ 146، وفي "الكبرى" 6/ 452 (11471) كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ} .
(3)
"الإلزامات والتتبع" ص 223.
(4)
"سنن الترمذي" عقب حديث (560) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف.
(5)
كذا بالأصل، وجاء في "عارضة الأحوذي" 3/ 35: تسعة عشر.
(6)
"العارضة" 3/ 35.
قلتُ: وهم ما في الترمذي.
وقال المنذري: رواه تسعة عشر نفسًا. وذكر الطرقي أنه رواه أبو هريرة، وأنس، وأم سلمة، وسهل بن سعد، وجرهد.
وذكر غيره حذيفة، وسلمة بن الأكوع، وسعد بن أم عبد الرحمن، وحسان بن ثابت.
إذا عرفت ذلك؛ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
قوله: (فانكسفت الشمس) كذا هو بالكاف، وقد رواه جماعة من الصحابة بذلك، وآخرون بالخاء، وآخرون بهما، وهما بمعنى واحد، وهو تغيرها ونقصان ضوئها كما سلف.
ومن أنكر (انكسف)، وأن صوابه (كسف)، غَلِطَ، فالحديث مصرح به في مواضع.
وفي الكسوف فوائد أبداها ابن الجوزي: ظهور التصرف في الشمس والقمر، وتبيين قبح شأن من يعبدهما، وإزعاج القلوب الساكنة للغفلة عن مسكن الذهول، وليرى الناس أنموذج ما سيجري في القيامة من قوله:{وَخَسَفَ القَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ (9)} [القيامة: 8 - 9] وأنهما يوجدان على حال التمام فيركسان، ثم يلطف بهما فيعادان إلى ما كانا عليه، فيشار بذلك إلى خوف المكر ورجاء العفو، وأن يفعل بهما صورة عقاب لمن لا ذنب له، وأن الصلوات المفروضات عند كثير من الخلق عادة لا انزعاج لفم فيها ولا وجود هيبة، فأتى بهذِه الآية، وسنت لها الصلاة؛ ليفعلوا صلاة على انزعاج وهيبة.
ثانيها:
قوله: ("لا ينكسفان لموت أحد") وفي النسائي: "ولكن يخوف الله به عباده"
(1)
. وفي رواية: وثاب الناس إليه، فصلى ركعتين بهم
(2)
، وفي أخرى: وذلك أن ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم مات، يقال له: إبراهيم
(3)
، وللدارقطني:"ولكن الله تعالى إذا تجلَّى لبشر من خلقه، خشع له، فإذا كسف واحد منهما فصلوا وادعوا"
(4)
، وللبيهقي: صلى ركعتين مثل صلاتكم هذِه في كسوف الشمس والقمر
(5)
.
ثالثها:
قوله: (فصلى بنا ركعتين) يستدل به من يقول: إن صلاة كسوف الشمس ركعتان كصلاة النافلة، فإن إطلاقه في الحديث يقتضي ذلك.
وفي رواية في هذا الحديث: كصلاتكم أو مثل صلاتكم
(6)
.
وكذا قوله: كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة
(7)
. وفي أخرى: كأحدث صلاة الصبح، وهي ركعتان
(8)
. وهو ما اقتضاه كلام أصحابنا، أنه لو صلاها كهيئة سنة الظهر ونحوها صحت صلاته للكسوف، وكان
(1)
"سنن النسائي" 3/ 124 كتاب: الكسوف، باب: كسوف الشمس والقمر.
(2)
"سنن النسائي" 3/ 146 في الكسوف. وصححه الألباني في "صحيح النسائي".
(3)
رواه ابن حزم في "المحلى" 5/ 95.
(4)
"سنن الدارقطني" 2/ 64 كتاب: العيدين، باب: صفة صلاة الخوف.
(5)
"السنن الكبرى" 3/ 337 - 338 كتاب: صلاة الخسوف، باب: الصلاة في خسوف القمر.
(6)
رواها النسائي في "الكبرى" 1/ 578 (1877) كتاب: كسوف الشمس والقمر، باب: نوع آخر من صلاة الكسوف.
(7)
رواها أبو داود (1185) كتاب: الاستسقاء، باب: من قال: أربع ركعات. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(217).
(8)
رواها ابن حبان 7/ 84 - 85 (2842) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الكسوف.
تاركًا للأفضل، وصرح به الجرجاني في "تحريره"، وخالف القاضي على ما نقله محكي عنه فمنع.
وقال ابن بطال: سنة صلاة الكسوف أن تصلى ركعتين في جماعة، هذا قول جمهور الفقهاء إلا أن في حديث عائشة وغيرها في كل ركعة (ركوعان)
(1)
، وهي زيادة يجب قبولها، منهم مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور على حديث ابن عباس، وعائشة، وابن عمر.
قَالَ: وخالف في ذلك الكوفيون، وقالوا: إنها ركعتان كصلاة الصبح. ولما مر حديث الباب حجة لهم؛ لأنه مجمل لا ذكر فيه لصفة الصلاة، وإنما قَالَ فيه: فصلى ركعتين
(2)
.
وبين غيره مذهب الكوفيين فقال: هو مذهب أبي حنيفة، وأصحابه والنخعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وهو مذهب عبد الله بن الزبير
(3)
.
ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس
(4)
، واستدل لهم بغير ما حديث فيه: فصلى ركعتين.
حديث قبيصة، أخرجه أبو داود وصححه الحاكم
(5)
، وحديث
(1)
في الأصل: ركوعين والمثبت من "شرح ابن بطال" 3/ 31.
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 31، "الأصل" 1/ 443، "عارضة الأحوذي" 3/ 35، "الأم" 1/ 214، "المغني" 3/ 323.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 31.
(4)
"المصنف" 2/ 219 (8300 - 8307).
(5)
أبو داود (1185 - 1186)، "المستدرك" 1/ 333. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والذي عندي أنهما عللاه بحديث ريحان بن سعيد، عن عباد بن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن هلال بن عامر، عن قبيصة وحديث يرويه موسى بن إسماعيل عن وهيب لا يعلله حديث ريحان وعباد. وخالفه الذهبي وأعله. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(217 - 218).
النعمان
(1)
، وعبد الله بن عمرو
(2)
.
قَالَ ابن حزم: وأخذ به طائفة من السلف منهم عبد الله بن الزبير
(3)
.
وذكر ابن عبد البر أنه روي نحو قول العراقيين في صلاة الكسوف من حديث أبي بكرة، وسمرة، وعبد الله بن عمر، وقبيصة، والنعمان، وعبد الرحمن بن سمرة، وقال: الأحاديث في هذا الوجه في بعضها اضطراب، والمصير إلى حديث ابن عباس وعائشة أولى؛ لأنهما أصح ما روي في هذا الباب
(4)
ثم أطال بفوائد.
وأجاب ابن التين بأن يكون سكت عن بيان الركعتين أو فعله مرة، وذكر عن علي أنه فعله بالكوفة، وقال: إنما أوِّل بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعض أهل الحديث: إن ذلك كله كان مرات وإنما كان يتحرى التجلي.
(1)
رواه أبو داود (1193) كتاب: الصلاة، باب: من قال يركع ركعتين. باب: كيف صلاة الكسوف. والنسائي 3/ 141، 142 كتاب: الكسوف باب: نوع آخر؛ وابن ماجه (1262) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في صلاة الكسوف؛ وأحمد في "المسند" 4/ 267، 269، 271، 277، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 330 كتاب: الصلاة، باب: صلاة الكسوف كيف هي؟ والحاكم في "المستدرك" 1/ 332 كتاب: الكسوف؛ والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 332، 334 (6335 - 6337) كتاب: صلاة الخسوف، باب: من صلى في الخسوف ركعتين؛ قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(219) وقال: هذا إسناد منقطع.
(2)
رواه أبو داود (1194) كتاب: الصلاة، باب: من قال: يركع ركعتين؛ والنسائي 3/ 137 كتاب: الكسوف، باب: نوع آخر. و 3/ 149 كتاب: الكسوف، باب: القول في السجود في صلاة الكسوف، وأحمد في "المسند" 2/ 159، وابن حبان في "صحيحه" و 7/ 79 (2838) كتاب: الصلاة، باب: صلاة الكسوف، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1079)
(3)
"المحلى" 5/ 95.
(4)
"التمهيد" 5/ 290 - 291.
رابعها:
فيه: تطويل صلاة الكسوف إلى الانجلاء؛ عملًا بقوله: "حَتَّى يكشف ما بكم" فإن ظن قرب الانجلاء فلا يبتدئ بأخرى، وعليهم الدعاء والتضرع إلى الانجلاء.
خامسها:
في قوله أيضًا: "حَتَّى يكشف ما بكم" أنه لا ينبغي قطعها حَتَّى تنجلي، كذا استدل به قوم، فيقال لهم: قد جاء في أوله: "فصلوا وادعوا حَتَّى يكشف ما بكم". وفي رواية: "فافزعوا إلى ذكر الله، ودعائه واستغفاره"
(1)
فأمر بالدعاء والاستغفار عندهما، كما أمر بالصلاة، فدل ذلك أنه لم يرد عند الكسوف والصلاة خاصة، ولكن أريد منهم ما يتقربون به إلى الله تعالى من الصلاة والدعاء والاستغفار وغيره.
واختلف بعض أصحاب مالك إن تجلت الشمس قبل فراغ الصلاة، فقال أصبغ: يتمها على ما بقي من سنتها حَتَّى يفرغ منها؛ ولا ينصرف إلا على شفع. وقال سحنون: يصلي ركعة واحدة وسجدتين ثم ينصرف، ولايصلي باقي الصلاة على سنة الخسوف
(2)
.
سادسها:
في قوله: "فقام يجر رداءه" ما كان عليه من خوف الله تعالى والبدار إلى طاعته، ألا ترى أنه قام إلى الصلاة فزعًا، وجر رداءه شغلًا بما نزل.
وهذا يدل أن جر الثوب لا يذم إلا ممن قصد ذلك واعتمده.
(1)
سيأتي برقم (1059) كتاب: كسوف، باب: الذكر في الكسوف.
(2)
انظر: "المنتقى" 1/ 327.
وفيه: إبطال ما بهان عليه أهل الجاهلية من اعتقادهم أن الشمس تكسف لموت الرجل من عظمائهم، فأعلمهم أنها لا تنكسف لموت أحد ولا لحياته، وإنما هو تخويف وتحذير.
وفيه: رد على من زعم أن النجوم تسقط عند موت أحد، وأنه توجب تغيرات في العالم. وفيه: أن من تأول شيئًا يرى أنه صواب وأخطأ ولم يخرج إلى بدعة ليس بآثم.
وفيه: أنه لا ينبغي السكوت عن الخطأ.
وفي قوله: "فإذا رأيتموهما فصلوا" دلالة أن تجمع في صلاة خسوف الشمس كما تجمع في القمر، وروي ذلك عن ابن عباس، وعثمان بن عفان، والليث، وعمر بن عبد العزيز، وبه قَالَ النخعي، وعطاء، والحسن، وإليه ذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأهل الحديث
(1)
عملًا بهذا الحديث. وقالوا: قد عرفنا كيف الصلاة في أحدهما، فكان ذلك دليلًا على الصلاة عند الأخرى.
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن ليس في خسوف القمر جماعة، وإنما يصلونها في البيوت فرادى غير مجتمعين
(2)
.
واستدلوا بأنه لم يجتمع فيه كما في الشمس، وقد قَالَ:"أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"
(3)
وحملوا قوله: "فافزعوا إلى الصلاة" أي: جماعة في الكسوف، وفرادى في الخسوف. قَالَ مالك:
(1)
انظر: "حلية العلماء" 2/ 269، "روضة الطالبين" 2/ 85، "الإعلام" 4/ 274، "المستوعب" 3/ 76، "المغني" 3/ 322.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 382، "المبسوط" 1/ 76، "بدائع الصنائع" 1/ 282، "المدونة" 1/ 152، "التفريع" 1/ 237، "المعونة" 1/ 184.
(3)
سبق برقم (731) كتاب: الأذان، باب: صلاة الليل.
لم يبلغنا ولا أهل بلدنا أنه صلى الله عليه وسلم جمع لكسوف القمر، ولا نقل عن أحد من الأئمة بعده صلى الله عليه وسلم أنه جمع فيه
(1)
. قَالَ المهلب: ويمكن أن يكون تركه -والله أعلم- رحمة للمؤمنين؛ لئلا تخلو بيوتهم بالليل فيحطمهم الناس ويسرقونهم. يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة -ليلة نزول التوبة على كعب بن مالك وصاحبيه- قالت لهم: ألا أبشر الناس، فقال صلى الله عليه وسلم:"أخشى أن يحطمكم الناس"
(2)
؛ وفي حديث آخر: "أخشى أن يمنع الناس نومهم"
(3)
. وقد قَالَ تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} جعل السكون في الليل من النعم التي عددها على عباده، وقد سمي ذلك رحمة.
وقد أشار ابن القصار إلى نحو هذا المعنى، وقال: خسوف القمر يتفق ليلًا فيشق الاجتماع له، وربما أدرك الناس نيامًا، فيثقل عليهم الخروج لها، ولا ينبغي أن يقاس على كسوف الشمس؛ لأنه يدرك الناس مستيقظين متصرفين ولا يضر اجتماعهم كالعيدين والجمعة والاستسقاء
(4)
.
قلتُ: وصلى ابن عباس بأهل البصرة في خسوف القمر ركعتين، ثم قَالَ: إنما صليت لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي. رواه الشافعي في "مسنده"
(5)
، وذكره ابن التين بلفظ: أنه صلى في خسوف القمر، ثم خطب وقال: يا أيها الناس، إني لم أبتدع هذِه الصلاة بدعة، وإنما
(1)
"المدونة" 1/ 153.
(2)
سيأتي برقم (4677) كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} .
(3)
رواه الدارقطني 2/ 64 كتاب: العيدين، باب: صفة صلاة الخسوف.
(4)
"شرح ابن بطال" 3/ 49 - 50.
(5)
"مسند الشافعي" 1/ 163 - 164 (476).
فعلت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل. وقد علمنا أنه صلاها في جماعة لقوله: (خطب) لأن الفرد لا يخطب.
وروى الدارقطني، عن عروة، عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات، وأربع سجدات، ويقرأ في الأولى يالعنكبوت أو الروم، وفي الثانية بياسين
(1)
فيه إسحاق بن راشد، وهو من رجال البخاري والأربعة صدوق. وروى الدارقطني أيضًا من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف القمر والشمس ثماني ركعات في أربع سجدات
(2)
، وروى ابن عبد البر من حديث أبي قلابة، عن قبيصة الهلالي أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إذا انكسفت الشمس أو القمر فصلوا كأحدث صلاة صليتموها مكتوبة"
(3)
. وقوله هنا: "فإذا رأيتموهما فصلوا" يعني: آية الشمس والقمر، وفي رواية:"فإذا رأيتموها" يعني: الآية
(4)
.
الحديث الثاني:
حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَن إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَان لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا".
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(5)
، ويأتي في بدء الخلق
(6)
.
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 64 كتاب: العيدين، باب: صفة صلاة الخسوف.
(2)
"سنن الدارقطني" 2/ 64 كتاب: العيدين، باب: صفة صلاة الخسوف.
(3)
رواه في "التمهيد" 3/ 305، ورواه أيضًا أبو داود (1118) وتقدم تخريجه قريبًا.
(4)
ستأتي برقم (1042) كتاب: الكسوف، باب: الصلاة في كسوف الشمس.
(5)
برقم (911) صلاة الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة.
(6)
برقم (3204) باب: صفة الشمس والقمر.
و (أبو مسعود): هو عقبة بن عمرو.
و (قيس) هو ابن أبي حازم تابعي، و (إسماعيل) هو ابن أبي خالد.
و (إبراهيم) ثقة مات سنة ثمان وسبعين ومائة.
وشيخ البخاري (شهاب بن عباد) ثقة، أخرج له مسلم أيضًا، مات سنة أربع وعشرين ومائتين
(1)
. ولهم شهاب بن عباد آخر، روى له البخاري في "الأدب" خارج "الصحيح"
(2)
.
و (الآية): العلامة، ويحتمل هنا أن المراد: من آياته التي يستدل بها على الوحدانية، والعظمة، والقدرة، أو أنهما من علامات تخويفه وتحذيره وسطوته، قَالَ تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
الحديث الثالث:
حديث ابن عمر مرفوعًا: "إِنَّ الشمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ .. " الحديث. ويأتي في بدء الخلق
(3)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(4)
.
(1)
هو: شهاب بن عباد العبدي، أبو عمر الكوفي. قال أحمد بن عبد الله العجلي: كوفي ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة رضي. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات".
انظر: ترجمته في: "التاريخ الكبير" 4/ 235 (2637)، "معرفة الثقات" 1/ 461 (740)، "الجرح والتعديل" 4/ 363 (1589)، "تهذيب الكمال" 12/ 573 - 575 (2777).
(2)
هو: شهاب بن عباد العبدي العصري البصري، والد هود بن شهاب. ذكره ابن حبان في "الثقات".
روى له البخاري في كتاب "الأدب".
انظر: ترجمته في: "التاريخ الكبير" 4/ 234 (2635)، "الجرح والتعديل" 4/ 361 (1582)، "تهذيب الكمال" 12/ 575 - 576 (2778).
(3)
سيأتي برقم (3201) باب: صفة الشمس والقمر.
(4)
برقم (914) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف.
الحديث الرابع:
حديث المغيرة قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ
…
الحديث وأخرجه مسلم والنسائي أيضًا
(1)
، ويأتي قريبًا
(2)
.
(1)
مسلم برقم (915) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف.
(2)
برقم (1060) كتاب: الكسوف، باب: الدعاء في الخسوف.
2 - باب الصَّدَقَةِ فِي الكُسُوفِ
1044 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، فَقَامَ فَأَطَالَ القِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ القِيَامَ وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا". ثُمَّ قَالَ: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا". [1046، 1047، 1050، 1058، 1064، 1064، 1065، 1066، 1212، 3203، 4624، 5221، 6631 - مسلم: 901 - فتح: 2/ 529]
ذكر فيه حديث عائشة أَنَّهَا قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم .. الحديث.
وأخرجه مسلم والأربعة
(1)
، ووصف صلاة الكسوف: في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان، والسجدتان على حالهما، وبه قَالَ الشافعي، وهو مروي عن مالك والليث وأحمد وأبي ئور، وأكثر أهل الحجاز
(2)
، وهو كذلك في حديث ابن عباس الآتي في صلاتها جماعة
(3)
، وحديث
(1)
"صحيح مسلم"(901) كتاب: صلاة الكسوف، باب: صلاة الكسوف.
(2)
انظر: "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 176، "الذخيرة" 2/ 429، "الأوسط" 5/ 300، "حلية العلماء" 2/ 267، "إحكام الأحكام" ص 359، "المستوعب" 3/ 74، "المغني" 3/ 323.
(3)
سيأتي برقم (1052) كتاب: الكسوف، باب: صلاة الكسوف جماعة.
عبد الله بن عمرو الآتي في طول السجود فيه
(1)
.
قَالَ أبو عمر: وحديث عائشة أثبت حديث وأصحه. قَالَ ابن التين: ورواية ابن عباس أيضًا كذلك.
قولها: (فأطال القيام) أي: لطول القراءة. وفي حديث ابن عباس نحوًا من سورة البقرة، وفسره ابن شهاب بعد هذا فقال: فاقترأ قراءة طويلة.
فرع:
تستفتح القراءة في الركعة الأولى والثالثة بأم القرآن، وأما الثانية والرابعة فيقرأ بها أيضًا عندنا، وعند مالك يقرأ السورة، وفي الفاتحة قولان: قَالَ مالك: نعم، وقال ابن مسلمة: لا
(2)
.
وقولها: (وهو دون القيام الأول) أراد به أن القيام الأول أطول من الثاني في الركعة الأولى، وأراد أن القيام في الثانية دون القيام الأول في الأولى، والركوع الأول فيها دون الركوع الأول في الأولى، وأراد بقوله:(في القيام الثاني) في الثانية أنه دون القيام الأول فيها، وكذلك ركوعه الثاني فيها دون ركوعه الأول فيها، قَالَ أبو عمر: وقد قيل غير هذا، وهذا أصح ما قيل في ذلك عندي -والله أعلم- لتكون الركعتان معتدلتين في أنفسهما، فكما ينقص القيام الثاني في الركعة الأولى عن القيام الأول فيها، والركوع الثاني من الأول أيضًا عن الركوع الأول فيها نفسها، فكذلك تكون الركعة الثانية ينقص قيامها الثاني عن قيامها الأول إلى آخره، ثم قَالَ: وجائز على القياس أن
(1)
سيأتي برقم (1051) كتاب: الكسوف، باب: طول السجود في الكسوف.
(2)
انظر: "المعونة" 1/ 181، "المنتقى" 1/ 326، "الوسيط" 1/ 340، "حلية العلماء" 2/ 267 - 268.
يكون القيام الأول في الثانية مثل القيام الثاني في الأولى، وجائز أن يكون دونه
(1)
.
وقال النووي: اتفقوا على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الأولى أقصر من القيام الأول والركوع، وكذا القيام الثاني والركوع الثاني من الثانية أقصر من الأول منها من الثانية، واختلفوا في القيام الأول والركوع الأول من الثانية، هل هما أقصر من القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى؟ ويكون هذا معنى قوله:(وهو دون القيام الأول ودون الركوع الأول) أم يكونان سواء؟ ويكون قوله: دون القيام أو الركوع الأول، أي: أول قيام وأول ركوع.
وقولها: (ثم ركع فأطال الركوع) يعني: أنه خالف به عادته في سائر الصلوات كما في القيام
(2)
، قَالَ مالك: ويكون ركوعه نحوًا من قيامه وقراءته
(3)
.
وقولها (ثم سجد فأطال السجود) هو ظاهر في تطويله.
قَالَ أبو عمر عن مالك: لم أسمع أن السجود يطول في صلاة الكسوف
(4)
، وهو مذهب الشافعي.
رأت فرقة من أهل الحديث تطويل السجود في ذلك.
قلتُ: وجمهور أصحابنا على أنه لا يطول بل يقتصر على قدره في سائر الصلوات. وقال المحققون منهم: يستحب إطالته نحو الركوع الذي قبله، وهو المنصوص في البويطي
(5)
، وهو الصحيح للأحاديث الصريحة
(1)
"التمهيد" 5/ 289.
(2)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 6/ 199.
(3)
انظر: "التمهيد" 5/ 289.
(4)
"التمهيد" 5/ 289.
(5)
انظر: "روضة الطالبين" 2/ 84.
الصحيحة في ذلك، والخلاف عند المالكية: فاستحبه ابن القاسم، وقال مالك وابن حبيب: لا
(1)
.
وقولها: (فخطب الناس) صريح في استحبابها، وبه قَالَ الجمهور، منهم الشافعي، وإسحاق، وابن جرير، وفقهاء أصحاب الحديث
(2)
، وتكونان بعد الصلاة. وخالف الأئمة الثلاثة فقالوا: لا يشرع لها الخطبة
(3)
، ووافقنا أحمد في رواية
(4)
، وأغرب ابن التين فعزاه إلى أبي حنيفة أيضًا، والحديث رواه مالك، وخالفه؛ لأنه لم يشتهر.
وأغرب ابن قدامة فقال: الشارع أمرهم بالصلاة والدعاء والتكبير والصدقة، ولم يأمرهم بخطبة، ولو كانت سنة لأمرهم بها، ولأنها صلاة يفعلها المنفرد في بيته فلم يشرع لها خطبة، قَالَ: وإنما جعلت بعد الصلاة ليعلمهم حكمها، وهذا مختص به، وليس في الخبر ما يدل على أنه خطب كخطبتى الجمعة
(5)
، وكله غريب منه عجيب، وأبعد منه من قَالَ: خطب صلى الله عليه وسلم بعدها، لا لها؛ ليردهم عن قولهم: إن الشمس كسفت لموت إبراهيم وكذا قول ابن التين، يريد أتى بكلام على نظم الخطب، فيه ذكر الله ووعظ للناس، وليس بخطبتين يرقى لهما المنبر، ويجلس في أولهما وبينهما.
وقوله: ("وتصدقوا") فيه: استحبا بها في هذِه الحد له، وهو ما ترجم له.
وفيه: الأمر بالدعاء والتضرع في التوبة والمغفرة وصرف البلاء،
(1)
انظر: "التفريع" 1/ 236، "المنتقى" 1/ 327.
(2)
"الأم" 1/ 217، "الأوسط" 5/ 308، "الحاوي" 2/ 507، "المهذب" 1/ 402.
(3)
انظر: "الهداية" 1/ 295، "بدائع الصنائع" 1/ 282، "التفريع" 1/ 236، "الاستذكار" 2/ 418، "بداية المجتهد" 1/ 406، "المستوعب" 3/ 78، "الكافي" 1/ 530.
(4)
انظر: "الفروع" 2/ 151، "شرح الزركشي" 1/ 504، "المبدع" 2/ 197.
(5)
"المغني" 3/ 328.
وأمر بالتكبير؛ لأنه يتقرب به إليه، ويستدفع به سطوته، وأمرهم بالصدقة؛ لأنها من أقرب الأعمال التي يمكن استعجالها. وأما الصوم والحج والجهاد فتأخر أمرها.
وقولها: (ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الأولى) يعني: من التعبير بالتكرار والتطويل.
وقولها: (ثم انصرف) يعني: من الصلاة (وقد انجلت الشمس). وفي "الموطأ": تجلت
(1)
فيحتمل أن انصرافه كان عند التجلي، وهي السنة، فإن أتم الصلاة قبل الانجلاء فلا تعاد، ولكن يصلي إن شاء لنفسه ركعتين، ويحتمل أن يريد انصرف وقد كانت تجلت.
وقوله: ("ما من أحد أغير من الله") وفي مسلم: "إن من أحد أغير من الله"
(2)
بكسر همزة (إن) وإسكان النون، وهو بمعنى: ما من أحد أغير من الله، وعلى هذا "أغير" بالنصب خبر إن النافية، فإنها تعمل عمل ما عند الحجازيين، وعلى التميمية هو مرفوع على أنه خبر المبتدأ الذي هو "أحد"، ومعناه: ليس أحد أمنع من المعاصي من الله، ولا أشد له كراهية لها منه تعالى.
وفيه: عظة الناس عند الآيات، وأمرهم بأعمال البر، ونهيهم عن المعاصي، وتذكرهم نعمات الله.
وأن الصدقة والصلاة والاستغفار تكشف النقم وترفع العذاب،
ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم للنساء: "تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار"
(3)
.
(1)
"الموطأ" ص 132.
(2)
"صحيح مسلم"(901) كتاب: صلاة الكسوف، باب: صلاة الكسوف.
(3)
سيأتي برقم (1462) في الزكاة، باب: الزكاة على الأقارب. ورواه مسلم (80) كتاب: الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات. عن أبي سعيد.
وفيه: الإعلام بأنه ليس أحد أغير من الله، وإذا كان الواحد منا يغار أن يرى عبده أو أمته، وليس أحد أغير منه، فيجب أن يحذر عقوبته في مواقعة الزنا، وأقسم على ذلك للتأكيد، وناداهم "يا أمة محمد" على معنى الإشفاق عليهم، كما يخاطب الرجل ولده: يا بني.
وقوله: ("لو تعلمون ما أعلم
…
") إلى آخره يريد أنه خصه صلى الله عليه وسلم بعلم لا يعلمه غيره، فلعله أن يكون ما رآه في عرض الحائط من النار، ورأى منها منظرًا شديدًا لو علمت أمته من ذلك ما علم لكان ضحكهم قليلًا وبكاؤهم كثيرًا؛ إشفاقًا وخوفًا.
ثم حديث الباب دال على أن في كل ركعة يكرر القيام والركوع -كما سلف- وصح في مسلم في كل ركعة ثلاث ركوعات
(1)
، وصح فيه أربعة
(2)
، وروى أبو داود والحاكم: خمسة
(3)
، وقيل: إن روايات الركوعين أصح وأشهر.
قال ابن العربي
(4)
: لا خلاف أن صلاة الكسوف ركعتان في الأصل، ولكن اختلفت الروايات هل كل ركعة من ركعة أو ركعتين
(1)
"صحيح مسلم"(904) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار.
(2)
"صحيح مسلم"(908) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ذكر من قال: إنه ركع ثمان ركعات في أربع سجدات.
(3)
أبو داود (1182) كتاب: الصلاة، باب: من قال: أربع ركعات، والحاكم في 1/ 333 كتاب: الكسوف، باب: في كل ركعة خمسة ركوعات وسجدتان، وقال: الشيخان قد هجرا أبا جعفر الرازي ولم يخرجا عنه وحاله عند سائر الأئمة أحسن الحال وهذا الحديث فيه ألفاظ ورواته صادقون، وتعقبه الذهبي بقوله: خبر منكر، وعبد الله بن أبي جعفر ليس بشيء، وأبوه فيه لين، والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(214)، وفي "الإرواء"(661).
(4)
"عارضة الأحوذي" 3/ 40.
أو من ركعات؟ ففي رواية عائشة في الترمذي: ثلاثًا في واحدة
(1)
، قَالَ: وكذا في مسلم عن جابر
(2)
.
وقال ابن قدامة: مقتضى مذهب أحمد جواز صلاتها على كل صفة، إلا أن اختياره من ذلك ركعتان في كل ركوع. قَالَ أحمد: وروى ابن عباس، وعائشة في صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات، وأما علي فيقول: ست ركعات وأربع سجدات، وكذا حذيفة، وهذا قول إسحاق، وابن المنذر
(3)
، وبعض أهل العلم. قَالَ: وتجوز على كل صفة صح أنه صلى الله عليه وسلم فعلها، وقد روي عن عائشة وابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات وأربع سجدات
(4)
.
فائدة: قَالَ المهلب في الحديث: إن أكثر ما يهدد صلى الله عليه وسلم في ذلك بالكسوف إنما كان من أجل الغناء، وذلك عظيم في عهد النبوة وطراوة الشريعة، فلذلك قَالَ صلى الله عليه وسلم هذا القول في قوله:"والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا" دليل على أنهم كانوا مقبلين على اللهو واللعب، وكذلك كانت عادة الأنصار قديمًا، يحبون الغناء واللهو والضحك. ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة وإقبالها من عرس:"هل عندكم لهو؟ فإن الأنصار تحب اللهو"
(5)
فدل على أن اتباع اللهو من الذنوب التي توعد عليها بالآيات. شهد بذلك حديث المعازف والقيان
(6)
.
(1)
رواه الترمذي برقم (560) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف. من رواية ابن عباس وليس عائشة. وأما حديث عائشة فرواه مسلم برقم (901).
(2)
برقم (904) كتاب: الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف.
(3)
انظر: "الأوسط" 5/ 301، وانظر:"عارضة الأحوذي" 3/ 40.
(4)
"الأوسط" 5/ 303 - 304.
(5)
سيأتي برقم (5162) كتاب: النكاح، باب: النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها.
(6)
سيأتي برقم (5590) كتاب: الأشربة، باب: ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، وانظر:"شرح ابن بطال" 3/ 34.
3 - باب النِّدَاءِ بِالصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فِي الكُسُوفِ
1045 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمِ بْنِ أَبِي سَلاَّمٍ الحَبَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُودِيَ: إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ. [1051 - مسلم: 910 - فتح: 2/ 533]
ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو قَالَ: لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُودِيَ: إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ.
هذا الحديث يأتي بزيادة قريبًا في باب طول السجود فيه
(1)
.
وأخرجه مسلم أيضًا، والنسائي
(2)
وقال: روي عن أبي حفصة أيضًا مولى عائشة عنها وأخرجه أيضًا
(3)
.
والبخاري رواه عن إسحاق، وذكر الجياني أن في الكسوف
(4)
، والوكالة
(5)
، والأيمان والنذور
(6)
، وعمرة الحديبية
(7)
: إسحاق عن يحيى بن صالح، لم ينسبه أحد من شيوخه فيما بلغه، ويشبه أن يكون ابن منصور كما ذكره مسلم
(8)
في كتابه حديثًا خرجه به البخاري في
(1)
سيأتي برقم (1051).
(2)
"صحيح مسلم"(910) كتاب: الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف.
"سنن النسائي" 3/ 136 كتاب: الكسوت، باب: كيف صلاة الكسوف.
(3)
"سنن النسائي" 3/ 137.
(4)
سيأتي برقم (1045).
(5)
سيأتي برقم (2312).
(6)
سيأتي برقم (6626).
(7)
سيأتي برقم (4171)
(8)
مسلم (1594).
الوكالة
(1)
. وكما أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه". قَالَ: رواه عن إسحاق، عن يحيى، فلم يبين.
وذكر المزي في ترجمة إسحاق بن منصور علامة مسلم، وأنه روى عن يحيى بن صالح الوحاظي، فلم يعلم للبخاري، فلم يذكر في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنه روى عن يحيى بن صالح
(2)
.
وذكر في ترجمة يحيى بن صالح أن إسحاق بن منصور الكوسج روى له مسلم، وأن إسحاق غير منسوب، روى له البخاري
(3)
.
قَالَ: ويقال: إنه الكوسج، ومعاوية بن سلام بن أبي سلام الحبشي مشدد اللام فيهما. وقد نص عليه الجياني، وهو ثقة، مات سنة أربع وستين ومائة.
والحبشي نسبة إلى بلاد الحبش كما نقله الجياني عن عبد الغني.
وقال ابن معين: الحبش حي من حمير. وقال بعضهم: الحُبشي -بضم الحاء وإسكان الباء- وكذا قيده الأصيلي وغيره في "الجامع"، يقال: حَبش وحُبش، وعَرب وعُرب، وعَجم وعُجم.
وهذا أيضًا ذكره صاحب "المطالع"، وذكر أن كذا ضبطه الأصيلي
مرة وأبو ذر، وكذا قَالَ ابن التين: ضبط في بعض الكتب بالفتح، وفي بعضها بالضم، وهو ما رويناه في رواية الشيخ أبي الحسن. قَالَ: قيل:
(1)
هو ما سيأتي برقم (2312).
وانظر: "تقييد المهمل" للجياني 3/ 968 - 969.
وقد نص الجياني على ذلك في "تقييد المهمل" 1/ 231 - 232.
وانظر أيضًا: "التقييد" 2/ 292.
(2)
"تهذيب الكمال" 2/ 474 ترجمة (383).
(3)
"تهذيب الكمال" 31/ 375 ترجمة (6846).
والمعنى: أنه الأسود واسمه ممطور
(1)
.
أما فقه الباب: فالكسوف لا يُؤذن لها ولا يُقام؛ لأنه شعار الفرائض.
نعم يقال لها: الصلاة جامعة، والإجماع قائم على ذلك.
و (الصلاة) منصوب على الإغراء، و (جامعة) على الحال، أي: أحضروا الصلاة في حال كونها جامعة.
قَالَ ابن بطال: وينادى لها بذلك عند باب المسجد، وكذا في سائر الصلوات المسنونات -أي: كالعيد والاستسقاء ينادى لها بذلك عند باب المسجد- ثم قَالَ: ولا خلاف في ذلك بين العلماء
(2)
.
(1)
انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 8/ 383 (1752)، "ثقات ابن حبان" 7/ 469، "تهذيب الكمال" 28/ 184 (6057)، "سير أعلام النبلاء" 7/ 397.
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 34.
4 - باب خُطْبَةِ الإِمَامِ فِي الكُسُوفِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
1046 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَكَبَّرَ فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ:"سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هِيَ أَدْنَى مِنَ القِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ:"سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ". ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:"هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ". وَكَانَ يُحَدِّثُ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ يُحَدِّثُ يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: إِنَّ أَخَاكَ يَوْمَ خَسَفَتْ بِالمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ. قَالَ: أَجَلْ، لأَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. [انظر: 1044 - مسلم: 901 - فتح: 2/ 533]
ثم ذكر فيه حديث عروة عن عائشة قَالَتْ خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ .. الحديث.
وفيه: وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَأثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:"هُمَا آيتان مِنْ آيات اللهِ .. " إلى آخره. وَكَانَ يُحَدِّثُ كَثيرُ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: إِنَّ أَخَاكَ يَوْمَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ بِالمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبحِ. فَقَالَ: أَجَلْ؛ إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَةَ.
الشرح:
أما حديث عائشة وأسماء فيأتيان في باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف
(1)
. وأما حديث عروة عنها فقد أخرجه مسلم والأربعة
(2)
.
وقوله: (وكان يحدث كثير بن عباس .. ) إلى آخره. أخرجه مسلم أيضًا
(3)
، فإنه لما أخرجه من حديث الزهري، عن عروة، عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف بقراءته فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات. قَالَ عَقِبَهُ: قَالَ الزهري: وأخبرني كثير بن عباس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات. ثم أسند إلى الزهري قَالَ: كان كثير بن عباس .. إلى قوله: بمثل حديث عروة عن عائشة.
وأخرجه أبو داود بمثله، وكذا النسائي
(4)
.
ولما أورد البخاري حديث عائشة قَالَ في آخره: قَالَ ابن شهاب: ثنا كثير، عن ابن عباس، عن رسول الله مثل ذلك، ثم ساق بإسناده إلى عنبسة ثنا يونس بهذا.
وزاد: فقلت لعروة .. إلى آخره. وأخرج أبو نعيم في "مستخرجه" حديث عائشة من طرق، ثم قَالَ في آخره: زاد عنبسة: وكان يحدث كثير بن عباس .. إلى آخره.
(1)
سيأتي برقم (1053) كتاب: الكسوف.
(2)
مسلم (901)، وأبو داود (1190)، والترمذي (561)، والنسائي 3/ 127، وابن ماجه (1263).
(3)
"صحيح مسلم"(901) كتاب: الكسوف، باب: صلاة الكسوف.
(4)
"سنن أبي داود"(1180) كتاب: الاستسقاء، باب: من قال: أربع ركعات.
و"سنن النسائي" 3/ 130 - 131 كتاب: الاستسقاء، باب: كيف صلاة الكسوف.
وأورد المزي الحديث من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف بقراءته. قَالَ الزهري: وأخبرني كثير فذكره إلى قوله: وأربع سجدات. ثم عزاه إلى البخاري ومسلم عن محمد بن مهران قَالَ: إلا أن البخاري لم يذكر حديث كثير بن العباس
(1)
.
وذكر في ترجمة كثير علامة البخاري ومسلم، وذكر أنه روى عنه الزهري. وذكر عن مصعب أنه كان فقيهًا فاضلًا لا عقب له، وأمه أم ولد، وذكره يعقوب بن شيبة في الطبقة الأولى من أهل المدينة ممن وُلد في عهده صلى الله عليه وسلم. وكان يقال له: أعبد الناس، ثقة، مات بالمدينة أيام عبد الملك بن مروان، ثم ساق حديثه عن ابن عباس، وقال: أخرجوه من طرق عن الزهري، واضطرب فيه خلف والحميدي، وقال: ليس لكثير عن أخيه في الصحيح غيره
(2)
. وذكر الدارقطني واللالكائي كثير بن عباس في أفراد مسلم. وأغرب السفاقسي فقال: ضبط في بعض الكتب عياش بالشين المعجمة، وبعضها بالسين غير معجمة، وهو الذي رويناه. وولد عباس عشرة، أشهرهم عبد الله.
وقوله: (فخرج إلى المسجد) فيه فعلها في المسجد دون الصحراء، ولعله خوف الفوت والانجلاء. قَالَ القدوري: كان أبو حنيفة يرى صلاة الكسوف في المسجد، والأفضل في الجامع.
وفي شرح الطحاوي: صلاة الكسوف في المسجد الجامع أو في مصلى العيد
(3)
، وعند مالك: تصلى فيه دون الصحراء. وقال ابن
(1)
"تهذيب الكمال" 17/ 462 (3981).
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 131 - 133 (4947).
(3)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 281، "البناية" 3/ 159.
حبيب: هو مخير
(1)
، وحكي عن أصبغ
(2)
. وصوب بعض أهل العلم المسجد في المصر الكبير للمشقة وخوف الفوت دون الصغير.
وقوله: (ثم قام فأثنى على الله .. ) إلى آخره، هو صريح في الخطبة، وقد سلف الخلاف فيه في باب الصدقة في الكسوف واضحًا، وخص كسوفهما بأنهما اثنان وإن كان رؤية الأهلة وحدوث الحر والبرد من الآيات أيضًا؛ لإخباره لهم عن ربه أن القيامة تقوم وهما منكسفان وذاهبا النور، فلهذا أمرهم بالصلاة ونحوها؛ خشية أن يكون الكسوف لقيام الساعة؛ ليعتدوا له، وهذا كان قبل أن يعلمه الله بأشراطها، كما نبه عليه المهلب
(3)
.
وقوله: (فصف الناس وراءه). فيه تقديم الإمام على المأموم، واحتج لأبي حنيفة، ومن يرى برأيه بقوله:"افزعوا إلى الصلاة"؟ لأنها إشارة إلى الصلاة المعهودة في الشرع
(4)
.
ويجاب عنه: بأنه قام الدليل على ما سلف من الكيفية، بل الحديث حجة لنا؛ لأنه قال هذا القول بعد فراغه من الصلاة الموصوفة، فدل أنه أشار بذلك إليها؛ لأنه أقرب معهود.
وصلاة ابن الزبير ركعتين في الخسوف لعله تأول حديث أبي بكرة
(5)
.
وفيه: التكبير في الخفض والرفع، ولم ينص على ذلك في الرفع منه ولا في سجوده، ولا في رفعه منه. وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد في الثانية، وقال في الأولى: سمع الله لمن حمده.
(1)
انظر: "تنوير المقالة" 2/ 519، 522.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 510.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 35.
(4)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 332.
(5)
سلف برقم (1040)، ويأتي.
5 - باب هَلْ يَقُولُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ؟
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى {وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)}
[القيامة: 8].
1047 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- أَخْبَرَتْهُ. أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ فَكَبَّرَ، فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ:"سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". وَقَامَ كَمَا هُوَ، ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، وَهْيَ أَدْنَى مِنَ القِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْىَ أَدْنَى مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ:"إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ". [انظر: 1044 - مسلم: 901 - فتح: 2/ 535]
ذكر فيه حديث عائشة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ .. الحديث. وقد سلف
(1)
، وفيه:"لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ" وأراد بهذا الباب رد قول من زعم أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر للآية المذكورة، روي ذلك عن عروة بن الزبير
(2)
.
وفي الآثار الثابتة أنهما مقولان فيهما، رواه ابن عباس
(3)
(1)
برقم (1044).
(2)
رواه مسلم برقم (905/ 13) كتاب: الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف.
(3)
سيأتي برقم (1052) كتاب: الكسوف، باب: صلاة الكسوف جماعة. بلفظ: "لايخسفان لموت أحد ولا لحياته".
ورواه مسلم برقم (907) بلفظ: "لا ينكسفان"
وابن عمر
(1)
وأبو بكرة
(2)
وعائشة مثل ذلك في حديثهم عنه، وروي:"لا ينكسفان" من طريق المغيرة
(3)
. وأبي مسعود الأنصاري
(4)
، ورواية عن أبي بكرة
(5)
، فلا معنى لإنكار شيء من ذلك.
وقوله: ("لا يخسفان") بفتح الياء ويجوز ضمه؛ بناء لما لم يسمَّ فاعله.
وقوله: (ثم سجد سجودًا طويلًا)، فيه تطويل السجود، وسيأتي ما فيه، وهو رأي ابن القاسم خلافًا لمالك
(6)
.
(1)
سبق برقم (1042) كتاب: الكسوف، باب: الصلاة في كسوف الشمس. بلفظ: "لا يخسفان".
(2)
سبق برقم (1040) أول الكسوف وفيه: "لا ينكسفان" ويأتي برقم (1063) باب: الصلاة في كسوف القمر. وفيه: "لا يخسفان".
(3)
سبق برقم (1043) باب: الصلاة في كسوف الشمس.
(4)
سبق برقم (1041) باب: الصلاة في كسوف الشمس.
(5)
سبق برقم (1040) باب: الصلاة في كسوف الشمس.
(6)
انظر: "التفريع" 1/ 236.
6 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "يُخَوِّفُ اللهُ عِبَادَهُ بِالكُسُوفِ
"
قَالَهُ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
1048 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ". وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الوَارِثِ، وَشُعْبَةُ، وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ:"يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ". وَتَابَعَهُ مُوسَى، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. "إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ". وَتَابَعَهُ أَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ. [انظر: 1040 - فتح: 2/ 535]
حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ" إلى أن قال: "ولكن اللهَ يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ". وَتَابَعَهُ مُوسَى، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الحَسَنِ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ". ولَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الوَارِثِ وَشُعْبَةُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ:"يُخَوِّفُ بهَما عِبَادَهُ". تَابَعَهُ أَشْعَثُ، عَن الحَسَنِ.
الشرح:
حديث أبي موسى يأتي قريبًا في باب الذكر في الكسوف
(1)
.
وفائدة المتابعة تنصيص الحسن بصريح الإخبار عن أبي بكرة.
و (مبارك) هو ابن فضالة تابع يونس، وهذِه المتابعة أسندها الطبراني لكن من حديث أبي الوليد الطيالسي عنه به، ومبارك هذا بصري،
(1)
سبق برقم (1043) باب: الصلاة في كسوف الشمس.
مولى عمر، مات سنة أربع أو خمس أو ست وستين ومائة، استشهد به البخاري
(1)
.
و (موسى) هو ابن داود بن عبد الله الضبي، كوفي، قاضي الثغور، مات سنة ست أو سبع وعشرين ومائتين روى له مسلم أيضًا
(2)
، كذا نقلته من خط الدمياطي، وذكر المزي أنه موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو أيضًا يروي عن مبارك بن فضالة، فذكر أن البخاري علق عن التبوذكي، عن مبارك. ولم يذكر الضبي في البخاري لا رواية ولا تعليقًا.
وأما طريق عبد الوارث فأخرجها البخاري في باب: الصلاة في كسوف القمر عن أبي معمر عنه
(3)
، وليس في طريقه:"يخوف الله بهما عباده".
(1)
هو مبارك بن فضالة بن أبي أمية القرشي العدوي، أبو فضالة البصري.
قال يحيى بن معين: ليس به بأس. وقال العجلي: لا بأس به. وقال أبو زرعة: يدلس كثيرًا، فإذا قال: حدثنا. فهو ثقة. وقال ابن حجر: صدوق يدلس ويسوِّي.
انظر: "معرفة الثقات" 2/ 263 (1681)، "الجرح والتعديل" 8/ 338 (1557)، "تهذيب الكمال" 27/ 180 (5766)، "التقريب" (6464) وفي هامش الأصل: اقتصر في "الكاشف" على الأول (
…
) توفي سنة 164 هـ.
(2)
هو موسى بن داود الضبيُّ أبو عبد الله الطرسوسي الخلْقانيُّ، كوفي الأصل سكن بغداد ثم وَلِيَ القضاء بطرسوس ومات بها.
قال عنه محمد بن عبد الله بن نمير: ثقة. وقال العجلي: كوفي ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ، في حديثه اضطراب. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات". قال عنه شمس الدين الذهبي: ثقة زاهد مصنف. قال ابن حجر: صدوق فقيه زاهد له أوهام.
انظر: "معرفة الثقات" 2/ 304 (1816)، "الجرح والتعديل" 8/ 141 (636)، "الكاشف" 2/ 303 (5692)، "التقريب"(6959).
(3)
سيأتي برقم (1063).
لكن أخرجه النسائي بها من طريقه
(1)
، وكذا البيهقي وقال: رواه البخاري عن أبي معمر، عن عبد الوارث؛ إلا أن أبا معمر لم يذكر قوله:"يخوف الله بهما عباده"
(2)
.
وقد ذكره جماعة، فأورده الإسماعيلي من حديث إسماعيل بن علية، عن يونس، عن الحسن به.
وقوله: (وشعبة). أي أنه لم يذكر ذلك كما أخرجه البخاري في كسوف القمر
(3)
.
وقوله: (وخالد بن عبد الله). يعني: الطحان، لم يذكر ذلك كما سلف أول الكسوف
(4)
.
وقوله: (وحماد بن سلمة) يعني: لم يذكرها أيضًا، وقد أخرجها الطبراني من حديث حجاج بن منهال عن حماد به، وأخرجه البيهقي من طريق أبي زكريا السَّيْلَحيني عن حماد بن سلمة به، وقال: هكذا رواه جماعة عن بشر بن موسى يعني: أبي زكريا بهذا اللفظ قال: واستشهد البخاري برواية حماد بن سلمة عن يونس
(5)
.
وقوله: (وتابعه أشعث عن الحسن) يعني: تابع موسى عن مبارك عن الحسن عن أبي بكرة، وفيه:"يخوف بهما عباده"، وهذِه الرواية أخرجها النسائي من حديث خالد بن الحارث ثنا أشعث عن الحسن بدون:
(1)
"سنن النسائي" 3/ 146 كتاب: صلاة الكسوف.
(2)
"سنن البيهقي الكبرى" 3/ 332 كتاب: صلاة الخسوف، باب: من صلى في الخسوف ركعتين.
(3)
انظر ما سيأتي برقمي (1062 - 1063).
(4)
راجع حديث (1040).
(5)
"السنن الكبرى" 3/ 337 صلاة الخسوف، باب: الصلاة في خسوف القمر.
"يخوف بهما عباده"
(1)
وهذا مذكور في بعض النسخ عقب قوله: تابعه موسى عن مبارك عن الحسن.
والصواب ذكره آخرًا كما ذكرناه؛ لأن النسائي لم يذكر فيها: "يخوف بهما عباده".
وكأن أشعث تابع من روى عن يونس بعد هذِه الرواية.
وكذا رواه الطبراني من طريق الأشعث بدونها، وكذا البيهقي من طريق أشعث أيضًا، وأشعث هذا هو ابن عبد الملك الحُمْرَانِيُّ، أبو هانئ، بصري، مات سنة ثنتين وأربعين ومائة، روى له الأربعة
(2)
.
قال المهلب: مصداق هذا الحديث في قول الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} يدل ذلك أن الآيات تحذير للعباد، فينبغي عند نزولها مبادرة الصلاة والخشوع والإخلاص له، واستشعار التوبة والإقلاع عن المعاصي، ألا ترى أنه عليه السلام عرض في مقامه الجنة والنار؛ ليشوق بالجنة أهل الطاعة، وليتوعد بالنار أهل المعاصي، وأخبرهم الشارع أن الكسوف ليس كما زعم الجهال أنه من موت إبراهيم ابنه، وأنه تخويف وتحذير
(3)
.
(1)
"سنن النسائي" 3/ 141. وضعفه الألباني في "ضعيف النسائي".
(2)
قال فيه يحيى بن سعيد: ثقة مأمون، وقال مرة: لم أدرك أحدًا من أصحابنا هو أثبت عندي من أشعث بن عبد الملك.
وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد وبشير بن المفضل يُثَبِّتون الأشعث الحمراني.
وقال ابن معين: ثقة. وهذا قال النسائي. وقال أبو زرعة: صالح. وقال أبو حاتم: لا بأس به.
انظر: "التاريخ الكبير" 1/ 431 (1388)، و"الجرح والتعديل" 1/ 275 (990)، و"تهذيب الكمال" 3/ 277 (531).
(3)
كما في "شرح ابن بطال" 3/ 35.
وكذا قال الخطابي
(1)
.
فيه: دليل على أن الصلاة تستحب عند كل آية.
وقوله: ("لا ينكسفان") كذا قال هنا، وقالءفي حديث آخر:
"لا يخسفان " فسمى الاسمين مرة بلفظ الكسوف قومرة بلفظ الخسوف.
(1)
انظر: "أعلام الحديث" 1/ 610 - 611.
7 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ فِي الكُسُوفِ
1049 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَائِذًا بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ. [1055، 1372، 6366 - مسلم: 903 - فتح: 2/ 538]
1050 -
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا، فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى، فَمَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ وَانْصَرَفَ، فَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. [1044 - مسلم: 901، 903 - فتح: 2/ 538]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ يَهُودِيَّةً جاءَتْ تَسْأَلُهَا؛ فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ .. الحديث.
ويأتي إن شاء الله في باب: صلاة الكسوف في المسجد
(1)
، وأخرجه مختصرًا في باب: الركعة الأولى في الكسوف أطول
(2)
، وأخرجه مسلم أيضًا
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (1055).
(2)
سيأتي برقم (1064).
(3)
"صحيح مسلم"(903) الكسوف، باب: ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف.
وهذِه اليهودية لعلها سمعت ذلك في التوراة، أو في كتاب من كتبهم.
وسؤال عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن عائشة كانت تعلم أن العذاب والثواب إنما يكونان بعد البعث، ولم تكن قبل ذلك علمت بعذاب القبر، فقال لها عليه السلام:"عائذًا بالله من ذلك": إني أعوذ عياذًا به منه، وقد ترد مصادر على وزن فاعل: عافاه الله عافية، ويحتمل أن يريد التعوذ بالله من أن يعذب الناس في قبورهم إن لم يكن أخبر بذلك، ويحتمل أنه تعوذ بالله من عذاب القبر، وإن كان الناس يعذبون في قبورهم.
وقوله: "ذات غداة" أي: في غداة. فجعل (ذات) بمعنى (في). كذا قاله الداودي، وتعقبه ابن التين فقال: ليس بصحيح، بل تقديره: في ذات غداة.
وقوله: (فرجع ضحى، فمر بين ظهراني الحجر، ثم قام يصلي) كذا هو هنا (يصلي) بالياء. وفي باب: صلاة الكسوف في المسجد: (ثم قام فصلى). بالفاء. والمراد بالحجر: حجر النبي صلى الله عليه وسلم من بيتها إلى المسجد.
وقولها: (فرجع ضحى) اختلف العلماء في وقت صلاة الكسوف فأوله: وقت جواز النافلة بعد طلوع الشمس؛ لا خلاف في ذلك كما قال ابن التين.
وأما آخره: فقال مالك: إنها إنما تصلى ضحوة النهار
(1)
ولا تصلى بعد الزوال، يجعلها كالعيدين، وهي رواية ابن القاسم. وروى عنه ابن وهب: تصلى في وقت صلاة النافلة وإن زالت الشمس. وعنه: لا تصلى بعد العصر، ولكن يجتمع الناس فيدعون ويتصدقون ويرغبون.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 329، و"التاج والإكليل" 2/ 590.
وقال ابن حبيب عند ذكر رواية ابن وهب: وهكذا أخبرني ابن الماجشون ومطرف وأصبغ وابن عبد الحكم، وأنكروا رواية ابن القاسم
(1)
، وبهذا قال الكوفيون: لا تصلى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
(2)
؛ لورود النهي بذلك، وتصلى في سائر الأوقات.
وهو قول ابن أبي مليكة وعطاء وجماعة.
وقال الشافعي: تصلى في كل وقت نصف النهار وبعد العصر والصبح
(3)
، وهو قول أبي ثور وابن الجلاب المالكي
(4)
وقال: النهي عن النافلة المبتدأة لا عن المكتوبات والمسنونات، وعند أهل المقالة الأولى: النهي عن الصلاة المسنونة كنهيه عن الصلاة المبتدأة. وعن الحنفي: لو طلعت الشمس مكسوفة لم يصل حَتَّى يدخل وقت النافلة. واختاره ابن المنذر.
وفي "المبسوط": ولا تصلى الكسوف في الأوقات الثلاثة
(5)
. قَالَ الليث بن سعد: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وعلى الموسم سليمان بن هشام، وبمكة عطاء بن أبي رباح، وابن شهاب، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد، وعمرو بن شعيب، وأيوب بن موسى، فكسفت الشمس بعد العصر، فقاموا قيامًا يدعون الله في المسجد. فقلت لأيوب: ما لهم لا يصلون وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف؟ فقال: النهي قد جاء عن الصلاة بعد العصر، فلذلك لا يصلون،
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 511.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 379.
(3)
"الأم" 1/ 215.
(4)
انظر: "الاستذكار" 2/ 416، "المنتقى" 1/ 329 - 330.
(5)
"المبسوط" 2/ 76.
ولكن يقفون ويذكرون حَتَّى تتجلى الشمس
(1)
.
وهو مذهب الحسن البصري، وإسماعيل بن علية، والثوري.
وقال إسحاق: يصلون بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد صلاة الصبح، ولا يصلون في الأوقات الثلاثة، فلو كسفت عند الغروب لم يصل إجماعًا، كما حكاه في "الذخيرة" لذهاب رجاء نفعها
(2)
.
وقال ابن قدامة: وإذا كان الكسوف في غير وقت صلاة جعل مكان الصلاة تسبيحًا، هذا ظاهر المذهب؛ لأن النافلة لا تفعل في أوقات النهي، سواء كانت لها سبب أو لم يكن.
روي ذلك عن الحسن، وعطاء، وعكرمة بن خالد، وابن أبي مليكة، وعمرو بن شعيب، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ومالك، وأبي حنيفة؛ خلافًا للشافعي، وبه قَالَ أبو ثور، ونص عليه أحمد. قَالَ الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الكسوف في غير وقت الصلاة، كيف يصنعون؟ قَالَ: يذكرون الله ولا يصلون إلا في وقت صلاة. قيل له: وكذلك بعد الفجر؟ قَالَ: نعم، لا يصلون.
وروى قتادة قَالَ: انكسفت الشمس بعد العصر، ونحن بمكة، فقاموا قيامًا يدعون فسألت عن ذلك عطاء، فقال: هكذا يصنعون. وعن أحمد أنهم يصلون الكسوف في أوقات النهي. قَالَ (أبو بكر عبد العزيز)
(3)
: وبالأول أقول، وهو أظهر عندي
(4)
.
(1)
انظر: "الاستذكار" 2/ 415.
(2)
"الذخيرة" 2/ 428.
(3)
في الأصل: أبو بكر بن عبد العزيز.
(4)
"المغني" 3/ 332.
وفي الحديث أن عذاب القبر حق، وأهل السنة مجمعون على الإيمان به والتصديق، ولا ينكره إلا مبتدع، وأن من لا علم له بذلك لا يأثم، وأن من سمع ذلك وجب عليه أن يسأل أهل العلم ليعلم صحته. وأما صلاة الكسوف في المسجد فهو الذي عليه الفقهاء، وقد سلف ما فيه.
وقولها: (فانصرف فقال ما شاء الله أن يقول). قصد بذلك تعظيم كلامه ومبالغته فيما قصد إلى الكلام.
وقولها: (ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب بالقبر) يحتمل أن يكون قد تقدم علمه بذلك، وظن أنه قد شمل ذلك أصحابه، فلما رأى سؤال عائشة عن ذلك، احتاج أن يذكرهم ويأمرهم بالاستعاذة، ويحتمل أنه لم يكن له قبل ذلك علم، وكان سؤال عائشة أن يعلم به، فأمر أصحابه أن يتعوذوا منه
(1)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: آخر 3 من 4 من تجزئة المصنف. [وبعدها هامش آخر]: ثم بلغ في الحادي بعد التسعين، كتبه مؤلفه سامحه الله.
8 - باب طُولِ السُّجُودِ فِي الكُسُوفِ
1051 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُودِيَ: إِنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ. فَرَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ. قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا. [انظر: 1045 - مسلم: 910 - فتح: 2/ 538]
ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ .. الحديث. وقد سلف في باب الصلاة جامعة قريبًا
(1)
.
وأخرجه مسلم أيضًا
(2)
، قد سلف وفقهه في باب الصدقة في الكسوف
(3)
.
وقوله: (ركعتين في سجدة)، أي: في ركعة، وقد يعبر بالسجدة عن الركعة.
(1)
برقم (1045).
(2)
"صحيح مسلم"(910) كتاب: الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف.
(3)
راجع حديث (1044).
9 - باب صَلَاةِ الكُسُوفِ جَمَاعَةً
وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ. وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ.
1052 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللهَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ. قَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي رَأَيْتُ الجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَأُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ". قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "بِكُفْرِهِنَّ". قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ". [انظر: 29 - مسلم: 907 - فتح: 2/ 540]
ثم ذكر فيه حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس قَالَ: انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ .. الحديث
الشرح:
أما فعل ابن عباس فأخرجه ابن أبي شيبة، عن غندر، عن ابن
جريج، عن سليمان الأحول، عن طاوس أن الشمس انكسفت على عهد ابن عباس، فصلى على صفة زمزم ركعتين، في كل ركعة أربع سجدات
(1)
.
ورواه الشافعي عن سفيان، عن سليمان الأحول به، وقال: ست ركعات في أربع سجدات
(2)
.
قَالَ البيهقي: روي عن عبد الله بن أبي بكر، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قَالَ: رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ركعتين، في كل ركعة ركعتين
(3)
. قَالَ الشافعي
(4)
: إذا كان عطاء، وعمر، وصفوان، والحسن يروون عن ابن عباس خلاف ما روى سليمان الأعمش
(5)
كانت رواية ثلاثة أولى أن تُقبل. ولو ثبت عن ابن عباس أشبه أن يكون ابن عباس فرق بين خسوف الشمس والقمر وبين الزلزلة، فقد روي أنه صلى ثلاث ركعات في كل ركعة.
وقال ابن التين: صفة زمزم موجزة قيل: كانت أبنية، فصلى فيها ابن عباس.
وعلي بن عبد الله بن عباس تابعي ثقة
(6)
روى له مسلم والأربعة،
(1)
"المصنف" 2/ 219 (8307) كتاب: الصلوات، باب: صلاة الكسوف كم هي؟
(2)
"مسند الشافعي" 1/ 167 (485).
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 327 - 328، كتاب: صلاة الكسوف، باب: من أجاز أن يصلي في الخسوف.
(4)
"مسند الشافعي" 1/ 167 كتاب: الصلاة، باب: في صلاة الكسوف.
(5)
كذا في الأصل، وفي "مسند الشافعي" 1/ 167: الأحول.
(6)
وثقه العجلي، وأبو زرعة، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "الطبقات الكبرى" 5/ 312، "معرفة الثقات" 2/ 156 (1305)، "الثقات" 5/ 160، "تهذيب الكمال" 21/ 35 (4097)
ولد ليلة قُتِلَ عليّ، وكان أجمل قرشي في الدنيا. وقال علي بن أبي حملة
(1)
: كان يسجد كل يوم ألف سجدة، ورأيته آدم جسيمًا بين عينيه أثر السجود، مات سنة ثماني عشرة ومائة، وقيل: سنة إحدى عشرة ومائة بالبلقاء
(2)
.
وأثر ابن عمر كأنه يريد ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن عاصم بن عبيد الله قَالَ: رأيت ابن عمر يهرول إلى المسجد في كسوف، ومعه نعلاه يعني: لأجل الجماعة
(3)
.
وأما الحديث فأخرجه في بدء الخلق
(4)
والنكاح
(5)
، وأخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي أيضًا
(6)
. ووقع في بعض نسخ أبي داود، عن عطاء، عن أبي هريرة، وهو وهم كما نبه عليه ابن عساكر.
إذا تقرر ذلك؛ فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
قوله: (انخسفت الشمس) كذا هنا، وفي مسلم:(انكسفت)، وهنا:"لا يخسفان"، وفي مسلم:"ينكسفان".
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: حملة، بفتح الحاء المهملة وميم ثم لام مفتوحتين، كذا ضبطه القرطبي.
(2)
ورد بهامش الأصل ما نصه: قال أبو عبيد البكري: مات بالحمينة. وكذا قال الذهبي في "الكاشف"، وكأن الحمينة مكان بالبلقاء.
(3)
"المصنف" 2/ 220 (8315) كتاب: الصلوات، باب: صلاة الكسوف كم هي؟
(4)
سيأتي برقم (3202) باب: صفة الشمس والقمر.
(5)
سيأتي برقم (5197) باب: كفران العشير.
(6)
"صحيح مسلم"(907/ 17) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الجنة والنار، "سنن أبي داود"(1181، 1183) كتاب: الصلاة، باب: من قال: أربع ركعات، "سنن النسائي" 3/ 128 - 129 كتاب: الكسوف، باب: كيف صلاة الكسوف؟
وقوله: (فقام قيامًا طويلًا) سببه -والله أعلم- طول زمن الكسوف.
وفي حديث عائشة: فأطال القراءة
(1)
.
وقوله: (نحوًا من سورة البقرة) وفي مسلم: قدر سورة البقرة. وفي بعض نسخ البخاري: نحوًا من قيام سورة البقرة. وهو دال على استحباب ذلك، وأن القراءة كانت سرًّا. وفي رواية عائشة: فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة البقرة
(2)
. والحزر والنحو يوهم عدم السماع، وكونها سرية، وقد يقال: كان ابن عباس صغيرًا ومقامه آخر الصفوف، فاحتاج إلى الحزر.
وبالسر فيها قَالَ مالك والشافعي والكوفيون كما ستعلمه في موضعه.
الثاني:
(تكعكعت): معناه عند أهل اللغة: احتبست وتأخرت ورائي. يقال: كع الرجل، إذ نكص على عقبيه. وعند الفقهاء: تقهقرت، وكلُّ قريب. أصل تكعكع تكعع فأدخلت الكاف؛ لئلا يجمع بين حرفين متماثلين، كذا ذكر الخطابي
(3)
. وهو في الحقيقة ثلاثة أحرف مثل دساها أصله دسسها، فأبدلت من إحدى السينات ياءً؛ لئلا تجتمع ثلاثة أحرف، وكذا كبكبوا أصله: كبَّبوا فاجتمع ثلاث باءات، أبدلت من الوسطى كافًا كذلك أبدل العين الوسطي كافًا، وهي عين الفعل ويقال: كاع يكيع، وأصله: من الجبن، يجمع الرجل عن الأمر إذا جبس وتأخر.
(1)
سلف برقم (1046) كتاب: الكسوف، باب: خطبة الإمام في الكسوف.
(2)
رواه أبو داود (1187) كتاب: الصلاة، باب: القراءة في صلاة الكسوف.
والبيهقي 3/ 335 كتاب: صلاة الخسوف، باب: من قال: يسر بالقراءة في .... وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" برقم (1073).
(3)
"أعلام الحديث" 1/ 490.
الثالث:
فيه أن الجنة مخلوقة إذ ذاك، وأن فيها ثمارًا موجودة، وكذا النار حقيقة ببينة التناول الذي رأوه يفعله، وإخبار الصادق حق لا شك فيه ولا مرية، فخلق الرب جل جلاله له إدراكًا أدركهما به في جهة الحائط الذي أشار إليه، كما فرج له عن بيت المقدس ليلة الإسراء، فجعل يخبرهم عنه
(1)
.
وقال مجاهد في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأنعام: 75] قَالَ: فرجت له السماوات، حَتَّى نظر إلى ما فيهن، حَتَّى انتهى بصره إلى العرش، وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن
(2)
. وإنما لم يأخذ العنقود؛ لأن طعام الجنة باقٍ أبدًا لا يفنى، ولا يكون شيء من دار البقاء في دار الفناء. وقد قدَّر الرب جل جلاله أن رزق الدنيا لا ينال إلا بتعب ونصب، فلا يبدل القول لديه. وأيضًا فطعام الجنة شوَّق الرب إليه عباده، ووعدهم به؛ جزاءً لأعمالهم الصالحة، والدنيا ليست دار جزاء، ولذلك لم يأخذه.
وقوله: ("لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا") ويريد أنهم كانوا يأكلون منه، ويأكل منه من بعدهم حَتَّى تنقضي الدنيا؛ لأنه كان لا يفنى ولا ينقطع بموته. و (لو) عند العرب لامتناع الشيء بامتناع غيره كقوله:"لو كان بعدي نبي لكان عمر"
(3)
، ولا سبيل إلى أن يكون بعده نبي،
(1)
سيأتي هذا الحديث برقم (3886، 4710)، ورواه مسلم (170) من حديث جابر.
(2)
رواه الطبري في "تفسيره" 5/ 242 (13452).
(3)
رواه الترمذي (3686) كتاب المناقب، باب في مناقب عمر بن الخطاب، وأحمد 1/ 154 ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/ 462، 2/ 500، والطبراني 17/ 298 (822)، 17/ 310، والحاكم 3/ 85 وقال: هذا حديث صحيح =
كما لا سبيل إلى أن يكون عمر نبيًّا. وروى ابن عبد البر بإسناده إلى عتبة بن عبد السلمي حديثًا فيه أن أعرابيًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عظم عنقود الجنة، فقال له: "مسيرة الغراب
(1)
شهرًا لا يقع ولا يعثر"
(2)
.
وقوله: ("وأريت النار") كذا هنا، في الجنة (رأيت)، وفي النار (أريت)، أما (رأيت): فإنه فعل مسمى الفاعل، وفاعله الرائي، كأن في الجنة عرضت له ولا حائل بينه وبينها، فوقع بصره عليها فرآها، وأما (أريت) فإنه فعل ما لم يسم فاعله، وقد أقيم المفعول الذي هو الرائي على الحقيقة مقام الفاعل، فكأن الجنة عُرضت عليه ثم كشف عن بصره فرآها، ورؤياه النار كان من الباب الذي يدخل منه العصاة من المسلمين.
وقوله: ("فلم أر كاليوم قط أفظع") الكاف في "كاليوم" موضع نصب، التقدير: فلم أر منظرًا مثل منظر شيء اليوم.
و"أفظع"
(3)
بالفاء والظاء المعجمة أي أهول وأشد، ووقع في موضع من "المطالع" بالضاد المعجمة.
الرابع:
قوله: (قيل: يكفرن بالله؟ قَالَ: "يكفرن العشير") كذا في البخاري بالواو في "يكفرن العشير" وأثبتها يحيى بن يحيى عن مالك، ورواية
= الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "الصحيحة"(327).
(1)
في الأصل كتبت بغير نقط وكسرت العين وهي غير منقوطة، ووصفها هكذا (العِراب)؛ والمثبت عن "التمهيد".
(2)
"التمهيد" 3/ 320 - 321.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: أفظع بالظاء المعجمة، وقد ذكر صاحب المطالع في الفاء مع الضاد
…
، وقد تقدم في الفاء مع الظاء، وهو موضع اللفظ، وكأنه إنما ذكره في الفاء مع الضاد؛ لأنه تبع فيه القاضي عياض
…
عادته. وقال ابن التين: إنما ذكره في الظاء.
القعنبي، وابن القاسم، وابن وهب، وأكثر الرواة حذفها؛ لما فيه من إثبات الكفر بالله، ولعله إخبار عن أكثرهن لا عن الكل. وأجيب عن رواية يحيى بن يحيى بأن السائل لما قَالَ: أيكفرن بالله؟ لم يجب عنه؛ لإحاطة العلم بأن منهن من يكفر كالرجال، فلم يحتج إلى ذلك؛ لأن المقصود من الحديث غيره.
فإن قلت: إذا كان أكثر أهلها النساء، كيف يلتئم مع حديث أبي هريرة:"إن أدنى أهل الجنة من له زوجتان من الدنيا"
(1)
ومقتضاه أن النساء ثلثا أهل الجنة؟ فالجواب أن عمل حديث أبي هريرة على ما بعد خروجهن من النار، أو خرج مخرج التغليظ والتخويف، وفي هذا نظر؛ لأنه أخبر أن الرؤية حاصلة. وأجاب بعضهم بأنه لعله مخصوص ببعض النساء دون بعض، وقد سلف طرف من شرح الحديث في الحيض.
تنبيهات:
أحدها: سنة صلاة الكسوف أن تصلى جماعة، وهو ما عقد له البخاري الباب، وفي المسجد للاتباع، فإن تخلف الإمام عنها فليقدموا من يصلي بهم جماعة، وبه قَالَ مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور
(2)
. وقد صلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، وسليمان التيمي، كل واحد منهما بأصحابه
(3)
.
(1)
"المدونة" 1/ 151، "التمهيد" 5/ 296، "الأم" 1/ 214، "الأوسط" 5/ 310، "المغني" 3/ 322، "الإنصاف" 5/ 385.
(2)
روي ذلك عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، رواه ابن أبي شيبة 2/ 221 (8327) كتاب: الصلوات، باب: ما يقرأ في الكسوف. وذكر ابن المنذر هذين الأثرين في "الأوسط" 5/ 310.
(3)
لم نجده فيما بين أيدينا من مصادر.
وفي "المدونة": يصليها أهل القرى والمسافرون بإمام، إلا أن يعجل بالمسافرين السير، فتصليها المرأة في بيتها
(1)
. وقَالَ أشهب: ومن لم يقدر أن يصليها مع الإمام من النساء والضعفاء، فإنهم يصلونها فرادى وبإمام
(2)
، وكره أبو حنيفة والثوري أن يجمع النساء، وقال: يصلون وحدانا ولا يجمعهن رجل
(3)
.
وقول من استحب الجماعة فيها للنساء وغيرهن أولى؛ لأن سنتها الجماعة لكل من صلاها، فكذلك النساء.
وأغرب بعضهم فجعل الجماعة فيها شرطًا كالجمعة، حكاه إمام الحرمين عن الصيدلاني
(4)
، والذي في كتابه حكايته وجهين في أنها هل تصلى في كل مسجد أو لا تكون إلا في جماعة واحدة كالخلاف في العيد.
ثانيها: اختلف العلماء في صفة صلاة الكسوف، وقد سلف أول الباب الخلاف فيها. وقد رويت في صلاة الكسوف أحاديث مختلفة، فقال بها قوم من الفقهاء، وزعم بعضهم أن القول بها كلها جائز؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى الكسوف مرات كثيرة، وخير أمته في العمل بأي ذلك شاءوا، منها أنه صلى ثلاث ركعات في ركعة
(5)
، وأربعًا في ركعة
(6)
،
(1)
"المدونة" 1/ 151، 152.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 511.
(3)
انظر "الأصل" 1/ 446، "الأوسط" 5/ 310.
(4)
انظر: "الشرح الكبير" للرافعي 2/ 376.
(5)
رواه مسلم برقم (904) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، عن جابر.
(6)
رواه مسلم برقم (908) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ذكر من قال: أنه ركع ثمان ركعات في أربع سجدات، عن ابن عباس.
وخمسًا في ركعة
(1)
، وستًّا في ركعة، وثمانيًا في ركعة؛ لأنه كان يزيد في الركوع إذا لم ير الشمس تنجلي، فإذا انجلت سجد فيها، فمن هنا زيادة الركعات، فيقال لهم: أكثر تلك الأحاديث ضعاف، وأصح ما في أحاديث صلاة الكسوف ما ذكره البخاري، وما رواه مالك في "الموطأ"
(2)
، وبه قَالَ أهل المدينة عملًا قرنًا بعد قرن. واحتج الطحاوي لأصحابه بالقياس على سائر الصلوات من التطوع
(3)
، وجوابه أن هذِه خصت بأمور، كصلاة الخوف والعيد والجنازة، ولا مدخل للنظر في ذلك.
الثالث: قوله في صفة القيام الثالث والرابع: (دون القيام الأول)، يريد الذي يليه، ووجه ذلك أن وصفه بأنه دون القيام الذي يليه أبين في موضعه؛ لأنَّا إن صرفناه إلى أول قيامه لم يعلم إن كان تقدير الثاني أكثر منه أو أقل، فكانت إضافته إلى الذي يليه أولى.
الرابع: فيه أن يسير العمل في الصلاة لا يفسدها، وهو إجماع، فإنه صلى الله عليه وسلم تناول، ثم تكعكع، والتناول مد اليد للأخذ، وفي حديث آخر "لو اجترأت"
(4)
، وهودال على أنه تركه لما داخله من الهيبة وإعظام ما رأى.
(1)
رواه أبو داود برقم (1182) كتاب: الصلاة، باب: من قال: بأربع ركعات.
وقال: وحدثت عن عمرو بن شقيق، حدثنا أبو جعفر الرازي -وهذا لفظه- وهو أتم عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية. والحاكم 1/ 133 كتاب: الكسوف.
وقال: رواته صادقون -وخالفه الذهبي قائلا: منكر- والبيهقي 3/ 329 كتاب: الصلاة، باب: من أجاز أن يصلي في الخسوف. قال الألباني في "ضعيف أبي داود" برقم (214): إسناده ضعيف، أبو جعفر الرازي ليِّن.
(2)
"الموطأ" ص 132 كتاب: الجمعة، باب: العمل في خسوف الشمس.
(3)
"شرح معاني الآثار" 1/ 332.
(4)
سلفت برقم (745) كتاب: الأذان.
10 - باب صَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الكُسُوفِ
1053 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها -زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِىَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ! فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ أَيْ نَعَمْ. قَالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي المَاءَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مِثْلَ -أَوْ قَرِيبًا مِنْ- فِتْنَةِ الدَّجَّالِ -لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ- يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا المُؤْمِنُ -أَوِ المُوقِنُ. لَا أَدْرِي أى ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ -فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، جَاءَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا. وَأَمَّا المُنَافِقُ -أَوِ المُرْتَابُ. لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ -فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ". [انظر: 86 - مسلم: 905 - فتح: 2/ 543]
ذكر فيه حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ .. الحديث.
وقد سلف في الطهارة في باب من لم يتوضأ إلا من الغَشْي المثقل
(1)
، وفي أواخر الصلاة أيضًا
(2)
.
وأخرجه مسلم عن صفية، عن أسماء
(3)
.
(1)
سلف برقم (184) كتاب: الوضوء.
(2)
سيأتي برقم (1235) كتاب: السهو، باب: الإشارة في الصلاة.
(3)
"صحيح مسلم"(906) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ما عرض على النبي في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار.
ورواه ابن ماجه والنسائي من طريق ابن أبي مليكة عن أسماء
(1)
.
وفيه من الفقه: حضور النساء صلاة الكسوف مع الجماعة في المساجد.
ورخص مالك والكوفيون للعجائز في ذلك، وكره للشابة
(2)
.
وقال الشافعي: لا أكره لمن لا هيئة لها بارعة من النساء ولا للصبية شهود صلاة الكسوف مع الإمام، بل أحب لهن، ويجب لذات الهيئة أن تصليها في بيتها
(3)
.
ورأى إسحاق أن يخرجن شبابًا كن أو عجائزَ، ولو كن حُيَّضًا؛ ويعتزل الحُيَّضُ المسجد، ويقربن منه.
وفيه: استماع المصلي إلى ما يخبره به من ليس في صلاة.
وفيه: جواز إشارة المصلي بيده وبرأسه لمن يسأله مرة بعد أخرى.
وفيه: أن صلاة الخسوف قيامها طويل؛ لقولها: (فقمت حَتَّى تجلاني الغَشْي)، فهو حجة للشافعي ومالك
(4)
وأبي حنيفة في قوله: إنها إن شاء قصرها كالنوافل
(5)
.
وقولها: (فجعلت أصب فوق رأسي الماء) فيه دليل على جواز العمل اليسير في الصلاة. وفي أن يفكر المصلي ونظره إلى قبلته جائز؛ لقوله: ("ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا،
(1)
"سنن النسائي" 3/ 151 الكسوف، باب: التشهد والتسليم في صلاة الخسوف، و"ابن ماجه"(1265) إقامة الصلاة والسنة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف.
(2)
انظر: "الأصل" 1/ 446، "المدونة" 1/ 152.
(3)
"الأم" 1/ 218.
(4)
"الأم" 1/ 217، "المنتقى" 1/ 330.
(5)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 39.
ولقد أوحي إلى أنكم تفتنون في القبور")، وذلك كله في الصلاة.
وفيه: أن فتنة القبر حق، وهذا مذهب أهل السنة.
وفيه: أن من ارتاب في تصديق الشارع، أو شك في صحة رسالته فهو كافر، ألا ترى قول المنافق أو المرتاب: لا أدري؟ فهذا لم يوقن به لما دخله الارتياب والنفاق، ومن لم يدر فقد نفى عن نفسه التصديق، ثم زاد شكه بيانًا لقوله: سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، فأخبر أنه إنما جرى تصديق الشارع على لسانه من أجل قول الناس ذلك لا من أجل اعتقاده صحة ما جرى على لسانه، وهذا هو حقيقة الريب، أن يقول اللسان ما لم يعتقد صحته القلب.
وفيه: أن تمام الإيمان والعلم إنما هو المعرفة بالرب جل جلاله ورسله، ومعرفة الدلالة على ذلك؛ ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم نفي الإيمان عمن يقول إذا سئل نبيه: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته.
وفيه: ذم التقليد، وأن المقلد لا يستحق اسم العلم التام على الحقيقة.
فإن قلتَ: كيف قلتَ: تمام الإيمان والعلم هو المعرفة بالله ورسله، ومعرفة الدلالة على ذلك، وقد روي عن السلف أنهم كانوا يقولون: عليكم بدين العذارى، والعذارى لا علم عندهن بالدلالة على الإيمان، وإنما علمهن التقليد، وأنت قد ذممته؟
فالجواب أنه قد جاءت هذِه الكلمة في حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار حين كلم خاله عثمان بن عفان في أخيه الوليد بن عقبة، وقال له: قد أكثر الناس في شأن الوليد حق عليك أن تقيم الحد. فقال: يا ابن أخي أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: لا، ولكن قد خلص إلي من علمه كما خلص إلى العذراء في سترها، وذكر الحديث كما ستعلمه في
البخاري في باب: فضائل الصحابة في باب هجرة الحبشة
(1)
.
ومعنى قولهم: دين العذارى هو أنه صلى الله عليه وسلم بلغ عن ربه دينه حَتَّى وصل ذلك إلى العذارى في خدورهن، فعلمنه خالصًا، ثم نشب وقد ألزم الله المؤمنين أن يعلموا ذريتهم حقيقة الإيمان؛ لقوله تعالى:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] فكل مؤمن يعلم بنيه في الصغر خالص الإيمان، وما يلزمه من فرائضه، ولا يعلم اعتراض الملحدين ولا شبه الزائغين؛ لأن الجدال فيه ربما أورث شكًّا.
فإيمان العذارى: التصديق الخالص الذي لا ريب فيه، ولا شك، بخلاف أحوال المنافق والمرتاب الذي قَالَ: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. ولا يرد بقوله: عليكم بدين العذارى ترك معرفة الاستدلال على حقائق الإيمان والازدياد من العلم، هذا إبراهيم -خليل الرحمن- سأل ربه أن يريه كيف يحيى الموتى؛ وإنما سأله تعالى زيادة في العلم يطمئن بها نفسه، ولم يكن قبلها شاكًّا، وهذِه غاية ترد على ابن عمر في البكاء على الميت
(2)
وغير ذلك، ونقول: يرحم الله أبا عبد الرحمن، إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما ذهب إليه ابن عمر، ويرد على عروة بن الزبير تأويله في الطواف بين الصفا والمروة. وقالت عائشة: نِعْم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين
(3)
. فحكمت لهن بالفقه في الدين. والفقه في لسان العرب: هو معرفة الشيء، ومعرفة الدلالة على صحته، فلا خلاف بين شيء من ذلك.
(1)
سيأتي برقم (3872) كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة الحبشة.
(2)
رواه عبد الرزاق 3/ 553 - 555 (6674 - 6675) كتاب: الجنائز، باب: الصبر، والبكاء والنياحة.
(3)
رواه مسلم (332) 61 كتاب: الحيض، باب: استحباب استعمال المغتسلة من =
11 - باب مَنْ أَحَبَّ العَتَاقَةَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
1054 -
حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: لَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ. [انظر: 86 - فتح: 2/ 543]
ذكر فيه حديث أسماء قَالَتْ: لَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَمْسِ.
هذا الحديث من أفراد البخاري، ويأتي في العتق أيضًا
(1)
.
وشيخ البخاري (ربيع بن يحيى) هو الأشنناني من أفراده عن مسلم.
وخرج له أبو داود فقط، ثقة، ثبت، مات سنة أربع وعشرين ومائتين
(2)
.
و (العَتاقة) بفتح العين.
ولا شك أن الرب جل جلاله يخوف عباده بالآيات ليتقربوا إليه بالأعمال الصالحة كالصلاة والعتق والصدقة، وجاء أن العتق يفك المؤمن من النار
(3)
، وقد قرن الله تعالى في كتابه العتق بالصدقة،
= الحيض فرصة من مسك في موضع الدم.
(1)
سيأتي برقم (2519، 2520) كتاب: العتق، باب: ما يستحب من العتاقة في الكسوف أو الآيات.
(2)
ابن مقسم المرئي، أبو الفضل البصري.
قال أبو حاتم: ثقة ثبت. وذكره ابن حبان في "الثقات". وذكر ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" ص 402 أن الدارقطني، قال: يخطئ في حديثه عن الثوري وشعبة، ثم قال: ما أخرج عنه البخاري إلا من حديثه عن زائدة فقط.
انظر: "التاريخ الكبير" 3/ 279 (955). و"الجرح والتعديل" 3/ 471 (2106).
و"تهذيب الكمال" 9/ 106 (1873).
(3)
يشير المصنف رحمه الله إلى حديث أبي هريرة الآتي برقم (2517): "أيما رجل أعتق امرأ مسلمًا استنفذ الله بكل عضو منه عضوًا منه من النار"، والحديث رواه مسلم أيضًا (1509).
فقال تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)} [البلد: 13، 14] وبأعمال البر كلها يدفع الله النقم والبلاء عن عباده، فيستحق العتق عند ذلك المعنى المذكور. وهو ما ترجم له:
12 - باب صَلَاةِ الكُسُوفِ فِي المَسْجِدِ
1055 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَائِذًا بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ. [انظر: 1049 - مسلم: 903 - فتح:2/ 544]
1056 -
ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا، فَكَسَفَتِ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى، فَمَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ ظَهْرَانَى الحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ وَهْوَ دُونَ السُّجُودِ الأَوَّلِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ القَبْرِ. [انظر: 1044 - مسلم: 901، 903 - فتح:2/ 544]
ذكر فيه حديث عائشة أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ
…
إلى آخره.
وقد سلف في باب التعوذ من عذاب القبر
(1)
(2)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: شيخه في الأول عبد الله بن مسلمة، عن مالك، وفي الثاني: إسماعيل، حدثني مالك.
(2)
برقم (1049) كتاب: الكسوف.
13 - باب لَا تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ
رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ وَالمُغِيرَةُ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رضى الله عنهم.
1057 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الشَّمْسُ وَالقَمَرُ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا". [انظر: 1041 - مسلم: 911 - فتح: 2/ 545]
1058 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَأَطَالَ القِرَاءَةَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ القِرَاءَةَ وَهْىَ دُونَ قِرَاءَتِهِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ دُونَ رُكُوعِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ يُرِيهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ". [انظر: 1044 - مسلم: 901 - فتح: 2/ 545]
أما حديث أبي بكرة فسلف في أول صلاة الكسوف
(1)
.
وأما حديث المغيرة ففي الباب أيضًا.
أما حديث أبي موسى فيأتي -إن شاء الله- في الباب بعده.
وأما حديث ابن عباس فسلف في باب صلاة الكسوف جماعة
(2)
.
وأما حديث ابن عمر فذكره في الباب الأول من كتاب الكسوف
(3)
.
(1)
برقم (1040).
(2)
برقم (1052) كتاب: الكسوف، باب: صلاة الكسوف جماعة.
(3)
برقم (1041) كتاب: الكسوف، باب: الصلاة في كسوف الشمس.
وقد روى هذا الكلام غير هؤلاء.
وقد ذكره البخاري أيضًا من حديث أبي مسعود
(1)
، ومن حديث عروة عن عائشة
(2)
.
(1)
برقم (1041) كتاب: الكسوف، باب: الصلاة في كسوف الشمس.
(2)
سلف برقم (1044) كتاب: الكسوف، باب: الصدقة في الكسوف. وبرقم (1046) باب: خطبة الإمام في الكسوف.
14 - باب الذِّكْرِ فِي الكُسُوفِ
رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
1059 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَزِعًا، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى المَسْجِدَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ وَقَالَ:"هَذِهِ الآيَاتُ التِى يُرْسِلُ اللهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ". [مسلم: 912 - فتح: 2/ 545]
ثم ساق حديث أبي موسى: قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ .. الحديث.
الشرح:
أما رواية ابن عباس فسلفت في باب صلاة الكسوف جماعة
(1)
.
وأما حديث أبي موسى فأخرجه مسلم أيضًا
(2)
.
وترجم عليه أيضًا:
(1)
برقم (1052) كتاب: الكسوف.
(2)
"صحيح مسلم"(912) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف: الصلاة جامعة.
15 - باب الدُّعَاءِ فِي الخُسُوفِ
قَالَهُ أَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
1060 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ". [انظر: 1043 - مسلم: 915 - فتح: 2/ 546]
أما حديث أبي موسى فسلف في الباب قبله: "فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه".
وأما حديث عائشة فسلف في باب الصدقة في الكسوف
(1)
.
ثم ساق بإسناده حديث المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ .. الحديث.
وسلف في أول كتاب الكسوف
(2)
.
وقيامه فزعًا يدل على أنه أول كسوف رأى، فدخله الخوف إذ رأى ما لم يعهد.
وفيه: أنه كان لم يخبر بالآيات التي بين يدي الساعة؛ لأنه لا يخشى من أمر يعلم أن علاماته لم تظهر ثم أُخبر به بعد.
وقوله: ("فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكره")
(3)
هو من قوله: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43] وذلك مما كانوا
(1)
برقم (1044) كتاب: الكسوف.
(2)
برقم (1043) باب: الصلاة في كسوف الشمس.
(3)
هذا اللفظ في الحديث السابق (1059).
يبلون به من البأساء والضراء. وأما إذا أتى العذاب فلا مرد له لقوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} الآية [يونس: 98] وكذلك من غرغر وعاين الملائكة الذين يقبضون روحه لم ينفعه الإيمان، ولم تكن له توبة، قَالَ تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} الآية. ثم قال: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 18] يعني: غرغروا بالموت، فسماهم الله كفارًا؛ لأنهم قاربوه.
وقوله في الباب: ("فإذا رأيتموهما") يعني: الآيتين. قاله الداودي.
وقوله: ("حَتَّى تنجلي") يعني: الشمس تظهر حين يكشف عنها.
16 - باب قَوْلِ الإِمَامِ فِي خُطْبَةِ الكُسُوفِ: أَمَّا بَعْدُ
1061 -
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ، فَحَمِدَ اللهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ:"أَمَّا بَعْدُ". [انظر: 86 - مسلم: 905 - فتح: 2/ 547]
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: ثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ .. الحديث.
وقد سلف في الجمعة وقال محمود: ثَنَا أبو أسامة، فذكره
(1)
وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر وأبي كريب؛ عن أبي أسامة
(2)
. قَالَ الجياني: وقع في رواية ابن السكن في إسناد هذا الحديث وَهَمٌ، وذلك أنه زاد في الإسناد رجلًا، أدخل بين (هشام) و (فاطمة) (عروةَ بنَ الزبير) والصواب:(هشام عن فاطمة)
(3)
.
(1)
برقم (922) باب: من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد.
(2)
"صحيح مسلم"(905) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار.
(3)
"تقييد المهمل" 2/ 598.
17 - باب الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ القَمَرِ
1062 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. [انظر: 1040 - فتح: 2/ 547]
1063 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى المَسْجِدِ، وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، فَانْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ". وَذَاكَ أَنَّ ابْنا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاتَ، يُقَالُ لَهُ: إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَاكَ. [انظر: 1040 - فتح: 2/ 547]
ذكر فيه حديث أبي بكرة قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
ثم ساقه من حديثه أيضًا، وقد سلف أول كتاب الصلاة، ولم يذكر البخاري فيه كسوف القمر
(1)
.
ورواه ابن أبي شيبة: انكسفت الشمس أو القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
، وفي رواية هشيم: انكسفت الشمس والقمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية لابن علية: "إن الشمس والقمر .. " الحديث، وفيه:"فإذا رأيتم منها شيئًا فصلوا"
(3)
.
(1)
حديث (1040).
(2)
"المصنف" 2/ 219 (8308) كتاب: الصلوات، باب: صلاة الكسوف كم هي؟
(3)
"صحيح مسلم"(911) كتاب: صلاة الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف (الصلاة جامعة).
قَالَ الإسماعيلي: قوله: "منها شيئًا" أدخل في الباب من قوله: "فإذا كان ذلك"، وفي رواية للبيهقي:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله"، وفيه:"فإذا كسف واحد منهما فصلوا وادعوا واذكروا"، وقال: هكذا رواه جماعة من الأئمة عن بشر بن موسى بهذا اللفظ
(1)
.
وفي بعض نسخ البخاري إسقاط (شعبة) بين (سعيد بن عامر) و (يونس)، وهو غلط، لا بد من شعبة، نص على ذلك أصحاب الأطراف وغيرهم. وإن كان سعيد بن عامر قد ذكر المزي أنه روى عن يونس بن عبيد
(2)
، لكن ليس هذا الحديث، ولا علم عليه علامة من روى له.
أما فقه الباب:
فقد اختلف العلماء؛ هل في خسوف القمر صلاة جماعة؟ وقد أسلفناه في أول الباب. قَالَ ابن قدامة وأكثر أهل العلم: نعم
(3)
. ومن الغريب قول ابن رُشْد أنه لم يرو أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف القمر، مع كثرة دورانه.
وقد أسلفنا هناك من طريق أنه صلى فيه
(4)
. وقال ابن التين: وذكر البخاري في الباب كسوف الشمس فقط دون القمر. وفي رواية الأصيلي ذكر فيهما جميعًا القمر ولم يذكر الشمس، وهو أشبه بالتبويب، لكنه ذكر في حديث أبي بكرة أنه صلى ركعتين، وذكر في الحديث الثاني
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 337 كتاب: صلاة الخسوف، باب: الصلاة في خسوف القمر.
(2)
"تهذيب الكمال" 10/ 511 ترجمة (2300).
(3)
"المغني" 3/ 321.
(4)
برقم (1040) كتاب: الكسوف، باب: الصلاة في كسوف الشمس.
كذلك، وقال:"إنهما آيتان فإذا كان ذلك فصلوا"، وأمر بالصلاة عند خسوف القمر قَالَ: ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"
(1)
، وهذا يفيد سقوط الاجتماع لها ولغيرها من النوافل إلا ما قام عليه الدليل. وانكسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعات كثيرة، ولم ينقل أنه صلاها في جماعة، ولا أنه دعى إلى ذلك. قَالَ: وحديث ابن عباس
(2)
-يعني الذي أسلفناه في الباب المشار إليه- يحتمل أن يكون إشارة إلى جنس الكسوف أنه يصلى له، وليس في خطبته له دلالة أنه صلاها جماعة؛ لأنه كما أنه خطب فيها، وليس من سنتها الخطبة عند مخالفينا جاز أن يكون صلاها منفردًا ثم خطب وهذا بعيد.
قَالَ: وقوله: "فافزعوا إلى الصلاة" أمره بها مطلقًا، ولم يقل: مجتمعين، فوجب أن يستوي في ذلك الأمران. وأما الاقتران في اللفظ فلا يوجب عندنا الاقتران في الحكم إلا بدليل، ثم قَالَ: واعتبارهم بكسوف الشمس غير صحيح؛ لأنه يقع نهارًا فلا يلحق فيه مشقة، بخلاف الليل، والاجتماع فيه كلفة. ثم ذكر ابن حبيب عن ابن عباس: كسف القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم يجمعنا إلى الصلاة معه كما فعل في خسوف الشمس، فرأيته صلى ركعتين. وفي "المجموعة" لمالك: يفزع الناس في خسوف القمر إلى الجامع، ويصلون أفرادًا. وأجاز أشهب الجمع لكسوف القمر. وقال عبد العزيز: هي كصلاة خسوف الشمس وتصلى أفرادًا
(3)
، والمعروف
(1)
تقدم برقم (731)، ورواه مسلم (781).
(2)
راجع حديث (1052).
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 511 - 512.
خلافه أنهم يصلونها في بيوتهم كالنافلة. قَالَ: فثبت بهذا أن الاختلاف في خسوف القمر في ثلاثة مواضع:
أحدها: في صفة الصلاة.
وإذا قلنا: هي كصلاة كسوف الشمس، فهل تصلى جماعة أو أفرادًا؟
والثاني: في الجمع لها.
والثالث: أن يصلى لها.
فإذا قلنا: يجمع، فهل هو سنة أو مباح؟
وقوله: (وثاب إليه الناس) أي: هادوا إليه. وقال ابن بطال: استغنى البخاري بذكر أحدهما عن الآخر، حيث ترجم للقمر وذكر الشمس
(1)
.
(1)
"شرح ابن بطال" 3/ 48.
باب صبِّ المرأة الماء على رأسها إذا أطال الإمام القيام
كذا ترجم له، ولم يذكر فيه حديثًا، وكأنه اكتفي بحديث أسماء السالف في باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف
(1)
.
(1)
برقم (1053) كتاب: الكسوف.
18 - باب الرَّكْعَةُ الأُولَى فِي الكُسُوفِ أَطْوَلُ
1064 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي سَجْدَتَيْنِ، الأَوَّلُ الأَوَّلُ أَطْوَلُ. [انظر: 1044 - مسلم: 901 - فتح: 2/ 548]
ذكر فيه حديث عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي سَجْدَتَيْنِ، الأَوَّلُ الأَوَّلُ أَطْوَلُ.
أخرجه عن محمود، ثنا أبو أحمد، ثنا سفيان، عن يحيى، عن عمرة، عن عائشة.
(محمود)(خ، م، ت، س، ق) هو ابن غَيْلانَ الحافظُ، روى له مسلم أيضًا، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين
(1)
.
و (أبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي الكوفي، وليس من ولد الزبير بن العوام. قَالَ بُنْدَار: ما رأيت أحفظ منه. وقال آخر: كان يصوم الدهر. مات سنة ثلاث ومائتين
(2)
.
(1)
العدوي مولاهم، أبو أحمد المروزي، نزيل بغداد. قال أحمد بن حنبل: أعرفه بالحديث، صاحب سنة، قد حبس بسبب القرآن، وقال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات"
انظر: "التاريخ الكبير" 7/ 404 (1769)، "الجرح والتعديل" 8/ 291 (1340)، "الثقات" 9/ 202. و"تهذيب الكمال" 27/ 305 (5819).
(2)
وثقه يحيى بن معين. وقال العجلي: كوفي ثقة، كان يتشيع. وقال أبو حاتم: حافظ للحديث عابد مجتهد، له أوهام. وقال النسائي: ليس به بأس. قال ابن حجر في "المقدمة" ص 439: احتج به الجماعة وما أظن البخاري أخرج له شيئًا من أفراده عن سفيان.
انظر: "التاريخ الكبير" 1/ 133 (40) و"معرفة الثقات" 2/ 242 (1611).
و"تهذيب الكمال" 25/ 476 (5343).
و (سفيان) هو الثوري. و (يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري.
وقوله: (أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي سَجْدَتَيْنِ). يعني: في ركعتين؛ لأنه كذلك جاء مفسرًا من غير طريق، وقد تُسمى الركعة سجدة، ومنه:"من أدرك من الصلاة سجدة فقد أدركها"
(1)
.
وقد قام الإجماع على أن القيام الثاني من الركوع الأول في صلاة الكسوف أقصر من القيام من الركوع الأول لقوله: دون القيام الأول، ودون الركوع الأول، وكذلك أجمعوا أن القيام والركوع الثاني من الركعة الثانية أقصر من الأول منها.
واختلفوا في القيام والركوع الأول من الركعة الثانية، هل هو دون الثاني من الركعة الثانية أو مثله؟ وهل يرجع قوله:(دون القيام الأول) إلى الركعة الأولى أو إلى الثانية منها؟
فقال قوم: يرجع إلى الأولى من الركعة الأولى. وقال قوم: بل يرجع إلى القيام والركوع الثاني من الركعة الأولى، وهذا قول مالك في "المدونة" أن كل ركعة من الأربع أطول من التي تليها
(2)
.
وقول عائشة: (الأول الأول) حجة لقول مالك، وهذا كله حجة على أبي حنيفة في أنها ركعتان كسائر النوافل.
(1)
سلف برقم (580) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من أدرك من الصلاة ركعة.
(2)
"المدونة" 1/ 152.
19 - باب الجَهْرِ بِالقِرَاءَةِ فِي الكُسُوفِ
1065 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نَمِرٍ، سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: جَهَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ:"سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ". ثُمَّ يُعَاوِدُ القِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الكُسُوفِ، أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. [انظر: 1044 - مسلم: 901 - فتح: 2/ 549]
1066 -
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ مُنَادِيًا بِالصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ، سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ مِثْلَهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ أَخُوكَ ذَلِكَ، عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَا صَلَّى إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ إِذْ صَلَّى بِالمَدِينَةِ. قَالَ: أَجَلْ، إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي الجَهْرِ. [انظر: 1044 - مسلم: 901 - فتح: 2/ 549]
ذكر فيه حديث الوَليدِ، أنا ابن نَمِرٍ، سَمِعَ ابن شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: جَهَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ.
الشرح:
حديث ابن نمر أخرجه مسلم أيضًا، وأبو داود والنسائي
(1)
.
واسم (ابن نمر) عبد الرحمن اليحصبي، روى عنه الوليد بن مسلم
(1)
"صحيح مسلم"(901) كتاب: صلاة الكسوف. و"سنن أبي داود"(1180) كتاب: الصلاة، باب: من قال: أربع ركعات. وبرقم (1188) باب: القراءة في صلاة الكسوف.
و"سنن النسائي" 3/ 148 كتاب: الكسوف، باب: الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف.
فقط. قال أبو حاتم وغيره: ليس بالقوي
(1)
. وأخرج له مسلم أيضًا.
وقول البخاري: (وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ: سَمِعْتُ الزُّهْريَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ .. ) الحديث
ذكر خلف أن مسلمًا رواه عن محمد بن مهران، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي، عن ابن شهاب، ثم قَالَ: وهو في حديث البخاري، عن محمد بن مهران، عن الوليد، وقال -يعني الوليد- وقال الأوزاعي وغيره: سمعت الزهري. وأبو داود أخرجه عن عياش بن الوليد، عن أبيه، عن الأوزاعي.
وقول البخاري: (تابعه سفيان بن حسين، وسليمان بن كثير). أما متابعة سفيان فأخرجها الترمذي من حديث إبراهيم بن صدقة عنه قَالَ: وروى أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان بن حسين نحوه من حديث ابن إسحاق
(2)
.
وأما متابعة سليمان فأخرجها البيهقي من حديث محمد بن كثير، عنه، عن الزهري به، وفيه: فجهر بالقرآن وأطال
(3)
.
وذكر حديث الجهر أيضًا من حديث عروة عن عائشة وقَالَ: وروينا
عن حنش، عن علي أنه جهر بالقراءة في صلاة الكسوف. قال: وفيما
(1)
أبو عمرو الشامي الدمشقي. قال يحيى بن معين: ابن نمر الذي يروي عن الزهري ضعيف. وقال دحيم: صحيح الحديث عن الزهري. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: من ثقات أهل الشام ومتقنيهم. وقال ابن حجر: ثقة، لم يرو عنه غير الوليد.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 357 (1133). و"الجرح والتعديل" 5/ 295 (1397). و"تهذيب الكمال" 17/ 460 (3981). و"تقريب التهذيب"(4030).
(2)
"سنن الترمذي"(563) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في صفة القراءة في الكسوف.
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 336 كتاب: صلاة الخسوف، باب: من اختار الجهر بها.
حكى الترمذي عن البخاري أنه قَالَ: حديث عائشة في الجهر أصح عندي من حديث سمرة أنه صلى الله عليه وسلم أسر بالقراءة فيها.
ونقل البيهقي عن أحمد أن حديث عائشة في الجهر تفرد به الزهري. قَالَ: وقد روينا من وجه آخر عن عائشة، عن ابن عباس ما يدل على الإسرار بها من النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
إذا تقرر ذلك، فاختلف العلماء في القراءة في صلاة الكسوف.
فقالت طائفة: يجهر بها. روي ذلك عن علي
(2)
، وبه قَالَ أبو يوسف ومحمد
(3)
وأحمد
(4)
وإسحاق، وحكاه الترمذي عن مالك
(5)
، واحتجوا بحديث سفيان وابن نمر عن الزهري.
وقالت طائفة: يسر بالقراءة فيها. روي ذلك عن عثمان بن عفان وابن
مسعود وابن عباس، وهو قول مالك والليث والكوفيين والشافعي
(6)
.
واحتجوا بحديث ابن عباس السالف: فقرأ قراءة طويلة نحوًا من سورة البقرة
(7)
. ولو جهر فيها لم يقل نحوًا من سورة البقرة.
وأما سفيان بن حسين، وعبد الرحمن بن نمر، وسليمان بن كثير
(1)
السابق.
(2)
رواه عبد الرزاق 3/ 103 (4936) كتاب: الوتر، باب: الآيات، وابن أبي شيبة 2/ 222 (8330) كتاب: الصلوات، باب: في الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف، وابن المنذر في "الأوسط" 5/ 297.
(3)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 380.
(4)
"الأوسط" 5/ 297.
(5)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (560) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف.
(6)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 333، "المدونة" 1/ 151، "الأوسط" 5/ 297.
(7)
برقم (1052) كتاب: الكسوف، باب صلاة الكسوف جماعة.
فكلهم ضعيف في حديث الزهري، وفيما ساقه البخاري من رواية الأوزاعي، عن ابن شهاب، ولم يذكر عنه الجهر ما يرد رواية الوليد عن أبي نمر في الجهر. فيبقى سليمان وسفيان، وليسا بحجة في الزهري لضعفهما. وقد عارضهما حديث عائشة وابن عباس وسمرة.
أما حديث عائشة فرواه ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، وعبد الله ابن أبي سلمة، عن عروة، عن عائشة قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فصلى بالناس، فأطال القيام، فحزرت أنه قرأ بسورة البقرة، قَالَ: وسجد سجدتين ثم قام، فحزرت أنه قرأ: سورة آل عمران
(1)
.
وقد سلف عنها ما يخالفه
(2)
، فيحمل ذلك على كسوف القمر.
وأما حديث ابن عباس فرواه ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس قَالَ: كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، فما سمعت منه حرفًا
(3)
.
(1)
رواه أبو داود (1187) كتاب: الصلاة، باب: القراء في صلاة الكسوف؛ والحاكم في "المستدرك"1/ 333 كتاب: الكسوف.
قال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، إنما اتفقا على حديث الزهري وهشام بن عروة بلفظ آخر؛ والبيهقي: 3/ 335 كتاب: صلاة الخسوف، باب: من قال: يسر بالقراءة في خسوف الشمس.
وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" برقم (1073).
(2)
برقم (1044) كتاب: الكسوف، باب: الصدقة في الكسوف.
(3)
رواه أحمد 1/ 293. وأبو يعلى 5/ 130 (2745)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 332، والبيهقي 3/ 335 كتاب: صلاة الخسوف، باب: من قال: يسر بالقراءة في خسوف الشمس.
وأشار الذهبي إلى ضعفه؛ فقال في "مهذب البيهقي" 3/ 1259 (5632): فيه ابن =
وأما حديث سمرة فرواه ثعلبة بن عباد
(1)
عنه قَالَ: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف لا نسمع له صوتًا.
رواه أصحاب السنن الأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم
(2)
، وخالف ابن حزم فوهاه
(3)
.
قَالَ ابن القصار: ونقل السر في صلاة الكسوف أهل المدينة خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ نقلًا متصلًا. ولو تعارضت الأحاديث لبقي حديث ابن عباس،
= لهيعة. قال البخاري، عن الحميدي: كان يحيى بن سعيد لا يراه شيئًا. وقال محمد ابن المثنى: ما سمعت عبد الرحمن يحدث عن ابن لهيعة شيئًا قط. وقال حنبل بن إسحاق: سمعت أبا عبد الله يقول: ما حديث ابن لهيعة بحجة.
(1)
ورد بهامش الأصل: عباد بكسر العين والتخفيف هذا الصحيح في ضبطه. قال الذهبي في "المغني": لا يُدرى من هو. وفي "الكاشف" لم يذكر فيه توثيقا ولا تضعيفا ولا تجهيلا. ثم رأيت المؤلف ذكره في "التحفة" في الكسوف، ثم ذكر كلام ابن حزم، ثم عارضه بأن ابن حبان ذكره في "ثقاته"، وأن الأئمة صححوا الحديث من طريقه وُهُمْ:
الترمذي: وقال عنه حسنه وصححه، والذي رأيته أنا أنه حسّن له مع القران مع الرواية. وابن حبان وابن السكن. والحاكم وقال: على شرطهما. والحديث في الكل من طريقه.
(2)
أبو داود (1184)، والترمذي (562)، والنسائي 3/ 148 - 149، وابن ماجه (1264)، وابن حبان 7/ 94 - 95 (2851 - 2852)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 334، وقال: على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(3)
"المحلى" 5/ 102.
حيث قال: هذا لا يصح؛ لأنه لم يروه إلا ثعلبة بن عباد العبدي، وهو مجهول. اهـ.
قلت: وكذا اعترض الذهبي في "التلخيص" 1/ 334 على تصحيح الحاكم للحديث فقال: ثعلبة مجهول، وما أخرجا له شيئًا.
وضعفه أيضًا الألباني في "ضعيف أبي داود"(216)، و"ضعيف ابن ماجه"(260).
وهو حجة
(1)
.
قَالَ الخطابي: ويحكى عن مذهب الشافعي الجهر فيها
(2)
، وبه قَالَ ابن المنذر
(3)
.
وقوله: (أخطأ السنة) هو حجة لمالك والشافعي في أن السنة أربع ركعات في ركعتين. وقد سلف ذلك أيضًا في باب خطبة الإمام آخر الكسوف. ولله الحمد.
(1)
"شرح ابن بطال" 3/ 52.
(2)
"أعلام الحديث" 6/ 617.
(3)
"الأوسط" 5/ 298.
17
سجود القران
17 - سجود القرآن
1 - باب مَا جَاءَ فِي سُجُودِ القُرْآنِ وَسُنَّتِهَا
1067 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا، وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ، غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا. فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا. [1070، 3853، 3172، 4863 - مسلم: 576 - فتح: 2/ 551]
ذكر فيه حديث عبد الله قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا، وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ، غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا. فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا.
هذا الحديث يأتي أيضًا قريبًا
(1)
، وفي التفسير
(2)
، وفي البعث
(3)
،
(1)
برقم (1070) كتاب: سجود القرآن، باب: سجدة النجم.
(2)
برقم (4863) باب: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} .
(3)
برقم (3853) كتاب: مناقب الأنصار، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة.
والمغازي
(1)
. وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي أيضًا
(2)
.
واختلف العلماء في سجود التلاوة؛ فجمهور العلماء على أنه سنة وليس بواجب، وهو قول عمر، وسلمان، وابن عباس، وعمران بن الحصين، وهو مذهب مالك، والليث، والأوزا عي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وداود
(3)
، وعند المالكية خلاف في كونه سنة أم فضيلة
(4)
.
وقال أبو حنيفة: هو واجب على القارئ والمستمع
(5)
، واستدل بقوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)} [الانشقاق: 21] وبقوله: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم: 62] وبقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]، وبالأحاديث التي فيها أنه صلى الله عليه وسلم سجد فيها.
والذم لا يتعلق إلا بترك واجب، وبالأمر في الباقي، وهو للوجوب، وبقوله:{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58].
واحتج الجمهور بالأحاديث التي ليس فيها سجود فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها
(6)
، وبحديث عمر الآتي: إن الله لم يكتب علينا السجود إلا أن
(1)
وبرقم (3972) باب قتل أبي جهل.
(2)
"صحيح مسلم"(576) كتاب: المساجد، باب: سجود التلاوة. و"سنن أبي داود"(1406) كتاب: الصلاة، باب: من رأى فيها السجود. و"سنن النسائي" 2/ 160 كتاب: الافتتاح، باب: سجود القرآن.
(3)
"المدونة" 1/ 106، "الأم" 1/ 119، "المغني" 22/ 364.
(4)
"الذخيرة" 2/ 410.
(5)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 240، "المبسوط" 2/ 4.
(6)
من ذلك ما رواه الترمذي (579) كتاب: الصلاة، باب: ما يقول في سجود القرآن، وبرقم (3424) في الدعوات، باب: ما يقول في سجود القرآن، وابن ماجه (1053) كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: سجود القرآن، وابن خزيمة 1/ 282 (562) كتاب: الصلاة، باب: الذكر والدعاء في السجود عند قراءة السجود. من حديث ابن عباس. وانظر: "الصحيحة"(2710).
نشاء
(1)
؛ وهذا ينفي الوجوب، والصحابة حاضرون ولا منكر، والآية في الأولى في حق الكفار، والسياق يشهد له، وأيضًا فمعناه: لا يخضعون عند تلاوته. والأمر في الباقي للاستحباب جمعًا بين الأخبار.
وقوله: {سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] هو من أوصافهم، بدليل أن البكاء غير واجب.
ثم اختلف العلماء في سجود النجم اختلافهم في سجود المفصل.
فروي عن عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة أنهم كانوا يسجدون فيها والمفصل
(2)
، وهو قول الثوري، وأبي حنيفة، والليث، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن وهب، وابن حبيب من أصحاب مالك. واحتجوا بهذا الحديث.
وقالت طائفة: لا سجود في النجم ولا في المفصل، روي ذلك عن عمر وأبي بن كعب، وابن عباس، وأنس، وعن سعيد بن المسيب، والحسن، وطاوس، وعطاء، ومجاهد
(3)
. وقال يحيى: أدركت القراء لا يسجدون في شيء من المفصل، وهو قول مالك
(4)
.
واحتج لمن لم يره بحديث زيد بن ثابت الآتي في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد فيها
(5)
، وبما رواه قتادة عن عكرمة قَالَ: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
برقم (1077) كتاب: سجود القرآن، باب: من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود.
(2)
رواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وابن عمر وعثمان 1/ 369 - 370 (4242 - 4243، 4249، 4252). ورواه البيهقي عن عمر وأبي هريرة وعلي وابن مسعود 2/ 314 - 315 كتاب: الصلاة، باب: سجدة النجم.
(3)
انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة 1/ 368 (4226، 4229، 4231 - 4233، 4237)، و"سنن البيهقي" 2/ 313 - 314.
(4)
"المدونة" 1/ 105، وانظر:"التفريع" 1/ 270.
(5)
برقم (1072) كتاب: سجود القرآن، باب: من قرأ السجدة ولم يسجد.
بمكة في المفصل، فلما هاجر ترك
(1)
.
واحتج الطبري للأولين فقال: يمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يسجد فيها لأن زيدًا لم يسجد فيها فترك تبعًا له وقد ورد كذلك ويمكن أن يكون تركه لبيان الجواز.
قال الطحاوي: ويمكن أن يكون قرأها في وقت النهي، أو لأنه كان على غير وضوء. وقيل: بيان جواز تأخيرها، وأنها ليست بواجبة على الفور.
واحتج ابن القصار للأول فقال: إذا اعتبرنا سجود النجم والمفصل وجدناه يخرج من طريق سائر السجدات؛ لأن قوله في النجم: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} [النجم: 62] إنما هو أمر بالسجود، فوجب أن يتوجه إلى سجود الصلاة، وقوله:(اسجد) أي صلِّ، فلم يلزم ما ذكروه.
وقال الطحاوي أيضًا: والنظر على هذا أن يكون كل موضع اختلف فيه، هل هو سجود أم لا؟ أن ينظر فيه، فإن كان موضع أمر فإنما هو تعليم فلا سجود فيه، فكل موضع فيه خبر عن السجود فهو موضع سجود التلاوة
(2)
.
وقال المهلب: يمكن أن يكون اختيار من اختار من العلماء ترك السجود في النجم والمفصل خشية أن يخلط على الناس صلاتهم، لأن المفصل هو الذي يقرأ في الصلوات
(3)
.
وقد أشار مالك رحمه الله إلى هذا
(4)
.
(1)
رواه عبد الرزاق 3/ 343 - 344 (5904) باب كم في القرآن من سجدة.
(2)
انظر: "التفريع" 1/ 270.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 54.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 360
قلتُ: لكن في أبي داود، وابن ماجه من حديث عمرو بن العاصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل
(1)
.
وأما حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة فأخرجه أبو داود، وإسناده ضعيف
(2)
.
وقد ثبت حديث أبي هريرة في مسلم والأربعة: سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1]
(3)
-وقام الإجماع على أن إسلام أبي هريرة كان بعد الهجرة- والمشهور أنه سنة سبع فدل على السجود فيه.
قَالَ ابن التين: وابن عباس لم يشهد جميع إقامته صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وإنما قدم سنة ثمان بعد الفتح. قَالَ: ويحتمل أن يجتزئ بسجود الركعة؛ لأن سجود المفصل أواخر السور. وقد قَالَ ابن حبيب: القارئ غير بين أن يسجد أو يركع ويسجد
(4)
.
وأما حديث زيد فمحمول على تركه لبيان الجواز.
(1)
أبو داود (1401)، ابن ماجه (1057)، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(248).
(2)
أبو داود (1403)، وأشار الحافظ لضعفه في "الفتح" 2/ 458. وضعفه الألباني "ضعيف أبي داود" (251).
(3)
"صحيح مسلم"(578) كتاب: المساجد، باب: سجود التلاوة. أبو داود (1407)، والترمذي (578)(108)، والنسائي 2/ 162، وابن ماجه (1058).
(4)
لم نقف على هذا القول لابن حبيب، ولكن رُوي عنه أنه قال فيمن قرأ في الصلاة سجدة فسجد لها ثم قام أنه مخير أن يركع أو يقرأ من سورة أخرى شيئًا ثم يركع.
انظر: "المنتقى" 1/ 350، و"التاج والإكليل" 2/ 368.
وقوله: (وَسَجَدَ مَعَهُ المسلمون والمشركون) أي: من كان حاضرًا، قاله ابن عباس؛ حَتَّى شاع أن أهل مكة أسلموا، وقدم من كان هاجر إلى أرض الحبشة لذلك. وللبزار من حديث المطلب بن أبي وداعة قَالَ: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجم، ولم أسجد -وكان مشركًا حينئذٍ- قَالَ: فلن أدع السجود فيها أبدًا، أسلم المطلب يوم الفتح. وللنسائي عنه، قَالَ: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة سورة النجم فسجد وسجد من عنده، فرفعت رأسي، وأبيت أن أسجد -ولم يكن يومئذٍ أسلم المطلب
(1)
.
وفي لفظ له: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في النجم، وسجد الناس معه. قَالَ المطلب: ولم أسجد معهم، وهو يومئذٍ مشرك. قَالَ المطلب: ولا أدع السجود فيها أبدًا
(2)
.
قَالَ القاضي عياض: وكان سبب سجودهم ما قاله ابن مسعود أنه أول سجدة نزلت، وأما ما يرويه الإخباريون والمفسرون أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم
(3)
. قلتُ: ومن جملتهم الداودي، وآخرهم ابن التين
(1)
"سنن النسائي" 2/ 160 كتاب: الافتتاح، باب: السجود في النجم. وحسنه الألباني في "صحيح النسائي" قائلًاَ: حسن الإسناد.
(2)
رواه عبد الرزاق 3/ 339 (5881) كتاب: فضائل القرآن، باب: كم في القرآن من سجدة. وأحمد 3/ 420 وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 110 (813).
والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 353. والطبراني 20/ 288 (679).
والحاكم في "المستدرك" 3/ 633 كتاب: معرفة الصحابة. والبيهقي 2/ 314 كتاب: الصلاة، باب: سجدة النجم. قال الذهبي في "المهذب" 2/ 753 (3289): إسناده حسن.
(3)
ورد بهامش (س) ما نصه: وقد ذكر ابن سيد الناس ذلك في شبهه وتكلم عليه كلامًا حسنًا وذكر من ضعفه كالمنذري ومن خالفه كالدمياطي فراجعه منها تجده بفوائد. وانظر: "إكمال المعلم" 2/ 525. وأثر ابن مسعود رواه الطبري في =
فباطل لا يصح منه شيء لا من جهة النقل ولا من جهة العقل؛ لأن مدح إله غير الله كفر ولا يصح نسبة ذلك إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يقوله الشيطان على لسانه، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك.
وقوله: (غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فسجد عليه)، هذا الشيخ: هو أمية بن خلف كما ذكره البخاري في تفسير سورة النجم
(1)
. وقال ابن سعد: إنه الوليد بن المغيرة. قَالَ: وقال بعضهم: إنه أبو أحيحة، وقال بعضهم: كلاهما جميعًا فعل ذلك
(2)
. قَالَ محمد بن عمر: وكان ذلك في شهر رمضان سنة خمس من المبعث
(3)
. وحكى المنذري فيه أقوالًا: الوليد بن المغيرة، عتبة بن ربيعة، أبو أحيحة، سعيد بن العاص. قَالَ: وما ذكره البخاري أصح، وقتل يوم بدر كافرًا. ولم يحكِ ابن بطال غير أنه الوليد بن المغيرة
(4)
(5)
.
وذكر ابن بزيزة أن ذلك كان من المنافقين، وهو وهم.
وفيه: أن الركوع لا يقوم مقام سجود التلاوة. وقيل بالإجزاء.
وفيه: أن من خالف الشارع استهزاءً به فقد كفر، قَالَ تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الآية [النور: 63] فلذلك أصاب هذا الشيخ فتنة وكفر، ويصيبه في الآخرة عذاب أليم بكفره واستهزائه.
= "تفسيره" 9/ 174 - 177 (25327 - 25335)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 8/ 2500 (13998). والواحدي في "أسباب النزول" 319 (623).
(1)
سيأتي ذكره في الرواية (4863) كتاب: التفسير، باب:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} .
(2)
"الطبقات الكبرى" 1/ 205.
(3)
ذكر عنه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 206.
(4)
"شرح ابن بطال" 3/ 54.
(5)
ورد بهامش (س) ما نصه: حاشية: وفي تفسير ابن حبان أنه أبو لهب.
وقد اختلف العلماء في عدد سجود التلاوة على عدة أقوال:
أصحها: أربع عشرة سجدة: في آخر الأعراف، وفي الرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، وثنتان في الحج، وفي الفرقان، والنمل، و (الم * تنزيل)، و (حم السجدة)، والنجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ. وهو أصح قولي الشافعي وأحمد
(1)
.
ثانيها: أربع عشرة لإسقاط ثانية الحج
(2)
، وإثبات صلى الله عليه وسلم وهو مذهب أبي حنيفة، وداود، وابن حزم
(3)
.
ثالثها: إحدى عشرة بإسقاط سجدات المفصل، وسجدة آخر الحج.
وهو مشهور مذهب مالك، وأصحابه
(4)
، وروي عن ابن عمر
(5)
، ورواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس
(6)
.
رابعها: خمس عشرة، وهي المذكورات ثانيًا وإثبات آخر الحج، وهو قول المدنيين عن مالك
(7)
. وهو مذهب عمر، وانبه عبد الله، والليث، وإسحاق، ورواية عن أحمد، وابن المنذر
(8)
، واختاره المروزي وابن سريج الشافعيان.
(1)
انظر: "الأوسط" 5/ 264، و"المغني" 2/ 355.
(2)
ورد بهامش (س) ما نصه: من خط الشيخ وقع في ابن بطال: أول الحج بدل ثانية، وهو غلط.
(3)
انظر: "التمهيد" 6/ 79، و"المحلى" 5/ 105.
(4)
"المدونة" 1/ 105.
(5)
رواه عنه ابن المنذر في "الأوسط" 5/ 267.
(6)
"المصنف" 1/ 377 (4346) كتاب: الصلوات، باب: جميع سجود القرآن واختلافهم في ذلك.
(7)
انظر: "التمهيد" 6/ 79.
(8)
"الأوسط" 5/ 268.
خامسها: أربع عشرة، أسقط منها سجدة {وَالنَّجْمِ} ، وهو قول أبي ثور
(1)
.
سادسها: ثنتا عشرة، وهو قول مسروق فيما حكاه ابن أبي شيبة، أسقط ثانية الحج، و {ص} ، والانشقاق
(2)
.
سابعها: ثلاث عشرة، أسقط ثانية الحج، والانشقاق، وهو قول عطاء الخراساني.
ثامنها: عزائم السجود خمس: الأعراف، وبنو إسرائيل، والنجم، والانشقاق، واقرأ، وهو مروي عن ابن مسعود، رواه ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عنه
(3)
.
تاسعها: عزائمه أربع: {الم (1) تَنْزِيلُ} ، وحم السجدة، والنجم، و {اقْرَأْ} ، رواه ابن أبي شيبة، عن عثمان، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، وهو مروي عن علي أيضًا
(4)
؛ لأنه أمر بالسجود، والباقي وصف.
العاشر: ثلاث: {الم (1) تَنْزِيلُ} ، والنجم، و {اقْرَأْ} ، رواه ابن أبي شيبة، عن عبد الأعلى، عن داود -يعني: ابن أبي إياس- عن جعفر، عن سعيد بن جبير
(5)
.
الحادي عشر: عشر، قاله عطاء
(6)
.
(1)
السابق.
(2)
"المصنف" 1/ 377 (4344) كتاب: الصلوات، باب: جميع سجود القرآن واختلافهم في ذلك.
(3)
"المصنف" 1/ 377 (4347).
(4)
"المصنف" 1/ 378 (4349).
(5)
"المصنف" 1/ 378 (4350).
(6)
"الأوسط" 5/ 267 قاله عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه.
الثاني عشر: روى ابن أبي شيبة، عن هشيم، أنا أبو بشر، عن يوسف المكي، عن عبيد بن عمير قَالَ: عزائم السجود: {الم (1) تَنْزِيلُ} و {حم (1) تَنْزِيلُ} {حم (1) تَنْزِيلُ} ، والأعراف، وبنو إسرائيل
(1)
. ولما أورد الترمذي حديث أم الدرداء عن زوجها قَالَ: سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة، منها التي في النجم.
قَالَ: وفي الباب عن علي، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وعمرو بن العاصي، وحديث أبي الدرداء حديث غريب
(2)
.
قلتُ: ومواضعها معروفة، واختلف عندنا في ثلاثة مواضع، والمالكية في موضعين آخرين، فصارت خمسة، وكل ذلك أوضحته في "الفروع"، فلا نطول به هنا، ونذكر بعضها فيما ترجم له البخاري كما سيمر بك.
قَالَ أبو محمد بن حزم: ليس السجود فرضًا، ولكنه فضل، ويسجد لها في الفرض والتطوع وفي غير الصلاة في كل وقت، وفي وقت النهي، إلى القبلة، وإلى غير القبلة، وعلى طهارة، وعلى غير طهارة
(3)
.
قلتُ: نعوذ بالله من استدبار القبلة.
وذكر أن السجدة الثانية في الحج لا يقول به في الصلاة أصلًا؛ لأنه لا يجوز أن يزاد في الصلاة سجود لم يصح به نص، والصلاة تبطل بذلك، وأما في غير الصلاة فهو حسن؛ لأنه فعل خير، وإنما لم يجز
(1)
"المصنف" 1/ 377 - 378 (4378) كتاب: الصلوات، باب: جميع سجود القرآن واختلافهم في ذلك.
(2)
"سنن الترمذي"(568 - 569) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في سجود القرآن.
(3)
"المحلى" 5/ 106.
في الصلاة؛ لأنه لم يصح فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجمع عليها، وإنما جاء فيها أثر مرسل.
وصح عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وأبي الدرداء السجود فيها
(1)
. وروي أيضًا عن أبي موسى الأشعري قَالَ: وقال ابن عمر: لو سجدت فيها واحدة لكانت السجدة في الأخيرة أحب إليَّ. وقال عمر: إنها فضلت بسجدتين
(2)
. وروي أيضًا عن علي، وأبي موسى، وعبد الله ابن عمرو بن العاصي
(3)
.
ولا حجة عندنا إلا فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود في (ص)
(4)
، وسجودها بغير وضوء لغير القبلة؛ لأنها ليست صلاة، كذا ادُعي. قَالَ صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"
(5)
(1)
رواه عبد الرزاق عن عمر وابنه 3/ 341 (5890) كتاب: فضائل القرآن، باب: كم في القرآن من سجدة، وابن أبي شيبة عنهم 1/ 372 (4287 - 4289) كتاب: الصلوات، باب: من قال: في الحج سجدتان، وابن المنذر في "الأوسط" 5/ 264.
(2)
رواه عبد الرزاق عنهما 3/ 341 (5890) كتاب: فضائل القرآن، باب: كم في القرآن من سجده، وابن أبي شيبة 1/ 372 (4287) كتاب: الصلوات، باب: من قال: في الحج سجدتان، وكان يسجد فيها مرتين، وابن المنذر في "الأوسط" 5/ 264.
وذكر الترمذي أثر عمر (أنها فضلت بسجدتين) عقب الرواية (578) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في السجدة في الحج.
(3)
رواه عن علي بن أبي شيبة 1/ 373 (4291)، ورواه عنهم ابن المنذر في "الأوسط" 5/ 264 - 265.
(4)
ستأتي برقم (4807) كتاب: التفسير، باب: سورة {ص} .
(5)
سلف برقم (472 - 473)، ورواه مسلم (749) عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:"صلاة الليل مثنى مثنى". أي: بدون ذكر النهار.
ورواه بهذا اللفظ بذكر: النهار، أبو داود (1295)، والترمذي (597)، والنسائي =
فما كان أقل فليس صلاة إلا أن يأتي نص بأنه صلاة، كركعة الخوف والوتر، ولا نص في أن سجدة التلاوة
(1)
صلاة. وروي عن عثمان، وسعيد بن المسيب: تومئ الحائض بالسجود. قال سعيد: وتقول: رب لك سجدت
(2)
. وعن الشعبي جواز سجودها إلى غير القبلة
(3)
.
= في "المجتبى" 3/ 227، وفي "الكبرى" 1/ 179 (472)، وابن ماجه (1322) من طريق شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن علي بن عبد الله البارقي الأزدي، عن ابن عمر، مرفوعًا به.
واختلف في صحة الحديث بزيادة لفظة: (النهار). فصححه ابن خزيمة 2/ 214 (1210)، وابن حبان 6/ 231 - 232 (2482 - 2483، 6/ 241 (2494). وكذا صححه البخاري -فيما رواه عنه البيهقي في "السنن" 2/ 487 (4575). لكن قال النسائي في "المجتبي": هذا الحديث عندي خطأ. وقال في "السنن الكبرى": هذا إسناد جيد، ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا عليًّا الأزدي، خالفه سالم ونافع وطاوس اهـ. يعني أن الثلاثة رووه عن ابن عمر دون ذكر النهار.
ونقل المصنف رحمه الله في "البدر المنير" 4/ 358 عن الحاكم في "علوم
الحديث" والدارقطني في "العلل" تضعيف هذِه الزيادة. وصححه أيضًا بهذِه الزيادة الخطابي في "المعالم" 1/ 241، والنووي رحمه الله فقال في "شرح مسلم" 6/ 30، وفي "المجموع" 3/ 540، وفي "الخلاصة" 1/ 553: إسنادها صحيح.
وأطلق القول بصحة الحديث في "المجموع" 3/ 549. وكذا صحح المصنف رحمه الله إسناده في "البدر" 4/ 358، ونقل عن البيهقي تصحيحه في "الخلافيات".
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1172)، وانظر:"تمام المنة" ص 239 - 240.
(1)
في الأصل: الصلاة.
(2)
رواه عنهما ابن أبي شيبة 1/ 375 (4320 - 4321) كتاب: الصلوات، باب: الحائض تسمع السجدة.
(3)
رواه عنه ابن أبي شيبة 1/ 375 (4325) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يسجد السجدة وهو على غير وضوء.
2 - باب سَجْدَةِ تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ
1068 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ: {الم (1) تَنْزِيلُ} [السَّجْدَةَ: 1 - 2] وَ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1]. [انظر: 891 - مسلم: 880 - فتح: 2/ 552]
ذكر فيه حديث أبي هريرة قَالَ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ: {الم (1) تَنْزِيلُ} [السَّجْدَة: 1 - 2] وَ: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان:1].
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
. وقد سلف في الجمعة
(2)
.
و (سفيان) في إسناده هو الثوري. وللإسماعيلي: {الم (1) تَنْزِيلُ} السجدة كما في الكتاب. وفي رواية: {الم (1) تَنْزِيلُ} ، و {هَلْ أَتَاكَ} .
وقد زاد الحسن حديث الغاشية وقال: لم يذكر السجدة.
وفيه: السجود في تنزيل، وهو إجماع كما ادعاه ابن بطال
(3)
، وفيه ما سلف.
وفيه أيضًا: دلالة على استحباب ذلك في صلاة الصبح يوم الجمعة، وقد سلف واضحًا.
وفيه: دلالة أيضًا على جواز قراءة السجدة في الفريضة، وهو قول مالك في رواية ابن وهب وابن حبيب
(4)
، واحتج لهما أيضًا بفعل عمر
(1)
"صحيح مسلم"(880) كتاب: الجمعة، باب: ما يقرأ في يوم الجمعة.
(2)
برقم (891) باب: ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 54.
(4)
انظر: "الذخيرة" 2/ 414.
ذلك بحضرة الصحابة، فلم ينكره أحد
(1)
. وكره مالك قراءتها للإمام في فرض خشية التخليط على من خلفه. وقال أشهب: إنه إن كان من وراءه عدد قليل جاز، وإلا كره. وقال ابن حبيب: لا يقرأ بالسجدة فيما يسر فيه
(2)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 382 (4394) كتاب: الصلوات، باب: من رخص أن تقرأ السجدة فيما يجهر به من الصلاة.
(2)
"المدونة" 1/ 105 - 106، "المنتقى" 1/ 350.
3 - باب سَجْدَةِ {ص}
1069 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:{ص} لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِيهَا. [3422 - فتح: 2/ 552]
ذكر فيه حديث ابن عباس قَالَ: سجدة {ص} لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِيهَا.
هذا الحديث من أفراده، ويأتي في أحاديث الأنبياء
(1)
، والتفسير في سورة الأنعام
(2)
، وص
(3)
.
ولم يخرج مسلم في {ص} شيئًا.
وذكر البخاري في تفسير سورة {ص} عن العوام قَالَ: سألت مجاهدًا عن سجدة {ص} فقال: سألت ابن عباس: من أين سجدت؟ قَالَ: أوما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فكان داود من أمر نبيكم أن يقتدي به، فسجدها داود شكرًا، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
وأخرج النسائي من حديث ابن عباس مرفوعًا: "سجدها داود توبة، ونسجدها شكرًا"
(5)
.
وأخرج أبو داود السجود فيها مرة وتركها أخرى من حديث أبي
(1)
برقم (3422) باب: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} .
(2)
برقم (4632) باب: قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} .
(3)
بر قم (4807) باب: سورة {ص} .
(4)
برقم (4807)
(5)
"سنن النسائي" 2/ 159 كتاب: الافتتاح، باب: سجود القرآن، السجود في {ص} .
سعيد الخدري
(1)
، وصححه الحاكم على شرط الشيخين
(2)
. وأخرج أبو داود، وابن ماجه، والحاكم من حديث عمرو بن العاصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان. قَالَ الحاكم: رواته مصريون قد احتج الشيخان بأكثرهم. وليس في عدد سجود القرآن أتم منه
(3)
.
وهو دال على أن سجدة {ص} داخلة فيما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلماء مجمعون على اختلاف بينهم أنه لا يزاد على خمس عشرة سجدة.
وروى ابن ماجه من حديث أبي الدرداء قال: سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء: الأعراف، والرعد، والنحل، وبنو إسرائيل، ومريم، والحج، وسجدة الفرقان، وسليمان والسجدة، وفي {ص} ، وسجدة الحواميم
(4)
. ورواه الترمذي ولفظه: سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة منها التي في النجم، وقال: حديث غريب
(5)
.
(1)
"سنن أبي داود"(1410) كتاب: سجود القرآن، باب: السجود في {ص} . وقال الألباني في "صحيح أبي داود"(1270): إسناده صحيح على شرط البخاري.
(2)
"المستدرك" 1/ 284 - 285 كتاب: الجمعة. ولم يخرجاه.
(3)
"سنن أبي داود"(1401) كتاب: سجود القرآن، باب: تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن، و"سنن ابن ماجه" (1057) كتاب: إقامة الصلاة، باب: عدد سجود القرآن، و"المستدرك" 1/ 223.
قال الألباني في "ضعيف أبي داود" برقم (248): إسناده ضعيف، عبد الله بن جنين والحارث بن سعيد مجهولان.
(4)
ابن ماجه (105)، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه"(217).
(5)
"سنن الترمذي"(568).
وقال أبو داود: روي عن أبي الدرداء مرفوعًا إحدى عشرة سجدة، وإسناده واهٍ
(1)
. وفي الدارقطني من حديث ابن عباس: رأيت عمر قرأ على المنبر {ص} فسجد، ثم رقى على المنبر
(2)
.
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس: في ص سجدة تلاوة {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ومثله عن ابن عمر وعن أبيه أنه كان يسجد في ص، وعن عثمان مثله. وعن سعيد بن جبير أنه صلى الله عليه وسلم قرأها وهو على المنبر، ثم نزل فسجد
(3)
. وذكر فيها آثارًا أخر في السجود فيها
(4)
.
إذا عرفت ذلك، فاختلف العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في السجود في {ص} . ورأى بعض أهل العلم السجود فيها، وهو قول سفيان، وابن المبارك والشافعي، وأحمد، وإسحاق
(5)
، ثم هي عند الشافعي ليست من عزائم السجود
(6)
. أي: ليست بسجدة تلاوة، ولكنها سجدة شكر تستحب في غير الصلاة، وتحرم فيها في الأصح، وهذا هو المنصوص، وبه قطع الجمهور.
وقد أسلفنا عن ابن سريج، وأبي إسحاق المروزي أنها عندهما من العزائم، والمذهب الأول. وقال أبو حنيفة ومالك: هي من سجود التلاوة
(7)
. وعن أحمد كالمذهبين
(8)
. والمنصور منهما كقول الشافعي،
(1)
"سنن أبي داود" عقب الرواية (1401).
(2)
"سنن الدارقطني" 1/ 407 كتاب: الصلاة، باب: سجود القرآن.
(3)
"المصنف" 1/ 370 (4255 - 4258) كتاب: الصلاة، باب: من قال: في ص سجدة وسجد فيها.
(4)
"المصنف" 1/ 371 (4262 - 4268)
(5)
انظر: "الأوسط" 5/ 255، "المغني" 2/ 352.
(6)
انظر: "الأوسط" 5/ 253.
(7)
" المدونة" 1/ 105، 1/ 105، "التمهيد" 6/ 77.
(8)
انظر: "المغني" 2/ 361 - 362.
ومثله قَالَ داود. وعن ابن مسعود: لا سجود فيها. وقال: هي توبة نبي
(1)
.
وروي مثله عن عطاء، وعلقمة، وأبي المليح
(2)
. وروي عن عمر، وعثمان، وعقبة، وسعيد بن المسيب، والحسن، وطاوس، والثوري السجود فيها
(3)
، وقد سلف عن ابن عباس مثله
(4)
، واحتجاجه بالقرآن أولى من قوله:{ص} ليس من عزائم السجود.
قَالَ الطحاوي: والنظر عندنا إثباتها فيها؛ لأن موضع السجود منها موضع خبر لا موضع أمر، فينبغي أن يرد إلى حكم أشكاله من الأخبار، فنثبت السجود فيها
(5)
.
استدل من قَالَ: إنها من العزائم بحديث أبي سعيد السالف؛ لأنه نزل وقطع الخطبة، وكونها توبة لا ينافي كونها عزيمة.
(1)
رواه عبد الرزاق 3/ 338 (5873) كتاب: فضائل القرآن، باب: كم في القرآن من سجدة، وابن أبي شيبة 1/ 371 (4269 - 4271) كتاب: الصلوات، باب: من كان لا يسجد في ص ولا يرى فيها سجدة، والبيهقي 2/ 319 كتاب: الصلاة، باب: سجدة ص، وفي "المعرفة" 3/ 252 في الصلاة، باب: السجود في ص.
(2)
رواه ابن أبي شيبة عن أبي المليح وعلقمة 1/ 371 (4273 - 4274) كتاب: الصلوات، باب: من كان لا يسجد في ص ولا يرى فيها سجدة.
(3)
رواه عبد الرزاق عن عمر وعثمان 3/ 336 (5862)، (5864) كتاب: فضائل القرآن، باب: كم في القرآن من سجدة. وعن طاوس 3/ 338 (5871) كتاب: فضائل القرآن، باب: كم في القرآن من سجدة، وابن أبي شيبة عن عثمان وعمر وطاوس والحسن 1/ 370 - 371 (4257)، (4258، 4264 - 4265، 4267) كتاب: الصلوات، باب: من قال في {ص} سجدة وسجد فيها، وابن المنذر في "الأوسط" 5/ 254، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" 3/ 250 (4456 - 4458) كتاب: الصلاة، باب: السجود في {ص} .
(4)
رواه عنه ابن أبي شيبة 1/ 370 (4259 - 4260) كتاب: الصلوات، باب: من قال: في {ص} سجدة وسجد فيها.
(5)
"شرح معاني الآثار" 1/ 361.
ومعنى قول ابن عباس: {ص} ليس من عزائم السجود أنها لم تنزل في هذه الأمة، وإنما الشارع اقتدى فيها بالأنبياء قبله. نبه عليه الداودي، ثم هذا إخبار عن مذهبه، وقد سجد الشارع فيها.
فائدة:
موضع السجود فيها (وأناب)[ص: 24] أو (مآب)[ص: 25] فيه خلاف عن مالك، حكاه ابن الحاجب في "مختصره"
(1)
، وابن التين في "شرحه"، ومذهب أبي حنيفة الأول.
ثانية: قَالَ أبو بكر الرازي الحنفي في قوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] أجاز أصحابنا الركوع في سجدة التلاوة. وعن محمد بن الحسن أنه عبر بالركوع عن السجود
(2)
، وعن الحنابلة أنه لو قرأ السجدة في الصلاة وركع ركوع الصلاة أجزأ عن السجدة
(3)
.
وروى ابن أبي شيبة عن علقمة، والأسود، ومسروق، وعمرو بن شرحبيل: إذا كانت السجدة آخر السورة أجزأك أن تركع بها
(4)
.
وعن بعض الحنفية: ينوب الركوع عن سجدة التلاوة في الصلاة وخارجها
(5)
. وفي "الذخيرة" للمالكية أشار ابن حبيب إلى جوازها بالركوع
(6)
.
(1)
" مختصر ابن الحاجب" ص 64.
(2)
الأصل 1/ 314، 316.
(3)
انظر: "المستوعب" 2/ 254.
(4)
"المصنف" 1/ 379 (4365) كتاب: الصلوات، باب: في السجدة تكون آخر السورة.
(5)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 242.
(6)
انظر: "الذخيرة " 2/ 414.
وروى الأثرم عن ابن عمر أنه كان إذا قرأ النجم في صلاة وبلغ آخرها كبَّر وركع بها، وإن قرأ بها في غير صلاة سجد. وعن عبد الرحمن بن يزيد: سألنا عبد الله عن السورة في آخرها سجدة، أيركع أو يسجد؟ قَالَ: إذا لم يكن بينك وبين السجود إلا الركوع فقريب
(1)
.
(1)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 380 (4371) كتاب: الصلوات، باب: في السجدة تكون آخر السورة.
4 - باب سَجْدَةِ النَّجْمِ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
1070 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ القَوْمِ إِلاَّ سَجَدَ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا. فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا. [انظر: 1067 - مسلم: 576 - فتح 2/ 553]
ثم ذكر حديث الأسود عن ابن مسعود السالف أول سجود القرآن
(1)
، وحديث ابن عباس يأتي بعد هذا الباب، وقد سلف السجود في {وَالنَّجْمِ} من حديث المطلب بن أبي وداعة أيضًا
(2)
. وفي الدارقطني من حديث أبي هريرة: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بآخر النجم، والجن، والإنس، والشجر
(3)
. ورواه ابن أبي شيبة بلفظ: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رجلًا من قريش أراد بذلك الشهر
(4)
.
(1)
برقم (1067) باب: ما جاء في سجود القرآن وسنتها.
(2)
سبق تخريجه في حديث (1067).
(3)
"سنن الدارقطني" 1/ 409 كتاب: الصلاة، باب: سجود القرآن. وقال: حدثنا ابن أبي داود، لم يروه عن هشام إلا مخلد.
(4)
"المصنف" 1/ 370 (4253) كتاب: الصلوات، باب: من كان يسجد في المفصل.
5 - باب سُجُودِ المُسْلِمِينَ مَعَ المُشْرِكِينَ، وَالمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه يَسْجُدُ عَلَى وُضُوءٍ
1071 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَالجِنُّ وَالإِنْسُ. وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ. [4862 - فتح: 2/ 553]
قوله: (نَجَسٌ) هو بفتح الجيم، قَالَ ابن التين: كذا رويناه، وكذا ضبط في بعض الكتب. قَالَ: والذي في اللغة نجس الشيء بالكسر فهو نجس بكسرها وفتحها أيضًا. وقال القزاز وغيره: إذا قالوه مع الرجس أتبعوه إياه، قالوا: رجس نجس -بكسر النون وسكون الجيم- والنجس في اللغة: كل مستقذر، وفي الشرع موضعه الفروع.
قَالَ البخاري: وكان ابن عمر يسجد على وضوء
ثم ساق حديث ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس. ورواه ابن طهمان عن أيوب.
الشرح:
أما أثر ابن عمر فأسنده ابن أبي شيبة من حديث سعيد بن جبير قَالَ: كان عبد الله بن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء، ثم يركب فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ، رواه عن محمد بن بشر، ثنا زكريا بن أبي زائدة، ثنا أبو الحسن -يعني: عبيد الله بن الحسن- عن رجل زعم أنه ثقة، عن سعيد به
(1)
.
(1)
"المصنف" 1/ 375 (4322) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يسجد السجدة وهو على غير وضوء.
لكن روى البيهقي من حديث قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن نافع، عن ابن عمر أنه قَالَ: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر
(1)
.
ووقع في رواية أبي الهيثم عن الفربرى: كان ابن عمر يسجد على وضوء، بحذف لفظة (غير). وكذا في نسخة الأصيلي، لكن الذي رواه ابن السكن كما في الكتاب، وهو الصواب، كما قَالَ ابن بطال
(2)
.
وأما حديث ابن عباس فأخرجه في التفسير أيضًا
(3)
.
وابن طهمان: هو إبراهيم، مات بعد الخمسين ومائة
(4)
. قَالَ أحمد: ثقة، مرجئ، متكلم، أخرج له مسلم أيضًا
(5)
.
ومتابعته أخرجها الإسماعيلي من حديث حفص عنه. ورواه عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن أيوب، رواه الترمذي وصححه
(6)
. وفي رواية جعفر بن مهران: سجد وهو بمكة بالنجم، إلى آخره
(7)
.
وذكر ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن زكريا، عن الشعبي في الرجل يقرأ السجدة وهو على غير وضوء، قال: يسجد حيث كان وجهه.
وروى أيضًا: حَدَّثَنَا أبو خالد الأحمر، عن الأعمش، عن عطاء، عن أبي عبد الرحمن قَالَ: كان يقرأ السجدة وهو على غير وضوء،
(1)
"السنن الكبرى" 1/ 90 كتاب: الطهارة، باب: استحباب الطهر للذكر والقراءة.
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 56.
(3)
سيأتي برقم (4862) باب: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} .
(4)
ورد بهامش (س) ما نصه: سنة بضع عشر، قاله في "الكاشف".
(5)
انظر: "تهذيب الكمال" 2/ 108 (186).
(6)
"سنن الترمذي"(575) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في السجدة في النجم.
(7)
رواه الطبراني 11/ 318 - 319 (11866)، في "الأوسط" 3/ 197 (2910).
وهو على غير القبلة، وهو يمشي، فيومئ برأسه إيماءً، ثم يسلم.
وروى أيضًا: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس في الرجل يقرأ السجدة وهو على غير القبلة أيسجد؟ قَالَ: نعم، لا بأس به
(1)
.
وذهب فقهاء الأمصار منهم الأئمة الأربعة إلى أنه لا يجوز سجود التلاوة إلا على وضوء. فإن ذهب البخاري إلى الاحتجاج بسجود المشركين فلا حجة فيه؛ لأن سجودهم لم يكن على وجه العبادة لله، والتعظيم له، وإنما كان لما ألقى الشيطان على لسان الرسول من ذكر آلهتهم كما سلف. ولا يُستنبط من سجود المشركين جواز السجود على غير وضوء؛ لأن المشرك نجس لا يصح له وضوء ولا سجود إلا بعد عقد الإسلام.
وإن كان البخاري أراد الرد على ابن عمر والشعبي بقوله: (وَالمُشْرِكُ نَجَسٌ ليس له وضوء)، فهو أشبه بالصواب
(2)
.
وقال ابن المنير: هذه الترجمة متلبسة، والصواب: رواية من روى أن ابن عمر كان يسجد للتلاوة على غير وضوء
(3)
. والظاهر من قصد البخاري أنه صوب مذهبه واحتج له بسجود المشركين لها، والمشرك نجس لا وضوء له، ولم يذكر البخاري تمام القصة، ولا سبب سجود المشركين، وفي الإمساك عن ذكره إيهام على فهمهم، وليس كذلك؛
(1)
"المصنف" 1/ 375 - 376 (4325، 4327 - 4328).
(2)
ورد بنحوه في "شرح ابن بطال" 3/ 57 بإطلاق فقهاء الأمصار دون ذكر الأئمة الأربعة.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 375 (4322) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يسجد السجدة وهو على غير وضوء.
لأن الباعث لهم على تلك السجدة الشيطان لا الإيمان، فكيف يعتبر فعلهم حجة؟! والله أعلم بمراده من هذه الترجمة
(1)
.
والظاهر أن البخاري رجح الجواز لفعله المشركين بحضرة الشارع، ولم ينكر عليهم سجودهم بغير طهارة، ولأن الراوي أطلق عليه اسم السجود، فدل على الصحة ظاهرًا.
(1)
"المتواري" ص 115.
6 - باب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَسْجُدْ
1072 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنه فَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:{وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا. [1073 - مسلم: 577 - فتح: 2/ 554]
1073 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {وَالنَّجْمِ} [النجم:1] فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا. [انظر: 1072 - مسلم: 577 - فتح: 2/ 544]
ذكر فيه عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ ابْنَ ثَابِتٍ، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:{وَالنَّجْمِ} [النجم:1] فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا.
وبه، عن زيد قَالَ: قَرَاتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَالنَّجْمِ} فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا.
الشرح:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، ويأتي في التفسير
(2)
، وقد سلف الجواب عنه أول هذه الأبواب. وفي الدارقطني: فلم يسجد منا أحد
(3)
.
وقال ابن حزم: احتج المقلدون لمالك بخبر رويناه، ثم ساق حديث الباب، ولا حجة لهم؛ لأنه لم يقل: إنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا سجود فيها، وإنما هو حجة على من قَالَ بفرضيته، وكذا نقول: إنه ليس فرضًا، لكن فعله
(1)
"صحيح مسلم"(577) كتاب: المساجد، باب: سجود التلاوة.
(2)
هذا الحديث ليس في التفسير، وانظر:"تحفة الأشراف"(3733).
(3)
"سنن الدارقطني" 1/ 409 - 410 كتاب: الصلاة، باب: سجود القرآن.
أفضل، ولا حرج في تركه ما لم يرغب عن السنة، وأيضًا فإن راوي الحديث قد صح عن مالك أنه لا يعتمد على روايته، وهو يزيد بن عبد الله بن قُسَيط قَالَ: إن صارت روايته حجة في إبطال السنن على أنه ليس فيها شيء بما يدعونه. قَالَ: وقد صح بطلان هذا الخبر بحديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم سجد بهم في النجم
(1)
، وأبو هريرة متأخر الإسلام
(2)
.
فرع:
إذا لم يسجد القارئ، فهل يسجد السامع؟ فيه وجهان عندنا:
أصحهما: نعم، وبه قَالَ ابن القاسم، وابن وهب، خلافًا لمطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، وابن عبد الحكم، وصوبه ابن حبيب
(3)
؛ لأن القارئ لو كان في صلاة ولم يسجد، لم يسجد من معه، فكذا هذا.
واختلف هل يسجد المعلم والذي يقرأ عليه أول مرة؟ حكاه ابن التين قَالَ: وقد قيل: هذا الحديث ناسخ للسجود فيها.
(1)
رواه الشافعي في "مسنده" 1/ 123 (363) كتاب: الصلاة، باب: في سجود التلاوة، وأحمد 2/ 304، 2/ 443، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 353.
(2)
"المحلى" 5/ 109 - 110.
(3)
"المدونة" 1/ 106، "كفاية الطالب" 1/ 318، "البيان والتحصيل" 1/ 278، "المنتقى" 1/ 353، "روضة الطالبين" 1/ 319.
7 - باب سَجْدَةِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1]
1074
- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ وَمُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَا: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] فَسَجَدَ بِهَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَلَمْ أَرَكَ تَسْجُدُ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ لَمْ أَسْجُدْ. [انظر: 766 - مسلم: 578 - فتح: 2/ 566]
ذكر فيه حديث أبي سلمة: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] فَسَجَدَ بِهَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَلَمْ أَرَكَ تَسْجُدُ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سْجُدُ لَمْ أَسْجُدْ.
هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة أيضًا
(1)
، ومن جملة طرقه عن أبي هريرة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عنه، أخرجه مسلم
(2)
.
و (عبد الرحمن) هذا كثير الحديث
(3)
، بخلاف عبد الرحمن المقعد فإنه قليله، وكلاهما يلقب بالأعرج
(4)
.
(1)
مسلم (578) كتاب: المساجد، باب: سجود التلاوة، أبو داود (1407)، الترمذي (578)، والنسائي 2/ 161 - 162، وابن ماجه (1058).
(2)
مسلم (578/ 109).
(3)
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، أبو داود المدني، مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ويقال مولى محمد بن ربيعة. قال أحمد بن عبد الله العجلي: مدني، تابعي، ثقة. ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة، وقال: كان ثقة كثير الحديث.
وقال أبو زرعة، وابن خراشة: ثقة.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 5/ 360 (1144)، "معرفة الثقات" 2/ 90 (1085)، "الجرح والتعديل" 5/ 297 (1408)، "الثقات" 5/ 107، "تهذيب الكمال" 17/ 467 - 470 (3983).
(4)
عبد الرحمن بن سعد الأعرج، أبو حميد، المدني المقعد، مولى بني مخزوم.
قال النسائي: ثقة. قال عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين: لا أعرفه. =
وقال أبو مسعود: هما واحد. وقال المزي: إن هذا الحديث من رواية المقعد
(1)
. وطرقه الدارقطني فأبلغ.
وقوله: (أَلَمْ أَرَكَ تَسْجُدُ؟) أي: في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها. قَالَ المهلب: هكذا رواه الليث، عن ابن الهادي، عن أبي سلمة. فهذا يدل على أنه لم يكن العمل عندهم على السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} ، كما قَالَ مالك وأهل المدينة، فأنكر عليه سجوده فيها، ولا يجوز إنكار ما عليه العمل. قَالَ: وهذا يدل على أنها ليست من العزائم
(2)
، ولا نسلم ذلك له، وهو بناه على عدم السجود في المفصل، ومن قَالَ به سجد فيها. وقد سلف الخلاف فيه.
والحديث حجة لمن رآه؛ لأن أبا هريرة راويه شاهد السجود، وهو متأخر الإسلام كما سلف بعد حديث من روى نفيه
(3)
. وروى البيهقي عن عمار أنه قرأ هذه السورة وهو على المنبر فنزل فسجدها
(4)
.
واحتج الكوفيون بأنه إخبار لا أمر وسجود التلاوة إنما هو في موضع الإخبار، وموضع الأمر إنما هو تعليم، فلا سجود فيه، وهذا قول الطحاوي. واحتج من قَالَ: لا سجود في المفصل بأن معنى سجود التلاوة ما كان على وجه المدح والذم، وسجدة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} خارجة عن هذا المعنى لأن قوله:{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)}
= انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 5/ 238 (1124). و"تهذيب الكمال" 17/ 139 (3831). و"تهذيب التهذيب" 2/ 511.
(1)
"تحفة الأشراف" 10/ 145 (13598).
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 59.
(3)
انظر: "التفريع" 1/ 270، "التمهيد" 6/ 74 - 75.
(4)
"السنن الكبرى" 2/ 316 كتاب: الصلاة، باب: سجدة إذا السماء انشقت.
إنما يعني: أي لا يسجدون بعد الإيمان السجود المذكور في القرآن للصلاة. وهذا ليس بخطاب للمؤمنين؛ لأنهم يسجدون مع الإيمان سجود الصلاة.
فائدة:
نسجد عند قوله: {لَا يَسْجُدُونَ} . وقال ابن حبيب: في آخرها
(1)
، والأول أظهر لأن ما بعده لا تعلق له بالسجود.
(1)
انظر: "الذخيرة" 2/ 412.
8 - باب مَنْ سَجَدَ لِسُجُودِ القَارِئِ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ -وَهْوَ غُلَامٌ- فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً، فَقَالَ: اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَا.
1075 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ. [1076، 1079 - مسلم: 575 - فتح: 2/ 556]
ثم ذكر حديث ابن عمر: قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ .. الحديث.
الشرح:
أما أثر ابن مسعود فأخرجه ابن أبي شيبة بنحوه: حَدَّثَنَا ابن فضيل، عن الأعمش، عن سليم أبي إسحاق، عن سليم بن حنظلة قَالَ: قرأت على عبد الله بن مسعود سورة بني إسرائيل، فلما بلغت السجدة قَالَ عبد الله: اقرأها فإنك إمامنا فيها
(1)
.
ورواه البيهقي من حديث سفيان، عن أبي إسحاق، عن سليم بن الحنظلية قَالَ: قرأت السجدة عند ابن مسعود فنظر إليَّ فقال: أنت إمامنا فاسجد نسجد معك
(2)
.
و (تميم) هذا تابعي وعنه ابنه أبو الخير وغيره. روى له البخاري في
(1)
"المصنف" 1/ 379 (4364) كتاب: الصلوات، باب: السجدة يقرأها الرجل ومعه قوم لا يسجدون حتى يسجد.
(2)
"السنن الكبرى" 2/ 324 كتاب: الصلاة، باق: من قال: لا يسجد المستمع إذا لم يسجد القارئ.
"الأدب" خارج "الصحيح"
(1)
. و (حذلم) بالذال المعجمة وحاء مهملة.
وأما الحديث فأخرجه مسلم أيضًا، ففي رواية: في غير الصلاة، وفي أخرى: في غير وقت الصلاة
(2)
.
وأجمع فقهاء الأمصار أن التالي إذا سجد في تلاوته أن المستمع يسجد لسجوده. وقال عثمان: إنما السجدة على من سمعها
(3)
.
واختلفوا إذا لم يسجد، وقد سلف في باب من قرأ السجدة ولم يسجد.
وفي "المدونة": كره مالك أن يجلس قوم إلى قارئ يستمعون قراءته ليسجدوا معه إن سجد، وأنكر ذلك إنكارًا شديدًا. قَالَ: فأرى أن يقام وينهى، ولا يجلس إليه
(4)
.
وقال ابن شعبان عنه: فإن لم ينته، وقرأ لهم فمر بسجدة يسجد ولم يسجدوا. وقد قَالَ مالك أيضًا: أرى أن يسجدوا معه
(5)
.
قوله: (فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ معه حَتَّى ما يجد أحدنا موضع جبهته) فيه: الحرص على فعل الخير والتسابق إليه.
وفيه: لزوم متابعة أفعال الشارع على كمالها، ويحتمل أن يكون
(1)
تميم بن حذلم الضبي، أبو سلمة، الكوفي، من أصحاب عبد الله بن مسعود، أدرك أبا بكر وعمر.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" 2/ 125 (2020). و"الجرح والتعديل" 2/ 442 (1766). و"تهذيب الكمال" 4/ 328 (801).
(2)
"صحيح مسلم" برقم (575) كتاب: المساجد، باب: سجود التلاوة.
(3)
سيأتي معلقًا قبل (1077) باب: من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود.
(4)
"المدونة" 1/ 106.
(5)
انظر: "التاج والإكليل" 2/ 360.
سجدوا عند ارتفاع الناس، وباشروا الأرض، ويحتمل أن يستجزئوا ببلوغ طاقتهم من الإيماء في ذلك.
وقال ابن التين: يلزم مستمع السجدة السجود بشروط خمسة:
أن يكون القارئ بالغًا، وعلى وضوء، وسجد، وتكون قراءته لا يسمع الناس حسنها، والسامع ممن قصد الاستماع. قَالَ: هذا يلزمه باتفاق.
واختلف إذا كان القارئ صبيًّا أو على غير وضوء، ولم يسجد، والأصح عند أصحابنا السجود.
وأقروا الخلاف عندنا في الكافر. قَالَ: والأصل في إلزام المستمع السجود هذا الحديث.
9 - باب ازْدِحَامِ النَّاسِ إِذَا قَرَأَ الإِمَامُ السَّجْدَةَ
1076 -
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ، فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ. [انظر: 1075 - مسلم: 575 - فتح: 2/ 557]
ذكر فيه حديث ابن عمر المذكور، وترجم عليه أيضًا:
باب: مَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلسُّجُودِ مِنَ الزِّحَامِ وذكره أيضًا.
قَالَ ابن بطال: ولم أجد في هذه نصًّا للعلماء، ووجدت أقوالهم فيمن لا يقدر على السجود على الأرض من الزحام في صلاة الفريضة، وكان عمر بن الخطاب يقول: يسجد على ظهر أخيه
(1)
وبه قَالَ الثوري
(2)
، والكو فيون، والشعبي، وأحمد
(3)
، وإسحاق، وأبو ثور
(4)
.
وقال نافع مولى ابن عمر: يومئ إيماءً
(5)
.
وقال عطاء والزهري يمسك عن السجود فإذا رفعوا سجد
(6)
.
وهو قول مالك وجميع أصحابه.
(1)
رواه عبد الرزاق 3/ 233 (5465) كتاب: الجمعة، باب: من حضر الجمعة فزحم فلم يستطع يركع مع الإمام، والبيهقي 3/ 182 - 183 كتاب: الجمعة، باب: الرجل يسجد على ظهر من بين يديه في الزحام.
(2)
"المغني" 3/ 186.
(3)
"المغني" 3/ 186.
(4)
"المغني" 3/ 186.
(5)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 483 (5566) كتاب: الصلوات، باب: في الرجل يزدحم يوم الجمعة فلا يقدر على الصلاة حتى ينصرف الإمام.
(6)
رواه ابن أبي شيبة عن الزهري 1/ 483 (5567).
وقال مالك: إن سجد على ظهر أخيه يعيد الصلاة
(1)
.
وذكر ابن شعبان في "مختصره" عن مالك قَالَ: يعيد في الوقت وبعده. وقال أشهب: يعيد في الوقت لقول عمر: اسجد ولو على ظهر أخيك
(2)
. فعلى قول من أجاز السجود في صلاة الفريضة من الزحام على ظهر أخيه، فهو أجوز عنده في سجود القرآن؛ لأن السجود في الصلاة فرض بخلافه.
وعلى قول عطاء والزهري ومالك يحتمل أن يجوز عندهم سجود التلاوة على ظهر رجل، وإيماءً على غير الأرض كقول الجمهور لما قدمناه من الفرق بين سجود التلاوة والصلاة. ويحتمل خلافهم واحتمال وفاقهم أشبه؛ بدليل حديث ابن عمر، وهو المقنع في ذلك، إن شاء الله
(3)
.
(1)
"المدونة" 1/ 137 ما جاء فيمن زحمه الناس يوم الجمعة.
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 65.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 64 - 65.
10 - باب مَنْ رَأَى أَنَّ اللهَ لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ
وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا. قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا؟ كَأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَلْمَانُ: مَا لِهَذَا غَدَوْنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ يسمَعَهَا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا تَسْجُدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ فِي حَضَرٍ فَاسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ، فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا فَلَا عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ. وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ القَاصِّ.
1077 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَرَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الجُمُعَةُ القَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رضي الله عنه. وَزَادَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ. [فتح: 2/ 557]
ثم ذكر أثر عمر في سجوده في النحل، ونزوله من على المنبر كذلك، وأنه في الجُمُعَةُ الأخرى جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رضي الله عنه. وَزَادَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ.
الشرح:
أما أثر عمران فرواه ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف قَالَ: سألت عمران بن حصين عن الرجل لا يدري أسمع السجدة؟ قَالَ: وسمعها فماذا؟!
(1)
.
وأما أثر سلمان فرواه البيهقي من حديث سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن قَالَ: مر سلمان بقوم يقرءون السجدة، قالوا: نسجد؟ فقال: ليس لها غدونا
(2)
. ورواه ابن أبي شيبة، عن ابن فضيل، عن عطاء بن السائب
(3)
.
وأما أثر عثمان فرواه البيهقي أيضًا من حديث سفيان، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب قَالَ: إنما السجدة على من سمعها.
قَالَ البيهقي: وروي من وجه آخر، عن ابن المسيب، عن عثمان قَالَ: إنما السجدة على من جلس لها وأنصت
(4)
.
ورواه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عثمان قَالَ: إنما السجدة على من جلس لها
(5)
.
وأما فعل عمر فمن أفراد البخاري، والبخاري رواه عن إبراهيم بن
(1)
"المصنف" 1/ 367 (4224) كتاب: الصلوات، باب: من قال: السجدة على من جلس لها ومن سمعها.
(2)
"سنن البيهقي الكبرى" 2/ 324 كتاب: الصلاة، باب: من قال: إنما السجدة على من استمعها.
(3)
"المصنف" 1/ 367 (4223) كتاب: الصلوات، باب: من قال: السجدة على من جلس لها ومن سمعها.
(4)
"السنن الكبرى" 2/ 324 كتاب: الصلاة، باب: من قال: إنما السجدة على من استمعها.
(5)
"المصنف" 1/ 367 (4220) كتاب: الصلوات، باب: من قال: السجدة على من جلس لها ومن سمعها.
موسى، عن هشام بن يوسف، عن ابن جريج، ورواه أبو نعيم من حديث حجاج بن محمد، عن ابن جريج من طريقين.
وقوله: (وَزَادَ نَافِعٌ) القائل هو ابن جريج كما بينه البيهقي
(1)
، وكذا
وقع في بعض نسخ البخاري، وعزاها الحميدي إلى البخاري فقال: قَالَ البخاري: وزاد نافع عن ابن عمر -يعني: عن عمر- إن الله لم يفرض .. إلى آخره
(2)
.
وروى البيهقي من طريق ابن بكير، ثنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن عمر قرأ السجدة، وهو على المنبر، يوم الجمعة، فنزل فسجد وسجدوا معه، ثم قرأ يوم الجمعة الأخرى فتهيئوا للسجود، فقال عمر: على رسلكم، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء. فقرأها ولم يسجد، ومنعهم أن يسجدوا
(3)
.
إذا تقرر ذلك، فترك عمر رضي الله عنه مع من حضر السجود ومنعه لهم دليل على عدم الوجوب كما أسلفناه؛ ولا إنكار ولا مخالف.
ولا يجوز أن يكون عند بعضهم أنه واجب ويسكت عن الإنكار على غيره. في قوله: (مَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).
وقوله: (إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ).
وفي فعل عمر دليل على أن على العلماء أن يبينوا كيف لزوم السنن إن كانت على العزم أو الندب أو الإباحة.
وكان عمر رضي الله عنه من أشد الناس تعليمًا للمسلمين كما تأول له الشارع
(1)
"السنن الكبرى" 2/ 321 كتاب: الصلاة، باب: من لم ير وجوب سجدة التلاوة.
(2)
"الجمع بين الصحيحين" للحميدي 1/ 123 (49).
(3)
"السنن الكبرى" 2/ 321 - 322.
في الرؤيا أنه استحال الذنوب الذي بيده غربا فتأول له العلم
(1)
.
ألا ترى إلى قول عمر -حيث رأى أنه قد بلغ من تعليم الناس إلى غاية رضيها- قَالَ: قد بينت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتكم على الواضحة
(2)
. فأعلمنا بهذا القول أنه يجب أن يفصل بين السنن والفرائض. ففعل ذلك عمر ليعلم الناس ما عنده من أمر السجود، وأن فعله وتركه جائز، وليعلم هل يخالفه منهم أحد فيما فعله، ولم يجد مجلسًا أحفل من اجتماعهم عند الخطبة.
وقد كره مالك في رواية على أن ينزل الإمام عن المنبر ليسجد سجدة قرأها: قَالَ والعمل على آخر فعل عمر. وقال أشهب: لا يقرأ بها، فإن فعل نزل وسجد، فإن لم يفعل سجدوا، ولهم في الترك سعة
(3)
.
ووجه قول مالك أن ذلك مما لم يتبع عليه عمر ولا عمل به أحد بعده، ولعله إنما فعله للتعليم، وخشية الخلاف فبادر إلى حسمه، وكان ذلك الوقت لم يعم علم كثير من أحكام الناس، وقد تقرر الآن الأحكام، وانعقد الإجماع على كثير منها، وعلم الخلاف السائغ في سواها، فلا وجه في ذلك مع ما فيه من التخليط على الناس بالفراغ
(1)
يشير المصنف رحمه الله إلى ما سيأتي برقم (3681) كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب. وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم، وشربت -يعني: اللبن- حتى انظر إلى الرِّيِّ يجري في ظفري، أو في أظفاري، ثم ناولت عمر" فقالوا: يا رسول الله، فما أولته؟ قال:"العلم". ورواه مسلم (2391).
(2)
رواه عنه مالك في "الموطأ" ص 514 كتاب: الحدود. وابن سعد في "الطبقات" 3/ 334، والحاكم في "المستدرك" 3/ 91 - 92 كتاب: معرفة الصحابة، والخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق" 1/ 551.
(3)
"النوادر والزيادات" 1/ 519.
من الخطبة والقيام إلى الصلاة
(1)
. وحديث سجوده في أصل المنبر ورجوعه إليه
(2)
لم يفعل ذلك اليوم؛ لأن الناس عمهم علم ذلك، كذا أجابوا عنه.
وقوله: (وَسَجَدَ النَّاسُ معه) سببه استماعهم قراءته.
وأبعد من قَالَ: معنى (إلا أن نشاء) أي: قراءتها؛ لأن هذا القول كان بعد التلاوة، فلو علق الوجوب بها لناقض بنيته قوله:(وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) وإما أن يكون الاستثناء متصلًا، ويكون معناه إلا أن يوجبها بالنذر أو منقطعًا، كأنه قَالَ: لكن ذلك موكول إلى مشيئتنا لقوله تعالى: و {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] معناه لكن إن وقع خطأ فلا يوصف ذلك بأنه له.
وقول الزهري: (وفعل ابن عمر أنه سجد على وضوء) وجهه أنها صلاة، وهو قول الفقهاء السبعة وغيرهم من التابعين، ولا خلاف فيه نعلمه كما قَالَ ابن التين. وقد سلف ما ترجم له عن البخاري وأوضحناه هناك.
(1)
انظر: "المنتقى" 1/ 350.
(2)
سلف برقم (917) كتاب: الجمعة، باب: الخطبة على المنبر.
11 - باب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ بِهَا
1078 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ العَتَمَةَ فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] فَسَجَدَ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ. [انظر: 766 - مسلم: 578 - فتح: 2/ 559]
ذكر فيه حديث أبي رافع -واسمه نفيع- قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ العَتَمَةَ فَقَرَأَ:، {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق:1] فَسَجَدَ .. الحديث.
وأخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وقد سلف
(2)
وهو حجة لقول الثوري ومالك والشافعي أنه من قرأ سجدة في صلاة مكتوبة أنه لا بأس أن يسجد فيها
(3)
.
إلا أن الذين لا يرون السجود في المفصَّل لا يرون السجود في هذه السورة، فإن فعل فلا حرج عندهم في ذلك.
وقد كره مالك قراءة سجدة في صلاة الفريضة الجهرية والسرية مرة، واختاره أخرى
(4)
.
وقال ابن حبيب: لا يقرأ الإمام السجدة فيما يسر فيه، ويقرأها فيما يجهر فيه
(5)
.
(1)
"صحيح مسلم"(578/ 110) كتاب: المساجد، باب: سجود التلاوة.
(2)
برقم (766) كتاب: الأذان، باب: الجهر في العشاء.
(3)
انظر: "المنتقى" 1/ 350، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 244، "الحاوي الكبير"
(4)
"المدونة" 1/ 105 - 106.
(5)
انظر: "الذخيرة" 2/ 414.
وروي مثله عن أبي حنيفة وقال: هو مخير أن يسجد عقبها أو يؤخرها بعد الفراغ من الصلاة
(1)
.
ومنع ذلك أبو مجلز، ذكره الطبري عنه أنه كان لا يرى السجود في الفريضة، وزعم أن ذلك زيادة في الصلاة، ورأى أن السجود فيها غير الصلاة.
وحديث الباب يرد عليه، وبه عمل السلف من الصحابة وعلماء الأمة.
وروي عن عمر أنه صلى الصبح فقرأ: {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] فسجد فيها
(2)
. وقرأ مرة في الصبح الحج فسجد فيها سجدتين
(3)
.
وقال ابن مسعود في السورة يكون آخرها سجدة: إن شئت سجدت بها، ثم قمت فقرأت وركعت، وإن شئت ركعت بها
(4)
.
وقال الطحاوي: إنما قرأ الشارع السجدة في العتمة والصبح، وهذا فيما يجهر فيه، وإذا سجد في قراءة السر لم يدر سجد للتلاوة أم
(1)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 187 - 188.
(2)
رواه عبد الرزاق 3/ 339 (5882) كتاب: فضائل القرآن، باب: كم في القرآن من سجدة، والبيهقي 2/ 323 كتاب: الصلاة، باب: السجدة إذا كان في آخر السورة وكان في الصلاة.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 1/ 373 (4288) كتاب: الصلوات، باب: من قال: في الحج سجدتان وكان يسجد فيها مرتين، والبيهقي 2/ 317 كتاب: الصلاة، باب: سجد في سورة الحج.
(4)
رواه عبد الرزاق 3/ 347 (5919) كتاب: فضائل القرآن، باب: السجدة على من استمعها، وابن أبي شيبة 1/ 380 (4371) كتاب: الصلوات، باب: في السجدة تكون في آخر السورة، والبيهقي 2/ 323 كتاب: الصلاة، باب: السجدة إذا كان في آخر السورة.
لغيرها
(1)
.
وفي الحديث أيضًا حجة لمن قَالَ: إن سجدة هذه السورة من عزائم السجود، وقول ابن بطال أنه قال على العكس معللًا بترك السلف السجود فيها؛ ولذلك أنكر أبو رافع على أبي هريرة سجوده فيها، كما أنكر عليه أبو سلمة فيما مضى.
وقول أبي هريرة: (سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي القَاسِمِ، فلا أزال أسجد بها). يحتمل أن يكون سجد فيها خلفه ولم يواظب صلى الله عليه وسلم عليه بها.
قَالَ ابن بطال: ولذلك أجمع الناس على تركها، ولو واظب عليه لم يخف ذلك عليهم ولا تركوها
(2)
، ولا نسلم له ذلك.
(1)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 244.
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 64.
12 - باب مَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلسُّجُودِ مع الإمام مِنَ الزِّحَامِ
1079 -
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ. [انظر: 1075 - مسلم: 575 - فتح: 2/ 560]
ذكر فيه حديث ابن عمر السالف
(1)
، وقد سلف البحث فيه
(2)
.
(1)
راجع حديثي (1075 - 1076).
(2)
ورد بهامش (س): ثم بلغ في الثاني بعد التسعين، كتبه مؤلفه سامحه الله.
18
تقصير الصلاة
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]
18 - تقصير الصلاة
1 - باب مَا جَاءَ فِي التَّقْصِيرِ وَكَمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ
؟
1080 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا. [4298، 4299 - فتح: 2/ 561]
1081 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ. قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا. [4297 - مسلم: 693 - فتح: 2/ 561]
يقال: قصرت الصلاة، وقصرتها، وأقصرتها. ذكر فيه حديثين:
أحدهما:
عن ابن عباس قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا.
الثاني:
حديث أنس يَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَدِينَةِ إلى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ. قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا.
الشرح:
لا شك أن الصلاة فرضت بمكة، والقصر كان في السنة الرابعة من الهجرة كما نبه عليه ابن الأثير
(1)
في "شرح المسند"
(2)
. وحديث ابن عباس هذا أخرجه البخاري منفردًا به، عن عكرمة عنه. وفي رواية له في المغازي: أقام بمكة تسعة عشر يومًا
(3)
، وفي أخرى له: أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
. وأخرجه أبو داود، وابن ماجه، والنسائي من حديث عبيد الله بن عبد الله عنه بلفظ: أقام بمكة خمس عشرة يقصر الصلاة. قَالَ أبو داود: رواه عنه جماعات بإسقاط ابن عباس
(5)
.
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وكذا ذكره غيره، وخص ذكره النووي في السير من "الروضة" من زوائده.
(2)
"الشافي في شرح مسند الشافعي" 2/ 108
(3)
ستأتي برقم (4298) باب: مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح.
(4)
ستأتي برقم (4297) باب: مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح.
(5)
"سنن أبي داود" برقم (1231) كتاب: صلاة السفر، باب: متى يتم المسافر.
و"سنن النسائي" 3/ 121 كتاب: تقصير الصلاة في السفر، باب: المقام الذي يقصر بمثله الصلاة. و"ابن ماجه" برقم (1076) كتاب: إقامة الصلاة، باب: كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة. قال الألباني في "ضعيف أبي داود" برقم (226): إن الصواب في إسناده: أنه مرسل؛ ليس فيه ابن عباس. وإسناده ضعيف؛ لعنعنة ابن إسحاق، فإنه مدلس.
قَالَ البيهقي: وهو الصحيح
(1)
.
واختلف عن عكرمة فرواه عاصم الأحول، وحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس تسعة عشر، كما سلف، وكذا أخرجه ابن ماجه
(2)
.
وأخرجه الترمذي وقال: صحيح بلفظ: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرًا، فصلى تسعة عشر يومًا ركعتين ركعتين
(3)
، وأبو داود بلفظ: تسع عشرة
(4)
. ورواه عن عكرمة عباد بن منصور قَالَ: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الفتح تسع عشرة ليلة يصلي ركعتين ركعتين، أخرجه البيهقي
(5)
.
واختلف على عاصم، عن عكرمة. فرواه ابن المبارك، وأبو شهاب، وأبو عوانة في إحدى الروايتين: تسع عشرة. ورواه خلف بن هشام، وحفص بن غياث فقال: سبع عشرة.
واختلف على أبي معاوية عن عاصم، وأكثر الروايات عنه: تسع عشرة، رواها عنه أبو خيثمة وغيره. ورواه عثمان بن أبي شيبة، عن أبي معاوية فقال: سبع عشرة.
واختلف على أبي عوانة، فرواه جماعات عنه عنهما فقَالَ: تسع عشرة. ورواه لوين، عن أبي عوانة عنهما فقال: سبع عشرة. ورواه
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 151 كتاب: الصلاة، باب: المسافر يقصر ما لم يجمع مكثًا ما لم يبلغ مقامه.
(2)
"سنن ابن ماجه" برقم (1075) كتاب: إقامة الصلاة، باب: كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة.
(3)
"سنن الترمذي" برقم (549) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في كم تقصر الصلاة.
(4)
رواه معلقًا عقب الرواية (1230) كتاب: صلاة السفر، باب: متى يتم المسافر.
(5)
"السنن الكبرى" 3/ 150 - 151 كتاب: الصلاة، باب: المسافر يقصر ما لم يجمع.
المعلى بن أسد، عن أبي عوانة، عن عاصم: سبع عشرة
(1)
.
قَالَ البيهقي: وأصحها عندي: تسع عشرة، وهي التي أوردها البخاري
(2)
. وعبد الله بن المبارك أحفظ من رواه عن عاصم. ورواه عن عكرمة عبد الرحمن الأصبهاني فقال: عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة
(3)
.
ورواه عمران بن حصين أيضًا قَالَ: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة لا يصلى إلا ركعتين، يقول: يا أهل البلد، صلوا أربعًا فإنا سفر، أخرجه أبو داود، وفي إسناده علي بن زيد ابن جدعان متكلم فيه
(4)
، وأخرج له مسلم متابعة. ورواه ابن عمر أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشرة يصلي ركعتين محاصرًا الطائف، أخرجه البيهقي من طريق ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن حميد، عن رجل، عن ابن عمر به.
قَالَ البيهقي: ويمكن الجمع بين الروايات بأن من روى تسع عشرة
(1)
حكى ذلك البيهقي في "السنن الكبرى" 3/ 150 كتاب: الصلاة، باب: المسافر يقصر ما لم يجمع مكثًا.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 151.
(3)
"السنن الكبرى" 3/ 150 - 151 كتاب: الصلاة، باب: المسافر يقصر ما لم يجمع مكثًا.
(4)
"سنن أبي داود" برقم (1229) كتاب: صلاة السفر، باب: متى يتم المسافر.
ورواه أيضًا ابن أبي شيبة 1/ 336 (3860)، كتاب: الصلوات، باب: المقيم يدخل في صلاة المسافر، والبيهقي 3/ 151 كتاب: الصلاة، باب: المسافر يقصر يجمع مكثًا.
قال الألباني في "ضعيف أبي داود"(225): إسناده ضعيف، على بن زيد -وهو ابن جدعان-، قال المنذري: تكلم فيه جماعة من الأئمة. وقوله: ثماني عشرة. منكر؛ لمخالفته لرواية "الصحيح" تسعة عشر.
عَدَّ يوم الدخول ويوم الخروج. ومن روى ثماني عشرة لم يعد أحدهما.
ومن روى سبع عشرة لم يعدهما
(1)
. وهذا الحديث كان في فتح مكة كما سلف مصرحًا به
(2)
.
وأما حديث أنس فأخرجه مسلم، والأربعة
(3)
، وكان في حجة الوداع، فإنه دخل يوم الأحد صبيحة رابعة ذي الحجة، وبات بالمحصب ليلة الأربعاء، وفي تلك الليلة اعتمرت عائشة، وخرج صبيحتها وهو الرابع عشر.
إذا تقرر ذلك فاختلف العلماء في المسافر ينوي الإقامة ببلد لأجل حاجة يتوقعها ولا يعلم نجازها على سبعة عشر قولًا:
أحدها: بوضع رجله فيها. قَالَ ابن حزم عن ابن جبير أنه قَالَ: إذا وضعت رجلك بأرض فأتم
(4)
.
ثانيها: بإقامة يوم وليلة. حكاه ابن بطال عن ربيعة، قَالَ: وهو شيء بعيد
(5)
.
ثالثها: ثلاثة أيام، قالها ابن المسيب في رواية.
رابعها: أربعة، روي عن مالك، والشافعي، وعن أحمد أيضًا، وعن عثمان، وروى مالك، عن عطاء الخراساني أنه سمع سعيد بن
(1)
"السنن الكبرى" 3/ 151 كتاب: الصلاة، باب: المسافر يقصر ما لم يجمع مكثًا ما لم يبلغ مقامه.
(2)
بل سيأتي مصرحًا بذلك في حديث (4298).
(3)
"صحيح مسلم" برقم (693) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها، "سنن أبي داود"(1233)، "سنن الترمذي"(548)، "سنن النسائي" 3/ 121، "سنن ابن ماجه"(1077).
(4)
"المحلى" 5/ 23.
(5)
"شرح ابن بطال" 3/ 75.
المسيب قَالَ: من أجمع إقامة أربع ليالٍ وهو مسافر أتم الصلا ة
(1)
، وهو أحد أقواله. قَالَ وكيع: ثنا هشام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قَالَ: إذا أقمت أربعًا فصل أربعًا
(2)
. قَالَ مالك: وذلك أحب ما سمعت إليَّ، قال أبو عمر: ودل ذلك على أنه سمع الخلاف. وذكر ابن وهب قال: ذلك أحسن ما سمعت، والذي لم يزل عليه أهل العلم عندنا أن من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم. قَالَ أبو عمر: وإلى هذا ذهب الشافعي، وهو قوله وقول أصحابه، وبه قَالَ أبو ثور
(3)
.
قَالَ الشافعي: إذا أزمع المسافر أن يقيم بموضع أربعة أيام ولياليهن أتم الصلاة، ولا يحسب من ذلك يوم نزوله ولا يوم ظعنه
(4)
.
قلتُ: هذا قول عنه ليس الفتوى عليه
(5)
، وحكى إمام الحرمين عنه أربعة أيام ولحظة.
قَالَ ابن بطال: وهذا القول أصح المذاهب في هذِه المسألة.
قلتُ: إن كان معتمده الوجود، فما يعمل في باقي الأحاديث تسعة عشر ونحوها. واختلف في المدة المذكورة، فقال ابن القاسم: أربعة أيام كاملة. قَالَ عنه عيسى: ولا يعتد بيوم دخوله إلا أن يدخل في قوله. وقال عبد الملك وسحنون ومحمد: إذا نوى مقام زمان تجب فيه عشرون صلاة
(1)
روى ذلك البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 4/ 270 (6116) كتاب: الصلاة، باب: المقام الذي يتم بمثله الصلاة.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 211 (8219) كتاب: الصلوات، باب: من قال: إذا أجمع على إقامة خمس عشرة أتم.
(3)
"الاستذكار" 6/ 101.
(4)
"الأم" 1/ 164.
(5)
ورد بهامش الأصل ما نصه: ما قاله الشافعي هو المعروف وعليه الفتوى، وقد اشتبه ذلك على المؤلف بمسألة ما إذا أقام ببلد بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة موقعها كل وقت.
أتم؛ لأنه صلى بمكة إحدى وعشرين صلاة؛ لأنه دخل يوم الرابع بعد صلاة الصبح، وخرج يوم التروية قبل صلاة الظهر
(1)
. وظاهر كلام القاضي عبد الوهاب أن القولين سواء؛ لأنه قال: وإن نوى المسافر أربعة أيام أو ما يصلي فيه عشرين صلاة. وقال ابن مسلمة: من قدم مكة ينوي الإقامة بها، وهو يريد الحج، وبينه وبين الخروج إلى مني أقل من أربعة أيام أنه يقصر حَتَّى يرجع إلى مكة. وقال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر": يتم الصلاة بمكة، وما أسلفناه من أنه صلى الله عليه وسلم صلى بمكة إحدى وعشرين ذكره الشيخ أبو الحسن في "تبصرته"، وهو لا يصح. إنما صلى عشرين؛ لأنه صلى الصبح رابع ذي الحجة بذي طوى، وظهر الثامن بمنى كذا في البخاري. بعد هذا وبالجملة فالخبر راد على من قَالَ: إن من نوى مقام زمان يصلي فيه عشرين صلاة يتم.
خامسها: أكثر من أربعة أيام قاله داود، وحكاه ابن رشد عن أحمد
(2)
.
سادسها: أن ينوي اثنتين وعشرين صلاة. ذكره في "المغني"
(3)
، وجعله المذهب، ومثله في "المحلى". ونقل ابن المنذر عنه إحدى وعشرين صلاة.
سابعها: عشرة أيام. روي عن علي، والحسن بن صالح، ومحمد بن علي أبي جعفر، نقله ابن عبد البر عنهم
(4)
، وحكاه ابن بطال عن ابن عباس أيضًا
(5)
.
(1)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 430، "المنتقى" 1/ 265.
(2)
"بداية المجتهد" 1/ 326.
(3)
"المغني" 3/ 150.
(4)
"الاستذكار" 6/ 108.
(5)
"شرح ابن بطال" 3/ 66، و"التمهيد" 4/ 378.
ثامنها: اثنا عشر يومًا. نقله ابن عبد البر عن ابن عمر، وهو أحد أقواله
(1)
. روى مالك، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أنه كان يقول: أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثًا، وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة
(2)
. وروي عن الأوزاعي مثل ذلك، ذكره الترمذي عنه
(3)
.
قَالَ ابن بطال: ولا حجة له؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يتم أحد منهم في هذا المقدار
(4)
.
تاسعها: ثلاثة عشر يومًا. روي أيضًا عن الأوزاعي، نقله ابن عبد البر عنه
(5)
.
عاشرها: خمسة عشر يومًا. وهو قول أبي حنيفة وأصحابه
(6)
، ويروى عن ابن عباس كما سلف في الحديث. وحكاه ابن بطال عن ابن عمر، والثوري، والليث
(7)
، ولم أر من قَالَ بها من أصحابنا، مع أن الخلاف راجع إلى ما ورد من ذلك، وقد أسلفنا أن الصحيح إرسالها، وفيه مع ذلك عنعنة ابن إسحاق، لكن رواه النسائي بدونها
(8)
. وروى مجاهد، عن ابن عمر، وابن عباس أنهما قالا: إذا
(1)
"الاستذكار" 6/ 106 - 107.
(2)
"التمهيد" 4/ 378.
(3)
"سنن الترمذي" عقب ح (548) في الصلاة، باب ما جاء في كم تقصر الصلاة.
(4)
"شرح ابن بطال" 3/ 75 - 76.
(5)
"التمهيد" 4/ 378.
(6)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 359.
(7)
"شرح ابن بطال" 3/ 75.
(8)
"سنن النسائي" 3/ 118 كتاب: تقصير الصلاة، و 3/ 120 باب: الصلاة بمنى، وفي "الكبرى" 1/ 584 (1896) كتاب: قصر الصلاة، باب: تقصير الصلاة في السفر. عن أنس.
قدمت بلدًا وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة
(1)
.
الحادي عشر: ستة عشر يومًا، وهو مروي، عن الليث أيضًا.
الثاني عشر: سبعة عشر يومًا، وهو قول للشافعي للحديث السالف، وقد صححه ابن حبان
(2)
.
الثالث عشر: ثمانية عشر يومًا، وهو أصح أقوال الشافعي؛ اعتمادًا
منه على حديث عمران بن حصين السالف؛ لسلامته من الاختلاف، فإنه لم يروَ إلا هكذا، بخلاف حديث ابن عباس، فإن روايته تنوعت كما سلف، لكن في سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو متكلم فيه كما سلف.
الرابع عشر: تسعة عشر يومًا، وهو الصحيح عن ابن عباس كما مر، قاله إسحاق كما نقله الترمذي عنه
(3)
، وهو أحد أقوال الشافعي
(4)
، وهو القوي عندي، وبه أفتي؛ لأن الباب باب اتباع، وهذا أصح ما ورد فلا يعدل عنه.
الخامس عشر: عشرون يومًا، وفيه: حديث في غزوة تبوك أخرجه أحمد، وأبو داود من حديث جابر، وصححه ابن حبان
(5)
، وهو أحد
(1)
أثر ابن عمر رواه ابن أبي شيبة 2/ 211 (8217) كتاب: الصلوات، باب: من قال: إذا جمع على إقامة خمس عشرة أتم.
(2)
"صحيح ابن حبان" 6/ 457 (2750) كتاب: الصلاة، باب: فصل في صلاة السفر.
(3)
"سنن الترمذي" عقب حديث (548) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في كم تقصر الصلاة.
(4)
انظر: "المجموع" 4/ 242.
(5)
"سنن أبي داود" برقم (1235) كتاب: الصلاة، باب: إذا قام بأرض العدو يقصر، و"مسند أحمد" 3/ 295، و"صحيح ابن حبان" 6/ 456 (2749)، 6/ 459 =
أقوال الشافعي
(1)
.
السادس عشر: يقصر حَتَّى يأتي مصرًا من الأمصار، قاله الحسن البصري كما نقله عنه ابن عبد البر وقال: لا نعلم أحدًا قاله غيره
(2)
.
السابع عشر: يقصر مطلقًا، وحكي عن مالك وأبي حنيفة وأحمد، وهو أحد أقوال الشافعي، ونقله البغوي عن أكثر أهل العلم
(3)
، وحكى الترمذي الإجماع عليه قياسًا على المقدار الذي ورد
(4)
؛ لأن الظاهر أنه لو استمرت الإقامة على ذلك استمر القصر؛ لأن الصحابة أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة. وأقام أنس مع عبد الملك بن مروان بالشام شهرين يقصر الصلاة. وأقام عمر ومن معه بأذربيجان ستة أشهر في غزاة يقصر الصلاة وقد ارتج عليهم الثلج. روى الكل البيهقي بإسناد صحيح
(5)
. وأما حديث ابن عباس
(6)
أنه صلى الله عليه وسلم أقام
= (2752)، رواه أيضًا عبد بن حميد في "المنتخب" 3/ 71 - 72 (1137)، والبيهقي 3/ 152 كتاب: الصلاة، باب: من قال: يقصر أبدًا ما لم يجمع مكثًا، قال أبو داود: غير معمر يرسله لا يسنده، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1120).
(1)
انظر: "المجموع" 4/ 242.
(2)
"التمهيد" 4/ 378.
(3)
"التهذيب" 2/ 297، وانظر:"شرح معاني الآثار" 1/ 428، "التمهيد" 4/ 278، "المجموع" 4/ 242، "المغني" 3/ 151.
(4)
"سنن الترمذي" عقب حديث (548) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في كم تقصر الصلاة.
(5)
"السنن الكبرى" 3/ 152 كتاب: الصلاة، باب: من قال: يقصر أبدًا ما لم يجمع مكثًا.
قال الذهبي في "المهذب" 3/ 1084 (4866): تفرد بوصله معمر.
(6)
ورد بهامش الأصل: من خط الشيخ: وفي "الأوسط" للطبراني من حديث ابن عباس أنه عليه السلام أقام بخيبر ستة أشهر يجمع بين الصلاتين.
أربعين يومًا بخيبر يقصر الصلاة، فضعيف
(1)
. قَالَ إمام الحرمين: هذا القول يقرب من القطعيات. قَالَ: وقد أقام أنس بن مالك سنة أو سنتين بنيسابور يقصر، وأقام علقمة بخوارزم سنين يقصر، وكذا عبد الرحمن بن سمرة بكابل سنين يقصر، فدل ذلك من فعلهم مع عدم الإنكار على أنه إجماع، ولأنه عازم على الرحيل غير ناويَ الإقامة، فجاز له القصر كما في الثمانية عشر.
وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس قَالَ: إن أقمت في بلد خمسة
أشهر، فقصر الصلاة. وعن عبد الرحمن قَالَ: أقمنا مع سعد بن مالك شهرين بعمان يقصر الصلاة ونحن نتم، فقلنا له، فقال: نحن أعلم.
وعن أبي المنهال، عن رجل من عنزة، قلتُ لابن عباس: إني أقيم بالمدينة حولًا لا أشد على سفر. فقال: صلِّ ركعتين
(2)
.
وإذا جمع الخلاف عندنا في حال القتال وغيره، وركبت بعض الوجوه مع بعض واختصرت، قلتُ: في ذلك ثمانية عشر قولًا وجهًا: ثلاثة أيام، أربعة، سبعة عشر، ثمانية عشر، تسعة عشر، عشرين، أبدًا، يقصر من غير حاجة قتال ثلاثة، ومن حاجته سبعة عشر، من حاجة غير قتال ثلاثة ومنها ثمانية عشر، من حاجة غير قتال ثلاثة ومنها تسعة عشر، من عدمها ثلاثة ومنها عشرون، من عدمها ثلاثة ومنها أبدًا، والثالث عشر إلى السابع عشر: من عدمها أربعة
(1)
رواه البيهقي 3/ 152 كتاب: الصلاة، باب من قال: يقصر أبدًا ما لم يجمع مكثًا، وقال: تفرد به الحسن بن عمارة وهو غير محتج به، وقال الذهبي في "المهذب" 3/ 1085 (4868): ابن عمارة واهٍ.
(2)
"المصنف" 2/ 209 (8199 - 8201)، كتاب: الصلوات، باب: في المسافر يطيل المقام في المصر.
ومن حاجته سبعة عشر، أو ثمانية عشر، أو تسعة عشر، أو عشرون، أو أبدًا.
والثامن عشر: يقصر من غير حاجة قتال ثمانية عشر يومًا، ومن حاجة قتال يقصر أبدًا.
كذا جمع الخلاف ابن الرفعة، ولا بد من تحريره فليتأمل.
قال ابن التين: وإقامة الشارع تسعة عشر يقصر يحتمل أنه لم ينو إقامة أربعة أيام، أو أقام ذلك في أرض العدو حيث لا يملك الإقامة.
وجعل ابن عباس تسعة عشر هذا من رأيه.
وقوله: (إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا)، سمى الإقامة بالمصر سفرًا؛ لأنه في حكم المسافر، وكأن ابن عباس ذهب إلى أن الأصل في الصلاة الإتمام، فلا يقصر إلا ما جاء فيه نص، واعتمد البخاري كلام ابن عباس. قَالَ الخطابي: وهو الصحيح؛ لأنه جمع حكايته فعل الشارع وبقول ابن عباس. قَالَ الشافعي: إلا أنه شرط وجود الخوف ولو كانت العلة الخوف ما حَدَّثَني تسعة عشر
(1)
. كذا نقل عنه، وهو غريب في اشتراط الخوف وتحديده بتسعة عشر.
وقول أنس: (أَقَمْنَا عَشْرًا)، قَالَ أبو عبد الملك: هو ما تأولنا أنه لم ينو إقامة أربعة أيام، ولكن يمنعه ما يعترضه من الشغل حَتَّى مضى عشر. وغيره تأوله على أنهم قدموا لصبح رابعه. فمقامهم بمكة دون أربعة أيام، وقول ابن عباس: أقمنا تسعة عشر، وقول أنس: أَقَمْنَا عَشْرًا يحتمل أن يكونا موطنين. قلتُ: بلا شك كما أسلفته لك.
قَالَ الداودي: وليس هذا كله إلا في عام الفتح؛ لأنه لم يقم في
(1)
"أعلام الحديث" 1/ 625.
حجته بعد أن فرغ منها وأقام في الفتح قبل خروجه إلى هوازن والطائف مدة وأقام بعد رجوعه إلى مكة. وإما أن يكون أحدهما في موطن غير الآخر، أو يكون أحدهما حفظ ما لم يحفظه الآخر. أما قول أنس، فقال مالك: هو في حجة الوداع، وقد شهدها أنس وابن عباس، ولا يحفظ أن ابن عباس شهد الفتح، وكان حيئنذٍ ابن إحدى عشرة سنة وأشهر.
قلتُ: القضية متعددة قطعًا، فقضية ابن عباس في الفتح، وأنس في حجة الوداع.
وقال ابن بطال: إنما أقام الشارع تسعة عشر يومًا يقصر؛ لأنه كان محاصرًا في حصار الطائف أو في حرب هوازن، فجعل ابن عباس هذِه المدة حدًّا بين التقصير والإتمام.
قَالَ المهلب: والفقهاء لا يتأولون هذا الحديث كما تأوله ابن عباس، ويقولون: إنه كان صلى الله عليه وسلم في هذِه المدة التي ذكرها ابن عباس غير عازم على الاستقرار؛ لأنه كان ينتظر الفتح ثم يرحل بعد ذلك، فظن ابن عباس أن التقصير لازم إلى هذِه المدة، ثم ما بعد ذلك حضر يتم فيه، ولم يراع نيته في ذلك، ثم روى حديث إقامته بتبوك يقصر عشرين ليلة.
وروى ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح أنه سأل سالم بن عبد الله: كيف كان يصنع ابن عمر؟ قَالَ: إذا أجمع المكث أتم، وإذا أقام اليوم وغدًا قصر الصلاة وإن مكث عشرين ليلة. والعلماء مجمعون على هذا لا يختلفون فيه.
قلتُ: وأين الإجماع وقد علمت الخلاف الطويل الذي سقته!
وتأول الفقهاء حديث أنس أيضًا أن إقامته بمكة لا استيطانًا لها لئلا تكون رجوعًا في الهجرة، وقد روي عن ابن عباس أيضًا أن من نوى إقامة عشر ليال أن يتم الصلاة. وهو قول له آخر خلاف تأويله للحديث، ولا أعلم أحدًا من أئمة الفتوى قَالَ بحديث ابن عباس، وجعل التسعة عشر يومًا حدًا للتقصير، فهو مذهب له انفرد به
(1)
.
قلتُ: لكن الصحيح عنه تسعة عشر كما أسلفناه. ونقله الترمذي عن إسحاق
(2)
ثم ذكر رواية ابن عباس: سبع عشرة، ثم قَالَ: وإنما جاء هذا الحديث -والله أعلم- من الرواة.
قَالَ: ولم يقل: سبع عشرة أحد من الفقهاء أيضًا إلا الشافعي فإنه قَالَ: من أقام بدار الحرب خاصة سبع عشرة ليلة قصر
(3)
. قلتُ: مروي عن الليث، والمفتى به من مذهب الشافعي ثمانية عشر كما أسلفناه.
قَالَ: وتأول الفقهاء حديث أنس أن إقامته بها عشرًا كانت بنية الرحيل، وكانت العوائق تمنعه من ذلك، فما كان على نية الرحيل، فإنه يقصر فيه وإن أقام مدة طويلة بإجماع العلماء. وقد سلف لك ما في هذا الإجماع.
وفي حديث ابن عباس من الفقه ما ذهب إليه مالك، وأبو حنيفة، وأحد قولي الشافعي أن من كان بأرض العدو من المسلمين، ونوى إقامة مدة يتم المسافر في مثلها الصلاة أنه يقصر الصلاة؛ لأنه لا يدري متى يرحل
(4)
.
(1)
المصدر السابق.
(2)
"سنن الترمذي" عقب الرواية (548).
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 67.
(4)
انظر: "المجموع" 4/ 241.
قَالَ ابن القصار: والقول الثاني للشافعي الذي خالف فيه الفقهاء قَالَ: إن كان المقيمون بدار الحرب ينتظرون الرجوع في كل يوم، فإنه يجوز لهم أن يقصروا إلى سبعة عشر يومًا، أو ثمانية عشر يومًا، فإذا جاوزوا هذا المقدار أتموا، واحتج بأن الشارع أقام بهوازن هذِه المدة يقصر
(1)
.
وقول الأول الموافق للفقهاء أولى؛ لأن إقامة من كان بدار الحرب ليست إقامة صحيحة، وإنما هي موقوفة لما يتفق لهم من الفتح؛ لأن أرض العدو ليست بدار إقامة للمسلمين. وقد روى جابر أنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة
(2)
. وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يحارب ويقصر. وأقام أنس بنيسابور سنتين يقصر الصلاة، وفعله جماعة من الصحابة
(3)
.
(1)
انظر: "المجموع" 4/ 242.
(2)
تقدم تخريجه قريبًا.
(3)
انظر: "شرح ابن بطال" 3/ 65 - 68، والآثار سبق تخريجها.
2 - باب الصَّلَاةِ بِمِنًى
1082 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا. [1655 - مسلم: 694 - فتح: 2/ 563]
1083 -
حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -آمَنَ مَا كَانَ- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ. [1656 - مسلم: 696 - فتح: 2/ 563]
1084 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ. [1657 - مسلم: 695 - فتح: 2/ 563]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها:
حديث نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ أيامه، ثُمَّ أَتَمَّهَا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا
(1)
، وفي راوية لمسلم: عن حفص بن عاصم، عن ابن عمر قال: صلى النبي عليه السلام بمنى صلاة المسافر، وأبو بكر، وعمر، وعثمان ثمان سنين، أو قال: ست
(1)
"صحيح مسلم" برقم (694) كتاب: صلاة المسافرين، باب: قصر الصلاة بمنى.
سنين
(1)
. وروى أبو داود الطيالسي في "مسنده"، عن زمعة، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى صلاة السفر ركعتين، ثم صلى أبو بكر ركعتين، ثم صلى بعده عمر ركعتين، ثم صلى بعده عثمان ركعتين، ثم أن عثمان أتم بعد
(2)
.
الحديث الثاني: حديث شُعْبَةُ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عن حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم آمَنَ مَا كَانَ بمِنًى رَكْعَتَيْنِ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا هنا
(3)
، ويأتي في الحج
(4)
، ثم في رواية: ونحن أكثر ما كنا قط وأمنة بمنى ركعتين
(5)
، وفي أخرى لمسلم في حجة الوداع
(6)
.
وللإسماعيلي قال: قال غندر: في حديثه عن شعبة، سمعت أبا إسحاق يحدث عن حارثة بن وهب وحارثة بن وهب -بالحاء المهملة- صحابي وهو أخو عبد الله بن عمر لأمه، أمهما أم كلثوم بنت جرول الخزاعي
(7)
.
الحديث الثالث:
حديث عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ: صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ .. إلى قوله: فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ.
(1)
السابق برقم (694/ 18).
(2)
"مسند أبي داود الطيالسي" 3/ 357 (1924).
(3)
"صحيح مسلم" برقم (696) كتاب: صلاة المسافرين، باب: قصر الصلاة بمنى.
(4)
برقم (1656) باب: الصلاة بمنى.
(5)
التخريج السابق.
(6)
"صحيح مسلم" برقم (696/ 21)، كتاب: صلاة المسافرين، باب: قصر الصلاة بمنى.
(7)
انظر: "الاستيعاب" 1/ 370 (460)، "أسد الغابة" 1/ 430 (1005).
وأخرجه مسلم أيضًا، وأبو داود، والنسائي، وأخرجه النسائي من غير ذكر عثمان من طريق علقمة عن ابن مسعود
(1)
.
إذا عرفت ذلك فالإجماع قائم على أن القصر بمنى وعرفة حكم الحاج الآفاقي الذي بينه وبينها مسافة القصر. وعند مالك أن الحاج المكي يقصر بهما، وكذا أهل عرفة بمكة ومنى يقصرون، وحجته التمسك بأحاديث الباب، ومثله في النسائي من حديث أنس
(2)
، وفي ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر وأبي جحيفة. وعن القاسم، وسالم قالا: الصلاة بمنى قصر. وأن ابن عمر كان يتم بمكة، فإذا خرج إلى مني قصر
(3)
.
ونقل ابن بطال اتفاق العلماء على أن الحاج القادم مكة يقصر الصلاة بها وبمنى وسائر المشاهد؛ لأنه عندهم في سفر، إذ ليست مكة دار إقامة إلا لأهلها، أو لمن أراد الإقامة بها، وكان المهاجرون قد فرض عليهم ترك المقام بمكة، فلذلك لم ينوِ الشارع الإقامة بمكة ولا بمنى.
قَالَ: واختلف الفقهاء في صلاة المكي بمنى. فقال مالك: يتم المكي بمكة ويقصر بمنى، وكذا أهل مني يتمون بمنى ويقصرون بمكة وعرفات. وجعل هذِه المواضع مخصوصة بذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما قصر بعرفة لم يميز من وراءه، ولا قَالَ: يا أهل مكة أتموا. يعني: بعرفات. وهذا موضع بيان، وكذا عمر بعده قَالَ لأهل مكة: يا أهل
(1)
مسلم (695)، أبو داود (1960)، والنسائي 3/ 118.
(2)
"سنن النسائي" 3/ 118 كتاب: تقصير الصلاة في السفر.
(3)
"المصنف" 2/ 206، 208 (8165، 8167، 8180، 8184).
مكة أتموا؛ فإنا قوم سفر
(1)
، وكذا قاله الشارع بمكة. وممن روي عنه أن المكي يقصر بمنى ابن عمر، وسالم، والقاسم، وطاوس
(2)
، وبه قَالَ الأوزاعي، وإسحاق، وقالوا: إن القصر سنة الموضع، وإنما يتم بمنى وعرفة من كان مقيمًا فيهما، واستدلوا بحديث حارثة ابن وهب المذكور في الكتاب، وكانت دار حارثة بمكة، ولو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقَالَ حارثة: وأتممنا نحن، أو قَالَ لنا: أتموا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يلزمه البيان لأمته
(3)
؛ ولأن عمل الحاج لا ينقضي في أقل من يوم وليلة مع الانتقال اللازم، والمشي من موضع إلى موضع لا يجوز الإخلال به، فجرى ذلك مجرى الشيء اللازم؛ ولأن من مكة إلى عرفة، ثم إلى مكة بمقدار ما يقصر فيه الصلاة، ويلزمه بالدخول فيه ملزمة القصر، ولا يلزم على هذا من يخرج من سفر بضعًا وعشرين ميلًا؛ لأن رجوعه هناك ليس بلازم، ورجوعه إلى مكة في الحج لازم؛ ولأنه عائد إلى الطواف، فصار لا بد من نية الرجوع بخلاف غيره من الأسفار. وهذا التعليل والذي قبله يخرج منه العَرَفيُّ.
وروى عيسى عن ابن القاسم في أهل مني وأهل عرفة يفيضون بقصر العرفي، ويتم المنوي إلى منى؛ لأنه يرجع إلى وطنه بعد أن يفيض في مسافة إتمام، بخلاف العرفي، فإنه يفيض من مكة إلى غير وطنه لإتمام حجه، فإذا دفع من منى بعد انقضاء حجه لم يقصر إلى عرفة لما ذكرناه.
(1)
رواه مالك ص 111، والبيهقي في "معرفة السنن الآثار" 4/ 278 (6155) كتاب: الصلاة، باب: صلاة المكي بمنى تمام غير قصر.
(2)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 208 (8183 - 8185) كتاب: الصلوات، باب: في أهل مكة يقصرون إلى منى.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 68 - 69.
واختلف قول مالك، وابن القاسم في صلاة المكي بالمحصب، هل يقصر؟ واختلافهما مبني على أن المحصب، هل هو مشروع، فمن قَالَ أنه مشروع قصر
(1)
.
وقال أكثر أهل العلم منهم عطاء، والزهري، وهو قول الثوري، والكوفيين، وأبي حنيفة، وأصحابه، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور: لا يقصر الصلاة أهل مكة بمنى وعرفات؛ لانتفاء مسافة القصر
(2)
.
قالوا في قول عمر: يا أهل منى أتموا، وكذا قول الشارع أيضًا ما أغنى أن يقول ذلك بمنى.
قَالَ الطحاوي: وليس الحج موجبًا للقصر؛ لأن أهل منى وعرفات إذا كانوا حجاجًا أتموا وليس هو متعلقًا بالموضع، وإنما هو متعلق بالسفر، وأهل مكة مقيمون هناك لا يقصرون، ولما كان المقيم لا يقصر لو خرج إلى منى كذلك الحاج.
واختلف العلماء في المسافة التي يقصر فيها، فقال أبو حنيفة، وأصحابه، والكوفيون، وروي عن ابن مسعود: أقلها ثلاثة أيام ولياليهن سير الإبل ومشي الأقدام، وقدر أبو يوسف بيومين وأكثر الثالث. وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، ورواية ابن سماعة عن محمد، ولم يريدوا به السير ليلًا ونهارًا؛ لأنهم جعلوا النهار للسير والليل للاستراحة. ولو سلك طريقًا هي مسيرة ثلاثة أيام وأمكنه أن يصل في يوم من طريق أخرى قصر، ثم قدروا ذلك بالفراسخ فقيل: أحد وعشرون فرسخًا. وقيل: ثمانية عشر. وعليه الفتوى، وقيل:
(1)
"المنتقى" 1/ 264 - 265.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 357.
خمسة عشر ومدته ثلاثة أيام ولياليهن. وهو مذهب عثمان، وابن مسعود، وحذيفة، وسويد بن غفلة، والشعبي، والنخعي، والثوري، والحسن بن حي، وأبي قلابة، وشريك بن عبد الله، وابن جبير، وابن سيرين، ورواية عن ابن عمر، واحتج لهم بحديث ابن عمر وأبي هريرة الآتي:"لا تسافر المرأة ثلاثًا"
(1)
.
وقالوا: لما اختلفت الآثار والعلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة، وكان الأصل التمام، لم يجب أن ينتقل عنه إلا بيقين. واليقين ما لا ينازع فيه، وذلك ثلاثة أيام.
والجواب أن الشارع قد ذكر اليوم والليلة ونص عليه، فهو أولى من ذلك. والدليل إذا اجتمع مع النص قضي بالنص عليه.
وعن مالك: لا يقصر
(2)
في أقل من ثمانية وأربعين ميلًا بالهاشمي وهو ستة عشر فرسخًا. وهو قول أحمد
(3)
، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربع وعشرون أصبعًا معترضة معتدلة، والأصبع ست شعيرات معترضات معتدلات، وذلك يومان، وهي أربعة برد، وهذا هو المشهور عنه، وعن مالك أيضًا خمسة وأربعون ميلًا. وعنه: اثنان وأربعون ميلًا. وأربعون. وستة وثلاثون ميلًا. عزاها ابن حزم إلى رواية إسماعيل القاضي في "مبسوطه"، قَالَ: وذا لأهل مكة خاصة، ويقصر إلى منى فما فوقها، وهي أربعة أميال
(4)
.
وقال ابن بطال: كان مالك يقول: يقصر في مسيرة يوم وليلة. ثم رجع فقال: يقصر في أربعة برد. كقول ابن عمر، وابن عباس، وبه قَالَ
(1)
برقم (1088) كتاب: تقصير الصلاة، باب: في كم تقصير الصلاة.
(2)
"المنتقى" 1/ 267.
(3)
انظر: "المغني" 3/ 106.
(4)
"المحلى" 5/ 5.
الليث، والشافعي في أحد أقواله، وهو قول أحمد، وإسحاق. وروى أشهب عن مالك فيمن خرج إلى ضيعته وهي رأس خمسة وأربعين ميلًا أنه يقصر. وعن ابن القاسم فيمن قصر في ستة وثلاثين ميلًا لا يعيد. وقال يحيى بن يعمر: يعيد أبدًا. وقال ابن عبد الحكم: يعيد في الوقت.
وقال ابن حبيب: يقصر في أربعين ميلًا، وهي قريب من أربعة برد
(1)
.
وقال الأوزاعي: عامة العلماء يقولون: مسيرة يوم تام، وبه نأخذ، ونُقل عنه: اثنا عشر يومًا فما زاد. وقالت طائفة: يقصر في يومين. روي عن ابن عمر، والحسن البصري
(2)
، والزهري، وحكي مثله عن الشافعي.
وقال الأوزاعي: كان أنس يقصر في خمسة فراسخ، وذلك خمسة عشر ميلًا.
وللشافعي سبعة نصوص في مسافة القصر: ثمانية وأربعون ميلًا، ستة وأربعون ميلًا، أكثر من أربعين، أربعون، يومان، ليلة، ويوم وليلة
(3)
.
قلتُ: الليلة بلا يوم
(4)
، وحملت على شيء واحد. والأول هو الأصح. وعن داود: يقصر في طويل السفر وقصيره، حكاه في "التمهيد" عنه
(5)
. قال أبو حامد: حَتَّى لو خرج إلى بستان له خارج البلد قصر
(6)
.
وذكر ابن حزم في "محلاه" أنه لا يقصر في أقل من ميل عند
(1)
"شرح ابن بطال" 3/ 78.
(2)
"المنتقى" 1/ 262.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 203 (81249 كتاب: الصلوات، باب: في مسيرة كم يقصر الصلاة.
(4)
ورد في هامش الأصل ما نصه: إنما زاد الشيخ هذِه الفائدة زيادة في الإيضاح.
(5)
"التمهيد" 4/ 386.
(6)
انظر: "المجموع" 4/ 210.
الظاهرية. قَالَ: ولا يجوز لنا أن نوقع اسم سفر وحكم سفر إلا على من سماه من هو حجة في اللغة سفرًا، فلم يحدد ذلك في أقل من ميل، وقد روينا الميل عن ابن عمر، فإنه قَالَ: لو خرجت ميلًا لقصرت الصلاة
(1)
، وروي عن ابن عمر خلاف ذلك
(2)
، والمسألة محل بسطها الخلافيات، وقد عقد لها البخاري بابًا ستمر به قريبًا -إن شاء الله- واحتجوا بحديث أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم سافر فرسخًا فقصر
(3)
، ولا دلالة فيه؛ لأنه ليس فيه أن سفره كان فرسخًا، ويجوز أن يكون فعل ذلك إشارة إلى أنه لا يفتقر القصر إلى قطع جميع المسافة، بل بالشروع فيها.
وعبارة ابن بطال: حكى من لا يعتد بخلافه من أهل الظاهر أنه يجوز القصر في قليل السفر وكثيره إذا جاوز البنيان، ولو قصد إلى بستانه، وحكوه عن علي
(4)
. وحجة مالك حديث: "لا يحل لامرأة تؤمن باللهِ واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة"
(5)
فجعل اليوم والليلة حكمًا خلاف الحضر، فعلمنا أنه الزمن الفاصل بين السفر الذي يجوز فيه القصر، وبين ما لا يجوز
(6)
. ونقل القاضي أبو محمد وغيره إجماع الصحابة على اعتبار مسافة، وإن اختلفوا في مقدارها،
(1)
"المحلى" 5/ 19 - 20.
(2)
ابن أبي شيبة 2/ 202 - 203 (8120، 8136)، ولفظه: أن ابن عمر خرج إلى أرض له بذات النصب فقصر وهي ستة عشر فرسخًا.
(3)
رواه ابن أبي شيبة 2/ 202 (8113) كتاب: الصلوات، باب: في مسيرة كم يقصر الصلاة.
(4)
رواه عنه ابن أبي شيبة 2/ 206 (8169) كتاب: الصلوات، باب: من كان يقصر الصلاة.
(5)
سيأتي برقم (1088) كتاب: تقصير الصلاة، باب: في كم يقصر الصلاة.
(6)
"شرح ابن بطال" 3/ 78 - 79.
فمن لم يعتبرها خرق الإجماع. والميل ونحوه لا مشقة في قطعه فصار كالحضر.
واختلف العلماء سلفًا وخلفًا في إتمام الصلاة في السفر، فذهبت طائفة إلى أن ذلك سنة. وروي عن عائشة، وسعد بن أبي وقاص أنهما كانا يتمان فيه، ذكره عطاء بن أبي رباح عنهما
(1)
، وعن حذيفة مثله. وروي مثله عن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود، وعن سعيد بن المسيب، وأبي قلابة
(2)
. وروى أبو مصعب عن مالك قَالَ: قصر الصلاة في السفر سنة، وهو قول الشافعي إذا بلغ سفره ثلاثة مراحل، وأبي ثور. وعن الشافعي قول: أنه مخير بينهما، غير أن الإتمام أفضل. وذهب بعض أصحابه إلى أنه مخير، والقصر أفضل
(3)
. قَالَ ابن القصار: وهذا اختيار الأبهري واختياري. وذهبت طائفة إلى أن الواجب على المسافر ركعتان، روي ذلك عن عمر، وابنه، وابن عباس، وهو قول الكوفيين، ومحمد بن سحنون. واختاره إسماعيل بن إسحاق من أصحاب مالك
(4)
.
واحتج الكوفيون بحديث عائشة: فرضت الصلاة ركعتين في الحضر والسفر. وقد سلف في أول كتاب الصلاة شيء من معنى ذلك
(5)
، ولا شك أن الفرض يأتي بمعنى لغير الإيجاب كما تقول: فرض القاضي النفقة، إذا قدرها وبينها. ومنه قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ
(1)
روى عنهم هذِه الآثار البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 4/ 264 (6100 - 6101) كتاب: الصلاة، باب: الإتمام في السفر.
(2)
وهذا أحد قولي مالك، وروى أشهب عنه أنه فرض، انظر:"المنتقي" 1/ 260.
(3)
انظر: "البيان" 2/ 458.
(4)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 420، "الأوسط" 4/ 339.
(5)
برقم (350) باب: كيف فرضت الصلاة في الإسراء.
تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أي بين لكم كيف تكَفِّرون عنها في قول بعض المفسرين.
وقال الطبري: يحتمل قول عائشة: فرضت ركعتين في السفر، يعني: إن اختار المسافر ذلك، وإن اختار أربعًا. ونظير هذا التخيير النفر الأول من منى فإنه غير فيه. ولو كان فرض المسافر ركعتين فقط لما جاز له جعلها أربعًا بوجه من الوجوه، كما ليس للمقيم أن يجعل صلاته مثنى وصلاة الفجر أربعًا.
وقد اتفق فقهاء الأمصار على أن المسافر إذا ائتم بمقيم في جزء من صلاته أنه يلزمه الإتمام. فهذا يدل على أنه ليس فرضه ركعتين إلا على التخيير. وقال: إن من أتم من المسافرين فالفرض أختار، وإن من قصر فهو تمام فرضه.
واختلف الناس في وجه إتمام عثمان على أقوال:
أحدها: أنه أمير المؤمنين، فحيث كان في بلد فهو عمله. قاله أبو الجهم، ووجهه أن للإمام تأثيرًا في حكم الإتمام كما له تأثير في إقامة الجمعة إذا مر بقوم أنه يجمع بهم الجمعة. غير أن عثمان سار مع الشارع إلى مكة وغيرها، وكان مع ذلك يقصر، ويخدش في ذلك أن الشارع كان أولى بذلك، ومع ذلك لم يفعله، نعم صح عنه أنه كان يصلي في السفر ركعتين إلى أن قبضه الله كما ستعلمه
(1)
.
ثانيها: أنه اتخذ منى مسكنًا، فلذلك أتم. روى معمر، عن الزهري
(1)
سيأتي برقم (1101 - 1102) كتاب: تقصير الصلاة، باب: من لم يتطوع في السفر وبر الصلاة وقبلها. مختصرًا، ورواه مسلم مطولًا برقم (689) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها.
قَالَ: إنما فعل ذلك؛ لأنه أزمع على المقام بعد الحج. ذكره أبو داود.
وروى عبد الله بن الحارث بن أبي ذئاب عن أبيه -وقد عمل الحارث لعمر بن الخطاب- قَالَ: صلى بنا عثمان أربعًا، فلما سلم أقبل على الناس فقال: إني تأهلت بمكة، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "من تأهل لبلدة فهو من أهلها فَلْيصل أربعة"، وعزاه ابن التين إلى رواية ابن سنجر: أن عثمان صلى بمنى أربعًا فأنكروا عليه فقال: يا أيها الناس إني لما قدمت تأهلت بها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا تأهل الرجل ببلد، فليصل بهم صلاة المقيم" وهذا منقطع، أخرجه البيهقي من حديث عكرمة بن إبراهيم وهو ضعيف عن ابن أبي ذئاب، عن أبيه قَالَ: صلى عثمان
(1)
(2)
.
وقال ابن حزم: روينا من طريق عبد الرزاق، عن الزهري قَالَ: بلغني أن عثمان إنما صلى أربعًا -يعني: بمنى- لأنه أزمع أن يقيم بعد الحج، وهذا يرده أن المقام بمكة للمهاجر أكثر من ثلاث لا يجوز
(3)
.
وقال ابن التين: لا يمنع ذلك إذ [عرض] له أمر أوجب مقامه أربعة أيام لضرورة. وقد قَالَ مالك في "العتبية" فيمن يقيم بمنى ليخف الناس: يتم. في أحد قوليه، ومثل هذا الجواب أن أهله كانوا معه بمكة. ويرده أن الشارع كان يسافر بزوجاته، وكن معه بمكة، ومع ذلك يقصر، ومثله إنما أتم لأنه أقام بمكة قبل مخرجه إلى منى مدة توجب الإتمام. واعتقد أن
(1)
ورد بهامش الأصل ما نصه: وبهذه الطريق أخرجه الإمام أحمد في "المسند" فقال: حدثنا أبو سعيد -مولى بني هاشم- ثنا عكرمة بن إبراهيم فساقه.
(2)
"معرفة السنن الآثار" 4/ 263 (6099) كتاب: الصلاة، باب: الإتمام في السفر.
(3)
"المحلى" 4/ 270.
مسافة الخروج إلى عرفة إذا انفصلت عما قبلها من السفر لا توجب القصر.
ولا شك أن عثمان لا يتعمد مخالفة الشارع لغير معنى، ومثله أنه كان له بمنى أرض فكأنه كالمقيم، وهذا فيه بعد، إذ لم يقل أحد: إن المسافر إذا مر بما يملكه من الأرض ولم يكن له فيها أهل أن حكمه حكم المقيم.
ثالثها: ما رواه أيوب، عن الزهري أن الأعراب كثروا في ذلك العام فأحب أن يخبرهم أن الصلاة أربع، ذكره أبو داود
(1)
. وقال البيهقي في "المعرفة": قد روينا بإسناد حسن، عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه، عن عثمان أنه أتم الصلاة بمنى ثم خطب الناس فقال: أيها الناس، إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة صاحبيه، ولكنه حدث قيام من الناس فخفت أن يستنوا
(2)
. وقال ابن جريج: إن أعرابيًّا ناداه في منى فقال: يا أمير المؤمنين ما زلت أصليها منذ رأيتك عام الأول صليتها ركعتين، فخشي عثمان أن يظن جهال الناس أن الصلاة ركعتان، وهذا يرده أن الشارع كان أولى بذلك ولم يفعله
(3)
.
رابعها: أنه تأول أن القصر رخصة غير واجب، وأخذ بالأكمل الأتم، وتأول أن الشارع قصد بقصره التخفيف كالفطر ويؤيده ما رواه الطحاوي، عن عائشة: قصر النبي صلى الله عليه وسلم وأتم في السفر
(4)
، وكان
(1)
"سنن أبي داود" برقم (1964) كتاب: المناسك، باب: الصلاة بمنى، قال الألباني في "صحيح أبي داود" برقم (1713): إسناده حسن لغيره، وقد قواه الحافظ.
(2)
"معرفة السنن والآثار" 4/ 263 (6097) كتاب: الصلاة، باب: الإتمام في السفر.
(3)
رواه عبد الرزاق 2/ 518 (4277) كتاب: الصلاة، باب: السفر.
(4)
"شرح معاني الآثار" 1/ 415.
سعد، وعبد الرحمن بن عوف، وحذيفة، وعائشة، وعثمان يتمون، وكذا تأولت عائشة
(1)
.
قَالَ القرطبي: وهذا هو الوجه
(2)
، وفيه نظر، فحديث البخاري الآتي عن ابن عمر في باب من لم يتطوع في السفر: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كذلك
(3)
. ورواه مسلم بلفظ: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حَتَّى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حَتَّى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حَتَّى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حَتَّى قبضه الله
(4)
.
فهذا دال على أن عثمان صلى ركعتين إلى أن قبض إلا أن يؤول في أواخر أمره، أو المراد: صحبه في سائر أسفاره غير منى؛ لأن إتمامه إنما كان بها على ما فسره عمران بن حصين.
وفي "الموطأ" عن ابن عمر أنه كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعًا
(5)
.
والإمام ذكر أنه عثمان، فتأول ابن عمر أن عثمان لم يره مقامًا يبيح القصر على ما تقدم.
وروى أبو داود من حديث معاوية بن قرة عن أشياخه أن عبد الله صلى أربعًا، قَالَ: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعًا؟ قَالَ: الخلاف شر
(6)
.
(1)
انظر: "المصنف" 2/ 205 (8151)، 2/ 208 (8189)، و"الأوسط" لابن المنذر 4/ 335.
(2)
"المفهم" 2/ 327.
(3)
يأتي برقم (1102).
(4)
مسلم (689)، كتاب الصلاة، باب: صلاة المسافرين وقصرها.
(5)
"الموطأ" ص 111.
(6)
"سنن أبي داود" برقم (1960) كتاب: المناسك، باب: الصلاة بمنى.
وذكر أبو داود عن الزهري قَالَ: لما اتخذ عثمان الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلى أربعًا
(1)
.
واسترجاع ابن مسعود لما رأى عثمان أتم خلاف ما عهد من الشارع وصاحبيه دليل على إنكاره في خلاف الأفضل فقط؛ إذ لو اعتقد أن فرضه القصر لم يصح أن يصليها خلفه ولم يجز له أن يتم، ولا سكتت الصحابة من غير نكير.
وزعم الداودي أن ابن مسعود كان يرى القصر فرضًا. قَالَ أبو سليمان: من أجل الأسوة، يريد إذا لم يتأس بفعله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فلأجل ذلك استرجع. وهذا يرد ما أوله أنه صلى أربعًا، وقال: الخلاف شر، فلو كان يعتقد القصر فرضًا لكان الخلاف شرًا لا خيرًا
(2)
.
والظاهر في ذلك إنما قَالَ ذلك لأنه رأى أن الخلاف على الإمام فيما سبيله التخيير والإباحة شر، وهو ما أبداه ابن بطال
(3)
.
وقد روى ابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران أنه سأل سعيد بن المسيب عن الصلاة في السفر. فقال: إن شئت ركعتين، وإن شئت أربعًا
(4)
. وذكر عن أبي قلابة أنه قَالَ: إن صليت في السفر ركعتين فالسنة، وإن صليت أربعًا فالسنة
(5)
. ولما ذكر ابن بطال مقالة الزهري، وابن جريج، ومعمر، وما رواه عبد الله بن الحارث قَالَ: هذِه الوجوه كلها ليست
(1)
"سنن أبي داود" برقم (1963) كتاب: المناسك، باب: الصلاة بمنى، وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(338).
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 627.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 73.
(4)
"المصنف" 2/ 209 (8192) كتاب: الصلوات، باب: في المسافر إن شاء صلى ركعتين وإن شاء أربعًا.
(5)
"المصنف" 2/ 208 (8188) كتاب: الصلوات، باب: في المسافر إن شاء صلى ركعتين وإن شاء أربعًا.
بشيء
(1)
. قَالَ الطحاوي: وذلك لأن الأعراب كانوا بأحكام الصلاة أجهل في زمن الشارع فلم يتم بهم لتلك العلة، ولم يكن عثمان ليخاف عليهم ما لم يخفه الشارع؛ لأنه بهم رءوف رحيم
(2)
.
قَالَ غيره: ألا ترى أن الجمعة لما كان فرضها ركعتين لم يعدل عنها، وكان يحضرها الغوغاء والوفود، وقد يجوزوا أن صلاة الجمعة في كل يوم ركعتان.
وأما ما ذكر عنه أنه أزمع على المقام بعد الحج فليس بشيء؛ لأن المهاجرين فرض عليهم ترك المقام بمكة، وهذا أسلفته. وصح عن عثمان أنه كان لا يودع النساء إلا على ظهر راحلته، ويسرع الخروج من مكة؛ خشية أن يرجع في هجرته التي هاجرها لله. وما ذكر عنه أنه اتخذ أهلًا بمكة، فالشارع كان في غزواته وحجه وأسفاره كلها يسافر بأهله بعد أن يقرع بينهن
(3)
، وكان أولى أن يتأول ذلك ويفعله، فلم يفعله وقصر. وكذا ما تأولوا في إتمام عائشة أنها كانت أم المؤمنين فحيث ما حلَّت فهو بيتها، وهذا في الضعف مثل الأول. ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم كان أبًا للمؤمنين، وهو أولى بهم من عائشة، ولم يتأول ذلك.
قَالَ ابن بطال
(4)
: والوجه الصحيح في ذلك -والله أعلم- أن عثمان وعائشة إنما أتما في السفر؛ لأنهما اعتقدا في قصره صلى الله عليه وسلم أنه لما خير بين القصر والإتمام اختار الأيسر من ذلك على أمته، وقد قالت عائشة: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن
(1)
"شرح ابن بطال" 3/ 71 - 72.
(2)
"شرح معاني الآثار" 1/ 426.
(3)
يشير المصنف رحمه الله إلى حديث عائشة الآتي برقم (2593)، ورواه مسلم (1463).
(4)
"شرح ابن بطال" 3/ 72 - 73.
إثمًا
(1)
، فأخذت هي وعثمان في أنفسهما بالشدة، وتركا الرخصة، إذ كان ذاك مباحًا لهما في حكم التخيير فيما أذن الله فيه. ويدل على ذلك إنكار ابن مسعود الإتمام على عثمان، ثم صلى خلفه وأتم، فكلم في ذلك، فقال: الخلاف شر
(2)
، وسلف ما فيه ووجهه.
فصل:
(وقول حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم آمَنَ مَا كَانَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ). يريد أنه قصر من غير خوف كما هو مذهب الجمهور، وكما هو ثابت في "صحيح مسلم" من حديث يعلى عن عمر
(3)
.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول في السفر: فأتموا.
فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين. فقالت: إنه كان في خوف، فهل تخافون أنتم؟
(4)
وحديث حارثة يرده.
وقوله: (فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكْعَتَانِ مُتَقَبلَتَانِ). يريد: إني صليت أربعًا وتكلفتها، فليتها تتقبل كما تتقبل الركعتان. هذا تأويل أبي عبد الملك. وقال الداودي نحوه، قَالَ: إنما خشي ابن مسعود أن لا تجزئ الأربع فاعلها، وفعلها مع عثمان كراهية الخلاف كما سبق، ومخبر بما في نفسه.
(1)
سيأتي برقم (3560) كتاب: المناقب، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم ورواه مسلم (2327).
(2)
رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 4/ 260 (6077) كتاب: الصلاة، باب: الإتمام في السفر.
(3)
"صحيح مسلم" برقم (686) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها.
(4)
رواه الطبري في "تفسيره" 4/ 246 (10322).
3 - باب كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ
؟
1085 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ البَرَّاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلاَّ مَنْ مَعَهُ الهَدْيُ. تَابَعَهُ عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ. [1564، 3832 - مسلم: 1240 - فتح: 2/ 565]
ذكر فيه عن أبي العالية- واسمه: زياد بن فيروز البرَّاء؛ لبريه النبل.
وقال ابن التين: لبريه القصب. وقيل: النبل- عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالحَجِّ، فَأمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ مَعَهُ الهَدْيُ. تَابَعَهُ عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ.
الشرح:
حديث ابن عباس هذا أخرجه مسلم
(1)
. وحديث عطاء -هو ابن أبي رباح- يأتي في الحج
(2)
-إن شاء الله- وهو حديث أنس السالف الذي فيه: عشرة أيام
(3)
. وقال في كتاب المغازي، باب: إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه. وذكر فيه عن عمر بن عبد العزيز أنه سأل السائب ابن أخت نمر: ما سمعت في سكنى مكة؟ قَالَ: سمعت العلاء بن الحضرمي، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاثة للمهاجر بعد الصدر"
(4)
.
وقال أحمد بن حنبل: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة صبح رابعة من ذي الحجة، فأقام الرابع والخامس والسادس والسابع، وهو في ذلك كله
(1)
"صحيح مسلم"(1240) كتاب: الحج، باب: جواز العمرة في أشهر الحج.
(2)
برقم (1651) باب: تقضي الحائض المناسك كلها.
(3)
سلف برقم (1081) كتاب: تقصير الصلاة، باب: ما جاء في التقصير.
(4)
سيأتي برقم (3933) كتاب: مناقب الأنصار، باب: إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه.
يقصر الصلاة، ثم خرج يوم التروية إلى منى، وهو الثامن، فلم يزل مسافرًا في المناسك إلى أن تم حجه. فجعل أحمد بن حنبل أربعة أيام يقصر فيها الصلاة إذا نوى إقامتها، وإن نوى أكثر من ذلك فهو حضر يتم فيه الصلاة. واستدل بحديث ابن عباس هذا
(1)
، وقد سلف ما فيه من المذاهب، وأقوال أصحابنا في باب: ما جاء في التقصير
(2)
.
وقال ابن أبي صفرة: هذا الحديث يدل على أنه من أقام عشرين صلاة يقصر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في الرابع الظهر والعصر إلى صبح الثامن ولم يتم، وهو حجة على ابن الماجشون، وسحنون في قولهما أنه من أقام عشرين صلاة أنه يتم
(3)
.
وذهب مالك، والشافعي، وأبو ثور إلى أنه من عزم على إقامة أربعة أيام بلياليها أنه يتم الصلاة ولا يقصر
(4)
.
وروي مثله عن عمر، وعثمان، وحجة هذِه المقالة حديث العلاء بن الحضرمي السالف، أنه جعل للمهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا ثم يصدر.
وذلك أن الله تعالى حرم على المهاجرين الإقامة بمكة، ولا تستوطن، ثم أباح الثلاث بعد قضاء النسك فتبين أن أيام مكثه هي سفر لا إقامة، إذ لو كان فوق الثلاث سفرًا لما منعهم من ذلك، فدل أنه إقامة ووجب أن تكون الثلاث فصل بين السفر والإقامة، ولا وجه لمن اعتبر مقامه صلى الله عليه وسلم من حين دخوله مكة إلى خروجه إلى منى، ولا إلى صدره إلى المدينة؛ لأن مكة ليست له بدار إقامة، ولا لأحد من المهاجرين؛
(1)
انظر: "المغني" 3/ 150.
(2)
يراجع شرح حديثي (1080 - 1081).
(3)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 430.
(4)
"المدونة" 1/ 116 - 117، "الأم" 1/ 164، "الأوسط" 4/ 357.
لأنه صلى الله عليه وسلم لم يزل مسافرًا منذ خرج من المدينة، وقصر بذي الحليفة إلى أن انصرف إلى المدينة، ولم ينو في شيء من ذلك إقامة.
وادعى ابن بطال أن أصح الأقوال في المسألة قول مالك، ومن وافقه، وبيان ذلك من حديث ابن عباس مع الحديث الذي جاء أن يوم عرفة كان يوم الجمعة، أن مقامه بمكة في حجته كانت عشرة أيام كما قَالَ أنس في حديثه. وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبح رابع ذي الحجة، وكان يوم الأحد، صلى الصبح بذي طوى، واستهل ذو الحجة ذلك العام ليلة الخميس، فأقام بمكة يوم الأحد إلى ليلة الخميس، ثم نهض ضحوة يوم الخميس إلى مني، فأقام بها باقي نهاره وليلة الجمعة، ثم نهض يوم الجمعة إلى عرفات، أي: بعد الزوال، وخطبته بنمرة بقرب عرفات، وبقي بها إلى الغروب، ثم أفاض ليلة السبت إلى المزدلفة فأقام بها إلى أن صلى الصبح، ثم أفاض بها قبل طلوع شمس يوم السبت، وهو يوم الأضحى والنفر إلى منى، فرمى جمرة العقبة ضحوة، ثم نهض إلى مكة ذلك اليوم فطاف بالبيت قبل الزوال، ثم رجع في يومه ذلك إلى منى، فأقام بها باقي يوم السبت، والأحد والاثنين والثلاثاء، ثم أفاض بعد ظهر الثلاثاء وهو آخر أيام التشريق إلى المحصب، فصلى به الظهر، وبات فيه ليلة الأربعاء، وفي تلك الليلة أعمر عائشة من التنعيم، ثم طاف طواف الوداع سحرًا قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء، وهو صبيحة رابع عشرة، فأقام عشرة أيام كما سلف من حديث أنس، ثم نهض إلى المدينة، وكان خروجه من المدينة إلى مكة يوم السبت لأربع بقين من ذي القعدة، وصلى الظهر بذي الحليفة، وأحرم بإثرها، وهذا كله مستنبط من قوله:(قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة من ذي الحجة)، ومن الحديث الذي جاء أن يوم عرفة كان يوم جمعة، وفيه
نزلت: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}
(1)
[المائدة: 3]. قلتُ: والدليل من القرآن اعتبار مقالة الشافعي ومن وافقه أن الله تعالى نقل المسافر من الصوم إلى الفطر في سفر يوم، فكذا القصر.
فصل: قوله: (فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً)، إنما كان ذلك خاصة لهم في ذلك العام عملًا بقوله: ألنا ولمن بعدنا؟ قَالَ: "بل لكم خاصة"
(2)
وهذِه المتعة التي كان عمر ينهى عنها ويضرب عليها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هي لكم خاصة". وتعلق قوم بإجازة ذلك ولم يبلغهم الخصوص.
(1)
"شرح ابن بطال" 3/ 76، 77.
(2)
رواه أبو داود (1808)، والنسائي في "المجتبى" 5/ 179 كتاب: مناسك الحج، باب: إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي، وفي "الكبرى" 2/ 367 (3790)، وابن ماجه (2984) كتاب: المناسك، باب: من قال: كان فسخ الحج لهم خاصة، وأحمد في "مسنده" 3/ 469، والدارمي في "سننه" 2/ 1177 (1897) من كتاب: المناسك، باب: في فسخ الحج، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" 2/ 342 (1111)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 194، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 77، والطبراني 1/ 370 (1138)، والدارقطني في "سننه" 2/ 241 (24)، والحاكم 3/ 517 كتاب: معرفة الصحابة، وابن حزم في "حجة الوداع" ص 362 (416)، والبيهقي في "السنن الكبرى" 5/ 41 كتاب: الحج، باب: من أحرم بنسك فأراد أن يفسخه، وابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 357، 23/ 362، وابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" 2/ 127 - 128 (1243)، والمزي في "تهذيب الكمال" 5/ 216.
قال ابن القيم في "زاد المعاد" 2/ 192: حديث لا يكتب اهـ وقال: قال عبد الله بن أحمد: فقلت لأبي: فحديث بلال بن الحارث في فسخ الحج، يعني: قوله: لنا خاصة قال: لا أقول به، لا يعرف هذا الرجل، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف، ليس حديث بلال بن الحارث عندي يثبت اهـ، وقال أيضًا في 2/ 193: فنحن نشهد بالله أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله وهو غلط عليه اهـ، وقال الألباني في "ضعيف أبي داود" 10/ 154 (315): إسناده ضعيف؛ الحارث بن بلال مجهول.
4 - باب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ؟ وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَلَيْلَةً
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَهْيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا.
1086 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". [1087 - مسلم: 1338 - فتح: 2/ 565]
1087 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". تَابَعَهُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [انظر: 1086 - مسلم: 1338 - فتح: 2/ 566]
1088 -
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ". تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ، عَنِ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. [مسلم: 1339 - فتح: 2/ 566]
ثم ساق بإسناده حديث ابن عمر: أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تُسَافِرِ المَرْأةُ ثَلَاَثةَ أيَّامٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ".
وعنه: "لَا تُسَافِرِ المَرْأةُ ثَلًاثا إِلَّا ومَعَها ذو مَحْرَمٍ"
ذكر الأول من حديث أبي أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر. والثاني عن يحيى -هو القطان- عن عبيد الله به- ثم قَالَ: تابعه أحمد عن ابن المبارك، عن عبيد الله به.
ثم ساق حديث: سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ". تابعه يحيى بن أبي كثير وسهيل ومالك، عن المقبري، عن أبي هريرة.
الشرح:
أما قوله: (وسمى النبي صلى الله عليه وسلم السفر يومًا وَلَيْلَة)، مراده ما أخرجه في الباب من حديث أبي هريرة:"أن تسافر مسيرة يوم وليلة" وأما أثر ابن عمر وابن عباس فرواهما البيهقي من حديث عطاء بن أبي رباح، أن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس كانا يصليان ركعتين، ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك. رواه من طريق الشافعي وابن بكير، عن مالك، عن نافع، عن سالم، أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيره ذلك. قَالَ مالك: وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد. ومن طريقيهما، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه أنه ركب إلى ريم فقصر الصلاة في مسيره ذلك. قَالَ مالك: وذلك نحو من أربعة برد
(1)
.
وذكره ابن حزم فقال: وعن معمر أخبرني أيوب عن نافع أن ابن عمر كان يقصر الصلاة في مسيرة أربعة برد. قَالَ: وهذا فيما اختلف فيه على ابن عمر
(2)
. وروى ابن أبي شيبة ثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن سالم أن ابن عمر خرج إلى أرض له بذات النصب فقصر، وهي ستة عشر فرسخًا
(3)
. وروى بإسناده إلى ابن بكير، ثنا مالك أنه بلغه أن ابن عباس
(1)
"سنن البيهقي الكبرى" 3/ 136 - 137.
(2)
"المحلى" 5/ 5.
(3)
"المصنف" 2/ 203 (8136). ورواه الشافعي كما في "المسند" 1/ 185 (528).
كان يقصر الصلاة فيما بين مكة والطائف، وفيما بين مكة وجُدَّة
(1)
، وفيما بين مكة وعسفان. قَالَ مالك: وذلك أربعة برد
(2)
. وروي أيضًا عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، وعطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة إلا في أدنى من أربعة برد، من مكة إلى عسفان"
(3)
. قَالَ البيهقي: وهذا حديث ضعيف، إسماعيل بن عياش لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة، والصحيح أن ذلك من قول ابن عباس
(4)
.
(1)
(جُدَّة) بلدة على ساحل بحر اليمن، بينها وبين مكة ثلاث ليال. انظر "معجم البلدان" 2/ 114.
(2)
انظر: "الموطأ" ص 110. ورواه البيهقي 3/ 137 من طريق ابن بكير عن مالك، به. وانظر: "الإرواء"(568).
(3)
حديث رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 11/ 96 - 97 (11162)، والدارقطني 1/ 387، والبيهقي 3/ 137 - 138، وابن الجوزي في "التحقيق" 1/ 493 (761) من هذا الطريق.
(4)
"سنن البيهقي" 3/ 138.
وضعفه أيضًا في "المعرفة" 4/ 249 ونقل عن أحمد قال: وقد روي حديث ابن عباس مرفوعًا، وليس بشيء.
وضعفه ابن الجوزي في "التحقيق". وعبد الحق في "أحكامه" 2/ 40. وقال النووي في "المجموع" 4/ 213، وفي "الخلاصة" 2/ 731 (2557): ضعيف جدًا، وصحح وقفه على ابن عباس.
وضعفه الحافظ ابن كثير -طيب الله ثراه- في "الإرشاد" 1/ 182. والمصنف رحمه الله في "البدر المنير" 4/ 542 - 543. وقال في "الخلاصة" 1/ 202: إسناده ضعيف، والصحيح أنه موقوف على ابن عباس.
وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 566، وفي "التلخيص" 2/ 46، وفي "تغليق التعليق" 2/ 416، وفي "بلوغ المرام" (465): إسناده ضعيف. =
وأما القاضي أبو الطيب من أصحابنا فعزاه إلى "صحيح ابن خزيمة"، وراجعت "صحيحه"، وهو عزيز الوجود، فلم أجد فيه
(1)
.
وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم وأبو داود أيضًا من حديث عبيد الله، عن نافع، عنه. ومن طريق الضحاك بن عثمان، عن نافع، عنه، ولفظه:"لا تسافر مسيرة ثلاث ليال"
(2)
.
وأخرجه الإسماعيلي من طريق أنس بن عياض، عن عبيد الله. وأخرجه ابن راهويه، عن أبي أسامة، عن عبيد الله، وأحمد الذي علق عنه البخاري: هو أحمد بن محمد بن موسى أبو العباس المروزي المعروف بمردويه، مات سنة خمس وثلاثين، كذا هو بخط الحافظ الدمياطي، وقال: روى له البخاري، والترمذي، والنسائي، ثم قَالَ: لا بأس به، ثم قَالَ: وقال الدارقطني: إنه أحمد بن محمد ابن ثابت ابن عثمان أبو الحسن المروزي المعروف بابن شبويه، مات بطرسوس،
= وكذا قال العظيم آبادي في تعليقه على "سنن الدارقطني" 1/ 387. وضعفه الألباني في "الإرواء" (565). فهذِه أقوال من ضعفه.
وأورده شيخ الإسلام -قدس الله روحه ونور قبره وطيب ثراه- في "مجموع الفتاوى" 24/ 39 وقال: هو من قول ابن عباس ورواية من رواه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم باطل لا شك عند أئمة أهل الحديث. اهـ بتصرف يسير.
وأورده في موضع آخر 24/ 127 وقال: وهذا ما يعلم أهل المعرفة بالحديث أنه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هو من كلام ابن عباس.
ونحا الألباني نحوه فأورده في "الضعيفة"(439). وقال: موضوع.
(1)
قلت: عزاه شيخ الإسلام، في "مجموع الفتاوى" 24/ 127 لابن خزيمة في كتابه "مختصر المختصر".
(2)
"صحيح مسلم"(1338) كتاب: الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، و"سنن أبي داود" (1727) كتاب: المناسك، باب: في المرأة تحج بغير محرم.
سنة ثلاثين ومائتين، روى عنه أبو داود
(1)
.
ونقل شيخنا قطب الدين في "شرحه" عن الحاكم أنه الأول. ولم يذكره الدارقطني أنه في البخاري، ثم ذكر الثاني عن الدارقطني كما ذكره سواء. ولم يذكر الحاكم، وابن طاهر أنه في البخاري. وذكر أبو الوليد الباجي في "رجال البخاري" ما نصه: وقال ابن عدي: أحمد ابن محمد يروي عن عبد الله، عن معمر، لا يعرف
(2)
.
وذكر الدارقطني حديث نافع عن ابن عمر هذا فقال: يرويه عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا.
وقال يحيى القطان: ما أنكرت على عبيد الله بن عمر إلا حديثًا واحدًا، هذا الحديث. قَالَ: ورواه عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا. وخالفه إبراهيم الصائغ فرواه عن ابن عمر مرفوعًا، وزاد ألفاظًا لم يأتِ بها غيره.
قلتُ: عبيد الله أجل من يحيى بكثير، وقد روى عنه هذا الحديث كما أخرجه البخاري وغيره. ورواه ابن أبي شيبة في "مسنده" عن ابن نمير، وأبي أسامة، عن عبد الله، عن نافع به
(3)
.
وأما حديث أبي هريرة، والمتابعة في آخره، فكذا هو ثابت في أكثر نسخ البخاري، وفي بعضها عن المقبري بدون أبي هريرة. وقال أبو نعيم في "مستخرجه" أنه في البخاري بإثباته، وهو حديث مختلف في إسناده،
(1)
انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 433 (94).
(2)
نص كلام ابن عدي في كتابه "أسامي من روى عنهم البخاري في جامعه الصحيح" ص 86 (22). ط. دار البشائر الإسلامية.
(3)
انظر "مصنف ابن أبي شيبة" 3/ 367 (15169) كتاب: الحج، في المرأة تخرج مع ذي محرم.
فقيل: عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، وقيل بإسقاط أبيه كما أخرجه ابن ماجه
(1)
، وقيل بإسقاط أبي هريرة.
وأما متابعة يحيى بن أبي كثير، فذكر أبو مسعود وخلف في أطرافهما، وأبو نعيم في "مستخرجه" أن البخاري أخرجها عن سعيد، عن أبي هريرة. وذكر الحميدي فيها وسهيل ومالك بزيادة أبيه. ورواه سفيان، عن يحيى بإثبات أبيه، وذكره البيهقي
(2)
.
وأما متابعة مالك فوقع فيها كما وقع في متابعة يحيى، ورواه جماعة "الموطأ" عن مالك بإسقاط أبيه
(3)
. وكان سعيد -فيما يقولون- قد سمع من أبي هريرة، وسمع من أبيه، عن أبي هريرة، كذا قَالَ ابن معين وغيره، فجعلها كلها أحيانًا عن أبي هريرة، وروي عن مالك بإثباته، وكذا أخرجه أبو داود، والترمذي
(4)
.
وقد روى عن مالك الوليد بن مسلم مثل رواية بشر، أخرجها الإسماعيلي. وأما متابعة سهيل فوقع فيها كما سلف في المتابعتين السالفتين. وقد أخرجه أبو داود والبيهقي من طريقه، عن سعيد، عن أبي هريرة. ولفظه:"لا تسافر امرأة بريدًا إلا مع ذي محرم"
(5)
.
(1)
"سنن ابن ماجه"(2899) كتاب: المناسك، باب: المرأة تحج بغير ولي.
(2)
"السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 139 (5409) كتاب: الصلاة، باب: حجة من قال: لا تقصر الصلاة في أقل من ثلاثة أيام.
(3)
"الموطأ" ص 605.
(4)
"سنن أبي داود"(1724) كتاب: المناسك، باب: المرأة تحج بغير محرم، و"سنن الترمذي" (1170) كتاب: الرضاع، باب: ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها.
(5)
"سنن أبي داود"(1725) كتاب: المناسك، باب: في المرأة تحج بغير محرم، "السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 139 كتاب: الصلاة، باب: حجة من قال: لا تقصر الصلاة في أقل من ثلاثة أيام.
قَالَ ابن عبد البر: وحديث سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة مضطرب
إسنادًا ومتنًا
(1)
. وفي رواية: "مسيرة ليلة" ذكرها ابن عبد البر
(2)
.
واستدرك الدارقطني على الشيخين إخراجه عن ابن أبي ذئب، وعلى مسلم إخراجه عن الليث
(3)
. وقال: الصواب: عن سعيد، عن أبي هريرة بإسقاط ذكر أبيه، واحتج بأن مالكًا، ويحيى، وسهيلًا أسقطوه.
قَالَ: والصحيح من حديث مسلم إسقاطه؛ وكذا ذكره ابن مسعود كما سلف، وكذا رواه معظم رواة "الموطأ" عن مالك.
قَالَ الدارقطني: ورواه الزهراني والفروي عن مالك فقالا: عن سعيد، عن أبيه.
وذكر النووي عن خلف في "أطرافه" أن مسلمًا رواه بإثبات أبيه
(4)
، وكذا رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح من طريق بشر بن عمر، عن مالك، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة
(5)
. ورواه أبو داود في الحج عن القعنبي، والنفيلي عن مالك، وجرير، كلاهما عن سهيل بإسقاط
(6)
. فحصل اختلاف ظاهر بين الحفاظ في ذكر أبيه. فلعله سمع من أبيه عن أبي هريرة، ثم سمعه من أبي هريرة نفسه، فرواه تارة كذا، وتارة كذا، وسماعه من أبي هريرة صحيح.
وقد روى هذا الحديث أيضًا أبو سعيد الخدري، وابن عباس، وعمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أخرج الأول الشيخان ففي
(1)
"التمهيد"21/ 55.
(2)
"التمهيد" 21/ 55.
(3)
"الإلزامات والتتبع" ص 134.
(4)
"صحيح مسلم بشرح النووي" 9/ 108.
(5)
سبق تخريجه.
(6)
"سنن أبي داود"(1724 - 1725) المرأة تحج بغير محرم.
لفظ: "لا تسافر المرأة يومين"
(1)
وفي لفظ: "ثلًاثا"
(2)
وفي لفظ: "فوق ثلاث"
(3)
وفي لفظ: "أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا"
(4)
. وأخرج الثاني الشيخان أيضًا بإطلاق السفر
(5)
.
وأخرج الثالث ابن عبد البر، وقال مثله مقطوعًا على حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:"أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام"
(6)
.
إذا تقرر ذلك، فالكلام على ما في الباب من أوجه:
أحدها:
أربعة برد: ستة عشر فرسخًا. قَالَ صاحب "المطالع": البريد: أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميال، زاد ابن الأثير في "غريبه": والميل: أربعة آلاف ذراع
(7)
، وذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب، والميل من الأرض: منتهى مد البصر؛ لأن البصر يميل فيه على وجه الأرض حَتَّى يفنى إدراكه. وفيه سبعة مذاهب:
(1)
سيأتي برقم (1197) كتاب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب: مسجد بيت المقدس.
(2)
"صحيح مسلم"(827/ 417) كتاب: الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره.
(3)
"صحيح مسلم"(827/ 418).
(4)
"صحيح مسلم"(1340/ 423) كتاب: الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره.
(5)
سيأتي برقم (1862) كتاب: جزاء الصيد، باب: حج النساء، وهو في "صحيح مسلم" (1341/ 424) كتاب: الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى غيره.
(6)
"التمهيد" 21/ 54.
(7)
"النهاية في غريب الحديث" 1/ 116.
أحدها: قاله صاحب "التنبيهات": هو عشر غلا، والغلوة: طلق الفرس وهو مائتا ذراع، فيكون الميل ألفي ذراع. وذكر في "المعرب" أن الغلوة ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة. وقال ابن الأثير: الغلوة قدر رمية سهم
(1)
.
الثاني: قال أبو عمر: أصح ما فيه أنه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة.
الثالث: ثلاثة آلاف ذراع، نقله صاحب "البيان".
الرابع: أربعة آلاف.
الخامس: مد البصر، ذكره الجوهري
(2)
.
السادس: ألف خطوة بخطوة الجمل.
السابع: أن ينظر إلى الشخص فلا يعلم أهو آت أو ذاهب، رجل أو امرأة.
وذكر ابن قدامة عن الأثرم: قيل لأبي عبد الله: في كم يقصر؟ قَالَ: في أربعة برد. قيل له: مسيرة يوم تام؟ قَالَ: أربعة برد ستة عشر فرسخًا، مسيرة يومين، والفرسخ: ثلاثة أميال، والميل -كما قَالَ القاضي- اثنا عشر ألف قدم. وذلك يومان
(3)
.
الثاني:
ظاهر الأحاديث الواردة في الباب حرمة ما يسمى سفرًا للمرأة، إلا مع زوج أو محرم، وفي معنى ذلك النسوة الثقات؛ وكذا الواحدة في الجواز على الأصح
(4)
. فالمحرم إذن شرط في وجوب الحج
(1)
"النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/ 383.
(2)
"الصحاح" 5/ 1823.
(3)
"المغني" 3/ 105.
(4)
ورد بهامش الأصل: لم يقل الشافعية بجواز النسوة الثقات ولا الواحدة إلا في حج الفرض.
عليها، وبه قَالَ النخعي، والحسن
(1)
. وهو مذهب أبي حنيفة، وأصحاب الرأي، وفقهاء أصحاب الحديث وأجلهم الشافعي
(2)
.
وذهب عطاء، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، والأوزاعي، ومالك، وعزي إلى الشافعي أيضًا إلى أن ذلك ليس بشرط
(3)
، وروي مثله عن عائشة
(4)
.
وقال القرطبي: ظاهر قول مالك على اختلاف في تأويل قوله: تخرج مع رجال أو نساء، هل بمجموع ذلك، أو في جماعة من أحد الجنسين؟ وأكثر ما نقله عنه أصحابنا من اشتراط النساء.
وسبب هذا الاختلاف مخالفة ظاهر هذِه الأحاديث لظاهر السبيل في الآية
(5)
.
(1)
روى ابن أبي شيبة 3/ 366 (15161، 15163) عن هشيم، عن يونس، عن الحسن قال: لا تحج المرأة إلا مع ذي مَحْرم، وقال: نا جرير، عن ليث، عن يحيى بن عباد أبي هبيرة قال: كتبت امرأة من أهل الري إلى إبراهيم أنها موسرة وليس لها بعل ولا محرم ولم تحج قط، فكتب إليها إبراهيم: إن هذا من السبيل الذي قال الله وليس لك محرم، فلا تحجي إلا مع بعل أو محرم.
(2)
"المجموع" 7/ 69، "مختصر الطحاوي" ص 59، "الهداية" 1/ 146.
(3)
روى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه قال: تخرج في رفقة فيها رجال ونساء، وتتخذ سلما تصعد عليه، ولا يقربها الكاري "المصنف" 3/ 366 (15162).
وقال مالك في الصرورة -تقال لمن لم تتزوج- التي لم تحج قط من النساء: إن لم يكن معها ذو محرم يخرج معها، أو كان فلم يستطع أن يخرج معها: أنها لا تدع فريضة الله عليها في الحج، وأنها تخرج مع جماعة من النساء. "الموطأ" ص 274.
وانظر: "عيون المجالس" 2/ 774، "روضة الطالبين" 3/ 9.
(4)
روى ابن أبي شيبة عن الزهري قال: ذكر عند عائشة: المرأة لا تسافر إلا مع محرم فقالت عائشة: ليس كل النساء تجد محرمًا "المصنف" 3/ 367 (15171).
(5)
"المفهم" 5/ 1823.
وأجمعت الأمة على أن المرأة يلزمها حجة الإسلام بهذِه الآية وبقوله: "بني الإسلام على خمس"
(1)
وعدّ منها الحج، فتعارضت مع الأحاديث الواردة في الباب: لا تسافر إلا مع كذا.
واختلف العلماء في تأويل ذلك، فجمع أبو حنيفة ومن قَالَ بقوله بينهما، بأن جعل الحديث مبينًا للاستطاعة في حق المرأة.
ورأي مالك ومن قَالَ بقوله أن الاستطاعة سنة بنفسها في حق الرجال والنساء، وأن الأحاديث المذكورة في هذا لم تتعرض للأسفار الواجبة، وقد خرجت المؤمنات مهاجرات ليس معهن محرم، وفيهن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اشترط مالك خروجها للحج في جماعة الناس المرافقين بألفة الدين في سفر الطاعة لله، واستشعارهم الخشية له، ولذلك سن صلى الله عليه وسلم بأمير أو سلطان محافظ وإمام معلم يحفظ الضيعة، ويضم الفاذة، ويرد الشاردة، ولا ينفرد أحد عن الجماعة، ولا تتفق الأعين كلها على الغفلة، ولا يجمع على النوم في وقت واحد. فلابد من وجود المراقبة على الجماعة، فضعف الخوف بحضور الكثرة. واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة، إلا مع ذي محرم، إلا لهجرة من دار الحرب، فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها بغير محرم، والفرق لائح، وهو أنها تخشى على نفسها ودينها من الإقامة، بخلاف تأخير الحج مع أنه هل هو على الفور، أو على التراخي؟ وخص الباجي الحديث بالشابة، ورد عليه بأن المرأة مظنة الطمع، ولكل ساقطة لاقطة.
(1)
سلف برقم (8) كتاب: الإيمان، باب:{دُعَاؤُكُمْ} إيمانكم.
الثالث:
قوله: "ثَلَاَثةَ أيَّامٍ"، وفي الرواية الأخرى:("يوم وليلة")، وفي أخرى:"فوق ثلاث"، وفي أخرى:"ثلاث ليال"، وفي أخرى "يومين"، وفي أخرى:"يوم"، وفي أخرى:"ليلة"، وفي أخرى: إطلاق السفر، وفي أخرى لأبي داود:"بريدًا"
(1)
، والبريد: نصف يوم. وهذِه الألفاظ؛ لاختلاف السائلين والمواطن، وليس في النهي عن الليلة تصريح بإباحة اليوم أو الليلة أو البريد، فأدى كل ما سمع وما جاء منها مختلفًا من راوٍ واحد، فسمعه في مواطن، فروى تارة هذا، وتارة هذا، وكله صحيح، وليس فيه تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر. ولم يرد صلى الله عليه وسلم تحديدًا، بل ما يسمى سفرًا، ولا تعارض، ولا نسخ، خلافًا لقول الداودي: أحدهما ناسخ للآخر، ولا يعلمه بعينه فأخذ الأحوط؛ لأن الأصل أن لا تسافر المرأة أصلًا، ولا تخلو مع غير ذي محرم، خوف الخشية على ناقصات العقل والدين.
وحديث أمر فاطمة أن تعتد عند ابن أم مكتوم
(2)
مخصوص بمن علم صلاحه، كذا قاله ابن التين. وقيل في الجمع بأن اليوم المذكور مفرد، والليلة المفردة بمعنى: اليوم والليلة المجموعين. فاليوم إشارة إلى مدة الذهاب، واليوم والليلة إشارة إلى مدة الذهاب والرجوع، والثلاثة إشارة إلى مدة الذهاب والرجوع واليوم الذي يقضى فيه الحاجة.
وقيل قد يكون هذا كله تمثيلًا لأقل الأعداد، فاليوم الواحد أول
(1)
سلف تخريج هذِه الروايات جميعها آنفًا.
(2)
قصة فاطمة بنت قيس وتطليقها من زوجها وأمره صلى الله عليه وسلم إياها بأن تنتقل إلى ابن أم مكتوم رواها مسلم في "صحيحه"(1480) كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.
العدد وأقله، والاثنان أول التكثير وأقله، والثلاث أقل الجمع.
الرابع:
جميع المحارم سواء النسب والسبب كالرضاع والمصاهرة، وكره مالك سفرها مع ابن زوجها؛ لفساد الناس بعد العصر الأول؛ ولأن كثيرًا من الناس لا ينفرون من زوجة الأب نفرتهم من محارم النسب، والزوج أولى من المحرم؛ لاطلاعه على ما لا يطلع عليه، وعدم ذكره في بعض الروايات خطاب لمن لا زوج لها.
وقال أبو حنيفة: لا تخرج إلا مع ذي محرم، إلا أن يكون بينها وبين مكة أقل من ثلاثة أيام
(1)
.
الخامس:
قوله: ("تُؤْمِنُ بالله وَاليَوْمِ الأخِرِ") هو في موضع خبر؛ لأنه صفة امرأة، تقديره: لامرأة مؤمنة بالله.
وفيه: تعريض أنها إذا سافرت بغير محرم تخالف شرط الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن التعرض إلى وصفها بذلك إشارة إلى التزام الوقوف عند ما نهيت عنه، وأن الإيمان بالله واليوم الآخر يقضي لها ذلك.
وقوله: ("أَنْ تُسَافِرَ") هو في موضع رفع؛ لأنه فاعل، التقدير: لا يحل لها السفر، والهاء في "مسيرة يوم" للمرة الواحدة، التقدير: أن تسافر مرة واحدة سفرة واحدة؛ بخصوصية يوم وليلة
(2)
.
(1)
"مختصر اختلاف العلماء" 2/ 58.
(2)
ورد بهامش الأصل: آخر الجزء 8 من 4 من تجزئة المصنف.
5 - باب يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ
وَخَرَجَ عَلِيٌّ فَقَصَرَ وَهْوَ يَرَى البُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الكُوفَةُ. قَالَ: لَا، حَتَّى نَدْخُلَهَا. 1089 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. [1546، 1547، 1551، 1712، 1714، 1715، 2951، 2986 - مسلم: 690 - فتح: 2/ 569]
1090 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ: الصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الحَضَرِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ. [انظر: 350 - مسلم: 685 - فتح: 2/ 569]
ثم ذكر فيه حديث أنس: صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ.
وحديث عائشة: الصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الحَضَرِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ.
الشرح:
أما أثر علي فأخرجه البيهقي من حديث علي بن ربيعة، قَالَ: خرجنا مع علي فقصر ونحن نرى البيوت، ثم رجعنا فقصرنا ونحن نرى البيوت، فقلنا له، فقال علي: نقصر حَتَّى ندخلها
(1)
.
(1)
"السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 146 (5449) كتاب: الصلاة، باب: لا يقصر الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية.
وأخرجه ابن المغلس في "موضحه" أيضًا. ورواه البيهقي مرة بلفظ: عن علي بن ربيعة قَالَ: خرجنا مع علي متوجهين ها هنا، وأشار بيده إلى الشام، يصلي ركعتين ركعتين، حَتَّى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة حضرت الصلاة، فقال: أيا أمير المؤمنين هذِه الكوفة، نتم الصلاة؟ قَالَ: لا، حَتَّى ندخلها
(1)
.
وحديث أنس أخرجه مسلم أيضًا، وأبو داود، والنسائي، والترمذي وقال: صحيح
(2)
، ويأتي في الحج مكررًا إن شاء الله
(3)
.
وحديث عائشة أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي أيضًا
(4)
.
وسفيان المذكور في إسناده هو ابن عيينة كما صرح به الطرقي.
ورواه البخاري أيضًا في علامات النبوة، من حديث يزيد، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعًا، وتركت صلاة السفر على الأولى. تابعه عبد الرزاق عن معمر
(5)
.
وروى ابن أبي نجيح من حديث سماك، عن عون بن أبي جحيفة،
(1)
السابق 3/ 146 (5448).
(2)
"صحيح مسلم"(690) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها، و"سنن أبي داود" (1202) كتاب: صلاة السفر، باب: متى يقصر المسافر؟، و"سنن الترمذي" (546) أبواب: الصلاة، باب: ما جاء في التقصير في السفر، و"سنن النسائي" 1/ 235 كتاب: الصلاة، باب: عدد صلاة الظهر في الحضر.
(3)
برقم (1546 - 1547) باب: من بات بذي الحليفة حتى أصبح، و (1548) باب: رفع الصوت بالإهلال، و (1551) باب: التحميد والتسبيح والتكبير.
(4)
"صحيح مسلم"(685) كتاب: صلاة المسافرين باب: صلاة المسافر وقصرها، و"سنن النسائي" 1/ 225 - 226 كتاب: الصلاة، باب: كيف فرضت الصلاة؟.
(5)
برقم (3935) كتاب: مناقب الأنصار، باب: التاريخ، من أين أرخوا التاريخ؟
عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمكة سجدتين.
ورواه عن سفيان أيضًا محمد بن عباد، وفي روايته بعد عثمان: وإني اتخذت أهلًا ومالًا.
قَالَ ابن عبد البر: وكل من رواه قَالَ فيه -عن عائشة-: فرضت الصلاة، ولا يقول فرض الله، ولا فرض رسوله، إلا ما حدَّث به أبو إسحاق الحربي بإسناده إليها: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيره يقول: فرضت الصلاة
(1)
.
قلتُ: قد سلف في رواية البخاري في أول كتاب الصلاة بلفظ: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر
(2)
، وسيأتي في باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه، كما ستعلمه إن شاء الله
(3)
.
إذا تقرر ذلك، فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
ذو الحليفة بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، وذكر ابن حزم أربعة
(4)
. وقوله: الظهر بالمدينة أربعًا، وبذي الحليفة ركعتين، كذا هو هنا، وكذا رواه أبو نعيم عن سفيان، وكذا أبو نعيم والبيهقي
(5)
.
قَالَ ابن حزم: والمراد بركعتين هي العصر، كما جاء مبينًا في رواية
(1)
"التمهيد" 16/ 293.
(2)
برقم (350) باب: كيف فرضت الصلاة في الإسراء.
(3)
برقم (3935) كتاب: مناقب الأنصار، باب: التاريخ، من أين أرخوا التاريخ؟.
(4)
"المحلى" 7/ 70، وانظر:"معجم ما استعجم" 2/ 464، "معجم البلدان" 2/ 295.
(5)
"السنن الكبرى" للبيهقي 5/ 10 (8832) كتاب: الحج، باب: من اختار القرآن وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا.
أخرى. قَالَ ابن حزم: وذلك من يومه.
قَالَ: وكان ذلك يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة. وابن سعد يقول: يوم السبت لخمس ليال بقين من ذي القعدة
(1)
. وفي "صحيح مسلم": لخمس بقين من ذي القعدة، وذلك سنة عشر؛ للحج
(2)
.
الثاني:
أورد الشافعي هذا الحديث مستدلًا على أن من أراد سفرًا وصلى قبل خروجه فإنه يتم كما فعل الشارع في الظهر بالمدينة، وقد نوى السفر ثم صلى العصر بذي الحليفة ركعتين
(3)
.
والحاصل أن من نوى السفر فلا يقصر حَتَّى يفارق سور تلك البلدة إن كان لها، فإن كان وراءه عمارة لم يشترط مجاوزتها في الأصح، وقيل بالاشتراط
(4)
، وبه قَالَ أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، وإسحاق
(5)
. وعن قتادة: إذا فارق الجسر والخندق قصر
(6)
. وعن الحارث بن أبي ربيعة أنه إذا أراد سفرًا صلى بهم ركعتين في منزله، فيهم الأسود بن يزيد، وغير واحد من أصحاب ابن مسعود
(7)
.
(1)
"الطبقات الكبرى" 2/ 173.
(2)
"صحيح مسلم"(1211/ 125) كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام.
(3)
"الأم" 1/ 180.
(4)
ورد بهامش الأصل ما نصه: هذا على ما صححه النووي، فأما الرافعي فصحح الاشتراط في "المحرر" وذكر ما يخالفه في "الشرح الصغير"، ولفظه: لا يشترط مجاوزة ذلك على ما نقله كثير من الأئمة، وفي كلام بعضهم ما يدل على اشتراطه، قال الأسنوي: وبالجملة فالفتوى على عدم الاشتراط؛ لذهاب الجمهور إليه كما تقدم.
(5)
انظر: "الأصل" 1/ 366، "المدونة" 1/ 112، "الأوسط" 4/ 353، "المغني" 3/ 111.
(6)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 2/ 531 (4327).
(7)
أورده ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 353.
وعن عطاء: إذا حضرت الصلاة ولم يخرج من بيوت القرية، فإن شاء قصر، وإن شاء أتم
(1)
.
وعن مجاهد: إذا خرج نهارًا فلا يقصر إلى الليل، وإن خرج ليلًا فلا يقصر إلى النهار
(2)
.
ورواية عن مالك أنه لا يقصر حَتَّى يجاوز ثلاثة أميال.
وفي "مبسوط" الحنفية: يقصر حين يخلف عمران العصر
(3)
.
ويقول عطاء بقول سليمان بن موسى في إباحة القصر في البلد لمن يرى السفر
(4)
.
وقام الإجماع على أن المسافر لا يقصر الصلاة حَتَّى يبرز عن بيوت القرية التي يخرج منها
(5)
، واختلفت الرواية عن مالك في صفة ذلك، ففي "المدونة" وكتاب ابن عبد الحكم عنه -وهو كما قَالَ ابن التين-: لا يقصر حَتَّى يبرز من بيوت القرية، ثم لا يزال يقصر حَتَّى يدنو منها راجعًا كقول الجماعة
(6)
.
وروى ابن وهب عنه: لا أرى أن يقصر من حد ما تجب فيه الجمعة، وذلك ثلاثة أميال، وعنه أنه استحب ذلك؛ لأن ثلاثة أميال مع المصر كقرار واحد، وإذا رجع قصر إلى حده ذلك. وإن كانت قرية لا يجمعون أهلها قصر إذا جاوز بيوتها المنفصلة. وفي
(1)
رواه عبد الرزاق 2/ 531 (4329).
(2)
أورده ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 354.
(3)
"المبسوط" 1/ 236.
(4)
أثر سليمان بن موسى رواه عبد الرزاق 2/ 531 - 532 (4330).
(5)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر ص 47.
(6)
"المدونة الكبرى" 1/ 112.
"المجموعة" عن مالك في البحر: إذا جاوز البيوت ورفع
(1)
.
واختار قوم من السلف: تقصر الصلاة قبل الخروج من بيوت القرية.
قَالَ ابن المنذر: روينا عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرًا فصلى بهم ركعتين في منزله، وفيهم الأسود بن يزيد، وغير واحد من أصحاب عبد الله. وروينا معنى هذا القول عن عطاء، وسليمان بن موسى. وشذ مجاهد فقال: إذا خرجت مسافرًا فلا تقصر لو مكثت حَتَّى الليل، وإذا خرجت ليلًا فحتى تصبح
(2)
.
ولا أعلم أحدًا وافقه عليه، وهو مردود بالضرب في الأرض
(3)
، وبفعله صلى الله عليه وسلم حين أتم الظهر بالمدينة، وقصر العصر بذي الحليفة
(4)
، وإنما قصر إذا خرج من بيوت القرية، لا قبل ذلك؛ لأن السفر يحتاج إلى عمل ونية، وليس كالإقامة التي تصح بالنية دون العمل.
ولا شك أن المشقة حاصلة من ابتداء السفر إلى حين رجوعه، وسبب القصر في حديث أنس توجهه صلى الله عليه وسلم إلى مكة كما ذكره البخاري في بعض طرقه
(5)
، لا أنه كان سفره إلى ذي الحليفة فقط، وبين المدينة وذي الحليفة من ستة أميال إلى سبعة. فلا حجة لمن أجاز القصر في قليل السفر، ولمن خرج إلى بستانه؛ لأن الحجة في السنة لا فيما خالفها، وإنما لم يترك عليّ القصر وهو يرى الكوفة حَتَّى يدخلها؛ لأنه كان حكمه حكم المسافر في ذلك الوقت. فلو أراد أن
(1)
"النوادر والزيادات" 1/ 420.
(2)
"الأوسط" 4/ 353 - 354.
(3)
يومئ المصنف رحمه الله إلى آية [النساء: 101]{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} .
(4)
هو حديث أنس في الباب.
(5)
سيأتي برقم (1714) كتاب: الحج، باب: نحر البدن قائمة.
يصلي حينئذٍ لصلى صلاة سفر، وكان له تأخير الصلاة إلى الكوفة إذا كان في سعة من الوقت، فيصليها صلاة حضر، فاختار ذلك؛ أخذًا بالأفضل واحتياطًا للإتمام حين طمع به وأمكنه.
الثالث:
حديث عائشة أسلفنا الكلام عليه في أول الصلاة
(1)
، كما أسلفنا الإشارة إليه.
قَالَ الدولابي فيما نقله ابن التين: قدم الشارع المدينة وهو يصلي ركعتين، ثم نزل إتمام صلاة المقيم في الظهر يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر، بعد مقدمه بشهر، وأقرت صلاة المسافر.
وقَالَ أبو محمد: فرضت الصلاة خمسًا بمكة ليلة الإثنين، وأتمت بالمدينة.
وقال الأصيلي: أول ما فرضت الصلاة أربعًا في الظهر والعصر على هيئتها اليوم. وأنكر على من قَالَ: كانت ركعتين ثم أتمت بالمدينة، وقال: لا يقبل في هذا خبر الآحاد، وأنكر حديث عائشة.
وقال ابن عبد البر: حديث عائشة صحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحة إسناده، إلا أن الأوزاعي قَالَ فيه: عن الزهري، عن عروة، عنها، وهشام بن عروة، عن عروة، عنها، ولم يروه مالك عن الزهري، ولا عن هشام. إلا أن شيخًا يسمى محمد بن يحيى بن عباد بن هانئ، رواه عن مالك، وابن أخي الزهري جميعًا، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وهذا لا يصح عن مالك، والصحيح
(1)
راجع شرح حديث (350).
في إسناده عن مالك ما في "الموطأ"
(1)
، وطرقه عن عائشة متواترة، وهو عنها صحيح ليس في إسناده مقال، إلا أن أهل العلم اختلفوا في معناه، فذهب جماعة منهم إلى ظاهره، وعمومه، وما يوجبه لفظه، فأوجبوا القصر في السفر فرضًا في كل رباعية.
وأما الصبح والمغرب فلا يقصران إجماعًا
(2)
، وإن حكي أن الصبح يقصر في الخوف إلى ركعة فهو شاذ
(3)
. وهذا يدل على أن قول عائشة ظاهره العموم، والمراد به الخصوص، ألا ترى خروج المغرب والصبح من ذلك، وهذا الحديث واضح في الفريضة، ألا ترى أن المصلي في الحضر لا تجوز الزيادة في صلاته بالإجماع، وكذا المسافر. وممن ذهب إلى هذا عمر بن عبد العزيز -إن صح عنه - وحماد بن أبي سليمان، وهو قول أبي حنيفة، وأصحابه، وقول بعض أصحاب مالك، وقد روي عن مالك أيضًا، وهو المشهور عنه أنه قَالَ: من أتم في السفر أعاد في الوقت
(4)
، واستدلوا بحديث عمر بن الخطاب قَالَ: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم
(5)
. رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي بإسناد صحيح
(6)
، وعن ابن عمر
(1)
"الموطأ" ص 101.
(2)
انظر: "الإجماع" لابن المنذر ص 46.
(3)
ورد بهامش الأصل ما نصه: قال به جماعة من الصحابة والتابعين، ومحمد بن نصر المروزي الشافعي، وفيه حديث في "صحيح مسلم"، وأما المغرب فيقال: إن ابن دحية ذكر في قصرها حديثًا.
(4)
انظر: "المبسوط" 1/ 239، "بدائع الصنائع" 1/ 91، "الذخيرة" 2/ 369، "المدونة الكبرى" 1/ 115.
(5)
"التمهيد" 16/ 293 - 295.
(6)
"مسند أحمد" 1/ 3، "سنن النسائي" 3/ 111، 118، 183، "سنن ابن ماجه"(1063)، "سنن البيهقي" 3/ 199 - 200 من طريق زبيد الإيامي عن عبد الرحمن =
قَالَ: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد على ركعتين في السفر، وأبا بكر، وعمر، وعثمان. أخرجاه
(1)
.
وعن ابن عباس: إن الله فرض الصلاة على نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة. أخرجه مسلم
(2)
.
وممن قَالَ بفرض القصر المتعين: عمر، وعلي، وابن مسعود، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، والثوري، وعن عمر بن عبد العزيز: الصلاة في السفر ركعتان لا يصلح غيرهما
(3)
.
وقال الأوزاعي: إن قام إلى الثالثة وصلاها فإنه يلغيها، ويسجد للسهو
(4)
.
وقال الحسن بن حي: إذا صلى أربعًا متعمدًا أعادها إن كان ذلك منه الشيء اليسير، فإن طال ذلك منه وكثر في سفره
= ابن أبي ليلى، عن عمر وصححه ابن حبان 7/ 22 - 23 (2783)، وحسنه النووي في "المجموع" 4/ 402، 5/ 21، وصححه شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوي" 22/ 542، 24/ 20، والألباني في "الإرواء"(638).
ورواه ابن ماجه (1064)، والبيهقي 3/ 199 من طريق زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن عمر. فزيد في هذا الإسناد كعب بن عجرة.
وبنحوه صححه ابن خزيمة 2/ 340 (1425). وقال النووي في "المجموع" 4/ 223: إسناد صحيح.
(1)
سيأتي برقم (1102) كتاب: تقصير الصلاة، باب: من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها، ورواه مسلم (689) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها.
(2)
"صحيح مسلم"(687) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها.
(3)
أورده ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 334.
(4)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 177.
لم يعد
(1)
. وعن الحسن البصري في متعمد الأربع: بئس ما صنع، وقضيت عنه، ثم قَالَ للسائل: لا أبالك. أترى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تركوها؛ لأنها تغلب عليهم
(2)
؟!
وقال الأثرم: قلتُ لأحمد: للرجل أن يصلي أربعًا في السفر؟ قَالَ: ما يعجبني.
وقال البغوي: إنه قول أكثر العلماء
(3)
.
وقال الخطابي: الأولى القصر؛ ليخرج من الخلاف
(4)
.
وقال الترمذي: العمل على ما فعله الشارع، وأبو بكر، وعمر، وهو القصر
(5)
.
وهو قول محمد بن سحنون، وأجازه القاضي إسماعيل المالكي، وهو رواية عن مالك، وأحمد، حكاه عنهما ابن المنذر
(6)
. وفي "الذخيرة" رواية أشهب أن القصر فرض
(7)
. وقال ابن المواز: لو افتتح على ركعتين فأتمها أربعًا تعمدًا أعاد أبدًا، وإن كان سهوًا سجد للسهو وأجزأه.
وقال سحنون: بل يعيد أبدًا؛ لكثرة السهو
(8)
.
(1)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 177.
(2)
أورده ابن المنذر في "الأوسط" 4/ 335، وابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 177.
(3)
"التهذيب" 2/ 297.
(4)
"معالم السنن" 1/ 225.
(5)
"سنن الترمذي" 2/ 430.
(6)
"الأوسط" 4/ 334.
(7)
"الذخيرة" 2/ 368.
(8)
"المدونة"115.
وقيل: إن القصر والإتمام جائزان. والأفضل القصر إذا بلغ سفره ثلاث مراحل. وبه قَالَ الشافعي، وهو قول سعد بن أبي وقاص.
وقيل: إن القصر والإتمام فرض غير فيه كالخيار في واجب خصال الكفارة.
وقيل: إن القصر سنة. وهو قول مالك في أشهر الروايات عنه، كما ذكره ابن رشد في "قواعده"
(1)
.
وقال ابن التين: إنه قول أكثر أصحابهم. وقيل: القصر رخصة، والإتمام أفضل، كالصوم في رمضان في السفر، ثم روي عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم -كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم
(2)
، قَالَ الدارقطني: إسناده صحيح
(3)
.
وفي رواية: كل قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صام وأفطر، وأتم وقصر في السفر
(4)
.
(1)
"بداية المجتهد" 1/ 321.
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/ 208 (8187) كتاب: الصلوات، في المسافر إن شاء صلّى ركعتين وإن شاء صلّى أربعًا، والبزار كما في "كشف الأستار" 1/ 329 (682) كتاب: الصلاة، باب: الإتمام في السفر والدارقطني في "سننه" 2/ 189 (44)، وابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 172، كلهم من طريق المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة به، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/ 57: فيه المغيرة ابن زياد، واختلف في الاحتجاج به، والحديث له شاهد من حديث عمر بن سعيد عن عطاء عن عائشة، ورواه البيهقي 3/ 141 وضعفه.
(3)
"سنن الدارقطني" 2/ 189.
(4)
رواها البيهقي في "السنن" 3/ 142 (5425) كتاب: الصلاة، باب: من ترك القصر في السفر غير رغبة عن السنة.
وفي الدارقطني من حديث عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصمت، وقصر وأتممت. فقال: أحسنتِ يا عائشة، ثم قَالَ: وعبد الرحمن قد أدرك عائشة، ودخل عليها وهو مراهق
(1)
.
وفي رواية حماد بن زيد عنها: كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين -يعني الفرائض- فلما قدم المدينة، وفرضت عليه الصلاة أربعًا، صلى الركعتين اللتين كان يصليهما بمكة تمامًا للمسافر
(2)
.
قَالَ أبو عمر
(3)
: فهذِه عائشة قد اضطربت الآثار عنها في هذا الباب، وإتمامها في السفر يقضي بصحة ما وافق معناه عنها، فإنه قد صح عنها أنها كانت تتم في السفر، في الحديث الذي روته، وهو قولها:(فرضت الصلاة ركعتين) الحديث. لم يدخله الوهم من جهة النقل، فهو على غير ظاهره، وفيه معنى مضمر باطن، وذلك -والله أعلم- كأنها قالت: فأقرت صلاة السفر لمن شاء أو نحو هذا. ولا يجوز على عائشة أن تقر بأن القصر فرض في السفر، وتخالف الفرض، هذا ما لا يجوز لمسلم أن ينسبه إليها.
(1)
"سنن الدارقطني" 2/ 188.
(2)
رواه ابن عبد البر في "التمهيد" 16/ 304 وفيه: جابر بن زيد، وليس حماد.
(3)
"التمهيد" 16/ 304.
6 - باب يُصَلِّي المَغْرِبَ ثَلَاثًا فِي السَّفَرِ
1091 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ المَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ العِشَاءِ. قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ. [1092، 1106، 1109، 1668، 1673، 1805، 3000 - مسلم: 703 - فتح: 2/ 572]
1092 -
وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ سَالِمٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِالمُزْدَلِفَةِ. قَالَ سَالِمٌ: وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ المَغْرِبَ، وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةُ. فَقَالَ: سِرْ. فَقُلْتُ الصَّلَاةُ. فَقَالَ: سِرْ. حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ المَغْرِبَ، فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ العِشَاءَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَ العِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ. [انظر: 1091 - مسلم: 703 - فتح: 2/ 572]
ذكر فيه حديث: شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السفَرِ يُؤَخِّرُ المَغْرِبَ حتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ العِشَاءِ. وَزَادَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَابٍ، قَالَ سَالِمٌ: كَانَ ابن عُمَرَ يَجْمَعُ
…
ثم ساق الحديث.
الشرح:
أما الحديث الأول فأخرجه مسلم أيضًا
(1)
. قَالَ الإسماعيلي: وهو غير مشبه لترجمة الباب، فإنه ليس فيه بيان عدد المغرب. قَالَ: وفي حديث عائشة بيانه.
(1)
"صحيح مسلم"(703) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز الجمع بين الصلاتين في السفر.
وأما الثاني فقال الإسماعيلي: رواه أبو صالح عن الليث هكذا، فكأنه -يعني: البخاري- لم يستجز في هذا الكتاب أن يروي عنه، إلا أنه رأى أن الإرسال عنه كأنه أقوى. قَالَ: وهذا أمر عجيب إذ جعل إرساله هذا عن ضعيف يصحح ترجمة بقصده من الباب، وذكره لذلك، وروايته عنه لهذا الحديث غير مصحح ترجمة بابه. ثم ساقه من حديث أبي صالح ثنا الليث بهذا، لا على هذا الطول، ولكن قَالَ: إن ابن عمر قَالَ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله يقيم صلاة المغرب فيصليها ثلاثًا.
ثم ذكر باقي الحديث إلى قوله: (وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَ العِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ). قَالَ: وقال القاسم -أحد رواته-: حَتَّى جوف الليل. ولم يقل: يقوم، ولا يقيم.
وأخرج مسلم من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله [بن عبد الله]
(1)
بن عمر، عن أبيه أنه جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: وصلى المغرب ثلاث ركعات
(2)
.
ومن حديث سعيد بن جبير، عن ابن عمر مثله
(3)
.
وسيأتي للبخاري من حديث أسلم عن ابن عمر في الجمع أيضًا
(4)
.
وروى أحمد من حديث ثمامة بن شراحيل قَالَ: خرجت إلى ابن
(1)
ساقطة من الأصل والمثبت من "صحيح مسلم".
(2)
"صحيح مسلم"(703/ 45) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز الجمع بين الصلاتين في السفر.
(3)
"مسلم"(1288) كتاب: الحج، باب: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، واستحباب صلاتي المغرب والعشاء.
(4)
برقم (1805) كتاب: العمرة، باب: المسافر إذا جدَّ به السير.
عمر، فقلت: ما صلاة المسافر؟ قَالَ: ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثًا
(1)
.
إذا عرفت ذلك فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
قوله: (إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ). كذا هنا، وفي رواية أخرى: عجل به السير
(2)
، وأخرى: عجل في السير
(3)
، وأخرى: عجل به أمر
(4)
، وأخرى: أعجله السفر، وأخرى: حزبه أمر
(5)
. وكلها متفقة المعنى ومقاربة.
وقوله: (أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ) فيه زيادة إيضاح؛ لئلا يتوهم أن السير لم يكن في سفر. والمراد سفر القصر؛ لقرينة أحكام القصر والجمع والفطر؛ ولئلا يظن أنه كان في ضواحي البلدة ومتنزهاتها، فإنه يسمى سيرًا لا سفرًا، ولأنه قد قيل: إن السير أحد ما يشتمل عليه اسم السفر، فأضاف لفظة السير إليه؛ ليزول هذا الوهم.
الثاني:
فيه الجمع بين المغرب والعشاء، وسيأتي في بابه.
الثالث:
قوله: (وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ). صفية هذِه
(1)
"مسند أحمد" 2/ 81.
(2)
رواه مسلم (703/ 42) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الجمع بين الصلاتين في السفر.
(3)
رواه أحمد في "مسنده" 2/ 148.
(4)
رواه أبو داود (1207) كتاب: الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين.
(5)
رواه النسائي في "المجتبى" 1/ 289 كتاب: المواقيت.
زوج عبد الله بن عمر، كما صرح به، وجدُّها مسعود، الثقفية، أخت المختار بن أبي عبيد، تابعية ثقة، استشهد بها البخاري، وأخرج لها الباقون سوى الترمذي، وعمرت أزيد من ستين عامًا، وكان أصابها شدة وجع فكتبت إليه
(1)
.
كما أخرجه النسائي: وهو في زراعة له: إني في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة
(2)
.
وفي رواية: خرج في سفر يريد أرضًا له، فأتاه آتٍ فقال: إن صفية بنت أبي عبيد لما بها، فانظر أن تدركها، فخرج مسرعًا ومعه رجل من قريش يسايره
(3)
.
الرابع:
(فقلت له: الصلاة. فقال: سر). فيه: ما كانوا عليه من مراعاة الأوقات، خوفًا أن يكون نسي ابن عمر فذكره سالم.
وفيه: جواز تأخير البيان لقوله: (سِرْ) مرتين، ثم بعد ذلك بين له بعد الصلاة.
الخامس:
قوله: (يقيم المَغْرِبَ، فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا). فيه: ما ترجم له، وهو أنها لا تقصر، وهو إجماع. كما قال المهلب؛ لأنها وتر صلاة النهار، ولم يزد في الفجر؛ لطول قراءتها، وقد روي هذا عن عائشة كما أخرجه
(1)
انظر ترجمتها في: "معرفة الثقات" للعجلي 2/ 454 (2339)، "الثقات" لابن حبان 4/ 386، "تهذيب الكمال" 35/ 212 (7875).
(2)
"المجتبى" 1/ 285، كتاب: المواقيت.
(3)
رواه النسائي أيضًا في "المجتبى" 1/ 287 - 288 كتاب: المواقيت.
البيهقي
(1)
. ومراده بالوتر: وتر النهار، فلو قصرت منها ركعة لم يبقَ وترًا، وإن قصرت اثنتان صارت ركعة، فيكون إجحافًا وإسقاطًا للأكثر.
وذكر ابن أبي صفرة أن المغرب وحدها فرضت ثلاثًا، بخلاف باقي الصلوات فرضت ركعتين ركعتين.
وفي البيهقي عن أنس: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فصلى بنا ركعتين ركعتين، إلا المغرب حَتَّى رجعنا إلى المدينة
(2)
.
السادس:
فيه: القصر في السفر المباح غير الحج والجهاد، كما وقع لابن عمر أنه خرج إلى أرض له وفعله
(3)
، وعلم ونقل فعل ذلك عن الشارع. وهو مذهب جماعة الفقهاء
(4)
. وأبعد أهل الظاهر فخصوه بهما
(5)
. وهو مروي
(1)
"السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 145 كتاب: الصلاة، باب: إتمام المغرب في السفر والحضر.
(2)
"السنن الكبرى" 3/ 145 السابق.
(3)
روى ابن المنذر عن ابن جريج قال: أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقصر الصلاة إلى مال له بخيبر يطالعه، وروى أيضًا عن الزهري قال: أخبرنا سالم أن ابن عمر اشترى من رجلٍ قال: أحسبه ناقة فخرج ينظر إليها فقصر الصلاة. "الأوسط" 4/ 344.
(4)
انظر: "بدائع الصنائع" 1/ 93، "الذخيرة" 2/ 367، "الحاوي الكبير" 2/ 358، "المغني" 3/ 114.
(5)
ذكر ابن حزم هذا التخصيص في "المحلى" 4/ 264 بأنه قول لأبي سليمان وأهل الظاهر وجماعة من السلف فقالوا: لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد أو عمرة، واعترض على ذلك فقال: الصلوات المذكورة في السفر ركعتين فرض، سواء كان سفر طاعة أو معصية، أو لا طاعة ولا معصية، أمنًا كان أو خوفًا فمن أتمها أربعًا عامدًا، فإن كان عالمًا بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته، وإن كان ساهيًا سجد للسهو بعد السلام فقط.
عن ابن مسعود
(1)
، وابن عمر روى السنة في ذلك عن الشارع، وفهم عنه معناها، وأن ذلك جائز في كل سفر مباح، ألا ترى قوله: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير يفعل. وهذا عام في كل سفر. فمن ادعى الخصوص فعليه البيان، ويقال لهم: إن الله تعالى قد فرق بين أحوال المسافرين في طلب الرزق، وفي قتال العدو في سقوط قيام الليل عنهم، فقال تعالى:{فَتَابَ عَلَيْكُمْ} إلى قوله: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} [المزمل: 20]، فلما سوى بينهم تعالى في سقوط قيام الليل وجب التسوية بينهم في استباحة رخصة القصر في السفر، وهذا دليل لازم.
السابع:
قوله: (ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ العِشَاءَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ). قَالَ الحميدي: هكذا في زيادة الليث. وفي رواية شعيب، عن الزهري، أن ذلك عن فعل ابن عمر من قول الراوي:(ثم قلما يلبث) لم يسنده، ورواية شعيب هنا ليس فيها هذا
(2)
. وقد جاء في بعض طرق الحديث أنه كان صلاته بعد غروب الشفق
(3)
. وفي رواية: ومعه -يعني ابن عمر- رجل من قريش يسايره، وغابت الشمس فلم يقل: الصلاة. وعهدي، وهو يحافظ على الصلاة، فلما أبطأ قلنا: الصلاة
(1)
روى ابن المنذر عن الأسود قال: كان عبد الله لا يرى التقصير إلا على حاج أو مجاهد، وروى عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله: لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد "الأوسط" 4/ 344 - 345.
(2)
"الجمع بين الصحيحين" للحميدي 2/ 175 (1280).
(3)
سيأتي برقم (1805) كتاب: العمرة، باب: المسافر إذا جدَّ به السير يعجل إلى أهله.
يرحمك الله. فالتفت إليَّ ومضى حَتَّى إذا كان آخر الشفق نزل فصلى المغرب، ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق، فصلى بنا ثم أقبل علينا
(1)
.
وفي أخرى عن ابن عمر: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قط بين المغرب والعشاء في سفر إلا مرة
(2)
.
قَالَ أبو داود: هذا يروى عن أيوب، عن نافع موقوفًا على ابن عمر، لم ير ابن عمر جمع بينهما قط، إلا تلك الليلة، يعني ليلة استصرخ على صفية. وفي رواية (أنه فعل)
(3)
ذلك مرة أو مرتين
(4)
.
وفي رواية واقد: حَتَّى إذا كان قبل غروب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حَتَّى غاب الشفق، فصلى العشاء ثم قَالَ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت، فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث
(5)
.
الثامن:
قوله: (وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَ العِشَاءِ). فيه: أن السنن لا تصلى في السفر.
وقد عقد لذلك البخاري باب من لم يتطوع في السفر، ويأتي.
(1)
رواه النسائي في "المجتبى" 1/ 287 - 288 كتاب: المواقيت.
(2)
رواه أبو داود (1209) كتاب: الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين، وضعف الألباني إسنادها في "ضعيف أبي داود"(221).
(3)
غير واضحة في الأصل والمثبت من (ج).
(4)
"سنن أبي داود" 1/ 387.
(5)
رواه أبو داود (1212) كتاب: الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين، وقال الألباني بعد ذكره إياها: إسناده صحيح، لكن قوله: قبل غيوب الشفق: شاذ، والمحفوظ أنه أخَّر المغرب إلى أن غاب الشفق فجمع بين بالصلاتين "صحيح أبي داود"(1097).
التاسع:
فيه: أن قيام الليل كان لا يتركه سفرًا، فالحضر أولى، وهو من خصائصه. والأصح أنه ما مات حَتَّى نسخ عنه
(1)
.
فرع:
في قوله: (إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ). قَالَ مالك في "المدونة": إذا جدَّ به السير، وخاف فوات أمر، جمع بين المغرب والعشاء في أول وقتها، وهذا إذا لم يرتحل عند الزوال والغروب، فإن ارتحل بعدها فيجمع حينئذٍ، ولا يكون الجمع إلا بين صلاتين مشتركتين في الوقت.
فرع:
حد الإسراع الذي شرع فيه الجمع مبادرة ما يخاف فواته، والإسراع إلى ما يهمه. قاله أشهب
(2)
.
فرع:
يختص الجمع بالسفر الطويل خلافًا للمالكية.
فرع:
هذا الجمع لضرورة قطع السفر، فأما الجمع للمطر فجائز عندنا تقديمًا لا تأخيرًا، بشروط تذكر في كتب الفروع. وبغير عذر لا يجوز عند الجمهور، فإن فعل أعاد الثانية أبدًا عند ابن القاسم
(3)
. وقال أشهب: أحب أن لا يجمع بين الظهر والعصر إلا بعرفة
(4)
. وأبو حنيفة
(1)
أوْفَى المصنف هذِه المسألة حقَّها بحثًا في مصنفه "خصائص النبي" 30 - 37 فلتُراجع.
(2)
انظر: "النوادر والزيادات" 1/ 265.
(3)
السابق 1/ 264 - 265.
(4)
السابق 1/ 263.
منع الجمع إلا بعرفة والمزدلفة
(1)
. دليلنا حديث معاذ أنه صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، فإن رحل قبل أن تزيغ أخر الظهر حَتَّى ينزل للعصر، وفي المغرب والعشاء كذلك. حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان
(2)
(3)
.
قَالَ ابن التين: والجمع بين الظهر والعصر على وجهين:
أحدهما: أن يرتحل عند الزوال فيجمع حينئذٍ.
والثاني: أن يرتحل قبله فيؤخر الظهر إلى آخر وقتها، ثم يصلي العصر في أول وقتها. ثم قَالَ: ودليله حديث معاذ المتقدم، والحديث المذكور لا يطابقه.
فائدة:
قَالَ الداودي في رواية شعيب عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما، وفي رواية الليث: بمزدلفة. وقال ابن عمر: إذا أعجله السير يصلي المغرب ثلاثًا ثم يسلم، ثم قلما يلبث حَتَّى يقيم العشاء. وهذِه أحوال، جمع مرة، وأخر العشاء مرة، وأما الجمع بمزدلفة فبعد مغيب الشفق للصلاتين.
(1)
انظر: "مختصر الطحاوي" ص 33.
(2)
ورد في هامش الأصل ما نصه: أعله البخاري.
(3)
"سنن أبي داود"(1206، 1208، 1220) كتاب: صلاة السفر، باب: الجمع بين الصلاتين، "سنن الترمذي" (553) كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين، "صحيح ابن حبان" 14/ 475 (6537) كتاب: التاريخ، باب: المعجزات.
والحديث رواه مسلم بنحوه (706) وبعد حديث (2281).
7 - باب صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الدابة حيثما تَوَجَّهَتْ بِهِ
1093 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ. [1097، 1104 - مسلم: 701 - فتح: 2/ 572]
1094 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَان، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهْوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ القِبْلَةِ. [انظر: 400 - مسلم:- فتح: 2/ 573]
1095 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُهُ. [انظر: 999 - مسلم: 700 - فتح: 2/ 537]
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
أحدها: حديث عامر: قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.
ثانيها: حديث جابر: أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهْوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ القِبْلَةِ.
ثالثها: حديث نافع: كَانَ ابن عُمَرَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وُيوتِرُ عَلَيْهَا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُهُ.
الشرح:
حديث عامر أخرجه مسلم
(1)
، ويأتي أيضًا
(2)
.
(1)
"صحيح مسلم"(701) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت.
(2)
سيأتي برقم (1097) باب: من تطوع في السفر.
وعامر: هو ابن ربيعة بن كعب بن مالك، بدري، حليف الخطاب أبي عمر، أسلم قديمًا، وهاجر إلى الحبشة، ومات قبيل عثمان
(1)
. وفي رواية للإسماعيلي: تطوعًا حيث توجهت به.
وحديث جابر يأتي في باب: ينزل للمكتوبة
(2)
، وهو من أفراده.
وحديث ابن عمر سلف في باب: الوتر على الدابة
(3)
. وهو دال على أن البخاري يرى أن الوتر سنة، حيث أورده في هذا الباب.
ولا خلاف أن للمسافر سفرًا طويلًا التنفل على دابته حيث توجهت به؛ لهذِه الأحاديث "الصحيحة" وذلك مستثنى من استقبال القبلة.
وتخصيص قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] ويبين أن ذلك في المكتوبات، ويفسر قوله تعالى:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [البقرة: 115] أنه في النافلة على الدابة. وقد روي عن ابن عمر أن هذِه الآية نزلت في قول اليهود في القبلة. وممن نص على ذلك من الفقهاء علي، والزبير، وأبو ذر، وابن عمر، وأنس، وقال به طاوس، وعطاء، ومالك، والثوري، والكوفيون، والليث، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، غير أن أحمد، وأبا ثور كانا يستحبان أن يستقبل القبلة بالتكبير
(4)
.
(1)
انظر: ترجمته في: "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 234 - 235 (745)، "معرفة الصحابة" 4/ 2049 - 2051 (2130)، "الاستيعاب" 2/ 339 - 340 (1335)، "أسد الغابة" 3/ 121 - 122 (2691)، "الإصابة" 2/ 249 (4381).
(2)
سيأتي برقم (1099).
(3)
سلف برقم (999) كتاب: الوتر.
(4)
انظر: "الأصل" 1/ 295، "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 315، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 93، "الذخيرة" 2/ 119 - 120، "الأم" 1/ 84، "روضة الطالبين" 1/ 210، "الأوسط" 5/ 249 - 250، "الإنصاف" 3/ 320 - 322، 325.
واختلفوا في الماشي، فأجازه الشافعي، ومنعه مالك، تمسكًا بمورد النص.
واختلفوا في السفر القصير، فأظهر قولي الشافعي جوازه فيه، ووافقه من سلف ذكره ممن عددنا خلا مالكًا فمنع، وقاسه على الفطر والقصر
(1)
.
واختلفوا في جوازه في الحضر فجوزه أبو يوسف، والاصطخري من الشافعية، والأصح المنع
(2)
كالفرض. حجة مالك في اشتراط سفر القصر أيضًا، بأن الشارع إنما فعل ذلك في سفره إلى خيبر، ولم ينقل عنه فعل ذلك إلا في سفر القصر؛ ولأن القبلة آكد؛ لأن الصلاة تقصر في السفر، ولا يعدل فيها عن القبلة مع القدرة، فلما امتنع القصر في القصير وهو أضعف، فالقبلة أولى. أجاب الجمهور بأن الأحاديث الواردة في الباب ليس فيها تحديد سفر، ولا تخصيص مسافة، فوجب حملها على العموم في كل ما يسمى سفرًا، وبالقياس على إسقاط الفرض بالتيمم إذا عُدِمَ الماء في السفر القصير. قَالَ الطبري: ولا أعلم من وافق مالكًا في ذلك.
(1)
انظر: "روضة الطالبين" 1/ 210، "عقد الجواهر الثمينة" 1/ 93.
(2)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 316، "البيان" 1/ 156.
8 - باب الإِيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ
1096 -
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ. وَذَكَرَ عَبْدُ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُهُ. [انظر: 999 - مسلم: 700 - فتح: 2/ 574]
ذكر فيه حديث عبدِ الله بنِ دينار قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ. وَذَكَرَ عَبْدُ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُهُ.
هذا الحديث تفرد البخاري فيه بذكر الإيماء، وأصله في مسلم أيضًا
(1)
، وكان الظاهر المراد بها هنا التكرار، وهو المستعمل غالبًا.
ومعنى: أينما توجهت، أي: إلى القبلة وغيرها، ومقصده بدل عن القبلة.
قَالَ مالك -فيما رواه علي بن زياد-: فمن صلى على راحلته في محمله مشرقًا أو مغربًا لا ينحرف إلى القبلة، وإن كان يسيرًا وليصلِّ قبل وجهه؛ عملًا بهذا الحديث، ومفهوم ذلك أن يجلس عليها على هيئة التي تركها عليه غالبًا ويستقبل بوجهه ما استقبلته الراحلة، والتقدير: يصلي على راحلته إلى حيث توجهت به، ويحتمل أن يقدر أنه كان يصلي على راحلته وهي حيث توجهت إلا أنه ينحرف عن القبلة، والأول أصح؛ لأنه يتعلق بقوله:"عَلَى رَاحِلَتِهِ"؛ ولأنه رُوي
(1)
"صحيح مسلم"(700) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر.
مفسرًا في حديث عامر بن ربيعة كما سلف
(1)
، ويأتي
(2)
؛ ولأنه لا فائدة في قوله: حيث توجهت به إذا كان ينحرف إلى القبلة إلا ما يفيده قوله: "عَلَى رَاحِلَتِهِ"، وهذا في نفس الصلاة، وأما افتتاحها فذهب مالك إلى أنه وغيره سواء.
وقال الشافعي وأحمد: يفتتحها مستقبلًا ثم يصلي كيف أمكنه دليلهما حديث ابن عمر، ودليل مالك القياس على باقي الصلاة
(3)
.
فرع:
راكب السفينة يلزمه الاستقبال إلا للملاح. وفي "المدونة" موافقتنا خلافًا لابن حبيب عنه
(4)
.
وقوله: (يُومِئُ). فيه: أن سنة الصلاة على الدابة الإيماء، ويكون سجوده أخفض من ركوعه تمييزًا بينهما. وروى أشهب عن مالك في الذي يصلي على الدابة أو المحمل: لا يسجد بل يومئ؛ لأن ذلك من سنة الصلاة على الدابة
(5)
.
وقَالَ ابن القاسم: المصلي في المحمل متربعًا إن لم يشق عليه أن يثني رجليه عند سجوده فليفعل.
قَالَ ابن حبيب: وإذا تنفل على الدابة فلا ينحرف إلى جهة القبلة، وليتوجه لوجه دابته، وله إمساك عنانها، وضربها، وتحريك رجليه، إلا أنه لا يتكلم، ولا يلتفت ولا يسجد الراكب على مرءوس سرجه، ولكن يومئ.
(1)
برقم (1093).
(2)
برقم (1097).
(3)
"الأم" 1/ 85، "المغني" 2/ 98.
(4)
"المدونة" 1/ 117.
(5)
"النوادر والزيادات" 1/ 250.
واستحب أحمد، وأبو ثور في الافتتاح التوجه ثم لا يبالي حيث توجهت به، والحجة لهم حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث وجهه ركابه. رواه أبو داود بإسناد حسن
(1)
.
وليس في الأحاديث السالفة الاستقبال في التكبير، وهي أصح منه. وحجة الجمهور وهم مَنْ قَالَ بأنه لا يشترط الاستقبال في التكبير القياس على الباقي.
فرع:
اختلف قول مالك في المريض العاجز عن الصلاة على الأرض، إلا إيماءً، هل يصلي الفريضة على الدابة في محمله، ففي "المدونة": لا. وروى أشهب: نعم، ويوجه إلى القبلة، وفي كتاب ابن عبد الحكم مثله
(2)
.
(1)
أبو داود (1225). وأصله سيأتي برقم (1100)، ورواه مسلم (702). وانظر:"صحيح أبي داود"(1110).
(2)
انظر: "المدونة" 1/ 80 و"النوادر والزيادات" 1/ 249.
9 - باب يَنْزِلُ لِلْمَكْتُوبَةِ
1097 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ. [انظر: 1093 - مسلم: 701 - فتح: 2/ 574]
1098 -
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: كَانَ عَبْدُ اللهِ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَى وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا المَكْتُوبَةَ. [انظر: 999 - مسلم: 700 - فتح: 2/ 575]
1099 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ المَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ. [انظر: 400 - مسلم: 540 - فتح 2/ 575]
ذكر فيه حديث عامر: قَالَ: رَأَيْتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهْوَ عَلَى راحلته يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ .. الحديث.
وحديث ابن عمر مثله بلفظ: وقال الليث .. إلى آخره.
وحديث جابر: أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ المَكْتوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ.
الشرح:
حديث عامر سلف قريبًا
(1)
، وسيأتي في باب من تطوع في السفر
(1)
سلف برقم (1093) باب: صلاة التطوع على الدواب، وحيثما توجهت به.
معلقًا عن الليث
(1)
، وهو أصل في الإيماء على الدابة.
وقوله: (وقَالَ: اللَّيْثُ .. إلى آخره). قَالَ الإسماعيلي: إنه رواه عن أبي صالح في غير هذا الكتاب عن الليث، أخبرناه ابن ناجية عنه، عن أبي صالح. وقد رواه ابن وهب وشبيب، عن يونس بن يزيد به، ولفظه: كان يصلي السبحة بالليل على راحلته حيث توجهت به شرق أو غريب يومئ إيماءً، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني أيضًا.
وحديث جابر سلف قريبًا
(2)
، وهو من أفراده كذلك. والسبحة: النافلة في الصلاة، ويقال: لكل صلاة سبحة، لكن ما قدمناه أشهر. وقام الإجماع على أنه لا يصلي الفرض على الدابة من غير عذر.
فرع:
ترك الاستقبال جائز؛ رفقًا بالأمة أيضًا.
فرع:
مصلي النافلة على الأرض هل يومئ؟ منعه ابن القاسم، وأجازه ابن حبيب، قَالَ: كما يدع القيام.
(1)
سيأتي برقم (1104).
(2)
برقم (1094) باب: صلاة التطوع على الدواب.
10 - باب صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الحِمَارِ
1100 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ اسْتَقْبَلْنَا أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّأْمِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الجَانِبِ، يَعْنِي عَنْ يَسَارِ القِبْلَةِ. فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ القِبْلَةِ. فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ لَمْ أَفْعَلْهُ. رَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. [مسلم: 702 - فتح: 2/ 576]
ذكر فيه حديث حبان -بفتح الحاء والموحدة- ثَنَا هَمَّامٌ ثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ اسْتَقْبَلْنَا أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّأْمِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ .. الحديث.
رَوَاهُ ابن طَهْمَانَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث أخرجه مسلم من حديث عفان، عن همام
(1)
، وله، ولأبي داود، والنسائي، عن ابن عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار، وهو متوجه إلى خيبر، وأعله النسائي بأن قال: عمرو بن يحيى لا يتابع على قوله: "يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ"، وربما يقول:"عَلَى رَاحِلَتِهِ"
(2)
، ولذا وهَّم الدارقطني وغيره عمرًا في قوله:"عَلَى حِمَارٍ"، والمعروف على راحلته على البعير.
(1)
"صحيح مسلم"(702) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حديث توجهت.
(2)
"صحيح مسلم"(700/ 35) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز صلاة النافلة،
"سنن أبي داود"(1226) كتاب: صلاة السفر، باب: التطوع على الراحلة والوتر، "المجتبى" 2/ 60 كتاب: المساجد.
وقد أخرجه مسلم من فعل أنس
(1)
، وكذا مالك في "الموطأ"
(2)
.
أما فقه الباب: فالتنفل على البعير، والبغل، والحمار، وجميع الدواب سواء في ترك الاستقبال معه على ما تقدم. وعلى ذلك جماعة الفقهاء. وقد أسلفنا عن أبي يوسف وغيره إلحاق الحمر بذلك في الإيماء بحديث يحيى بن سعيد، عن أنس أنه صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماءً
(3)
. وجماعة الفقهاء على خلافه.
(1)
مسلم (702/ 41).
(2)
"الموطأ" ص 112.
(3)
أورده ابن عبد البر في "التمهيد" 17/ 78.
11 - باب مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَهَا
1101 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَافَرَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فَقَالَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
1102 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ رضي الله عنهم. [انظر: 1101 - مسلم: 689 - فتح: 2/ 577]
ذكر فيه حديث حفص بن عاصم: أنه سأل ابن عُمَرَ، فَقَالَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
وعن ابن عمر: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ.
الشرح:
هذا الحديث أخرجه مسلم والأربعة، ثم في بعض رواياته: لو كنت مسبحًا لأتممت. وفي بعضها: صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى، فرأى ناسًا قيامًا، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلتُ: يسبحون. قَالَ: لو كنت مسبحًا أتممت صلاتي
(1)
.
(1)
"صحيح مسلم"(689) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها. وأبو داود (1223)، والترمذي (544)، والنسائي 3/ 122 - 123، وابن ماجه (1071).
وفي "الموطأ" عن مالك، عن نافع، عنه أنه لم يكن يصلي مع الفريضة في السفر شيئًا ولا بعدها إلا من جوف الليل، فإنه كان يصلي على الأرض وعلى راحلته حيثما توجهت به. كذا هو موقوف في "الموطأ"
(1)
، ورفعه الباقون.
وأول ابن بطال قوله: "لَمْ أَرَهُ يُسبحُ فِي السفَرِ"، يريد التطوع قبل الفرض وبعده، أي: بالأرض؛ لأنه روى الصلاة على الراحلة في السفر، وأنه كان يتهجد بالليل في السفر، ولا تضاد إذًا بين الأخبار كما جاء مبينًا عنه
(2)
. وقد سلف عن رواية البخاري في صلاة المغرب: ولا يسبح بعد العشاء حَتَّى يقوم من جوف الليل
(3)
. فبان أن المراد التطوع في الأرض المتصل بالفريضة الذي حكمه حكمها في الاستقبال والركوع والسجود، ولذلك قَالَ ابن عمر: لو تنفلت لأتممت
(4)
. أي: لو تنفلت التنفل الذي هو من جنس الفريضة لجعلته في الفريضة ولم أقصرها.
وممن كان لا يتنفل في السفر قبل الصلاة ولا بعدها علي بن الحسين، وسعيد بن جبير
(5)
.
(1)
"الموطأ" ص 112.
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 91.
(3)
سيأتي برقم (1092) باب: يصلي المغرب ثلاثًا في السفر.
(4)
هذِه الرواية في "مسلم"(689/ 8) كتاب: صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها.
(5)
روى ابن أبي شيبة عن حميد مولى الأنصار قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدث عن أبيه علي بن حسين أنه كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها.
هذا وقد قال ابن المنذر: وروينا عن سيد بن المسيب وسعيد بن جبير أنهما قالا: لا يصلي المسافر قبل المكتوبة ولا بعدها. "المصنف" 1/ 334 (3830)، و"الأوسط" 5/ 242.
وليس قول ابن عمر: لم أره صلى الله عليه وسلم يسبح في السفر. بحجة على من رآه؛ لأن من نفي شيئًا ليس بشاهد. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تنفل في السفر مع صلاة الفريضة
(1)
، وهو قول عامة العلماء.
وقال الطبري: يحتمل أن يكون تركه صلى الله عليه وسلم التنفل فيه في حديث ابن عمر، تحريًا منه إعلام أمته أنهم في أسفارهم بالخيار في التنفل بالسنن المؤكدة وتركها، وقد بين ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا جمع في السفر صلى المغرب، ثم يدعو بعشائه فيتعشى، ثم يرتحل
(2)
. وإذا جاز الشغل بالعشاء بعد دخول وقتها، وبعد الفراغ من صلاة المغرب، فالشغل بالصلاة أحرى أن يجوز.
وقال ابن التين: معنى لم أره يسبح: في النهار، ويدل عليه قول ابن عمر في الباب بعده: كان صلى الله عليه وسلم يسبح على ظهر راحلته
(3)
.
(1)
روى الترمذي (551 - 552) عن ابن عمر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر في السفر ركعتين وبعدها ركعتين ثم قال: هذا حديث حسن، وروى أيضًا عنه أنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر فصليت معه في الحضر الظهر أربعًا وبعدها ركعتين، وصليت معه في السفر الظهر ركعتين وبعدها ركعتين، والعصر ركعتين ولم يصلِّ بعدها شيئًا، والمغرب في الحضر والسفر سواء ثلاث ركعات، لا تنقص في الحضر ولا في السفر، وهي وتر النهار وبعدها ركعتين ثم قال: هذا حديث حسن.
قال الألباني عن الحديث الأول في "ضعيف الترمذي": (84) ضعيف الإسناد، والحديث الثاني (85): ضعيف الإسناد منكر المتن.
(2)
روى أبو داود (1234) عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده أن عليًّا رضي الله عنه كان إذا سافر سار بعد ما تغرب الشمس حتى تكاد أن تظلم، ثم ينزل فيصلي المغرب، ثم يدعو بعشائه فيتعشى، ثم يصلي ثم يرتحل ويقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع.
(3)
يأتي برقم (1105) باب: مَن تطوع في السفر في غير دبر الصلوات وقبلها.
ولا خلاف بين الأئمة في جواز النافلة بالليل في السفر، وكان ابن عمر لا يفعله بالنهار في السفر، ويقول: لو كنت مسبحًا لأتممت.
يعني: لو كان التنفل جائزًا لكان الإتمام أولى. وابن عمر ممن صحب الشارع في سفره، وكان من أكثر الناس اقتداءً به، وذكر أنه لم يرَ النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في السفر على ركعتين. فلما لم يره بالنهار امتنع، ورآه يتنفل بالليل ففعله.
وأكثر العلماء على جوازه ليلًا ونهارًا، ودليلهم حديث أم هانئ الآتي أنه صلى يوم الفتح ثماني ركعات سبحة الضحى
(1)
. ولعل ابن عمر لم يبلغه، وحكى ابن أبي صفرة أنه قَالَ: إنما صلاها قضاء لصلاته ليلة فتح مكة؛ لأنه اشتغل في تلك الليلة عن صلاة الليل.
وقال النووي: اتفق الفقهاء على استحباب النوافل المطلقة في السفر، واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة، فكرهها ابن عمر وآخرون، واستحبها الشافعي، وأصحابه، والجمهور
(2)
.
ولعل الشارع كان يصلي الرواتب في رحله، ولا يراه ابن عمر، فإن النوافل في البيت أفضل، أو لعله تركها في بعض الأوقات تنبيهًا على جواز تركها.
وأما ما يحتج به مَنْ تَرَكَ مِن أنها لو شرعت لكان إتمام الفريضة
أولى، فجوابه أن الفريضة محتمة، فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النافلة فهي إلى خيرة المكلف، فالرفق به أن تكون مشروعة ويخير، إن شاء فعلها وحصل ثوابها، وان شاء تركها ولا شيء عليه.
(1)
الحديث الآتي.
(2)
"صحيح مسلم شرح النووي" 5/ 198.
قَالَ الخطابي: وفي حديث ابن عمر دليل أنه كان يستفتح صلاته مستقبلًا القبلة
(1)
.
قَالَ ابن التين: ولا أدري من أين أخذه الخطابي.
(1)
"معالم السنن" 1/ 231.
12 - باب مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وَقَبْلَهَا
وَرَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيِ الفَجْرِ فِي السَّفَرِ.
1103 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: مَا أَنْبَأَ أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ، ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا، فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. [1176، 4292 - مسلم: 336 - فتح: 2/ 578]
1104 -
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ. [انظر: 1093 - مسلم: 701 - فتح: 2/ 578]
1105 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. [انظر: 999 - مسلم: 700 - فتح: 2/ 578]
ثم ذكر حديث ابن أَبِي لَيْلَى قَالَ: مَا أخبرنا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ .. الحديث.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهَاب، عن عَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ، عن أبيه: أَنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ.
وحديث ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ
…
الحديث.
الشرح:
أما صلاته ركعتي الفجر فهو في حديث نومهم بالوادي. أخرجه
مسلم من حديث أبي قتادة، وأبي هريرة بلفظ: فصلى صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة
(1)
. وصرح بذلك أبو داود في حديث عمرو بن أمية الضمري. وذي مخبر أو مخمر الحبشي في "سنن أبي داود" بإسناده الصحيح
(2)
. وفي "صحيح ابن حبان" و"مستدرك الحاكم" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يصلِ ركعتي الفجر فليصلهما إذا طلعت الشمس" قَالَ الحاكم: صحيح على شرط الشيخين
(3)
. وحديث أم هانئ سلف في باب التستر في الغسل عند الناس
(4)
، ويأتي في الضحى قريبًا
(5)
. ثم هنا أنه اغتسل في بيتها، وفي "الموطأ": ذهبت إليه فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره
(6)
.
قَالَ ابن التين: فإما أن يكون أحدهما وهمًا، أو يكون الشارع وفاطمة أتيا بيت أم هانئ وهي غائبة.
وفيه: تخفيف النافلة مع إتمام الركوع والسجود.
(1)
"صحيح مسلم"(681) كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.
(2)
"سنن أبي داود"(444، 445) كتاب: الصلاة، باب: من نام عن صلاة أو نسيها.
وصححهما الألباني في "صحيح أبي داود"(472 - 473).
(3)
"صحيح ابن حبان" 6/ 224 (2472) كتاب: الصلاة، باب: النوافل، "المستدرك" 1/ 274 كتاب: الصلاة.
والحديث رواه الترمذي (423)، والبيهقي 2/ 484.
وجوَّد النووي إسناده في "المجموع" 3/ 533، وفي "الخلاصة" 1/ 612 - 613 (2110)، وصححه الألباني في "الصحيحة"(2361).
(4)
سيأتي برقم (280) كتاب: الغسل.
(5)
سيأتي برقم (1176) كتاب: التهجد.
(6)
"الموطأ" ص 113 كتاب: الصلاة، باب: صلاة الضحى.
وتعليق الليث سلف في باب: ينزل للمكتوبة قريبًا عن يحيى بن بكير، عنه
(1)
. وهنا زيادة أن صلاة السبحة كانت ليلًا.
وحديث ابن عمر سلف
(2)
، وقد سلف في الباب قبله: من لم يتطوع في السفر قبل الفرض وبعده. ولنذكر هنا من تطوع فيه. قَالَ ابن المنذر: رويناه عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وجابر، وابن عباس، وأنس، وأبي ذر، وجماعة من التابعين، وهو قول مالك، والكوفيين، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور
(3)
. وصححه ابن بطال؛ لأنه ثبت عن الشارع أنه كان يفعله في السفر من غير وجه. وليس قول ابن أبي ليلى بحجة تسقط صلاة الضحى؛ لأن كثيرًا من الأحاديث يرويها الواحد من الصحابة يُلجأ إليه، ويصير سنة معمولًا بها، وما فعله الشارع مرة اكتفت أمته بذلك، فكيف وقد روى أبو هريرة، وأبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوصاهما بثلاث منها: وركعتي الضحى
(4)
.
وروى الترمذي من حديث أبي بسرة الغفاري، عن البراء قَالَ: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر شهرًا فما رأيته ترك الركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر
(5)
.
وذكره ابن بطال بلفظ: سافرت معه ثماني عشرة سفرة
(6)
، وهو لفظ
(1)
سيأتي برقم (1097) أبواب: تقصير الصلاة.
(2)
سيأتي برقم (999) كتاب: الوتر، باب: الوتر على الدابة.
(3)
"الأوسط" 242 - 243.
(4)
"شرح ابن بطال" 3/ 94.
وحديث أبي هريرة سيأتي برقم (1178)، ورواه مسلم (721).
وحديث أبي الدرداء رواه مسلم (722).
(5)
الترمذي (550).
(6)
"شرح ابن بطال" 3/ 93.
أبي داود
(1)
- وفي الباب عن ابن عمر وحديث البراء غريب، وسألت محمدًا عنه فلم يعرف اسم أبي بسرة الغفاري، ورآه حسنًا. وروي عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها، وروي عنه عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يتطوع في السفر. قَالَ: وقد اختلف أهل العلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى بعض الصحابة أن يتطوع الرجل في السفر، وبه يقول أحمد وإسحاق، ولم تره طائفة قبلها ولا بعدها.
ومعنى من لم يتطوع في السفر قبول الرخصة، ومن تطوع فله فيذلك فضل كثير، وهو قول أكثر أهل العلم يختارون التطوع فيه
(2)
. ثم روى حديث حجاج، عن عطية، عن ابن عمر قَالَ: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر في السفر ركعتين وبعدها ركعتين. حديث حسن. وقد رواه ابن أبي ليلى عن عطية، ونافع، عن ابن عمر ثم ساقه بزيادة: ركعتين بعد المغرب في السفر. ثم قَالَ: حديث حسن، سمعت محمدًا يقول: ما روى ابن أبي ليلى حديثًا أعجب إليَّ من هذا
(3)
.
قَالَ البيهقي: ومضت أحاديث في تطوعه صلى الله عليه وسلم في أسفاره على الراحلة. ثم أسند حديث ابن عباس قَالَ: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني صلاة السفر- ركعتين، وسن صلاة الحضر أربع ركعات. فكما الصلاة قبل صلاة الحضر وبعدها حسن، فكذلك الصلاة في السفر قبلها وبعدها
(4)
.
(1)
"سنن أبي داود"(1222) كتاب: صلاة السفر، باب: التطوع في السفر.
(2)
"سنن الترمذي" 2/ 435 - 436 (550).
وحديث البراء هذا ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(224).
(3)
"سنن الترمذي"(551 - 552) الصلاة، باب: ما جاء في التطوع في السفر.
(4)
"السنن الكبرى" للبيهقي 3/ 225 كتاب: الصلاة، باب: تطوع المسافر.
وذكر السرخسي في "المبسوط"، والمرغيناني من الحنفية: لا قصر في السنن. ويكملوا، وفي الأفضل: قيل الترك ترخصًا، وقيل الفعل؛ تقربًا
(1)
. وقال الهندواني منهم: الفعل أفضل في حالة النزول، والترك في حالة السفر.
قَالَ هشام: رأيت محمدًا كثيرًا يتطوع في السفر قبل الظهر وبعدها، ولا يدع ركعتي الفجر والمغرب، وما رأيته يتطوع قبل العصر، ولا قبل العشاء، ويصلي العشاء ثم يوتر. انتهى.
وفي صلاة الشارع الضحى يوم الفتح، وركعتي الفجر في السفر دليل على جواز التنفل بالأرض؛ لأنه لما جاز له التنفل على الراحلة كان في الأرض أجوز.
وقد قَالَ الحسن البصري: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسافرون ويتطوعون قبل المكتوبة وبعدها
(2)
.
قَالَ ابن بطال: وهو قول جماعة العلماء
(3)
.
(1)
"المبسوط" 1/ 248.
(2)
أورده ابن المنذر في "الأوسط" 5/ 242.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 93.
13 - باب الجَمْعِ فِي السَّفَرِ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ
1106 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ. [انظر: 1091 - مسلم: 703 - فتح: 2/ 579]
1107 -
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الحُسَيْنِ المُعَلِّمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ. [فتح: 2/ 579]
1108 -
وَعَنْ حُسَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ فِي السَّفَرِ. وَتَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ وَحَرْبٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ أَنَسٍ: جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. [1110 - فتح: 2/ 579]
ذكر فيه حديث ابن عمر: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الحُسَيْنِ المُعَلِّمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ.
وعَنْ حُسَيْنٍ المعلم، عَنْ يَحْييَ بْنِ أَبِي كَثيرٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ فِي السَّفَرِ. وَتَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ وَحَرْبٌ، عَنْ يَحْييَ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ أَنَسٍ: جَمَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
حديث ابن عمر سلف قريبًا في باب يصلي المغرب ثلاثًا
(1)
. وشيخ البخاري فيه علي بن عبد الله هو ابن المديني. وسفيان هو ابن عيينة.
وحديث ابن عباس أخرجه مسلم وباقي الستة
(2)
.
ورواه عن ابن عباس جماعة: عكرمة كما سلف، وجابر بن زيد كما سيأتي في الكتاب
(3)
، وسعيد بن جبير أخرجه مسلم، والأربعة
(4)
، وعبد الله بن شقيق أخرجه مسلم
(5)
، وكريب أخرجه الدارقطني
(6)
، وأبو قلابة أخرجه البيهقي
(7)
، وعطاء، وصالح مولى التوأمة رواهما ابن أبي شيبة
(8)
وطاوس
(9)
. وأسنده البيهقي من حديث أحمد بن حفص، عن أبيه، عن إبراهيم به، ثم قَالَ: أخرجه البخاري في "الصحيح" فقال: وقال إبراهيم بن طهمان، فذكره
(10)
.
(1)
سلف برقم (1091) كتاب: تقصير الصلاة.
(2)
مسلم برقم (705) كتاب: صلاة المسافرين، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر، وأبو داود برقم (1210) كتاب: صلاة السفر، باب: الجمع بين الصلاتين، والترمذي برقم (187) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين، والنسائي في "المجتبى" 1/ 290 كتاب: المواقيت، وفي "الكبرى" 1/ 491 (1574)، وابن ماجه (1069) كتاب: إقامة الصلاة، باب: التطوع في السفر.
(3)
سيأتي برقم (1174) أبواب، التهجد، باب: مَن لم يتطوع بعد المكتوبة.
(4)
مسلم برقم (705)، أبو داود (1210)، الترمذي (187)، النسائي 1/ 290، ابن ماجه (1069).
(5)
مسلم (705/ 57) باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر.
(6)
"سنن الدارقطني" 1/ 388 باب: الجمع بين الصلاتين في السفر.
(7)
"السنن الكبرى" 3/ 164 كتاب: الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين في السفر.
(8)
"المصنف" 2/ 212 (8230، 8233) من قال: يجمع المسافر بين الصلاتين.
(9)
رواه ابن ماجه (1069) كتاب: إقامة الصلاة، باب: التطوع في السفر.
(10)
"السنن الكبرى" 3/ 164 كتاب: الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين في السفر.
وأحمد هذا هو السلمي، ووالده حفص بن عبد الله بن راشد، روى عن إبراهيم نسخة كبيرة، روى له البخاري وأبو داود والنسائي، ولوالده هم
(1)
وابن ماجه
(2)
.
وحديث أنس أخرجه الإسماعيلي في مجموع حديث يحيى بن أبي كثير من حديث معمر، عن يحيى به، بزيادة: يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر.
ومتابعة علي بن المبارك أخرجها أبو نعيم الأصبهاني، والإسماعيلي من حديث عثمان بن عمر عنه به.
ومتابعة حرب عن يحيى أخرجها البخاري في الباب بعده
(3)
. وحرب هو ابن شداد أبو الخطاب اليشكري البصري العطار، وقيل: القصاب، مات سنة إحدى وستين ومائة رويا له، وأبو داود، والترمذي، والنسائي
(4)
.
ولما أورد الترمذي حديث معاذ الذي أسلفناه في باب: يصلى المغرب ثلاثًا في السفر قَالَ: وفي الباب عن علي (د. س)، وابن عمر، وأنس، وعبد الله بن عمرو، وعائشة، وابن عباس، وأسامة بن زيد، وجابر (د. س)
(5)
.
قلتُ: وأخرجه مالك في "الموطأ" من حديث أبي هريرة
(6)
، وابن
(1)
يعني: البخاري وأبا داود والنسائي.
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 1/ 294 (27)، 7/ 18 (1393).
(3)
حديث (1110) باب: هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء.
(4)
انظر: "تهذيب الكمال" 5/ 524 (1156).
(5)
"سنن الترمذي" 2/ 439.
(6)
"الموطأ" ص 108 كتاب: قصر الصلاة في السفر، باب: الجمع بين الصلاتين في الخضر والسفر. رواية يحيى.
أبي شيبة من حديث ابن مسعود
(1)
، والنسائي من حديث أبي أيوب
(2)
.
أما فقه الباب: ففيه الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهو إجماع بالنسبة إلى الظهر والعصر بعرفة، وإلى المغرب والعشاء بمزدلفة، وأنه سنة
(3)
، واختلفوا في غيرهما: فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى منع الجمع فيه، وهو قول ابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، ذكره ابن شداد في "دلائله"، وابن بطال
(4)
، وابن عمر في رواية أبي داود
(5)
، والنخعي، وابن سيرين، ومكحول، وجابر بن زيد، وعمرو بن دينار، وذكره ابن الأثير عن الحسن، والثوري، ورواه ابن القاسم عن مالك
(6)
، كما ذكره أبو عمر في "تمهيده"
(7)
، ونسبه إلى "المدونة" ابن بطال قال: وهو قول الليث، وأجازه الشافعي وأحمد، وأظهر قولي الشافعي اختصاصه بالسفر الطويل، وروي جواز الجمع أيضًا عن سعيد بن زيد وأبي موسى الأشعري وابن عباس وأسامة بن زيد، حكاه ابن بطال عنهم.
قَالَ: وهو قول مالك، والليث أيضًا، ونقل عنهما المنع كما سلف، والأوزاعي، وأبي ثور، والثوري، وإسحاق
(8)
.
(1)
"المصنف" 2/ 213 (8240) من قال يجمع المسافرين الصلاتين.
(2)
"المجتبى" 1/ 291 كتاب: المواقيت.
(3)
انظر: "الإجماع" ص 46، و"الأوسط" 4/ 331.
(4)
"شرح ابن بطال" 3/ 94.
(5)
أبو داود (1209) باب: الجمع بين الصلاتين. قال الألباني في "ضعيف أبي داود"(221): منكر.
(6)
"المنتقى" 1/ 252 - 253.
(7)
انظر: "التمهيد" 196 - 207.
(8)
"شرح ابن بطال" 3/ 95.
وذكره ابن الأثير عن معاذ بن جبل، وأنس بن مالك، وطاوس، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وسالم، وحكاه النووي عن أبي يوسف، وأنكر عليه. وقال ابن العربي: اختلف الناس في الجمع في السفر على خمسة أقوال:
المنع بحال، قاله أبو حنيفة
(1)
.
والجواز، قاله الشافعي، ونقله ابن بطال عن الجمهور
(2)
.
والجواز إذا جد به السير، قاله مالك
(3)
.
والجواز إذا أراد قطع السفر، قاله ابن حبيب، وابن الماجشون، وأصبغ.
والكراهة، قاله مالك في رواية المصريين. واحتج مالك بحديث ابن عمر كان إذا جد به السير، جمع، وفي رواية: كان إذا أعجله
(4)
السير وقد سلفت
(5)
، وبحديث ابن عباس الذي في الكتاب: إذا كان على ظهر سير.
واحتج من منع بأن مواقيت الصلاة قد صحت فلا تترك لأخبار الآحاد.
وجوابه: أنها جرت مجرى الاستفاضة، رواه خلق كما قدمناه،
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 292 غير أن أصحابه أجازوا الجمع نقلًا عن "منية المصلي" ص 327.
(2)
"شرح ابن بطال" 3/ 96.
(3)
"المدونة" 1/ 111.
(4)
"الموطأ" ص 108، وانظر:"النوادر والزيادات" 1/ 264 "الذخيرة" 2/ 373 - 374.
(5)
سلف برقم (1091) باب: يصلي المغرب ثلاثًا في السفر.
وأوقات السفر لا تعترض أوقات الحضر، وبالقياس على موضع الاتفاق بعرفة ومزدلفة لا فرق، بل لو لم يأتِ عنه إلا جمع عرفة والمزدلفة فقط لكفى ذلك في حق المسافر.
وروى مالك عن ابن شهاب قَالَ: سألت سالم بن عبد الله هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم، ألا ترى إلى صلاة الناس بعرفة
(1)
.
وحديث أنس دال على الجمع وإن لم يجد به السير كما قاله جمهور الفقهاء، فكلا الفعلين صح عنه صلى الله عليه وسلم مرة كذا ومرة كذا، ففعل كلٌّ ما رأى، وكلٌّ سنة.
(1)
ورد في هامش الأصل: من خط الشيخ: وقال أبو داود فيما حكاه اللؤلؤي ليس في تقديم الوقت حديث يقال.
14 - باب هَلْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ إِذَا جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ
1109 -
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ، وَيُقِيمُ المَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ العِشَاءَ، فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يُسَبِّحُ بَيْنَهَا بِرَكْعَةٍ، وَلَا بَعْدَ العِشَاءِ بِسَجْدَةٍ، حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ. [انظر: 1091 - مسلم: 703 - فتح: 2/ 581]
1110 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ. يَعْنِي: المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ. [انظر: 1108 - فتح: 2/ 581]
ذكر فيه حديث ابن عمر: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ المَغْرِبِ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ العِشَاءِ. قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَفْعَلُهُ.
وذكر فيه أيضًا حديث أنس: أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ
…
الحديث.
الشرح:
هذان الحديثان سلفا في الباب قبله، والأول في باب: صلاة المغرب في السفر
(1)
، والبخاري روى الثاني عن إسحاق، أنا عبد الصمد، وإسحاق: هو ابن إبراهيم كما ذكره البخاري في باب مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
(2)
.
(1)
برقم (1091).
(2)
في الباب الذي ذكره المصنف وجدناه: إسحاق بن منصور وليس: إسحاق بن إبراهيم، حديث (3924)، قال ابن حجر: هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في =
وذكر الكلاباذي أن إسحاق بن إبراهيم، وإسحاق بن منصور يرويان عن عبد الصمد.
وروى مسلم في الحج عن إسحاق بن منصور، عن عبد الصمد
(1)
.
رواه أبو نعيم من حديث إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الصمد، ثم قَالَ: رواه البخاري، عن إسحاق، عن عبد الصمد.
وقوله: (يُقِيمُ المَغْرِبَ ثُمَّ يُقِيمَ العِشَاءَ). ظاهره أراد به الإقامة وحدها على ما جاء في الجمع بعرفة ومزدلفة من الاختلاف في إقامتها، وإن كان يحتمل أيضًا أن يكون المراد بما تقام به الصلوات في أوقاتها من الأذان والإقامة، وقد سلف الكلام على ذلك في باب الأذان.
وقال ابن المنذر: يؤذن ويقيم، فإن أقام ولم يؤذن أجزأه، ولو ترك الأذان والإقامة لم يكن عليه إعادة الصلاة وإن كان مسيئًا بتركه ذلك
(2)
.
وقال ابن التين: لم يذكر أنه أذن لها. وذكر بعض المخالفين عنه أنه كان يقيم للمغرب خاصة.
وقد اختلف العلماء في ذلك. فقال مالك: يصليهما بأذانين وإقامتين.
وقال ابن الماجشون: بأذان وإقامتين
(3)
. قلتُ: وهو ما فعله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة كما أخرجه مسلم من حديث جابر
(4)
، وبعرفة كما أخرجه الشافعي عنه
(5)
.
= "المستخرج" ومال أبو علي الحياني إلى أنه إسحاق بن منصور ا. هـ.، "الفتح" 2/ 582.
(1)
مسلم (1321/ 368)، (1374/ 476).
(2)
"الأوسط" 3/ 60.
(3)
"المدونة" 1/ 64، "الذخيرة" 2/ 71.
(4)
سيأتي برقم (1218) كتاب: الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
في "مسنده" ص 353 (913).
وعند ابن الجلاب بإقامتين
(1)
. وذكر عن ابن عمر الإقامة في الأولى، فأثبت مالك الأذان فيهما؛ لأنه الشأن في الجماعة، وأسقط عبد الملك الأذان من الثانية؛ لأنه لا إعلام، فإنهم متأهبون. وأسقط ابن الجلاب الأذان للحضور، ونقض بجمع المطر، ويلزم عليه ألا يؤذن للمغرب وإن لم يجمع. وأسقط ابن عمر الإقامة في الثانية؛ لأن الإقامة أذان في الحقيقة، كذا قَالَ: وقد علمت أن ظاهر فعل ابن عمر أنه أقام لها. وعندنا: إن جمع في وقت الأولى أذن لها وأقام لكلٍ، أو وقت الثانية وبدأ بالأولى لم يؤذن للثانية، والأولى كفائتة، فيأتي الخلاف، وجزم الإمام هنا أنه يؤذن لها؛ لأنها مؤداة، وإن بدأ بالثانية أذن لها على الأصح دون الأخرى، وقيل يؤذن لكل من صلاتي الجمع قدم أو أخر.
تنبيه:
قَالَ الداودي: أتى البخاري بهذا الحديث بهذا السند، وذكر فيه الجمع، ولم يقل: قلَّما يلبث إلا في حديث أتى به بعده، فإما أن يكون أتى ببعض الحديث، ثم أتى ببعضه في حديث آخر، ثم أتى به ها هنا على التمام، أو يكون نقص من نقل أدخل بعض الحديثين في بعض، فإن يكن المحفوظ ما هنا أنه لبث بعد المغرب شيئًا، فليس هذا صفة الجمع إلا أن يكون أراد القليل جدًا كالذي فعلوا بمزدلفة حين أناخوا رواحلهم، وإلا فلا يكون جمعًا.
(1)
"التفريع" 1/ 262.
15 - باب يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى العَصْرِ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ
فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
1111 -
حَدَّثَنَا حَسَّانُ الوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ. [1112 - مسلم: 704 - فتح: 2/ 582]
ثم ساق حديث أنس: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ.
الشرح:
حديث ابن عباس الظاهر أنه حديثه السالف
(1)
، وحديث أنس أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي أيضًا
(2)
، وشيخ البخاري فيه هو حسان بن عبد الله الواسطي الثقة، روى عنه البخاري، وروى النسائي، وابن ماجه عن رجل عنه
(3)
.
(1)
سيأتي برقم (1107) باب: الجمع في السفر بين المغرب والعشاء.
(2)
مسلم برقم (704) باب: جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، وأبو داود برقم (1218) باب: الجمع بين الصلاتين، والنسائي في "المجتبى" 1/ 284 كتاب: المواقيت.
(3)
انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 31.
16 - باب إِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ مَا زَاغَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ
1112 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا المُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ. [انظر: 1111 - مسلم: 704 - فتح: 2/ 582]
ذكر فيه حديث أنس المذكور.
وأجمع العلماء على أنه إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس فإنه يؤخر الظهر إلى العصر كل على أصله من القول بالاشتراك أو يقيم.
واختلفوا في وقت جمع المسافر بين الصلاتين، فذهبت طائفة إلى أنه يجمع بينهما في وقت إحداهما، هذا قول عطاء بن أبي رباح، وسالم، وجمهور علماء المدينة: ابن أبي الزناد، وربيعة، وغيرهم.
وحكي عن مالك أيضًا
(1)
، وبه قَالَ الشافعي، وإسحاق قالوا: إن شاء جمع بينهما في وقت الأولى، وإن شاء جمع في وقت الآخرة
(2)
.
وقالت طائفة: إذا أراد المسافر الجمع أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء.
روي هذا عن سعد بن أبي وقاص وغيره كما سلف، وإليه ذهب أحمد، وقال: وجه الجمع أن يؤخر الظهر حَتَّى يدخل وقت العصر، ثم ينزل فيجمح بينهما، ويؤخر المغرب كذلك، قَالَ: فأرجو أن لا يكون به بأس
(3)
.
(1)
"المدونة" 1/ 110.
(2)
"انظر: "التهذيب" 2/ 313.
(3)
انظر: "المغني" 3/ 139.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يصلي الظهر في آخر وقتها ثم يمكث قليلًا، ثم يصلي العصر في أول وقتها، ولا يجوز الجمع بين الصلاتين في وقت إحداها في غير عرفة ومزدلفة
(1)
.
وحجة الأولين حديث أنس السالف، فإن معنى (صلى الظهر)، أي: ثم العصر وركب، فإنه كان يؤخر الظهر إلى العصر إذا لم تزغ، فلذا يقدمها إذا زاغت، وعلى ذلك تأولوا حديث ابن عباس السالف
(2)
أيضًا أنه كان إذا زاغت الشمس.
ومن حجة أبي حنيفة وأصحابه أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤخر الجمع إلى وقت العصر إلا إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس خاصة. وأما إذا ارتحل بعد أن تزيغ فإنه كان يجمع في أول وقت الظهر ولا يؤخر الجمع إلى العصر، فهذا خلاف الحديث والآثار، وأثبتها في ذلك حديث معاذ السالف، فبان أنه كان يجمع بينهما مرة في وقت الظهر، ومرة في وقت العصر، وكذا المغرب مع العشاء، وكذا قول أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ أخر الظهر إلى وقت العصر ثم يجمع، مخالف لهم أيضًا لأنهم لا يجيزون صلاة الظهر في وقت العصر في الجمع.
ومن طريق النظر لو كان كما قالوا لكان ذلك أشد حرجًا وضيقًا من الإتيان بكل صلاة في وقتها؛ لأن وقت كل صلاة واسمع، ومراعاته أمكن من مراعاة طرفي الوقتين، ولو كان الجمع كما قالوا لجاز الجمع بين العصر والمغرب، وبين العشاء والفجر، ولما أجمع العلماء أن الجمع
(1)
انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 292.
(2)
حديث (1107).
بينهما لا يجوز علم أن المعنى في الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء إنما وردت به السنة للرخصة في اشتراك وقتيهما، فإذا صليت كل صلاة في وقتها فلا يسمى جمعًا. وليس في حديث أنس تقديم العصر إلى الظهر إذا زاغت وذلك محفوظ في حديث معاذ وهو قاطع للالتباس؛ فإن الجمع بينهما إذا زاغت نازلًا كان أو سائرًا جد به السير أو لم يجد على خلاف ما تأوله المخالف، وهو حجة أيضًا على من أجاز الجمع، وإذا لم يجد به السير.
وارتكب الداودي مذهب المخالف فقال: هذا هو المعمول به، يصلي الظهر آخر وقتها، والعصر ليس أول وقتها، وليس ما قيل: إنه يجمع إذا ارتحل بعد الزوال بينهما حينئذ بشيء. قَالَ: وإنما تعلق من قاله بجمع عرفة. قَالَ: وتلك سنة لا يقاس عليها، ولا شك أن الصحابة قصدت برواياتهم الإخبار عن صفة يختص بها السفر، وما ذكره المخالف يمكن في الحضر مثله، فلا خصوصية إذن، وقد اعتنى بالصلاة آكد من الوقت، وقد أثر السفر في ترك النقص، فالوقت أولى.
17 - باب صَلَاةِ الْقَاعِدِ
1113 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:"إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا". [انظر: 688 - مسلم: 412 - فتح: 2/ 584]
1114 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ -أَوْ فَجُحِشَ- شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا قُعُودًا، وَقَالَ:"إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". [انظر: 378 - مسلم: 411 - فتح: 2/ 584]
1115 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ -وَكَانَ مَبْسُورًا- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ: "إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهْوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ". [1116، 1117 - فتح: 2/ 584]
ذكر فيه حديث عائشة أنها قالت: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ .. الحديث.
وحديث أنس: سَقَطَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فَرَسٍ .. الحديث.
وحديث عمران بن حصين: من حديث رَوْحِ بْنُ عُبَادَةَ، عن حُسَيْنٍ،
عَنْ عَبْدِ اللهِ ئنِ بُرَيْدَةَ، عنه أَنَّهُ سَأَل رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وفي لفظ عن عَبْدِ الصَّمَدِ، عن أبيه، عن الحُسَيْنِ به، عن عِمْرَانَ -وَكَانَ مَبْسُورًا- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا، فَقَالَ:"إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهْوَ أفضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ".
ثم ترجم على حديث عمران:
18 - باب صَلَاةِ الْقَاعِدِ بِالإِيمَاءِ
1116 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ -وَكَانَ رَجُلًا مَبْسُورًا، وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ مَرَّةً: عَنْ عِمْرَانَ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ:"مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهْوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: نَائِمًا عِنْدِي مُضْطَجِعًا هَا هُنَا. [انظر: 1115 - فتح: 2/ 586]
ثم ساقه باللفظ المذكور من حديث عبد الوارث عن حسين. ثم ترجم عليه:
19 - باب إِذَا لَمْ يُطِقْ أن يصلي قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ.
1117 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ:"صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ". [انظر: 1115 - فتح: 2/ 587].
ثم ساقه من حديث إبراهيم بن طهمان عن الحسين به، بلفظ: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب.
وحديث عمران هذا من أفراد البخاري، وأخرجه الأربعة أيضًا
(1)
.
وقال الترمذي حديث حسن صحيح. ولا نعلم أحدًا روى عن الحسين المعلم نحو رواية إبراهيم بن طهمان، وقد روى أبو أسامة، وغير واحد عن الحسين المعلم نحو رواية عيسى بن يونس
(2)
.
وكما رواه أبو حاتم ابن حبان في "صحيحه". وقد رواه عن أبي أسامة، عن حسين المعلم، عن ابن بريدة، عن عمران، قال: هذا
(1)
أبو داود برقم (952) باب: في صلاة القاعد، والترمذي برقم (372) باب: ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، والنسائي في "المجتبى" 3/ 223 - 224 كتاب: قيام الليل، وابن ماجه برقم (1231) باب: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم.
(2)
"سنن الترمذي" 2/ 208.
إسناد قد يتوهم من لا معرفة عنده أنه منفصل غير متصل، وليس كذلك، فإن عبد الله بن بريدة ولد في الثالثة من خلافة عمر سنة خمس عشرة هو وسليمان بن بريدة أخوه توأم، فلما وقعت فتنة عثمان بالمدينة خرج مدة عنها وسكن البصرة وبها عمران بن حصين فسمع منه
(1)
.
إذا تقرر ذلك، فالكلام عليه من أوجه:
أحدها:
البخاري روى الأول عن إسحاق بن منصور، عن روح بن عبادة، عن الحسين، ثم قَالَ: وحَدَّثَنَا إسحاق أنا عبد الصمد، سمعت أبي: ثنا الحسين.
وإسحاق هذا الظاهر أنه ابن منصور. وذكر الكلاباذي أن إسحاق بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم يرويان عن عبد الصمد.
وروى مسلم في كتابه، عن إسحاق بن منصور، عن عبد الصمد بن عبد الوارث
(2)
.
قَالَ الجياني: قَالَ البخاري: حَدَّثنَا عبدان، عن ابن المبارك، عن
إبراهيم بن طهمان: حَدَّثَني حسين المعلم، عن ابن بريدة. الحديث.
قَالَ: سقط ذكر ابن المبارك من نسخة أبي زيد في هذا الإسناد، والصواب: عبدان، عن ابن المبارك، عن ابن طهمان
(3)
.
(1)
"صحيح ابن حبان" 6/ 258 - 259 (2513).
(2)
تقدم ذكر ذلك وأنه في كتاب الحج في موضعين (1321/ 368)، (1374/ 476) ومواضع أخر.
(3)
"تقييد المهمل" للجياني 2/ 598 - 599.
ثانيها:
قَالَ الإسماعيلي: ترجم الباب بصلاة القاعد بالإيماء، وذكر حديث عبد الوارث. قَالَ: وهذا تصحيف؛ وذلك أنا روينا عن القاسم، عن الزعفراني، عن عفان، عن عبد الوارث هذا الحديث نائمًا، وقال فيه: قَالَ عبد الوارث: والنائم: المضطجع فوقع التصحيف في نائمًا فقال: قائمًا.
قَالَ الإسماعيلي: والمعنى على جنب، وسائر الأحاديث تفسره، وتفسير عبد الوارث يوضح الأمر، وهذا في التطوع منهما. وفي بعض نسخ البخاري: قَالَ أبو عبد الله: نائمًا عندي: مضطجعًا عندي ها هنا.
قَالَ ابن بطال: وقد غلط النسائي في هذا الحديث، وترجم له: باب: صلاة النائم
(1)
. فظن قوله: بإيماء نائمًا، والغلط ظاهر؛ لأنه قد ثبت عن الشارع قطع الصلاة عند غلبة النوم، وهي مباحة له، وله عليها نصف أجر القاعد.
قَالَ: وحديث عمران إنما ورد في صلاة النافلة؛ لأن المصلي فرضه جالسًا لا يخلو أن يكون مطيقًا على القيام أو عاجزًا، فإن كان مطيقًا وصلى جالسًا فلا تجزئه صلاته، فكيف يكون له نصف فرض مصلٍ، فإذا عجز عن القيام فقد سقط عنه فرضه، وانتقل فرضه إلى الجلوس، فإذا صلى جالسًا، فليس المصلي قائمًا أفضل منه، وأما قوله:"من صلى نائمًا فله نصف أجر صلاة القاعد"، فلا يصح معناه عند العلماء؛ لأنهم مجمعون أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماءً.
قلتُ: لا إجماع؛ فهو عندنا وجه أنه يجوز مضطجعًا مومئًا.
(1)
"المجتبى" 3/ 223 - 224. قال: فضل صلاة القاعد على صلاة النائم.
ثم قَالَ: وإنما دخل الوهم على ناقل هذا الحديث فأدخل معنى الفرض في لفظ النافلة، ألا ترى قوله:(كان مبسورًا). وهذا يدل على أنه لم يكن يقدر على أكثر بما أدى به فرضه، وهذِه صفة صلاة الفرض. ولا خلاف أنه لا يقال لمن لا يقدر على الشيء: لك نصف أجر القادر عليه. بل الآثار الثابتة عن الشارع أنه من منعه الله، وحبسه عن عمله بمرض أو غيره، فإنه يكتب له أجر عمله وهو صحيح، ورواية عبد الوارث، وروح بن عبادة عن حسين هذا تدفعه الأصول، والذي يصح فيه رواية إبراهيم بن طهمان، عن حسين، وهو في الفرض هذا لفظه. وبخط الدمياطي حديث ابن طهمان أصح من هذا؛ لأن من صلى على جنب في الفرض أجره تام لعذر المرض، ومن صلى على جنب في النافلة مع القدرة على الق عود أو القيام لا يجوز. أدخل معنى الفرض في التنفل فوهم.
قلتُ: قوله: لا يجوز. هو وجه عندنا، والأصح جوازه.
وقال ابن بطال في الباب بعده: حديث عمران هذا تعضده الأصول، ولا يختلف الفقهاء في معناه، وهو أصح معنى من حديث روح، وعبد الوارث، عن حسين
(1)
.
وأغرب ابن التين فقال: قوله: "ومن صلى نائمًا فله نصف أجر القاعد". ذكره بالنون.
قَالَ: وفي رواية الأصيلي: "بإيماء"، ويدل عليه تبويب البخاري بذلك، فيكون معناه: ومن صلى قاعدًا بإيماء كان نصف أجر من صلى قاعدًا يركع ويسجد.
(1)
"شرح ابن بطال" 3/ 102 - 104.
قَالَ: وقوله: "بإيماء"، يريد مضطجعًا، قاله البخاري. وقال الخطابي: لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائمًا كما رخصوا فيها قاعدًا. فإن صحت هذِه اللفظة عن الشارع ولم يكن من كلام بعض الرواة أدرجه في الحديث، وقاسه على صلاة القاعد إذا اعتبره بصلاة المريض نائمًا إذا لم يقدر على القعود، فإن التطوع مضطجعًا للقادر على القعود جائز، كما يجوز للمسافر أن يتطوع على راحلته. وأما من جهة القياس فلا يجوز أن يصلي مضطجعًا، كلما يجوز أن يصلي قاعدًا؛ لأن القعود شكل من أشكال الصلاة، وليس الاضطجاع شيء من أشكال الصلاة
(1)
.
وقال الخطابي: كنت تأولت هذا الحديث على أن المراد به التطوع، وعليه تأوله أبو عبيد وغيره، إلا أن قوله:"من صلى نائمًا" يفسد هذا التأويل؛ لأن المضطجع لا يصلي تطوعًا كما يصلي القاعد، فرأيت الآن أن المراد المريض المفترض الذي عليه أن يتحامل فيقوم مع مشقة، فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم، ترغيبًا له في القيام مع جواز قعوده وكذا المضطجع الذي لو تحامل لأمكنه القعود مع شدة المشقة، والمراد بالنوم: الاضطجاع كما قال: "فإن لم تستطع فعلى جنب"
(2)
.
وقَالَ الترمذي: معنى الحديث عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع. وساق بسنده إلى الحسن قَالَ: إن شاء الرجل صلى صلاته للتطوع قائمًا، وجالسًا، ومضطجعًا.
(1)
"معالم السنن" 1/ 194.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 630 - 631.
قَالَ: واختلف أهل العلم في صلاة المريض إذا لم يستطع أن يصلي جالسًا، فقال بعض أهل العلم: يصلي على جنبه الأيمن. وقال بعضهم: يصلي مستلقيًا على قفاه ورجلاه إلى القبلة. وقال الثوري: إنه في الصحيح ولمن لا عذر له. فأما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسًا فله مثل أجر القائم، وقد روي في بعض الحديث مثل قول سفيان
(1)
.
ثالثها: في فقه الباب:
أما حديث عائشة ففيه: أنه من لم يقدر على صلاة الفريضة لعلة نزلت به، فإن فرضه الجلوس؛ ألا ترى قولها:(وهو شاك)، وكذا في حديث أنس أنه سقط من الفرس، فأراد البخاري أن الفريضة لا يصليها أحد جالسًا إلا من شكوى تمنعه من القيام. والعلماء مجمعون على أن فرض من لا يطيق القيام أن يصلي الفريضة جالسًا ثم مضطجعًا، وقد سلف في أبواب الإمامة في باب: إنما جُعل الإِمام ليؤتم به
(2)
، اختلافهم في إمامة القاعد، فأغنى عن إعادته.
ولخص ابن التين الاختلاف السابق فقال: اختلف في هذا الحديث في موضعين:
أحدهما: هل المراد به النافلة، أو الفريضة، أو هما؟
والثاني: هل هو في الصحيح، أو فيه والمريض؟
فأكثر أهل تفسير الحديث منهم القاضي إسماعيل، والداودي، وأبو عبيد، وأبو عبد الملك على أنه محمولٌ على النافلة.
(1)
"سنن الترمذي" 2/ 209 - 210.
(2)
راجع شرح حديث (689).
وقال الخطابي: هو محمولٌ على الفريضة
(1)
. وقال أبو الوليد: هو محمول عليهما، وعلى النافلة. واختلف في صفة حمله عليها، فقال الخطابي: هو في المريض المستطيع القيام بمشقة
(2)
.
وقال أبو الوليد: هو من لا يستطيع القيام في الفريضة.
وأمَّا الثاني: فقال جماعة منهم عبد الملك بن الماجشون: إنه في المستطيع القيام أما غيره فالمكتوبة وغيرها سواء.
وقال أبو الوليد: صلاةُ القاعد على النصف في موضعين:
من صلَّى الفريضةَ غير مستطيع للقيام.
ومن صلَّى النافلة مستطيعًا أو غير مستطيع.
فرع:
لا شك في جواز النافلة جالسًا؛ ودليله من السنة أيضًا حديث عائشة الآتي عقب هذا الباب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي جالسًا فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي عليه من السورة نحو من ثلاثين أو أربعين آيةً
…
الحديث
(3)
فخصت بذلك الآية في قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] على قول من يقول: إنها تتناول الفرض والنفل.
فرع:
اختلف عنها في جواز النافلة مضطجعًا على وجهين: أصحهما: نعم؛ لحديث الباب.
وهل يجوز بالإيماء؟ فيه وجهان: أصحهما: لا.
(1)
"معالم السنن" 1/ 195.
(2)
"أعلام الحديث" 1/ 631.
(3)
يأتي برقم (1119) باب: إذا صلَّى قاعدًا ثمَّ صحَّ أو وجد خفة تمم ما بقي.
وفي جوازها مستلقيًا وجهان: أصحهما: المنع.
ومشهور مذهب مالك جواز النافلة مضطجعًا للمريض، ومنعه للصحيح
(1)
.
وفي "النوادر": منع المريض
(2)
.
وأجاز ذلك الأبهري للصحيح، واحتج بحديث عمران هذا.
قال فإذا قلنا: يصلي مضطجعًا فعلى جنبه لقوله: ("فَعَلَى جَنْبٍ") ففيه منع الاستلقاء وليس الباسور المذكور في الحديث علة جواز هذا، ولكنه بتصادف الحال.
قَالَ: ورخص في الحديث الإيماء بغير علة، وهذا مثل قول ابن حبيب، وابن القاسم لا يجيز ذلك.
قَالَ: ومن لم يستطع الجلوس صلَّى على جنبه الأيمن كما يجعل في سجوده، وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم: يبتدأ بالظهر قبل الجنب. قال: وهو وهم.
دليل الأول حديث عمران هذا: "فعلى جنب" يريد: الأيمن. وفي "المدونة" قَالَ: إن لم يستطع الجلوس جلس على جنبه أو ظهره
(3)
، فإذا قلنا: يبدأ بالأيمن، فإن لم يقدر عليه فعلى الأيسر كما قاله محمد، فإن لم يقدره فعلى ظهره، ورجلاه إلى القبلة.
وقال سحنون: إن لم يقدر على الأيمن فعلى ظهره، وإن قلنا: يبدأ بظهره، فإن لم يقدره فعلى جنبه الأيمن، فإن لم يقدر فعلى الأيسر
(4)
.
(1)
"المدونة" 1/ 78.
(2)
"النوادر والزيادات" 1/ 251.
(3)
"المدونة" 1/ 78.
(4)
انظر: "الذخيرة" 2/ 162.
فائدة:
البواسير -بالباء- واحدها باسور، وهو علة تحدث في المقعدة، وفي داخل الأنف أيضًا، والناسور بالنون قريب منه، إلا أنه لا يسمى ناسورًا إلا إذا جرى وتفتحت أفواه عروقه من داخل المخرج، وحكي فيه الصاد أيضًا مع النون.
20 - باب إِذَا صَلَّى قَاعِدًا [ثُمَّ صَحَّ]
(1)
أَوْ وَجَدَ خِفَّةً تَمَّمَ مَا بَقِيَ
وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ شَاءَ الْمَرِيضُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا وَرَكْعَتَيْنِ قَاعِدًا.
1118 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ، فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً، ثُمَّ رَكَعَ. [1119، 1148، 4837 - مسلم: 731 - فتح: 2/ 589]
1119 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَبِي النَّضْرِ -مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهْوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهْوَ قَائِمٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَسْجُدُ، يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ نَظَرَ، فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ. [انظر: 1118 - مسلم: 731 - فتح: 2/ 589]
وذكر فيه حديث عائشة: أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ، فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً، ثُمَّ رَكَعَ.
وحديثها: أنه عليه السلام كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهْوَ جَالِسٌ .. الحديث.
الشرح:
هذا الحديث أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه
(1)
غير موجودة بالأصل ومثبت من الصحيح.
أيضًا
(1)
، وقول الحسن: أخرجه ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن مغيرة، وعن يونس، عن الحسن أنهما قالا: يصلي المريض على الحالة التي هو عليها
(2)
. وفي الترمذي عن الحسن: إن شاء الرجل صلى التطوع قائما وجالسًا ومضطجعًا
(3)
.
وقال ابن التين: إنه لا وجه له؛ لأنه قَالَ: إن شاء وفرض القيام لا يسقط عمن قدر عليه، إلا أن يريد إن شاء بكلفة كبيرة.
قَالَ الحميدي: وليس لعلقمة عن عائشة في "صحيح مسلم" غير هذا
(4)
.
قلتُ: علقمة أحد الأربعة الذين حدث عنهم الزهري حديث الإفك عن عائشة
(5)
.
واعترض ابن بطال فقال: ترجم للفرض، وذكر النافلة ووجه استنباط البخاري منه الفرض أنه لما جاز في النافلة القعود لغير علة مانعة من القيام، وكان صلى الله عليه وسلم يقوم فيها قبل الركوع، كانت الفريضة التي لا يجوز فيها إلا بعدم القدرة على القيام أولى أن يلزم القيام فيها إذا ارتفعت العلة المانعة منه
(6)
.
(1)
مسلم برقم (731) باب: جواز النافلة قائمًا وقاعدًا، وأبو داود برقم (953) باب: في صلاة القاعد، والنسائي في "المجتبى" 3/ 220 كتاب: قيام الليل، وابن ماجه برقم (1227) باب: في صلاة النافلة قاعدًا.
(2)
"المصنف" 1/ 245 (2814) من قال: المريض يومئ إيماءً.
(3)
"سنن الترمذي" 2/ 209.
(4)
"الجمع بين الصحيحين" 4/ 96.
ورواية علقمة عن عائشة رواها مسلم برقم (731/ 114).
(5)
مسلم (2770) في التوبة، باب: في حديث الإفك وقبول توبة القاذف.
والأربعة هم: علقمة بن وقاص وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. والحديث سيأتي برقم (2661) عنهم.
(6)
"شرح ابن بطال" 3/ 104 - 105.
وقال ابن المنير بعد أن سأل: ما وجه دخول الترجمة في الفقه؟ ومن المعلوم ضرورة أن القيام إنما سقط لمانع منه، فإذا جاءت الصحة وزال المانع وجب الإتمام قائما.
فإنما أراد دفع خيال من تخيل أن الصلاة لا تتبعض فإما (أنها)
(1)
كلها تُستأنف إذا صح القيام، وإما جالسًا كلها إذا استصحب العلة، فبين بهذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يحتفظ على القيام في النافلة ما أمكنه، ولمَّا أسن تعذر عليه استيعابها بالقيام فبعَّضها، فكذلك الفريضة إذا زال المانع لما يستأنفها بطريق الأولى
(2)
.
وقال ابن التين: مراد النافلة (
…
)
(3)
تتم للفريضة وجاء بحديث النفل.
وقولها: بالليل ونبهت بالليل على فعله من الفريضة التي هي آكد، وقصدت أيضًا الإخبار عن فعله باللفظ الخاص؛ لأنها لو قالت: يصلِّي قائمًا لجاز أن يكون في الفرض دون النفل فلا يحصل في ذلك الحث والتأكيد في قيام النافلة ثم قالت: (حَتَّى أسن فكان يصلي قاعدًا). فأخبرت عن عذره بالسن؛ إبقاء على نفسه؛ ليستديم الصلاة، ثم قالت:(حَتَّى إذا أرادَ أنْ يركعَ قام فقرأ). فأخبرت بمواظبته على القيام وأنه كان لا يجلس عما يطيقه من ذلك.
وفيه: أنَّ من لم يطق القيام في جميع صلاته قام ما يطيقه منها، ولا خلاف فيه في النافلة، ثم هذا لمن افتتح النافلة قاعدًا، فإن
(1)
كذا بالأصل، وفي "المتواري": قائمًا.
(2)
"المتواري" ص 116.
(3)
كلمة غير واضحة بالأصل.
افتتحها قائمًا ثم اراد أن يجلس فذلك له عند ابن القاسم
(1)
وأباه أشهب، إتمامًا لما افتتح به.
وقولها: (فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا .. ) إلى آخره. ظاهره تكرار ذلك منه وإن فعله لضعف عن القيام في جميعها، ولم يكن ذلك لأمر طرأ له في بعض الصلاة، وإلا لخرج عن حد الجواز في النافلة، لما ذكرناه.
وأمَّا الفرض فإن افتتحها قاعدًا؛ لعجزه عن القيام، ثم أطاقه لزمه، ولو افتتح قائمًا ثم عجز أتمها قاعدًا. وبه قَالَ أبو حنيفة، والثوري، والشافعي
(2)
.
وقال محمد بن الحسن: يستأنف الصلاة إلا أن يتمادى قائمًا. وكذا قَالَ أبو يوسف، وكذا نقله ابن بطال عنهما: والذي في البداية عدم التفرقة. ولا شك أن طرءان العجز بعد القدرة لعلة، والعجز عن الركن لا يبطل حكم الركن المقدور عليه، كما أنَّ القدرة إذا طرأت لم تبطل حكم ما مضى
(3)
.
وقال ابن القاسم في المريض: يصلِّي مضطجعًا أو قاعدًا، ثم يخف عنه المرض فيجد قوةً أنه يقوم في الباقي
(4)
، وهو قول زفر، والشافعي.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: إن صلى ركعةً مضطجعًا، ثم صح أنه يستقبل الصلاة ولو كان قاعدًا يركع ويسجد بني في قول أبي حنيفة، ولم يبن في قول محمد بن الحسن، ووجه البناء أن قدرته على القعود بعد الإيماء توجب البناء، فكذا قدرته على القيام؛ لأنه أصل كالقعود
(5)
.
(1)
انظر: "الذخيرة" 2/ 164.
(2)
انظر: "المبسوط" 1/ 212.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 105.
(4)
"المدونة" 1/ 80.
(5)
انظر: "فتح القدير" 2/ 6 - 7، 8.
لا يقال: إن القاعد يقدر على الركوع والسجود، والمومئ لا يقدر عليه والقادر معه بدل على القيام، والمومئ لابدل معه؛ لأن صلاته بالإيماء صحيحة كقدرته على القيام والقعود، فقد استوت أحواله، فإذا كان عجزه عن فرض لا يبطل الآخر ويبني عليه فكذا القدرة.
لا يقال: قد جوزنا مصلي إمامة القاعد دون المومئ فثبت الفرق؛ لأن القاعد معه بدل القيام والسجود جميعًا، وقد صح عقده لتكبيرة الإحرام، كما يصح في قيامه وقعوده، وأما التفرقة بينهما في الإمامة فليس إذا أبطلنا حكم المأموم لعلة في الإمام وجب أن يبطل صلاة الإمام، وصلاة المومئ في نفسه صحيحة، وإن لم يصح الائتمام به كصلاة المرأة هي صحيحة، وإن لم يصح الائتمام بها، والأمى بالقارئ، واختلفوا في النافلة يفتتحها قاعدًا هل يجوز له أن يركع قائمًا؟ فكرهه قومٌ لحديث عائشة: كان صلى الله عليه وسلم يكثر الصلاة قائمًا وقاعدًا، فإذا صلَّى قائمًا ركع قائمًا، ماذا صلى قاعدًا ركع قاعدًا
(1)
.
وخالفهم آخرون وأجازوه لحديث عائشة في الباب. وهو قول أبي
(1)
رواه مسلم (730) كتاب: صلاة المسافرين، باب: جواز النافلة قائمًا وقاعدًا، وفعل بعض الركعة قائمًا وبعضها قاعدًا، وأبو داود (955) كتاب: الصلاة، باب: في صلاة القاعد، والنسائي 3/ 219 - 220 كتاب: قيام الليل، وابن ماجه (1228) كتاب: إقامة الصلاة، باب: في صلاة النافلة قاعدًا، وابن خزيمة في "صحيحه" 2/ 239 (1246 - 1247)، 2/ 241 (1248) كتاب: الصلاة، باب: ذكر ضروري عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة صلاته جالسًا، وأبو عوانة في "مسنده" 1/ 530 (1982) كتاب: الصلوات، باب: الإباحة للمصلي إذا افتتح الصلاة قائمًا أن يركع قاعدًا، وابن حبان في "صحيحه" 6/ 255 - 256 (2510) كتاب: الصلاة، باب: النوافل.
حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد. وهو قياس قول مالك وقاله أشهب
(1)
، وحديثها هذا أولى من ذاك؛ لأن في هذا أنه كان يركع قائمًا بعد ما افتتحها قاعدًا، وهو نص في موضع الخلاف؛ لتماديه على الركوع في ذاك الحديث حَتَّى يركعَ قاعدًا لا يدل أنه ليس له أن يقومَ فيركع قائمًا، وقيامه من قعود حَتَّى يركع قائمًا يدل أن له أن يركع قائمًا بعدما افتتح قاعدًا، وهو حكم زائد، والزيادة يجب الأخذ بها؛ فلذلك جعلناه أولى من حديثها ذاك.
وقال مالك: من افتتح النافلة قائمًا، ثم شاء الجلوس له ذلك.
وخالفه أشهب فقال: لا يجلس لغير عذر
(2)
وقد لزمه تمامها بما نوى فيها من القيام، فإن فعل أعاد، إلا أن يُغلب فلا قضاء عليه
(3)
.
وقولها في الحديث: (ففعل في الثانية مثل ذلك). ذاك للأول، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ينوي ذلك عند افتتاحه. ولعل أشهب لا يمنع ذلك إذا نوى فيه الجلوس، وإنما يمنعه إذا نوى القيام أو أطلق نيته.
وقولها: (فإذا بقي من قراءته قدر ثلاثين). ظاهره أن ما يقرأ قبل القيام أكثر؛ لأن البقية لا تطلق في الأغلب إلا على الأقل.
وفيه: حديث الرجل آخر الليل بخلاف حديثه قبل النوم.
وفيه: الاضطجاع بعد التهجد إذا لم يحدث أهله، ومفهوم هذا أنَّ اضطجاعه نوم.
(1)
انظر: "فتح القدير" 2/ 6 - 7، "شرح معاني الآثار" 1/ 408، "المدونة" 1/ 77، "النوادر والزيادات" 1/ 256.
(2)
"المدونة" 1/ 80، انظر:"النوادر والزيادات" 1/ 259.
(3)
"شرح ابن بطال" 3/ 106 - 107.