المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تابع [حرف الباء] بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌(البهنسا) يسمى بهذا الاسم مدينتان إحداهما - الخطط التوفيقية الجديدة - جـ ١٠

[علي مبارك]

فهرس الكتاب

تابع [حرف الباء]

بسم الله الرحمن الرحيم

(البهنسا)

يسمى بهذا الاسم مدينتان إحداهما بالواحات والأخرى البلدة المشهورة التى بالصعيد الأوسط بين منية ابن خصيب وبنى سويف إلى جهة الغرب وكان يقال لهذه بمج أو بمجة-كلمة قبطية تستعمل مفردة ومضافة إلى كلمة اكسيرانيكوس.

وكان لها شهرة عظيمة فى عهد ملوك مصر قبل الإسلام وقد تخربّت واندرست آثارها وغطتها الرمال المنسوفة من الصحراء وقد خلفتها فى تلولها من الجهة الشرقية القرية الموجودة الآن المسماة باسمها وهى على الشاطئ الغربى من بحر يوسف من بلاد مديرية المنية بقسم الجرنوس وكان مسطح أرضها نحو ألف فدان ويظهر من كلام يعضهم أن مدينة غين الأولى كانت فى محل هذه المدينة قبل حدوثها أتلفتها أيدى الحوادث وغطت الرمال آثارها أيضا.

وفى زمن الفرنساوية كانت الرمال قد زحفت على البهنسا حتى أتلفت كثيرا من أرض مزارعها كما أن غارات العرب فى الأزمان السابقة أوجبت تخربها وقد نقل أهل البلاد المجاورة أنقاضها واستعملوها فى أبنيتهم وكان أكثر مبانيها بالطوب المحرق وكانت قاعدة إقليم ينسب إليها وقد أطال المقريزى الكلام عليها فى خططه فذكر فى ذلك:

إنه كان يعمل بها الستور البهنسية ونسيج المطرز والمقاطع السلطانية والمضارب

ص: 1

الكبار والثياب المحبرة وكان ما يعمل بها من الستور يبلغ طول الستر الواحد منه ثلاثين ذراعا وقيمة الزوج منه مائتا مثقال ذهب وإذا صنع بها شئ من الستور والأكسية والثياب من الصوف أو القطن فلا بد أن يكون فيها اسم المتخذله مكتوبا على ذلك مضوا جيلا بعد جيل.

وقيل إنه كان فى إقليمها مائة وعشرون قرية غير الكفور، وقبط مصر مجمعون على أن المسيح وأمه كانا بالبهنسا ثم انتقلا عنها ورجعا إلى القدس وقال بعض المفسرين فى قوله تعالى فى المسيح وأمّه «وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ»

(1)

الربوة البهنسا ا. هـ.

وكانت تلك المدينة وقت فتح المسلمين بلاد مصر عالية الجدران حصينة الاسوار والبنيان منيعة الأبراج والأركان وكان لها أبواب أربعة إلى الجهات الأربعة البحرى يقال له: باب قندس، والغربى باب الجبل والقبلى باب توما وكان لكل باب ثلاثة أبراج بين كل برجين شرفات وكان بها أربعون رباطا وكنائس وقصور فلما أخذت بالفتح تغيرت معالمها واندرس كثير من آثارها وتجددت بها آثار إسلامية فكانت من أعظم بلاد مصر وكان بها مساجد كثيرة وآثار البلد القديمة فيما حكاه الفرنساوية لم يظهر منها إلا القليل كبعض أعمدة وقطع حجارة ورخام وأكثر أعمدة الجوامع القديمة أخذت من كنائسها وهى معابد المصريين الأول، فلو أزيلت الرمال لظهر من آثارها أشياء كثيرة تنبئ عن تواريخ مدة الرومانيين واليونان وغيرهم، لأن هذه المدينة كانت عرضة للتقلبات زيادة عن غيرها وكانت من أعظم المراكز فى زمن النصرانية ا. هـ.

وفيما بعد كان لها ولأعمالها حراج وأشجار كثيرة تؤخذ لعمل المراكب ونحوها كما كان مثل ذلك فى جهات كثيرة من الوجه القبلى.

(1)

سورة المؤمنون/50.

ص: 2

‌مطلب الحراج

قال ابن مماتى الحراج فى الوجه القبلى من الديار المصرية بالبهنسا فى سفط رشين ومنبال وأسطال وبالأشمونين وبالسيوطية وبالاخميمية وبالقوصية ولم تزل الأوامر السلطانية خارجة بحراستها وحمايتها والمنع منها والدفع عنها وأن توفر على عمائر الأساطيل المظفرة ولا يقطع منها إلا ما تدعو اليه الحاجة وتوجبه الضرورة إلا أن الولاة تنحوا عن حفظها وقطعوا أشجارها حتى لم يبق بقوص منها إلا ما لا يعبأ به وأما حراج البهنسية فإنه كان ورد علىّ كتاب كريم من السلطان رضي الله عنه وسقى عهده وروض لحده/بأن ندب إليها من يكشف عما استضافه المقطعون من أرضها فوجد أن المأخوذ منها ثلاثة عشر ألف فدان ولا يتعجب من تعديهم على مثل هذه الجملة بل يتعجب على حراج يتحيف من جملة أرضها ثلاثة عشر ألف فدان ولا يؤثر ذلك فيها.

ولقد بلغنى أن فيها من عيدان المقاصر ما يساوى العود منها مائة دينار ولهذه الحراج رسم يستخرج من النواحى يقال له مقرة السنط، كأنه شئ قرر على النواحى قبالة ما يأخذونه من الأخشاب برسم عمائرهم أو أجرة من يباشر قطعها على سبيل النيابة عنهم واستمرت وليس بالكثير وأجرة القطع والجر على كل مائة حملة دينار واحد والمشروط على المستخدمين فيما يؤخذ من خطوطهم أنهم لا يقطعون شيئا من خشب العمل الصالح لعمائر الأسطول وإنما يقطعون الأطراف والهشيم وما ينتفع به فى الوقود ويسمى حطب النار وعادة الديوان أن يبايعوا التجار على هذا الحطب بما مبلغه عن كل مائة حملة أربعة دنانير من الأشمونين وأسيوط واخميم وقوص ويكتب المستخدمون بذلك فإذا وصلت مراكبهم اعتبر ما فيها فما كان فيها من خشب العمل استهلك للديوان وما كان من حطب النار قوبل به ما فى الرسالة المسيرة صحبتهم فإن كان فيها زيادة عما نظمته أخذت وربما استخرج منه ثمن الزائد معه بنسبة ما كان اشترى من مستخدمىّ الديوان.

فأما حراج البهنسا فلم تجر العادة أن يباع منها شئ إلا أن فضل عما تحتاج

ص: 3

إليه المطابخ ولو أطلق ببيع شئ منها يبذل فى المائة حملة من الثمانية دنانير الى العشرة لأمرين الأول لقرب متناوله وقلة كلفه، والثانى لجودة صنفه وغلاء سعره.

ثم قال: والقرظ هو ثمرة السنط المشار إليه وليس لأحد من الناس أن يتصرف فيه سوى مستخدمى الديوان ومتى وجدوا منه شيئا لم يكن اشترى منهم استهلكوه وليس له سعر مع المائة أردب المطحونة تساوى من سبعين دينارا إلى ثلثمائة دينار على قدر اجتهاد المستخدم وأمانته وحسن تصرفه وهو يكثر فى وقت ويقل فى وقت قال وساحل السنط له مستخدمون لتسليم الواصل منه للديوان وبيعه واعتباره وتحصيل ما يتحصل منه وله ريع يرد عينا وحطبا ولا يعتد للمستخدمين فيه، ولا للمستخدمين فى الحراج بشئ من أخشاب العمل المأمور بقطعها لعمارة الأسطول، ثم قال: وأرباع الكبك مراكب تعمر من هذه الحراج المتقدم ذكرها فإذا وصلت إلى ساحل مصر قومت أو نودى عليها فمهما بلغت إليه من الثمن طولب صاحبها بحق الربع من القيمة ضريبة استمرت وحالة استقرت وكان المستخدمون قد حافوا على أرباب المراكب واضطروهم بسوء المعاملة إلى التظلم فيهم وخرج الأمر بإبطال هذا الباب وتعفية رسمه ومسامحة الناس به فمن طمع فيه المستخدمون أخذوا منه بعض ما كان يؤخذ مصالحة ومن استخشنوا جانبه تجنبوه انتهى.

وقد ذكرنا طرفا من ذلك فى الكلام على قليوب ويعلم من ذلك ومن مواضع كثيرة مما نقله المؤرخون: أن شجر السنط كان معنى به فى سائر بلاد مصر وكان أكثر زرعه فى حواجر الجبال لفوائد كثيرة من جملتها تقليل انتساف الرمال على أراضى المزارع وعمل المراكب وخلافها وإلى الآن يوجد من ذلك بقية فى مواضع متفرقة من حواجر الجبل الشرقى والغربى كالذى فى تجاه طهما بمديرية الجيزة فقد نقل لى من رآه أنه كثير ممتد فى الحاجر نحو خمسمائة متر وفى قبلى طهما نوع آخر أبيض اللون عتيق تزعم العامّة أنه من زمن الصحابة ويتحرجّون من قطعه.

وأخبرنى عبد الرحمن بيك باشمهندس الأقاليم القبلية سابقا أن فى بحرى البهنسا القديمة نقبا فى الجبل يشبه باب غار سعنه نحو عشرة أمتار فى مثلها وفى بعض السنين تردمه الرمال وهو من داخله يشبه البئر فإذا نزل فيه الإنسان نحو عشرة أمتار يجد ماء عمقه أكثر من قصبة ويرى على بعد كأن الجبل منحوت ويشاهد أعمدة

ص: 4

كثيرة ونقل عن الأهالى إن هذا الماء بعيد الامتداد وأن الملتزمين فى الأزمان السابقة أنزلوا فيه قوارب ووضعوا فيها ما يلزم من النور والزاد وسيروها فيه فلم يقفوا له على حد.

وفى النهاية الغربية للبلد القديمة محل شهير بالسبع بنات فيه نوع انحدار وفيه مراغة تتمرغ الناس فيها ذكورا وإناثا لطلب الشفاء وبعد تلك المدينة عن مدينة آبة الوقف 30 ميلا رومانيا أعنى 44500 متر وهو كما بين البهنسا وطحا العمودين تقريبا.

وفى مؤلفات استرابون أن أهالى هذه المدينة كانوا يقدسون نوعا من السمك يسمى أوكسيزانكوس وهو الذى سماه الأب سيكار العبيدى كما أن جملة من الحيوان كالثور والكلب والقط كانت مقدسة فى مدن أخر، ومن الطيور الصقر والطير أبيس ومن السمك يوميدوتوس وأكسيزانكوس ويوجد هذا النوع الأخير مرسوما على جدران المبانى القديمة ويتميز عن غيره بطول فى رأسه وطوله نحو نصف قدم فقط ويوجد كثير منه مصنوعا من معدن كالتنج فضلا عن رسمه على المبانى، وتوجد أيضا صورته محفوظة فى بعض خزائن/التحف مرسومة فى الكتب التى وجدت ويعلم من ذلك ثبوت القول بتقديسه ودخوله فى ديانة المصريين، ويقال إن سبب ذلك أن هذه البلدة بعيدة عن النيل ومتى دخلت المياه فى بحر يوسف مدة الفيضان يرى هذا النوع فى مبادى وروده كالمبشر بقدومه فلذا قدسوه كما كان يقدس التمساح فى مدينة الفيوم، فالتقديس فى الحقيقة إنما كان للنيل وقد كان مقدسا عند كثير من المصريين وكان له تمثال من حجر صلد وحوله صور ستة عشر طفلا للدلالة على زيادته فى المقياس وقد نقله القيصر واسفيسان ووضعه فى معبد السلم (الصلح) والموجود الآن هناك فى جنينة الواتقان صورته من الرخام الأبيض لا هو نفسه وكذا الموجود بسراية التولرى بفرنسا وقد اشتهرت هذه المدينة بشدة ميلها للديانة النصرانية من ابتداء ظهورها حتى قيل: إنه كان بها ثلثمائة وستون كنيسة قبل الاسلام إنهدمت كلها بالإسلام ولم يبق إلا الاسم.

وفى تاريخ رهبان مصر أنه لم يكن فى مدن الديار المصرية ما يشتمل على كنائس وديورة قدر ما اشتملت عليه هذه المدينة فإنه كان فى داخلها وخارجها عدد وافر من ذلك بحيث أن القسيسين والرهبان كانوا فى أغلب حاراتها وشوارعها وكان فيها اثنتا

ص: 5

عشرة كنيسة تجتمع فيها الأهالى خلاف ما هو حولها والقسيسون والرهبان كانوا بها أكثر من أرباب الحرف والصنائع ونحوهم، ومنهم من كان يسكن فى أبراج أبواب المدينة فضلا عن الساكنين بالديورة التى خارجها والمنازل التى داخلها، وكان عددهم على ما أخبر به واحد منهم خمسة آلاف نفس وكانوا يضعون حراسا على أبواب المدينة وضواحيها لتلقى الاغراب وإكرامهم، وقد أخبر رئيس الديانة أن المكتوبين فى دفتره من الرهبان 10000 راهب و 20000 راهبة من الأبكار وقد نقل أيضا ذلك عن المؤرخ بلادوس سنة 407 من الميلاد وكتب أيضا مثله المؤرخ روزان سنة 410 من الميلاد والظاهر أن ذلك لا يخلو عن مبالغة ومنه يظهران هذه المدينة كانت فى القرن الخامس من الميلاد عامرة بالناس وأهل الديانة النصرانية، وكان بها كثير من الكنائس والديورة ويستفاد من كلام المؤلف المار أنه كان بالديار المصرية عدد وافر من الرهبان متفرقون فى البلاد والمدن والصحارى بحيث لو اجتمعوا فى محل واحد لكانوا فوق ما يتصور العقل وكان لا يوجد فى هذه الديار بلدة كبيرة أو صغيرة الا ولها دير أو كنيسة ورجال ديانة.

ثم إن المؤرخ المذكور وصف أحوال الرهبان فقال إنهم بسبب انعزالهم عن أحوال الدنيا يستغربون كل حادثة من الحوادث العصرية ولا يعرفون ألم الاحتياج إلى القوت والملبس لاستغراقهم آناء الليل وأطراف النهار فى العبادة وذكر عودة المسيح إليهم ومتى احتاج واحد منهم حاجة فلا يطلبها من أخ أو صاحب بل يرفع يده إلى السماء ويطلب من الله فيوليه ما طلب، ومن اعتقاداتهم فى المسيح عليه السلام أن يقلقل الجبال ويزعمون أن بعضهم أوقف جرى الماء ومشى فوقه إلى الجانب الآخر وأطاعته الوحوش الضارية وشفى الأمراض وصدرت عنه خوارق كثيرة ا. هـ.

وكان بين هذه المدينة ومدينة الأشمونين مدينة صغيرة تسمى بانكوسيوس وأخرى اسمها جلبة وهى المعروفة الآن باسم جلفة أو جلف وأخرى اسمها توجى وهى المعروفة الآن باسم بتوجة وكذلك مدينة بايم وتعرف الآن باسم بام وغير ذلك من المدن القديمة وشهرة البهنسا بوقعة الشهداء ومولدهم السنوى وما يحصل فيها من كراماتهم واجتماع الناس فيها لزيارتهم غنى عن الذكر وقد ظهر منها جماعة من جهابذة العلماء.

ص: 6

‌ترجمة الإمام القرافى

فمنهم كما قال فى حسن المحاضرة الإمام القرافى شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجى البهنسى المصرى الذى انتهت إليه رياسة المالكية فى عصره ولازم الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعى وألف التصانيف الشهيرة كالذخيرة والقواعد وشرح المحصول والتنقيح فى الأصول وغير ذلك قال القاضى تقى الدين أجمع المالكية والشافعية على أن أفضل أهل عصرنا بالديار المصرية ثلاثة الإمام القرافى وناصر الدين بن المنير وابن دقيق العيد مات رحمه الله فى جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين وستمائة ودفن بالقرافة.

‌ترجمة الوجيه البهنسى

ومنها الوجيه البهنسى عبد الوهاب بن الحسن كان إماما كبيرا فى الفقه دينا ولى قضاء الديار المصرية ومات سنة خمس وثمانين وستمائة.

‌ترجمة زين الدين البهنسى

ومنهم زين الدين عمر بن محمد بن عبد الحكم بن عبد الرزاق البلغيائى الشافعى من اقليم البهنسا كان اماما فى الفقه غواصا على المعانى الدقيقة منزلا للحوادث على القواعد والنظائر تنزيلا عجيبا تفقه على العلم العراقى والعلاء الباجى وشرح مختصر التبريزى مات فى ربيع الأول سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالطاعون وكان والده أيضا عالما شرع فى شرح الوسيط ولم يتمه انتهى.

‌ترجمة ابراهيم بن عبد الحى البهنسى الحنفى

وفى كتاب دائرة المعارف أنه ينسب إليها أيضا ابراهيم البهنسى وهو ابن عبد الحى بن عبد الحق المعروف كاسلافه بالبهنسى الحنفى/الدمشقى، كان ذكيا أديبا

ص: 7

صالحا له مشاركة فى سائر الفنون انتهى إليه علم الفلك والهيئة وكانت له اليد الطولى فيه وعليه المعوّل فيه، ولد بدمشق فنشأ بها وأخذ عن مشايخها كالأستاذ عبد الغنى النابلسى والشيخ محمد الحبال وغيرهما ومهر وتفوّق وبالجملة فكان نادرة عصره ووقته، مات فى رجب سنة ألف ومائة وثمانية وأربعين انتهى.

ترجمة الشيخ عبد الحى بن الحسن بن زين العابدين الحسينى البهنسى

وفى حوادث سنة إحدى وثمانين ومائة وألف من تاريخ الجبرتى أن منها الإمام الصالح والعالم الناجح الشيخ عبد الحى بن الحسن بن زين العابدين الحسينى البهنسى المالكى نزيل بولاق ولد بالبهنسا سنة ثلاث وثمانين وألف، وقدم مصر فأخذ عن الشيخ خليل اللقانى، والشيخ محمد النشرتى، والشيخ محمد الزرقانى، والشيخ محمد الأطفيحى والشيخ محمد الغمرى والشيخ عبد الله الكنكسى، والشيخ محمد بن سيف والشيخ محمد الخرشى وحج سنة 1113 فأخذ عن البصرى والنخلى.

وأجازه السيد محمد التهامى بالطريقة الشاذلية والسيد محمد بن على العلوى بالأحمدية، وأجازه الشيخ محمد شويخ بالطريقة الشناوية، وحضر دروس المحدث الشيخ على الطولونى، ودرس بالجامع الخطيرى ببولاق وأفاد الطلبة وانتفع به الكثير، وكان شيخا بهيا معمرا منور الشيبة زاهدا قانعا واستمر على زهده وقناعته إلى أن توفى ليلة الاثنين الحادى والعشرين من شعبان سنة إحدى وثمانين ومائة وألف بمنزله الذى ببولاق وصلى عليه بالجامع الكبير ودفن فى مدافن الخلفاء بالقرب من مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها وعنه ا. هـ.

وبهذه المدينة حوانيت تعمر زمن المولد فقط كل سنة نحو نصف شهر ويقابلها على الشاطئ الشرقى لليوسفى قرية صندفا بهاشون لغلال الميرى وهى واقعة فى طرف جسر الجرنوس الممتد منها إلى جهة الشرق وإلى جهة بحرى على الشيخ زياد وهو من الجسور القديمة السلطانية طوله سبعة آلاف قصبة يحد حوض الجرنوس من الجهة البحرية وفى زمن العزيز محمد على سنة 1240 بنيت فيه قناطر لصرف المياه سبع وثلاثون عينا بالحجر الدستور ومن تكاثر المياه سنة 1253 وقع منها إحدى وعشرون عينا فبنى محلها رصيف، وكان من ضمن الإحدى والعشرين عينا إحدى عشرة عينا منخفضة لأجل صرف المياه عند أوان الصرف وفوقها العشرة الأخرى مرتفعة لصرف

ص: 8

المياه الزائدة عن حاجة الحوض وكان وضع العليا فى الملآن بحيث إن كل عينين من السفلى بينهما عين من العليا.

(بهنيا)

قريتان بمصر إحداهما بهنيا الغنم فى كورة الشرقية والأخرى بهنيا الغنم فى كورة المنوفية قاله فى مشترك البلدان أما بهنيا التى بالشرقية فهى قرية صغيرة بقسم الإبراهيمية غربى ترعة الفاطمية بقليل وفى غربى ناحية مشتول القاضى بنحو ألفى متر وفى شرقى ناحية أم رماد بنحو ألفين وخمسمائة متر.

(بوجرج)

بباء موحدة فى أوله مثل بوصير وبوقير ونحوهما قرية بمديرية المنية هى رأس قسم غربى الترعة الإبراهيمية بنحو ألف متر، وفى الشمال الغربى لناحية بنى مزار بنحو أربعة آلاف ومائة وعشرين مترا وشرقى ناحية سفط بوجرج بنحو ألف متر، وفى شمال الفشن بنحو ثمانية آلاف متر وفى جنوب آبة الوقف كذلك، وأبنيتها بالآجر واللبن وبها جامعان أحدهما بمنارة وفيها حوانيت قليلة وسويقة دائمة وسوق عمومى كل أسبوع، وفيها بيت مشهور يقال له بيت القاضى لهم أبنية مشيدة وبستان ذو فواكه، ومنهم قاضى بنى مزار وبهذه القرية نخيل كثير.

(بوش)

فى مشترك البلدان انها بضم الموحدة وسكون الواو واعجام الشين بلدة بمصر ينسب إليها المناديل البوشية انتهى وهى قرية كبيرة من قسم بنى سويف فى جهتها البحرية على بعد ساعة ونصف وجسر بهبشين ينتهى إليها من الجهة الغربية وسكة الحديد تمر من شرقيها على نحو ربع ساعة وبها مساجد أحدها له مئذنة وأغلب أهلها مسلمون وفيها سويقة دائمة وبعض دكاكين يباع فيها فروع العطارات والأقمشة والدخان، ولها سوق حافل كل يوم أربعاء يباع فيه المواشى وغيرها وأبنيتها تشبه أبنية البنادر، وكان عمدتها المعروف بالعريف له شهرة لا سيما فى الكرم، وبها بساتين وأشجار، ومنها طريق على جسر بهبشين يوصل إلى الجبلاية ثم إلى اللاهون ثم إلى مدينة الفيوم وهى طريق مطروق للواردين على الفيوم والخارجين منه إلى الريف، وتكسب أهلها، من التجارة والفلاحة ثم إن هذه البلدة كانت فى القرن الحادى عشر من الهجرة فى التزام، يوسف أغاة البنات كجملة بلاد ثم خرجت من التزامه بالبيع لغيره كما فى كتاب نزهة الناظرين فإن فيه ما ملخصه:

ص: 9

إن الوزير حسن باشا حضر إليه الخط الشريف بضبط مخلفات يوسف اغاة البنات وبيع جميع ما تملكه يده وضم أثمانه لحضرة مولانا السلطان سليمن ابن السلطان ابراهيم وكان من ضمن ذلك جملة نواح منها ناحية بوش وتوابعها بالبهنساوية بيعت بمائة كيس وخمسة آلاف نصف فضة وناحية الميمون بتلك الولاية بيعت باثنين وأربعين كيسا وناحية ببا وتوابعها بخمسة وسبعين كيسا وخمسة عشر ألف نصف/فضة وناحية شبرى بابل بالغربية بستة وخمسين كيسا، وناحية فدمين بالفيوم بثلاثة وستين كيسا، وشيبين الكوم وتوابعها بالمنوفية بخمسة وخمسين كيسا، وناحية السنبلاوين بولاية المنصورة بأربعة وعشرين كيسا وعشرة آلاف نصف فضة وناحية البدرشين وتوابعها بالجيزة بأحد وسبعين كيسا وخمسة الآف نصف فضة وناحية بنى مجنون بالفيوم باثنين وسبعين ألف نصف فضة، وشهرت بيوته فى الأسواق على يد دلال البيوت ونادى عليها فكان ثمن وكالة وسبيل وصهريج وعدة حوانيت وقهوة فى خط البراذعيين بالدرب الأحمر ستة عشر كيسا وبيت بالحبانية وحمام وطابونة بجواره بخمسة عشر كيسا وبيت بالحبانية أيضا بسبعة أكياس.

فتحصل من جميع ما بيع من الخيول والبلاد مع ما وجد من النقود تسعمائة كيس وسبعة وسبعون كيسا غير ثمن البيوت وقد حصل مثل ذلك فى زمن حسن باشا السلحدار المتولى حكومة مصر سنة تسع وتسعين بعد الألف فقد صار مبيع أملاك على أغاة خزندار السلطان محمد بالأمر الشريف فبيعت ناحية أم دينار وتوابعها بولاية الجيزة بسبعة وعشرين كيسا وناحية المنصورية وتوابعها بسبعة وعشرين كيسا، وناحية نكلا وتوابعها بالولاية المذكورة بأحد وخمسين كيسا، وناحية صا الحجر بولاية الغربية مع ناحية أشمون جريس بالمنوفية بمائتين وسبعين كيسا وناحيتين بولاية المنصورة بسبعة وخمسين كيسا.

قال: والكيس اثنا عشر ألف نصف فضة وخمسمائة نصف فضة، وكان إذ ذاك الشريفى البندقى بمائة نصف فضة والمحمدى بتسعين نصفا والريال بخمسة وأربعين والكلب باربعين نصفا، ثم صدرت أوامر سلطانية فى زمن الباشا المذكور برجوع ناحية بوش إلى أغاة البنات وناحية أشمون جريس إلى أغاة الخزندار ويعطى الثمن لأربابه من جانب الديوان، فتوقفت العساكر المشترون وقاموا قومة واحدة وقالوا لا يمكن

ص: 10

رجوع تلك النواحى أبدا نحن ما أخذناها إلا باذن السلطان وما منا إلا باع الغالى بالرخص وأخذ من المزاد ويلزم الأغاوات الذين طلبوا ذلك أن يقعدوا فى مصر بالأدب وإلا نرسلهم إلى أبريم انتهى.

وإنما ذكرنا ذلك لما فيه من الفائدة مع بيان الفرق بين حالة هذه الديار قبل العائلة المحمدية وحالتها بعد مجيئها التى أثرت فيها العباد وعمرت البلاد، سيما فى زمن الحضرة الخديوية نضر الله أيامه ورفع فى الخافقين أعلامه وكذا أنجاله الكرام بجاه النبى عليه السلام.

(بوصير)

بضم الموحدة وسكون الواو وكسر الصاد وسكون المثناة التحتية وبعدها راء اسم يشترك فيه أربعة بلاد بالديار المصرية كما فى القاموس وابن خلكان فمنها بليدة بكورة السمنودية من الوجه البحرى ومنها بوصير الفيوم وبوصير الجيزة وبوصير البهنسا ا. هـ.

قلت وفى مديرية البحيرة مدينة من هذا الاسم أيضا قد اندرست والآن آثارها موجودة على سلسلة الجبال المتصلة بالاسكندرية ممتدة إلى جهة الغرب فى جنوب البحر الأبيض على نحو خمسمائة متر، وعلى شاطئ السيالة الممتدة من بحيرة مريوط إلى جهة الغرب وفى غربى آثار مدينة مريوط بنحو ثلاثة عشر ألف متر، وفى محلها الآن قلعة بوصير التى فوق المالح فى غربى الاسكندرية وفى الصعيد الأعلى جهة قفط كانت بلدة من هذا الاسم أيضا.

قال العالم زويجا إن أهلها رفعوا لواء العصيان مع أهل قفط فهدمها القيصر مكسيميان، فعلى هذا فالبوصيرات فى هذه الديار كانت ستة بل فى مديرية القليوبية بمركز الخانقاه قرية تسمى بوصير أيضا فى شرقى بركة الحج بأكثر من ألف متر، وشرقى المرج بنحو أربعة آلاف متر، وفى جنوب القلج بأكثر من ثلاثة آلاف متر، وبها جامع بمنارة ونخيل كثير فعلى هذا هى سبع بوصيرات فأما بوصير سمنود فقد تكلم عليها هيرودوط وديودور الصقلى واسترابون وبطليموس، وزعم بعضهم أنها بهبيط الحجارة وأنكر كثير من الجغرافيين ذلك وذكرها الادريسى وأبو الفداء والمقريزى وغيرهم.

ص: 11

وقال الإدريسى إنها كانت غربى جزيرة فى النيل وهو وأبو الفداء وأبو صلاح ودفاتر التعداد جعلوها بوصير بنا وبعضهم سماها بوصير سمنود وجعلها أبو الفداء من قسم سمنود ويوافقه ما فى أحد دفاتر التعداد أنها غربى سمنود.

وقال المقريزى إنها رأس خط ولعلها كانت كذلك فى بعض الأزمان وكانت مركز اسقفية، وفى تاريخ بطارقة الإسكندرية ذكر بعض أسماء من تولى أسقفيتها وذكر بعضهم أنها من خط قرية سنباط التى جعلها الإدريسى فى الشاطئ الغربى من فرع دمياط وسميت بوصير بنا لقربها من قرية بنا الواقعة على شاطئ النيل الغربى التى جعلها المقريزى رأس خط مجموع قراه وقرى بوصير ثمان وثمانون قرية وبين بوصير وبنا نحو فرسخين.

وأما بوصير الجيزة فهى واقعة بين مدينة منف والأهرام فى بحرى سقارة على نحو ساعة فى رملة غربى اللبينى بنحو ألف متر وكان فيها معبد سبرابيس وبه مدفن العجل المتخذ إلها وهى موجودة إلى الآن/وذكرها أبو الفداء، وفى دفاتر التعداد فى هذه المديرية وتسمى بوصير السدر، ولعل ذلك كان لكثرة شجر النبق هناك وذكر عبد اللطيف البغدادى أنه شاهد بها عدة أهرام، منها هرم متهدم لكن ليس أقل فى الارتفاع من أهرام الجيزة وأطال الكلام على المدافن التى كانت تدفن فيها الناس والحيوانات هناك.

قال المقريزى وفى سنة 579 هجرية ظهر بتربة بوصير من ناحية الجيزة بيت هرميس ففتحه القاضى ابن الشنهرزورى وأخذ منه أشياء من جملتها كباش وقرود وضفادع من حجر بازهر وقوارير من دهنج وأصنام من نحاس، ثم قال: وقد أكثر الناس فى ذكر الأهرام ووصفها ومساحتها وهى كثيرة العدد جدا وكلها ببر الجيزة وفى بوصير منها شئ كثير وبعضها كبار وبعضها صغار وبعضها طين وبعضها لبن وأكثرها حجر وبعضها مدرج وأكثرها مخروط أملس ا. هـ.

وقد بسطنا القول فيها عند الكلام على منف، وفى المسعودى أن مدينة العقاب كانت غربى هرم بوصير بمسافة خمسة أيام وخمس ليال بسير الحصان السريع وتكلم أبو الفداء على بوصير الفيوم وتسمى كورديس أو قورديس بالكاف أو بالقاف وعلى بوصير من قسم بوش وقال كترمير إن هذه هى عين بوصير الفيوم التى سماها ابن

ص: 12

حوقل وأبو الفداء بوصير كورديس وهى فى دفاتر التعداد معروفة باسم بوصير دفنو وسماها أبو صلاح فى تاريخ الديار المصرية بوصير ونا وقال إنها قريبة من سجن يوسف عليه السلام وإنه كان فى داخلها على بعد قليل من القصر كنيسة عظيمة للعذراء قديمة متخذة من حجر صلب وقد أخذ حجارتها الأمراء الذين تملكوا هذه المدينة بالتعاقب حتى صارت خرابا وفى أرض ونا كنيسة لمارى جرجس وفى منية القائد كنيسة للعذراء بنيت فى زمن الخليفة الحاكم بناها مفضل بن صالح أحد أمراء الوزير أبى الفرج وبنى على شاطئ النيل كنيسة أخرى أخذها البحر بعد قليل وفى ونا بوصير جملة كنائس كنيسة للعذراء وكنيسة لمارى جرجس وكنيسة لأبى باخوس وقد جعلت قرية ونا فى دفاتر التعداد من مديرية البهنسا.

وأما بوصير البهنسا فقد تكلم عليها ابن حوقل وجعلها من قرى الأشمونين وقال إن الخليفة مروان بن محمد الأموى آخر خلفاء بن أمية قتل بها وقد اختلف المؤرخون فى محل قتله فقال القسيس جان أحد المعاصرين إن قتله كان فى محل يعرف باسم دوتون.

وقال المقريزى قتل فى بوصير الجيزة ووافقه على ذلك أبو المحاسن وأبو الفداء وقال أبو الفداء فى تاريخه: إن العساكر العباسية لحقته فى كنيسة بوصير من أرض الفسطاط وهذا يخالف قوله فى خطط مصر أنه قتل فى بوصير كورديس ويخالف أيضا قول جان الذى كان فى محل الواقعة فإنه ذكر أن مروان بعد أن أقام زمنا بمعسكره فى الجيزة فر قبل تعدية العساكر العباسية بيومين وهذا يفيد أنه فارق أرض الجيزة ووقع فى أيدى أعدائه بعيدا عنها.

‌ترجمة عبد الحميد بن يحيى الكاتب

وفى ابن خلكان قتل مروان كان يوم الاثنين ثالث عشر ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة هجرية بقرية يقال لها بوصير من أعمال الفيوم بالديار المصرية وأنه قتل معه كاتبه أبو غالب عبد الحميد بن يحيى بن سعد الكاتب البليغ المشهور الذى كان يضرب به المثل فى البلاغة حتى قيل فتحت الرسائل بعيد الحميد وختمت بابن العميد.

ص: 13

وكان إماما فى الكتابة وفى كل فن من العلم والأدب وهو من أهل الشام وجد مولى بنى عامر بن لؤى بن غالب وكان أولا معلم صبية يتنقل فى البلدان وعنه أخذ المترسلون وهو الذى سهل سبيل البلاغة فى الترسل ومجموع رسائله نحو ألف ورقة، قال له مروان يوما وقد أهدى له بعض العمال عبدا أسود فاستقله أكتب إلى هذا العامل مختصرا وذمه على ما فعل فكتب إليه لو وجدت لونا شرا من السواد وعددا أقل من الواحد لأهديته والسلام.

ومن كلامه القلم شجرة ثمرتها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة وكتب على يد شخص كتابا بالوصاية عليه إلى بعض الرؤساء فقال حق موصل كتابى إليك عليك كحقه علىّ إذ رآك موضعا لأمله ورآنى أهلا لحاجته وقد أنجزت الحاجة فحقق أمله ومن كلامه خير الكلام ما كان لفظه فحلا ومعناه بكرا.

ويحكى أن مروان قال له حين أيقن بزوال ملكه: قد احتجت أن تصير مع عدوى وتظهر الغدر فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابتك تحوجهم إلى حسن الظن بك فإن استطعت أن تنفعنى فى حياتى وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتى بعد وفاتى فقال له: عبد الحميد إن الذى أشرت به على أنفع الأمرين لك وأقبحهما لى وما عندى إلا الصبر حتى يفتح الله تعالى عليك أو أقتل معك وأنشد:

أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة

فمن لى بعذر يوسع الناس ظاهره

ولما قتل مروان اختفى عبد الحميد بالجزيرة فغمز عليه فأخذ ودفعه أبو العباس وأظنه السفاح إلى عبد الجبار بن عبد الرحمن صاحب شرطته فكان يحمى له طستا بالنار ويضعه على رأسه حتى مات، وكان من أهل الأنبار وسكن/الرقة، وكان ولده إسمعيل كاتبا ماهرا نبيلا معدودا من جملة الكتاب المشاهير وساير عبد الحميد يوما مروان بن محمد، على دابة قد طالت مدتها فى ملكه فقال له مروان قد طالت صحبة هذه الدابة لك، فقال يا أمير المؤمنين إن من بركة الدابة طول صحبتها وقلة علفها، فقال له فكيف سيرها، فقال همّها أمامها وسوطها عنانها وما ضربت قط إلا ظلما.

ص: 14

وقال ابن عبد الله بن محمد بن عبدوس الجهشيارى فى كتاب أخبار الوزراء: وجدت بخط أبى على أحمد بن إسمعيل، حدثنى العباس بن جعفر الأصبهانى، قال: طلب عبد الحميد بن يحيى الكاتب، وكان صديقا لابن المقفع، ففاجأهما الطلب وهما فى بيت فقال الذين دخلوا عليهما أيكما عبد الحميد، فقال كل واحد منهما أنا خوفا من أن ينال صاحبه مكروه وخاف عبد الحميد أن يسرعوا إلى ابن المقفع فقال ترفقوا بنا فإن كلا منا له علامات فوكلوا بنا بعضكم ويمضى البعض الآخر ويذكر تلك العلامات لمن وجهكم ففعلوا وأخذ عبد الحميد ويقال ان مروان لما وصل إلى بوصير منهزما والعساكر فى طلبه قال ما اسم هذه القرية فقيل له بوصير فقال إلى الله المصير فقتل بها وهى وقعة مشهورة.

وقال إبراهيم بن جبلة رآنى عبد الحميد الكاتب أخط خطا رديئا فقال لى أتحب أن تجوّد خطك فقلت نعم فقال أطل جلفة قلمك وأسمنها وحرف قطتك وأيمنها ففعلت فجاد خطى انتهى باختصار وقال المسين وأبو صلاح وابن حوقل انه قتل فى بوصير كورديس فى دير باسم مارى أبيرون وقال بعضهم بوصير التى بالفيوم واقعة بحرى ناحية دفنو فوق بحر العروس وبوصير ونا التى بمديرية بنى سويف واقعة بقرب ونا القش وتعرف ببوصير الملق وهى فى قطعة الجبلاية المبتدأة من حاجر بنى سليمن قبلى اللاهون ومنتهية عند بوصير الملق وطول تلك الجبلاية مسافة ثلاث ساعات والماء فى زمن الفيضان يدور حولها وكان بأرض بوصير ونا نخيل كثير وكانت قد اضمحلت فعمل لها فى زمن العزيز محمد على جسر وحفر اللبينى وترعة المجنونة فكثر بها الطمى وحييت الأرض بعد موتها وحصل العمار لتلك الناحية وما جاورها من البلدان وسكة حديد الوجه القبلى تمر بقرب قمن العروس على بعد ثلثمائة قصبة وشرقى ناحية دلاص على بعد نصف ساعة.

ص: 15

‌ترجمة الشيخ البوصيرى صاحب البردة

والشيخ الدلاصى المعروف بالبوصيرى صاحب البردة والهمزية أبوه من ناحية دلاص الواقعة قبلى بوصيرونا. وأمه من بوصيرونا وفى حاشية الشيخ على الشناوى على متن الهمزية أن ناظمها هو إمام الشعراء وملجأ الفقراء المحقق الأديب المدقق اللبيب العارف بالله تعالى شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن سعيد البوصيرى نسبة إلى بوصير قرية بالصعيد وينسب أيضا إلى دلاص قرية بالصعيد أيضا فإن أحد أبويه من إحدى القريتين والآخر من الأخرى وربما ركبت له نسبة منهما وقيل الدلاصيرى فدلا مأخوذ من دلاص وصيرى من بوصير ثم اشتهر بالبوصيرى وقولهم أبو صيرى بهمزة أوله خطأ ولد الناظم المذكور سنة ثمان وتسعين وستمائة وصوب شيخ الإسلام القسطلانى أنه ولد سنة أربع وتسعين وستمائة، وتوفى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، ويقال له الصنهاجى نسبة إلى صنهاجة قبيلة منها ابن آجروم، وكان الناظم وابن عطاء الله السكندرى تلميذين لأبى العباس المرسى فخلع على البوصيرى لسان الشعر، وعلى ابن عطاء الله صاحب الحكم لسان النثر انتهى

‌ترجمة أبى المكارم هبة الله بن على الخزرجى البوصيرى

وبوصير هذه هى التى جعلها ابن خلكان من أعمال البهنسا وقال تعرف ببوصير قوريدس بالقاف ويقال كوريدس بالكاف وهى التى ينسب إليها أبو القاسم وأبو المكارم هبة الله بن على بن مسعود بن ثابت بن هاشم بن غالب بن ثابت الأنصارى الخزرجى المنستيرى الأصل المصرى المولد والدار المعروف بالبوصيرى.

قال كان أديبا كاتبا له سماعات عالية وروايات تفرد بها والحق الأصاغر بالأكابر فى علو الاسناد ولم يكن فى آخر عصره فى درجته مثله وسمع بقراءة الحافظ أبى طاهر السلفى وإبراهيم بن خاتم الأسدى على أبى صادق

ص: 16

مرشد بن يحيى بن القاسم المدينى إمام الجامع العتيق بمصر رحمهم الله تعالى والبوصيرى المذكور آخر من روى فى الدنيا كلها عن أبى صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المدينى المذكور، وابن الحسين على بن الحسين بن عمر الفراء الموصلى وأبى عبد الله محمد بن بركات هلال السعيدى النحوى سماعا وروى أيضا عن أبى الفتح سلطان بن إبراهيم بن المسلم المقدسى وهو آخر من روى عنه سماعا فى الأرض كلها وسمع عليه الناس وأكثروا ورحلوا إليه من البلاد وكان جده مسعود قدم من المنستير إلى بوصير فأقام بها إلى أن عرف فضله فى دولة المصريين فطلب إلى مصر وكتب فى ديوان الإنشاء ولد له على والد أبى القاسم المذكور بمصر واستقروا بها وشهروا وكان أبو القاسم يسمى سيد الأهل أيضا لكن هبة الله أشهر، وكانت ولادته سنة ست وخمسمائة بمصر وقيل بل ولد يوم الخميس خامس ذى القعدة سنة خمسمائة، وتوفى فى الليلة الثامنة من صفر سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ودفن بسفح/المقطم.

قال ياقوت الحموى فى كتاب البلدان المشتركة الأسماء أنه مات فى شوال رحمه الله تعالى، والخزرجى بفتح الخاء المعجمة وسكون الزاى وفتح الراء وبعدها جيم هذه النسبة إلى الخزرج وهو أخو الأوس بفتح الهمزة وسكون الواو وبعدها سين مهملة، وهما ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمر ومزيقياء بن عامر ماء السماء وتمام النسب معروف، وهما ابنا قيلة بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح اللام وبعدها هاء ساكنة، ومن ذريتهما أنصار النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

والمنستير بضم الميم وفتح النون وسكون السين المهملة وكسر التاء المثناة من فوقها وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء، وهى بليدة بإفريقية بناها هرثمة بن أعين الهاشمى فى سنة ثمانين ومائة وكان هارون الرشيد قد ولاه إفريقية وقدم إليها يوم الخميس لثلاث خلون من شهر ربيع سنة تسع وسبعين ومائة، والمنستير معبد بين المهدية وسوسة يأوى إليه الصالحون المنقطعون للعبادة، فيه قصور شبيهة بالخانقاهات وعلى تلك القصور سور واحد ذكره ياقوت فى كتابه انتهى.

ص: 17

ثم إن كلمة بوصير مركبة من كلمتين ومعناها مدفن أوزريس كما قاله جيلونسكى ويؤيده ما مرّ أن معبد سيرابيس (أوزريس) كان ببوصير الجيزة إلى الآن يقصد السياحون تلك الجهة كثيرا للاطلاع على الآثار القديمة فيمرون بناحية ميت رهينة الواقعة فى محل منفيس القديمة، التى هى كما قال مرييت فى تاريخه مقر فراعنة العائلة الثالثة والرابعة والخامسة والسابعة والثامنة ومدة الثالثة مائتان وأربع عشرة سنة والرابعة مائتان وأربع وثمانون سنة، والخامسة كذلك، ومدة السابعة سبعون يوما، والثامنة مائة واثنان وأربعون سنة.

ومن هناك إلى سقارة وهى بلدة بمديرية الجيزة فيها مقابر منفيس القديمة وتلك المقابر تمتد فى حدود الرمال طولها مسافة سبعة آلاف متر فى عرض ألف وخمسمائة متر، وهناك يشاهد جملة أهرام منها: هرم يعرف بالكوم مدرج عدد درجاته ست وهو فى وسط المقابر وينسب إلى أول ملوك العائلة الأولى، فعلى هذا هو أقدم جميع الآثار الموجودة إلى الآن، ويكون بناؤه قبل المسيح بخمسين قرنا، والذى يهتم السياحون بالاطلاع عليه من مشتملات تلك المقابر هو السيرابيوم وقبر الملك تى وقبر افتاة هتير.

والسيرابيوم عمارة تكلم عليها استرابون وهى مقبرة بيس وهو العجل المؤله المتخذ تمثالا حيا للإله أزريس عند نزوله إلى الأرض، وكان مسكن العجل فى حياته معبد ابيوم فى مدينة منفيس وبعد موته كان يقبر فى السيرابيوم والذى استكشفه هو مرييت بيك مأمور أنطقخانة بولاق سنة ألف وثمانمائة وخمسين ميلادية، يعنى استكشف المقبرة.

وأما المعبد فلم يعثر عليه ومدافن العجول على ثلاث درجات الأولى تشتمل على مقابر العجول من مدة العائلة الثامنة عشرة إلى العائلة العشرين، وفى هذه المدة كان لكل عجل قبر مخصوص فى أرض المعبد، وهذه الدرجة قد خفيت معالمها واندرست آثارها.

والدرجة الثانية فيها مقابر العجول من إبتداء العائلة الثانية والعشرين إلى الخامسة والعشرين، ومقابرها كانت عبارة عن مخادع مترتبة فى جانبى دهليز تحت

ص: 18

الأرض، وكلما مات عجل دفنوه بمخدعه وبالعثور عليها وجدت أبنيتها واهية يخشى سقوطها فلذلك قل الدخول فيها.

الدرجة الثالثة من العائلة السادسة والعشرين إلى آخر البطالسة وهى كالتى قبلها إلا أنها أوسع، وقد قاس أحد السياحين دهليزا منها فوجده مائة وخمسة وسبعين مترا وعد فيه ثلاثين أودة فى كل أودة جرن من حجر الصوان قطعة واحدة محفور داخله وغطاؤه أيضا قطعة واحدة، وطول الجرن أربعة أمتار وعرضه متران وثلاثة أعشار متر وعمقه ثلاثة أمتار وثلاثة أعشار متر بما فى ذلك من الغطاء ووزنه خمسة وستون ألف كيلوغرام بالتقدير، وهو تقريبا ثلاث وخمسون ألف أقة مصرية.

وأما قبر الملك تى فيشتمل على عدة أود جدرانها مشحونة بالكتابة والنقوش، وعلى الباب نقش اسم الميت وألقابه وفى الداخل أدعية مضمونها الطلب من الاله ابنيس أن يعطى فلانا قبرا حسنا متسعا بعد حياة طويلة وأن يسهل له طريق الآخرة وأن يكافئه على حسناته وصدقاته، وجميع الرسوم المزينة بها القبور يدور أمرها على ثلاث فكر.

الأولى يرى من تلك الرسوم كأن الميت فى منزله الدنيوى وحوله النساء يرقصن على الآلات والمغانى، أو أنه فى المركب يصطاد طيورا مائية فى بركة فيها التمساح والخرتيت أو أن الخدم فى أنواع الخدمة، منهم من يقود الحيوانات ومنهم من يحاول محصولات الزراعة من التجرين والدرس والتذرية والتخزين وغير ذلك، ويرى فى تلك الرسوم المخدوم مميزا عن الخادم برسم كبير مثلا.

الفكرة الثانية رسوماتها قليلة بالنسبة للأولى، ويرى فيها الملك تى كأنه يشيع جنازته بنفسه مجتهدا فى ذلك وصورته مرسومة على المعدية التى تعديه إلى القبر، الفكرة/الثالثة تشتمل على نذورهم وصدقاتهم وهداياهم، والأود المرسوم فيها ذلك كانت لا تفتح إلا فى أيام الأعياد وفى رسومها أن أقارب الميت أتوا للزيارة ومعهم أصناف الصدقات من طعام وماء وذبائح ونقود يفرقونها وبعض الصور يرى فيها نساء تقود حيوانات أهلية كالغنم والابل مثلا، وهى إشارة إلى ما كان عليه الميت من الصفات ومقبرة الملك افتاة هتير على النحو من ذلك.

ص: 19

ومن العادة أن هذه المصاطب أى المقابر، كان يبنيها الميت قبل موته ويزخرفها كما يحب، وقال ديودور الصقلى كان المصريون يسمون مساكنهم الدنيوية مضايف ويسمون مقابرهم البيوت الدائمة وهذا هو السبب فى تقويتها وزيادة متانتها وجميع الرسوم المصورة فى الأماكن التى يتيسر الوصول إليها صور لأحوال دنيوية فانية، وأما ما يتعلق بالحياة الروحانية الدائمة فكانوا يرسمونه فى الأماكن الخفية البعيدة عن الوصول إليها ففى الجدث نفسه الذى فيه مومية الميت توجد الأدعية على حسب الديانة والصور التى فيه كلها برزخية للأرواح المجردة انتهى.

ثم بالهمم الخديوية قد أجرت مصلحة الانطقخانة كشف الرمال عن محلات كثيرة عتيقة كانت مجهولة فى الأزمان السابقة ووجدت آثار كثيرة أفصحت عن حوادث من تاريخ مصر، وهى الآن بخزانة التحف ببولاق والسياحون يركبون السكة الحديد من محطة إنبابة أو الجيزة إلى محطة البدرشين، ومن هناك يركبون الدواب وبعد سيرهم مسافة قليلة يصلون إلى السيرابيوم، وكان سجن يوسف عليه السلام ببوصير الجيزة كما فى خطط المقريزى ونصه:

قال القضاعى سجن يوسف عليه السلام ببوصير من عمل الجيزة أجمع أهل المعرفة من أهل مصر على صحة هذا المكان وفيه أثر نبيين أحدهما يوسف عليه السلام سجن به المدة التى ذكر أن مبلغها سبع سنين، وكان الوحى ينزل عليه فيه، وسطح السجن موضع معروف بإجابة الدعاء، يذكر أن كافور الاخشيدى سأل أبا بكر الحداد عن موضع معروف باجابة الدعاء ليدعو فيه، فأشار عليه بالدعاء على سطح السجن، والنبى الآخر موسى عليه السلام، وقد بنى على آثاره مسجد هناك يعرف بمسجد موسى

أخبرنا أبو الحسن على بن ابراهيم الشرفى، قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن الورد وكان قد هلكت أخته وورث منها مورثا وكنا نسمع عليه دائما وكان لسجن يوسف وقت يمضى فيه الناس إليه يتفرجون عليه، فقال لنا يوما يا أصحابنا هذا أوان السجن ونريد أن نذهب إليه وأخرج عشرة دنانير فناولها لأصحابه وقال لهم: ما اشتهيتموه فاشتروه، فمضى أصحاب الحديث واشتروا ما أرادوا، عدينا يوم أحد الجيزة كلنا وبتنا فى مسجد همدان، فلما كان الصباح مشينا حتى جئنا إلى مسجد موسى عليه

ص: 20

السلام وهو الذى فى السهل، ومنه يطلع إلى السجن وبينه وبين السجن تل عظيم من الرمل فقال الشيخ من يحملنى ويطلع بى إلى السجن حتى أحدثه بحديث لا أحدثه لأحد بعده حتى تفارق روحى الدنيا قال الشرفى، فأخذت الشيخ وحملته حتى صرت فى أعلاه فنزل وقال معك ورقة قلت لا قال أبصر لى بلاطة فأخذ فحمة وكتب حدثنى يحيى ابن أيوب عن يحيى بن بكير عن زيد بن أسلم عن ابن يسار عن ابن عباس قال: إن جبريل أتى إلى يوسف فى هذا السجن فى هذا البيت المظلم فقال له يوسف: من أنت الذى مذ دخلت السجن ما رأيت أحسن وجها منك فقال له: أنا جبريل فبكى يوسف فقال ما يبكيك يا نبى الله فقال ايش يعمل جبريل فى مقام المذنبين، فقال أما علمت إن الله تعالى يطهر البقاع بالأنبياء والله لقد طهر الله بك السجن وما حوله فما أقام إلى آخر النهار حتى أخرج من السجن.

قال القضاعى سقط بين يحيى وزيد رجل، وقال الفقيه أبو محمد أحمد بن محمد ابن سلامة الطحاوى وقد ذكر سجن يوسف لو سافر الرجل من العراق ليصلى فيه وينظر إليه لما عنفته فى سفره، وقال الفقيه أبو إسحق المروزى لو سافر الرجل من العراق لينظر إليه ما عنفته.

وذكر المسبحى فى حوادث شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة وأربعمائة أن العامة والسوقة طافت الأسواق بمصر بالطبول والبوقات يجمعون من التجار وأرباب الأسواق ما ينفقونه فى مضيهم إلى سجن يوسف فقال لهم التجار شغلنا بعدم الأقوات يمنعنا من هذا وكان قد اشتد الغلاء وأنهوا حالهم إلى الحضرة المطهرة يعنى أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله أبا الحسن على بن الحاكم بأمر الله فرسم لنائب الدولة أبى طاهر بن كافى متولى الشرطى السفلى الترسيم على التجار حتى يدفعوا إليهم ما جرت به رسومهم ورسم لهم بالخروج إلى سجن يوسف ووعدوا أن يطلق لهم من الحضرة ضعف ما أطلق لهم فى السنة الماضية من الهبة فخرجوا.

وفى يوم السبت لتسع خلون من جمادى الأولى ركب القائد الأجل عز الدولة وسناها معضاد الخادم الأسود فى سائر الأتراك ووجوه القوّاد وشق البلد ونزل إلى الصناعة التى بالجسر بمن معه ثم خرج من هناك وعدى فى سائر عساكره/إلى الجيزة حتى رتب لأمير المؤمنين عساكر تكون معه مقيمة هناك لحفظه لأنه عدى يوم الأثنين

ص: 21

لإحدى عشرة خلت منه فى أربع عشاريات وأربع عشرة بغلة من بغال النقل، وفى جميع من معه من خاصته وحرمه إلى سجن يوسف عليه السلام، وأقام هناك يومين وليلتين إلى أن عاد الرمادية الخارجون إلى السجن بالتماثيل والمضاحك والحكايات والسماجات فضحك منهم واستظرفهم وعاد إلى قصره بكرة يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت منه، وأقام أهل الأسواق نحو الأسبوعين يطرقون الشوارع بالخيال والسماجات والتماثيل، ويطلعون إلى القاهرة بذلك ليشاهدهم أمير المؤمنين ويعودون ومعهم سجل قد كتب لهم أن لا يعارض أحد منهم فى ذهابه وعوده وأن يعتمد إكرامهم وصيانتهم ولم يزالوا على ذلك إلى أن تكامل جميعهم.

وكان دخولهم من سجن يوسف يوم السبت لأربع عشرة بقيت من جمادى الأولى وشقوا الشوارع بالحكايات والسماجات والتماثيل فتعطل الناس فى ذلك اليوم عن أشغالهم ومعايشهم واجتمع فى الأسواق خلق كثير لنظرهم، وظل الناس أكثر هذا اليوم على ذلك وأطلق لجميعهم ثمانية آلاف درهم، وكانوا اثنى عشر سوقا ونزلوا مسرورين انتهى.

قال ابن جبير فى رحلته وعاينا فى اليوم الثانى من خروجنا من مصر إلى قوص بغربى النيل صباحا المدينة القديمة المنسوبة ليوسف الصديق عليه السلام وبها موضع السجن الذى كان فيه، وهو الآن ينقض وتنقض أحجاره إلى القلعة المبتناه الآن على القاهرة انتهى.

(فائدة)

فى حسن المحاضرة فى ذكر من كان بمصر من المؤرخين أن المسبحى هو الأمير المختار عز الملك محمد بن عبد الله بن أحمد الحرانى صاحب التصانيف قال فى العبر: كان رافضيا صنف تاريخ مصر، وكتابا فى النجوم، وكتاب التلويح، والتصريح فى الشعر، وكتاب أنواع الجماع مات سنة عشرين وأربعمائة عن أربع وخمسين سنة.

والقضاعى هو أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعى صاحب الشهاب والخطط وغيرهما كان فقيها شافعيا تولى القضاء بالديار المصرية روى عنه الخطيب البغدادى قال ابن ماكولا كان متفننا فى عدة علوم توفى بمصر ليلة الخميس سابع عشر

ص: 22

ذى القعدة سنة أربع وخمسين وأربعمائة انتهى وترجمة كل منهما مبسوطة فى ابن خلكان.

(بنابوصير)

بلدة قديمة من مديرية الغربية بقسم المحلة الكبرى على الشط الغربى لبحر دمياط فى جنوب بوصير بنا بنحو فرسخين وفى شرقى منية حبيب بنحو ألفى متر وبها جامع بمنارة وتضاف إلى بوصير كما تضاف بوصير إليها، وجعلها المقريزى رأس خط عدة قراه مع قرى بوصير ثمان وثمانون قرية.

وقال الادريسى أن من منية بدر إلى بنا الواقعة على الشاطئ الغربى للنهر عشرة فراسخ، وفى تاريخ بطارقة الإسكندرية أن بنا كانت مقر أسقفية ومن خطها ناحية دفرى المجعولة فى دفاتر التعداد من مديرية الغربية انتهى.

(البوطة)

قرية فى أعلى تروجة من مديرية البحيرة بقسم بلاد الحاجر شرقى حوش عيسى بنحو ألف متر وفى جنوب كوم أبى حريرة بنحو ألف وستمائة متر وفى الشمال الشرقى لناحية تل المقرونين بنحو ألف وأربعمائة متر وبجوارها من الغرب مقام للشيخ فريج وآخر للشيخ عبد الملك.

وفى ابن إياس أنها كانت مسكن شيخ عرب البحيرة حسن بن مرعى وهى التى فرّ إليها السلطان طومان باى بعد وقعة وردان التى كانت بينه وبين ابن عثمان السلطان سليم شاه، وقبض عليه بها لما خانه حسن المذكور، وكان صديقا له وله عليه اليد الطولى فاغتر بصحبته وحلفه أن لا يخونه ونزل عنده فأغرى عليه ابن عثمان فأرسل العساكر فقبضوا عليه وأخذوه إلى القاهرة محددا وصلب على باب زويلة، كما يأتى بسطه عند الكلام على المطرية، وقد آل الأمر إلى القبض على حسن بن مرعى وأخيه شكر وقتلهما أسوأ قتله والجزاء من جنس العمل.

وملخص ما فى ابن إياس من ذلك أن شيخ العرب حسن بن مرعى توجه إلى القاهرة يوم الثلاثاء سلخ شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة لمقابلة ابن عثمان وكان قد أمنه فقبض عليه وسجنه فى البرج الذى بالقلعة مع أمراء آخرين من مشايخ العرب، وقد شمت الناس فى حسن بن مرعى وفرحوا بسجنه لخيانته لطومان باى،

ص: 23

فأقام بالسجن مدة ثم هرب ليلا واستمر فى عصيانه مدة طويلة وزاد فيه، والتفت عليه جماعة كثيرة من عرب الغربية فاحتال عليه ملك الأمراء خير بيك وأرسل له ولأخيه شكر منديل الامان، فأطاع أخوه وحضر إلى القاهرة فى يوم الأربعاء لعشرين من رجب صحبة القاضى فخر الدين فخلع عليه ملك الأمراء قفطان حرير ونزل مسرورا وتوجه ليحضر أخاه حسن فمضى إلى قليوب وصحبته القاضى بركات.

ولما علم شيخ العرب حسن بذلك مضى من يومه إلى القاهرة وعلى رأسه منديل الأمان وصحبته جماعة من الأمراء العثمانية وأمير اخور ملك الأمراء والزينى بركات المحتسب وكثير من العرب، وطلع القلعة/وقابل ملك الأمراء فقبله وخلع قفطانا مخملا بذهب ونزل فى موكب حافل، ومع ذلك فلم يرجع عن قبيح أفعاله بل أكثر الفساد فى الأرض، وزاد فى أذى المخلوقات، وكانت حكام الجهات تخافه وتودّ إعدامه، فاحتال عليه كاشف الغربية إينال السيفى طبرباى وعلى أخيه شكر، فعزم عليهما فى مكان بالقرب من سنهور، فنزلا عنده ونسيا ذنوبهما وقبيح أفعالهما وظنا أن لا يخونهما أحد فكان الأمر بخلاف ذلك كما قيل:

قالوا ترقب عيون الحى إن لها

عينا عليك إذا ما نمت لم تنم

فأقاما عنده ذلك اليوم ومدّ لهما مدة حافلة، ثم أحضر لهما سفرة الشراب فشربا ولما دخلا فى السكر هجم عليهما جماعة من المماليك الجراكسة، ممن كانوا عند إينال فعاجلوهما بالحسام قبل الكلام وقطعوا رؤوسهما وشفوا منهما الغليل حتى قيل: إن بعض المماليك شرب من دمهما، وبعضهم جزّل من لحمهما بالسيف وأحضرت رؤوسهما إلى القاهرة يوم الأربعاء، فرسم ملك الأمراء للوالى أن يعلقهما على باب النصر.

وقيل إن رأس حسن دخلوا بها ورأس شكر علقوها فى رقبة فرس السلطان طومان باى التى كان عليها عند القبض عليه فصادف أن هذا الفرس كانت تحت حسن بن مرعى عند القبض عليه فعد ذلك من النوادر، ويقال إن عيال السلطان طومان باى لما علقت رأس حسن وشكر على باب النصر أظهروا الفرح والسرور فى ذلك اليوم وأطلقوا الزغاريت وتخلقوا بالزعفران.

ص: 24

(بوطو)

مدينة كانت على مصب فرع النيل السبنيتى (السمنودى) وكانت من المدن المشهورة قال هيرودوط: كان بها جملة معابد من أشهرها معبد لاطون ومعبد أبلون وأدريان وكانت الكهانة- (الأخبار بالمغيبات) -فى معبد لاطون وهو معبد كبير عظيم وجميع ما شاهدته فيه عجيب، وأعجبه خلوة المقدسة فإنها من حجر واحد متساوية الأبعاد كل ضلع منها أربعون ذراعا وغطاؤها حجر واحد أيضا وقدّر العالم دنويل الأربعين ذراعا بخمسين قدما وقدّرها غيره بثلاثة وخمسين قدما وثمانية خطوط باعتبار، أن الذراع قدم وثلاثة أصابع وأحد عشر خطا فباعتبار أن تلك الخلوة مكعب كامل غير مجوّف يكون مكعبها مائة وتسعة وأربعين ألفا وثلاثمائة وخمسة وأربعين قدما مكعبا، وبفرض أن وزن القدم المكعب مائتان وخمسون ليورا، يكون وزن جميع هذا الحجر سبعة وثلاثين مليونا وثلاثمائة وستة وثلاثين ألفا ومائتين وخمسين ليورا انتهى.

(فائدة)

حقق بعض شراح هيرودوط أن ولادته كانت قبل المسيح بأربعمائة وأربع وثمانين سنة وأن سياحته فى أرض مصر كانت قبل المسيح بأربعمائة وستين سنة، وكان استيلاء جمشيد ملك العجم المسمى أيضا كمنيشاش على أرض مصر قبل المسيح بخمسمائة وخمس وعشرين سنة فيكون بين استيلائه وبين مولد هيرودوط إحدى وأربعون سنة انتهى.

وأما دنويل ففى قاموس الجغرافية الأفرنجى أنه عالم جغرافى مشهور من مملكة فرنسا ولد بباريس سنة ألف وستمائة وسبع وسبعين ميلادية ومات سنة سبعمائة واثنتين وثمانين ولما بلغ عمره اثنتين وعشرين تعين جغرافيا للملك وإليه يعزى تقدم الجغرافية انتهى.

(بوقرقاص)

بلدة فى غربى النيل من مديرية المنية فى جنوب منهروا بقدر ألف ومائتين وخمسين مترا، وتجاه بنى حسن الأشراف التى فى البر الشرقى، وفيها مساجد ونخيل وأبنيتها باللبن والآجر على دور وعلى دورين، وفيها جفلك للدائرة السنية مشتمل على عصارات لقصب السكر وبجواره مساكن المستخدمين وعنده محطة للسكة الحديد وهناك على الإبراهيمية كبرى من الخشب لمرور الوابورات، وفى

ص: 25

فوريقتها أربع عصارات جيدة فرنساوية يتحصل بها كل يوم من أيام دورانها سبعمائة قنطار سكر أبيض وخمسمائة وخمسون قنطارا سكر أحمر نمرة اثنين وخمسون قنطارا سبيرتو.

(بوقير)

بموحدة فى أوله مضمومة فواو فقاف فتحتية فراء قرية صغيرة من مديرية البحيرة تبع الاسكندرية واقعة على ساحل بحر الروم فى طرف الرمل وبها قلعة منيعة وبقربها السد المشهور بسد بوقير وهو من البناء المتين المصنوع من الدبش والمونة فوق خوازيق من الخشب الكبير، وهو من الآثار القديمة التى كانت تتعهد صيانتها الملوك لوقاية أراضى مديرية البحيرة وبلادها من سطوة ماء المالح، وهو إلى الآن من الأمور المعتنى بها وموكل به مهندس يقيم عنده لملاحظة ما عسى أن يحصل فيه وفى كل سنة ينبه الحكومة عما يلزم له من المرمة والأعمال قال فى كتاب الروضة الزاهرة فى أخبار مصر وملوكها الفاخرة:

قال ابن عبد الحكم وغيره من أصحاب التواريخ كانت امرأة المقوقس لها بساتين كلها كرم وتسمى البحيرة شرقى الخليج إلى حدّ رشيد وكان طولها مسافة يوم وكانت تأخذ بخراجها من الفلاحين خمرا فكثر الخمر عندها حتى ضاقت به ذرعا/فقالت لفلاحيها لا حاجة لى بالخمر فاعطونى مالا قالوا لها ليس عندنا مال إلا الخمر فاغضبوها فأرسلت إلى عامل تلك الناحية أن يطلق عليهم البحر المالح، فأطلق عليهم البحر من ناحية بوقير فغرقت تلك الأراضى كلها وجار الماء على تلك الأراضى فصارت بحيرة يصاد منها السمك وكان يدخل إليها الماء من قبلى بوقير ويخرج منها إلى بحيرة دونها من خليج عليه مدينتان، أحداهما تسمى مدينة الجدية والأخرى تسمى اتكو، ويدخل إلى هذه البحيرة خليج من النيل يسمى الحافر طوله نصف يوم، وهو كثير الطير والعنب والعشب، ثم انقطع الماء عن هذه البحيرة فى أيام محمد بن مدبر عامل مصر من قبل الوليد بن عبد الملك بن مروان وبقيت الأراضى كلها سباخا لا نبات فيها.

قلت ويستفاد من كلام المؤرخين أن هذه الأرض كانت تزرع جميعها، وكان بها البساتين النضرة وإلى الآن تشاهد آثار المدن القديمة التى كانت هناك، وهى التلال التى بداخل بحيرة إتكو وخارجها ويؤخذ أيضا من كلام المؤرخين أن الاقدمين كانوا

ص: 26

لا يزالون يهتمون بحفظ الجسور الواقية لتلك الأراضى من ماء المالح، والظاهر أن قطع جسر بوقير لم يكن لذلك السبب.

وإنما الذى يظهر أن تلك الجسور لما اعتراها الإهمال بعد ذلك من توالى الفتن والأهوال، سطا المالح على تلك الأرض وأخربها وشتت أهلها عنها.

والظاهر أيضا ذلك إنما حصل بعد انطماس فرع كانوب وتحول النيل إلى جهة رشيد ضرورة أن جفاف هذا الفرع وخلوه من ماء النيل أوجب حرمان هذه الأراضى منه وتلف كرومها ومزارعها وارتحال أكثر أهلها عنها ولما أهملت الجسور تسلط عليها المالح وخربت بالمرة وفى الروضة الزاهرة أيضا أن البحر الرومى جار على تلك الأراضى فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 720 إلى أن انتهى إلى آخر مريوط وأغرق بلادا كثيرة من بلاد البحيرة نحو خمسين قرية على ما قيل وأخرب خليج الإسكندرية وما كان حوله من البساتين والأشجار وارتدم الخليج وبقى ثلاث سنين لا يجرى فيه النيل واشتد الأمر على أهالى الإسكندرية وفرت منها أناس كثيرون إلى بندر رشيد وغيرها، وكادت تخرب، ثم إن الملك الناصر شرع فى سد البحر وأرسل مهندسين ومعمارجية وبذل لهم المال وأرسل معهم ينبك البدرى مملوك أبيه، وهو المباشر فى ذلك إلى أن سدّوه أوّلا بالأخشاب، ثم ردموه بالطين الأبليز من طين النيل.

وقيل إن الإبل التى كانت تحمل الطين ستة آلاف، ومكث سنتين فى سده مع جهد كبير وحصل فى ذلك الطاف الله تعالى لأنه كاد يهلك الإقليم الغربى، ثم إن الناصر محمد أمر أن يحفر خليج الإسكندرية من عند قرية تسمى الرحمانية على شاطئ النيل حتى انتهوا به إلى الخليج الأصلى فسمى الخليج الناصرى من ذلك الوقت.

قال ابن وصيف شاه: كان خليج الاسكندرية من الجانبين بساتين وأشجارا وقصورا متصلا بعضها ببعض من الاسكندرية إلى مدينة الكريود، قلت: وهى التى يقال لها الكريون الآن بالنون.

وكان أهل الإسكندرية عند مجئ النيل يطلعون إلى تلك الأماكن فيسكنون القصور التى على جانبى الخليج المحدقة بها البساتين شرقا وغربا، وبها دوالى العنب المعرشة والنخل وأشجار الجميز العظيمة وجميع الأشجار والفواكه، وفى زمن مجئ

ص: 27

النيل تأتى فيه المراكب والزوارق ويقع التنزه أياما عديدة ويزور بعضهم بعضا، وهى أيام مشهورة عندهم، وتسافر فيه المراكب إلى الفسطاط وغيرها من البلدان، ويمكث الماء فيه ستة أشهر ويصطادون منه السمك، وكان هذا الخليج أعظم خلجان مصر وكانت العمارة والبساتين ممتدة من رمال رشيد إلى العقبة مغربا، ومقبلا من الإسكندرية إلى الكريون وقيل إلى الفيوم، وكان الرجل يسير فى العمارة فلا يحتاج إلى زاد من كثرة الفواكه والثمار وغالب مسيره تحت ظلال الأشجار انتهى.

وفى موضع آخر منه أنه فى السابع والعشرين من شعبان سنة 764 دخلت ثلاثة أغربة، (مراكب)، فى مينا بوقير وأخذوا من قصور البساتين ستة وستين شخصا من المسلمين ما بين رجال ونساء وصبيان وأثاثا ومضوا بهم إلى ساحل صيدا بالشام وافتداهم منهم المسلمون ورجعوا جميعا إلى أوطانهم ببوقير.

وذكروا أن عدة الإفرنج أصحاب الغربان الثلاثة مائة نفس، ولما سمع صاحب قبرس بفعلهم ذلك بأهالى بوقير ولم يجرد أحد فى وجوههم سيفا طمع فى الإسكندرية، وقام واستولى عليها بعد حرب طويل ثم أجلوه عنها انتهى.

وفى ليمان بوقير هذا كانت وقعة عظيمة بين مراكب الإنجليز ومراكب الفرنساوية حين غزا الفرنساوية بلاد مصر وأحرقت الإنجليز مراكب الفرنساوية، وكان أمرا مهولا تأثرت منه الفرنساوية تأثرا كبيرا لأن ذلك كان سببا فى انقطاع المدد عنهم وانقطاع مجئ الأخبار من بلادهم، وكان ذلك فى أول شهر أغسطس سنة ألف وسبعمائة وثمانية وتسعين ميلادية الموافقة لسنة ألف ومائتين واثنى عشر هجرية.

ومحصل هذه الواقعة كما فى تاريخ الجبرتى أن/أمير الجيوش الفرنساوية نابليون بونابرت فى ابتداء قدومه أخرج العساكر من المراكب إلى البر فى ثغر الإسكندرية، وأمر سر عسكر البحر أن يبقى مقيما فى البوغاز لحماية الحصون لأنه قد احتسب أن لم يتوفق له الاستيلاء على مصر أن يحتاج إلى الدونانمة وأوصاه أن لا يبقى مراسيه فى المينا، بل دائما يطوف أمام الإسكندرية وهو مشرع القلوع ثم بعد أن استولى أمير الجيوش على مصر أرسل إلى السر عسكر نجابا يأمره بالقيام، وقيل إن ذلك النجاب مات فى الطريق ثم أرسل إليه نجابا ثانيا فلم يصله من العرب وكان السر عسكر ارمى مراسيه فى مينا بوقير فدهمته مراكب الإنجليز على بغتة وشرعوا يطلقون على مراكب

ص: 28

الفرنساوية القنابر والمدافع واشتد الحرب يوما وليلة فاحترق من تلك الدونانمة العظيمة أربع مراكب كبار، منها السفينة العظيمة المسماة أوريانت: أى المشرق واستمرت تتقد فى البحر أربعة أيام، ومات من فيها من العسكر وسر عسكرها الذى لسوء تدبيره قد هلك وأهلك معه نفوسا كثيرة، واستحوذت الإنجليز على أكثر تلك المراكب وأسروا من فيها من العساكر وهلك أكثرهم من ضرب المدافع والقنابر.

ولما وصل ذلك الخبر الفظيع والخطب الشنيع إلى أمير الجيوش بونابرت صار كالمدهوش، وصاحت الفرنساوية: يا لها من بلية! قد خابت الآمال وهلك المال والرجال وامتنع عنا الإمداد وقل الإسعاف والإسعاد، وكان عدد مراكب الفرنساوية سبعة عشر، منها سبعة كل واحدة فيها أربعة وسبعون مدفعا وثلاثة فى كل واحدة منها ثمانون مدفعا ومركب سر عسكر كان فيها مائة وعشرون مدفعا، وفى كل واحدة من البقية أربعون فكان مجموع مدافعهم ألفا ومائة وستة وأربعين مدفعا، وكانت مراكب الإنجليز خمسة عشر فى كل واحدة أربعة وسبعون مدفعا ماعدا واحدة فكانت مدافعها أربعة وثلاثين مدفعا، ولم يمض إلا زمن قليل وانتهز الفرنساوية فرصة أخذوا فيها ثأرهم فى وقعة حصلت بينهم وبين الإنجليز والترك وذلك فى تسع وعشرين من يوليا سنة ألف وسبعمائة وتسعة وتسعين ميلادية، موافقة سنة ألف ومائتين وأربعة عشر هجرية وحاصلها.

أنه بعد رجوع بونابرت من الشام أتت قدّام الإسكندرية مائة مركب من مراكب أعدائهم فرموا مخاطفهم فى مينا بوقير ثم نزلوا بمدافعهم إلى البر واستولوا على التراس والقلعة فحضر إليهم بونابرت بنفسه ومعه عساكره فالتحم القتال بينهم واشتد النزال ومات كثير من الفريقين وآل الأمر إلى نصرة الفرنساوية، وصار القبض على مصطفى باشا حاكم الرميلى وجميع ضباطه، وأخذوا أسرى تحت أيدى الفرنساوية وبلغ خبر ذلك مصر القاهرة فنزل على أهلها الحزن، لأنهم كانوا مؤملين أن الجيش العثمانى يجليهم عن البلاد فخابت آمالهم ودخل بونابرت القاهرة فى خامس شهر ربيع الأول ومعه مصطفى باشا وولده من جملة الأسرى وفى ثانى يوم من دخوله حضرت إليه جميع الحكام والعلماء والأعيان وأرباب الديوان وهنّوه بقدومه وانتصاره فنظر إليهم بعين فراسته فوجدهم فى حزن عظيم، وقد بلغه الهرج الذى حصل فى غيابه، فقال لهم

ص: 29

قد أخذنى منكم العجب العجاب إذ أننى أراكم تغتمون وتحزنون من انتصارى، وحتى الآن ما عرفتم مقدارى مع أنكم شاهدتم بأعينكم وسمعتم بآذانكم قوة بطشى، وحققتم فتوحاتى فقولى لكم: أنى أحب النبى محمدا فامتثلوا لأمر الله المتعال، وكونوا فرحين مطمئنين ليحصل لكم النجاح والصلاح، وقد نبهتكم مرارا عديدة ونصحتكم نصائح مفيدة، فإن كنتم تعرفونها وتذكرونها تربحوا، وإن كنتم رفضتموها تخسروا وتندموا، ثم انصرف العلماء وهم متوهلون متعجبون، ولم يقدر أحد منهم أن يرد له جوابا.

وفيه أيضا فى موضع آخر أنه لما وصل خبر هذه الحادثة عدى بونابرت بعسكره إلى الجيزة وسار حتى وصل إلى الرحمانية ومن هناك كتب خطابا إلى الديوان وصورته لا إله إلا الله محمد رسول الله نخبركم محفل الديوان بمصر المنتخب من أحسن الناس وأكملهم بالعقل والتدبير عليكم سلام الله تعالى ورحمته وبركاته بعد مزيد السلام عليكم وكثرة الأشواق إليكم، نخبركم يا أهل الديوان المكرمين العظام بهذا المكتوب إننا وضعنا جماعات من عسكرنا بجبل الطرانة وبعد ذلك سرنا إلى إقليم البحيرة لأجل أن نرد راحة الرعايا المساكين ونقاصص أعداءنا المحاربين، وقد وصلنا بالسلامة إلى الرحمانية وعفونا عفوا عموميا عن كامل أهل البحيرة حتى صار أهل الإقليم فى راحة تامة ونعمة عامة، وفى هذا التاريخ نخبركم أنه وصل ثمانون مركبا صغارا وكبارا حتى ظهروا بثغر الإسكندرية وقصدوا أن يدخلوها فلم يمكنهم الدخول من كثرة البنب وجلل المدافع النازلة عليهم، فرحلوا عنها وتوجهوا إلى ناحية بوقير وشرعوا ينزلون فى البر وأنا الآن تاركهم وقصدى أن يتكاملوا جميعا فى البر، ثم أنزل عليهم أقتل منهم من لا يطيع وأبقى الطائعين وآتيكم بهم/محبوسين مأسورين تحت السيف لأجل أن يكون فى ذلك شأن عظيم فى مدينة مصر.

والسبب فى مجئ هذه العمارة العشم بالاجتماع على المماليك والعرب لأجل نهب البلاد وخراب الأقليم المصرى، وفى هذه العمارة خلق كثير من الموسكو الإفرنج الذين كراهتهم ظاهرة لكل من كان يوحد الله وعداوتهم واضحة لمن كان يؤمن بالله ورسوله، يكرهون الإسلام ولا يحترمون القرآن، وهم نظرا لكفرهم فى معتقدهم يجعلون الآلهة ثلاثة وأن الله ثالث الثلاثة تعالى الله عن الشركاء، ولكن عن قريب يظهر أن الثلاثة لا تعطى القوّة وأن كثرة الآلهة لا تنفع لأنه باطل، بل أن الله الواحد هو

ص: 30

الذى يعطى النصرة لمن يوحده هو، الرحمن الرحيم المساعد المعين، المقوى للعادلين الموحدين الماحق رأى المفسدين المشركين.

وقد سبق فى علمه القديم وقضائه العظيم أنه أعطانى هذا الإقليم وقدر وحكم بحضورى إلى مصر لأجل تغييرى الأمور الفاسدة وأنواع الظلم وتبديل ذلك بالعدل مع صلاح الحكم، وبرهان قدرته العظيمة ووحدانيته المستقيمة أنه لم يقدر للذين يعتقدون أن الآلهة ثلاثة قوّة مثل قوّتنا، لأنهم ما قدروا أن يعملوا الذى عملناه ونحن المعتقدون وحدانية المدبر للكائنات والمحيط علمه بالأرضين والسموات القائم يأمر المخلوقات هذا ما فى الآيات والكتب المنزلات، ونخبركم بالمسلمين إن كانوا بصحبتهم ويكونون من المغضوب عليهم لمخالفتهم وصية النبى عليه الصلاة والسلام، لأن أعداء الإسلام لا ينصرون الإسلام، وياويل من كانت نصرته لأعداء الله، وحاشى الله أن يكون المستنصر بالكفار مؤيدا أو يكون مسلما ساقهم التقدير للهلاك والتدبير مع السفالة والرذالة، وكيف لمسلم أن ينزل فى مركب تحت بيرق الصليب، ولا شك أن هذا المسلم فى هذا الحال أقبح من الكافر فى الضلال، ونريد منكم يا أهل الديوان أن تخبروا بهذا الخبر جميع الدواوين والأمصار، لأجل أن يمتنع أهل الفساد من الفتنة بين الرعية فى سائر الأقاليم والبلاد، لأن البلد التى يحصل فيها الشر يحصل لهم مزيد-الضرر والقصاص، فانصحوهم ليحفظوا أنفسهم من الهلاك خوفا عليهم أن نفعل بهم مثل ما فعلنا فى أهل دمنهور وغيرها من بلاد الشرور، بسبب سلوكهم المسالك القبيحة قاصصناهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحريرا فى الرحمانية يوم الأحد خامس عشر صفر سنة أربع عشرة ومائتين وألف، وطبعوا من ذلك نسخا ولصقوها بالأسواق وفرقوا منها على الأعيان، وفى الرابع والعشرين من الشهر حصلت الواقعة فكان ما تقدم ذكره وعملوا لذلك شنكا، وفى ليلة الأحد تاسع شهر ربيع الأول حضر سر عسكر بونابرت إلى مصر.

ومن الحوادث الفظيعة فى بوقير أيضا كسر سدّها فى سنة ألف ومائتين وثمانى عشرة قال الجبرتى: وردت الأخبار فى يوم الجمعة ثانى جمادى الأولى من تلك السنة بأن على باشا الطرابلسى كسر السد الذى بناحية بوقير الحاجز على المالح وهو سد قديم من السدود العظام المتينة السلطانية وتقصده الدول على ممر الأيام بالمرمة إذا حصل

ص: 31

به أدنى خلل، فلما اختلفت الأحوال وأهمل كثير من الأمور وأسباب العمار انشرم منه شرم فسالت المياه المالحة على الأراضى والقرى التى بين رشيد واسكندرية، وذلك من نحو ستة عشر عاما فلم يتدارك أمره واستمر خلله يزيد وخرمه يتسع حتى انقطعت الطرق واستمر ذلك إلى أيام وقعة الفرنسيس، فلما حضرت الإنكليز والعثمانية شرموه أيضا من الناحية البحرية لأجل قطع الطرق على الفرنسيس فسالت المياه على الأراضى إلى قريب دمنهور واختلطت بخليج الأشرفية، وشرقت الأراضى وخربت القرى والبلاد وتلفت المزارع وانقطعت الطرق حول الإسكندرية من البحر وامتنع وصول ماء النيل إلى الإسكندرية فلم يصل إليها إلا ما وصل من جهة البحر فى النقاير وما خزنوه من مياه الأمطار وبعض العيون المستعذبة فلما استقر العثمانيون حضر شخص من طرف الدولة يسمى صالح أفندى معينا لخصوص السد وأحضر معه عدة مراكب بها أخشاب وآلات وبذل الهمة فى سده فأقام العمل فى ذلك نحو سنة ونصف حتى قارب الإتمام، وفرح الناس بذلك غاية الفرح واستبشر أهل القرى والنواحى، فبينما هم كذلك إذ قامت الفتن بين المماليك والعثمانية وصارت المحاربة بين الفريقين فى عدة جهات، مثل رشيد وفارسكور ودمياط وحضر على باشا إلى ثغر الإسكندرية واليا على مصر، وخرج الأجناد المصرية لمحاربته واستولوا على برج رشيد وأخذوا السيد على القبطان أسيرا فخاف حضورهم إلى الإسكندرية فثلم ذلك السد ثانيا فرجع التلف كما كان وذهب ما صنعه صالح أفندى فى الفارغ بعد ما صرف عليه أموالا عظيمة.

وأما أهل الإسكندرية فإنهم انجلوا عنها فى المراكب وسافر بعضهم إلى أزمير وبعضهم إلى قبرس ورودس والبعض أقام بها وهم الفقراء والعواجز والذين لا يجدون ما ينفقونه/على الرحلة وعمّ بها الغلاء لعدم الوارد وانقطاع الطرق، وقيل: إن على باشا المذكور فرض عليهم مالا وقبض على ستة أنفار من أغنياء المغاربة واتهمهم أنهم كتبوا كتابا للبرديسى يعدونه، أنه إذا حضر يدلونه على جهة يملك منها البلدة بمعونة عسكر المغاربة وأخذ منهم مائة وخمسين كيسا، واجتهد فى حفر خندق حول البلدة واستعملهم فى حفره وفى عزمه أن يطلق فيه ماء البحر، ولو فعل ذلك لحصل به ضرر عظيم فقد أخبر من له معرفة ودراية بالأمور أنه ربما خرب إقليم الجيزة.

ص: 32

(بولاق التكرور)

قرية قريبة من الجيزة كانت تعرف بمنية بولاق ثم عرفت ببولاق التكرور بسبب أنه كان نزل بها الشيخ أبو محمد يوسف بن عبد الله التكرورى، وكان يعتقد فيه الخير وجربت بركة دعائه وحكيت عنه كرامات كثيرة منها:

أن امرأة خرجت من مدينة مصر تريد البحر فأخذ السودان ابنها وساروا به فى مركب وفتحوا القلع فجرت السفينة وتعلقت المرأة بالشيخ تستغيث به، فخرج من مكانه حتى وقف على شاطئ النيل، ودعا الله سبحانه وتعالى فسكن الريح ووقفت السفينة عن السير فنادى من فى المركب يطلب منهم الصبى فدفعوه إليه وناوله لامّه، وكان بمصر رجل دباغ أتاه عفص فأخذه منه أصحاب السلطان، فأتى إلى الشيخ وشكا إليه ضرورته فدعا ربه فردّ الله عليه عفصه بسؤال أصحاب السلطان له فى ذلك، وكان يقال له: لم لا تسكن المدينة فيقول إنى أشم رائحة كريهة إذا دخلتها، ويقال إنه كان فى خلافة العزيز بن المعز وأن الشريف محمد بن أسعد الجوانى جمع له جزأ فى مناقبه، ولما مات بنى عليه قبة وعمل بجانبه جامع جدّده ووسعه الأمير محسن الشهابى مقدم المماليك، وولى تقدمة المماليك عوضا عن الطواشى عنبر السحرتى أول صفر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ثم إن النيل مال على ناحية بولاق هذه فيما بعد سنة تسعين وسبعمائة وأخذ منها قطعة عظيمة كانت كلها مساكن، فخاف أهل البلد أن يأخذ ضريح الشيخ والجامع لقربهما منه فنقلوا الضريح والجامع إلى داخل البلد وهو باق إلى يومنا هذا ويسمى جامع التكرورى انتهى مقريزى فى ذكر جوامع مصر.

وإلى الآن على باب قبته مكتوب على لوح من رخام ما مضمونه أمر بتجديد هذا المسجد لإقامة الصلاة فيه الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد سنة إحدى وتسعمائة وتلك القبة اليوم فى حديقة الحريم بسراى بولاق التكرور للأمير ابن الأمير المرحوم طوسون باشا انتهى.

(بويط)

بفتح الباء وكسر الواو بصيغة المكبر قرية من مديرية أسيوط بقسم ملوى فى سفح الجبل الغربى ويتبعها نزلة تسمى نزلة بويط وكلاهما فى حوض الدلجاوى.

وأما بويط بصيغة التصغير أعنى بضم الباء الموحدة فى أوله وسكون الياء المثناة من تحت وبعدها طاء مهملة قاله ابن خلكان فهو اسم لثلاث قرى من بلاد مصر.

ص: 33

إحداها فى مديرية البحيرة بقسم دمنهور على حافة الخزان القبلية بحرى مصرف الرحمانية وينتهى إليها مصرف من الخزان يسمى مصرف بويط وفى غربيها ناحية سنهور بقدر ثلاثة آلاف متر وفى شرقيها ناحية بنى موسى كذلك.

والثانية بالصعيد الأوسط من مديرية أسيوط بقسم بوتيج شرقى النيل على نحو ثلثى ساعة والجبل فى شرقيها على أقل من ذلك وفى قبليها ناحية تاسة وفى بحريها ناحية الشامية وأكثر أهلها أقباط.

والثالثة فى الصعيد الأدنى من مديرية بنى سويف بقسم الزاوية فى سفح الجبل الغربى وعليها يمر جسر قنبشة حتى يصل إلى الجبل وهذه هى التى ينسب إليها الشيخ البويطى صاحب الإمام الشافعى رضي الله عنهما كما فى ابن خلكان وفى كتاب تقويم البلدان للسلطان عماد الدين بن شاهنشاه ما نصه ومن بلاد مصر ابويط بهمزة مفتوحة وسكون الباء الموحدة قال فى المشترك وهما قريتان أحداهما فى كورة البوصيرية والأخرى فى الأسيوطية وإلى إحداهما ينسب أبو يعقوب البويطى صاحب الشافعى انتهى.

‌ترجمة الامام البويطى صاحب الامام الشافعى رضي الله عنه

قلت وكلام ابن خلكان أقرب إلى الصواب كما يدل عليه النسبة فى قوله البويطى وقد ترجم ابن خلكان البويطى فقال: هو الشيخ أبو يعقوب يوسف بن يحيى المصرى البويطى، صاحب الإمام الشافعى رضي الله عنه.

قال: وكان واسطة عقد جماعته وأظهرهم نجابة اختص به فى حياته وقام مقامه فى الدرس والفتوى بعد وفاته سمع الأحاديث النبوية من عبد الله بن وهب الفقيه المالكى، ومن الإمام الشافعى وروى عنه أبو اسمعيل الترمذى وإبراهيم بن اسحق الحربى والقاسم بن المغيرة الجوهرى واحمد بن منصور الرمادى وغيرهم، وكان قد حمل فى أيام الواثق بالله من مصر إلى بغداد فى مدة المحنة ليقول بخلق القرآن فامتنع من الإجابة إلى ذلك فحبس ببغداد ولم يزل فى السجن والقيد حتى مات، وكان صالحا متنسكا عابدا زاهدا.

ص: 34

وقال الربيع بن سليمن رأيت البويطى على بغل فى عنقه غل وفى رجليه قيد وبين الغل والقيد سلسلة من حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطلا وهو يقول: إنما خلق الله سبحانه وتعالى الخلق بكن/فإذا كانت كن مخلوقة، فكأن مخلوقا خلق مخلوقا، فو الله لأموتن فى حديدى حتى يأتى من بعدى قوم يعلمون أنه مات فى هذا الشأن قوم فى حديدهم، ولئن أدخلت عليه لاصدقنه يعنى الواثق.

وقال أبو عمر بن عبد البر الحافظ فى كتاب الانتقاء فى فضائل الثلاثة الفقهاء، إن ابن أبى الليث الحنفى قاضى مصر كان يحسده ويعاديه فأخرجه فى وقت المحنة فى القرآن العظيم فيمن أخرج من مصر إلى بغداد ولم يخرج من أصحاب الشافعى غيره، وحمل إلى بغداد وحبس فلم يجب إلى ما دعى إليه فى القرآن وقال هو كلام الله غير مخلوق وحبس ومات فى السجن.

وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازى فى كتاب طبقات الفقهاء كان أبو يعقوب البويطى إذا سمع المؤذن وهو فى السجن يوم الجمعة اغتسل ولبس ثيابه ومشى حتى يبلغ باب السجن فيقول له السجان أين تريد فيقول أجيب داعى الله فيقول: إرجع عافاك الله فيقول أبو يعقوب اللهم إنك تعلم أنى أجبت داعيك فمنعونى.

وقال أبو الوليد بن أبى الجارود كان البوطى جارى فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا سمعته يقرأ ويصلى، وقال الربيع: كان أبو يعقوب أبدا يحرك شفتيه بذكر الله تعالى، وما رأيت أحدا أبرع بحجته من كتاب الله تعالى من أبى يعقوب البويطى، وقال الربيع أيضا كان لأبى يعقوب منزلة من الشافعى، وكان الرجل ربما يسأله عن المسئلة فيقول له سل أبا يعقوب فإذا أجابه أخبره فيقول هو كما قال، وقال أيضا ربما جاء رسول صاحب الشرطة إلى الشافعى يستفتيه فيوجه أبا يعقوب البويطى ويقول هذا لسانى.

وقال الخطيب البغدادى فى تاريخه لما مرض الشافعى مرضه الذى مات فيه جاء محمد بن عبد الحكم ينازع البويطى فى مجلس الشافعى فقال البويطى: أنا أحق به منك، وقال ابن عبد الحكم أنا أحق بمجلسه منك فجاء أبو بكر الحميدى وكان فى تلك الأيام بمصر فقال قال الشافعى: ليس أحد أحق بمجلسى من يوسف بن يحيى وليس أحد من أصحابى أعلم منه، فقال له ابن عبد الحكم: كذبت فقال الحميدى: كذبت

ص: 35

انت وكذب أبوك وكذبت أمك، فغضب ابن عبد الحكم وترك مجلس الشافعى وتقدم وجلس فى الطاق وترك طاقا بين مجلس الشافعى ومجلسه، وجلس البويطى فى مجلس الشافعى فى الطاق الذى كان بجلس فيه.

وقال أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم: رأيت أبى فى المنام فقال لى يا بنى عليك بكتاب البويطى فليس فى الكتب أقل خطأ منه، وقال الربيع بن سليمن: كنت عند الشافعى أنا والمزنى وأبو يعقوب البويطى، فنظر إلينا وقال لى: أنت تموت فى الحديث، وقال للمزنى هذا لو ناظره الشيطان لقطعه أو جدله، وقال للبويطى: أنت تموت فى الحديد.

قال الربيع فدخلت على البويطى أيام المحنة فرأيته مقيدا إلى أنصاف ساقيه مغلولة يداه إلى عنقه، وقال الربيع أيضا كتب إلىّ أبو يعقوب من السجن إنه ليأتى علىّ أوقات لا أحس بالحديد أنه على بدنى حتى تمسه يدى، فإذا قرأت كتابى هذا فأحسن خلقك مع أهل حلقتك، واستوص بالغرباء خاصة خيرا، فكثيرا ما كنت أسمع الشافعى رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت.

أهين لهم نفسى لأكرمهم بها

ولن تكرم النفس التى لا تهينها

وأخباره كثيرة، وتوفى يوم الجمعة قبل الصلاة فى رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين فى القيد والسجن ببغداد، وقبل سنة اثنتين وثلاثين والأول أصح، وقال ابن الفرات فى تاريخه توفى رحمه الله يوم الثلاثاء فى رجب والله أعلم انتهى.

وفى القاموس الطاق ما عطف من الأبنية جمعه طاقات، وطيقان وضرب من الثياب والطيلسان أو الأخضر منه وبلدة بسجستان وحصن بطبرستان انتهى والمراد هنا المعنى الأول.

ص: 36

‌ترجمة ابن خلكان

وهذه ترجمة ابن خلكان كما فى حسن المحاضرة للسيوطى فى ذكر من كان بمصر من المؤرخين هو قاضى القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم الأربلى الشافعى صاحب وفيات الأعيان ولد سنة ستمائة وأجاز له المؤيد الطوسى وتفقه بابن يونس وابن شداد، ولقى كبار العلماء وسكن مصر مدة وناب فى القضاء بها ثم ولى قضاء الشام عشر سنين، ثم عزل فأقام بمصر سبع سنين، ثم رد إلى قضاء الشام.

قال فى العبر كان سريا ذكيا إخباريا عارفا بأيام الناس، مات فى رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة انتهى.

وفى كتاب كترمير نقلا عن كتاب السلوك أنه هو شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبى بكر بن خلكان البرمكى الشافعى ينسب إلى عائلة البرامكة، وأمه من ذرية ابن أيوب رفيق الإمام أبى حنيفة، ولد بمدينة أربل يوم الخميس حادى عشر ربيع الثانى سنة ستمائة وثمانية هجرية موافقة لسنة ألف ومائتين وإحدى عشرة ميلادية مات أبوه بعد ولادته بسنتين.

وكان عالما يدرس بمدرسة مظفر الدين بمدينة أربل وتربى بها إلى سنة عشرين بعد الستمائة ثم سافر إلى حلب ليأخذ عن علمائها واجتمع بعز الدين بن الأثير المؤرخ المشهور، قال المترجم دخلت مدينة حلب يوم/الثلاثاء أول شهر القعدة سنة ست وعشرين، وكانت حلب إذ ذاك تخت بلاد المشرق وكانت مجمع العلماء والفضلاء فأخذت عن الشيخ موفق الدين فقرأت عليه الملمع لابن جنى ولذت بأشهر القضاة والمؤرخين أبى المحاسن بهاء الدين بن شداد، وكان له صحبة ومعزة لوالدى وتربيا جميعا فى مدرسة الموسم وقرأ بها العلوم، وقد أوصاه السلطان بى وبأخى، وكان أخى قد اجتمع به قبل إجتماعى به بقليل، فاحتفل بنا وأسكننا فى مدرسته وأوسع فى إكرامنا فرتب لنا فوق ما يكفينا وأقمنا عنده مكرمين إلى أن مات فانقطع الدرس بعد موته إذ لم يكن هناك وقتئذ من يدرس فى كل الفنون غيره.

ص: 37

وكان له أربعة من المعيدين لدروسه فكنا ملحوظين بعين أحد المعيدين الشيخ جمال الدين أبى بكر مهانى، وكان من بلدتنا وقرأ مع أبينا ومات أيضا فى ثالث شوّال سنة سبع وعشرين فانتقلنا إلى درس الشيخ نجم الدين أبى عبد الله محمد المعروف بابن الخباز الموصلى فى المدرسة السيفية وقرأت عليه جزأ من وجيز الغزالى هذا كلامه، ولم يبين قدر المدة التى أقامها بالشام، ولكنه فى سنة اثنتين وثلاثين بعد الستمائة كان ببلده أربل وحضر على الفقيه أبى عمر عثمان السهروردى المعروف بابن صالح الملقب بتقى الدين الفقيه وقد سافر إلى الموصل عشر مرات للإجتماع بالعالم الشهير أبى الفتح ضياء الدين المعروف بابن الاثير أخى ابن الأثير المؤرخ ولم يجتمع به.

وفى سنة ثلاث وثلاثين انتقل إلى دمشق واجتمع بالملك الأشرف والملك الكامل فأقام هناك عشر سنين ثم تحول إلى مصر فأقام بالقاهرة واشتهر بها وجعل نائب قاضى القضاة بدر الدين أبى المحاسن يوسف بن حسن المعروف بقاضى سنجار قاضى جميع بلاد الأقاليم المصرية، وحكى المترجم المذكور أن صاحبه جمال الدين محمد بن عبد الله الأربلى المتفنن فى الموسيقى وغيرها حضر عنده بالمحكمة فى سنة خمس وأربعين وأقام عنده قليلا وخرج وإذا بخادمه قد رجع بورقة فيها هذه الأبيات:

يا أيها المولى الذى بوجوده

أبدت محاسنها لنا الأيام

إنى حججت إلى مقامك حجة الأ

شواق لا ما يوجب الإسلام

وأنخت بالحرم الشريف مطيتى

فتسربت واستاقها الأقوام

فطلبت أنشد عند نشداتى لها

بيتا لمن هو فى القريض إمام

وإذا المطىّ بنا بلغن محمدا

فظهورهن على الرجال حرام

فقلت للخادم ما الذى حصل لسيدك فقال: إنه لما قام من عندك لم يجد نعله فأعجبه كلامه وحسن تكنيته.

قال ولما اجتمعت به قلت له ان اسمى أحمد فقال كلا الاسمين بمعنى، وقد اصطحب المترجم فى إقامته بمصر بالوزير أبى الحسن يحيى بن مطروح وزير الملك الصالح نجم الدين أيوب، وفى سنة ثمان وأربعين أخبر أنه رأى فى منامه أنه حصل له

ص: 38

محادثة مع أبى حسن الفارسى أحد أئمة النحو وكان قد توفى قبل ذلك بثلاثة قرون وكان أيضا صاحب المتنبى وفى سنة سبع وستين تعين قاضى قضاة دمشق وسافر لها من مصرفى اليوم السابع والعشرين من شهر الحجة ووصل إليها فى ثالث المحرم.

وأكثر المؤرخين مثل النوارى وحسن بن عمر وجمال الدين بن واصل والمقريزى وأبى الفداء على أن تعيينه قاضى قضاة دمشق، كان فى سنة تسع وخمسين وستمائة وإلى ذاك الوقت كان قاضى القضاة شافعيا يتكلم على جميع بلاد الشام من حدود مصر إلى حدود الروم، وكانت قضاة الحنابلة والمالكية والحنفية نوابا فقط ثم فى سنة ثلاث وستين جعل السلطان بيبرس قضاة القضاة بدمشق أربعة من المذاهب الأربعة ثم فى سنة تسع وستين عزل ابن خلكان ورجع إلى مصر فأقام بها سبع سنين مشتغلا بالتأليف والتدريس بالمدرسة الفاخرية وفى أثناء نيابته وقع نزاع بين شهاب الدين أبى عبد الله محمد المعروف بابن الخيمى ونجم الدين بن إسرائيل فى قصيدة كل منهما يدعيها وبعد طول النزاع بينهما حكموا فيها عمر بن الفارض فنظر فى ذلك بغاية الدقة وامتحن قوّتهما فحكم بها لابن الخيمى فتأثر ابن إسرائيل ورحل إلى الشام بسبب ذلك وفى مدة خلوّ ابن خلكان من الوظيفة قل ماله وضاق عيشه فبلغ ذلك الأمير بدر الدين الخازندار فشق عليه فجعل له من ماله مرتبا من النقود ومائة أردب قمح كل سنة فأبى أن يكون لأحد عليه منة واختار الفقر على ذلك.

وفى سنة ست وسبعين جعل ثانيا قاضى القضاة بدمشق والشام كله فخرج من مصر لسبع وعشرين من شهر الحجة ودخل دمشق فى الثالث والعشرين من المحرم وخرج لملاقاته النائب عز الدين أيدمر مع العلماء والأمراء/ووجوه الناس فقابلوه فى غزة بل بعضهم وصل إلى الصالحية بديار مصر، وهنأته الشعراء بقصائد كثيرة فأقام قاضى القضاة ثلاث سنين، ثم عزل ثم رجع إلى وظيفته فأقام سنة ثم كره الوظائف وتركها وانقطع للعبادة والعلوم إلى أن توفى يوم السبت لست وعشرين من رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة فى مدينة دمشق، وعمره ثلاث وسبعون سنة وكان مرضه خمسة أيام ودفن بجبل قاسيون، وقد شهد بفضله جميع أهل المشرق وكلهم يثنون عليه.

قال النوارى إنه عالم فاضل عدل صالح فصيح بليغ أديب صادق فى نقله أمين فى الأحكام سخى كريم يحب الرفق ويكره المنكر لا تقع الغيبة فى مجلسه من أشهر

ص: 39

المؤرخين، وفيما نقله أبو المحاسن يوسف بن حسن أنه كان شريف النفس عفيفا متبحرا فى اللغة العربية محاسنه عديدة، ومجالسه مفيدة، تشتمل على أحكام أدبية وشرعية ومناقشات صحيحة مرضية مولعا بالشعر يجزل العطاء للشعراء متمكنا من أشعار المتنبى متجافيا عن الزهوّ والتفاخر.

وقد اتفق أن ابن إسرائيل المار ذكره قال له يوما: إنك قاضى قضاة دمشق وسرجك الذى تركب فيه مكسور ولم ترمه ولم تصلحه فقال له يا شيخ: نجم الدين العاقل من الحكام ينبغى له أن ينظر فى أحوال الناس فيشغله ذلك عن أحوال نفسه ومن شعره رحمه الله.

تمثلتمو إلى والبلاد بعيدة

فخيل لى أن الفؤاد لكم مغنى

وناجاكموا قلبى على البعد والنوى

فآنستموا لفظا وأوحشتموا معنى

غيره

يا جيرة الحى هل من عودة فعسى

يفيق من سكرات الموت مخمور

إذا ظفرت من الدنيا بقر بكمو

فكل ذنب جناه الحب مغفور

غيره

يا رب إن العبد يخفى عيبه

فاستر بحلمك ما بدا من عيبه

ولقد أتاك وما له من شافع

لذنوبه فاقبل شفاعة شيبه

ومن تأليفه كتاب: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ابتدأه بالقاهرة فى سنة أربع وخمسين وفى أثنائه سار إلى يحيى بن خالد ولما سافر إلى الشام مع الظاهر بيبرس فى سنة تسع وخمسين واشتغل بالقضاء تعطل عن إتمامه إلى أن رفع من الخدمة فرجع إلى مصر، واشتغل بإكماله فأتمه فى الثانى والعشرين من جمادى الثانية سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وهو من أعظم الكتب وقد اشتغل باختصاره الملك الأفضل عباس بن الملك المجاهد علىّ صاحب اليمن المتوفى سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وسماه مختصر تاريخ ابن خلكان، وذيله كثير من المؤرخين، فمن ذلك كتاب

ص: 40

لفضل الله السخاوى وآخر لحسين بن أيبك ذكره المؤرخ ابن قاضى شهبة، وكتاب لعبد الرحمن بن حسين الملقب بزين الدين العراقى وقد جمع المؤرخ حسن بن عمر كتابا سماه معانى أهل البيان من وفيات الأعيان انتهى مترجما من كتاب كترمير.

‌ترجمة حسن بن عمر

ولنتكلم على تراجم بعض من تقدم ذكرهم فى هذه الترجمة لتكرر النقل عنهم فى كتابنا هذا فنقول نقل كترمير أيضا عن بعض كتب التاريخ أن حسن بن عمر هو بدر الدين حسن بن زين الدين عمر بن بدر الدين حسن بن عمر بن حبيب ولد بحلب سنة تسع وسبعمائة ومات سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وجده أبو أبيه هو بدر الدين حسن قال فى ترجمته أحمد العسقلانى: هو حسن بن عمر بن حبيب المعروف بأبى محمد بدر الدين وأصله من دمشق، وولد بحلب سنة عشر وسبعمائة وقرأ ببلده وتحول إلى القاهرة، وأخذ عن جملة من علمائها، واشتهر فى الأدب والإنشاء وكتابة الشروط واشتغل بالتاريخ وكان يكتبه مسجعا وتوظف نيابة القضاة ونقل بيده صحيح البخارى، وله عدة تصانيف ما بين شعر ونثر ومن تأليفه درة الأسلاك فى دولة الأتراك، وتذكرة النبيه فى أيام المنصور وبنيه، ومات صبح يوم الجمعة لأحد وعشرين من ربيع الأول بمدينة حلب سنة تسع وسبعين وسبعمائة وابنه زين الدين طاهر اشتغل بعد موته بتكميل تاريخه.

وأما حسن هذا فقد اشتغل بالعلم على شمس الدين أبى بكر عمر، وعلى عماد الدين أبى طالب عبد الرحمن، وعلى قاضى القضاة برهان الدين أبى اسحق إبراهيم الراسانى من مدينة رأس العين، وفى سنة سبعمائة وثلاث وعشرين حضر الصلاة بجامع دمشق ونظم فى ذلك قصيدة وفى سنة ثلاث وسبعمائة حج إلى بيت الله الحرام وفى ذاك الوقت وضع السلطان محمد بن قلاوون بابا على الكعبة فعمل لذلك قصيدة أيضا وبعد ذلك بخمس سنين سافر إلى القدس وتوجه إلى مدينة جيرون- (مدينة الخليل عليه السلام -وفى سنة ست وثلاثين سافر إلى مصر فأقام بها خمسة أشهر ثم إلى الإسكندرية ومدح مصر بقصائد كثيرة وفى رجوعه من الإسكندرية مر بمنية

ص: 41

مرشد وزار الشيخ محمد المرشدى وفى/سنة تسع وثلاثين حج حجة ثانية وله فى ذلك أشعار ثم سافر مع أخوته إلى حلب وزار هناك بعض الصالحين، وفى سنة خمس وأربعين صحب الأمير شرف الدين إلى حلب، ومنها توجه إلى مدينة الباب المشهورة بالحسن واتساع البساتين الواقعة على نهر الذهب، ثم إلى البيرة وهى قرية بالوادى وإلى قرية الرّها وقخطا وكرك وبهسنا وقلعة المسلمين المعروفة فى بعض الكتب بقلعة الروم وإلى عنتاب ومدينة الراوندان بالراء أو اللام وعزاز وبجرس وأنطاكية وقصير وشغر وبقاش وافامية وشيزار وكافر تاب وسرمين.

وفى سياحته الأولى اختصر تاريخ حلب لكمال الدين بن العديم وسمى مختصره حضرة النديم من تاريخ ابن العديم وعمل قصيدة فى الحرب الذى وقع بين المسلمين وبلاد الأرمن سنة سبعمائة وعشرة، وفى سنة ست وأربعين وسبعمائة ابتدأ فى كتابة معانى أهل البيان من وفيات الأعيان، وفى سنة ثمان وأربعين لخص من ديوان نجم الدين أبى عبد الله محمد المعلم الواسطى كتابا سماه تحية المسلم من شعر ابن المعلم، وبعد ذلك بسنة وقع الطاعون الذى لم يعهد مثله ومات فيه أغلب سكان الأرض فجعل فى ذلك قصائد، ثم بعد ذلك جمع كتابه المسمى مروج الغروس فى خروج بيبغاروس.

وفى سنة أربع وخمسين لخص من صحيح البخارى مجموعا يشتمل على ألف حديث سماه إرشاد السامع والقارى من صحيح أبى عبد الله البخارى، وفى السنة التالية انتخب من ديوان أبى اسحق إبراهيم بن عثمان الغزى ملخصا قسمه ثلاثة أقسام القسم الأول سماه الدر اليتيم، والثانى العقد النظيم، والثالث الروض الرقيم وأضاف له قواعد إبراهيم، وبعد ذلك بسنة ألف كتاب نسيم الصبا وجعله ثلاثين بابا من شعر ونثر، وفى تلك المدة سافر إلى طرابلس بقصد السياحة فأقام بها سنتين مكرما عند نائب السلطنة سيف الدين منجك الناصرى وهناك ألف سيرة قاضى القضاة تقى الدين أبى حسن على السبكى، وبعدها بسنة ضم كتاب التوضيح على الحاوى لقطب الدين الغالى إلى كتاب إظهار الفتاوى للامام شرف الدين بن البارزى، واجتهد فى شرح غوامض الحاوى تأليف نجم الدين القزوينى وسمى المجموع توشيح التوضيح.

ص: 42

وفى سنة تسع وخمسين وسبعمائة سافر إلى حلب ودمشق واجتمع بالأمير منجك المذكور وأقام ثلاث سنين معظما عند الأمراء والحكام والأهالى، وألف كتابا نحو كراستين سماه مشنف المسامع فى وصف الجامع- (الجامع الأموى بدمشق) - ومدح فيه الشام ووصف دمشق وأشهر تأليفه تاريخه المشتمل على حوادث الإسلام من ابتداء سنة ثمان وأربعين وستمائة إلى سنة ثمان وسبعين وستمائة المسمى بدرة الأسلاك فى دولة الأتراك جعله تكملة لكتاب أبيه وجده من قبله.

ومات بعد ذلك بحلب يوم الجمعة الحادى والعشرين من ربيع الثانى سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وقد اشتغل ولده بعده بتكميل كتابه، وقد قدح فى هذا الكتاب أبو المحاسن فقال إنه كتاب قليل الفائدة قليل الصدق ولم أنقل منه إلا نادرا لأن السجع كان يحمل مؤلفه على التراكيب التى لا فائدة فيها ثم ذكر له أبو المحاسن غير ما مضى من الكتب كتاب نفحات الأرج من تبصرة أبى الفرج، وكتاب النجم الثاقب فى أشرف المناقب، وكتابا فى أخبار الدول وتذكار الأول ا. هـ. مترجما من كترمير.

‌ترجمة أبى المحاسن بهاء الدين الشافعى

وأما أبو المحاسن فقد ترجمه ابن خلكان فى كتابه وفيات الأعيان فقال هو يوسف ابن رافع بن تميم بن عتبة بن محمد بن عتاب الأسدى، قاضى حلب المعروف بابن شداد الملقب ببهاء الدين الفقيه الشافعى، وكان شداد جده لأمه فنسب إليه لوفاة أبيه وهو صغير السن، فنشأ عند أخواله بنى شداد، وكان أولا يكنى أبا العز ثم كنى أبا المحاسن، ولد بالموصل ليلة العاشر من رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وحفظ بها القرآن الكريم، ثم لازم الشيخ أبا بكر يحيى بن سعدون القرطبى، وقرأ عليه بالطرق السبع والحديث والتفسير والأدب وأعطاه إجازة بخطه، وآخر ما روى عنه شرح الغريب لأبى عبيد القاسم بن سلام، ومن مشايخه أبو البركات عبد الله بن الخضر بن الحسين المعروف بابن الشيرجى والشيخ مجد الدين أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسى الخطيب بالموصل، ومنهم القاضى فخر الدين أبو الرضا سعيد بن عبد الله بن القاسم الشهرزورى والحافظ مجد الدين أبو محمد

ص: 43

عبد الله بن محمد بن عبد الله بن على الأشيرى الصنهاجى، والحافظ سراج الدين أبو بكر محمد بن على الجيانى، قاله أبو المحاسن عن نفسه.

ثم انحدر إلى بغداد بعد التأهل التام ونزل بالمدرسة النظامية وترتب فيها معيدا بعد وصوله إليها بقليل وأقام معيدا نحو أربع سنين ثم أصعد إلى الموصل فى سنة تسع وستين فترتب مدرسا فى مدرسة القاضى جمال الدين الشهرزورى وانتفع به جماعة وله كتاب فى الأقضية سماه ملجأ الحكام عند التباس الأحكام، ذكر فى أوائله إنه حج فى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وزار بيت المقدس والخليل عليه السلام بعد الحج وزيارة الرسول/صلى الله عليه وسلم، ثم دخل دمشق والسلطان صلاح الدين محاصر قلعة كوكب، فاستدعاه إليه وقابله بالإكرام التام وسأله عن جزء من الحديث ليسمعه عليه، فأخرج له جزأ جمع فيه أذكار البخارى فقرأه عليه بنفسه، فلما خرج من عنده تبعه عماد الدين الكاتب، وقال له السلطان يقول لك: إذا عدت من الزيارة وعزمت على العودة فعرفنا فلنا إليك مهم فأجابه بالسمع والطاعة، فلما عاد عرفه فاستدعاه وجمع له فى تلك المدة كتابا يشتمل على فضائل الجهاد نحو ثلاثين كراسة، ثم إنه اتصل بخدمة صلاح الدين فى مستهل جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمسمائة ثم ولاه قضاء العسكر والحكم بالقدس الشريف.

ثم فى سنة إحدى وتسعين اتصل بخدمة الملك الظاهر وقدم إليه بحلب وولاّه قضاءها، وكانت حلب إذ ذاك قليلة المدارس فاعتنى بتدبير أمورها، وجمع الفقهاء بها وعمرت فى أيامه المدارس الكثيرة، وكان الملك الظاهر قد قرر له إقطاعا جيدا ولم يكن للشيخ ولد ولا أقارب فتوفر له شئ فعمر مدرسة بالقرب من باب العراق سنة إحدى وستمائة ثم عمر بجوارها دارا للحديث النبوى وجعل بين المكانين تربة برسم دفنه فيها.

وقال ابن خلكان كان بين والدى رحمه الله وبين القاضى أبى المحاسن مؤانسة كثيرة وصحبه صحيحة من زمن الاشتغال بالموصل فجاورت عنده أنا وأخى وأوصاه بنا سلطان بلدنا الملك المعظم مظفر الدين أبو سعيد كوكبورى بن على بن بكتكين بكتاب بليغ يقول فيه أنت تعلم ما يلزم من أمر هذين الولدين، وإنهما ولدا أخى وأخيك ولا حاجة إلى التأكيد وأطال فى ذلك فتلقانا الشيخ بالقبول والإكرام حسب الإمكان والحقنا

ص: 44

بكبار الطلبة مع شبيبتنا ولم نزل عنده إلى أن توفى، وكان قد طعن فى السن وضعف عن الحركة فرتب أربعة من المعيدين وكان بيده حل الأمور وعقدها وقد أثر فيه الهرم حتى صار كفرخ الطائر من الضعف لا يقدر على الحركة إلا بمشقة، وكانت النزلات تعتريه فى دماغه، فكان لا يفارق المكث فى القبة ويلبس الفرجية البرطاسى والثياب الكثيرة وتحته الطراحة الوثيرة فوق البسط ذوات الخمائل الثخينة ولا يخرج لصلاة الجمعة إلا فى شدة القيظ، وظهر عليه فى آخر عمره الخرف بحيث صار لا يعرف من يدخل عليه واستمر على هذا الحال مدة مديدة ثم مرض أياما قليلة وتوفى يوم الأربعاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ودفن بتربته المذكورة، وقد صنف كتاب ملجأ الحكام فى مجلدين ودلائل الاحكام يتعلق بالأحاديث المستنبط منها الأحكام فى مجلدين، وكتاب الموجز الباهر فى الفقه، وكتاب سيرة صلاح الدين أيوب، وجعل داره خانقاه للصوفية لأنه لم يكن له وارث ولازم القراء تربته مدة طويلة يقرأون القرآن انتهى باختصار كثير من تاريخ ابن خلكان.

(بياض)

قرية قديمة من قسم بنى سويف شرقى النيل تجاه بنى سويف بحاجر الجبل، وهى عدة كفور وأغلب أهلها نصارى ولذا تعرف ببياض النصارى، وفيها نخيل وأشجار وأطيانها ممتدة إلى جبل المرمر، وفى جنوبها على بعد ساعة ونصف تل قديم بين البحر والجبل، وفى شمالها بقليل بحاجر الجبل جبانة بنى سويف وما جاورها من البلاد، وفى شمالها أيضا بنحو نصف ساعة يوجد الجبس الجيد ممتدا شمالا إلى دير الميمون، وكثير من الحجارة وغيرهم يجمعه من الجبل ويحرقه ويسحقه ويتجر فيه، ومثل هذا الجبس يوجد بناحية الشيخ تمى بالجبل الشرقى تجاه ساقية موسى، ويقال إن الجبس لا يوجد بعد جبل الشيخ تمى فى جبال الصعيد، ويوجد فى عدة مواضع كشرق أطفيح وفى جبال الفيوم بكثرة فيما بين سيلة وهوارة وفى جنوب بياض على مسافة ساعتين محطة ورشة حجر المرمر، وهو فى الجبل مشرقا نحو اثنتى عشرة ساعة له طريق معتدلة تمشى فيها العربات التى تنقله، وفيها عيون الماء ويتوصل من تلك الطريق إلى البحر الأحمر وإلى الصحراء المتسعة الممتدة شمالا وجنوبا حتى يتصل بصحراء عيذاب، وفى وقتنا هذا أعنى سنة ألف ومائتين وثلاث وتسعين قد سافر الشيخ حسن أبو طالب ابن متعهد جبل الرخام سابقا إلى هذه

ص: 45

الصحراء لاستكشاف أنواع الرخام التى بجبالها، واختبار ما يوافق المطلوب منه فى عمارة جامع الرفاعى بمصر المحروسة الجارى تعميره من طرف والدة الخديوى اسمعيل باشا فاصطحب بخبراء من عرب العبابيد القاطنين بتلك الصحراء ولهم تردد على مدن الريف وبلاده فاستغرق فى تلك السفرة نحو مائة يوم وكشف محاجر رخام متعددة وأحضر منها أنموذجات مختلفة من الرخام الأسود الخالص والمعرق والأبيض أنواعا وغير ذلك وجميعها فى غاية الجودة دقيقة الحسبة قليلة السّوس صلبة، وقد شاهدتها فأحببت أن أحفظ وصف الطريق إليها حسبما نقلته عنه لبقاء الفائدة.

قال إن: ورشة جبل المرمر واقعة فى جنوب ناحية بياض على بعد ساعة ونصف منها فلما سافرنا كان إتجاه سيرنا فيما بين الجنوب والشرق فى طريق مطروق، وبعد ثمان ساعات وصلنا إلى محل يعرف عند/العرب بالحلف فاسترحنا به، وبعد ثلاث ساعات ونصف نزلنا بمحل يعرف بالغمر به ماء متجمع من المطر فبتنا به، وفى اليوم الثانى وصلنا بعد سبع ساعات ونصف إلى محل يعرف بوادى المغزة فبتنا به، وفى ثالث يوم بعد ست ساعات ونصف وصلنا إلى وادى الخرجة فبتنا به، وفى اليوم الرابع سافرنا أربع ساعات وبتنا بمحل يعرف بشعيرة، وفى اليوم الخامس بعد سير ثمان ساعات وصلنا إلى أم ضمران، وفى أثناء تلك المسافة عبرنا واديا تسميه العرب أركس، وهو واد طويل وببطنه قطع من الرخام الأحمر متفرقة ملقاة على وجه الأرض لم تعرف من أين أتى بها، وتلك القطع يتحصل منها على ألواح صغيرة ضلعها من خمس متر إلى ربع متر وفى أم ضمران جبل الرخام الأبيض، وهو جبل متسع كبير وبعض طرقات رخامه أبيض معرق بأحمر سنجابى وبعضه بعروق زرق، ويتحصل منه على كتل لغاية عشرة أمتار طولا وسوسه قليل.

وفى زمن المرحوم عباس باشا عمل بخصوصه طريق لسير العربات تبتدئ من ورشة المرمر بناحية بياض لأجل الاستخراج منه ولم يستخرج إذ ذاك منه شئ وقد بتنا هناك ثم سافرنا ست ساعات ونصفا فوصلنا إلى واد يعرف بوادى أسخر فاسترحنا، ثم سافرنا ساعة ووصلنا وادى المرخم وهناك جبل الرخام الأسود، وهو جبل كبير غير أن الذى يستخرج من طبقاته صغير عما وصفنا فى الرخام الأبيض، وغاية ما يمكن قطعة منه ألواح طولها متر وعرضها نصف ذلك وسمكها نصف

ص: 46

العرض، قال: والآن قد جعلنا به ورشة جار فيها استخراج الرخام الأسود للزوم جامع الرفاعى، والنقل إلى بنى سويف يكون على جمال العرب وأجرة المتر المكعب قطعا غشيمة ألف وخمسمائة قرش ديوانية، ويصرف على المتر أيضا قدر ذلك فى القطع والنقل من بنى سويف فى المراكب إلى مصر، بمعنى أن مصاريف المتر الغشيم إلى وصوله مصر ثلاثون جنيها مصرية. ويوجد بعد ثلاث ساعات من وادى أسخر دير انطانيوس.

وفى شرقيه إلى الشمال جبل يعرف بأم طنيطير رخامه أصغر قد جعلنا به ورشة أيضا والقطع جار منه ويرسل بالمثابة السابقة إلى عمارة الرفاعى والثمن كالسابق، ويظهر أن الجبلين المذكورين كانا مستعملين عند الأقدمين، وكان يستخرج منهما الرخام للعمارات كما يدل لذلك آثار آلات القطع فى طبقات الجبل، وفى نصف المسافة بين الجبلين عين ماء نابعة من أسفل جبل الدير، وهى كثيرة الماء تكفى أكثر من مائتى نفس، وهى تنصب فى داخل كهف منخفض المقعر فيجتمع به الماء كما يجتمع فى الحوض وقد سافرنا من الدير جنوبا فوصلنا بعد ثلاث ساعات إلى محل يعرف بمسيكات عيد فبتنا به، وفى ثانى يوم سافرنا جنوبا أيضا سبع ساعات وربعا فوصلنا شاطئ البحر الأحمر قبلى محل يعرف بالطارف بالفاء به جبل جميع أحجاره هيصم قابل للصقل لونه أبيض كاب وبه سوس ويستخرج منه لغاية أربعة أمتار طولا وهو بعيد عن البحر بنصف ساعة وليس هناك موردة للمراكب، وهو أيضا قبلى أول فنار من جهة السويس بنحو ثلاث ساعات وسمى الفنار المذكور بالأشرف.

ودير أنبا بولى فى جنوب جبل الطارف بخمس ساعات وقد أقمنا بذلك الدير للإستراحة يومين، ثم سافرنا منه جنوبا سبع ساعات فبتنا بموضع يعرف بأم أرطى مسمى باسم شجر صغير كثير هناك تأكله الإبل وتوقد منه العرب، ومن هذا المحل إلى جبل النحاس ست ساعات وقد شاهدنا عند هذا الجبل معملا قديما وأثر أفران ومبان وبعد أربع ساعات من هذا الجبل جنوبا يوجد ثلاث عيون ماء بين العين والأخرى نصف ساعة، وهى نابعة من الرمل جارية تحته بمعنى أنه يحفر عليها قليلا فتوجد جارية لا يدرى أين ابتداؤها وذلك المحل يعرف عند العرب بالحواشية، وفى جنوب هذا الموضع على بعد سبع ساعات منه يوجد الجبل المسمى بسمر العبد فى أسفله عرق

ص: 47

رخام عشرون مترا فى الطول والعرض ولرخامه شبه بالرخام الاسلامبولى فى اللون لكنه أصلب مع سهولة قطعه وهو أبيض معرق بسواد ومتى كان الانسان بالحواشية وفى شرقى سمر العبد يرى جبلا يلمع من وقوع أشعة الضوء عليه ويرى فى لون الذهب، وفى بطن الوادى منه قطع كثيرة نسفتها الرياح وقد أحضرنا منه أنموذجا ولم نعلم حقيقته.

وبعد ثمان ساعات من جبل سمر العبد جنوبا وصلنا إلى جبلين شاهقين تسمى العرب أحدهما غاربا وبأسفله عين ماء والثانى غويربا وهما أعلى الجبال التى هناك وفى جنوبهما على بعد ثلاث ساعات ونصف جبل تسميه العرب دارة به عين ماء مشهورة فبتنا هناك وشاهدت فى غربى الطريق فى الجبل مغارات وآثار مساكن، وتقول العرب إن هذا الجبل كان يستخرج منه الذهب، وفى جنوب هذا الجبل بعد خمس ساعات ونصف واد يقال له وادى أبى نقولة بجباله مغارات جسيمة وعندها بيوت قائمة خالية من السكان، وحجارة هذه الجبال سود ثقيلة ومكسرها كمكسر الحديد وحبوبها بيض براقة، وفى غربى أبى نقولة على بعد ثلاث/ساعات مغارات يستخرج منها الكحل الأصفهانى وقد أحضرت معى منه جانبا، وفى غربى ذلك جبل الدّب على بعد ساعتين، وبه رخام أبيض كبياض تبن الفول ورخام أسود مائل إلى الزرقة وفيه عروق أجناس ويستخرج منه لغاية مترين طولا ومتر سمكا، والبلاد الغربية منه إخميم منه إليها خمسة أيام بسير الأبل، وليس فى طريقه إليها ماء، ومنه إلى البحر الأحمر مسيرة يومين فى الطريق المسلوك، فيمر طريقه من وادى الدب إلى أبى شعر وفى أبى شعر بئر، ومتى وصل المسافر إلى البحر كان فى شمال جبل الزيت المشهور بثلاث ساعات.

وبعد الاستراحة والبيات على البحر قمنا قاصدين جبل الدخان فسافرنا أول يوم سبع ساعات فوصلنا وادى إملاحة فى جنوب الدّب وبه عين ماء، ثم بعد إحدى عشرة ساعة وصلنا إلى عين ماء تسميها العرب ماء المساعيد، وبعدها وادى الدخان بمسافة خمس ساعات فى داخل وادى أم سدرة، ومن جبل الدخان يستخرج حجر السماق الأحمر والأخضر الكبدى وألوان أخر، وفى جميعها حبوب كثيرة بيض وجميعها أيضا قابل للجلاء، ولا نعرف كيف كان الأقدمون يصنعون منه الأعمدة والترابيع وغيرها،

ص: 48

وعنده معامل وبلد كبير له سور خال من السكان وصهاريج للماء، وفى وسط الجميع ساقية دائرها نحو خمسين مترا مرتدمة لم يظهر منها إلا قليل، مبنى بالحجر والدّبش ولها صواديد قائمة ومجارى الماء مبنية بالطوب الأحمر والمونة متوجهة فى جهات مختلفة.

وجبل الدخان المذكور واقع فى شرق قنا إلى الشمال بينه وبينها ستة أيام ويمر المسافر من قنا إليه بجبل القطار، وطريقه سهلة سلوكة، وبها توجد المياه، ثم إنا بعد أن وصلنا إلى قنا واسترحنا بها سافرنا فى طريق القصير إلى جبل الحمامات فوصلنا إليه بعد أربع وعشرين ساعة وبذلك الجبل حجر السماق الأخضر المعرق بعروق وبقع بألوان مختلفة، وعلى بعد ساعتين من جبل الحمامات وصلنا إلى محل يعرف بالفواخير، وبه وجدنا رخاما أسود يميل إلى الزرقة، وبه عروق خضر ببياض وهو فى أعلى الجبل، ويستخرج منه قطع ضلعها ثلث متر ومنه نوع أسود به بقع كهيئة الأزهار ذات اصفرار يوجد بداخل مغارة صغيرة تحت النوع الأول على يمين المسافر مشرقا إلى جهة القصير انتهى.

وقد تكلم العالم لطرون فى كتابه الذى تكلم فيه على الكتابات اليونانية التى وجدت على المبانى على هذه المحاجر فنذكر طرفا من كلامه لزيادة الفائدة فنقول قال لطرون أن الطريق من قفط إلى مينا القصير قدرها الأقدمون بخمسة أيام أو ستة وكان بها ثمان محطات للاستراحة وتجديد الماء، وفى الطريق بقرب وادى الحمامات كانت محاجر السماق الأخضر، التى استخرج منها المصريون واليونانيون والرومانيون ما صنعوا منه الجرون والتماثيل وأشياء كثيرة، وأحسن جميع ذلك الجرن الذى وجد فى جامع عطناس بالإسكندرية، ونقلته الفرنساوية من الجامع ليذهبوا به إلى بلادهم فأخذه منهم الإنكليز فى وقعة بوقير، وهو الآن فى دار التحف ببلاد الإنكليز.

وكان مؤرخو العرب يقولون إنه تابوت جثة الإسكندر وقد تحقق الآن أنه تابوت جثة الفرعون أمرتيه من فراعنة العائلة الثامنة والعشرين وكان على تخت الديار المصرية مدة حكم الفرس من سنة أربعمائة وأربع عشرة إلى سنة أربعمائة وثمانية قبل المسيح وما على هذا الجرن من النقوش والكتابة يدل على أن الفنون كانت موجودة وآخذة فى التقدم ولم يضع منها شئ إلى زمن الإسكندر وأكثر ما كان يستخرج حجر

ص: 49

السماق من وادى الفواخير وسمى بالفواخير لكثرة ما يوجد به من شقاف الفخار الدالة على كثرة من السكان وقد عثر ويلكينسون الانكليزى على أثر ألف وثلثمائة مسكن من مساكن الشغالة وأثر معبد من زمن أويرجيت الأول.

وما وجده من الكتابات يدل على أن الاستخراج من هذه المحاجر كان فى زمن الفراعنة الأقدمين وأن المقدس الذى كان معبودا فى هذه الجهة أمون خيم أو خميس واليونان يقولون: بان وهو عين ماء كان يقدس فى جبل الزمرد ومدينة عيذاب وقد استحصل السياحون على أدعية كثيرة منقوشة هناك على نحو ثمان وثمانين موضعا نقشها فيها السياحون والشغالة فى تلك الجهة، وويلكينسون هذا هو جاردنير ويلكينسون الإنكليزى تعين بأمر المرحوم العزيز محمد على فى سنة ألف وثمانمائة واثنتين وعشرين ميلادية لكشف هذه الصحراء الشرقية التى بين النيل والبحر الأحمر فاستصحب معه موسيو بورتن وبسياحتهما فى نواحيها استدلا على آثار كثيرة قديمة وعينوا مواضع كانت قبل ذلك غير معينة بالضبط مثل مينا ميو سهورموس، والطريق التى بينها وبين مدينة قفط وطرق أخرى كثيرة موصلة من النيل إلى البحر الأحمر وكانت مستعملة قديما فى أسفار التجار واستكشفوا مدينتين عتيقتين إحداهما فى جبل الدخان عند محل محجر البورفير- (السماق) -الذى كان الرومانيون يستخرجون منه ما يزينون به معابدهم ومبانيهم، والثانية فى جبل الفطيرة/عند محجر الصوان العتيق ويظهر مما نقل عن الأقدمين أن المصريين كانوا لا يستعملون حجر البورفير مع معرفتهم به وبمحله وذلك لصعوبة قطعه ونحته فكانوا يعدلون عنه إلى الرخام والمرمر ونحو ذلك لسهولته وقلد المصريين فى ذلك اليونانيون زمن البطالسة ولما حكم الرومانيون أرض مصر فى زمن القياصرة كثر استعماله.

ومن ابتداء القرن الثالث من الميلاد أكثروا منه واستعملوه فى الجرون وهى التوابيت التى توضع فيها جثث الأموات وفى الأهوان وفساقى الحمامات ونحو ذلك، وبالتحرى والبحث اتضح أن الجرن الذى به جثة القيصر نيرون هو من هذا النوع وذكر أرستيد أن الشغالة الذين كانوا يقطعونه وينقلونه هم المذنبون فكانوا بحسب ذنوبهم يرسلون إلى تلك الجهات لاستخراج الأحجار والمعادن، وكانوا بسبب كونهم فى الصحراء البعيدة عن البلاد الخالية عن المياه لا يهتم بخفارتهم وحراستهم لعدم خوف

ص: 50

هربهم، ومع ذلك فقد استدل على أنه كان لهم خفر وعليهم محافظات بعساكر، وأن المحافظين كانوا يغيرون بعد كل ستة أشهر، وأن تلك المحاجر كانت تعطى بالالتزام لمن يرغب والملتزم يتصرف كيف يشاء ويصرف عليها من عنده وليس للديوان إلا ما جعله على الملتزم وهو عشر صافى الأرباح.

وقد اختلف العارفون بتخطيط الأرض فى تعيين موضع محجر البورفير، وذلك أن أرستيد قال فيما كتبه على هذا المحجر: أنه فى صحراء بلاد العرب فبنى عليه بعضهم أنه فى صحراء بلاد آسيا، وكان يؤخذ منه لمبانى مدينة تدمر.

وقال آخرون إن كلام أرستيد يفيد أنه فى الصحراء الواقعة بين النيل والبحر الأحمر ولوقوع هذه الصحراء فى بلاد العرب سميت بالصحراء العربية ولا يبعد النقل منها إلى مدينة تدمر، فإن هذا المحجر بسبب قربه من البحر الأحمر كان يتيسر النقل منه فى المراكب إلى القلزم ومن هناك ينقل إلى البحر الرومى بواسطة الخليج الذى كان بين البحرين ثم ينقل إلى أنطاكيا، ومن هناك يسافر فى نهر الأردن ثم ينقل إلى مدينة تدمر فى البر، فيسافر به فى البر ثلاثين فرسخا.

ومما يؤكد أنه فى صحراء مصر قول بلين وأوزيب وأرستيد وغيرهم، وقد عين بطليموس محله تعيينا شافيا يزيل الشك حيث قال: إن جبل البوفير فى الصحراء شرقى النيل وهو إلى البحر الأحمر أقرب منه إلى النيل وعرض محله ست وعشرون درجة وأربعون دقيقة، وهو فى محازاة مدينة أبيدوس وديوسبوليس باروا.

ومن استكشافات ويلكينسون وغيره ظهر أنه فى بحرى الطريق الموصل من قنا إلى القصير وأن بينه وبين جبل الفطيرة خمسا وخمسين ميلا جغرافيا، وهو فى الجبل المعروف بجبل الدخان فى محاذاة منفلوط وأسيوط فى عرض سبع وعشرين درجة وعشرين دقيقة ومنه إلى البحر الأحمر خمس وعشرون ميلا جغرافيا ومنه إلى أسيوط مائة وعشرون ميلا وإلى قفط ثمانون ميلا والمنيا القريبة منه هى ميناميو سهورموس، وقد عثر ويلكينسون المذكور فى ذلك الجبل على آثار كثيرة ومحاجر عظيمة، ومدينة متسعة حيطان منازلها قائمة، وحاراتها مستقيمة ظاهرة.

وهناك بئران للماء إحداهما نقر فى حجر البورفير وقطره خمسة عشر قدما والبلد

ص: 51

نفسها فوق مرتفع من الأرض وفى نهايتها البحرية ساحة متسعة يظهر أنه كان بها دكاكين معدة لنحت الحجر وبقرب تلك الساحة منزل به سلم يظهر أنه كان عليه طبقة أخرى، وهناك صهريج مخفق وحول البلد سور بأبراج، وفى أسفل الجبل بيوت منعزلة وفى جنوب الجبل على بعد قليل معبد لم يكمل ومهماته ملقاة بالقرب منه، وهى عبارة عن عمد وكراسى وتيجان وأحجار.

وهناك كتابة قرئ فيها اسم المقدسة إزيس وفى هذه الجهات كثير من شقاف الفخار وقطع الزجاج والمحار وطريق سلطانى من الجبل إلى البحر ويظهر أنها هى التى كانت مستعملة فى نقل الأحجار ونحوها إلى المينا، وعثر فى المحاجر والبلد على أحجار كثيرة منها ما هو منحوت بعضه وما لم ينحت أصلا وبعضها لم ينفصل عن محله بعد تحديده، من ذلك عمود طوله ستة أمتار وثلاثة أرباع متر وقطره متر وسدس.

ومن المحاجر ما هو فى أعلى سطح الجبل مرتفع على أرض الصحراء بألف قدم، ووجد على الأحجار علامات وإشارات يظهر منها أنه كان يجعل على المذنبين من الأشغال الشاقة على حسب ذنوبهم، وليس جبل الدخان قاصرا على حجر البورفير، بل كان يستخرج منه أيضا الصوير الأحمر بخلاف جبل الفطيرة الواقع فى جنوب جبل الدخان بخمس وخمسين ميلا فهو قاصرة على حجر الصوان، ومنه إلى البحر عشر فراسخ وفى محاذاته مينا قديمة تسمى عند الأقدمين فيلوتيرا فى جنوب مينا ميوسهورموس، واسمها على اسم أخت بطليموس فيلادولفوس، وعند المينا مدينة وفى الجبل أيضا مدينة وكانت تلك المينا معدة لنقل أحجار الصّوان إلى الجهات انتهى.

(فائدة)

قال فى قاموس الجغرافية الفرنجى إن أوزيب وهو الملقب بانفيل كان أسقف مدينة سزارية- (قيسارية) -من بلاد فلسطين وتكنيه الفرنج بأبى التاريخ ولد سنة مائتين/وسبعين من الميلاد ومات سنة ثلاثمائة وثمان وثلاثين لازم بانقيل الصالح من صغره فلذا سمى باسمه، وساح فى صحراء مصر وزار رهبان الصعيد وجعل أسقف سزارية سنة ثلاثمائة وخمس عشرة وأبى أن يتقلد أسقفية أنطاكية من قبل القيصر قسطنطين، وكان من ضمن من ترجى القيصر فى نفى البطرك عطناس.

ص: 52

وله مؤلفات كثيرة منها تاريخ الكنيسة وسياحته فى مصر وغيرها.

وأما أرستيد فهو عالم يونانى ولد سنة مائة وتسع وعشرين من الميلاد، سكن أزمير ودرس بها وفى سنة مائة وثمان وسبعين حصل بأزمير زلزلة خربت أكثرها فتوسط عند القيصر مر قوريل فى إعادة ما تهدم منها فأجابه لذلك لفصاحته وغزارة علمه، وله خطب مشهورة وصل إلى المتأخرين منها أربع وخمسون خطبة قد ترجمت مرارا.

(بير شمس)

قرية من مديرية المنوفية على الشط الغربى لفرع دمياط فى شمال قلته الصغرى بنحو ألفين وخمسمائة متر وفى جنوب سنجلف بنحو خمسة آلاف متر، وأبنيتها باللبن والآجر وعندها فم ترعة السرساوية، وفيها مسجدان ومعمل زجاج وأبراج حمام وأضرحة لبعض الصالحين مثل سيدى محمد الجمل يعمل له ليلة كل سنة، وسيدى صالح وسيدى علم الدين وبها شونة على البحر لملح الميرى وحلقة لبيع السمك والقطن، وعندها موردة لا تخلو من المراكب وترسو عليها رواميس الجرار البلاصى الآتية من بلاد الصعيد وتباع هناك ولها سويقة دائمة، وفيها نخيل قليل ويزرع فى أرضها القمح وقصب السكر والقلقاس وبجوارها وابور لحلج القطن، وبجوارها أيضا كفر يقال له كفر الخضر يقال إن من عوائد أهله أنه إذا خطب رجل امرأة ليتزوجها عملوا له فطيرة من نحو ربع ويبة من دقيق القمح وأمروه أن يطوف البلد جريا سريعا ثم يقدمونها له فإن أكلها زوجوه وإلا فلا.

(بيسوس)

قرية صغيرة على الشاطئ الشرقى من النيل بحيرى شبرى الخيمة على بعد ساعة، وهى من قرى القليوبية وفى السابق كانت من مراكز الطير المرتبة من القاهرة إلى دمياط فكان يسرح إلى دمياط من ناحية بيسوس وسيأتى بسط القول على أبراج الحمام فى الكلام على منية عقبة إن شاء الله تعالى.

وفى الضوء اللامع للسخاوى أن هذه القرية وقفها على كسوة الكعبة المشرفة الصالح إسمعيل ابن الملك الناصر فى سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وكان اشترى الثلثين منها من وكيل بيت المال ثم وقفها على هذه الجهة ولم تزل الكعبة تكسى من هذا الوقف إلى سلطنة المؤيد شيخ فكساها من عنده سنة لضعف وقفها انتهى وهى من

ص: 53

القرى المشهورة بضواحى القاهرة يزرع بها البطيخ والشمام والقثاء بكثرة وبطيخها وشمامها شديد الحلاوة.

(البيضاء)

تأنيث الأبيض ستة عشر موضعا منها أربعة بمصر.

الأولى البيضاء قرية من ناحية الشرقية.

الثانية البيضاء وهى منية الحرون بقرب المحلة من كورة جزيرة قويسنة.

الثالثة البيضاء من قرى حوف رمسيس فى غربى النيل بين الفسطاط والإسكندرية.

الرابعة البيضاء من ضواحى الإسكندرية انتهى من مشترك البلدان.

فأما التى فى حوف رمسيس فى غربى النيل فلم نعثر عليها وقد عثرنا على أربعة ليس فيها ما فى حوف رمسيس وهى هذه البيضاء قرية من مديرية الدقهلية بقسم السنبلاوين غربى ترعة البوهية بنحو ألف متر، وفى غربى ناحية المقاطعة بنحو أربعة آلاف وخمسمائة متر، وفى شمال ناحية تمىّ الأمديد بنحو ثلاثة آلاف متر.

والبيضاء ويقال لها منية الحرون وسيأتى ذكرها فى حرف الميم.

والبيضاء قرية صغيرة من ضواحى الإسكندرية على الشاطئ الغربى لترعة المحمودية بنحو أربعمائة متر وفى بحرى السكة الحديد كذلك وفى شرقى قلعة الأوراق بنحو اثنى عشر ألف متر وبينها وبين عمود السوارى الذى بالإسكندرية ثمانية عشر ألف متر وفى جنوب ناحية أبى قير كذلك.

وبيضاء الزهايرة ويقال لها قنيبرة وهى من قرى مديرية الدقهلية بقسم السنبلاوين فى شمال ناحية طماى الزهايرة بنحو ثمانمائة متر وفى الجنوب الغربى لناحية فسوكة بنحو أربعة آلاف متر.

(بيلة)

قرية من مديرية الغربية بمركز سمنود موضوعة على الشاطئ البحرى للبحر الصغير الخارج من بحر تيرة أبنيتها كمعتاد الأرياف، وبها مسجدان معموران أحدهما يعرف بجامع البيلى، والثانى بجامع المعداوى وزاوية للصلاة أيضا

ص: 54

وثلاثة أضرحة: ضريح الشيخ البيلى، والشيخ على المعداوى، والشيخ بدير وعدد أهاليها أربعة آلاف وثمانمائة نفس وزمامها خمسة آلاف فدان بما فيها من أبعادية ذات السيادة والدة الخديوى إسمعيل باشا، وتكسب أهلها من الزرع وغيره ومساحة سكنها اثنان وأربعون فدانا ورىّ أرضها من النيل، وبها سواق على البحر، ولها سوق كل يوم سبت يباع فيه من أصناف الحبوب وغيرها ولها مقبرتان للمسلمين وواحدة للنصارى ولها طريق يوصل إلى كفر العجمى فى نحو ساعة.

(بيوم)

بفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية المضمومة فواو فميم قرية من /مديرية الدقهلية بمركز منية غمر بحرى سنبارة الميمونة بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى شرقى ناحية مسكه بنحو ثلاثة آلاف ومائتى متر، وفى جنوب ناحية جصفا بنحو ألفين وخمسمائة متر، بها مساجد وأنوال لنسج الأقمشة، وفيها دوّار لأوسية المرحوم مظهر باشا وأكثر أهلها مسلمون، وفيها محل بقال إنه خلوة الشيخ على البيومى فلذا لا يفتح إلا فى زمن مولده الذى يعمل بمصر، وبجوارها ضريح ولىّ يقال له الشيخ حجازى ولعله هو والد الشيخ البيومى رضي الله عنه، وإليه تنسب القنطرة الحجازية التى على ترعة هناك، وعلى تلك الترعة جملة توابيت وقد ترجم الجبرتى الشيخ البيومى.

‌ترجمة الشيخ على البيومى

فقال هو الولى الصالح المعتقد المجذوب العالم العامل الشيخ علىّ بن حجازى بن محمد البيومى الشافعى الخلوتى ثم الأحمدى، ولد تقريبا سنة ثمان ومائة وألف وحفظ القرآن فى صغره، ثم طلب العلم فحضر الأشياخ وسمع الحديث والمسلسلات على الشيخ عمر بن عبد السلام التطاونى وتلقن طريقة الخلوتية من السيد حسين الدمرداشى العادلى وسلك فيها مدة ثم أخذ طريقة الأحمدية من جماعة من الأفاضل، ثم حصل له جذب ومالت إليه القلوب وصار للناس فيه اعتقاد عظيم ومشى كثير من الخلق على طريقته وأذكاره، وصار له أتباع ومريدون.

وكان رحمه الله يسكن الحسينية ويعقد حلق الذكر فى مسجد الظاهر خارج

ص: 55

الحسينية، وكان يقيم به هو وجماعته لقربه من بيته، وكان ذا واردات وفيوضات وأحوال غريبة وألف كتبا عديدة، منها شرح على الجامع الصغير، وشرح على الحكم لابن عطاء الله، وشرح الإنسان الكامل للجيلى، وله مؤلف فى طريق القوم خصوصا فى طريق الخلوتية الدمرداشية، ألفه سنة أربع وأربعين ومائة وألف، وشرح على الصيغة الأحمدية وعلى الصيغة المطلسمية وله كلام فى التصوف، وكان إذا تكلم أفصح فى البيان وأتى بما يبهر الأعيان، وكان يلبس قميصا أبيض وطاقية بيضاء ويعتم عليها بقطعة شملة حمراء لا يزيد على ذلك ولا ينقص شتاء ولا صيفا وكان لا يخرج من بيته إلا فى كل أسبوع مرة لزيارة المشهد الحسينى وهو على بغلته وأتباعه بين يديه يعلنون بالتوحيد والذكر وربما جلس شهورا لا يجتمع بأحد من الناس، ولما عقد الذكر بالمشهد الحسينى فى كل يوم ثلاثاء قامت عليه العلماء وأنكروا عليه ذلك لما كان يحصل من التلويث فى الجامع لأنهم كانوا يأتون فى الغالب حفاة ويرفعون أصواتهم، وقرب أن يتم لهم منعه بواسطة بعض الأمراء تصدى لهم الشيخ الشبراوى وكان شديد الحب فى المجاذيب وانتصر له وقال للباشا والأمراء هذا الرجل من كبار العلماء والأولياء فلا ينبغى التعرض له، وحينئذ أمره الشيخ الشبراوى أن يعقد درسا بالأزهر فعقد درسا بالطيبرسية وحضره غالب العلماء وقرر لهم ما بهر عقولهم فسكتوا عنه وخمدت نار الفتنة.

ومن كراماته أنه كان يتوّب العصاة من قطاع الطريق ويردّهم عن حالهم حتى يصيروا من المريدين له، وكان تارة يربطهم بسلسلة من حديد فى مسجد الظاهر، وتارة يضع طوقا من حديد فى أعناقهم يؤدبهم بما يقتضيه رأيه، وكان إذا ركب ساروا خلفه بالعصىّ والأسلحة وكانت عليه مهابة الملوك وإذا ورد المشهد الحسينى يغلب عليه الوجد فى الذكر حتى يصير كالوحش النافر، وإذا جلس بعد الذكر تراه فى غاية الضعف، ولما كان بمصر الوزير مصطفى باشا مال إليه واعتقده وزاره فقال له إنك ستطلب إلى الصدارة فى الوقت الفلانى فكان كما قاله، فلما ولى الصدارة بعث فى مصر وبنى له المسجد المعروف به بالحسينية وسبيلا ومكتبا وقبة وبداخلها مدفن للشيخ على يد الأمير عثمان أغا وكيل دار السعادة وكان موته فى سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ولما مات خرجوا بجنازته إلى الجامع الأزهر وصلى عليه هناك فى مشهد حافل ودفن بالقبر الذى بنى له بمسجده المعروف به انتهى.

ص: 56

وقد اشتهرت طريقته وكثرت أتباعه كثرة تفوق العدّ ولا تدخل تحت الحدّ وصار يعمل له مولد كل سنة فيجتمع فيه خلق لا يحصون وتنصب الخيام الكثيرة خارج الحسينية ويمكث ثمانية أيام توقد فى لياليها الشموع والغازات وتأتى إليه الذبائح وأنواع المأكولات من البلاد ومن المحروسة وتكون الناس فيه أصنافا كما هو شأن الموالد.

(ب ورت سعيد)

اسم مركب تركيبا إضافيا من كلمة بورت بباء فارسية تحتها ثلاث نقط فواو فراء مهملة فمثناة فوقية وهى كلمة فرنساوية معناها المينا ومن كلمة سعيد العربية التى جعلت علما على حاكم مصر المرحوم محمد سعيد باشا نجل العزيز محمد على فمعنى بورت سعيد فى الأصل مينا سعيد، وهو علم على مدينة جديدة حدثت فى زمن المرحوم سعيد باشا المذكور فأضيفت إلى اسمه واقعة فى أوّل الخليج المالح المسمى قنال السويس الذى وصل البحر الأحمر بالبحر الأبيض، وهى فوق البحر الأبيض فى غربى مدينة الطينة القديمة بثمانية وعشرين ألف متر كان ابتداء ظهورها فى سنة 1859 ميلادية وهى توافق سنة ألف ومائتين وسبع وسبعين/هجرية بعد أن تعين خط سير القنال بما صار من الاستكشافات الهندسية وكانت أرضها التى هى عليها الآن قطعة من بحيرة المنزلة ما عدا جزأ قليلا منها، وهو الجزء القريب من البحر بطول الشارع العمومى الذى أوله من مبدأ المولص الغربى، فإنه كان من ضمن ساحل البحر فجعل عليه أولا خمسة مساكن من الخشب لسكنى المنوطين بمزاولة الأعمال هناك وأنشئ جهاز بخارى لتقطير المياه الملحة وتحليتها حتى تكون صالحة للشرب وفنار للتنوير وفرن للخبز وبعد قليل فى داخل السنة أسس ثلاثة مساكن من الخشب أيضا أقيمت على خوازيق من الخشب المتين لإقامة مأمورى الأشغال.

وبعد مضى عام كامل من ذلك أجروا إدارة كراكتين فى محل القنال لحفر الطين من قعر الماء، وما كان يخرج من الطين والتراب، كان يطرح فى الأماكن المنخفضة لأجل ردمها، وكل ما ردم منها وصلح للبناء عليه تبنى عليه مساكن للشغالة والبياعين فكان كلما ظهرت أرض ظهرت عليها المساكن، حتى كان بها فى سنة ألف وثمانمائة وثلاثة وستين ميلادية مائة وخمسون بيتا غير مائة وخمسين عشة واسبتالية للمرضى، وكنيسة صغيرة للكاثوليكيين، وأخرى لليونان، ومسجد للمسلمين يدعى قديما بجامع

ص: 57

قرية العرب كما سيأتى وورش جسيمة للأعمال، وصارت مدينة يبلغ مسطحها ثلاثين ألف متر.

وفى سنة خمس وستين ميلادية كثرت الأعمال بها واتسعت دائرتها وانتشرت الشغالة والصناع من هذه المدينة إلى الإسماعيلية التى فى جنوبها على بعد خمسة وسبعين ألف متر، وظهرت شركة دسو إخوان فى عمل الأحجار الصناعية التى بنيت بها المينا كما يأتى، وكانوا يضعونها فى قطعة أرض تجاه المدينة وكثر تردد المراكب إليها من جميع بلاد أوربا حاملة للمواد اللازمة للأعمال، من حديد ونحاس وخشب ومأكولات وخلافها على طرف الكومبانية، وبعض السفن يأتى إليها مشحونا من أوربا أيضا بالبضائع التجارية من مأكول وملبوس وغير ذلك للبيع على الشغالة وغيرهم، وتأتى إليها أيضا مراكب ببضائع القطر المصرى من نحو المنزلة والمطرية ودمياط ورشيد لما كانوا يجدون من الأرباح ورواج السلع من كثرة المقيمين بها والمترددين إليها.

وقد بلغت سكانها فى سنة خمس وستين ميلادية سبعة آلاف نفس، وفى سنة سبع وستين جرت مراكب البوسطة ونحوها فى الخليج بين هذه المدينة ومدينة الإسماعيلية، ووردت عليها البضائع الشامية وأقيمت وابورات بخارية من طرف وكلاء خمس كومبانيات، وفى سنة ثمان وستين كان انتهاء أعمال المولصين، وقرب انتهاء القنال وفى آخر سنة تسع وستين تمت الأعمال جميعها، وبلغ سكان المدينة عشرة آلاف نفس وسكنتها قناصل ووكلاء عن قناصل من كافة الملل.

وفى سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف هجرية شرّف الداورى الأكرم والخديوى الأفخم أفندينا محمد توفيق باشا ثغر مدينة بورت سعيد ورأى أن الجامع القديم الموجود بقرية هناك تسمى بقرية العرب قد تداعى إلى السقوط وكان مجعولا من الخشب، والمسلمون يعانون فى السعى إليه والصلاة به مشقات زائدة لضيقه وعدم انتظامه، ورأى أيضا أن البلدة آخذة فى الإتساع والعمران وصارت قبلة تؤمها الناس من جميع بقاع الأرض خصوصا المصريين، فقد انفردوا بقرية خاصة بهم تنظمت على نسق مدينة بورت سعيد، وعمل بها حارات وشوارع مستقيمة يحفها من جانبيها مبان شاهقة، وكان الجامع المذكور على غير ما تقتضيه الحالة الراهنة والمستقبلة للبلد

ص: 58

فصدر أمره العالى إلى ديوان الأوقاف بإنشائه وإنشاء مدرسة بجانبه لتربية الأطفال بثغر بورت سعيد، فقام بهذا الأمر ناظر ديوان الأوقاف، وعملت الرسوم اللازمة لذلك وأحضرت المهمات.

وفى شهر المحرم افتتاح سنة ثلثمائة وألف رمى الأساس بحضور جمهور من العظماء والعلماء، وقرءوا يومئذ متن صحيح البخارى وختموا قراءتهم بالدعاء للحضرة الفخيمة الخديوية التوفيقية لأنجالها الكرام، ثم جرى العمل بعد ذلك بغاية الجهد، وفى شعبان سنة ثلاث وثلثمائة وألف تمت هذه العمارة الجليلة وحضر ناظر عموم الأوقاف سابقا محمد زكى باشا يومئذ، واجتمع بالجامع عالم عظيم، وأقيمت به الصلاة، وكان ذلك يوم الجمعة رابع عشر شعبان من السنة المذكورة وبعد الخطبة والصلاة هلّلوا بالدعاء لمولانا السلطان الغازى عبد الحميد وللخديوى المعظم وأنجاله الكرام، ثم تليت عدة مقالات وقصائد فى مدح الحضرة الخديوية وتأييد ملكها ومطلع إحدى القصائد المذكورة هو:

زمان الهنا أبدى جزيل المنافع

وغنى بإقبال المنى كل ساجع

وأذن بالبشرى بلال سعودنا

ففزنا بعصر للمسرات جامع

إلى أن قال مؤرخا:

وأمسى بتوفيق العزيز مشيدا

بنور قبول بالسعادة ساطع

/لذا السعد بالإقبال قال مؤرخا

لقد صار بالتوفيق أسعد جامع

ثم فى عصر ذلك اليوم انعقدت بالمحافظة جمعية، حضرها ناظر الأوقاف، ووكيل المحافظة، وشيخ علماء ذلك الثغر، والقاضى وعينوا خدمة الجامع المذكور وسمى بالجامع التوفيقى، وأرسل من ديوان الأوقاف تاريخ الإنشاء منقوشا على قطعة رخام وضعت بأعلى باب الجامع وهو هذا:

خديو مصر أبو العباس ساكنها

تدوم دولته بالعز والجاه

بنى ببور سعيد ما يؤرخه

قد أنشأ الجامع التوفيقى لله

ص: 59

وهذا الجامع محاط بأربعة شوارع محدود بحدود أربع، الحد القبلى ينتهى إلى شارع نافذ عمومى عرضه ثلاثون مترا شهير بالشارع الثلاثينى، والحد البحرى ينتهى إلى شارع مثله شهير بشارع البحر الأعظم، والشرقى إلى شارع نافذ عرضه عشرة أمتار، والغربى إلى شارع عرضه خمسة وعشرون مترا وفيه باب الجامع يصعد إليه بخمس درجات من الرخام.

وأما طول الجامع المذكور فثلاثون مترا وعرضه عشرون وطول جزئه الموجود به المنافع عشرون مترا فى مثلها عرضا وبه منبر وفيه خلوة عن يمين المصلى وله حنفيات للوضوء ومغطس للاغتسال، وسقفه قائم على ثمانية أعمدة من الحجر النحيت، وارتفاعه اثنا عشر مترا، ومنارته بدور واحد ومائة وأربع عشرة درجة، وارتفاعها من سطح الأرض خمسة وعشرون مترا، وله ستة عشر حانوتا: خمسة بالجهة الشرقية وستة بالجهة القبلية، وخمسة بالجهة الغربية وارتفاع المدرسة ستة أمتار وهى فوق الحوانيت التى يبلغ ارتفاعها عن الأرض سبعة أمتار.

ولما كانت الجبال التى تستخرج منها الصخور اللازمة للعمل بعيدة عن بورت سعيد بعدا بينا يلزم للنقل منها إليه صرف أموال جسيمة جدا مع المشاق الزائدة اخترع لذلك عمل صخور صناعية من رمال البحر الهائلة وغيرها بها أمكن القيام بتلك الأعمال المتينة فتعهدت كومبانية شركة دسو بيك بعمل تلك الصخور فجعلت أجزاؤها التى تتركب منها هى الجير المائى المعروف بجيرتوى والرمل وماء البحر وأجروا فيها الأعمال الآتى ذكرها فصارت حجارة تقرب من الصوان فى المتانة والصلابة، وكانت المونة التى يركبونها منها خمسة وأربعين فى المائة من الجير المائى المذكور، وخمسة وخمسين فى المائة من الرمل وماء البحر.

وهذا الجير يجلب من بلاد فرنسا فى أكياس ويخزن فى مخازنهم إلى وقت الحاجة إليه، وقد دبروا ورشة العمل بالحذق التام بحيث أن جميع ما يلزم للعمل يكون قريب التناول سهل المأخذ، فكانت الكراكات تأخذ الرمل من قاع البحر فتصبه من مجاريها فى صناديق من خشب تحملها مواعين- (قوارب) -عائمة بقربها فإذا تم شحن الماعون ذهبوا به إلى البر، وهناك عيار بخارى يتناول الصناديق من جوف الماعون بخطاف من حديد فى طرف سلسلة الحديد فيرفعها ويدور بالآلة البخارية إلى محاذاة

ص: 60

المكان الذى يراد وضع الرمل فيه، فحينئذ تشد سلسلة صغيرة من الحديد فينفتح قعر الصندوق فيسقط منه الرمل فى المحل المقصود، ثم تعكس الحركة فيعود الصندوق إلى الماعون ثم يتناول بالخطاف صندوقا آخر ويفعل به كالذى قبله، وهكذا حتى تفرغ جميع الصناديق التى فى الماعون فيذهبون بها إلى الكراكة فيخرج منها الصناديق الفارغة وتشحن بصناديق مملوءة رملا بالطريقة المارة وتخرج إلى البر، وهكذا فى كل ماعون وجعلوا محل تفريغ الرمل قريبا من مخازن الجير ورتبت سكك حديد إلى محل الرمل وإلى محل الجير، وتجتمع على شريط من السكة بقرب سطح من الخشب المتين مائل بقدر مخصوص وفى أعلاه طواحين المونة، وهى عشر طواحين يديرها وابور بخارى وعلى ذلك السطح جنزير ببكرات تدور بآلة بخارية، ففى عمل المونة تشحن عربات من الجير وأخرى من الرمل وتسحب بالوابور إلى محل التلاقى حتى تكون على خط واحد فحينئذ يأخذها الجنزير فيصعدها على السطح المائل حتى تصل إلى مستوى الطواحين، فتقدم عربات الرمل فتفرغ فى مستدير الطاحون ويفرغ فوقها من عربات الجير بقدر مخصوص، ثم يصب على ذلك ماء بقدر اللازم لمزجه من حنفية فى الطاحون معدة لذلك ثم تدور حجارة الطاحون، وهى ثلاث عجلات فى كل طاحون متخذة من الزهر عريضة مستديرة ذات أضراس، ففى مقدار عشر دقائق من دورانها تمتزج تلك المواد امتزاجا قويا وتكون مائعا كالشئ الواحد بحيث لا يمكن فصل بعض الأجزاء من بعض، ثم يفتح طابق فى أسفل الطاحون فينصب ذلك المائع فى قارب يكون تحت الطابق داخل فى تخشيبة الطاحون مراكب على شريط من حديد فإذا امتلأ القارب سحبته الرجال إلى خارج التخشيبة حتى يلتقى مع قالب/مركب على شريط من السكة منخفض عن الشريط الذى فى التخشيبة بحيث يكون أعلى القارب مساويا لشريط التخشيبة فيركب القارب على القالب، ويسحب الجميع على الشريط إلى جهة ساحل البحر حتى يكون بإزاء صناديق من خشب فارغة مصطفة صفوفا متعددة بجوار أشرطة السكة وارتفاع الصندوق بقدر ارتفاع القالب الذى عليه القارب، وليس للصناديق أغطية وعليها أشرطة من الحديد فيدفع القارب فيركب على أشرطة الصندوق، فإذا استوى عليه أفرغ منه فيه حتى يمتلئ، والرجال يد كون المصبوب فى الصندوق ليرسخ وهكذا حتى تمتلئ الصناديق وتمكث هذه المونة فى الصناديق خمسة عشر يوما فيجمد المائع ويصير صخورا قدر الصخرة عشرة أمتار مكعبة ووزنها

ص: 61

عشرون طنولاطة ثم تنحل عنها الصناديق وقد كانت مربوطة بأربطة من حديد، ولا يتم جفاف تلك الصخور وصلاحيتها للمقصود منها وهو رميها فى البحر لعمل المينا إلا بعد ثلاثة أشهر، ويعمل منها فى كل عشر ساعات ثلاثون صخرة ويتحصل منها فى الشهر تسعمائة صخرة، ويلزم لرميها فى البحر عمليات.

الأولى رفعها من أماكنها ووضعها على عربات السكة الحديد.

الثانية تسييرها إلى ساحل البحر ووضعها على المواعين فتحملها إلى محل الرمى.

الثالثة رميها فى البحر.

وقد استعملوا للعملية الأولى آلة بخارية عبارة عن قائمين من الحديد مرتفعين متباعدين بحيث ينحصر بينهما ثلاثة صفوف من الحجارة وبأعلاهما أعتاب من حديد يجرى فوقهما دولاب، وفوق كل منهما عجل يمشى على سكة من الحديد فعند إرادة رفع صخرة تحرك الآلة حتى تكون فوق الصخرة ويمشى الدولاب الفوقانى فوق الأعتاب حتى يكون فوق الصخرة ثم ينزل الجنزير وتشبك خطاطيفه فى الفرش الذى عليه الصخرة ثم يحرك الدولاب فيرفع الحجر بفرشه ثم تحرك الآلة كلها حتى تكون الصخرة مسامتة للقالب الذى على شريط السكة الحديد الطوالى فتنزل عليه وترسل إلى البحر فإذا فرغت صخور الصفوف الثلاثة يمشى الدولاب إلى ثلاثة صفوف أخر، وذلك بتحريكه كله على سكة حديد موازية لخطوط الصخور بواسطة عجل مخصص لذلك، فينقل الصخور بالكيفية المتقدمة وهكذا.

وأما العملية الثانية فلها عيار يرفع تلك الصخور من فوق القالب فتوضع على الماعون فوق سطح من الخشب مائل، وهى ثلاثة أخشاب متجاورة موضوعة على الماعون بانحدار مخصوص فتوضع الصخور عليها مسندة من الجهة السفلى بمساند بحيث إذا أزيلت سقطت الصخور، ففى العملية الثالثة تزال المساند فتسقط الصخور فى البحر بعد تحرير موضع سقوطها ولا يحمل الماعون إلا ثلاثة أحجار وهذا فى جميع عمل الأساسات المغمورة بالماء الغريقة فيه.

وأما البناء الذى يكون ظاهرا فوق سطح الماء فيكون نزول الصخور على البناء بواسطة عيار قائم فى الماعون لأجل تحرير محل نزول الصخر على هيئة انتظام البناء

ص: 62

بخلاف الرمى فى الماء فلا يحتاج إلى الإنتظام التام، وبهذه الكيفيات والتدبيرات العجيبة تمّ الغرض من بناء المولصين الغربى والشرقى، فالأول يمتد فى البحر ألفين وخمسمائة متر تقريبا، والثانى يمتد ألفا وثمانمائة متر تقريبا فلغاية سنة ألف وثمانمائة وسبع وستين تم من ذلك مائة وسبعون ألف متر مكعب من ضمن مبلغ مائتين وخمسين ألف متر مكعب هى التى تعهد بها المقاول لإتمام المولصين وفى سنة تسع وستين تم جميع ذلك.

ولما قرب انتهاء أشغال القنال وتهيؤه لسير المراكب فيه أمعن النظر فى ضرورة تنوير ساحل البحر فيما بين الإسكندرية وبورت سعيد فنارات فى نقط معينة من الساحل لتهتدى بنورها السفن التى تتردد على القنال فعقد لذلك مجلس من علماء فرنسا وغيرهم، وحصل اختبار النقط بمعرفة المهندسين من البحارة وغيرهم، وصدر أمر الخديوى اسمعيل باشا إلى الكومبانية بعمل تلك الفنارات على طرف الحكومة المصرية.

فعمل أربعة فنارات، واحد فى ساحل رشيد وآخر فى البرلس على الرأس الخارج فى البحر، والثالث بقرب برج العزبة عند مصب فرع دمياط والرابع فى مدينة بورت سعيد بقرب مبدأ المولص الغربى، وقد جعل ارتفاع طبلية الفنارات الأربعة العليا ثمانية وأربعين مترا على استواء واحد فى الجميع، وبين هذا الارتفاع وبين السطح الأعلى لقبة آلات التنوير نحو ستة أمتار أو سبعة، ونور كل واحد منها يرى من مسافة عشرين ميلا إنجليزيا فى البحر-عبارة عن ستة وثلاثين ألف متر تقريبا وأنوارها متواصلة بمعنى أنه متى غاب عن المراكب نور أحدها ترى نور الآخر فلا ينقطع عنها الاهتداء بأنوارها فى سيرها من الإسكندرية إلى بورت سعيد.

وقبل عمل هذه الفنارات نزلت فى المزاد بين المقاولين وذلك فى سنة تسع وستين ومائتين وألف فرسا فنار رشيد والبرلس ودمياط على كومبانية فرنسا ورسا فنار بورت سعيد على كومبانية أخرى فعملت/الثلاثة الأول من الحديد والرابع من الصخور الصناعية التى مر بيانها.

ولأجل التمييز بينها وعدم التباس أحدهما بالآخر لرائيها ممن يعرف أوضاعها، جعل لكل واحد منها وضع يخصه ففنار رشيد آلاته متحركة بدوران بطئ وأنواره

ص: 63

متنوعة إلى أبيض وأحمر تتغير الحمرة إلى البياض وعكسه بعد كل عشر ثوان، وفنار البرلس ثابت الآلات بنور واحد، ويضئ فى خمسة أثمان الأفق وآلات فينار دمياط متحركة ونوره أبيض غير ثابت بل يظهر ويختفى بعد كل دقيقة، وفنار بورت سعيد مطرب مرتعش كهربائى له بعد كل ثلاث ثوان غمضة وانفتاح.

ص: 64

[حرف التاء]

(التبين) بفتح المثناة الفوقية وتشديد الموحدة فياء تحتية فنون قرية من مديرية الجيزة بقسم شرق اطفيح بقرب الجبل بين الشاطئ الشرقى للبحر الأعظم وترعة الخشاب فى شمال منية الباسل بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر، وفى جنوب ناحية حلوان بنحو ستة آلاف وخمسمائة متر.

وهى عبارة عن كفرين بينهما نحو مائة وثلاثين مترا، وأبنيتها من أطواف الطّين ودبش الأحجار الصغيرة واللّبن والآجر وأكثرها على دور واحد، وفيها نخيل ومسجدان وأكثر أهلها مسلمون، وتكسبهم من بيع الجبس الذى يجلبونه من الجبل ومن زرع الحبوب والذرة الشامى.

ومن حوادثها أن ياسين بيك أحد أمراء المماليك العصاة نزلها ونهبها وفعل فيها الأفاعيل، وكذا فعل بما جاورها من القرى وذلك فى شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين بعد المائتين والألف.

وحاصل ذلك كما فى الجبرتى أن ياسين بيك كان قد حضر إلى مصر بعد صلح العزيز محمد على باشا مع الأمراء وقابل الباشا فخلع عليه، ودفع له أربعمائة كيس كان قد التزمها له الباشا فى الصلح، وأنعم عليه بإنعامات وأمره أن يسافر إلى الإسكندرية لحرب الإنكليز فطلب مطالب كثيرة له ولأتباعه، وأخذ لهم الكساوى وجميع ما كان عند جبحتجى باشا من الأقمشة والخيام والجبخانة ولوازم السفر مثل القرب وروايا الماء وقلّده كشوفية الشرقية ثم خرج بعرضيه وخيامه إلى ناحية الحلى ببولاق، فانضم إليه الكثير من العسكر وكل من ذهب إليه يكتبه فى عسكره فاجتمع عليه كل عاص وذاعر ومخالف، وعاق فداخله الغرور وصرح بالخلاف وتطلعت نفسه للرياسة وأعرض عن أوامر الباشا وانتشرت أوباشه يعثون فى النواحى، وبث أكابر جنده فى القرى لجمع الأموال والمغارم، ومن خالفهم نهبوا قريته وأحرقوها وأسروا أهلها فأخذ الباشا فى التدبير عليه واستمال كثيرا من عساكره، وفى ليلة الأربعاء تاسع

ص: 65

عشر الشهر أمر الأرنؤد فخرجوا إلى ناحية السبتية والخندق وحالوا بينه وبين بولاق ومصر، ثم أرسل إليه الباشا يقول له إما أن تستمر على الطاعة وتطرد عنك هذه اللموم، وإما أن تذهب إلى بلادك وإلا فأنا محاربك فدخله الخوف وانحلت عزائم جيشه وتفرق الكثير منهم، وبعد الغروب ركب، ولم يعلم عسكره أين يريد فركب الجميع واشتبهت عليهم الطرق فى ظلام الليل، وكانوا ثلاثة طوابير فسار هو بفريق منهم إلى ناحية الجبل على طريق خلف الجرة وفرقة سارت إلى ناحية بركة الحج والثالثة ذهبت فى طريق القليوبية وفيهم أبوه، ولما علموا انفرادهم عنه رجعوا متفرقين فى النواحى، ولم يزل هو سائرا حتى نزل فى التبين واستقر بها وأما أبوه فقد التجأ إلى الشواربى شيخ قليوب، فأخذ له أمانا وأحضره إلى الباشا ثانى يوم فألبسه فروة سمور وأمره أن يلحق بابنه.

وفى يوم الإثنين ثلاث وعشرين من الشهر عين الباشا طائفة من العسكر وجملة من عرب الحويطات لمحاربة ياسين بيك، وكان ياسين عند نزوله بالتبين قد نهبها وما جاورها من البلدان مثل حلوان وطرا والمعصرة والبساتين وفعل بها عساكره الأفاعيل الشنيعة فأخذوا نساءها وأموالها وغلال الأجران وكلفوهم الكلف الشاقة ومن عجز عن شئ من مطلوباتهم أحرقوه بالنار، ولما استشعر بمجئ العساكر والعرب لقتاله ومحاربته ارتحل بمن معه إلى صول والبرنبل، فرجع العساكر من ورائه، ثم سافر إلى ناحية المنية فالتقى معه الأمراء المصريون وكان الباشا قد أمرهم بمحاربته وتعويقه فقاتلوه فى عشر من شهر القعدة فانهزم منهم ودخل المنية.

وكان العزيز قد عين لمحاربته بونبرت الخزندار، وسليمان بيك الألفى فوصلوا إلى المنية فى مستهل شهر ذى الحجة وفى عشرين منه حصل بينه وبين سليمن بيك وقعة عظيمة انهزم فيها ياسين بيك وولى هاربا إلى البلد فتبعه سليمن بيك فى قلة وعدى الخندق خلفه، فأصيب من كمين بداخل الخندق ووقع ميتا بعد أن نهب جميع متاع ياسين بيك وأحماله وأثقاله وتشتت جموعه، فانحصر هو ومن بقى من عساكره وعربه بداخل المنية فلما ورد الخبر على الباشا أظهر الغم على سليمن بيك وأقام العزاء عليه خشداشيه بالجيزة، وبعد ذلك بقليل ورد الخبر بأن بونبرت الخزندار وصل المنية بعد الوقعة، ودعا ياسين بيك إلى الطاعة وأطلعه على المراسيم/والمكاتبات التى بيده من

ص: 66

الباشا خطابا له وللأمراء، ومن ضمنها إن أبى ياسين عن الطاعة فحاربوه وأهدورا دمه فداخله الخوف وأذعن للطاعة وجاء إلى مصر فى تسع عشرة من شهر ذى الحجة وطلع القلعة، فعوقه الباشا وأراد قتله، فتعصب له عمر بيك الأرنؤدى وصالح كوج وطلبوا من الباشا أن يتركه يقيم بمصر، فلم يقبل الباشا وأحضره وخلع عليه فروة سمور وأنعم عليه بأربعين كيسا، ونزلوا بصحبته بعد الظهر إلى بولاق وسافروا إلى دمياط ليذهب إلى قبرس.

(تتا)

قرية من مديرية المنوفية بقسم منوف غربى ترعة السرساوية بنحو مائتى متر، وفى شمال منوف بنحو ثلاثة آلاف وسبعمائة متر، وفى الجنوب الغربى لناحية سنجرج بنحو ألفين وخمسمائة متر، وبها جامع ومعمل فراريج وفى بحريها حديقة كبيرة وإليها ينسب الشيخ التتائى المالكى.

‌ترجمة التتائى المالكى

قال الشيخ على الصعيدى فى حاشيته على شرح الزرقانى على متن العزية فى مذهب مالك رضي الله عنه هو كما قال سيدى أحمد بابه محمد بن إبراهيم التتائى قاضى قضاة مصر أبو عبد الله شمس الدين، كان ذا عفة ودين وفضل وصيانة تولى القضاء ثم تركه، واشتغل بالتصنيف والتدريس له يد طولى فى الفرائض، شرح المختصر شرحين كبيرا وصغيرا، ولخص من التوضيح شرحا على ابن الحاجب فى سفرين، وشرح الإرشاد والجلاب والقرطبية والشامل ولم يكمل، ونظم مقدمة ابن رشد وشرح ألفية العراقى، وله حاشية على المحلى على جمع الجوامع وأنكرها بعضهم.

ومن شيوخه البرهان اللقانى والعلامة السنهورى والشيخ داود وزكريا وسبط الماردينى وألف أيضا فى الفرائض والميقات والحساب، وتوفى بعد أربعين وتسعمائة رضي الله عنه ونفعنا ببركاته آمين انتهى ببعض تغيير.

(ترسا)

قال فى مشترك البلدان ترسا بكسر التاء وسكون الراء وسين مهملة وألف مقصورة قريتان بمصر إحداهما فى الشرقية والأخرى فى البحيرة انتهى.

ص: 67

وهذا باعتبار زمانه وإلا فالتى فى البحيرة هى الآن بمديرية الجيزة والتى فى الشرقية هى الآن مديرية القليوبية وفى الضوء اللامع إنها بهاء التأنيث بدل الألف انتهى قلت وهناك قرية من هذا الاسم بمديرية الفيوم.

فالأولى ترسا الجيزة قرية بالجيزة بناها القاسم بن عبيد الله بن الحبحاب عامل هشام بن عبد الملك على خراج مصر قاله المقريزى فى خططه، قال: والقاسم هذا خرج إلى مصر وولى خلافة عن أبيه ابن الحبحاب السلولى على الخراج وخلافة هشام بن عبد الملك ثم أمره هشام على خراج مصر حين خرج أبوه إلى إمارة إفريقية فى سنة ست عشرة ومائة فلم يزل إلى سنة أربع وعشرين ومائة فنزع عن مصر وجمع لحفص بن الوليد عربها وعجمها فصار يلى الخراج والصلات معا.

وبترسا هذه كانت وقعة مروان بن محمد الجعدى، وهى الآن قرية من قسم ثانى بالبر الغربى للنيل على ترعة السواحل فى الشمال الغربى من ناحية أبى النمرس بنحو ألف وثمانمائة وخمسة وسبعين مترا، وفى جنوب ناحية جزيرة الذهب بنحو ألفى متر وأغلب أبنيتها باللبن، وبها جامع شهير له منارة بناؤه بالحجر الآلة والطوب الأحمر والمونة ويزرع بأرضها زيادة على المعتاد أكثر الخضر وتجلب إلى المحروسة وبها نخيل كثير من البلح السّيوى والأمهات والأحمر وكثير من أهلها خدمة بالأجرة فى الأبنية ونحوها فى مصر وبولاق والبعض يجلب إلى مصر الخضر والبرسيم.

‌ترجمة أبى البقاء الترسى

وإليها ينسب الشيخ محمد أبو البقاء الترسى قال فى الضوء اللامع

(1)

هو محمد ابن على ابن خلف أبو البقاء الترسى الأصل القاهرى الشافعى وترسة من الجيزة ويعرف بكنيته، ولد سنة إحدى وأربعين وثمانمائة واشتغل بالعلم، فحفظ البهجة والحاجبية ونظم قواعد ابن هشام ألفية وإيساغوجى والفية فى العروض، ومن شيوخه نور الدين الجوجرى، والعز عبد السلام البغدادى والتقى الحصنى التمس منه شيخه الحصنى الجواب عن لغز قال إنه له فى نعناع وهو:

(1)

أنظر الضوء اللامع 181،8/ 180 ط المقدس سنة 1354 هـ.

ص: 68

وذى عينين ما اكتحلا بكحل

يؤمهما شبيه الحاجبين

إذا ناديته وافى طريحا

لما عاناه من قطع اليدين

أباح المسلمون القطع فيه

كسراق النّضار أو اللّجين

فقال:

ألا يا ذا الحجا من قد تعالى

على الأقران فوق الفرقدين

بعلم زائد كالبحر ينمو

بلا نقص ولم يوصف بمين

فخذ منى جواب اللّعز إنى

قدحت الفكر فيه قدحتين

فأورى زنذ فكرى لى جوابا

أحب إلىّ مما فى اليدين

فبع خمساه ياسؤلى وصحف

بماضى البيع شبه الحاجبين

/وزعم أنه شرح الحاوى، وهو ممن تكسب فى سوق النساء تحت الربع بجوار إسمعيل بن المعلى وحج، ولما قدم حبيب الله اليزدى أكثر من ملازمته مغتبطا به فى الفلسفة وغيرها وكلماته أكثر من فضله انتهى. ولم يذكر تاريخ وفاته.

وفى سنة إحدى ومائتين وألف كانت تلك القرية كما فى الجبرتى جارية فى التزام الأمير أحمد كتخدا المعروف بالمجنون، وبنى بها قصرا وأنشأ بجانبه بستانا يجلب من ثماره إلى مصر للبيع والهدايا، والناس يرغبون فيها لجودتها وحسنها عن غيرها، وكذلك أنشأ بستانا بجزيرة المقياس فى غاية الحسن وبنى بجانبه قصرا يذهب إليه بعض الأحيان، ولما حضر حسن باشا القبطان إلى مصر ورأى هذا البستان أعجبه فأخذه لنفسه وأضافه إلى أوقافه، وكان المترجم من الأمراء المعروفين والقرانصة المشهورين وهو من مماليك سليمن جاويش القازدغلى ثم انضم إلى عبد الرحمن كتخدا وعرف به، وأدرك الحوادث والفتن الشديدة ونفى مع من نفى فى إمارة على بيك الغزاوى فى سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف إلى بحرى ثم إلى الحجاز وأقام بالمدينة المنورة اثنتى عشرة سنة ثم رجع إلى الشام وأحضره محمد بيك أبو الذهب إلى مصر وأكرمه ورد إليه بلاده وأحبه واختص به وكان يسامره ويأنس بحديثه ونكاته، فإنه كان يخلط الهزل بالجد ويأتى بالمضحكات فلذا سمى بالمجنون.

ص: 69

وبنى المترجم أيضا داره بالقرب من الموسكى داخل درب سعادة وكان له عزة ومماليك ومقدمون وأتباع وإبراهيم بيك أودى باشا من مماليكه وكذا رضوان كتخدا الذى تولى بعده كتخدا الباب وتوفى المترجم فى خامس عشر شعبان من تلك السنة.

والثانية ترسا القليوبية قرية قديمة من مديرية القليوبية بقسم طوخ واقعة غربى السكة الحديد الطوالى فى شمال ناحية قها بنحو ألفى متر وفى الجنوب الغربى من شبرى هارس كذلك وفى جنوب قلقشندة كذلك وأغلب أبنيتها بالطوب الأحمر، وبها جامع عظيم بمنارة وفى شمالها تل متسع تنبت بأعلاه الحلفاء وفى جنوبها جبانة للأموات وفيها ضريح ولى تحت قبة شاهقة يقال له: الشيخ إبراهيم الحلفاوى يعمل له فى كل سنة ليلة، ويجتمع فيها أهالى الناحية لسماع القرآن والأذكار ويذبحون هناك ويأكلون.

والثالثة ترسا الفيومية قرية من مديرية الفيوم بقسم أول بحرى مدينة الفيوم بنحو ثلاث ساعات وأبنيتها ريفية وفيها نخيل كثير وحدائق قليلة وبها شجر الزيتون، وفى أطيانها الغربية من بركة قارون ملاحة متسعة كافية لمديرية الفيوم ولها بحر ينسب إليها فمه قريب من باب مدينة الفيوم الشرقى بينه وبين النواعير، وذلك البحر يمر بجوار كيمان فارس الواقعة فى بحر مدينة الفيوم ملاصقا لها ثم يمر شرقى أطيان الكرداسية وأطيان نقليفه، وفيه نصبة قبلى البلدة بربع ساعة تقسمه إلى قسمين الشرقى لأطيانها العالية والغربى لأطيانها المنخفضة.

ومن أهل هذه القرية الجبيلى الهوارى كان عمدتها وكان له شهرة بالكرم وأولاده الآن هم عمدها ولهم بها أبنية حسنة ومضيفة متسعة.

(تروجة)

بلدة قديمة كانت غربى ناحية بطورس بقليل وفى الجنوب الغربى لدمنهور على نحو ثمان ساعات، وأقرب البلاد إليها من الجهة القبلية ناحية حوش عيسى الواقعة فى حاجر الجبل الغربى، وقد كانت تروجة مدينة عظيمة متسعة ذات أسواق دائمة وقصور مشيدة ومساجد عامرة وبساتين، وكانت تنزلها الملوك والأمراء، ثم أخنى عليها الزمان فتخربت من مدة أجيال ولم يبق من أطلالها وآثارها إلا نحو ثمانية أفدنة فيها تلول وأنقاض وأساسات، وكانت أرضها مهجورة من مدة

ص: 70

أزمان كما هجرت هى وفى زمن الخديوى اسمعيل أعطى أغلبها لبعض الأمراء ليصلحوها بمواعيد على مقتضى قرار عمله مجلس شورى النواب فأصلحوها.

وحدث هناك جملة كفور صغيرة منها عزبة المرحوم عارف باشا الدرملى مدير أسيوط سابقا يسكنها خدمة أبعاديته ومن يلوذ بهم، وبقربها يسكن كثير من العرب وكثيرا ما تذكر هذه البلدة فى التواريخ ويذكر ما حصل من الواقعات والحروب التى كانت بها.

ففى خطط المقريزى عند ذكر أمراء الفسطاط أن الأمير عبد الله بن خالد بن مسافر الفهمى استخلف فى سنة مائة وسبع عشرة هجرية فى ولاية الخليفة هشام بن عبد الملك بعد موت الوليد بن رفاعة على صلات مصر وفى إمرته نزل الروم على تروجة فحاصروها ثم اقتتلوا فأسروا منه جماعة فصرفه هشام فكانت ولايته سبعة أشهر.

وفيه أيضا عند الكلام على العسكر الذى بظاهر الفسطاط أن الأمير مزاحم بن خاقان تولى على صلات مصر فى ثلاث من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائتين فى ولاية المعتز فخرج إلى الحوف وأوقع بأهله وعاد ثم خرج إلى الجيزة فسار إلى تروجة فأوقع بأهلها وأسر عدة من البلاد وقتل كثيرا وسار إلى الفيوم وطاش سيفه وكثر إيقاعه بسكان النواحى ثم عادوا إلى الشرطة أرجوز فمنع النساء من/الحمامات والمقابر وسجن المؤنثين والنوائح، ومنع الجهر بالبسملة فى الصلاة بالجامع انتهى باختصار.

وفى جرنال آسيا نقلا عن النويرى أنه لما سير المعز لدين الله الفاطمى عساكره من بلاد المغرب إلى مصر فى سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وكانوا ينوفون عن مائة ألف تحت قيادة مملوكه أبى الحسن جوهر القائد نزلوا بتروجة، وكان قد بلغ أهل مصر خبر مسير جيش المعز إليه فاضطربوا وكان الاخشيد حاكم مصر قد مات فاجتمع وجوه الفسطاط وأمراؤها وتشاوروا مع الوزير جعفر بن الفرات فى هذه الحادثة وانحط رأيهم على إقامة تحرير السريانى حاكما بمصر مكان الاخشيد وكانت إقامته بمدينة الأشمونين فأرسلوا إليه، ولما حضر قلدوه القيام بأعباء الحكم.

ولما بلغهم وصول جيش المعز إلى تروجة إزداد خوفهم وأجمعوا مع الوزير على أن يدخلوا فى طاعة جوهر القائد بطريق الصلح على شروط تقرر لهم منها:

ص: 71

أن يبقى لهم ما ملكت أيمانهم من عقارات وأموال وعبيد ونحو ذلك واختاروا للسعى فى ذلك الشريف أبا جعفر مسلما الحسينى، فاختار أن يصحبه أبو إسمعيل إبراهيم بن أحمد الزينى وأبو الطيب عباس بن أحمد العباسى والقاضى أبو الطاهر وجماعة ورضى تحرير السريانى أيضا بالسعى فى ذلك بشرط أن لا يجتمع بجوهر ولا يقابله، وأن يأخذ مدينة الأشمونين إقطاعا وأن يكون هو حاكم مكة والمدينة وكتبت بذلك المكاتيب، وسافر بها المختارون فى يوم الإثنين من شهر رجب الفرد سنة ستين وثلاثمائة فلما وصلوا إلى تروجة قابلهم القائد جوهر بالإكرام والإجلال وأكرم نزلهم، ولما وقف على مقصدهم واطلع على مضمون المكاتيب أجابهم لمطلوبهم ورضى بشروطهم وكتب لهم خطابا مضمونه:

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من جوهر عبد أمير المؤمنين المعز لدين الله إلى سكان مصر الشاهد منهم والغائب قد وقفت على ما بيد رسلكم من المكاتيب وما تضمنته من طلب الصلح بشروط شرطتموها وأنى أكتب لكم كتابا يتضمن حفظ أنفسكم وأموالكم وأرضكم وجميع ما تملكونه فقد أجبتكم إلى جميع ذلك فكونوا آمنين وأعلمكم بمقصد أمير المؤمنين لتزدادوا اطمئنانا وتنشرح صدوركم لحكمه فأعلموا أن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين لم يقصد بتسيير جيوشه المنصورة إلا نصرتكم، وإنقاذكم من أعداء الدين الذين يريدون سلب نعمتكم والاستيلاء عليكم وعلى بلادكم وأراضيكم وأموالكم واستعبادكم، كما فعلوا ذلك ببعض بلاد المشرق واستولوا على المسلمين وأذلوهم واستعبدوهم ولم يجدوا لهم مغيثا وقد بكى أمير المؤمنين لأجلهم وحرم الرقاد وقد جيشوا عليكم الجيوش وهموا بالمسير إليكم، لولا أن أمير المؤمنين أيده الله عطل مقاصدهم وحل عزائمهم وأبطل حركتهم بتجهيز جيوشه المنصورة للمسير إليهم وإجلائهم عن تلك البلاد ليعود لأهلها السرور ويتخلصوا من أسر الرق ومن مقاصده الحسنى أيضا أن يعيد لحجاج بيت الله قوانينهم القديمة التى أضاعها فساد الأحوال فكونوا آمنين من غائلة الظلم وعليكم بتقوى الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، ثم ختم الكتاب وكسا المرسلين إليه حللا وسيرهم من تروجة مسرورين انتهى.

وقال كترمير نقلا عن المقريزى فى كتاب السلوك أن السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقدارى نزل بتروجة فى اليوم السادس من شوال سنة إحدى وستين وستمائة وأقام

ص: 72

بها عدة أيام، ثم قام إلى الإسكندرية من طريق الصحراء وكان فى أثناء سفره يشتغل بالصيد وحفر الآبار وطلب لذلك العمال من الإسكندرية، ولما وصل إليها خيم خارجها ومنع عساكره من دخولها.

وفى يوم الخميس من ذى الحجة دخلها من باب رشيد وهرعت الناس لملاقاته ويومئذ صدرت أوامره باستمرار ما كان يصرف على الفقراء وبرفع عدة مظالم وغرامات وخلع على الأمراء ثم ذهب لزيارة الشيخ العمارى فلم ينزل الشيخ إليه بل خاطبه وهو فى غرفة له فى داخل بستان والسلطان على الأرض، ثم توجه لزيارة الشيخ الشاطبى وقد عرضت عليه وهو بالإسكندرية أوراق من رجلين أحدهما يعرف بابن البورى والآخر يعرف بمكرم بن الزيات، فأحضر الأتابيك والصاحب (الوزير) والقاضى والمفتين وقرئت الأوراق فإذا مضمونها بيان وجوه يأتى منها إيراد كثير للحكومة فغضب لذلك وأبى أن يقدم على شئ منها وكان على غاية من العدل والرفق بالرعايا، وقال إنى صرفت فى رضا الله سبحانه وتعالى ستمائة ألف دينار وقد عوضنى الله عنها مملكة عظيمة ومن يوم أبطلت الغرامات زاد إيراد المملكة كما يدل لذلك الدفاتر، وقد تحقق لى أنه ما من أحد يصرف شيئا فى مرضاة الله إلا عوضه الله خيرا منه ثم أمر بتعزير الرجلين، ثم قام من الإسكندرية إلى مصر فى ثانى عشر الحجة ونزل بتروجة وجمع فيها العرب ليتسابقوا أمامه بالخيل وجعل جملة من صرر الدنانير والدراهم فى رايات على أن من سبق يأخذ منها.

ونقل كترمير أيضا أن السلطان بيبرس/قد ختن ابنه الملك سعيد بركة خان فى شهر ذى الحجة من سنة ستمائة واثنتين وستين، وختن معه جملة من أولاد الأمراء والفقراء واليتامى ولم يقبل شيئا من الهدايا المعتادة فى الأفراح، ثم ركب بعسكره فنزل بالطرانة ثم توجه إلى وادى هبيب فأقام بالديورة أياما ثم مضى إلى تروجة ثم إلى الحمامات ثم إلى العقبة وفيها أمر بالحلقة المعتادة للصيد وهى أن يحيط العسكر بمتسع من الفلاة ثم يأخذوا فى الانضمام شيئا فشيئا حتى يمسكوا ما بداخل الحلقة من أنواع الوحش، وصلى هناك صلاة عيد النحر ثم أرسل طائفة من العسكر لضبط العرب المفسدين فى الأرض وأحضر عرب هوارة وسليم وأخذ عليهم شروطا بأن لا يؤووا أحدا من أهل الفساد وأن يشتغلوا بالزرع والحرث، ثم مضى إلى الإسكندرية

ص: 73

وزار الشاطبى، وفى عودته أقام بتروجة أياما وبها جعل الأمير سيف الدين عطاء الله ابن عزاز أميرا على عرب برقة وجعل إليه جبى زكاة الأنعام والحرث وكساه حلة وأعطاه بيرقا وطبلا ثم عاد إلى مصر.

وفى سنة ثمان وستين وستمائة سافر الملك الظاهر بيبرس أيضا من مصر إلى الإسكندرية ونزل بتروجة ثم قام ومضى من طريق الصحراء فنزل هناك وأمر بالحلقة للصيد فعملت، فاجتمع من ذلك ثلاثمائة ظبية وخمس عشرة نعامة، وكان محبا للصيد فسر لذلك وخلع على جنده عن كل ظبية بغلطاقا وعن كل نعامة حصانا مسرجا ملجما نقله كترمير عن كتاب السلوك.

قال والبغلطاق بالباء الموحدة والغين المعجمة وطاء مهملة بعد اللام وفى آخره قاف ويقال بغلوطاق بواو بين اللام والطاء هو القباء الصغير ويقال فى جمعه بغالطيق.

وفى خطط المقريزى عند الكلام على الأسواق استجد الأمير سلار فى أيام الملك الناصر محمد القباء (الثوب المفرّج) الذى يعرف بالسلارى وكان قبل ذلك يعرف ببغلوطاق انتهى.

وفى مسالك الأبصار يقال لبسوا البغالطيق تحت فراريجهم، وفى تاريخ أبى المحاسن أودعت عند يهودى بغلطاقا كله جوهر، وفى موضع آخر منه كان فى الغلطاق بضع عشرة درة انتهى.

قال وفى سنة ثلاث وتسعين وستمائة قتل بتروجة السلطان الأشرف خليل، وذلك أنه خرج من مصر فى ثالث المحرم من هذه السنة إلى بلاد البحيرة بقصد الصيد وكان معه الأمير بيدرا نائب السلطنة بمصر والوزير شمس الدين محمد بن السالوس وجماعة من الأمراء، وترك بمصر الأمير علم الدين سنجر السجاعى فلما وصل إلى تروجة نزل بها ووجه الوزير إلى الإسكندرية لإحضار ما لا بد منه من الثياب والأقمشة وبدخوله الإسكندرية وجد نواب الأمير بيدرا قد استولوا على الأقمشة التى بها ولم يجد ما يكفى للتفرقة فكتب للسلطان بذلك، وتكلم فى بيدرا بما لا خير فيه فحنق السلطان من بيدرا وقامت نفسه عليه فأحضره ووبخه بحضرة الأمراء وهدده بالضرب بأن يأمر ابن السالوس أن يضربه، فكبر ذلك على بيدرا ولكنه كظم غيظه ولاطف الملك بالكلام، وبعد أن عاد إلى خيمته جمع الأمراء من حزبه وتعاهد معهم على قتل

ص: 74

السلطان وكان أكثر الأمراء قد توجهوا إلى إقطاعاتهم ولم يبق مع السلطان إلا أخصاؤه.

وفى اليوم التاسع من الشهر أمر السلطان بالعود إلى مصر فاشتغل الجند بتحميل الزرد خاناه (السلاح) والدهاليز (الخيام) ونحو ذلك.

وفى اليوم العاشر بلغ السلطان وجود صيد كثير فى ضواحى تروجة فأمر بعمل الحلقة ورجع إلى مخيمه فى أول النهار.

وفى صباح اليوم الحادى عشر أخذ القوم فى طريق مصر وتوجه بيدرا بحزبه نحو الدهليز السلطانى، فوجد السلطان بالدهاليز ومعه بعض أخصائه فرجع على عقبه ثم ركب السلطان ولم يكن معه إلا الأمير شهاب الدين أحمد بن الأشعل أمير شكار- (خادم الصيد) -وأراد أن يسبق الخاصكية فرأى جملة من الطيور، فاشتغل بصيدها واصطاد منها، وفى أثناء ذلك طلب من الأمير شكار شيئا يأكله فقال ما معى فى صولقى إلا رغيف وفرخة كنت أعددتهما لنفسى فتناول ذلك منه السلطان وجعل يأكل وهو على فرسه، وبعد أن فرغ من الأكل طلب من الأمير شكار أن يملك الحصان لينزل لقضاء الحاجة، فقال له الأمير شكار وكان بينهما ألفة وله عليه دعابة ليس ذلك فى الإمكان؛ لأن الملك راكب ذكرا وابن الأشعل راكب أنثى، ثم نزل وركب خلف السلطان وناول السلطان سرج فرسه ونزل السلطان فقضى حاجته.

ثم فى وقت العصر من اليوم الثانى عشر أرسل بيدرا يستقصى خبر السلطان، فوجده منفردا، فركب إليه بحزبه فلما انتهوا إليه هجم عليه بيدرا وضربه بالسيف ضربة قطعت ذراعه، وأخرى غاصت فى كتفه فتقدم إليه الأمير لاجين وقال لبيدرا من يطلب ملك مصر والشام لا يضرب مثل هذا الضرب وضرب السلطان ضربة كان بها هلاكه، وأدخل الأمير بهادر سيفه فى دبره ومال عليه حتى خرج من حلقه، وما من أمير إلا ضربه بسيفه، وبقيت رمته فى موضعها يومين ثم حملها الأمير عز الدين أيدمر العجمى والى تروجة على جمل إلى دار الولاية/بتروجة وغسلها وكفنها ووضعها فى بيت المال الملحق بدار الولاية، ثم أتى سعد الدين كوجابا الناصرى وحملها إلى مصر ودفنها فى التربة التى أنشأها ذلك الملك عند المشهد النفيسى خارج مصر صبيحة يوم الجمعة

ص: 75

لاثنتين وعشرين من صفر وكانت سلطنته ثلاث سنين وشهرين وأربعة أيام.

وأما بيدرا فإنه عاد بعد قتل السلطان وجلس على دست السلطنة وبايعه أمراؤه وباسوا له الأرض وسموه بالملك الأوحد والملك المعظم والملك القاهر، ثم قام من تروجة إلى الطرانة فبات بها وقد تبع أثره مماليك الأشراف وأخصاؤه وأمراؤه يريدون قتله وهكذا جميع الأمراء والاجناد لما بلغهم الخبر ساروا إليه من مصر وخلافها يريدون قتله فأدركوه بالطرانة فقتلوه بعد التمثيل به بقطع أطرافه ثم احتزوا رأسه وأتوا بها إلى القاهرة وطافوا بها فى الشوارع والحارات، ثم عقدوا البيعة للملك الناصر محمد ابن قلاوون.

وقوله فى صولقى قال كترمير الصولق مخلاة من جلد يضعها الشخص فى حزامه من الجهة اليمنى والجمع صوالق قال المقريزى وصوالق بلغارى كبار يسع الواحد منها أكثر من ويبة يغرز فيه منديل طوله ثلاثة أذرع، وقال فى موضع آخر يعمل المنديل فى الحياصة على الصولق من الجانب الأيمن.

وفى تاريخ مصر لأبى المحاسن صوالقهم كبار يسع كل صولق نصف ويبة أو أكثر، والحياصة هى الحزام جمعها حوائص، ونقل كترمير عن المقريزى: أنها هى التى تعرف قديما بالمنطقة وتعرف الآن بالسبتة، وفى مسالك الأبصار يقال حياصة ذهب ويفرق حوائص ذهب على المقدّمين، وفى خطط المقريزى للأمراء المقدمين حوائص من ذهب وحوائص المماليك منها ما هو ذهب ومنها ما هو فضة انتهى.

وقد بحث كل من السلطان الأشرف والأمير بيدرا على حتفه بظلفه، أما الأمير بيدرا فلتعديه على السلطان وقتله، وأما السلطان الأشرف فلتقديمه ابن السالوس على الأمراء وتقليده الوزارة مع تعاظمه وكبره وتحقيره للأمير بيدرا وغيره، وذلك أن الملك الأشرف خليل قد ولاه الوزارة فى سنة ستمائة وتسعين، وكان وقتئذ بالحجاز فكتب إليه بالحضور وكتب بين السطور بخط يده، يا أيها المسافر يا شقير، يا وجه الخير، أسرع السير؛ لأنا جلسنا على التخت، فحضر فى عاشر المحرم من السنة المذكورة، وكان الأمير سنجر السجاعى قائما بالوزارة من غير أن يكسى الحلة ومن غير أن يكون له توقيع، فلما حضر ابن السالوس وتقلد الوزارة كساه السلطان الحلة وسلم له جميع مصالح المملكة، وخصص له جملة من المماليك السلطانية يركب بعضهم خلفه

ص: 76

وبعضهم يمشى على قدميه بحذاء ركابه ويقفون أمامه وجعل أوامره تجرى فى جميع الدولة حتى دانت له الرقاب ولم يبلغ أحد ما بلغه.

ولكبره وتعاظمه أوسع فى أبهة الوزارة، وجعل لركوبه موكبا لم يسبق لغيره، فكان إذا أراد الركوب ليصعد القلعة يجتمع ببابه مشد وجميع الدواوين ووالى مصر والقاهرة ومستوفو جميع مصالح المملكة، وكثير من الأمراء والقضاة الأربعة وتوابعهم، فإذا تكامل الجمع يدخل عليه الحاجب فيقول: أدام الله مولانا الصاحب، قد انتظم الجمع فحينئذ يخرج فيركب ويمشى أمامه الناس كل على حسب درجته، ويكون أقرب الناس منه قاضى القضاة الشافعى، وقاضى القضاة المالكى وأمامهم القاضى الحنفى والقاضى الحنبلى وقدامهم مشدو المملكة ثم المستوفون، ثم مشدو الجبايات ويسير هكذا إلى أن يجلس بمجلسه فى قلعة الجبل ويرجع القضاة إلى وظائفهم، ثم فى آخر النهار يركب الجميع القضاة وغيرهم ليأتوا به من القلعة إلى بيته على هذا المنوال وهكذا دائما وينتظرونه ولو تأخر إلى نصف الليل ولكثرة موكبه وضيق الحارة ترك القاهرة وسكن بالقرافة.

وكان متعاظما لا يقوم لأحد ولا يعظم أحدا من الأمراء وإذا طلب أميرا ناداه باسمه مجردا وحقر نائب السلطنة بيدرا وتداخل فى وظائفه، ولميل السلطان إليه كان بيدرا مجبورا على امتثال ذلك كله، مع أن وظيفة النائب فى الدولة التركية كانت وظيفة جليلة أعلى من الوزارة لا يحقر صاحبها، فإن النائب كان يقوم مقام السلطان، وكان صاحبها يسمى ملك الأمراء ونائب الحضرة وكافل الممالك وله النظر فيما يتعلق بالعسكر وأمر المالية والبريد وتحت إمرته جميع أرباب الوظائف فيستقل بترتيبها إلا الوظائف المهمة مثل وظيفة الوزير والقاضى فيتشاور مع السلطان فيمن يعينه ويقبل السلطان رأيه فى ذلك وجميع النواب تخاطبه ويكون فى موكب السلطان على رأس الجيش، وفى رجوعه إلى منزله تحيط به الأمراء لتوصيله فيقدم بهم سماطا واسعا كما يفعل السلطان، ويقف أمامه الحاجب كما يقف هو أمام السلطان، ويقدم له الحاجب العرائض والقضايا فإذا وجد فيها مهما عرضه على السلطان تارة بنفسه، وتارة يرسلها إليه انتهى كترمير عن كتاب مسالك الابصار ولفخامة أمر النيابة كانوا يجعلون لها دارا مخصوصة تسمى دار النيابة.

ص: 77

ففى خطط المقريزى أنه كان فى مصر بقلعة الجبل دار/نيابة بناها الملك المنصور قلاوون فى سنة ثلاث وثمانين وستمائة سكنها الأمير حسام الدين طرنطاى، ومن بعده من نواب السلطنة وكانت النواب تجلس بشباكها حتى هدمها الملك الناصر محمد بن قلاوون فى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وأبطل النيابة وأبطل الوزارة أيضا، فصار موضع دار النيابة ساحة، فلما مات الملك الناصر أعاد الأمير قوصون دار النيابة عند استقراره فى نيابة السلطنة فلم تكمل حتى قبض عليه، فولى نيابة السلطنة الأمير طشتمر حمص أخضر وقبض عليه، فتولى بعده نيابة السلطنة الأمير شمس الدين آق سنقر فى أيام الملك الصالح إسمعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، فجلس بها فى يوم السبت أول صفر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة فى شباك دار النيابة، وهو أول من جلس بها من النواب بعد تجديدها وتوارثها النواب بعده.

وكانت العادة أن يركب جيوش مصر يومى الإثنين والخميس فى الموكب تحت القلعة فيسيرون هناك من رأس الصورة إلى باب القرافة ثم تقف العسكر مع نائب السلطنة وينادى على الخيل بينهم وربما نودى على كثير من آلات الجند والخيم والجركاوات والأسلحة وربما نودى على كثير من العقار ثم يطلعون إلى الخدمة السلطانية بالإيوان بالقلعة على ما تقدم ذكره، فإذا مثل النائب فى حضرة السلطان وقف فى ركن الإيوان إلى أن تنقضى الخدمة فيخرج إلى دار النيابة والأمراء معه، ويمد السماط بين يديه كما يمد سماط السلطان، ويجلس جلوسا عاما للناس، ويحضره أرباب الوظائف وتقف قدامه الحجاب وتقرأ القصص وتقدم إليه الشكاة ويفصل أمورهم، فكان السلطان يكتفى بالنائب ولا يتصدى لقراءة القصص عليه وسماع الشكوى تعويلا منه على قيام النائب بهذا الأمر، وإذا قرئت القصص على النائب نظر فإن كان مرسومه يكفى فيها أصدره عنه، وما لا يكفى فيه إلا مرسوم السلطان أمر بكتابته عن السلطان وأصدره، فيكتب ذلك وينسبه فيه على أنه بإشارة النائب ويميز عن نواب السلطان بالممالك الشامية بأن يعبر عنه بكافل المملكة الشريفة الإسلامية، وما كان من الأمور التى لا بدله من إحاطة علم السلطان بها فإنه إما أن يعلمه بذلك منه إليه وقت الاجتماع به، أو يرسل إلى السلطان من يعلمه به ويأخذ رأيه فيه.

وكان أهل ديوان الإقطاع وهم الجيش فى زمن النيابة ليس لهم خدمة إلا عند

ص: 78

النائب ولا اجتماع إلا به، ولا يجتمع ناظر الجيش بالسلطان فى أمر من الأمور، فلما أبطل الملك الناصر محمد بن قلاوون النيابة صار ناظر الجيش يجتمع بالسلطان واستمر ذلك بعد إعادة النيابة.

وكان الوزير وكاتب السر يراجعان، النائب فى بعض الأمور دون بعض،، ثم اضمحلت نيابة السلطنة فى أيام الناصر محمد بن قلاوون وتلاشت أوضاعها فلما مات أعيدت بعده ولم تزل إلى أثناء أيام الظاهر برقوق، وآخر من وليها على أكثر قوانينها الأمير سودون الشيخى، وبعده لم يل النيابة أحد فى الأيام الظاهرية.

ثم إن الناصر فرج بن برقوق أقام الأمير تمراز فى نيابة السلطنة فلم يسكن دار النيابة فى القلعة ولا خرج عما يعرفه من حال حاجب الحجاب ولم يل النيابة بعد تمراز أحد إلى يومنا هذا.

وكانت حقيقة النائب أنه السلطان الثانى، وكانت سائر نواب الممالك الشامية وغيرها تكاتبه فى غير ما تكاتب فيه السلطان ويراجعونه فيه كما يراجع السلطان، وكان يستخدم الجند ويخرج الاقطاعات من غير مشاورة، ويعين الإمرة لكن بمشاورة السلطان.

وكان النائب هو المتصرف المطلق التصرف فى كل أمر فيراجع فى الجيش والمال والخبر وهو البريد وكل ذى وظيفة لا يتصرف إلا بأمره ولا يفصل أمرا معضلا إلا بمراجعته، وهو الذى يستخدم الجند ويرتب فى الوظائف إلا ما كان منها جليلا، كالوزارة والقضاء وكتابة السر والجيش فإنه يعرض على السلطان من يصلح، وكان قل أن لا يجاب فى شئ يعينه.

وكان من عدا نائب السلطنة بمصر يليه فى رتبة النيابة وكل نواب الممالك تخاطب بملك الأمراء إلا نائب السلطنة بمصر فإنه يسمى كافل الممالك تميزا له وإبانة عن عظيم محله، وبالحقيقة ما كان يستحق اسم نيابة السلطنة بعد النائب بمصر سوى نائب الشام بدمشق فقط، وكانت النيابة تطلق أيضا على أكابر نواب الشام وليس لأحد منهم من التصرف ما كان لنائب دمشق إلا أن نيابة السلطنة بحلب تلى رتبة نيابة السلطنة بدمشق، وقد اختلت الآن الرسوم واتضعت الرتب وتلاشت الأحوال وعادت أسماء لا معنى لها وخيالات حاصلها عدم والله يفعل ما يشاء انتهى.

ص: 79

وكل هذا فى الدولة التركية، وأما فى الدولة الفاطمية فكان أجل الوظائف وظيفة الوزارة، وكان لها دار يقال لها دار الوزارة الكبرى، والدار الأفضلية، والدار السلطانية بناها بدر الجمالى أمير الجيوش، ولم يزل يسكنها من يلى إمرة الجيوش إلى أن انتقل الأمر عن المصريين وصار إلى بنى أيوب قاله المقريزى فى خططه.

ثم قال أيضا وأول من قيل له الوزير فى الدول/الفاطمية الوزير يعقوب بن كلس وزير العزيز بالله أبى منصور نزار بن المعز وإليه تنسب الحارة الوزيرية، وبعد موت ابن كلس لم يستوزر العزيز أحدا وإنما كان رجل يلى الوساطة والسفارة واستمر ذلك بقية أيام العزيز وسائر أيام ابنه الحاكم بأمر الله، ثم ولى الوزارة أحمد بن على الجرجر أى فى أيام الظاهر أبى هاشم بن الحاكم وما زال الوزراء من بعده وهم أرباب أقلام حتى قدم أمير الجيوش بدر الجمالى.

وكان من زى هؤلاء الوزراء أنهم يلبسون المناديل الطبقيات بالأحناك تحت حلوقهم ويلبسون ثيابا قصارا يقال لها الدراريع واحدها درّاعة وهى مشقوقة أمام وجهه إلى قريب من رأس الفؤاد بأزرار وعرى، ومنهم من تكون أزراره من ذهب مشبك، ومنهم من أزراره لؤلؤ وهذه علامة الوزارة، ويحمل له الدواة المحلاة بالذهب ويقف بين يديه الحجاب وأمره نافذ فى أرباب السيوف من الأجناد وأرباب الأقدام، وكان آخرهم الوزير ابن المغربى.

ثم لما قدم أمير الجيوش بدر الجمالى من عكا وزر للمستنصر وزير سيف وعظم أمر الوزارة من حينئذ ونعت بالسيد الأجل أمير الجيوش وهو النعت الذى كان لصاحب ولاية دمشق وأضيف إليه كافل قضاة المسلمين، وهادى دعاة المؤمنين، وصارت الأمور كلها مردودة إليه ومنه إلى الخليفة دون سائر خدمه، وجعل القاضى والداعى نائبين عنه ومقلدين من قبله وكتب له فى سجله، وقد قلدك أمير المؤمنين جميع جوامع تدبيره، وناط بك النظر فى كل ما وراء سريره، وخلع عليه بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق وزيد له الحنك مع الذؤابة المرخاة والطيلسان المقوّر زىّ قاضى القضاة وذلك فى سنة سبع وستين وأربعمائة فصارت الوزارة من حينئذ وزارة تفويض ويقال لمتوليها أمير الجيوش وبطل اسم الوزارة.

فلما قام شاهنشاه بن أمير الجيوش من بعد أبيه، ومات الخليفة المستنصر

ص: 80

وأجلس ابن بدر فى الخلافة أحمد بن المستنصر ولقبه بالمستعلى وصار يقال له الأفضل ومن بعده صار من يتولى هذه الرتبة يلقب به أيضا وأول من لقب بالملك منهم مضافا إلى بقية الألقاب رضوان بن ولخشى عندما وزر للحافظ لدين الله فقيل له السيد الأجل الملك الأفضل، وذلك فى سنة ثلاثين وخمسمائة وفعل ذلك من بعده فلقب طلائع بن رزيك بالملك المنصور ولقب ابنه رزيك بن طلائع بالملك العادل ولقب شاور بالملك المنصور ولقب آخرهم صلاح الدين يوسف بن أيوب بالملك الناصر وصار وزير السيف من عهد أمير الجيوش بدر إلى آخر الدولة سلطان مصر وصاحب الحل والعقد وإليه الحكم فى الكافة وصار حال الخليفة معه كما هو حال ملوك مصر من الأتراك إذا كان السلطان صغيرا والقائم بأمره من الأمراء كما كان الأمير يلبغا الخاصكى مع الأشرف شعبان انتهى من كلام طويل فى المقريزى، وقد تكلمنا على طرف مما كانت عليه الوزارة أيام الأتراك فى الكلام على سرياقوس فليراجع.

‌ترجمة سنجر السجاعى

ولنورد لك تراجم بعض من تقدم ذكرهم هنا على عادتنا فى ذلك فنقول ذكر كترمير عن أبى المحاسن ترجمة السجاعى فقال هو الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله السجاعى أحد مماليك الملك المنصور قلاوون ترقى فى الرتب حتى بلغ درجة شد الدواوين، وفى أول حكم السلطان الملك الناصر خليل صار وزيرا وكان ظالما عسوفا، ولما تولى حكم دمشق اجتهد فى استمالة قلوب الناس إليه وأقام بها عدة سنين، ومع ميله إلى الظلم كان يحب العلماء ويجتهد فى نصرة الإسلام ولما عزل ورجع إلى مصر كان له موكب يقلد فيه موكب السلطان فى هيئته وزيع وقد جعل مشدا فى عمارة المارستان المنصورى الذى بين القصرين ولكثرة أذاه للشغالة أتمه فى أقرب وقت، وفى أول حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون جعل وزيرا فأقام شهرا وقتل أشنع قتلة يوم الثلاثاء السابع والعشرين من ربيع سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وجعل رأسه فى رأس مزراق وطيف به فى حارات مصر والقاهرة، وكان بعض الناس يضرب الرأس بالمداسات والبعض يضربه بالكف ويلعنه ويقول هذا رأس الكافر السجاعى وفرحت فيه الكافة لما كان أحدثه بمصر من أبواب المظالم انتهى.

ص: 81

‌ترجمة ابن السالوس

وقد ترجم ابن السالوس أيضا تبعا لأبى المحاسن نقلا عن الشيخ صلاح الدين الصفدى فقال أن ابن السالوس، كان فى صغره تاجرا وتقلب فى أنواع كثيرة من التجارة، وكان أشقر أصفر الشعر سمينا فصبح اللسان لين الكلام ماهرا فى فنون كثيره وأدبيات، وكان متعاظما متكبرا وتعرف بالصاحب تقى الدين بن المانى فتحصل بسببه على وظيفة محتسب دمشق ثم بعد ذلك دخل مصر واصطحب بالملك الأشرف خليل فى زمن أبيه السلطان قلاوون حتى أنه غضب عليه السلطان مرة فحماه الملك خليل من والده وخلصه من السجن، ثم سافر ابن السالوس إلى الحج وفى أثناء ذلك تولى الملك الأشرف خليل السلطنة بعد موت أبيه فأرسل إليه فأحضره وولاه الوزارة إلى آخر ما تقدم.

ولما قتل الملك الأشرف/خليل كان ابن السالوس بالإسكندرية وبلغه ذلك فقام إلى القاهرة ونزل بخارجها فى زاوية الشيخ جمال الدين الظاهرى واستشار الشيخ فى الاختفاء وعدمه فلم يشر عليه بشئ فاستشار غيره فأشار عليه أن يختفى حتى تهدأ الأمور وأشار عليه بذلك أيضا بعض أصحابه فأبت نفسه من ذلك وحملته أنفته على الظهور وقال نحن لا نرضى ذلك لأحد أتباعنا فكيف نرضاه لأنفسنا، وركب فى أبهته المعتادة ودخل مصر من باب القنطرة ودخلت عليه القضاة والأمراء فلم يقم لهم فأقام ببيته خمسة أيام والناس تتردد عليه، وقد أرسلت نساء الأشرف إلى النائب كتبغا أن يصفح عنه احتراما للملك الأشرف، فإنه كان يجله ويعظمه فلما بلغ السجاعى والأمراء ذلك تكلموا فى حقه عند النائب ولم يرتضوا بالصفح عنه فطلبه النائب يوم السبت فى الثانى والعشرين من المحرم فركب فى موكبه المعتاد إلى أن دخل على النائب فأمر بالقبض عليه وسلمه للسجاعى، فأنزله من القلعة ماشيا محافظا عليه ووكلوا به بدر الدين قرقوش الظاهرى شاد الصحبة ليغرمه، فأخذه وجعل يكرر عليه الضرب والإهانة حتى أنه ضربه فى مرة ألفا ومائة ضربة بالمقارع، وقيل إنه ضربه ألفا ومائتى شيب حتى حصل منه مبلغا جسيما من الأموال، وكان كل يوم يضرب فى المدرسة الصاحبية التى فى سويقة الصاحب، وكانوا يركبونه على حمار ويطلعون به القلعة، وفى طريقه تتقدم إليه الأوباش وتقدم له مداسات مقطعة ويقولون له: أيها الصاحب

ص: 82

حط لنا العلامة على هذه ثم يجبهونه ويلعنونه، وكان الذى يخترع له أنواع العقوبات بدر الدين لؤلؤ الذى كان ابن السالوس سببا فى ترقيه؛ فإنه كان طلبه من الشام بعد موت سيده الأمير طرنطاى وقلده شاد دواوين مصر ولم يزل ابن السالوس يعذب بأنواع العذاب حتى مات يوم السبت حادى عشر صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة وبعد موته ضربوه أيضا ثلاث عشرة ضربة ودفنوه بالقرافة.

وقوله الشيب هو بكسر الشين المعجمة وبعدها ياء تحتية وباء موحدة يطلق على السوط الذى يضرب به وعلى نفس الضرب بالسوط أو بغيره فيقال ضرب مائة وعشرين شيبا أى سوطا ويقال ضرب بالمقارع عدة شيوب انتهى من كترمير عن كتاب السلوك، وفى القاموس الشيب بالكسر سير السوط انتهى.

ومن حوادث هذه القرية أيضا أنه فى سنة سبعمائة حصل فشل بين عرب البحيرة ورفعوا ألوية العصيان واقتتلت قبيلة جابر مع قبيلة برديس ومات من ذلك خلق كثير وكانت الهزيمة على قبيلة جابر، وقام الأمير بيبرس الدوادار إلى تروجة مع عشرين أميرا من أمراء الطبلخانات لكسر عصىّ العرب، فهرب العرب وتبعتهم العساكر إلى محل يعرف بالبلونة واستحوذوا على أموالهم من إبل وغنم وسلاح وغيرها، وفى ذلك الوقت كانت عرب الصعيد قائمة أيضا فقام إليهم الوزير شمس الدين سنقر الأعسر مع مائة من المماليك السلطانية، وقتل كثيرا من العصاة واستولى على أموالهم وسلاحهم فلم يترك حصانا لفلاح أو شيخ أو بدوى أو كاتب ورجع إلى مصر ومعه جملة من الخيل وثمانمائة وسبعون جملا وستة آلاف رأس غنم ومائتا سيف وستمائة مزراق انتهى كترمير.

والمزراق هو الرمح ويقال فيه مزراقية واشتقاقه من زرق بمعنى رمى كما فى القاموس لأنه يرمى به قال فى تاريخ بطارقة الإسكندرية حراب لطاف يزرق بها حشود الإخشيدية أى جموعهم، وفى كتاب علم الفروسية ازرق وجهه برمحك وأما كلمة زراقة فتطلق على أنبوبة من نحاس مصنوعة بحيث أن أحد نصفيها وجزأها المجوف ضيق، والثانى غليظ وفوهته واسعة ويصنع لها قضيب خشب طويل غلظه بقدر التجويف فإذا ملئت الأنبوبة ماء مثلا وأدخل فيها ذلك القضيب التجأ الماء إلى الخروج من الفم الضيق بقوة فيصل إلى مكان بعيد مثل رمى الطلونبة.

ص: 83

وفى بعض كتب العرب القديمة أن الزراقة تطلق على الأنبوبة المستعملة فى زرق النفط فيقال زراقات النفط ومنها اشتق مزرق وهو الآلة التى يزرق بها فيقال القوارير المحرقة والنفاطات المزرقة وأما الزراق فهو اسم لزراق النفط قال فى الكامل إنسان زراق ضرب دارا بقارورة نفط، وفى العقد الثمين لتقى الدين الفاسى رمى الزراقون بالنفط، وكذا فى سيرة بيبرس وفى سيرة قلاوون لعب الزراقون بالنفط وعدة الزراقين والحجارين ألف وفى كتاب السلوك دفع الزراقون النفط، وفى تاريخ فتح المقدس لعماد الدين الاصفهانى كل زراق زرق الخسار على أهل النار بالنار والتهم الزراق والتهب الحراق انتهى مترجما من كترمير.

‌ترجمة الشيخ خلف التروجى الاسكندرى

وإلى هذه البلدة ينسب كما فى الضوء اللامع

(1)

الشيخ خلف بن على بن محمد بن داود بن عيسى المغربى الأصل التروجى المولد الاسكندرى الشافعى ولد سنة ستين وسبعمائة تقريبا بتروجة قرية قرب الإسكندرية ثم إنتقل به خاله العلامة البرهان إبراهيم بن محمد بن أحمد الشافعى بعد موت والده للاسكندرية فقطنها وقرأ بها القرآن والأربعين للنووى والحاوى والمنهاج كلاهما فى الفقه والإشارة فى النحو للفاكهانى والفية ابن مالك وأخذ الفقه عن الشهاب أحمد بن إسمعيل الفرنوى وخاله البرهان والقاضى ناصر الدين محمد بن أحمد بن فوز، والنحو عن أبى القاسم بن حسن بن يعقوب اليمنى التونسى، وحج مرارا أولها سنة تسع وثمانمائة وتردد إلى القاهرة.

وحضر دروس السراج البلقينى وابن خلدون وابن الجلال وأجازه ابن عرفه، ومما قرأه على شيخه الفرنوى الأربعون النووية وسمع عليه كتاب المنتخب فى فروع الشافعية وأجازه وذكر عنه أنه قال: لخصت فى جنايات الحاوى عشرة آلاف مسئلة قال: وله المرتب فى الحديث والرد على الجهمية وفضائل الإسكندرية، وسمع الموطأ

(1)

الضوء اللامع 3/ 184 ط المقدسى سنة 1354 هـ.

ص: 84

على ابن الملقن حين قدم الإسكندرية وسمع الشفاء فى مجلس بقراءة البدر الدماسينى وسمع البخارى ومسلما على التاج ابن الريفى القاضى كلاهما بقراءة التاج ابن فوز، وصار شيخ الشافعية بل والمالكية فى الثغر بغير منازع، وحكى أنه عرضت عليه ولايات ومناصب فأباها مع كونه يترزق من كسب يده قاله البقاعى، مات بالإسكندرية فى العشر الأوسط من رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة رحمه الله تعالى ا. هـ.

(تفهنة)

بفتح المثناة الفوقية وكسر الفاء وسكون الهاء وفتح النون قريتان بمصر الأولى تفهنة الصغرى فى كورة الشرقية، الثانية تفهنة بكورة جزيرة قويسنا إنتهى من مشترك البلدان، وفى الضوء اللامع أنها بفتح التاء والفاء وبألف فى آخرها ا. هـ.

أما التى بجزيرة قويسنا فيقال لها تفهنة العزب، وهى بلدة بمديرية الغربية من قسم زفتة وأكثر أبنيتها على دور واحد، وفيها شارع يشقها شرقا وغربا، وفيها جامعان قديمان أحدهما يقال إنه من زمن الصحابة والآخر فى وسطها يقال له جامع سيدى داود العزب.

‌ترجمة سيدى داود العزب

وهو كما أخبر من إطلع على مناقبه داود بن مرهف بن أحمد بن سليمن بن وهب ينتهى نسبة إلى سيدى محمد بن الحنفية رضي الله عنه، نقل كترمير عن كتاب السلوك للمقريزى أنه مات يوم الجمعة لسبع وعشرين من جمادى الثانية سنة ثمان وستين وستمائة وأن له كرامات كثيرة وقد جمعت سيرته فى مجلد، وقبره بهذه البلدة مشهور يحجه الناس، قيل إن بناء جامعه كان سنة ثمان وستين وستمائة فى حياة الشيخ وقبل بنائه كان مقيما بجامع بقرب قبر سيدى عبد الله الأنصارى فى جهتها الغربية وليس له الآن أثر ولهذا الاستاذ مولد يعمل كل سنة بين مولد السيد البدوى وسيدى إبراهيم الدسوقى، وقد جدد هذا الجامع الآن وجعل له مئذنة جديدة مع الشروع فى تجديد القديمة.

ومن عوائد أهل هذه الجهة أن ينذروا له فحول الجاموس ويخلوا سبيلها فى

ص: 85

الصحراء تأكل من الزرع ولا يتعرض لها أحد فتكون كسوائم الجاهلية ولا يذبحها ناذرها إلا بعد قدرته على عمل وليمة كبيرة أو ليلة ذكر جامعة وكذلك يفعل فى نذور سيدى أحمد البدوى فى أغلب بلاد مصر، ويقطعون ذيول الفحول علامة على أنها منذورة فلا يتعرض لها ويحصل منها إفساد المزارع ويتحرج الناس من أذيتها، ومن رآها فى زرعه لا يزيد على طردها عنه وربما بلغ فحل الجاموس حد الإيذاء بالنطح لكل من لاقاه من آدمى أو حيوان.

وفيها مقامات لبعض الصالحين مثل سيدى جمال الدين وسيدى عبد الله الأنصارى وسيدى على طى، وبها أربعة مكاتب لتعليم أطفال المسلمين وثمان حدائق فيها ثمار كثيرة وأربع سواق معينة عذبة الماء، وأهلها مسلمون وعدتهم ذكورا وإناثا ألفان وثلاثون نفسا، وزمام سكنها خمسة وعشرون فدانا، وزمام أطيانها ألف وتسعمائة وواحدة وثلاثون فدانا صالحة للزرع، وريها من النيل وفروعه، ولها طريق على الجسر الأعظم الشرقى يمر على منية العبسى حتى يصل إلى ميتبره، وأما تفهنة الصغرى فتسمى الآن تفهنة الأشراف وهى قرية بمديرية الدقهلية من قسم منية غمر فى شرقى بهنيا بنحو ثلاثة آلاف متر وفى غربى الديونية بنحو ألفى متر وبها جامع وقليل أشجار.

‌ترجمة الشيخ عبد الرحمن بن على التفهنى القاهرى

وولده الشمس محمد التفهنى

وإليها ينسب كما فى الضوء اللامع

(1)

عبد الرحمن بن على بن عبد الرحمن بن هاشم الزين أبو هريرة التفهنى القاهرى الحنفى، ولد سنة أربع وستين وسبعمائة بتفهنا قرية من أسفل الأرض بالقرب من دمياط ومات أبوه وكان طحانا وهو صغير فقدم مع أمه القاهرة وكان أخوه بها، فنزل بعنايته فى مكتب الأيتام بالصر غتمشية ثم ترقى إلى عرافتهم وإقراء بعض بنى أتراك تلك الخطة، ونزل فى طلبتها وحفظ القدورى وغيره ولازم الاشتغال ودار على الشيوخ فأخذ عن خير الدين العنتابى إمام

(1)

الضوء اللامع 4/ 98 ط المقدسى سنة 1354 هـ -القاهرة.

ص: 86

الشيخونية، والبدر محمود الكلستانى ومهر فى الفقه وأصوله والتفسير والنحو والمعانى والمنطق وغير ذلك، وسمع البخارى على النجم بن الكشك وجاد خطه واشتهر اسمه وخالط الأتراك وصحب البدر الكلستانى قبل ولايته لكتابة السر فأخذ عنه وقرأ عليه ولازمه فلما وليها راج به أمره واشتهر ذكره وتصدى للتدريس والإفتاء سنين، وناب فى الحكم عن الأمين الطرابلسى، ثم عن الكمال بن العديم ونوه به عند الأكابر وترك/الحكم وولى مشيخة الصرغتمشية وكان معه قبل ذلك تدريس الحديث بها، وكذا درس بالأيتمشية بعناية الكلستانى كاتب السر وأوصى له عند موته وخطب بجامع الأقمر لما عمل السالمى فيه الخطبة، وتزوج فاطمة بنت كبير تجار مصر الشهاب المحلى فعظم قدره، وسعى فى قضاء الحنفية بعد موت ناصر الدين بن العديم فباشره مباشرة حسنة إلى أن صرف فى سنة تسع وعشرين بالعينى، وقرر فى مشيخة الشيخونية بعد قارئ الهداية، ثم أعيد فى سنة ثلاث وثلاثين وانفصل عن الشيخونية واستمر قاضيا إلى أن مرض وطال مرضه فصرف حينئذ بالعينى.

ولم يلبث أن مات بعد أن رغب لولده شمس الدين محمد عن تدريس الصرغتمشية فى شوّال سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وصلى عليه بمصلى المؤمنين، ودفن بتربة صهره المحلى بالقرب من تربة يشبك الناصرى، وأوصى بخمسة آلاف درهم لمائة فقير يذكرون الله أمام جنازته، وسبعة آلاف درهم لكفنه وجهازه ودفنه وقراءة ختمات، وكان حسن العشرة كثير العصبية لأصحابه عارفا بأمور الدنيا وبمخالطة أهلها مشكور السيرة له أفضال ومروءة.

وأما ولده فهو محمد بن عبد الرحمن بن على الشمس التفهنى القاهرة الحنفى، ولد قبيل القرن واشتغل كثيرا ومهر، وكان صحيح الذهن حسن المحفوظ كثير الأدب والتواضع عارفا بأمور دنياه، ولى فى حياة أبيه قضاء العسكر وإفتاء دار العدل وتدريس الحديث بالشيخونية، وبعد وفاته تدريس الفقه بها ومشيخة البهائية الرسلانية بمنشأة المهرانى، ومشيخة الصرغتمشية وغير ذلك وحصلت له محنة من جهة الدوادار تغرى بردى المؤذى مع تقدم اعترافه بإحسان والده له، مات فى ثامن رمضان سنة تسع وأربعين وثمانمائة رحمه الله تعالى انتهى.

(تلا)

قرية من مديرية المنوفية واقعة غربى ترعة البتنونية وأبنيتها ريفية

ص: 87

وفيها ضبطية مركز تلا ومحطة فرع شيبين الموصل من شيبين إلى طندتا، وبها ثمانية مساجد أشهرها الجامع الذى جدده المرحوم عمر بيك الأشقر، وبها دكاكين بجوار المحطة ودكاكين من داخلها وبها بساتين ومضايف متسعة، وهى مشهورة بزراعة البطيخ والكتان والقطن والبصل، وأغلب أهلها مسلمون وتكسبهم من التجارة والزرع ورى أرضها من ترعة البتنونية وغيرها.

‌ترجمة الشيخ محمد بن على التلائى

وينسب إلى هذه القرية كما فى الضوء اللامع محمد بن على بن مسعود بن عثمان ابن إسمعيل بن حسين الشمس بن النور التلائى ثم القاهرى الشافعى أو هو نسبة لقرية تلا من عمل الأشمونيين بأدنى الصعيد، ولد بها قبل سنة سبعين وسبعمائة تقريبا وقرأ بها القرآن على أبيه، ثم تحول فى حياته إلى القاهرة فاشتغل أولا على مذهب أبيه مالكيا، ثم تحول شافعيا وحضر دروس الأنبلسى والبلقينى وابن الملقن والشرف بن الكوبك وغيرهم، وكتب التوقيع فى ديوان الإنشاء، وأم بالقصر من القلعة بل ناب فى القضاء عن الجلال البلقينى، ونزل فى خانقاه سعيد السعداء وحدث بالبخارى وغيره، أخذت عنه أشياء وكان خيرا مديم التلاوة مع التهجد والمحافظة على الجماعة، وله نظم كتب بعضه فى المعجم، مات فى ثانى المحرم سنة سبع وخمسين وثمانمائة بمصر القديمة رحمه الله انتهى.

وممن تربى منها فى ظل العائلة المحمدية، ولحقته عنايتهم الخيرية، أحمد أفندى عبد الغفار بكباشى دخل العسكرية الخيالة نفرا فى مدة سعيد باشا وترقى إلى رتبة يوزباشا، وفى زمن الخديو إسمعيل باشا أنعم عليه برتبة البيكباشى وقد سافر إلى حرب الحبشة فى سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف وعاد سالما وله إلمام بالقراءة والكتابة.

(تلبانة)

فى مشترك البلدان إنها بكسر التاء وسكون اللام وفتح الباء الموحدة وألف ونون وهاء أربعة قرى بمصر.

ص: 88

الأولى تلبانة ديرى من كورة الشرقية.

الثانية تلبانة عدى من ناحية المرتاحية.

الثالثة تلبانة عدى أيضا من ناحية حوف رمسيس.

الرابعة تلبانة الأبراج من حوف رمسيس أيضا انتهى.

قلت لم أعثر إلا على تلبانة الشرقية والمرتاحية فالأولى تلبانة ديرى، وهى قرية صغيرة من مديرية الشرقية بقسم منية القمح فى شمال منية جابر بنحو ثلاثة آلاف ومائتى متر، وفى غرب شلشلمون بنحو خمسة آلاف ومائتى متر وبها جامع وقليل نخيل.

‌ترجمة عامر بيك حموده

وممن نشأ منها وتربى فى ظل العائلة المحمدية ونال حظا من إحساناتهم الخيرية، الأمير عامر بيك حمودة ناظر أوقاف السيدين أخبر أن جده الأعلى من عرب العزازية المقيمين بالصفراء والجديدة، وأنه ولد بقرية تلبانة فى سنة ألف ومائتين وخمس وثلاثين وكان والده زراعا تاجرا، وفى سنة سبع وأربعين سافر إلى الاسكندرية فى بعض مصالحه وهو معه فألحقه بمدرسة البحرية فأقام بها نحو ثلاث سنين فتعلم القراءة والكتابة، والإعراب والصرف، وأخذ رتبة الجاويش بماهية ستين قرشا، وفى سنة خمسين صار فرزه منها فى شهر جمادى الأولى إلى مدرسة المهند سخانة ببولاق مصر، مع جملة من تلامذة مدرسته نحو خمسة وثلاثين تلميذا منهم/محمود باشا الفلكى، والمرحوم بهنسى أفندى، وعلى أفندى فرحات غير من انتخب من أولاد وجوه اسكندرية وتجارها مثل المرحوم محمد بيك أبى سن، وحضرة الفاضل سلامة باشا مفتش عموم هندسة الوجه البحرى، وحضرة إسمعيل بيك محمد مفتش عموم هندسة الوجه القبلى أيضا وغيرهم، فأقام بالمهندسخانه إلى سنة خمس وخمسين، وفى ذى القعدة من تلك السنة تعين خوجة بمدرسة الطوبجية بطرا برتبة ملازم ثانى، ثم أول ثم يوزباشى ثانى، ثم أول.

وفى شهر شوال سنة خمس وستين تعين باشمهندس مديرية الجيزة، وفى سنة ست وستين جعل من رجال ديوان المدارس، وفى سنة تسع وستين تعين مع المرحوم

ص: 89

عبدى باشا مدير المدارس إذ ذاك لرسم جهة الطور والطرق الموصلة إليه لاختيار المحل الذى يليق أن يبنى به القصر الذى عزم على بنائه المرحوم عباس باشا فى تلك الجهة.

وفى تلك السفرة تعين أيضا مع الباشا المذكور ومعهما مصطفى بيك المجدلى الكيماوى، ورزق أفندى ورجب أفندى المعدنجى لكشف معدن الحجر الفحمى الذى أخبرت به العرب المرحوم عباس باشا، فساروا على الإبل من دير الطور إلى جبل أبى طريقة مع خبراء من عرب جبل الطور فى وديان فوصلوا فى مسافة يوم إلى المكان الموصوف، فأطلعهم العرب على حصى أسود مثل الفول والبندق واللوز بين طبقات حجر رملىّ وبمشاهدتها علموا أنها ليست فحما ولا تشبه الفحم، ودير الطور محل به مسجد وكنيسة أقباط وعدد وافر من الرهبان بينه وبين طور البحر مسيرة يومين فى طريق سهلة أصلحتها فرقة من العساكر نحو ألف عسكرى فى ظرف نحو ستة أشهر بأمر المرحوم عباس باشا، وهى فى واد يعرف بوادى حميران، به ماء عذب ونخيل وأشجار وجبل المناجاة مرتفع شاهق طبقات بعضها فوق بعض يتوصل إلى أعلاه بالصعود من طبقة إلى أخرى، وفى إحدى الطبقات شجرة عتيقة تعرف هناك بشجرة مريم وفى أعلى الجبل يوجد الثلج الجامد فى الأماكن المنزوية عن الشمس وتجاه هذا الجبل جبل الزياتين لكثرة شجر الزيتون بأسفله، وكذا شجر الكمثرى والجوز والمشمش، وبأعلاه الثلج الجامد أيضا، وكانوا يكسرون منه بالمعاول ويحملونه إلى القاهرة كالصخر.

وهذا الجبل هو الذى أراد المرحوم عباس باشا بناء القصر فوقه وبينه وبين جبل المناجاة نحو ألف متر فى أرض الوادى وقد أخذت جميع تلك الأوصاف من إملائه، وفى تلك المأمورية أيضا تعين لعمل مقايسة لبناء حمام موسى وحمام فرعون، وصدر أمر المرحوم ببناء الأول دون التانى.

وفى سنة ثلاث وسبعين أخذ رتبة صاغقول أغاسى بمرتب ألف قرش، وفى سنة خمس وسبعين أخذ رتبة البيكباشى وكانت يومئذ إدارة الهندسة تابعة لديوان الداخلية، وفى سنة ثمان وسبعين تعين فى مأمورية عمارة الجامع الأحمدى والأوقاف التابعة له، وفى سنة ثمانين استقر فى وكالة تفتيش هندسة النصف الأول من وجه قبلى تحت رياسة المرحوم ثاقب باشا.

ص: 90

وفى سنة أربع وثمانين جعل من رجال ديوان الأشغال العمومية تحت نظارتنا، وفى سنة ست وثمانين جعلناه مأمور أوقاف سيدى أحمد البدوى، وسيدى إبراهيم الدسوقى رضي الله عنهما بأمر من الخديو إسمعيل، وكذا أوقاف المحلة والمنصورة ومنوف ودمنهور ودسوق ورشيد ونحوها من بنادر الدقهلية والمنوفية والغربية والبحيرة لما رأينا فيه من محاسن الصفات من الصلاح والعفة والاستقامة والمواظبة على أداء ما وجب عليه من صلاة وصوم ونحو ذلك، وكذلك عينا فى ذاك الوقت لأوقاف تلك الجهات مأمورين ونظارا، وكتبة كل ذلك بأمر الخديوى إسمعيل للقيام بواجبات تلك الأوقاف وعمارة مساجدها وعقاراتها وإدارة مكاتبها وصرف ريعها فى جهاته، وكانت قبل ذلك فى حيز الإهمال وأيدى الضّياع فقام المترجم بذلك أحسن القيام.

وفى سنة ثمان وثمانين عند انفصالنا عن ديوان الأشغال والأوقاف انفصل عن الأوقاف والتحق برجال ديوان الأشغال تحت رياسة المرحوم بهجت باشا، ولما أحيل الديوان علينا ثانيا أعيد إلى أوقاف السيدين بجامكية أربعة آلاف قرش، وعلى يده تمّ بناء قبة الضريح الأحمدى والمنارة المجاورة له والمنبر البديع الشكل الدقيق الصنعة من صنعة المعلم على جلط النجار صاحب الشهرة بدقة صنعة النجارة، وقد بلغت تكاليف ذلك المنبر نحو ثلاثة آلاف جنيه، وعلى يده أيضا صار الشروع فى عمارة جامع سيدى إبراهيم الدسوقى بناء على الرسم الذى كنا عملناه فى الديوان.

والثانية تلبابة عدى وهى قرية من مديرية الدقهلية بقسم نوسا الغيط على الشاطئ الشرقى لترعة أم سلمة وفى الجنوب الشرقى لمنية على بنحو أربعة آلاف متر، وفى الجنوب الغربى لمنية الأكراد بنحو ألفين وثمانمائة متر وبها جامع وقليل نخيل.

(تلبنت)

فى مشترك البلدان أنها بكسر المثناة الفوقية وسكون اللام وفتح الموحدة وسكون النون وآخره مثناة فوقية أربعة مواضع جميعها/بمصر تلبنت أجا فى ناحية الدقهلية، وتلبنت قيصر فى ناحية الغربية، وتلبنت بارة فى السمنودية، وتلبنت أبجيج انتهى.

ولم أعثر منها إلا على ثلاثة ويظهر أن تلبنت أجا هى تلبنت بارة، فأما تلبنت أجا فهى قرية من مديرية الدقهلية بقسم نوسا الغيط تجاه ناحية سمنود فى شمال أجا

ص: 91

بنحو ألف وخمسمائة متر وفى الجنوب الغربى لنوسا الغيط بنحو ثلاثة آلاف وستمائة متر، وفى غربى منية سمنود بنحو ثلاثة آلاف متر وبها جامع بمنارة ومعمل دجاج.

وأما تلبنت إبجيج فقرية من مديرية المنوفية بقسم مليج شرقى ترعة العطف بنحو ستمائة متر، وفى جنوب ناحية إبجيج بنحو ستمائة متر أيضا، وفى غربى ناحية اصطنها بنحو ثلاثة آلاف متر، وبها جامع بمئذنة ومعمل فراريج، وبدائرها قليل أشجار.

وأما تلبنت قيصر فقرية من مديرية الغربية بقسم محلة منوف على الشط الغربى للترعة البتنونية، وفى شمال ناحية برما بنحو ألفين وخمسمائة متر، وفى الشمال الشرقى لناحية أبيار بنحو خمسة آلاف متر، وبها جامع وبدائرها قليل أشجار.

(التل)

من هذا الاسم عدة قرى فى بلاد مصر، منها قرية يقال لها: التل الكبير من قسم الصوالح ببلاد الشرقية واقعة فى الوادى فى جنوب السّكة الحديد المارة إلى السويس يفصل بينهما ترعة الإسماعيلية وترعة الوادى على نحو خمسة وعشرين ألف متر.

وفى كتاب لينان باشا الذى تكلم فيه على مصر ما ترجمته: أنها فى محل قرية طوم العتيقة المسماة فى بعض الكتب طوهوم وكان بينها وبين مدينة بابلون- (مصر العتيقة) -على ما ذكره أنطونان فى خططه أربعة وخمسون ميلا رومانيا وكانت واقعة على الطريق المارة بالوادى الموصلة إلى القلزم وباعتبار تقدير الميل بألف وأربعمائة وسبعين مترا تكون الأربعة وخمسون ميلا ثمانين كيلومتر وعلى مقتضى الخرط الجديدة يقع هذا التحديد بالابتداء من مصر العتيقة فى أول وادى الطميلات بقرب التل الكبير.

وذكر أنطوان أيضا أن من طوم إلى مدينة بيلوز الطينة ثمانية وخمسين ميلا رومانيا عبارة عن خمسة وثمانين كيلومتر بالمرور على تل دفنا وتكازرتا، وكلمة طوم معناها بالعربى الفمّ، وذلك يوافق موقع التل الكبير لوقوعه فى فم الوادى، وآثارها القديمة باق بعضها إلى الآن، وذكر لينان باشا أيضا أن مدينة طوم هى مدينة بيطوم المذكورة فى التوراة وينسب بناؤها للإسرائيليين وكانت قريبة من مدينة هير بوليس وكانت حصنا ومخزنا، وكلمة بيطوم عبرانية مركبة من أداة التعريف العبرانية، وهى

ص: 92

كلمة بى ومن كلمة طوم وسماها هيردوط باطوموس، وقال إنها كانت بقرب فم الخليج الخارج من فرع النيل على مدينة أبو باسط والظاهر أن بيطوم هى طوم نفسها انتهى.

ثم إن قرية التل الكبير الآن مبنية بالطوب اللبن الرملى، وبها ديوان تفتيش الوادى وقصر مشيد وجامع عامر، وفى شمالها قشلاق تقيم به العساكر وبها بساتين، وعلى ترعة الوادى هويس بجانبه جملة دكاكين منها بالبر الأيمن نحو خمسة وسبعين ما بين قهوة وحانوت تجارة وفى البر الأيسر نحو ثلاثة وسبعين حانوتا وإيراد جميعها لجهة المكاتب الأهلية، وكان تجديدها زمن فتح القنال لضرورة لوازم الشغالة والإفرنج المباشرين للاشغال والمترددين هناك من نوتية المراكب ونحو ذلك، ولما فرغت الأشغال من هناك قلت الحركة وأخذ سوقها الدائم فى النقص وقلّ مرور المراكب عليها وعما قليل يمر جميعها بالترعة الإسماعيلية وينقطع مرورها فى تلك الترعة فيضمحل حال ذلك السوق بالمرة، وفى بحرى الهويس أيضا مساكن للعساكر.

وبهذه القرية مجلسان للدعاوى والمشيخة وضبطية وبها دائرة لضرب الأرز ومعمل دجاج ولها سوق كل يوم جمعة وأرضها من ضمن أراضى الوادى الموقوفة على المكاتب من المراحم الخديوية التى ذكرناها فى الكلام على العباسية وهى من نظارة الشرقى، وبقربها بجوار الجبل القبلى قرية صغيرة يقال لها التل الصغير موقعها فى جنوبها وهى من بلاد تلك النظارة أيضا، وبها بستان للميرى، وقد غرس فى أرضها زمن العزيز المرحوم محمد على كثير من شجر التوت لتربية دود الحرير.

قال الجبرتى فى تاريخه، ومنها أى من حوادث سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف أن الباشا- (العزيز محمد على) -سنح له أن ينشئ بالمحل المعروف برأس الوادى بشرقية بلبيس سواقى، وعمارات ومزارع وأشجار توت وزيتون فذهب إلى هناك وكشف عن أراضيه فوجدها متسعة وخالية من المزارع، وهى أراضى رمال وأودية فوكل أناسا لإصلاحها وتمهيدها، وأن يحفروا بها جملة من السواقى تزيد على الألف ساقية ويبنوا بها أبنية ومساكن ويزرعوا أشجار التوت لتربية دود القز وأشجارا كثيرة من شجر الزيتون لعمل الصابون وشرعوا فى العمل والحفر والبناء وفى إنشاء توابيت خشب للسواقى تصنع ببيت الجبجى بالتبانة وتحمل على الجمال إلى الوادى شيئا بعد شئ قال وأمر الباشا فى هذه السنة بأمور كثيرة لعموم النفع منها

ص: 93

أمره/بعمل مصبنة لصناعة الصابون وطبخه، وفى كتاب كلوت بيك الذى وضعه فى الكلام على مصر أن جميع ما غرس من شجر التوت فى الوجه البحرى ثلاثة ملايين شجرة فى جهات متعددة من الأرض يبلغ مساحتها عشرة آلاف فدان، وهو نوعان بلدى وشامى ولصلاحية أرض مصر لذلك يبتدى توريقها فى شهر يناير الأفرنجى ويتم بلوغها فى نصف فبراير ومبدأ ظهور الدودة يكون فى شهر مارس وبعد مضى شهرين يخرج منها الحرير.

وقال المؤلف المذكور أن الأنص من الزريعة يعطى سبعة آلاف جوزة ووزن الجوزة من نصف درهم إلى درهم، ومقدار متحصل الحرير ستة ألف وثمانمائة وثلاثة وثلاثين، كان سبعة آلاف وتسعمائة وخمسا وتسعين أقة، وكان لذلك محلات وخدم جلبهم العزيز من القسطنطينية وتعلم منهم بعض الأهالى وبلغت دواليب الحرير مائتى دولاب، ثم بطل ذلك وأهمل أمره ولا يستعمله الآن إلا القليل من الأهالى.

(تل بنى عمران)

قرية من قسم ملوى بمديرية سيوط كانت تعرف قديما باسم بسينولا وهى واقعة فى شرقى البحر الأعظم بجوار الجبل ولقربها كفور العمارنة والحاج قنديل، ويقابلها فى البر الغربى ناحية جرف سرحان ومعصرة ملوى وبنى عمران الغربية، وبحرى ناحية التل بنحو سدس ساعة يجتمع الجبل مع النيل، ومن محل الاجتماع إلى ما يقابل المعصرة يسمى ذلك الجبل بجبل الشيخ سعيد نسبة إلى ولىّ مقامه فى منتصف أعلاه، وفى ذلك الجبل عدة ورش لاستخراج الحجر تعرف بورش البرشة نسبة إلى القرية القريبة منها المسماة بذلك.

ومن عادة الملاحين متى حاذوا مقام الشيخ سعيد أن يرموا بالخبز إلى البحر فتسقط عليه طيور كالحدا يزعمون أنها تأخذه وتضعه فى ذلك المقام وتجعله خزينا تأكل منه، ومن عجيب خرافاتهم أنهم يعتقدون أن هذا الطير هو نفس الشيخ سعيد، وفى هذه القرية تخيل بكثرة وأغلب أطيانها فى البر الغربى بين المعصرة وجرف سرحان ويزرع فى أطيانها القثاء والدخان والبصل، وأهلها يتسوقون من سوق ملوى وسوق دروط الشريف وسوق دير ماس، وفى السابق كانوا مشهورين بالشرور والإساءة للمارين والبلاد المجاورة لهم وآثار مدينة بسينولا القديمة تلول موجودة فى باطن الجبل شرقى قرية التل.

ص: 94

وفى خطط الفرنساوية أنها كانت فى زمن الرومانيين محلة بوسطة عساكر هجانة، وفى سنة 1213 كان من يسير فى الطريق المار فى وسط تلك التلول يجد سورا قائما فى وسطه باب، وعلى يساره فى ربع امتداد الخراب أثر عمارة جسيمة من قبليها باب جسيم سعته أحد عشر مترا وربع، وسمك حائطه سبعة أمتار ونصف وحيطانه مائلة وبناؤه بطوب كبير طول الطوبة أربعة أعشار متر وعرضها ربع متر وسمكها نصف عرضها، وطول العمارة مائة وثلاثة وتسعون مترا وستة أعشار، وعرضها مائة متر وخمسة أمتار، وبها عدة حيشان عمق الأول ستة وسبعون مترا وثمانية أعشار، وفى الحيشان عدة محلات تخربت وفى وسط الخراب طريق على حافتها عمارة مقابلة للعمارة المارة الذكر تشبهها فى البناء والكيفية وهى قريبة من النيل، ويرى فى خرابها إتجاه حارات كثيرة متعاطفة مختلفة العرض تستعمل الآن كبراها طريقا للوصول إلى قرية الحاج قنديل وغيرها.

(تل حاوين)

قرية من قسم القنيات بمديرية الشرقية قبلى القنيات بنحو ستمائة متر على الشاطئ الغربى لبحر مويس أبنيتها بالآجر، وبها مساجد ومكاتب أهلية ومجلس دعاوى وآخر للمشيخة، وبها للدائرة السنية وابور لسقى الزراعة وآخر للسقى وحلج القطن ونفض الكتان، وفى هذا الوابور ورشة لتعمير آلات الوابور وبها ديوان خدمة الجفلك، وتكسب أهلها من الزرع المعتاد وزمام أطيانها ثلاثمائة وثلاثة وتسعون فدانا وكسر، وعدد أهلها ألف وثلاثمائة وأربع وخمسون نفسا.

(تل الدبلة)

محل قرية قديمة كانت تسمى ديو سبوليس بقرب أشمون الرمان فى الشمال الشرقى، وبينها وبين خراب طمويس اثنا عشر ألف متر وأربعمائة متر وظن بعض الجغرافيين أن هذا التل فى محل منديس القديمة وليس كذلك، وبعضهم قال أن منديس كانت فى محل طمويس وطمويس كانت فى محل أشمون الرمان، وبعضهم قال غير ذلك أنظر أشمون الرمان.

(تل راك)

قرية من قسم العرين بمديرية الشرقية فى شمال سنجها على نحو خمسة عشر ألف متر وغربى بحر مويس بنحو ثلاثمائة متر وهى على تل قديم عال عن المزارع من ثلاثين مترا إلى عشرين ويتبعها جملة كفور فى أرض والمزارع ذات نخيل،

ص: 95

وبناؤها باللبن الرملى وبها مجلسان للدعاوى، والمشيخة وعدد أهلها ألف وثلاثمائة واثنا عشر تكسبهم من الزرع المعتاد والأرز وصيد السمك وثمر النخيل وأطيانها ثلاثة آلاف وخمسمائة وستة عشر فدانا وكسر.

(تل المسخوطة)

اسم لتلول من رمال فوق الترعة الحلوة الخارجة من مصر إلى السويس فيما بين التل/الكبير ومدينة الإسماعيلية الواقعة بقرب بحيرة التمساح وبأسفل هذه التلول آثار كنيسة أمامها تمثال من حجر صوان أزرق فيه ثلاث صور أكبرها صورة رمسيس الثانى والآخريان صورتا ولديه، ولذلك سمته العرب تل المسخوطة وبعضهم يسميه أبا خشيب وعنده بئر ماء.

(تلة)

قرية من أعمال المنية موضوعة غربى جسر العموم على بعد ستمائة متر، وفى غربى بندر المنية بنحو ثلاثة آلاف وثلاثمائة متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية طوه بنحو أربعة آلاف متر وبها جامع وبدائرها نخيل.

(الشيخ تمى)

هى قرية من قسم ملوى بمديرية أسيوط، على الشاطئ الشرقى للنيل بقرب الجبل، وتجاهها فى الغرب ناحية ساقية موسى، وفى جنوبها الشرقى الشيخ عبادة، وفى بحريها بنى حسن الشروق، وأهلها مسلمون وأقباط وفيها نخيل بكثرة وبستان فيه أنواع الفواكه، ويزرع بها قصب السكر بكثرة وفيها له عصارات وفيها بيت أبى عمر مشهور يشتمل على قصور ومضايف تشبه قصور مصر، وكان محمد أغا أبو عمر ناظر قسم ساقية موسى زمن العزيز وفى زمن الخديو إسمعيل باشا ترقى إبنه يوسف فكان ناظر قلم دعاوى بمديرية أسيوط وهم مشهورون بالشجاعة وعندهم الخيل الجياد والجبل هناك يسمى جبل الشيخ تمى ومنه يؤخذ الجبس للعمارات.

(تلوانة)

قرية من مديرية المنوفية بقسم سبك موضوعة غربى ترعة السرساوية على بعد ألف وثلاثمائة متر وبحرى بحر الفرعونية بنحو ستمائة متر وبها ثلاثة جوامع أحدها له منارة قد جدد سنة ثلاثين ومائتين وألف، وجامع الأربعين جدد

ص: 96

سنة خمسين ومائتين وألف، وجامع سيدى يوسف جدد بعد تخربه سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف، وبها ثلاثة بساتين ذوات فواكه ومعمل دجاج، وعدد من مقامات الأولياء، كمقام سيدى يوسف، وسيدى سعيد المغربى، والشيخ جعفر والشيخ محمد الحجازى، والشيخ المظفر، والشيخ أبى حجش.

وأهلها مسلمون وعدتهم ثلاثة آلاف وخمسمائة نفس، وزمامها ألف وسبعمائة وأربعون فدانا جميعها تروى من النيل، وبها ست عشرة ساقية معينة عذبة الماء ولها شهرة فى زرع القطن ولها طريق فى جهتها البحرية يوصل إلى ناحية منوف فى مسافة ساعتين ونصف.

وممن طلعت عليه شمس عناية العائلة المحمدية وترقى فى المناصب السنية إمام أفندى بكر من أهالى هذه البلدة دخل آلايات البيادة نفرا فى مدة المرحوم سعيد باشا وتعلم القوانين العسكرية حتى استحق التقدم فترقى فى زمنه فى الرتب حتى أحرز رتبة بيكباشى، وله إلمام بالقراءة والكتابة وسار فى حرب الحبشة وعاد سالما.

(تمىّ الأمديد)

قرية قديمة من مديرية الدقهلية بقسم السنبلاوين فى جنوب ناحية البيضاء بنحو ألفين وخمسمائة متر، وفى الشمال الشرقى لناحية قنيبرة بنحو ستة آلاف متر، وبها تل قديم يقال له تل تمى، به آثار بناء قديم من حجر دستور وطبخ، وبجواره مقام شهير يعرف بمقام سيدى عبد الله بن سلام يعمل له مولد فى كل سنة يجتمع فيه كثير من الزوار والتجار من البلاد المجاورة لها ومن بلاد الشرقية وتنصب فيه الخيام ويستمر على ذلك ثمانية أيام مع المسابقة بالخيول فى كل يوم والبيع والشراء فى أصناف التجارات، وعمدتها إسمعيل حسن هو رئيس مجلس مركز السنبلاوين.

(تنده)

قرية من قرى الصعيد من مديرية أسيوط بقسم ملوى، فى غربى ناحية طوخ بنحو ثلاثة آلاف وسبعمائة متر، وفى شرقى ناحية البدرمان كذلك وبدائرها نخيل كثير.

وهى من مساكن بنى أمية كما فى رسالة البيان والاعراب للمقريزى قال فيها وأما بنو أمية فمنهم ولد أبان بن عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه، وولد خالد بن يزيد

ص: 97

ابن معاوية بن أبى سفيان، وبنو سلمة بن عبد الملك بن مروان، وبنو حبيب بن الوليد ابن عبد الملك بن مروان وديارهم تنده وما حولها، ومنهم المروانية أولاد مروان بن الحكم.

(تنيس)

قال المقريزى فى خططه هى بكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها وكسر النون المشددة وياء آخر الحروف وسين مهملة بلدة من بلاد مصر فى وسط الماء وهى من كورة الخليج سميت بتنيس بن حام بن نوح ويقال بناها: قليمون من ولد أتريب بن قبطيم أحد ملوك القبط فى القديم.

قال ابن وصيف شاه وملكت بعد أتريب ابنته فدبرت الملك وساسته بأيد وقوّة خمسا وثلاثين سنة وماتت، فقام بالملك من بعدها ابن أختها قليمون الملك فرد الوزراء إلى مراتبهم وأقام الكهان على مواضعهم ولم يخرج الأمر عن رأيهم، وجدّ فى العمارات وطلب الحكم وفى أيامه بنيت تنيس الأولى التى غرقها البحر، وكان بينه وبينها شئ كثير وحولها الزرع والشجر والكروم وقرى ومعاصر للخمر وعمارة لم يكن أحسن منها، فأمر الملك أن يبنى له فى وسطها مجالس وينصب عليها قباب وتزين بأحسن الزينة والنقوش وأمر بفرشها وإصلاحها، وكان إذا بدأ النيل يجرى انتقل الملك إليها فأقام بها إلى النوروز ورجع، وكان/للملك بها أمناء يقسمون المياه ويعطون كل قرية قسطها، وكان على تلك القرى يدور بقناطر، وكان كل ملك يأتى يأمر بعمارتها والزيادة فيها ويجعلها له منتزها ويقال ان الجنتين اللتين ذكرهما الله تعالى فى كتابه العزيز يقول «وَاضْرِبْ 1 لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً» الآيات.

كانتا لأخوين من بيت الملك أقطعهما ذلك الموضع فأحسنا عمارته وهندسته وبنيانه، وكان الملك يتنزه فيهما ويؤتى منهما بغرائب الفواكه والبقول ويعمل له من الأطعمة والأشربة ما يستطيبه، فعجب بذلك المكان أحد الأخوين وكان كثير الضيافة والصدقة ففرق ماله فى وجوه البر وكان الآخر ممسكا يسخر من أخيه إذا فرق ماله، وكلما باع من قسمه شيئا اشتراه منه حتى بقى لا يملك شيئا وصارت تلك الجنة لأخيه

(1)

سورة الكهف آية/32.

ص: 98

واحتاج إلى سؤاله فانتهره وطرده وعيره بالتبذير.

وقال «قد كنت أنصحك بصيانة مالك فلم تفعل ونفعنى إمساكى فصرت أنا أكثر منك مالا وولدا» وولى عنه مسرورا بماله وجنته فأمر الله تعالى البحر فركب تلك القرى وغرقها جميعها فأقبل صاحبها يولول ويدعو بالثبور ويقول «يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً»

(1)

قال الله جل جلاله «وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ»

(2)

.

وفى زمان قليمون الملك بنيت دمياط وملك قليمون تسعين سنة وعمل لنفسه ناووسا (قبرا) فى الجبل الشرقى وحول إليه الأموال والجواهر وسائر الذخائر، وجعل من داخله تماثيل تدور بلواليب فى أيديها سيوف من دخل قطعته وجعل عن يمينه ويساره أسدين من نحاس مذهب بلوالب من أتاه حطمه: وزبر عليه «هذا قبر قليمون بن أتريب بن قبطيم بن مصر، عمر دهرا وأتاه الموت فما استطاع له دفعا، فمن وصل إليه فلا يسلبه ما عليه وليأخذ من بين يديه» . ويقال إن تنيس أخ لدمياط.

وقال المسعودى فى كتابه مروج الذهب وغيره: تنيس كانت أرضا لم يكن بمصر مثلها استواء وطيب تربة، وكانت جنانا ونخلا وكرما وشجرا ومزارع، وكانت فيها مجار على ارتفاع من الأرض، ولم ير الناس بلدا أحسن من هذه الأرض ولا أحسن أنصالا من جنانها وكرومها، ولم يكن بمصر كورة يقال إنها تشبهما إلا الفيوم، وكان الماء منحدر إليها لا ينقطع عنها صيفا ولا شتاء يسقون جنانهم إذا شاءوا، وكذلك زروعهم وسائره يصب إلى البحر من جميع خلجانه، ومن الموضع المعروف بالأشتوم، وقد كان بين البحر وبين هذه الأرض مسيرة يوم وكان فيما بين العريش وجزيرة قبرس طريق مسلوك إلى قبرس تسلكه الدواب يبسا، ولم يكن بين العريش وجزيرة قبرس فى البحر سير طويل حتى علا الماء الطريق الذى كان بين العريش وقبرس.

فلما مضت لدقلطيانوس من ملكه مائتان وإحدى وخمسون سنة هجم الماء من البحر على بعض المواضع التى تسمى اليوم بحيرة تنيس فأغرقه، وصار يزيد فى كل عام حتى أغرقها بأجمعها، فما كان من القرى التى فى قرارها غرق، وأما الذى كان

(1)

سورة الكهف آية/42.

(2)

سورة الكهف آية/43.

ص: 99

منها على ارتفاع من الأرض فبقى منه تونة وبورا وغير ذلك مما هو باق إلى هذا الوقت والماء محيط بها، وكان أهل القرى التى فى هذه البحيرة ينقلون موتاهم إلى تنيس فنبشوهم واحدا بعد واحد، وكان استحكام غرق هذه الأرض بأجمعها قبل أن تفتح مصر بمائة سنة.

قال وقد كان الملك من الملوك التى كانت دارها الفرماء مع أركون من أراكنة البلينا، وما اتصل بها من الأرض حروب عملت فيها خنادق وخلجان فتحت من النيل إلى البحر يمتنع بها كل واحد من الآخر، وكان ذلك داعيا لتشعب الماء من النيل واستبلائه على هذه الأرض.

وقال فى كتاب أخبار الزمان وكانت تنيس عظيمة لها مائة باب، وقال ابن بطلان:

تنيس بلد صغير على جزيرة فى وسط البحر ميله إلى الجنوب عن وسط الأقليم الرابع خمس درج، وأرضه سبخة وهواؤه مختلف وشراب أهله من مياه مخزونة فى صهاريج تملأ فى كل سنة عند عذوبة مياه البحر بدخول ماء النيل إليها، وجميع حاجاتها مجلوبة إليها فى المراكب، وأكثر أغذية أهلها السمك والجبن وألبان البقر، فإن ضمان الجبن السلطانى سبعمائة دينار حسابا عن كل ألف قالب دينار ونصف، وضمان السمك عشرة آلاف دينار، وأخلاق أهلها سهلة منقادة وطبائعهم مائلة إلى الرطوبة والأنوثة.

قال أبو السرى الطبيب: إنه كان يولد بها فى كل سنة مائتا مخنث وهم يحبون النظافة والدماثة والغناء واللذة، وأكثرهم يبيتون سكارى وهم قليلو الرياضة لضيق البلد وأبدانهم ممتلئة الأخلاط وحصل بها مرض يقال له الفواق التنيسى أقام بأهلها ثلاثين سنة

وقال جامع تاريخ دمياط وكان على تنيس رجل يقال له أبو ثور من العرب المتنصرة فلما فتحت دمياط سار إليها المسلمون فبرز إليهم نحو عشرين ألفا من العرب المتنصرة والقبط والروم، فكانت بينهم حروب آلت إلى وقوع أبى ثور فى أيدى المسلمين وانهزام أصحابه فدخل المسلمون البلد وبنوا كنيستها جامعا وقسموا الغنائم وساروا إلى الفرماء فلم تزل تنيس بيد المسلمين إلى أن كانت إمرة بشر بن صفوان الكلبى/على مصر من قبل يزيد بن عبد الملك فى شهر رمضان سنة إحدى ومائة فنزل الروم تنيس، فقتل

ص: 100

مزاحم بن مسلمة المرادى أميرها فى جمع من الموالى وفيهم يقول الشاعر:

ألم تربع فيخبرك الرجال

بما لاقى بتنيس الموالى

وكانت تنيس مدينة كبيرة وفيها آثار كثيرة للأوائل، وكان أهلها مياسير أصحاب ثراء وأكثرهم حاكة، وبها تحاك ثياب الشروب التى لا يصنع مثلها فى الدنيا، وكان يصنع فيها للخليفة ثوب يقال له: البدنة لا يدخل فيه من الغزل سدى ولحمة غير أوقيتين وينسج باقيه بالذهب بصناعة محكمة لا تحوج إلى تفصيل ولا خياطة يبلغ قيمته ألف دينار، وليس فى الدنيا طراز ثوب كتان يبلغ الثوب منه وهو ساذج بغير ذهب مائة دينار عينا غير طراز تنيس ودمياط.

وكان النيل إذا أطلق يشرب منه من بمشارق الفرما من ناحية جرجير وفاقوس من خليج تنيس، فكانت من أجل مدن مصر وإن كانت شطا وديفو ودميرة وتونة وما قاربها من تلك الجزائر يعمل بها الرفيع فليس ذلك يقارب التنيسى والدمياطى، وكان الحمل منها إلى ما بعد سنة ستين وثلاثمائة يبلغ من عشرين ألف دينار إلى ثلاثين ألف دينار إلى ثلاثمة لجهاز العراق، فلما تولى الوزير يعقوب بن كلس تدبير المال استأصل ذلك بالنوائب، وكان يسكن بمدينة تنيس ودمياط نصارى تحت الذمة وكان أهل تنيس يصيدون السمانى وغير ذلك من الطير على أبواب دورهم، والسمانى طير يخرج من البحر فيقع فى تلك الشباك وكانت السفن تركب من تنيس إلى الفرماء وهى على ساحل البحر.

ولما مات هرون الرشيد وقام من بعده ابنه الأمين وأراد الغدر والنكث بالمأمون، كان على مصر حاتم بن هرثمة بن أعين من قبل الأمين، فلما ثار عليه أهل تنو وتمى بعث إليهم السرى بن الحكم وعبد العزيز بن الوزير الجروى فغلبا بعد الثمانية من شوّال سنة أربع وتسعين ومائة.

ثم ولى الأمير جابر بن الأشعث الطائى مصر وصرف حاتم بن هرثمة وكان جابر لينا، فلما تباعد ما بين محمد الأمين وبين أخيه عبد الله المأمون وخلع محمد أخاه من ولاية العهد وترك الدعاء له على المنابر وعهد إلى ابنه موسى ولقبه بالشديد ودعا له،

ص: 101

تكلم الجند بمصر بينهم فى خلع محمد غضبا للمأمون فبعث، إليهم جابر ينهاهم عن ذلك ويخوفهم عواقب الفتن وأقبل السرى بن الحكيم يدعو الناس إلى خلع محمد، وكان ممن دخل إلى مصر فى أيام الرشيد من جند الليث بن الفضل، وكان خاملا فارتفع ذكره بقيامه فى خلع محمد الأمين.

وكتب المأمون إلى أشراف مصر يدعوهم إلى القيام بدعوته فأجابوه وبايعوا المأمون فى رجب سنة ست وتسعين ومائة ووثبوا بجابر، فأخرجوه وولوا عباد بن محمد فبلغ ذلك محمدا الأمين فكتب إلى رؤساء الحوف بولاية ربيعة بن قيس الجرشى، وكان رئيس قيس الحوف فانقاد أهل الحوف كلهم معه يمنها وقيسها، وأظهروا دعوة الأمين وخلع المأمون وساروا إلى الفسطاط لمحاربة أهلها واقتتلوا فكانت بينهما قتلى، ثم انصرفوا وعادوا مرارا إلى الحرب، فعقد عباد بن محمد لعبد العزيز الجروى وسيره فى جيش ليحارب القوم فى دارهم، فخرج فى ذى القعدة سنة سبع وتسعين ومائة وحاربهم بعمريط فانهزم الجروى ومضى فى قوم من لخم وجذام إلى فاقوس، فقال له:

قومه لم لا تدعو لنفسك فما أنت بدون هؤلاء الذين غلبوا على الأرض فمضى فيهم إلى تنيس فنزلها ثم بعث بعماله يجبون الخراج من أسفل الأرض، فبعث ربيعة بن قيس يمنعه من الجباية وسار أهل الحوف فى المحرم سنة ثمان وتسعين إلى الفسطاط فاقتتلوا وقتل جمع من الفريقين وبلغ أهل الحوف قتل الأمين، فتفرقوا وولى إمرة مصر مطلب بن عبد الله الخزاعى من قبل المأمون فدخلها فى ربيع الأول، وولى عبد العزيز الجروى شرطته ثم عزله وعقد له على حرب أسفل الأرض ثم صرف المطلب، وولى العباس بن موسى بن عيسى فى شوّال فولى عبد العزيز الشرطة فلما ثار الجند وأعادوا المطلب فى المحرم سنة تسع وتسعين هرب الجروى إلى تنيس وأقبل العباس بن موسى ابن عيسى من مكة إلى الحوف فنزل بلبيس ودعا قيسا إلى نصرته ثم مضى إلى الجروى بتنيس فأشار عليه أن ينزل دار قيس، فرجع إلى بلبيس فى جمادى الآخرة وبهامات مسموما فى طعام دسه إليه المطلب على يد قيس، فدان أهل الأحواف للمطلب وتابعوه وسارعوا إلى جب عميرة وسالموه عندما لاقوه، وبعث إلى الجروى يأمره بالشخوص إلى الفسطاط فامتنع من ذلك وسار فى مراكبه حتى نزل شطنوف، فبعث إليه المطلب السرى بن الحكم فى جمع من الجند يسألونه الصلح، فأجابهم إليه ثم اجتهد فى الغدر بهم فتيقظوا له فمضى راجعا إلى بنا فاتبعوه وحاربوه، ثم عاد فدعاهم إلى الصلح

ص: 102

ولاطف السرى فخرج إليه فى زلاج وخرج الجروى فى مثله فالتقيا فى وسط النيل مقابل سندفا وقد أعد الجروى فى باطن زلاجه/الحبال وأمر أصحابه بسندفا إذ الصق بزلاج السرى أن يجروا الحبال إليهم، فلصق الجروى بزلاج السرى فربطه فى زلاجه وجر الحبال وأسر السرى ومضى به إلى تنيس فسجنه بها وذلك فى جمادى الأولى، ثم كر الجروى وقاتل فلقيه جموع المطلب بسفط سليط فى رجب فظفر.

ولما عزل عمر بن ملاك عن الاسكندرية ثار بالأندلسيين ودعا للجروى فأقبل عبد الله بن موسى بن عيسى إلى مصر طالبا بدم أخيه العباس فى المحرم سنة مائتين فنزل على عبد العزيز الجروى فسار معه فى جيوش كثيرة العدد فى البر والبحر حتى نزل الجيزة فخرج إليه المطلب فى أهل مصر فحاربوه فى صفر فرجع الجروى إلى شرقيون ومضى عبد الله بن موسى إلى الحجاز، وظهر للمطلب أن أبا حرملة فرجا الأسود هو الذى كاتب عبد الله بن موسى وحرضه على المسير فطلبه ففر إلى الجروى.

وجدّ المطلب فى أمر الجروى فأخرج الجروى السرى بن الحكم من السجن وعاهده وعاقده على أن يثور بالمطلب ويخلعه، فعاهده السرى على ذلك فأطلقه وألقى إلى أهل مصر أن كتابا ورد بولايته فاستقبله الجند من أهل خراسان وعقدوا له عليهم وامتنع المصريون من ولائه فنزل داره بالحمراء وأمده قيس بجمع منهم وحارب المصريين فهزمهم وقتل منهم، فطلب المطلب منه الأمان فامنه وخرج من مصر واستبد السرى بن الحكم بأمر مصر فى مستهل شهر رمضان.

فلما قتل الأندلسيون عمر بن ملاك بالإسكندرية سار إليها الجروى فى خمسين ألفا فبعث السرى إلى تنيس بعثا فكر الجروى راجعا إلى تنيس فى المحرم سنة إحدى ومائتين فلما ثار الجند بالسرى فى شهر ربيع الأول وبايعوا سليمن بن غالب قام عباد ابن محمد عليه وخلعه وقام بالأمر على بن حمزة بن جعفر بن سليمن بن على بن عبد الله بن عباس فى مستهل شعبان، فامتنع عباد أن يبايعه ولحق بالجروى، ثم لحق به أيضا سليمن بن غالب فكان معه وعاد السرى إلى ولاية مصر فى شعبان وقوى سلطانه.

فلما كان فى المحرم سنة اثنتين ومائتين ورد كتاب المأمون إليه يأمره بالبيعة لولى عهده على بن موسى الرضا فبويع له بمصر فقلم فى فساد ذلك إبراهيم بن المهدى

ص: 103

ببغداد وكتب إلى وجوه الجند بمصر يأمرهم بخلع المأمون وولى عهده وبالوثوب على السرى، فقام بذلك الحرث بن زرعة بن محرم بالفسطاط وعبد العزيز بن الوزير الجروى بأسفل الأرض، ومسلمة بن عبد الملك الطحاوى الأزدى بالصعيد، وخالفوا السرى ودعوا إلى إبراهيم بن المهدى وعقدوا على ذلك الأمر لعبد العزيز بن عبد الرحمن الأزدى فحاربه السرى وظفر به فى صفر ولحق كل من كره بيعة على الرضا بالجروى لمنعته بتنيس وشدة سلطانه فسار إلى الاسكندرية وملكها ودعا له بها وببلاد الصعيد.

ثم سار فى جمع كبير لمحاربة السرى واستعد كل منهما لصاحبه بأعظم ما قدر عليه فبعث إليه السرى ابنه ميمونا فالتقيا بشطنوف فقتل ميمون فى جمادى الأولى سنة ثلاث ومائتين وأقبل الجروى فى مراكبه إلى الفسطاط ليحرقها، فخرج إليه أهل المسجد وسألوه الكف فانصرف عنها وحارب الإسكندرية غير مرة، وقتل بها من حجر أصابه من منجنيقه فى آخر صفر سنة خمس ومائتين، ومات السرى بعده بثلاثة أشهر فى آخر جمادى الأولى.

وقام بعد الجروى ابنه على بن عبد العزيز الجروى فحارب أبا نصر محمد بن السرى أمير مصر بعد أبيه بشطنوف، ثم التقيا بدمنهور فيقال إن القتلى بينهما يومئذ كانوا سبعة آلاف، وانهزم ابن السرى إلى الفسطاط فتبعه مراكب ابن الجروى ثم عادت فدخل أبو حرملة فرج بينهما حتى اصطلحا، ومات ابن السرى فى شعبان سنة ست ومائتين، فولى بعده أخوه عبيد الله بن السرى فكف عن ابن الجروى

وبعث المأمون مخلد بن يزيد بن مزيد الشيبانى إلى مصر فى جيش من ربيعة فامتنع عبيد الله بن السرى من التسليم له ومانعه فاقتتلوا وانضم على بن الجروى إلى خالد بن يزيد وأقام له الإنزال وأغاثه وسار حتى نزل على خندق عبيد الله بن السرى، فاقتتلا فى شهر ربيع الأول سنة سبع ومائتين وجرت بينهما حروب بعد ذلك آلت إلى ترفع خالد إلى أرض الحوف، فكره ذلك ابن الجروى ومكر به حتى أخرجه من عمله إلى غربى النيل فنزل بهيا وانصرف ابن الجروى إلى تنيس، فصار خالد فى ضر وجهد وعسكر له ابن السرى فى شهر رمضان وأسره وأخرجه من مصر إلى مكة فى البحر، وبعث المأمون بولاية عبيد الله بن السرى على ما فى يده وهو فسطاط مصر وصعيدها

ص: 104

وغربيها، وبولاية على بن عبد العزيز الجروى تنيس مع الحوف الشرقى وضمنه خراجه.

وأقبل ابن الجروى على استخراج خراجه من أهل الحوف فمانعوه وكتبوا إلى ابن السرى يستمدونه عليه فأمدهم بأخيه فالتقيا بكورة بنا فى بلقينة فاقتتلوا فى صفر سنة تسع ومائتين وإمتدت الحروب بينهما إلى أثناء ربيع الأول وهم منتصفون، فانصرف ابن الجروى فيمن معه إلى دمياط فسار ابن السرى إلى محله شريقون فنهبها، وبعث إلى/تنيس ودمياط فملكها ولحق ابن الجروى بالفرما وسار منها إلى العريش فنزل فيما بينها وبين غزة، ثم عاد وأغار على الفرما فى جمادى الآخرة ففر أصحاب ابن السرى من تنيس وسار ابن الجروى إلى شطنوف، فخرج إليه ابن السرى واقتتلا فكانت لابن الجروى فى أول النهار ثم أتاه كمين ابن السرى فانهزم، وذلك فى رجب، فمضى إلى العريش وسار ابن السرى إلى تنيس ودمياط.

ثم أقبل ابن الجروى فى المحرم سنة عشر ومائتين وملك تنيس ودمياط بغير قتال فبعث إليه ابن السرى البعوث فحاربهم فبينما هم فى ذلك إذ قدم عبد الله بن طاهر فمدّ ابن الجروى بالأموال والأنزال وانضم إليه ونزل معه ببليس، فامتنع ابن السرى ودافع ابن طاهر فتراخى له وبعث فجبى المال ونزل زفتا وبعث إلى شطنوف عيسى الجلودى على جسر عقده من زفتا وجعل ابن الجروى على سفنه التى جاءته من الشام لمعرفته بالحرب فهزم مراكب ابن السرى فى المحرم سنة إحدى عشرة وصالح ابن طاهر عبيد الله بن السرى فى صفر وخلع عليه وأجازه بعشرة آلاف دينار وأمره بالخروج إلى المأمون فسكنت فتن مصر بعبد الله بن طاهر.

وفى سنة سبع وسبعين وثلاثمائة ولدت بتنيس معزى جديا له عدّة قرون ورأسه مع صدره وبدنه ومقدمه بصوف أبيض ومؤخر بشعر أسود وذنبه ذنب شاة، وولدت امرأة سحله لها رأس مدور ولها يدان ورجلان وذنب، ولثلاث بقين من ذى الحجة من هذه السنة حدث بتنيس رعد وبرق وريح شديدة وسواد عظيم فى الجوّ، ثم ظهر وقت السحر فى السماء عمود نار احمرت منه السماء والأرض أشد حمرة، وخرج غبار ودخان يأخذ بالأنفاس فلم يزل إلى الرابعة من النهار حتى ظهرت الشمس ولم يزل كذلك خمسة أيام.

ص: 105

وفى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة حضر عند قاضى تنيس أبى محمد عبد الله بن أبى الريس رجل وامرأة فطالبت المرأة الرجل بفرض واجب عليه فقال الرجل تزوجت بها منذ خمسة أيام فوجدت لها ما للرجال وما للنساء فبعث إليها القاضى امرأة لتشرف عليها، فأخبرت أن لها فوق القبل ذكرا بخصيتيتن والفرج تحتها والذكر أقلف وأنها رائعة الحسن فطلقها الزوج.

قال أبو عمرو الكندى حدثنى أبو نصر أحمد بن على قال حدثنى ياسين بن عبد الأحد، قال: سمعت أبى يقول لما دخل عبد الله ابن طاهر مصر كنت فيمن دخل عليه فقال حدثنى عبد الله بن لهيعة عن أبى قبيل عن سبيع قال «يا أهل مصر كيف بكم إذا كان فى بلدكم فتن فوليكم فيها الأعرج ثم الأصغر ثم الأمرد، ثم يأتى رجل من ولد الحسين لا يدفع ولا يمنع تبلغ راياته البحر الأخضر يملؤها عدلا» فقلت كان ذلك كانت الفتنة فوليها السرىّ وهو الأعرج والأصغر ابنه أبو النصر والأمرد عبيد الله بن السرى وأنت عبيد الله بن طاهر بن الحسين، ثم إن عبد الله بن طاهر سار إلى الاسكندرية وأصلح أمرها وأخرج ابن الجروى إلى العراق ثم قدم به الأفشين إلى مصر فى ذى الحجة سنة خمس عشرة، وقد أمر الأفشين أن يطالبه بالأموال التى عنده فإن دفعها إليه وإلا قتله، فطالبه فلم يدفع إليه شيئا فقدمه بعد الأضحى بثلاث فقتله.

وفى جمادى الآخر سنة تسع عشرة ومائتين ثار يحيى بن الوزير فى تنيس فخرج إليه المظفر بن كندر أمير مصر فقاتله فى بحيرة تنيس وأسره وتفرق عنه أصحابه، وفى سنة تسع وثلاثين ومائتين أمر المتوكل ببناء حصن على البحر بتنيس فتولى عمارته عنبسة بن اسحق أمير مصر وأنفق فيه وفى حصن دمياط والفرما مالا عظيما.

وفى سنة تسع وأربعين ومائتين عذبت بحيرة تنيس صيفا وشتاء ثم عادت ملحة صيفا وشتاء، وكانت قبل ذلك تقيم ستة أشهر عذبة وستة أشهر مالحة وفى سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وصلت مراكب من صقلية فنهبوا مدينة تنيس، وفى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة صيد بأشتوم تنيس حوت طوله ثمانية وعشرون ذراعا ونصف من ذلك، طول رأسه تسعة أذرع، ودائر بطنه مع ظهره خمسة عشر ذراعا، وفتحة فمه تسعة وعشرون شبرا وعرض ذنبه خمسة أذرع ونصف، وله يدان يجدف بهما طول

ص: 106

كل يد ثلاثة أذرع وهو أملس أغير غليظ الجلد مخطط البطن ببياض وسواد ولسانه أحمر، وفيه حمل كالريش طوله نحو الذراع يعمل منه أمشاط شبه الذبل، وله عينان كعينى البقر فأمر أمير تنيس أبو إسحق به فشق بطنه وملح بمائة أردب ملح ورفع فكه الأعلى بعود خشب طويل وكان الرجل يدخل إلى جوفه بقفاف الملح وهو قائم غير منحن وحمل إلى القصر حتى رآه العزيز بالله.

وفى ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الأول سنة تسع وسبعين وثلاثمائة شاهد أهل تنيس تسعة أعمدة من نار تلتهب فى آفاق السماء من ناحية الشمال فخرج الناس إلى ظاهر البلد يدعون الله تعالى حتى أصبحوا فخبت تلك النيران، وفيها صيد ببحيرة تنيس حوت طوله ذراع ونصفه الأعلى فيه رأس وعينان وعنق وصدر على صورة أسد ويداه فى صدره بمخالبه ونصفه الأدنى صورة حوت بغير قشر فحمل إلى القاهرة.

وفى سنة سبع وتسعين وثلاثمائة ولدت جارية بنتا برأسين أحدهما بوجه أبيض مستدير، والآخر بوجه أسمر فيه سهولة فى كل وجه عينان فكانت ترضعهما وكلاهما مركب على عنق واحد فى جسد واحد بيدين ورجلين وفرج ودبر، فحملت إلى العزيز حتى رآها ووهب لامها جملة من المال ثم عادت إلى تنيس وماتت بعد شهور.

وفى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وصل إلى تنيس من شوانى صقلية نحو أربعين مركبا فحصروها يومين وأقلعوا ثم وصل إليها من صقلية أيضا فى سنة ثلاث وسبعين نحو أربعين مركبا فقاتلوا أهل تنيس حتى ملكوها، وكان محمد بن إسحق صاحب الأصطول قد حيل بينه وبين مراكبه، فتحيز فى طائفة من المسلمين إلى مصلى تنيس، فلما أجنّهم الليل هجم بمن معه البلد على الفرنج وهم فى غفلة فأخذ منهم مائة وعشرين فقطع رءوسهم فأصبح الإفرنج إلى المصلى وقاتلوا من بها من المسلمين، فقتل من المسلمين نحو السبعين وسار من بقى منهم إلى دمياط فمال الإفرنج على تنيس وألقوا فيها النار فأحرقوها وساروا وقد امتلأت أيديهم بالغنائم والأسرى إلى جهة الإسكندرية بعد ما أقاموا بتنيس أربعة أيام.

ثم لما كانت سنة ست وسبعين وخمسمائة نزل فرنج عسقلان فى عشر حراريق على أعمال تنيس وعليها رجل منهم يقال له المعز فأسر جماعة وكان على مصر الملك العادل من قبل أخيه الملك الناصر صلاح الدين يوسف عندما سار إلى بلاد الشام، ثم مضى

ص: 107

المعز وعاد فأسر ونهب فثار به المسلمون وقاتلوه فظفرهم الله به وقبضوا عليه وقطعوا يديه ورجليه وصلبوه.

وفى سنة سبع وسبعين وخمسمائة انتدب السلطان لعمارة قلعة تنيس وتجديد الآلات بها عندما اشتد خوف أهل تنيس من الإقامة بها فقدّر لعمارة سورها القديم على أساساته الباقية مبلغ ثلاثة آلاف دينار من ثمن أصناف وآجر، وفى سنة ثمان وثمانين وخمسمائة كتب بإخلاء تنيس ونقل أهلها إلى دمياط فأخليت فى صفر من الذرارى والأثقال ولم يبق بها سوى المقاتلة فى قلعتها وفى شوّال من سنة أربع وعشرين وستمائة أمر الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب بهدم مدينة تنيس، وكانت من المدن الجليلة تعمل بها الثياب السرية وتصنع بها كسوة الكعبة.

قال الفاكهى فى كتاب أخبار مكة ورأيت كسوة مما يلى الركن الغربى يعنى من الكعبة مكتوبا عليها مما أمر به السرّى بن الحكم وعبد العزيز بن الوزير الجروى بأمر الفضل بن سهل ذى الرياستين، وطاهر بن الحسين سنة سبع وتسعين ومائة، ورأيت شقة من قباطى مصر فى وسطها إلا أنهم كتبوا فى أركان البيت بخط دقيق أسود مما أمر به أمير المؤمنين المأمون سنة ست ومائتين، ورأيت كسوة من كسا المهدى مكتوبا عليها «باسم الله بركة من الله لعبد الله المهدى محمد أمير المؤمنين أطال الله بقاءه» . مما أمر به إسمعيل بن إبراهيم أن يصنع فى طراز تنيس على يد الحكم بن عبيدة سنة اثنتين وستين ومائة ورأيت كسوة من قباطى مصر مكتوبا عليها باسم الله بركة من الله مما أمر به عبد الله المهدى محمد أمير المؤمنين أصلحه الله محمد بن سليمان أن يصنع فى طراز تنيس كسوة الكعبة على يد الخطاب بن مسلمة عامله سنة تسع وخمسين ومائة.

قال المسبحى

(1)

فى حوادث سنة أربع وثمانين وثلثمائة، وفى ذى القعدة ورد يحيى ابن اليمان من تنيس ودمياط والفرما بهديته، وهى أسفاط وتخوت وصناديق مال وخيل وبغال وحمير وثلاث مظال وكسوتان للكعبة، وفى ذى الحجة سنة اثنتين وأربعمائة وردت هدية تنيس الواردة فى كل سنة منها خمس نوق مزينة ومائة رأس من

(1)

انظر كتاب تاريخ المسلمين-لجرجس بن العميد بن أبى المكارم ط ليدن سنة 1625 م.

ص: 108

الخيل بسروجها ولجمها وتجافيف وصناعات عدة وثلاث قباب ديبقية بمراتبها ومتحرفات وبنود وما جرى الرسم بحمله من المتاع والمال والبز.

ولما قدم الحاكم استدعت أخته السيدة سيدة الملك إلى عامل تنيس عن الحاكم بأن يحمل مالا كان اجتمع قبله ويعجل توجيهه وقيل إنه كان ألف ألف دينار وألفى ألف درهم اجتمعت من أرياع البلد لثلاث سنين وأمره الحاكم بتركها عنده فحمل ذلك إليها وبه استعانت على ما دبرت، وفى سنة خمس عشرة وأربعمائة ورد الخبر على الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله أبى هاشم على بن الحاكم بأمر الله، أن السودان وغيرهم ثاروا بتنيس وطلبوا أرزاقهم وضيقوا على العامل حتى هرب، وأنهم عاثوا فى البلد وأفسدوا ومدوا أيديهم إلى الناس وقطعوا الطرقات وأخذوا من المودع ألفا وخمسمائة دينار فقام الجرجراى وقعد وقال كيف يفعل هذا بخزانة السلطان وساءنا فعل هذا بتنيس وبيت المال وسير خمسين فارسا للقبض على الجناة، وما زالت تنيس مدينة عامرة ليس بأرض مصر مدينة أحسن منها ولا أحصن من عمارتها إلى أن خربها الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر بن أيوب فى سنة أربع وعشرين وستمائة فاستمرت خرابا ولم يبق منها إلا رسومها فى وسط البحيرة وكان من جملة كورة تنيس بورا ومنها وإيوان وشطا وبحيرتها الآن يصطاد منها السمك وهى قليلة العمق يسار فيها بالعادى وتلتقى السفينتان هذه/صاعدة وهذه نازلة بريح واحدة، وقلع كل واحد منهما مملوء بالريح وسيرهما فى السرعة مستو وبوسط البحيرة عدة جزائر تعرف اليوم بالعزب جمع عزبة بضم العين المهملة وزاى ثم موحدة سكنها طائفة من الصيادين وفى بعضها ملاحات يؤخذ منها ملح عذب لذيذة ملوحته وماؤها ملح وقد يحلو أيام النيل انتهى بحروفه.

وقال الكندى: بتنيس ثياب الكتان الديبقى والمقصور الشفاف والأردية وأصناف المناديل الفاخرة للأبدان والأرجل والمخاد والفرش المعلم والطراز يبلغ الثوب المقصور منها خمسمائة دينار وأقل وأكثر، ولا يعلم فى بلد ثوب يبلغ مائتى دينار فما فوقها وليس فيه ذهب إلا بمصر، وقد أخبرنى بعض وجوه التجار أنه بيع حلتان دمياطيتان بثلاثة آلاف دينار انتهى.

وقال صاحب كتاب «نشق الأزهار» نقلا عن محمد بن أحمد بن بسام أن تنيس

ص: 109

من الإقليم الرابع طيّبة الهواء يندر بها الأمراض الوبائية، ويقال أن من يدفن بها من الأموات لا يبلى جسمه إلا بعد البط ء ويبقى شعره، وفى تنيس كثير من السمك والطير وأهلها يخزنون الماء فى صهاريج فيبقى زمنا طويلا ولا يتغير، وطول المدينة من الجنوب إلى الشمال ثلاثة آلاف ومائتان وسبع وعشرون ذراعا كبيرة، وعرضها من الشرق إلى الغرب ثلاثة آلاف وخمس وثمانون ذراعا كذلك وطول سورها ثلاثة آلاف ومائتان وسبعون ذراعا ولها تسعة عشر باب مصفحة بالحديد، وبها جامع طوله مائة ذراع وعرضه إحدى وسبعون ذراعا، ويوقد فيه كل ليلة ألف وثمانمائة قنديل، وبها غير هذا الجامع مائة وستون جامعا صغيرا كلها بمنارات وبها اثنتان وسبعون كنيسة، وستة وثلاثون حماما، ومائة معصرة للزيت، ومائة وست وستون طاحونا ومخبزا وخمسة آلاف منسج لنسج الأقمشة وقد هدم الحاكم كنائسها وبنى محلها مساجد.

وفى المقريزى عند ذكر دخول النصارى من قبط مصر فى طاعة المسلمين أنه لما مات سعيد بن بطريق بطرك الإسكندرية على الملكية فى يوم الاثنين آخر شهر رجب سنة 328 بعد ما أقام البطركية سبع سنين ونصفا فى شرور متصلة بعث الأمير أبو بكر محمد بن طغج الأخشيد أبا الحسن من قوّاده فى طائفة من الجند إلى مدينة تنيس، حتى ختم على كنائس الملكية وأحضر آلاتها إلى الفسطاط وكانت كبيرة جدا فافتكّها الأسقف بخمسة آلاف دينار باعوا فيها من وقف الكنائس.

وفى تاريخ بطارقة الاسكندرية قيل إنه كان بتنيس عدة من شبان المسلمين خارجون عن طاعة الأمير يجبون من الأهالى جبايات وينهبون البيوت ويفعلون أفعالا قبيحة فأرسل المعز عسكرا القتال المدينة بناء على شكوى النصارى فقاومت العصاة العسكر ثم التجئوا للدخول تحت الطاعة بسبب قلة الماء العذب، فدعا أمير الجيش العصاة بعد المعاهدة وجعل لهم إكراما ثلاثة أيام وأهدى لكل واحد منهم خلعة وعشرة دنانير وكان عددهم مائة، ثم أمر بشنقهم جميعا فشنقوا على سور المدينة، وبعد ذلك هدم الأسوار جميعها.

وفى التاريخ المذكور حصل بمصر وباء كبير خرب مدينة تنيس حتى لم يبق بها غير مائة من سكانها.

وقال ابن حوقل إن بتنيس تلال من جثث الأموات بعضها فوق بعض يسمونها

ص: 110

بطونا ويظهر أنها من قبل موسى عليه السلام لأن دفن الأموات كان عادة للمصريين من قبله، وهكذا جرت عادة النصارى من بعده ووافقهم المسلمون فى ذلك،، والجثث المذكورة ملفوفة فى أكفان من القماش الغليظ وقحوفهم وعظامهم على غاية من الحفظ إلى يومنا هذا.

وقال كترمير إن من اختصر هذا الكلام من العجم غير كلمة بطون بكلمة تركوم، وتنبه لهذا الخطأ العالم دساسى وترجمها بكلمة كوم وعبر المسعودى عن ذلك بكلمة أبو الكوم، وعبر المقريزى فى خططه بذات الكوم وقال كترمير إن الأصح ما ذكره ابن حوقل، وهى كلمة بطون وأنها كلمة قبطية ومعناها محل الدفن.

وقال بعض مؤرخى الفرنج إن تنيس كانت مدينة عظيمة ولها أسوار تحيط بها وفيها أبراج ولها خندق مملوء بالماء وهى الآن خراب، وفيها بعض آثار الحمامات، وبواقى عقود مطلية بطلاء صلب فى غاية الحفظ، ولا يوجد بها غير ذلك إلا تلول بها كثير من الطوب وشقاف من الصينى والفخار والزجاج الملون بكل لون، وأهل البلاد المجاورة يأخذون منها النافع فى مبانيهم ويشاهد فيها أثر خليج قديم كان يمر فى وسطها.

وذكر بعض الفرنج أن هذه المدينة فى محل بوكولى القديمة ولم يوافقه كترمير على ذلك وقال: إن كلمة تنيس كلمة رومية معناها الجزيرة وشرح أبو الفداء بحيرتها، فقال: إن هناك فرعا من النيل ينقسم إلى بحيرتين، بحيرة تنيس وبحيرة دمياط تتصل إحداهما بالأخرى وهما بقرب البحر، والشرقية منهما هى بحيرة تنيس، والغربية بحيرة دمياط وفيها يصب خليج أشموم، وبحيرة تنيس متسعة جدا وماؤها يعذب عند الزيادة ويملح وقت التحاريق وليست عميقة وتمشى فيها المراكب بالمجاديف، ومدينة تنيس فى وسطها وطولها أربعة وخمسون درجة ونصف وعرضها ثلاثون درجة /ونصف، وفى بعض عباراته أن طول تلك البحيرة إقلاع يوم فى عرض نصف يوم.

وقال الإدريسى: إن هذه البحيرة على بحيرتين إحداهما بحيرة زار والأخرى بحيرة تنيس، وقال ابن حوقل: إن الدرفيل يوجد فى هذه البحيرة وهو حيوان بحرى يشبه القربة المنفوخة يهوى سكنى البحر الرومى والملاحون يقولون إن له إدراكا عجيبا

ص: 111

ومتى رأى إنسانا فى خطر الغرق يأتى إليه ويحمله حتى يوصله إلى البر أو الماء القليل.

وقال صاحب (نشق الأزهار) إن فى بحيرة تنيس ثلثمائة وستين نوعا من السمك يظهر فى كل يوم من السنة نوع منها ولكل نوع اسم يخصه، وخليل الظاهرى يسمى بحيرة تنيس (بحيرة المنزلة) وهو الاسم الذى تعرف به الآن.

وقال الإدريسى إن بحيرة تنيس جملة جزائر منها نيلية وتونة وسمنة وحصن علم وأضاف إلى ذلك ابن حوقل شطا ودابق، وكانت قرية تونة يعمل بها طراز تنيس، ومن جملة طرازها كسوة الكعبة أحيانا قال الفاكهى: ورأيت أيضا كسوة لهارون الرشيد من قباطىّ مصر مكتوبا عليها «بسم الله بركة من الله للخليفة الرشيد عبد الله هارون أمير المؤمنين أكرمه الله مما أمر به الفضل بن الربيع أن يعمل فى طراز تونة سنة تسعين ومائة، قال وقرية سمنة غلبت عليها بحيرة تنيس فصارت جزيرة فلما كان شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وثمانمائة هجرية انكشف فى مكانها حجارة وآجرّ فإذا عضادات زجاج كثيرة مكتوب على بعضها اسم المعز لدين الله وعلى بعضها اسم العزيز بالله نزار، ومنها ما عليه اسم الحاكم بأمر الله، ومنها ما عليه اسم الظاهر لإعزاز دين الله، ومنها ما عليه اسم المستنصر بالله وهو أكثرها أخبرنى بذلك من شاهده.

وفى كتاب السلوك للمقريزى أنه حصل فى سنة ثمانمائة وعشرين من الهجرة عصيان قوىّ فى دمياط سببه صيادون من أهالى سمنة وكان بين تنيس ودمياط قرية يقال لها قرية بورى وإليها ينسب السمك البورى، وينسب إليها أيضا بنو البورى الذين كانوا بالقاهرة والاسكندرية وفى سنة 610 وصل العدو إليها بشوانيهم فسبوها فقدمت إليها القطائع التى كانت على ثغر رشيد فسار عنها العدو انتهى.

(فائدة)

ابن بطلان المار الذكر فى كلام المقريزى هو كما فى كتاب دائرة المعارف للمعلم بطرس البستانى المختار بن الحسن كان طبيبا نصرانيا بغداديا مشوّه الخلقة غير أنه فضل فى علم الأوائل، وكان يرتزق بصناعة الطب وخرج من بغداد إلى الموصل ودياربكر ودخل حلب وأقام بها مدة ولم تعجبه فخرج منها إلى مصر فأقام بها مدة يسيرة، واجتمع بابن رضوان المصرى الفيلسوف فى وقته وجرت بينهما منافرات

ص: 112

أحدثتها المناظرة ثم خرج من مصر مغضبا على ابن رضوان وورد أنطاكية وأقام بها وكثرت أسفاره ثم غلب عليه الانقطاع فنزل بعض الأديرة فى أنطاكية وانقطع للعبادة إلى أن توفى، وصنف تصانيف مفيدة منها، كتاب تقويم الصحة وكتاب دعوى الأطباء، ورسالة فى اشتراء الرقيق، وأخرى فى ذم ابن رضوان يشير فيها إلى جهله بما يدعيه من علم الأوائل ورتبها على سبعة فصول، وتوفى سنة أربع وأربعين وأربعمائة هجرية انتهى ملخصا من تاريخ غريغوريوس (جريجوريوس) المالطى.

وأما ابن وصيف شاه فهو كما فى بعض الكتب الإفرنجية إبراهيم بن وصيف شاه له تاريخ على مصر يسمى: جواهر البحور ووقائع الأمور وعجائب الدهور. انتهى.

ولم أجد له فى كشف الظنون ولا غيره تاريخ ولادة ولا موت ولا من أىّ بلد هو.

(تونة)

قال فى مشترك البلدان هى جزيرة قرب يعيس من نواحى مصر من فتوح عمير بن وهيب ينسب إليها عمر بن أحمد التونى حدث عنه محمد بن إسحق بن منده الحافظ وسالم بن عبد الله التونى يروى عن عبد الله بن لهيعة انتهى.

وفى القاموس: تونة بهاء جزيرة قرب دمياط وقد غرقت، منها عمر بن أحمد وعمرو ابن علىّ وسالم بن عبيد الله وعبد المؤمن بن خلف انتهى.

قلت: وفى الصعيد الأوسط بلدة فى غربى الأشمونين تسمى تونة الجبل من مديرية أسيوط بقسم ملوى فى حاجر البلد الغربى غربى ترعة تنسب إليها مجعولة لرى أراضيها خاصة فمها من البحر اليوسفى عند ناحية الذروة ويؤخذ من مؤلفات استرابون أنها فى موضع مدينة بانيس القديمة الباقية آثارها إلى اليوم، وبهذه القرية عدة مساجد أحدها بمنارة وبداخله ضريح ولىّ الله حماد التونى مشهور يزار وفيها نخيل كثير، وجبانتها فى حاجر الجبل الغربى، وفى جنوبها الشرقى قرية السواهجة على بعد ألفى متر فوق البحر اليوسفى، وفى شمالها الشرقى قرية نواى على بعد أربعة آلاف متر.

(التيتلية)

قرية من أعمال أسيوط بقسم منفلوط شرقى الجبل الغربى على

ص: 113

بعد ثمانمائة متر وبحرى جسر بنى رافع بنحو سبعمائة متر، وغربى ناحية بنى رافع بنحو خمسة آلاف متر، وفى شمال بنى كلب بنحو سبعة آلاف وخمسمائة متر وبها جامع وأبراج حمام وقليل نخيل.

(تيرة)

بليدة بمديرة الغربية من قسم المحلة الكبرى شرقى بحر تيرة بقليل، وفى غربى نبروه بنحو ستة آلاف متر، وفى الجنوب/الشرقى لبشبيش بنحو أربعة آلاف وسبعمائة متر وبها جامع وقليل أشجار.

[حرف الثاء]

(الثعبانية)

قرية من مديرية الغربية بقسم سمنود على الشط الغربى لفرع دمياط، وفى الشمال الشرقى لمدينة سمنود بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى شرقى محلة خلف بنحو ألف وثلثمائة متر، وبها جامع وفى بحريها حديقة لعمدتها الحاج بدوى غنيم وبعض منازلها على دورين من الآجر والمونة.

ص: 114

[حرف الجيم]

(الجاولى)

بلدة من مديرية أسيوط بقسم منفلوط فى غربى البحر الأعظم على قرب منه وقبلى ناحية الحواتكة والإبراهيمية تمر فى غربيها ويزرع بها قليل من قصب السكر والنيلة، وفيها مساجد وكنيسة ومكاتب لتعليم الأطفال ونخيل وبساتين، وفيها كثير من أنواع الأشجار.

‌ترجمة الشيخ محمد الجاولى

والظاهر أن الشيخ محمد الجاولى ينسب إلى هذه القرية، وقد وصفه الشعرانى فى طبقاته بأنه الشيخ الكامل الإمام الراسخ الأمين على أسرار المعارف العارف بالله تعالى والداعى إليه، الوارث الربانى النورانى الفرقانى العيانى، ذو المؤلفات الجليلة والصفات الحميدة والألفاظ الرشيقة، والمعانى الدقيقة، من شاع علمه فى أقاليم مصر وذاع.

ومن كراماته وصفاته قد شرفت البقاع، ومن يكل لسان واصفيه فى بيان أوصافه الزكية وشيمه المرضية الشيخ محمد الجاولى رضي الله عنه، قال صحبته مدة فما رأيت عليه شيئا يشينه فى دينه بل تربى فى حجر الأولياء على وجه اللطف والدلال كما قال الأستاذ سيدى على بن وفا رضي الله عنه:

فما عرفنا ولا ألفنا

سوى الموافاة والوصال

مات بمكة سنة نيف وثلاثين وتسعمائة رضي الله عنه.

(جبرو منسينة)

اسم قبطى قال كترمير هذه القرية تعرف فى تاريخ بطارقة الإسكندرية باسم شبرى منسينة وذكرت أيضا باسم أروات، وسيأتى الكلام عليها فى الشبراوات وكذلك جبر وناتينى فإنه اسم قبطى ذكر فى سيرة البطريق إسحق،

ص: 115

وكان علما على القرية المعروفة شبراتينى من مديرية الغربية وستأتى فى الشبراوات أيضا.

‌ترجمة كترمير

(فائدة)

فى قاموس جوغرافية الأفرنجى أن كترمير المذكور عالم فرنساوى مشهور ولد فى سنة ألف وسبعمائة واثنتين وثمانين ميلادية، ومات سنة ألف وثمانمائة وسبع وخمسين وهو من مدينة باريس ومات أبوه مقتولا سنة سبعمائة وثلاثة وتسعين، كان كترمير يدرس فى اللغة العبرية والسريانية سنة ألف وثمانمائة وتسع عشرة، وله كتب فى لغة القبط، وعلى جغرافية مصر القديمة ورسائل شتى، وترجم تاريخ مصر فى زمن السلاطين المماليك، ومقدمة ابن خلدون ورسائل على السبطين وغير ذلك وهو من تلامذة دساسى، ولما مات دساسى خلفه فى تدريس اللغة الفارسية فى دار الألسن المشرقية سنة ألف وثمانمائة وثمان وثلاثين.

وقال فى ترجمة دساسى إنه ولد فى سنة ألف وسبعمائة وثمان وخمسين بمدينة باريس، ومات سنة ألف وثمانمائة وثمان وثلاثين تعلم دساسى الألسن المشرقية من غير معلم وتنقل فى جملة وظائف وفى سنة سبعمائة وخمس وتسعين تعين لتدريس العربى فى المدرسة المشرقية، وذلك أول ظهور العربى بباريس، ثم فى سنة ثمانمائة وست أضيف إليه تعليم الفارسى وإليه ينسب تأسيس الجمعية المشرقية وله رياستها، وفى سنة اثنتين وثلاثين تعين فى الكتبخانة الكبرى وكان له علم بما ينيف عن عشرين لغة منها العربى والفارسى والتركى والعبرانى والسريانى وله مؤلفات.

(الجبلاو)

قرية صغيرة من قسم قنا أهلها عرب وهى نزلتان موقعهما بحوض الجبلاو، وفى أول الجبل الشرقى وطريق القصير تمر فى شرقيها بقرب وبينها وبين النيل قدر ثلث ساعة ولها كغيرها من البلاد القريبة من قنا شهرة باقتناء الجمال بسبب قربها من قنا التى كانت سابقا تخرج منها الذخيرة للأقطار الحجازية، وكان حملها وإيصالها إلى القصير مخصصا بنواحى مديريات قنا وجرجا وأسيوط بأجرة يأخذونها من الميرى فكانت أهالى البلاد البعيدة يؤجرون الجمال فى بندر قنا بأجرة قدر أجرة

ص: 116

الميرى أو أكثر فكان الجمال يأخذ الأجرتين معا؛ ولذا كانت أهالى قنا والبلاد القريبة منها تكثر من اقتناء الإبل لما فيها من الأرباح.

(الجديه)

قرية صغيرة فى آخر بلاد مديرية البحيرة من الجهة البحرية من أعمال بلاد الأرز على الشاطئ الغربى لبحر رشيد فى قبلى رشيد على نحو ساعة، وفى شمال ناحية الشماس والحمايدة بنحو ساعة وربع، وأبنيتها بالآجر وبها جامع، وفى رمالها جملة نخيل وأرض صالحة لزرع نحو البطيخ والشمام وبها كروم عنب وفى أطرافها برك ينبت فيها أسمار الحصر وتكسب أهلها من الزرع من عمل الحصر.

‌ترجمة الشيخ حسن الجداوى

وقد نشأ منها بعض العلماء ففى تاريخ الجبرتى إن منها الفاضل الشهير والعالم الكبير صاحب التحقيقات الشيخ حسن بن غالى الجداوى المالكى الأزهرى، ولد بها سنة ثمان وعشرين ومائة وألف، وقدم الأزهر فتفقه على بلديه شمس الدين محمد الجداوى وعلى أفقه المالكية فى عصره السيد محمد بن السلمونى، وحضر على السيد البليدى والشيخ الصعيدى، وتصدى للتدريس والإفتاء فى حياة شيوخه وألف رسائل وحواشى، وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزة جربجى ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية، وكان ينزل ببلده كل سنة ويجتمع عليه أهل الناحية ويفصلون على يده قضاياهم وأنكحتهم ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة إلى أن يحضر عندهم، ولم يزل على حاله إلى أن توفى فى آخر شهر ذى الحجة من سنة اثنتين ومائتين وألف ودفن عند شيخه محمد الجداوى رحمهما الله تعالى.

‌ترجمة الشيخ محمد شنن

ومنها الشيخ محمد شنن تولى مشيخة الأزهر بعد الشيخ عبد الباقى القلينى وأعقبه فى المشيخة الشيخ إبراهيم بن موسى المالكى المتوفى سنة سبع وثلاثين بعد المائة والألف وهو آخر من تولى مشيخة الأزهر من المالكية، انتهى.

ص: 117

(جرجا)

مدينة قديمة بالصعيد على الشاطئ الغربى للبحر الأعظم قبلى أسيوط بمسافة يومين وهى بجيم فراء مهملة فجيم فألف مقصورة كما هو المتعارف بين العامة، وفى بعض كتب الافرنج أنها أخذت هذا الاسم من اسم مارى جرجس أحد مقدسى النصارى، والذى فى كتب التواريخ والوثائق القديمة أنها دجرجا بدال مهملة قبل الجيم، قال فى (مراصد الاطلاع): دجرجا بفتح الدال المهملة، فكسر الجيم فسكون الراء فجيم فألف بلدة بالصعيد انتهى.

وهى من أشهر مدن الصعيد سيما فى الأزمان السابقة فإنها كانت مدينة الصعيد قبل شهرة أسيوط وهى رأس مديريتها وإن كان ديوان المديرية انتقل الآن إلى سوهاج لكن الاسم لم يزل لجرجا، وبها عدة جوامع نحو العشرين تشبه جوامع القاهرة منها جامع كانت حيطانه بالقيشانى ويعرف بجامع الصينى، ومنها جامع يعرف بالجامع المعلق تحته حوانيت يباع فيها العطريات ونحوها وبها جميع أنواع المتاجر المصرية والأروباوية والسودانية والحجازية وغيرها.

وبها عدة أسواق وحوانيت وخانات وقهاو وخمارات وحمام ودورها مبنية غالبا بالطوب الأحمر والبياض والزجاج على طبقتين وثلاثة، وبها عدة مخابز منها مخبز للبقسماط الأبيض كان يأخذ منه الحجاج وقت أن كانوا يكثرون سلوك طريق القصير، وكان ذلك من أسباب ثروتها ومن حين قلة سلوك هذه الطريق نقصت شهرتها، وبها من قديم الزمان صنائع شتى مثل صنعة الجلود تعمل منها مخدات نفيسة وسفر للأكل برسومات متنوعة وصنعة النجارة فى غاية الدقة والإتقان وأكثر أهل هذه الصنعة أقباط.

وفى زمن العزيز محمد على كان قد توجه عليها البحر فأكل أكثرها وذهب فى ذلك كثير من الجوامع الفاخرة والقيساريات والحمامات والدور والخانات.

وفى زمن الخديوى إسمعيل باشا عملت لها الطريقة المستلزمة لحفظها فرمى فى ذلك المحل مقدار عظيم من الدبش فتحول البحر عنها، وهى مشهورة بالعلماء الأعلام من قديم الزمان ما بين مؤلف ومدرس وقاض ومفت.

ص: 118

‌ترجمة الشيخ خالد المعروف بالوقاد

ومن علمائها كما (فى الضوء اللامع)

(1)

الشيخ خالد بن عبد الله بن أبى بكر الشافعى النحوى المعروف بالوقاد، ولد تقريبا سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بهذه البلدة وتحول وهو طفل مع أبيه إلى القاهرة فقرأ القرآن وفقه الشافعى والعربية والمنطق والأصول، ومن مشايخه الشمنى والمناوى والجوجرى والعجلونى ولازم تغرى بردى القادرى فقرره فى المسجد الذى بناه الدوادار بخان الخليلى ومشى حاله به وبغيره قليلا، ونزل فى سعيد السعداء وغيرها وشرح الآجرومية وغيرها وكتب على التوضيح لابن هشام وهو إنسان خير انتهى.

ولم يذكر تاريخ موته فى النسخة التى بيدنا، ومن أكبر علمائها الشيخ الأصيلى شارح متن خليل المالكى ومن ذريته الشيخ الأصيلى أحد علماء الأزهر.

‌ترجمة الشيخ عبد الجواد

ومن أجلهم أيضا العمدة الفاضل والملاذ المبجل المرحوم الشيخ عبد الجواد بن محمد بن عبد الجواد الأنصارى الجرجاوى، من بيت الفضل والثروة مالكى الجدود، كان من أهل المآثر فى إكرام الضيوف والوافدين له حسن توجه إلى الله وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلو القرآن والأحزاب وورد مصر مرارا وفى آخر عمره انتقل إليها بعياله واشترى منزلا واسعا بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد فى دروس العلماء مع إكرامهم، ثم توجه إلى الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات فقتلوه غيلة فى سنة ألف ومائتين وأربعة، انتهى.

‌ترجمة الشيخ عبد المنعم جبرتى

وهو من عائلة بيت الأصيلى ومن أجل علمائها أيضا شيخ المشايخ الشيخ عبد المنعم رحمه الله كان قرينا للشيخ الدردير والشيخ الأمير ومعاصرا لهما.

(1)

الضوء اللامع للسخاوى 3/ 171 ط. المقدسى سنة 1354 هـ القاهرة.

ص: 119

ومن تلامذته العلامة الشيخ محد المصرى المالكى كان قرينا للشيخ الأمير الصغير، وكان يدرس بجرجا الكتب الكبيرة مثل المطوّل والأطول والبخارى، والعلامة الشيخ الصاوى صاحب الحاشية على الشرح الصغير للشيخ الدردير فى مذهب مالك، وكان يدرس بها الفقه وغيره، ومنها العالم الفاضل الشيخ إسمعيل الجرجاوى والد الشيخ حسن الجرجاوى الشهير بالقاهرة.

والشيخ عبد المنعم المتوفى بالقاهرة أيضا من نحو عشر سنين وإلى الآن بها علماء ودروس منتظمة وأشراف وأمراء مشهورون.

وبها للميرى مصالح عديدة من ذلك شونة لمهمات الميرى من غلال ونحوها، وديوان المديرية بجميع لوازمه، وقشلاق للعساكر والصناجق ومحل المجلس والحكيم والمهندس والمحكمة الشرعية، وهى ولاية كبيرة قاضيها مأذون بتحرير الحجج وسماع الدعاوى عموما، ولكن بعد انتقال المديرية إلى سوهاج صار عقد بيع الأطيان ممنوعا فيها، لأنه لا يكون إلا بحضرة المدير أو وكيله، ومثلها محكمة طهطا ويقرب منهما محكمة أخميم ومحكمة برديس ومحكمة طما وكان بها فوريقة لنسج القطن من إنشاء العزيز محمد على باشا استعملت مدة ثم بطلت وآثارها باقية إلى الآن.

وكانت جرجا سابقا كثيرة العقارب والبراغيث بسبب كثرة أسباخها ورداءة هوائها وقد قل ذلك الآن بواسطة وجود الحكماء وإدامة النظافة فى الحارات والشوارع وإزالة التلول.

وبها مقام الشيخ أبى عمرة شهير يزار وله جامع متسع جدا قد هدم بنية تجديده وإلى الآن لم يجدد، وكان العازم على تجديده حميد بيك أبو ستيت البرديسى مدير جرجا سابقا بمعونة بعض أكابر تلك الجهة وقد منعته عن ذلك صروف الزمان وله مولد حافل كل سنة، وسوقها العمومى كل يوم خميس يباع فيه كل شئ سيما السمن فإنه يوجد هناك كثيرا ويكون فيها رخيصا، وخارج البلد من الجهة القبلية وابور عمله بعض أمرائها لسقى المزارع ثم تركه، وأشجار وبساتين ممتدة إلى قريب من برديس، وفى شمالها حديقة يفصل بينها وبينها فم ترعة حوض المنشاه المشهورة بترعة العسيرات، وفى غربيها ترعة الزرزورية التى فمها عند ترعة الكسرة وتروى حوض

ص: 120

الحميدى وحوض العسيرات وعرابة أبى كريشة، ومن جرجا إلى الجبل الغربى مسافة نحو ثلاث ساعات على جسر البربا: وهى قرية صغيرة بقية بلدة قديمة كانت لها الشهرة هناك قبل ظهور مدينة جرجا، وبجوار البربا من الجهة البحرية قنطرة بخمس عيون تأخذ من ترعة الزرزورية لرى حوض العرابة والعسيرات، ومن البربا إلى الجبل جسر يقسم حوض العربات.

وفى شمال مدينة جرجا ناحية بندار بأكثر من نصف ساعة فيها أبنية مشيدة لعمدتها عيسى أبى سلطان تولى الحكم مدة وفى مقابلة بندار يكون الجبل الشرقى قريبا من البحر فيرد الريح على مدينة جرجا فيغير اعتدال هوائها، وعند العسيرات يقرب الجبل من البحر جدا.

ثم إن فى كثير من كتب التواريخ أن مدينة جرجا كانت من قديم الأزمان محلا لإقامة الصناجق والأمراء وخصوصا العاصين منهم، وكان حاكمها ينزل من القاهرة فيحكم فيها وفى بلاد هوارة المجاورة لها والبعيدة عنها بل كان له التكلم على أهل الواحات القبلية والوادى الكبير الذى فى طريق القافلة السودانية، وفى رأس المائتين بعد الألف كان ذلك الوادى قليل السكان، وكان حاكم جرجا يبعث إليه من طرفه من يحكمه ويجمع أمواله، وكانت قبل ذلك تحت حكم مشايخ العرب كغيرها من بلاد الصعيد.

ففى ابن إياس: إنه لما انكسر السلطان طومان باى فى وقعة المطرية التى كانت بينه وبين ابن عثمان وقتل أكثر عساكره وفر هو بنفسه، صعد فى الجهات القبلية حتى وصل إلى جرجا، والحاكم فيها يومئذ شيخ العرب على بن عمر شيخ هوارة فخرج إلى السلطان طومان باى ومنعه من دخولها ولم يضيفه. وقال له: لا نؤوى من عصى السلطان لئلا نبتلى ببلائه. انتهى، وكان ذلك فى سنة نيف وعشرين بعد التسعمائة.

وقد رأيت فى كتاب لم أقف على اسمه ولا اسم مؤلفه أن أولاد عمر طالت مدة حكمهم بعد ذلك فى بلاد الصعيد، فإن فيه أنه كتب للحكام بالصعيد الأعلى فى أواخر ذى الحجة سنة 983 لولاية الباشا سليمن الاقليم ما صورته «صدر هذا المرسوم إلى مفاخر القضاة والحكام معادن الفضل والكلام حكام الشرع الشريف بجرجا والسيوطية وقنا زيدت فضائلهم وأكابر المشايخ المعتبرين والعمال والكتاب والمباشرين

ص: 121

يتضمن إعلامهم ليس بخاف عنهم أن مشيخة الصعيد الأعلى كانت فى تصرف أولاد العرب وضبطهم والتزامهم بالمال والغلال أبا عن جد مدة مديدة، ولما حصل منهم الأفعال المخالفة المترتب عليها تخلخل نظام الإقليم وقلة الاهتمام بالأموال السلطانية والغلال الديوانية وكثرة البواقى التى لا تعد ولا تنحصر، والتقصير فى ضبط المال والغلال والجبايات الظاهرة وحصول الخسارة الزائدة والظلم المترادف لعامة الرعايا وكافة البرايا، وكل من رأوا عنده فرسا جيدة أو عبدا نقيا أخذوه منه جبرا وقهرا ولا يقدر على منعهم من ذلك كبير ولا صغير والحضرات السلطانية خلدت خلافتها تأبى ذلك وليس لها رضا بأدنى شئ من ذلك وبسبب ذلك منعوا ورفعوا من الإقليم.

ومن جملة خبث أفعالهم عدم اهتمامهم بجرف الجسور وتعطيلها وخراب القناطر وإبطالها وذلك كله مما يؤدى لخراب البلاد وضرر العباد وضياع أوقاف المسلمين وتعطيل الجوامع الإسلامية والمدارس الدينية، فكان منعهم ورفعهم من الإقليم فرضا لازما/وعين للولاية المذكورة لأجل عماريتها وتوطين رعاياها وجرف جسورها وإتقان قناطرها وحفظ الأموال السلطانية والغلال الديوانية وردع المفسدين وقطاع الطريق والسّراق بمقتضى الشرع الشريف والقانون المنيف.

قدوة الأمراء الكرام، وعمدة الكبراء الفخام، ذى القدر والاحترام، المخصوص بعناية الملك المنان، أمير اللواء الشريف السلطانى الأمير سليمن أمين ولى حكم الصعيد الأعلى دام عزه على أن يكون متصرفا فى جميع ما كان يتصرف فيه أولاد عمر، فلازم نفوذ كلمته وامتثال أوامره، وبذل الجد والاجتهاد فى تحصيل الأموال السلطانية والغلال الديوانية على المنهج القويم، والقانون المستقيم فإنه حاكم الإقليم، مقبول الكلام لا يخرج عنه من مصالح الإقليم ذرة كل ذلك على العوائد القديمة المعتبرة وعرف البلاد، وليس بخاف عنه ما اشتملت عليه الشيم الشريفة الخاقانية من حب العدل والميل إليه وبغض الظلم وعدم الركون إليه، وميل الحضرات السلطانية بالمحبة إلى كل من اشتهرت أحكامه بالعدل وانتسب إليه فإن الحضرات السلطانية خلدت خلافتها لا ترضى بأدنى ظلم يحصل الفرد من أفراد الرعايا فيتعين على قدوة الأمراء الكرام سليمن بيك المومى إليه أن ينشر معدلته فى الإقليم، حتى يتصل ذلك بمسامع الحضرات السلطانية، فيكون ذلك سببا له فى كل خير عميم بحيث

ص: 122

يلهج بذلك ألسنة الرعايا ومشايخ عرب هوارة وغيرهم لما نالهم من العدل والأمان وعدم الجور والظلم وحسن الاطمئنان، ونرجو بذلك بياض الوجه عند الحضرات السلطانية والترقى إلى أعلى درجة ينالها أصحاب الألوية الخاقانية، فليبنل الجد والاجتهاد والعمل إن شاء الله تعالى بما فيه بلوغ القصد والمراد فليعتمد تحريرا، انتهى.

وقد تكلم المقريزى فى (رسالة البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب) على نسب هوارة ونزولهم بناحية جرجا فقال بعد كلام طويل: والأشبه بالصواب أن هوارة من ولد هوار بن أوريغ بن برنس بن صرى بن وجبك بن مادغس بن بر بن بديان بن كنعان بن حام بن نوح، وهوارة تتناسب بطونها وأصل ديارها من آخر عمل سرت إلى طرابلس، ثم قدم منهم طوائف إلى أرض مصر ونزلوا بلاد البحيرة وملكوها من قبل السلطان، وهوارة التى ببلاد الصعيد أنزلهم الظاهر برقوق وأبوه إنصو بعد وقعة بدر ابن سلام هناك فى سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة تخمينا بل فى سنة خمس وثمانين وسبعمائة وذلك أنه أقطع إسمعيل بن مارن من هوارة ناحية جرجا وكانت خرابا فعمروها وأقاموا بها حتى قتله على بن غريب، فولى بعده عمر بن عبد العزيز الهوارى حتى مات، فولى بعده ابنه محمد المعروف بأبى السنون وفخم أمره وكثرت أمواله فإنه أكثر من زراعة النواحى وأقام دواليب السكر واعتصاره حتى مات، فولى بعده أخوه عمر بن يوسف، انتهى.

وفى تاريخ الجبرتى أنه كان بها فى شهر رجب من سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وقعة بين الفرنساوية ورجل من المغاربة يقال له الشيخ الكيلانى؛ كان مجاورا بمكة والمدينة وحاصل ذلك أنه لما وردت أخبار الفرنسيس إلى الديار الحجازية، وأنهم ملكوا مصر انزعج أهل الحجاز لذلك وصار الشيخ المذكور يعظ الناس ويدعوهم إلى الجهاد ويحرضهم على نصرة الحق والدين وقرأ لهم كتابا مؤلفا فى ذلك فاتعظ جملة من الناس وبذلوا أموالهم وأنفسهم واجتمع معه نحو ستمائة من المجاهدين وركبوا البحر إلى القصير، وانضم معهم جملة من أهل ينبع وجاءوا إلى تلك الجهة وانضم إليه أيضا جملة من هوارة الصعيد والمغاربة والأتراك والغز وحاربوا الفرنسيس بالناحية المذكورة فلم تثبت الغز كعادتهم بل انهزموا وتبعتهم هوارة الصعيد، ومن اجتمع معهم من القرى والبلدان وثبت أهل الحجاز ثم انكفوا لقلتهم ووقع بين الحجازيين

ص: 123

والفرنسيس بعض حروب بعدة مواضع غير هذه الناحية وينفصل الفريقان بدون طائل، انتهى.

(الجردات) قرية من مديرية البحيرة بقسم دمنهور فى الجنوب الشرقى لمحطة السكة الحديد التى عند أبى حمص، وفى جهتها الغربية جامع أنشأه ناظر المالية سابقا إسمعيل باشا وله بها دوار متسع ومخازن، وبحرى الجامع له منزل مشيد يقيم به ناظر الزراعة وديوان وقصر على دورين بداخله جنينة فيها رياحين وثمار، وفى غربيها جنينة كذلك ووابور لسقى المزروعات على ترعة الجردات، وهى ترعة صغيرة خارجة من ترعة الزرقاء وأطيانها ألف ومائتا فدان وستة أفدنة وكلها للباشا المذكور، وفى غربيها عزبة يقال لها عزبة عبد الدائم على بعد ألف وثمانمائة متر.

ومن هذا الاسم قرية بالصعيد من مديرية جرجا بقسم طهطا وهى من بلاد الهلة على الشط الغربى للفرع الشرقى من السوهاجية وفيها نخيل كثير وأشجار قليلة ويزرع فى أرضها الذرة بأنواعها والقمح والشعير وفيها مسجدان وأبنية صالحة.

(جردوا) قرية كبيرة ببلاد الفيوم من قسم العجميين واقعة فى جنوب المدينة الغربى/على بعد ثلاث ساعات، وفى جنوب العجميين بنحو ساعة، وبعض أبنيتها بالآجر، وفيها كثير من النخيل والبساتين ذات الفواكه وشجر الزيتون وبها جامع عامر.

ومن أهلها السيد القشيرى كان ناظر قسم العجميين وترك بعد وفاته ذرية هم الآن عمدها، ولها بحر خارج من اليوسفى فمه من التقوس الشهير هناك بالغربية وعليه سواقى هدير وهو محل التقسيم إلى تسعة أبحر، بحر زاوية الكرادسة، وبحر نقليفة والسيلين والكلابية وبحر سنهور، وبحر سينرو وفدمين وبنى مجنون، وبحر العجميين مع ناحية أبى كساه وأبشيه وجنشو وبحر تلات لها خاصة وبحر السنباط لها أيضا خاصة وبحر جردوا لها مع ناحية ديسيا والمناشى وطبهار، وبحر مطول لها مع ناحية اهريت والعتامتة والمزارع وناحية أبى دنقاش.

ص: 124

ثم إن بحر جردوا بعد أن يجرى مغربا نحو ساعة يوجد به نصبة تقسمه قسمين:

القبلى لناحية ديسيا والبحرى لباقى بلاده، وفى شمال المناشى المعروفة بمناشى الخطيب إلى جهة الشرق نصبة أيضا ينقسم ذلك البحر عندها أربعة أبحر القبلى للمناشى وما يليه لأوسية جردوا وما يليه لجردوا نفسها، والرابع لناحية طبهار ذات البساتين والنخيل والزيتون الكثير والكروم التى عنبها كبيض الحمام إلا أنه قليل الحلاوة وفى ناحية طبهار بيت أولاد مؤمن كانوا من الملتزمين ولهم شهرة فى الكرم ومنهم حسن مؤمن وأخوه كان كل منهما ناظر قسم زمن العزيز محمد على باشا والآن عمدة الناحية منهم

(جرزة) قرية من القسم القبلى من مديرية الجيزة ويقال لها جرزة الهواء، وهى على كيمان قديمة غربى السكة الحديد بنحو مائة قصبة على شاطئ اللبينى، وفى شرقيها كفر جرزة، وفى قبليها الرقة الغربية فى مقابلة الهدار الذى بجسر الرقة الفاصل بين مديرية الجيزة وبنى سويف، وأمامها جزيرة تسمى جزيرة جرزة تزرع فيها وقت نقصان النيل القثاء والخضر والدخان، وبين جرزة والجبل الغربى مسافة نحو أربعمائة قصبة عبارة عن ألف وأربعمائة متر تقريبا، وهو أضيق محل بين البحر والجبل الغربى، ويمتد هذا الضيق نحو اثنى عشر ألف متر وآخره جسر المعرقب الذى بين الجبل والبحر بحرى قناطر العجوز الواقعة فى حسر الساحل تمر عليها سكة الحديد للوجه القبلى، وهى تسع عيون قبلى كفور بركات رسمها محمد أفندى الجزى وكيل باشمهندس الجيزة سنة 1241 وقت أن كان محمد بيك الدفتردار حكمدار عموم الوجه البحرى والجيزة.

وفى بحرى ذلك الجسر قريتا طهمة والمحرقة كلاهما فى حوض طهمة، وفى جنوب جرزة الشرقى فى مجرى جسر الرقة العمودى بنحو مائة وعشرين مترا قنطرة أيضا بسبع عيون تعرف بقنطرة الرقة تولى بناءها بالمقاولة رجل أرمنى اسمه الخواجة خريستو وذلك سنة 1255 هجرية وعمل رسمها بمعرفة ديوان المدارس مدة نظر المرحوم بهجت باشا كجملة قناطر، قاول عليها الخواجة المذكور وبناها على حسب رسم الديوان وهى قنطرة دهشور، وقنطرة سقارة وقنطرة شبرمنت وجميعها فى غاية الحفظ والمتانة إلى الآن.

ص: 125

وهى أى قنطرة جرزة واقعة على ترعة جرزة المتصلة باللبينى فتمر بقناطر مديرية الجيزة لرى أراضى المديرية، وعند مرور مياه المديريات القبلية عليها تستعمل فى صرفها فى البحر الأعظم عند استغناء مديريتى الجيزة والبحيرة عن الماء، وبين جرزة وجسر قشيشة نحو ثلاث ساعات إلى جهة قبلى، وإلى سنة 1245 هـ كان ذلك الجسر آخر جسور الوجه القبلى وكان مبنيا من الجهتين بالآجر والدبش مع المونة والتراب فى وسط الرصيفين وكان اتساعه من الأعلى ثلاث قصبات، وكان به سبع وأربعون عينا موزعة فى طوله غير الهدّار الواقع فى اللبينى الذى عرضه خمسة وأربعون مترا، وهو عبارة عن فتحة لها فرش من البناء ممتد إلى جهة الخلف نحو خمسة وأربعين مترا فى سمك ثلاثة أمتار بنى فى مدة حكم أحمد باشا طاهر سنة 1245، وهو واقع فى شمال الهدار القديم الذى أخذته المياه سنة 1214 بنحو مائتى قصبة فمن عيون ذلك الجسر بربخ بعين واحدة غربى الهدار مستعمل إلى الآن، وقنطرة بسبع عيون شرقى قرية بويط الواقعة على جسر قشيشة بنيت سنة 1245، ولم تزل موجودة إلى الآن لكن بها نوع اختلال والمستعمل منها الآن عين أو عينان.

وفى القطوع الموجودة الآن فى ذلك الجسر كانت خمس قناطر كل منها بخمس عيون كان بناء الجميع من سنة 1241 إلى سنة 1245، وفى شرقى تلك القناطر قنطرة بثلاث عيون غربى قمن العروس موجودة إلى الآن.

وفى زمن الخديوى إسمعيل باشا بعد عمل سكة الحديد القبلية وفرع الفيوم عمل فى حوض الرقة جسر بحرى جسر قشيشة لمرور فرع الفيوم عليه، فجعل أوله من قرية المصلوب إلى الجبل الغربى، ويمر على كوم أبى راضى الواقع بجوار كبرى باطن هدار قشيشة، وعرض ذلك الكبرى مائة متر وخمسة أمتار، وهو عبارة عن سبع فتحات يمتد عليها قضب من الحديد تحمل على أكتاف متينة من الحجر والمونة/القوية، وكان عمله مبنيا على عمل قرار بذلك سنة 1285.

وعمل أيضا فى ذلك الوقت قرار على فتحتين فى جسر قشيشة وفتحة فى جسر الرقة كل واحدة من فتحتى قشيشة خمسمائة متر، وقد أجرى عمل واحدة من فتحتى قشيشة دون الأخرى وأما فتحة الرقة فعوضت بفتحتين فى الطراد يعنى فى الساحل إحداهما ثلثمائة وخمسون مترا قبلى الرقة بنيت أكتافها ولم يوضع لها الحديد، وعمل عوضا عن ذلك جسر مستعمل إلى الآن.

ص: 126

والثانية فى قبليها فى الباطن المعروف بالناصرى المتصل باللبينى تجاه قنطرة بأربع عيون فى بحرى قرية افوه وقدر الفتحة المذكورة خمسون مترا وقد تم عملها واستعملت إلى الآن، وجميع هذه الفتحات جعلت لتصريف المياه القبلية إلى النيل، وعند قلة النيل تستعمل فتحة افوه لرىّ نحو ألفى فدان من جزيرة أبى ناصر وناحية الواسطة وناحية أطواب، انتهى.

‌ترجمة الشيخ الصالح عبادة بن على الجرزى المالكى

وفى كتاب: (تحفة الأحباب وبغية الطلاب) أن من قرية جرزة هذه الشيخ الصالح العارف العالم العامل الزاهد زين الدين عبادة بن على بن صالح بن عبد المنعم بن سراج بن نجم بن فضل بن فهر بن عمر الأنصارى الجرزى المالكى، ولد بها فى سنة ثمانين وسبعمائة وهو من أعيان السادة المالكية بالديار المصرية، كان يشغل الناس فى الجامع الأزهر وبمدرسة السلطان برسباى الأشرف.

ولما توفى قاضى القضاة شمس الدين البساطى طلبه الملك الظاهر جقمق العلائى للقضاء فاختفى، وقيل سافر من القاهرة إلى أن بلغه أن السلطان ولى القضاء الشيخ بدر الدين بن التنيسى فظهر، وكان له اعتقاد فى الفقراء ومحبة زائدة لهم ولم يكن فيه تكبر مع شهرته فى العلم، بل كان منطرح النفس فإنه كان يشترى السّلعة من السوق ويحملها بنفسه ويحمل طبق الخبز إلى الفرن ولا يدع أحدا يحمل عنه.

توفى يوم الجمعة السابع من شوّال سنة ست وأربعين وثمانمائة، انتهى.

ومن أهالى هذه القرية من انغمس فى بحار خير العائلة المحمدية ونال الرتب والمناصب الشريفة جماعة منهم طلبة أفندى عيسوى، دخل فى عسكر البيادة نفرا من بلده فى زمن المرحوم سعيد باشا، وتعلم القوانين العسكرية، وترقى فى زمنه من نفر إلى رتبة البيكباشى، وفى عصر الخديوى إسمعيل باشا أخذ رتبة قائمقام، وجعل مفتش جفالك الدائرة السنية ببلاد المنية، وأنعم عليه بإشراقة من السراية العالية، وله دراية بالقراءة والكتابة وليس له أسفار.

ومنها عبد القادر عبد الصمد ترقى إلى رتبة بيكباشى، دخل العسكرية نفرا فى

ص: 127

زمن المرحوم عباس باشا، وترقى إلى رتبة اليوزباشى فى زمن المرحوم سعيد باشا، وفى عصر الخديوى إسمعيل أنعم عليه برتبة البيكباشى وله إلمام بالكتابة.

(جرف سرحان)

بلدة على الشاطئ الغربى للنيل بقسم ملوى من مديرية أسيوط فى شمال دروط الشريف، وعليها مرسى للمراكب، وبها قهاو وسويقة صغيرة يوجد بها بعض لوازم النواتية والمسافرين وأهلها يتكسبون من الزراعة، وفى بحريها وابور لسقى زراعة الدائرة السنية.

(الجرنوس)

قرية من مديرية المنية هى رأس قسم من أعمالها الآن مدينة البهنسا وهى شرقى بحر يوسف ويقرب منها ناحية صندفا والشيخ زياد، وفيها نخيل وأشجار ومساجد، وبها بيت مشهور قديما منه معوض أغا، كان ناظر قسم فى مدة العزيز محمد على باشا، وكان له شهرة فى الكرم وإطعام الفقراء وخلافهم وهكذا أصوله من قبله.

وفى سنة سبع وأربعين ومائتين وألف هلالية لما نزل المهندسون لمسح الأراضى وجدوا بحائط دواره طول القصبة محزوزا بخط أفقى وعبرت فوجدت ثلاثة أمتار وخمسة وسبعين جزءا من مائة من المتر وأخبرهم معوض أغا أنها من زمن أجداده جعلت لضبط المساحة وعدم خروج المساحين عن الحد الواجب بالزيادة أو النقص وذلك فى مدة الملتزمين.

ولعل لفظ الجرنوس محرف عن أرجنوس.

فإن المقريزى ذكر فى خططه مدينة من أعمال البهنسا يقال لها أرجنوس وقال إن بها كنيسة بظاهرها فيها بئر يقال لها بئر سيرس صغيرة لها عيد يعمل فى اليوم الخامس والعشرين من بشنس أحد شهور القبط فيفور بها الماء عند مضى ست ساعات من النهار فى هذا اليوم حتى يطفو ثم يعود إلى ما كان عليه، ويستدل النصارى على زيادة النيل فى كل سنة بقدر علو الماء على الأرض، فيزعمون أن الأمر فى زيادة النيل يكون موافقا لذلك، انتهى.

وقد بنى العزيز المرحوم محمد على باشا بجسرها المشهور بجسر الجرنوس

ص: 128

سنة 1240 قناطر تشتمل على سبع وثلاثين عينا تقدم بيان وصفها فى الكلام على البهنسا.

(جروان)

قرية من مديرية المنوفية بمركز سبك الضحاك فى شرقى ترعة السرساوية على نحو ثلثمائة متر أبنيتها باللبن والآجر وبها عدة مساجد منها مسجد الشيخ عبد الله، ومسجد الأربعين، ومسجد سيدى عقيل، وبها أضرحة لبعض الصالحين مثل الشيخ شمس الدين، والشيخ عقيل والشيخ الغريب وبها سبع جنات، ورىّ أراضيها من النيل وبها سبع عشرة ساقية معينة عذبة المياه لسقى مزروعات الصيف، وعدد أهلها ثلاثة/آلاف نفس وشهرتهم فى تجارة المواشى، وزمامها ألف وأربعون فدانا، ولها طريق موصل إلى مدينة منوف فى ساعة ونصف.

(جريس)

قرية من مديرية المنوفية بمركز أشمون موضوعة على جانب البحر الغربى فى مقابلة وردان أبنيتها من الآجر واللبن، وبها جامع قديم بمنارة صغيرة مقام الشعائر، وجملة زوايا للصلاة، وثلاث جنائن أحداها لمصطفى بدوى، وأخرى لعلى شرف شيخ الناحية والثالثة للأمير طلعت باشا، وبها عزبة ووابور على البحر الغربى للأمير المذكور، وأهلها مشهورون بصناعة الفخار كالقلل وقواديس السواقى ومصاحن البن وغيرها، وتكسبهم من ذلك ومن الزرع.

(الجيزة)

هذه المدينة هى مركز مديريتها واقعة على الشاطئ الغربى للنيل تجاه مصر القديمة تشتمل على ما تشتمل عليه المدن من أسواق ووكائل وخانات وحوانيت، معمورة بالتجارة من جميع الأصناف وأرباب الحرف، فيوجد بها تجار البن والحرير والنحاس والعقاقير والدخان والصيارف والطباخون والزياتون والجزارون والخضرية والقهوجية والبقالة وغير ذلك فى وسطها وجوانبها، وبها جملة مصابغ ومعاصر للزيت وطواحين تديرها الخيل وطاحونتان بخاريتان، ومعامل للفخار ومكينة فخار بآلات افرنكية تعلق الميرى، وجيارة وجباسة تعلق الأهالى وأنوال لنسج القطن وغيره، وفى وسطها منازل لبعض الأمراء مثل منزل إبراهيم باشا الفريق، ومنزل إبراهيم أفندى أزهر وكيل المديرية سابقا.

ص: 129

وبها ديوان المديرية مستوفى بأبنية حسنة ومحكمة شرعية كبرى لها الحكم فى عموم القضايا الشرعية من نحو البياعات والاسقاطات والرهونات والأيلولات فى مواد الأطيان وخلافها بخلاف باقى محاكم مديريتها فإنها كانت ليست مأذونة بعقد بيع الأطيان ولا بمهمات الأمور، بل بالمواد الجزئية مثل الأنكحة ونحوها.

وهى ثلاث محاكم محكمة قسم أول بناحية إنبابة ومحكمة قسم ثانى بالبدرشين ومحكمة شرق أطفيح كانت بالكداية ثم صارت فى طرا، وبها جوامع عدة كلها عامرة وزوايا معدة للصلاة وأشهر جوامعها الجامع القديم المعروف بجامع أمير الجيش، وبها مقامات شهيرة لبعض الأولياء، مثل مقام سيدى سعد الدين، وسيدى زرع النوى، ومقام الكوفى والصابر وأبى شعبان وغيرهم، ولهم موالد كل سنة فى رجب وشعبان كموالد المحروسة، واكتساب أهلها من الزراعة والحرف والتجارة وأبنيتها وملبوسات أهلها كما فى المحروسة، وسوقها السلطانى كل يوم أحد خلاف السوق الدائم.

وهى مشهورة باعتدال الهواء وكانت مأوى الغز من قديم الزمان، وأنشأ بها العزيز محمد على مدرسة للسوارى تشتمل على ثلثمائة وستين نفسا عبارة عن ثلاث أورط كانت تحت نظارة وران الفرنساوى وقد رآها الدوكد يوراجوس فأعجبته وشهد بمحاسنها وقال: إنها تعادل مدارس أوربا فى تعليماتها ومهارة أهلها، وقد تكلمنا عليها من ضمن المدارس فى كتابنا الموضوع لذلك.

وبالمدينة من الجهة البحرية وابور مياه للدائرة السنية، وفى جنوبه قصر بجنينة لمصطفى باشا الجردلى، وبجواره قصر لمحمد باشا رضا، وقصر بجنينة لزعيم زاده، وقبلى ذلك سراية بجنينة للمرحوم حسن باشا المنسطرلى، ومن قبليه شونة غلال وملح تعلق الميرى واسبتالية وقصر مشيد لعنتبلى بيك، وبجوار ديوان المديرية قصران، أحدهما من إنشاء صفر باشا والآخر من إنشاء أحمد باشا طاهر، وبجواره أيضا من الجهة الغربية جنينة تشتمل على الفواكه والأزهار من إنشاء المرحوم على باشا برهان، وبجواره من قبلى منازل للمرحوم فاضل باشا ودكاكين وجامع فيه مقام ولى الله الكردى وبها سلخانة.

ص: 130

وبجوار المدينة من بحرى جسر سلطانى أنشأه الخديوى إسمعيل باشا ممتد من البحر إلى الجبل الغربى يعرف بجسر أهرام الجيزة تحفه الأشجار من الجانبين يمر به المتفرجون على الأهرام والآثار القديمة، وعمل به قناطر وبرابخ تمر فيها المياه للرى.

وفى آخره عند سفح الجبل بنى رباطات واصطبلاطات، وبنى بجوار الأهرام من الجهة البحرية إلى الشرق سراى مشيدة فى غاية الزخرفة وأنشأ أيضا بحرى الجسر المذكور سراى بجنينة نحو خمسمائة فدان كل فدان أربعة آلاف ومائتا متر مربعة الأضلاع كل ضلع ألف متر وأربعمائة وثلاثون مترا يحيط بها سور مبنى بالدبش والمونة يمتد من بحرى مدينة الجيزة مغربا إلى السكة الحديد ومبحرا بشاطئ البحر الأعظم بتفصيلات لم ترها عين ناظر ولم يحم حولها فكر مفكر.

وقد اشتملت تلك الجنينة من العجائب على ما يبهر العقول من الشلالات والجبلايات والأزهار والرياحين والطيور والوحوش والحيوانات الجبلية الموضوع كل نوع منها فى مقاصير خاصة به مع رفع أرضها بحيث لا تنضح فى زمن الفيضان وإحاطة ماء النيل بها وبجوار سورها طريق مفروشة بالرمل وصغار الحجر مغروسة من الجانبين بأشجار مظلة من السكة الحديد إلى البحر، وفى شمال تلك الطريق إلى جهة الغرب بنى أيضا سرايتين عظيمتين بجنائن وبساتين/تحيط بهما أسوار مبنية بالدبش والمونة نحو ثلاثة وتسعين فدانا، إحداهما سراية نجله حسين باشا، والأخرى سراى نجله المرحوم حسن باشا وعمل سكة منتظمة منضدة بالأشجار من الجانبين من الباب الذى فى السور البحرى إلى جنينة سراى الجيزة، ثم تمتد إلى جهة الشمال حتى تصل إلى سراى دولتلو المرحوم توسون باشا المعروفة بسراى بولاق التكرور التى أعدها له الخديوى المذكور وعمل سكة أيضا بالأوصاف المتقدمة مبتدأة من الكبرى المعروف بكبرى الإنكليز إلى السكة الحديد، وبآخر تلك السكة أنشأ محطة عمومية لركاب السكة الحديد، ولم تزل التنظيمات والإصلاحات جارية بمواقع تلك السرايات، والقصد اتصالها بالجزيرة العامرة التى تجاه بولاق المحروسة التى كان جاريا بها الردم والتنظيمات أيضا، ويبلغ مقدار ما به التنظيم من الجيزة إلى الجزيرة نحو ألف وخمسمائة فدان.

ص: 131

وفى خطط المقريزى ما نصه: اعلم أن الجيزة اسم لقرية كبيرة جميلة البنيان على النيل من جانبه الغربى تجاه مدينة الفسطاط لها فى كل يوم أحد سوق عظيم يجئ إليه من النواحى أصناف كثيرة جدا ويجتمع فيه عالم عظيم، وبها عدة مساجد جامعة.

وقد روى الحافظ أبو بكر بن ثابت الخطيب من حديث نبيط بن شريط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الجيزة روضة من رياض الجنة ومصر خزائن الله فى أرضه» ويقال إن مسجد التوبة الذى بالجيزة كان فيه تابوت موسى عليه السلام الذى قذفته أمه فيه بالنيل، وبها النخلة التى أرضعت مريم تحتها عيسى فلم يثمر غيرها.

وقال ابن عبد الحكم عن يزيد بن أبى حبيب استحبت همدان ومن والاها الجيزة فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يعلمه بما صنع الله للمسلمين، وما فتح عليهم وما فعلوا فى خططهم وما استحبت همدان من النزول بالجيزة فكتب إليه عمر يحمد الله على ما كان من ذلك ويقول له «كيف رضيت أن تفرق أصحابك، لم يكن ينبغى لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحر ولا تدرى ما يفجؤهم، فلعلك لا تقدر على غياثهم حين ينزل بهم ما تكره فأجمعهم إليك فإن أبوا عليك وأعجبهم موضعها بالجيزة وأحبوا ما هنالك فابن عليهم من فئ المسلمين حصنا» ، فعرض عليهم عمرو ذلك فأبوا وأعجبهم موضعهم بالجيزة ومن والاهم على ذلك من رهطهم يافع وغيرها وأحبوا ما هنالك، فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن فى الجيزة فى سنة إحدى وعشرين وفرغ من بنائه فى سنة اثنتين وعشرين.

ويقال إن عمرو بن العاص لما سأل أهل الجيزة أن ينضموا إلى الفسطاط قالوا:

مقدم قدمناه فى سبيل الله ما كنا لنرحل منه إلى غيره، فنزلت يافع الجيزة فيهم مبرح ابن شهاب وهمدان وذو أصبح فيهم أبو شمر بن أبرهة وطائفة من الحجر.

وقال القضاعى ولما رجع عمرو بن العاص من الإسكندرية ونزل الفسطاط جعل طائفة من جيشه بالجيزة خوفا من عدوّ يغشاهم من تلك الناحية فجعل فيها آل ذى أصبح من حمير وهم كثير، ويافع بن زيد من رعين وجعل فيها همدان وجعل فيها طائفة من الأزديين بنى الحجر بن الهبو بن الأزد وطائفة من الحبشة وديوانهم فى الأزد فلما استقر عمرو فى الفسطاط أمر الذين خلفهم بالجيزة أن ينضموا إليه فكرهوا ذلك

ص: 132

وقالوا: هذا مقدم قدمناه فى سبيل الله وأقمنا به، ما كنا بالذين نرغب عنه ونحن به منذ أشهر.

فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بذلك يخبره أن همدان وآل ذى أصبح ويافعا ومن كان معهم أحبوا المقام بالجيزة فكتب إليه: «كيف رضيت أن تفرق عنك أصحابك، وتجعل بينك وبينهم بحرا لا تدرى ما يفجؤهم فلعلك لا تقدر على غياثهم فأجمعهم إليك ولا تفرقهم فإن أبوا وأعجبهم مكانهم فابن عليهم حصنا من فئ المسلمين» فجمعهم عمرو وأخبرهم بكتاب عمر فامتنعوا من الخروج من الجيزة فأمر عمرو ببناء الحصن عليهم فكرهوا ذلك وقالوا: لا حصن أحصن لنا من سيوفنا وكرهت ذلك همدان ويافع فأقرع عمرو بينهم فوقعت القرعة على يافع فبنى فيهم الحصن فى سنة إحدى وعشرين وفرغ من بنائه فى سنة اثنتين وعشرين، وأمرهم عمرو بالخطط بها فاختط ذو أصبح من حمير من الشرق ومضوا إلى الغرب حتى بلغوا أرض الحرث والزرع وكرهوا أن يبنى الحصن فيهم، واختط يافع بن الحارث من رعين بوسط الجيزة وبنى الحصن فى خططهم.

وخرجت طائفة منهم عن الحصن أنفة منه واختط بكيل بن جشم بن نوف من همدان فى مهب الجنوب من الجيزة فى شرقيها، واختطت حاشد بن جشم بن نوف فى مهب الشمال من الجيزة فى غربيها، واختطت الجياوية بنو عامر بن بكيل فى قبلى الجيزة واختطت بنو حجر بن أرحب بن بكيل فى قبلى الجيزة، واختطت بنو كعب بن مالك بن الحجر بن الهبو بن الأزد فيما بين بكيل ويافع والحبشة اختطوا على الشارع الأعظم، انتهى.

وقال فى الكلام على البقط أنه فى أيام أمير المؤمنين المعتصم بالله أبى إسحق الرشيد أخذ لكبير النوبة زكريا بن بخنس دار/بالجيزة وسبب ذلك أن النوبة كانوا لا يزالون يؤدون البقط للمسلمين فى كل سنة إلى أيام أمير المؤمنين المعتصم، وكانت النوبة ربما عجزت عن دفعه فشنت الغارة عليهم ولاة المسلمين القريبون من بلادهم ومنعوا أن يخرج إليهم الجهاز الذى كان يبعث إليهم من الحبوب قمحا وشعيرا وعدسا وثيابا وخيلا فأنكر فيرقى ولد كبيرهم زكريا على أبيه بذله الطاعة لغيره واستعجزه فيما يدفع من البقط، فقال له أبوه: فما تشاء قال عصيانهم ومحاربتهم،

ص: 133

قال أبوه: هذا شئ رآه السلف من آبائنا صوابا وأخشى أن يفضى هذا الأمر إليك فتقدم على محاربة المسلمين، غير أنى أوجهك إلى ملكهم رسولا فأنت ترى حالنا وحالهم، فإن رأيت لنا بهم طاقة حاربناهم على خبرة وإلا سألته الإحسان إلينا فشخص فيرقى إلى بغداد وكانت البلدان تزين له ويسير على المدن وانحدر بانحداره رئيس البجة بأسبابه ولقيا المعتصم، فنظرا إلى ما بهرهما من حال العراق فى كثرة الجيوش وعظم العمارة مع ما شاهداه فى طريقهما فقرب المعتصم فيرقى وأدناه وأحسن إليه إحسانا تاما وقبل هديته، وكافأه بأضعافها وقال له: تمنّ ما شئت فسأله فى إطلاق المحبوسين فأجابه إلى ذلك وكبر فى عين المعتصم ووهب له الدار التى نزلها بالعراق، وأمر أن يشترى له فى كل منزل من طريقه دار تكون لرسلهم فإنه امتنع من دخول دار لأحد فى طريقه فأخذ له بمصر دارا بالجيزة وأخرى ببنى وائل، وأجرى لهم فى ديوان مصر سبعمائة دينار وفرسا وسرجا ولجاما وسيفا محلى وثوبا مثقلا وعمامة من الخز، وقميص شرب ورداء شرب، وثيابا لرسله غير محدودة عند وصول البقط إلى مصر، ولهم حملان وخلع على المتولى لقبض البقط وعليهم رسوم معلومة لقابض البقط والمتصرفين معه وما يهدى إليهم بعد ذلك فغير محدود وهو عندهم هدية يجازون عليها.

والبقط هو ما يقبض من سبى النوبة فى كل عام ويحمل إلى مصر ضريبة عليهم، وكان يؤخذ منهم فى قرية يقال لها القصر مسافتها من أسوان خمسة أميال فيما بين بلاق وبلد النوبة وكان القصر فرضة لقوص، وأول ما تقرر هذا البقط على النوبة فى إمارة عمرو بن العاص سنة عشرين وقيل سنة إحدى وعشرين.

وعن أبى خليفة حميد بن هشام البحترى أن الذى صولح عليه النوبة ثلاثمائة وستون رأسا لفئ المسلمين، ولصاحب مصر أربعون رأسا، ويدفع ألف أردب قمحا، ولرسله ثلاثمائة أردب ومن الشعير كذلك، ومن الخمر ألف اقتيز للمتملك ولرسله ثلثمائة اقتيز وفرسين من نتاج خيل الإمارة ومن أصناف الثياب مائة ثوب ومن القباطى أربعة أثواب للمتملك ولرسله ثلاثة ومن البقطرية ثمانية أثواب (نسبة إلى بقطر قرية بحرى دمنهور) ومن المعلمة خمسة أثواب وجبة مجملة للملك، ومن قمص أبى بقطر عشرة أثواب ومن أجاص عشرة أثواب وهى ثياب غلاظ وقد أطال

ص: 134

المقريزى فى الكلام على البقط فى خططه

(1)

.

وقال أيضا أن المسجد الجامع بالجيزة بناه محمد بن عبد الله الخازن فى المحرم سنة خمسين وثلثمائة بأمر الأمير على بن الأخشيد، فتقدم كافور إلى الخازن ببنائه وعمل له مستغلا وكان الناس قبل ذلك بالجيزة يصلون الجمعة فى مسجد همدان وهو مسجد مراحق بن عامر بن بكيل، وشارف بناء هذا الجامع مع الخازن أبو الحسن بن أبى جعفر الطحاوى واحتاجوا له إلى عمد، فمضى الخازن بالليل إلى كنيسة بأعمال الجيزة فقلع عمدها ونصب بدلها أركانا وحمل العمد إلى الجامع، فترك أبو الحسن بن الطحاوى الصلاة فيه مذ ذاك تورعا.

قال اليمنى: وقد كان ابن الطحاوى يصلى فى جامع الفسطاط العتيق وبعض عمده أو أكثرها ورخامه من كنائس الإسكندرية وأرياف مصر وبعضه بناه قرة بن شريك عامل الوليد بن عبد الملك، ويقال: إن بالجيزة قبر كعب الأحبار وأنه كان بها أحجار ورخام قد صورت فيها التماسيح فكانت لا تظهر فيما يلى البلد من النيل مقدار ثلاثة أميال علوا وسفلا وذكر ذلك ابن جبير فى رحلته.

وفى سنة أربع وعشرين وسبعمائة منع الملك الناصر محمد بن قلاوون الوزير أن يتعرض إلى شئ مما يتحصل من مال الجيزة فصار جميعه يحمل إليه، ثم قال:

وبخارج مدينة الجيزة موضع يعرف بأبى هريرة فيظن من لا علم له أنه أبو هريرة الصحابى وليس كذلك بل هو منسوب إلى ابن بنته. انتهى.

وقال فى (تحفة الأحباب وبغية الطلاب) للسخاوى أن أبا هريرة الصحابى، مات على فراسخ من المدينة وحمل إليها ودفن بالبقيع وكان قد حضر قتال معاوية وعلى رضى الله تبارك وتعالى عنهما فكان إذا صلى صلّى خلف علىّ وإذا أكل معاوية حضر إليه وأكل معه، وإذا كان وقت الحرب صعد إلى كوم يجلس عليه فقيل له: ما هذا قال: الصلاة خلف على أقوم، وطعام معاوية أدسم والقعود على هذا الكوم أسلم.

وأما أبو هريرة الذى بالجيزة فكان معروفا بالصلاح والدين والخير، وله ذرية لهم مقبرة بجبانة مصر، انتهى.

(1)

انظر الخطط المقريزية 1/ 352 ط. لبنان.

ص: 135

وفى الجبرتى أن بالجيزة جامعا يعرف بجامع أبى هريرة فقد قال ومن مآثر الأمير عبد الرحمن بيك عثمان/مملوك عثمان بيك الجرجاوى، أنه عمر جامع أبى هريرة الذى بالجيزة على الصفة التى هو عليها الآن وبنى بجانبه قصرا وذلك سنة 1188، ولما أتمه وبيضه عمل به وليمة عظيمة وجمع علماء الأزهر يوم الجمعة وبعد انقضاء الصلاة صعد الشيخ على الصعيدى على كرسى وأملى حديث «من بنى لله مسجدا» بحضرة الجمع، قال: وكنت حررت له المحراب ثم انتقلنا إلى القصر ومدت الأسمطة وبعدها الشربات والطيب، وكان يوما سلطانيا وكان عبد الرحمن بيك حسن السيرة سليم الباطن والعقيدة محبوب الطباع جميل الصورة وجيه الطلعة وكان يميل بطبعه إلى المعارف وقلد الصنجقية عوضا عن سيده الجرجاوى الذى قتل فى واقعه قرا ميدان أيام حمزة باشا سنة تسع وسبعين ومائة وألف، وتوفى عبد الرحمن بيك بمنزله بقوصون جوار بيت الشابورى سنة خمس بعد المائتين، انتهى.

‌ترجمة الربيع الجيزى صاحب الإمام الشافعى

وقال ابن خلكان الجيزة بليدة فى قبالة مصر يفصل بينهما عرض النيل والأهرام فى عملها وبالقرب منها وإليها ينسب الربيع الجيزى صاحب الإمام الشافعى وهو أبو محمد الربيع بن سليمن بن داود بن الأعرج الأزدى بالولاء المصرى الجيزى ينسب إلى صحبة الإمام الشافعى لكنه كان قليل الرواية عنه، وإنما روى عن عبد الله بن الحكم كثيرا وكان ثقة، ورى عنه أبو داود والنسائى.

قيل إنه اجتاز يوما بمصر فطرحت عليه أجانة رماد فنزل عن دابته وجعل ينفضه عن ثيابه ولم يقل شيئا فقيل له ألا تزجرهم فقال: «من استحق النار وصولح بالرماد فقد ربح» .

وتوفى فى ذى الحجة سنة ست وخمسين ومائتين بالجيزة وقبره بها قاله القضاعى فى الخطط، انتهى.

ونقل كترمير عن مؤرخى العرب أن منها بهاء الدين أبا الحسن على بن هبة الله خطيب مصر، وأعلم أهل زمانه وكان شافعى المذهب وقد أكثر من مدحه بعض المؤلفين.

ص: 136

وقال أبو المحاسن فى تاريخ مصر أنه كان كثير الصحبة بالملك الصالح نجم الدين أيوب ولما سافر إلى الحج أهدى إليه ملك اليمن هدية فقبلها فحنق عليه الملك وفارق صحبته، مات رحمه الله فى الفسطاط فى شهر الحجة سنة ستمائة وتسعة وأربعين هجرية وعمره تسعون سنة، ودفن بالقرافة الكبرى، انتهى.

ومنها أيضا على بن رضوان أحد الأطباء الحذاق كما ذكره ابن أبى أصيبعة وغيره وستأتى ترجمته فى الكلام على شنوان، انتهى.

وفى الجبرتى أيضا أن إبراهيم بيك الكبير أحد أمراء المماليك لما قدم من الجهات القبلية هو وأمراؤه وأتباعه بعد انعقاد الصلح بين العزيز محمد على باشا وبين جميع الأمراء المصريين نزل بالجيزة هو وأتباعه وحضر معه عرب هوارة وذلك فى يوم الثلاثاء حادى عشر ربيع الثانى سنة خمس وعشرين ومائتين بعد الألف فلم تطلق لحضورهم المدافع كما هى العادة عند قدوم أكابر الأمراء فاغتاظ لذلك إبراهيم بيك. وقال:

«يا سبحان الله ما هذا الاحتقار، ألم أكن أمير مصر نيفا وأربعين سنة، وتقلدت قائمقامية ولايتها ووزارتها مرارا، وفى الآخر صار محمد على من أتباعى وأعطيته خرجه من كلارى، ثم أحضر أنا وأتباعى وباقى الأمراء على صورة الصلح، فلا يضرب لنا مدافع كما يفعل لحضور بعض الإفرنج» .

وأشيع فى الناس تعدية الباشا من الغد إلى بر الجيزة للسلام على إبراهيم بيك فلم يحصل بل أصبح مبكرا إلى شبرى وحضر عنده شاهين بيك الألفى ووقع بينهما كلام ورجع من عنده وعدى إلى الجيزة منفعل الخاطر وأرسل حريمه إلى الفيوم ونقل متاعه وفرشه من قصر الجيزة وركب مع خشداشيته إلى عرضى إخوانه فتصافى معهم، فوافقه عثمان بيك المرادى المعروف بالطنبرجى وجعلوه رئيس الأمراء المرادية.

وفى ذلك اليوم عدى حسن باشا وصالح أغاقوج إلى بر الجيزة وتغديا عند شاهين بيك وجرى بينهما وبين إبراهيم بيك كلام كثير ومن ضمن كلام حسن باشا أنكم وصلتم لتمام الصلح على الشروط التى عملت بأسيوط، فقال إبراهيم بيك وما هى الشروط: فقال حسن باشا أن تدخلوا تحت حكمه وهو يوليكم المناصب بشرط: أن تقوموا بأداء الفرض التى يقررها على النواحى والغلال الميرية والخراج وأن يعين من يريد منكم صحبة العساكر إلى البلاد الحجازية لفتح الحرمين، وتكونوا مطيعين

ص: 137

لأمره، وقد رأيتم ما فعله من الإكرام والإنعام على شاهين بيك.

فقال إبراهيم بيك أن ما فعله مع شاهين بيك شبكة يصطاد بها غيره ومراده به السوء كما فعل بغيره مثل محمد باشا خسرو وكتخداه وعثمان أغاجابخ، وما حصل لأخيك المرحوم طاهر باشا من تسليط الأتراك عليه حتى قتلوه فى داره، وكذا ما حصل مع عثمان بيك البرديسى وإغراؤه على على باشا الطرابلسى حتى قتل، وكان قد أغراه على خيانة أخيه الألفى ثم سلط علينا العساكر بطلب العلوفات وأشار على عثمان بيك بطلب المال من الرعية حتى وقع لنا ما وقع وخرجنا من مصر على الصورة التى خرجنا عليها، وأغرى على أحمد باشا جنده حتى نابذوه وأخرج السيد عمر مكرم من مصر وغربه عن وطنه مع أنه كان معينا له على تحصيل مراده وغير ذلك مما هو معلوم لنا ولكم/فكيف نأمن له ونعقد معه صلحا.

واعلم يا ولدى إننا كنا بمصر نحو العشرة آلاف أو أكثر ما بين مقدمى ألوف وأمراء وكشاف وأكابر ووجاقية ومماليك وأجناد وطوائف وخدم وأتباع، مترفين منعمين بأنواع الملاذ كل أمير مختص بأقطاعه مع كثرة مصارفنا وأنعامنا على أتباعنا ومن ينسب إلينا، وأسمطة الجميع ممدودة فى أوقات معهودة ولا نعرف عسكرا ولا علوفة عسكر مع ما كان يلزمنا من المصارف الميرية ومرتبات الفقراء وخزينة السلطان وصرة الحرمين والحجاج وعوائد العرب وكلف الوزراء والأغوات والقابجية والهدايا السلطانية وغير ذلك وأفندينا كثرت على يديه وجوه الإيرادات من الجمارك والفرض ومقاسمة الملتزمين فى فائضهم وما أحدثه فى الضربخانة من ضرب القروش النحاس إلى غير ذلك حتى صار كل فرع بإيراد إقليم ومع ذلك يمنع عنا ما نتعبش به نحن وعيالنا ومن بقى من أتباعنا ومماليكنا بل قصده صيدنا وهلاكنا عن آخرنا، فقال حسن باشا حاش لله لم يكن ذلك بل هو دائما يقول والدنا إبراهيم بيك ولكن حيث أن الله أعطاه ولاية مصر والله يؤتى ملكه من يشاء فلا يرضى لنفسه أن يخالف فإذا صار الصلح ووقع الصفا أعطاكم فوق مأمولكم فلم يصفح إبراهيم بيك وانفض المجلس وفى تلك الليلة خرج جميع من كان بمصر من المصريين وأجنادهم بخيلهم وهجنهم ومتاعهم وعدّوا إلى بر الجيزة إلا قليلا منهم وقسموا الأمر بينهم أثلاثا قسم للمرادية وكبيرهم شاهين بيك وقسم للمحمدية وكبيرهم على بيك أيوب وقسم للإبراهيمية وكبيرهم عثمان بيك حسن وأرسلوا مكاتبات إلى مشايخ العرب.

ص: 138

وفى يوم السبت خامس عشر الشهر عدّى الباشا إلى البر الغربى وقد عدت طوائف العساكر ودخل القصر الذى بالجيزة الذى كان به شاهين بيك وعدوا الخيام والمدافع والعربات والأثقال واجتمعت طوائف العسكر من الأتراك والأرنؤد والدلاة وغيرهم بالجيزة وتحققت المفاقمة والأمراء المصريون خلف السور فى مقابلتهم واستمروا على ذلك إلى ثانى يوم والناس تتوقع حصول الحرب بين الفريقين ثم ترفع المصريون إلى ناحية دهشور وفى ليلة الثلاثاء ركب الباشا إلى ناحية كرداسة على جرائد الخيل ورجع ثانى ليلة وسبب ركوبه أنه بلغه أن طائفة من العرب مارون للحوق بالمصرية فأراد قطع الطريق عليهم فلم يجد أحدا.

وفى يوم الجمعة ارتحل المصريون إلى جرزة الهواء بقرب الرقق وفى ذلك اليوم حضر عند الباشا مشايخ أولاد علىّ فخلع عليهم وألبسهم شيلان كشميرى وأنعم عليهم بمائة وخمسين كيسا وانضم عرب الهنادى إلى المصريين وفى يوم الأحد الثالث والعشرين من الشهر عدى الباشا إلى القاهرة وفى يوم الأحد مستهل جمادى الأولى عمل الباشا ميدان رماحة بالجيزة ورمح فيه بنفسه وأصيب غلام من مماليكه برصاصة فمات ويقال إن ضاربها كان قصده الباشا فسلمه الله تعالى ثم صار التنبيه على العساكر والأمراء بالخروج لقتال المصريين فأخذوا فى قضاء لوازمهم وفى خامسه خرج حسن باشا وخيم بناحية الآثار وخرج محو بيك بعسكره وطوائفه وسافر جملة فى المراكب ليرابطوا فى البنادر لخلوها من المصريين كل ذلك والباشا فى مخيمه بالجيزة لا يعدى إلى البر الشرقى إلا كل يومين أو ثلاثة فيطلع إلى القلعة ثم يعود.

وفى يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر جاءته الأخبار بأن حسن باشا وصالح قوج وعابدين بيك وعساكر الأرنؤد وصلوا إلى ناحية صول والبرنبل فوجد المصريين قد جعلوا متاريس ومدافع على البر لمنع مرور المراكب فحاربوهم حتى أجلوهم وملكوا المتاريس وقتلوا منهم رجلين واحتزوا رءوسهما وأرسلوهما صحبة المبشرين إلى الباشا فأمر بتعليقهما بباب زويلة.

ولما بلغ الأمراء المصريين أخذ المتاريس قاموا من أول الليل ودهموا الأرنؤد من كل ناحية فوقع بينهم مقتلة وأخذوا من الأرنؤد عدة بالحياة ونجا حسن باشا وأخوه عابدين وفرّا بمن بقى معهما إلى بنى سويف، وعدى طائفة من المصريين إلى شرق

ص: 139

أطفيح ورجع منهم طائفة إلى الجيزة وأحاطوا بعرضى الباشا فأرسل طوسون باشا إلى أبيه فركب ونزل من القلعة فى سادس ساعة من الليل وعدى إلى البر الغربى.

وفى عشرين من الشهر حصل الفشل بين المصريين وتبين أن الذين كانوا عدوا إلى البر الشرقى ثلاثة من الأمراء الألفية نعمان بيك وأمين بيك ويحيى بيك، وذلك أنهم لما تصالحوا مع الباشا واختص الباشا بأميرهم شاهين بيك وأغدق عليه فكان لا ينظر لأمرائه بل اختص بكل ما يتحصل من الإيرادات، فحقدوا عليه وعلم منهم الباشا ذلك فراسلهم سرا ووعدهم بمقصودهم بعد أن نقض شاهين بيك عهده فانفصلوا عن شاهين بيك وعدوا إلى البر الشرقى وحال البحر بين الفريقين ووصل إليهم مصطفى كاشف المرلى بمرسوم الباشا واجتمعوا معه عند عبد الله أغا المقيم بناحية بنى سويف ثم سافروا إلى مصر فقابلوا/الباشا فخلع عليهم، وكانوا يزيدون عن المائتين، وأنعم عليهم بمائتى كيس لكل كبير وأمر لكل أمير منهم بسبعة آلاف ريال لعمارة منزله، وحولهم بذلك على المعلم غالى.

ولما شاع أمر هذا الفشل، رجع من كان عازما من القبائل والعرب على الانضمام إليهم وطلبوا الأمان من الباشا فأمنهم ودخلوا تحت الطاعة ثم إن الباشا رحل بعساكره إلى قناطر اللاهون وجلى المصريين عنها وعن الفيوم ووصل إلى البهنسا من غير حرب، وكان حسن باشا وعابدين بيك بطائفة من العساكر قد صعدوا إلى قبلى وملكوا البنادر إلى جرجا واستقر دبوس أغلى بمنية ابن خصيب ثم سار الباشا بعسكره إلى أن التقى مع المصريين عند دلجا والبدرمان وتقاتل معهم فكانت النصرة له -انظر الكلام على دلجا-ثم حصل الصلح مع شاهين بيك بواسطة حسن باشا ورجع إلى مصر وتقابل مع الباشا وانكسرت شوكة المصريين من حينئذ، انتهى.

(جزيرة أسوان) قرية بالصعيد الأعلى فى غربى البحر تجاه أسوان من الجهة الغربية بها قليل من النخل وزمامها نحو خمسين فدانا وزرعهم الذرة والبسلة والحشيش لأكل المواشى والشعير والمقائى.

وقال مرييت فى كتاب التاريخ أن فراعنة العائلة السادسة تنسب إلى جزيرة أسوان وكانت مدتها مائتين وثلاث سنين، وقال دساسى: إن جزيرة أسوان فى زمن

ص: 140

فرعون مصر بسماتيكوس كانت حصنا منيعا لمنع تعدى النوبيين على أرض مصر، وكانت مدينة دفنة والطينة حصنا لمنع تعدى العرب والشوام، وكانت مريوط حصنا لمنع تعدى بلاد الليبيا وما والاها، وكان بالحصون المذكورة على الدوام عساكر للمحافظة، وكانوا فى زمن هذا الفرعون مائتى ألف عسكرى من المصريين على ما ذكره هيردوط.

وقال: إنه بسبب تركهم مدة ثلاث سنين مقيمين بهذه الحصون بلا تغيير اتفقوا جميعا على مفارقة هذا الفرعون وتركوا أرض مصر وارتحلوا عنها جميعا فلما علم بذلك أرسل وراءهم يستعطفهم ويلتمس رجوعهم إلى أوطانهم وعيالهم ونسائهم فلم يقبلوا وكشفوا عن مذاكيرهم، وقالوا: «ما دام هذا موجودا يعنون القبل نأتى بأولاد غيرهم وساروا حتى نزلوا بلاد النوبة فسموا هناك باسم أوتومول-كلمة لاتينية بمعنى المهاجرين برغبتهم.

وقال استرابون: إنهم سمو اسبريت يعنى الأغراب وكان سكناهم فى أرض التنيزى وكان حاكمها امرأة هى وجزيرة مروية التى فى غربيها.

وقال بعض من فسر كتابى هيردوط واسترابون أن السبريت كانوا غير الأتومول لأن السبريت كان قد طردهم الفرعون بسماتيكوس وأما الأتومول ففارقوا مصر برغبتهم وأن السبريت سكنوا جزيرة مروية والآخرون كانوا على بعد منها بستة وخمسين يوما ووفق بعضهم بين القولين، فقال: إنه لا يبعد أن العساكر خرجوا على مرتين فى مدة هذا الفرعون المرة الأولى هاجروا بأنفسهم طائعين وسكنوا فى مبدأ الأمر بعيدا عن مروية، والمرة الثانية خرجوا مطرودين فسكنوا مروية وفى الزمن الذى بين هيردوط واسترابون تنقلوا إلى أن تجاوروا فى البلاد.

وذكر ديودور الصقلى لمفارقتهم أرض مصر سببا غير هذا فقال: إن بسماتيكوس هذا جيش العساكر وقصد بلاد الشام فجعل العساكر الأغراب فى الجناح الأيمن وجعل المصريين فى الجناح الأيسر على خلاف العادة القديمة فرأوا أن ذلك تحقير لهم واغتاظوا غيظا شديدا، وكانوا أكثر من مائتى ألف عسكرى فارتحلوا إلى بلاد النوبة فأرسل وراءهم بعض الرؤساء يسترضيهم ويعتذر لهم، فلم يقبلوا فتبعهم الملك بنفسه إلى آخر حدود مصر وذكرهم بمعابدهم وأوطانهم ونسائهم وذراريهم ففى آن

ص: 141

واحد قرعوا درقاتهم برماحهم، وقالوا مادام هذا معنا نتخذ أوطانا جديدة وكشفوا عن عوراتهم كما مر.

فلما ترفعوا عن الذل وآثروا عن النفوس على حب الأوطان والأولاد وخرجوا عما عليه غيرهم من حب الولد والوطن وأظهروا البسالة والشهامة تحصلوا على أوطان غير أوطانهم وتمكنوا من الإقامة فيها وأدخلوا فيها تمدن المصريين أ. هـ.

ثم فى الجنوب الشرقى لجزيرة أسوان مقياس قديم للنيل استكشفه الفرنساوية زمن استيلائهم على بلاد مصر وشرحوه فى خططهم ومن التقاسيم التى على جدرانه اتضح لهم: أن الذراع المستعمل فيه كان مقداره اثنين وخمسين سنتيمترا، وفى سنة ألف وثمانمائة وسبعين ميلادية فى زمن الخديوى إسمعيل باشا صار ترميمه والتعويل عليه فى معرفة زيادات النيل وذلك بمباشرة الأمير الجليل صاحب المعارف والعوارف أخينا محمود باشا الفلكى، وقد تكلم عليه فى رسالة له فقال إنه فى مقابلة مدينة أسوان على النيل فى النهاية الجنوبية الشرقية لجزيرة أسوان ويهبط له الإنسان من سلم عدد درجه اثنتان وخمسون درجة فيصل إلى بسطة وينعطف يمينا ثم يهبط اثنتى عشرة درجة فيجد بابا يخرج منه فيصل إلى ماء النيل وماء النيل يدخل من هذا الباب ومن فتحات فى الحائط.

وقال أيضا إنه بعد أن نظفت/البئر من الأتربة، وجدنا على الحائط التى على شمال الهابط وفى مواجهته فوق البسطة مقياسا قديما منقسما سبعة أقسام، أحدها به اثنان وأربعون قسما عبارة عن ثلاثة أذرع، ومنها أربعة يشتمل كل واحد منها على ثمانية وعشرين قسما عبارة عن ذراعين والاثنان الباقيان ينقسم كل منهما إلى أربعة عشر قسما، عبارة عن ذراع واحد، ومجموع كل ذلك ثلاثة عشر ذراعا، عبارة عن ستة أمتار وثمانمائة وخمسة وتسعين ملليمترا، واستنتج من ذلك أن الذراع ثلاثة وخمسون سنتيمترا.

قال وقد أبقينا التقاسيم القديمة على حالها ورسمنا بقربها مقياسا جديدا على جدران البئر واستعملنا لطول الذراع أربعة وخمسين سنتيمترا مثل ذراع مقياس جزيرة الروضة، وجعلنا سفل المقياس على أربعة أذرع، عبارة عن مترين وستة عشر سنتيمترا منحطة عن البسطة الكائنة بعد الاثنتين وخمسين درجة بحيث إن الماء متى

ص: 142

وصل إلى البسطة يكون الارتفاع أربعة أذرع كاملة، وقد بينا فوق البسطة وعلى جدران البئر الذراع الخامس والسادس والسابع والثامن إلى السابع عشر، فحصل من ثلاثة عشر ذراعا فوق البسطة وأربعة تحتها، وكتبنا فوق العاشر فقط لفظ العشرة وقسمنا عرض كل ذراع بخط رأسى إلى قسمين، جعلنا فيهما تقاسيم الذراع ستة أقسام كل قسم ينقسم أربعة أقسام لبيان القراريط، وكتبنا فوق الذراعين التاسع والعاشر، وفى ارتفاع الرابع عشر هذه الأبيات وهى من نظم الفاضل الجليل السيد على أبى النصر وسيأتى ترجمته فى منفلوط:

حقا على أسوان تبدى شكرها

لمليك مصر الداورى إسمعيل

أحيا بها المقياس بعد ذهابه

بتجدد التقسيم والتفصيل

من بعد ألف وهو فى حجب الثّرى

أبدى معالمه بخير دليل

الماهر الفلكى محمود الذى

جلت معارفه عن التفصيل

أبقى التقاسيم التى وجدت به

وبغيرها حلاه للتعديل

قالت له أسوان فى تاريخها

أرقيت بالمقياس بحر النيل

يعنى ألفا ومائتين وستة وثمانين هجرية، وفى هذا المقياس تكون التحاريق على ذراع منه وغاية الزيادة سبعة عشر ذراعا فالزيادة الحقيقية ستة عشر ذراعا فى هذا المقياس، وأما فى مقياس الروضة فأربعة عشر ذراعا فقط، انتهى مترجما من اللغة الفرنساوية.

وقد تكلم هيليودور على مدرسة للكهنة الذين كانوا فى خدمة النيل فى معبد قريب من جزيرة أسوان يظن أنه من بناء منفتا للمقدس كنوفيس معدل أحوال بئر المقياس التى كانت فى مقابلته يعرف بها ارتفاع النيل فى أعظم الزيادة وأعظم التحاريق، وذكر أزيب أنه كان بجزيرة أسوان أيضا تمثال للشمس، وكانوا كل سنة يجيزونه النيل فى جهة الليبيا وقت زيادته، وكان فى صورة رجل رأسه رأس حمل وقرونه قرون جدى، انتهى.

ومن جميع ما تقدم يعلم أن جزيرة أسوان كانت مدينة كبيرة قد صيرتها أيدى الأزمان إلى ما هى عليه الآن.

ص: 143

(الجزيرة البيضاء)

قرية من مديرية الشرقية بقسم العلاقمة فى الجنوب الغربى لناحية بنى صريد بنحو ألف وخمسمائة متر وفى الشمال الغربى لناحية الديدمون بنحو ألفين وثمانمائة متر، بها مساجد ونخيل، وفيها مقام السيد عزاز ابن السيد محمد البطائحى ابن عزاز الأكبر ابن المستودع الذى ضريحه ببلاد حلب ينتهى نسبه إلى الحسين بن على رضي الله عنه من فرع الجواد، مولده بالعراق ولما راهق رحل به والده إلى سيدى أحمد الرفاعى بأم عبيدة عاصمة بلاد البطائح، فأخذ عليه علوم الطريق وتلقى عليه وعلى معاصريه علوم الشريعة، ثم زهد وتورع حتى صار مقدما لدى أستاذه كما هو مذكور فى الأنساب.

وفيها أن له من الكرامات ما لا يحصى ومما نقله صاحب البهجة فى مناقب سيدى أحمد الرفاعى والسّالكين على يده أن الذين كانوا يتلقون العلوم عن السيد الرفاعى كثيرون جدا، ولكن كان السيد ينتظر عزازا من دونهم فتوغرت القلوب لذلك، فقال لهم السيد الرفاعى يوما «أن بين عينى عزاز شمسا لو طلعت لغلب ضوؤها ضوء الدنيا، ولو علمتهم فضل عزاز لقبلتم ما تحت قدميه، وأن حسينا الحلاج لفى مقام خادم إبريق عزاز.

وقد ذكره الشعرانى فى طبقاته وبعد وفاة السيد الرفاعى توجه إلى الديار المصرية بوصية الأستاذ لتربية المريدين ومعه إخوته السيد ميدان والسيد جبريل، والسيد نبهان وأولاده السيد أحمد، والسيد الصالح، والسيد عبد العزيز، والسيد على الغوث أبو ذقن وبصحبته أيضا والده وقد كبر جدا، وكانت العرب تتعرض لهم فى طريقهم ويفرج الله عنهم وتصير العرب/أتباعه ومريديه، فكان هذا سببا فى نزول القبائل معهم، فنزل بهم فى شمال الحوف الشرقى منهم بنو عمر وبنو جرم وبنو زهير وبنو واصل والبقرية اللبايدة وبطون من بنى سليم من الحوتة الذين منهم بيت أولاد الحوت المشهورين، ثم توجه بعض بنى سليم إلى برقة وغربى افريقية، وبعضهم قطن مع شعوب من جرم وبنى عقبة وبنى زهير بالصالحية والقصاصين والحمادين وكباد واللبايدة ونجوم والطريدات.

ولما وصل الشيخ إلى طرابلس الشام فى طريقه أقام مدة وارتحل فتخلف بها ابن أخيه محمد بن جبريل واستشهد بها وله فيها مقام ظاهر يزار إلى الآن، ولما وصل إلى

ص: 144

غزة هاشم توفى بها والده وله بها أيضا مقام ظاهر يزار إلى الآن.

وفى جهة عسقلان حصلت معهم وقعة استشهد فيها السيد نبهان والسيد إبراهيم أبو عرقوب، وفى جهة قطية استشهد السيد طريف ابن أخيه ولهم مقامات مشهورة.

ثم لما وصل الشيخ إلى الجزيرة البيضاء أقام بها فى فصل القضايا بين القبائل وإصلاح ذات البين وهرع إليه المريدون من كل فج وملأ حبه قلوب أهل القبائل، وقد توفى ودفن بالجزيرة البيضاء ومقامه بها فى غاية الشهرة، ويعمل له مولد حافل كل سنة إلى الآن، وكانت له مرقعة توارثها أولاده كما توارثوا عنه الكرم ومكارم الأخلاق، وقد أخذ شيخ العائد أحد أولاد الشيخ صالح ليقيم عنده للتبرك به فأنزله بعزيزية القصور إلى أن مات هناك وقبره بها يزار إلى الآن.

وبعد وفاة الشيخ قام بالإرشاد بعده ولده الغوث السيد على أبو ذقن، ومن بعده ولده السيد أحمد إلى أن وصلت لولده السيد إبراهيم الذى مقامه فى نصف القرين الجنوبى الذى أقام حوالى قبره طوائف من بنى واصل وبنى شيبان وبنى عقبة وزرعوا هناك نخيلا، وكان ذلك سببا فى عمارة الوجه الجنوبى من القرين ولم تزل مشيخة الطريق تنتقل فى ذريته إلى أن وصلت إلى السيد حسن صاحب الكرامات المأثورة الذى مقامه بكفر العزازى.

(جزيرة الذهب)

قريتان أحداهما بالجيزة والثانية بمديرية الغربية كذا فى مشترك البلدان فالأولى بقسم ثانى من الجيزة فى غربى البحر الأعظم على بعد مائة متر وفى جنوب مدينة الجيزة بنحو ألف متر، وفى شرقى ناحية الكنيسة بنحو ألفى متر وبها جامع ونخل كثير، والثانية بقسم دسوق من الغربية واقعة فى وسط بحر رشيد تجاه ناحية فوّة من الجهة القبلية.

(جزيرة شندويل)

بلدة كبيرة على الشاطئ الغربى للنيل بحرى سوهاج بينها وبين سوهاج نحو بسطتين لها شبه قوى بالمدن فى أبنيتها وسوقها الدائم، وبها إقامة ناظر قسم سوهاج وحاكم خط الجزيرة والمهندس، وبها قليل من الخانات والدكاكين، وبها تجار البز والعقاقير والمواشى، وأكثر أهلها يتكسبون من الفلاحة، وبها علماء وأشراف ومساجد جامعة وزوايا.

ص: 145

وأكبر مساجدها وأشهرها مسجد سيدى على ابن سيدى أبى القاسم الطحاوى جدّ من بها من الأشراف مقامه بها مشهور، وكان تجديد هذا الجامع بهمة محمد أفندى حسن الشندويلى وكيل مديرية جرجا سابقا وهو فى شمالها الشرقى، وبها كثير من مقامات الأولياء ونخل قليل وفى غربيها تل عال تأخذ منه الأهالى السباخ، وعمدتها محمد بن عمر الشويخ مشهور بالكرم عن أبيه وجده، وله بها أبنية فاخرة وجنينة فى جنوبها الشرقى فيها أنواع الفواكه ويزرع فيها قصب السكر، وبجوار تلك الجنينة جنينة أخرى لبعض مشايخها ويتبعها عدة كفور كنجع طائع ونجع الشيخ يوسف، وفى هذا النجع كنيسة بمكتب للأقباط وجنينة لبعض مشايخ ذلك النجع، وأكثر أطيانها يخشى عليه التشريق عند قلة النيل وتروى من ترعة أم عليلة.

وفى شرقى الشيخ يوسف فم ترعة يقال لها ترعة الشيخ يوسف تصب فى جملة حيضان فى مرورها شمالا بأطيان شندويل وبصونة ونجوع المراغة والجزازرة ونبهو ومدينة طهطا حتى تصب فى أطيان بنجا، وبين الجزيرة وسوهاج عدة قرى يخشى على أطيانها التشريق أيضا مثل الحمادية وباجة وأولاد نصير، وفى شرقى الجزيرة إلى جهة الجنوب على الشاطئ الغربى أيضا قرية معيفن ذات أبنية جديدة بوضع حسن مربعة الشكل بها نخيل فى خلالها، وفى دائرها وفى شرقها على شاطئ البحر جنينة لبعض عمدها.

وأطيانها جيدة المحصول وبها مساجد عامرة وفى غالب الأوقات يقرأ فيها العلم وشرقى البحر فى مقابلة الجزيرة ناحية الطوائل وقبلى الطوائل على البحر أيضا صوامعة سفلاق ثم نيدة، وجميع هذه البلاد من قرى الأرياف ذوات نخيل وأبنية من اللبن والآجر ويتكسبون من الزراعة ولهم أراض جزائر وحيضان وأكثرهم مسلمون ويتسوقون سوق الجزيرة.

(جزيرة محمد) قرية من مديرية الجيزة بقسم أول موضوعة غربى الجسر الأعظم على بعد أربعمائة متر، وفى شمال ورّاق العرب على بعد ألف متر وقبلى طناش بنحو ألفى متر، ومبانيها بالآجر واللبن، وبها مسجدان أحدهما يعرف بمسجد الشيخ أبى طىّ وبه ضريحه، وفى جهتها الغربية ضريح ولى يقال/له الشيخ خضر

ص: 146

العراقى يعمل له ليلة كل سنة، وبها نخيل قليل وتكسب أهلها من الزراعة وغيرها، وقد نشأ منها الأمير حسين بيك عوف الحكيم رحمه الله.

(جزيرة المنصورية)

قرية فى وسط البحر من قسم أسوان فى جزيرة مرتفعة تبلغ مساحتها نحو ستمائة فدان لا تروى إلا عند كثرة النيل وبها قليل من شجر النخل والدوم.

(جزيرة نقنق)

قرية من قسم سمهود بمديرية قنا وسط البحر الأعظم بقرب البلابيش من بلاد شرق أولاد يحيى، أرضها مشهورة بجودة المحصول سيما شجرة الدخان المشروب، ودخانها مرغوب فيه فى جميع جهات الصعيد وتزدحم عليه التجار، ويقرب منه فى الرغبة دخان بلاد الزنار بحوض أسيوط ودخان البدارى شرقى البحر الأعظم عند قرية العقال قبلى بوتيج، ودخان ناحية غياضة من قسم ببا بمديرية بنى سويف.

وفى ناحية صول بشرق أطفيح بحرى الكريمات يزرع دخان يعرف بالسروال يرغب فيه كثير من الأهالى وهذا النوع يزرع بعد نزول النيل حبا بأن تنقر الأرض ويوضع الحب ويردم عليه وبعد نباته يقلعه بعض الناس وينقله إلى أرض أخرى، وبعضهم يتركه إلى أن يدرك فيجز ويجعل حزما ويدفن فى الأرض مدة ليكتسب بالتعريق لون الصفرة، وفى بعض قرى إسنا يزرع دخان له رائحة كرائحة الدخان الجبلى ويزرع الدخان فى بلاد كثيرة من بلاد الصعيد غير أن الأجود المرغوب هو ما تقدم ذكره.

(الجزى)

بلدة من أعمال منوف بمديرية المنوفية واقعة شرقى بحر رشيد على نحو مائة وخمسين مترا وهو أيضا فى قبليها على نحو مائتى متر، وفى شرقيها ترعة السبيل على نحو مائة وخمسين مترا وهى قرية كبيرة بإحدى القرى التى جرى تنظيمها بمعرفة الحكومة سنة 1262 هـ وأكثر أبنيتها باللبن وبها قليل من الغرف، وفى غربيها قصر للميرى قد تهدم الآن وجعل مخزنا لملح الديوان، وفيها جامع بمنارة فيه ضريح الأستاذ عبد الملك وآخر بمنارة يقال له جامع الإنبانى وكلاهما جدد من طرف الميرى سنة 1262 وفى بحريها جنينة فيها أنواع الفواكه والنخيل.

ص: 147

وترقى منها فى رتب الحكومة محمد أفندى الانبابى فكان ببكباشى ثم لزم بيته وفيها تجار مشهورون وأهلها مسلمون وعدتهم ثلاثة آلاف نفس وتسع وثمانون نفسا، وزمامها مائتان وسبعة عشر فدانا مأمونة الرى وفيها ساقية عذبة الماء، وفى شرقيها إلى بحرى على نحو ألف متر وخمسين تل قديم وينسج فيها الحصر والأعبية الغليظة، وفى غربيها على البحر سويقة صغيرة فيها حانوتان وسوقها كل يوم خميس ومنها إلى منوف نحو ساعة وإلى طندتا نحو ثلاث ساعات.

(الجعفرية)

قرية هى رأس قسم من مديرية الغربية على الشاطئ الغربى ليحر شيبين وفى جنوب ناحية سحيم بنحو ألف متر وشرقى ناحية نطاى التى يقال لها طيه بنحو مائتين وخمسين مترا وأبنيتها بالآجر واللبن وبها ثلاثة جوامع أشهرها جامع سيدى محمد أبى العزم له مئذنة، وبه مقام الأستاذ المذكور وضجيعه الشيخ محمد الجندى وعدة زوايا ولها سوق دائم على البحر فيه حوانيت وقهاو وخمارات، وبها وابور للطحين وحلج القطن لمحمد بيك المنشاوى، وفى غربيها قصر مشيد أنشأه العزيز المرحوم محمد على باشا كان ينزل به، والآن هو محل المركز والضبطية وفيها بيوت للميرى ومنزل كبير كان أنشأه أحمد باشا يكن، وفيها معمل فراريج وحواليها بساتين نضرة، ولها سوق مشهور كل يوم أحد غير السوق الدائم على عادة البنادر وخرج منها ناس كثيرون لطلب العلم فى الأزهر وطندتا وتصدر بعضهم للتدريس، وبعضهم تأهل لذلك وكان بها عالم نحرير يدعى الشيخ أحمد المنوفى توفى بعد سنة ثمانين بعد المائتين والألف وكان نحيف الجسم صوفيا أديبا، وغالب قوت أهلها الذرة المخلوطة بقليل من الحلبة وقد يأكلون القمح مخلوطا بشعير، ويلبس أغنياء رجالهم ثياب القطن البيضاء والغلائل وأقبية الخز والجوخ وقد يلبسون فوق ذلك جبة الصوف المصبوغ وتلبس النساء السراويلات تتخذها الأغنياء من الحرير الألاجات أو الشاهيات ونحو ذلك.

وتتخذ أيضا من ثياب القطن الدايولان وغيره وأقمصة الكتان وعصائب الحرير الأسود ذات الحواشى الحمر والأهداب وتسمى بالعصبة، وفى بلاد الصعيد تسمى بالشعرية تعصب بها المرأة رأسها وتلقى أطرافها على صدرها أو خلفها وتجعل فوقها خمارا يسمى بالطرحة أو بالفوطة أو بالشاشية على حسب اختلاف البلدان، فإذا

ص: 148

خرجت من بيتها لنحو زيارة لبست ثوبا من الحرير يسمى عندهم غلالى، وتلبس فوقه ثوبا واسع الكمين جدا وتضع كميه على رأسها ثم تجعل فوق ذلك ثوبا ساترا من أعلى رأسها إلى الأرض تارة يكون من الكتان وتارة من الحرير المسمى عندهم بالملس ويزرع فى أطيان تلك البلدة أكثر مزروعات القطن من قمح وشعير وقطانى وذرة وبرسيم وحلبة والقطن وقصب السكر والبصل والفجل والباميا والملوخيا والمقاثئ من قثاء وخيار وبطيخ وحرش وباذنجان أسود.

ويلعبون فى أفراحهم/ألعابا كثيرة من ذلك أن يجتمع جماعة فينقسمون فرقتين فرقة تتزيا بزىّ النصارى والأخرى تتزيا بزى المسلمين وتجعل فرقة النصارى على وجوههم صورا من الخشب سودا على هيئة وجوه الآدميين ويتحارب الفريقان كحرب الجهاد ويظهر كل ما عنده من الحيل والمكايد للظفر والغلبة.

ومنها أن يعمموا رجلا بعمامة كبيرة جدا فيها ألوان شتى من الخرق ويجلسونه على سرير النورج يجعلون له كرسيا ويتأدبون أمامه ظاهرا وينادى مناديهم: ألا أن القاضى شلاطه بلاطه ابن المرأة اللهاطه قد حضر ليعين الظالم على المظلوم ويظهر الباطل على الحق فالغائب يعلم الحاضر ومن كان زوجها لا يجامعها أو لا يقوم بحقوقها فلتأت، فيأتى رجل بهيئة مزعجة فيقول يا سيدى القاضى أنا امرأة غلبانة وزوجى فلان لا يقوم بحقوقى فيأمر باحضاره، فيحضره أعوانه فيأمر بحبسه فيسجن تحت سرير القاضى فيبول القاضى عليه.

ومن ذلك أن يزينوا المختون بأحسن زينة ويطوفون به البلد راكبا فرسا وأمامه الطبول وآلات اللهو والراقصات من النساء ويركب بعض الشبان الخيول وبعضهم يمسك النبابيت ويلعبون بالخيل والنبابيت أمام كل حارة ويرمى هناك النقوط على الطبالين.

وفى الزواج يركب الزوج ليلة البناء فرسا والزوجة كذلك ويطاف بهما البلد ويكون هو المقدم وهى تتبعه وجهازها وراءها فيبنى بها فى بيته وتأخذ أقرب امرأة إليها الخرقة الملوثة بدم بكارتها ويطاف بها حول البلد مع الغناء والزغاريد وبعض النساء يكتحل بدم البكارة ويعتقدون أنه يجلوا البصر.

ص: 149

وفى جنائزهم يرسلون إلى البلاد فإذا اجتمعت الناس مشوا أمام الجنازة بالطبول والبيارق وينصبون للعزاء خياما خارج البيوت إلى تمام أيام الماتم، وهذه العوائد والاصطلاحات ليست خاصة بهذه البلدة بل مثلها ما جاورها بل كثير منها فى أغلب البلاد.

ومن ذلك البسلة التى تجعل للمولود ليلة السابع وهى أن يجمع من جميع الحبوب الموجودة ويخلط ويجعل فيه الملح ويبيت عند المولود وكذلك يبيت عند رأسه أبريق مملوء ماء وفى صبيحة اليوم السابع تأتى أحبة أمه من النساء بما قدرن عليه من الغلة فتأخذه الداية ويسمى المولود حينئذ ويعق عنه

(1)

إن كان أبوه غنيا، وبعض الوالدات تجمع الأطفال يومئذ وتجعل فى وجوههم نكتا من صبغ أحمر على خدودهم وجباههم وأنوفهم وذقونهم، وقد يثقبن سبع حبات من الفول ويعلقن فى رقبة المولود أو ضفائر أمه، وكذا يعلقن يوم الولادة قطعة من جريد النخل قدر ثلاث أصابع محززة سبع حزوز بشروط عندهم وتسمى: المشوهرة يعتقد النساء وكثير من الرجال أنها تدفع ضرر أمور كثيرة، وفى بعض البلاد يؤذن فى أذن المولود عند تسميته.

‌ترجمة الشيخ ناصر الدين محمد الجعفرى

وإلى الجعفرية هذه ينسب الشيخ محمد الجعفرى الذى ترجمه السخاوى فى الضوء اللامع

(2)

حيث قال هو محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن أبى عمر محمد ناصر الدين الجعفرى القاهرى الشافعى الموقع ويعرف بناصر الدين الجعفرى ولد فى العشر الأول من ربيع الأول سنة أربع وتسعين وسبعمائة بالجعفرية وحفظ القرآن والعمدة والتنبيه والمنهاج الأصلى وألفية ابن مالك، وتفقه بالولى العراقى وسمع عليه ووصفه بالفاضل وأخذ الفرائض عن الشمس العراقى وأذن له فى سنة سبع عشرة وناب فى القضاء بالبلاد عن العلم البلقينى، ثم بالقاهرة فى سنة سبع وخمسين وكتب التوقيع دهرا، وصنف للشهود وشرح الرحبية والجعبرية فى الفرائض وحج مرارا وناب فى قضاء جدة وجاور بالمدينة النبوية ثلاثة أعوام.

(1)

ذبح الشاة سابع يوم مولده.

(2)

الضوء اللامع 9/ 211.

ص: 150

وكان بارعا فى الفرائض والتوثيق متكسبا منه غالب عمره لا يمل من الكتابة فيه مع سلامة الفطرة ومزيد التواضع والتقشف، مات بعد أن شاخ وهرم وعمر فى يوم الجمعة سلخ ذى الحجة سنة سبع وثمانين وثمانمائة ودفن من الغد بتربة السنقورية رحمه الله. انتهى.

‌ترجمة تقى الدين أبى الوفاء الجعفرى

وأما تقى الدين أبو الوفاء الجعفرى فهو أخو المترجم ولد فى رجب سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بالجعفرية ونشأ بها فحفظ القرآن ثم تحول منها فى سنة إحدى وثلاثين فقرأ المنهاج عند خالد المنوفى وتلا لأبى عمر وعلى التاج ابن نمرية والشهاب الإسكندرى وتعانى التوقيع كأخيه وتميز فيه وحج فى سنة إحدى وستين، انتهى، ولم يذكر تاريخ موته رحمه الله وإيانا

(1)

.

(جلف) قرية من قسم بوجرج بمديرية المنية وتعرف فى بعض الكتب باسم جلبة أو جلفة. وهى بقرب البهنسا من الجهة الشرقية على نحو ساعتين فى حوض الجرنوس، وفى قبليها إلى الشرق على نحو أربعمائة قصبة قرية بتوجة وهناك قرية شرقى اليوسفى يقال لها بان أو بام فى داخل حوض سلقوس، ويقال لها الآن؛ بان العلم، وقرية أيضا يقال لها طنبو، وهذه القرى الثلاثة أى جلف وبتوجة وطنبو كانت على باطن كبير مستبحر قد ارتدم بعد سنة 1250 هـ بواسطة قناطر عشرين عينا أنشئت هناك سنة 1240 هـ. وبواسطة إنشاء ترعة فمها قبلى قلوصنة إلى الباطن المذكور فصارت أرض ذلك الباطن/من أجود الأراضى ويزرع بها الدخان إلى وقتنا هذا، ويعرف الآن فى الجرنوس باسم باطن العشرين، وفى البلاد التى فى بحريها باسم أبى راهب، وجميع النواحى المذكورة قرى صغيرة وأكثر أهلها مسلمون، وبجوار جسر الجرنوس أيضا ناحية أشنين النصارى بين آبة الوقف وطنبدا وبها كنيسة وعلى الجسر المذكور ناحية قفادة شرق العيسوى على نحو ثلثمائة قصبة يسكنها

(1)

وقيل: إن مولده فى إحدى الجمادين، انظر الضوء اللامع 9/ 211 حاشية رقم (1) ط. المقدسى.

ص: 151

قليل من المسلمين، وهناك أيضا ناحية شرونة بها كثير من النصارى وعمدتها نصرانى يسمى مخائيل أفندى وسبق له تعيين فى نواب الشورة سنة 1285.

(الجمالية الكبيرة)

هى بتشديد الميم قرية كبيرة من مديرية الدقهلية بمركز دكرنس على الشاطئ الغربى للبحر الصغير بينها وبين دكرنس عشرة آلاف قصبة وأبنيتها بالآجر واللبن وبها جامع كبير بمنارة على شط البحر فيه بئر معينة مالحة الماء، وكان فيها جنائن نحو العشرين فدانا تلاشى أمرها من قلة الماء ولم يبق منها إلا نحو مائتى نخلة وفى غيطانها شرقى البحر ضريح ولى يعرف بالشيخ واجد يقال: إنه من طائفة تعرف بأولاد طعمة ليس عليه قبة ويزعمون إنه إذا بنى عليه شئ ينهدم بنفسه.

وفيها بيت مشهور يقال له بيت إبراهيم أبى عبد اللطيف كان يزرع أربعمائة وأربعين فدانا فى أطيان الناحية هو وعائلته غير ما لهم فى كفر الجمالية وهو ثلثمائة فدان ثم تشعبوا إلى عائلات.

ولهم منازل مشيدة ذات شبابيك وزجاج وفيها دوائر لضرب الأرز بطلت الآن لقلة زرعه فيها، وعندها ترعة كبيرة خارجة من البحر الصغير ومتصلة بالبحيرة المالحة تسير فيها المراكب، وبعض أهلها صيادون للأسماك والطيور والبعض يزرعون الأرز والقطن وبعض الحبوب ولها سوق كل يوم ثلاثاء يباع فيه أصناف الأقمشة والعطارة والحبوب وغيرها.

ولها موردة بها مراكب لشحن الأرز من البحر الصغير إلى المنصورة وفى زمن الفرنساوية حصلت وقعة فى هذه البلدة بين عرب تلك الجهة والفرنساوية المقيمين بمدينة دمياط ومدينة المنصورة قتل فيها كثير من العرب وأهل البلد وأحرق الفرنساوية تلك البلد كما سيأتى ذلك فى الكلام على دمياط.

(جميجمون)

قرية من مديرية الغربية بقسم بلاد الأرز غربا موضوعة على الشاطئ الشرقى لفرع رشيد، وفى الجنوب الشرقى لناحية دسوق بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر، وفى غربى ناحية سنهور بنحو أربعة آلاف وأربعمائة متر.

ص: 152

(جناج) قرية من مديرية الغربية بقسم صا الحجر واقعة فى شرقى ترعة القضابة بنحو سبعمائة متر، وفى الشمال الشرقى لصا الحجر بنحو أربعة آلاف متر وفى الشمال الغربى لبسيون بنحو ستة آلاف متر، وبها جامع بمنارة ومعمل دجاج ونخيل كثير وأكثر أهلها مسلمون.

‌ترجمة الشيخ محمد الجناجى

وينسب إليها الشيخ محمد الجناجى المترجم فى الضوء اللامع

(1)

للسخاوى بأنه محمد بن على بن أحمد بن سالم بن سليمن البدر الجناجى بجيمين، الأولى مفتوحة بينهما نون خفيفة نسبة لجناج، ثم القاهرى الأزهرى المالكى، وربما يعرف هناك بابن وحشى.

ولد فى سنة ستين أو بعدها تقريبا وحفظ القرآن واشتغل عند داود القلتاوى فى الفقه والعربية، وسمع على الكمال بن أبى شريف وعلى الشاوى وحج غير مرة، واختص بالشمس الحليمى التاجر ثم بأبى الفتح ابن كرسون، وسافر معه إلى اليمن فحصل بعض ما ارتفق به وعاد بعد أشهر فى سنة تسع وتسعين واستمر مقيما بمكة يقرئ ولد المشار إليه ومعه جارية يتقنع بها ولا بأس به ا. هـ. ولم يذكر تاريخ موته رحمه الله تعالى.

ومنها محمد أفندى الجناجى صاغقول، أغاسى مهندس ومعاون مأمور مقايسات الانتهائى والشيخ محمد بن موسى الجناجى المعروف بالشافعى يحتمل أنه ينسب إليها أو إلى منية جناج انظر ترجمته فى المنية المذكورة.

(جنان) هى بكسر الجيم ونونين مخففا قرية من مديرية الشرقية تبع مركز العربن واقعة على الشاطئ الشرقى لبحر حدور.

(1)

انظر الضوء اللامع 8/ 161 ط، المقدسى.

ص: 153

‌ترجمة الشيخ سليم الجنانى

وإليها ينسب كما فى الضوء اللامع

(1)

للسخاوى سليم بن عبد الرحمن بن سليم- ككبير فيهما-العسقلانى الأصل الجنانى الأزهرى لإقامته به، أقام فيه ملازما للعبادة وقراءة القرآن إلى أن ظهر أمره وصار للناس فيه اعتقاد وقصد للزيارة ورزق الأولاد.

وكان لا يأخذه فى الله لومة لائم بل يكلم أرباب الدولة بالخشونة مع بله وسلامة باطن، وإذا سمع بمنكر جمع فقراءه وتوجه بالسلاح والمطارق لإزالته فمرة ينتصر ومرة لا يتمكن، وكان الأشرف يجلسه بجانبه ويصغى لكلامه وربما يقول الشيخ «لا تكذب على» فيضحك الأشرف وقال مرة وقت اجتماع الناس لصلاة الجمعة وقد خرج من رواق الريافة بالجامع الأزهر إلى صحن الجامع وبيده عصا يضرب بها على الأرض الصلاة على ابن النصرانية وكرر ذلك، وعنى به سعد الدين ابن كاتب جكم فلم يقم المشار إليه إلا يسيرا ثم مرض ومات واستغفله شخص حتى شهد له فى مكتوب ثم اطلع على تزويره فبادر إلى بعض القضاة وقال له: عزرنى على شهادة الزور، فقال:

يكفى رجوعك ولم تكن متعمدا/فذهب إلى غيره فقال له كذلك، فاستغاث وأنكر على القضاة، ثم قال أنا أعزر نفسى وعلّق النعال فى عنقه وطاف الأسواق وأمر أتباعه ينادون عليه هذا جزاء من يشهد بالزور.

وكان شهما حج مرات وأرخ فى الحواث من أخباره ولم يزل على طريقته إلى أن مات سنة أربعين وثمانمائة ودفن بالصحراء خلف جامع طشتمر الساقى المعروف بحمص أخضر، وكانت جنازته مشهودة وقبره هناك معروف يقصد بالزيارة، انتهى.

(جمزور)

قرية من مديرية المنوفية بقسم تلا فى شرقى ناحية بابل بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى قبلى صناديد بنحو ستة آلاف متر وأبنيتها بالآجر واللبن، وبها مسجدان جامعان غير الزوايا أحدهما فى جهتها الشرقية وهو جامع قديم تهدّم فأنشأته الأهالى سنة أربع ومائتين وألف، والآخر فى جهتها الغربية يقال له جامع سيدى

(1)

انظر الضوء اللامع 3/ 271 ط المقدسى.

ص: 154

يعقوب وهو قديم وله منارة، وبها للدجاج معملان أحدهما غير مستعمل الآن، وفيها كثير من أضرحة الصالحين ذات القباب كضريح الشيخ نصير، والشيخ منصور، والشيخ أبى عطاء الله وفى غربيها على ترعة القاصد ضريح الشيخ أبى النور، وزمام أطيانها أربعة آلاف فدان وثمانية وسبعون فدانا، ريها من ترعة القاصد ومن ترعة الغورى، ولها على ترعة القاصد نحو أربعين ساقية وسواق معينة نحو خمسة عشر ارتفاعها وقت احتراق النيل ثمانية أمتار، وفيها عائلة مشهورة يقال لها أولاد بنى عامر منهم حماد أبو عامر كان ناظر قسم مدة ثم عوفى، وابنه السيد حماد الآن رئيس مجلس مركز منوف، ولهم بها أبنية جيدة ونحو خمسة وابورات لسقى الزرع بعضها ثابت، ولها سوق كل يوم اثنين يباع فيه كثير من سلع القطر، وبينها وبين سكة الحديد المارة من مصر إلى الإسكندرية نحو ستمائة قصبة ويتبعها نزلة صغيرة تسمى منشاة أولاد أبى عامر، فيها بستانات يشتملان على كثير من الفواكه، وفيها مسجد تقام فيه الجمعة والجماعة أنشأه حماد أبو عامر، وأبنيتها باللبن والآجر، وأكثر أطيانها على ترعة الجردة الآخذة من ترعة القاصد، وأكثر أهل جمزور مسلمون وإليها ينسب الشيخ سليمن الجمزورى صاحب المتن المنظوم فى تجويد القرآن وهو متن نفيس صغير الحجم كثير العلم توفى سنة أربع وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى، انتهى من الجبرتى.

(جهينة)

بصيغة التصغير كمزينة عدة قرى ببلاد مصر، فمنها جهينة البحرية قرية من مديرية الشرقية بمركز الصوالح، موضوعة على الشاطئ الغربى لمصرف بحر البقر فى جنوب كياد الفتاورة بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر وفى شمال ناحية فاقوس كذلك، وبها جامع بمئذنة ومنزل مشيد لورثة المرحوم عيدروس بيك وجنينة وأهلها من عرب جهينة القبيلة المشهورة.

ومنها جهينة القبلية قرية من مديرية جرجا بقسم سوهاج فى أسفل بلاد إخميم، واقعة فى أطراف بساط الجبل الغربى، ممتدة جنوبا وشمالا فوق السوهاجية فى جنوب ناحية نزة على بعد ثلاثة آلاف متر، وفى شمال قرى وديعة بنحو تسعة آلاف متر، وتجاهها فى شرقى السوهاجية ناحية بنويط ونجع أبى قسط والقرية بالتصغير وناحية أولاد إسمعيل، وفيها مساجد عامرة وقد يقرأ فيها دروس العلم قليلا، وبها نخل كثير

ص: 155

بينها وبين السوهاجية، وفيها كثير من شجر المقل وأهلها أكثر من عشرة آلاف نفس من عرب جهينة القبيلة المشهورة، ولهم كرم زائد وشهامة وفصاحة لسان، وذكاء فطنة وثبات جنان وهم الآن يساقون سوق الفلاحين، ولهم غنداق واسع من الأرض الخصبة ولهم خبرة تامة بفلاحة الأرض، ويقتنون جياد الخيل وفاره الحمر وعراب الإبل.

ومن عوائدهم فى الأكل مع الضيوف أو غيرهم أن لا يتركوا رغيفا مكسورا ويعدّون ذلك عيبا فمن كسر رغيفا فلا بد أن يأكله أو يعطيه لمن يأكله، بحيث لا ترجع السفرة برغيف مكسور، حتى فى وليمة العرس على كثرة الآكلين فإنهم يمدون سماط الوليمة على البرد بضم الموحدة وفتح الراء جمع بردة، وهى أحرمة تنسج ببلاد الصعيد من غزل الصوف الغليظ فتجعل فلقتين عرض كل فلقة نحو ذراع ونصف فى طول عشرة أذرع فأكثر ثم يخاطان ويكونان بردة زنتها نحو عشرين رطلا يتخذونها للغطاء والفرش لأنفسهم وضيوفهم، ففى وليمة العرس يفرشون عدة برد مستطيلة فى عرصة الدار صفّا صفّا، ويأتون بزكائب الرغفان فيفرغونها على البرد ويضعون مرق اللحم فى أوان من فخار غالبا أو نحاس ويجعلونها سطرا فى وسط الرغفان، ويجلس الناس للأكل صفوفا من الجانبين على كل بردة فيأكلون ويفرق عليهم اللحم الكثير من لحم فحول الجواميس والبقر والضأن والمعز وتلك العادة فى كثير من البلاد، إلا أن أهل جهينة ينقسمون أرباعا كل ربع يأتيهم منابهم من اللحم على حدة، ويفرّق عليهم قيمهم ولا يتركون رغيفا مكسورا وإذا جاءت طائفة فلا يخرج لها مما أخرج أولا فإنه لا يخلو من تلويث من الطبيخ، بل لا بد أن يخرج/طعام جديد ولو كان الأول باقيا على كثرته.

وفى جهينة هذه بيوت مشهورة سبقت لهم وظائف ديوانية فمن ذلك بيت البسة، كانوا مشايخ عرب تلك الجهات وكان لهم مرتبات غلال من شون الميرى كل سنة.

وبيت أبى عقيل كان منهم إسمعيل ناظر قسم ومن بعده ابنه محمد وكذلك أبو خبر، والحويج وغيرهم، فهى بلد ذات قدر عند الحكام والعرب.

وفى رسالة المقريزى (البيان والإعراب عمن بمصر من الأعراب): أن جهينة من قبائل اليمن وهى جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إسحق بن قضاعة،

ص: 156

وهى قبيلة عظيمة وفيها بطون كثيرة، وهى أكثر عرب الصعيد وكانت مساكنهم فى بلاد قريش فأخرجتهم قريش بمساعدة عساكر الخلفاء الفاطميين ونزلوا فى بلاد إخميم أعلاها وأسفلها، وروى أن بليا وبطونها كانت بهذه الديار وجهينة بالأشمونين جيرانا بمصر كما هم بالحجاز فوقع بينهم واقع أدّى إلى دوام الفتنة فلما خرج العسكر لإنجاد قريش على جهينة خافت بلى فانهزمت فى أعلى بلاد الصعيد إلى أن أديلت لقريش وملكت دار جهينة، ثم حصل بينهم جميعا الصلح على مساكنهم المذكورة.

وقوله فى بلاد قريش قال فى تلك الرسالة وكانت بلاد الأشراف التى ينزلون بها هم ومواليهم وأتباعهم من الأشمونين إلى بحرى أتليدم قال: وكان بمصر من العرب لما قدم الغز صحبة أسد الدين شيركوه إلى مصر: طلحة، وجعفر وبلى، وجهينه، ولخم وجذام وشيبان، وعذرة، وطيئ، وسنبس وحنيفة ومخزوم، انتهى.

(جوجر) قرية من مديرية الغربية بمركز سمنود على شاطئ فرع دمياط الغربى، كانت فى السالف بلدة كبيرة ذات شهرة تقرب مساحتها من عشرين فدانا، وهى الآن قريتان صغيرتان لا يبلغان عشر أصلهما يفصلهما تل قديم، وفيهما جملة من مقامات الأولياء بعضها على هذا التل وبعضها فى خلال القريتين وأكثر أهلها مسلمون وبها مسجد جامع.

وقال المقريزى عند ذكر كنائس اليهود أن هذه القرية من القرى الغربية وبها كنيسة لليهود من أجلّ كنائسهم، ويزعمون أنها تنسب لنبى الله إلياس وأنه ولد بها وأنه كان يتعاهدها فى طول إقامته بالأرض إلى أن رفعه الله.

وإلياس هو فيخاس بن العازر بن هرون عليه السلام، ويقال الياسين بن يس عيزار بن هرون عليه السلام، ويقال هو إلياهو وهى عبرانية معناها قادر أزلى وعرب فقيل إلياس، ويذكر أهل العلم من بنى إسرائيل أنه ولد بمصر وخرج به أبوه العازر من مصر مع موسى عليه السلام وعمره نحو ثلاثين سنة وأنه هو الخضر الذى وعده الله بالحياة وقد أطال المقريزى فى ترجمته عند ذكر كنيسة جوجر.

وفى مقابلة هذه البلدة فى بر المنصورة منية بدر خميس وفى قبليها على البحر الأعظم منية الغرقى، وهى بلدة كبيرة ثم يليها على البحر أيضا منية ثابت، وقبلى منية

ص: 157

ثابت على نحو سبعمائة متر فم فرع ويش الذى كان يوصل الماء إلى فرع نبروه ثم يصب فى البحر المالح بأشتوم الحاج سليم، ويقال له: أيضا أشتوم حمصة وهو بحر كبير قريب من ساحل البحر فى الرمل يبلغ اتساع أسفله نحو خمسين مترا وأعلاه نحو ثمانين، وكان فى فمه قنطرة يعبر عليها وبه رصيف بنى زمن العزيز محمد على وليس بجواره بلاد.

ومنه إلى ناحية بلطيم من بلاد البرلس نحو ست ساعات وإلى كفر البطيخ من جهة دمياط نحو سبع ساعات، وبحر ويش المذكور استعمل زمنا ثم بطل من فمه إلى كفر الجنينة وعوض عنه فرع من بحر شيبين ابتداؤه من ناحية طنيخ إلى كفر الجنينة حفر زمن العزيز محمد على فى سنة 1230 تقريبا، وناحية ويش المنسوب إليها هذا الفرع قرية من قرى المنصورة فى تجاه ذلك الفم.

‌ترجمة الشمس الجوجرى

(1)

وينسب إلى قرية جوجر هذه الشيخ محمد بن عبد المنعم الذى ترجمه السخاوى فى الضوء اللامع حيث قال هو: محمد بن عبد المنعم بن محمد بن محمد بن عبد المنعم ابن أبى طاهر إسمعيل الشمس بن نبيه الدين الجوجرى ثم القاهرى الشافعى، ويعرف بين أهل بلده بابن نبيه الدين وفى غيرها بالجوجرى.

ولد فى إحدى الجماديين والظن أنه الثانى سنة إحدى وعشرين وثمانمائة أو التى بعدها بجوجر وتحول منها إلى القاهرة صحبة جده لأبيه بعد موت أبيه وهو ابن سبع، فأكمل بها القرآن وحفظ المنهاج الفرعى وكذا الأصلى وألفية ابن مالك واشتغل بالفنون فأخذ النحو عن الحناوى والشهاب السخاوى وأبى القاسم النويرى، وأصول الدين عن الشروانى والشمنى والنويرى والكافياجى وأبى الفضل المغربى، وكذا المعانى والبيان عنهم مع القاياتى، والعروض والقوافى عن الشهاب الأبسيطى والفرائض والحساب عن ابن المجدى، وسمع على الزين الزركشى فى صحيح مسلم، بل قرأ

(1)

فى الهامش الجوهرى والتصويب عن المادة.

ص: 158

الشفاء والصحيح على القاضى سعد الدين بن الديرى، وكتب الخط المنسوب، وعرف بمزيد الذكاء وأذن له غير واحد بالإقراء والإفتاء وتصدى لذلك فى حياة كثير من مشايخه، حتى كان المحلى يرسل له الفضلاء للقراءة عليه فى تصانيفه وغيرها ونوّه هو/والمناوى به جدا بل كان المناوى يناوله الفتوى ليكتب عليها واستنابه فى القضاء فى ولايته الأولى فباشر ذلك قليلا ثم تعفف عن ذلك، هذا مع اشتغاله معظم عمره بالتكسب فى بعض الحوانيت بسوق الشرب، وحمد العقلاء صنيعه فى ترك القضاء، وأخذ عنه الفضلاء طبقة بعد أخرى وصار بأخرة شيخ القاهرة، واتسعت حلقته جدا سيما حين تحوّل للمؤيدية ثم الجامع الأزهر.

وكتب على عمدة السالك لابن النقيب شرحا فى جزء سماه «تسهيل المسالك فى شرح عمدة السالك» وكذا على الإرشاد مختصر الحاوى لابن المقرى، وعلى شذور الذهب مطولا ومختصرا وشرح قصيدة الهمزية للبوصيرى فى مطول ومختصر والمنفرجة وغير ذلك من نظم ونثر.

وكان كثير الفتاوى مع عدم التأنى وربما ينبه على ما يقع له فيها وفى تصانيفه من المخالفات فلا يكاد يرجع ويبرهن على ما تورّط فيه ولكنه كان حسن العشرة كثير التودد والتواضع والامتهان لنفسه، غير متأنق فى سائر أموره بحيث لا يتحاشى عن المشى فيما كان الأولى الركوب فيه ولا يأنف مراجعة الباعة فيما يجد من يتعاطاه عنه، ولا يمتنع من الجلوس فى مطبخ السكر بحضرة اليهود وغيرهم إلى غير ذلك مما تأخر به عند من لم يتدبر.

ولعل قصده كان جميلا سيما وعنده نوع فتوّة وإحسان وبذل همة فى مساعدة الغرباء وحج غير مرة، وكان فى صوفية المؤيدية قديما ثم رغب أن يكون فى طلبة الحسامية والشريفية مما كان اللائق به الترفع عنه، بل تهالك فى السعى فيهما، ودرس الفقه بالظاهرية القديمة بالمدرسة الجانبكية بالقربيين، وبمدرسة أم السلطان وبالقطبية برأس حارة زويلة وبالجقماشية بعد واقفها وبالمؤيدية سوى ما كان باسمه من أطلاب واعادات وأنظار ونحوها، ولم يمتنع من النيابة فى تدريس الحديث بالكاملية عمن علم غصبه له عن مستحقه.

وبالجملة فمحاسنه جمة والكمال لله، ومات شبه الفجأة سنة تسع وثمانين

ص: 159

وثمانمائة بالظاهرية القديمة وصلى عليه بالأزهر فى مشهد حافل جدا، ودفن بزاوية الشاب التائب محل سكنه وتأسف الناس على فقده ومن نظمه يمدح شرحه للإرشاد.

ودونك للإرشاد شرحا منقحا

خليقا بأوصاف المحاسن والمدح

تكفل بالتحرير والبحث فارتقى

وفى الكشف والإيضاح فاق على الصبح

بعين الرضا فانظره إن جاء محسنا

فقابله بالحسنى وإلا فبالصفح

ومن كلامه:

قل للذى يدعى حذقا ومعرفة

هوّن عليك فللأشياء تقدير

دع الأمور إلى تدبير مالكها

فإن تركك للتدبير تدبير

‌ترجمة الشيخ محمد الجوجرى الخانكى

وفى الضوء اللامع

(1)

أيضا أن منها الشيخ محمد بن على بن عبد الله الجوجرى ثم الخانكى الشافعى، ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة تقريبا بجوجر ثم تحول إلى خانقاه سر ياقوس وتسبب الأب بالعلافة وغيرها، وحفظ هو القرآن وجانبا من التنبيه بواسطة انتمائه لشريفين أعجميين أخوين كانا نازلين بها وتدرّب بهما فى الطلب ومعرفة اللسان العجمى ولازم خدمتهما حتى انفصلا إلى الحرمين، ثم اختص بعلى الخراسانى ناظر الخانقاه وتكلم عنه فى الخانقاه بل كان هو المستبدّ بها ثم استقل بنظرها وقام فى أمرها وتنمية وقفها وعمارتها وناكد كثيرا من مستحقيها.

وكذا تكلم عن قانم وغيره فى الشيخونية والصرغتمشية والبيمارستان وعن قجماش فى البرقوقية ولا زال فى ترق من المال والدور بالخانقاه وغيرها مع مزيد إقدامه وكثرة كلامه وميله إلى الغلظة والتجبر وربما مال للفقراء والفضلاء، وحضر عند القاياتى والسروانى والمناوى والورورى ومات له ولد فأحضر له أبو البقاء ابن الجيعان لتجهيزه عشرة دنانير مع ثوب بعلبكى فأخذ ذلك وألزم أمه بتجهيزه مما هو عندها

(1)

الضوء اللامع 8/ 192 ط، المقدسى.

ص: 160

للميت، كل ذلك وهو منقطع متوجع حتى مات فى رجب سنة سبع وتسعين وثمانمائة انتهى.

(جوسق) قرية من مديرية الشرقية بقسم بلبيس على الشاطئ الشرقى لترعة الخضراوية وفى الجنوب الغربى لمنية حمل بنحو ثلاثة آلاف وثلثمائة متر وفى شمال ناحية العيسى بنحو أربعمائة متر وبها جامع وقليل نخيل.

‌ترجمة الشيخ سليمان الجوسقى

وإليها ينسب كما فى الجبرتى الشيخ سليمان الجوسقى شيخ طائفة العميان بزاويتهم المعروفة الآن بالشنوانى، تولى شيخا على العميان بعد وفاة الشيخ الشبراوى وسار فيهم بشهامة وصرامة وجبروت وجمع بجاههم أموالا عظيمة وعقارات، فكان يشترى غلال المستحقين المعطلة بدون الطفيف ويخرج كشوفاتها وتحاويلها على الملتزمين ويطالبهم بها كيلا وعينا، ومن عصى عليه أرسل عليه الجيوش الكثيرة من العميان فلا يجد بدّا من الدفع وإن كانت غلال معطلة صالح عليها بما أحب من الثمن، وله إخوان يرسلهم إلى الملتزمين بالجهة القبلية يأتون إليه بالسفن /المشحونة بالغلال والسمن والعسل والسكر والزيت وغير ذلك، ويبيعها فى سنى الغلوات بالسواحل والرقع بأقصى القيمة، ويطحن منها دقيقا ويبيع خلاصته فى البطط بحارة اليهود، ويعجن نخالته خبزا للفقراء العميان يتقوّتون به مع ما يجمعونه من الشحاذة فى طوافهم آناء الليل وأطراف النهار بالأسواق والأزقة، وتغنيهم بالمدائح والخرافات وقراءة القرآن فى البيوت ومصاطب الشوارع وغير ذلك، ومن مات منهم ورثه الشيخ المترجم وأحرز لنفسه ما جمعه الميت، وفيهم من وجد له الموجود العظيم ولا يجد له معارضا فى ذلك.

واتفق أن الشيخ الحفنى نقم عليه فى شئ فأرسل إليه من أحضره موثقا مكشوف الرأس مضروبا بالنعال على دماغه وقفاه إلى بيت الشيخ بالموسكى بين ملأ العالم، ولما انقضت تلك السنون وأهلها صار المترجم من أعيان الصدور والمشار إليهم فى المجالس تخشى سطوته وتسمع كلمته، ويقال: قال الشيخ كذا، وأمر الشيخ بكذا، وصار

ص: 161

يلبس الملابس والفراوى ويركب البغال وأتباعه محدقة به، وتزوج الكثير من النساء المغنيات الجميلات واشترى السرارى البيض والحبش والسود.

وكان يقرض الأكابر المقادير الكثيرة من المال ليكون له عليهم فضل، ولم يزل على ذلك حتى حمله التفاخر فى زمن الفرنسيس على توليه كبير إثارة الفتنة التى أصابته وغيرها وقتل فيمن قتل بالقلعة ولم يعلم له قبر، وذلك سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف، وكان ابنه معوقا ببيت البكرى فيمن عوّق فلما علم بموته قلق، وكاد يخرج من عقله خوفا على ما يعلم مكانه من مال أبيه حتى خلص فى ثانى يوم بشفاعة المشايخ ولم يكن مقصودا بالذات بل حضر ليفتقد أباه فحجزه الوكلاء زيادة فى الاحتياط، انتهى.

ص: 162

[حرف الخاء]

(الحاكمية)

فى مشترك البلدان: هما قريتان بمصر منسوبتان إلى الحاكم ابن عبد العزيز متملك مصر.

الأولى الحاكمية الشرقية من نواحى الشرقية.

الثانية الحاكمية فى كورة الغربية، انتهى.

فحاكمية الشرقية هى الآن بمديرية الدقهلية بقسم منية عمر فى جنوب ناحية جصفا بنحو ألفين وخمسمائة متر وبها مسجد وسواق معينة يزرعون عليها ويشربون منها فى غير زمن النيل وليس لها سوق، وبها أبعادية لورثة المرحوم عفيفى أفندى.

(الحانوت)

قريتان بمصر، يقال لأحداهما: حانوت السباخ بناحية الشرقية، والأخرى بجزيرة قويسنة قاله فى مشترك البلدان.

فالأولى قرية من مديرية الشرقية بقسم الإبراهيمية على الشاطئ الغربى لترعة أم الريش، وفى شرقى ناحية غزالة بنحو ثلاثة آلاف وأربعمائة متر، وفى الشمال الشرقى لناحية أبى الشقوق بنحو ستة آلاف ومائتى متر وبها جامع وأهلها مسلمون.

والثانية بمديرية الغربية بقسم زفتة على الشاطئ الغربى لفرع دمياط وفى شمال ناحية دهتورة بنحو ألف وثمانمائة متر وفى الجنوب الشرقى لناحية سنباط بنحو أربعة آلاف متر.

(حجازة)

قرية من قسم قوص بمديرية قنا واقعة بقرب الجبل الشرقى فى داخل حوض قفط وأبنيتها من اللبن وقليل من الآجر، وبها مساجد عامرة ومكاتب لأطفال المسلمين ونخيل وأكثر أهلها مسلمون، ولهم شهرة بالكرم والشجاعة واقتناء جياد الخيل وأصائل الإبل بسبب أنه ينزل بها كثير من العرب العبابيد ويجتمع بها

ص: 163

قوافل الحجيج من بلاد الصعيد الأعلى ثم يسافرون إلى القصير، ودرب القصير فى شرقيها على ثلثى ساعة وكذلك عند نزولهم ينزلون عليها.

(الحرافشة)

قرية صغيرة بمديرية جرجا فى الجنوب الغربى لمدينة طهطا بأقل من ساعة واقعة على الشاطئ الشرقى للترعة السوهاجية، وفى بحريها بقليل ناحية الطليحات على حافتى السوهاجية شرقا وغربا، وفى قبليها قرية نزة الدقيشية بقليل أيضا وبجوارها الجنوبى جسر عنيبس.

وفيها مسجدان ونخيل وأشجار ويزرع عندها قصب السكر والخضراوات والذرة، وكان أهلها قبل زمن العزيز محمد على باشا فقراء بلا عدد ولا عدد ليس لهم كسب سوى نسج حصر الحلفاء وكانوا مستضعفين، ولعل هذا هو السر فى تسمية القرية بهذا الاسم، لأن الحرافشة فى الأصل جمع حرفوش ومعناه كما فى كتاب كترمير عن كتاب السلوك: الدنئ الخسيس ويقال فى الجمع أيضا حرافيش.

وفى تاريخ ابن قاضى شهبة نودى أن لا يتصدق على حرفوش وأىّ فقير سأل صلب، ويقال: سار الناس والحرافيش، انتهى.

ثم ظهر بها فى زمن العزيز محمد على باشا رجل يسمى إبراهيم الحرفوشى كان عنده دعابة وهزليات، فكان حكام الصعيد من الأمراء النازلين من مصر مثل عبد اللطيف باشا وسليم باشا السلحدار يدنونه ويضحكون منه ويقضون حوائجه فظهر فى تلك الجهة وصار له أملاك وغنداق يزرعه، وقد خلف أولادا ظهر منهم: الحاج داود حتى صار من العمد المشهورين واقتنى جياد الخيل وركب فى الركابات المطلية، وجعل له خدما وحشما وبنى أبنية مشيدة بالشبابيك الحديد والخرط ودوارا واسعا مع الكرم والبشاشة وكثرة الضيوف وزرع أكثر من مائة/وخمسين فدانا وأثرى على يديه أكثر أهل القرية، وبنوا أبنية ومناظر حسنة بالبياض والشبابيك، ولهم بساتين فوق السوهاجية.

وزمام أطيانها نحو من ثلثمائة فدان، وهى طيبة الهواء حسنة الموقع يشرب أهلها من ترعة السوهاجية صيفا وشتاء يزرعون ويتسوقون من سوق طهطا ونزة وجهينة وغيرها.

ص: 164

(الحصة) قرية قديمة من مديرية القليوبية بقسم طوخ واقعة على مصرف الحصة الخارج من ترعة كوم تبين شرقى السكة الحديد الطوالى على بعد ألفى متر، وفى الشمال الغربى لناحية مصطهر على بعد ثلاثة آلاف متر، وأهلها مسلمون وتكسبهم من الزرع وغيره ويتسوقون من سوق طوخ وبنها العسل ومنية كنانة الواقعة فى شرقيها على مسافة ساعة.

ويوجد من هذا الاسم أيضا قرية صغيرة من مديرية الدقهلية بقسم منية غمر واقعة على الشاطئ الغربى من ترعة الصاقورية على بعد مائتى متر.

‌ترجمة الشيخ على الحصاوى

وذكر الجبرتى فى حوادث سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف، أن من حصة القليوبية الإمام الكبير والعلامة الشهير الشيخ على الحصاوى الشافعى قدم إلى الجامع الأزهر صغيرا وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الأشياخ مثل الشيخ على الصعيدى، والشيخ عبد الرحمن النحريرى الشهير بالمقرئ، والشيخ سليمن الجمل، وسمع من الشيخ عبد الله الشرقاوى مصطلح الحديث.

وكان يحفظ جمع الجوامع شرحه للجلال المحلى فى الأصول ومختصر السعد تصدر للإلقاء والتدريس وانتفع به الكثير من الطلبة، وكان جيد الحافظة حسن الهيئة مهذب الأخلاق متواضعا لا يرى لنفسه مقاما عاش معانقا للخمول فى جهد وقلة من العيش مع العفة وعدم التطلع لغيره، أصيب فى آخر عمره بداء الفالج فانقطع بسببه أشهرا مع سلامة حواسه، وعاد إلى الإقراء والإفادة ولم يزل على حسن حاله ورضاه وعدم تضجره وشكواه إلى أن توفى فى شهر جمادى الثانية من السنة المذكورة عليه رحمه الله.

(حفن) بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء ثم نون قرية من كورة أنصنا كانت منها مارية أم إبراهيم بن المصطفى عليه الصلاة والسلام قاله أبو عبيد البكرى، وهى فى البر الشرقى من النيل بقرب الشيخ عبادة تجاه ناحية الروضة والبياضية وملوى.

ص: 165

وعن يزيد بن حبيب أن المقوقس

(1)

أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية أم إبراهيم وأختها وكانتا من هذه القرية أى قرية حفن، وأهدى له معهما بغلة شهباء وحمارا أشهب وثيابا من قباطى مصر وعسلا من عسل بنها وبعث له بمال صدقة.

ويقال إن المقوقس أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار وقيل جاريتين وبغلة اسمها دلدل وحمارا اسمه يعفور، وقباء، وألف مثقال ذهبا، وعشرين ثوبا من قباطى مصر، وخصيا يسمى مابور ويقال إنه ابن عم مارية وفرسا يقال له الكرار، وقدحا من زجاج وعسلا من عسل بنها فأعجب النبى صلى الله عليه وسلم ودعا فيه بالبركة.

وقال ابن سعد أخبر محمد بن عمر الواقدى أبو يعقوب بن محمد بن أبى صعصعة عن عبد الرحمن بن أبى صعصعة قال أهدى المقوقس صاحب الإسكندرية إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى سنة سبع من الهجرة مارية وأختها سيرين وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا وبغلته دلدل وحماره عفيرا وخصيا يقال له: مابور فعرض حاطب على مارية الإسلام فأسلمت هى وأختها ثم أسلم الخصى بعد، وكان الذى بعثه المقوقس مع مارية اسمه عبد الله القبطى مولى بنى غفار.

قال ابن عبد الحكم وأمر رسوله أن ينظر من جلساؤه وينظر إلى ظهره هل يرى شامة كبيرة ذات شعر ففعل ذلك الرسول فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدية وكان لا يردها من أحد من الناس نظر إلى مارية وأختها فأعجبتاه وكره أن يجمع بينهما وكانت إحداهما تشبه الأخرى، فقال: اللهم اختر لنبيك فاختار الله له مارية، وذلك أنه لما قال لهما اشهدا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله بادرت مارية فشهدت وآمنت قبل أختها ومكثت أختها ساعة ثم شهدت وآمنت فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم أختها لمسلمة بن محمد الأنصارى، وقال بعضهم: بل وهبها لدحية بن خليفة الكلبى.

وعن يزيد بن أبى حبيب عن عبد الرحمن بن شامة المهرى عن عبد الله بن عمر قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمّ إبراهيم أم ولده القبطية فوجد عندها نسيبا لها كان قدم معها من مصر وكان كثيرا ما يدخل عليها فوقع فى نفسه شئ فرجع فلقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعرف ذلك فى وجهه فسأله فأخبره فأخذ عمر السيف ثم دخل

(1)

انظر السيرة الحلبية 3/ 281 وما بعدها ط صبيح القاهرة سنة 1353 هـ.

ص: 166

على مارية وقريبها عندها فأهوى إليه بالسيف فلما رأى ذلك كشف عن نفسه وكان مجبوبا ليس بين رجليه شئ فلما رآه عمر رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتانى فأخبرنى أن الله عز وجل قد برأها وقريبها وأن فى بطنها غلاما منى وأنه أشبه الخلق بى وأمرنى أن أسميه إبراهيم وكنانى بأبى إبراهيم.

وقال الزهرى عن أنس أن/المقوقس أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جوارى منهن أم إبراهيم، وواحدة وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى جهم بن حذيفة، وواحدة وهبها لحسان ابن ثابت فولدت مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم، وكان أحب الناس إليه حتى مات فوجد به، وكان سنه يوم مات ستة عشر شهرا.

وكانت البغلة والحمار أحب دوابه إليه، وسمى البغلة دلدلا والحمار يعفورا.

وأعجبه العسل فدعا فى عسل بنها بالبركة، وبقيت تلك الثياب حتى كفن فى بعضها صلى الله عليه وسلم.

وكان اسم أخت مارية قيصر وقيل بل كان اسمها سيرين وقيل حمنة، وكلم الحسن بن على معاوية بن أبى سفيان فى أن يضع الجزية عن جميع قرية أم إبراهيم لحرمتها ففعل ووضع الخراج عنهم فلم يكن على أحد منهم خراج، وكان جميع أهل القرية من أهلها وأقاربها فانقطعوا.

ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لو بقى إبراهيم ما تركت قبطيا إلا وضعت عنه الجزية، وماتت مارية فى المحرم سنة خمس عشرة بالمدينة، انتهى من خطط المقريزى عند الكلام على فضائل مصر، انتهى.

وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال حين موت ابنه إبراهيم لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا وإنه لمن المرضعين فى الجنة ولو عاش لعتق القبط ولم يسترق منهم أحد أبدا، وقال ابن الكندى فى تاريخه إن الذين صاهروا القبط من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ثلاثة إبراهيم الخليل تسرى بهاجر أم إسمعيل، ويوسف تزوّج بابنة صاحب عين شمس التى ذكرها الله عز وجل فى كتابه فقال {وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ}

(1)

وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تسرى بمارية، انتهى.

(1)

سورة يوسف 23.

ص: 167

وفى خطط المقريزى فى فضائل مصر أيضا قال يزيد بن حبيب: قرية هاجر هى باق التى عندها أم دنين (قلت) وأم دنين هى التى محلها الآن أولاد عنان بالطرف الشمالى الغربى لقاهرة مصر عند قنطرة الليمون وقد سبق ذلك فى الكلام على أم دينار، وقال ابن وهب أخبرنى ابن لهيعة أن أم إسمعيل هاجر من أم العرب بلدة كانت أمام الفرما وقال هشام العرب تقول هاجر وآجر فيبدلون من الهاء الألف كما قالوا هراق الماء وأراق الماء ونحوه.

(حفنة)

قرية من قسم بلبيس من مديرية الشرقية واقعة على ترعة منية يزيد التى فمها من بحر مويس غربى منية يزيد على بعد نصف ساعة ومصبها بمصرف بلبيس الواردة فيه مياه الشيبينى أحد فروع ترعة الشرقاوية، وهى قرية صغيرة بها بعض نخيل ومن مزروعاتها صنف الحناء وليس لها سوق وإنما يتسوق أهلها من سوق بلبيس.

‌ترجمة سيدى محمد الحفنى

وإليها ينسب كما فى حوادث سنة إحدى وثمانين ومائة وألف من تاريخ الجبرتى القطب الكبير والإمام الشهير أوحد أهل زمانه علما وعملا المشهود له بالكمال والتحقيق والمجمع على تقدمه فى كل فريق شمس الملة والدين الإمام محمد بن سالم الحفناوى الشافعى الخلوتى، ولد بها على رأس المائة الحادية عشرة وهو شريف حسينى من جهة أم أبيه السيدة ترك ابنة السيد سالم بن محمد بن على بن عبد الكريم ابن السيد برطع المدفون ببركة الحاج ينتهى نسبه إلى الإمام الحسين رضى الله تعالى عنه.

كان والده مستوفيا عند بعض الأمراء بمصر وكان على غاية من العفة والصلاح نشأ بالقرية المذكورة وانتسب إليها وغلبت عليه النسبة حتى صار لا يذكر إلا بها، قرأ القرآن بها إلى سورة الشعراء ثم ألزمه أبوه بإشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشى بالمجاورة بالأزهر، فكمل حفظ القرآن ثم قدم مصر واشتغل بحفظ المتون فحفظ ألفية ابن مالك والجوهرة والرحبية والسّلم وأبا شجاع.

وأخذ العلم عن علماء عصره كالشيخ أحمد الخليفى والشيخ عبد الرؤوف

ص: 168

البشبيشى والشيخ أحمد الملوى والشيخ محمد الصغير وغيرهم، ومن أجل شيوخه الشيخ محمد البديرى الدمياطى الشهير بابن الميت، أخذ عنه التفسير والحديث والمسلسلات والمسندات والإحياء للإمام الغزالى، وصحيح البخارى ومسلم وسنن ابن ماجه والموطأ ومسند الشافعى والمعجم الكبير للطبرانى وصحيح ابن حبان وغير ذلك، ولازم الدروس حتى مهر، وأفاد فى حياة أشياخه وأجازوه بالإفتاء والتدريس.

فدرس الكتب الدقيقة مثل جمع الجوامع ومختصر السعد وغير ذلك من كتب المنطق، وحين جلوسه للإفادة لازمه جل طلبة العلم، وكان إذ ذاك فى شدة من ضيق العيش والنفقة ثم بعد مدة اشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفا من انقطاعه عن العلم، فبينما هو فى بعض الدروس إذ جاءه رجل وانتظره حتى فرغ من الدرس، فقال له يا سيدى أريد أن أكلمك كلمتين وأشار إلى مكان قريب فسار معه حتى انتهيا إلى المدرسة العينية فدخلا معا ثم جلسا، فأخرج الرجل محرمة مملوءة بالدراهم وقال:

يا سيدى فلان يسلم عليك وقد بعث لك معى هذه الدراهم ويريد أن يحظى بقبولها فأخذها منه وفتحها وملأ كفه من الدراهم وأراد أن يعطيها له، فامتنع وحلف لا يأخذ منها شيئا ثم فارقه ذلك الرجل فذهب الشيخ إلى البيت وكسر الأقلام والدواة فأقبلت عليه الدنيا من حينئذ/وكان يتردد إلى زاوية الشيخ شاهين الخلوتى فى سفح الجبل ويمكث فيها الليالى متحنثا-أى متعبدا-وأقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جميع العلماء، وكان الشيخ مصطفى العزيزى إذا رفع إليه سؤال يرسله إليه واشتغل بعلم العروض أياما حتى برع فيه، وعانى النظم والنثر وتخرج عليه غالب أهل عصره كأخيه العلامة الشيخ يوسف والشيخ إسمعيل الغنيمى، صاحب التآليف البديعة، والتحريرات الرفيعة، المتوفى سنة إحدى وستين وشيخ الشيوخ على العدوى والشيخ محمد الغيلانى وغيرهم.

ومن مؤلفاته المشهورة حاشية على شرح رسالة العضد للسعد وحاشية على الشنشورى فى علم الفرائض، وحاشية على مختصر السعد، وحاشية على شرح السمرقندى للياسمينية فى الجبر والمقابلة وغير ذلك، وكان كريم الطبع جدا وليس للدنيا عنده قدر ولا قيمة، كريم السجايا مهيب الشكل عظيم اللحية أبيضها.

ومن مكارم أخلاقه إصغاؤه لكلام كل متكلم وكان إذا سأله إنسان أعز حاجة

ص: 169

عليه أعطاها له كائنة ما كانت ويجد لذلك انشراحا، وكانت له صدقات وصلات خفية وظاهرة، وكان راتب بيته من الخبز كل يوم نحو الأردب، وكان شرب القهوة والسكر لا ينقطع من بيته ليلا ونهارا ويجتمع على مائدته الأربعون والخمسون والستون، وكان يصرف على بيوت أتباعه والمنتمين إليه، وشاع ذكره فى الأقطار وهادته الملوك والأمراء، وكان رزقه فيضا إلهيا، توفى رضي الله عنه يوم السبت قبل الظهر السابع والعشرين من ربيع الأول سنة إحدى وثمانين ومائة وألف ودفن بقرافة المجاورين وقبره مشهور يزار إلى الآن ا. هـ.

‌ترجمة الشيخ يوسف الحفنى

وأما أخوه الشيخ يوسف، فهو كما فى تاريخ الجبرتى

(1)

أيضا الإمام العالم العلامة والمدقق الفهامة الشيخ يوسف شقيق الأستاذ شمس الدين الحفنى، أخذ العلم عن مشايخ عصره، مشاركا لأخيه وتلقى عن أخيه ولازمه ودرس وأفاد وأفتى وألف ونظم ونثر فمن مؤلفاته: حاشية على شرح الأشمونى، وحاشية على مختصر السعد وحاشية على شرح الخزرجية، وأخرى على جمع الجوامع لكنها لم تكمل وحاشية على الناصر وابن قاسم وعمل شرحا على شرح السعد لعقائد النسفى وآخر على شرح منلا حنفى فى آداب البحث، وله ديوان شعر توفى رحمه الله فى شهر صفر سنة ثمان وسبعين ومائة وألف، انتهى.

(الحمّاد)

بتشديد الميم قرية صغيرة من مديرية البحيرة بقسم دفينة غربى فرع رشيد بنحو تسعمائة متر وفى جنوب الرمال المتصلة برشيد من جهة قبلى، وفى شمال ناحية الشماسمة بنحو ألف وستمائة متر وفى جنوب ناحية الجدية بنحو أربعة آلاف متر وبها جامع وأكثر زرعها الأرز.

وهى قرية صغيرة أهلها مسلمون ومن حوادثها كما فى الجبرتى أن الأتراك بعد وقعة الإنكليز المشروحة فى الكلام على رشيد نزلوا بهذه القرية وما جاورها من القرى واستباحوا أهلها ونساءها وأموالها زاعمين أنها صارت دار حرب بسبب نزول الإنكليز

(1)

الجبرتى 1/ 268 ط. الشرقية القاهرة سنة 1322 هـ.

ص: 170

عليها، حتى أن بعض الظاهرين كلمهم فى ذلك فردوا عليهم بذلك الجواب فكتبوا فى ذلك سؤالا وأرسلوه إلى مصر، فكتب عليه المفتون بالمنع وعدم الجواز، ثم لضيق ما بين النيل من الجهتين وبين بحيرتى أدكو والبرلس جعل محل هذه القرية من النقط اللازم تحصينها لحفظ القطر من هجوم العدو إذا أراد الدخول من جهة ثغر رشيد لما رأى أهل الخبرة بهذا الشأن أنه بأقل استحكام ولو من التراب يتعطل سير العدوّ برا أو بحرا زمنا يتنبه فيه حاكم القطر ويستعد لقتالهم، وقد عمل التصميم على ذلك فى زمن العزيز محمد على بمعرفة باشمهندس الاستحكامات ولم يحصل إنجازه وهو موجود إلى الآن بديوان الاستحكامات، وكذلك فى زمن المرحوم سعيد باشا أمرنى أن أعمل تصميما فى ذلك فعملته وعرضته عليه فلم يحصل إنجازه أيضا.

(الحمّام)

هى بتشديد الميم عدة قرى بمصر منها قرية من مديرية أسيوط بقسم أبنوب شرقى البحر على نحو ساعة وقبلى أبنوب على نصف ساعة فلذا يقال أبنوب الحمام وأبنيتها بالآجر إلا قليلا، وبها مساجد وكنيسة وأكثر أهلها أقباط، وفيها نخيل وجنائن وتكسب أهلها من الزرع ومنهم الحاكة لمغزولات الصوف ويزرع فيها الكتان كثيرا ومنها قرية بمديرية الفيوم فى أول بلاد الفيوم ومنها قرية من مديرية إسنا فى جنوب مدينة إدفو ويزرع فى هذه البطيخ كثيرا.

(الحميدات)

بحاء مهملة مضمومة وميم مفتوحة وتحتية ساكنة ودال مهملة وألف ومثناة فوقية بصيغة التصغير قرية صغيرة من قسم قنا واقعة فى جزيرة أمام بندر قنا سعة تلك الجزيرة نحو ألف وخمسمائة فدان، وفى القرية نخيل قليل، ولها شهرة بنسج شيلان الصوف الأبيض التى تتعمم بها الهوارة ويسمى عندهم بالبلين بالموحدة المفتوحة وشد اللام المكسورة، وقد عمل لرى أطيانها فى زمن المرحوم سعيد باشا سحارة تحت الخور الفاصل بين الجزيرة والحرجة وهى الأطيان القارة التى ليس أصلها جزيرة، عملها فاضل باشا مدة حكمه فى مديرية قنا وجعلها تأخذ/الماء من حوض الجبل فحصل منها النفع فى تلك الجزيرة وصارت تروى ولو فى زمن قلة النيل، وقد كانت قبلها تشرق فى كثير من السنين، ومن عادة أهلها زرع البطيخ والمقاثى والدخان المشروب.

ص: 171

(حلوان)

بضم الحاء المهملة وسكون اللام اسم لعدة بلاد.

(إحداها) بليدة بقوهستان نيسابور وهى آخر حدود خراسان مما يلى أصبهان.

(والثانية) حلوان العراق وهى فى آخر حدود السواد مما يلى الجبال من بغداد، سميت بحلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، كان بعض الملوك أقطعه إياها فسميت به.

قال أبو زيد أما حلوان فإنها مدينة عامرة ليس بأرض العراق بعد الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وسرّ من رأى أكبر منها، وأكثر ثمارها التين وهى بقرب الجبل وليس للعراق بقرب الجبل مدينة غيرها وهى وبئة رديئة الماء وكبريتية ينبت الدفلى

(1)

على مياهها وبها رمان ليس فى الدنيا مثله وتين فى غاية الجودة ويسمونه لجودته شاه انجير-أى ملك التين-وحواليها عدة عيون كبريتية ينتفع بها من عدة أدواء، وقد فتحها جرير بن عبد الله البجلى سنة 19 أو سنة 16 وينسب إلى حلوان هذه خلق كثير من العلماء، منهم أبو محمد الحسن بن علىّ الخلال الحلوانى، روى عنه البخارى ومسلم فى صحيحيهما توفى سنة 242.

(والثالثة حلوان مصر) وهى قرية فوق مصر من شرقى النيل بينها وبين الفسطاط نحو فرسخين ا. هـ. ملخصا من معجم ياقوت، وهى قرية نزهة قاله فى كتاب تقويم البلدان.

وفى الخطط يقال إنها تنسب إلى حلوان بن عمرو بن امرئ القيس ملك مصر بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وحلوان هذا كان بالشأم على مقدمة جيش أبرهة ذى المنار أحد التبابعة فعلى هذا القول يكون لهذه القرية ألف وثلثمائة وثمان وخمسون سنة تقريبا مسماة ومعمورة.

وفى تاريخ الفرنساوية أنها على شط النيل بينها وبين الفسطاط نحو ثمانية فراسخ، وأنها كانت تسمى فى العصر القديمة البان وكانت إحدى المدائن المشهورة بمصر ثم أخنى عليها الدهر حتى اضمحلت إلى أن قيض الله لها عبد العزيز بن مروان

(1)

الدّفلى: شجر مرّ أخضر حسن المنظر يكون فى الأدوية (اللسان-دفل).

ص: 172

حين تولى حكم وادى النيل فأعجبه هواؤها فجددها وأصلحها وسبب نزوله بها كما فى خطط المقريزى عن ابن عبد الحكم ان الطاعون كان قد وقع بالفسطاط فخرج منها عبد العزيز ونزل بحلوان داخل الصحراء فى موضع يقال له أبو قرقورة وهو رأس العين التى حفرها عبد العزيز وساقها إلى نخيله التى غرسها بحلوان، ونقل أيضا عن ابن الكندى أن الطاعون وقع بمصر سنة سبعين فخرج منها عبد العزيز ونزل بحلوان فأعجبته فسكنها وجعل بها الحرس والأعوان والشرطة فكان عليهم جناب بن مرثد وبنى عبد العزيز بها الدور والمساجد وعمرها أحسن عمارة وغرس نخيلها وكرومها ولم تزل العمارات تزداد بها مدة إقامته فيها وهى أكثر من خمس عشرة سنة حتى صارت محلا لتفنن الشعراء بمعانيهم فى مغانيها وذكروها فى كثير من قصائدهم كما قال فيها ابن قيس الرقيات:

سقيا لحلوان ذى الكروم وما

صنف من تينه ومن عنبه

نخل مواقير بالقنىّ من ال

برنىّ يهتز ثمّ فى سربه

أسود سكانه الحمام فما

ينفك غربانه على رطبه

ولما أطعم نخلها دخله عبد العزيز ومعه الجند فجعل يطوف فى غروسه ومساقيه فقال له يزيد بن عروة الجملى ألا قلت أيها الأمير كما قال العبد الصالح «ما شاء الله لا قوة إلا بالله» فقال له أذكرتنى شكرا وأمر أن يزاد فى عطائه عشرة دنانير.

‌ترجمة عبد العزيز بن مروان الأموى

وعبد العزيز هذا هو ابن الخليفة مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى قدم الخليفة المذكور مصر وتغلب عليها فى جمادى الآخرة سنة خمس وستين وأقام بها شهرين، ثم قام عنها وترك عبد العزيز عاملا عليها فجعل إليه صلاتها وخراجها، فقال عبد العزيز يا أمير المؤمنين، كيف

ص: 173

المقام ببلد ليس به أحد من بنى أبى فقال له مروان: يا بنى عمهم بإحسانك يكونوا كلهم بنى أبيك واجعل وجهك طلقا تصف لك مودتهم وأوقع إلى كل رئيس منهم أنه خاصتك دون غيره، يكن لك عينا على غيره وتنقاد قومه إليك، وقد جعلت معك أخاك بشرا مؤنسا، وجعلت لك موسى بن نصر وزيرا ومشيرا وما عليك يا بنى أن تكون أميرا بأقصى الأرض أليس ذلك أحسن من إغلاق بابك وخمولك فى منزلك، وأوصاه عند مخرجه من مصر إلى الشام فقال أوصيك بتقوى الله فى سر أمرك وعلانيته ف {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}

(1)

وأوصيك أن لا تجعل لداعى الله عليك سبيلا، فإن المؤذن يدعو إلى فريضة افترضها الله {إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً}

(2)

وأوصيك أن لا تعد الناس موعدا إلا أنفذته لهم/وإن حملته على الأسنة، وأوصيك أن لا تعجل فى شئ من أمر الحكم حتى تستشير، فإن الله لو أغنى أحدا عن ذلك لأغنى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن ذلك بالوحى الذى يأتيه قال الله عز وجل {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}

(3)

، وكان خروج مروان من مصر لهلال رجب سنة خمس وستين، وتوفى لهلال رمضان من تلك السنة، وكانت مدة ولاية عبد العزيز ابنه على مصر عشرين سنة وبويع ابنه عبد الملك فأقرّ أخاه عبد العزيز، ووفد على عبد الملك فى سنة سبع وستين وجعل على الحرس والخيل والأعوان جناب بن مرثد الرعينى، ووفد مرة أخرى على أخيه عبد الملك فى سنة خمس وسبعين، وهدم جامع الفسطاط كله وزاد فيه من جوانبه كلها فى سنة سبع وسبعين، وأمر بضرب الدنانير المنقوشة وبنى أيضا بحلوان مقياسا للنيل صغير الذراع.

وقال ابن عفير: كان لعبد العزيز ألف جفنة كل يوم تنصب حول داره ومائة جفنة يطاف بها على القبائل تحمل على العجل، وتوفى ابنه الأصبغ بن عبد العزيز لتسع بقين من ربيع الآخر سنة ست وثمانين فمرض عبد العزيز وتوفى ليلة الاثنين لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ست وثمانين، فحمل فى النيل من حلوان إلى الفسطاط فدفن بها.

(1)

سورة النحل آية 128.

(2)

سورة النساء آية 103.

(3)

سورة آل عمران آية:159.

ص: 174

وقال ابن أبى مليكة رأيت عبد العزيز بن مروان حين حضره الموت يقول: ألا ليتنى لم أكن شيئا مذكورا ألا ليتنى كنباتة من الأرض أو كراعى إبل فى طرف الحجاز ولما مات لم يوجد له مال فاض إلا سبعة آلاف دينار، وحلوان والقيسارية وثياب بعضها مرقوع وخيل ورقيق، وكانت ولايته على مصر عشرين سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يوما ولم يلها فى الإسلام قبله أطول ولاية منه.

وكان بحلوان فى النيل معدّية من صوّان تعدى بالخيل تحمل فيها الناس وغيرهم من البر الشرقى بحلوان إلى البر الغربى، وهذا من الأسرار التى فى الخليقة فإن جميع الأجسام المعدنية كالحديد والنحاس والفضة والرصاص والذهب والقصدير إذا عمل من شئ منها إناء يسع من الماء أكثر من وزنه فإنه يعوم على وجه الماء ويحمل ما يمكنه ولا يغرق، انتهى.

وقد بقيت حلوان بعد ذلك مدة رافلة فى حلل الرفاهية وكان حولها كنائس ودير للنصارى، وفى خطط المقريزى أيضا أن الخليفة عبد الله أمير المؤمنين المأمون لما قدم مصر سنة سبع عشرة ومائتين نزل الفسطاط وسخا وحلوان وقفط، وكانت إقامته فى الجميع تسعة وأربعين يوما وكان دخوله مصر لعشر خلون من المحرم، وكانت المدة بين قدومه إليها وابتداء عمارتها فى مدة عبد العزيز نحو مائة وسبع وعشرين سنة، وفى كتاب تحفة الأحباب للسخاوى، أن المأمون لما نزل الفسطاط كان يقيم بقبة الهواء وهى فى محل قلعة الجبل الآن، وهى التى أنشأها الأمير حاتم حاكم مصر من قبل الأمين فى أيام ولايته، وذلك فى جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين ومائة ولما جلس المأمون بهذه القبة نظر إلى خراب مصر وتغير أحوالها، وقال لعن الله فرعون حيث يقول {أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ}

(1)

فلو رأى العراق وخصبها، وكان بحضرته عالم مصر سعيد ابن عفير فقال يا أمير المؤمنين: لا تقل هذا فإن الله سبحانه وتعالى قال: {وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ}

(2)

فما ظنك يا أمير المؤمنين بشئ دمره الله سبحانه وتعالى وهذا بقيته فأعجبه مقالته ووصل إلى قفط من صعيد مصر ورأى بها من العجائب ما بهره وفتح الأهرام بالجيزة، وأمر ببناء مقياس بمصر فبنى ثم هدم ولم

(1)

الزخرف آية:51.

(2)

سورة الأعراف آية 137.

ص: 175

يبق له أثر والناس ينسبون له المقياس الموجود الآن وليس هذا بصحيح، فإن الذى أنشأه المتوكل على الله أبو العباس جعفر بن المعتصم ابن أمير المؤمنين هرون الرشيد سنة سبع وأربعين ومائتين.

ويحكى أن المأمون لما وصل إلى مصر بلغه أن المعافريين وهم قبيلة من العرب نزلت بمصر لا يعرفون العدد ولا الكيل ولا الوزن وأنهم على هيئة البله لعزلتهم عن الناس وعدم اختلاطهم بهم، فأرسل يقترض منهم ألف دينار فلما جاءهم الرسول قالوا له: لا نقدر على ألف دينار نحن ندفع ما نقدر عليه فجمعوا ألوفا كثيرة، وقالوا للرسول: قل له والله ما نقدر إلا على هذا وما وصلت القدرة إلى ألف دينار، فلما جاء الرسول ومعه المال وأخبره بقصتهم وما جرى له معهم تعجب المأمون من ذلك ورد عليهم المال وقال: والله ما قصدت إلا أن أطلع على بلههم، ولهم مقبرة بمصر تعرف بهم ا. هـ.

وقال المقريزى أيضا عند ذكر مياه قلعة الجبل لما كانت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة عزم الملك الناصر على حفر خليج من ناحية حلوان إلى الجبل الأحمر المطل على القاهرة يسوق الماء إلى الميدان الذى عمله بالقلعة، ويكون حفر الخليج فى الجبل فنزل لكشف ذلك ومعه المهندسون فجاء قياس الخليج طولا اثنين وأربعين ألف قصبة فيمر الماء فيه من حلوان حتى يحاذى القلعة، فإذا حاذاها بنى هناك خبايا تحمل الماء إلى القلعة ليصير الماء بها غزيرا كثيرا دائما صيفا وشتاء لا ينقطع ولا يتكلف لحمله ونقله، ثم يمر من محاذاة القلعة حتى ينتهى إلى الجبل الأحمر فيصب من أعلاه إلى تلك الأرض حتى تزرع وعند ما/أراد الشروع فى ذلك طلب الأمير سيف الدين قطلو بك ابن قرا سنقر الجاشنكير أحد أمراء الطبلخاناه بدمشق بعد ما فرغ من بناء القناة وساق العين إلى القدس، فحضر ومعه الصناع الذين عملوا قناة عين بيت المقدس على خيل البريد إلى قلعة الجبل، فأنزلوا ثم أقيمت لهم الجرايات والرواتب، وتوجهوا إلى حلوان ووزنوا مجرى النيل، وعادوا إلى السلطان وصوّبوا رأيه فيما قصد والتزموا بعمله فقال: كم تريدون. قالوا ثمانين ألف دينار فقال ليس بكثير، فقال: كم تكون مدة العمل فيه حتى يفرغ قالوا عشر سنين، فاستكثر طول المدة وصرف رأيه عن ذلك انتهى.

ص: 176

ومعنى قرا سنقر كما قال كترمير عن بعض المؤرخين سنة سنقر الأسود كما أن آق سنقر معناها سنقر الأبيض ويقال أيضا سنقر الأشقر وهى ألقاب لبعض الأمراء مأخوذة من اسم طير يستعمله ملوك المشرق فى الصيد اسمه سنقر وجمعه سناقر، وبعضهم يسميه شنقور بالشين المعجمة أو شنقار والتتار يسمونه شنكقور وتارة يقولون شنقار بضم الشين المعجمة وبالقاف أو شنغار بالغين المعجمة. ويسمى فى اللغة الفرنساوية جوفو.

قال القزوينى وهذا الطير هو أمير الطيور وهو بقدر الشاهين ورجلاه أكثر لحما من رجلى الشاهين وساقه كساق الطفل، ويوجد فى بلاد التركستان وفى جبال قوقاز (بلاد الشركس) وفى بلاد الروسيا ويألف الجهات الباردة، وهو أعظم الجوارح صيدا فإذا أرسل على جماعة من الطير فإنه يرتفع فوقها فى الجوّ ويحوم فى علوه فيعمل دائرة بحيث يرجع إلى نقطة ابتدائه، فعند ذلك تجتمع جميع الطيور التى تحت هذه الدائرة فتكون نحو المركز ولو بلغت ألفا، ولا تستطيع واحدة منها الخروج عن الدائرة ثم ينزل عليها شيئا فشيئا فتنزل هى أيضا تحته شيئا فشيئا حتى تقع على الأرض فيمسكها الصيادون.

وكانت ملوك المشرق تتهادى به ففى سنة ستمائة واثنتين وستين هجرية أرسل الأمير شرل أخو ملك فرنسا من هدية بعثها إلى السلطان بيبرس عدة سناقر شهب.

وفى سنة ستمائة وأربع وثمانين وصلت هدية الجنويين إلى السلطان قلاوون ومنها ستة سناقر وكلب أبيض بقدر السبع.

وفى كتاب السلوك للمقريزى أن السلطان محمد بن قلاوون كان يحب الصيد ويجلب من جميع الجهات الصقور والسناقر والشواهين وغيرها من الجوارح وفشا ذلك فى زمنه فكثرت السناقر، حتى كان يجتمع عند الأمير الواحد عشرة أو أكثر ولاعتنائه بالجوارح رتب لها خدما بإقطاعات وافرة يقال لهم البازدارية والواحد بازدار، ورتب لأكلها أيضا اللحم والحشيش والخضر، ولما مات وجد عنده من السناقر مائة وعشرون، وكان أبوه قبله ليس عنده إلا سنقر واحد.

وقال أبو الفداء لما سحت فى مصر ووصلت إلى مدينة سرياقوس قابلنى الأمير سيف الدين شجرى أمير شكار وأحضر لى سنقرأ وأهدى إلى السلطان محمد بن

ص: 177

قلاوون هدية فيها عدة صقور وعدة سناقر، وفى سابع رمضان من سنة أربع وثمانين وستمائة حضرت رسل الإفرنج بالهدايا بعضها من طرف الجنويين، وبعضها من طرف اليشكرى (الأشكرى)، وبعضها من طرف الإمبراطور، فهدية الجنويين كما قال النويرى كانت وسقين من السرسينا وستة سناقر وكلبا أبيض قدر السبع، وهدية لسكرى ويقال لشكريس كانت حملا من الأطلس وأربعة بسط وهدية الإمبراطور كان يحملها اثنان وثلاثون رجلا أربعة عشر يحملون الفراء (الأكراك) وخمسة يحملون الثياب المزركشة وثلاثة عشر يحملون ثياب الأطلس والبندقى.

وفى غرة ذى الحجة من تلك السنة حضرت رسل صاحب اليمن بهدية فيها ثلاثة عشر خصيا وعشرة خيول وفيل وفرس البحر وثمانية خرفان يمانية وثمانية طيور ببغاء وثلاث قطع من العنبر يحمل كل قطعة رجلان وجملة من رماح القنا وحمل سبعين جملا من البهارات ومائة قفص من الأقمشة ومائة طبق عليها أنواع الحبوب اليمانية الغالية.

وفى كتاب السلوك أيضا أن رسل خان كبشك حضروا فى سنة ست وثمانين وسبعمائة إلى سلطان مصر بهدية فيها سبع سناقر وفى سنة خمس وثمانمائة أرسل تيمور لنك إلى سلطان مصر هدية من ضمنها فيل وأنص (نمر صغير) وشاهين وصقر وسنقر.

وقال بعض مؤرخى الإفرنج أن العادة فى الأزمان السالفة أن الروسيين والتتار سكان بلاد القرم كانوا يرسلون كل سنة إلى سلطان المسلمين سنقرا مزينا بعدد معلوم من ألماس، انتهى مترجما من كتاب كترمير.

وتكلم أيضا على معنى الطبلخاناه فقال: الطبلخاناه اسم لعدّة من الدفوف والكوسات وغيرها من آلات الموسيقى تجمع وتضرب فى ساعات معلومة من اليوم على باب السلطان وأبواب أكابر الأمراء وسماها أبو المحاسن الدبادب، وقال خليل الظاهرى: الطبلخاناه التى تضرب على باب السلطان كانت تحمل على الجمال وتتركب من أربعين حملا من الكوسات وأربعة من الطبول الدهول وأربعة/مزامير وعشرين نفيرا، وعليها رئيس يسمى المهتار تحت إدارته جماعة.

ص: 178

وقال أبو المحاسن: إن الطبلخاناه لا تضرب على باب كل أمير بل على أبواب الأمراء الكبار الذين يعطيهم السلطان تلك المزية. ويقال لهم أمراء الطبلخاناه، وقال أيضا:

هو والمقريزى فى كتاب السلوك: إنها كانت تضرب على باب الأمير سيف الدين بهادر آس فى سنة سبعمائة وثلاثين ثلاث مرات كل يوم، وقال جمال الدين بن واصل كان مع أبى العباس طبول عظام مجلدة بجلود البقر من طبول الخلافة يضرب بها ضربا شديدا مزعجا، وقال خليل الظاهرى كان عدة الأمراء الذين تضرب الطبلخاناه على أبوابهم ثلاثين أميرا، وفى كتاب الإنشاء أمراء الطبلخاناه هم كل أمير يكون تحت إمرته أربعون فارسا فأكثر، وقد بطل ذلك فى القرن التاسع إلا عند توجه أحد الأمراء لأمر مهم، مثل الكشف على القناطر وجمع المحصولات فتضرب له عند سفره، وفيه أيضا أن أمراء الطبلخاناه كانوا أربعة وعشرين كل منهم يحكم على مائة مملوك وألف عسكرى، فلذا يقال: أمير مائة ومقدم ألف فكان يضرب على باب أحدهم ثمانية أحمال طبلان من الدهول ومزماران وأربعة أنفرة.

وقال أبو المحاسن كانت تضرب الطبلخاناه أيضا على باب المقدم. ويقال له: مقدم الطبلخاناه، وفى مسالك الأبصار أنه كان يتحصل من أقطاع أمير الطبلخاناه كل سنة ثلاثون ألف دينار.

وفى كتاب السلوك أن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ارتقى إلى درجة الوزارة سنة إحدى وستين وثمانمائة، فكانت له مع نظر الخاص وإمارة تقدمة الألف، وجعلت له مزية ضرب الطبلخاناه على بابه بعد غروب الشمس كما كان ذلك قبله لأمراء الترك وكان من المتعممين ولم يبلغ هذه الدرجة قبله أحد من الكتاب وفى ابن إياس أن دق الطبول على أبواب الأمراء قد انقطع من وقت دخول السلطان سليم ا. هـ.

كترمير.

ومن حوادث هذه المدينة ما نقله أيضا عن النويرى فى حوادث سنة سبع وستين وسبعمائة أن رجلا من أقباط مصر، كان كاتبا فى صناعة إنشاء المراكب فترهب وأقام فى جبل حلوان، فوجد فى مغارة هناك كنزا يقال إنه من خبايا الحاكم بأمر الله العبيدى فجعل يتصدق منه على جميع فقراء مصر، وبلغ خبره السلطان فأحضره وطلب منه إحضار الكنز فأبى وقال للملك إنه آيل إليك جميعه لأنى أتصدق به على الناس وهم يدفعونه فيما عليهم لجانب الديوان فخلى سبيله بعد شفاعة وترج، وفى تلك المدة كان قد رتبت على النصارى مغارم كثيرة، فذهب ذلك الراهب إلى مأمور

ص: 179

التحصيل، وكان يسمى مشد المستخرج وصار يدفع عن النصارى واليهود ما عليهم من الغرامات ويدخل الحبوس ويسدد الديون واشتهر أمره وظهر ظهورا عظيما، ومضى إلى الصعيد ففعل مثل ذلك ثم انتقل إلى الاسكندرية وأوسع فى ذلك، فأفتى العلماء بقتله خوف الفتنة ووافق ذلك رأى السلطان بيبرس، فأحضره بين يديه وألزمه أن يدله على الكنز وأن يخبره عن أصله وكيفية عثوره عليه فأبى فأمر بتعذيبه حتى مات، فأخذت رمته من القلعة ورميت على باب القرافة.

ويقال إن ما صرفه على الفقراء والمدينين دخل خزينة الديوان وصار تحت أيدى الصيارفة بلغ ستمائة ألف دينار على مقتضى الدفاتر غير ما كان يعطيه سرا وربما كان أكثر.

ونقل كترمير أيضا جملة مما يتعلق بكلمة مشدّ ومثلها كلمة شاد فقال إنها تستعمل بمعنى مفتش وبمعنى ملاحظ ونحو ذلك فيقال شاد الشرابخاناه، وقرره شادا على العمارة، وولى فى بندر كذا شادا، ويقال شاد الدواوين وشاد القصر وشاد المراكب وكذلك مشدّ، واسم الوظيفة شادية، ويقال لها أيضا شدّ فيقال شادية جدة وشدّ جدة وشادية البيمارستان وشدّ الدواوين.

ويقال ولى السلطان فلانا فى الشدّ، وكان فلان يتولى شد صناعة الإنشاء.

(التحريرات) بمصر وولى أيضا شدّ البلاد وتدخل كما فى كتاب الإنشاء فى جملة مصالح، فيقال شدّ الشرابخاناه كما مرّ، وهو فى رتبة المقدم، وله التفتيش على ما يدخل فى شرابخاناة السلطان من المأكولات والمشروبات فيلاحظ الأطعمة التى تقدم للسلطان حتى لا يتمكن أحد من غشها، وتحت إدارته الحكماء والكحالون والجراحية ويعود عليهم من الوزير فوائد وعطايا كثيرة.

ومن ذلك أيضا شاد الزردخاناه وهو مفتش الترسانة وخزانة السلاح وله النظر على آلة الحرب ويشافه السلطان فيما يلزم لذلك ويجلب من مصر والشام ما يحتاج إليه ويحضر صناعة النفط والبارود ويفتش على صناع الدروع ولا مات الحرب، وله كاتب للداخل والخارج ومن ذلك شاد الدواوين، وهو ملاحظ أقلام المصالح وقد يعين فى تحصيل الإيراد، وتارة يرتب من غير أن يخدم وهو أمير عشرة، ومن ذلك شاد العمائر وهو مفتش العمارات والمبانى فيلاحظ ما يأمر السلطان ببنائه، وقد يلحق به أمير

ص: 180

لترميم ما يخشى سقوطه، وتارة يسمى ناظر العمارة وتحت إدارته/المعمارجية وطوائف النحاتين والبنائين ونحو ذلك.

ومن ذلك أيضا شاد الحوش، وهو مأمور مرمة ما يخشى سقوطه من خصوص مبانى قلعة الجبل، وعليه ملاحظة نظافة الطرق ومجارى المياه ويطلب من الوزير ما يلزم لذلك ومن ذلك شاد الخاص وهو الملاحظ لأملاك الملك، ويكون مع ناظر الخاص فى قبض الإيراد وبيع ما يلزم بيعه وشراء ما يلزم شراؤه.

وأما كلمة شداد فلها معنى غير ذلك وتطلق الآن على السائس (خادم الركوبة) ويسمى ركابيا والجماعة ركابية وعلى خادم الاصطبل، ففى خطط المقريزى فى اصطبل الطارمة لكل واحد من الخيل شداد برسم تسييرها، وفى تاريخ أبى المحاسن تعرض الخيول بأيدى شدّاديها، وأما ناظر الاصطبلات فيسمى أمير أخور، وهى كلمة فارسية مركبة من أمير وهو معلوم وأخور ومعناه المدود وهو غير السلاخور المنوط به مئونة الخيول وأصله سر أخور، ومعنى سر رئيس غيرت راؤه إلى اللام وللأمير أخور التكلم على خدمة الاصطبلات والمناخات وله رفيق من المتعممين، وقد يكون الأمير أخور متعددا ويقال لهم الأمير أخورية فمنهم أمير أخور المهارة، وأمير أخور الجشار وهو على الجمال وأمير أخور السواقى، وهو على البقر وللجميع رئيس تحت إدارته أتباع من الأوجاقية والمهاترة والركبدارية والشحن (الخفراء) والهجانة والسيراوانية والغلمان والسواس، وله النظر على العليق والعلوفات والأتبان والتشاهير- (طقومة الخيل) -يقال أهداه فرسا بتشاهيره ومرواته، والمروات صفائح من الذهب أو فضة يزين بها طقومة الخيل.

وكذا له النظر فى طقومة البغال والهجان وعلى البياطرة والسقائين ويسمى أمير أخور الكبير والجشار هو الأصطبل ويقال جشير أيضا وجمعها جشارات وجشائر يقال استدعى من جشاراته كذا كذا فرسا، ويقال خيول الجشارات وتطلق على نفس الخيل، فيقال خرج على جشير العدوّ فاستاقها ونهب جشير الملك.

وأما البابى فهو الخادم يقال عنده عدد من البابية المعدين لغسل الثياب وصقلها وأرذل الطوائف من الفراشين والبابية، وقد يكتب بابا بالألف فيقال: يخرج وحده من غير بابا ولا مملوك ا. هـ.

ص: 181

وإنما أطلنا الكلام فى ذلك لما فيه من الفائدة (ولنرجع) إلى موضوعنا من الكلام على ما يتعلق بحلوان، فنقول: اعلم أن هذه المدينة قد أخذت فى التقهقر بعد زوال ملك الأمويين وتضعضع أمرها شيئا فشيئا حتى كانت الفتن فى القرن الحادى عشر فتخربت بالكلية.

وفى تاريخ الجبرتى أن إبراهيم بيك الملقب بشيخ البلد قد أحرقها فى سنة مائتين وألف، ثم لما جاءت العائلة المحمدية، هبت عليها نسمات العمارية، وعاد إليها شرخ الشباب كغيرها من بلاد القطر، وفى زمن المرحوم عباس باشا فى سنة ألف ومائتين وست وستين هجرية عثر فى شرقيها على عين الماء المعدنية، وأوّل من نبه على منافعها الحاذق الماهر جستنيل بيك الأجزائى وبالامتحانات والتجاريب التى أجراها هو وكثير من الحكماء علم أن مياه هذه العين نافعة فى علاج جميع الأمراض المحتاجة إلى التراكيب الكبريتية خصوصا الأمراض الجلدية والجدارية والنزل، والماء النابع منها فى غاية النقاء لا لون له كبريتى الرائحة مالح الطعم، وحرارته حين ينبع تسع وعشرون درجة مئينية وحرارة الهواء خمس وعشرون درجة كذلك، وقد رام المرحوم عباس باشا أن يبنى بها حماما فلم يتم له مراده.

وفى زمن الخديو إسمعيل باشا بنيت حمامات لطوائف الخلق ليكون للفقراء والأغنياء حظ من هذا الخير الجزيل، وبنى حولها أماكن للمترددين إليها للاستحمام والمعالجة، وترتب لها حكيم وخدمة لمباشرة المرضى ومعالجتهم على حسب أحوالهم، وترتب لها أيضا وابورات توصل إليها من يقصدها والآن عملت لها سكة حديد توصل إليها لزيادة السهولة وعملت طرق معتدلة من البحر إلى الحمامات المذكورة وحفت بالأشجار من الجانبين، وبهذه الوسائط هرعت إليها الناس من الملل المختلفة فيوجد هناك كل يوم عدد وافر من الناس جميعهم يثنى على الحضرة الخديوية لهذا الخير العميم.

وقد رتب لها فى سنة ألف وثمانمائة وإحدى وسبعين ميلادية الحكيم راير للنظر فى أمراض الواردين عليها، وبما حصل فيها من الإصلاحات والأعمال الخيرية بلغ الآن ما ينبع من العين فى مدّة أربع وعشرين ساعة أربعمائة متر مكعب بعد أن كان فى سنة ألف وثمانمائة وستين يبلغ أربعة أمتار وثلثا تقريبا.

ص: 182

وينابيع ذلك الماء واقعة على بعد أربعة كيلو مترات من شاطئ النيل وارتفاع أرضها عن الأرض المزروعة سبعة وعشرون مترا، وارتفاعها عن البحر الأبيض المتوسط سبعة وخمسون مترا وهو ارتفاع أرض محطة السكة هناك، وعدد الينابيع التى استكشفت واستعملت الآن عشرة، والحمامات المعدة للاستحمام مركبة من أربع وعشرين خلوة مشيدة على الينبوعين الكبيرين الواقعين فى الجهة/الجنوبية، والماء وارد إليهما من خمسة ينابيع أصلية تكاد تكون موضوعة على خط واحد مستقيم.

وقد وجد حكماء الفرنج لما هذه الينابيع شبها بماء حمامات مدينة اكس لشبيل من مملكة فرنسا وقد حللها جستنيل بيك فرأى أن المتر الواحد منه يحتوى على المقادير المبينة بهذا من الغازات.

0،044 حمض الكبريت ادريك

0،120 حمض ااكربونيك

ولم يمكن تعيين كمية الأزوت بالضبط وأما ما وجد فيه من المواد الجامدة فهو:

0،188 كلورور الكالسيوم

1،812 كلورور المانيزيوم

3،240 كلورور الصوديوم

0،560 كربونات الجير

ويوجد فى هذا الماء زيادة على ما ذكر قليل جدا من أملاح الحديد ومن حمض الكربونيك.

وقال علماء الطب أن هذا الماء مسهل واستعماله جيد لأصحاب أمراض الجهاز الهضمى كالنزلات المعدية والمعوية والإمساك المستمر وتكوين الأرياح فى البطن وفى ضعف الهضم وأمراض المسالك البولية كالنزلات المزمنة، وفى أمراض الكبد كاحتقانه والتهابه المزمن وحالته الشحمية وضخامته وأمراض الطحال واحتقانات المخ، وفى الأمراض الناتجة عن تغير فى التغذية كالسمن المفرط، وداء النقرس والبول السكرى وداء السدد وبعض أمراض عصبية وأمراض القلب، وقد كان ظهور هذه الينابيع الكبريتية والمعدنية الملحية من أجزل نعم الله سبحانه وتعالى على قطرنا، كما أنعم على غيرنا من سكان قارة (أوروبا) وكان سببا فى اتساع ثروتها وغناها لحسن تدابيرهم فى

ص: 183

اجتناء فوائدها خصوصا لما ثبت أنها جيدة النفع فى الأمراض المتسلط أغلبها على سكان القطر، وأنها قديمة الاستعمال لما ظهر عند حفر أساسات الحمامات التى أنشئت عليها من آثار الحمامات والأبنية القديمة المبنية بالخزف والأحجار التى كانت غالبا من زمن عبد العزيز بن مروان وقطع من أعمدة ومنارات منقوش عليها بالكتابة العربية ودراهم إسلامية وأحجار على هيئة المدى والرماح والقسى، مما كان يستعمل فى الحروب إذ ذاك وآثار أخر مثل قطع خشب متحجرة تدل على وجود غابة تحجرت فساعدت الحكومة السّنية إذ ذاك على تسهيل الوصول إليها والانتفاع بها، فتقرر أن يبتدأ بوضع محال من الخشب مؤقتة إلى بناء حمامات مستعدة ومعدة للمرضى، فوفد على تلك الجهة بعض المصابين من أهالى مصر والإسكندرية وحصل لهم النجاح.

وفى شوال سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين توجه لمشاهدة هذه الينابيع صاحب الفخامة الخديوى السابق إسمعيل باشا وسر بما رأى من نفعها وصدر أمر بعمل رسم للمدينة، وأن يتجدد بها من العمارات الأولى ما لا يستغنى عنه، مثل وضع مجار لتوصيل ماء النيل للحمامات، وإنشاء طريق طوله 4100 متر، يبتدئ من شاطئ النيل إلى حلوان، وطريق آخر طوله 1300 متر يمتد من الجنوب للشمال، وفتح قناة تحت الأرض طولها 2400 متر لتصريف الماء الزائد عن الحاجة ورفع الأوساخ والأقذار، وإنشاء خان كبير للمسافرين (وهو الأوتيل) ودار صغير للمرضى، وأجزاخانة فيها ما يلزم من الأدوية، وحوض كبير يسع خمسة آلاف متر مكعب من الماء لاستحمام الفقراء وقد جعل حمامها مشتملا على مستحمات متنوعة، منها ما لا يستحم به إلا شخص واحد، ومنها ما يستحم به أكثر على حسب درجات الناس وكيفية الاستحمام بها مختلفة بحسب ما يراه الحكيم لأنواع الأمراض، فمنها ما هو كالمعتاد ومنها ما يكون بصب الماء على المريض بقوة مخصوصة من ارتفاع مخصوص على قدر مخصوص، وقد أنشئت هناك لوكاندة يجد فيها المريض ما يلزم له بحسب حاله، فإذا أقام فى أودة وحده يلزمه كل يوم جنيه إنكليزى فى نظير أكله وسكنه واستحمامه وتداويه، فإن أقام مع غيره فى أودة لزمه كل يوم خمسة عشر فرنكا فإن كانت مؤنته على نفسه لزمه كل يوم عشرة فرنكات، والطفل الذى بلغ سنه خمس عشرة سنه يلزمه نصف ما على الكبير.

ص: 184

وأما الصغير الذى لم يبلغ سنه عشر سنين فإنه يعالج بلا مقابل، وكذلك الفقراء لكن بشرط أن يأتوا بشهادة من حكام جهاتهم أنهم فقراء، والعادة أن/المقرر يدفع كل أسبوع، وأما ملاءات الفرش والغطاء فيأتى بها المريض من عند نفسه على حسب حاله.

وقد بنى بها حمام بديع لخصوص الفاملية الخديوية حيطانه بالقيشانى النفيس، ولم تزل بها العمائر والإصلاحات ولزيادة التسهيل على مريد الوصول إليها أنشأ الخديوى إسمعيل باشا سكة حديد من القاهرة إليها، وجرى عليها الوابور فى سنة أربع وتسعين فكثر الواردون عليها، فقاصدها من أهل القاهرة يركب الوابور من محطة ميدان محمد على بقره ميدان تجاه مصطبة المحمل، فيمر على مقابر المماليك وفى شرقى ضريح الإمام الشافعى إلى البساتين، ثم إلى محطة طرا ويرى عن يمينه مبانى العسكرية التى أنشأها الخديوى إسمعيل باشا، ثم يرى سلاسل الجبل والمحاجر التى كان المصريون يأخذون منها لبناء الأهرام، ثم فى وسط مقابر قدماء المصريين وقبور الذين كانوا ينحتون الحجارة وأجسامهم فى توابيت من الحجر، ثم يصل إلى محطة المعصرة ثم إلى محطة حلوان، وهذه السكة تارة تكون فى الجبل، وتارة تكون بأرض المزارع قريبة من النيل أو بعيدة عنه وميلها ستة ملليمتر.

وقررت الحكومة أن تعطى أراضى هذه الجهات مجانا لمن يرغب بعقد مخصوص فيه مواعيد البناء والشروع فيه، وأن يكون شاغلا الخمس من الأرض، وفرضت على كل 500 متر رسما قدره جنيه واحد، فابتدأ بعض الناس فى التوجه إليها وطلبوا بعض أراضى يبنون بها منازل على الشروط التى نوّهنا بها، وشرعوا فى بناء المنازل قليلا قليلا بقية تلك السنة والتى بعدها.

ثم استهلت سنة ست وتسعين ومائتين وألف، وهى التى بشرنا هلالها بالإسعاد وبلوغ المراد، ورفاهية البلاد والعباد، بارتقاء مولانا وسيدنا الجناب الأفخم، ولىّ النعم خديوى مصر أفندينا:(محمد توفيق باشا) المعظم على أريكة الخديوية المصرية واستقراره فى ذروة عزه، واستقلاله بأمر ملكه، وقد أخذ أدام الله دولته، ومكن صولته، فى تشييد أركان العمران مادّيا ومعنويا، ووجه أنظار عنايته العلية إلى ترقى عمارية هذا القطر السعيد ومنحه من التفاته الكريم ما جعله يختال كل يوم فى

ص: 185

برد من النعمة جديد، وأظل الرعية تحت جناح أمنه، وعمهم بطالع سعده ويمنه، وأظهر من الأعمال الجليلة والأفكار الجميلة، ما تتحلى به صحائف تاريخ مصر وتفتخر بذكر مزاياه أبناء هذا العصر، مما هو غنى عن الشرح والبيان، وشهد به لسان العيان لكل إنسان.

وقد كان لمدينة حلوان من ذلك نصيب وافر، جعلها على أبدع ما يكون من الانتظام والاتقان، من تشييد الأبنية وتكثير العمران حتى أصبحت للاعتناء بها من أبهج المدن التى تحدث عنها رواة الأخبار، وكانت دليلا قويا على مزيد اعتناء جنابه العالى بعمارة البلاد كما جبل عليه طبعه المنيف وفكره الشريف، حتى إن من قارن بعين النظر بين ما كانت عليه حالتها من بضع سنين وبين ما صارت إليه حالتها الآن، من حسن الانتظام علم أنها عمرت بعد الاندثار، وحييت بعد الدمار وذلك أنه لغاية هذه السنة الموافقة لسنة 1879 م أفرنكية، كانت المدينة تابعة لدوائر العائلة الخديوية، وكانت المنازل المشيدة بها إحدى وستين منزلا، منها خمسة وعشرون محلا فى سنة 78: منها محلات وأماكن الميرى واثنا عشر محلا فى سنة 79 فلما استهلت سنة 1880 أفرنكية، وانتظمت الأدارات والمصالح بعناية الجناب الخديوى صارت أشغال المدينة تابعة نظارة الأشغال، لاستكمال انتظام أعمال التنظيم بها، ثم أخذت الناس فى كثرة التردد، فشاهدوا من جودة الهواء بسبب ارتفاع أرضها عما يجاورها من الشمال والجنوب والغرب ما لا يوصف حسن تأثيره فى الأبدان بالصحة التامة والعافية العامة، وإنها من المدائن التى تؤثر على غيرها بالسكنى، وقد حصل من توجه أنظاره السامية إليها، أنه فى سنة 1880 أفرنكية كمل فيها ثمانية منازل، وأسس فيها المرحوم شاهين باشا مسجدا، وفى سنة 1881 استجد ستة منازل، وفى سنة 1882 اثنا عشر منزلا، وفى سنة 1883 تسعة منازل، وفى سنة 1885 شيدت السراية العامرة الخديوية على عشرين ألف متر مسطح فى الجهة البحرية للمدينة منها 10000 متر للسكن الخصوصى و 10000 متر لمعيته السنية وحاشيته الملوكية فجاءت على أبهج ما يكون من الوضع ونالت بها حلوان مزيد السعد والنفع، وقد جعل لتنويرها بالغاز وابورا مخصوصا، استنارت به داخلا وخارجا وكثرت رغبة الناس فى إنشاء المساكن حتى بلغ ما انتهى سنتها ثلاثة عشر منزلا.

وفى اكتوبر سنة 886 شرفها ركابه العالى فاجتمع لها السعد والمجد، ونالت من

ص: 186

شرف هذا الالتفات ما لا يدخل تفصيله تحت حصر ولا عد وكمل فى تلك السنة بناء سبعة منازل، وفى سنة 1887 أحد عشر منزلا كل ذلك غير الرخص التى أعطيت بناء على الطلبات المقدمة وأصحابها لم يتمموا البناء، وهم أكثر من ستين طلبا لا يقل الطلب الواحد عن ألفين وخمسمائة متر. بل غالب الطلبات يشتمل على ما فوق هذا المقدار، ومن الموازنة بين عدد مبانيها فى سنة 1882 وهذه السنة سنة 1887. يؤخذ أكبر برهان على تقدمها السريع فى العمار، فقد صار الآن بها مائة وخمسون بيتا.

ولو حصلت المقارنة بين ما تجدد من سنة 1874 إلى سنة 1882، وبين ما تجدد من سنة 1882 إلى سنة 1887 لظهر أن المتجدد فى السنين الأخيرة خمسة أضعاف المتجدد فى السنين الأول، فإنه تجدد فيها فى المدة الأولى ثمانية وعشرون بيتا والباقى تجدد فى الخمس سنوات الأخيرة.

ومما يستحق النظر أن الجهة الشرقية التى على جانب السكة الحديد وصلت من كمال البناء فى كل الفضاء لدرجة لم يبق فيها موضع خال من العمار، وقد توجهت أنظار الطالبين إلى الجهة الغربية لتكملة عمارها كما حصل فى سابقتها ولم يبق منها إلا قطع قليلة وستتم بتمامها حينئذ خريطة البلد التى كان صار رسمها ويقتضى الحال لتوسيعها بالنسبة لما هو مشاهد من كثرة إقبال العالم.

وقد تباشر الناس وتحققوا بأن هذه المدينة ستباهى أشهر المدن فى عهد يسير وأن صيتها سيشتهر ومنزلتها ستعلو من توجه عناية الجناب العالى إلى تسهيل مدارك الوصول لكل مأمول، فإنه أصدر أمره الكريم بتعديل شروط الإعطاء القديمة وجعلت فيها من التيسيرات والتسهيلات ما يسهل به البناء لكل طالب، ومن أعظم عنايته أيضا زيارته هذه المدينة وتشريفها ركابه الكريم فى كل شهر مرتين فضلا عما هو متوجه إليه فكره الشريف من تجميل هذه البلدة وتحسينها وظهرت مباديه من صدور الأمر بامتداد طريق للنزهة بين الحمامات والنيل يمتد الفين وخمسمائة متر طولا وثمانية أمتار عرضا، ويزرع على جانبيه خمسمائة شجرة، وفى ذلك من المنافع ما لا يخفى خصوصا الضعفاء البنية بعد استعمالهم مياه الحمامات، كما أن ذلك جاريا بالبلاد الأجنبية.

وتعيين الموسيقى الخديوية للتوجه كل يوم جمعة لتطرب بألحانها الجميلة سكان

ص: 187

تلك البلدة، والواردين إليها فى الحديقة المجاورة للحمام المتقدم ذكرها، فكان لهذا الأمر عند الناس أحسن وقع، ومراعاة حسن الانتظام فى تعيين مواقيت الوابورات فى الذهاب والإياب بحسب ما يناسب سكان المحروسة وحلوان دفعا متعددة تبلغ فى اليوم والليلة اثنتى عشرة مرة، بحيث أصبحت كأنها قطعة من المحروسة لسهولة المواصلة بينهما.

ولما كانت عمارية البلاد من أجل مآثر الملوك التى تخلد لهم حسن الذكر وجليل الحمد على مدى الدهور وتولى العصور، إذ ليس من نعمة تضاهى نعمة العمار الذى أخذ بناصره جناب خديوينا الأكرم، وعزيزنا الأفخم، وقد رأينا أن اليراع يكل عن حصرها، واللسان يقصر عن حمدها وشكرها فإن نعمه لا تجازى، وإحسانه لا يوازى، عدلنا عن باب الوصف والثناء، إلى باب الطلب والدعاء.

فنقول: اللهم أدم جنابه العالى مصدرا لغرر الفضائل، ومنبعا لجميل المآثر، مظفر الألوية والأعلام، ممدود الظلال على الخاص والعام، بالغا أبعد مرامى المرام بدانى العزيمة والاهتمام مستوليا على ما تخطبه عزمته وتمتطيه همته النصرة تخدمه، والدهر يرأمه، والفتوح تصافحه، والمناجح تغاديه وتراوحه، لا زال نجمه صاعدا، وزمانه مسعدا ومساعدا، ولا زالت أنجاله الكرام، وأشباله الفخام غرة فى جبين الليالى والأيام، ملحوظة بعين عناية مولانا الملك العلام.

ثم إن أكثر أهالى حلوان الآن كأهالى المعصرة يتجرون فى البلاط والجبس، وعادة الحجارين أن يقطعوا من الجبل مكعبات ضلعها تارة نصف متر وتارة ثلاثة أرباع متر، ثم ينشرون ذلك بمناشير الفولاذ فيجعلونه بلاطا مستطيلا أو مربعا، وبلاطها أقل جودة من بلاد المعصرة ووزن المتر المكعب منه ألف وستمائة كيلو، ويتشرب من الماء خمس زنته، ولا يوجد البلاط عادة إلا فى الطبقات البعيدة عن سطح الأرض من خمسة عشر مترا إلى عشرين، وفى استخراجه يصنعون آبارا رأسية ويقطعون الحجر فى أسفلها من دهاليز يحفرونها فيها، وأبنية البلد من الدبش والطوب المحرق وفيها قليل من الغرف، وبها جامع بناه عمدتها المرحوم سالم حماد، ونخيلها كثير وأطيانها جيدة يزرع فيها أنواع المزروعات حتى القرطم والدخان والقثاء.

ص: 188

‌ترجمة القزوينى

(فائدة)

القزوينى المار ذكره هو كما قال أبو المحاسن فى كتاب (المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى) زكريا بن محمود القاضى جمال الدين أبو يحيى الأنصارى القزوينى، قاضى واسط والحلة أيام الخليفة، وكان إماما عالما فقيها وله التصانيف المفيدة من ذلك كتاب عجائب المخلوقات. مات فى يوم سابع المحرم سنة اثنتين وثمانين وستمائة.

وحقق العالم دساسى أن قوله ابن محمود صوابه زكريا بن محمد بن محمود، وذكر العالم هربلو أن له كتابا يسمى آثار البلاد وأخبار العباد، وهو عبارة عن جغرافية تاريخية منقسمة إلى سبعة أقاليم، وهو مرتب على حروف المعجم، وكتابا آخر يسمى الإرشاد فى أخبار قزوين، وقد وجد دساسى نسخة من عجائب البلدان على هامشها أن المترجم تلميذ أثير الدين الأبهرى، والأبهرى كان معاصرا لركن الدين العمادى وزين الدين الكشى، وأن أثير الدين هو مفضل الأبهرى بن عمر، كان فى زمن تكش سلطان خوارزم المتوفى سنة خمسمائة وسبع وتسعين.

وأما هربلو المذكور ويسمى برتلمى فهو عالم فرنساوى ولد بباريس سنة ألف وستمائة وخمس وعشرين ومات سنة ستمائة وخمس وتسعين، وكان عالما بالعربية والعبرانية والسريانية والفارسية، وسافر إلى إيطاليا للبحث عن الكتب العربية، وأقام كثيرا فى مدينة فلورانسا ثم رجع وجعل مترجم اللغات المشرقية، ثم تعين لتدريسها وألف قاموسا عاما مشتملا على كل ما يتعلق ببلاد المشرق ا. هـ.

(الحواتكة)

قرية كبيرة من مديرية أسيوط بقسم منفلوط على الشاطئ الغربى للنيل فى شرقى الإبراهيمية فى جنوب منفلوط بأقل من ساعة، وأبنيتها من أحسن أبنية الأرياف، وفيها قصور مشيدة بشبابيك الزجاج والحديد لأولاد أبى محفوظ، وبها مساجد جامعة ومساجد غير جامعة ومعمل دجاج ونخيل وأشجار وجنات، وأطيانها جيدة المحصول ويزرع فى جزيرتها الدخان البلدى والسلجم والبصل والمقاثئ خصوصا الحرش الكبير، وتكسب أهلها من الزرع ومنهم حاكة ينسجون الصوف.

ص: 189

وأولاد أبى محفوظ عائلة مشهورة من أجيال، ولهم أملاك كثيرة ويزرعون الألوف من الأطيان الخصبة، وأهل القرية فى قبضتهم حتى يقال أنه إذا مات من تلك العائلة أحد تحزن عليه أهل القرية جميعا ولا يبيت من رجالهم أحد فى داخل منزله ولا يتزوج أحد ولا يختتن ولا يضرب بها دف ولا معزف وإذا ظهر بامرأة حمل فى تلك السنة فلا بد من أذية زوجها وأذيتها.

(الحوش)

قرية من مديرية البحيرة بقسم الحاجر واقعة بحاجر الجبل الغربى على مسافة أربعة آلاف متر وترعة الحاجر تمر بينها وبين الجبل، وبلصقها قرية البوطة وفى غربيها نحو خمس قباب تسمى الدمينات، وأكثر أهلها مسلمون وأكثر منازلها على دور واحد، وزمام أطيانها ستمائة فدان.

وينسج فيها الأحرمة الصوف وملابس أهلها كملابس العرب من ثوب أبيض وحرام وعرقية وطربوش من غير عمامة ولا يتعمم إلا أكابرهم، وقبل عمل ترعة الحاجر كان أغلب زرعها صنف الشعير، ولما حفرت الترعة سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف، تمكن أهلها من زرع أغلب أصناف الحبوب والمقاثئ والبطيخ والشمام ويزرعون قليلا من القطن، وفى شرقيها مصرف يوصل إلى عزافة الكوم الأخضر ثم يصب فى ترعة الشريشرة ثم فى بحيرة مريوط.

وبالقرية المذكورة يوجد الجبس، وكان أهلها لا يعرفون الطواحين إلى أن تجدد عندهم أباعد لبعض الأمراء مثل محمد بيك توفيق، وطالب أغا فحدثت بها سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف وحدثت بها أيضا خمارة، وفى بعض الأحيان يقيم بها عساكر الباش بزوك لمنع الواردين من جهة الغرب عند ظهور أمراض وبائية بالمغرب، وعمدتها محمد أبو قريطم كان حاكم خط الحاجر سنة تسعين ومائتين وألف، ويقال له حوش عيسى بالإضافة إلى اسم أمير ظهر منها كما ذكر ذلك صاحب الدرر المنظمة وقال فى ترجمته:

ص: 190

‌ترجمة الأمير عيسى شيخ عرب بنى عونة

هو الأمير عيسى بن إسمعيل بن عامر أخو جويلى بن سليمن بن عيسى بن عطية بن شبيب أمير اللواء وشيخ عرب بنى عونة بالبحيرة، ذو الشهرة والرياسة فى قومه، قال:

وقد أخبرنى من أثق به من مشايخ البحيرة لما عقدت عقد العزم إلى صوبها وتوجهت إليها فى عام خمس وستين وتسعمائة أن أصل بنى عونة من المغرب وردوا إلى إقليم البحيرة بنجوعهم ثم ورد عليهم قوم من لواتة ومزاته من أهل المغرب أيضا، وهم أصول بنى بغداد مشايخ عرب المنوفية فكانت لواتة ومزاتة خبثاء الجيرة وربما استعانوا ببنى عونة فى مآربهم واستهانوا بهم فى مطالبهم فاتفق انقطاع جسر فى زمن النيل فاستعملوهم فى سده وأجروهم على سوء جوارهم فى هزل الأمر وجده، فعمدت امرأة من نساء بنى عونة إلى أثوابها فرمت بها بين أترابها وكشفت عن فرجها بين ذويها عند نقل ترابها، وبينما هى فى عملها حاسرة عاملة بما أمرت به فى كل كرة خاسرة، إذ وافى رجل من لواتة فحين وقع بصرها عليه سترت فرجها وأظهرت الحياء بين يديه، فكان من كلام قومها إذ أكثروا من لومها قد بدا منك ما رأينا وكثر من فعلك اعجابنا كيف هتكت سترك بيننا ومزقت الجلباب، ولما جاء هذا اللواتى بادرت إلى لبس الثياب فأجابتهم بكلام أزعجهم وأذاقهم طعم الهوان ولواعج المنون، إنما كشفت فرجى بينكم لأنكم نساء مثلى ولا تستحى المرأة من مثلها، وهؤلاء رجال فلذلك سدلت أثوابى وأزرت حجابى، فثار كبير قومها وقد تأثر من توبيخها ولومها وعطف بمن معه على لواتة ومزاتة أنفا من الضيم، وأقشعوا سحابة هوانهم والغيم، وشدوا عليهم قتلا وحربا، ومنحوهم طعنا وضربا، فطردوهم من جوارهم إلى أسفل منهم، وكان شعاره عند اشتعال الحرب واشتغالهم بالطعن والضرب: عونة يا رجال فلذلك سميت القبيلة بذلك نسبة إلى كلمته تلك، قال: ومن حينئذ تكنوا وانفردوا بالإقليم لكن على غير طمأنينة ممن يرد عليهم من طوائف العرب للغارة كما هو شأن عرب البادية.

ويذكر أن بنى عونة كانوا إذ ذاك طوائف وعلى كل طائفة شيخ متميز بينهم، فكانوا يزرعون طين السلطان ويوردون الخراج أقساما بحسب طوائفهم، إلى أن كان زمن جويلى بن سليمن أخى عامر جد صاحب هذه الترجمة، فظهر له من بينهم خبر

ص: 191

وخبرة بالنسبة لمن تقدمه من مجموع شيوخهم وانفرد بالشياخة على جمعهم، وكانت له وقائع وحروب مع أمراء السلطنة فى الدولة الجركسية أربى فيها على عقل وافر شكرت به سيرته، وحسنت أفعاله وطريقته، فاستمر منفردا بالتقدم.

ثم لما ولى الأمير إسمعيل بن عامر أربى على جويلى فى الشياخة على قومه وتميز بدويرة ذات غرفة وساحة لمجتمعهم بناها ليكون شهيرا ببنائها بين بيوت الشعاب ومضارب الأطناب، وأثر بعض الآثار الحسنة، ونما ذكره بين قومه بالسيرة المستحسنة، ومن شعائر شياختهم لبس الشاش وإسبال لثامين وستر عنقه بهما، وما فضل يسدل على أحد الكتفين وإسبال الأحرمة الصوف فوق العمامة والثياب وملازمتهم لذلك الشعار عند إظهار الانتساب.

ولما نشأ الأمير عيسى بن إسمعيل المشار إليه فى هذه الترجمة وولى الشياخة بعد والده أظهر زيادة على ما فعله والده من الظهور فبنى منزله المشهور بالحوش، وجعله على خلاف نمط الفلاحة وإن كان يقاربه فى الشبه، بأن جعل به أحواشا عديدة، أكبرها أولها الذى جعله محلا لسائر الواردين عليه من أهل الخراج وغيرهم، وبنى به المقاعد التركية، والمبيتات والطباق والقاعات، ثم اشتهر بإكرام الواردين عليه وإطعام الضيوف فنما ذكره وبعدت همته وعظمت طريقته، وبنى مدرسة للمصلين وطاحونا لطحين خبز داره والواردين وفرنا يقابلها وحماما بديع الصفة للمتنعمين وبستانا حافلا نحو نيف وستين فدانا، جعل فيه من الغروس ما يطيب ذكره ويزهو منظره للناظرين، ودأب فى تنمية الخصال الحميدة التى يشاع ذكرها بين القاطنين والسالكين، ورتب رواتب من العسل والأرز وغير ذلك، لجماعات ترد عليه من أكابر أهل مصر وأصاغرها ممن اشتهر بطلاقة اللسان ومن أعوان الظلمة والمفسدين أو لمعنى لحظه فى الإعطاء أداه إليه اجتهاده فكان فيه من مقاصد المحسنين كما قيل فى ابن عباد:

لا تحمدن ابن عباد وإن هطلت

كفاه بالجود حتى أخجل الدّيما

فإنها خطرات من وساوسه

يعطى ويمنع لا بخلا ولا كرما

ثم قال وقد ضمنت البيت الأخير من هذين فقلت:

لا تغبطن لعيسى قط مكرمة

وإن بدت منه حتى أوسعت أمما

ص: 192

فإنما جوده قصدا توهمه

أو منحة لظلوم طال واحتكما

ومن خواطره تبدو مكارمه

لا بائس بأليم الفقر اصطلما

وإن نظرت إلى أفعاله أبدا

ترى جميع الذى أبديت منتظما

فإنما خطرات من وساوسه

يعطى ويمنع لا بخلا ولا كرما

ثم أطلق يده بالعطاء لباشوات مصر وحكامها وولاتها وظلمتها وبقدر المرتبة والمنزلة يكون التعيين وأداه اجتهاده أن يتصل عطاؤه وافتقاداته للباب السلطانى وللوزراء به، وأكابر ذلك الديوان وأصحاب العظمة به والشأن فنما ذكره بذلك وسلك بهذه الطريقة كل ما يريده ويقصده من المسالك وكاتب الوزير الأعظم من دونه ورقم على منحه وهداياه بتلك الديار الرومية يحبهم ويحبونه، فذكر بعد الفلاحة مع أعيان الأمراء ذوى الترفه والراحة ووصف بالكرم المفرط /والعطاء المزيد وقرب بإغداقه من أصحاب الخشية وما هو من الظالمين ببعيد، ثم قال: قد رأيت بحوشه فى أقاليم البحيرة قدرا كبيرا من النحاس الرومى طوله سبعة أشبار وعرضه كذلك، ذكر لى أنه جهزه إليه سليمن باشا لما كان وزيرا أعظم من القسطنطينية وكتب إليه أنه عمله له وصرف عليه بالجاه من حساب المعاملة القديمة ألفا وثمانمائة دينار ليكون بمنزله معدا للانتساب والافتخار وذكر لى من لفظه أنه طبخ فيه لجمعية كبيرة فى دفعة واحدة مرة أحد عشر رأسا من الجاموس ومرة من الغنم مائة رأس وعشرة، واعتنى بالأسباب الموجبة لحسن الذكر والصيت وانتشار ذلك عنه فى كل مراح ومقيل.

وحج فى عام خمس وعشرين وتسعمائة زمن ولاية الأمير برسباى الجركسى دوادار الأمير خاير بك من جملة عامة أهل الركب، ثم بدا له الحج فاستأذن فى عام ثلاث وستين وكتب بسؤال الإذن من عنده إلى الأبواب السلطانية فعاد إليه الجواب بأن يحج أميرا على الركب معظما فى ذلك المهم والقضية فسافر فى تلك السنة أميرا على الحج ورأسا لوفود العج والثج

(1)

فأكثر من حمل الزاد والماء وقصد ثناء الفقراء عليه بإطعامهم وإنجائهم من الظمأ واعتنى فى كل يوم بإطعامهم طبيخ البازين فى القصاع الوافرة، واستمر على ذلك ذهابا وإيابا فى كل كرة غير خاسرة وسار فى أعقاب الحج

(1)

العجّ: العجيج فى الدعاء، والثج: سيلان دماء الهدى والأضاحى-وفى الحديث تمام الحج العجّ والثج- انظر اللسان- (ثجج).

ص: 193

لحمل المنقطع والمعيى والمريض، واشتهر فى تلك السنة بذلك بين وفد الله خصوصا ممن يتحقق منه المعرة واللسانة، وجعل راتبا لفقراء مكة الآفاقية من اليمن والزيلع وطوائف الأجناس فى كل يوم حملين من الدقيق يطبخ بازينا بالسمن ويفرق عشية كل يوم مدة إقامته بمكة فبسبب إطعام الفقراء البازين ومداومته على ذلك ذهابا وإيابا قال سوقة الركب لما فقدوا من كان يشترى بضاعتهم المعدة للفقراء من الحلاوة والعيش وغير ذلك «فى سنة البازين بطلت الموازين» وبسبب عدم إحسانه لفقراء مكة الذين هم من الفقهاء وعامة البلد ممن جرت عادة أكابر أهل الصيت من الأمراء ومشايخ العرب إذا حجوا أن يفرقوا عليهم شيئا من النقود توسعة عليهم ولو مساعدة فى ثمن حرام أو غيره، قالوا:: «سنة أبى حنيش لا فى ايش ولا على ايش» حتى لهجت بذلك أولاد مكة وأطفالهم وسفهاؤهم فى الأزقة والأسواق، كما هى عادتهم فى بسط الألسنة عند التقصير فى عطائهم ولما عاد من الحج جهز أرمغانا حافلا للباب الشريف، فعين له حينئذ أن يكون من أمراء اللواء وجهز إليه لواء وثمارا كما هى عادة الأرمغانات السلطانية، واستمر أميرا على عرب بنى عونة مع كونه أمير اللواء السلطانى فتعدى حينئذ طوره ولبس الملابس الفاخرة، وأكثر من المماليك الترك وأمر بأن تضرب طبلخانة الروم المكملة فى كل يوم بعد العصر على عادة أمراء الألوية الكبار، ولكن لم يغير اللثامين وعمامة العرب، وإنما لبس الفوقانى خاصة قصير الكم وركب بالسروج التركية المحلاة، ومشى فى ركابه عدد من المماليك بالزى الرومى الفاخر والغاشية الملوكية، وقل خيره عند حصول هذه الرتبة عن الفقراء وطلب الثواب واقتصر على ما يجهزه إلى الديار الرومية وأكابر الباب، ومع بلوغه هذا المقام واتصاله لهذا الإكرام، فهو متصف بأوصاف مشهورة وأحوال مخبورة.

منها أنه كان أعسر اليد لا يكاد يتناول بيده اليمنى غذاء ولا شيئا يهتم به بل بشماله ولا يخفى ما فى ذلك، وكان معيانا، قل ما نظر إلى شئ واستحسنه إلا واقترن به الضرر حتى فى ماله وجماله، وحقودا من غير أن يظهر منه خلافه فى الخارج وقل ما أظهر البشاشة والإنصاف فى السلام للوارد إلا وكان مداهنا له شديد البغض باطنا، وربما أمر بقتل النفس فى الباطن وأنكر على قاتله فى الصورة الظاهرة، وغالب معروفه للإشاعة وذكر المحمدة، ووعده فى الغالب كبرق خلب، وربما تعمد الكذب الصريح وأوهم خلافه، وقل من ركن إليه بالكلية إلا وشكا الفقر لشؤم أتباعه.

ص: 194

وكان بعض أهل الذوق يعدّ سفره أميرا على الركب وأميرا للواء من أجل أشراط الساعة، ويستدل بالحديث الشريف الوارد فى هذا المعنى، خصوصا مع عدم تقدم ولاية أمير فلاحة على وفود الله فى الزمن الغابر، فضلا عن أن يكون من سابقته الشعبة وبيوت الشعر مندرجا مع أعيان الأمراء الأكابر فيعوّل فى إنكاره على الاستقراء والتتبع الماضى ولا يلوى إلى سلوك سبيل التساهل والتقاضى.

ثم قال: وأتذكر فى عام حجته أميرا على الركب جلوسى بالحرم الشريف تجاه الكعبة المعظمة فى يوم عيد الله الأكبر حالة إرخاء ستور الكعبة بكسوتها الجديدة بين جماعة من أعيان الحرم، وأمير الحاج المذكور فوق سطح البيت مخففا من ثيابه يعاون السدنة فى تعليق الستور، إذ جاء إلىّ الشيخ العلامة الأديب محب الدين بن ملا حاجى العجمى الذى كان مطوّفا لمصطفى باشا اليمنى وبعده لعدة من أمراء الحاج، فجلس يحادثنى إذ حانت منه التفاتة إلى البيت فرأى أمير الحاج بتلك الصورة على ظهر الكعبة فأشار إليه مبادرا قائلا:«رويعى غنم. لقد ارتقيت مرتقى صعبا» فأعجب /الحاضرين ذلك، يشير إلى قول أبى جهل بن هشام زاده الله نكالا لعبد الله بن مسعود ذلك حين مر عليه فى قتلى بدر ووضع رجله على عنقه قائلا «هل أخزاك الله يا عدوّ الله ثم احتز رأسه» .

ومن حوادث هذه البلدة أنه وقع بها فى سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف، وقعة بين شاهين بيك الألفى وعرب أولاد على، وكانوا مقيمين بها وكانت عرب الهنادى وجهينة بعد صلح الأمراء المماليك والعزيز محمد على باشا قد حضروا وتصالحوا بتوسط شاهين بيك الألفى على أن يرجعوا إلى منازلهم بالبحيرة ويطردوا أولاد على المتغلبين على الأقليم، فسافر معهم شاهين بيك وخشداشيته وحصل القتال بينهم فى هذا الموضع، فكانت مقتلة عظيمة مات فيها كثير من عرب أولاد على وأسر منهم نحو الأربعين وغنموا منهم كثيرا من الأغنام والجمال وتفرقوا فى جهة قبلى والفيوم.

وفى شهر رمضان توسط أولاد على ببعض أهل الدولة وعملوا للباشا مائة ألف ريال على رجوعهم للبحيرة وإخراج الهنادى منها فأجابهم لذلك فدخلوها وتحاربوا مع الهنادى وجهينة وضيقوا عليهم، واجتمع الهنادى وجهينة بحوش عيسى، فأرسل

ص: 195

الباشا إليهم عمر بيك الألفى ومعه جملة من المماليك والدلاتلية واتحدوا مع الهنادى على قتال أولاد على فظهر عليهم أولاد على وهزموهم وقتل من الدلاة أكثر من مائة ومن المماليك خمسة عشر مملوكا فأمر الباشا بخروج نعمان بيك وشاهين بيك وباقى الألفية وحسن بيك الشماشرجى لطرد أولاد على فخرجوا إليهم وطردوهم أ. هـ. جبرتى.

ص: 196

[حرف الخاء]

(خانقاه سرياقوس)

بخاء فى أوله وقاف بعد النون قرية من مديرية القليوبية بقسم شبرا الخيمة واقعة فى سفح الجبل الشرقى، وفى الشمال الغربى لبركة الحج على أكثر من أربعة آلاف متر، وفى جنوب أبى زعبل بنحو ألف وخمسمائة متر، وفى الشمال الشرقى لسرياقوس بنحو ألف متر وأبنيتها بالآجر، وبها مساجد أشهرها جامع الملك الأشرف فى جهتها القبلية وهو جامع كبير بناؤه بالحجر الآلة وله منارة مرتفعة، وجامع العارف بالله سيدى أبى باطه فى جهتها الغربية به مقام العارف المذكور، وله بها مولد سنوى وفيها منازل مشيدة وقيساريات، وفيها المدرسة المشهورة قديما بمكتب أنجال المرحوم محمد على باشا، وفى ذلك المكتب جامع كبير بمئذنة وبها جملة أحجار للزيت ومعمل دجاج وبدائرها بساتين كثيرة لها سوق كل يوم أحد.

وفى حاشية ابن عابدين على الدر المختار أن: الخانقاه فى الأصل متعبد الصوفية، قال: وفى كلام ابن وفى نفعنا الله به ما يفيد أنها بالقاف فإنه قال: الخنق فى اللغة التضييق والخانق الطريق الضيق ومنه سميت الزاوية التى يسكنها صوفية الروم الخانقاه لتضييقهم على أنفسهم بالشروط التى يلتزمونها فى ملازمتها، ويقولون فيها أيضا من غاب عن الحضور غاب نصيبه إلا أهل الخوانق وهى مضايق أ. هـ.

طحطاوى.

وتسمى أيضا رباطا من الربط وهو الملازمة على الأمور ومنه سمى المقام فى ثغر العدوّ رباطا ومن ذلك قوله تعالى {وَصابِرُوا وَرابِطُوا}

(1)

ومعناه انتظار الصلاة بعد الصلاة لقوله عليه السلام: فذلكم الرباط، أفاده فى القاموس انتهى.

وفى رحلة الشيخ عبد الغنى النابلسى الخانقاه بالقاف أصلها الخانكاه بالكاف

(1)

سورة آل عمران آية 200.

ص: 197

الفارسية فالخان بمعنى السلطان وكاه بمعنى الوقت فى لغة الفرس: فكأنها فى الأصل اسم للوقت الذى يكون فيه السلطان نازلا فى منزلة جميع لوازمه مهيئة فيها ومن ذلك يسمون التكية المشتملة على لوازم الفقراء والمسافرين خانكاه والعامة يعربونها ويقولون خانقاه.

قال المقريزى فى الخطط: الخانكاه كلمة فارسية معناها بيت، وقيل أصلها الموضع الذى يأكل فيه الملك. انتهى.

وهى قصبة صغيرة ذات بيوت عامرة وأسواق وحوانيت بالخيرات غامرة، قال:

وأيام نزولنا بها كان الشيخ زين الدين البكرى الصديقى له حكم الولاية فيها بطريق التوجيه من جهة السلطنة العلية ونائبه فيها مفخر الأفاضل السيد الشريف الحسيب النسيب أحمد المشهور بالميقاتى، وفى البلدة المذكورة جامع السلطان الملك الأشرف وهو جامع عظيم فى محرابه شعرات مدفونة من شعر الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ومما قيل فيها لبعض أصحاب الرقة:

بلدة الخانقاه قد تجلت

قد حلت وانجلت بحلاها السنية

مذ بدت فى الورى عروس حلاها

نقطوها الملوك بالأشرفية

وفى تاريخ الإسحاقى أن الملك الأشرف برسباى لما سافر إلى آمد سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة نزل بالخانقاه السرياقوسية بمكان خال من البناء فنذر نذر تبرر إن أحياه الله وظفره بعدوّه ورجع سالما ليعمرن فى هذا المكان سبيلا ومدرسة فلما ظفر بعدوه وقتل ملك آمد واستأصل أمواله ورجع أو فى بنذره، وأنشأ بهذا الموضع جامعا عظيما مفروشا أرضه بالرخام/الملوّن وبجواره سبيلا، وقيل أن بمحراب الجامع المذكور تسع شعرات من شعر النبى صلى الله عليه وسلم، وفى معنى ذلك قال الشاعر:

الأشرف السلطان عمر جامعا

بالخانقاه ليرتحم بثوابه

وأتى بآثار النبى محمد

شعراته قد قيل فى محرابه

وإمامه بين البرية محسن

وكذا القضاة مع الشهود ببابه

انتهى.

وفى كتاب وقفية الأشراف أنه وقف على هذا الجامع أوقافا يصرف عليه ريعها،

ص: 198

فيصرف للخطيب سبعمائة درهم شهريا وللأمام ألف درهم، وللقارئ فى المصحف يوم الجمعة مائتا درهم، ولستة مؤذنين ألف وثمانمائة درهم، وللمرقى ثلثمائة درهم، ولأربعة فراشين ألف ومائتا درهم، ولاثنين قيمين ستمائة درهم، ولعشرة يقرءون كل يوم ختمتى قرآن أربعة آلاف درهم، ولخادم المصاحف مائتا درهم، ولكاتب الغيبة كذلك، وللمزملاتى خمسمائة درهم، وللبواب مائتان وخمسون درهما، ولسواق الساقية أربعمائة درهم، وثمن ماء عذب للسبيل بقدر الكفاية، وثمن اثنين وستين رطلا من الزيت شهريا ويشترى أربع بقرات لإدارة الساقية، ولشاد الجامع خمسمائة درهم شهريا ولمباشره كذلك. انتهى.

وفى خطط المقريزى. أن هذه الخانقاه خارج القاهرة فى شمالها على نحو بريد منها بأول تيه بنى إسرائيل بسماسم سرياقوس، أنشأها السلطان الملك الناصر محمد ابن قلاوون، وذلك أنه لما بنى الميدان والأحواش فى بركة الجب اتفق أنه ركب على عادته للصيد هناك فأخذه ألم عظيم فى جوفه كاد يأتى عليه وهو يتجلد ويكتم ما به حتى عجز، فنزل عن الفرس والألم يتزايد به فنذر لله إن عافاه الله ليبنيين فى هذا الموضع موضعا يعبد الله تعالى فيه، فخفّ عنه ما يجده وركب فقضى نهمته من الصيد وعاد إلى قلعة الجبل فلزم الفراش مدة أيام ثم عوفى، فركب بنفسه ومعه عدة من المهندسين واختط على قدر ميل من ناحية سرياقوس هذه الخانقاه، وجعل فيها مائة خلوة لمائة صوفى، وبنى بجانبها مسجدا تقام فيه الجمعة، وبنى بها حماما ومطبخا وذلك كان فى ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة.

فلما كانت سنة خمس وعشرين وسبعمائة كمل ما أراد من بنائها وخرج إليها بنفسه ومعه الأمراء والقضاه ومشايخ الخوانق ومدت هناك أسمطة عظيمة بداخل الخانقاه فى يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة، وتصدر قاضى القضاة بدر الدين محمد ابن جماعة الشافعى لإسماع الحديث النبوى وقرأ عليه ابنه عز الدين عبد العزيز عشرين حديثا تساعيا، وسمع السلطان ذلك وكان جمعا موفورا وأجاز قاضى القضاة الملك الناصر ومن حضر برواية ذلك وجميع ما يجوز له روايته، وعندما انقضى مجلس السماع قرر السلطان فى مشيخة هذه الخانقاه الشيخ مجد الدين موسى بن أحمد بن محمود الأقصراى ولقبه بشيخ الشيوخ فصار يقال له ذلك ولكل من ولى بعده، وكان

ص: 199

قبل ذلك لا يلقب بشيخ الشيوخ إلا شيخ خانقاه سعيد السعداء وأحضرت التشاريف السلطانية فخلع على قاضى القضاة بدر الدين، وعلى ولده عز الدين، وعلى قاضى قضاة المالكية، وعلى الشيخ مجد الدين أبى حامد موسى بن أحمد بن محمود الأقصراى شيخ الشيوخ، وعلى الشيخ على الدين القونوى شيخ خانقاه سعيد السعداء، وعلى الشيخ قوام الدين أبى محمد عبد المجيد بن أسعد بن محمد الشيرازى شيخ الصوفية بالجامع الجديد الناصرى خارج مدينة مصر، وعلى جماعة كثيرة وخلع على سائر الأمراء وأرباب الوظائف وفرق بها ستين ألف درهم فضة وعاد إلى قلعة الجبل، فرغب الناس فى السكنى حول هذه الخانقاه وبنيت الدور والحوانيت والخانات حتى صارت بلدة كبيرة تعرف بخانقاه سرياقوس، وتزايد الناس بها حتى أنشئ فيها سوى حمام الخانقاه عدة حمامات.

قال وهى إلى اليوم بلدة عامرة ولا يؤخذ بها مكس البتة مما يباع من سائر الأصناف احتراما لسكان الخانقاه، ويعمل هناك فى يوم الجمعة سوق عظيم ترد الناس إليه من الأماكن البعيدة يباع فيه الخيل والجمال والحمير والبقر والغنم والدجاج والأوز وأصناف الغلال وأنواع الثياب وغير ذلك، وكانت معاليم هذه الخانقاه من أسنى معلوم ديار مصر، يصرف لكل صوفى فى اليوم من لحم الضأن السليج رطل قد طبخ فى طعم شهى، ومن الخبز النقى أربعة أرطال، ويصرف له فى كل شهر مبلغ أربعين درهما فضة، عنها ديناران ورطل حلوى ورطلان زيتا من زيت الزيتون، ومثل ذلك من الصابون ويصرف له ثمن كسوة فى كل سنة وتوسعة فى كل شهر رمضان، وفى العيدين وفى مواسم رجب وشعبان وعاشوراء، وكلما قدمت فاكهة يصرف له مبلغ لشرائها وبالخانقاه خزانة بها السكر والأشربة والأدوية وبها الطبائعى والجرّاحى والكحال ومصلح الشعر.

وفى كل رمضان يفرق على الصوفية كيزان لشرب الماء وتبيض/لهم قدورهم النحاس، ويعطون حتى الأشنان لغسل الأيدى من وضر اللحم يصرف ذلك من الوقف لكل منهم، وبالحمام الحلاق لتدليك أبدانهم وحلق رءوسهم فكان المنقطع بها لا يحتاج إلى شئ غيرها ويتفرغ للعبادة، ثم استجد بعد ستة وتسعين وسبعمائة بها حمام آخر برسم النساء وما برحت على ما ذكرنا إلى أن كانت المحن من سنة ست وثمانمائة فبطل الطعام وصار يصرف لهم فى ثمنه مبلغ من نقد مصر وهى الآن على ذلك.

ص: 200

قال وأدركت من صوفيتها شخصا يعرف بأبى طاهر ينام أربعين يوما بلياليها لا يستيقظ فيها البتة ثم يستيقظ أربعين يوما لا ينام ليلها ولا نهارها أقام على ذلك عدة أعوام وخبره مشهور عند أهل الخانقاه، وأخبرنى أنه لم يكن فى النوم إلا كغيره من الناس ثم كثر نومه حتى بلغ ما تقدم ذكره، ومات بهذه الخانقاه فى نحو سنة ثمانمائة.

انتهى.

‌ترجمة العلامة شمس الدين بن الزيات

وفى كتاب تحفة الأحباب وروضة الطلاب للسخاوى: أن من صوفية الخانقاه هذه الشيخ محمد شمس الدين ابن الشيخ محمد بن ناصر الدين محمد بن جمال الدين عبد الله بن أبى حفص عمر الأنصارى الشافعى المعروف بابن الزيات الصوفى الأزهرى، صاحب كتاب الزيارات المسمى بالكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة، فرغ من جمعه فى عشرين من رجب سنة أربع وثمانمائة ولم يزل يفيد الطالبين والواردين إلى أن توفى فى يوم الأحد مستهل ذى القعدة سنة أربع عشرة وثمانمائة بخانقاه سرياقوس ودفن من يومه هناك، وكان والده يلقب أيضا بشمس الدين العباسى المجذوب أحد أصحاب الشيخ الصالح العارف قطب زمانه أبى زكريا يحيى بن على بن يحيى المغربى الأصل المصرى المولد المعروف بابن الصنافيرى، وقد توفى فى شهر المحرم سنة خمس وثمانمائة ودفن بالقرافة. انتهى.

قال المقريزى ومما قيل فى الخانقاه وما أنشأه السلطان بها:

سر نحو سرياقوس وانزل بفنا

أرجائها يا ذا النهى والرّشد

تلق محلا للسرور والهنا

فيه مقام للتقى والزهد

نسيمه يقول فى مسيره

تنبهى يا عذبات الرند

وروضه الريان من خليجه

يقول دع ذكر أراضى نجد

ولما عمر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ميدان المهارى المجاور لقناطر

ص: 201

السباع الآن، أنشأ زريبة فى قبلى الجامع الطيبرسى وحفر لأجل بناء هذه الزريبة البركة المعروفة الآن بالبركة الناصرية واستعمل طينها فى البناء، وأنشأ فوق هذه الزريبة دارا ووكالة وربعين عظيمين جعل أحدهما وقفا على خانقاه سرياقوس.

ولما حدثت المحن من سنة ست وثمانمائة وتقلص ماء النيل عن البر الشرقى، وكثرت حاجات الناس وضروراتهم، وتساهل قضاة المسلمين فى الاستبدال فى الأوقاف وبيع نقضها اشترى شخص الربعين والحمامين ودار الوكالة التى ذكرت على زريبة السلطان بجوار الجامع الطيبرسى فى سنة سبع وثمانمائة، انتهى.

‌ترجمة الشيخ درويش الأقصراى

وفى الضوء اللامع للسخاوى أن بخانقاه سرياقوس فى شرقيها قبر الصالح المعتقد الشيخ درويش الأقصراى، قال واسمه محمد ولقبه درويش الأقصراى الخانكى كان صالحا خيرا دينا غير ملتفت لما فى الأيدى ولا مدخر لشئ حتى الأكل والشرب، بل متجردا بحيث إنه كان إذا سافر للحج أو غيره لا يصحبه شئ غير ما يستر عورته ولا يطلب من أحد شيئا، بل أن جئ له بشئ من أكل لم يتناول منه سوى ما يسدّ به رمقه ويترك الباقى، وأفنى عمره فى السياحة والحج كل سنة ماشيا، كل ذلك مع المعرفة والعقل والفصاحة فى اللغة التركية وفهم قليل فى غيرها وكان حسن الشكل منوّر الشيبة وهو إلى الطول أقرب لا يغطى رأسه إلا نادرا، مات فى ذى القعدة سنة سبع وخمسين وثمانمائة بهذه الخانقاه وقبره يقصد بالزيارة. انتهى.

وفيه أن الأمير تمرباى التمر بغاوى تمربغا المشطوب نائب حلب ابتنى بظاهر خانقاه سرياقوس سبيلا وقبة وقد تقلب فى المناصب وكان دوادارا مدة الظاهر ططر، وكان من أمراء الطبلخاناه ثم رأس نوبة النوب وسافر أمير الحج غير مرة وباشر نيابة الاسكندرية، وكانت وفاته بالطاعون سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وكان عفيفا متصدقا له مآثر مع شراسة خلق وبذاءة لسان وقبره تجاه تربة الظاهر برقوق، انتهى.

وفيه أيضا أن عبد الغنى بن محمد بن أحمد الجوجرى ثم الخانكى أنشأ مدرسة فى الخانقاه وجاور مرارا منها فى سنة أربع وتسعين بعد حجه فى التى قبلها وكان ذا

ص: 202

ثروة ناشئة عن إدارته الدواليب وتجارته وغير ذلك. انتهى. ولم يذكر تاريخ موته.

‌ترجمة الشيخ عمر النبتيتى

وفيه أيضا أن عمر بن على بن غنيم بن على السراج أبا حفص بن أبى الحسن الدمشقى الأصل الخانكى المولد المشتولى المنشأ الشافعى ويعرف بالنبتيتى بنون مفتوحة بعدها موحدة ثم مثناتين فوقانيتين بينهما ياء قرية بالقرب من الخانقاه/ولد تقريبا بعيد الثمانين وسبعمائة بالخانقاه ونشأ مع أبويه بمشتول الطواحين شرقية، ومات والده وكان مذكورا بالصلاح وابنه صغير فحفظ القرآن وربع العبادات من التنبيه وأقبل على العبادة وصحب المجد صالحا الزواوى المغربى وتسلك به حتى أذن له فى الإرشاد، ويوسف الصفى وإسمعيل بن على بن الجمال، وتزوّج بعده بأم ولده على واستولدها محمدا، وحضر كثيرا من مواعيد أبى العباس الزاهد وتكسب بالزراعة ونحوها إلى أن اشتهر ذكره وارتفع محله.

وذكرت له أحوال صالحة وكرامات طافحة أفردها ولده محمد فى جزء مع المداومة على التهجد والصوم وإكرام الوافدين وملازمة الصمت، وقد صحبه جماعة كإمام الكاملية، والزين زكريا والشمس الونائى قاضى الخانقاه وكتب ممن تلقن منه الذكر على قاعدتهم، وقطن بنبتيت نحو خمسين سنة وبنيت له بالقرب منها زاوية ولكنه انتقل قبيل موته فى سنة خمس وستين إلى الخانقاه وبنيت له بشرقيها بالقرب من ضريح الشيخ مجد الدين زاوية أيضا، ومات فيها عن قرب قبيل الظهر ثالث المحرم سنة سبع وسبعين ودفن بها رحمه الله تعالى.

‌ترجمة الشيخ رمضان السفطى

وينسب إليها كما فى الجبرتى الإمام المتقن المتفنن الشيخ رمضان بن صالح بن عمر بن حجازى السفطى الخوانكى الفلكى الحيسوبى، أخذ عن رضوان أفندى، وعن العلامة الشيخ محمد البرشمسى وشارك الجمال يوسف الكلارجى وحسن أفندى قطعة مسكين، واجتهد وحرر وكتب بخطه كثيرا جدا وحسب المحكمات وقواعد المقوّمات على أصول الرصد السمرقندى الجديد، وسهل طرقها بأدق ما يكون، وكان شديد الحرص على تصحيح الأرقام وحل المحلولات الخمسة ودقائقها إلى الخوامس والسوادس، وكتب منها عدة نسخ بخطه وهو شئ يعسر نقله فضلا عن حسابه وتحريره.

ص: 203

ومن تصانيفه نزهة النفس بتقويم الشمس بالمركز والوسط فقط والعلامة بأقرب طريق وأسهل مأخذ وأحسن وجه مع الدقة والأمن من الخطأ وحرر طريقة أخرى على طريق الدر اليتيم يدخل إليها بفاضل الأيام تحت دقائق الخاصة ويخرج منها المقوم بغاية التدقيق لمرتبة الثوالث فى صفحات كبيرة متسعة يحتاج إليها فى عمل الكسوفات والخسوفات والأعمال الدقيقة يوما يوما، ومن تآليفه كتاب الطالب لعلم الوقت وبغية الراغب فى معرفة الدائر وفضله والسمت، والكلام المعروف فى أعمال الكسوف والخسوف، والدوحات الوريفة فى تحرير قسى العصر الأول وعصر أبى حنيفة، وبغية الوطر فى المباشرة بالقمر، ورسالة عظيمة فى حركات الأفلاك السيارة وهيآتها وتركيب جداولها على التاريخ العربى على أصول الرصد الجديد وكشف الغياهب عن مشكلات أعمال الكواكب، ومطالع البدور فى الضرب والقسمة والجذور، وحرك ثلثمائة وستة وثلاثين كوكبا من الكواكب الثابتة المرصودة بالرصد الجديد بالأطوال والأبعاد ومطالع الممرّ ودرجاته لأول سنة تسع وثلاثين ومائة وألف، والقول المحكم فى معرفة كسوف النير الأعظم، ورشف الزلال فى معرفة استخراج قوس مكث الهلال بطريقى الحساب والجدول.

وأما كتاباته وحساباته فى أصول الظلال واستخراج السموت والدساتير فشئ لا ينحصر، وكان يستعمل البر شعثا ويطبخ منه فى كل سنة قزانا كبيرا، ثم يملأ منه قدورا ويدفنها فى الشعير ستة أشهر ثم يستعمله بعد ذلك يكون قد حان فراغ الطبخة الأولى، وكان يأتيه من بلده الخانكاه جميع لوازمه وذخيرة داره من دقيق وسمن وعسل وجبن وغير ذلك، وكان إذا حضر عنده ضيوف وحان وقت الطعام قدّم لكل فرد من الحاضرين دجاجة على حدته، ولم يزل على حاله حتى توفى ثانى عشر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين ومائة وألف يوم الجمعة ودفن بجوار تربة الشيخ البحيرى كاتب القسمة العسكرية بجوار حوش العلامة الخطيب الشربينى. انتهى.

وحيث تقدم ذكر التشاريف السلطانية والخلع فلنورد لك بعض ما يتعلق بذلك فنقول: نقل كترمير عن كتاب السلوك للمقريزى، أن عادة هذه المملكة فى الخلع ومراتبها أن تجعل ثلاثة أنواع خلع أرباب السيوف وخلع أرباب الأقلام وخلع العلماء، فأما أرباب السيوف فخلع أكابر أمراء المئين منهم الأطلس الأحمر الرومى،

ص: 204

وتحته الأطلس الأصفر الرومى وفوق الأحمر طرز زركش ذهب وتحته سنجاب

(كرك) وله سجف من ظاهره مع الغشاء قندس- (كرك من حيوان البدستر) -وكلوتة زركش مذهب وكلاليب ذهب وشاش لانس (رفيع) موصول بطرفه حرير أبيض مرقوم بألقاب السلطان مع نقوش باهرة من الحرير الملون مع منطقة ذهب، ثم تختلف أحوال المنطقة بحسب مقاديرهم وأعلاها أن يعمل بين عمدها بواكر (صفائح) أوسط ومجنبتين مرصعة بالبلخش والزمرد واللؤلؤ ثم ما كان بيكارية واحدة مرصعة ثم ما كان بيكارية واحدة من غير ترصيع.

فأما من تقلد ولاية كبيرة منهم فإنه يزاد سيفا محلى بذهب يحضر من السلاحخانة ويجعلوه ناظر الخاص ويزاد/فرسا ملجما بكنبوش- (ستر أو طراحة) -ذهب فالفرس من الاصطبل وقماشه من الركابخانه، ومرجع العمل فى السرج المذهب والكنابيش الزركش إلى ناظر الخاص وخلعة صاحب حماة من أعلى هذه الخلع فبدل الشاش اللانس شاش يعمل بالإسكندرية من الحرير شبيه بالطوال، وينسج بالذهب يعرف بالمتر ويعطى فرسين أحدهما كما ذكر، والآخر يكون عوض كنبوشه زنارى أطلس أحمر وقد استقر لنائب الشام مثل هذا وزيد له تركيبة زركش ذهب دائرة بالقباء الأعلى.

وفى القاموس: السجف بسكون الجيم مع فتح السين وكسرها وككتاب الستر وجمعه سجوف وأسجاف. انتهى.

قال كترمير أيضا عن كتاب السلوك: السجف الطراز ونوع من القماش، وفى المقريزى كان يعمل بتنيس طراز يقال له طراز تنيس، وكذا فى غيرها من بعض قرى مصر، وأحيانا كان يصنع بها من جملة الطراز كسوة الكعبة.

وفى تاريخ مصر لابن أبى السرور يعمل بها الطراز من الصوف الشفاف ومحل عمله يسمى دار الطراز، ويطلق الطراز على المحل الذى يكون به الطراز، ففى جوغرافية ابن حوقل عند الكلام على مدينة تستر يكون بها لكل من ملك العراق طراز.

وقال أبو المحاسن كان له ثمانون طرازا ينسج فيها الثياب لملبوسه، وفى تاريخ

ص: 205

الأندلس للمقرى الحرير المذكور قبضه صاحب الطراز، وقال ابن أبى السرور:

البهنسا بها طراز الستور التى تحمل إلى الآفاق.

وقال أبو الفداء: ما يعمل بدار الطراز بالإسكندرية، وأما طرازى فليس منسوبا إلى الطراز بهذا المعنى بل هو منسوب إلى مدينة فى آخر بلاد المسلمين فى حدود بلاد التركستان، قال فى تاريخ القيروان: وشاح طرازى، وفى تاريخ الأندلس للمقرى صنوف الخز الطرازى، وفى تاريخ الحكماء لابن أبى أصيبعة القصب الخاص (المختص بالسلاطين) الطراز.

وفى القاموس: الوشاح بالضم والكسر كرسان من لؤلؤ وجوهر منظومان يخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر، وأديم عريض يرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحيها وجمعه وشح بضمتين وأوشحة ووشائح وقد توشحت المرأة واتشحت ووشحتها توشيحا وهى غرثى الوشاح هيفاء وتوشح بسيفه وثوبه تقلد والوشاح بالكسر سيف شيبان المهدى، انتهى.

ويطلق على حمائل السيف والقصب نوع أيضا من الأقمشة المنسوجة بالابريسم وفى مصر هو نوع من الحرير مشغول بقطع من الذهب أو الفضة، وفى تاريخ أطابيك لابن الأثير حمل إليه من مصر عمامة من القصب الرفيع مذهبة، وفى خطط المقريزى قصب عراقى جملة سلفه (أرضيته) وذهبه مائة وأربعون دينارا.

وفى تاريخ الجبرتى بطراز قصب واشتق من ذلك المقصب فيقال: القماش المقصب والمقصب الملون والملبوس المقصب، وأما المتمر فقال كترمير لم أقف له على معنى صحيح، والغالب أنه نوع من القماش عليه نقوش بصورة التمر، والزنارى هو جوخ يشبه العباءة المحوية الصدر مستدير من وراء الكفل.

وقال فى مسالك الأبصار يعمل الزنارى بدلا من الكنبوش، وفيه أيضا عند التكلم على بعض الأمراء أنه أهدى حصانا عليه زنارى، والتركيبة اسم لقماش مطرز مركب على قباء، قال فى تاريخ أبى المحاسن: فرجية بدائرها تركيبة زركش، وفى ديوان الإنشاء: فرجية سوداء بتركيبة زركش وطراز زركش.

وفى كتاب السلوك تراكيب مرصعة بالجواهر وفرجية بدائرها ورأس كميها

ص: 206

تركيبة، وفى الجبرتى كان فريدا فى صناعة التراكيب وتطلق التركيبة على ما على القبر من نحو الرخام، انتهى.

ولنرجع إلى ما نحن فيه قال كترمير ودون هذه المرتبة نوع من الخلع يسمى الطرد وحش يعمل بدار الطراز بالإسكندرية ومصر ودمشق وهو مجوخ جاخات (أقلام) ألوان ممتزجة بقصب مذهب يفصل بين هذه الجاخات نقوش وطراز هذا من القصب وربما كبر بعضهم فركب عليه طرازا مزركشا بالذهب وعليه السنجاب أو القندس كما تقدم.

وتحته قباء من المفرح الإسكندرى والطرح وكلوتة زركش وكلاليب وشاش على ما تقدم، وحياصة ذهب تارة تكون ببيكارية وتارة لا تكون لها بيكارية، وهذه لأصاغر أمراء المئين ومن يلحق بهم.

قال كترمير لا أعلم كلمة طرد وحش من أىّ لغة هى وقد وجدتها فى خطط مصر للمقريزى، قال ألبسه تشريفا من حرير طرد وحش. وفى تاريخ أبى المحاسن لمصر خصص الملك المنصور من الأمراء بلبس الطرد وحش أربعة من خشداشيته (أخصائه).

وفى تاريخ بيروت خلعة الطرد وحش هى فى المنزلة ثانى الأطلسين، وفى سيرة محمد بن قلاوون البغلطاق الطرد وحش، انتهى.

وقد مر معنى البغلطاق فى الكلام على تروجه، قال ودون هذه المرتبة كنجى (قباء) عليه نقش من لون غير لونه، وقد يكون من نوع لونه بتفاوت يسير بسنجاب مقندس (كرك ممتزج منهما) والبقية كما قدمنا، إلا أن الحياصة والشاش لا يكون بأطرافهما رقم، بل تكون مجوخة بأخضر وأصفر مذهب بيكارية، ودون هذه الرتبة كنجى/بلون واحد بسنجاب مقندس والبقية على ما ذكر، وتكون الكلوتة خفيفة الذهب ويكاد جانباها يكونان خليين بالجملة ولا حياصة له ودون هذه الرتبة محرم لون واحد والبقية على ما ذكر ما خلا الكلوتة والكلاليب، ودون هذه الرتبة محرم وقندس وتحته قباء ملون بجاخات من أحمر وأخضر وأزرق وغير ذلك من الألوان، وسنجاب وقندس وتحته قباء إما أزرق أو أخضر وشاش أبيض بأطراف من

ص: 207

نسبة ما تقدم ثم ما دون هذا من هذا النوع مع نقص ما.

وقوله كنجى قال كترمير هو نوع من أقمشة الحرير ويغلب على الظن أنه منسوب إلى مدينة كنجه أو جنجه من بلاد أذربيجان والمحرم نوع من القماش كما فى مسالك الأبصار.

وفى خطط المقريزى أن له جملة معان متباينة وفى بلاد أفريقية استعمال المحرمة فى المنديل إلى الآن، قال كترمير: وأما الوزراء والكتاب فأجلّ خلعهم كنجى أبيض مطرز برقم حرير ساذج وسنجاب وقندس ويبطن القندس بالسنجاب ويملأ الأكمام به وتحته كنجى أخضر وبقيار كتان من عمل دمياط مرقوم وطرحة، ثم دون هذه الرتبة عدم تبطين القندس بالسنجاب وإخلاء الأكمام منها ودونها ترك الطرحة ودونها أن يكون التحتانى محرما، ودون هذا أن يكون الفوقانى من نوع الكنجى لكنه غير أبيض، ودونه أن يكون الفوقانى محرما غير أبيض، ثم تحته عنابى طرحة أو ما يجرى مجراه، ثم ما دون ذلك كما قدمنا فى خلع أرباب السيوف. وقوله: بقيار كتان أى عمامة من كتان.

قال فى فاكهة الخلفاء لابن عرب شاه وضع على الرأس بقيارا، وفى تاريخ حلب كان على رأسه بقيار مثمن خلعه عليه الملك الظاهر، وفى ابن خلكان ناوله بقياره، وقال له الوكيل لم يبق عندك سوى هذا البقيار الذى على رأسك، والعتابى نوع من ثياب الحرير.

قال ابن حوقل: العتابى والوشى وسائر ثياب الإبريسم والقطن، ويفهم من كلام بعضهم أن العتابى ثياب من الحرير مخططة بخطوط مختلفة، وقد شبه ابن البيطار نوعا من البطيخ بالعتابى فقال هو نوع صغير مخطط بحمرة وصفرة على شكل الثوب العتابى، ويقال فرس عتابى وحمار عتابى وحمارة عتابية والوشى هو الأقمشة الملوّنة والإبريسم أقمشة الحرير والصوف ثم قال:

وأما القضاة والعلماء فخلعهم من الصوف بغير طراز ولهم الطرحة، وأجله أن يكون أبيض وتحته أخضر ثم ما دون ذلك على نحو ما قدمنا، والطرحة اليوم اسم للطيلسان المقوّر كما قاله المقريزى.

ص: 208

وفى مسالك الأبصار لما جلس السلطان سعيد بركة خان بن الظاهر بيبرس على التخت خلع على الأعيان والأكبار بالطرحات وما يخلع بالطرحات قبل ذلك إلا على قاضى القضاة ويقال لبس طرحة على عمامته ويقال أيضا أما قاضى القضاة الشافعى فرسمه الطرحة ويقال شاش (عمامة) أسود وطرحة سوداء.

وقال ابن الجوزى: الطرحة الطيلسان، وقال النوارى: يقال عليه قباء أسود وعمامة سوداء وطرحة سوداء، ويؤخذ من كلامه فى موضع آخر أن الطرحة غير الطيلسان حيث قال: يقال: لبس الطرحة وألقى الطيلسان، والطرحة شاش رفيع يلف على العمامة بهيئة مخصوصة، وكانت العادة أن لا يطرح إلا من علم فضله واشتهر.

قال المقريزى فى خططه لبس الملاوات (القفاطين) الطرح.

وفى كتاب السلوك بقيار (طاقية) طرح إسكندرى، وفى تاريخ أبى المحاسن ملوطة (قباء) طرح محرر (ذو حرير) وتطلق الطرحة على خمار المرأة قال المقريزى استجد النساء المقنعة والطرحة.

وفى القاموس: المقنع والمقنعة بكسر ميمهما ما تقنع به المرأة رأسها والقناع بالكسر أوسع منها، انتهى.

وأما أهبة الخطباء فإنها من السواد للشعار العباسى، وهى دلق مدور وشاش أسود وطرحة سوداء وينصب على المنبر علمان أسودان مكتوبان بأبيض أو يذهب، ويخرج المبلغ من المؤذنين قدام الخطيب وعليه سواد مثل الخطيب خلا الطرحة وفى يده السيف، فإذا صعد الخطيب المنبر أخذ منه السيف فإذا رقى المنبر وسلم أذن لابس السواد تحت درج المنبر وتبعه المؤذنون ثم ذكر الحديث الوارد «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت» ثم يبلغ عند الصلاة والترضى والدعاء للخليفة والسلطان هو ثم المؤذنون، ثم إذا نزل إلى الصلاة أخذ السيف من يده وهذه الأهب تصرف من الخزانة، ثم تكون فى حواصل الجوامع لتلبس فى ساعة الجمع فإذا خلقت أعيدت الخلقة إلى الخزانة وصرف لهم عوضها، انتهى.

ص: 209

(خان يونس) قال سيدى عبد الغنى النابلسى رحمه الله عليه فى رحلته، أن خان يونس أول منزل من منازل مصر المحروسة للآتى من طريق الشام، وهى قلعة صغيرة بداخلها جامع لطيف يصعد إليه بدرج من الحجارة، وفيه محراب ومنبر معمور مكتوب عليه هذا البيتان:

جميع الأرض فيها طيب عيش

وجنات وروضات أنيقة

ولكن كلها فى غير مصر

مجازىّ وفى مصر حقيقة

ورأينا بيتين فى الحائط فى مدح الإمام الشافعى رضي الله عنه هما:

/إن المذاهب خيرها وأصحها

ما قاله الحبر الإمام الشافعى

فاخترت مذهبه وقلت بقوله

وجعلته يوم القيامة شافعى

وبيتين آخرين:

أتينا لقبر الشافعى نزوره

نظرنا إلى فلك ومن تحته بحر

فقلنا تعالى الله هذى إشارة

تدل بأن البحر قد ضمه القبر

وهما إشارة إلى سفينة من الخشب فوق قبة الإمام الشافعى يضعون فيها الحنطة لتأكلها الطيور ويسكن ذلك الخان جماعة من العرب.

‌ترجمة الشيخ زويد

وبالقرب منه فى جهة مصر مكان يسمى بالزعقة بزاى معجمة مفتوحة وعين مهملة ساكنة وقاف وهاء تأنيث، وهى برية قفرة بها بئر ملحة الماء وقبة بيضاء وعمارة عظيمة مدفونة فيها الشيخ زويد بضم الزاى المعجمة وفتح الواو وتشديد المثناة التحتية المكسورة ودال مهملة، رجل ولى صالح كان من أعراب البوادى ولهم فيه اعتقاد عظيم، حتى أنهم يضعون عنده الودائع من الذهب والفضة والحلى والمتاع وما يخافون عليه من الأمتعة، وباب مزاره دائما مفتوح ولا يقدر أحد أن يأخذ منه شيئا

ص: 210

وقد جرب ذلك العربان وغيرهم، ويحتمى بمزاره الخائف والقاتل فلا يجسر أحد أن يهجم عليه ويأخذه، وبين خان يونس والزعقة يسار فى الرمل السهل والصعب، ومن الزعقة يتوصل إلى العريش وهى على المشهور أول حدود مصر وآخر حدود الشام، انتهى باختصار.

(خربتا)

قرية قديمة من قرى مصر بمديرية البحيرة فى قسم النجيلة واقعة على شاطئ ترعة أمين أغا الغربى فى جنوب قرية بيبان على نحو أربعة آلاف متر، وفى شمال شبرا وسيم على نحو خمسة آلاف متر، وغربى قرية كوم حمادة على نحو ستة آلاف متر، وغربى بحر رشيد على نحو عشرة آلاف متر، والجبل فى غربيها على نحو سبعة آلاف متر وسكة حديد الوجه القبلى فى شرقيها على نحو ثلاثة آلاف متر.

وكانت تعرف قديما باسم إرباط وكانت كرسى خط يعرف باسمها، وذهب المقريزى وابن إياس إلى أن خطها كان يشتمل على اثنتين وستين قرية غير الكفور وأغلب أبنيتها بالآجر وأكثرها على دور واحد، وكان حواليها من الجنوب والشرق تلول أخذت فى السباخ، وفيها معمل دجاج ووابور مركب على ترعة أمين أغا، وبستان نضر كلاهما لعائلة عمدتها إبراهيم الجيار الذى كان ناظر قسم من زمن المرحوم سعيد باشا إلى عهد الخديوى إسمعيل باشا وتوفى سنة 1287 هـ، وأولاده إلى الآن هم عمدها ومن أولاده على الحيار.

كان ملحقا بالجهادية وترقى فيها إلى رتبة ملازم أول ثم خلى سبيله لكبر سن والده، ولأهلها خبرة فى فلاحة الأرض وأرضهم خصبة جيدة المحصول وريها من ترعتى أمين أغا والخشبى الخارجة من ترعة أمين أغا فى شرقى الناحية على نحو ثلاثة آلاف متر، ويتسوق أهلها من سوق بيبان، والطريق من خربتا إلى مصر بسفح الجبل فأوّلا تمر على ترعة أمين أغا إلى شبرا وسيم، ثم إلى ناحية واقد فى الجنوب الشرقى لشبرا وسيم على نحو ساعة، ثم إلى جسر ترعة الخطاطبة الغربى ثم تتبع الرياح إلى أن تصل إلى القناطر الخيرية ومنها إلى الاسكندرية طريق فى سفح الجبل. كانت سابقا مستعملة طريقا للبوسطة من مصر إلى الاسكندرية فأوّلا تسير من خربتا إلى ناحية الهوية ثم على الجسر المحيط إلى نواحى دوشه، وزاوية أبى شوشة، والدلنجات

ص: 211

وكوم قرين، وقنطرة نديبة، وناحية حفص ومحلة كيل وناحية بلقطر ثم إلى عزبة الشيخ عثمان الواقعة على ترعة المحمودية، ثم على شاطئ الترعة إلى الاسكندرية.

وبناحية خربتا مساجد عامرة منها جامعان عظيمان بأعمدة بعضها من الرخام وبعضها من الحجر الصوان ولكل منهما منارة وأحدهما قديم جدا يذكر أهلها أنه من زمن الصحابة ويصدق ذلك أن هذه القرية كانت منزلا لجماعة من العرب الذين فتحوا ديار مصر كما ذكره المقريزى فى خططه عند ذكر جامع عمرو حيث قال:

ولما نزلت العرب أرض مصر نزلت قبيلة مدلج بقرية خربتا واتخذوها منزلا وكان معهم نفر من حمير حالفوهم فيها فهى منازلهم وقال فى أول عبارته إنه لما فتحت مصر كانت الصحابة لا تسكن الريف، وكانت جميع القرى من جميع الإقليم أعلاه وأسفله مملوءه بالقبط والروم ولم ينتشر الإسلام فى قرى مصر إلا بعد المائة من الهجرة وكانت عادة الصحابة إذا جاء وقت الربيع كتب لكل قوم بربيعهم ولبنهم إلى حيث أحبوا وكانت القرى التى يأخذ فيها معظمهم منوف وسمنود وأهناس وطحا، وكان أهل الراية متفرقين، فكان آل عمرو بن العاص وآل عبد الله بن سعد يأخذون فى منوف ووسيم، وكانت هذيل تأخذ فى ببا وبوصير، وكانت عدوان تأخذ فى بوصير وقرى عك، والذى يأخذ فيه معظمهم بوصير ومنوف وسندبيس وأتريب/وكانت بلى تأخذ فى منف وطرّانة، وكانت فهم تأخذ فى أتريب وعين شمس ومنوف، وكانت قرة تأخذ فى نما ومنا وبسطه ووسيم.

وكانت لخم تأخذ فى الفيوم وطرافيه وقربيط، وكانت جذام تأخذ فى قربيط وطرافيه، وكانت حضرموت تأخذ فى ببا وعين شمس وأتريب، وكانت مراد تأخذ فى منف والفيوم ومعهم عبس بن زوف، وكانت حمير تأخذ فى بوصير وقرى أهناس.

وكانت خولان تأخذ فى قرى أهناس والقيس والبهنسا، وآل وعلة يأخذون فى سفط من بوصير، وآل أبرهة يأخذون فى منف وغفار، وأسلم يأخذون مع وائل من جذام وسعد فى بسطه وقربيط وطرافيه، وآل يسار بن ضبة فى أتريب.

وكانت المعافر تأخذ فى أتريب وسخا ومنوف، وكانت طائفة من تجيب ومراد يأخذون باليد كون.

ص: 212

وكان بعض هذه القبائل ربما جاور بعضا فى الربيع، ولا يوقف فى معرفة ذلك على أحد إلا أن معظم القبائل كانوا يأخذون حيث وصفنا، وكان يكتب لهم بالربيع فيربعون ما أقاموا وباللبن، وكان لغفار وليث أيضا مربع بأتريب، ثم قال: ورجعت خشين وطائفة من لخم وجذام فنزلوا أكناف صان وأبليل وطرافيه.

وذكر أيضا عند الكلام على مذاهب أهل مصر أنه لما قتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه قامت شيعته بمصر وعقدوا لمعاوية بن حديج وبايعوه على الطلب بدم عثمان فسار بهم معاوية إلى الصعيد، فبعث إليهم ابن أبى حذيفة ليقاتلهم فالتقوا بدقناس من كورة البهنسا فهزم أصحاب ابن أبى حذيفة ومضى معاوية حتى بلغ برقة، ثم رجع إلى الإسكندرية فبعث ابن أبى حذيفة بجيش آخر عليهم قيس بن حرمل فاقتتلوا بخربتا أول شهر رمضان سنة ست وثلاثين فقتل قيس.

ولما دخل معاوية بن أبى سفيان مصر وعقد الرهان مع ابن أبى حذيفة خرج معه ابن حذيفة وابن عيسى وكنانة بن بشر وأبو شمر بن أبرهة وغيرهم من قتلة عثمان، فلما وصل بهم قرية لدّ سجنهم بها وسار إلى دمشق فهربوا من السجن غير أبى شمر ابن أبرهة، فإنه قال لا أدخل السجن أسيرا وأخرج منه آبقا، وتبعهم صاحب فلسطين فقتلهم فى ذى الحجة سنة ست وثلاثين، فلما بلغ على بن أبى طالب رضي الله عنه مصاب ابن حذيفة، بعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصارى على مصر وجمع له الخراج والصلة فدخلها مستهل شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين، واستمال الخارجية بخربتا ودفع إليهم أعطياتهم، ووفد عليهم وفدهم فأكرمهم وأحسن إليهم ومصر يومئذ من جيش على رضي الله عنه إلا أهل خربتا الخارجين بها.

وكان قيس بن سعد من ذوى الرأى والدهاء فجهد معاوية بن أبى سفيان وعمرو ابن العاص على إخراجه من مصر ليغلبا على أمرها فامتنع عليهما بالدهاء والمكايدة، فعمل معاوية مكيدة لقيس من قبل على رضي الله عنه، فكان معاوية يحدّث رجالا من ذوى رأى قريش فيقول: ما ابتدعت من مكايدة قط أعجب إلىّ من مكايدة كدت بها قيس بن سعد حين امتنع منى، قلت لأهل الشام لا تسبوا قيسا ولا تدعو إلى غزوه، فإن قيسا لنا شيعة تأتينا كتبه ونصيحته سرا ألا ترون ماذا يفعل بإخوانكم النازلين

ص: 213

عنده بخربتا يجرى عليهم أعطياتهم وأرزاقهم ويؤمن سربهم ويحسن إلى راكب يأتيه منهم.

قال معاوية وطفقت أكتب بذلك إلى شيعتى من أهل العراق فسمع بذلك جواسيس على بالعراق فأنهاه إليه محمد بن أبى بكر وعبد الله بن جعفر فاتهم قيسا فكتب إليه يأمره بقتال أهل خربتا وبخربتا يومئذ عشرة آلاف، فأبى قيس أن يقاتلهم، وكتب إلى على رضي الله عنه أنهم وجوه أهل مصر وأشرافهم وأهل الحفاظ منهم، وقد رضوا منى بأن أؤمن سربهم وأجرى عليهم أعطياتهم وأرزاقهم، وقد علمت أن هواهم مع معاوية فلست بكائدهم بأمر أهون على وعليك من الذى أفعل بهم وهم أسود العرب منهم بسر بن أرطاة، وسلمة بن مفلج ومعاوية بن حديج فأبى عليه إلا قتالهم، فأبى قيس أن يقاتلهم وكتب إلى على رضى عنه: إن كنت تتهمى فاعزلنى وابعث غيرى.

وكتب معاوية رضي الله عنه إلى بعض بنى أمية بالمدينة أن جزى الله قيس بن سعد خيرا، فإنه قد كف عن إخواننا من أهل مصر الذين قاتلوا فى دم عثمان واكتموا ذلك فإنى أخاف أن يعزله على إن بلغه ما بينه وبين شيعتنا حتى بلغ عليا رضي الله عنه ذلك.

فقال من معه من رؤساء أهل العراق وأهل المدينة بدل قيس وتحول، فقال على ويحكم، إنه لم يفعل فدعونى قالوا لتعزلنه فإنه قد بدّل فلم يزالوا به حتى كتب إليه إنى قد احتجت إلى قربك فاستخلف على عملك وأقدم، فلما قرأ الكتاب قال هذا من مكر معاوية ولولا الكذب لمكرت به مكرا يدخل عليه بيته، فوليها قيس بن سعد إلى أن عزل عنها أربعة أشهر وخمسة أيام وصرف لخمس خلون من رجب سنة 37 هـ. ثم وليها الأشتر مالك بن الحرث، فلما قدم قلزم مصر شرب شربة عسل فمات فلما أخبر على بذلك قال «لليدين وللفم»

(1)

وسمع عمرو بن العاص بموت الأشتر فقال إن لله جنودا من عسل.

ثم وليها محمد بن أبى بكر الصديق رضي الله عنه من قبل على رضي الله عنه وجمع له صلاتها وخراجها فدخلها للنصف من شهر رمضان سنة 37 فلقيه قيس بن سعد

(1)

فى المستقصى فى أمثال العرب للزمخشرى 2/ 293 قالته عائشة رضي الله عنها أيضا: «لرجل أصابته نكبة» .

ص: 214

فقال له إنه لا يمنعنى نصحى لك عزله إياى، ولقد عزلنى عن غير وهن ولا عجز، فاحفظ ما أوصيك به يدم صلاح حالك.

دع معاوية بن حديج ومسلمة بن مخلد وبسر بن أرطأة ومن ضوى إليهم على ما هم عليه لا تكفهم عن رأيهم، فإذا أتوك ولن يفعلوا فاقبلهم وإن تخلفوا عنك فلا تطلبهم، وانظر هذا الحى من مضر فأنت أولى بهم منى، فألن لهم جناحك، وقرّب عليهم مكانك، وارفع عنهم حجابك.

وانظر هذا الحى من مدلج فدعهم وما غلبوا عليه يكفوا عنك شأنهم، وانزل الناس من بعد على قدر منازلهم فإن استطعت أن تعود المرضى وتشهد الجنائز فافعل، فإن هذا لا ينقصك ولن تفعل، إنك والله ما علمت لتظهر الخيلاء وتحب الرياسة وتسارع إلى ما هو ساقط عنك والله موفقك.

فعمل محمد بخلاف ما أوصاه به قيس فبعث إلى ابن حديج والخارجة معه يدعوهم إلى بيعته فلم يجيبوه، فبعث فى دور الخارجة فهدمها ونهب أموالهم وسجن ذراريهم، فنصبوا له الحرب وهموا بالنهوض إليه، فلما علم أنه لا قوة له بهم أمسك عنهم ثم صالحهم على أن يسيرهم إلى معاوية، وأن ينصب لهم جسر انطقيوس يجوزون عليه ولا يدخلون الفسطاط ففعلوا ولحقوا بمعاوية.

فلما اجتمع على رضي الله عنه ومعاوية على الحكمين أغفل على أن يشترط على معاوية أن لا يقاتل أهل مصر، فلما انصرف على إلى العراق بعث معاوية رضي الله عنه عمرو بن العاص فى جيوش أهل الشام إلى مصر، ودخل عمرو بأهل الشام الفسطاط، وتغير محمد بن أبى بكر فأقبل معاوية بن حديج فى رهط ممن يعينه على من كان يمشى فى قتل عثمان، وطلب ابن أبى بكر فدلت عليه امرأة فقال احفظونى فى أبى بكر فقال معاوية قتلت ثمانين رجلا من قومى فى عثمان وأتركك وأنت صاحبه فقتله، ثم جعله فى جيفة حمار ميت فأحرقه بالنار فكانت ولاية محمد بن أبى بكر خمسة أشهر ومقتله لأربع عشرة خلت من صفر سنة 38 هـ. انتهى.

ص: 215

‌ترجمة الشيخ سليمان الخربتاوى وابنه

وينسب إليها كما فى الجبرتى الإمام المحقق المعمر الشيخ سليمان بن أحمد بن خضر الخربتاوى البرهانى المالكى، وهو والد الشيخ داود توفى المترجم سنة خمس وعشرين ومائة وألف عن مائة وست عشرة سنة.

وأما ولده الشيخ داود فهو الإمام الفاضل داود بن سليمن بن أحمد بن خضر الشرنوبى البرهانى المالكى الخربتاوى، ولد سنة ثمانين وألف وحضر على كبار أهل العصر كالشيخ محمد الزرقانى والخرشى وطبقتهما وعاش حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، وكان شيخا معمرا مسندا له عناية بالحديث، توفى فى جمادى الثانية سنة سبعين ومائة وألف، انتهى.

(الخربة)

عدة قرى بمصر منها الخربة بلدة من بلاد العابد بمركز بلبيس من مديرية الشرقية، واقعة فى شمال بلبيس بنحو عشرين ألف متر، وغربى ترعة الإسماعيلية بالقرب من الجبل، وبها نخل كثير ومجلس للدعاوى وآخر للمشيخة، وفيها مكاتب لتعليم الأطفال القراءة والكتابة وأطيانها ألفان وأربعمائة وسبعون فدانا وكسر، وعدد أهلها ألف ومائتان وأربعون ما بين ذكر وأنثى وتكسبهم من الزرع ومن ثمر النخل. ومنها:

(خربة وردان)

قرية كانت فى حدود بلاد الجيزة والغربية تخربت من زمن الفتح، والمتواتر بين الناس أن محلها هو المحل المعروف بخمسينات وردان، وهو محل فى سفح الجبل الغربى وسط الرمال به قبور يقال إنها قبور جماعة من الصحابة قتلوا فى وقعة هناك زمن فتح مصر.

وفى شماله الشرقى الآن محطة وردان على نحو ثلث ساعة، كما بينه وبين رياح البحيرة وسكة حديد وجه قبلى، وكما بينه وبين الآثار القديمة المعروفة بقصر الأغا الواقعة على الشط الشرقى للرياح، وفى جنوبه الشرقى على مسافة ساعة ونصف قرية بنى غالب الواقعة فوق النيل، ومن وردان الموجودة الآن فوق النيل إلى هذا المحل نحو ساعتين.

ص: 216

وجميع الأراضى التى هناك بين النيل والجبل من ابتداء الجسر الأسود، وهو الحد البحرى لمديرية الجيزة إلى فم ترعة الخطاطبة رمال غير صالحة للزرع فى غربى الرياح وفى شرقيه ما عدا مزارع وردان وأتريس وبنى سلامة، وكانت جميع تلك الأراضى سابقا مزدرعة صالحة خالية من الرمال، بواسطة بحر متسع كان يدور مع الجبل ويحد الصحراء، فكان يقيها من رمال الصحراء التى تنسفها الرّياح وهو بحر يوسف القديم ويغرف الآن باللبينى، فلما ارتدم بسبب إهمال أمره سالت الرمال على تلك الأراضى فأفسدتها.

وسبب تخريبها ما أفاد المقريزى فى خططه

(1)

حيث قال عند الكلام على فتح الإسكندرية إن عمرو بن العاص حين توجه إلى الإسكندرية خرّب القرية التى تعرف اليوم بخربة وردان، واختلف علينا السبب الذى خربت له، فحدثنا سعيد بن عفير أنه لما توجه عمرو إلى نفيوس بالفاء أو بالقاف وهى أبشادة لقتال الروم عدل وردان لقضاء حاجته عند الصبح، فاختطفه أهل الخربة فغيبوه، ففقده عمرو وسأل عنه وقفا أثره فوجدوه فى بعض دورهم، فأمر بإخرابها وإخراجهم منها.

وقيل كان أهل الخربة رهبانا كلهم فغدروا بقوم من ساقة عمرو فقتلوهم بعد أن بلغ عمرو الكريون فأقام عمرو ووجه إليهم وردان فقتلهم وخرّبها فهى خراب إلى اليوم.

وقيل كان أهل الخربة أهل تويت وخبت فأرسل عمرو إلى أرضهم فأخذ له منها جراب فيه تراب من ترابها فكلمهم فلم يجيبوه إلى شئ فأمر بإخراجهم، ثم أمر بالتراب ففرش تحت مصلاه ثم قعد عليه ثم دعاهم فكلمهم فأجابوه إلى ما أحب، ثم أمر بالتراب فرفع ثم دعاهم فلم يجيبوه إلى شئ فعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك قال:

هذه بلدة لا يصلح أن توطأ فأمر بإخرابها.

وأما وردان الموجودة الآن فهى قرية من مديرية الجيزة بقسم أول على الشط الغربى للنيل فى شمال بنى غالب على بعد ساعة ونصف، وفى جنوب أتريس على نحو نصف ساعة ويقابلها فى البر الشرقى قرية جريش من بلاد المنوفية، وبها مسجد فوق

(1)

انظر المقريزى المجلد الأول 295 ط. مكتبة إحياء العلوم-لبنان-.

ص: 217

البحر وفيها نخل كثير مشهور بالجودة وصدق الحلاوة يهادى به الأمراء ويباع فى نحو الإسكندرية.

وفيها بيت من بيوت قدماء الغز منه المرحوم محمد أغا الوردانى المتوفى فى صفر سنة ثلاث وتسعين ومائتين بعد الألف، وكان مأمور جفلك طوسون باشا فى أبعاديته التى بها، والبحر يحد أطيانها من جهة الشرق والشمال، والرمال تحدها من جهة الغرب والجنوب وهى متصلة بأراضى أتريس، ويزرع فيها الزرع المعتاد وصنف القطن وريّها من مياه الوجه القبلى.

‌ترجمة الشيخ عبد الرحمن الشافعى الوردانى

وإلى هذه القرية ينسب كما فى الضوء اللامع الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن على الوردانى ثم القاهرى الشافعى، ولد سنة تسع وعشرين وثمانمائة تقريبا بوردان من أعمال الجيزة بجوار أتريس من عمل البحيرة، وقدم القاهرة فحفظ القرآن والمتون واشتغل بالفقه وغيره، ومن شيوخه المحلى والمناوى والبلقينى وغيرهم، وهو إنسان خير طوّلت ذكره فى الكبير، انتهى أ. هـ.

‌ترجمة العلامة الشيخ عثمان الوردانى

وينسب إليها أيضا العلامة المتقن والفاضل المتفنن الشيخ عثمان بن سالم الوردانى، أفاد الجبرتى فى تاريخه أنه عصريه وشيخه.

‌ترجمة الشيخ مصطفى الخياط

وذكر أنه من أجلّ تلامذة العلامة الماهر الحيسوبى الفلكى أبى الإتقان الشيخ مصطفى الخياط المتوفى سنة ثلاث ومائتين بعد الألف.

قال الجبرتى إن الخياط أدرك الطبقة الأولى من أرباب فنه، مثل رضوان أفندى

ص: 218

ويوسف الكلارجى والشيخ محمد النشيلى، والشيخ رمضان الخوانكى، والشيخ محمد الغمرى، والشيخ الوالد حسن الجبرتى، وأخذ عنهم ومهر فى الحساب والتقويم وحل الأزياج والجداول والحل والتركيب، وتحاويل السنين وتداخل التواريخ الخمسة واستخراج بعضها من بعض، وتوقيعها ومواقعها وبسائطها ومراسمها ودلائل الأحكام والمناظرات ومظنات الخسوف والكسوف واستخراج أوقاتها وساعاتها ودقائقها، مع الضبط والتحرير وصحة الحدس وعدم الخطأ وأقرّ له أشياخه ومعاصروه بالاتقان والمعرفة انفرد بعد أشياخه، ووفد عليه طلاب الفن وتلقوا عنه وأنجبوا قال: وأجلهم عصرينا وشيخنا العلامة المتقن الشيخ عثمان بن سالم الوردانى أطال الله بقاءه ونفع به، وقد حج مع والدى سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف، وسمعته يقول: الشيخ مصطفى فريد عصره فى الحسابيات، والشيخ محمد النشيلى فى الرسميات وحسن أفندى قطة مسكين فى دلائل الأحكام.

وكان يستخرج فى كل عام دستور السنة من مقوّمات السيارة ومواقع التواريخ وتواقيع القبط والمواسم والأهلة، ويعرب السنة الشمسية لنفع العامة وينقل منها نسخا كثيرة يتناولها الخاص والعام، يعلمون منها الأهلة وأوائل الشهور العربية والقبطية والرومية والعبرانية، والتوقيع والمواسم وتحاويل البروج وغير ذلك، والتمس منه سيدى أبو الإمداد أحمد بن وفا تحريك الكواكب للثابتة لغاية سنة ثمانين ومائة وألف، فأجابه إلى ذلك واشتغل به أشهرا، حتى تم حساب أطوالها وعروضها وجهاتها ودرجات ممرها ومطالع غروبها وشروقها وتوسطها وأبعادها ومواضعها بأفق عرض مصر بغاية التحقيق والتدقيق على أصول الرصد الجديد السمرقندى.

وقام له الأستاذ ابن وفا بأوده ومصرفه ولوازم عياله مدة اشتغاله بذلك، وأجازه على ذلك جائزة سنية أقام يصرف من فضلها أشهرا بعد تمام المطلوب.

وله مؤلفات نافعة فى هذا الفن منها جداول حل عقود مقوّمات القمر بطريق الدر اليتيم لابن المجدى، وهو عبارة عن تسهيل ما صنعه رضوان أفندى فى كتابه (أسنى المواهب) فى عشرة كراريس جمع فيه تعديل الخاصة المعدلة بالمركز للوسط، فيجمع للوسط فى سطر، وفى الأصل يجمع فى سطرين ولا يخفى ما فيه من سهولة العمل.

يعرف ذلك من له رتبة فى الفن ولم يزل مشتغلا بالنفع والإفادة مع اشتغاله

ص: 219

بصناعة الخياطة وتفصيل الثياب بين يديه وهو جالس فى زاوية المكان يكتب ويمارس مع الطلبة، والصناع بوسط المكان يفصلون الثياب ويخيطونها ويباشرهم أيضا فيما يلزم مباشرتهم فيه إلى أن توفى فى بيته جهة الرميلة وقد جاوز التسعين. انتهى، وإنما ذكرنا ترجمته لما فيها من/الفائدة مع الإيماء إلى فضل تلميذه الشيخ عثمان الوردانى.

(الخزفانية) قرية صغيرة من مديرية القليوبية من قسم قليوب، واقعة على الشط الشرقى للنيل فى الشمال الغربى لقرية أبى الغيط بنحو نصف ساعة، وبلصقها قرية اللخميين ومنها إلى القناطر الخيرية نحو ثلثى ساعة وأبنيتها ريفية وبها جامع بمنارة وبها دوار جفلك لورثة المرحوم الهامى باشا، وبها قليل أشجار.

وذكر العالم سوارى أنها فى محل قرية سركاز روم التى قال هيردوط وبونيوليوس ميلا: إنها كانت على الشط الشرقى للنيل حيث مفرق فرعيه الرشيدى والدمياطى، انتهى.

ويمر بها الطريق المعتادة بين القاهرة والقناطر الخيرية فالخارج من مصر إليها يمر بقنطرة الخليج الزعفرانى المسمى اليوم بترعة الإسماعيلية عند محطة السكة الحديد التى بجوار باب الحديد بالقاهرة، ثم بقنطرة رياح الإسماعيلية ثم بشبرا الخيمة من جهتها الشرقية ثم بقنطرة فم الشرقاوية، وعند هذه القنطرة شون للميرى ويخزن به مهمات قناطر مديرية القليوبية من خشب وغيره، وبها ملح المديرية أيضا وعندها سويقة دائمة بها قليل حوانيت وقهاوى من الطوب اللبن ومنزل لناظر القنطرة، ثم يمر بقناطر أفواه البيسوسية وترعة الساحل ثم بناحية بيسوس ثم بناحية أبى الغيط، ومنها إلى الخزفانية ومنها إلى القناطر.

ثم إن المستعمل بين الناس أن الخرقانية بخاء معجمة فراء مهملة فقاف فألف فنون فمثناة تحتية مشدّدة فهاء تأنيث، وفى خطط المقريزى ما يفيد أن بعد الخاء ألفا بدل الراء، وأنها كانت ذات اعتبار زمن الخلفاء الفاطميين ومن أحسن منتزهاتهم، فإنه قال عند ذكر مناظرهم ومنتزهاتهم، وكان من أيام منتزهات الخلفاء-يعنى الفاطميين-يوم قصر الورد بالخاقانية، وهى قرية من قرى قليوب كانت من خاص الخليفة، وبها له جنان كثيرة وكانت من أحسن المنتزهات المصرية، وكان بها عدة

ص: 220

دويرات يزرع فيها الورد فيسير إليها الخليفة يوما ويصنع له فيها قصر عظيم من الورد، ويخدم بضيافة عظيمة.

قال ابن الطوير عن الخليفة الآمر بأحكام الله وعمل له بالخاقانية وكانت من خاص الخليفة قصر من ورد فسار إليها يوما وخدم بضيافة عظيمة، فلما استقر هناك، خرج إليه أمير يقال له: حسام الملك فوصل إلى الخاقانية، وهو لابس لامة حربه والتمس المثول بين يديه، فأطلعوا الخليفة على أمره وحليته بالسلاح، فأمر بإحضاره فلما وقعت عليه عينه قال يا مولانا لمن تركت أعداءك-يعنى الوزير المأمون البطائحى وأخاه-وكان الآمر قد قبض عليهما واعتقلهما أأمنت الغدر والعهد قريب غير بعيد، فما أجابه إلا وهو على الرّهاويج من الخيل فلم تمض ساعة إلا وهو بالقصر، يعنى القصر الكبير بالقاهرة فمضى إلى مكان اعتقال المأمون وأخيه فزادهما وثاقا وحراسة انتهى باختصار.

ولعل الجامع ذا المنارة الذى بهذه البلدة هو الذى أنشأه الأمير عثمان كتخدا القازدغلى منشئ جامع الكيخيا بالأزبكية وزاوية العميان بالأزهر المترجم فى الكلام على جامعه بالأزبكية.

وفى كتاب وقفيته أنه جعل لجامع الخرقانية والمكتب الذى به جانبا من ريع وقفه، وأنه يصرف لإمامه فى السنة ستمائة نصف، ولاثنين مؤذنين أربعمائة وثمانون، وللفراش مائتان ومثله الوقاد وكذا البواب، ولخادم المطهرة سبعمائة وعشرون نصفا وللوازم الساقية مائة وثمانون نصفا وفى ثمن زيت الاستصباح فى السنة أربعمائة وعشرون نصفا، وفى ثمن الحصر أربعمائة وخمسون نصفا، وفى ثمن القناديل ستون نصفا، وفى ثمن المكانس ثلاثون نصفا، ولعشرة أيتام يتعلمون فى المكتب لكل واحد ظهر فارسكورى وشد وطاقية جوخ حمراء، ولمؤدبهم مثل واحد منهم، ويزاد له فى السنة مائتان وأربعون نصفا، وللجميع خمسة مقاطع منفلوطى وتوسعة عليهم فى رمضان مائة وعشرون نصفا ولمشايخ الناحية برسم ملاحظة الجامع والمكتب تسعون نصفا. انتهى.

وكان له بهذه الناحية أراض وقفها مع غيرها على هذا الجامع وغيره. انتهى.

ص: 221

‌ترجمة أحمد بيك ناصر الخرقانى

ومن قرية الخرقانية نشأ أحمد بيك ناصر مفتش هندسة بحر الشرق دخل مكتب قليوب سنة إحدى وخمسين ومائتين وألف وعمره نحو خمس سنين فتعلم به القراءة والكتابة وبعض المبادئ، ثم أفرز إلى مكتب أبى زعبل فى أول سنة أربع وخمسين، وفى أواخر سنة خمس وخمسين انتقل إلى المهندسخانة فأقام بها خمس سنين وخرج منها بعد أن تمم دروسها وكان من أجل فرقته، وعند خروجه منها جعل أسبيران ثانى بمرتب مائة قرش وتعيين، وبقى كذلك إلى سنة ست وستين ثم جعل مهندسا بمديرية المنوفية برتبة أسبيران أول بمرتب مائة وخمسين قرشا غير التعيين، ثم جعل ملازم ثانى بثلثمائة وستين قرشا وتعيين وفى أول سنة سبع وستين انتقل إلى ديوان المدارس بسبب مرض قام به وبعد شفائه تعين مع من تعين لعمل خريطة البحيرة، ولما كنت ناظرا على مدرسة المهندسخانة ببولاق زمن المرحوم عباس باشا انتخبته معلما فيها فكان من أجل/خوجاتها، وفى أواخر سنة إحدى وسبعين زمن المرحوم سعيد باشا تعين من ضمن مهندسين بمعيّة لينان باشا لعمل خرطة القنال (الخليج المالح) وأحسن إليه برتبة يوزباشى فكان رئيس فرقة وأقام فى هذا العمل سنتين، ثم انتقل إلى إدارة الهندسة بالديوان، وفى سنة ثمانين ترقى إلى الرتبة الخامسة المقابلة لرتبة الصاغقول أغاسى، وجعل معاونا أول فى هندسة تفتيش بحر الشرق بمعية بهجت باشا وبعد ثلاث سنين أحسن إليه بالرتبة الرابعة رتبة البيكباشى وجعل وكيلا على التفتيش المذكور.

ثم أحسن إليه برتبة قائم مقام وفى سنة تسعين انقسم التفتيش إلى قسمين فجعل إحداهما المديريات التى فى شرقى بحر الشرق وجعل المترجم مفتشا عليه وأعطى رتبة أمير ألاى، والقسم الثانى يشتمل على جزيرة البحرين أى الروضة وهى الغربية والمنوفية وجعل عليهما أحمد بيك عبد الله برتبة قائم مقام، ثم إن المترجم إنسان كريم الأخلاق حسن السّير لين العريكة محب لإخوانه يميل إلى فعل الخير، دقيق فى صنعته له اقتدار تام على الأعمال الهندسية، ودائما يحال عليه عمل المثلثات وحسابها والميزانيات الكبيرة المحتاجة إلى الدقة والضبط، فيقوم بها ويؤديها على أتم نظام، مع أنها من أدق الأعمال الهندسية وأصعبها.

ص: 222

وفى زمن تفتيشه علمت جميع الأعمال التى تمت بترعة الإسماعيلية من مصر إلى مدينة الإسماعيلية بالجبل من مبان وخلافها، وتم فى زمنه أيضا توسعة ترعة أم سلمة لتكثير المياه فى زمن الصيف بجهة بلاد البحر الصغير.

(الخشاشنة)

قرية صغيرة من مديرية الدقهلية بقسم شها على الشاطئ الشرقى للبحر الصغير ملتصقة بناحية المرساة فى قبالة القباب الصغرى بميل قليل، وفى جنوبها على نحو ألف قصبة تل قديم جاهلى يعرف عند الناس بتل بلاّ بكسر الموحدة وشد اللام، به أحجار وشقاف فخار وقطع طوب.

والمتواتر بينهم أنه أثر مدينة قديمة كانت تسمى بهذا الاسم، وكان لها بحر كبير تسير فيه المراكب بين المنصورة وبحيرة المنزلة، وكان بين هذه المدينة وبين المرساة ترعة صغيرة تسير فيها المراكب من البحر الصغير إلى بحر تل بلاّ، وكانت المراكب المنحدرة والصاعدة فى ذلك البحر ترسى فى محل المرساة، ولذا لما أنشئت تلك القرية سميت بهذا الاسم. انتهى.

ولا أعلم لذلك صحة ولا عدمها وذلك التل واقع فى الجنوب الغربى لمنية رومى بألف قصبة، وهو فى نهاية أبعدية المرحوم ثاقب باشا، وأبنية هاتين القريتين من اللبن إلا ثلاثة منازل فإنها من الآجر، وهى منزل محمد بيك عبد الرحمن مأمور المقايسات والمراجعة بديوان الأشغال، ومنزل الحاج ديسطى على شيخ قرية المرساة، ومنزل الحاج يوسف عمدة الخشاشنة.

وبهذه البيوت مضايف متسعة بمقاعد ومناظر يرتاح فيها النازل بها وبالخشاشنة جنينة صغيرة، وأما الأشجار كالتوت والجميز والأثل والصفصاف واللبخ فكثيرة فى القريتين، ومحمد بيك عبد الرحمن المذكور من ناحية الخشاشنة، وأخبرنى أن أصل عائلته من العرب، وأن جدوده دخلوا بلاد مصر مع عائلة العائذ، وأنهم ينسبون إلى قبيلة بنى سعد وينتهى نسبهم إلى عبد مناف جد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى هذا هم قرشيون.

ولما دخلوا مصر أقاموا أول أمرهم فى محل يقال له الشبكة فى جنوب بحر طناح بقرب قرية الصلحات واستولوا بالتغلب على جملة بلاد أغاروا عليها على عادة العرب،

ص: 223

من ضمنها منية النحال، ومنية ضافر والمرساة ومنية العرايا والجزيرة وغير ذلك، ثم تفرقوا فى تلك النواحى، فسكن جدهم الأكبر المسمى سعيدا بقرية منية ضافر واستحوذ على ستمائة فدان من أطيانها.

ولتشعب عائلاتهم واختلاف كلماتهم تقاسموا تلك الأطيان، فخص جدّ المترجم عبد الرحمن والد أبيه مائة وخمسة وتسعون فدانا، حدّدها فى حوض واحد يسمى فى التاريع حوض ميت بجانة بقرب قرية المرساة والخشاشنة، فانتقل لأجل ذلك إلى الخشاشنة وجعلها مسكنه، وبقيت الأطيان متوارثة بين ذريته إلى الآن، وللمترجم منها الآن ستون فدانا باقية تحت يده، ونزلت فى الدفاتر على اسمه سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف بعد موت أبيه وعمره إذا ذاك إحدى عشرة سنة، فقام مقام أبيه فى الزراعة ومشيخة البلد.

ولما غرقت القرية فى سنة ست وثلاثين كلفوا بدفع خراج الأطيان فباعوا جميع ما يملكونه ودفعوا الأثمان لجانب الديوان، وفارق المترجم البلد من حينئذ وحضر إلى مصر مع أخيه، ودخل الأزهر فاشتغل بالقراءة والحفظ وحضر درس الآجرومية فى النحو وابن قاسم والخطيب فى فقه الشافعى ونحو ذلك، وبعض رءوس الجبر والمقابلة.

ومن مشايخه الشيخ النجارى والشيخ إبراهيم السرسى والشيخ الزنكلونى وهو الذى تعلم عليه الجبر ورتبت له به جراية أربعة أرعفة كل يوم، وشيخ الأزهر يومئذ الشيخ أحمد العروسى الكبير، وكان كتخداؤه الشيخ فتوح البجيرمى، وفى تلك الأيام كانت حكومة مصر قد تمهدت قواعدها وحصل الشروع فى/تمرين أهالى الديار المصرية على حسب رغبة العزيز محمد على، فطلب من الأزهر جماعة برغبتهم ليتعلموا فى المدارس الميرية علوم الهندسة والطب ونحو ذلك.

فكان المترجم من الراغبين فى ذلك مع طائفة من المجاورين، منهم: الشيخ أحمد البيسوسى من قرية بيسوس، والشيخ عبد الوهاب أفندى من قرية دلاص، والشيخ محمد الهوارى من دوير عائد، وكان والده ركبدار العزيز، والشيخ أحمد الكومى من الكوم الأسود بالجيزة، والسيد النبراوى من قرية نبروه، ومحمد السّكرى من

ص: 224

المحروسة، ومحمد المهدلى من سدمنت الجبل، ومحمد الكومى من كوم أبى راضى من بلاد بنى سويف، ومحمد الدلجمونى من دلجمون وغيرهم.

ودخل الجميع قصر العينى فدرسوا فيه الحساب والهندسة بالعربى والطليانى، وفى جمادى الآخر سنة اثنتين وأربعين خرج هو وأحد عشر من أقرانه للأعمال الهندسية بالأقاليم القبلية تحت إدارة يوسف أفندى بيرونى.

وكانت الأقاليم القبلية منقسمة قسمين أقاليم وسطى وأقاليم قبلية، فبقى المترجم فى الأقاليم الوسطى مع الشيخ عبد الفتاح الباشمهندس، وجعل للمترجم مرتب أربعون قرشا وقيمة التعيين تسعون قرشا، وكان مرتب الباشمهندس مائتى قرش، وقيمة التعيين مائتان وخمسون قرشا، وأما يوسف بيرونى الباشمهندس الكبير فكان مرتبه ألفى قرش.

وفى تلك المدة كان الريال أبو مدفع بأحد عشر قرشا، وأبو طاقة بعشرة قروش، والمحبوب بثلاثة عشر قرشا من القروش المصطفوية الكبيرة، وبقى الأمر على ذلك أربعين يوما ثم حصل توزيع هؤلاء المهندسين فى الأقاليم، فتعين المترجم ومحمد أفندى العشماوى من جهة الإمام الليث مع الشيخ عبد الفتاح فى بلاد الفيوم، فأقام مهندس قسم ثلاث سنين ثم جعل معاونا للشيخ عبد الفتاح ثلاثة أخرى بمرتب مائة وخمسة وعشرين قرشا، والتعيين مائة وخمسون، وعبرة الريال أبى مدفع يومئذ أربعة عشر قرشا مصطفوية.

وفى سنة سبع وأربعين قسمت هندسة الأقاليم الوسطى قسمين، فتعين المترجم فى النصف الثانى وهو المنية وبنو مزار بمرتب أربعمائة وخمسين قرشا وبقى الشيخ عبد الفتاح فى النصف الأول وهو بنو سويف والفيوم، وفى سنة ألف ومائتين وخمسين لما شرع العزيز فى عمل القناطر الخيرية انتخب لذلك جملة من المهندسين المتفرقين فى الجهات يكونون مع لينان باشا، وكان إذ ذاك يقال له: لينان أفندى، فكان المترجم من ضمنهم بمرتب سبعمائة وخمسين غرشا، وكان مع سليمان أفندى طاهر فى مباشرة قنطرة منية العروس الغربية، وتعين أحمد أفندى البارودى ورشوان أفندى بن أبى سيف فى القنطرة الشرقية عند ناحية دروه.

ص: 225

ثم فى سنة إحدى وخمسين بسبب وقوف هذا العمل رجع المترجم للأقاليم الوسطى، وفى سنة ثلاث وخمسين جعل مفتش هندسة عموم الأقاليم القبلية من الرقة إلى الشلالات بأعلى الصعيد، وبقى على ذلك إلى حادى عشر المحرم سنة ست وستين، فصار رفع المهندسين الأقدمين بأمر المرحوم عباس باشا ووضع بدلهم مهندسون من التلامذة الذين تربوا بمدرسة المهندسخانة ببولاق تحت نظارة لانبير بيك بعد امتحانهم على يدنا، فخلى المترجم من الخدامة فأعرض للديوان بطلب مشيخة بلده على حسب أصله فأجيب إلى ذلك، وقيد شيخا على نصف بلده، وهى باقية على اسمه إلى الآن وكذلك غنداق أطيانه وزاد عليها حتى جعلها مائة فدان.

وفى سنة سبعين تعين فى تفتيش الوجه القبلى وأحسن إليه برتبة البيكباشى، ثم فى خمس وسبعين ترقى إلى رتبة القائم مقام، وفى سنة ست وسبعين فى مدة المرحوم سعيد باشا رفعت المهندسون من الأقاليم فخلى أيضا من الخدامة، وفى سنة ثمانين ترتبت المهندسون بأمر الخديوى إسماعيل باشا فى الأقاليم كما كانت فتعين المترجم فى ديوان الأشغال رئيسا على المقايسات والمراجعة، وفى سنة خمس وثمانين جعل وكيل المرحوم بهجت باشا فى تفتيش وجه قبلى، ثم فى سنة ست وثمانين كان وكيلا عن سلامة باشا الذى ترتب عوضا عن بهجت باشا.

وفى هذه السنة كان النيل كثيرا، وانقطع جسر قشيشة فنسب إليه قطعه بدعوى أنه لم يتبع أوامر التفتيش فيما يلزم إجراؤه من المحافظات، فرفع بأمر عال وأحيلت قضيته على المجلس الخصوصى، ومن الخصوصى تحولت إلى ديوان الأشغال، وكنت إذ ذاك ناظرا على ديوان الأشغال فنظرت القضية فى كمسيون بالديوان فجاءت النتيجة ببراءته من ذلك، وبعد أن لزم بيته مدة رضى عنه وصدر الأمر بإلحاقة بديوان الأشغال بناء على طلب من الديوان، وذلك فى سنة تسعين وهو الآن رئيس المقايسات والمراجعة.

وقد أخبرنى أن إقامته فى الأقاليم القبلية فى الخدامات الميرية كانت سبعا وثلاثين سنة غير ما تخللها من البطالات، باشر فيها جميع الأعمال الهندسية التى اقتضتها أحوال البلاد والأراضى، من عمل جسور وترع وقناطر وهى باقية إلى الآن وتقلبت عليه عدة من الحكام والمفتشين ولا يخفى/أن أحوال الرى قبل ذلك كانت غير منتظمة، لأنها

ص: 226

كانت منوطة بالخولة الذين لا يعرفون طرق الهندسة، فكان لكل بلد حوشة بمفردها، وإذا كان لأحد الملتزمين عشرة بلاد مثلا، كان لها جسر يعرف بالجسر السلطانى، وأغلب هذه الجسور كانت بمنخفض الحيضان حتى إذا علا الماء لم تمنعه تلك الجسور فكان التشريق غالبا فى أكثر السنين فى الأراضى المرتفعة، وكان كثير من الأراضى المنخفضة يستبحر ولا يصلح للزرع بل تبقى برك تركد فيها المياه إلى آخر السنة، وذلك لقلة وسايط الصرف أو عدمها فكان كثير من الأراضى غير منتفع به، وكان النيل إذا كثر أكل الجسور وأتلفها فتحتاج إلى الإعادة، وفى ذلك ما لا يخفى من المشاق وكثرة المغارم الداعية إلى عدم الثروة.

فالتفت العزيز محمد على إلى ذلك ورتب المهندسين بالأقاليم فكان المترجم ممن ترتب فى الجهات القبلية كما مر، وعلى يده عملت أغلب الجسور وما بها من القناطر والأرصفة الموجودة إلى الآن بالوجه القبلى، وجميعها جسور عمودية من الجبل إلى البحر بين كل جسرين مسيرة ساعتين أو ثلاثة ووصل بعضها ببعض بطرّاد مستطيل على ساحل البحر على ما هو مبين فى جزء مخصوص من هذا الكتاب.

وكان الشروع فى هذا العمل من ابتداء سنة إحدى وخمسين وانتهاؤه فى سنة أربع وستين، وكان المرتب فى كل سنة ثلاثمائة وخمسين ألف قصبة مكعبة على جسور الأقاليم القبلية ولكل قصبة ثلاثون رجلا، وهى عبارة عن أربعة عشر مليونا وثلاثة أرباع مليون مترا مكعبا واستمر ذلك عشر سنين مدة حكمدارية المرحوم سليم باشا السلحدار.

ومن المبانى ما بين أرصفة وقناطر فى كل سنة ثلثمائة وخمسون ألف ذراع مكعب وهذا فى الأقاليم القبلية خاصة وأما فى الأقاليم الوسطى والفيوم فكان المرتب من عمل الجسور مائة وثلاثين ألف قصبة مكعبة عبارة عن خمسة ملايين ونصف مترا مكعبا تقريبا، ومن المبانى ثمانين ألف ذراع كل سنة فكان ما عمل فى هذه الأقاليم فى عشر سنين ما ينيف عن مائتى مليون مترا مكعبا.

وكان جميع ما عمل فى تلك الأقاليم نحو خمسين جسرا كبيرة، ومن القناطر نحو خمسمائة عين ومكعب العين يختلف من خمسة آلاف ذراع إلى ثلاثة آلاف ذراع مكعب

ص: 227

بالمعمارى، فحصل من هذه الهمة العالية انتظام طريقة رى الحيضان وامتناع الشراقى والاستبحار وانصلح حال الزراعة، وللمترجم أعمال جليلة غير ذلك من كوهرجلات وأشوان وغير ذلك باشرها بنفسه.

وبالجملة فكان المترجم لأعمال تلك الأقاليم كالروح للجسد وعرف ما يصلح تلك البلاد بل ذلك باق فى ذهنه إلى الآن كأنه مشاهد له لطول إقامته ومباشرته لجميع الأعمال مع تمام معرفته ووقوفه على دقائق فنه ونصحه فى القيام بوظيفته وهذا شأنه وديدنه فى وظائفه مع الصلاح والديانة والعفة والكرم ومكارم الأخلاق.

(الخصوص)

فى تقويم البلدان لأبى الفداء أنها بضم الخاء المعجمة وصادين مهملتين بينهما واو، وهى قرية كبيرة فى الصعيد الأوسط قبالة أسيوط فى بر الشرق على نحو شوط فرس عن النيل. انتهى.

وخصوص قرية من مديرية القليوبية بقسم قليوب فى بحرى منية السيرج بينهما نحو ألفى متر، وفى شرقى زاوية النجار بينهما نحو ألفين وخمسين مترا، وبها جامع بمنارة وعدة جناين وجملة من السّواقى المعينة وأغلب زراعة أهلها الدخان البلدى.

(الخطاطبة)

قرية من مديرية البحيرة بمركز النجيلة على تل مرتفع غربى نهر أنيس على بعد ميل وشرقى ترعة الخطاطبة، أغلب بنائها باللبن، وبها مقام ولى يقال له: الشيخ عبد الرحمن البكرى، يعمل له ليلة فى كل سنة، وفى قبليها بقرب المساكن جملة أشجار، وتعداد أهلها مائة وستة وسبعون نفسا وزمام أطيانها أربعمائة فدان وثمانية وتسعون فدانا.

ص: 228

[حرف الدال]

(دار البقر)

هذا الاسم علم لقريتين من مديرية الغربية، إحداهما دار البقر البحرية: وهى من دائرة دولتلو إبراهيم باشا نجل الخديوى إسمعيل باشا، والأخرى دار البقر القبلية وهى تابعة لجماعة من أكابر الدولة مثل راتب باشا الكبير وسليمان باشا رءوف وغيرهما، وكلاهما غربى المحلة الكبرى بنحو ساعة فى جنوب المعتمدية وشمال بلقينة، وكانتا سابقا تابعتين لشفلك المرحوم عباس باشا، ويقال: إن أكثر من بمصر أو جميعهم من السقائين لماء الآبار من قريتى دار البقر.

‌ترجمة ابن البقرى

ومن إحدى هاتين القريتين الرئيس شمس الدين شاكر بن غزيل-تصغير غزال- المعرفو بابن البقرى أحد مسالمة القبط، وناظر الذخيرة فى أيام الملك الناصر الحسن بن محمد بن قلاوون وهو خال الوزير الصاحب سعد الدين نصر الله بن البقرى، نشأ على دين النصارى وعرف الحساب وباشر الخراج إلى أن رقاه الأمير شرف الدين بن الأزكشى استادار السلطان ومشير الدولة فى أيام الناصر حسن، فأسلم على يديه وخاطبه بالقاضى شمس الدين وخلع عليه واستقر به فى نظر الذخيرة السلطانية وكان نظرها حينئذ من الرتب الجليلة، وأضاف إليه نظر الأوقاف والأملاك السلطانية ورتبه مستوفيا بمدرسة الناصر حسن، فشكرت طريقته وحمدت سيرته وأظهر سيادة وحشمة، وقرب أهل العلم من الفقهاء وتفضل بأنواع من البر، وأنشأ مدرسة دار البقر فى الزقاق الذى تجاه باب الجامع الحاكمى المجاور للمنبر بمصر المحروسة، وتلك الزاوية موجودة الآن، وتعرف بزاوية البقرى بخط باب النصر، وجعلها فى أبدع قالب وأبهج ترتيب، وجعل بها درسا للفقهاء الشافعية.

وقرّر فى تدريسها الشيخ سراج الدين عمر بن علىّ الأنصارى المعروف بابن الملقن الشافعى، ورتب فيها ميعادا وجعل شيخه الشيخ كمال الدين بن موسى الدميرى

ص: 229

الشافعى، وجعل إمام الصلوات بها المقرئ الفاضل زين الدين أبا بكر بن الشهاب أحمد النحوى، وكان الناس يرحلون إليه فى شهر رمضان لسماع قراءته فى صلاة التراويح لحسن صوته وطيب نغمته وحسن أدائه ومعرفته بالقراءات السبع والعشر والشواذ، ولم يزل ابن البقرى على حال السيادة والكرامة إلى أن مرض مرض موته، فأبعد عنه من يلوذ به من النصارى، وأحضر الكمال الدميرى وغيره من أهل الخير فما زالوا عنده حتى مات وهو يشهد شهادة الإسلام فى سنة ست وسبعين وسبعمائة ودفن بمدرسته هذه وقبره بها تحت قبة فى غاية الحسن. انتهى من خطط المقريزى.

(دار الرماد)

قرية صغيرة من قسم مدينة الفيوم بحرى سراى الفيوم بنحو ثلث ساعة وبها نخيل قليل، وأغلب أطيانها مشحونة بالتين البرشومى، وينسب إليها فيقال التين الرمادى، وهو من أحسن أنواع التين كل ثلاثة منه تزن رطلا، وبها الورد أيضا بكثرة، وللمتحصل منه كل سنة تجار من أهل المدينة يشترونه ويستخرجون منه ماء الورد بالتقطير فيكون أجود من غيره.

وهناك فى بلاد الفيوم عدة قرى مشهورة بزرع الورد، منها دار الرماد هذه، وناحية المصلوب، وناحية الأعلام، ومنشأة عبد الله، وزاوية الكرادسة والسيلين، والسنباط، وناحية تلات ومدينة الفيوم نفسها، وأما غير هذه البلاد فيوجد فيها الورد قليلا، وفى القاموس: الورد من كل شجرة نورها وغلب على الحوجم، انتهى.

وفى تذكرة داود: هو نور كل نبت وإذا أطلق فكل ذى رائحة عطرية أو قيد بالصينى، فشجرة موسى الذى خوطب منها على ما قيل، وعليق المقدس وهو النسرين أو بالحمار فالخطمى، وقال الشريف الفاوانيا، أو زهر لا يعدو أربع ورقات ينفع النفساء والصرع، والذى يعرف الآن ولا يذهب الفهم إلى غيره من هذا الاسم هو النوع الغنى بشهرته، وهو أحمر يسمى الحوجم، وأبيض يسمى الجورى والوتيرة، وأصفر يسمى القحابى.

وقيل منه أخضر ولم نره وكله يسمى الجل، وهو يقارب الكرم فى مد أغصانه، لكن ورقه أصفر وأخشن كثير الشوك يغرس بتشرين الأوّل وكانون الثانى ويزهر فى السنة الثالثة وأشده رائحة القليل السقى، ثم الأحمر وهو بارد فى الثانية يابس فى

ص: 230

الأولى، وقيل: حارّ رطب فيها، وقيل: معتدل مركب الجواهر من أرض وهواء وقبض ومرارة مفرح مطلقا مسهل للصفراء مقوّ للأعضاء يحبس النزلات نطولا وضمادا عصر أو لم يعصر وذرورا ويذهب الصداع والقروح كذلك، وضعف المعدة والكبد والكلى والخفقان والرحم والمقعدة كيف استعمل، وماؤه يذهب الغثاء والخفقان ويقوّى النفس جدا وينعش نحو المصروع ويمنع قروح العين وما ينصب إليها وكذا الاكتحال بيابسه، وإذا جفّف وقع فى الطيوب والذرائر ومع الآس فى الحمام يقطع العرق والاسترخاء والترهل، وإن طبخ بالشراب كان أقوى فى كل ما ذكر سيما بزره فى وجع اللثة ونزلاتها وأقماعه مع بزره تقطع الإسهال عن تجربة.

ونقل الشريف أنه إذا أذيب ربع درهم من المسك فى ربع رطل من كل من مائة ودهنه، واستعمل قام مقام الترياق الكبير فى سائر العلل وهو عجيب غريب، وإذا خلط معجونه بالصمغ والمسك شفى علل المعدة، وسحيقة ينبت اللحم ويدمل ويقطع الثآليل. قيل: وحمى الربع ويجذب السلاء، ويدفع ضرر السموم ويقتل الخنافس مطلقا.

ومن خواص شجرته منع العقرب، وهو يصدع ويجلب الزكام. قالوا: ويصلحه الكافور ويضعف شهوة الباه حتى أكله ويعطش ويصلحه الأنيسون، وشربة طريه عشرة ويابسه أربعة ومائة ثمانية عشر وبدله مثله بنفسج وربعه مرزنجوش، انتهى.

وقال أيضا المرزنجوش نوع من الرياحين التى تزرع فى البيوت وغيرها ويفضل النمام فى كل أفعاله، وهو دقيق الورق بزهر أبيض إلى الحمرة يخلف بزرا كالريحان عطرى طيب الرائحة ويسمى أيضا مردقوش وبالكاف فى اللغة الفارسية ويسمى أيضا سرمقا وعبقرا. انتهى.

(دجوه)

قرية صغيرة من مديرية القليوبية واقعة على الفرع الشرقى لبحر دمياط، بينها وبين كياد دجوة ثلاثة آلاف متر، وهى الآن قرية عامرة وقد سبق لها أنها نهبت وخربت فى زمن الوزير حمزة باشا كتخدا والدة السلطان محمد خان المتولى مصر سنة ألف وأربع وتسعين هجرية كما فى كتاب نزهة الناظرين، فإنه قال ما ملخصه: إن شيخ عرب الوجه البحرى المدعو حبيبا كان قد تعدى الحدود وأرسل

ص: 231

أخاه شرارة إلى بولاق فقبض على ابن المعرّف وأنزله فى المركب وقتله ورماه فى البحر بسبب تعرّض المعرف لمراكبه كغيرها من مراكب الأهالى فطلع المعرف إلى باب العزب وأخبره بقتل ولده، وإن حبيبا هجم على مركب والى البحر وأخذ ما فيها، وكان المعرف ووالى البحر كلاهما من باب العزب، وكان الناس إذ ذاك يكتبون أنفسهم فى البلكات حماية فشكا العسكر حبيبا إلى حمزة باشا وكان حبيب من سكان هذه القرية فأرسل الباشا إليه تجريدة للقبض عليه وجعل عليها قانصوه بيك تابع غطاس بيك الدفتدار الساكن بقناطر السباع وكان فى التجريدة طائفة من الينكشارية وطائفة من العزب والدلاة فنزلوا فى البحر وطلعوا بناحية دجوة وأغاروا عليها فلم يجدوا بها حبيبا فنهبوها وأفحشوا فى أهلها ثم رجعوا إلى مصر من غير قبض على حبيب وكان من الطغاة العتاة.

وفى شهر رجب سنة ثمان وتسعين وألف وردت تذكرة من عند أغاة الغلال ببولاق إلى حمزة باشا مضمونها أنه ورد له خبر من حبيب يقول له: إنك تخلى سبيل جميع المراكب التى فى حمايتى وإلا حضرت إليك وأخذت مراكب الساحل ونهبتها وفى ثامن عشر ذلك الشهر نزل حمزة باشا من القلعة ومعه طائفة من العسكر إلى ناحية دجوه وأمر على مصر المحروسة حسين بيك فجعله قائم مقام عنه وأمر خليل أغاة الينكشارية أن يطوف بمصر نهارا وكتخدا الينكشارية يجلس ليلا بالغورية وألاى جاويش الينكشارية يجلس ليلا بحوش الديوان وطائفة العرب يحرسون ليلا بقرا ميدان، وتوجه إلى دجوة ومعه الأغوات الطواشية وطائفة المتفرقة والجاووشية والأسباهية والصناجق وبصحبته ست مدافع وأقام بناحية دجوة إلى غاية شهر رجب ثم رجع من غير بلوغ مراده من حبيب انتهى.

قال صاحب قلائد العقيان فى مفاخر آل عثمان: وهو الشيخ إبراهيم بن عامر العبيدى من بنى عبيد قرية بالبحيرة المالكى سبط الحسين أن حادثة حبيب هذه ونزول حمزة باشا إليه هى المقدمة لما يحدث فى آخر القرن من الحوادث العظيمة وذلك أنه أخرج الحافظ السيوطى فى تاريخه:

قال حدثنا القزوينى: قال حدثنا خلف بن الوليد حدثنا المبارك بن فضالة عن على

ص: 232

ابن زيد عن عبد الرحمن بن أبى بكر عن العرباض بن الهيثم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: ما كان مذ كانت الدنيا رأس مائة إلا كان عند رأس المائة أمر قال الحافظ السيوطى كان عند رأس المائة الأولى من هذه الملة فتنة الحجاج وما أدراك ما الحجاج.

وفى المائة الثانية فتنة المأمون وحروبه مع أخيه حتى درست محاسن بغداد وباد أهلها ثم قتله إياه شر قتلة ثم امتحانه بخلق القرآن، وهى أعظم هذه الفتن فى هذه الأمة وما دعا خليفة قبلها إلى بدعة.

وفى المائة الثالثة ظهور القرمطى وناهيك بها فتنة ثم فتنة المقتدر لما خلع وبويع بعده لابن المعتز وأعيد المقتدر ثانى يوم، وذبح القاضى وخلق من العلماء ولم يقتل قاض قبله فى ملة الإسلام، ثم فتنة تفرق الكلمة وتغلب المتغلبين على البلاد واستمر ذلك إلى الآن، ومن جملة ذلك دولة العبيديين وناهيك بهم فسادا وكفرا وقتلا للعلماء والصلحاء.

وفى المائة الرابعة كانت فتنة الحاكم بأمر إبليس لا بأمر الله، وفى المائة الخامسة أخذ الإفرنج الشام وبيت المقدس.

وفى المائة السادسة كان الغلاء الذى لم يسمع بمثله من زمن يوسف عليه السلام وكان أمر ابتداء التتار.

وفى المائة السابعة كانت فتنة التّتار العظمى التى أسالت من دماء أهل الإسلام بحارا.

وفى المائة الثامنة كانت فتنة تيمور لنك التى استصغرت بالنسبة إليها فتنة التتار على عظمها، وأسأل الله العظيم أن يقبضنا إلى رحمته قبل وقوع الفتنة التاسعة بجاه نبيه صلى الله عليه وسلم أ. هـ.

قلت وكان على رأس المائة التاسعة فتنة إسمعيل شاه ابن الشيخ حيدر وناهيك بها فتنة، فإنه قتل علماء السنة من بلاد العجم وأظهر مذهب الرافضة فغزاه مولانا السلطان سليم وأخذ بلاده وقطع دابره وأخذ الشام ومصر سنة 922.

وفى المائة العاشرة كانت فتنة تغلب فيها الجند على مصر، وتحالفوا على سيدى

ص: 233

أحمد البدوى، ونصبوا شاشا ودخلوا من تحته، وتعاقدوا على الخروج حتى أخذهم الله بالوزير محمد باشا ونسأل الله أن يدفع عنا فتنة المائة الحادية عشرة أ. هـ.

‌ترجمة شيخ العرب سويلم بن حبيب

وفى حوادث سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف من الجبرتى، أن دجوة كانت مسكنا للجناب الكبير والمقدام الشهير من سارت بذكره الركبان، وطار صيته بكل مكان الفارس الضرغام النجيب: شيخ العرب سويلم بن حبيب من أكابر عظماء مشايخ العرب بالقليوبية وهو كبير نصف سعد مثل أبيه حبيب بن أحمد، وليس لهم أصل مذكور فى قبائل العرب، وإنما اشتهروا بالفروسية والشجاعة وحبيب هذا/أصله من شطب قرية قريبة من أسيوط، ولما مات حبيب خلف ولديه سالما وسويلما وكان سالم أكبر من أخيه وهو الذى تولى الرياسة بعد أبيه، واشتهر بالفروسية وعظم أمره وطار صيته، وكثرت جنوده وفرسانه ورجاله وخيوله وأطاعته جميع المقادم وكبار القبائل ونفذت كلمته فيهم وعظمت صولته عليهم، وامتثلوا أمره ونهيه وصاروا لا يفعلون شيئا بدون إشارته ومشورته.

وصار له خفارة البرّين الشرقى والغربى من ابتداء بولاق إلى رشيد ودمياط، وكان هو وفرسه مقوّما على انفراده بألف خيال وكان ظهور حبيب هذا فى أوائل القرن، واتفق له ولابنه سالم وقائع وأمور مع إسمعيل بيك بن إيواظ وغيره لا بأس بذكر بعضها فى ترجمته.

منها أنه فى سنة خمس وعشرين ومائة وألف أرسل حبيب ولده سالما إلى خيول الأمير إسمعيل بيك بن إيواظ، فهجم عليها بالمربع وجم معارفها وأذنابها وتركها وذهب ولم يأخذ منها شيئا وذلك بإغراء بعض الناس مثل غيطاس بيك وغيره، وكانت الخيول بالغيط جهة القليوبية، فلما حضر أمير أخور ورأى ذلك أخبر مخدومه فاغتاظ لذلك وعزم على الركوب عليه فلاطفه يوسف بيك الجزار حتى سكن غيظه، ثم أحضر حسن أبا دفيه زعيم مصر سابقا، وكان من القاسمية ومشهورا بالشجاعة وجعله قائم مقام الأمانة، فسافر بجبخانة ومدفعين وصحبته طوائف ورجال وأمره بأن يطلب شر حبيب

ص: 234

وإن قدر على قتله فليفعل.

وكتب مكاتبات للنواحى بأن يكونوا مطيعين للمذكور فلم يزل حتى نزل فى غيط برسيم عند ساقية خراب وعمل هناك متراسا ووضع المدفعين وغطاهما باللباد وأقام رصد خيالة بالطرق. وإذا بسالم بن حبيب راكب فى عبيده ورجاله توجه إلى الجزيرة، فمر فى طريقه بغيط الأوسية فحضر الخيالة الرصد إلى الأمير حسن أبى دفية وأخبروه، فركب برجاله وترك عند المدفعين عشرة من السنجمانية وأوصاهم بأنهم إذا انهزموا من القوم يرمون بالمدفعين سواء ففعلوا ذلك بعدما لاقاهم، فرمى منهم رجالا ووقع منهم أيضا عند رمى المدافع والرصاص ثلاثة عشر خيالا وأخذوا منهم نحو ستة قلائع.

ورجع سالم بن حبيب بمن بقى من طائفته إلى أبيه وعرفه بما وقع له من الأمير حسن فأرسل إلى عرب الجزيرة فأحضر منهم فرسانا كثيرة، وكذلك من إقليم المنوفية وركب الجميع قاصدين مناوشته فوصلته الأخبار بذلك، فركب بمن معه وفعل كالأول وركب مبحرا وانعطف عليهم وحاربهم فرمى منهم فرسانا فانهزموا أمامه، فوقف مكانه فرجعت عليه العرب والعبيد، فانهزم أمامهم فرمحوا خلفه طمعا حتى وصل المدافع فرموا بها وأتبعوهم بطلق رصاص، فولوا هاربين وسقط من عرب الجزيرة وغيرها عدة فرسان وأخذوا منهم خيولا وسلاحا وحضرت نساؤهم ورفعوا القتلى، ورجع سالم إلى أبيه وعرفه بما جرى عليهم من حرقهم وقتل فرسانهم فأرسل حبيب إلى غيطاس بيك يقول له: إنك أغريتنا بابن أيواظ وتولد من ذلك أنه وجه علينا قائم مقامه أحرقنا بالنار وقتل منا أجاويد فأرسل إليه مكاتبة خطابا للقصابين بمعاونته ومساعدته، فحضر إليه منهم عدة فرسان ضاربى نار، وجمع إليه عرب الجزيرة وخيالة كثيرة من المنوفية.

وركب حبيب وأولاده وجموعه إلى جسر الناحية ونزل هناك وأرسل أولاده بالخيول يطلبون شر أبى دفية وإذا به ركب عليهم فانهزموا أمامه حتى وصلوا إلى محل رباطهم بالجسر، فضربت القصابة بنادقهم طلقا واحدا فرموا نحو ثلاثين جنديا من الكبار والذى لم يصب فى بدنه أصيب فى حصانه وردت عليهم الخيول وانهزم الأمير حسن أبو دفية بمن بقى معه إلى دار الأوسية، وأخذت العرب المدافع والخيول الشاردة

ص: 235

وعرّوا الغزّ ورموهم فى مقطع من الجسر، وأرسل العبيد ومعهم الجراريف فجرفوا عليهم التراب من غير غسل ولا تكفين، ثم رجع إلى بلده وقد خلص ثأره وزيادة.

وحضر الأجناد إلى مصر وأخبروا الصنجق بما وقع لهم مع حبيب وأولاده، فعزل الأمير حسن أبا دفية من رتبة قائم مقام، وولى خلافه وأعطاه فرمانا بضرب حبيب وأولاده، وركب عليهم من البر والبحر فوصلت النديرة إلى حبيب، فرمى مدافع أبى دفية فى البحر ووضعوا النحاس فى أشناف وألقاه أيضا فى البحر.

وقيل: إن حبيبا قبل هذه الواقعة بأيام أحضر ستة قناديل وعمرها بعد ما عاير فتائلها ورتبها بالميزان عيارا واحدا، وكتب على كل قنديل ورقة باسمه واسم أخيه وأولاده واسم ابن إيواظ وأسرجها دفعة واحدة فانطفأ الذى باسمه أولا ثم انطفأ قنديل ابن إيواظ ثم قناديل أخيه وأولاده شيئا بعد شئ فقال أنا أموت فى دولة ابن إيواظ، ولما وصل إليه الخبر بحركة ابن إيواظ وركوبه عليه، ركب مع أخيه وأولاده وخرجوا هاربين ووصل ابن إيواظ إلى دجوة ورمح على دواويرهم ورموا الرصاص، وكانت المراكب وصلت إلى البر الغربى تجاه دجوة ورست هناك/وموعدهم سماع البندق، فعند ذلك عدوا إلى البر الشرقى وطلعوا عليه، فأمر ابن إيواظ بهدم دوائر الحبائبة فهدموها بالقزم والفؤس، وأنشأ كفرا بعيدا عن البحر بساقية وحوض دواب، وأنشأ به جامعا بميضأة وطاحونين. وجمع أهل البلد فعمروا مساكنهم فى الكفر وسموه كفر الغلبة، ورجع الأمير إسماعيل بيك إلى مصر، وأخذ الغز والأجناد أبقارا وأغناما وجواميس وأمتعة وفرشا وأخشابا شيئا كثيرا، ووسقوه فى المراكب وحضروا به من البر إلى مصر، وكتب مكاتبات إلى سائر القبائل من العرب بتحذيرهم من قبولهم حبيبا وأولاده، وأن لا يجتمع عليه أحد ولا يأويه، فلم يسعه إلا أنه ذهب إلى عرب غزة فأكرموه ولم يزل بها حتى مات.

ثم بعد ذلك حضر ابنه سالم إلى قليوب ونزل ببيت الشواربى سرّا وأخذ له مكاتبة من إبراهيم بيك أبى شنب خطابا إلى ابن وافى المغربى، بأن يوطن أولاد حبيب عنده حتى يأخذ لهم إجازة من أستاذهم فأرسل ليحضر عمه وأخاه سويلما وعدوا الجبل الغربى، وساروا إلى ابن وافى شيخ المغاربة فرحب بهم وضرب لهم بيوت شعر وأقاموا إلى سنة ثلاثين ومائة وألف.

ص: 236

ثم لما مات إبراهيم بيك أبو شنب، وكان يواسى أولاد حبيب ويرسل لهم وصولات بغلال يأخذونها من بلاده القبلية ضاقت معيشتهم، فحضر سالم بن حبيب من عند ابن وافى خفية وذلك قبل طلوع ابن إيواظ بالحج سنة إحدى وثلاثين، ودخل بيت السيد محمد دمرداش فسلم عليه وعرفه بنفسه فرحب به.

ثم شكا سالم له حال غربته وبات عنده تلك الليلة وأخذه فى الصباح إلى ابن إيواظ، فدخل عليه وقبل يده ووقف، فقال السيد محمد للصنجق أعرفت هذا الذى قبل يدك، قال: لا، قال هذا الذى جم أذناب خيولك قال سالم قال: لبيك، قال: أتيت بيتى ولم تخف قال له نعم أتيت بكفنى إما أن تنتقم، وإما أن تعفو فإننا ضقنا من الغربة، وها أنا بين يديك فقال له مرحبا أحضر أهلك وعيالك وعمر فى الكفر واتق الله تعالى وعليكم الأمان.

وأمر له بكسوة وشال، وكتب له أمانا وأرسل به عبده وركب سالم وذهب إلى إبراهيم الشواربى بقليوب فأقام عنده حتى وصل العبد بالأمان إلى عمه وأخيه فى بنى سويف، فحملوا وركبوا وساروا إلى قليوب ونزلوا بدار أوسية الكفر حتى بنوا لهم دواوير وأماكن ومساكن، وأتتهم العرب ومشايخ البلاد ومقادمها للسلام بالهدايا والتقادم، فأقام على ذلك حتى تولى محمد بيك بن إسمعيل بيك أمير الحاج فأخذ منه إجازة بعمار البلد التى على البحر وشرع فى تعمير الدّور العظيمة والبساتين والسواقى والمعاصر والجامع، وذلك سنة أربع وثلاثين ومائة وألف.

واستقام حال سالم واشتهر ذكره وعظم صيته واستولى على خفارة البرين ونفذت كلمته فى البلاد البحرية من بولاق إلى البغازين وصارت المراكب والرؤساء تحت حكمه وضرب عليها الضرائب والعوائد الشهرية والسنوية، وأنشأ الدواوير الواسعة والبستان الكبير بشاطئ النيل، وكان عظيما جدا وعليه عدة سواق وغرس به أصناف النخل والأشجار المتنوعة فكانت ثماره وفواكهه تجتنى بطول السنة وأحضر له الخولة من الشام ورشيد وغير ذلك.

ولما وقعت الوقائع بين ذى الفقار بيك ومحمد بيك جركس وحضر محمد بيك جركس بما معه من اللموم إلى قرب المنشية وخرجت عليه عساكر مصر أرسلوا إلى سالم بن حبيب فجمع العرب وحضر بفرسانه وعبيده إلى ناحية الشيمى، وحارب

ص: 237

مع الأجناد المصرية، حتى قتل سليمان بيك فى المعركة، وولى جركس ورجعت التجريدة وتبعه سالم بن حبيب والأسباهية وذهبوا خلفه فعدى الشرق فعدوا خلفه وطلعت تجريدة أخرى من مصر، فتلاقوا معهم وتحاربوا مع محمد بيك جركس، فكانت بينهم وقعة عظيمة وكانت الهزيمة على جركس وحصل ما حصل من وقوع جركس فى الربوة وموته هناك ودفنه بناحية شرونه.

ثم بعد ذلك رجع سالم بن حبيب بما غنمه فى تلك الوقائع إلى بلده، واشتهر أمره واشترى السرارى البيض، ولم يزل معظما مهيبا حتى توفى سنة إحدى وخمسين ومائة وألف، وخلف ولدا يسمى عليا اشتهر أيضا بالفروسية والنجابة والشجاعة، ثم بعد موت سالم ترأس عوضه أخوه سويلم فى مشيخة نصف سعد فسار بشهامة واشتهر ذكره وعظم صيته فى الإقليم المصرى زيادة عن أخيه سالم ووسع الدواوير والمجالس.

ولما سافر الأمير عثمان بيك الغفارى بالحج ورجع سنة إحدى وخمسين المذكورة أرسل هدية إلى سويلم المذكور وأرسل له الآخر التقادم.

ثم إن الأمير عثمان بيك تغير خاطره على سويلم لسبب من الأسباب، فركب عليه على حين غفلة ليلا وتغالى به الدليل ونزل على دجوة وقت طلوع الشمس، وكان الجاسوس سبق إليهم وعرفهم بركوب الصنجق عليهم، فخرجوا من الدور ووقفوا على ظهور خيالهم بالغيط بعيدا عن البلدة، فلما حضر/الصنجق ورمح على دورهم ورموا الطوائف بالرصاص لم يجدوا أحدا لم يتعرض لنهب شئ، ومنع الغز والطوائف عن أخذ شئ، ثم بلغ عمر بيك رضوان وإبراهيم بيك خبر ركوب الصنجق، فركبوا خلفه حتى وصلوا إليه وسلموا عليه، فعرّفهم أنه لم يجدهم بالبلد فركب عمر بيك، وأخذ صحبته مملوكين فقط وسار نحو الغيط فرآهم واقفين على ظهور الخيل، فلما عاينوه وعرفوه نزلوا عن الخيل وسلموا عليه، فقال لهم: لأىّ شئ تهربون من أستاذكم، وعرفهم أنه أتى بقصد النزهة وأحضر بصحبته على بن سالم فقابل به الأمير وقبل يده ورجع إلى دوره، وأحضر أشياء كثيرة من أنواع المأكل حتى اكتفى الجميع وعزم عليهم تلك الليلة، فبات الصنجق وباقى الأمراء وذبح لهم أغناما كثيرة وعجلى جاموس، وتعشى الجميع وأخرج لهم فى الصباح شيئا كثيرا من أنواع الفطورات، ثم

ص: 238

قدم لهم خيولا صافنات وركبوا ورجعوا إلى منازلهم.

ولما هرب إبراهيم بيك قطامش فى أيام راغب محمد باشا وكان سويلم مركونا إليه، جمع سويلم عرب بلىّ وضرب ناحية شبرا المعدّية فوصل الخبر إلى إبراهيم جاويش القازدغلى، فأخذ فرمانا بضرب ناحية دجوة والخروج من حق أولاد حبيب، فعين عليهم ثلاثة صناجق، وهم عثمان بيك أبو يوسف وأحمد بيك كشك وآخر ووصلتهم النديرة بذلك فوزعوا دبشهم وحريمهم فى البلاد، وركبوا خيولهم ونزلوا فى الغيط، ونزلت لهم التجريدة ومعهم الجبخانة والمحاربون وهجموا على البلاد فوجدوها خالية.

ولما رأى الحبايبة كثرة التجريدة ذهبوا إلى ناحية الجبل الشرقى، وأرسل إبراهيم جاويش إلى عثمان بيك أبى سيف أمير التجريدة، بأنه ينادى عليهم فى البلاد، ولا يدع أحدا منهم ينزل الريف، فركب عثمان بيك وطاف البلاد يتجمس عليهم، فظفر لهم بقومانية وذخيرة ذاهبة إليهم من الريف على الجمال، فحجزها وأخذها وذلك مرتين ورجع عثمان بيك ومن معه إلى مصر، وصحبته ما وجدوه للحبايبة فى البلاد من مواش وسكر وعسل وأخشاب وهدموا جانبا من بيوتهم.

وكان على على بن سالم أن يذهب مع سويلم إلى الجبل، لكنه أخذ عياله وذهب عند أولاد فوده، فلما سمع بالتشديد على أصحاب الدرك أتى إلى مصر، ودخل بيت إبراهيم جاويش وعرفه بنفسه وطلب منه الأمان، فعفا عنه بشرط أن لا يقرب دجوة ويسكن فى أى بلد شاء، يزرع ويقلع مثل الناس.

ثم إن سويلما ومن معه أرسل إلى حسين بيك الخشاب بأن يأخذ له أمانا من إبراهيم جاويش ففعل، وقبل شفاعة حسين بيك بشرط إبطال حماية المراكب وأذية بلاد الناس، ويكفيهم الخفارة التى أخذوها بالقوة.

واستخلص لهم المواشى التى كان جمعها عثمان بيك أبو سيف، واستقر سويلم كما كان بدجوة وبنى له دارا عظيمة ومقاعد مرتفعة شاهقة فى العلو، يحمل سقوفها

ص: 239

عدة أعمدة وعليها بوائك مقوصرة ترى من مسافة بعيدة فى البر والبحر، وبها عدة مجالس ومخادع ولواوين وفسحات علوية وسفلية، وجميع ذلك مفروش بالبلاط الكدان.

وبنى بداخل تلك الدار بشاطئ النيل رصيفا متينا ومصاطب يجلس عليها فى بعض الأوقات، وأنشأ عدة مراكب تسمى الخرجات ولها شراعات وقلاع عظيمة وعليها رجال غلاظ شداد فإذا مرت بهم سفينة صاعدة أو حادرة صرخوا عليها قائلين البر، فإن امتثلوا وحضروا أخذوا منهم ما أحبوه من حمل السفينة وبضائع التجار وإن تأخروا عن الحضور قاطعوا عليهم بالخرجات فى أسرع وقت، وأحضروهم صاغرين وأخذوا منهم أضعاف ما كان يؤخذ منهم لو حضروا طائعين من أول الأمر.

وكان له قواعد وأغراض وركائز وأناس من الأمراء وأعوانهم بمصر، يراسلهم ويهاديهم فيذبون عنه ولا يسمعون فيه شكوى، وكان له عدة من العبيد السود الفرسان ملازمين له مع كل واحد حرمدان

(1)

مقلد به ملآن بالدنانير الذهب، وكان لا يبيت فى داره ويأتى فى الغالب بعد الثلث الأخير، فيدخل إلى حريمه حصة ثم يخرج بعد الفجر، فيعمل ديوانا ويحضر بين يديه عدة من الكتبة ويتقدم إليه أرباب الحاجات ما بين مشايخ بلاد وأجناد وملتزمين وغير ذلك.

والجميع وقوف بين يديه والكتاب يكتبون الأوراق والمراسلات إلى النواحى، وغالب بلاد القليوبية والشرقية تحت حمايته وحماية أقاربه وأولاده، ولهم فيها الشركات والزروع والدواوير الواسعة المعروفة بهم، والمميزة عن غيرها بالعظم والضخامة، ولا يقدر ملتزم ولا قائم مقام على تنفيذ أمر مع فلاحيه إلا بإشارته أو بإشارة من بالبلد فى حمايته من أقاربه، وكذلك مشايخ البلاد مع أستاذيهم.

وكان لهم طريق وأوضاع فى الملابس والمطاعم فيقول الناس: سرج حبايبى، وشال حبايبى، ومركوب حبايبى، إلى غير ذلك، وكان مع شدة مراسه وقوّة بأسه،

(1)

الحرمدان: حقيبة السّفر؛ المحفظة الخاصة التى يحمل فيها الفرد أوراقه ونقوده، وتطلق أيضا على حقيبة الحلاق (العصر المملوكى فى مصر والشام). د. سعيد عاشور ط. دار النهضة العربية سنة 1396.

ص: 240

يكرم الضيفان ويحب العلماء وأرباب الفضائل، ويأنس بهم/ويتكلم معهم فى المسائل ويواسيهم ويهاديهم خصوصا أرباب المظاهر.

واتفق أن الشيخ عبد الله الشبراوى أضافه فقدم له جملا، ولم يزل على ما ذكرنا حتى جرد عليهم على بيك، وهرب سويلم إلى البحيرة فى السنة الماضية ثم جرد عليه فى هذه السنة وعلى الهنادى، وقتل شيخ العرب سويلم وخمسة وأربعون شخصا من الحبايبة وأتى برأسه فعلقت بالرميلة ثلاثة أيام، وبقى من أولادهم خمسة وهم:

سيد حمد وسالم ومحمد وأحمد وعلى فنزلوا على حكم إسمعيل بيك، فأرسل إلى على بيك ليؤمنهم، فامتنع وقال: لا بد من قتل الجميع، فأرسل إسمعيل بيك إلى محمد بيك فكلّم على بيك فى ذلك وترضى خاطره فأمنهم بشرط أن لا يسكنوا محلهم ولا يكون لهم ذكر، وتشتتت قبيلتهم إلى أن جمعهم مراد بيك تابع محمد بيك أبى الذهب، وترأس عليهم شيخ العرب أحمد بن على بن سويلم، ولكن دون الحالة الأولى بكثير من غير صولة ولا مقارشة

(1)

ولا تعدّ ولا خفارة.

وكان إنسانا حسنا وجيها محتشما مقتصرا على حاله وشأنه ملازما قراءة الأوراد والمذاكرة ويحب أهل الفضل والصلاح ويتبرك بهم وبدعائهم، وكان أبوه علىّ نزل بقليوب بدار فيحاء، وكان حسن الخلق والخلق وله حشم وأتباع كثيرة وله هيبة عندهم، وكان طيب البزة فصيحا يحفظ الأشعار والنوادر وعنده معرفة، وكان يفهم المعنى ويحقق الألفاظ ويطالع الكتب مثل مقامات الحريرى وغيرها.

وذكر الجبرتى أيضا فى حوادث سنة ثلاث ومائتين وألف، أن على بيك الدفتدار أخذ فرمانا من الباشا بركوبه على أولاد حبيب وتخريب بلدهم، وسبب ذلك أن أولاد حبيب قتلوا عبد العلى بيك بمنية عفيف، بسبب حادثة وقعت هناك.

وكان ذلك العبد موصوفا بالشجاعة والفروسية، فعز ذلك على علىّ بيك، وأخذ الفرمان من الباشا ونزل إليهم وصحبته باكير بيك ومحمد بيك المبدول، فعندما علم الحبايبة بذلك وزعوا متاعهم وارتحلوا من البلد وذهبوا إلى الجزيرة، فلما وصل على

(1)

المقرشة: الشّجاج التى تصدع العظم ولا تهشمه، ويقال أيضا: اقترش فلان بفلان، إذا سعى به وبغاه سوءا «اللسان: قرش».

ص: 241

بيك ومن معه إلى دجوة لم يجدوا أحدا، ووجدوا دورهم خالية فأمروا بهدمها فهدموا مجالسهم ومقاعدهم وأوقدوا فيها النار.

وعملوا فردة على أهل البلد وما حولها من البلاد، وطلبوا منهم كلفا وتفحصوا على ودائعهم وأماناتهم وغلالهم فى البلاد التى بجوار بلدهم مثل طحلة وغيرها، فأخذوها وأحاطوا بزرعهم وما وجدوه بالنواحى من بهائمهم ومواشيهم.

ثم بعد ذلك سعى أولاد حبيب فى الصلح ودفعوا الدراهم للوسايط فحصل الصلح ورجعوا إلى بلادهم، ولكن ذلك بعد خرابها وهدمها أ. هـ.

تم الجزء العاشر ويليه الجزء الحادى عشر أوله (دراو).

ص: 242