المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تابع [حرف الدال] بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌(دراو) قرية من مديرية إسنا شرقىّ - الخطط التوفيقية الجديدة - جـ ١١

[علي مبارك]

فهرس الكتاب

تابع [حرف الدال]

بسم الله الرحمن الرحيم

(دراو)

قرية من مديرية إسنا شرقىّ النيل على بعد قليل منه، قبالة مدينة إدفو. وهى رأس قسم وسكانها عرب وأكثرهم من العبابيد، وتكسب أهلها من الزراعة والتجارة السودانية كالرقيق والجمال والبقر والسن والريش.

[ترجمة المرحوم حسين باشا خليفة]

وكان عمدتها المرحوم حسين باشا خليفة، كان فى عهدته خفارة العتمور وله عليه مرتب من الديوان، وعوائد على التجار المارين به. وهى باقية فى عائلته إلى الآن وقد ترقى فى زمن الخديوى إسماعيل باشا حتى صار مدير عموم بربر ودنقلة سنة ثمان وثمانين ومئتين وألف.

وجعل أحد أولاده وكيل مديرية إسنا والآخر خفير درب العتمور، ثم عزل هو وأولاده سنة تسعين.

وأصلهم من العبابيد وهم مشهورون بالكرم ولهم مضايف متسعة وبساتين فى أراضى إدفو والرقى والخناق.

وبهذه البلدة محل إقامة محكمة بنبان وهى محكمة ميرية مأذونة بتحرير الحجج وسماع الدعاوى فى غير القتل وأمر الغائب والوقف واليتيم وعقد بيع الأطيان فإن هذه

ص: 1

الأمور لا تكون إلا فى المحاكم الكبيرة. ولا يعقد بيع الأطيان إلا فى محكمة المديرية أمام المدير أو وكيله.

ومثل محكمة بنبان محكمة إدفو وأرمنت وقورنه وإبريم وحلفه وأبى هور، وأعلى من ذلك محكمة أسوان، وأعلى الجميع محكمة إسنا لأنها محكمة المديرية، ففى تلك المديرية تسع محاكم.

(الدر)

بكسر الدال وشد الراء المهملتين. بلدة من بلاد إبريم وهى رأس قسم بمديرية إسنا واقعة على الشط الشرقى للنيل، وأبنيتها باللبن وأطواف الطين، على دور واحد ما خلا منازل أكابرها كمنزل المرحوم حسن كاشف.

وفيها جامع ينسب لحسن كاشف له وقف نحو ثلاثين ساقية بأطيانها يصرف عليه وعلى خدمته من ريعها ويطعم منه الفقراء الواردون إليه.

وفيها محل لنائب القاضى ومحل لناظر القسم، وفيها أثر سوق كان مبنيا باللبن والطوف، وفيها سويقة أخرى عامرة يباع فيها: الغلال والتمر والأقمشة المصرية والنطرون وحب الخروع والدخان البلدى.

وفى شرقيها فى سفح الجبل بربا خربة تسمى بإسمها، وتجاه البربا مقام ولى يدعى الشيخ عكاشة، عليه قبة.

وفيها بساتين كثيرة مسوّرة أكثر شجرها النخل وشجر الليمون المالح.

وبهذه البلدة نحو سبعين ساقية ونخيلها نحو خمسة عشر ألفا وستمائة وعشرين نخلة. وفيها شجر اللبخ وشجر السنط أمام منازل أكابرها.

وأطيانها العالية أربعمائة واثنان وعشرون فدانا والمنخفضة نحو مائة فدان، ويزرع فيها القمح والشعير والفول والعدس والذرة الصيفى والدخن واللوبياء والكشرنجيج-الذى بيناه فى الكلام على الشلال-والترمس وأنواع الخضروات والخروع؛ وهذا النوع كثير هناك إلى غاية مديرية دنقلة ويستخرجون منه الزيت

ويقال إن أكثر أهلها من نسل الأتراك الذين صعدوا إلى هناك فى أوائل مدة العزيز محمد على باشا، ولذلك إلى الآن يوجد فى أسماء رجالهم فلان كاشف كثيرا وفى

ص: 2

أسماء نسائهم السيدة فلانة، وهم متميزون عن باقى أهل البلد فإنهم قوم طوال القامات ضخام الأجسام بلغ طول الواحد منهم-على ما قاله بعض المهندسين الذين كانوا هناك فى مد السكة الحديد-ثلاثة أمتار إلا عشرا، ويلبس أغنياؤهم ثياب القطن وقفاطين الحرير والجوخ، وأغنياء نسائهم يلبسن الملاءات الحرير وأساور الفضة ويعلقن فى ضفائرهن قطع الذهب والكهرمان والودع كل بحسبه ويدهن شعورهن بزيت الخروع تارة وحدة وتارة يضاف إليه القرنفل أو الفتنة أو غيره من العطريات.

ويصنع فيها المرجونات وبروش الخوص النفيسة وهى أصناف:

منها الغجرى؛ يعمل من خوص مصبوغ أحمر وأسود وثمن البرش ربع ريال مجيدى./

ومنها التترى؛ وهو من خوص أبيض وأحمر وأسود وثمن البرش منه ربع وثمن ريال مجيدى.

ومنها السلطه ملطه؛ وهو من خوص أبيض وأحمر وأسود وأصفر وثمنه نصف ريال مجيدى.

ومنها الكشومه؛ وهو من الخوص غير المصبوغ.

وقد يزيد ثمن البرش بحسب جودة الصنعة حتى يباع البرش السلطه ملطه بريال ونصف مجيدى. وتعاملهم هناك بالصاغ المبرى.

وفيها الغنم والبقر والإبل وقد يخصون الخرفان ويسمونها الطواشية ويرغبون فى تربيتها ويعتنون بكلفتها، وثمن الخروف الطواشى إذا كان ابن ثلاث سنين جنيه مصرى.

وبين هذه البلدة وإبريم نحو أربع ساعات.

(دروط)

فى خطط المقريزى ما نصه: «إعلم أن دروط وهى بفتح الدال المهملة وضم الراء وسكون والواو وطاء، اسم لثلاث قرى: دروط أشموم فى الأشمونين،

ص: 3

ودروط سريان من الأشمونين أيضا، ودروط بلهاسة من ناحية البهنسا بالصعيد، ا. هـ.

وقال عند ذكر الخلجان: «وإذا قابل النيل ناحية دروة سريام-التى تعرف اليوم بدروة الشريف، يعنى ابن ثعلب النائب فى الأيام الظاهرية-تشعبت منه فى غربيه شعبة تسمى المنهل تستقل نهرا يصل إلى الفيوم» ا. هـ.

فقد عبر بدروة بهاء تأنيث فى آخره، وعبر بسريام بميم فى آخره.

وفى كتابه السلوك عبر بدروط سريان، بالطاء وبالنون، وفى بعض المواضع بالطاء وبالميم، وفى بعضها بدهروط سريان بهاء بين الدال والراء.

وفى رسالته البيان والإعراب عبر بذروة سريام، بذال معجمة وهاء التأنيث وبالميم.

وفى دفاتر التعداد جعلت هذه القرية تارة من قرى الأشمونين، وتارة من قرى منفلوط.

وقال استرابون: «إن بقرب الأشمونين موضعا يعرف باسم هرمو بوليت فلاس يؤخذ فيه الجمرك على البضائع المجلوبة من الصعيد. وموضعا آخر يعرف باسم تبيانكافيلاس يؤخذ فيه على المراكب المصعدة من منفيس إلى الجهات القبلية!! ويظهر من بقية كلامه أنه سافر إلى تلك الجهة وأن أحد الموضعين يوافق دروط أشموم، والآخر يوافق دروط سريام.-ومعنى فيلاس بالرومية بوسطة-ويقال فى سريام سريامون، وهى كلمة مركبة من سرابيس وآمون. اه.

فعلى كلامه كان هناك محل بوسطة يؤخذ فيه الجمارك.

وقال الأدريسى: «من هذا الاسم ثلاث قرى اثنان بقسم الأشمونين وهى: دروط أشمون، ودروط سريان، والأخرى دروط بلهاسة من ضمن بلاد البهنسا» ا. هـ.

قلت: والموجود الآن من هذا الاسم أربع قرى:

إحداها: يقال لها دروط أم نخلة، والظاهر أنها هى دروط أشموم وهى من

ص: 4

مديرية أسيوط بقسم ملوى واقعة على الشط الشرقى للبحر اليوسفى، وفى الجنوب الغربى للأشمونين بنحو خمسة آلاف متر، وبها نخل ومساجد.

والثانية: دروط الشريف والظاهر أيضا أنها هى دروط سريان، والظاهر أيضا أنها هى التى يقال لها دهروط بضم الدال. قال فى القاموس:«ودهروط كعصفور بلدة بصعيد مصر» ا. هـ.

وهى الآن من مديرية أسيوط بقسم ملوى أيضا غربى الترعة الإبراهيمية بقليل بل أخذت الترعة من نخيلها جانبا، وفى شمال بانوب ظهر الجمل بنحو أربعة آلاف متر وفى جنوب قرية تانوف بنحو خمسة آلاف متر.

أبنيتها من أعظم أبنية الأرياف وبها جامع بمنارة، ولها سويقة دائمة تشتمل على نحو الخبز والأدم، يشترى منها المسافرون، ولها سوق جمعىّ، وبها شون لغلال الميرى؛ والشون كما قال كترمير عن خليل الظاهرى هى:«ما يوضع بها نحو الغلال والتبن وقد تكون مبنية وقد تكون زربية، وأما الأهزاء، فهى ما يخزن بها الغلال المتنوعة ولا تفتح إلا عند الحاجة» ا. هـ.

وكان بحر يوسف يمر بلصقها من الجهة الشرقية، ولما تحول فمه إلى جهة قبلى ارتدم حتى ساوى أرض المزارع، ولما أنشئت ترعة الأشمونين مرت فى جزئه المجاور للبلد، ولما أنشئت الترعة الإبراهيمية مرت فى شرقيها فى طرف نخيلها، وبنيت هناك قناطر التقسيم بوضع حسن، ابتدئ فى بنائها سنة ألف ومائتين وتسع وثمانين فى الجنوب الشرقى للناحية بألفى متر وهى عبارة عن ست قناطر:

الأولى: وهى الآخر من جهة الشرق، خمس عيون على المصرف وبها هويس.

والثانية: على ترعة الساحل بعينين.

والثالثة: على الإبراهيمية نفسها بسبع عيون وهويس.

والرابعة: على الترعة الدروطية الواقعة بين الإبراهيمية واليوسفى بثلاث عيون.

والخامسة: على بحر يوسف بخمس عيون وهويس.

والسادسة: على حوض الدلجاوى لرى الحوض.

وجميع هذه القناطر مبنية بالحجر والطوب ويجمعها فرش واحد ما عدا قنطرة

ص: 5

الحوض، وسمك الفرش متران وربع متر، وطوله من الأمام إلى الخلف خمسون مترا، ويجمع الخمس القناطر الأول أرصفة مبنية بالحجر أيضا. وقد تم جميع بنائها فى سنة إحدى وتسعين، وحجرها جميعه من ورشة الحيبة فى مقابلة الفشن فى البر الشرقى، وبلغت مصاريفها نحو مائتى ألف جنيه، وتقفل بعوارض من الخشب أفقية يوضع بعضها فوق بعض وتسمى البوابات.

أما الهويسات فأبوابها/من الحديد، وتصميم رسمها كان بمعرفة المرحوم بهجت باشا وتم فرشها على يد رئيس الهندسة الأمير سلامة باشا، وتم باقى بنائها على يد الأمير إسماعيل بيك محمد مأمور هندسة الإبراهيمية الآن. ولتلك القناطر مهندس مخصوص وعندها مخزن عموم للوازمها وله مستخدمون.

وإنما أضيفت دروط إلى الشريف لما قاله المقريزى فى رسالته البيان والإعراب:

«إن صاحب هذه القرية هو الشريف ثعلب» وهو:.

[ترجمة الأمير الشريف ثعلب]

الأمير الكبير حصن الدولة مجد العرب ثعلب بن يعقوب بن مسلّم-بشد اللام- ابن يعقوب بن أبى جميل بن جعفر بن موسى بن إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن على بن عبد الله بن جعفر. وهو رئيس الجعافرة.

[ترجمة الأمير حصن الدين ثعلب بن على]

ومن ذريته الأمير الكبير حصن الدين ثعلب بن على ابن الشريف المذكور. وحصن الدين هو الذى أنف من سلطنة الأتراك وثار فى سلطنة الملك المعز أيبك التركمانى، وكاتب الملك الناصر يوسف بن العزيز صاحب دمشق، وجمع عربان مصر فخرجت إليه الأتراك وحاربوه وقبضوا عليه وسجن بالإسكندرية حتى شنقه الظاهر بيبرس.

قال: «وكانت مساكن الجعافرة فى بحرى منفلوط إلى سملوط غربا وشرقا ولهم

ص: 6

بلاد أخرى يسيرة». وقال أيضا: «ونسبة الجعافرة إلى جعفر الطيار بن أبى طالب» .

وقال كترمبر نقلا عن كتاب السلوك: إنه كان بقرب دهروط مساكن كثيرة من العربان ومسكن أميرهم الأمير حصن الدين ثعلب ابن الأمير الكبير نجم الدين على مجيد العرب من عائلة ثعلب بن يعقوب صاحب دروط سريام. وفى سنة ستمائة وإحدى وخمسين هجرية قام ذلك الأمير وقامت معه جميع عربان الصعيد والوجه البحرى والفيوم على قدم العصيان حتى قطعوا الطرق برا وبحرا، ثم كتب ذلك الأمير إلى الناصر صاحب حلب بأن يتجهز إلى مصر وهو يكون معه بجميع العربان

وكانت خيالته اثنى عشر ألف فارس غير من لا يحصى من الرجالة، وقد علم الملك المعز أيبك التركمانى بذلك فجيش خمسة آلاف فارس من الجند وسيرهم إليهم مع الأمير فارس الدين أقطاى المستعرب الذى ترجمه أبو المحاسن فقال

[ترجمة الأمير فارس الدين أقطاى]

هو فارس الدين أقطاى بن عبد الله الملقب بالنجمى وبالمستعرب مات سنة ستمائة واثنتين وسبعين هجرية، وكان أولا من مماليك نجم الدين محمد بن يمن ودخل فى خدمة السلطان نجم الدين أيوب ولقب بالمستعرب ا. هـ.

والتحم الحرب عند دهروط فحصلت مقتلة عظيمة من طلوع الشمس إلى الزوال وبينما الأمير حصن الدين يجول فى المعركة إذ سقط عن فرسه فاحتاطت به رجاله ودافعت عنه الأتراك فما أركبوه فرسه إلا وقد قتل من عبيده ورجاله نحو من أربعمائة، ثم رأى الغلبة عليه فتقهقر بجيشه وتبعتهم الأتراك بالقتل والأسر إلى دخول الليل وأخذوا كثيرا من نسائهم وأولادهم، وغنموا منهم ما لا يحصى من الخيل والإبل وغيرها، ورجعوا بجميع ذلك إلى معسكرهم فى بلبيس ثم قاموا لمقاتلة قبيلتى لواتة وضب-وكانوا أكثر أهل الغربية والمنوفية-وقد تجمعوا فى قسم سخا وسنهور

ص: 7

والتحم الحرب وانهزم العربان شر هزيمة، وقتل منهم الرجال وأسرت النساء، ومن وقتئذ تفرقت العربان وخمدت جمرتهم.

ثم إن حصن الدين بعد أن جمع ما بقى من أصحابه أرسل للمعز يطلب الصلح والدخول تحت الطاعة، فقبل منه المعز ذلك وواعده باقطاعات له ولرجاله على أن يكونوا من ضمن الجيش ويحاربوا معه الأعداء، فاغتر حصن الدين وظن أن الأتراك لا يستغنون عنه فى محاربة الناصر، وقام وسار برجاله إلى بلبيس فلما قرب من خيمة الملك ترجل عن فرسه فلم يلبث أن قبض الجند عليه وعلى من معه وكانوا نحوا من ألفى فارس وستمائة راجل، ونصبت لهم المشانق فيما بين بلبيس والقاهرة وصلبوا جميعا إلا الأمير حصن الدين فإنه أرسل به إلى سجن الأسكندرية وبقى به.

وأمر الملك المعز بازدياد القطيعة المضروبة على العرب وأن يزاد فى القود على المعتاد وأن يعاملوا بالشدة والقسوة، فذلت العرب وضعفوا وانكسرت شوكتهم ونقص عددهم إلى الغاية.

قال: والقود هو ما يبعث به إلى الملوك من نحو الخيل والإبل والحيوانات العزيزة. يقال: وصل بالقود وجهز القود على العادة وبعث القود اثنى عشر فرسا ونحو ذلك ا. هـ.

وفى رسالة المقريزى أنه بعد وقعة دروط مضى الأتراك إلى ناحية سخا بالغربية وقد اجتمع هناك بنو سنبس ولواتة ومن معهم فاوقع الأتراك بهم وقعة شنيعة قتلوا فيها رجالهم وسبوا نساءهم ونهبوا أموالهم، فذلت سنبس من يومئذ وقلت وتفرقت بالغربية.

وسنبس بطن من طى ينسبون إلى سنبس بن معاوية بن جرول بن ثعل بن عمرو ابن الغوث بن طى، وفى سنبس أفخاذ وعشائر.

ثم قال: وكانت سنبس تنزل بفلسطين والدوارم قريبا من غزة وكثروا هناك واشتدت وطأتهم على الولاة وصعب أمرهم، فبعث الوزير ناصر الدين أبو محمد الحسن بن على بن عبد الرحمن البازورى إليهم فى سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة يستدعيهم وأقطعهم البحيرة من أراضى مصر، وكانت البحيرة يومئذ منازل بنى قرة من

ص: 8

بطون صنب/بن جذام فنجعت سنبس وعدت إلى البحيرة وأوطأهم الوزير ديار بنى قرة وأقطعهم أرضهم وديارهم فاتسعت أحوالهم وفخم أمرهم وعظم فى أيام الخلفاء الفاطميين شأنهم، ولم يزالوا بالبحيرة إلى أن كانت سلطنة المعز عز الدين بن أبيك التركمانى فحصل لهم ما سمعته. ا. هـ.

والثالثة: دروط الشريف. قرية من مديرية البحيرة بقسم دمنهور، على الشط الغربى لفرع رشيد فى جنوب منية السعيد بنحو ألفى متر، وفى شمال ناحية العطف بنحو ألف وأربعمائة متر. وبها أربع مساجد. أحدها: فى جهتها الشرقية، له ميضأتان ومنارة، ويقال إنه كان بها نحو خمسة عشر مسجدا، وكان بها حمام أثاره باقية إلى الآن. وكان بها حوانيت درست عند فتح المحمودية، وبها الآن أربع وابورات يتبعها أربع حدائق وأبعادية لأنجا هانم حرم المرحوم سعيد باشا.

والرابعة: دروط بلهاسة. وهى بلدة من مديرية المنية بقسم بنى مزار على الشط الغربى للإبراهيمية، وفى الجنوب الشرقى لطنبدا بنحو ثلاثة الآف متر، وفى الشمال الشرقى لناحية آبة الوقف بأكثر من ذلك.

[ترجمة زياد بن المغيرة وأخيه إبراهيم وابنه أحمد]

وفى المقريزى أن بدروط بلهاسة جامعا أنشأه زياد بن المغيرة بن زياد بن عمرو العتكى، ومات فى المحرم سنة إحدى وتسعين ومائة فدفن فيه وقال فيه الشاعر:

حلف الجود حلفة بر فيها

ما برأ الله واحدا كزياد

كان غيثا لمصر إذ كان حيا

وأمانا من السنين الشداد

ومات أخوه إبراهيم بن المغيرة سنة سبع وتسعين ومائة. فقال فيه الشاعر:

ابن المغيرة إبراهيم من ذهب

يزداد حسنا على طول الدهارير

لو كان يملك ما فى الأرض عجله

إلى العفاة ولم يهمم بتأخير

ص: 9

ومات أحمد بن زياد بن المغيرة فى المحرم سنة ست وثلاثين ومائتين، فقال فيه الشاعر:

أحمد مات ماجدا مفقودا

ولقد كان أحمدا محمودا

ورث المجد عن أب ثم عم

مثله ليس بعده موجودا

«ا. هـ»

(دروة)

وأقول: أن من أعمال الأشمونين أيضا بقرب دروط الشريف، ودروط أم نخلة بلدة تسمى دروة، بالمهملة أو بالمعجمة فى أوله وهاء التأنيث فى آخره. وهى بلدة مشهورة إلى الآن، وفيها نخيل وأشجار ومساجد.

[ترجمة عبد العال بن موسى الدروى]

ومنها العمدة الشهير عبد العال بن موسى الدروى، تولى عدة وظائف فى الحكومة، وله بها أبنية مشيدة ودوّار متسع.

وهو رجل من كرام العرب يضرب بكرمه المثل، ولو ضافه مائة فارس فى أىّ وقت لأحسن قراهم من غير أن يجدد لهم شيئا، وفى كثير من الأوقات يمد سماطه نحو أربعين خوانا-كما أخبر بذلك من شاهده-وله زراعة أكثر من ألف فدان وكان ابنه ناظر قسم فى مدة الخديوى إسماعيل باشا.

ولعل من عبّر عن دروط الشريف بدروة الشريف التبس عليه القريتان، ويحتمل أنها أيضا منسوبة للشريف ثعلب المذكور، فإن المقريزى فى رسالته قال:«وكانت بلاد الأشراف التى ينزلون بها هم ومواليهم وأتباعهم وأخلافهم من الأشمونين إلى بحرى أتليدم ومعظمهم بالذروة» (ا. هـ).

وإلى إحدى قرى دروط ينسب الشيخ شمس الدين الدروطى.

ص: 10

[ترجمة الشيخ شمس الدين الدروطى]

قال الشعرانى فى طبقاته

(1)

: ومن أهل الله تعالى شيخنا وقدوتنا إلى الله تعالى الإمام الصالح الورع الزاهد شمس الدين الدروطى ثم الدمياطى الواعظ. كان بالجامع الأزهر أيام السلطان قانصوه الغورى، وكان مهيبا عند الملوك والأمراء، زاهدا مجاهدا صائما قائما، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر. وكان مجلسه بالأزهر تفيض منه العيون، وكان يحضره أكابر أمراء الدولة وأمراء الألوف وكل واحد يقوم من مجلسه متخشعا ذليلا صغيرا، رضي الله عنه.

وكان إذا مر بشوارع مصر يتزاحم الناس على رؤيته، وكان من لم يحصّل ثوبه رمى بردائه من بعيد على ثيابه ثم يمسح به وجهه.

وكان شجاعا مقداما فى كل أمر مهمّ، وحطّ مرة على السلطان الغورى فى ترك الجهاد فأرسل السلطان خلفه، فلما وصل إلى مجلسه، قال للسلطان:«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته-فلم يرد-فقال: إن لم ترد السلام فسقت وعزلت» .

فقال: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته» . ثم قال: «علام تحط علينا بين الناس فى ترك الجهاد وليس لنا مراكب نجاهد فيها» . قال: «عندك المال الذى تعمر به» .-فطال بينهما الكلام-فقال الشيخ: «قد نسيت نعم الله عليك وقابلتها بالعصيان، أما تذكر حين كنت نصرانيا ثم أسروك وباعوك من يد إلى يد، ثم منّ الله عليك بالحرية والإسلام ورقاك إلى أن صرت ملكا سلطانا على الخلق، وعن قريب يأتيك المرض الذى لا ينجح فيه طب، ثم تموت وتكفن، ويحفر لك قبر مظلم، ثم يدسون أنفك هذا فى التراب، ثم تبعث عريانا عطشانا جوعانا، ثم توقف بين يدى الله الحكم العدل الذى لا يظلم مثقال/ذرة، ثم ينادى المنادى من كان له حق أو مظلمة على الغورى فليحضر، فيحضر خلائق لا يعلم عدتها إلا الله تعالى» .

فتغير وجه السلطان من كلامه، فلما ولى الشيخ وأفاق السلطان، قال: «ائتونى

(1)

الطبقات الكبرى للشعرانى. القاهرة، مكتبة ومطبعة محمد على صبيح د. ت. ج 2، ص 164.

ص: 11

بالشيخ»، فعرض عليه عشرة آلاف دينار يستعين بها على بناء البرج الذى فى دمياط، فرد عليه، وقال:«أنا رجل ذو مال لا أحتاج مساعدة أحد، وإن كنت أنت محتاجا أقرضتك وصبرت عليك» .

فما رؤى أعز من الشيخ فى ذلك المجلس، ولا أذل من السلطان فيه. هكذا كان العلماء العاملون.

وقد صرف على عمارة البرج بدمياط نحو أربعين ألف دينار، وإنما كان يعقد الأشربة ويتجر فى خيار الشنبر ونحوه.

ولم يأخذ قط معلوم وظيفة، وينفر طبعه من أكل الأوقاف والصدقات، ويخبر أنها تسود وجوه قلوبهم.

وله من المصنفات:

شرح منهاج النووى، وشرح الستين مسألة، وكتاب القاموس فى الفقه.

وكان يتواضع جدا لمن علمه ولو شيئا يسيرا. توفى رضي الله عنه فى ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وله من العمر نيف وخمسون سنة ودفن بزاويته بدمياط، ودفن عنده سيدى أبو العباس الحريثى. (ا. هـ).

[ترجمة الشيخ عبد الرحمن الدهروطى]

وينسب إلى دهروط كما فى الضوء اللامع

(1)

، الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن ناصر الدين البكرى الدهروطى ثم المصرى الشافعى.

ولد فى ليلة الاثنين السابع والعشرين من شعبان سنة تسع وثمانمائة بدهروط من البهنساوية، وقرأ بها القرآن وحفظ التحرير والمنهاجين مع زوائد الإسنائى وألفية ابن مالك، واشتغل يسيرا على أبيه، ثم لازم الشيخ البرماوى والغاياتى وغيرهما، وسمع

(1)

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوى-القاهرة، مكتبة المقدسى،1354 هـ. ج 4، ص 57.

ص: 12

على شيخنا وناب عنه وعن غيره فى القضاء، ودرس بالتقوية والحسامية من الفيوم، وحج، وعانى النظم، ومن كلامه قوله:

توالت خطوب الدهر قسرا على الورى

وناهيك خطب الدهر يعقبه القسر

مات فى شوال سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة.

[ترجمة الشيخ محمد بن محمد الديروطى]

وينسب إليها أيضا

(1)

: الشيخ محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل ابن موفق الدين الشمس بن البدر بن الفخر بن الشمس بن الشرف الديروطى الشافعى.

ولد بديروط سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وقرأ بالسبع، وحفظ الملحة والعنقود فى النحو والرحبية وغالب المنهاج الفرعى. وقدم القاهرة فقرأ على الديمى وعلى غيره، وصار أحد شهود بلده، بل ولى بها القضاء حتى مات سنة تسعين وثمانمائة.

وكذا ولد بها محمد بن محمد بن محمد-يجتمع مع سابقه فى رابع المحمدين- وبعد القرآن حفظ الرجبية والشطبية، واشتغل على عمه وغيره، وقدم القاهرة ولازم الديمى حتى قرأ عليه بالستة وغيرها. وتكسب بالخياطة وباشر الإمامة وتدرب فى المباشرة بالشمس البحطيطى ا. هـ.

ولم يذكر تاريخ موته، وإنما ذكر أن قدومه القاهرة كان سنة ست وسبعين وثمانمائة.

والظاهر أن هذين الشيخين من ذرية شمس الدين المتقدم.

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 9، ص 274.

ص: 13

[ترجمة الشيخ محمد بن عبد الرحمن]

[المعروف بالجلال البكرى]

وينسب إليها كما فى الضوء اللامع أيضا

(1)

: محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى ابن موسى بن الحسن بن عيسى بن شعبان بن داود بن ناصر الدين البكرى الدهروطى، ويعرف بالجلال البكرى.

ولد فى ثانى صفر سنة سبع وثمانمائة بدهروط، ونشأ بها، فحفظ القرآن والتحرير وألفية الحديث والنحو وغير ذلك. وتفقه بجده وتحول بعد موته بمصر وقرأ على التقى ابن عبد البارى والذكى الميدومى والشمس البرماوى والقمنى، وحضر دروس الولى العراقى فى الأصول والحديث، وكذا أخذ عن الجلال البلقينى وأخيه، وبرع فى حفظ الفقه وشارك فى أصوله والعربية مع الديانة والبهاء والتواضع.

وقد حج مرتين وجاور، وأخذ هناك عن الأهذل، وكذا سافر دمشق وزار بيت المقدس وناب فى القضاء عن الحافظ بن حجر، واستقل بقضاء الأسكندرية، وحمدت سيرته فيها، ولكنه لم يلبث أن عزل فتألم أهلها لذلك ورجع إلى القاهرة فلازم النيابة مع التصدى للإقراء والإفتاء، ثم أعرض عن القضاء بسبب حادثة مسّه-من الدوادار الكبير-من أجلها بعض المكروه وعاكسه السلطان فى ذلك.

قال: «ولقد اجتمعت عليه مرارا وسمعت من أبحاثه وفوائده، وأخبرنى أنه شرح المنهاج ومختصر التبريزى وبعض التدريب للبلقينى والروض لابن المقرئ وتنقيح اللباب وأفرد نكتا على كل من الروضة والمنهاج، بل شرع فى شرح على البخارى» .

وبالجملة فهو أحفظ الشافعية لفروع المذهب فى ذاك الوقت، ولكنه ليس فى الكتابة والفهم فضلا عن التحقيق بالماهر.

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 7، ص 284.

ص: 14

مات فى يوم الخميس منتصف ربيع الثانى سنة إحدى وتسعين وثمانمائة، ودفن فى تربة أنشأها ابن الصابونى بخط الريدانية بالقرب من جامع آل الملك. رحمه الله وإيانا .. ا. هـ.

(دسوق)

بلدة جليلة، مركز قسم من مديرية الغربية على الشاطئ الشرقى لبحر رشيد، قبلى فوّة بنحو ساعتين. وفى جهتها البحرية محطة السكة الحديد، وفى بحريها بالقرب محلة مالك.

وبها ديوان القسم ومجلس الدعاوى والمشيخة/ومحكمة شرعية مأذونة بتحرير الحجج، وعقد المبايعات والرهونات، ونحو ذلك. ما عدا عقد بيع الأطيان فذلك لا يكون إلا بمحكمة المديرية، أمام المدير أو وكيله، ومثلها محكمة زفتة ومحكمة سمنود وشربين ومحلة منوف وكفر الشيخ وكفر الزيات، وغيرها من محاكم غير مركز المديرية.

وأبنيتها بالآجر الجيد، وفى أكثر دورها الغرف، وفيها قصور مشيدة بشبابيك من الزجاج والحديد منها:

قصر لعبد العال بيك رئيس مجلس الغربية، بناه سنة 1290، وله فيها بستان ذو فواكه.

وقصر للسيد إمام القصبى شيخ جامع سيدى أحمد البدوى. وقصر لبسيونى الفار من ناحية دميرة. كلاهما معد للنزول به أيام مولد سيدى إبراهيم الدسوقى لإطعام الفقراء والمساكين والزوار.

والقصور الثلاثة فى جهتها البحرية، كقصر شتا بيك مفتش عموم البرارى الآن.

ومنزل مشيد أيضا لمحمد بيك سعيد بقرب البحر. وفيها خان عظيم تبع وقف سيدى إبراهيم، كعدّة منازل للوقف أيضا.

وبها أحد عشر مكتبا لأطفال المسلمين. ولمشاهيرها فيها مضايف ومنازل حسنة.

وبها وابورات مياه، أحدها، لذات العصمة عين الحياة. والثانى، لعباس عيسى. والثالث، لعيسى الخرزاتى من أهل المحروسة.

ص: 15

وثلاث سواق معينة عذبة الماء، واحدة، للشيخ إسماعيل أبى راس شيخ جامع سيدى إبراهيم الدسوقى. وواحدة، للشيخ إمام القصبى، والثالثة، لمحمد بيك المنشاوى مع بستان له أيضا فى بحرى المساكن. وبها أربعة مغالق لبيع الخشب.

وفيها معمل دجاج لمتولى البدوى عمدتها.

ولها سوق كل أسبوع. وبقربها تلان كبيران تأخذ منهما الأهالى السباخ.

وبها ثلاثة جوامع أكبرها وأشهرها جامع القطب الحقيقى سيدى إبراهيم الدسوقى. بناه أولا بعض السلاطين ثم أجرى فيه السلطان قايتباى عمارة ووسعه، ثم هو الآن جار تجديده على طرف الخديوى إسماعيل على غاية من الاعتناء، وقد رسم فيه مئذنتان وبنى أساسهما مع الجامع، وكان وضعه على الهيئة التى هو عليها الآن بمعرفتنا، ورسمنا زمن توليتنا الأوقاف المصرية.

وضريح القطب المذكور فى داخله عليه من المهابة والجلال ما لم ينكره أحد والآن-أعنى سنة 1293 - جدد له كسوة ثمينة رفيعة القيمة سعادة دولتلو إبراهيم باشا نجل الخديوى إسماعيل باشا. وسيرته رضي الله عنه شهيرة ومناقبه كثيرة.

[ترجمة سيدى إبراهيم الدسوقى رضي الله عنه]

ذكر الشعرانى فى طبقاته شرذمة منها حيث قال

(1)

: «هو العارف بالله سيدى إبراهيم الدسوقى ابن أبى المجد بن قريش بن محمد بن أبى النجاء بن زين العابدين ابن عبد الخالق بن محمد أبى الطيب بن عبد الله الكاتم بن عبد الخالق بن أبى القاسم ابن جعفر الزكى بن على بن محمد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب القرشى الهاشمى.

تفقه على مذهب الإمام الشافعى، ثم اقتفى آثار الصوفية وجلس فى مرتبة

(1)

الطبقات الكبرى للشعرانى، المرجع السابق، ج 1، ص 143.

ص: 16

الشيخوخية وحمل الراية البيضاء، فكان من أجلاء مشايخ الفقراء أصحاب الخرق، وكان فى صدور المقربين، صاحب كرامات ظاهرة ومقامات فاخرة وأسرار ظاهرة وبصائر باهرة وأحوال خارقة وأنفاس صادقة وهمم عالية ورتب سنية ومناظر بهية، وإشارات نورانية ونغمات روحانية، وأسرار ملكوتية ومحاضرات قدسية، له المعراج الأعلى فى المعارف، والمنهاج الأسنى فى الحقائق، والطور الأرفع فى المعالى، والقدم الراسخ فى أحوال النهايات، واليد البيضاء فى علوم الموارد، والباع الطويل فى التصريف النافذ والكشف الخارق عن حقائق الآيات، والفتح المضاعف فى معنى المشاهدات.

ومن كلامه رضي الله عنه: «من لم يكن مجتهدا فى بدايته لا يفلح له مريد، فإنه إن نام نام مريده، وإن قام قام مريده، وإن أمر الناس بالعبادة وهو بطّال أو توّبهم عن الباطل وهو يفعل، ضحكوا عليه ولم يسمعوا منه» .

ومن كلامه رضي الله عنه: «اعلم أنك إن صمت فهو الذى صوّمك، وإن قمت فهو الذى قومك، وإن عملت فهو الذى استعملك، وإن رأيت فهو الذى أراك، وإن شربت شراب القوم فهو الذى أسقاك، وإن اتقيت فهو الذى وقاك، وإن ارتفعت فهو الذى رقى منزلتك، وإن نلت فهو الذى نولك، وليس لك فى الوسط شئ» .

وكان يقول: «إياكم والدعوات الكاذبة فإنها تسوّد الوجه وتعمى البصيرة، وإياكم ومؤاخاة النساء وإطلاق البصائر فى رؤيتهن والمشى مع الأحداث فى الطرقات، فإن هذا كله نفوس وشهوات» .

وكان يتكلم بالعجمى والسريانى والعبرانى والزنجى وسائر لغات الطيور والوحوش. فمن ذلك ما كتبه إلى بعض مريديه «بعد السلام، إننى أحب الولد وباطنى خلىّ من الحقد والحسد ولا بباطنى شظى ولا حريق لظى ولا لوى لظى ولا جوى من مضى ولا مضض غضى ولا نكص نصاولا سقط نطا ولا شطب غظا ولا عطل حظا ولا شنب سرى ولا سلب سبا ولا عتب فجا ولا سمداد صدا ولا بدع رضا ولا شطف/جوى ولا حتف حراء ولا خمش خيش ولا حفص حفص ولا خفض خنس ولا حولد كنس ولا عنس كنس ولا عسعس خدس ولا جيقل خندس ولا سطاريس، ولا عيطا فيس ولا هطا مرش ولا سطا مريش ولا سوش أريش ولا ركاش قوش ولا سملا

ص: 17

دنوس ولا كتبا سمطلول الروس ولا بوس عكموس ولا فنفاد أفاد ولا قمداد إنكاد ولا بهداد ولا شهداد ولا بد من العون وما لنا فعل إلا فى الخير والنوال».

إلى غير ذلك من جنس هذا الكلام الذى لا يفهمه إلا من له قلب أو أفهمه الرب.

وكان يقول: «من لم يكن عنده شفقة على خلق الله لا يرقى مراقى أهل الله، وقد ورد أن موسى عليه السلام لما رعى الغنم لم يضرب واحدة بعصا ولا جوعها ولا آذاها، فلما علم الله تعالى قوة شفقته على غنمه بعثه نبيا وجعله كليما راعيا. لبنى إسرائيل وناجاه. فمن أعز الخلق وشفق عليهم ترقى إلى مراتب الرجال» .

وكان يقول: «ليس التصوّف لبس الصوف، إنما التصوف من بعض شعار المتصوف فإن دقيق التصوف ورقيق صفاته ورونق بهجة ترقيه لا يحصل إلا بالتدريج، فإذا وصل الصوفى إلى حقيقة التصوف المعنوى لا يرضى بلبس ما خشن لأنه وصل إلى مقامات اللطافة وخرج عن مقامات الرعونة، وعاد ظاهره الحسى فى باطنه الآلى واجتمع بعد فرقه، وقذف فيه جذوة نار الاحتراق فعاد الماء يحرقه والثلج والبرد يقوى ضرامه، والقميص الرقيق لا يستطيع حمله للطافة سره وزوال كثافته بخلاف المريد فى بدايته يلبس الخشن ويأكل الخشن ليؤدب نفسه وتخضع لمولاها فيحصل لصاحبها تمهيد للمقامات التى يترقى إليها، فكلما رق الحجاب ثقلت الثياب.

ومن نظمه رضي الله عنه:

سقانى محبوبى بكأس المحبة

فتهت على العشاق سكرا بخلوتى

ولاح لنا نور الجلالة لو أضا

لصم الجبال الراسيات لدكت

وكنت أنا الساقى لمن كان حاضرا

أطوف عليهم كرة بعد كرّة

ونادمنى سرا بسرّ وحكمة

وإن رسول الله شيخى وقدوتى

وعاهدنى عهدا حفظت لعهده

وعشت وثيقا صادقا بمحبتى

وحكمنى فى سائر الأرض كلها

وفى الجن والأشباح والمردية

وفى أرض صين الصين والشرق كلها

لأقصى بلاد الله صحت ولايتى

أنا الحرف لا أقرأ لكل مناظر

وكل الورى فى أمر ربى رعيتى

وكم عالما قد جاءنا وهو منكر

فصار بفضل الله من أهل فرقتى

ص: 18

وما قلت هذا القول فخرا وإنما

أتى الاذن كى لا يجهلون طريقتى

إلى آخر ما قال من شطح طويل.

وتحدث بالنعمة نظما ونثرا، عاش رضي الله عنه من العمر ثلاثا واربعين سنة ولم يغفل قط عن المجهادة للنفس والهوى والشيطان، حتى مات سنة ست وسبعين وستمائة رضي الله عنه. (انتهى باختصار من كلام طويل).

وفى كل عام يعمل له ثلاثة موالد، تهرع إليه فيها الناس من كل جهة.

أحدها: فى شهر برمودة وهو أقلها زوارا

وثانيها: فى شهر طوبه وهو المسمى بالرجبى. وهو أكثر منه واردا، يجتمع فيه جملة من الزوار والتجار للبيع والشراء ويمكث ثمانية أيام.

وثالثها: المولد الكبير فى شهر مسرى يؤتى إليه من دانى البلدان وقاصيها للزيارة والتجارة وتضرب فيه الخيام ويحضره مشاهير البلاد المجاورة بأنواع الأطعمة ومشايخ الطرق والسجادات بجميع الأشاير، وتدوم حركته ليلا ونهارا بالأذكار وتلاوة القرآن والبيع والشراء لجميع أنواع البضائع مثل:

ثياب الحرير والمقصب والقطنى والجوخ وأوانى النحاس وغير ذلك من جميع مشتملات القطر، وأصناف الحيوانات المجلوبة من أقصى الصعيد والبحيرة ويحضر مأمور ضبطية طندتا والعساكر للمحافظة ويقومون به حتى ينتهى، ويستمر أيضا ثمانية أيام.

وبالناحية أضرحة أخر لبعض الأولياء كسيدى أبى النصر عز الدين، والجلال الكركى، والشيخ إسماعيل أبى راس، والشيخ أحمد ربيع والشيخ فرطاى.

ص: 19

[ترجمة على بن محمد بن على بن ذى الأسمين]

وفى الضوء اللامع للسخاوى

(1)

: أن على بن محمد بن على بن ذى الأسمين أيوب عثمان بن ذى الأسمين عبد العزيز عبد المجيد الشهر بأبى المجد بن محمد بن عبد العزيز بن قريش نور الدين، وربما كنى بأكبر أولاده النجم فيقال أبو نجم الدين بن نجم الدين القرشى الأبودرى-بفتح الهمزة ثم موحدة ودال مهملة وراء/مشددة-نسبة إلى أبى درة من أعمال البحيرة، ثم الدسوقى-بضم المهملتين-المالكى، ويعرف بسنان لسنّ كانت له بارزة، وأيوب فى نسبه. هو أخو الشيخ إبراهيم الدسوقى صاحب الأحوال، ولد تقريبا سنة خمس وسبعين وسبعمائة بأبى درة وانتقل منها وهو صغير بعد موت والده، وحفظ القرآن عند الشهاب السروجى وتلاه لأبى عمرو على ابن عامر، ثم قدم القاهرة فحفظ بها أيضا العمدة والرسالة ومختصر ابن الحاجب وألفية ابن مالك.

ومن شيوخه فى السماع: الصلاح الزفتاوى، والبنوخى، وابن الشيخة وابن الفصيح، والعراقى، والهيتمى، والإبناسى، والدجوى، والفمارى، والمراغى والنور الهورينى والجمال عبد الله الرشيدى، وناصر الدين نصر الله الحنبلى والسويداوى، والحلاوى.

وأكثر من المنسموع، وكان يخبر أنه أخذ الخرقة الدسوقية عن ابن عم الجمال عبد الله بن محمد بن موسى-المتوفى بدسوق سنة نيف وثمانمائة- عن أبيه عن جده موسى عن شقيقه الشيخ إبراهيم. وقطن دسوق من سنة اثنتى عشرة إلى أن مات شيخ المقام الإبراهيمى بها-وهو ابن عمه الشمس محمد بن ناصر الدين محمد من جلود فى سنة أربع وثلاثين فاستقر عوضه فى المشيخة فباشرها وصرف عنها مرارا، وحج وزار بيت المقدس، ودخل الأسكندرية مرارا وحدث وسمع منه الفضلاء بالقاهرة ثم بدسوق.

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 5، ص 319.

ص: 20

وكان خيرا ضابطا صدوقا ثقة ثبت ساكنا وقورا صبورا على الإستماع، متواضعا سليم الفطرة مستحضر الفوائد. مات فى ليلة الجمعة حادى عشر رمضان سنة تسع وخمسين بدسوق على مشيختها، ودفن عند الضريح البرهانى، وخلف أولادا، رحمه الله تعالى. ا. هـ.

[ترجمة الشيخ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقى]

ومن علماء هذه البلدة الإمام الكبير والعلامة الشهير، صاحب التآليف النافعة والعبارات الواضحة محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقى، وقد ذكر ترجمته الجبرتى فى حوادث سنة ثلاثين ومائتين وألف فقال

(1)

: «هو العلامة الأوحد والفهامة الأمجد محقق عصره ووحيد دهره الشيخ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقى المالكى. ولد ببلده دسوق-قرية من قرى مصر-ونشأ بها، ثم حضر إلى مصر وحفظ القرآن وجوّده على الشيخ محمد المنير، ولازم حضور دروس الشيخ على الصعيدى والشيخ الدردير، وتلقى الكثير من المعقولات عن الشيخ محمد الخفاجى الشهير بالشافعى وهو مالكى المذهب، ولازم الشيخ حسن الجبرتى الكبير مدة طويلة وتلقى عنه علم الحكمة والهيئة والهندسة وفن التوقيت، وحضر عليه أيضا فى فقه الحنفية، وحضر عليه المطول وغيره برواق الجبرت بالأزهر، ثم تصدر للتدريس وأفاد الطلبة، وكان فريدا فى تسهيل المعانى وتبيين المبانى، يفك كل مشكل بواضح تقريره، ويفتح كل مغلق برائق تحريره، وكان درسه مجمع أذكياء الطلاب والمهرة من ذوى الأفهام والألباب، وكان فيه لين جانب وتواضع وعدم تصنع، جاريا على سجيته، لا يرتكب ما يتكلفه غيره من التعاظم وفخامة الألفاظ، ولهذا كثر الآخدون عليه والمترددون إليه. وكان حفظه حسنا وخلقه حسنا، وله تأليفات واضحة العبارات منها: حاشيته على مختصر السعد، وحاشيته على شرح الشيخ الدردير على متن خليل فى فقه المالكية، وحاشيته على شرح الجلال

(1)

عجائب الآثار فى التراجم والأخبار، المعروف بتاريخ الجبرتى، للشيخ عبد الرحمن الجبرتى، المطبعة العامرة الشرقية،1322 هـ، ج 4، ص 247.

ص: 21

المحلى على البردة، وحاشيته على شرح السنوسى للصغرى، وحاشية على الرسالة الوضعية، وحاشية على شرح آداب البحث لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى، وغير ذلك مما بقى فى المسودات ولم يتيسر له جمعه.

ولم يزل على حاله فى الالقاء والإفتاء والعفة والصلاح إلى أن تعلل وتوفى يوم الأربعاء الحادى والعشرين من شهر ربيع الثانى من السنة المذكورة، وخرجوا بجنازته من درب الدليل وصلوا عليه بالأزهر فى مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين رحمه الله.

[ترجمة الفاضل الشيخ إبراهيم الدسوقى]

وإليها ينسب أيضا العلامة الشيخ إبراهيم الدسوقى باشمصحح مطبوعات المطبعة الميرية ببولاق مصر المحمية؛ وهو كما أخبر عن نفسه السيد إبراهيم ابن السيد إبراهيم ابن السيد على ابن السيد هاشم ابن السيد عبد الغفار ابن السيد فرغل الدسوقى المالكى، ينتهى نسبه إلى سيدى موسى أخى العارف بالله إبراهيم الدسوقى. وأما سيدى إبراهيم فلم يعقب كما فى رسالة بخط السيد مرتضى الحسينى النسابة صاحب تاج العروس شرح القاموس.

ولد المترجم سنة ست وعشرين من القرن الثالث عشر من الهجرة، ومات أبوه وهو صغير وحفظ القرآن ببلده، وحضر بها صغار الكتب، ثم قدم إلى الأزهر فتلقى العلوم عن الشيخ محمد خضارى، والشيخ مصطفى البولاقى، والشيخ محمد عرفة الدسوقى، والشيخ إبراهيم الخربتاوى، والشيخ حسن الأبطح، والشيخ عبد الرحمن الدمياطى الغمرى، والشيخ أحمد المرصفى، والشيخ محمد الشبينى، والشيخ عثمان المرّ الدمياطى، والشيخ محمد فتح الله، وشيخ المالكية الشيخ محمد عليش. حتى تأهل للتدريس. وله اعتناء زائد بفن الأدب وقرض الشعر، وجلس للتدريس فدرس بعض رسائل، ثم دخل فى الخدامة الميرية التى لم تخرجه عن الاستفادة فكان مساعدا فى تصحيح الكتب الطبية فى مدرسة أبى زعبل سنة/ثمان وأربعين مع الشيخ محمد عمران الهراوى، ثم نقل منها إلى مدرسة المهندسخانة

ص: 22

الخديوية رئيس تصحيح، فصحح فيها جملة من كتب الرياضة وتوابعها، ولما استحالت هذه المدرسة فى أول ولاية المرحوم عباس باشا إلى مدرسة أخرى قريبة منها على شاطئ النيل ببولاق، وكانت تحت نظارتنا، توظف فيها بوظيفتين إحداهما:

تعليم فرقتين من تلامذتها علم العربية وكيفية توفية الترجمة حقها عند النقل من اللغة الفرنساوية إلى اللغة العربية. والثانية: تصحيح كتب الرياضة.

ولما ألغيت هذه المدرسة فى أول ولاية المرحوم سعيد باشا انتخب للتصحيح بالمطبعة الكبرى فصحح جملة من كتب الطب والكيمياء وغيرها. وكان مع ذلك معينا فى تحرير جريدة الوقائع المصرية، ثم صدر أمر الخديوى إسماعيل باشا بجعله رئيس تصحيح عموم كتب العلوم فى تلك المطبعة فأداه مدة على أحسن وجه، ثم رفت ورتب له معاش، إلى أن توفى سنة 1300 هجرية. عليه رحمة الله تعالى.

وقد حكى عن نفسه مقالة، فيما اتفق له مع بعض أدباء الأنكليز تدل على براعته فى الأدب وتمكنه من لسان العرب لا بئس بسوقها وهى:

الحمد لله وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه وبعد، فممن وفد علينا فى عقد الخمسين من البلاد الشاسعة ذات المعارف الواسعة والصنائع البارعة والتحف الرائعة لتلقى بعض الكتب اللغوية وترجمتها إلى اللغة الإنكليزية الماهر الألمعى والأديب اللوذعى رب الأخلاق الجميلة المقرونة بحلى الفضيلة المتميز فى جنسه بالفطنة الوقادة البارع منصور أفندى زاده، صاحب الطبع اللين المعروف فى بلده لو ندره بالمستر لين، كما يعلم من ديابيج تآليفه وطوالع تصانيفه. وهذا الأديب الماهر الإنكليزى كان إذ ذاك لا يساويه فى النحو والصرف واللغة والأدب باريزى، فقد كان يرينى كثيرا من الانتقادات على محال من تأليف البارون دساسى شارح المقامات، الشهيرة بباريز شهرة قاضى تبريز، مبرهنا على غلطه فى رسائله النحوية وما أفرط من سقطه فى كتبه الأدبية

وكان لهذا الرجل رحلة قديمة إلى هذه الديار أكثر فيها التردد على شيخى الإسلام العروسى ثم العطار ذوى الأقدام الراسخة والهمم الشامخة والفضل الجلى فى زمن رب القدم المكين مجدد التمدين بمصر الحاج محمد على باشا. وقبل وفوده إلى مصر هذه المدة الأخيرة كتب إلى صديق له فرنساوى رب بصيرة وهو، الماهر الأمثل المعروف

ص: 23

بمسيو فرسنل الذى طالما كان يتشدق بقوله: «أنا على وزن فرزدق» . لكونه أديبا فى لغته مدلا فى العربية بمعرفته وفصاحته، حتى انه شرع معى فى عمل شواهد للصحاح لكن لم يوفق باتمامه للنجاح، يسأله عن أديب معروف، بالإعتناء واللغة معروف، دمث الأخلاق لطيف العشرة بشرى التلاق. فكتب إليه يعرفه بى. فأجابه قد وقعت على مطلوبى، مع كلام يتضمن التماسه إبلاغ سلامى، مؤذن بأن المشار إليه تمام مرامى. ثم بالاتفاق الغريب المألوف إيراده لكل أديب، أن المذكور قد حضر من سفره، ولم أشعر بخبره. وكنت فى بعض الأيام عازما على الذهاب إلى الحمام وكان مرورى بخان الخليلى على جمع حافل بحانوت صاحب لى يعرف بصالح أفندى كامل، أتى إليه المومى إليه، يسأله عن وطنى أو حارة سكنى، فلما رآنى مارا عليه، قال هذا الأستاذ المشار إليه السيد إبراهيم عبد الغفار صاحب القدر والاعتبار. فما كان من الرجل إلا أن قام إلىّ مسلما فلقيته مبتسما إلا أنى خجلت لما رأيت عينه لعدم سبق العهد بينى وبينه. ولما أخبرنى صاحبى بالحال سرى عنى ما حاك بخلدى والبال، وتأملته فإذا إنسان قد وخطه الشيب وليس فى لسانه لكنة ولا عيب، طويل القامة كبير الهامة تلوح عليه إمارة، فصيح العبارة، كأنه عدنانى أو قحطانى، إلا أنه ذو زىّ عثمانى لا يتكلم إلا بفصيح الكلام، وله بفنون الأدب إلمام، فهزتنى إليه أريحية الطرب، وتعجبت من فصاحته مع أجنبيته كل العجب، فالتمس منى الذهاب إلى وطنه ليعرفنى محل سكنه، فلم يكن منى إلا الإمتثال وموافقته على ما قال، فرأيت له عادة المصريين فى مأكله ومشربه. وزى الأتراك فى حليته وأدبه.

ووقع بينى وبينه الاختيار على أن أمر عليه آخر النهار عند رجوعى من تصحيح كتب الرياضة بمدرسة مهندسخانة الفياضة، فربط لى ماهية مع قلة الزمن عظيمة لها عند الفقير وقع فى النفس وقيمة، على أن نقرأ معا كل يوم نحو نصف كراسة من شرح متن القاموس المسمى بتاج العروس لصاحب الخلق الحسن الهينى السيد محمد مرتضى الزبيدى الحسينى؛ مع التفهم والتفهيم لما صعب أو كان غير مستقيم مع مراجعة ما كان عنده من معتبرات اللغة الصحاح.

فقد كان عنده نسختان من كل من: القاموس والصحاح، ونسخة وأوّل أخرى من تاج العروس تزول برؤيتها العبوس، ثم نسخة من كتاب لسان العرب المشهور

ص: 24

يلوح على أجزائها الزائدة عن العشرين فى تحقيقى إنها بخط مؤلفها ابن/منظور المعروف بالإفريقى، ثم نسخة من حاشية المحقق النطاسى سيدى محمد بن الطيب الفاسى تنعش النفوس لإنتصافه للصحاح من القاموس، وهذا المحقق كالسيف المنتضى، ويعبر عنه بشيخنا السيد مرتضى، ثم مسودة كتاب فى اللغة ضخم بخط مؤلفه أبى عثمان التنوخى الفخم، ثم أجزاء من المحكم المنير للإمام ابن سيده الضرير، ثم نسخة مزهر للسيوطى ذات حواش كثيرة بخط صاحبنا الشيخ نصر الهورينى رب البصيرة منقول بعضها من المسفر عن شرحه خبايا المزهر لرب التحقيق المطرب سيدى محمد بن الطيب.

وقد طالعنا فى مدة من الأيام هذا الكتاب الأخير قبل الشروع فى تاج العروس المنير كأنه مقدمة للمقصود لنقف على ما فى اللغة من حدّ ومحدود، ثم عدة من الأسفار ودواوين شعرية ذات اعتبار، ثم كليات أبى البقاء فى اصطلاحات العلوم العربية النقلية منها والعقلية، ثم حدود الجرجانى السيد القمقام، ثم شروح ديوان حماسة أبى تمام لذى المذهب الأبريزى المعروف بالقاضى التبريزى.

وهذه الكتب كلها فى أيدينا للمراجعة إذا تخالفنا فى معنى أو وقع فيه بيننا منازعة، فانظر ياذا الكسل الأحلى مذاقا من العسل، إلى هذا الاستعداد العجيب عند من هو فى اللغة غريب.

وكان أمامى وأمامه كرسيان ذوا سطحين أفقيين مائلين لراحة القارئ شيئا عليهما معدّين. وكنت فى بعض الأحيان أرى منه المشاركة والجولان فى فروع فقه أبى حنيفة النعمان، إذا ورد علينا أثناء القراءة حكم دينى مدركه قياس أو دليل غير يقينى.

وقبل الشروع فى القراءة كل يوم يحضر لكل منا كاستان أو سلطانيتان بالشاى الممزوج بالسكر والقهوة مملوأتان، مع ملعقتين ولقمتين أو رغيفين مستطيلين صغيرين، ثم يحضر لنا شبكان بالحرير المقصب مكسوان. وحين القراءة يكون مع كل منا من الكتاب المتعدد النسخ نسخة رائعة لأجل التنجيز بسرعة المراجعة وكان المذكور يعيب ترتيب مواد كليات أبى البقاء، ويحثنى على أن أرتبها ترتيبا لائقا معتبرا أصول

ص: 25

الكلمات غير معوّل على أداة التعريف وزوائد المشتقات، وتارة يقول لولا ما بيدى من الأشغال لنسجتها على أليق منوال، ورأيت له وجها فى ذلك فإنه كتاب وعر المسالك.

وبعد مفارقتى إياه كل يوم فى العشية يكون قد ترجم ما قرأناه إلى لغته الإنكليزية مرتبا له ترتيب المصباح كعادة المعجمات اللغوية قبل ظهور ترتيب الجوهرى صاحب الصحاح برد كل فصل من فصول القاموس إلى محله المعتبر فى الترتيب الأول المأنوس.

ومكثنا على هذه الأحوال عدّة أحوال حتى تصرمت تسعة أعشار الكتاب المهم وأشرف على أن يتم، وكنا نستوفى مع ذلك مطالعة أصول ذلك الشرح ككتاب لسان العرب، وحاشية المحقق الفاسى الموفية بالأرب، وكنا نرى على حواشى اللسان هوامش بخط السيد مرتضى الحسينى الزبيدى وقت أخذه منه ما رام، ووقفنا على أجزاء من هذا الشرح السابع والثامن والتاسع فى خزانة رواق الشوام مكتوب على كل جزء منها بخط بعض المغفلين، أوقف هذا الكتاب إلى آخره، كما وقفنا على قطعة من الجزء الأول بخط المؤلف أيضا اشتراها له من الشيخ أحمد منة العالم المالكى؛ الشيخ أحمد الكتبى الآتى ذكره.

وكان هذا الرجل يسكن فى الحوارى البعيدة عن تردد أقدام الأفرنج خصوصا الإنكليز، مخافة أن يشغلوه عن سرعة التنجيز، كجهة الحنفى وغيط العدة، وكان لكثرة جدّه واجتهاده لا يخرج من منزله الشهر والشهرين والثلاثة كعادته فى بلاده.

وممن كان يجتمع عليه رجل كتبى أشقر اللون أشعله، يقال له الشيخ أحمد الشعراوى، وكان يسمح له بذلك نظرا لاحتياجه إلى ما يرغبه من الكتب.

ومن مآثره الجميلة التى تعد للكرام فضيلة، أنه كان فى شهر رمضان، شهر التفضل والإحسان من المنان، يدفع لى كمية سنية فى مغلفة من الورق مطوية، زيادة على مربوط الماهية، محتوية على مقدار ذى بال من الجنيهات الإنكليزية، مترجيا منى قبوله وأن لا أردّ سوله، قائلا:«هذه توسعة رمضان وأنت شريف فاقبلها منى سبيل الهدية لا الصدقة والإحسان» .

ومما اتفق له أن ضاعت ماليته المستثمرة، التى كان يسد بها مفاقره، فى بنك من

ص: 26

بنكات لو ندرة بفلس حصل فيه أوجب تأخره، فلم يبق له إلا ما يكفى معاش العيال، فرأيته حزينا كاسف البال، فسألته فأخبرنى بما وقع متأسفا ظانا بى أن أقطع حبل الوفاء لعدم قدرته على دفع الماهية، فأجبته:«لا تتفكر فى هذه القضية فسترى منى ما يسرّك بالكلية» .

وما زلت أوافيه على العادة التى كانت بيننا معتادة، بل زدت على ما كان، فشكرنى على هذا الإحسان، حتى قيض الله له ناسا من محسنى أهل لو ندرة ذوى ثروة معتبرة، فوضعوا له فى البنك ما يرد منه ما يكفيه، فأجرى إلىّ ثانيا ما كان يجريه، وواسانى ببعض تحف غوال على مواساتى له فى سوء الأحوال، على أنى كنت فى لذة إكتساب معارف من هذا/المجلس اليومى وهى عندى ألذ من العوارف.

ومما اتفق لى قبل نكبته المذكورة نكبة تحاكيها فى الصورة: وذلك أنه كان عندى أربعة عشر كيسا من جنس الخيرية جمعتها لأشترى بها بيتا أسكن فيه أنا والذرية فسرقت منى، فلما بان له حالى بالسؤال دمعت عيناه لأجلى فى الحال وحلف بشرفه لو كان غنيا لسار لى بها مليا لأنه كان رقيق الفؤاد خالص الوداد، لا يعتبر مغايرة الدين بين العباد، لكن بحمد الله معبودى تحصلت على مقصودى بعد السرقة بثلاثة شهور، فاشتريت لأجل مقدور بيتا بعشرة أكياس وان كان فيه بالنسبة لاحتياجى قصور فبعت فيه ما يساوى ثمنه أربعة أكياس وكسور وسددت الباقى بعد سنة على التدريج بالاقتصاد والتدبير، فسبحان اللطيف الخبير ما أخذ منك إلا ليعطيك، وما أمرضك إلا ليغفر لك أو يأجرك، ومن فوّض الأمر إلى مولاه كفاه ما أهمه، وربما كانت النقمة نعمة.

ومن الاتفاق النادر الجدير بأن يسطر فى الدفاتر أن هذا الرجل ذا الغيرة الإنسانية كانت له أخت، وزوجة رومية كلتاهما فى غاية الصيانة والحرية متهيئتان بهيئة المصريات لا تخرجان إلا مؤتزرتين بالحبرات مستورتى المحيا متبرقعتين. والله ما وقع بصرى عليهما سافرتين مكشوفتى المحيا، ولا لمحت لوجودهما زيا مع طول التودد وكثرة التردد.

وكانتا تترددان على بيت الست المصونة ذات الحشمة والجوهرة المكنونة ذات

ص: 27

العصمة زينب هانم كريمة المرحوم الحاج محمد باشا على، وغيرها من حريمات الباشوات ذوات القدر العلى.

وكان المرحوم الحاج محمد على باشا والمرحوم الحاج عباس حلمى باشا يخاطبان هذا الرجل فى العادة بمنصور أفندى زاده، كما بلغنى والعهدة على من بلغنى.

وقد شاهدت من حذاقة أخته ومسارعتها لقضاء مرادى وراحة البال ما أبرأ من المرض أولادى الأطفال وقعيدة منزلى فى الحال بوضع ذرور على مقولها فقامت كناقة نشطت من عقالها، كأنها طبيبة أريبة وفى أختيار العلاج مصيبة.

وكان لها ولدان نجيبان بزى الترك متحليان أكبرهما يقال له يوسف أفندى، والأصغر سليمان، وكانا فصيحى اللسان ذكيى الجنان، ذوى خط جميل لاتقانهما صنعة التمثيل. وكانت تعلمهما أمهما-الإنكليزية-اللغتين التليانية والفرنساوية، ويقرأ لهما خالهما النبيل شرح ألفية النحو لابن عقيل. وكان الأصغر وعمره خمس عشرة سنة يعرف-كما أخبرنى خاله-اللغة الهيروجليفية معرفة متقنة، ويظهر لى أنه علمه إياها لأن سعة معارفه لا تاباها، حتى أن كثيرا من السياحين يتلقاها عن هذا الصغير القاصر تلقى المتعلمين من المعلمين الأكابر. ومن الأمور البديعة المباينة لآراء أهل الطبيعة، أن هذا الرجل الذى لا أعرف فيه تصنعا ولا أراه بالافتراء متولعا، كان يقول بوجود الجن، وحكى لى عنهم نوادر دعته إلى هذا الرأى.

وكان يعتقد الولاية فى الشيخ أحمد الليثى، الذى كان يمشى حافى الأقدام فى ركاب الشيخ العروسى شيخ الإسلام، لأنه كان يخبره حين اجتماعه وتردده على الشيخ المذكور بكل نادرة تحدث لبعض أهل بلدته لو ندرة فى تواريخ معلومة مقررة فكانت ترد إليه الرسائل بعين ما كان يخبره هذا الفاضل.

ومع ذلك لم يزل هذا الرجل عيسوى الدين معتقدا فى صحة الإسلام وعقيدة المسلمين، كأنه كان يظن عدم عموم رسالة سيد ولد عدنان وعدم نسخ دينه للأديان، بروتستانى المذهب مع عائلته يقول بنبوة سيدنا عيسى ورسالته، لا كما يعتقد بقية فرق النصارى ممن صاروا فى كلمة الله عيسى حيارى. هذا وكان يعتقد حرمة تعاطى الخمر

ص: 28

والخنزير، ويقول إن أكابر الإنجليز البروتستانيين على هذا الرأى النضير، معللا ذلك بأنهما يضران بالصحة، فانظر وفاقهم لنا فى هذه اللمحة.

ثم لما طال عليه المكث فى مصر كأنه بها مقيم لإنجاز هذا الأمر الجسيم، سافر إلى بلده فى حالة صحة أحسن من التى كان ورد بها إلى هذا الإقليم لنيل هذه المنحة، لأنه كان-كما أخبرنى-مريضا بالسل وأشار عليه من الحكماء الجل بتغيير الهواء إما بالسفر إلى إيطاليا أو مصر من البلاد المتقاربة الأهواء، فاختار مصر لهذا السبب، ولم يخل اختياره لها من قضاء ما ذكرنا من الأرب.

وكان هذا اللبيب الماهر منصور يتداوى من المرض المذكور بواسطة قسيس إنجليزى اسمه المستر ليدر بالمستحضرات الجديدة ككربونات الحديد وكبريتاته والماء المطفأ فيه محمى ذلك المعدن. وقد اجتمعت على هذا القسيس، لسبب يأتى ذكره، فكنت أسمع منه ما يؤذن بالتوحيد ومواعظ ما لها الحث على إتيان مكارم الأخلاق، والتخويف من المولى الخلاق.

ولما أراد السفر هادانى بهدايا منها: سجادة صاية عظيمة لها عند الفقير قدر وقيمة، وابنا أخته بخرج لطيف عجمى شغل الأبرة بديع، لأجل أن أتذكر ما كان بيننا من الصنيع، ثم نسخة من القاموس وساعة ذات زى مأنوس، وجزلك للمساعدة على القراءة والكتابة ذى بلور صخرى موافق لبصرى، لأنه قبل أن يحضره من بلدته لوندره قاس مسافة الأبصار اللائقة أن تكون بين عينى والأسطار، وحفظ ذلك عنده، حتى أنه لما ضاع منى بعد/سفره كتبت إليه أعرفه بخبره، فأرسل لى مثله على قياس بدون لجاج لمعرفته بالسن وقياس الأبصار ونمرة الزجاج.

وقبل عزمه على السفر اتفقنا على أن يترك عندى بقية نسخة تاج العروس لأقابلها، وأكتب عليها ما سقط من الكاتب وتقييدات لما عساه أن يقف فيه من العبارات، فكنت أجرى ذلك وأرسل له على يد صاحبه القسيس كل شهر من عشرة كراريس إلى خمسة عشر، حتى تم ذلك الكتاب المستطاب وصفى محكم عبابه وطاب.

وحيث أن فى الكتاب خرمين كتب لى عليهما فعوضتهما له باستنساخ ما يقابلهما من نسخة الكتاب اللباب التى كانت بخزينة الأشرفية لأنها كانت أوقيانوس هذا الشرح بالكلية

ص: 29

هذا وقد ورد من أجزاء نسخة الكتاب المترجم إليه المطبوعة، إلى بعض الذوات بمصر أجزاء مطبوعة باللغة العربية والإنكليزية باسم هذا الرجل مرسوما فيها صورتى والثناء على ما كان من مروءتى. ودامت بينى وبينه المراسلة إلى أن مات القسيس ليدر.

وبالجملة فقد قضينا معه حقبة من الدهر ناضرة فى عيشة زاهية زاهرة، ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام. والحمد الله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، (انتهى بحروفه).

وقد ذكر الجبرتى فى حوادث سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف

(1)

: أن المرحوم محمد على باشا لما سافر إلى ناحية إسكندرية، وكان ذلك فى شهر جمادى الآخرة من السنة المذكورة، ووصل إلى ناحية الرحمانية نزل بها وأرسل يطلب شيخ دسوق، فحضرت إليه طائفة من العساكر فامتنع من الحضور معهم، وقال لهم:«ما يريد الباشا منى؟ أخبرونى بطلبه وأنا أدفعه لكم، إن كان غرامة أو كلفة أو غير ذلك» .

فقالوا له: «لا ندرى، وإنما أمرنا باحضارك» . فلما رأى ذلك شغلهم بالطعام والقهوة، ووزع حريمه وبهائمه والذى يخاف عليه. وفى الوقت وصلت المراكب وبها العساكر وطلعوا إلى البر، فركب شيخ البلد وركبت خيالته واستعدّ لحربهم وحاربهم، فقتل منهم عدة كبيرة ثم ولى هاربا، فدخل العساكر البلدة ونهبوها وأخذوا ما وجدوه فيها وشتتوا أهلها، وأخذوا ما كان فيها من طلبه العلم (ا. هـ).

(دشطوط)

قرية من مديرية بنى سويف بقسم ببا الكبرى، موضوعة على جسر دشطوط فى شرقى البحر اليوسفى، بنحو ستمائة متر، وفى شمال ناحية النشطور بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى جنوب ناحية كوم النور بنحو ثلاثة آلاف متر وخمسمائة، ومبانيها بالآجر واللبن، وبها جامع معمور بالصلاة، وفى غربيها نخيل كثير، وتكسب أهلها من الزراعة وغيرها.

(1)

تاريخ الجبرتى، المرجع السابق، ج 4، ص 69.

ص: 30

[ترجمة الشيخ محيى الدين عبد القادر الدشطوطى]

وإلى هذه القرية، كما فى ابن إياس

(1)

، ينسب القطب العارف بالله تعالى الورع الناسك بقية السلف من الأولياء الشيخ محيى الدين عبد القادر ابن الشيخ الصالح العارف بالله تعالى بدر الدين، المدعو بشرف الدين موسى الدشطوطى. وكان الشيخ عبد القادر شافعى المذهب، وكان مكشوف الرأس واعيا، ودائما لا يحلق رأسه، ويلبس جبة خشنة، وكان سياحا لا يتخذ زوجة ولا ولدا، ويتغذى بالقراقيش والزعتر، ولا يأكل الطعام إلا قليلا، وكان مهيبا معظما عند الملوك وأعيان الناس ورسالته عندهم لا ترد، وحصل له انكفاف فى عينيه آخر عمره، واستمر كذلك حتى مات.

وكان محببا للناس وتأتى إليه النذور من عند الأكابر فينشئ بها جوامع ومساجد. وارتجت القاهرة لوفاته، ونزل لجنازته ملك الأمراء العثمانية والأمير قايتباى الدوادار والقضاة الأربعة وأعيان الناس، وخرجت جنازته من بيت المعلم حسن الصياد المهندس خارج باب الشعرية، ورفعت له الأعلام على جنازته، وحضر أطفال المكاتب وعلى رؤوسهم المصاحف، ومشوا حول جنازته، واستمر حتى وصل إلى مدرسته التى أنشأها تجاه سيدى يحيى البارنجى فدفن بها، وذلك فى تاسع شعبان سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وله من العمر نحو ثمان وثمانين سنة، رحمه الله تعالى. (ا. هـ).

وفى ابن إياس أيضا فى حوادث سنة أربع وتسعين وثمانمائة فى شهر المحرم وقعت نادرة غريبة وهى

(2)

:

أن شخصا يقال له عبد القادر بن الرماح، وكان له خصاصة بالسلطان، فقال:

إن الشيخ عبد القادر الدشطوطى، رضي الله عنه، رجل من عباد الله الصالحين،

(1)

بدائع الزهور فى وقائع الدهور ط 3، لابن أياس، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مركز تحقيق التراث،1984. ج 5، ص 267 - 268.

(2)

بدائع الزهور، المرجع السابق، ج 3، ص 259.

ص: 31

وكان قصد السلطان الاجتماع عليه، فقيل له إنه يتردد إلى جامع محمود فى مكان عنده بالقرافة تحت الجبل المقطم، فقال له السلطان: لما يحضر هناك أعلمنى، فعمد عبد القادر بن الرماح إلى شخص كان شبيها بالشيخ عبد القادر الدشطوطى، وكان يدعى أنه شريف، فأعلم السلطان بأن الدشطوطى يحضر تلك الليلة إلى ذلك المكان المذكور، فصلى السلطان العشاء ونزل وصحبته ثلاثة أنفس، فأتى إلى المكان ونزل عن فرسه، فوجد ذلك الشخص جالسا ورأسه فى عبه فشرع السلطان يقبل رجليه، ويقول:«يا سيدى أحمل حملتى مع ابن عثمان» . فصار ذلك الشخص يغرب عليه،

ويقول له: «أنت ما ترجع عن ظلم العباد» فطال المجلس بينهما، ثم إن السلطان دفع له كيسا فيه ألف دينار، وقيل خمسمائة دينار، فصار يتمنع من ذلك والسلطان يتلطف به، ويقول له:«فرّق ذلك على الفقراء» ثم ركب ومضى وهو يظن أنه الدشطوطى. ثم بعد أيام انكشفت هذه الواقعة/وظهر أنها مفتعلة، فلما تحقق السلطان ذلك أحضر عبد القادر بن الرماح والشخص الذى تزيا بزى الدشطوطى وخدام المكان الذين كانوا به فضربوا بين يدى السلطان بالمقارع. وأما عبد القادر بن الرماح فرسم السلطان بحلق ذقنه وأشهره فى القاهرة على حماره ثم سجنه بالمقشرة إلى أن مات. (ا. هـ).

(دشنا)

بفتح الدال المهملة وسكون الشين المعجمة ونون وألف.

بلدة صغيرة فى بر الشرق من ولاية قوص على نحو ثلاث مراحل عنها. (ا. هـ من كتاب تقويم البلدان).

وفى رحلة ابن جبير فى آخر القرن السادس أن دشنا مدينة مسورة فيها جميع مرافق المدن وبينها وبين قوص بريدان. (ا. هـ).

وهى الآن على شاطئ النيل منها إلى قنا نحو أربع ساعات، وهى رأس قسم من مديرية قنا، ذات أبنية جيدة ووكائل وسوق دائم فيه حوانيت، يباع فيها العقاقير وثياب القطن ونحو ذلك، ومعمل دجاج ومعاصر للزيت وعصارات للسكر، وخمس

ص: 32

قهاو ومصابغ نيلة، وأنواع يحاك فيها ثياب الصوف وملاآت القطن، ودكاكين صاغة لحلى الذهب والفضة، ودكاكين بقالة، وشون تورد فيها الغلال الميرية، وأحد عشر مسجدا معمورة بالعبادة، ويدرس فى أكثرها علوم الشريعة وآلاتها.

منها: مسجد الصنجق وهو كبير تقام فيه الجمعة وكان به درس قائم.

ومنها: مسجد الشيخ عبد الله بن حمد عمدة البلد فيه درس دائم.

ومنها: مسجد الشيخ سليمان بن أبى زيد تقام فيه الجمعة والجماعة وكان فيه درس.

ومنها: مسجد النعمانى، وهو رجل كان عالما زاهدا توفى سنة خمس وأربعين بعد المائتين والألف، وهو عامر وفيه درس أيضا.

ومنها: الجامع العمرى، يقال إنه من زمن الفتح، وهو معمور بالجمعة والجماعة والتدريس لفنون شتى كالتفسير والحديث والفقه والنحو. وكان القائم بتلك الوظيفة قاضى دشنا سابقا الشيخ حمد منصور المتوفى سنة خمس وخمسين بعد المائتين والألف، وقد ألف حاشية على جوهرة التوحيد للقانى. وكان شيخا كريما.

ثم تولى وظيفة القضاء والتدريس بعده ابنه الشيخ عبد المنعم المتوفى سنة سبع وثمانين.

[ترجمة العلامة السيد مسلم الأبارى وابن أخيه الشيخ رشوان]

وكان يدرس فى هذا الجامع أيضا العلامة السيد مسلم ابن السيد غانم ابن السيد محمد ابن السيد عبده ابن سيدى عبد العظيم الأبارى ذى المقام الشهير بناحية أبار قرية من أعمال أخميم فى شمالها بقليل.

كان الشيخ مسلم عالما منتفعا بعلمه، ويقال إنه ساح فى أرض أفريقية وآسية نحو خمس وثلاثين سنة، ودرّس هناك، وألف فى ذلك رحلة أثبت فيها ما رآه فى سياحته وأتى بشهادة من علماء القسطنطينية وفرمان من السلطان عبد الحميد

ص: 33

يتضمنان تعظيمه واحترامه، وقد توفى سنة ست وأربعين وألف. وقام مقامه ابن أخيه الشيخ رشوان ابن الشيخ هرمل ابن السيد مصطفى، وكان رجلا عالما صالحا سخيا. ولم يكن للجامع أوقاف فكان يصرف عليه من ماله جميع لوازمه، وقد توفى سنة ثمان وسبعين بلا مرض. وفى يوم وفاته أخبر بموته، وهيأ مدفنه وفرشه بالرمل وأوصى أن يدفن فيه، وهو بجوار مقام ولى يقال له سيدى جلال، وأوصى أولاده بالتقوى والعزلة عن الناس إلا لفائدة، وأنشد لهم قول الشاعر:

لقاء الناس ليس يفيد شيئا

سوى الهذيان من قيل وقال

فاقلل من لقاء الناس إلا

لأخذ العلم أو إصلاح حال

ثم توضأ وصلى ركعتين وقرأ شيئا من القرآن ومات من ساعته. أخبر بجميع ذلك أحد أنجاله معلم العربية فى المدرسة الخطربة بالقلعة.

ثم إن البحر قد مال على هذه البلدة فأذهب أكثرها، وكثيرا ما أظهر فيها أبنية من الآجر الكبير وصخورا عليها نقوش هيروجليفية تدل على أنها كانت مدينة جليلة، ولم يبق الآن من تلول البلد القديمة إلا قطعة عالية عليها بيوت فوق شاطئ البحر وعليها هذا الجامع العتيق، وانتقلت بيوتها فى الجهة الشرقية حتى قيل إن هذا الجامع كان فى طرفها الشرقى فصار فى طرفها الغربى، ولها موردة عليها السفن دائما لشحن المتاجر من تلك البلاد إلى مصر وإلى أسوان. وسوقها فوق البحر فيه ما يحتاجه المسافر وغيره من خبز ولحم وسمن وخضر وغلال وفواكه، وعندها بساتين نضرة. وفيها أقباط بكثرة أكثرهم أرباب حرف وصنائع. وسوقها العمومى يوم الأربعاء، وهو سوق حافل يجتمع الناس فيه من البرين، وفى تلك الجهة يباع نحو اللحم والخضر جزافا.

ومن عوائدهم فى الأفراح كغيرهم من تلك البلاد أن يهدوا إلى بيت الفرح الخبز والغلة والذبائح، ويتسابقوا بالخيل مع ضرب الدف والمزمار أسبوعا أو أكثر، وفى ليلة البناء فى الزواج أو ليلة الختان يأتون بصاحب الفرح فى عرصة داره وينزعون عنه ثيابه والرجال والنساء محيطون به فيغسلونه فى قصعة أو طشت من نحاس أو فخار، وينادى عليه رجل موظف لذلك، فيقول:«الصينية يا محبون» ، والنساء يغنين

ص: 34

فيأتى محبوه فيضعون فى إناء من نحاس مثلا دارهم وفلوسا، ويسمونها نقطة، تكتب فى دفتر عند صاحب الفرح ليردها فى أفراحهم، ثم يلبسونه ثيابا جديدة ويجلسونه على فرش ويسمونه الأمير. ثم يقصدون إلى الزوجة فيحملونها على فرس/ويزفونها من بيت أبيها مثلا ليلا، فإن كانت من بلد أخرى حملوها فى هودج نهارا ويضربون الدف أمامها ويغنون خلفها إلى بيت الزوج فيدخل عليها الزوج ويفتضها بأصبعه بحضرة امرأة يسموها الماشطة، والنساء واقفات على باب الغرفة مثلا والرجال على باب الدار ويضربون البندق عند صراخ الزوجة إخفاء لصوتها، وتتلقى الماشطة الدم فى محرمة بيضاء، فتأخذها أم الزوجة أو أختها وتطوف بها على الحاضرين وبيدها أو يد غيرها شمعة موقودة تريهم الدم وأن الزوجة بكر عذراء إلى الآن طلبا للشرف وبياض العرض. وفى صبح تلك الليلة بعد طلوع الشمس يطوفون بالزوج أو بالمختون قبل ختانه راكبا فرسا بالطبول والزمور والمغانى والمسابقة، ويقفون عند كل عرصة من البلد برهة. وبعض القرى يفعل ذلك قبل ليلة الدخول أو الختان، ثم يمكث الزوج سبعة أيام فى عزومات عند الأحبة، كل يوم عند جماعة ومعه الشبان ويسمونه السلطان. وفى البلد قاضى عرب يسمونه الوزير يحكم فيهم ويلزمهم أمورا مقررة بينهم، ويضرب من يرئ ضربه بعصىّ من جريد النخل الأخضر، وذلك انهم يتخذون للحكم سبع عصىّ خضر طولها متحد نحو ذراع ولا يقشرون سعفها بل يقطعونه بالسكين من أصله بشروط معروفة عندهم ويتخذون أيضا حبلا من ليف يسمونه الحرير يكتفون به من رأى الوزير تكتيفه. وعقب الأكل الذى يكون وسط النهار ينصبون ديوانا يحكمون فيه على من فرط منه ذنب فى حال الأكل أو قبله ويكونون وقوفا قدام السلطان والوزير أقل من ساعة. وفى آخر يوم يزفون الزوج من بيت العزومة إلى بيته بالتصفيق والغناء والزغاريت.

ومن عوائد بعضهم عند افتتاح الفرح أن تخرج أقرب امرأة إلى صاحب الفرح كأمه وأخته ولو مخدرة فترقص أمام الحاضرين زمنا يسيرا، وترى ذلك أمرا لا بدّ منه، وتكون مستترة حتى الوجه والكفين، ثم لا ترقص بعد ذلك بل يأتون بالبغايا- المسميات بالغوازى-فيرقصن إلى آخر الفرح.

ومن عوائد تلك البلاد فى الأحزان أن ينصب أهل الميت خياما خارج بيوتهم

ص: 35

ليقبلوا فيها العزاء، ويعينهم أهل البلد بهدايا الطعام ويبيتون معهم سبع ليال. وأولا بعد رجوعهم من الدفن يذبحون من النعم على حسب حالهم ويخرجونها للفقراء، وبعضهم يخرجها من غير ملح ولا يأكل منها أحد من الأغنياء ويعدون ذلك عيبا أو فرحا فى الميت. وفى بعض البلاد يضرب فى آخر ليلة من الجنازة الطبول والكاسات وتنشد الأشعار والموشحات المثيرة للأحزان، ويقرأ مولد النبى صلى الله عليه وسلم. ومن بعض البلاد يمتنع للحزن من صلاة العيد ومن عمل الأفراح سنة كاملة، وفى بعضها إن مات زوجها لا ترثه ولا تتزوج غيره.

واعلم أن ما خالف الشرع من تلك العوائد إنما هو لقرى الأرياف وحواشى البنادر والمدن، وأما أكابرها فلا تصدر منهم تلك القبائح خصوصا الأشراف والعلماء.

وقد علمت أن هذه البلدة أشبه شئ بالمدن وفيها أشراف وعلماء قديما وحديثا، وقد ذكر فى الطالع السعيد جملة من علمائها فمنهم:

‌[ترجمة زكريا بن يحيى

(1)

]

(زكريا بن يحيى) بن هرون بن يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن عبد الله الدشناوى مولدا، التونسى محتدا، المنعوت بالبدر، كان فقيها أديبا، وله نظم جيد، ومن شعره قوله فى شاب خطائى أبياتا منها قوله:

فقال لى العذول علام تبكى

فقلت له بكيت على خطائى

ومنه قوله:

لا تسلنى عن السلو وسل ما

صنعت بى لطفا محاسن سلمى

أوقعت بين مقلتى ورقادى

وسقامى والجسم حربا وسلما

(1)

الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد للأدفوى. القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة،1966، ص 248.

ص: 36

ومن قوله ملغزا فى طيبرس:

وما اسم له بعض هو اسم قبيلة

وتصحيف باقية تلاقى به العدا

وإن قلته عكسا فتصحيف بعضه

غياث لظمآن تألم بالصدى

وباقيه بالتصحيف طير وعكسه

لكل الورى علم معين على الردى

توفى بالقاهرة سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة.

‌[ترجمة محمد بن عباس

(1)

]

ومنهم: محمد بن عباس، جمال الدين، [فقيه]

(2)

فاضل، مقرئ نحوىّ، قرأ القرآن على ابن خميس

(3)

، والسرّاج الدندرى، وأخذ الفقه عن أبى الطيب السبتى.

توفى قريبا من سنة عشر وسبعمائة. قال: وأظنه سنة ثمان.

‌[ترجمة عبد الرحمن بن موسى

(4)

]

ومنهم: عبد الرحمن بن موسى بن محمد الكندى ينعت بالأثير

(5)

، كان شافعيا، وأعاد بالمدرسة النجمية بقوص، وناب فى الحكم عن قاضى عيذاب.

توفى سنة ثمان عشرة وسبعمائة.

(1)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 526.

(2)

الإضافة من الطالع السعيد، المرجع السابق 526.

(3)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 526 هامش 1 (ابن خمسين)

(4)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 297.

(5)

فى الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 297 (الأمين).

ص: 37

‌[ترجمة الشيخ محمد بن أحمد

(1)

]

ومنهم بحسب أصله: الشيخ محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكندى، تاج الدين ابن الشيخ جلال الدين الدشناوى المحتد، القوصى المولد والدار والوفاة، نخبة الدهر ونزهة العصر، فقيه عالم، مقرئ محدث، أديب شاعر، كريم ظريف لطيف خفيف، قوىّ الجنان، فصحيح اللسان، حسن الإيراد، يعلق/ بالفؤاد، له صيت ليس له فيه من يدانى، وصوت يغنى عن المثالث والمثانى، ونظم ونثر، ذو رياسة وجلالة وثقة وعدالة.

قرأ القرآن على الشيخ نجم الدين بن عبد السلام، وسمع الحديث عن الشيخ عبد العظيم المنذرى وغيره، وحدث بقوص ومصر والقاهرة والإسكندرية، وأخذ الفقه عن الشيخ مجد الدين القشيرى، وعن والده الشيخ جلال الدين الدشناوى وغيرهما، ودرس بمدارس قوص، وأفتى وحدّث.

قال صاحب الطالع السعيد: حدثنا تاج الدين محمد بن أحمد المذكور، حدّثنا الشيخ الإمام الحافظ نادرة الوقت أبو محمد عبد العظيم المنذرى، أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد العراقى بقراءتى عليه بدمشق، وفاطمة بنت أبى الحسن-واللفظ لها-حدثنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الجوزى، قراءة عليه ونحن نسمع. قال أبو حفص: فى شعبان سنة ست وستين وخمسمائة، وقالت فاطمة: غير مرة أخرهن فى شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة.

حدثنا أبو إسحق إبراهيم عن عمر الفقيه قال: حدثنا أبو عبد الله-يعنى إبراهيم بن جعفر-، حدثنا جعفر-يعنى أبا محمد بن الحسن-، حدثنا محمود ابن غيلان، حدثنا النضر بن إسماعيل، حدثنا محمد بن عمر عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» أخرجه الترمزى فى جامعه عن محمود بن غيلان.

(1)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 488 - 497.

ص: 38

وله مآثر جليلة نظما ونثرا، انظرها فى الطالع السعيد، توفى ليلة الجمعة ثالث شوال سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة.

‌[ترجمة إسماعيل بن هارون

(1)

]

ومنهم: إسماعيل بن هارون، ينعت بالنفيس، ويعرف بابن خيطيّة العبسى الصوفى، كان له معرفة تامة بالقرآن، ومشاركة فى النحو والأدب وله نظلم رقيق، ومنه قوله:

قل لظباء الكثب

رفقا على المكتئب

فقد بلى بحبكم

(2)

شيخا وكهلا وصبى

دموعه جارية

كالوابل المنسكب

على زمان مرّ بى

لذيذ عش خصب

لذة أياما الصبا

يا ليتها لم تغب

قضيت منها وطرا

ونلت فيها أربى

بين حسان خرّد

منعمات عربى

وشادن مبتسم

عن در ثغر شنب

الفاظه تفعل ما

يفعل ماء العنب

(3)

وكان صوفيا ملازما للجامع السلطانى الناصرى، توفى بمصر فى حدود ثلاثين وسبعمائة (ا. هـ من الطالع السعيد).

وفى هذه البلدة عائلة مشهورة يقال لهم: أولاد عبد الله بن على، منهم: عمدتها محمود ابو عبد الله، كان من أعضاء مجلس شورى النواب، له بها قصر مشيد ومضيفة متسعة وسواق لسقى قصب السكر، وعصارة، ولهم شهرة فى الكرم.

(1)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 168.

(2)

هكذا فى الأصل وفى الطالع السعيد ص 168 (رفقا بمن بلى بكم).

(3)

هكذا فى الأصل وفى الطالع السعيد ص 168 (تفعل بنت العنب).

ص: 39

وفى خطط المقريزى عند الكلام على عجائب مصر: «إن فى ضيعة دشنا سنطة إذا تهددت بالقطع تذبل وتجتمع وتضمر فيقال لها: قد عفونا عنك وتركناك، فتتراجع» .

«والمشهور وهو الموجود الآن سنطة بالصعيد إذا نزلت اليد عليها ذبلت وإذا رفعت عنها تراجعت، وقد حملت إلى مصر وشوهدت» . (ا. هـ).

(دفرا)

قرية من مديرية المنوفية بقسم تلا على شاطئ ترعة القاصد، بحرى ناحية جنزور بنحو خمسة آلاف متر، وشرقى ناحية صناديد بنحو ألفين وخمسمائة متر.

وأبنيتها باللبن والآجر، وفيها مسجد جامع، قدي بمنارة مقام الشعائر يسمى العمرى، سقفه من ألواح الخشب وأرضه مفروشة بالبلاط. وبها زاويتان بداخل إحداهما ضريح ولىّ يقال له سيدى إبراهيم، وبالأخرى ضريح يقال له مقام السبعة.

وبها ثلاث معامل للفراريج، وسويقة صغيرة فى وسطها.

ومساحة أطيانها ألفان ومئة فدان، ريها بواسطة ستة عشر تابوتا تأخذ من ترعة القاصد ومن ترعة سعدان، وبها من السواقى المعينة ثلاث، ارتفاعها عن الماء فى زمن احتراق النيل ثمانية أمتار.

وبينها وبين سكة الحديد الطوالى التى بين القاهرة والإسكندرية نحو مئة قصبة.

(دفنة)

مدينة قديمة كانت فى الشمال الشرقى للصالحية والقصاصين، على بعد ثمانية عشر كيلومتر، وفى جنوب مدينة الطينة على مسافة قليلة.

وهى التى وقع فيها لفرعون مصر سيزوستريس مع أخيه الواقعة التى ذكرها هيرودوت عن أخبار بعض الكهنة، وهى: أنه لما عاد ذلك الفرعون من بلاد الشام وأحضر معه كثيرا من أسرى البلاد التى فتحها ووصل إلى مدينة دفنة، عمل له أخوه الذى كان قائما مقامه فى مدة غيابه وليمة، وحضر فيها هو وأولاده-وكانوا ستة- والملكة زوجته، فأنزلهم فى منزله، وأضمر فى نفسه أن يحرقهم، وبعد أن استغرقوا فى النوم ليلا أحضر مواد الإحراق من الحطب وخلافه، وجعله محيطا بالمنزل، وأوقد

ص: 40

فيه النار، فلما أحس الملك بذلك وأولاده وزوجته، تداولوا فى الخلاص، فانحط رأيهم على أن يجعلوا ولدين من الأولاد فوق الجمر كالجسر يمرون عليهما وأطاع الأولاد لذلك، ووقع منهم اثنان على النار، ومروا على ظهورهما، ونجوا واحترق الولدان. ثم عاقب الملك أخاه عقابا شديدا. وبعد ذلك/استعمل الأسرى فى المبانى وحفر الترع وعمل الجسور، وكانت قبل ذلك أرض مصر مستوية سهلة لمرور الخيل والعربات، فصارت من وقعته مشحونة بالموانع من الجسور والخلجان، وكانت البلاد البعيدة عن النيل بعد هبوطه محرومة من الماء العذب ولا يشربون إلا ماء الآبار.

وقال ديودور: إن سيزوستريس حفر فى أرض مصر من منفيس إلى البحر الرومى عدة خلجان يجرى بها النيل لتسهيل التجارة بين البلاد وتحصينها من العدوّ، وجعل لكل من أهالى مصر قطعة من الأرض مربعة، وفرض عليهم خراجا سنويا، فإن أخذ النيل من أرض أحدهم شيئا نقص من الخراج بنسبته.

وما قاله هيرودوط نقله أيضا ديودور ببعض تغيير فقال: إن سيزوستريس لما حضر من غزو الشام أقام بقرب الطينة، فعمل له أخوه وليمة جمعه فيها مع أولاده وزوجته، وبعد استغراقهم فى النوم جعل حول الخيمة حطبا وأوقد فيه النار لإحراقهم، فاستيقظ الملك ومن معه، فطلب من الإله النجاة ونذر لذلك نذرا، فنجوا جميعا ووفى بنذره.

وزعم بعض شارحى كتاب هيرودوط أن سيزوستريس سابق على موسى عليه السلام، وأنكر ذلك كثير من العلماء، وحقق أن مجاوزة البحر ببنى إسرائيل سابقة على زمن سيزوستريس بمائة وخمس وسبعين سنة، وعلى مقتضى حساباتهم من أن بين مجاوزة البحر والمسيح ألفا وخمسمائة وإحدى وثلاثين سنة، يكون جلوس سيزوستريس على تخت مصر قبل المسيح بألف وثلثمائة وست وخمسين سنة.

(ا. هـ)

(دفينة)

قرية من مديرية البحيرة هى رأس قسم موضوعة على الشاطئ الغربى لفرع رشيد، وفى شمال فزارة بنحو ثلاثة آلاف متر وفى الجنوب الشرقى لمحلة الأمير بنحو خمسة آلاف متر. وبها جامع بمنارة، وأبنية صالحة وديوان القسم،

ص: 41

وحديقة متسعة بداخلها قصر كان لذات العصمة المرحومة والدة الخديوى إسماعيل، وأبعدية لها وأبنية لخدمتها، ووابور لمزروعاتها-فهى جفلك-ولها سوق كل اسبوع.

(دقدوس)

قرية من مديرية الدقهلية بقسم منية غمر، على الشاطئ الشرقى لفرع دمياط من بحر النيل الشرقى، وفى شمال منية غمر بنحو ألف وخمسمائة متر، وفى الجنوب الغربى لمنية محسن بنحو ألفى متر. وبها جامع بمنارة، وكنيسة للأقباط.

ووابور لحلج القطن وعصر بزر الكتان، ونخيل وأشجار. وأكثر أهلها مسلمون وتكسبهم من الزرع، ومن نسج الحصر من السمار والديس، ولها سويقة دائمة.

[ترجمة الأوسطى الشيخ أحمد الدقدوسى]

وفى الجبرتى أن منها الأسطى الشيخ أحمد الدقدوسى مهر فى صنعة تجليد الكتب وتذهيبها، وانفرد فى ذلك واشتهر، وربى جملة من الشبان فى تلك الصفة منهم:

[ترجمة الشيخ مصطفى بن جاد]

الشاب الصالح العفيف الموفق الشيخ مصطفى بن جاد، ولد بمصر ونشأ بالصحراء فى عمارة السلطان قايتباى، ورغب فى صناعة تجليد الكتب وتذهيبها، فعانى ذلك ومارسه حتى مهر وفاق أستاذه، وأدرك دقائق الصنعة والتذهيبات والنقوشات بالذهب المحلول والفضة والأصباغ الملوّنة والرسم والجداول وغير ذلك.

وانفرد بعد موت الصناع الكبار مثل الدقدوسى، وعثمان أفندى بن عبد الله، عتيق المرحوم الوالد، والشيخ محمد الشناوى.

وكان لطيف الذات، خفيف الروح، محبوب الطباع، مألوف الأوضاع، ودودا مشفقا، عفوفا صالحا، ملازما للأذكار والأوراد، مواظبا على استعمال اسم لطيف العدّة الكبرى فى كل ليلة على الدوام صيفا وشتاء، سفرا وحضرا. وأخذ على الشيخ

ص: 42

محمد الكردى طريق السادة الخلوتية، وتلقن عنه الذكر والاسم الأول، وواظب على ورد العصر أيام حياة الأستاذ.

ولم يزل مقبلا على شأنه قانعا بصناعته، وينسخ الكتب ويبعها ويربح فيها، إلى أن وافاه الحمام سابع شهر القعدة سنة ألف ومائتين واثنتين، وخلف أولادا ثلاثة ذكورا منهم ولده صالح كان عمدة مباشرى الأوقاف وجباة المحاسبة، نال المراتب الشريفة فى زمن العائلة المحمدية.

ومن أهالى هذه القرية على أفندى يوسف بيكباشى، دخل نفرا فى العسكرية فى زمن المرحوم عباس باشا، وفى زمن المرحوم سعيد باشا تعلم القوانين العسكرية وترقى إلى رتبة البيكباشى.

(دقهلة)

قرية قديمة من مديرية الدقهلية بمركز فارسكور، سميت المديرية باسمها. موضوعة فوق فرع النيل الشرقى، وفى شرقيها على نحو ثلثمائة قصبة تل قديم، وفيها مسجد صغير وأشجار قليلة، وفى تلها نخل قليل.

وقال ابن الكندى: كان يعمل فى دقهلة وفى كورها القرطاس الطومار الذى يحمل منه إلى أقاصى بلاد الكفر والإسلام. (ا. هـ).

وهى الآن من القرى الصغيرة، وتكسب أهلها من زرع الحبوب المعتادة وزرع القطن والأرز والسمسم.

[مطلب منافع السمسم]

وهو كما فى تذكرة داود

(1)

؛ نبت فوق ذراع، وقد يتفرع ويكون بذره فى ظرف كنصف الأصبع مربع إلى عرض ما ينفتح نصفين، والبذر فى أطرافه على سمت مستقيم، ويدرك بتوت وبابه، ويقلع حطبه كل سنة، ويزرع جديدا من بذره،

(1)

تذكرة أولى الألباب والجامع العجب العجاب، المعروف بتذكرة داود للشيخ داود الضرير، القاهرة، مكتبة محمد على صبيح، د. ت. ج 1، ص 182.

ص: 43

وأجوده الحديث البالغ الضارب إلى الصفرة، ومتى جاوز سنتين فسد، وهو حار رطب فى الأولى، يخصب البدن ويلينه ويفتح/السدود، ويصلح الصوت ويزيل الخشونة والسواد والاحتراق، ومتى سحق بمثله من كل من السكر والخشخاش، وعشرة من البنج الأبيض، ونصفه من اللوز، واستعمل من المجموع أوقية كل يوم، سمن البدن تسمينا لا يفعله غيره، ويصلح شحم الكلى، ويغذى جيدا، وهو يحلل الأورام، ويزيل الآثار السود والوشم الأخضر، ونهش الأفعى أكلا وضمادا، وإن غسل به البدن نعمه وأزال الدرن، وطوّل الشعر وسوّده، وكذا أوراقه، وماؤه يدر الحيض ويسقط الأجنة خصوصا مع الحمص الأسود، وهو ثقيل عسر الهضم، يرخى الأعضاء ويورث الصداع، ويصلحه العسل، وأن يقلى، وقدر ما يستعمل منه خمسة دراهم ويسمى بالحبشية الجلجلان. (ا. هـ).

[مطلب منافع الأرز]

وفى التذكرة أيضا

(1)

: الأرز، بضم الهمزة فالراء المهملة فالمعجمة، وفى اليونانية بواو بعد الهمزة ومثناة تحتية بعد المهملة، وباقى الألسنة بحذف الهمزة.

وهو عند الهند نبت معروف أشبه شئ بالشعير لا غنية له عن الماء حتى يحصد.

وأجوده الأبيض فالأصفر، وأردؤه الأسود، والنابت بالروم المرعشى أجود من المصرى، والهندى أرفع الجميع، وأردؤه ما بزرع حول دمشق ثم السويدية من ديارنا، ويدرك فى تشرين-أعنى بابه وأكتوبر-وقد يدرك بتوت، وكلما عتق فسد، وهو يابس فى الثانية إجماعا بارد فى الأولى، وقيل فى الثانية، وقيل حار فى الأولى، وقيل معتدل يعقل البطن ويلطف بلبن الماعز، ويذهب الزحير والمغص بالشحم والدهن، والعطش والغثيان باللبن الحامض والاسهال بالسماق، والهزال بالسكر والحليب، ويجود الأحلام والأخلاط والألوان.

والهند ترى أنه يطوّل العمر. والإكثار منه يصلح الأبدان، ولكنه يولد القولنج، ويعقل بإفراط خصوصا الأحمر، ومع الخل يوقع فى الأمراض الرديئة، ويصلحه نقعه فى ماء النخالة وأكله بالحلو، ويقوم مقامه الشعير مع اللبن الرائب وهو بدله

(1)

تذكرة داود، المرجع السابق، ج 1، ص 37.

ص: 44

وبالعكس، وماء غسالته يجلو الجواهر جيدا، ودقيقه بالشحم يفجر الدبيلات، وماء الترمس يجلو الآثار، وعصيدته تملأ الجراح وتبيض الشعر إذا حشى بها زمنا، وأما المطبوخ بقشره فيسقط الأجنة، وشربه يصدع وليس بقاتل، وإن بخرت به الأشجار لم ينثر زهرها (ا. هـ).

(دكرنس)

بلدة كبيرة من مديرية الدقهلية، وهى المركز الرابع من المديرية.

موضوعة على الجانب الغربى للبحر الصغير، بينها وبين المنصورة ستة آلاف وخمسمائة قصبة، أبنيتها كمعتاد الأرياف، وبها المجلس ومحكمة شرعية، وفيها ثلاثة مساجد جامعة، وزاويتان، ودكاكين وخمارات ومعمل دجاج، وأنوال لنسج الصوف وقليل من القطن.

ويقال إن فيها أضرحة جماعة ينسبون إلى السادات الوفائية، رضي الله عنهم، ولهم بها مولد كل سنة أربعة أيام عقب العيد الأكبر، وفى افتتاحه يبتدؤن بزيارة جدّهم الشيخ أبى سليمان، وضريحه فى الغيط وسط المزارع. وحول البلد أشجار قليلة وعندها جنينة فيها بعض الفواكه. ولها سوق كل يوم أربعاء يباع فيه أصناف الحبوب خصوصا الأرز الأبيض والأسماك الملحة وغيرها، وبها حلقة لبيع القطن وأنوال لنسج الحصر البردى، وتكسب أهلها من ذلك ومن التجارة، ولها موردة على البحر الصغير بها مراكب لشحن الأرز وغيره.

وزمامها نحو ثلاثة آلاف فدان، وتكتنفها عدة قرى مثل: القباب الصغرى، والفرارنة، والقليوبية فى شمالها، ومنية تمامة فى شرقيها، والبجلات فى غربيها، والدراسة فى قبليها وكذا منية الحلوج، وتجاهها غربى البحر الصغير منية رومى، وبقربها أيضا كفر أبى ناصر وبرنبال القديمة.

وطولها من الشمال إلى الجنوب ألف قصبة وأربعة وعشرون قصبة.

(دلتا)

بلدة قديمة كانت عند ملتقى فرعى النيل فى رأس الجزيرة التى بينهما، المسماة بالدلتا المشابهة شكلها لحرف الدلتا وهو حرف هجائى رومى، وكان شكلها على هيئة مثلث قاعدتها ساحل البحر الرومى من الطينة إلى هرقلم وأحد

ص: 45

ضلعيها فرع الطينة المسمى الفرع البيلوزى، والضلع الآخر الفرع الكانوبى، ومحيطها ثلاثة آلاف غلوة.

وكانت تلك الجزيرة تعرف بأسفل الأرض، وكذلك ما يقابلها من الجهتين- فكلمة أسفل الأرض عبارة عن الوجه البحرى من ابتداء جزيرة الدلتا إلى المالح، ومن الصحراء إلى الصحراء-قاله استرابون وفصل شارحوه المحيط المذكور، فقالوا:

من الطينة إلى كانوب ألف وثلثمائة غلوة، ومن الطينة إلى قرية دلتا سبعمائة وخمسون غلوة، ومن الدلتا إلى الإسكندرية ثمانمائة وأربعون غلوة، ومن كانوب إلى جزيرة فاروس مائة وخمسون غلوة-والغلوة هنا هى الاستادة. (ا. هـ).

(دلجة)

هذه القرية كانت تسمى فى كتب القبط بلفظة تجلى، وفى دفاتر التعداد اسمها دلجة، وهى بلدة كبيرة من قسم ملوى من مديرية أسيوط داخل حوض الدلجاوى قبلى اليوسفى قريبة من حاجر الجبل الغربى، بها جوامع ونخيل، ولها سوق جمعى.

ونقل أبو صلاح عن الشابسطى أنه كان فيها دير وكنيسة باسم مارى أنوفر، وكان للدير مائة فدان متفرقة فى عدة أخطاط يصرف محصولها فى مصالحه./ويقال إنها كانت عامرة، حتى أنه كان فيها أربع وعشرون كنيسة بعضها يضاهى كنيسة مارى سرجة التى كانت فى فسطاط مصر، وأن النصارى من أهلها كانوا اثنى عشر ألف نفر، وكانوا يقربون فى كل عام فى عيد مارى مخاييل اثنى عشر ألف شاة، ثم قل عددهم حتى صاروا سنة 569 من الهجرة الموافق 890 ميلادية أربعمائة نفس. وقال المقريزى: إنه كان فى خارجها بإزائها على نحو ساعتين دير كبير على جنب المنهى، وهو لأهل دلجة، وقد تخرب حتى لم يبق به سوى راهب أو راهبين، ودير مرقورا- ويقال له أبو مرقورا-كان تحت دلجة فى خارجها من شرقيها وليس به أحد.

وقال أيضا-فى باب الكنائس-: إن بناحية دلجة كنائس كثيرة لم يبق منها إلا ثلاث كنائس: كنيسة السيدة، وهى كبيرة، وكنيسة شنوده، وكنيسة مرقورا،

ص: 46

وقد تلاشت كلها، وكان يسكن بجوارها قبيلة من العرب من سلالة خالد بن يزيد (ا. هـ).

[مطلب ما وقع بين محمد على باشا]

[والمماليك بناحية دلجة]

وقد وقع بجوار هذه الناحية مقتلة عظيمة، بين عساكر العزيز محمد على باشا، والأمراء المماليك المصريين، وذلك فى غاية شهر رجب سنة خمس وعشرين ومائتين وألف، وكانت الغلبة للباشا على المماليك، وأخذ منهم أسرى، وحضر إليه جماعة من الأمراء الألفية بامان وهرب الباقون إلى أقاصى الصعيد.

وسبب ذلك أن إبراهيم بيك الكبير بعد الصلح الذى وقع بينه وبين الباشا قد حضر بجماعته فى يوم الثلاثاء حادى عشر ربيع الثانى سنة خمسة وعشرين، وحضر معه عرب هوّارة، فلم تطلق لحضورهم المدافع، فحصل فى نفس إبراهيم بيك شئ من ذلك، وقال:«يا سبحان الله ما هذا الاحتقار، ألم أكن أمير مصر نيفا وأربعين سنة، وقد تقلدت قائمقامية ولايتها ووزارتها مرارا، وأخيرا صار من أتباعى، وأعطيته خرجه من كلارى، ثم أحضر أنا وأتباعى وباقى الأمراء على صورة الصلح فلا يضرب لنا مدافع كما يفعل لحضور بعض الفرنج» . إلى آخر ما هو مبسوط فى الكلام على مدينة الجيزة من هذا الكتاب فانظره.

[مطلب علماء دلجة]

وناحية دلجة هذه، كثيرة السكان، جيدة المحصول وأهلها ذو كرم وشجاعة ومنهم العلماء والأفاضل قديما، ففى الضوء اللامع للسخاوى أنه:

ص: 47

[ترجمة محمد بن محمد المدعو بشفيع بن القطب]

[ابن الجمال البكرى الدلجى الشافعى

(1)

]

ولد بها محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن يوسف الشمس أبو عبد الله بن الشمس أبى عبد الله بن المحيوى، المدعو بشفيع بن القطب بن الجمال البكرى الدلجى الشافعى، فى سنة ثلاثة وأربعين وثمانمائة، ونشأ وحفظ القرآن والرحبية فى الفرائض وألفية النحو، ومختصر التبريزى، واشتغل عند صهره وأقام بمكة تسع سنين على طريقة حسنة من الاشتغال والكتابة والإقبال على شأنه وأخذ بها عن النورين ابن عطيف والفاكهى، والشمس المسيرى، وعبد الحق السنباطى ولازمهم فى الفقه والعربية والفرائض وغيرها.

وقرأ المنهاج بتمامه بحثا بالمدينة النبوية على الشهاب الأبشيطى، ثم رجع إلى بلده ملازما طريقته فى الخير والتواضع ولين الكلمة والرغبة فى المعروف. (ا. هـ) ولم يذكر تاريخ موته رحمه االله.

‌[ترجمة محمد بن محمد بن أحمد الشمس الدلجى الشافعى

(2)

]

وولد بها أيضا: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الشمس الدلجى الشافعى، نزيل مكة فى سنة ستين وثمانمائة.

قال السخاوى: نشأ بدلجة يتيما فحفظ القرآن ثم تحول مع عمه إلى القاهرة فقطن بالأزهر، وقرأ التنبيه، ثم سافر إلى الشام فأقام بها مدة، ودخل حلب فأقام بها أربع سنين، ثم دخل دمشق.

وأخذ عن الزين خطاب فى الفقه وغيره، وعن الشهاب الزرعى والتقى ابن قاضى عجلون، وأخذ المنطق وقرأ المطوّل على ملازاده، وأخذ المعانى والبيان على

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 9، ص 199.

(2)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 9، ص 200.

ص: 48

ملا حاجى، وأخذ العروض على المحب البصروى. ثم سافر إلى مكة واختصر المنهاج، ولما اشتد الغلاء بمكة توجه فى أثناء سنة تسع وتسعين وثمانمائة بحرا إما للشام أو لمصر، فنجح الله قصده.

‌[محمد بن محمد الناصرى الدلجى

(1)

]

وينسب إليها أيضا: محمد بن محمد الناصرى الدلجى الأصل، القاهرى الأشرفى إينال المهتار. نشأ فى خدمة أستاذه حين نيابته بغزة وغيرها، وعمل فى إمرته، ثم فى سلطنته مهتار الطشتخاناه، وصارت له حركة إلى أن مات فى أثناء أيامه فى رمضان، سقط من سلم الدهيشة فانكسر صلبه ومكث أياما ثم مات.

‌[ترجمة على الملقب فطيس

(2)

]

وخلفه ولده الأكبر على الملقب فطيس فى الطشتخاناه وتضاخم، ثم اشترك معه أخوه محمد وصارا فى نوبتين، ثم بعد زوال دولتهما انخلع المؤيد واستقر الظاهر خشقدم، وصودر علىّ من الدوادار الكبير جانبك نائب جدة وأخذ أماكنه التى أنشأها بباب الوزير ولم يتعرض لأخيه لسياسته بالنسبة لذاك بغير العزل، فلزم خدمة خوند زينب الخاصكية فى أوقافها وجهاتها، بل وقفت عليه رواقا من جملة بيت البلقينى الذى صار إليها فى حارة بهاء الدين حتى مات بعدها فى جمادى الثانية سنة اثنين وتسعين وثمانمائة: واستمر أخوه بقيد الحياة. ا. هـ.

[ترجمة الشيخ محمد المعروف بالدلجى الشافعى]

وفى خلاصة الأثر للمحبى، أنه ولد بها فى حدود سنة خمسين وألف، العالم

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 10، ص 40.

(2)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 10، ص 40.

ص: 49

العلامة والبحر الفهامة الشيخ محمد المعروف بالدلجى الشافعى، حفظ القرآن وجودّه، وقدم إلى مصر وجاور بالجامع الأزهر، وحفظ عده، متون فى جملة من الفنون منها ألفية ابن مالك، وكان يستحضر غالب شرحها للأشمونى/، ويحفظ أكثر عباراته عن ظهر قلب.

أخذ عن شيوخ كثيرين، منهم: الشمس البابلى، وسلطان المزاحى، والنور الشبراملسى، ولازم منصور الطوخى فزوجه ابنته، واختص به. وكان مع سلامة قريحته وحسن ذكائه، وصحة تصوّر فطنته ودهائه مبتلى بالأمراض والأسقام مسلما لقضاء الله، حتى توفى فى شهر رمضان المبارك من سنة خمس وتسعين وألف بمصر، ودفن بتربة المجاورين، رحمه الله تعالى.

ومن تأليفه حاشية على إيساغوجى فى المنطق.

وللطائفة الدلجية من القراء والفقهاء بمصر وظيفة مقرأة الإمام الليث بن سعد يتداولونها كالوراثة لا يكاد يدخل معهم فيها غيرهم من زمان مديد إلى الآن، وفى نظير ذلك قد استثناهم منشئ رواق الصعائدة بالأزهر الأمير عبد الرحمن كتخدا من الاستحقاق فى الرواق ومرتباته فليس لهم فيه حق.

(دماص)

بفتح الدال، وتخفيف الميم، وصاد مهملة، قريتان بمصر، دماص الشرقية، ودماص من ناحية حوف رمسيس. (ا. هـ من مشترك البلدان).

قلت: وبالبحث لم نجد إلا دماص الشرقية، وهى قرية من مديرية الدقهلية بقسم منية غمر شرقى ترعة أم سلمة، على بعد ستمائة متر، وفى شمال ناحية البوهة بنحو ثلاثة ألاف وسبعمائة متر، وفى الجنوب الغربى لناحية برهمتوش بنحو ثلاثة آلاف متر. وبها جامع بمنارة، وأشجار وقليل نخيل، وبها سواق معينة، وتكسب أهلها من الزراعة وغيرها.

ص: 50

[مطلب علماء دماص]

[ترجمة الشيخ عبد الله بن محمد بن معبد الدماصى]

وينسب إلى هذه القرية كما فى الضوء اللامع

(1)

، الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن معبد الخطيب، جمال الدين الدماصى ثم القاهرى الشافعى، يعرف فى بلده بابن معبد. ولد سنة خمس عشرة وثمانمائة بدماص، ونشأ بها فحفظ القرآن، وجلس مدة يؤدب الأطفال فانتفع به جماعة، ثم تحول لمنية سمنود فأقام بها سنين يؤدب الأطفال أيضا، ويقرأ على العز المناوى السمنودى فى العبادات، ثم تحول إلى نبتيت، ثم إلى القاهرة، فقطن بها دهرا، وأدب بها الأبناء أيضا مع التكسب بالنساخة، بحيث كتب بخطه الكثير، وأمّ وخطب ببعض الأماكن، وربما خطب بالجامع الأزهر، وحج وجاور، وقرأ علىّ أكثر البخارى، ولازمنى كل ذلك مع الصفاء والخير والوضاءة، تعلل قليلا ثم مات فى المحرم سنة إحدى وتسعين وثمانمائة.

ا. هـ.

[ترجمة فودة أفندى حسن]

ومنها أيضا: فودة أفندى حسن، بيكباشى دخل الجهادية البيادة من بلده نفرا فى زمن المرحوم عباس باشا، وفى مدة المرحوم سعيد باشا ترقى إلى رتبة الملازم، وفى زمن الخديوى إسماعيل ترقى إلى رتبة البيكباشى.

(دمامين)

قرية من مديرية قنا بقسم الأقصر، وأبى الحجاج فى غربى البحر الأعظم بنحو ربع ساعة، وفى جنوب ناحية دنفيق بنحو ثلث ساعة، وفى شمال ناحية العيايشة بنحو ربع ساعة. وبها جامع بمنارة، وزاوية وأبراج حمام، وبدائرها نخيل كثير. وإليها ينسب جماعة من العلماء، ففى الطالع السعيد أن منها:

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 5، ص 56.

ص: 51

[مطلب علماء دمامين]

[ترجمة الشيخ عتيق بن محمد الدّمامينى

(1)

]

الشيخ عتيق بن محمد بن سلطان

(2)

المخزومى الدمامينى، ينعت بالتاج، سمع الحديث واشتغل بالفقه بقوص، وحفظ التنبيه، واستوطن الإسكندرية، وانتهت إليه رياستها. وكان ذكيا وله مشاركة فى التاريخ والأدب، وبنى مدرسة بالثغر، ووقف أوقافا كثيرة، توفى فى آخر جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة.

‌[ترجمة عمر بن أبى الفتوح الدمامينى

(3)

]

ومنها: عمر بن أبى الفتوح الدمامينى، كان يقوم الليل إلا قليلا، يقطعه بالصلاة.

قيل: إن ناظر الجيش بنى قبرا ليدفن فيه، فقال الشيخ عمر: ما هذا له، ما يدفن فيه إلا أنا، ومات ودفن به فى ذى القعدة سنة أربع عشرة وسبعمائة، ومولده سنة سبع وأربعين وستمائة.

‌[ترجمة عمر بن محمد بن سليمان الدّمامينى

(4)

]

ومنها: عمر بن محمد بن سليمان، ينعت بالنجم الدمامينى، سمع الحديث وحدث بالإسكندرية، أخذ عن الفتح محمد بن الدشناوى، ويوسف بن أحمد بن محمد السكندرى الجدامى، وأحمد بن محمد بن الصراف.

(1)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 359.

(2)

هكذا فى الأصل وفى الطالع السعيد، ص 359 هامش 6 (سليمان).

(3)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 438.

(4)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 456.

ص: 52

وكان رئيسا، وله مكارم أخلاق؛ نزل عنده أبو الفتح المذكور، فأكرمه وحصل له منه مال كثير وملابس، فكتب على باب داره عند ارتحاله هذين البيتين:

نزلت بدار نجم فاق بدرا

أدام الله رفعته وجاهه

فأعذب موردى وأطاب نزلى

وأهدى لى رياسته وجاهه

توفى بالإسكندرية فى رمضان سنة سبع وسبعمائة عليه رحمة الله. ا. هـ.

[ترجمة بدر الدين بن محمد بن أبى بكر بن عمر الإسكندرى]

[المعروف بابن الدمامينى]

وإليها ينسب أيضا كما فى حسن المحاضرة

(1)

، ابن الدمامينى، بدر الدين محمد ابن أبى بكر بن عمر الإسكندرى، ولد بالاسكندرية سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وعانى الآداب، ففاق فى النحو والنظم والنثر، وشارك فى الفقه وغيره، ومهر واشتهر ذكره، وتصدر بالجامع الأزهر لإقراء النحو، وصنف حاشية على مغنى اللبيب، وشرح التسهيل، وشرح البخارى، وشرح الخزرجية.

مات بالهند سنة سبع وعشرين وثمانمائة. ا. هـ.

وفى الضوء اللامع للسخاوى

(2)

أن ابن الدمامينى هذا هو: محمد بن أبى بكر بن عمر بن أبى بكر بن محمد بن سليمان بن جعفر بن يحيى بن حسين بن محمد بن أحمد بن أبى بكر بن يوسف بن على بن صالح بن إبراهيم البدر القرشى المخزومى السكندرى المالكى، ويعرف بابن الدمامينى.

وهو حفيد أخى البهاء عبد الله بن أبى بكر شيخ شيوخنا، وأخيه محمد شيخ

(1)

حسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة، للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطى، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، القاهرة، دار احياء الكتب العربية،1967. ج 1، ص 538.

(2)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 7 ص 184 - 187.

ص: 53

الزين/العراقى، وسبط ناصر الدين بن المنير مؤلف المقتفى والانتصاف من الكشاف، والثلاثة من المائة الثامنة.

ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة بالإسكندرية، وسمع بها من البهاء بن الدمامينى-قريبه المشار إليه-وعبد الوهاب القروى فى آخرين، وكذا بالقاهرة من السراج بن الملقن وغيره، وبمكة من القاضى أبى الفضل الشوبرى، واشتغل ببلده على فضلاء وقته، فمهر فى العربية والأدب، وشارك فى الفقه وغيره، لسرعة إدراكه وقوة حافظته، ودرس بالإسكندرية فى عدة مدارس، وناب بها عن ابن التنسى فى الحكم، وقدم معه القاهرة وناب بها أيضا، بل تصدر بالأزهر لإقراء النحو، ودخل دمشق مع ابن عمه سنة ثمانمائة، وحج منها ثم رجع إلى بلده وأقام بها تاركا النيابة، بل ولى خطابة جامعها مع إقباله على الاشتغال وإدارة دولاب متسع للحياكة وغير ذلك، إلى أن وقف عليه مال كثير، بل واحترقت داره ففر من غرمائه إلى جهة الصعيد فتبعوه وأحضروه إلى القاهرة مهانا، فقام معه التقى بن حجة، وأعانه كاتب السر ناصر الدين ابن البارزى حتى صلح حاله.

وحضر مجلس المؤيد وعين لقضاء المالكية بمصر فرمى بقوادح غير بعيدة عن الصحة، واستمر مقيما إلى شوّال سنة تسع عشرة، فحج وسافر لبلاد اليمن فى أول التى تليها، فدرس بجامع زبيد نحو سنة، ولم يرج له بها أمر، فركب البحر إلى الهند فأقبل عليه أهلها كثيرا، وأخذوا عنه وعظموه وحصل دنيا عريضة، فلم يلبث أن مات.

وكان أحد المتكلمين فى فنون الأدب، أقر له الأدباء بالتقدم فيه وبإجادة القصائد والمقاطيع والنثر، معروفا بإتقان الوثائق مع حسن الخط والمودة. وصنف نزول الغيث انتقد فيه أماكن من شرح لامية العجم للصلاح الصفدى المسمى بالغيث الذى انسجم، وأذعن له أئمة عصره. وكذا عمل تحفة الغريب فى حاشية مغنى اللبيب، وهما حاشيتان يمنية وهندية. وقد أكثر من تعقبه فيها شيخنا الشمنى، وكان غير واحد من فضلاء تلامذته ينتصر للبدر، وشرح البخارى، وقد وقفت عليه فى مجلد وأجله فى الإعراب ونحوه، وشرح أيضا التسهيل والخزرجية، وله جواهر البحور فى العروض وشرحه، والفواكه البدرية من نظمه، ومقاطع الشرب، وعين الحياة مختصر

ص: 54

حياة الحيوان للدميرى، وغير ذلك. وهو أحد من قرظ سيرة المؤيد لابن ناهض. مات فى شعبان سنة سبع وعشرين وثمانمائة بكلبرها من الهند، ويقال إنه سم فى عنب، ولم يلبث من سمه بعده إلا اليسير، ذكره ابن فهد فى معجمه، وشيخنا-لكن فى السنة التى تليها من أنبائه. وذكره المقريزى فى عقوده، وأنه ممن لازم ابن خلدون، وكان يقول لى إنه ابن خالته، وأشار إلى أن ما رمى به من القوادح غير بعيد عن الصحة، وارّح وفاته فى شعبان سنة سبع وعشرين.

قلت: وممن أخذ عنه الزين عبادة، ورافقه إلى اليمن حتى أخذ عنه حاشية المغنى وفارقه لما توجه إلى الهند. ونظمه منتشر، ومنه وقد لزمه دين لشخص يعرف بالحافظى، فقال للمؤيد، وذلك فى أيام عصيان نوروز الحافظى نائب الشام:

يا ملك العصر ومن جوده

فرض على الصامت واللافظ

أشكو إليك الحافظ المعتدى

بكل لفظ فى الدجى غائظ

وما عسى أشكو وأنت الذى

صح لك البغى من الحافظى

ومنه:

رمانى زمانى بما ساءنى

فجاءت نحوس وغابت سعود

وأصبحت بين الورى بالمشيب

عليلا فليت الشباب يعود

ومنه:

قلت له والدجى مولّ

ونحن بالأنس فى التلاقى

قد عطس الصبح يا حبيبى

فلا تشمته بالفراق

وقوله:

يا عذولى فى مغن مطرب

حرّك الأوتار لما سفرا

كم يهز العطف طربا

عند ما تسمع منه وترا

ص: 55

وقوله فى البرهان المحلى التاجر:

يا سريا معروفة ليس يحصى

ورئيسا زكا بفرع وأصل

مذعلا فى الورى محلك عزا

قلت هذا هو العزيز المحلى

وقوله فى الشهاب الفارقى:

قل للذى أضحى يعظم حاتما

ويقول ليس لجوده من لاحق

إن قسته بسماح أهل زمامنا

أخطأ قياسك مع وجود الفارق

وله مع شيخنا مطارحات كثيرة، أودعت منها فى الجواهر جملة، بل أورد البدر بعضها فيما كتبه على البخارى متبجحا به. (ا. هـ ملخصا).

[ترجمة محمد بن محمد بن أبى بكر الدمامينى]

وإليها ينسب أيضا كما فى الضوء اللامع للسخاوى

(1)

: محمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر بن المعين بن التاج الدمامينى ثم الإسكندرى المالكى، كان أبوه ناظر بالإسكندرية، ونشأ هو، فعانى الكتابة وباشر فى أعمالها، ثم سكن القاهرة. وكان حادّ الذهن فباشر عند الجمال محمود الأستادار، واشتغل بالعلم فى أثناء ذلك، فبرع فى الفقه وأصوله والعربية، وغلب عليه الحساب، واشتهر وأثرى وعرف بالمكارم والسماح، وبذل الكثير حتى ولى حسبة القاهرة فى رمضان سنة سبع وتسعين وسبعمائة ثم صرف عنها، وولى وكالة بيت المال، ونظر الكسوة ثم أضيفت الحسبة/إليه، وقد سعى بعد موت الكلستانى فى كتابة السر بقنطار ذهب-وهو عشرة آلاف دينار-فلم يسعفه برقوق بذلك، وكذا سعى فى القضاء وعين له، فقام عليه المالكية حتى انتقض، ثم ولى نظر الجيش، وكذا ولى نظر الخاص، ثم ولى قضاء الإسكندرية وبقى بها حتى مات فى السابع والعشرين من المحرم سنة ثلاث وثمانمائة. وكان صاحب حدة وكرم عارفا بالعلوم الديوانية، رحمه الله. ا. هـ.

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 9، ص 63.

ص: 56

(دمرو)

بضم الدال وسكون الميم وضم الراء وواو. قريتان بمصر: دمرو الغربية، ودمرو الكنائس، وإلى إحداهما-والله أعلم-ينسب أبو الحسن على بن يوسف اللخمى الدمراوى، لقيه أبو طاهر السلفى، وروى عن ابن الحسن على بن عبد الرحمن الصقلى العروضى، كذا فى مشترك البلدان.

فأما دمرو الكنائس وتعرف بدمرو سلمان، فهى قرية من مديرية الغربية بقسم دسوق، فى شمال ترعة القصابة على نحو مائة متر، وفى الجنوب الغربى لكنيسة السردوسى بنحو ألف متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية شباس الملح بنحو أربعة آلاف متر.

وبها جامع وأبنيتها ريفية.

وأما دمرو الغربية، فتعرف بدمرو طنباده من مديرية الغربية، بقسم المحلة الكبرى على الشط البحرى لبحر الملاح، وفى غربى ناحية بشبيش بنحو ستة آلاف متر، وفى جنوب ناحية العلمية بنحو أربعة آلاف متر.

وبها جامع بمنارة، يعرف بجامع الدمراوى بداخله ضريحه، يعمل له مولد كل سنة بعد نزول النقطة بثلاثة أيام، وبها وابوران على بحر الملاح للدائرة السنية، وأشجار على شط البحر.

(دمشيت)

قرية من مديرية الغربية بقسم محلة منوف فى شمال طنتدا على بعد عشرة آلاف متر، وفى الشمال الغربى لناحية شبشير بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر، وبحرى ناحية نواج كذلك.

وبها جامع وضريح شيخ بقبة، وجملة سواق معينة عذبة الماء، وجنينة لعمدتها، وأبنيتها وزراعتها كالمعتاد.

(دمنهور)

فى كتاب تقويم البلدان لأبى الفداء أنها، بفتح الدال المهملة، وفتح الميم، وسكون النون ثم هاء مضمومة وواو وراء مهملة.

ص: 57

وهى فى الشرق والجنوب عن الإسكندرية، وهى قاعدة البحيرة، ولها خليج من خليج الإسكندرية، وهى على مرحلة من الإسكندرية، وهذه تعرف بدمنهور الوحش، وإليها تنسب الثياب الدمنهورية.

ودمنهور أيضا: قرية أخرى بين الفسطاط وإسكندرية، تعرف بدمنهور وحشى.

ودمنهور أيضا: قرية ثالثة من نواحى القاهرة، وتعرف بدمنهور شبرى، ودمنهور الشهيد. ا. هـ.

وفى دفاتر التعداد مثل ذلك، إلا أن المذكور فيها دمنهور الوحش فى كل منهما، ولكن قول أبى الفداء هو الأقرب للصواب لأجل المغايرة بينهما. وبالبحث قد عثرنا على قرية رابعة تسمى بهذا الاسم، وهى فى مديرية أسيوط، بين بنى شقير ومنفلوط.

ذات نخيل ومساجد.

ثم إن دمنهور الوحش هى دمنهور البحيرة، وإنما أضيف اسمها إلى الوحش لأن بقربها محلا كان يسمى بذلك، وكانت أيضا فى السابق تسمى يتم انهور كما فى بعض كتب التواريخ.

وكانت فى القرن السابع عامرة جيدة الأبنية، وكانت تنقل منها الأقمشة الدمنهورية إلى الجهات، وهى واقعة على خليج إسكندرية، وبينها وبين الإسكندرية نحو مرحلة.

وكانت فى القرن السابع من الهجرة عامرة جيدة الأبنية فتهدمت بزلزلة سنة 702 من الهجرة، على ما ذكره المقريزى فى كتاب السلوك، وذكر فى الخطط فى باب كنائس النصارى: أنه فى سنة 721 فى يوم الأحد ثالث يوم الجمعة الذى حصل فيه هدم كنائس القاهرة ومصر، ورد الخبر من الأمير بدر الدين يلبك المحسنى والى الإسكندرية أنه، لما كان يوم الجمعة تاسع ربيع الآخر بعد صلاة الجمعة حصل للناس انزعاج وخرجوا من الجامع، ووقع الصياح:«هدمت الكنائس» ؛ فركب

ص: 58

المملوك من فوره فوجد الكنائس قد صارت كوما وعدتها أربع كنائس، وأن بطاقة وقعت من والى البحيرة بأن كنيستين فى مدينة دمنهور قد هدمتا والناس فى صلاة الجمعة من هذا اليوم.

وقد جدد السلطان برقوق أسوار دمنهور فى سنة 792 هجرية، وكان فيها وجاق من الينكشارية، على ما ذكره السياح برون.

وذكر شيرول الفرنساوى فيما كتبه على مصر أن: خليج الإسكندرية يمر بحرى مدينة دمنهور على بعد ألف ومائتى متر أو ألف وخمسمائة متر، وماء النيل يصل إليها من خليج مخصوص ينتهى إلى خليج الإسكندرية فوق قرية فلاقا.

وقال العالم سنونى فى سياحته فى مصر: إن دمنهور مدينة كبيرة، إلا أنها غير جيدة البنيان، فإن أكثرها من الطوب النئ، وهى محل البك-أى حاكم البحيرة- والكاشف، وهى مركز تجارة القطن المتحصلة من البلاد المجاورة.

وقال الأب سيكادو بويل: إن هذه المدينة هى التى كانت تسمى قديما هرموبوليسبروا، خلافا لمن زعم أنها محل منيلاوس العتيقة، ولمن زعم أن هرموبوليس محلها الآن الرحمانية.

قال كترمير: الحق القول الأول، لأنه المعوّل عليه عند الأقباط وهم أعلم ببلدهم.

ولا يعارض هذا القول استرابون أن مدينة هرموبوليس كانت على شاطئ النيل مع أنها الآن على/بعد منه، ومن خليج الإسكندرية، لأن الخليج الذى كان يوصل ماء النيل إلى الإسكندرية كان منفصلا عن النيل بقرب مدينة شابور.

وكان لدمنهور خليج مخصوص ينتهى إلى خليج الإسكندرية، ويغلب الظن أن هذا الخليج كان موجودا زمن الرومانيين، وأما جزء خليج الإسكندرية الموصل إلى الرحمانية فهو حادث بعد استرابون. ومعنى كلمتى يتم انهور وهرموبوليس واحد وهو مدينة هوروس، والكلمة الثالثة الرومانية ترجمة للأولى القبطية، وأما مدينة منيلاوس التى تكلم عليها استرابون فكانت على يمين خليج كانوب وقاعدة لخط منيلايت-وهى كلمة قبطية أيضا لا يونانية-فإن منيلايت اليونانى لم يبن بمصر قط. وفى بعض كتب القبط سميت هذه المدينة بموعد الأشياء، وأن الأروام حرفوها كما حرفوا أسماء

ص: 59

كثيرة من المقدسين وغير ذلك بأسماء من عندهم لتنسب إلى بلادهم، من ذلك قولهم أن مدينة كانوب اسمها مشتق من اسم ريس سفينة منيلاوس، وأن مدينة سايس- وهى صا الحجر-بناها الأثينيون، وليس الأمر كذلك.

والمعروف الذى لا ينكره أحد من المؤرخين أن سكروب الذى أسس مدينة أثينه أصله من مدينة صا الحجر كما برهن على ذلك العالم شميت، من أهالى برن، فى رسالة ألفها بخصوص المهاجرين إلى مصر وتوطنوا أثينه. ا. هـ.

ثم إن دمنهور البحيرة الآن مدينة كبيرة، وهى مركز مديرية البحيرة، وكانت فى الزمن الأول ثمان بلاد: شبرى، والدمنهورية، وقرطسة-بلد الحبشى-، ونقرهة، وسكتيده، وهذه الخمسة هى الموجودة الآن، وأما الثلاثة الآخر فمنها:

بلدة كانت تسمى طموس، ومحلها الآن محل أبى الريش، بينه وبين دمنهور نحو خمسمائة متر، ومنها: بلدة كانت تسمى الأتلة، وبلدة كانت تسمى قراقص وقد عدمتا. فأما شبرى دمنهور: فهى فى غربى السكة الحديد على شمال الذاهب إلى الإسكندرية، وأما: فرطسه فهى فى شرقى السكة فى مقابلة شبرى، ونقرهة، عند السوق على الشاطئ الغربى لترعة الخطاطبة، وكذا سكتيده، وقد صارت كلها مدينة واحدة. وأغلب أبنيتها بالآجر وعلى دورين، وفيها ما هو على ثلاثة أدوار أو دور واحد، وفيها قصور تشبه قصور الإسكندرية، وبها ديوان المديرية بجميع لوازمه.

وبها محكمة ولاية مأذونة بالمبايعات والاسقاطات والأيلولات والرهونات ونحو ذلك، بخلاف غيرها من محاكم مديريتها، وهى خمس محاكم ليست مأذونة بهذه الأقلام الأربعة وهى: محكمة بالنجيلة، ومحكمة بناحية أبى حمص، ومحكمة بناحية العطف، ومحكمة الدلنجات، ومحكمة شبرا خيت.

وفيها شارع يمر من قنطرة السكة الحديد إلى وسطها، تحفه حوانيت وخانات وقهاو، ويتوصل منه إلى سوق القطن فوق ترعة الخطاطبة، ولها غير السوق الدائم، سوق كل يوم أحد، يباع فيه أنواع البهائم وخلافها، وفيها أربع معاصر للزيت، وأربعة دكاكين صاغة بقرب جامع الزواوى، وثلاثة دكاكين قبانية.

وبها عدة مساجد جامعة، أكثرها بمنارات غير الزوايا، فمنها: جامع سيدى محمد الأفلاقى، فى حارة باب النصر، وهو جامع قديم، قد جرى ترميمه من زمن

ص: 60

قريب. وجامع سيدى محمد الجزيرى، على قنطرة السكة الحديد، وهو جامع قديم بلا منارة، وقد جدد من أوقافه. وجامع سيدى أحمد الجيشى-بالجيم-فى حارة الحوفى. وجامع الأفندى، فى جهة السوق بناه الشيخ على العادلى، وجامع سيدى مجاهد، جهة السوق. وجامع سيدى زارع بجوار الورشة. وجامع الخراشى بالحارة الشرقية، وهى حارة الخراشى-بالخاء المعجمة. وجامع النمر، بحارة محمد مصلى. وجامع السوسى، فى الجهة الشرقية القبلية. وجامع أبى عبد الله المغربى، بجهة نقرهه. وجامع الشربجى بجهة فرطسه. وجامع ابن مسعود، بقرب جامع السوسى. وجامع الزواوى، بجهة الصاغة. وجامع الحبشى-بالحاء المهملة- عند ساحة الغلة.

وفيها أضرحة كثيرة، لبعض الأولياء ويعمل لبعضهم موالد كل سنة. فيعمل لسيدى عطية أبى الريش مولد كبير بعد مولد سيدى إبراهيم الدسوقى، يحضره خلق كثيرون، وتباع فيه سلع كثيرة؛ وليلة لسيدى محمد الزرقا، وليلتان للخراشى، وليلة لسيدى أحمد الحبشى، وكذا لسيدى خضر الأنصارى والبشابشة، وسيدى محمد الخطيب، وسيدى محمد أبى طقية، والشيخ الكنانى.

وفيها تجار بكثرة من الأهالى والأجانب-كالأروام والأفرنج-ولهم فيها منازل وخانات، ولهم فيها ثلاث وابورات للطحين، ووابور لحلج القطن، وبها كنيسة للأفرنج على قنطرة السكة، وكنيسة للقبط فى فرطسه.

وبها حمامان، أحدهما للزواوى-أحد علمائها-والثانى للحبشى. وكان فيها ورشة ينسج بها مقاطع القطن والكتان فى زمن المرحوم محمد على باشا، وتقيم الآن فيها عساكر المديرية.

وأما ديوان المديرية فقد جدد فى زمن الخديوى إسماعيل باشا ببناء متين، وبجواره محل الضبطية. وفى المدينة حكيمباشى المديرية، وحكيمة للنساء، واستبالية للمرضى فى شرقى الورشة، وفى بحرى المدينة جنينة نحو عشرين فدانا. وروى أطيانها من ترعة الخطاطبة، وفى قبلى ترعة الخطاطبة/أشجار نحو أربعة أفدنة، وعند سيدى خضر ساقية معينة عذبة الماء، تسقى منها الحيوانات.

ص: 61

ومن أهالى هذه المدينة عوض الحوفى، كان حاكم خط دمنهور والآن لزم بيته.

ومنها، بسيونى سنارة وكيل مجلس المديرية.

ومقبرتها فى الجهة القبلية، وفيها ضريح شيخ يسمى أبا العباس الشاطر عليه قبة. وبين نقرهه وفرطسه فى جهة السوسى، محل يعرف بالكفر يسكنه النساء المومسات، اللاتى يقال لهن الغوازى.

وبالمدينة محطة السكة الحديد والتلغراف على الخط الطوالى للوابورات الصادرة والواردة. وبينها وبين المحمودية مسافة ساعة، وفى ترعة الخطاطبة قوارب لتعدية الناس والبضائع.

‌[مطلب فى حوادث سنة 1213

(1)

]

ثم إن فى حوادث سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف-من الجبرتى-أن طائفة من عرب البحيرة-يقال لهم عرب الغز-ضربوا دمنهور وقتلوا عدة من الفرنسيس، وانتشروا فى نواحى تلك البلاد، حتى وصلوا إلى الرحمانية ورشيد، وهم يقتلون من وجدوه من الفرنسيس وغيرهم، وينهبون البلاد والزروعات.

قال الدوك دوراجوس الفرنساوى-وكان من ضباطهم-: إن العساكر الفرنساوية بعد ان استولوا على الإسكندرية، خرجوا منها فى شهر إبريل الأفرنجى سنة ألف وسبعمائة وثمانية وتسعين ميلادية، وانقسموا فرقتين، إحداهما وهى فرقة كليبر، أخذت طريق رشيد، لتحافظ على المراكب الداخلة فى النيل، والثانية أخذت طريق القاهرة ومرت بدمنهور، فلم تجد فيها ما يقوم بلوازم العسكر، فارتحلت عنها، وفى أثناء سيرهم كانت العرب تتبع آثارهم وتناوشهم، وكل من تطرف أو تأخر يقتله العرب أو يأسرونه ويطلبون فديته.

ثم فى أول شهور سنة ألف وسبعمائة وتسع وتسعين، ظهر بمديرية البحيرة رجل من العرب يدعى أنه المهدى ومعه ألوف من العرب، وكان يحرض الأهالى على القيام

(1)

تاريخ الجبرتى، المرجع السابق. ج 3، ص 2 - 70.

ص: 62

على الإفرنج، ويقول:«إن الله بعثنى لخلاص المسلمين وهلاك الكفار» ، فلاذ به عالم كثير من كل ناحية، وكثر جيشه جدا، فهجم بهم على مدينة دمنهور، وأحرق ستين عسكريا من الفرنساوية، كانوا قد تركوا بها للحكم فيها، ولما وصل خبر ذلك إلى الإسكندرية قام البيكباشى ديرون بأورطة من عساكرهم، فلم تمكنه العرب من الوصول إلى دمنهور وقاتلوه وهزموه بعد أن مات من عسكره خلق كثير، فحضر من الإفرنج جيش آخر، واقتتلوا مع العرب قتالا شديدا، كان عاقبته نصرة العرب وانهزمت الإفرنج إلى الرحمانية، وتبعتهم العرب بالقتل، فرجع من الإفرنج فرقة كبيرة تحاربت مع العرب فهزمتهم، ومات رئيسهم-الزاعم أنه المهدى-فى هذه الوقعة واضمحل أمرهم. ا. هـ.

[مطلب محاربة دبوس أوغلى للألفى]

وفى حوادث سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف

(1)

-من الجبرتى أيضا-أن الأمير محمد بيك الألفى توجه من بر الجيزة إلى ناحية دمنهور البحيرة، فامتنع عليه أهلها وكانوا مستعدين لذلك، لأنهم حصنوها وبنوا سورها وجعلوا لها أبراجا وبدنات، وركبوا عليها المدافع الكثيرة، وكانت البلد مضافة إلى السيد عمر مكرم نقيب الأشراف بالقاهرة، وكان يقويهم سرا ويرسل إليهم الذخيرة ويمدهم بآلات الحرب ويحرضهم على ذلك، فحاربوا الألفى وحاربهم. فلم ينل منهم غرضا، وظهر له تلاعب السيد عمر معه بعد ما كان يراسله ويعده بإعادة الأمر إليه كما كان فيصدقه ويساعده بإرسال المال ليصرفه فى مصالح المقاتلين والمحاربين. وفى ذاك الوقت كان محمد على باشا متوليا حكومة مصر، وجاءه الفرمان السلطانى، وكان شارعا فى طرد المماليك وأشقياء العرب وإزالة الفساد من جميع البلاد، فقلد خزنداره دبوس أوغلى الخزندارية، وجهز له طائفة من العسكر وأنزله ليحارب الألفى، فعدى بالعسكر إلى بر إنبابه، وكان الألفى عاثيا بعربه وعسكره فى جميع البلاد.

وفى شهر ربيع الثانى وردت له سعاة من الإسكندرية وأخبروه بورود مراكب مشحونة بالعساكر من النظام الجديد وصحبتهم ططريان وجماعة من الإنكليز،

(1)

تاريخ الجبرتى، المرجع السابق، ج 4، ص 2 - 46.

ص: 63

ومعهم مكاتبة بالرضا من الدولة العلية عن الأمراء المصريين بشفاعة الإنكليز، فسر بقدومهم، وكان إذ ذاك بناحية حوش عيسى من بلاد البحيرة، فعمل لذلك شنكا، ثم أرسل السعاة إلى الأمراء القبليين، وكتب عدة مكاتبات للعلماء بمصر ولمشايخ عرب الحويطات والعابد والجزيرة، فأحضر ابن شديد وابن شعير الأوراق التى أتتهم من الألفى إلى الباشا محمد على، فشكر صنيعهم وأخذ فى زيادة الاستعداد، وبينما هو كذلك إذ ورد خبر بحضور موسى باشا واليا على مصر وأن محمد على يكون واليا على سلانيك.

وفى الثالث والعشرين من الشهر، حضرت المكاتبات للعلماء والمشايخ من طرف قبودان باشا مضمونها: العفو عن الأمراء، وخروج العسكر التى أفسدت الإقليم، وأن الأمراء شرطوا على أنفسهم خدمة الدولة والحرمين الشريفين، ودفع الخزينة وتأمين البلاد، وأن المشايخ والعلماء يتكفلون بهم ويضمنون عهدهم. فحضر عند المشايخ ديوان أفندى من طرف الباشا ومعه صورة عرض يكتب عن لسان المشايخ ويرسل إلى الدولة فبعد/المحادثة بينهم اتفقوا على كتابته، وهذا هو:

[صورة عرضحال عن لسان المشايخ إلى الدولة العلية]

بسم الله الرحمن الرحيم الرءوف الحكيم

الحمد لله ذى الجلال على جميع الشئون والأحوال، نرفع إليك أكفا من بحر جودك، مغترفة، ونتوجه إلى كعبة فضلك، بقلوب بخالص الوحدانية، معترفة أن تديم بهجة الزمان، ورونق عنوان اليمن والأمان بدوام وزير تخضع لمهابته الرقاب، وتعنو لهمة سطوته المهمات الصعاب، منتهى آمال المقاصد والوسائل، ومحط رحال الطالب من كل سائل، حضرة صدر الصدور ومدبر مهمات الأمور الصدر الأعظم محمد على باشا، أدام الله دعائم العز بقيامه، وفسح للأنام فى أيامه، محفوفا بعناية الرب الكريم، محفوظا بآيات القرآن العظيم.

ص: 64

أما بعد رفع القصد والرجاء، ومد أيدى الخضوع والالتجاء، فإنا ننهى لمسامعكم العلية، وشيم أخلاقكم المرضية، بأنه قد قدم حضرة الدستور المكرم والمشير المفخم مدبر مهمات الإسكالات البحرية، خادم الدولة العلية الوزير قبطان باشا إلى ثغر الإسكندرية، فأرسل كتخدا البوّابين سعيد أغا وصحبته الأمر الشريف الواجب القبول والتشريف، المعنون بالرسم الهميونى العالى، دامت مسراته على ممر الدهور والأعوام والأيام والليالى، فأوضح مكنونه، وأفصح مضمونه، بأنه قد تطاولت العداوة بين الوزير محمد على باشا وبين الأمراء المصريين، فتعطلت مهمات الحرمين الشريفين من غلال ومرتبات، وتنظيم أمير الحاج على حكم سوابق العادات، والحال أنه ينبغى تقديم ذلك على سائر المطلوبات، وأن هذا التأخير سببه كثرة العساكر والعلوفات، وترتب على ذلك لكامل الرعية بالأقاليم المصرية الدمار والاضمحلال، وأنهت الأمراء المصريون هذه الكيفية لحضرة السدة السنية، وأنهم يتعهدون بالتزام جميع مرتبات الحرمين الشريفين، من غلال وعوائد ومهمات، وإخراج أمير الحاج على حكم أسلوب المتقدمين مع الامتثال الكامل ما يراه من الأوامر الشريفة إلى ولاة الأمور بالديار المصرية، وأنهم يقومون فى كل سنة بدفع الأموال الميرية إلى خزينة الدولة العلية إن حصل لهم العفو عن جرائمهم الماضية والرضا بدخولهم مصر المحمية، والتمسوا من حضرة الدولة العلية قبول ذلك منهم، وبلوغهم مأمولهم، فأصدرتم لهم الأمر الهمايونى الشريف المطاع المنيف، بعزل الوزير المشار إليه، لتقرر العداوة معه ووجهتم له ولاية سلانيك، ووجهتم ولاية مصر للوزير موسى باشا الحكيم، وقبلتم توبتهم.

وإن العلماء والوجاقلية والرؤساء والوجهاء بالديار المصرية، الداعين لحضرة مولانا الخنكار ببلوغ المأمولات المرضية، يتعهدون ويتكفلون بالأمراء المصرية باستقامتهم وأدائهم جميع ما طلب منهم، فأمركم مطاع وواجب القبول والاتباع، غير أننا نلتمس من شيم الأخلاق المرضية والمراحم العلية العفو عن تعهدنا، وكفالتنا لهم، فإن شرط الكفيل قدرته على المكفول ونحن لا قدرة لنا على ذلك لما تقدم منهم من الأفعال الشنيعة والأصول الكثيرة الفظيعة التى منها: خيانة المرحوم السيد على باشا والى مصر سابقا بعد واقعة مير ميران طاهر باشا، وقتل الحجاج القادمين من البلاد الرومية. وسلب الأموال بغير أوجه شرعية، والصغير لا يسمع كلام الكبير، والكبير لا

ص: 65

يستطيع أن ينفذ الأمر على الصغير وغير ذلك مما هو معلومنا وبمشاهدتنا خصوصا ما وقع فى العام الماضى من إقدامهم على مصر المحمية وهجومهم عليها فى وقت الفجرية فجلاهم عنها حضرة المشار إليه، وقتل منهم جملة كثيرة وكانت واقعة شهيرة، فهذا شيئا لا ينكر. فحينئذ لا يمكننا التكفل والتعهد لأننا لا نطلع على ما فى السرائر، وما هو مستكن فى الضمائر.

فنرجو عدم تكليفنا بالأمور التى لا قدرة لنا عليها لأنا لا نقدر على دفع المفسدين والعصاة المتمردين الذين أهلكوا الرعايا ودمروهم، فأنتم خلفاء الله على خليقته وأمناؤه على بريته، ونحن ممتثلون لولاة أموركم فى جميع ما هو موافق للشريعة المحمدية على حكم الأمر من رب البرية فى قوله تعالى:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»

(1)

. فلا تسعنا المخالفة فيما يرضى الله ورسوله. فإن حصل منهم خلاف ذلك نكل أمرهم إلى مالك الممالك لأن أهل مصر قوم ضعاف، وقال عليه الصلاة والسلام:«أهل مصر الجند الضعيف فما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته» . وقال أيضا: «كل راع مسئول عن رعيته يوم القيامة» .

ونفيد أيضا حضرة المسامع العلية من خصوص الفرض والسلف التى حصل منها التعب للأهالى من حضرة محسوبكم الوزير محمد على باشا فإنه اضطر إليها لأجل إغراء العساكر وتقويتهم على دفع الأشقياء والمفسدين والطغاة المتمردين امتثالا لأمر الدولة العلية فى دفعهم والخروج من حقهم واجتهد فى ذلك غاية الاجتهاد رغبة فى حصول ما يرضى الدولة العلية، والأمر مفوض إليكم، والملك أمانة الله تحت أيديكم.

نسأل الله الكريم المنان أن يديم العز والامتنان لسدّة السلطان مع رفعة تترشح بها فى النفوس عظمته وسطوة تسرى بها فى القلوب مهابته، وأن يبقى دولته على الأنام وأن يحسن البدء والختام بجاه سيدنا محمد خير البرية صلى الله عليه وسلم وعل آله وصحبه ذوى المناقب الوفية. ا. هـ.

(1)

سورة النساء، آية 59.

ص: 66

وكتبوا من ذلك نسختين، إحداهما إلى القبطان والأخرى إلى السلطان، وكتبوا إليهما الإمضاء والختوم وأرسلوهما.

وفى ليلة الاثنين السابع والعشرين من الشهر، وصل شاكر أغا سلحدار الوزير إلى بولاق، فتلقوه وأركبوه إلى بيت الباشا، فلما أصبح النهار أرسلوا أوراقا للمشاريخ، وأوراقا إلى الشيخ السادات، وأوراقا إلى السيد عمر النقيب، وكلها من قبودان باشا، على نسق واحد بالعربى، وعليها الختم الكبير، ومعه فرمان رابع باللغة التركية خطابا للجميع، ومضمون الكل الأخبار بعزل محمد على باشا عن ولاية مصر وولايته سلانيك، وولاية السيد موسى باشا المنفصل عنها على مصر، وأن يكون الجميع تحت الطاعة والامتثال للأوامر، مع الاجتهاد فى المعاونة على تشهيل محمد على باشا فيما يحتاج إليه من السفن ولوازم السفر، ليتوجه هو وحسن باشا والى دجرجا من طريق دمياط بالإعزاز والإكرام وصحبتهما جميع العساكر من غير تأخير حسب الأوامر السلطانية.

ثم إنهم اجتمعوا فى عصر ذلك اليوم بمنزل السيد عمر، وركبوا إلى الباشا، فلما استقروا بالمجلس، قال لهم: وصلت إليكم المراسلات الواردة صحبة السلحدار، قالوا: نعم، قال: وما رأيكم فى ذلك؟. فقال الشيخ الشرقاوى: ليس لنا رأى، والجميع على رأيك. فقال لهم: فى غد أبعث إليكم صورة تكتبونها فى رد الجواب.

فأرسل لهم من الغد صورة مضمونها: أن الأوامر الشريفة وصلت إلينا، وتلقيناها بالطاعة والامتثال، إلا أن أهل مصر ورعيتها قوم ضعاف، وربما عصت العساكر عن الخروج فيحصل لأهل البلد الضرر وخراب الدور وهتك الحرمات، وأنتم أهل الشفقة والرحمة، وغير ذلك من الكلام اللين المتضمن للاعتذار، فكتبوها وأرسلوها.

وفى أثناء ذلك أخذ محمد على باشا فى الاهتمام والتشهيل وإظهار الحركة والخروج لمحاربة الألفى، وبرزت العساكر إلى ناحية بولاق وعدوا بالخيام إلى البر الغربى، وحصل التنبيه على مشايخ الحارات أن يكتبوا أسماء كل من كان متصفا بالجندية ومحل سكنهم ففعلوا، وكذلك أمر الوجاقلية جليلهم وحقيرهم بالخروج للحرب، وشرع فى تقرير فرضة على البلاد البحرية إلى آخر مجرى النيل، وجعلها

ص: 67

ثلاث درجات، أعلاها على كل بلد ثلاثون أردبا من القمح، وثلاثون رأسا من الغنم، وأردب أرز، وثلاثون رطلا من الجبن، ومثلها من السمن، خلاف التبن والجلة، وأوسطها عشرون أردبا وما يتبعها مما ذكر، وأدناها اثنا عشر.

وشددوا فى طلب الفائظ من الملتزمين وحق الطريق والخدمة، ثم عدى بنفسه إلى بر إنبابه لتجهيز العرضى، وفى أثناء ذلك وردت إليه أخبار بالتحام الحرب بين عساكره وعساكر الألفى جهة الرحمانية وذلك فى الثانى عشر من جماده الأولى، وكانت النصرة للألفى وانهزم كتخدا بك وطاهر باشا بالعساكر إلى بر المنوفية، واستولى الألفى بجيشه على خيولهم وسائر مهماتهم وأرسل برؤس القتلى إلى قبطان باشا. وشاع خبر ذلك وفشا خصوصا بعد حضور المجاريح وحصل الرعب فى القاهرة وضواحيها.

وغضب محمد علّى على طاهر باشا وأمره بالذهاب إلى رشيد، ثم أصدر أمره إليه أن يتوجه إلى الرحمانية لمحاربة شاهين بك الألفى، وكان قد حضر بها، فامتثل الأمر وتوجه لقتاله فانهزم ثانية، كل ذلك والألفى محاصر لدمنهور.

ومن شدة ما قاساه أهلها دخل بعضهم تحت طاعة الألفى وتوجهوا إلى قبطان باشا فأمنهم، فافترق أهلها فرقتين وأرسلت الفرقة الباقية على الحرب إلى السيد عمر والباشا فأرسلوا لهم باستمرارهم على الممانعة وأنهم سيمدونهم عن قريب، فالتحقت بهم الفرقة التى أمنت، فشدد عليهم الألفى الحصار، وسد خليج الأشرفية ومنع الماء عن البحيرة والإسكندرية، فأرسل محمد على باشا بربر باشا الخزندار وعثمان أغا وعدة كثيرة من العسكر فى المراكب، فوصلوا إلى خليج الاشرفية من ناحية الرحمانية وعليه جماعة من الألفية، فحاربوهم حتى أجلوهم عنها وفتحوا فم الخليج فجرى فيه الماء ودخلوا فيه بمراكبهم، فسد الألفية الخليج من أعلاه بأعدال القطن والمشاق، وفتحوه من أسفل فسال الماء من الخليج ووقفت السفن على الأرض، ووصلتهم الألفية وأوقعوا معهم وقعة عظيمة عند قرية منية الفران، فانهزم عساكر محمد على إلى دمنهور وتحصنوا بها. واستمرت فرقة من الألفية على حصارهم بها وباقيهم مع كثير من العرب انتقلوا إلى جهة الجيزة، فى ثانى عشر القعدة، حتى وصل بهم الألفى إلى ناحية شبرمنت، وكانوا مرتبين طوابير بعضها على هيئة نظام عسكر الفرنسيس، فخافتهم عساكر العزيز محمد على باشا، ولم يجسروا على التقدم لمحاربتهم، واستمر

ص: 68

فى طريقه فحط بعرضيه/فى ناحية المحرقة بدهشور بقرب عساكر محمد على باشا، وبينما الفريقان مصممان على وقوع الحرب صبيحة اليوم الثانى، إذ ورد الخبر على محمد على أن الألفى قدمات يوم وصوله إلى تلك الناحية، وذلك ليلة الأربعاء التاسع والعشرين من الشهر، نزل به خلط دموى وتقايا ثم مات، وأن مماليكه اجتمعوا وأمروا عليهم شاهين بيك، وأن طائفة أولاد على انفصلوا عنهم ورجعوا إلى بلادهم قاصدين الأمان، فعدّ ذلك من سعد محمد على باشا وفرح بذلك فرحا شديدا، حتى قال فى مجلس خاصته:«الآن ملكت مصر» . ولما مات الألفى ارتحلت أجناده ومماليكه ناحية قبلى، وانفك الحصار عن دمنهور.

وأما ما كان من رد جوابات العلماء والمشايخ، فإن قبطان باشا لما وصلته المكاتيب لم يقبل أعذارهم وكتب بتنفيذ الأوامر السلطانية، وأرسل الكتاب على يد المكتبجى فحضر إلى بولاق، فأرسل إليه الباشا حصانا فركب إليه بالأزبكية، وكان الأمراء المصريون غير مؤتلفين بسبب حقد عثمان بيك البرديسى للألفى. وطالت إقامة القبطان بالاسكندرية، ولم يجد فى المصريين الاسعاف وتحقق له تنافرهم، وتكررت بينه وبينهم المكاتبات من دون نتيجة، فمال إلى محمد على، وعلم أن الأولى له موافقته، فأرسل إليه المكتبجى فاستوفى منه أضعاف ما كان المصريون وعدوه به.

وأمر محمد بكتابة عرضحال، غير الأول، يرسله صحبة ابنه على يد القبطان، فعند ذلك نمقوا عرضحالا، وختمت عليه الأشياخ والاختيارية والوجاقلية، وأرسله صحبة ابنه إبراهيم باشا، وأصحب معه هدية حافلة وخيولا وأقمشة هندية، ومن ذاك ضاعت تدبيرات الأمراء المصريين، ومضمون العرضحال:

[صورة عرضحال آخر فى حق محمد على باشا للدولة العلية]

«إن محمد على باشا كافل الإقليم وحافظ ثغوره، ومؤمن سبله وقامع المعتدين، وأن الكافة من الخاصة والعامة راضون بولايته وأحكامه وعدله، والشريعة مقامة فى أيامه، ولا يرضون خلافه، لما رأوا فيه من عدم الظلم، والرفق بالضعاف، وأهل القرى والأرياف، وعمارها بأهلها ورجوع الشاردين منها فى أيام المماليك المعتدين

ص: 69

الذين كانوا يتعدون عليهم، ويسلبون أموالهم ومزارعهم ويكلفونهم بأخذ الفرض والكلف الخارجة عن الحد، أما الآن فجميع أهل القطر المصرى أمنوا واطمأنوا بولاية هذا الوزير، ويرجون من مراحم الدولة العلية أن يبقيه واليا عليهم ولا يعزله عنهم لما تحققوا فيه من العدل وإنصاف المظلومين، وإيصال الحقوق لأربابها، وقمع المفسدين من العرب الذين كانوا يقطعون الطرقات على المسافرين، ويتعدون على أهل القرى، ويأخذون مواشيهم وزرعهم، ويقتلون من يتعدى عليهم منهم، إلى غير ذلك،

».

ثم إن إبراهيم باشا سافر بالهدية والمكتوب، فى ست من شهر رجب، ثم حضر كتخدا قبطان باشا بمرسوم قرئ فى محفل من الأمراء والعلماء مضمونه:

إبقاء محمد على باشا على ولاية مصر، وأنه يقوم بالشروط التى منها؛ طلوع الحج ولوازم الحرمين، وإيصال العلائف والغلال لأربابها، وليس له تعلق بثغر رشيد ولا دمياط ولا الإسكندرية، فإن إيرادها يضبط إلى الترسخانة السلطانية، وأن يرضى خواطر الأمراء المصرية، ويمتنع عن محاربتهم ويعطيهم جهات يتعيشون بها.

وانفض المجلس، وضربت المدافع بالقلعة، وانتشر المبشرون إلى بيوت الأكابر لأخذ البقشيش، وعملوا شنكا وحراقات ثلاث ليال بالأزبكية.

وارتحل قبطان باشا وموسى باشا، وسافروا إلى اصطنبول وصحبتهم إبراهيم باشا، وذلك يوم السبت خامس شعبان، وبقى كتخدا قبطان باشا بمصر حتى يستغلق مال المصالحة. وبعد أيام قلائل ورد على ثغر بولاق قابجى وبيده تقرير لمحمد على باشا باستمرار ولاية مصر وخلعة ووثيقة.

وحضر المشايخ والأعيان والاختيارية، ونصبت سحابة بحوش البيت بالأزبكية، وقرئت المرسومات، وهما فرمانان:

أحدهما، يتضمن تقرير الباشا على ولاية مصر بقبول شفاعة أهل البلد والمشايخ والأشراف.

والتالى، يتضمن الأوامر السابقة بإجراء لوازم الحرمين وطلوع الحاج، وإرسال غلال الحرمين والوصية بالرعية، وتشهيل غلال قدرها ستة آلاف أردب وتسفيرها على

ص: 70

طريق الشام معونة للعساكر المتوجهين إلى الحجاز، وعدم التعرض للأمراء المصرية وراحتهم وعدم محاربتهم لأنه تقدم العفو عنهم. ا. هـ.

[ترجمة محمد بيك الألفى المرادى]

والألفى هو، الأمير الكبير والضرغام الشهير، محمد بيك الألفى المرادى. كان مملوكا جلبه بعض التجار إلى مصر فى سنة تسع وثمانين ومائة وألف، فاشتراه أحمد جاويش-المعروف بالمجنون-فأقام ببيته أياما، فلم تعجبه أحواله لكونه كان مجنونا سفيها ممازحا، فطلب منه بيع نفسه، فباعه لسليم أغا الغزاوى-المعروف بتمرلنك-فأقام عنده شهورا، ثم أهداه إلى مراد بيك، فأعطاه فى نظيره ألف أردب من الغلال-فلذلك سمى بالألفى-.

وكان جميل الصورة، فأحبه مراد بيك وجعله جوخداره، ثم أعتقه وجعله كاشفا بالشرقية. وعمر دارا بناحية الخطة، المعروفة بالشيخ ظلام، وأنشأ هناك حماما.

وكان صعب المراس قوى الشكيمة،/وكان بجواره على أغا-المعروف بالمتوكلى-فدخل عليه وتشفع عنده فى أمر فقبل شفاعته، ثم نكث فحنق منه ودخل عليه فى داره يعاتبه فرد عليه بغلظة فأمر الخدم بضربه فضربوه بالعصى المعروفة «بالنبابيت» فتألم من ذلك ومات بعد يومين، فشكوه لأستاذه مراد بيك فنفاه إلى بحرى، فعسف بالبلاد مثل فوّة ورشيد وغيرهما. وأخذ من أهالى البلاد التى عسف بها أموالا كثيرة فشكوا منه إلى أستاذه وكان يعجبه ذلك.

ثم رجع-المترجم-إلى مصر فعند ذلك قلدوه الصنجقية وذلك فى سنة 1192 واشتهر بالفجور فخافه الناس، ولما اتسعت دائرته سكن بدار ناحية قيسون وهدم داره القديمة ووسعها وأنشأها إنشاء جديدا، واشترى المماليك الكثيرة وأمرّ منهم أمراء، وجعل منهم كشافا فنشؤا على طبيعة أستاذهم فى التعدى والفجور.

والتزم-المترجم-بإقطاع فرشوط وغيرها من البلاد القبلية والبلاد البحرية، مثل محلة رومية ومليج وغيرهما، وتقلد كشوفية شرقية بلبيس ونزل إليها، وكان يغير على ما بتلك الناحية من إقطاعات وغيرها، وأخاف جميع عرب تلك الجهة وجميع قبائل

ص: 71

الناحية ومنعهم من التعدى والجور على الفلاحين بتلك النواحى، حتى خافه الكثير وصادرهم فى أموالهم ومواشيهم، وفرض عليهم المغارم والجمال.

ولم يزل على حالته وسطوته إلى أن حضر حسن باشا الجزائرى إلى مصر فخرج- المترجم-مع عشيرته إلى ناحية قبلى ثم رجع إلى مصر فى أواخر سنة 1250 بعد الطاعون الذى مات فيه إسماعيل بيك، وذلك بعد إقامته بالصعيد زيادة عن 4 سنوات، ففى تلك المدة زان عقله، وانهضمت نفسه، وتعلق قلبه بمطالعة الكتب والنظر فى جزئيات العلوم الفلكية والهندسية وأشكال الرمل والزايرجات والأحكام النجومية والتقاويم ومنازل القمر وغير ذلك. وصار يسأل عمن لهم إلمام بهذه العلوم فيطلبه ليستفيد منه، واقتنى كتبا فى جميع أنواع العلوم والتواريخ، واعتكف بداره القديمة ورغب فى الانفراد وترك الحالة التى كان عليها قبل ذلك، واقتصر على مماليكه والإقطاعات التى بيده واستمر على ذلك مدة من الزمان، فثقل ذلك الأمر على أهل دائرته وبدا له النقص فى أعين خشداشيه وتجاسروا عليه وطمعوا فيما لديه فلم يسهل ذلك عليه واستعمل الحالة الوسطى وسكن بدار أحمد جاويش المجنون بدرب سعادة وعمّر القصر الكبير بمصر القديمة بشاطئ النيل تجاه المقياس. وأنشأ أيضا قصرا بين باب النصر والدمرداش، وجعل غالب إقامته فيهما.

وأكثر من شراء المماليك، وصار يدفع فيهم الأموال الكثيرة للجلابة معجلا ليشتروهم بها، وكذلك الجوارى حتى اجتمع عنده نحو ألف مملوك خلاف الذى عند كشافه، وهم نحو أربعين كاشفا الواحد منهم دائرته قدر دائرة صنجق من الأمراء السابقين. ا. هـ.

والخشداش بشين معجمة بعد الخاء فى آخره شين أيضا، هو: الخصيص والصاحب، يقال: هذه قرابتى وخشداشى. ويقال: سأل جماعة من خشداشيته، ومنعه خشداشيه أن يخرج. ويقال فيها: خجداش بالجيم أو خوجداش بواو بين الجيم والخاء، أو خوشداش. ويقال للجماعة: خشداشية أو خجداشية. وهى كلمة فارسية أصلها خواجه تاش، وتدل فى لسان مماليك مصر على مملوك كان مع رفيقه فى خدمة أمير. ا. هـ. (كترمير).

ص: 72

قال الجبرتى أيضا: وكان يزوج من مماليكه من يصلح له من جواريه ويجهزهم بالجهاز الفاخر ويسكنهم الدور الواسعة ويعطيهم المناصب. وقلد كشوفية الشرقية لبعض مماليكه ترفعا لنفسه عن ذلك.

وبنى له قصرا خارج بلبيس، وآخر بدمامين، وأخمد شوكة عرب الشرق وجبى منهم الأموال وغيرها وكان يقيم بناحية الشرق نحو ثلاثة شهور وأربعة، ثم يعود إلى مصر.

وكان له قصر من خشب مفصل قطعا ويركب بشناكل وأغربة متينة قوية يحمل على عدة جمال، فإذا أراد النزول إلى جهة من الجهات تقدم الفراشون وركبوه داخل الصيوان فيصير مجلسا لطيفا، يصعد إليه بثلاث درج مفروش بالمراتب والوسائد يسع ثمانية أشخاص وهو مسقوف وله شبابيك من جهاته الأربعة تفتح وتغلق بحسب الاختيار، وحوله الأسرة من كل جانب وكل ذلك من داخل دهليز الصيوان.

وكان له داران بالأزبكية، إحداهما كانت لرضوان بيك يلبغا، والأخرى للسيد أحمد بن عبد السلام، فبدأ له سنة اثنتى عشرة ومائتين وألف أن ينشئ دارا عظيمة خلاف ذلك بالأزبكية. فاشترى قصر ابن السيد سعودى الذى بخط الساكت فيما بينه وبين قنطرة الدكة من أحمد أغا شويكار وهدمه وأوقف على بنائها كتخداه ذا الفقار، أرسله قبل مجيئه من ناحية الشرقية ورسم له صورته فى كاغد كبير، فأقام جدرانها وحيطانها، وحضر هو فى أثناء ذلك فهندسها على مقتضى عقله، واجتهد فى بنائها وأوقف أربعة من كبار أمرائه على تلك العمارة كل أمير فى جهة من جهاتها الأربعة يحثون الصناع. وعملوا عدة أماكن لحريق الجير وعمل النورة وعدة طواحين لطحن الجبس، وكل ذلك بجانب العمارة بالأزبكية/ثم احضروا لها الأخشاب المتنوعة من الإسكندرية ورشيد ودمياط، واشترى بيت حسن كتخدا الشعراوى المطل على بركة الرطلى من عتقاه وهدمه ونقل أخشابه وأنقاضه إلى العمارة، وكذا نقل إليها أنواع الرخام والأعمدة، واجتهدوا فى العمل حتى تمت على المنوال الذى أراده، ولم يجعل لها خرجات ولا حرمدانات خارجة عن أصل البناء ولا رواشن، بل جعلها ساذجا حرصا على المتانة وطول البقاء، ثم ركبوا فرجاتها المطلة على البركة والبستان والرحبة، وركبوا الشبابيك الخرط المصنوعة، وركبوا عليها شرائح الزجاج، ووضعوا

ص: 73

بها التحف العظيمة التى أهدتها الأفرنج إليه، وعملوا بقاعة الجلوس السفلى فسقية عظيمة ونوفرة كبيرة، وحولها نوفرات من الصفر يخرج الماء من أفواهها، وجعل بها حمامين علويا وسفليا، وبنى بدار الحوش عدة كبيرة من الطباق لسكنى المماليك وجعلها دورا واحدا.

ولما تم البناء والبياض والدهان فرشها بأنواع الفروش والوسائد والمساند والستائر المقصبات، وجعل خلف الدار المذكورة بستانا عظيما وأنشأ به جملونة مستطيلة من جهة البحرى ينتهى آخرها إلى الدور المتصل بقنطرة الدكة. وأهدى له أيضا الإفرنج فسقية من رخام فى غاية العظم فيها صورة أسماك مصورة يخرج من أفواهها الماء جعلها بالبستان المذكور.

وقد سكن بها عياله وحريمه فى آخر شعبان من سنة اثنتى عشرة. ولما استهل شهر رمضان أوقدوا فيها الوقدات والأحمال الممتلئة بالقناديل بدائر الحوش والرحبة الخارجة، وكذلك بقاعة الجلوس أحمال النجف والشموع والصحب.

وهنأته الشعراء، ونظم الأستاذ الفاضل الشيخ حسن العطار تاريخا لقاعة الجلوس فى بيتين نقشوهما بالأزمير على أسكفة باب القاعة وموهوهما بالذهب، وهما هذان البيتان:

شموس التهانى قد أضاءت بقاعة

محاسنها للعين تزداد بالألف

على بابها قال السرور مؤرخا

سماء سعاداتى تجدد بالألفى

وازدحمت خيول الأمراء ببابه، فأقام على ذلك إلى منتصف شهر رمضان وبدا له السفر إلى الشرقية فأبطلوا الوقدات وأطفؤا الشموع، فكانت مدة سكناه بالدار المذكور ستة عشر يوما بلياليها.

ثم فى أثناء غيبته بالشرقية، وصلت الفرنساوية إلى الإسكندرية ثم إلى مصر، وجرى ما جرى، وذهب مع عشيرته إلى قبلى، وعند وصول الفرنساوية إلى برّ إنبابه الغربى ومحاربتهم مع المصريين، أبلى-المترجم-وجنده فى تلك الوقعة بلاء حسنا، وقتل من كشافه عدة وافرة، ولم يزل مدة إقامة الفرنساوية بمصر ينتقل من

ص: 74

الجهة القبلية إلى الجهة البحرية والشرقية والغربية ويعمل معهم مكايد ويصطاد منهم بالمصائد.

ولما وصل عرضى الوزير إلى ناحية الشام، ذهب إليه وقابله وأنعم عليه، وكان معه رؤساء من الفرنساوية وعدة أسرى، وأسد عظيم اصطاده فى سروحه، فشكره الوزير وخلع عليه الخلع السنية، وأقام بعرضيه أياما ثم رجع إلى ناحية مصر وذهب إلى الصعيد ثم رجع إلى الشام، والفرنساوية يأخذون خبره ويرصدونه فى الطرق فيزوغ منهم ويتركهم فى غفلاتهم.

ولما حضر الوزير إلى مصر وحصل انتقاض الصلح وانحصر المصريون والعثمانيون بداخل المدينة، ووقع له مع الفرنساوية الوقائع الهائلة، فكان يكر ويفر هو وحسن بيك الجداوى، ويعمل الحيل والمكايد. وقتل من كشافه فى تلك الحروب رجال معدودة منهم، اسماعيل كاشف-المعروف بأبى طقية-احترق هو وجنده ببيت أحمد أغا شويكار الذى كان أنشأه برصيف الخشاب، وكانت الفرنساوية قد فعلوا تحته لغما وملؤه بارودا، وكان اللغم فى أسفل جدرانه ولم يعلم به أحد، فلما تترس به إسماعيل كاشف ومن معه أرسلوا من ألهبه بالنار فالتهب على من فيه واحترقوا جميعا وطاروا فى الهواء.

ثم لما اشتد الأمر بين الفريقين، طفق يسعى بينهما فى الصلح، ويمشى مع رسل الفرنساوية فى دخولهم بين المعسكر وخروجهم، ليمنعوا من يتعدى عليهم من أوباش العسكر خوفا من ازدياد الشر إلى أن يتم الصلح. ثم خرج-المترجم-مع العثمانية إلى نواحى الشام، وبعد ذلك رجع إلى جهة الشرقية، فكان يحارب من يصادفه من الفرنساوية ويقتل منهم، فإذا جمعوا جيشهم وأتوا لحربه لم يجدوه، ويمر من خلف الجبل إلى الصعيد فلا يدرى أين ذهب ثم يظهر بالبر الغربى ثم يسير مشرقا ويعود إلى الشام، وهكذا كان دأبه بطول السنة التى تخللت بين الصلحين إلى أن انتظم أمر العثمانية وتعاونوا بالإنكليز، ورجع الوزير وقبطان باشا على البر بصحبة الإنكليز، فحضر-المترجم-وباقى الأمراء واستقر الجميع بداخل مصر والإنكليز ببر الجيزة.

ص: 75

وارتحلت الفرنساوية فعند ذلك قلق-المترجم-وداخله الوسواس والفكر، لأنه كان صحيح النظر فى عواقب الأمور. ثم لما أطلق الوزير لإبراهيم بيك الكبير التصرف وألبسه خلعة وجعله شيخ البلد وأن أوراق التصرفات/والإقطاعات والأطيان وغيرها تكون بختمه وعلامته. اغتر هو وباقى الأمراء بذلك، وازدحم الديوان ببيت إبراهيم بيك وعثمان بيك حسن والبرديسى، وتناقلوا فى الحديث، فذكروا ملاطفة الوزير وصحبته لهم وإقامته لناموسهم.

فقال المترجم: «لا تغتروا بذلك فإنما هى حيلة وكيدة فانظروا فى أمركم وتفطنوا لما عساه يحصل، فإن سوء الظن من الحزم» . فقيل له: وما الذى يكون؟ قال: «إن هؤلاء العثمانية لهم السنون العديدة والأزمان المديدة يتمنون نفوذ أحكامهم وتملكهم لهذا الإقليم، ومضت الأحقاب وأمراء مصر قاهرون لهم وغالبون عليهم، وليس لهم معهم إلا مجرد الطاعة الظاهرة، وخصوصا دولتنا الأخيرة، وما كانت تفعله معهم من الإهانة وعدم الامتثال لأوامرهم وكل ذلك كمين فى نفوسهم زيادة على ما جبلوا عليه من الطمع والخيانة، وقد ولجوا البلاد الآن وملكوها على هذه الصورة، وتامروا علينا، فيعز عليهم أن يتركوها لنا كما كانت بأيدينا ويرجعوا إلى بلادهم بعد ما ذاقوا حلاوتها فدبروا رأيكم وتيقظوا من غفلتكم» . فلما سمعوا منه ذلك صدّق عليه بعضهم، وقال بعضهم: هذا من وساوسك. وقال آخر: «هذا لا يكون بعد ما كنا نقاتل معهم ثلاث سنوات وأشهرا بأموالنا وأنفسنا، وهم لا يعرفون طوائف البلاد ولا سياستها، فلا غنى لهم عنا» . وقال آخرون غير ذلك. ثم قالوا له ما رأيك الذى تراه؟

فقال: الرأى عندى إن قبلتموه أن نعدى بأجمعنا إلى بر الجيزة، وننصب خيامنا هناك ونجعل الإنكليز واسطة بيننا وبين الوزير والقبطان وتتم الشروط التى نرتاح نحن وهم عليها بكفالة الإنكليز، ولا نرجع إلى البر الشرقى ولا ندخل مصر حتى يخرجوا منها ويرجعوا إلى بلادهم، ويبقى منهم من يبقى-مثل من يقلدوه الولاية والدفتدارية ونحو ذلك-وهذا هو الرأى عندى». فوافق عليه البعض ولم يوافق عليه البعض الآخر، وقال: كيف ننابذهم ولم يظهر لنا منهم خيانة، ونذهب إلى الإنكليز وهم أعداء لديننا، فيحكم العلماء بردتنا وخيانتنا لدولة الإسلام، على أنهم

ص: 76

إن قصدوا بنا شيئا قمنا بأجمعنا عليهم، وفينا ولله الحمد الكفاية، وغند ذلك نوسط بيننا وبينهم الإنكليز لتكون لنا المندوحة والعذر.

فقال المترجم: «أما الاستنكاف من الالتجاء للإنكليز فإن القوم لا يستنكفون من ذلك، وقد استغاثوا بهم ولولا مساعدتهم لما أدركوا هذا الحصول ولا قدروا على إخراج الفرنسيس من البلاد، وقد شاهدنا ما حصل فى العام الماضى لما حضروا بدون الإنكليز، على أن هذا قياس مع الفارق فإن تلك مساعدة حرب وأما هذه فهى واسطة مصلحة لا غير، وأما انتظار حصول المنابذة فقد لا يمكن التدارك بعد وقوع الأمور والرأى لكم» . فعند ذلك سكتوا وتفرقوا على كتمان ما دار بينهم.

ولما لم يوافقوا، المترجم، على ما أشار به عليهم، أخذ يدبر فى خلاص نفسه، فانضم إلى محمود أفندى رئيس الكتاب لقربه من الوزير وقبوله عنده، وأوهمه النصيحة للوزير بتحصيل مقادير عظيمة من الأموال من جهة الصعيد إن قلده الوزير إمارة الصعيد فإنه يجمع له أموالا جمة من تركات الأغنياء الذين ماتوا بالطاعون فى العام الماضى وخلافه ولم يكن لهم ورثة وغير ذلك من المال والغلال الميرية من الجهات التى لا يحيط بها خلافه.

فلما عرف الرئيس بذلك لم يكن بأسرع من إجابته لوجهين، الأول: طمعا فى تحصيل المال، والثانى: لتفريق جموعه، فإنهم كانوا يحسبون حسابه دون باقى الجماعة لكثرة جيشه وشدة احتراسه، فإنه كان إذا ذهب إلى الوزير لا يذهب فى الغالب إلا وحوله جميع جنوده ومماليكه.

وعند ما أجاب الوزير بسفره، وكتب له فرمانا بإمارة الجهة القبلية، وأطلق له الأذن ورخص له فى جميع ما يؤدى إليه اجتهاده من غير معارض، وتمم الوزير القصد.

حضر المترجم فى الوقت وأخذ المرسوم ولبس الخلعة وودع الوزير والرئيس، وركب فى الوقت والساعة وخرج مسافرا ولم يشعر بذلك أحد ولم ير للوزير وجها بعد ذلك.

وعند ما أشيع ذلك حضر إلى الوزير من اعترض عليه فى هذه الفعلة وأشار عليه

ص: 77

بنقضها، فأرسل خلفه يستدعيه لأمر تذكره-على ظن تأخره-فلم يدركوه إلا وقد قطع مسافة بعيدة، ثم أرسل للوزير دفعة من المال وأغناما وعبيدا طوشية وغلالا.

ثم لم يمض بعد ذلك إلا نحو ثلاثة أشهر وسافرت طائفة من الإنكليز إلى الإسكندرية، وكذلك حسين باشا القبطان، ونصبوا للمصريين الفخاخ، وأرسل القبطان يطلب طائفة منهم، فأوقع بهم ما أوقع، وقبض الوزير على من بمصر من الأمراء وحبسهم، وجرى بينهم ما جرى. ثم عينوا لاحضار، المترجم، طاهر باشا بعساكر، فقتل منهم من قتل والتجأ الباقى للإنكليز، وذهب الجميع إلى الناحية القبيلة وأرسلوا التجاريد. وتصدى المترجم لحروبهم، ثم حضر إلى ناحية بحرى بعد حروب ووقائع، فاجتهد محمد باشا خسرو فى إخراج تجريدة عظيمة، وجعل سر عسكرها كتخداه يوسف بيك، وهذه التجريدة هى التى سماها العوام تجريدة الحمير، لأنهم جمعوا فيها جملة من حمير الحمارة والتراسين وحمير الأكاف والسقائين، وعملوا على أهل بولاق ألف حمار، وكذلك على مصر/ومصر القديمة، وصاروا يخطفون حمير الناس ويكبسون البيوت ويأخذون ما يجدونه، وكان يأتى بعض أشقياء العسكر عند باب الدار ويضع فمه عند الباب ويقول: زر، فينهق الحمار فيأخذونه. ثم لما تم مرادهم من جمع الحمير اللازمة لهم سافروا إلى ناحية البحيرة، فكانت بينهم وقعة عظيمة بمساعدة من الإنكليز، وكانت الغلبة له على العساكر، وأخذ منهم جملة أسرى وانهزم الباقون، وحضروا إلى مصر فى أسوأ حال.

وهذه الكسرة كانت سببا فى حصول الوحشة بين الباشا والعساكر، فإنه غضب عليهم وأمرهم بالخروج من مصر، فطلبوا علائفهم، فقال:«بأى شئ تستحقون العلائف ولم يخرج من أيديكم شئ» ، فامتنعوا من الخروج.

وكان المشار إليه محمد باشا سرششمه، فأراد الباشا اصطياده فلم يتمكن منه لشدة احتراسه، فحاربه فوقع له ما هو مذكور فى محله.

وخرج الباشا إلى دمياط، ومن ذاك الوقت ظهر اسم محمد على باشا ولم يزل ينمو ذكره بعد ذلك.

وأما المترجم، فإنه بعد غلبته للعسكر ذهب إلى ناحية دمنهور وذهبت كشافه وأمراؤه إلى المنوفية والغربية والدقهلية، وطلبوا منه المال، ثم رجعوا إلى البحيرة، ثم

ص: 78

بعد هذه الوقائع سافر، المترجم، مع الإنكليز إلى بلادهم، واختار من مماليكه خمسة عشر شخصا أخذهم صحبته، وأقام عوضه أحد مماليكه، المسمى بشتك بيك- وسمى الألفى الصغير-أمره على مماليكه وأمرائه، وأمرهم بطاعته وأوصاه عليهم، وسافر فغاب ستة أشهر وبعض أيام، لأنه سافر فى منتصف شهر شوال سنة سبع عشرة، وحضر فى أول شهر القعدة سنة ثمانى عشرة.

وجرى فى مدة غيابه حوادث كثيرة منها:

خروج محمد باشا خسرو وتولية طاهر باشا ثم قتله، ودخول الأمراء المصرية وتحكمهم بمصر سنة ثمانى عشرة، وتأمير صناجق من أتباع المترجم، والذى جرى بها من الوقائع بتقدير الله تعالى، البارز بتدبير محمد على باشا.

وبعد انقضاء ذلك كله لم يبق إلا المترجم وجماعته والبرديس-الذى هو خشداشه-. وظهر بعد ذلك-المترجم-وكان مختفيا، وذهب إلى ناحية قبلى هو ومماليكه واجتمعت عليه امراؤه وأجناده، واستقام أمره واصطلح مع عشيرته، وجرى ما جرى من مجيئهم حوالى مصر وحروبهم مع العساكر فى أيام خورشيد باشا، وانفصالهم عنها بدون طائل ورجعوا إلى ناحية قبلى، ثم عادوا إلى ناحية بحرى بعد حروب ووقائع من حسن باشا، ومحمد على باشا ثم لما حصلت المفاقمة بينهما وبين خورشيد وأحمد باشا، وانتصر محمد على باشا، كانت الأمراء المصرية بناحية التبين، والمترجم منعزل عنهم بناحية الطرانة، والسيد عمر يراسله ويذكر له:«أن هذه الغنائم من أجلك وإعادة الأمر إليك وأنت المعين لذلك لظننا فيك الخير والصلاح» .

ثم لما تولى محمد على باشا ونودى فى المدينة بعزل الباشا وتوليه محمد على، وبلغ المترجم ذلك وكان ببر الجيزة، رجع إلى البحيرة وأراد دمنهور، فامتنع عليه أهلها وحاربوه وحاربهم، وظهر له تلاعب السيد عمر مكرم-كما تقدم ذكره-ثم عاد المترجم إلى بر الجيزة وسكنت الفتنة.

واستقر الأمر لمحمد على باشا، وحضر قبطان باشا إلى ساحل أبى قير، ووصل سلحداره إلى مصر وأنزل أحمد باشا المخلوع عن الولاية من القلعة إلى بولاق ليسافر.

وأما المترجم فإنه أرسل كتخداه يطلب له الصلح مع محمد على باشا، فانشرح

ص: 79

لذلك وأنعم على الكتخدا وأرسل معه هدية جليلة لمخدومه من ملابس وأسلحة وخيام ونقود وغير ذلك فأخذ الهدية، وقضى ما هو مطلوب لمخدومه مما يحتاج إليه ولأمرائه وأتباعه، ووسق المراكب وذهب بها جهارا من غير أن يتبعه أحد أو يتعرض له، وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودى.

ثم عاد الكتخدا ثانيا وصحبته السلحدار وموسى البارودى، وذكر أنه يطلب كشوفية الفيوم وبنى سويف والجيزة ومائتى بلد من الغربية والمنوفية والدقهلية يستغل فائضها، ويجعل إقامته بالجيزة، ويكون تحت الطاعة، فلم يرضى الباشا بذلك، وقال:«إننا اصطلحنا مع باقى الأمراء وأعطيناهم من حدود جرجا بالشروط التى شرطناها عليهم، وهو داخل ضمنهم» ، فرجع الكتخدا له بالجواب، بعد أن قضى أشغاله من أمتعة وخيام وسروج وغير ذلك وقضى غرضه وتمت حيلته.

ثم ذهب إلى الفيوم وتحارب جنده مع جند ياسين بيك، فانخذل فيها ياسين بيك.

ثم إن المترجم خرج من الفيوم فى أوائل المحرم من السنة المذكورة، وكان حسن باشا طاهر بناحية جرزة الهوى بمن معه من العساكر، فكانت بينها وقعة عظيمة، انهزم فيها حسن باشا إلى الرقق وأدركه أخوه عابدين بيك فأقام معه بالرقق.

وحضر المترجم إلى برّ انبابه وخرجت عليه العساكر فكانت بينهما وقعة بسوق الغنم، ظهر عليهم فيها أيضا. ثم سار مبحرا، وعدّى من عساكره وجنده إلى السبية جملة، فأخذوا منها ما أخذوه وعادوا إلى أستاذهم بالطرانة. ثم انتقل راحلا إلى البحيرة وأراد تخريب دمنهور، وكانت فى غاية من التحصين فلم يقدر عليها. فعاد إلى ناحية وردان، ثم رجع إلى حوش ابن عيسى، لأنه بلغه وصول مراكب بها أمين بيك تابعه وعدة عساكر من النظام الجديد وأشخاص من الإنكليز/، لأنه كان ما من هو فيه من التنقلات والحروب يراسل الدولة والإنكليز، وأرسل بالخصوص أمين بيك إلى الإنكليز، فسعوا مع الدولة بمساعدته وحضروا إليه بمطلوبه، فعمل لهم بحوش ابن عيسى شنكا. وأرسل مع أمين بيك إلى الأمراء القبليين الهدايا، فراجت أموره عليهم.

ثم فى إثر ذلك حضر قبطان باشا إلى الإسكندرية وورد الخبر بأن موسى باشا واصل بعده واليا على مصر، وبالعفو عن المصريين. والسبب فى حركة القبطان إرسالات الألفى للإنكليز ومخالطة الإنكليز الدولة، وكان وزيرها محمد باشا السلحدار، وأصله

ص: 80

مملوك السلطان مصطفى، ولا يخفى الميل إلى الجنسية. واتفق أن سليمان أغا- تابع صالح بيك الوكيل-الذى كان مملوكا ليوسف باشا الوزير قلده سلحدارا، وأرسله إلى إسلامبول، فسأله الوزير عن المصريين، «هل بقى منهم غير الألفى»؟ فقال له:«جميع الرؤساء موجودون» وعدهم له، فقال:«إنى أرى رجوعهم إلى شروط نشترطها عليهم، أولى من تمادى العداوة بينهم وبين غيرهم، فما رأيك فى ذلك؟» فقال له سليمان أغا: «لا رأى عندى فى ذلك خوفا منه» ، فحلف له الوزير أن كلامه وخطابه على ظاهرة وحقيقته لكن لا بد من مصلحة للخزينة العامرة، فقال سليمان أغا:«إذا كان كذلك ابعثوا إلى الألفى بإحضار كتخداه محمد أغا لأنه رجل يصلح للمخاطبة فى مثل ذلك» ، ففعل. وحضر المذكور فى أقرب وقت، وتمموا الأمر على ألف وخمسائة كيس تكفل بها محمد أغا، المذكور، يدفعها القبطان باشا عند وصوله بيد سليمان أغا بعد إتمام الشروط التى قررها له مخدومه، ومن جملتها:

إطلاق بيع المماليك وشرائهم، وجلب الجلابة لهم إلى مصر كعادتهم، فإنهم منعوا ذلك منذ ثلاث سنين. وسافر كل من سليمان أغا الوكيل ومحمد كتخداى بصحبة قبطان باشا، حتى طلعوا على ثغر إسكندرية، فركبا صحبة القبطان، وتلاقوا مع المترجم وأعلموه بما حصل، فامتلأ فرحا وسرورا. وقال لسليمان أغا:«اذهب إلى إخواننا بقبلى واعرض الأمر عليهم، ولا يخفى أننا الأن ثلاث فرق، كبيرنا إبراهيم بك وجماعته، والمرادية وكبيرهم عثمان بيك البرديسى، وأنا وأتباعى، فيكون ما يخص كل طائفة خمسمائة كيس، فإذا استلمت منهم الألف كيس، فارجع إلىّ اسلمك خمسمائة كيس» .

فركب، المذكور، وذهب إليهم وأخبرهم بصوره الواقعة وطلب منهم ذلك القدر فقال البرديسى:«حيث إن الألفى بلغ من قدره أن يخاطب الدولة والقرانات، ويراسلهم ويتمم أغراضه منهم، ويولى الوزراء ويعزلهم بمراده، ويتعين قبطان باشا فى حاجته، فهو يدفع المبلغ بتمامه لأنه صار الآن هو الكبير ونحن الجميع أتباعه» .

فقال سليمان أغا: «هو على كل حال رجل منكم وأخوكم» . ثم إنه اختلى مع إبراهيم بيك الكبير، وتكلم معه. فقال إبراهيم بيك:«أنا أرضى بدخولى أى بيت كان وأعيش ما بقى من عمرى مع عيالى وأولادى، تحت إمارة من كان من عشيرتنا، أولى من هذا الشتات الذى نحن فيه» .

ص: 81

فمازال سليمان أغا يتفاوض معهم فى ذلك، إلى أن اتفق مع إبراهيم بيك على دفع نصف المصلحة، ويقوم الألفى بالنصف الثانى، فقال:«سلمونى القدر اذهب به وأخبره بما حصل» ، فقالوا:«حتى ترجع إليه وتعلمه وتطيب خاطره على ذلك لئلا يأخذ منا هذا المبلغ، ثم يطالبنا بغيره» .. فرجع إليه وأخبره بما دار بينهم. فقال:

«أما قولهم أنى أكون أميرا عليهم فهذا لا يتصور ولا يصح أنى أتعاظم على مثل والدى إبراهيم بيك، وعثمان بيك حسن، ولا على من هو فى طبقتى من خشداشيتى، على أن هذا لا يعيبهم ولا ينقص قدرهم أن يكون المتأمر عليهم واحدا منهم ومن جنسهم، وذلك أمر لم يخطر لى ببال، وإنما أرضى بأدنى فى ذلك، ويأخذون علىّ عهدا بما أشترطه على نفسى، أننا إذا عدنا إلى أوطاننا لا أداخلهم فى شئ ولا أعارضهم فى أمر، وأن يكون كبيرنا إبراهيم بيك على عادته، ويسمحوا لى باقامتى بالجيزة، ولا أعارضهم فى شئ، وأقنع بايرادى الذى كان بيدى سابقا، فإنه يكفينى، وإن اعتقدوا غدرى لهم فى المستقبل بسبب ما فعلوا معى من قتلهم حسين بيك تابعى، تعصبهم وحرصهم على قتلى أنا وأتباعى، فبعض ما أنا فيه الآن انسانى، ذلك كله، فإن حسين بيك المذكور مملوك وليس هو أبى ولا ابنى من صلبى وإنما هو مملوك اشتريته بالدراهم، ومملوكى مملوكهم وقد قتل لى عدة أمراء ومماليك فى الحرب، فأفرض هذا من جملتهم، ولا يصينى ويصيبهم إلا ما قدر الله علينا، وأيضا إن الذى فعلوه بى لم يكن لذنب ولا جرم حصل منى فى حقهم بل كنا الجميع إخوانا. وقد تذكروا إشارتى عليهم السابقة فى الالتجاء إلى الانكليز، وندموا على مخالفتى بعد الذى وقع لهم ورجعوا إلىّ، ثم اجتمع رأيهم على سفرى إلى بلاد الإنكليز فامتثلت ذلك وتحملت المشاق وقاسيت أهوال البحار سنة وأشهرا، وكل ذلك لأجل راحتى وراحتهم، وحصل ما حصل فى غيابى، ودخلوا مصر من غير قياس وبنوا قصورهم على غير أساس، واطمأنوا إلى عدوهم وتعاونوا على هلاك صديقهم، وأرسلت فنصحتهم فخالفونى، ودخل الكثير منهم/البلاد وانحصروا فى أزقتها، وجرى عليهم ما جرى من القتل وغيره، فارجع إليهم وذكرهم بأيام الوقائع وما جرى لهم فيها، لعلهم ينتهون وتأتى معك بالثلثين أو النصف الذى سمح به والدنا إبراهيم بيك، وهذا القدر ليس فيه مشقة، فإنهم إذا وزعوا على كل أمير عشرة أكياس، وعلى كل كاشف خمسة أكياس، وعلى كل جندى أو مملوك كيسا واحدا، اجتمع المبلغ وزيادة، وأنا

ص: 82

أفعل ذلك مع قومى، وثمرة المال قضاء مصالح الدنيا، وما نحن فيه الآن من أهم المصالح. وقل لهم البدار قبل فوات الفرصة».

فلما فرغ من كلامه ودعه سليمان أغا، ورجع إلى قبلى فوجدهم أصروا على عدم دفع شئ. ورجع إبراهيم بيك أيضا إلى قولهم ورأيهم، ولما ألقى إليهم سليمان أغا العبارات التى قالها صاحبهم، وأنه يكون تحت أمرهم ونهيهم ويرضى بأدنى المعايش معهم ويسكن الجيزة

إلى آخر ما قال.

قالوا: «هذا والله كلام لا أصل له، ولا ينسى ثأره وما فعلناه فى حقه وحق أتباعه، ولو اعتزل عنا وسكن قلعة الجبل، فهو الألفى الذى شاع ذكره فى الآفاق ولا يخاطب الدولة غيره، وقد كنا فى غيبته لا نطيق عفريتا من عفاريته، فكيف يكون هو وعفاريته؟» .

فقال لهم سليمان المذكور: «اقضوا شغلكم فى هذا الحين حتى ينجلى عنكم الأغراب، ثم اقتلوه بعد ذلك واستريحوا منه» . فقالوا: «هيهات بعد أن يظهر علينا فإنه يقتلنا واحدا بعد واحد، أو يخرجنا إلى البلاد ثم يرسل فيقتلنا، وهو بعيد فلا نأمن له مطلقا» .

كل هذا ورسل القبطان تذهب وتأتى بالمخاطبات والعرضحالات-حتى تم الأمر كما تقدم-، وفى أثناء ذلك ينتظر القبطان جوابا كافيا وسلحداره مقيم أيضا عند المترجم، والمترجم يشاغل القبطان بالهدايا والذخيرة من الغلال والسمن والأغنام، إلى أن رجع إليه سليمان أغا وهو متحير فيما وقع فيه من الورطة ومكسوف. البال من القبطان.

فلما وصل إليه سليمان-المذكور-وأخبره أن الجماعة القبليين قد امتنعوا من الدفع ومن الحضور، وأن المترجم يقوم بدفع القدر الذى يقدر عليه والذى يبقى عليه يدفعه بعد ذلك.

اغتاظ القبطان وقال: «أنت تضحك على ذقنى وذقن وزير الدولة، وقد تحركنا هذه الحركة على ظن أن الجماعة على قلب رجل واحد، وإذا حصل من المماليك عصيان ومخالفة ولم يكن فيهم مكافأة ساعدناهم بجيش من النظام الجديد وغيره،

ص: 83

وحيث أنهم متنافرون ومتباغضون فلا خير فيهم، وصاحبك هذا لا يكفى فى المقاومة وحده، ويحتاج إلى المعاونة وهى لا تكون إلا بكثرة المصاريف».

فعند ذلك ظهر لسليمان أغا الغيظ والتغير من القبطان، وخاف على نفسه أن يبطش به، وعرف منه أن المانع له من ذلك غياب السلحدار عند المترجم، فقال:

«السلحدار عند الألفى بالجيزة» . فقال له: «اذهب فأتنى به، واحضر أنت معه» .

وكان موسى باشا-المتولى-قد حضر فما صدق سليمان أغا «أن يقول له ذلك، إلا وقد ركب فى الوقت وخرج من الإسكندرية، فلما بعد عنها مقدار غلوة قابل السلحدار قادما إلى الإسكندرية، فسأله: إلى أين تذهب؟. فقال: إن مخدومك أرسلنى فى شغل وها أنا راجع إليكم» ، وذهب إلى المترجم ولم يرجع.

وفى أثناء هذه الأيام كان-المترجم-يحارب بدمنهور، وجاءته التجريدة العظيمة التى جمعت عساكر الأرنؤط والأتراك وعساكر المغاربة، فحاربهم وكسرهم وهزمهم شر هزيمة حتى ألقوا بأنفسهم فى البحر. ولما تنحت عنه عشيرته ولم يلبوا دعوته، وسافر القبطان وموسى باشا من ثغر الإسكندرية-على الصورة المذكورة-.

استأنف المترجم أمرا آخر وأرسل إلى الإنكليز يلتمس منهم المساعدة، وأن يرسلوا له طائفة من جنودهم ليقوى بهم على المحاربة، كما التمس منهم فى العام الماضى، فاعتذروا له بأنهم اصطلحوا مع العثمانية، وليس فى قانون الملوك إذا كانوا مصطلحين أن يتعدوا على المصادقين، ولا يوجهوا نحوهم عساكر إلا بإذن منهم أو بالتماس المساعدة فى أمرمهم، فغاية ما يكون المكالمة والترجى. ففعلوا-وحصل ما تقدم ذكره-، ولم يتم الأمر، ولما خاطبهم بعد الذى جرى صادف ذلك وقوع الفتنة بينهم وبين العثمانية، فأرسلوا إلى المترجم يعدونه بإرسال ستة آلاف لمساعدته، فأقام بالجيزة ينتظر حضورهم نحو ثلاثة أشهر، وكان ذلك أوان القيظ وليس ثم زرع ولا نبات، فضاقت على جيوشه الناحية، وطال انتظاره للانكليز، فشكا العرب المجتمعون عليه وغيرهم شدة ما هم فيه من الجهد، وفى كل وقت يعدهم بالفرج، ويقول لهم:

«اصبروا ولم يبق إلا القليل» . فلما اشتد بهم الجهد اجتمعوا إليه، وقالوا له:«إما أن تنتقل معنا إلى ناحية قبلى، فإن أرض الله واسعة، وإما أن تأذن لنا فى الرحيل فى طلب القوت» . فما وسعه إلا الرحيل مكظوما مقهورا من معاندة الدهر فى بلوغ مآربه لأمور:

ص: 84

الأول: مجئ القبطان وموسى باشا-على الهيئة المتقدم ذكرها-ورجوعهما من غير طائل.

والثانى: عدم ملك دمنهور، وكان قصده أن يجعلها معقلا ويقيم بها حتى تأتيه النجدة.

والثالث: تأخير مجئ النجدة حتى قحطوا واضطروا إلى الرحيل/.

والرابع: وهو أعظمها، مجانبة إخوانه وعشيرته وخذلهم له وامتناعهم عن الانضمام إليه.

فارتحل من البحيرة بجيوشه وبمن معه من العرب، حتى وصل إلى الأخصام، وقد وصل إلى كفر حكيم يوم الثلاثاء ثامن عشر القعدة، وانتشرت جيوشه بالبر الغربى ناحية إنبابة والجيزة، ومرّ المترجم فى هيئة عظيمة وجيوش تسد الفضاء، وهم مرتبون طوابير ومعهم طبول، وصحبتهم قبائل العرب من أولاد على والهنادى وعرب الشرق فى كبكبة زائدة. ولم يزل سائرا حتى وصل إلى قريب قناطر شبرمنت، فنزل على علوة هناك وجلس عليها، وزاد به القهر ونظر إلى جهة مصر، وقال:«يا مصر انظرى إلى أولادك وهم متباعدون عنك ومتشتتون حولك» . وصار يردد هذا الكلام إلى أن تحرك به خلط دموى فتقايأ فى الحال، وقال:«قضى الأمر وخلصت مصر لغيرى» ، وما ثم من ينازعه ويطالبه.

ثم أحضر أمراءه وأمرّ عليهم جاهين بيك، وأوصاه بخشداشيه وأوصاهم عليه، وأن يحرصوا على دوام الألفة بينهم، وأوصاهم إذا مات يحملونه إلى وادى البهنساوية ويدفنونه بجوار قبور الشهداء. فمات فى تلك الليلة، وهي ليلة الأربعاء تاسع عشر ذى القعدة سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف، وعمره خمس وخمسون سنة. وكان موته فى ناحية المحرقة بالقرب من دهشور، ولما غسلوه وكفنوه، حملوه على بعير وأرسلوه إلى البهنسا فدفن هناك بجوار الشهداء كما أوصى بذلك، رحمه الله، ا. هـ.

وفى هذه المدينة-أعنى دمنهورا-دفن الشيخ عبد الرحمن الحلبى، وكان يقال له الدمنهورى لأنه تولى قضاءها زمنا.

ص: 85

[ترجمة الشيخ عبد الرحمن الحلبى الدمنهورى]

قال السخاوى فى الضوء اللامع

(1)

: هو عبد الرحمن بن أحمد بن أحمد بن أحمد ابن عبد الواحد بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود بن يوسف بن جابر التاج ابن فقيه حلب الشهاب الأذرعى الدمنهورى الشافعى. ولد بحلب سنة تسعة وخمسين وسبعمائة، فحفظ القرآن والمنهاج وتفقه بحلب ثم بالقاهرة على الشرف ابن غنوم وغيره، وما قدم القاهرة إلا بعد أن درس فى الأسدية بحلب. ثم ولى قضاء دمنهور الوحش زمنا، وكان فاضلا كيسا مشاركا فى العلوم مستحضر الأشياء حسنة، كتب الخط الحسن، وقال الشعر الجيد، وحدث فسمع منه الفضلاء. ومات فى يوم الثلاثاء العشرين من رمضان سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بدمنهور، وروى عنه المقريزى فى عقوده وغيرها: أن أباه قال له: إنه رأى فى منامه رجلا وقف أمامه وأنشده:

كيف نرجو استجابة لدعاء

قد سددنا طريقه بالذنوب

قال فأنشده إرتجالا:

كيف لا يستجيب ربى دعائى

وهو سبحانه دعانى إليه

مع رجائى لفضله وابتهالى

واتكالى فى كل خطب عليه

ا. هـ.

[ترجمة الشيخ محمد بن على الشمس الدمنهورى]

وفيه أيضا

(2)

، أن منها الشيخ محمد بن على بن عبد الرحمن بن عيسى بن أحمد ابن محمد الشمس الدمنهورى، ثم الفوّى الفخارى نسبة لبيع الفخار. ولد بدمنهور

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 4، ص 49.

(2)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 8، ص 187.

ص: 86

ونشأ بها، فقرأ القرآن واشتغل بالفقه على ابن الخلال وجماعة، وكتب عن السراج الأسوانى شيئا من نظمه وجلس ببلده لتعليم الأطفال فانتفع به، ومن نظمه:

إذا ما قضى الله فكن صابرا

وما قدر الله لاتنأ عنه

وكن حامدا شاكرا ذاكرا

فربى هو الكل والكل منه

وقوله: «إذا ما قضى الله» هو بحذف ألف الله التى قبل الهاء للوزن.

ونعم الرجل صلاحا وخيرا وأنسا. مات قريب الستين بعد الثمانمائة ظنا.

ا. هـ.

وقد نشأ من دمنهور المذكورة عدة من الأفاضل والعلماء والأعيان، ففى ذيل طبقات الشعرانى أن منها.

[ترجمة الشيخ ناصر الدين الدمنهورى]

العالم العلامة القائم فى دين الله تعالى بالتأييد والنصر من لا تأخذه فى الله لومة لائم المهاجر بأولاده وعياله فى طلب الزيادة من العلم، الشيخ ناصر الدين الدمنهورى رضي الله عنه.

قال الشعرانى: ما رأيت فى عصرنا قط من هاجر من بلاده فى طلب العلم هو وأولاده وعياله وله حرص عظيم على اتباع السنة المحمدية فى أحواله كلها غيره، وما رأيت بعد الشيخ شهاب الدين بن داود أحرص على اتباع السنة منه، وصدق الله من لقبه بناصر الدين فإنه يكاد يتميز من الغيظ إذا رأى أحدا يخالف السنة فى قوله أو فعله، وقام بهدم الكنيستين بناحية لقانة وببلده حتى هدمهما، وعارضه فى ذلك جمع من الولاة فخذلهم الله ونصره عليهم. وما رأيت مثله فى القيام بحق الأخوّة والصحبة والضيوف والواردين عليه فى بيته، لأن بيته مورد الخاص والعام. أينما حل أفتى ودرس العلم ببلاده. وما رأيته قط يأكل طعام أحد من الولاة وأعوانهم، وله تهجد

ص: 87

عظيم وأوراد عظيمة فى الليل، جميل المعاشرة حلو اللسان، كثير الحياء والأدب، لا يكاد يرفع رأسه فى وجه جليسه. فأسأل الله تعالى أن يزيده من فضله وأن ينفعنا ببركاته آمين. ا. هـ.

[ترجمة الشيخ أحمد بن عبد المنعم الدمنهورى]

وفى الجبرتى أن منها أيضا، العالم العلامة أوحد الزمان وفريد الأوان الشيخ أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهورى المذاهبى. ولد بها سنة إحدى ومائة وألف، وقدم الأزهر وهو/صغير. وكان يتيما فاشتغل بالعلم وجال فى تحصيله واجتهد فى تكميله، وأجازه علماء المذاهب الأربعة، وكانت له حافظة ومعرفة فى فنون غريبة، وأفتى على المذاهب الأربعة، وألف الكتب العديدة، وكان يدرس بالمشهد

الحسينى فى رمضان. وولى مشيخة الجامع الأزهر بعد موت الشيخ السجينى، وهابته الأمراء لكونه قوّالا للحق أمارا بالمعروف، وقصدته الملوك من الأطراف، وهادته بهدايا فاخرة. حج سنة سبع وسبعين ومائة وألف مع الركب المصرى، ولما وصل مكة أتى إليه رئيسها وعلماؤها لزيارته، وبعد حجه وعوده مدحه الشيخ الأدكاوى بقصيدة يهنيه فيها بذلك يقول فيها:

فقد سرنا وطاب الوقت وانشرحت

صدورنا حين صح العود للوطن

قرأ-المترجم-على أفقه الشافعية فى زمنه، الشيخ عبد ربه بن أحمد الديوى، شرح المنهج وشرح التحرير، وقرأ على الشهاب الخليفى نصف المنهج، وشرح ألفية العراقى فى المصطلح. وعلى الشنوانى شرح التحرير والمنهج وإيساغوجى وشرح الأربعين لابن حجر، وشرح الجوهرة لعبد السلام. وأخذ عن الشمس الغمرى شرح البهجة الوردية لشيخ الإسلام، وشرح الرملى على الزبد والمواهب للقسطلانى، وسيرة كل من ابن سيد الناس والحلبى. وقرأ على الشيخ عبد الجواد المرحومى ألفية

ص: 88

ابن الهائم فى الفرائض بشرحها لشيخ الإسلام وشباك ابن الهائم. وعلى الشيخ عبد الجواد الميدانى الدرة والطيبة، وشرح السعد على أصول الشاطبية لابن القاصح

وغير ذلك. وعلى الشيخ عبد الله الكنكسى الألفية والتوضيح وشرح السلم وشرح مختصر السنوسى مع حاشية اليوسى والمطول والمختصر للسعد، والخزرجية والكافى وألفية العراقى

وغير ذلك. وعلى الفقيه الشيخ محمد عبد العزيز الزيادى الحنفى متن الهداية، وشرح الكنز للزيلعى، والسراجية فى الفرائض

وغير ذلك. وعلى السيد محمد الريحاوى متن الكنز والأشباه والنظائر، وشيئا من المواقف من مبحث الأمور العامة. وأخذ عن الزعترى الميقات والحساب والمجيب والمقنطرات والمنحرفات، وشيئا من اللمعة. وعلى السحيمى منظومة الوفق المخمس وروضة العلوم. وعلى الشيخ سلامة الفيومى أشكال التأسيس. وعلى عبد الفتاح الدمياطى رسالة فى العمل بالكرة.

وللمترجم شيوخ أخر كالشهاب أحمد بن الخبازة، والشيخ حسام الدين الهندى، وحسين أفندى الواعظ، والشيخ محمد الفاس.

وأما مؤلفاته فهى كثيرة جدا منها:

حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون، ومنتهى الإرادات فى تحقيق الاستعارات، ونهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف، والفتح الربانى بمفردات ابن حنبل الشيبانى، وطريق الاهتداء بأحكام الإمامة والاقتداء على مذهب الإمام الأعظم، وإحياء الفؤاد بمعرفة خواص الأعداد، والرقائق الألمعية على الرسالة الوضعية، وعين الحياة فى استنباط المياه، والأنوار الساطعات على أشرف المربعات- وهو الوفق المئينى-، والقول الصريح فى علم التشريح، وإقامة الحجة الباهرة على هدم كنائس مصر والقاهرة، والزهر الباسم فى علم الطلاسم، ومنهج السلوك فى نصيحة الملوك، والكلام السديد فى تحرير علم التوحيد، وبلوع الأرب فى اسم سيد سلاطين العرب .... وغير ذلك، وغالبها رسائل صغيرة الحجم منثورة ومنظومة.

توفى المترجم عاشر شهر رجب سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف، وكان منزله ببولاق فخرج بمشهد حافل وصلى عليه بالأزهر، ودفن بالبستان، عليه رحمة الله.

ص: 89

(دمنهور شبرى)

قرية من مديرية القليوبية بضواحى مصر القاهرة، على الشط الشرقى للنيل فى شمال شبرى الخيمة بنحو ألف متر، وفى الجنوب الشرقى لقرية بيسوس بنحو ألفين وخمسمائة متر. وبها مسجد، وفى شرقيها بستاتين ذات فواكه.

وفى تاريخ بطارقة الإسكندرية، أنها تسمى أيضا دمنهور الشهيد وأنها كانت عامرة وذات أسقفية. ا. هـ. ولعل البحر جار عليها على تداول الأيام فأكلها وتجدد خلافها-كما يقع لكثير من البلاد التى على سواحله فقل أن تسلم من الانتقال مرارا.

(دموه)

بضم الدال والميم وسكون الواو وهاء خالصة، ثلاث قرى بمصر:

دموه قرية من ناحية الدقهلية بقرب دمياط. ودموه قرية من كورة الجيزة وفيها مسجد موسى عليه السلام يحجه اليهود على أميال من الفسطاط. ودموه اللاهون من الفيوم. (ا. هـ. من مشترك البلدان).

قلت: أما التى من ناحية الدقهلية، فيقال لها دموه السباخ وهى قرية بمركز دكرنس على الشط الغربى للبحر الصغير، وفى الجنوب الشرقى لناحية القباب الكبرى بنحو ألف ومائة متر، وفى الجنوب الغربى للقباب الصغرى بنحو ألف وستمائة متر.

وبها جامع بمنارة ومضيفة لعمدتها إبراهيم عنانى .. وبها أشجار وسواقى على البحر الصغير، وحديقة لعمدتها. وزمامها نحو ألف ومائتى فدان، وتكسب أهلها من القزازة والصيادة والزراعة.

وأما التى من كورة/الجيزة، فهى من قسم ثانى على الشط الغربى للبحر الأعظم فى تجاه ناحية طرا من البر الشرقى، وفى شرقى ناحية المنوات بنحو ألفى متر، وفى جنوب منيل سلطان بنحو ألفين وخمسمائة متر. وبها جامع، ولها سوق كل يوم اثنين، وبدائرها نخيل كثيرة جدا-وهى التى يقال لها طموه وقد ذكرناها فى حرف الطاء-.

وأما دموه اللاهون بمديرية الفيوم، فهى بقسم المدينة واقعة فى سفح جبل دموه

ص: 90

فى شمال ناحية هوارة القصب بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى شرقى ناحية العدوة بنحو أربعة آلاف متر، وبها جامع وبدائرها أشجار.

(دمياط)

بكسر الدال المهملة وسكون الميم وياء مثناة تحتية وألف وطاء مهملة-كما فى تقويم البلدان لأبى الفداء.

قال المقريزى فى خططه ما نصه: اعلم أن دمياط كورة من كور أرض مصر، بينها وبين تنيس اثنا عشر فرسخا. ويقال سميت بدمياط من ولد اشمن بن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام. ويقال إن إدريس، عليه السلام، كان أول ما أنزل عليه ذو القوة والجبروت (أنا الله مدين المدائن، الفلك بأمرى وصنعى، أجمع بين العذب والملح والنار والثلج وذلك بقدرتى ومكنون علمى الدال والميم والألف والطاء).

قيل هى بالسريانية دمياط، فتكون دمياط كلمة سريانية أصلها دمط -أى القدرة-إشارة إلى مجمع العذب والملح.

وقال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه: دمياط بلد قديم، بنى فى زمن قليمون بن أتريب بن قبطيم بن مصرايم، على اسم غلام كانت أمه ساحرة لقليمون .. ولما قدم المسلمون إلى أرض مصر، كان على دمياط رجل من أخوال المقوقس-يقال له الهاموك-فلما افتتح عمرو بن العاص، رضي الله عنه، مصر امتنع الهاموك بدمياط واستعد للقتال، فأنفذ إليه عمرو بن العاص المقداد بن الأسود فى طائفة من المسلمين فحاربهم الهاموك، وقتل ابنه فى الحرب فعاد إلى دمياط، وجمع إليه أصحابه وشاورهم فى أمره، وكان عنده حكيم قد حضر الشورى، فقال:«أيها الملك إن جوهرة العقل لا قيمة لها وما استغنى بها أحد إلا هدته إلى سبيل النجاة والفوز من الهلاك، وهؤلاء العرب من بدء أمرهم لم تردّ لهم راية، وقد فتحوا البلاد وأذلوا العباد وما لأحد عليهم قدرة ولسنا بأشدّ من جيوش الشام ولا أعز وأمنع، وإن القوم أيدوا بالنصر والظفر، والرأى أن تعقد مع القوم صلحا ننال به الأمن وحقن الدماء وصيانة الحرم، فما أنت بأكثر رجالا من المقوقس» ، فلم يعبأ الهاموك بقوله وغضب منه وقتله. وكان له ابن عارف عاقل وله دار ملاصقة للسور، فخرج إلى المسلمين فى

ص: 91

الليل ودلهم على عورات البلد، فاستولى المسلمون عليها وتمكنوا منها، وبرز الهاموك للحرب فلم يشعر بالمسلمين إلا وهم يكبرون على سور البلد وقد ملكوه. فعند ما رأى شطا بن الهاموك المسلمين فوق السور لحق بالمسلمين ومعه عدة من أصحابه، ففت ذلك فى عضد أبيه واستأمن للمقدار، فتسلم المسلمون دمياط. واستخلف المقداد عليها وسير بخبر الفتح إلى عمرو بن العاص، وخرج شطا بن الهاموك، رضي الله عنه، وقد أسلم إلى البرلس والدميرة وأشمون طناح، فحشد أهل تلك النواحى وقدم بهم مدد للمسلمين وعونا لهم على عدوّهم، وسار بهم مع المسلمين لفتح تنيس وجزائرها، فبرز لأهلها وقاتلهم قتالا شديدا حتى قتل رحمه الله فى المعركة شهيدا، بعد ما أنكى فيهم وقتل منهم. فحمل من المعركة ودفن فى مكانه المعروف به خارج دمياط، وكان قتله رضي الله عنه فى ليلة الجمعة النصف من شعبان، فلذلك صارت هذه الليلة من كل سنة موسما يجتمع الناس فيها من النواحى عند شطا ويحيونها وهم على ذلك إلى اليوم.

وما زالت دمياط بيد المسلمين إلى أن نزل عليها الروم فى سنة تسعين من الهجرة، فأسروا خالد بن كيسان وكان على البحر هناك وسيروه إلى ملك الروم، فأنفذه إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك من أجل الهدنة التى كانت بينه وبين الروم.

فلما كانت خلافة هشام بن عبد الملك نازل الروم دمياط فى ثلثمائة وستين مركبا، فقتلوا وسبوا، وذلك فى سنة إحدى وعشرين ومائة.

ولما كانت الفتنة بين الأخوين محمد الأمين وعبد الله المأمون وكانت الفتن بأرض مصر، طمع الروم فى البلاد ونازلوا دمياط فى أعوام بضع ومائتين.

ثم لما كانت خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله-أمير مصر يومئذ عنبسة بن اسحق-نازل الروم دمياط يوم عرفة من سنة ثمان وثلاثين ومائتين، فملكوها وما فيها، وقتلوا بها جمعا كثيرا من المسلمين وسبوا النساء والأطفال وأهل الذمة، فنفر إليهم عنبسة بن اسحق يوم النحر فى جيشه ونفر كثير من الناس إليهم فلم يدركوهم، ومضى الروم إلى تنيس فأقاموا بأشتومها فلم يتبعهم عنبسة، فقال يحيى بن الفضل للمتوكل أمير المؤمنين:

ص: 92

أترضى بأن يوطأ حريمك عنوة

وأن يستباح المسلمين ويحربوا

حمار أتى دمياط والروم وثب

بتنيس رأى العين منه وأقرب

مقيمون بالأشتوم يبغون مثل ما

أصابوه من دمياط والحرب ترتب/

فما رام من دمياط شبرا ولا درى

من العجز ما يأتى وما يتجنب

فلا تنسنا إنا بدار مضيعة

بمصر وأن الدين قد كاد يذهب

فأمر المتوكل ببناء حصن دمياط، فابتدئ فى بنائه يوم الاثنين لثلاث خلون من شهر رمضان سنة تسع وثلاثين، وأنشأ من حينئذ الأسطول بمصر.

فلما كان فى سنة سبع طرق الروم دمياط فى نحو مائتى مركب، فأقاموا يعبثون فى السواحل شهرا وهم يقتلون ويأسرون، وكان للمسلمين معهم معارك.

ثم لما كانت الفتن بعد موت كافور الإخشيدى طرق الروم دمياط لعشر خلون من رجب سنة سبع وخمسين وثلثمائة فى بضع وعشرين مركبا، فقتلوا وأسروا مائة وخمسين من المسلمين.

[السمكة العظيمة التى ظهرت بدمياط]

وفى سنة ثمان وأربعمائة ظهر بدمياط سمكة عظيمة طولها مائتان وستون ذراعا وعرضها مائة ذراع، وكانت حمير الملح تدخل فى جوفها موسوقة فتفرغ وتخرج، ووقف خمسة رجال فى قحفها ومعهم المجاريف يجرفون الشحم ويناولونه الناس، وأقام أهل تلك النواحى مدة طويلة يأكلون من لحمها.

وفى أيام الخليفة الفائز بنصر الله عيسى، والوزير حينئذ الصالح طلائع بن رزيك، أنزل على دمياط نحو ستين مركبا فى جمادى الآخرة سنة خمسين وخمسمائة بعث بها لوجيز بن رجاو صاحب صقلية، فعاثوا وقتلوا ونزلوا بتنيس ورشيد والإسكندرية، فأكثروا فيها الفساد.

ثم كانت خلافة العاضد لدين الله فى وزارة شاور بن مجير السعدى-الوزارة الثانية-عند ما حضر ملك الإفرنج مرى إلى القاهرة وحصرها وقرر على أهلها المال

ص: 93

واحترقت مدينة الفسطاط فنزل على تنيس وأشموم ومنية غمر، وصاحب أسطول الإفرنج فى عشرين شونة، فقتل وأسر وسبى.

[واقعة دمياط سنة خمس وستين وخمسمائة]

وفى وزارة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب للعاضد، وصل الافرنج إلى دمياط فى شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وخمسمائة، وهم فيما يزيد على ألف ومائتى مركب، فخرجت العساكر من القاهرة وقد بلغت النفقة عليهم زيادة على خمسمائة ألف وخمسين ألف دينار، فأقامت الحرب مدة خمسة وخمسين يوما، وكانت صعبة شديدة. واتهم فى هذه النوبة عدة من أعيان المصريين بممالأة الإفرنج ومكاتبتهم وقبض عليهم الملك الناصر وقتلهم.

وكان سبب هذه النوبة أن الغز لما قدموا إلى مصر من الشام صحبة أسد الدين شيركوه تحرك الإفرنج لغزو ديار مصر خشية من تمكن الغز بها، فاستمدوا إخوانهم أهل صقلية فأمدّوهم بالأموال والسلاح، وبعثوا إليهم بعدّة وافرة، فساروا بالدبابات والمجانيق، ونزلوا على دمياط فى صفر-وهم فى العدة التى ذكرنا من المراكب- وأحاطوا بها بحرا وبرا. فبعث السلطان بابن أخيه تقى الدين عمرو وأتبعه بالأمير شهاب الدين الحازمى فى العساكر إلى دمياط، وأمدّهما بالأموال والميرة والسلاح، واشتد الأمر على أهل دمياط وهم ثابتون على محاربة الافرنج، فسير صلاح الدين إلى نور الدين محمود بن زنكى صاحب الشام يستنجده، ويعلمه بأنه لا يمكنه الخروج من القاهرة إلى لقاء الافرنج خوفا من قيام المصريين عليه، فجهز إليه العساكر شيئا بعد شئ، وخرج نور الدين من دمشق بنفسه إلى بلاد الافرنج التى بالساحل وأغار عليها واستباحها، فبلغ ذلك الإفرنج وهم على دمياط، فخافوا على بلادهم من نور الدين أن يتمكن منها، فرحلوا عن دمياط فى الخامس والعشرين من ربيع الأول بعد ما غرق لهم نحو ثلثمائة مركب، وقلت رجالهم بفناء وقع فيهم، وأحرقوا ما ثقل عليهم حمله من المنجنيقات وغيرها. وكان صلاح الدين يقول:«ما رأيت أكرم من العاضد أرسل إلىّ مدة مقام الافرنج ألف ألف دينار سوى ما أرسله إلىّ من الثياب وغيرها» .

ص: 94

وفى سنة سبع وسبعين وخمسمائة رتبت المقاتلة على البرجين وشدت مراكب إلى السلسلة ليقاتل عليها ويدافع عن الدخول من بين البرجين، وأصلح شعث سور المدينة وسد ثلمة، واتقنت السلسلة التى بين البرجين، فبلغت النفقة على ذلك ألف ألف دينار واعتبر السور فكان قياسه أربعة آلاف وستمائة وثلاثين ذراعا.

وفى سنة ثمان وثمانين وخمسمائة أمر السلطان بقطع أشجار بساتين دمياط وحفر خندقها وعمل جسر عند سلسلة البرج.

[واقعة دمياط العظمى سنة خمس عشرة وستمائة]

وفى سنة خمس عشرة وستمائة كانت واقعة دمياط العظمى. وكان سبب هذه الواقعة أن الإفرنج فى سنة أربع عشرة وستمائة تتابعت إمدادهم من رومية الكبرى- مقرّ البابا-ومن غيرها من بلاد الافرنج، وساروا إلى مدينة عكا، فاجتمع بها عدة من ملوك الافرنج وتعاقدوا على قصد القدس وأخذه من أيدى المسلمين، فصاروا بعكا فى جمع عظيم. وبلغ ذلك الملك أبا بكر بن أيوب فخرج من مصر فى العساكر إلى الرملة فبرز الافرنج من عكا فى جموع عظيمة، فسار العادل إلى بيسان، فقصده الإفرنج فخافهم لكثرتهم وقلة عسكره، فأخذ على عقبة فيق يريد دمشق، وكان أهل بيسان وما حولها قد اطمأنوا لنزول السلطان هناك فأقاموا فى أماكنهم، وما هو إلا أن سار/ السلطان وإذا بالإفرنج قد وضعوا السيف فى الناس ونهبوا البلاد، فحازوا من أموال المسلمين ما لا يحصى كثرة، وأخذوا بيسان وبانياس وسائر القرى التى هناك، وأقاموا ثلاثة أيام ثم عادوا إلى مرج عكا بالغنائم والسبى، وهلك من المسلمين خلق كثير، فاستراح الإفرنج بالمرج أياما، ثم عادوا ثانيا ونهبوا صيدا والشقيف، وعادوا إلى مرج عكا فأقاموا به، وكان ذلك كله فيما بين النصف من شهر رمضان وعيد الفطر، والملك العادل مقيم بمرج الصفر وقد سير ابنه المعظم عيسى بعسكر إلى نابلس لمنع الإفرنج من طروقها والوصول إلى بيت المقدس، فنازل الافرنج قلعة الطور سبعة عشر يوما ثم عادوا إلى عكا وعزموا على قصد الديار المصرية، فركبوا بجموعهم البحر وساروا إلى دمياط فى صفر فنزلوا عليها يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول سنة خمس عشرة وستمائة الموافق لثامن حيزيران، وهم نحو سبعين ألف فارس وأربعمائة ألف راجل،

ص: 95

فخيموا تجاه دمياط فى البر الغربى وحفروا على عسكرهم خندقا وأقاموا عليه سورا وشرعوا فى قتال برج دمياط، فإنه كان برجا منيعا فيه سلاسل من حديد غلاظ تمد على النيل لتمنع المراكب الواصلة فى البحر الملح من الدخول إلى ديار مصر فى النيل، وذلك أن النيل إذا انتهى إلى فسطاط مصر مرّ عليه فى ناحية الشمال إلى شطنوف، فإذا صار إلى شطنوف انقسم إلى قسمين: أحدهما يمر فى الشمال إلى رشيد فيصب فى البحر الملح، والشطر الآخر يمر من شطنوف إلى جوجر، ثم يتفرق من عند جوجر فرقتين: فرقة تمر إلى أشموم فتصب فى بحيرة تنيس، وفرقة تمر من جوجر إلى دمياط فتصب فى البحر الملح هناك، وتصير هذه الفرقة من النيل فاصلة بين مدينة دمياط والبر الغربى، وهذا البر الغربى من دمياط يعرف بجزيرة دمياط يحيط بها ماء النيل والبحر الملح.

وفى مدة إقامة الافرنج بهذا البر الغربى عملوا الآلات والمراسى وأقاموا أبراجا يزحفون بها فى المراكب إلى برج السلسلة ليملكوه، فإنهم إذا ملكوه تمكنوا من العبور فى النيل إلى القاهرة ومصر، وكان هذا البرج مشحونا بالمقاتلة، فتحيل الفرنج عليه وعملوا برجا من الصوارى على بسطة كبيرة وأقلعوا بها حتى أسندوها إليه وقاتلوا من به حتى أخذوه. فبلغ نزول الفرنج على دمياط الملك الكامل، وكان يخلف أباه الملك العادل على ديار مصر، فخرج بمن معه من العساكر فى ثالث يوم من وقوع الطائر بخبر نزول الفرنج لخمس خلون منه، وأمر والى الغربية بجمع العرب، وسار فى جمع كبير وخرج الأسطول، فأقام تحت دمياط. ونزل السلطان بمن معه من العساكر بمنزلة العادلية قرب دمياط، واشتدت عساكره إلى دمياط لتمنع الفرنج من السور، والقتال مستمر والبرج ممتنع مدة أربعة أشهر، والعادل يسير العساكر من البلاد الشامية شيئا بعد شئ حتى تكاملت عند الملك الكامل، واهتم الملك لنزول الفرنج على دمياط واشتد خوفه، فرحل من مرج الصفر إلى عالفين فنزل به المرض ومات فى سابع جمادى الآخرة، فكتم الملك المعظم عيسى موته، وحمله فى محفة وجعل عنده خادما وطبيبا راكبا إلى جانب المحفة والشرابدار يصلح الشراب ويحمله إلى الخادم فيشر به ويوهم الناس أن السلطان شربه، إلى أن دخلوا به إلى قلعة دمشق وصارت إليه الخزائن والبيوتات فأعلم بموته وتسلم ابنه الملك المعظم جميع ما كان معه، ودفنه بالقلعة ثم نقله إلى مدرسة العادلية بدمشق. وبلغ الملك الكامل موت أبيه وهو بمنزلة العادلية-

ص: 96

قرب دمياط -فاستقل بمملكة ديار مصر. واشتد الفرنج وألحوا فى القتال حتى استولوا على برج السلسلة وقطعوا السلاسل المتصلة به لتجوز مراكبهم فى بحر النيل ويتمكنوا من البلاد. فنصب الملك الكامل بدل السلاسل جسرا عظيما لمنع الفرنج من عبور النيل فقاتلت الفرنج عليه قتالا شديدا إلى أن قطعوه، وكان قد أنفق على البرج والجسر ما ينيف عن سبعين ألف دينار. وكان الكامل يركب فى كل يوم عدّة مرار من العادلية إلى دمياط لتدبير الأمور وإعمال الحيلة فى مكايدة الفرنج، فأمر الملك الكامل أن يفرق عدة من المراكب فى النيل حتى تمتنع الفرنج من سلوك النيل، فعمد الفرنج إلى خليج هناك، يعرف بالأزرق كان النيل يجرى فيه قديما، فحفروه وعمقوا حفره وأجروا فيه الماء إلى البحر الملح، وأصعدوا مراكبهم فيه إلى بورة على أرض جزيرة دمياط، مقابل المنزلة التى بها السلطان ليقاتلوه من هناك، فلما صاروا فى بورة جاؤه وقاتلوه فى الماء وزحفوا إليه عدة مرار فلم يظفروا منه بطائل ولم يتغير على أهل دمياط شئ لأن الميرة والإمداد متصلة إليهم والنيل يحجز بينهم وبين الفرنج وأبواب المدينة مفتحة وليس عليها من الحصر ضيق ولا ضرر، والعرب تتخطف الفرنج فى كل ليلة بحيث امتنعوا من الرقاد خوفا من غاراتهم. فلما قوى طمع العرب فى الفرنج حتى صاروا يخطفونهم نهارا ويأخذون الخيم بمن فيها، أكمن الفرنج لهم عدّة كمناء وقتلوا منهم خلقا كثيرا. وأدرك الناس الشتاء وهاج البحر على مخيم المسلمين وغرقهم/ فعظم البلاء وتزايد الغم. وألح الفرنج فى القتال وكادوا أن يملكوا، فبعث الله ريحا قطعت مراسى مرمة الفرنج، وكانت من عجائب الدنيا، فمرت إلى بر المسلمين فأخذوها، فإذا هى مصفحة بالحديد لا تعمل فيها النار ومساحتها خمسمائة ذراع فكسروها فإذا فيها مسامير زنة الواحد منها خمسة وعشرون رطلا.

وبعث الكامل إلى الآفاق سبعين رسولا يستنجد أهل الإسلام لنصرة المسلمين ويخوفهم من غلبة الفرنج على مصر، فساروا فى شوال وأتته النجدات من حماة وحلب.

وبينما الناس فى ذلك إذ طمع الأمير عماد الدين أحمد ابن الأمير سيف الدين أبى الحسين على بن أحمد الهكارى-المعروف بابن المشطوب-فى الملك الكامل عند ما بلغه موت الملك العادل، وكان له لفيف ينقادون إليه ويطيعونه. وكان أميرا كبيرا مقدّما عظيما فى الأكراد الهكارية، وافر الحرمة عند الملوك، معدودا بينهم مثل واحد

ص: 97

منهم، وكان مع ذلك علىّ الهمة غزير الجود واسع الكرم شجاعا أبىّ النفس تهابه الملوك، وله الوقائع المشهورة، وهو من أمراء دولة صلاح الدين يوسف. فاتفق مع جماعة من الجند والأكراد على خلع الملك الكامل، وإقامة أخيه الملك الفائز إبراهيم ليصير له الحكم، ووافقه الأمير عز الدين الحميدى والأمير أسد الدين الهكارى والأمير مجاهد الدين وجماعة من الأمراء.

فلما بلغ ذلك الملك الكامل، دخل عليهم وهم مجتمعون والمصحف بين أيديهم ليحلفوا للفائز، فلما رأوه انفضوا، فخشى على نفسه فخرج، فاتفق وصول الصاحب صفى الدين بن سكر من آمد إلى الملك الكامل، فإنه كان استدعاه بعد موت أبيه، فتلقاه وأكرمه، وذكر له ما هو فيه، فضمن له تحصيل المال.

فلما كان الليل ركب الملك الكامل وتوجه من العادلية فى جريدة إلى أشموم طناح فنزلها، وأصبح العسكر بغير سلطان، فركب كل منهم هواه، ولم يعطف الأخ على أخيه، وتركوا أثقالهم وخيامهم وأموالهم وأسلحتهم ولحقوا بالسلطان. فبادر الفرنج فى الصباح إلى مدينة دمياط، ونزلوا البر الشرقى يوم الثلاثاء سادس عشر ذى القعدة بغير منازع ولا مدافع، وأخذوا سائر ما كان فى عسكر المسلمين، وكان شيئا لا يحيط به الوصف، وداخل السلطان وهم عظيم، وكاد أن يفارق البلاد، فإنه تخيل الفزع من جميع من معه. واشتد طمع الفرنج فى أرض مصر كلها وظنوا أنهم قد ملكوها، إلا أن الله سبحانه وتعالى أغاث المسلمين، وثبت السلطان، ووافاه أخوه الملك المعظم بأشموم طناح، فاشتد به أزره وقوى جأشه، وأطلعه على ما كان من ابن المشطوف، فوعده بإزاحة ما يكره. ثم إن الملك المعظم ركب إلى خيمة ابن المشطوف، واستدعاه للركوب معه ومسايرته، فاستمهله حتى يلبس خفيه وثياب الركوب، فلم يمهله وأعجله، فركب معه وسايره حتى خرج به من العسكر الكاملى، ثم قال له:«يا عماد الدين هذه البلاد لك، وأشتهى أن تهبها لنا» ، وأعطاه نفقة وسلمه إلى جماعة من أصحابه يثق بهم، وقال لهم:«أخرجوه من الرمل ولا تفارقوه حتى يخرج من الشام» . فلم يسع ابن المشطوف إلا امتثال ما قال المعظم، لأنه معه بمفرده ولا قدرة له على الممانعة، فساروا به إلى حماة، ثم مضى إلى المشرق.

ص: 98

ولما شيع الملك المعظم ابن المشطوب رجع إلى الملك الكامل، وأمر أخاه الفائز إبراهيم أن يسير إلى ملوك الشام فى رسالة عن أخيه الملك الكامل لاستدعائهم إلى قتال الفرنج، فمضى إلى دمشق وخرج منها إلى حماة، فمات بها مسموما-على ما قيل- فثبت للملك الكامل أمر الملك وسكن روعة. هذا والفرنج قد أحاطوا بدمياط برا وبحرا وأحدقوا وضيقوا على أهلها، ومنعوا القوت من الوصول إليهم، وحفروا على عسكرهم المحيط بدمياط خندقا، وبنوا عليه سورا، وأهل دمياط يقاتلونهم أشد القتال ويمانعوهم، وقد غلت عندهم الأسعار لقلة الأقوات. ثم إن المعظم فارق الملك الكامل وسار إلى بلاد الشام وأقام الكامل لمحاربة الفرنج، وانتدب شمائل-أحد الجاندارية فى الركاب-للدخول إلى دمياط، فكان يسبح فى الماء ويصل إلى أهل دمياط فيعدهم بوصول النجدات، فحظى بذلك عند الكامل وتقرب منه حتى جعله والى القاهرة، وإليه تنسب خزانة شمائل بالقاهرة.

فلم يزل الحال على ذلك إلى أن دخلت سنة ست عشرة، فجهز الملك المنصور محمد ابن عمرو بن شاهنشاه بن أيوب، صاحب حماة، ابنه المظفر تقى الدين محمود إلى مصر نجدة لخاله الملك الكامل على الفرنج فى جيش كثيف، فوصل إلى العسكر وتلقاه الملك الكامل، وأنزله فى ميمنة العسكر-منزلة أبيه وجدّه عند السلطان صلاح الدين يوسف-، فألح الفرنج فى القتال، وكان بدمياط نحو عشرين ألف مقاتل، فنهكتهم الأمراض وغلت عندهم الأسعار، حتى بلغت بيضة الدجاجة عندهم عدة دنانير.

قال الحافظ عبد العظيم المنذرى: سمعت الشيخ أبا الحسن علىّ بن فضل يقول:

كان لبعض بنى خيار بقرة فذبحوها وباعوها فى الحصار، فجاء ثمنها ثمانمائة دينار.

وقال فى المعجم المترجم: سمعت الأمير أبا بكر بن حسن بن خسويام يقول: كنت بدمياط فى حصار العدوّ بها، فبيع رطل السكر/بها بمائة وأربعين دينارا، والدجاجة بثلاثين دينارا. قال: واشتريت ثلاث دجاجات بتسعين دينارا، والراوية بأربعين درهما، والقبر يحفر بأربعين مثقالا، وأخذت أختى جملا فشقت جوفه وملأته دجاجا وفاكهة وبقلا وغير ذلك، وخاطته ورمته فى البحر، وكتبت إلىّ تقول: قد فعلت كذا، فإذا رأيتم جملا ميتا فخذوه، فوقع لنا ليلا فأخذناه، وكان فيه ما يساوى جملة ففرقته على الناس، ثم عمل بعد ذلك ثلاثة جمال على هيئته ففطن لها الفرنج فأخذوها، وامتلأت مساكنهم وطرقات البلد من الموتى، وعدمت الأقوات وصارت عزة

ص: 99

السكر كعزة الياقوت، وفقدت اللحوم فلم يقدر عليها بوجه، وآلت بهم الحال إلى أن لم يبق بها سوى قليل من القمح والشعير فقط، فتسوّر الفرنج وأخذوا منه البلد فى يوم الثلاثاء لخمس بقين من شعبان، وكانت مدة الحصار ستة عشر شهرا واثنين وعشرين يوما.

ولما أخذوا البلد وضعوا السيف فى الناس، فتجاوزوا الحد فى القتل، وأسرفوا فى مقدار القتلى، وبلغ ذلك السلطان فرحل بعد أخذ دمياط بيومين ونزل قبالة طلخا على رأس بحر أشموم ورأس بحر دمياط وحيز فى المنزلة التى يقال لها المنصورة. وحصن الفرنج أسوار دمياط وجعلوا الجامع كنيسة، وبثوا سراياهم فى القرى، فقتلوا ونهبوا. وسير السلطان الكتب إلى الآفاق ليستحث الناس على الحضور لدفع الفرنج عن ملك مصر. وشرع العسكر فى بناء الدور والفنادق والحمامات والأسواق بمنزلة المنصورة، وجهز الفرنج من أسروه من المسلمين فى البحر إلى عكا، وخرجوا من دمياط ونازلوا السلطان تجاه المنصورة وصار بينهم وبينه بحر أشموم وبحر دمياط، وكان الفرنج فى مائتى ألف راجل وعشرة آلاف فارس، فقدّم المسلمون شوانيهم أمام المنصورة، وعدتها مائة قطعة، واجتمع الناس من القاهرة ومصر وسائر النواحى من أسوان إلى القاهرة. ووصل الأمير حسام الدين يونس والفقيه تقى الدين أبو طاهر محمد بن الحسن بن عبد الرحمن المحلى، فأخرجا الناس من القاهرة ومصر، ونودى بالنفير العام، وخرج الأمير علاء الدين جلدك وجمال الدين بن صيرم لجمع الناس فيما بين القاهرة إلى آخر الحوف الشرقى، فاجتمع عالم لا يقع عليه حصر، وأنزل السلطان على ناحية شارمساح ألف فارس فى آلاف من العرب ليحولوا بين الفرنج ودمياط. وسارت الشوانى ومعها حراقة كبيرة على رأس بحر المحلة وعليها الأمير بدر الدين حسون، فانقطعت الميرة عن الفرنج من البر والبحر، وسارت عساكر المسلمين من الشرق والشام إلى الديار المصرية. وكان قد خرج الفرنج من داخل البحر لمدد الفرنج على دمياط، فقدم منهم أمم لا تحصى يريدون التوغل فى أرض مصر، فلما تكاملوا بدمياط خرجوا منها فى عدهم وعديدهم ونزلوا تجاه الملك الكامل، كما تقدم، فقدم النجدات يقدمها الملك الأشرف موسى بن العادل وعلى ساقتها الملك المعظم عيسى، فتلقاهم الملك الكامل وأنزلهم عنده بالمنصورة فى الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثمانى عشرة، وتتابع مجئ الملوك حتى بلغت عدة فرسان المسلمين نحو أربعين

ص: 100

ألف فارس، فحاربوا الفرنج فى البر والبحر، وأخذوا منهم ست شوانى وجلاسة وبطسة، وأسروا من الفرنج ألفين ومائتين، ثم ظفر المسلمون بثلاث قطائع أخر، فتضعضع الفرنج لذلك وضاق بهم المقام، فبعثوا يطلبون الصلح،-فقدم عند مجئ رسلهم أهل الإسكندرية فى ثمانية آلاف مقاتل-، وكان الذى طلبه الفرنج القدس وعسقلان وطبرية وجبلة واللاذقية، وسائر ما فتحه السلطان صلاح الدين يوسف من الساحل، ليرحلوا عن ديار مصر، فبذل المسلمون لهم سائر ما ذكر من البلاد خلا مدينة الكرك والشوبك، فامتنع الفرنج من الصلح، وقالوا: لا بد من أخذهم-الكرك والشوبك-ومبلغ ثلثمائة ألف دينار عوضا عما خرّبه الملك المعظم عيسى صاحب دمشق من أسوار القدس، وكان المعظم لما مات أبوه العادل واستولى الفرنج على دمياط، ونازلوا الملك الكامل قبالة المنصورة، خاف أن يصل منهم فى البحر من يأخذ القدس ويتحصنوا به، فأمر بتخريب أسواره، وكانت أسواره وأبراجه فى غاية العظمة والمنعة، فأتى الهدم على جميعها، ما خلا برج داود، وانتقل الناس من القدس ولم يبق إلا القليل، ونقل المعظم ما كان بالقدس من الأسلحة والآلات، فامتنع المسلمون من إجابة الفرنج إلى ذلك وقاتلوهم، وعبر جماعة من المسلمين فى بحر المحلة إلى الأرض التى عليها الفرنج وحفروا مكانا عظيما فى النيل-وكان فى قوة الزيادة- فركب الماء أكثر تلك الأرض وصار حائلا بين الفرنج ومدينة دمياط وانحصروا، فلم يبق لهم سوى طريق ضيقة، فأمر السلطان للوقت بنصب الجسور عند أشموم طناح، فعبرت العساكر عليها وملكت الطريق الذى يسلكه الفرنج إلى دمياط إذا أرادوا الوصول إليها، فاضطربوا وضاقت عليهم الأرض، واتفق مع ذلك وصول مرمة عظيمة للفرنج فى البحر حولها عدة حراقات تحميها وقد ملئت كلها بالميرة/ والأسلحة، فقاتلتهم شوانى المسلمين، وظفرها الله بهم، فأخذها المسلمون. وعند ما علم الفرنج ذلك أيقنوا بالهلاك، وصار المسلمون يرمونهم بالنشاب ويحملون على أطرافهم، فهدموا حينئذ خيامهم ومجانيقهم وألقوا فيها النار وهموا بالزحف على المسلمين ومقاتلتهم ليخلصوا إلى دمياط، فحال بينهم وبين ذلك كثرة الوحل والمياه الراكبة على الأرض، وخشوا من الإقامة لقلة أقواتهم، فذلوا وسألوا الأمان، على أن يتركوا دمياط للمسلمين. فاستشار السلطان فى ذلك، فاختلف الناس عليه، فمنهم من امتنع من تأمين الفرنج ورأى أن يؤخذوا عنوة، ومنهم من جنح إلى إعطائهم الأمان

ص: 101

خوفا ممن وراءهم من الفرنج فى الجزائر وغيرها، ثم اتفقوا على الأمان وأن يعطى كل من الفريقين رهائن، فتقرر ذلك فى تاسع شهر رجب سنة ثمانى عشرة. وسير الفرنج عشرين ملكا رهنا عند الملك الكامل، وبعث الملك الكامل بابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب وجماعة من الأمراء إلى الفرنج. وجلس السلطان مجلسا عظيما لقدوم ملوك الفرنج وقد وقف أخوته وأهل بيته بين يديه، وصار فى أبهة وناموس مهاب، وخرج قسوس الفرنج ورهبانهم إلى دمياط فسلموها للمسلمين فى تاسع عشرة، وكان يوم تسليمها يوما عظيما، وعند ما تسلم المسلمون دمياط وصارت بأيديهم قدمت نجدة فى البحر للفرنج، فكان من جميل صنع الله تأخرها حتى ملكت دمياط بأيدى المسلمين، فإنها لو قدمت قبل ذلك لقوى بها الفرنج، فإن المسلمين وجدوا مدينة دمياط قد حصنها الفرنج وصارت بحيث لا ترام.

ولما تم الأمر بعث الفرنج بولد السلطان وأمرائه إليه، وسير إليهم السلطان من كان عنده من الملوك فى الرهن، وتقررت الهدنة بين الفرنج والمسلمين مدة ثمانى سنين. وكان مما وقع الصلح عليه أن كلا من المسلمين والفرنج يطلق ما عنده من الأسرى، وحلف السلطان وإخوته، وحلفت ملوك الفرنج.

وتفرق الناس إلى بلادهم، ودخل الملك الكامل إلى دمياط بأخوته وعساكره، وكان يوم دخوله إليها من الأيام المذكورة. ورحل الفرنج إلى بلادهم وعاد السلطان إلى مقر ملكه، وأطلقت الأسرى من ديار مصر، وكان فيهم من له من أيام السلطان صلاح الدين يوسف. وسارت ملوك الشام بعساكرها إلى بلادها. وعمت بشارة أخذ المسلمين مدينة دمياط من الفرنج سائر الآفاق، فإن التتر كانوا قد استولوا على ممالك المشرق، فاشرف الفرنج على أخذ ديار مصر من أيدى المسلمين، وكانت مدة استيلائهم على مدينة دمياط سنة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يوما.

فلما كان فى سنة ست وأربعين وستمائة، حدث بالسلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد، ورم فى مأبضه-أى باطن ركبته-تكوّن منه ناسور فتح، وعسر برؤه، فمرض من ذلك وانضاف إليه قرحة فى الصدر، فلزم الفراش، إلا أن علوّ همته اقتضى مسيره من ديار مصر إلى الشام، فسار فى محفة، ونزل بقلعة دمشق، فورد عليه رسول الامبراطور ملك الفرنج الألمانية بجزيرة صقلية،

ص: 102

فى هيئة تاجر، وأخبره سرا بأن بواش-الذى يقال له روادى فرنس-عازم على المسير إلى أرض مصر وأخذها، فسار السلطان من دمشق وهو مريض فى محفة، ونزل بأشموم طناح فى المحرم سنة سبع وأربعين، وجمع فى مدينة دمياط من الأقوات والأزواد والأسلحة وآلات القتال شيئا كثيرا خوفا أن يجرى على دمياط ما جرى فى أيام أبيه فأخذت بغير ذلك.

ولما نزل السلطان بأشموم كتب إلى الأمير حسام الدين أبى على بن أبى على الهديانى، نائبه بديار مصر، أن يجهز الأسطول من صناعة مصر، فشرع فى الاهتمام بذلك، وشحن الأسطول بالرجال والسلاح وسائر ما يحتاج إليه وسيره شيئا بعد شئ.

وجهز السلطان الأمير فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ ومعه الأمراء والعساكر، فنزل بحيرة دمياط من برها الغربى وصار النيل بينه وبينها. فلما كان فى الساعة الثانية من نهار الجمعة لتسع بقين من صفر وردت مراكب الفرنج البحريين، وفيها جموعهم العظيمة، وقد انضم إليهم فرنج الساحل، وأرسوا بإزاء المسلمين، وبعث ملكهم إلى السلطان كتابا نصه:

«أما بعد، فإنه لم يخف عليك أنى أمين الأمة العيسوية، كما أنه لا يخفى علّى أنك أمين الأمة المحمدية، وغير خاف عليك أن عندنا أهل جزائر الأندلس، وما يحملونه إلينا من الأموال والهدايا، ونحن نسوقهم سوق البقر، ونقتل منهم الرجال ونرمل النساء ونستأسر البنات والصبيان، ونخلى منهم الديار. وأنا قد أبديت لك ما فيه الكفاية وبدلت لك النصح إلى النهاية، فلو حلفت لى بكل الأيمان وأدخلت علىّ الأقساس والرهبان، وحملت قدامى الشمع طاعة للصلبان، لكنت واصلا إليك وقاتلك فى أعز البقاع عليك، فإما أن تكون البلاد لى فياهدية حصلت فى يدى، وإما أن تكون البلاد لك والغلبة علىّ، فيدك العليا ممتدة إلىّ، وقد عرفتك وحذرتك من عساكر حضرت فى طاعتى، تملأ السهل والجبل، وعددهم كعدد الحصا، وهم مرسلون إليك بأسياف القضاء» .

فلما قرئ الكتاب على السلطان وقد اشتد به/المرض بكى واسترجع، فكتب

ص: 103

القاضى بهاء الدين زهير بن محمد الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلواته على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنه وصل كتابك وأنت تهدد فيه بكثرة جيوشك وعدد أبطالك، فنحن أرباب السيوف، وما قتل منا فرد إلا جددناه، ولا بغى علينا باغ إلا دمرناه، ولو رأت عينك أيها المغرور حد سيوفنا وعظم حروبنا، وفتحنا منكم الحصون والسواحل، وتخريبنا ديار الأواخر منكم والأوائل، لكان لك أن تعض على أنا ملك بالندم، ولا بد أن تزل بك القدم فى يوم أوّله لنا وآخره عليك فهنا لك تسئ الظنون. {وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}

(1)

، فإذا قرأت كتابى هذا فتكون فيه على أول سورة النحل {أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}

(2)

، وتكون على آخر سورة ص {وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}

(3)

، ونعود إلى قول الله تعالى: وهو أصدق القائلين: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصّابِرِينَ}

(4)

.

وقول الحكماء: إن الباغى له مصرع، وبغيك يصرعك وإلى البلاء يقلبك والسلام.

وفى يوم السبت ورد الفرنج، وضربوا خيامهم فى أكثر البلاد التى فيها عساكر المسلمين،، وكانت خيمة الملك روادى فرنس حمراء، فناوشهم المسلمون القتال، واستشهد يومئذ الأمير نجم الدين يوسف بن شيخ الإسلام، والأمير صارم الدين أزبك الوزيرى. فلما أمسى الليل رحل الأمير فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ بعساكر المسلمين جبنا وصلفا، وسار بهم فى بر دمياط، وسار إلى جهة أشموم طناح، فخاف من كان فى مدينة دمياط وخرجوا منها على وجوههم فى الليل لا يلتفتون إلى شئ، وتركوا المدينة خالية من الناس ولحقوا بالعسكر فى أشموم وهم حفاة عرايا جياع حيارى بمن معهم من النساء والأولاد ومروا هاربين إلى القاهرة، فأخذ منهم قطاع الطريق ما عليهم من الثياب وتركوهم عرايا. فشنعت القالة على الأمير فخر الدين من

(1)

سورة الشعراء، آية 227.

(2)

سورة النحل، آية 1.

(3)

سورة ص، آية 88.

(4)

سورة البقرة، آية 249

ص: 104

كل أحد، وعدّ جميع ما نزل بالمسلمين من البلاء بسبب هزيمته، فإن دمياط كانت مشحونة بالمقاتلة والأزواد العظيمة والأسلحة وغيرها خوفا أن يصيبها فى هذه المدة ما أصابها فى أيام الكامل، فإنه ما أتى عليها ذاك إلا من قلة الأقوات بها، ومع ذلك امتنعت من الفرنج أكثر من سنة حتى فنى أهلها، كما تقدم، ولكن الله يفعل ما يريد.

ولما أصبح الفرنج يوم الأحد لسبع بقين من صفر، قصدوا دمياط، فإذا أبواب المدينة مفتحة ولا أحد يدفع عنها، فظنوا أن ذلك مكيدة وتمهلوا حتى ظهر لهم خلوها فدخلوا إليها من غير ممانع ولا مدافع، واستولوا على ما بها من الأسلحة وآلات الحرب والأقوات الخارجة عن الحد فى الكثرة، والأموال والأمتعة صفوا بغير كلفة، فأصيب الإسلام والمسلمون ببلاء، لولا لطف الله لمحى اسم الإسلام ورسمه بالكلية.

وانزعج الناس فى القاهرة ومصر انزعاجا عظيما لما نزل بالمسلمين، مع شدة مرض السلطان وعدم حركته.

وأما السلطان فإنه اشتد حنقه على الأمير فخر الدين، وقال:«أما قدرت أنت والعساكر أن تقفوا ساعة بين يدى الفرنج» ، وأقام عليه القيامة، لكن الوقت لم يكن يسع غير الصبر والأغضاء، وغضب على الكنانيين الذين كانوا بدمياط ووبخهم، فقالوا: ما نعمل إذا كانت عساكر السلطان بأجمعهم وأمراؤه هربوا وأخربوا الزدخاناه، فكيف لا نهرب نحن. فأمر بشنقهم لكونهم خرجوا من دمياط بغير إذن، وكانت عدة من شنق من الأمراء الكنانية زيادة على خمسين أميرا فى ساعة واحدة، ومن جملتهم أمير جسيم له ابن جميل، سأل أن يشنق قبل ابنه، فأمر السلطان أن يشنق ابنه قبله، فشنق الابن ثم الأب.

ويقال إن شنق هؤلاء كان بفتوى الفقهاء، فخاف جماعة من الأمراء، وهموا بالقيام على السلطان، فأشار عليهم الأمير فخر الدين ابن شيخ الشيوخ بأن السلطان على خطة، فإن مات فقد كفيتم أمره وإلا فهو بين أيديكم. وأخذ السلطان فى إصلاح سور المنصورة، وانتقل إليها لخمس بقين من صفر، وجعل الستائر على السور وقدمت الشوانى إلى تجاه المنصورة وفيها العدد الكاملة، وشرع العساكر فى تجديد الأبنية هناك، وقدم من العرب ومن أهل النواحى ومن المتطوّعة خلق لا يحصى

ص: 105

عددهم، وأخذوا فى الإغارة على الفرنج، فملأ الفرنج أسوار مدينة دمياط بالمقاتلة والآلات.

فلما كان أول ربيع الأول قدم إلى القاهرة من أسرى الفرنج الذين تخطفهم العرب ستة وثلاثون منهم فارسان، وفى خامس ربيع الآخر ورد منهم تسعة وثلاثون، وفى سابعه ورد اثنان وعشرون أسيرا، وفى سادس عشرة ورد خمسة وأربعون أسيرا منهم ثلاثة خيالة، وفى ثامن عشر جمادى الأولى ورد خمسون أسيرا-هذا ومرض السلطان يتزايد وقواه تتناقص حتى أيس الأطباء منه-، وفى ثالث عشر رجب قدم إلى القاهرة سبعة وأربعون أسيرا وأحد عشر فارسا، وظفر المسلمون بمسطح للفرنج فى البحر فيه مقاتلة بالقرب من نستراوة.

فلما كانت ليلة الأحد لأربع عشرة مضت من شعبان مات الملك الصالح بالمنصورة، فلم يظهر موته وحمل فى تابوت إلى قلعة الروضة، وقام بأمر العسكر الأمير فخر الدين ابن شيخ/الشيوخ.

فإن شجرة الدر زوجة السلطان لما مات أحضرت الأمير فخر الدين، والطواشى جمال الدين محسنا، وإليه أمر المماليك البحرية والحاشية، وأعلمتهما بموته، فكتما ذلك خوفا من الفرنج، لأنهم كانوا قد أشرفوا على تملك ديار مصر. فقام الأمير فخر الدين بالتدبير، وسيروا إلى الملك المعظم توران شاه وهو بحصن كيفا، الفارس أقطاى لإحضاره. وأخذ الأمير فخر الدين فى تحليف العسكر للملك الصالح وابنه الملك المعظم بولاية العهد من بعده، وللأمير فخر الدين باتابكية العسكر، والقيام بأمر الملك حتى حلفهم كلهم بالمنصورة، وبالقاهرة فى دار الوزارة عند الأمير حسام الدين بن أبى على فى يوم الخميس لاثنتى عشرة بقيت من شعبان. وكانت العلامات تخرج من الدهاليز السلطانية بالمنصورة إلى القاهرة بخط خادم، يقال له سهيل، لا يشك من رآها أنها خط السلطان، ومشى ذلك على الأمير حسام الدين بالقاهرة، ولم يتفوه أحد بموت السلطان.

إلى أن كان يوم الاثنين لثمان بقين من شعبان، ورد الأمر إلى القاهرة بدعاء الخطباء فى الجمعة الثانية للملك المعظم بعد الدعاء للسلطان، وأن ينقش اسمه على السكة.

ص: 106

فلما علم الفرنج بموت السلطان خرجوا من دمياط بفارسهم وراجلهم وشوانيهم تحاذيهم فى البحر حتى نزلوا فارسكور يوم الخميس لخمس بقين من شعبان، فورد فى يوم الجمعة من الغد كتاب إلى القاهرة من العسكر أوله:{اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

(1)

، وفيه مواعظ بليغة بالحث على الجهاد، فقرئ على منبر جامع القاهرة، وقد جمع الناس لسماعه، فارتجت القاهرة ومصر وظواهرهما بالبكاء والعويل، وأيقن الناس باستيلاء الفرنج على البلاد لخلو الوقت من ملك يقوم بالأمر، ولكنهم لم يهنوا، وخرجوا من القاهرة ومصر وسائر الأعمال فاجتمع عالم عظيم.

فلما كان يوم الثلاثاء أول شهر رمضان، اقتتل المسلمون والفرنج، فاستشهد العلائى أمير مجلس وجماعة، ونزل الفرنج شارمساح، وفى يوم الأثنين سابعه نزلوا البرمون، فاضطرب الناس وزلزلوا زلزالا شديدا لقربهم من العسكر، وفى يوم الأحد ثالث عشره وصلوا تجاه المنصورة، وصار بينهم وبين المسلمين بحر أشموم وخندقوا عليهم، وأداروا على خندقهم سورا ستروه بكثير من الستائر، ونصبوا المجانيق ليرموا بها المسلمين، وصارت شوانيهم بإزائهم فى بحر النيل، وشوانى المسلمين بإزاء المنصورة، والتحم القتال برا وبحرا. وفى سادس عشره نفر إلى المسلمين ستة خيالة أخبروا بمضايقة الفرنج. وفى يوم عيد الفطر أسروا من الفرنج كند من أقارب الملك، وأبلى عوام المسلمين فى قتال الفرنج بلاء كبيرا وأنكوهم نكاية عظيمة، وصاروا يقتلون منهم فى كل وقت ويأسرون، ويلقون أنفسهم فى الماء ويمرون فيه إلى الجانب الذى فيه الفرنج ويتحيلون فى اختطاف الفرنج بكل حيلة ولا يهابون الموت، حتى أن إنسانا قوّر بطيخة وحملها على رأسه وغطس فى الماء حتى حاذى الفرنج فظنه بعضهم بطيخة ونزل ليأخذها فخطفه وأتى به إلى المسلمين. وفى يوم الأربعاء سابع شوال أخذ المسلمون شونة للفرنج فيها كند ومائتا رجل.

وفى يوم الخميس النصف منه، ركب الفرنج إلى بر المسلمين، واقتتلوا، فقتل منهم أربعون فارسا، وسير فى عدة إلى القاهرة بسبعة وستين أسيرا، منهم ثلاثة من أكابر الدوادارية.

(1)

سورة التوبة، آية 41

ص: 107

وفى يوم الخميس الثانى والعشرين منه، أحرقت للفرنج مرمة عظيمة فى البحر واستظهر المسلمون عليهم، وكان بحر أشوم فيه مخايض، فدل بعض من لا دين له ممن يظهر الإسلام الفرنج عليها، فركبوا سحر يوم الثلاثاء خامس ذى القعدة أو رابعه، ولم يشعر المسلمون بهم إلا وقد هجموا على العسكر، وكان الأمير فخر الدين قد عبر إلى الحمام، فأتاه الصريخ بأن الفرنج قد هجموا على العسكر، فركب دهشا غير معتدّ ولا متحفظ، وساق ليأمر الأمراء والأجناد بالركوب فى طائفة من مماليكه، فلقيه عدة من الفرنج الدوادارية وحملوا عليه، ففر أصحابه، وأتته طعنة فى جنبه وأخذته السيوف من كل جانب، حتى لحق بالله عز وجل، وفى الحال عدّت مماليكه فى طائفة إلى داره، وكسروا صناديقه وخزائنه ونهبوا أمواله وخيوله. وساق الفرنج عند مقتل الأمير فخر الدين إلى المنصورة، وفر المسلمون خوفا منهم وتفرقوا يمنة ويسرة، وكادت الكسرة أن تكون وتمحو الفرنج كلمة الإسلام من أرض مصر. وصل الملك روّاد فرنس إلى باب قصر السلطان، ولم يبق إلا أن يملكه، فأذن الله تعالى أن طائفة المماليك من البحرية والجمدارية-الذين استجدهم الملك الصالح-ومن جملتهم بيبرس البندقدارى حملوا على الفرنج حملة صدقوا فيها اللقاء حتى أزاحوهم عن مواقفهم، وأبلوا فى مكافحتهم بالسيوف والدبابيس، فانهزموا. وبلغت عدة من قتل من فرسان الفرنج الخيالة فى هذه النوبة ألفا وخمسمائة فارس، وأما الرجالة فإنها كانت وصلت إلى الجسر لتعدى، فلو تراخى الأمر حتى صاروا مع المسلمين لأعضل الداء، على أن هذه الواقعة كانت بين الأزقة والدروب، ولولا ضيق المجال لما أفلت من/الفرنج أحد، فنجا من بقى منهم، وضربوا عليهم سورا وحفروا خندقا، وصارت طائفة منهم فى البر الشرقى، ومعظمهم فى الجزيرة المتصلة بدمياط.

وكانت البطاقة عند الكبسة سرحت على جناح الطير إلى القاهرة، فانزعج الناس انزعاجا عظيما، ووردت السوقة وبعض العسكر، ولم تغلق أبواب القاهرة ليلة الأربعاء. وفى يوم الأربعاء سقط الطائر بالبشارة بهزيمة الفرنج، وعدة من قتل منهم، فزينت القاهرة وضربت البشائر بقلعة الجبل.

وسار المعظم توران شاه إلى دمشق، فدخلها يوم السبت آخر شهر رمضان،

ص: 108

واستولى على من بها، ولأربع مضين من شوال سقط الطائر بوصوله إلى دمشق، فضربت البشائر فى العسكر بالمنصورة وفى قلعة الجبل.

وسار من دمشق لثلاث بقين منه، فتواترت الأخبار بقدومه، وخرج الأمير حسام الدين بن أبى على، إلى لقائه فوافاه بالصالحية لأربع عشرة بقيت من ذى القعدة.

ومن يومئذ أعلن بموته، الملك الصالح، بعد ما كان قبل ذلك لا ينطق أحد بموته البتة، بل الأمور على حالها والدهليز السلطانى بحاله، والسماط على العادة، وشجرة الدر، أم خليل زوجة السلطان، تدبر الأمور، وتقول:«السلطان مريض، ما إليه وصول» .

ثم سار من الصالحية، فتلقاه الأمراء والمماليك، واستقر بقصر السلطنة من المنصورة يوم الثلاثاء تاسع عشر ذى القعدة. وفى اثناء هذه المدة عمل المسلمون مراكب وحملوها على الجمال إلى بحر المحلة وألقوها فيه وشحنوها بالمقاتلة، فعند ما حاذت مراكب الفرنج بحر المحلة، وتلك المراكب فيه مكمنة، خرجت عليهم ووقع الحرب بينهما، وقدم الأسطول الإسلامى من جهة المنصورة وأحاط بالفرنج، فظفر باثنين وخمسين مركبا للفرنج، وقتل وأسر منهم نحو ألف رجل، فانقطعت الميرة عن الفرنج واشتد عندهم الغلاء وصاروا محصورين.

فلما كان أول ذى الحجة، أخذ الفرنج من المراكب التى فى بحر المحلة سبع حراريق وفرّ من كان فيها من المسلمين. وفى يوم عرفة برزت الشوانى الإسلامية إلى مراكب قدمت للفرنج فيها ميرة فأخذت منها اثنتين وثلاثين مركبا، منها تسع شوان، فوهنت قوة الفرنج وتزايد الغلاء عندهم، وشرعوا فى طلب الهدنة من المسلمين، على أن يسلموا دمياط ويأخذوا بدلا منها القدس وبعض بلاد الساحل فلم يجابوا إلى ذلك.

فلما كان اليوم السابع والعشرون من ذى الحجة أحرق الفرنج أخشابهم كلها وأتلفوا مراكبهم، يريدون التحصن بدمياط. ورحلوا فى ليلة الأربعاء لثلاث مضين من المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة إلى دمياط، وأخذت مراكبهم إلى الانحدار قبالتهم، فركب المسلمون أقفيتهم بعد ما عدوا إلى برهم.

ص: 109

وطلع انفجر من يوم الأربعاء، وقد أحاط المسلمون بالفرنج وقتلوا وأسروا منهم كثيرا، حتى قيل إن عدد من قتل من الفرسان على فارسكور يزيد على عشرة آلاف، وأسر من الخيالة والرجالة والصناع والسوقة ما يناهز مائة ألف، ونهب من المال والذخائر والخيول والبغال ما لا يحصى. وانحاز الملك روادى فرنس وأكابر الفرنج إلى تل، ووقفوا مستسلمين، وسألوا الأمان فأمنهم الطواشى جمال الدين محسن الصالحى، ونزلوا على أمانه وأحيط بهم وسيقوا إلى المنصورة، فقيد روادى فرنس واعتقل، فى الدار التى كان ينزل فيها القاضى فخر الدين إبراهيم بن لقمان كاتب الإنشاء، ووكل به الطواشى صبيح المعظمى، واعتقل معه أخوه، ورتب له راتب يحمل إليه فى كل يوم.

ورسم الملك المعظم لسيف الدين يوسف بن الطورى-أحد من وصل صحبته من الشرق-أن يتولى قتل الأسرى، فكان يخرج منهم كل ليلة ثلثمائة رجل ويقتلهم ويلقيهم فى البحر، حتى فنوا.

ولما قبض على الملك روّاد فرنس، رحل الملك المعظم من المنصورة، ونزل بالدهليز السلطانى على فارسكور، وعمل له برجا من خشب، وتراخى فى قصد دمياط.

وكتب بخطه إلى الأمير جمال الدين بن يغمور نائبه بدمشق وولده توران شاه:

«الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن {وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}

(1)

{وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ}

(2)

{وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}

(3)

{وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها}

(4)

نبشر المجلس السامى الجمالى-بل نبشر المسلمين كافة-بما منّ الله به على المسلمين من الظفر بعدوّ الدين، فإنه كان قد استكمل أمره واستحكم شره، ويئس العباد من البلاد، والأهل والأصدقاء، فنودوا:{لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ}

(5)

(1)

سورة آل عمران، جزء من الآية 126، أو سورة الأنفال جزء من الآية 10.

(2)

سورة الروم، جزء من الآيتين 5،4.

(3)

سورة الضحى، آية 11.

(4)

سورة ابراهيم، جزء من الآية 34.

(5)

سورة يوسف، جزء من الآية 87.

ص: 110

«ولما كان يوم الاثنين مستهل السنة المباركة، وهى سنة ثمان وأربعين وستمائة، تمم الله على الإسلام بركتها، فتحنا الخزائن، وبذلنا الأموال، وفرقنا السلاح، وجمعنا العرب والمطوّعة وخلقا لا يعلمهم إلا الله، جاؤا من كل فج عميق ومكان سحيق، فلما رأى العدوّ ذلك أرسل يطلب الصلح على ما وقع الاتفاق بينهم وبين الملك الصالح، فأبينا» .

«ولما كانت ليلة الأربعاء، تركوا خيامهم وأموالهم وأثقالهم، وقصدوا دمياط هاربين، فسرنا فى آثارهم طالبين، وما زال السيف يعمل فى أدبارهم عامة الليل وقد حل بهم الخزى والويل» .

«فلما أصبحنا يوم الأربعاء قتلنا منهم ثلاثين ألفا غير من ألقى نفسه فى اللجج، وأما الأسرى فحدّث عن البحر/ولا خرج، والتجأ الفرنسيس إلى المينا وطلب الأمان فأمناه، وأخذناه وأكرمناه، وسلمناه دمياط بعون الله وقوته وجلاله وعظمته» .

وبعث مع الكتاب غفارة الملك فرنسيس، فلبسها الأمير جمال الدين بن يغمور- وهى اشكرلاطا أحمر، بفرو سنجاب. فقال الشيخ نجم الدين بن اسرائيل:

إن غفارة الفرنسيس جاءت

فهى حقا لسيد الأمراء

كبياض القرطاس لونا ولكن

صبغتها سيوفنا بالدماء

وقال آخر:

أسيد أملاك الزمان بأسرهم

تنجزت من نصر الإله وعوده

فلا زال مولانا يبيح حمى العدى

ويلبس أثواب الملوك عبيده

وأخذ الملك المعظم يهدد زوجة أبيه شجرة الدر، ويطالبها بمال أبيه، فخافته وكاتبت مماليك الملك الصالح تحرضهم عليه. وكان المعظم لما وصل إليه الفارس أقطاى إلى حصن كيفا وعده أن يعطيه إمرة فلم يف بها، وأعرض مع ذلك عن مماليك أبيه، وأطرح أمراءه، وصرف الأمير حسام الدين بن أبى على عن نيابة السلطنة وأحضره إلى العسكر ولم يعبأ به، وأبعد غلمان أبيه واختص بمن وصل معه من

ص: 111

المشرق وجعلهم فى الوظائف السلطانية، فجعل الطواشى مسرورا خادمه استادارا، وعمل صبيحا-وكان عبدا حبشيا-خزنداره، وأمر أن تكون له عصا من ذهب وأعطاه مالا جزيلا وإقطاعات جليله.

وكان إذا سكر جمع الشموع وضرب رؤسها بالسيف حتى تنقطع، ويقول:

«هكذا أفعل بالبحرية» . فإنه كان فيه هوج وخفة، واحتجب على العكوف بملاذه، فنفرت منه النفوس. وبقى كذلك إلى يوم الاثنين التاسع والعشرين من المحرم، وقد جلس على السماط، فتقدم إليه أحد المماليك البحرية وضربه بسيف فقطع أصابع يدية ففر إلى البرج، فاقتحموا عليه وسيوفهم مصلتة فصعد أعلى البرج الخشب فرموه بالنشاب وأطلقوا النار فى البرج، فألقى نفسه ومر إلى البحر، وهو يقول:«ما أريد ملككم دعونى أرجع إلى الحصن يا مسلمين، ما فيكم من يصطنعنى ويجبرنى» ، وسائر العساكر بالسيوف واقفة، فلم يجبه أحد، والنشاب يأخذه من كل ناحية، وأدركوه فقطع بالسيوف، ومات حريقا غريقا قتيلا فى يوم الاثنين المذكور، وترك على الشاطئ ثلاثة أيام ثم دفن.

ولما قتل الملك المعظم اتفق أهل الدولة على إقامة شجرة الدر-والدة خليل-فى مملكة مصر، وأن يكون مقدم العسكر الأمير عز الدين ايبك التركمانى الصالحى، وحلف الكل على ذلك. وسيروا إليها عز الدين الرومى، فقدم عليها فى قلعة الجبل وأعلمها بما اتفقوا عليه، فرضيت به، وكتبت على التواقيع علامتها-وهى والدة خليل-، وخطب لها على المنابر بمصر والقاهرة.

وجرى الحديث مع الملك روادى فرنس فى تسليم دمياط، وتولى مفاوضته فى ذلك الأمير حسام الدين بن أبى علىّ الهديانى، فأجاب إلى تسليمها، وأن يخلى عنه، بعد محاورات. وسير إلى الفرنج بدمياط يأمرهم بتسليمها إلى المسلمين، فسلموها بعد جهد جهيد من كثرة المراجعات، فى يوم الجمعة ثالث صفر، ورفع العلم السلطانى على سورها، وأعلن فيها بكلمة الإسلام وشهادة الحق بعد ما أقامت بيد الفرنج أحد عشر شهرا وسبعة أيام، وأفرج عن الملك روادى فرنس وعن أخيه وزوجته، ومن بقى من

ص: 112

أصحابه إلى البر الغربى، وركبوا البحر من الغد وهو يوم السبت رابع صفر، وأقلعوا إلى عكا.

وفى هذه النوبة يقول الوزير جمال الدين بن مطروح:

قل للفرنسيس إذا جئته

مقال نصح عن قؤول نصيح

آجرك الله على ما جرى

من قتل عباد يسوع المسيح

أتيت مصر تبتغى ملكها

تحسب أن الزمر يا طبل ريح

فساقك الحين إلى أدهم

ضاق بك عن ناظريك الفسيح

وكل أصحابك أودعتهم

بحسن تدبيرك بطن الضريح

خمسون ألفا لا يرى منهم

إلا قتيل أو أسير جريح

وفقك الله لأمثالها

لعل عيسى منكم يستريح

إن كان باباكم بذا راضيا

فرب غش قد أتى من نصيح

قل لهم إن أضمروا عودة

لأخذ ثأر أو لنقد صحيح

دار ابن لقمان على حالها

والقيد باق والطواشى صبيح

وقدر الله أن الفرنسيس هذا بعد خلاصة من هذه الواقعة جمع عدة جموع وقصد تونس. فقال له شاب من أهلها، يقال له احمد بن اسماعيل الزيات:

يا فرنسيس هذه أخت مصر

فتأهب لما إليه تصير

لك فيها دار ابن لقمان قبر

وطواشيك منكر ونكير

فكان هذا فألاحسنا فإنه مات وهو على محاصرة تونس.

ولما تسلم الأمراء دمياط، وردت البشرى إلى القاهرة فضربت البشائر وزينت القاهرة ومصر، فقدمت العساكر من دمياط يوم الخميس تاسع صفر.

فلما كان فى سلطنة الأشرف/موسى ابن الملك المسعود اقسيس ابن الملك الكامل، والملك المعز عز الدين التركمانى، وكثر الاختلاف بمصر، واستولى الملك الناصر يوسف بن العزيز على دمشق. اتفق أرباب الدولة بمصر-وهم المماليك البحرية-على تخريب مدينة دمياط خوفا من مسير الفرنج إليها مرة أخرى، فسيروا

ص: 113

إليها الحجارين والفعلة، فوقع الهدم فى أسوارها يوم الاثنين الثامن عشر من شعبان سنة ثمان وأربعين وستمائة، حتى خربت كلها ومحيت آثارها، ولم يبق منها سوى الجامع، وصار فى قبليها أخصاص على النيل سكنها الناس الضعفاء وسموها المنشية. وهذا السور هو الذى بناه أمير المؤمنين المتوكل على الله كما تقدم ذكره.

فلما استبد الملك الظاهر بيبرس البندقدارى الصالحى بمملكة مصر بعد قتل الملك المظفر قطز، اخرج من مصر عدة من الحجارين فى سنة تسع وخمسين وستمائة لردم فم بحر دمياط، فمضوا وقطعوا كثيرا من القرابيص وألقوها فى بحر النيل الذى ينصب فى شمال دمياط فى البحر الملح، حتى ضاق وتعذر دخول المراكب منه إلى دمياط، وهو إلى الآن على ذلك لا تقدر مراكب البحر الكبار أن تدخل منه، وإنما ينقل ما فيها من البضائع فى مراكب نيلية تعرف عند أهل دمياط بالجروم واحدها جرم، وتصير مراكب البحر الملح واقفة بآخر البحر قريبا من ملتقى البحرين.

ويزعم أهل دمياط الآن أن سبب امتناع دخول مراكب البحر جبل فى فم البحر أو رمل يتربى هناك. وهذا قول باطل، حملهم عليه ما يجدونه من إتلاف المراكب إذا هجمت على هذا المكان، وجهلهم بأحوال الوجود، وما مر من الوقائع. وإلى يومنا هذا يخاف على المراكب عند ورودها فم البحر، وكثيرا ما تتلف فيه، وقد سرت إليه حتى شاهدته ورأيته من أعجب ما يراه الإنسان.

وأما دمياط الآن فإنها حدثت بعد تخريب مدينة دمياط، وعمل هناك أخصاص، وما برحت تزداد إلى أن صارت بلدة كبيرة ذات أسواق وحمامات وجوامع ومدارس ومساجد، ودورها تشرف على النيل الأعظم، ومن ورائها البساتين، وهى أحسن بلاد الله منظرا.

وقد أخبرنى الأمير الوزير المشير الاستادار يلبغا السالمى رحمه الله، أنه لم ير فى البلاد التى سلكها من سمرقند إلى مصر أحسن من دمياط هذه، فظننت أنه يغلو فى مدحها إلى أن شاهدتها، فإذا هى أحسن بلد وأنزهه وفيها أقول:

سقى عهد دمياط وحياه من عهد

فقد زادنى ذكراه وجدا على وجد

ولا زالت الأنواء تسقى سحابها

ديارا حكت من حسنها جنة الخلد

ص: 114

فيا حسن هاتيك الديار وطيبها

فكم قد حوت حسنا يجل عن العدّ

فلله أنهار تحف بروضها

لكا لمرهف المصقول أو صفحة الخد

وبشنينها الريان يحكى متيما

تبدل من وصل الأحبة بالصد

فقام على رجليه فى الدمع غارقا

يراعى نجوم الليل من وحشة الفقد

وظل على الاقدام تحسب أنه

لطول إنتظار من حبيب على وعد

ولا سيما تلك النواعير أنها

تجدد حزن الواله المدنف الفرد

أطارحها شجوى وصارت كأنما

تطارح شكواها بمثل الذى أبدى

فقد خلتها الأفلاك فيها نجومها

تدور بمحض النفع منها وبالسعد

وفى البرك الغراء باحسن نوفر

وغدا بالزهو يسطو على الورد

سماء من البلور فيها كواكب

عجيبة صبغ اللون محكمة النضد

وفى شاطئ النيل المقدّس نزهة

تعبد شباب الشيب فى عيشة الرغد

وتنشى ريحا تطرد الهم والأسى

وتنشى ليالى الوصل من طيبها عندى

وفى مرج البحرين جم عجائب

تلوح وتبدو من قريب ومن بعد

كأن التقاء النيل بالبحر إذ غدا

مليكان سارا فى الجحافل من جند

وقد نزلا للحرب واحتدم اللقا

ولا طعن إلا بالمثقفة الملد

فظلا كما باتا وما برحا كما

هما من جليل الخطب فى أعظم الجهد

فكم قد مضى لى من أفانين لذة

بشاطئها العذب الشهىّ لذى الورد

/وكم قد نعمنا فى البساتين برهة

بعيش هنئ فى أمان وفى سعد

وفى البرزخ المأنوس كم لى خلوة

وعند شطا عن أيمن العلم الفرد

هناك ترى عين البصيرة ما ترى

من الفضل والأفضال والخير والمجد

فيا رب هيئ لى بفضلك عودة

ومنّ بها فى غير بلوى ولا جهد

وبدمياط حيث كانت المدينة التى هدمت جامع من أجل مساجد المسلمين، تسميه العامة مسجد فتح، وهو المسجد الذى اسسه المسلمون عند فتح دمياط أول ما فتح الله أرض مصر على يد عمرو بن العاص، وعلى بابه مكتوب بالقلم الكوفى أنه عمّر بعد سنة خمسمائة من الهجرة، وفيه عدة من عمد الرخام، منها ما يعزو وجود مثله.

ص: 115

[ترجمة الشيخ فاتح بن عثمان الأسمر التكرورى]

وإنما عرف بجامع فتح لنزول شخص به، يقال له فاتح، فقالت العامة جامع فتح، وإنما هو:

فاتح بن عثمان الأسمر التكرورى، قدم من مراكش إلى دمياط على قدم التجريد، وسقى بها الماء فى الأسواق احتسابا من غير أن يتناول من أحد شيئا، ونزل فى ظاهر الثغر، ولزم الصلاة مع الجماعة، وترك الناس جميعا، ثم أقام بناحية تونة من بحيرة تنيس وهى خراب نحو سبع سنين، ورمّ مسجدها، ثم انتقل من تونة إلى جامع دمياط، وأقام فى وكر فى أسفل المنارة من غير أن يخالط أحدا إلا إذا أقيمت الصلاة خرج وصلى، فإذا سلم الإمام عاد إلى وكره، فإذا عارضه أحد بحديث كلمه وهو قائم بعد انصرافه من الصلاة، وكانت حاله أبدا إتصالا فى انفصال، وقربا فى ابتعاد، وانسا فى نفار. وحج فكان يفارق أصحابه عند الرحيل فلا يرونه إلا وقت النزول، ويكون سيره منفردا عنهم، لا يكلم أحدا إلى أن عاد إلى دمياط. فأخذ فى ترميم الجامع وتنظيفه بنفسه، حتى نقى ما كان فيه من الوطواط بسقوفه، وساق الماء إلى صهاريجه، وبلط صحنه، وسبك سطحه بالجبس وأقام فيه،-وكان قبل ذلك من حين خربت دمياط لا يفتح إلا يوم الجمعة فقط -فرتب فيه إماما راتبا يصلى الخمس، وسكن فى بيت الخطابة، وواظب على إقامة الأوراد به، وجعل فيه قراء يتلون القرآن بكرة وأصيلا، وقرر فيه رجلا يقرأ ميعادا يذكر الناس ويعلمهم.

وكان يقول: «لو علمت بدمياط مكانا أفضل من الجامع لأقمت فيه، ولو علمت فى الأرض بلدا يكون فيه الفقير أخمل من دمياط لرحلت إليه وأقمت به» .

وكان إذا ورد عليه أحد من الفقراء ولا يجد ما يطعمه باع من لباسه ما يضيفه به، وكان يبيت ويصبح وليس له معلوم، ولا ما تقع عليه العين أو تسمعه الأذن.

وكان يؤثر فى السر الفقراء والأرامل، ولا يسأل أحدا شيئا، ولا يقبل غالبا، وإذا قيل ما يفتح الله عليه آثر به.

ص: 116

وكان يبذل جهده فى كتم حاله والله تعالى يظهر خيره وبركته من غير قصد منه لذلك، وعرفت له عدة كرامات.

وكان سلوكه على طريق السلف من التمسك بالكتاب والسنة، والنفور عن الفتنة وترك الدعاوى واطراحها، وستر حاله والتحفظ فى أقواله وأفعاله.

وكان لا يرافق أحدا فى الليل، ولا يعلم أحد يوم صومه من يوم فطره. ويجعل دائما قول «إن شاء الله تعالى» مكان قول غيره «والله» .

ثم إن الشيخ عبد العزيز الدميرى أشار عليه بالنكاح وقال له: النكاح من السنة، فتزوج فى آخر عمره بامرأتين لم يدخل على واحدة منهما نهارا البتة، ولا أكل عندهما ولا شرب قط. وكان ليله ظرفا للعبادة، لكنه يأتى إليهما أحيانا وينقطع أحيانا لاستغراق زمنه كله فى القيام بوظائف العبادات وإيثار الخلوة. وكان خواص خدمه لا يعلمون بصومه من فطره، وإنما يحمل إليه ما يأكل ويوضع عنده بالخلوة فلا يرى قط آكلا.

وكان يحب الفقر ويؤثر حال المسكنة، ويتطارح على الخمول والجفاء، ويتواضع مع الفقراء، ويتعاظم على العظماء والأغنياء.

وكان يقرأ فى المصحف، ويطالع الكتب، ولم يره أحد يخط بيده شيئا، وكانت تلاوته للقرآن بخشوع وتدبر، ولم يعمل له سجادة قط، ولا أخذ على أحد عهدا، ولا لبس طاقية، ولا قال أنا شيخ، ولا أنا فقير، ومنى قال فى كلامه «أنا» تفطن لما وقع منه واستعاذ بالله من قول «أنا» ، ولا حضر قط سماعا، ولا أنكر على من يحضره.

وكان سلوكه صلاحا من غير إصلاح، ويبالغ فى الترفع على أبناء الدنيا، ويترامى على الفقراء ويقدم لهم الأكل، ولم يقدم لغنى أكلا البتة، وإذا اجتمع عنده الناس قدم الفقير على الغنى، وإذا مضى الفقير من عنده سار معه وشيعه عدة خطوات، وهو حاف بغير نعل، ووقف على قدميه ينظره حتى يتوارى عنه، ومن كان من الفقراء يشار إليه بمشيخة جلس بين يديه بأدب مع إمامته وتقدمه فى الطريق.

ويقول: «ما أقول لأحد افعل أو لا تفعل، من أراد السلوك يكفيه أن ينظر إلى أفعاله، فإن من لم يتسلك بنظره لا يتسلك بسمعه» .

ص: 117

وقال له شخص من خواصه: يا سيدى ادع الله لنا أن يفتح علينا فنحن فقراء، فقال:«إن أردتم فتح الله فلا تبقوا فى البيت شيئا، ثم اطلبوا فتح الله بعد ذلك فقد جاء: «لا تسأل الله ولك خاتم من حديد» .

ومن كلامه: «الفقير بحال البكر إذا سأل زالت بكارته» .

وسأله بعض خواصه أن يدعو له/بسعة وشكى له الضيق، فقال:«أنا ما أدعو لك بسعة، بل أطلب لك الأفضل والأكمل» .

وكان مع اشتغاله بالعبادة واستغراق أوقاته فيها لا يغفل عن صاحبه ولا ينسى حاجته حتى يقضيها، ويلازم الوفاء لأصحابه، ويحسن معاشرتهم، ويعرف أحوال الناس على طبقاتهم، ويعظم العلم، ويكرم الأيتام، ويشفق على الضعفاء والأرامل، ويبذل شفاعته فى قضاء حوائج الخاص والعام من غير أن يمل ولا يتبرم بكثرة ذلك، ويكثر من الإيثار فى السر، ولا يمسك لنفسه شيئا، ويستقل ما يؤخذ منه مع كثرة إحسانه، ويستكثر ما يدفع إليه وإن كان يسيرا ويكافئ عليه بأحسن منه، ولم يصحب قط أميرا ولا وزيرا، بل كان فى سلوكه وطريقه يرفع فى تواضع، ويعزز مع مسكنة، وقرب فى ابتعاد، واتصال فى انفصال، وزهد فى الدنيا وأهلها.

وكان اكبر من خبره، ومن دعائه لنفسه ولمن يسأل له الدعاء:«اللهم بعدنا عن الدنيا وأهلها وبعدها عنا» . وما زال على ذلك إلى أن مات آخر ليلة أسفر صباحها عن الثامن من شهر ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وستمائة، وترك ولدين ليس لهما قوت ليلة، وعليه مبلغ ألفى درهم دينا، ودفن بجوار الجامع، وقبره يزار إلى يومنا هذا.

(ا. هـ. مقريزى بحروفه).

وقال فى الكلام على تنيس: إنه كان يحاك بدمياط وبها ثياب الشروب، التى لا يصنع بها مثلها فى الدنيا. وكان يصنع للخليفة ثوب-يقال له البدنة-لا يدخله من الغزل سدى ولحمة غير أو قيتين وينسج باقيه بالذهب بصناعة محكمة لا تحوج إلى تفصيل ولا خياطه، تبلغ قيمته ألف دينار، وليس فى الدنيا طراز ثوب كتان يبلغ الثوب منه وهو ساذج بغير ذهب مائة دينار عينا غير طراز تنيس ودمياط. وإن كانت شطا

ص: 118

وديفو ودميرة وتونة وما قاربها من تلك الجزائر يعمل بها الرفيع، فليس يقارب التنيسى والدمياطى. ا. هـ.

وقال ابن الكندى: أخبرنى بعض وجوه التجار أنه بيع حلتان دمياطيتان بثلاثة آلاف دينار. ا. هـ.

وقال المقريزى أيضا: وكان يسكن بمدينة تنيس ودمياط نصارى تحت الذمة.

ونقل عن المسبحى فى حوادث سنة أربع وثمانين وثلثمائة، أن يحيى بن اليمان ورد فى ذى القعدة من تنيس ودمياط والفرما بهديته وهى: أسفاط وتخوت وصناديق مال، وخيل وبغال وحمير، وثلاث مظال وكسوتان للكعبة.

وفى سنة ثمان وخمسمائة، كتب الملك العادل بإخلاء تنيس ونقل أهلها إلى دمياط، فأخليت فى صفر من الذرارى والأثقال انتهى.

[نفى جماعة من الملوك وغيرهم إلى دمياط]

قلت: ثم من ذاك التاريخ إلى وقتنا هذا، لم أعثر لها على حوادث مهمة بعد البحث والتفتيش فى عدة كتب.

غير أنه يؤخذ من كتاب نزهة الناظرين وغيره إنها: كانت فى بعض تلك الأزمان لوقوعها فى أقصى القطر محلا لنفى أرباب الجرائم كغيرها من البلاد المتطرفة، كرشيد واسكندرية وقوص.

ففى نزهة الناظرين: إن الملك الظاهر أبا سعيد تمربغا لما خلع يوم الاثنين سادس شهر رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة جهز إلى ثغر دمياط -لكن مكرما بأحسن حال-ثم أعيد إلى الإسكندرية ليسكن بها فى أى محل شاء، فأقام بها إلى أن مات، وكانت مدة سلطنته ثمانية وخمسين يوما، وكان جامعا بين العلم والفروسية والذكاء، والفطنة وفنون السياسة وأنواع الكمال، قالوا: ولم يل مصر من يشبهه بل ولا يقاربه إلا أن الدهر غير منصف.

ص: 119

وفى سنة إحدى وسبعين بعد الألف، لما كانت وقعة الصناجق المشهورة، وقتل فيها الطائفة الفقارية-كما ذكرنا ذلك فى الكلام على قرية صنافير-وقع القبض على إبراهيم كتخدا القيصر لى كتخدا الينكشارية، وحبس بالبرج إلى اصفرار الشمس وحكم بنفيه، فأرسل إلى بولاق وأرسل فى قارب منفيا إلى دمياط ونزل معه جماعة لكى ينزلوه من هناك منفيا إلى قبرس. وكان إبراهيم المذكور سيئ التصرف والمعاملة، وكانت توليته وتصرفه فى أواخر سنة خمس وستين وألف.

وفى سنة تسع وتسعين وألف، زمن ولاية حسن باشا السلحدار على مصر نفى إليها جملة أشخاص من طائفة العزب.

وفى سنة اثنتين ومائة وألف، زمن الوزير على باشا قامت طائفة الينكشارية على كتخدائهم جلبى جليل وسجنوه بالقلعة، وعينوا بدله محمد قباصقل، وأثبتوا على جلبى المذكور أنه قتل شخصا، وكتبوا ذلك كتابة، وأخذوا من على باشا الوزير بيورلديا بقتله، ثم قتلوه، وفى ثانى يوم جعلوا ثمانية أنفار أو ضاباشية شربجية فلم يقبلوا ذلك، فأوقعوا القبض عليهم، ونفوا بعضهم إلى دمياط، وبعضهم إلى رشيد والبعض إلى المنية.

وفى سنة أربع بعد المائة والألف، وقعت حادثة بين طائفة الجاووشية، ونفى جماعة منهم إلى دمياط.

وفى سنة تسع مائة وألف، قامت فتنة بباب الينكشارية بسبب البغداد لى، فاتفق السبعة بلكات على نفيه إلى قلعة عبد الصمد بثغر دمياط، فنفى إليها، وبعد قليل أرسلوا لأغات القلعة بقتله، فلما علم بذلك طلع على سور القلعة ورمى بالنار على العسكر الذين جاءوا بالأمر بقتله، ومنعهم من دخول القلعة ثم صير إلى الليل وهرب.

ا. هـ.

[مطلب الكلام على فرس البحر ومنافعه]

ثم رأيت فى تاريخ يتضمن أخبار مصر والقاهرة، أن السمكة التى يقال لها فرس البحر، تظهر فى دمياط.

ص: 120

قال صاحب هذا الكتاب:/وشاهدت مرارا وأنا بدمياط فى سنة اثنتين وستين وتسعمائة، هذه الدابة التى تسمى هنالك فرسا، وهى بالأوصاف التى ستذكر، رأيت ثلاثة معا، وولدت واحدة ببئر العدوة من جهة المنية، وأحضروا إلىّ ولدها، فتأملته، وقيل لى: إن هذه الفرس لا تلد إلا فى البر فإن المصران الذى يعلق بولدها فيه طول، ومتى ولدت فى الماء أكل الحيتان المصران، فيموت الولد، ثم اتفق أنه لما أعيد ولدها المذكور إلى البحر رؤى من الغد ميتا فى طرق دمياط من الجهة الأخرى، والمصران مأكول، وقد رميت بالبندق الرصاص فلم يقطع فيها، بل كان يفترش على جلدها الرصاص كالعجين، ورماها طبجى باشا بقلعة دمياط بزار بزان فيه وزن مائة وخمسين رصاصة فغاصت الطوب فى جلدها ثم وقعت منها فى ساعتها، وكان بعض النشاب يغوص فى الفرس من تلك الأفراس إلى نصفها وإلى ثلثها.

قالوا: وما رأينا فرسا منهن ميتة إلا واحدة من قبل ذلك، وليس لهن خوف من الإنسان وتقبل عليه فينهزم. منها، ثم يستدبرها وهى فى الوحل فيضربها بالعصا الشديدة فلا تتأثر.

وفى خطط المقريزى: أنه يأكل التمساح أكلا ذريعا، ويقوى عليه قوة ظاهرة.

وقال صاحب مرآة الزمان: فى النيل سمكة على صورة الفرس، والمكان الذى تكون فيه لا يقربه تمساح.

وقال المقريزى فى عجائب المخلوقات: فرس الماء هو كفرس البر، إلا أنه أكبر عرفا وذنبا وأحسن لونا، وحافره مشقوق كحافر بقر الوحش، وجثته دون فرس البر وفوق الحمار بقليل، وربما يخرج هذا الفرس من الماء وينزو على فرس البر فيتولد منهما ولد فى غاية الجودة والحسن.

حكى أن الشيخ أبا القاسم عركان، نزل على ماء ومعه حجرة

(1)

، فخرج من الماء فرس أدهم عليه نقط بيض كالدراهم ونزا على حجرته، فولدت مهرا شبيها بأبيه عجيب الصورة، فلما كان ذلك الوقت عاد إلى ذلك المكان والحجرة والمهر معه طمعا فى

(1)

الأنثى من الخيل.

ص: 121

مهر آخر، فخرج الفحل ولثم المهر، ثم وثب فى الماء ووثب المهر بعده، فكان الشيخ يعاود المكان بالحجرة طمعا فى رجوع المهر.

وقال عمر بن سعد: فرس الماء يؤذن بطلوع النيل، فإنهم حيث وجدوا أثر رجله، عرفوا أن ماء النيل يصل إلى ذلك الموضع. وسنه نافع لوجع البطن، وذكروا أن السودان الساكنين بشاطئ النيل إذا أخذهم المغص يشدون السن على العليل فيزول المغص فى الحال. وعظامه تحرق وتخلط بشحمه ويضمد بها السرطان فيردعه ويزيل أثره فى الحال. وخصيته تجفف وتحرق وتسحق لنهش الهوام.

وجلده إن دفن وسط قرية لم يقع بها شئ من الآفات، ويحرق ويجعل على الورم فيسكن. ا. هـ.

وقد شوهدت فرس البحر فى النيل بأعلى الصعيد. قال عبد الله بن أحمد بن سليم الأسوانى فى كتابه أخبار النوبة: إن فيما بين دنقلة وأسوان كثيرا من القرى والضياع والجزائر والمواشى، والنخل والشجر والمقل والزرع والكرم، ضعف ما فى الجانب الذى يلى أرض الإسلام، وفى هذا المكان جزائر عظام مسيرة أيام، فيها الجبال والسباع والوحش ومفاوز، والنيل ينعطف من هذه النواحى إلى مطلع الشمس وإلى مغربها مسيرة أيام حتى يصير المصعد كالمنحدر، وفرس البحر يكثر فى هذا الموضع

حدثنى ميمون صاحب عهد علوة، أنه أحصى فى جزيرة سبعين دابة منها، وهى من دواب الشطوط، فى خلق الفرس وغلظ الجاموس، قصيرة القوائم لها خف، وهى فى ألوان الخيل بأعراف وآذان صغار كآذان الخيل وأعناقها كذلك، وأذنابها مثل أذناب الجواميس، ولها مخطم عريض، يظن المتأمل أن عليها مخلاة، لها صهيل حيث لا يقوم حذاءها تمساح، وتعترض المراكب عند الغضب فتغرقها، ورعيها فى البر العشب وجلدها فيه متانة عظيمة يتخذ منه أتراس. ا. هـ.

ثم قال: وقال المسعودى: الفرس الذى يكون فى نيل مصر إذا خرج من الماء وإنتهى وطؤه إلى بعض المواضع من الأرض علم أهل مصر أن النيل يزيد إلى ذلك الموضع بعينه غير زائد عليه ولا يقصر عنه، لا يختلف ذلك عندهم بطول العادات والتجارب. وفى ظهوره من الماء ضرر بارباب الزرع فإنه يرعاه، ويرعى فى الليلة

ص: 122

الواحدة شيئا كثيرا، فإذا رعى وشرب الماء قذف ما فى جوفه فى مواضع شتى فينبت مرة ثانية. وإذا اتصل ضرره بارباب الزرع طرحوا له ترمسا كثيرا جدا متفرقا فيأكله، ثم يعود إلى الماء، فإذا شرب ربا الترمس فى جوفه وانتفخ فيموت ويطفو على الماء.

والموضع الذى يرى فيه لا يرى فيه تمساح. وهو على صورة الفرس إلا أن حوافره وذنبه بخلاف ذلك، وجبهته واسعة. ا. هـ.

قلت: قد ظهرت فرس البحر بالليل فى سنة أربع وتسعين وثمانمائة، ورأيناها فى بحر الروضة وأقامت أياما تظهر فاستبشرنا بعلوّ النيل فى هذه السنة، وكان الأمر كذلك، فزاد النيل أصابع من عشرين، وثبت ثباتا جيدا (ا. هـ بتقديم وتأخير).

ونقل أيضا عن صاحب مرآة الزمان: أن فى النيل سمكة، يقال لها شيخ البحر، على صورة آدمى، وله لحية طويلة، ويكون بناحية دمياط، وهو مسموم فإذا ثوى فى مكان ناحية دمياط فالموت أو الفتن، ويقال، إن دمياط ما تنكب حتى يظهر عندها.

ا. هـ.

وفى كتاب الإفادة والاعتبار،/لموفق الدين عبد اللطيف البغدادى: أن فرس البحر توجد بأسافل الأرض وخاصة ببحر دمياط، وهو حيوان عظيم الصورة هائل المنظر شديد البأس، يتتبع المراكب فيغرقها ويهلك من ظفر منها، وهو بالجاموس أشبه منه بالفرس لكنه ليس له قرن، وفى صوته صهلة تشبه صهيل الفرس-بل البغل-، وهو عظيم الهامة هرّيت الأشداق حديد الأنياب، عريض الكلكل، منتفخ الجوف، قصير الأرجل، شديد الوثب، قوى الدفع، مهيب الصورة، مخوف الغائلة. وأخبرنى من اصطادها مرات وشقها وكشف عن أعضائها الباطنة والظاهرة أنها خنزير كبير، وأن أعضاءها الباطنة والظاهرة لا تغادر من صورة الخنزير شيئا إلا فى عظم الخلقة. ورأيت فى كتاب نيطوليس فى الحيوان ما يعضد ذلك-وهذه صورته-، قال: خنزير الماء تكون فى بحر مصر، وهى تكون فى عظم الفيل ورأسها يشبه رأس الفيل، ولها شبه خف الجمل.

قال: وشحم متنها إذا أذيب ولت بسويق وشربته امرأة سمنها حتى تجوز المقدار. وكانت واحدة ببحر دمياط قد ضربت على المراكب تغرقها، وصار المسافر فى

ص: 123

تلك الجهة مغررا، وضربت أخرى بجهة أخرى على الجواميس والبقر وبنى آدم تقتلهم، وتفسد الحرث والنسل، وأعمل الناس فى قتلهما كل حيلة، من نصب الحبال الوثيقة، وحشد الرجال بأصناف السلاح وغير ذلك فلم يجد شيئا، فاستدعى بنفر من المريس-صنف من السودان-زعموا أنهم يحسنون صيدها وأنها كثيرة عندهم ومعهم مزاريق فتوجهوا نحوهما فقتلوهما فى أقرب وقت وبأهون سعى، وأتوابهما إلى القاهرة فشاهدتها، فوجدت جلدها أسود أجرد ثخينا جدا، وطولها من رأسها إلى ذنبها عشر خطوات معتدلات، وهى فى غلظ الجاموس نحو ثلاث مرات، وكذلك رقبتها ورأسها، وفى مقدم فمها اثنا عشر نابا ستة من فوق وستة من أسفل، المتطرفة منها نصف ذراع زائد، والمتوسطة أنقص بقليل، وبعض الأنياب أربعة صفوف من الأسنان على خطوط مستقيمة فى طول الفم، فى كل صنف عشرة، كامثال بيض الدجاج المصطف صفان فى الأعلى، وصفان فى الأسفل على مقابلتهما، وإذا فغر فوها وسع شاة كبيرة، وذنبها فى طول نصف ذراع زائد، أصله غليظ وطرفه كالأصبع أجرد، كأنه عظم شبيه بذنب الورل، وأرجلها قصار طولها نحو ذراع وثلث، ولها شبه بخف البعير، إلا أنه مشقوق الأطراف بأربعة أقسام، وأرجلها فى غاية الغلظ، وجملة جثتها، كأنها مركب مكبوب، لعظم منظرها، وبالجملة هى أطول وأغلظ من الفيل إلا أن أرجلها أقصر من أرجل الفيل بكثير، ولكن فى غلظها أو أعظم منها.

ا. هـ.

[مطلب حوادث دمياط فى القرن الثالث عشر]

وفى حوادث سنة ألف ومائتين واثنتين، من تاريخ الجبرتى

(1)

: أنه لما كان الوزير حسن باشا القبودان بمصر، تعدى النصارى على ثغر دمياط فى أواخر رمضان، وأخذوا منه اثنى عشر مركبا، وكان إسماعيل بيك الكبير يومئذ هو المنفرد بالكلية بمصر وبيده الحل والعقد واستوزر محمد أغا البارودى وجعله كتخداه.

(1)

تاريخ الجبرتى، المرجع السابق، ج 2، ص 162 - ص 183.

ص: 124

وفيه أيضا، أن مراد بيك نزل دمياط فى شهر الحجة من سنة تسع ومائتين وضرب عليها ضربية عظيمة.

وفى يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الأول سنة ثمانى عشرة ومائتين وألف، حصلت واقعة بين عثمان بيك البرديسى، أحد كبراء المصريين، ومحمد باشا خسرو، الوزير من طرف السلطنة، وقتل كثير من الفريقين، وممن قتل يومئذ، حسين كتخدا شنن، ومصطفى أغا التبريل. وهجم المصريون على دمياط، ودخلوا بمخامرة بعض رؤساء عساكر الباشا، ونهبوها، وأسروا نساءها وافتضوا الأبكار وصاروا يبيعونهن كالأرقاء، ونهبوا الخانات والبيوت، والوكائل والمراكب، حتى بيع فرد الأرز، الذى هو نصف أردب، بثلاثة عشر نصف فضة، والكبس من الحرير الذى قيميه خمسمائة ريال بريالين، والتجأ الباشا إلى القلعة وتترس بها، فأحاطوا به من كل جهة، فطلب الأمان فأمنوه، ونزل من القلعة وحضر إلى البرديسى، وقد خطف بعض العسكر عمامته، فلما رآه البرديسى ترجل عن مركوبه وقابله وتمنى بالسلام عليه وألبسه عمامته وأنزله فى خيمة بجانب خيمته محافظا عليه. ولما وصل الخبر مصر ضربوا مدافع كثيرة من قصر العينى والقلعة والجيزة ومصر القديمة، واستمر ذلك ثلاثة أيام بلياليها، وفى عصريتها حضر إلى القاهرة جيوخدار البرديسى، وهو الذى قتل حسين شنن، وحكى حاصل الواقعة، فألبسه إبراهيم بيك فروة، وأنعم عليه ببلاد المقتول وبيته وزوجته وأملاكه، وجعله كاشف الغربية. وذهب إلى وكيل الألفى أيضا فخلع عليه، وصار يبذل الذهب فى حال ركوبه. وفى يوم الجمعة ذهب إلى مقام الإمام الشافعى، رضي الله عنه، وأرخى لحيته على عادتهم فى ذلك. ا. هـ.

وفيه أيضا

(1)

، فى حوادث سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف أنه: اتفق أن شخصا من أبناء البلد، يسمى حسين جلبى عجوة، ابتكر بفكره صورة دائرة، وهى التى يدقون بها الأرز، وعمل لها مثالا من الصفيح تدور بأسهل طريقة، بحيث أن الآلة المعتادة إذا كانت تدور بأربعة أثوار، فيدير هذه ثوران، وقدم ذلك المثال إلى الباشا العزيز محمد على، فأعجبه/وأنعم عليه بدارهم، وأمره بالمسير إلى دمياط ويبنى بها دائرة يهندسها برأيه ومعرفته، وأعطاه مرسوما بما يحتاجه من الأخشاب

(1)

تاريخ الجبرتى، المرجع السابق ج 4، ص 272.

ص: 125

والحديد والمصرف، ففعل وصح قوله. ثم صنع أخرى برشيد، وراج أمره بسبب ذلك.

قال: ولما رأى الباشا هذه النكتة من حسين جلبى المذكور، قال: إن فى أولاد مصر نجابة وقابلية للمعارف. فأمر ببناء مكتب بحوش السراى، وأن يرتب فيه جملة من أولاد البلد ومماليك الباشا وجعل معلمهم حسن أفندى، المعروف بالدرويش الموصلى، يقرر لهم قواعد الحساب والهندسة وعلم المقادير، والمقياسات والارتفاعات، واستخراج المجهولات، مع مشاركة شخص رومى، يسمى روح الدين أفندى، بل وأشخاص من الافرنج، وأحضر لهم آلات هندسية متنوعة من أشغال الإنكليز، يأخذون بها الأبعاد والارتفاعات والمساحة، ورتب لهم شهريات وكساوى فى السنة، واستمروا على الاجتماع بذلك المكتب وسموه مهندسخانة فى كل يوم من الصباح إلى الظهر، ثم ينزلون إلى بيوتهم، ويخرجون فى بعض الأيام إلى الخلاء لتعليم مساحة الأراضى وقياساتها بالأقصاب وهو الغرض المقصود للباشا. ا. هـ.

وفى كتاب سيرة نابليون الأول: أنه حين دخل أمير الجيوش الفرنساوية بونابرت إلى القاهرة ورتب أمورها وقلد الجنرالات أحكام الديار المصرية، أرسل الجنرال بيال إلى مدينة دمياط -وكان ذا مكر واحتيال-فلما استقر فى مدينة دمياط أحضر سبعة من كبار تجارها وأقامهم لتدبير البلد وأعمالها، ثم رتب أغا إنكشارية، وأقام بالبلد واليا ومحتسبا، ورتب الترتيب القديم، وأحضر شيخ قرية الشعراء-وهى بالقرب من مدينة دمياط -وألبسه فروة وقلده سيفا، وأحضر شيخ اقليم المنزلة، المعروف بالشيخ حسن طوبار، وقلده سيفا مذهبا وجعله ملتزما. وكانت أهالى تلك الأقاليم تمتثل رأى هذا الشيخ وتقتدى به، وبعد ما تقلد الألتزام أتت إليه الكتابات مع أحمد باشا الجزار وإبراهيم بيك، وفيها يحثانه على أن لا يقبل الفرنسيس، وأن يستنهض أهالى الإقليم عليهم، ويكون مجتهدا فى حربهم وواعداه فى المكاتيب بسرعة الوصول إليه بالعساكر الوافرة. فاشتهر هذا الشيخ بضدية الفرنسيس وخبث النية عليهم، واستنهض أهل القرى التى حوله وعقدوا رأيهم على أن يجتمعوا فى قرية الشعراء- بالقرب من دمياط -يهجموا على الفرنساوية ليلا، وأوصلوا الخبر إلى أهل دمياط.

وفى شهر ربيع الثانى هجمت الرجال على البلد ليلا، وكان الفرنساوية مقيمين

ص: 126

بالوكائل التى على البحر فهجموا بضجيج عظيم وهم ينادون: «اليوم يوم المغازاة فى هؤلاء الكفار، ومن يتبعهم من النصارى، اليوم ننصر الدين ونقتل هؤلاء الملاعين» .

فانتبه الفرنساوية من المنام واستعدوا للحرب، والتقوا مع هؤلاء الأمم وضربوهم بالرصاص والسيوف ومنعوهم من الدخول وكانت الهزيمة على أهل البلاد، مع أنهم أضعاف الفرنساوية، وقبل أن يطلع النهار أخرجوهم من البلد راجعين إلى قرية الشعراء حائرين فى أمرهم.

وكانت قد وصلت الأخبار عند طلوع الشمس إلى أهالى العزبة (بضم العين كما فى مراصد الاطلاع)، وهى قرية صغيرة عند بوغاز البحر الملح، أن المسلمين كبسوا دمياط، وقتلوا أولئك الكفار من الفرنسيس ونصارى البلد. وكان فى قرية العزبة خمسة أنفار من الفرنساوية فهجموا عليهم وقتلوهم، وقدم مركب فيه ثلاثة أنفار فقتلوهم، ثم هجموا على قلعة العزبة، وكان بها عشرون من الفرنساوية، فأغلقوا الأبواب ورموهم بالرصاص فرجعوا عنهم خاسرين.

وعند نصف النهار تحقق أن المسلمين رجعوا منكسرين والفرنساوية مقيمون بدمياط. فندم أهل العزبة على ما فعلوا وخافوا على حريمهم وعيالهم، فجمعوا حريمهم وأموالهم وانحدروا فى المراكب هاربين إلى نواحى عكا.

ووصل الخبر إلى دمياط بما صار من أهل العزبة، فركب الجنرال إليها، فلم يجد بها أحدا فنهب ما وجده فيها وأحرقها بالنار، ورجع إلى دمياط.

وأخذ الفرنساوية فى ابتناء حصون فى العزبة، ثم عزم الجنرال على المسير إلى لم المسلمين فى قرية الشعراء، وأمر بأن المجاريح من الفرنساوية ينزلون فى المراكب خوفا من مسلمى البلد. ولما رأى النصارى ذلك ذهبوا إليه، وقالوا له: لا يحل لك أن تذهب وتلقينا فى أيدى هؤلاء الأشرار، لأنا سمعناهم يقولون اقتلوا النصارى قبل الفرنساوية، فثنى عزمه عن المسير إليهم.

وكتب إلى حاكم المنصورة يطلب منه الإسعاف، فوجه إليه مائة وخمسين عسكريا، فعند حضورهم إليه سار بهم إلى قرية الشعراء وترك جنوده فى دمياط، فانهزمت منه الجموع التى بها فأحرقها وقتل من وجد بها، ورجع إلى دمياط، وصنع

ص: 127

شنكا عظيما ونشر بيارق الانتصار ونكس البيرق العثمانى، الذى كان أمر أمير الجيوش أن ينشر فى كل مكان توجد فيه الفرنساوية.

وبعد أيام حضر حاكم المنصورة إلى دمياط، وعقد المشورة مع حاكم دمياط على أخذ الجيزة وبلدة المنزلة. ثم سار حاكم المنصورة بعساكره إلى البحر الصغير قاصدا إقليم المنزلة، فخرجت/عرب ذلك البر، فى محلة يقال لها الجمالية، فصادمهم وشتت عسكرهم، وأفنى أكثرهم وأحرق تلك البلدة، ثم سار إلى المنزلة. فلما بلغ خبره الشيخ حسن طوبار انزعج وخاف خوفا عظيما، وفر من ساعته إلى الأقطار الشامية، وأما أهل البلد فدخلوا تحت الطاعة وأخبروه بقرار الشيخ حسن طوبار فأعطاهم الأمان، وأحضر أخا الشيخ حسن طوبار وأقامه شيخا مكان أخيه، وضبط القوارب التى كانوا يسيرون بها من المنزلة إلى دمياط فى البحيرة المالحة، وأرسلها إلى دمياط وكانت تنيف عن خمسة آلاف قارب، فأمنت الفرنساوية الذين فى دمياط شر نواحى المنزلة، لأن الشيخ حسن طوبار كان منتظرا قدوم عساكر الجزار ليسير بها إلى دمياط فى تلك القوارب.

ثم عاد الجنرال دوقا إلى المنصورة من بعد ما حارب فى طريقه عربا كثيرة كانوا يتعرضون له فى الطريق، واستمر إقليم المنزلة وبر دمياط طائعا للفرنساوية والعداوة فى ضمائرهم مختفية. ا. هـ.

ثم ارتحل الفرنسيس عن هذه الديار وزالت تلك الآثار.

[مطلب مساحة دمياط، وعدد مساجدها]

[وغير ذلك]

وطول المدينة من الشمال إلى الجنوب، ألف وستمائة وخمسون مترا، وعرضها ستمائة وخمسون مترا، ومسطح سقفها ألف ألف وثمانون ألف متر، وبها من المنازل نحو خمسة آلاف وثمانمائة منزل، وأبنيتها بالآجر والمونة والبعض بالحجر الآلة، وكثير منها على ثلاث طبقات أو أربعة، وعدد أهلها خمس وثلاثون ألف نفس، طباعهم تميل إلى الرقة والرفاهية وحسن المعاشرة سيما للأجانب، ولانخفاض موقعها وتسلط

ص: 128

الرطوبة عليها يغلب عليهم أمراض الصدر وداء الفيل، وأغلب مأكولهم أنواع السمك مصحوبة بالأرز.

وبها نحو خمسة وأربعين مسجدا أشهرها: جامع الشيخ شطا بن الهاموك، وهو على شاطئ بحيرة المنزلة فى شرقى البلد بنحو أربعة آلاف متر.

ثم جامع أبى المعاطى فى جهتها الشرقية بلا فاصل، وله شبه بجامع سيدنا عمرو ابن العاص الذى بالفسطاط.

ثم جامع المتبولى، وهو المدرسة المتبولية التى أنشأها قايتباى لسيدى إبراهيم المتبولى، بعد الستمائة من الهجرة.

وبها مكاتب أهلية، وأربع كنائس لأديان مختلفة، وبها ديوان المحافظة مستوفى، ودواوين صغيرة للجمرك ولرياسة الليمان وللتنظيم، وللأوقاف وللصحة، واسبتالية ملكية لمعالجة مرضى الأهالى، ومجلس تجارى وآخر مدنى، ومحكمة شرعية مأذونة بتحرير الحج وسماع الدعاوى، كغيرها من محاكم المحافظات كمحكمة الإسكندرية ورشيد وبورت سعيد والاسماعيلية والعريش والسويس.

وبها، أشوان للميرى، وأسواق عامرة دائمة، وخانات وقهاو وخمارات، وأربع حمامات ماؤها من النيل، ومعمل دجاج، وعدة أحجار لعصر الشيرج وبزر الكتان ونحوه، وست وابورات بخارية، منها ما قوته خمسة وثلاثون حصانا، لضرب الأرز وهو تعلق الميرى من إنشاء العزيز محمد على، كما أنشأ بها جملة فوريقات، ومنها ما قوته أربعة عشر حصانا، لطحن الغلال، والأربعة الآخر لضرب الأرز، قوتها من سبعة خيول إلى عشرة، وبها دوائر لضرب الأرز تديرها الخيل والمواشى تعلق الأهالى، بعضها بأربع طالات وبعضها بطالتين.

ومن متاجرها، أصناف الأرز المتحصل من مزروعات ما جاورها من البلاد، وأصناف الدخان الواردة إليها من بلاد الشام، والحطب والفحم، والخشب المستعمل فى العمارات الوارد إليها من بلاد الأناضول.

وبها، أنواع العقاقير بكثرة، ويوجد بها طاقات المقصب، وثياب الحرير الشامى

ص: 129

والبلدى، وأنواع البز، وينسج بها أصناف الكريشة والبرنجك، وثياب القطن والكتان، والمحازم وملايات الفرش، وقلوع المراكب ونحوها.

وبها، فاخورات للأوانى، وحجارة الدخان ونحوها. وقشلاق للعساكر، وجبخانة ومدرسة حربية، ببر السنانية.

ولها غير السوق الدائم، سوقان حافلان، كل أسبوع يوم الخميس والجمعة، يباع بهما أنواع الحيوانات حتى السمك والطير، وأصناف الغلال وغير ذلك.

وفى شمالها أرض المزارع تمتد إلى جزء من ساحل البحر الأبيض المتوسط، وفى شرقيها بساتين ومزارع تمتد إلى بحيرة المنزلة، وكذا فى جنوبها إلى ترعة العنانية- وتلك الجهات الثلاث بحدودها ومشتملاتها هى المسماة بشطوط دمياط، التابعة لضبطية مركز فارسكور من مديرية الدقهلية. ويمر فى خلال المدينة عرضا خليج يروى بعض أراضى تلك الشطوط وينصب فى بحيرة المنزلة.

وفى شمال دمياط بنحو أربعة آلاف متر بقرب بحيرة المنزلة ملاحات، يستخرج منها كل سنة نحو ستين ألف أردب ملحا، توجه إلى أشوان القاهرة والمديريات. وبين دمياط وبوغازها-وهو مصب النيل فى البحر المالح-مسافة نحو أربعة عشر ألف متر.

وقد أنشأ المرحوم عباس باشا سكة عسكرية من المدينة إلى البوغاز عرضها اثنا عشر مترا، فى طول ستة عشر ألف متر، تمرّ فى وسط المزارع على جملة قرى منها:

عزبة الخياطة، وعزبة اللحم، والحملة، وعزبة الشيخ ضرغام، حتى تصل إلى قلعة البوغاز الكبرى، التى أنشئت زمن دخول الفرنساوية أرض مصر فى القرية القديمة، المسماة بقرية البرج، التى هدمها بنوبرت سر عسكر/الفرنساوية، لقيام أهلها ليلا على عساكره وذبحوا منهم جملة، وبنى بانقاضها تلك القلعة، ولم يبق من آثارها إلا الجامع الذى بوسطها، ومنزل صغير الآن به حكمدارها.

ومن إنشاء المرحوم عباس باشا أيضا، القشلاق الكبير الذى هناك على شاطئ النيل، وجملة مخازن للبارود والمهمات العسكرية، وصهريج كاف لشرب العساكر المرابطين بتلك القلعة مع أهل عزب البرج الجديدة التى فى شمال القلعة.

ص: 130

ومن إنشائه أيضا، عمارة الكرنتينة، ومحل الجمرك فى جنوب القلعة على شاطئ النيل.

وفى جهتى البوغاز شرقا وغربا قلعتان أنشئتا فى زمن الفرنساوية بصورة الاستحكامات الدائمة الموافقة لأسلحة ذلك الوقت، القريبة الرمى الضعيفة التأثير.

وكانت قلعة العزب مبنية بشكل سور مستدير محيط بالبرج القديم المستدير، الذى به مقام الشيخ يوسف فى محل يعرف برأس البر، ثم إن ساحل البر من بوغاز دمياط إلى بورت سعيد لم يكن به قلاع سوى قلعة الديبة القديمة التى بنيت زمن الفرنساوية، بشكل بلانقة مربعة وفى وسطها برج مربع شاهق يرى من مسافة بعيدة، وبينها وبين بوغاز دمياط اثنان وثلاثون ألف متر، وكانت على شريط الساحل القليل العرض الفاصل بين المالح وبحيرة المنزلة للحماية من دخول المراكب من أشتوم الديبة القديم. وكذا الساحل الغربى من بوغاز دمياط لبوغاز بحيرة البرلس، لم يكن به قلاع سوى قلعة بوغار البرلس الغربية المحاذية لسراية طبوز أغلى، حاكم البرلس سابقا، وهى أيضا أنشئت فى زمن الفرنساوية بشكل بلانقة مربعة ذات أبراج مستديرة، وكان انشاؤها بمعرفة الأمير مينو الذى تقلد إمارة مصر بعد موت الأمير كليبر، كما دلت عليه النقوش التى وجدت على بابها، وقد حفظ مع أنقاضها التى وضعت فى بناء القلعة الجديدة.

وكانت أماكن تلك القلاع قبل دخول الفرنساوية، مراكز للمرابطين للمدافعة، فلما رأوا أن مواقعها هى أعظم النقط اللائقة للاستحكامات، بنوا فيها تلك القلاع، فمحيت معالمها القديمة، ما عدا برج ولىّ الله الشيخ يوسف المرابط فإنه لم يزل إلى الآن.

وفى زمن المرحوم محمد على باشا، قد رممت تلك القلاع وأجرى فيها بعض عمارات. وكذلك فى زمن المرحوم عباس باشا، فإنه أنشأ أربعة أبراج فى غربى بوغاز دمياط بينه وبين أشتوم الجمعة، وهو مصب بحر شبين، وأنشأ أيضا برجا فوق أشتوم الجميل، فى شرقى قلعة الديبة، وجميع ذلك كان بمعرفة جليس بيك، مدير عموم الاستحكامات المصرية.

ص: 131

وفى زمن الخديوى إسماعيل باشا، قد أوصلت السكة الحديد والتلغراف إلى السنانية، وأنشأ بها جملة مبان عسكرية منها:

قشلاق الفوريقة الجديدة، المنشأة مع جملة فوريقات فى زمن العزيز محمد على باشا. جعل لإقامة آلآى بيادة بعد ما أضاف إليه جملة مبان كافية للوازمه.

ثم أنشأ قشلاقا آخر بجهة السنانية، قريبا من محطة السكة الحديد، وأنشأ فى غربيه اسبتالية للعسكر تسع خمسمائة سرير، وأوصل خط التلغراف إلى قلعة العزبة الكبرى، وإلى قلاع البوغاز، وأجرى بقلعة العزبة الكبرى جملة عمارات وترميمات بداخلها وخارجها، مع تجديد استرات خنادقها، وبناء خطوط نيرانها القديمة، وتسميك درواتها حسب أصلها، حتى صارت تقاوم مقذوفات العدّو، وعمّر الجامع القديم الذى فى وسطها، والمنزل الذى هناك. وأنشأ حول كل من القلاع القديمة والأبراج، قلاعا حصينة أقوى من تلك القلاع القديمة بأوضاع مغايرة لها، كما أنشأ جملة قلاع من هذا القبيل على عموم السواحل وجعلها من أعظم القلاع الحصينة، لأجل مقاومة الأسلحة الجديدة البعيدة المرمى الشديدة التأثير، وجعل لها قشلاقات لإقامة العساكر المرابطين بها، ومخازن عظيمة للبارود والجلل والمهمات، ولزيادة تحصينها جعلها فى أسفل الدراوى السميكة بحيث تأمن من تأثير مقذوفات العدّو، كما أنه وضع فى جميع هذه القلاع المدافع العظيمة الكافية كما وكيفا، ذات العيار الكبير والمرمى البعيد، المعروفة باسم مخترعها أرمسترنج الإنكليزى. وجميع هذه الاستحكامات والعمائر جار على حسب التصميمات المعمولة بمعرفة أمير اللواء محمد باشا المرعشلى باشمهندس عموم الاستحكامات وقتئذ.

هذا فقد علمت أن مدينة دمياط من أعظم الثغور الإسلامية بديار مصر، فلذا تتوطنها وتقيم بها، الأكابر والأعيان والأشراف والعلماء والصلحاء ومشايخ الطرق والسجادات والقراء، المتقنون للتجويد والألحان الذين لا يفوقهم أحد من قراء الدنيا. وفيها مقامات كثير من أولياء الله تعالى المرابطين وغيرهم.

ص: 132

‌ترجمة جلال الدين أبى محمد عبد الله بن محمد

ابن شاس المالكى

وفيها، قبر شيخ المالكية الإمام جلال الدين أبى محمد عبد الله بن محمد بن شاس بن قرار الجذامىّ السّعدى، صاحب كتاب الجواهر الثمينة فى المذهب. كان من كبار الأئمة العاملين، حج آخر عمره، ورجع، فامتنع من الفتيا إلى أن مات بدمياط مجاهدا، سنة ست عشرة وستمائة، والإفرنج محاصرون لها، وكان جده شاس من الأمراء. (ا. هـ. من حسن المحاضرة)

(1)

.

ولكل حرفة فيها شيخ كعادة القاهرة والإسكندرية، ولهم اصطلاحات وعوائد حسنة/فى أمور شتى، فمن عوائدهم:

فى الموالد أن يلتزم أكابرها بمصاريف الليالى من الطعام والشراب، والشمع والزيت وغير ذلك. وفى كل عام ينتصب مولد فى أول شعبان، يقال له مولد أم عفن، ففى أول يوم يجتمع مشايخ السجادات والأشاير وغيرهم من أهل البلد والبلاد المجاورة لها، بجامع أبى العطاء، وتنعقد حلقة ذكر تشتمل على نحو ألفى نفس، ويجلس بداخل الحلقة أرباب الأشاير والسجادات، ويستمرون كذلك من العصر إلى الغروب، ثم يتوجه أرباب الإشارات وتوابعهم إلى جامع البحر. ويلتزم أكابر التجار كل واحد منهم ليلة، يصرف عليها من ماله، وعلى صاحب الليلة تعليق النجف والقناديل بجامع البحر، ويفرش ما بين المنبر وحائط الجامع البحرى بالبسط والسجادات الثمينة، وفى دائر الفرش المساند، وطول ذلك نحو ثمانين مترا، ويضع أمام الجالسين كراسى مرصعة بالصدف عليها الشمعدانات والفنايير البلور، ويختص هذا المجلس بجلوس الأكابر، كمحافظ الثغر ورؤساء المجالس وأرباب المناصب وسر تجار البلد والعلماء الفخام، ومن بعد صلاة العشاء ينعقد مجلس ذكر وينشد فيه بالألحان العجيبة والموشحات الغريبة. وعلى صاحب الليلة أن يهيئ طعاما واسعا فيذبح جملة من الجواميس والغنم، ويكثر من أنواع الطعام، ويمد أسمطة حافلة

(1)

حسن المحاضرة، المرجع السابق ج 1، ص 454.

ص: 133

لكافة الحاضرين، من الذاكرين والمنشدين وأرباب الأشاير، والفقراء والمساكين، ثم يحضر أطباق الحلوى ويفرقونها على كافة الحاضرين.

وهكذا تستمر تلك الحالة من الاجتماع بجامع أبى العطاء نهارا، وبجامع البحر ليلا إلى نصف الشهر.

وفى تلك الليلة، وهى ليلة نصف شعبان، مولد الشيخ شطا، ويعتنى أهلها بزيارته فى تلك الليلة اعتناء زائدا ويستبشرون به، ومقامه بداخل الجامع المعروف به، المتقدم، وبقعته مشهورة بطيب الهواء واعتداله، فلذا يتردد إليها الناس دائما لتغيير الهواء والتماس الصحة، وهناك محلات تابعة للجامع معدة لنزول الواردين للزيارة ولتغيير الهواء، وجملة منازل يسكنها جماعة حرفتهم صيد السمك والطير، ومنهم خدمة ذلك الضريح.

[ترجمة الشيخ عبد السلام المعروف بابن الخرّاط]

ومن علماء هذه المدينة، كما فى حسن المحاضرة للسيوطى

(1)

، الشيخ عبد السلام بن على بن منصور، الدمياطى الشافعى، المعروف بابن الخراط. ولد بدمياط، ورحل إلى بغداد فتفقه بها، وتميز فى الفقه والخلاف، ورجع إلى بلده، فأقام بها قاضيا مدرسا، ولى قضاء مصر والوجه القبلى.

ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، ومات سنة تسع عشرة وستمائة.

[ترجمة الشيخ صدر الدين محمد بن المرحل الشافعى]

[وابن أخيه زين الدين]

ومنهم، الشيخ صدر الدين محمد بن المرحل الشافعى، كان إماما جامعا للعلوم الشرعية والعقلية واللغوية.

(1)

حسن المحاضرة، المرجع السابق ج 1، ص 410، ج 2، ص 160.

ص: 134

ولد بدمياط فى شوّال سنة خمس وستين وستمائة، وتفقه على أبيه وغيره، ودرس بالخشابية والمشهد الحسينى والناصرية، وجمع كتاب الأشباه والنظائر، ومات قبل تحريره فحرره وزاد عليه ابن أخيه. مات بالقاهرة فى ذى الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة.

وابن أخيه هو، زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زين الدين عمر، كان عالما فاضلا فى الفقه والأصلين. ولد بدمياط وتفقه على عمه وغيره، مات فى رجب سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. ا. هـ.

[ترجمة الشيخ خليل بن إبراهيم القرشى الدمياطى]

ومنها، كما فى الضوء اللامع للسخاوى

(1)

خليل بن إبراهيم بن عبد الرحمن القرشى الأسدى البهوتى الدمياطى، يعرف قديما بالمنهاجى، والآن بإمام منصور وموسى.

ولد بدمياط سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وقرأ على موسى البهوتى، وحفظ عقيدتى الإسلام للغزالى واليافعى، والعمدة والأربعين النووية، والشاطبية والرائية، وألفية الحديث، والمنهاج والفصول، وألفية النحو مع الملحة، وقواعد ابن هشام وتصريف الزنجانى، ورسالة الميقات للجمال الماردانى، والجداول الزينبية فى الميقات/وبديعية شعبان الآثارى. وعرض ذلك على علىّ بن محمد الهيتمى مع أخذ الميقات عنه، والتقويم وجداول الأهلة، وجميع صحيح مسلم وأخذ النحو وأصول الفقه عن الشهاب أحمد بن عبادة المالكى، والمنطق عن السيد الحنفى نزيل الجوهرية، وحضر دروس العبادى وآخرين. وسافر إلى طرابلس وبيروت وغيرهما، واختص بمنصور بن صفو، وسماه إمامه، وجوهر المعينى وآخرين. ثم ترقى لأمير المؤمنين المتوكل على الله العز عبد العزيز، ودخل فى أشياء كالوصية على بنى أبى الفضل بن أسد، ووصف بالعدل والديانة. ا. هـ.

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 3، ص 188.

ص: 135

‌ترجمة عبد السلام بن موسى بن الشرف الدمياطى

ومنها أيضا

(1)

، عبد السلام بن موسى بن عبد الله بن محمد الزين بن الشرف البهوتى الدمياطى الشافعى.

ولد سنة خمس وثلاثين وثمانمائة تقريبا بدمياط، ونشأ بها فحفظ القرآن عند أبيه وتلاه تجويدا، وحضر دروس الفقيه علم الدين بن الفرات، وكذا أخذ عن الشهاب البيجورى وغيره، وفى النحو عن ابن سويدان، ثم اختص بالفخر الديمى لمصاهرة بينهما، وأمّ بالجامع البدرى بعد أبيه، وقرأ على العامة فى المواعظ والرقائق ونحوهما، وكتب بخطة شيئا كثيرا حبس جميعه على بنيه، ولم يزل على طريقته فى الخير والبركة واعتقاد الناس فيه حتى مات فى أواخر صفر سنة ست وتسعين وثمانمائة بدمياط، ودفن بجوار/الشيخ فاتح بتربة الشرفاء بنى عجلان، رحمنا الله وإياه.

‌ترجمة محمد بن صدقة الكمال الدمياطى

المعروف بالمجذوب

ومنها أيضا

(2)

، محمد بن صدقة بن عمرو. الكمال الدمياطى ثم المصرى، القاهرى الشافعى المجذوب-وكان يعرف بالمجذوب-اشتغل وحفظ القرآن والتنبيه، وألفية ابن مالك، وتكسب بالشهادة بمصر، وكان على طريقة حسنة ثم انجذب، وحكيت عنه الكرامات وهرع الأكابر لزيارته وطلب الدعاء منه، وممن كان زائد الانقياد معه والطواعية له فى كل ما يرومه منه، الكمال إمام الكاملية، لشدة اعتقاده فيه، بحيث كان يضعه فى الحديد ويمشى به معه فى الشارع وهو كذلك،

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 4، ص 208.

(2)

الضوء اللامع، المرجع السابق ج 7، ص 270.

ص: 136

ويبالغ فى ضربه وربما أقام عنده بالكاملية. مات وقد قارب السبعين، سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ودفن بجوار قبر الشيخ أبى العباس أحمد الحراز بالقرافة الكبرى، رحم الله تعالى. ا. هـ.

‌ترجمة محمد معين الدين الفارسكورى الدمياطى

وفيه أيضا أن منها

(1)

، محمد بن محمد بن محمد، الملقب معين الدين، الفارسكورى الأصل الدمياطى المولد والدار، أحد المتمولين من بيت تجارة ووجاهة، حتى كان أبوه على قاعدة تجار دمياط ينوب فيها عن قضاتها، ونشأ هذا فقيرا جدا، فقرأ القرآن أو بعضه، وعانى استئجار الغيطان، وترقى حتى زادت أمواله عن الوصف، بحيث قيل إنه وجد ببعض المعاصر خبيئة. وصار ضخما عظيم الشوكة، مبجلا عند الجمال ناظر الخاص، وابتنى بدمياط مدرسة هائلة، وعمل بها شيخا وصوفية، وأكثر الحج والمجاورة، وكان يقال أنه يسبك الفضة ويبيعها على الهنود ونحوه ويقال، إنه كان فى صغره متهتكا قابتلاه الله بالبرص، ولا زال يتزايد حتى امتلأ بدنه وصار لونه الأصلى لا يعرف، ومات وهو كذلك قريبا من سنة ستين وثمانمائة، عن سن عالية، واستمرت المظالم منتشرة هناك بسبب أوقافه، وهلك بسببها غير واحد، وهو مولى جوهر المعينى، عفا الله عنه. ا. هـ.

‌ترجمة العارف بالله شمس الدين الدمياطى

وينسب إليها أيضا، كما فى ذيل طبقات الشعرانى، الشيخ الصالح العالم شمس الدين الدمياطى، المقيم بخانقاه سعيد السعداء، كان محققا للعلوم كثير البكاء من خشية الله تعالى، زاهدا ورعا. عابدا لا يكاد ينام من الليل إلا قليلا.

أخذ العلم عن جماعة منهم: الشيخ زكريا الأنصارى، والشيخ برهان الدين ابن

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق ج 10، ص 14.

ص: 137

أبى شريف، والشيخ كمال الدين الطويل، والشيخ عبد الحى السنباطى. وأخذ التصوّف عن سيدى محمد الاصطنبولى، وعن الشيخ نور الدين الحسنى.

وكان سمته سمت الصالحين، وأعماله أعمال المتقين، وكان يعيب على الفقهاء الذين يتوسوسون فى ماء الطهارة ولا يتوسوسون فى اللقمة، ويقول لهم: لو عكستم الأمر أفلحتم.

قال الإمام الشعرانى: صحبته نحو خمس سنين ثم مات.

وكانت جنازته مشهورة. وكان عزبا ما تزوج قط، وكان يطبخ لنفسه ويفرق على جيرانه ويطعم طلبته، ويقول: ما أحوجنى الله إلى النساء، كابدت العزوبة سنة ثم ذهبت عنى شهوة الجماع.

وكان كثير الذكر لله تعالى، لا يكاد يغفل عن قول الله (ألله) فى حال درسه وفى حال عمله لشغل، ويأمرهم بكتمان ذلك فلم يظهر الأمر إلا بعد موته، رضي الله عنه.

‌ترجمة محمد بن يوسف الدمياطى المصرى

ومن علمائها أيضا، كما فى خلاصة الأثر

(1)

: محمد بن يوسف بن عبد القادر الدمياطى المصرى الحنفى، المفتى الإمام المقدم على أقرانه، البارع فى أهل زمانه، مفتى مذهب النعمان بالقاهرة، والمبدى من تحريراته التحقيقات الباهرة، فاق فى الفضائل جميعها، وبهر فى تأصيل المسائل وتفريعها، وتكلم فى المجالس وأظهر من درر بحره النفائس، وجمع وألف وكتب وأفاد، وأرسل فتاويه طائرة بأجنحة ورقها إلى سائر البلاد، ولازم شيوخ الحنفية من المصريين، كالشيخ الإمام زين بن نجيم وأخيه الشيخ عمر، وشيخ الفقهاء فى وقته الشيخ على بن غانم المقدسى وغيرهم وأجازوه، وتصدر للتدريس ونفع الناس.

(1)

خلاصة الأثر فى أعيان القرن الحادى عشر للمحبى. القاهرة، المطبعة الوهابية،1284 هـ، ج 4، ص 270.

ص: 138

وذكره الخفاجى فقال فى حقه: مقدم نتائج الفضل، وغيره التالى، ومشيد بنيان المكارم بطبعه العالى، ذو وقار تزول عنده الراسيات الشوامخ بمحكم فضل لا يرد على آياته البينات ناسخ، إن خط فما خط الربيع والعذار، أو تكلم فما طرب الأوتار والأطيار، ورد الروم وأنابها كراء واصل، أو حرف علة أو همزة واصل، وشوقى إلى الكرام، كما قال أبو تمام:

واجد بالخليل من برحاء الشوق

وجدان غيره بالحبيب

ثم أورد له أبياتا راجعه بها عن أبيات أرسلها إليه، مطلعها هذا:

أيا روض مجد منبتا زهر الحمد

ومن ذكره أذكى من العنبر والوردى

وأبيات الدمياطى، صاحب الترجمة هذه:

أفائق أهل العصر فى كل ما يبدى

وأوحد هذا العصر فى الحل والعقد

ومن فاق سحبانا وقسا فصاحة

ومن نظمه المشهور بالجوهر الفرد

نظمت قريضا فى حلاوة لفظه

وفى الصوغ أزرى بالنباتى الورد/

وضمنته معنى بديعا فمن يرم

لا داك شئ منه يخطئ فى القصد

ملكت أساليب الكلام بأسرها

فانت بارشاد إلى طرقها تهدى

لقد كنت فى مصر خلاصة أهلها

وفى الروم قد أصبحت جوهرة العقد

وحق شهاب أصله الشمس أن يرى

حريا بأن يرقى إلى غاية السعد

فمعذرة منى إليك وما ترى

من العجز والتقصير قابله بالسد

فلا زلت فى أوج العلا متنقلا

وشانؤك الممقوت فى العكس والطرد

ولا برحت أبياتك الغرّ فى الذرى

وأبيات من عاداك فى الدك والهدّ

ودمت فريدا للفرائد راقيا

مراتب فضل منهلا طيب الورد

وكانت وفاته بمصر يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الثانى سنة أربع عشرة وألف، رحمه الله.

ص: 139

‌ترجمة الشيخ أبى حامد البديرى الدمياطى

وإليها ينسب أيضا، كما فى تاريخ الجبرتى، الإمام العالم العلامة مفرد الزمان ووحيد الأوان محمد بن محمد بن محمد بن الولى شهاب الدين أحمد ابن العلامة حسن ابن العارف بالله تعالى على ابن الولى الصالح بدير بن محمد بن يوسف شمس الدين، أبو حامد البديرى الحسينى الشافعى الدمياطى.

أخذ عن الشيخ الفقيه زين الدين السلسلى، إمام جامع البدرى بالثغر، وهو أول شيوخه قبل المجاورة، ثم رحل إلى الأزهر فأخذ عن النور أبى الضياء على بن محمد الشبراملسى الشافعى، والشمس محمد بن داود العنانى الشافعى، والإمام شرف الدين بن زين العابدين بن محيى الدين بن ولى بن يوسف جمال الدين ابن شيخ الإسلام زكريا الأنصارى، والمحدث المقرى شمس الدين محمد بن قاسم البقرى شيخ القراء والحديث بصحن الجامع الأزهر، والشيخ عبد المعطى المالكى، وشمس الدين محمد الخرشى، والشيخ المحدث شهاب الدين أبى العباس أحمد بن محمد بن عبد الغنى الدمياطى الشافعى النقشبندى، وحيسوب زمانه محمود بن عبد الجواد المحلى، والعلامة المهندس الحيسوب الفلكى رضوان أفندى ابن عبد الله نزيل بولاق.

ثم رحل إلى الحرمين فأخذ بهما عن الإمام أبى العرفان إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكورانى فى سنة إحدى وتسعين وألف، والسيدة قريش وأختها بنت الإمام عبد القادر الطبرى فى سنة اثنين وتسعين وألف، وروى وحدث وأفاد وأجاد.

أخذ عنه الشيخ محمد الحفنى وأخوه الجمال يوسف، والسيد مصطفى بن كمال الدين البكرى، وهو من أقرانه، والفقيه النحوى الأصولى محمد بن عيسى بن يوسف الدنجيهى الشافعى وغيرهم.

ص: 140

توفى، المترجم، أبو حامد بالثغر سنة أربعين ومائة وألف. ا. هـ.

‌ترجمة العلامة أحمد الدمياطى الشهير بالبناء

ونشأ بها أيضا، كما فى الجبرتى، الأستاذ العلامة أحمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الغنى الدمياطى الشافعى، الشهير بالبناء، خاتمة من قام بأعباء الطريقة النقشبندية بالديار المصرية، ورئيس من قصد لرواية الأحاديث النبوية.

ولد بدمياط ونشأ بها، وحفظ القرآن واشتغل بالعلوم على علماء عصره، ثم ارتحل إلى القاهرة فلازم الشيخ سلطان المزاحى، والنور الشبراملسى، فأخذ عنهما القراآت وتفقه عليهما، وسمع عليهما الحديث، وعلى النور الأجهورى، والشمس الشوبرى، والشهاب القليوبى، والشمس البابلى، والبرهان الميمونى وجماعة آخرين، واشتغل بالفنون وبلغ من الدقة والتحقيق غاية قل أن يدركها أحد من أمثاله، ثم ارتحل إلى الحجاز، فأخذ الحديث عن البرهان الكورانى، ورجع إلى دمياط.

وصنف كتابا فى القراآت سماه «اتحاف البشر بالقراآت الأربعة عشر» أبان فيه عن سعة إطلاعه وزيادة اقتداره، حتى كان الشيخ أبو النصر المنزلى يشهد بأنه أدق من ابن قاسم العبادى. واختصر السيرة الحلبية فى مجلد، وألف كتابا فى أشراط الساعة سماه «الذخائر المهمات فيما يجب الإيمان به من المسموعات» .

وارتحل أيضا إلى الحجاز فحج، وذهب إلى اليمن فاجتمع بسيدى أحمد بن عجيل ببيت الفقيه فأخذ عنه حديث المصافحة من طريق المعمرين، وتلقن منه الذكر على طريقة النقشبندية، ولم يزل ملازما لخدمته إلى أن بلغ مبالغ الكمل من الرجال فأجازه وأمره بالرجوع إلى بلده والتصدى للتسليك وتلقين الذكر، فرجع وأقام مرابطا بقرية قريبة من البحر المالح، تسمى بعزبة البرج، واشتغل بالله وتصدى للإرشاد والتسليك، وقصد للزيارة والتبرك، والأخذ والرواية، وعم النفع به لا سيما فى الطريقة النقشبندية وكثر تلامذته، وظهرت بركته عليهم إلى أن صاروا أئمة يقتدى بهم ويتبرك برؤيتهم، ولم يزل فى إقبال على الله تعالى إلى أن ارتحل إلى الديار الحجازية

ص: 141

فحج ورجع إلى المدينة المنورة فأدركته المنية بعد ارتحال الحج بثلاثة أيام فى المحرم سنة سبع عشرة ومائة وألف، ودفن بالبقيع مساء، رحمه الله/تعالى. ا. هـ.

[ترجمة الشيخ مصطفى أسعد اللقيمى الدمياطى]

وينسب إليها أيضا، كما فى الجبرتى، أفضل النبلاء وأنبل الفضلاء الماجد الأكرم الشيخ مصطفى أسعد اللقيمى الدمياطى، وهو رابع الأخوة الثلاثة، عمر وعثمان ومحمد، أولاد المرحوم أحمد بن محمد بن أحمد بن صلاح الدين اللقيمى الدمياطى الشافعى، سبط العنبوسى، وكلهم شعراء بلغاء.

ومن محاسن كلامه وبديع نظامه «مداميته الأرجوانية فى المقامة الرضوانية» ، التى مدح بها الأمير رضوان كتخدا عزبان الجلفى. وهى مقامه بديعة، بل روضة مريعة، وقد قال فى وصفها وبديع رصفها:

نسجت بمنوال البديع مقامة

وتزركشت بالحسن والإبداع

رقت حواشيها ووشى طرزها

بجواهر الترصيع والإيداع

وغدت بحلى مديح رضوان العلا

طول المدى تجلى على الإسماع

وابتدأها بقوله:

بسم الله الرحمن الرحيم، حمدا لمن أنهج مناهج مباهج الإسعاد، وسلك بنا سبل معارج مدارج الإرشاد، والصلاة والسلام على صفوته من العباد سيدنا ومولانا محمد ملجأ الخلائق يوم المعاد، القائل وقوله الحق يهدى إلى طريق الرشاد، اطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه، فيا نعم ما أنعم به وأفاد، وعلى آله وأصحابه السادة الأمجاد والتابعين لهم والسالكين مسالك السداد. ا. هـ.

وهى مقامة كبيرة نحو الكراستين ذكرها الجبرتى بتمامها فيها من الشعر ما حلا ومن النثر ما طلا ودق.

ص: 142

(دميرة)

بفتح الدال وكسر الميم وياء ساكنة وراء وهاء.

دميرة القبلية من ناحية السمنودية، ودميرة البحرية من السمنودية أيضا، وإلى أحدهما ينسب أبو تراب عبد الوهاب بن خلف بن عمرو بن زيد بن خلف الدميرى، ويعرف بخلف، مات بدميرة سنة تسعين ومائتين. (قاله فى مشترك البلدان).

وفى القاموس: دميرة كسفينة، قريتان بالسمنودية، من احداهما عبد الوهاب بن خلف، وعبد الباقى بن الحسن محدثان. ا. هـ.

أما دميرة البحرية فهى، قرية من مديرية الغربية بمركز سمنود موضوعة على تل قديم غربى بحر شبين بنحو خمسمائة متر، وفى جنوب ناحية بهوت بنحو خمسة آلاف متر، وشرقى نبروه بنحو أربعة آلاف متر، وأغلب أبنيتها بالطوب اللبن، وبها مسجد يعرف بمسجد الأربعين له منارة، وبه ضريح يقال له ضريح الأربعين، يعمل لهم مولد سنوى ثلاثة أيام بعد المولد الأحمدى الكبير، وجامع سيدى برهان، وجملة زوايا.

وبها معمل دجاج، ولها سوق كل يوم أربعاء، وبها شجر التوت بكثرة وكان بها دود الحرير، وكان تكسب بعض أهلها من استخراج الحرير منه.

وكان فيها ست فوريقات لصناعة النوشادر وذلك فى زمن الفرنساوية، وكان لأهلها دراية فى صناعته، فكانوا يصنعونه من هباب الأفران وغيرها، وكيفية استخراجه:

أن يوضع خمسون رطلا من الهباب فى قرعة من الزجاج فتمتلئ بذلك، ثم ينقص من حلقها مقدار أصبعين، ثم توضع القرعة فى الفرن من دون سدّ، وتقوى النار أولا لأجل تصاعد الماء الذى فى الهباب، ثم تسد القرعة بجزء من الملح وتستمر النار ثلاثة أيام بلياليها، ثم تكسر القرعة فيوجد فى أعلاها قالب من النوشادر وزنه ستة أرطال.

والآن قد بطلت هذه الفوريقات وغيرها من فوريقات النشادر، كفوريقة المنصورة وفارسكور وطندتا ودمنهور وبرنبال، وكذلك فوريقات القاهرة وبولاق. وكان المستخرج من جميع تلك الفوريقات كافيا لجميع لوازم أوربا فى تلك الأزمان. ومما تقدم يعلم أن هذه القرية من القرى المعتبرة فى ديار مصر.

ص: 143

‌[ترجمة الصاحب صفى الدين الدميرى المالكى

المعروف بابن شكر]

وقد ذكر المقريزى فى الكلام على المدارس، أنه ولد بها الصاحب صفى الدين، وهو الذى أنشأ المدرسة الصاحبية بالقاهرة، وهو:

عبد الله بن على بن الحسين بن عبد الخالق بن الحسين بن الحسن بن منصور بن إبراهيم بن عمار بن منصور بن على صفى الدين أبو محمد الشيبى الدميرى المالكى، المعروف بابن شكر، ولد بناحية دميرة إحدى قرى مصر البحرية فى تاسع صفر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، ومات أبوه فتزوجت أمه بالقاضى الوزير الأعز فخر الدين مقدام ابن القاضى الأجل أبى العباس أحمد بن شكر المالكى، فرباه ونوه باسمه، لأنه كان ابن عمه، فعرف به وقيل له ابن شكر.

وسمع صفى الدين، من الفقيه أبى الظاهر إسماعيل بن مكى بن عوف، وأبى الطيب عبد المنعم بن يحيى وغيره. وحدث بالقاهرة ودمشق وتفقه على مذهب مالك وبرع فيه، وصنف كتابا فى الفقه كان كل من حفظه نال منه حظا وافرا، وقصد بذلك أن يتشبه بالوزير عون الدين بن هبيرة.

كانت بداية أمره أنه لما سلم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أمر الأسطول لأخيه الملك العادل أبى بكر بن أيوب، وأفرد له من الأبواب الديوانية:

الزكاة بمصر والجبس الجيوشى بالبرين والنطرون والخراج، وما معه من ثمن القرظ وساحل السنط، والمراكب الديوانية/واسنا وطنبدا. استخدم العادل فى مباشرة ديوان هذه المعاملة، صفى الدين بن شكر، هذا، وكان ذلك فى سنة سبع وثمانين وخمسمائة، ومن حينئذ اشتهر ذكره وتخصص بالملك العادل، فلما استقل بمملكة مصر فى سنة ست وتسعين وخمسمائة عظم قدره، ثم استوزه بعد الصنيعة ابن النجار، فحل عنده محل الوزراء الكبار والعلماء المشاورين، وباشر الوزارة بسطوة

ص: 144

وجبروت وتعاظم، وصادر كتاب الدولة واستصفى أموالهم، ففر منه القاضى الأشرف ابن القاضى الفاضل إلى بغداد واستشفع بالخليفة الناصر، وأحضر كتابه إلى الملك يشفع فيه، وهرب منه القاضى علم الدين إسماعيل بن أبى الحجاج صاحب ديوان الجيش، والقاضى الأسعد أسعد بن مماتى صاحب ديوان المال، والتجأ إلى الملك الظاهر بحلب فأقاما عنده حتى ماتا، وصادر بنى حمدان، وبنى الحباب، وبنى الجليس وأكابر الكتاب، والسلطان لا يعارضه فى شئ، ومع ذلك فكان يكثر التغضب على السلطان ويتجنى عليه وهو يحتمله، إلى أن غضب فى سنة سبع وستمائة، وحلف أنه ما بقى يخدم فلم يحتمله، وولى الوزارة عوضا عنه القاضى الأعز فخر الدين مقدام ابن شكر، وأخرجه من مصر بجميع أمواله وحرمه وغلمانه وكان ثقله على ثلاثين جملا.

وأخذ أعداؤه فى إغراء السلطان به، وحسنوا له أن يأخذ ماله فأبى عليهم ولم يأخذ منه شيئا. وسار إلى آمد فأقام بها عند ابن ارتق إلى أن مات الملك العادل فى سنة خمسين وستمائة، فطلبه الملك الكامل محمد بن الملك العادل لما استبد بسلطنة ديار مصر بعد أبيه وهو فى نوبة قتال الفرنج على دمياط حين رأى أن الضرورة داعية لحضوره بعد ما كان يعاديه. فقدم عليه فى ذى القعدة منها، وهو بالمنزلة العادلية قريبا من دمياط، فتلقاه وأكرمه، وحادثه فيما نزل به من موت أبيه ومحاربة الفرنج، ومخالفة الأمير عماد الدين أحمد بن المشطوب، واضطراب أرض مصر بثورة العرب وكثرة خلافهم، فشجعه وتكفل له بتحصيل المال وتدبير الأمور.

وسار إلى القاهرة فوضع يده فى مصادرات أرباب الأموال بمصر والقاهرة من الكتاب والتجار، وقرر على الأملاك مالا، وأحدث حوادث كثيرة، وجمع مالا عظيما أمدّ به السلطان فكثر تمكنه منه وقويت يده وتوفرت مهابته؛ بحيث أنه لما انقضت نوبة دمياط وعاد الملك الكامل إلى قلعة الجبل كان ينزل إليه ويجلس عنده بمنظرته التى كانت على الخليج ويتحدث معه فى مهمات الدولة.

ولم يزل على ذلك إلى أن مات بالقاهرة وهو وزير فى يوم الجمعة ثامن شعبان سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وكان بعيد الغور جماعا للمال ضابطا له مع الاتفاق فى غير واجب، قد ملأت هيبته الصدور، وانقاد له على الرغم والرضى الجمهور، وأخمد جمرات الرجال، وأضرم رمادا لم يخطر إيقاده على بال، وبلغ عند الملك الكامل بحيث

ص: 145

أنه بعث إليه بابنيه الملك الصالح نجم الدين أيوب، والملك العادل أبى بكر ليزوراه فى يوم عيد، فقاما على رأسه قياما. وأنشد زكى الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن وهيب القوصى قصيدة زاد فيها حين رأى الملكين قياما على رأسه:

لو لم تقم لله حق قيامه

ما كنت تقعد والملوك قيام

وقطع فى وزارته الأرزاق، وكانت جملتها أربعمائة ألف دينار فى السنة. وتسارع أرباب الحوائج والأطماع ومن كان يخافه إلى بابه وملؤا طرقاته وهو يهينهم ولا يحفل بشيخ منهم وهو عالم، وأوقع بالرؤساء وأرباب البيوت حتى استأصل شأفتهم عن آخرهم، وقدم الأرذال فى مناصبهم.

وكان جلدا قويا، حل به مرة دوسنطايا قوية (إسهال مفرط) وأزمنت فيئس منه الأطباء، وعند ما اشتد به الوجع وأشرف على الهلاك استدعى بعشرة من وجوه الكتاب كانوا فى حبسه، وقال:«أنتم فى راحة وأنا فى الألم، كلا والله» ، واستحضر المعاصير وآلات العذاب وعذبهم فصاروا يصرخون من العذاب وهو يصرخ من الألم طول الليل إلى الصبح، وبعد ثلاثة أيام ركب.- (والمعاصير جمع معصار وهو شئ من الخشب ونحوه يعذب به أرباب الجرائم، بأن يوضع شئ من جسمه بين خشبتين ويضيق عليه حتى ينفصم أو يكاد، ويقال عصر أنثييه وعصرت مذاكيره وعصروه فى كعبيه أو صدغيه وعصرت رجلاه بالمعاصير، وكسروا غالب أعضائه بالمعاصير، ومات تحت العقوبة بالمعاصير والمقارع، ووضعت رجلاه فى خشبتين ثم عصرتا حتى (ا. هـ كترمير عن كتاب السلوك).

وكان-أى المترجم-يقول كثيرا: «لم يبق فى قلبى حسرة إلا كون البيسانى لم تتمرغ شيبته على عتباتى» ،-يعنى القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى، فإنه مات قبل وزارته.

وكان درّى اللون تعلوه حمرة، ومع ذلك فكان طلق المحيا حلو اللسان، حسن الهيئة صاحب دهاء مع هوج وخبث فى طيش ورعونه مفرطة وحقد لا تخبو ناره، ينتقم ويظن أنه لم ينتقم فيعود، وكان لا ينام عن عدوّه، ولا يقبل معذرة أحد، ويتخذ

ص: 146

الرؤساء كلهم أعداءه، ولا يرضى لعدوّه بدون الهلاك والاستئصال/، ولا يرحم أحدا إذا انتقم منه، ولا يبالى بعاقبة.

وكان له ولأهله كلمة يروونها ويعملون بها كما يعمل بالأقوال الآلهية وهى:

«إذا كنت دقماقا فلا تكن وتدا» ، وكان الواحد منهم يعيدها فى اليوم مرات ويجعلها حجة عند انتقامه.

وكان قد استولى على الملك العادل ظاهرا وباطنا ولا يمكن أحدا من الوصول إليه، حتى الطبيب والحاجب والفراش عليهم عيون له، لا يتكلم أحد منهم فضل كلمة خوفا منه.

وكان أكبر أغراضه إبادة أرباب البيوت ومحو آثارهم وهدم ديارهم وتقريب الأسقاط وشرار الفقهاء.

وكان لا يأخذ من مال السلطان فلسا ولا ألف دينار ويظهر أمانة مفرطة فإذا لاح له مال عظيم احتجنه.

وكان قد عمى، فأخذ يظهر جلدا عظيما وعدم استكانة، وإذا حضر إليه الأمراء والأكابر وجلسوا على خوانة، يقول: قدموا اللون الفلانى للأمير فلان والصدر فلان والقاضى فلان، وهو يبنى أموره فى معرفة مكان المشار إليه برموز ومقدمات يكابر فيها دوائر الزمان.

وكان يتشبه فى ترسله بالقاضى الفاضل، وفى محاضراته بالوزير عون الدين ابن هبيرة، حتى اشتهر عنه ذلك، ولم يكن فيه أهلية هذا، لكنه كان من دهاة الرجال.

وكان إذا لحظ شخصا لا يقنع له إلا بكثرة الغنى ونهاية الرفعة، وإذا غضب على أحد لا يقنع فى شأنه إلا بمحو أثره من الوجود، وكان كثيرا ما ينشد:

إذا حقرت امرا فاحذر عداوته

من يزرع الشوك لم يحصد به عنبا

وينشد كثيرا:

تودّ عدوّى ثم تزعم أننى

صديقك إن الرأى عنك لعازب

ص: 147

وأخذه مرة مرض من حمى قوية وحدث به النافض وهو فى مجلس السلطان ينفذ الأشغال، فما تأثر ولا ألقى جنبه إلى الأرض حتى ذهبت وهو كذلك.

وكان يتعزز على الملوك الجبابرة وتقف الرؤساء على بابه من نصف الليل ومعهم المشاعل والشموع وعند الصباح يركب فلا يراهم ولا يرونه، لأنه إما أن يرفع رأسه إلى السماء تيها، وإما أن يعرّج إلى طريق غير التى هم بها، وإما أن يأمر الجنادرة التى فيها ركابه بضرب الناس وطردهم من طريقه، ويكون الرجل قد وقف على بابه طول الليل، إما من أوله أو من نصفه بغلمانه ودوابه، فيطرد عنه ولا يراه.

وكان له بواب يأخذ من الناس مالا كثيرا ومع ذلك يهينهم إهانة مفرطة، وعليه للصاحب فى كل يوم خمسة دنانير، منها ديناران برسم الفقاع وثلاثة برسم الحلوى، وكسوة غلمانه ونفقاته عليه أيضا، ومع ذلك اقتنى عقارا وقرى. ولما كان بعد موت الصاحب قدم من بغداد رسول الخليفة الظاهر، وهو محيى الدين أبو المظفر بن الجوزى، ومعه خلعة الخليفة، للملك الكامل وخلع لأولاده، وخلعة للصاحب صفى الدين-فلبسها فخر الدين سليمان كاتب الإنشاء-، وقبص الملك الكامل على أولاده تاج الدين يوسف وعز الدين محمد وحبسهما، وأوقع الحوطة على سائر موجوده، رحمه الله وعفا عنه. ا. هـ.

[ترجمة الكمال الدميرى، صاحب حياة الحيوان]

وفى حسن المحاضرة، أن منها: الكمال الدميرى محمد بن موسى بن عيسى، لازم السبكى وتخرج به وبالأسنوى وغيرهما، وسمع على العرضى وغيره، ومهر فى الأدب ودرس الحديث بقبة بيبرس، وله تصانيف منها: شرح المنهاج، والمنظومة الكبرى، وحياة الحيوان. واشتهرت عنه كرامات وأخبار بأمور مغيبات.

مات فى جمادى الأولى سنة ثمان وثمانمائة، رحمه الله تعالى.

ص: 148

وفى الضوء اللامع للسخاوى

(1)

، أنه كان أولا يسمى كمالا بغير إضافة، وكان يكتبه كذلك بخطه فى كتبه، ثم تسمى محمدا وصار يكشط الأول وكأنه لتضمنه نوعا من التزكية. وتكسب بالخياطة فى القاهرة، ثم أقبل على العلم وبرع فى التفسير والحديث والفقه وأصوله والعربية والأدب وغيرها، وكتب على ابن ماجه شرحا فى نحو خمس مجلدات وسماه الديباج ومات قبل تحريره، وشرح المنهاج وسماه النجم الوهاج وطرزه بالتتمات والخاتمات والنكت البديعة، واختصر شرح الصفدى للامية العجم ومن غرائبه فيه قوله: كان بعضهم يقول إن المقامات وكليلة ودمنة رموز على الكيميا وذلك من شغفهم بها.

وكان أحد صوفية خانقاه سعيد السعداء وشاهد وقفها، وله حظ وافر من العبادة والصوم، وحدث بالقاهرة ومكة، وسمع منه الصلاح الأقفهسى فى جوف الكعبة، ودرس بالجامع الأزهر والقبة البيبرسية، ومدرسة ابن البقرى داخل باب النصر، وبجامع الظاهر بالحسينية.

وقال المقريزى فى عقوده: صحبته سنين، وحضرت مجلس وعظه مرارا لإعجابى به.

وذكره ابن حجر فى إنبائه وقال: مهر فى العلوم وشارك فى الفنون وجاور بالحرمين، وكان له حظ من التلاوة والصيام والقيام، واشتهر بالكرامات، ويقال إنه كان فى صباه أكولا نهما، ثم صار بحيث يطيق سرد الصيام، وعنده خشوع وبكاء عند ذكر الله سبحانه، ومما ينسب إليه:

بمكارم الأخلاق كن متخلقا

ليفوح مسك ثنائك العطر الشذى

واصدق صديقك إن صدقت صداقة

وادفع عدوّك بالتى فإذا الذى

ا. هـ./

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 10، ص 59.

ص: 149

[ترجمة محمد بن التاج الدميرى وولده محمد]

وفيه أيضا

(1)

، أن منها محمد بن أحمد بن عبد الملك بن الشمس بن التاج الدميرى المالكى. كان حسن الصورة له قبول تام عند الناس لكثرة حشمته، وقد ولى الحسبة مرارا وبيده التحدث فى البيمارستان نيابة عن الأتابك.

مات سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ودفن بتربة خلف الصوفية الكبرى، وله ولد اسمه محمد كان مشكور السيرة، كثير الحياء والتودد للناس، واستمر فى مشارفة البيمارستان ومات فى رمضان سنة ست وأربعين، ودفن بالتربة المذكورة وكثر الثناء عليه والأسف على فقده. ا. هـ.

[ترجمة العلامة العالم فتح الدين الدميرى]

وينسب إليها، كما فى ذيل الطبقات للقطب الشعرانى: الإمام العالم العلامة الأخ الصالح الورع الزاهد الشيخ فتح الدين الدميرى، رحمه الله ورضى عنه.

قال: صحبته نحو خمس عشرة سنة، فما رأيته زاغ عن الشريعة فى شئ من أحواله، بل هو خائف من الله تعالى كثير الحياء منه، كثير المراقبة له، ما اجتمعت به إلا وحصل لى منه مدد بمجرد رؤية وجهه الكريم وتولى القضاء مدة ثم عزل نفسه بحيلة، فطلبوه أن يتولى فأبى، وأقبل على العلم والعمل والتأهب للدار الآخرة، وله قيام عظيم فى الليل، وبكاء وتضرع وابتهال، ومراقبة لله تعالى.

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 6 ص 329.

ص: 150

أخذ العلوم الشرعية وتوابعها عن جماعات، واجازوه بالإفتاء والتدريس فى الجامع الأزهر وغيره، كشيخ الإسلام شمس الدين اللقانى وأخيه الكامل المحقق الشيخ ناصر الدين، والشيخ نور الدين البحيرى، والشيخ شمس الدين التتائى-شارح المختصر-، وشيخ الإسلام يحيى الدميرى، والشيخ أبى الفضل، وغيرهم.

واطلعنى على خطوطهم اجمعين باجازته، رضي الله عنهم أجمعين.

وصحب جماعة من الصوفية وأخذ عنهم الطريق، كالشيخ محمد الشناوى، وشيخنا الشيخ عبد الحليم بن مصلح، والشيخ أبى السعود الجارحى، رضى الله تعالى عنهم، وأقبلوا عليه إقبالا كثيرا وأحبوه وحصل له منهم مدد كثير. فأسأل الله تعالى أن يزيده من فضله ويحشرنا فى زمرته مع العلماء العاملين، آمين. ا. هـ.

وأما الدميرة القبلية، فهى قرية من مديرية الغربية بقسم المحلة الكبرى-وهى المعروفة الآن بكفر دميرة القديم-واقعة فى جنوب دميرة البحرية بنحو ألفى متر، وفى الجنوب الغربى لناحية المنيل بنحو الفين وستمائة متر.

وفى كتاب «الإفادة والأعتبار» ، لموفق الدين الشيخ عبد اللطيف البغدادى: أن دميرة كانت مشهورة بالبطيخ العبد لاوى- والظاهر أن المراد كل منهما لتقاربهما-ونصه:

«يوجد بمصر بطيخ يسمى العبدلى والعبد لاوى، وقيل إنه نسب إلى عبد الله بن طاهر والى مصر عن المأمون، وأما الزراعون فيسمونه البطيخ الدميرى، منسوب إلى دميرة قرية بمصر وله أعناق» .

ا. هـ.

(دندرة)

مدينة بأعلى الصعيد على الشاطئ الأيمن من النيل على بعد ربع فرسخ منه، وعلى بعد ستة آلاف متر من مدينة قنا.

وكانت تسمى فى لغة القبط نيكنطورى أو نبتنطورى، وكانت تعرف فى التواريخ

ص: 151

القديمة بتنتريس، وفى بعض الكتب تسمى جنترى أو تنتر أو تنطورى. وكان أهلها مشهورين بشدّة الكراهة للتماسيح.

ولم يطل المقريزى الكلام عليها فى خططه، وإنما قال:«هى إحدى مدن الصعيد الأعلى القديمة، بناها قفطريم بن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، وكان فيها بربا عظيمة فيها مائة وثمانون كوة تدخل الشمس فى كل يوم من كوّة حتى تأتى على آخرها ثم تكرر راجعة إلى حيث بدأت. وكان بها شجرة، تعرف بشجرة العباس متوسطة وأوراقها خضر مستديرة، إذا قال الإنسان عندها: «يا شجرة العباس جاءك الفأس» تجمع أوراقها لوقتها ثم تعود كما كانت. وبين دندرة وقوص بريد واحد، وكانت بربا دندرة أعظم من بربا أخميم». ا. هـ.

وفى رحلة ابن جبير

(1)

، فى آخر القرن السادس، أن دندرة من مدن الصعيد، كثيرة النخل مستحسنة المنظر مشتهرة بطيب الرطب، ويقال إن هيكلها أحفل من هيكل أخميم وأعظم. ا. هـ.

وقال الفرنساويون فى خططهم: إن دندرة قرية صغيرة لا تتميز عما جاورها بشئ، وشتان ما بينها وبين المدينة القديمة الموجودة آثارها قريبا منها، وكانت تلك المدينة حافظة لبعض اعتبارها فى زمن قيصر الروم ادريان.

وفى خطط الرومانيين: أن بعدها عن مدينة هيرمونتيس-أرمنت-خمسون ميلا رومانيا، وهو مطابق لما قدره الفرنساوية فى خططهم بين خراب دندرة وأرمنت وهو 37200 توازه، وكذا يطابق ما قدر بين مدينة تنتاوس وناحية هوّ وهو سبعة وعشرون ميلا رومانيا.

[معبد دندرة]

ومعبد دندرة فى مقابلة مدينة قنا على الشاطئ الأيسر من النيل، وبعده عن مدينة بلاق 640 كيلومتر. وعادة السياحين قبل وصولهم إلى عمارة دندرة الأطلاع والفرجة على خراب الناحية-المعروفة بقصر الصياد-وهو فى الطريق على بعد 12

(1)

رحلة ابن جبير، بيروت،1959. ص 40

ص: 152

كيلومتر من ناحية فرشوط، وهناك عدة مغارات بعضها مفتوح، وجميعها مقابر العائلة السادسة من الفراعنة. وطول ذلك الخراب 1700 متر وعرضه 800 متر ومحيطه 4000 متر تقريبا. وأهل هذه البلدة يستعملون أتربة تلوله فى تسبيخ الزرع ككثير من القرى، وكثيرا/ما يجدون أشياء قديمة فيبيعونها للسياحين من الافرنج.

ولم يكن فى الآثار القديمة أحسن من المعبد الباقى آثره فى مدينة دندرة، الذى كانت تتحلى به فى الأزمان العتيقة. والسياحون من أهل العلم إلى الآن يجعلونه من أعظم الأمور القديمة الدالة على بلوغ المصريين فى الصنائع إلى أعلى الدرجات.

وهو مبنى بحجارة كبيرة الأبعاد محكمة الوضع، فى داخل سور مبنى من اللبن المجفف فى الشمس يحيط به، وطول هذا السور 294 مترا، وعرضه 292 مترا، وله بابان من أعظم ما يرى، وجميع جدرانه منقوشة بأحسن النقوش والكتابة. وفى الجبل الملاصق لخراب المدينة مغارات، بعضها كان معدّا لدفن الأموات على عادة البلاد القبلية، وأما العمارات التى وصفها الفرنساوية فهى هذه؛ عمارة صغيرة فى الجهة البحرية تدل هيئتها على أنها لم تتم لتجردها عن النقوش والكتابة بالكلية والأعمدة لم تستوف صنعتها والجدران أيضا كذلك. وفى الجهة الغربية من العمارة السابقة، عمارة صغيرة على بعد 30 مترا، طولها 34 مترا وعرضها 18 مترا، وحولها دهليز مزين من كل جهة بتسعة أعمدة، إلا الجهة الأمامية فإن أعمدتها أربعة فقط، وشكل الأعمدة مخروطى كسائر أعمدة المعابد، وجميع جدرانها وجدران الحيطان مزين بالنقوش والكتابة القديمة، وبعض المحلات الداخلة مجردة من النقوش، تدل حالتها على عدم تمامها-فلعل حادثة حدثت وقت البناء منعت من إتمامها وإتمام العمارة البحرية السابقة-، وفى النقوش المزين بها جدران هذه العمارة وحيطانها صورة على أحد أبواب الدهاليز جديرة بالذكر: وهى عبارة عن مركب فوقها صورة العجل أبيس داخل محل يشبه القفص، وحوله أزهار اللينوفر، وبين قرنيه صورة قرص الشمس، وأمامه رجل كأنه يسحبه وشخص آخر تحت بطنه على هيئة الساجد، وفى مؤخر المركب مجداف عوضا عن الدفة مزين فى آخره برأس باشق مثبت فى عصا يعلوها باشق أيضا، وفى أمامها صورة سبع ورجل يناول مجدافا ومدقة، ويظهر أنها صورة ما كان يعمل حين يصير العجل المذكور على النيل، فقد ذكر

ص: 153

ديودور الصقلى أن عادة المصريين متى وجدوا العجل بعد طول البحث نقلوه إلى مدينة نيلوبوليس وهناك كانوا يعلفونه بها أربعين يوما، ثم بعد ذلك يسيرونه على النيل فى مركب مخصوص، وكانوا يضعونه فى أودة مذهبة وينقلونه بهذه الكيفية إلى معبد مدينة منف.

وفى الرسوم المنقوشة على جدران المعبد صورة هوروس عند الولادة، ومدة تربيته درجة بعد درجة، من وقت ولادته إلى بلوغه. وكان المصريون على ما ذكره السلف يعنون به سير الشمس فى مدارها، ويرسمون هوروس فى المعابد فى آخر درجة من كبره على صورة إنسان إحدى ساقيه ملتصقة بالأخرى دلالة على عدم الحركة، وكان هذا إشارة إلى بلوغ الشمس أعلى نقطة من المدار الصيفى من منقلبه لأنها فى هذا الموضع تكون كأنها ثابتة وفى غاية القوة من الحرارة. ثم انهم يصورون فى هذه الصورة ذكر هوروس فى حالة الانتصاب للدلالة على الخصوبة لأن العادة فى هذا الفصل أن تكون شدة الحرارة ملطفة بالأرياح البحرية وذلك يساعد على النمو فى النبات والحيوان وجميع ما يودع فى الأرض من البذور ينبت وينمو مع السرعة.

وحينئذ فجميع الرسوم الموجودة فى هذا المعبد متعلقة بالزراعة وأحوال المزروعات وفعل الشمس عليها من ابتداء المنقلب الشتوى-أعنى من إبتداء وقت البذر-إلى المنقلب الصيفى وهو وقت الحصاد، وكذا ما يحدث بعد ذلك من الحوادث، كفيضان النيل، وتسلط الرمال على أرض المزارع والأرياح الجنوبية المحرقة، كل ذلك مصور على جدران هذا المعبد ليدل على جميع حوادث القطر فى صور إشارية لغزية، كصورة هوروس وإزريس وإزيس وتيغون.

وأما المعبد الكبير فهو على بعد مائة متر من الباب البحرى، ويرى من بعيد فى غاية العظم، ويتركب من عشرة أعمدة موضوعة على خط واحد مستقيم ملتصقة بالحائط، وفوقها جميع ما يلزم من المبانى والنقوش ليصير الوجه من أعظم ما يرى من هذا القبيل، وشكل المعبد هكذا) T (كشكل حرف تاء الفرنساوى. وهو عبارة عن جزأين، الأول الباب والثانى نفس المعبد، والطول جميعه 82 مترا، وطول الوجه 42 مترا، وارتفاع الباب 18 مترا، وارتفاع باقى الوجه 13 مترا، وجميع الحيطان مزينة بالرسوم والنقوش العجيبة. وعرضه باب المعبد خمسة أمتار، يصل الإنسان

ص: 154

منه إلى دهليز مستطيل الشكل طوله 37 مترا ونصف، وعرض 20 مترا، وجميعه مسقوف بالحجر وسقفه محمول على أربعة وعشرين عمودا فى ستة صفوف، وفتحة الوسط التى يدخل منها إلى الدهليز عرضها قدر فتحتين من الفتحات التى بين الأعمدة، فقدرها خمسة أمتار [و] واحد وثمانون جزأ من المائة من المتر، وكل من الفتحات الآخر متران وثلاثة وسبعون جزأ.

وشكل جسم الأعمدة مخروطى، وقطر كل/واحد من أسفله متران وثلث، ومن أعلاه متران وعشر متر، وطوله ثمانية أمتار وستة وثلاثون جزأ من مائة من المتر.

والجسم متكئ على قاعدة اسطوانية معتمدة على كرسى مدور، ولكل عمود تاج فيه صورة إزيس، ومن البلاط إلى السقف أربعة عشر مترا [و] واحد وثلاثون جزأ، فإن جعل نصف قطر العمود من أعلاه هو المدول كان جسم العمود منها ثمانية والتاج خمسة.

وذلك المعبد أيضا منقسم إلى محلات-كباقى المعابد المصرية-وجميع الحيطان وسطوح الأعمدة والسقف منقوشة بصور متنوّعة عليها كتابات قديمة كثيرة.

وذكر العارفون باللغة القديمة أن جميع النقوش إشارات فلكية، وعلى الباب منطقة الفلك مصوّر فيها جميع البروج، ولا ندخل فى وصف ذلك خوف الإطالة. ثم إن بعض الناس زعم أن هذه العمارة بنيت فى زمن الرومانيين، واستدل على ذلك بكتابة رومية مسطرة فوق بعض محلاتها، لكن ترجمتها إنما تفيد أن هذه العمارة عملت للمقدسة الزهراء، التى كانوا يسمونها افروديت أو دينوس، ولا تفيد غير ذلك. وشكل هذه العمارة ونقوشها ونسب اجزائها ودقة صنعتها تفيد أنها مصرية سابقة على الروم والرومانيين.

وذكر استرابون، أن أهل هذه المدينة كانوا يكرهون التمساح كراهة شديدة، وهاك ترجمة نصه:

«إن أهالى مدينة تنتاريس لهم فى التمساح كراهة زيادة عن غيرهم من المصريين، فإن يعتقدون أنه أكثر الحيوانات الوحشية شرا، ومع ذلك فيوجد هذا الحيوان فى بعض الجهات المصرية مقدسا ومعظما، ولكن أهالى تنتاريس يجتهدون فى قتله ما أمكن. وزعم بعض الناس أن البعض منهم يغوص عليه فى الماء ويمسكه من دون أن

ص: 155

يؤذيه، كما يفعل الحواة بالثعابين، وكان الرومانيون إذا أرسلوا إلى رومة تماسيح لأجل الفرجة فى أيام الملاعب يرسلون معها ناسا من أهل هذه المدينة، وكان يعمل لها حياض ماء توضع فيها، ولم يكن أحد له اقتدار على القرب من هذا الحيوان إلا هؤلاء الأشخاص، وكانوا يخرجونه من الماء ويعرضونه على الخلق للفرجة ويردونه إلى مكانه، ولم ينقل عن أحد منهم أنه حصل له منه أدنى أذية»

وذكر هذا الجغرافى أيضا، أن أهالى هذه المدينة كانوا يقدسون الزهراء والرسوم الموجودة فى هذا المعبد وصورة هذه المقدسة تثبت ذلك.

وذكر ديودور، أن هذا المعبد على ترعة فى حدود الجبل يتوصل منها إلى قفط، وأثر هذه الترعة موجودة إلى الآن.

وقال بعض الإفرنج: إن هذا المعبد متأخر عن غيره من المعابد فى إنشائه، ويعزون ابتداء بنائه إلى كليو باتره وهى مصورة فيه مع ولدها سيزاريوم-أى قيصر-وأن قياصرة الروم تمموا عمارته، فالنقوش من زمن أغسطس وعلى حيطانه الخارجة يوجد اسم القيصر تبيروقايوس وكلود ونيرون، وبعض محلاته تعزى إلى القيصر تراجان وأدريان وأنطونان.

وفى كتاب دليل السياحين لمارييت بيك: «أن ابتداء هذه العمارة كان فى زمن بطليموس الحادى عشر وانتهاؤها فى زمن القيصرين تبير ونيرون، وأنها من مبانى البطالسة، وكان المسيح عليه السلام فى هذا الوقت حيا» .

ولنذكر لك بعض ما ذكره مارييت بك فى هذه العمارة حيث قال: «إن محلات هذه العمارة منقسمة إلى أربعة أقسام؛ الأول، مشتمل على دهليز الدخول وفيه الباب الكبير الذى كان مختصا بدخول الملك منه، وفى جنبى هذا الباب بابان صغيران، أحدهما فى شماله، والآخر فى جنوبه، وكانا مختصين بدخول الكهنة، والأربعة والعشرون عمودا-التى سبق ذكرها-موضوعة فى هذا المحل، وكانت عادة الملك أنه إذا أراد الحضور إلى هذا المحل لبس ملابس طويلة تشبه القفاطين وليس فى رجليه النعال وأخذ فى يده عصا، وقبل أن يدخل المعبد لا بد أن المقدسين يقرون له فى أول مرة من دخوله بأنه ملك الديار القبلية والبحرية من أرض مصر، ويكون فى موكب عظيم-

ص: 156

صورته مرسومه فى الحائطين اللذين على يمين الداخل ويساره، فالإقرار بأنه ملك الأقاليم البحرية منقوش على الحائط البحرية، وإقرارهم بأنه ملك الأقاليم القبلية منقوش على الحائط القبلية-، وإذا وصل الملك الباب حضره المقدسان طوط وهوروس وطهراه، وجاءه آتى وسوات فيتوجانه بتاجى المملكتين، ثم يحضر إليه من عين شمس ثلاثة من المقدسين وهم، مونت وطيب وتوم فيقودونه بأيديهم إلى أن يوقفوه أمام المقدسة، فكان هذا المحل عبارة عن مكان استعداد الملك للعبادة-التى سنشرح لك صورتها-، ويدخل الإنسان من هذا المحل إلى محلات القسم الثانى، من باب فى مقابلة الباب الكبير السابق، فيجد حوشا صغيرا فيه ستة أعمدة ثلاثة منها فى الجهة القبلية وثلاثة فى الجهة البحرية، وستة محلات منها أربع أود، والآخران بابان للدخول، أحدهما فى الجنوب والآخر فى الشمال غير متقابلين، ومن هذا المحل يدخل فى حوش فى الجهة البحرية به سلالم وأودتان، ومنه يدخل إلى دهليز دائر حول محل منعزل فاصل بين أود فى الجهة القبلية والبحرية هى آخر المعبد، وفى هذا/المحل وفى الحوش والدهليز كان اجتماع الكهنة واستعدادهم للمواكب والعبادات، وصور ذلك موجودة على الحيطان، والأود المارة الذكر وغيرها. وكانت الأود معدة لحفظ لوازم الموكب والآلات وذخائر المعبد، وبعضها لعبادات بعض المقدسين، وكانت جميع محلاته مظلمة لا يدخلها نور، ولاعتياد الكهنة عليها كانوا يهتدون إلى طرقها، وكان يصل إلى بعض محلاته نور خفيف من السقف لمقتضيات الموكب والعبادة. والمحل المنعزل-الذى سبق ذكره-كان معدا لوضع الأربع سفن المقدسة فيه، وكانت صورة المقدسة وقت الموقف توضع بها داخل ظرف فوقه آخر أبيض حتى لا يراها أحد، وكان من ضمن الأود ما هو مخصوص بهدايا الجهات القبلية، ومنها ما هو مخصوص بهدايا الجهات البحرية ولكل من الجهتين باب مخصوص.

والقسم الثالث، عبارة عن معبد صغير فى الجهة البحرية يتوصل إليه من الدهليز-الذى مر ذكره-ويتوصل إليه أيضا من عدة أود بالقرب منه يتوصل إليها من ذلك الدهليز، ثم من معبد صغير فوق السطوح فيه اثنا عشر عمودا، ويتوصل إليه من سلمين أحدهما فى الجهة البحرية والآخر فى الجهة القبلية.

وكان عيد أول السنة، الذى وقته عند ظهور كوكب الشعرى بين المصريين فى غاية

ص: 157

من الاعتبار، والمعبد الذى فى الجهة البحرية والآخر الذى فوق السطح مخصوصان به، وكان اجتماع الكهنة حول الملك فى المعبد الأرضى ثم بعد الاستعداد وإجراء ما يلزم من التجهيزات، يصعدونه فوق السطح ويدخلونه فى المعبد الذى سبق أن فيه اثنى عشر عمودا كل منها مخصوص بشهر من الاثنى عشر شهرا السنوية، فإذا صعدو إلى المعبد مشى الملك أمامهم ومشى خلفه ثلاثة عشر كاهنا حاملين أعلام المقدسين، وكانت عادتهم الصعود من السلم البحرى والنزول بعد العبادة من السلم القبلى.

والقسم الرابع، عبارة عن عدة أود شاغلة للجهة الغربية جميعها، وبجانبها فى الجهة البحرية والقبلية عدة أود، وفى وسط الجهة الغربية فى مقابلة محور العمارة المقابلة للأبواب أود من ضمن الأود فى داخلها قبة فيها الأمانة التى لا يطلع عليها إلا الملك، وهى عبارة عن كوس من ذهب-وتسميه الإفرنج سيستر-وهو آلة تشبه كوسات الفقراء وأرباب الأشاير، وأما الأودة الآخر فكانت معدة للصلوات والعبادة، فكان يتوصل إلى المقدسة إزيس فى الأود المشار إليها فى هذا الشكل برقم واحد، وفى الأودة التالية لها من الجهة الغربية يتوصل إلى صورة أوزريس وكان معتقدهم أن هذا المقدس يرجع إلى الحياة فى هذا المحل وقت الموسم، ويرمزون لذلك بتجديد كسوة تمثاله، وفى الأودة التالية لأودة أوزريس كان المقدس أونوفريس، وكان شباب الإله يرجع له فيها-على زعمهم-وتقوى أعضاؤه فيظهر كأنه افترس أعداءه، ويرمزون إلى ذلك بتمساح يقهره المقدس على التقهقر إلى الخلف، وفى الأودة التالية لها تمام رجوع المقدس إلى الحياة ويظهر فى صورة المقدس هاتورسام تو، وفى الأودتين التاليتين لها النافذة، كل منهما إلى الأخرى تقديس المقدس هاتور، الذى يعتبرونه كأنه محل تولد الشمس كل يوم، وفى الأودة التى بعدهما وفى محور المعبد كان تقديس المقدسة الأصلية فى تلك الجهة، وفى الأود الأربعة التالية لها كان تقديس المقدس باشت الذى يعتبرونه كأنه الحرارة التى بسببها نمو الأشياء، والمقدس هوروس المعتبر كأنه النور الغالب على الظلمات وهاتور الأرضى.

فهذا هو وصف المعبد عند المصريين، وكان لا يدخله إلا الملك والكهنة فى أيام معلومة معينة كالموالد والأعياد فلم يكن كالكنيسة عند النصارى ولا كالمسجد عندنا بحيث يدخله عموم الناس، وكانت محلاته مختصة بأشياء مخصوصة فمنها، ما كان

ص: 158

لإحضار ما لا بد منه فى وقت الموالد، ومنها ما كان لخزن الذخائر كحلى المعبد ومقر المقدسين ولباسهم وحليهم وما أشبهما، وكان من عادتهم أن يجعلوا فى سمك بعض حيطان المعبد دهاليز ضيقة ليس لها باب ولا شباك ولها طابق مقفل بأحجار محكمة لا يعرف طرق نتحها إلا الكهنة بواسطة لوالب وشبها يعدونها لخزن الأشياء الثمينة من الذهب والفضة والأحجار، ويوجد ذلك فى معبد دندرة فى الحائط القبلى-كما أشرنا له فى رسم الشكل.

[الكلام فى أوزيس وأوزريس وهاتور]

وفوق السطح-غير المعبد الذى مرّ ذكره-ست أود، ثلاثة منها فى الجهة البحرية والثلاثة الآخر فى الجهة القبلية يحصل من مجموعها معبد مختص بالمقدس أوزريس، الذى يزعم المصريون أنه هو الإله الكبير، بناء على ما ورد عن الأقدمين من المؤرخين، ويثبته ما وجد مسطورا على واجهات المبانى العتيقة الباقية إلى الآن.

وكانت الديار المصرية فى تلك الأزمان منقسمة إلى اثنتين وأربعين مديرية، كل مديرية فيها معبد مختص بعبادة هذا المقدس، فحينئذ يكون عدد المعابد المختصة به اثنين وأربعين معبدا، ومعبده المختص به فى مدينة دندرة هو الست أود الموجودة فوق السطح، وكان يطلق عليه اسم أوزريس آن، وبسبب أنه لا بد أن/يكون معه أوزريس الجهات المجاورة من بحرية وقبلية قسمت الأود المختصة به التى فوق المعبد إلى قسمين، فما كان فى الجهة البحرية فهو لأوزريس المديريات البحرية، وما كان منها فى الجهة القبلية فهو لأوزريس المديريات القبلية، وما هو مكتوب على جدران المعبد الموجودة فوق السطح يدل على نزول أوزريس إلى الأرض وموته فيها ثم رجوعه إلى الحياة لنفع الإنسان، وفى بعضها أسماؤه الاثنان والأربعون التى كان فى كل مديرية اسم منها، وفى بعضها وصف المواكب المجعولة لأجزائه الاثنين والأربعين التى كان كل جزء منها فى مديرية ولا يؤتى بها إلا عند أوقات معلومة فى أوعية، ويعمل لذلك موسم مشهور. ويوجد فى الأودة التالية من الجهة القبلية صور قبوره الاثنين

ص: 159

والأربعين الموزعة فى المديريات وبعدها ساعات النهار الاثنتا عشرة وما كان مختصا بكل منها من العبادات وكذلك ساعات الليل، وجميع ذلك فى الجهتين-أعنى أن جميع ما هو مسطر فى الجهة البحرية مسطر فى الجهة القبلية أيضا-. وكانت أوقات الأعياد معينة بمقتضى قانون متبع فى جميع القطر. وتحضر فيها جميع الكهنة التى فى المديريات فى الصور المناسبة للأحوال عند حلول موسم أوزريس فى معبده الذى له فى كل مديرية

والمقدسة الأصلية فى معبد دندرة هى المقدسة هاتور، وكان المصريون يعتبرونها تحت كفالة الشمس كاليتيم فى كفالة الوصى، ولذلك كان يجعلونها علما على الجمال وكانوا يجعلون محله العين، وكان لها عندهم أسماء منها: ذات الخد الجميل، والمقدسة الجميلة، واله العشق، ويجعلون صورتها فى بعض الأحيان صورة الكمال التام لهذا العالم الباقى على نظامه ببقاء أجزائه وإتحادها، ولهذا كانوا يسمونها بالأم المقدسة التى بها نمو النباتات ووجود الخير وإعطاء الحياة للمخلوقات، ونشر الخصوبة والبركة فى جميع أجزاء الدنيا.

وتوجد صورة هذه المقدسة مشتركة مع جميع الصور المختصة بالشبوبية والفرح والحياة المنقوشة على جدران هذا المعبد من داخله وخارجه وعلى أجزائه الكبيرة والصغيرة. وللدلالة على جميع ذلك يطلق عليها فى الكتابة اسم المقدسة سوتيس- يعنى النجم سوريوس-المعروفة بيننا بالشعرى أو الكلب.

وكان هاتور فى هذا المعنى النجم المستدل به على الرجوع الدورى للسنة الذى كان وقته يوم واحد وعشرين من شهر يولية الأفرنكى، وفى هذا اليوم يظهر النجم والشمس صباحا فى الأفق، وكان لهذا النجم عندهم اعتبار كبير لأنه علامة على الفيضان وتجديد ما على الأرض.

فعلى هذا كانت المقدسة هاتور علما على الجمال الأرضى والنظام السماوى اللازم لبقاء الحياة.

ومن ضمن ألقابها المقدسة، الحق، وكان المصريون يصورون الحق فى صورة امرأة جالسة فى روضة أزهار ورأسها متوجة بريشة معوجة، والملك مرسوم فى تلك الصورة أمام المقدسة هاتور ماسكا بيده صحبة ويقدمها إليها وهى واقفة، وعادة

ص: 160

يكتب أمام صورة الملك أقواله التى يعرضها على المقدسة، وأمام صورة المقدسة أجوبتها التى تجيبه بها، وقد قرئ أمام الملك ما معناه-إنى أعرض لسدتك الحق وأرفعه إليك-وكان أمام المقدسة فى الجواب ما معناه-جعلت الحق يقودك ولا يفارقك فى حياتك وأعمالك وتكون نصرتك به على أعدائك-تعنى أنه ينصر الحق ويخذل الباطل.

وفى المعبد الذى فوق السطح تتغير صور هاتور فى الأود الأرضية وتأخذ صورة أوزيس فتكون مع أوزريس ولا تفارقه فترسم معه فى جميع الأود فى كل صورة.

وكان أوزريس على ما ذكره بولوتارك: علما عند المصريين على أصل الطيب، وأوزيس علما على أصل الخير. وذكر بولوتارك أيضا فى مؤلفاته، أن أوزيس وأوزريس مشتركان فى إدارة أمر الخير فى هذا العالم على زعمهم.

ولنختم الكلام هنا ببعض ما ذكره مارييت بيك فى صفة الكوس-الذى تقدم- أنه فى أودة لا يراه أحد غير الملك.

قال: إنه كان عند المصريين دليلا على أن الأشخاص يلزمها أن تكون على الدوام متحركة مضطربة، ومن اللازم تحريضهم على القوة ما أمكن لأجل أن ينشطوا ويتركوا الكسل والخمول، وكانوا يقولون إن رنين هذه الآلة يطرد طيفون الذى هو أصل الشر، فكانت حركته تجعل إشارة لغلبة الحياة على الموت والخير على الشر والحق على الباطل. ا. هـ.

ثم إن دندرة الآن بلدة عامرة، وفيها سويقة دائمة يباع فيها اللحم وغيره، وفيها معمل لاستخراج الفراريج ودجاجها كبير مشهور مرغوب فيه، ويكثر فيها النخل وشجر الدوم جدا بحيث يسير الراكب فيه أكثر من ساعة وهو محيط بالبلد وأطيانها بين الأشجار والنخيل. ومن أهلها جماعة يقال لهم الأمراء، من عوائدهم أن لا تخرج نساؤهم البته، ومتى بلغ الذكر لا يدخل دار أبيه ولو لم يكن به إلا محارمه.

وجماعة يقال لهم الهوارة، وجماعة أشراف جعافرة، ومنهم فلاحون يتولون الزرع وفلاحة الأرض، وطائفة يقال لهم الجمسة يحتقرونهم ويستخدمونهم فى نحو السقاية ورعى البهائم.

ص: 161

ومما مرّ يعلم أن دندرة بلدة ذات اعتبار جاهلية وإسلاما، وقد نشأ منها جملة من الأكابر العلماء/ذكر فى الطالع السعيد منهم جماعة حيث قال:

[ترجمة صدر الدين أحمد الدندرى]

منها

(1)

: أحمد بن محمد بن عبد الله صدر الدين الدندرى، كان عالما فاضلا، وتصدر بدار الحديث بقوص للقراءة عليه، وكف بصره فى آخر عمره.

وتوفى ليلة الجمعة ثامن شهر محرم سنة سبعمائة واثنين وثلاثين.

[ترجمة الشيخ عبد الرحيم الفصيح]

ومنها

(2)

: عبد الرحيم بن عبد العليم الدندرى، يعرف بالفصيح، له نظم، وكان يمدح الأكابر، وفيه لطافة وخفة روح.

ومن كلامه يمدح قاضى القضاة تقى الدين القشيرى:

أيا سيّدا فاق كل البشر

ومن علمه فى الوجود اشتهر

ويا بحر علم غدا فيضه

لورّاده من نفيس الدّرر

أيا ذا

(3)

يدعمنا جودها

كما عم فى الأرض جود المطر

وفى روض أيامك المونقات

أنزه طرف المنى بالنظر

وقد توفى سنة سبعمائة تقريبا.

(1)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 109.

(2)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 303.

(3)

هكذا فى الأصل، وفى الطالع السعيد ص 304 هامش (1)(أيادى)

ص: 162

[ترجمة الشيخ محمد بن عبد الرحمن المعروف بالبقراط الدندرى]

ومنها

(1)

: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن زيد الدندرى المقرئ، يعرف بالبقراط، قرأ القرآن على أبى ربيع سليمان الضرير، واستوطن مصر، واختصر الملحة نظما، ومن كلامه فيها:

وها أنا رمت

(2)

اختصار الملحة

أمنحه الطلاب فهو منحه

وفى الذى اختصرته الحشو سقط

ليقرب الحفظ ويبعد الغلط

وفيه إيثار لما أريد

(3)

فائدة يحتاجها المريد

ولم يذكر وفاته.

[ترجمة محمد بن عثمان أبو بكر السراج الدندرى]

ومنها

(4)

: محمد بن عثمان بن عبد الله أبو بكر السراج الدندرى، المقرئ الفقيه الشافعى القاضى. قرأ القرآن على صهره الشيخ نجم الدين عبد السلام بن حفاظ، وتصدّر للإقراء بالمدرسة السابقية بقوص سنين، وانتفع به جم غفير، وكان متقنا ثقة، وسمع الحديث على جماعة كالحافظ بن الكوفى، والحافظ أبى الفتح محمد بن على القشيرى، ودرّس وناب فى الحكم بقفط وقنا وقوص، واستمر فى النيابة إلى حين وفاته.

وكان محمود السيرة يستحضر متونا كثيرة من الحديث، وجملة من أقوال

(1)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 530.

(2)

فى الطالع السعيد، (وها أنا أخترت) ص 530.

(3)

ورد هذا الصدد فى الطالع السعيد ص 530 (وفيه أيضا ربما أزيد).

(4)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 547 - ص 550.

ص: 163

المفسرين وإعراب القرآن الكريم. توفى، رحمه الله تعالى، بمدينة قوص فى ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.

[ترجمة محمد بن عثمان، شرف الدين الدندرى]

ومنها

(1)

: محمد بن عثمان، المنعوت بشرف الدين الدندرى. أخو سراج الدين المذكور. كان عالما فاضلا واستوطن قنا وناب فى الحكم عن قاضيها.

ومات يوم السبت لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة 818 وولد بدندرة.

(دندنا)

قرية من مديرية القليوبية بقسم طوخ الملق شرقى السكة الحديد الطوّالى الذاهبة من مصر إلى الإسكندرية على بعد خمسمائة متر، وفى الجنوب الشرقى لطوخ الملق بنحو الفى متر، وفى شمال ناحية الجزاولة بنحو ألفين وخمسمائة متر.

وبها جامع بمنارة ومنازل مشيدة لعمدتها، وفيها قليل نخيل وجملة من السواقى المعينة، وسوقها كل يوم أربعاء، وأغلب أهلها مسلمون وتكسبهم من الزراعة وغيرها.

(دنديط)

بلدة من مديرية الدقهلية بمركز منية غمر، واقعة شرقى ترعة الدنديطية، على بعد ثلثمائة متر وغربى منية الفرماوى، وفى جنوب ناحية بشالوش بقليل. وبها جامع بمنارة وحدائق ذوات ثمار، ولها شهرة بزرع قصب السكر والكرم والنخيل والقطن، وتكسب أهلها من ذلك، وفى جنوبها الشرقى على نحو ألف قصبة قرية الدبونية.

وفى شمال الدبونية بنحو ألف قصبة أيضا قريتان متجاورتان، جفصا ومنية أبى خالد، لهما شهرة فى زرع القطن والكتان، وبهما نخيل بكثرة، وتكسب أهلهما من هذه الأصناف، ولهما سوق كل يوم خميس.

(1)

الطالع السعيد، المرجع السابق، ص 550

ص: 164

(دنوشر)

بلدة من اقليم الغربية كانت تسمى فى زمن القبط بتانوشر، وفى كتب القبط أيضا أنها كانت تابعة لأسقفية سخا، وأنه كان بها كنيسة قديمة تحت رعاية مارى بطليموس الشهيد، وهى الآن من مديرية الغربية بقسم المحلة الكبرى فى شرقى ناحية السجاعية بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر، وغربى المحلة الكبرى بنحو خمسة آلاف وخمسمائة متر. وبها جامعان أحدهما بمنارة، ونخيل قليل ومعمل دجاج.

وفيها نساجون لثياب الصوف.

[ترجمة الشيخ عبد الله الدنوشرى]

وإليها ينسب، كما فى خلاصة الأثر للمولى محمد المحبى

(1)

، الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن على بن محمد الدنوشرى الشافعى، خليفة الحكم بمصر، أحد فضلاء الزمان الذين بلغوا الغاية فى التحقيق والإجادة، وضربوا فى الفنون بالقدح المعلى، وكان لغويا نحويا حسن التقرير باهر التحرير.

ولد بمصر وبها نشأ، وأخذ عن الشمس الرملى، والشهاب بن قاسم العبادى، والشمس محمد العلقمى وغيرهم. وتصدر بالجامع الأزهر وانتفع به أجلاء منهم:

الشمس البابلى، والنور الشبراملسى وغيرهما. وألف تآليف كثيرة فى النحو منها؛ حاشية على شرح التوضيح للشيخ خالد، وله رسائل وتعليقات، ورحل إلى الروم وأقام بها مدة ثم عاد إلى القاهرة ورأس بها، وبلغت شهرته حد التواتر، وكان ينظم الشعر، وأكثر شعره مقصور على مسائل نحوية، فمن ذلك جوابه عن هذين البيتين:

أفدنى يا نحوى ما اسم غدت به

موانع صرف خمسة قد تجمعت

فإن زال منها واحد فأصرفنه

أجبنى جوابا يا أخى نقله ثبت/

وجوابه هو هذا:

نظمت نظاما مبدعا فى اتساقه

سؤالا عظيما كاللآلى تنظمت

وقد غصت فى بحر من النحو زاخر

فصغت جوابا ناره قط ما خبت

(1)

خلاصة الأثر المرجع السابق ج 3، ص 53

ص: 165

وذا أذربيجان اسم قرية أعجم

حوى عجمة تركيبه ثم قد حوت

زيادة تعريفه كون لفظه

مؤنثا أعرفه سلمت من العنت

قال: وفرع الموانع الخمسة فيه، كون أذربيجان معرب آذربايكان مركب، وأذربيجان إقليم من بلاد العجم، يقال فيه نهر يجرى ماؤه ويستحجر فيصير صفائح صخر يستعملونه فى البناء الأذربى-نسبة إلى أذربيجان، قاله المبرد.

والقياس أذرى بلا باء كرامى فى رامهرمز. قال ابن الأثير: هذا مطرد فى النسب إلى الأسماء المركبة.

وضبط أذربيجان النووى فى (تهذيب الأسماء واللغات) بهمزة مفتوحه غير ممدودة، ثم ذلل معجمة ساكنة، ثم راء مفتوحة، ثم باء موحدة مكسورة، ثم ياء مثناه من تحت، ثم جيم، ثم ألف، ثم نون، هذا هو الأشهر والأكثر فى ضبطها.

قال صاحب المطالع: هذا هو المشهور، قال: ومد الأصيلى والمهلب الهمزة، يعنى مع فتح الذال وإسكان الراء، قال: والأفصح القصر وإسكان الذال.

ورأيت من آثار الدنوشرى أيضا ما نصه:

قال ابن مالك: لك فى ياء الذى وجهان، الإثبات والحذف، فعلى الإثبات تكون إما خفيفة فتكون ساكنة، وإما شديدة فتكون، إما مكسورة أو جارية بوجوه الإعراب وعلى الحذف فيكون الحرف الذى قبلها، إما مكسورا كما كان قبل الحذف، وإما ساكنا، ولك فى ياء التى من اللغات الخمس مالك فى ياء الذى.

وقد نظم هذا الضابط فى خمسة أبيات، وورد عليه سؤال وهو هذا:

يا أيها العارف فى فنه

ومدّعى الفهم وعلم البيان

ما قولكم فى أحرف خمسة

إذا مضى حرف تبقى ثمان

تراه بالعين ولكنه

يحتاج فى القلع إلى ترجمان

فأجاب عنه بجواب ضمنه لغزا فى لفظة باب وهو قوله:

قد جاءنى لفظ بديع علا

يحكيه فى نظم عقود الجمان

ص: 166

دل على فضل وعلم زكا

يشعر باللفظ العلىّ المكان

ترض عن عثمان يا سيدى

وعن جميع الصحب أهل الجنان

هذا وما اسم طرده عكسه

يحجب بين الناس رأى العيان

وجوفه اعتل وتلقاه فى

أبواب فقه يا فصيح اللسان

وله لغزا اجتمع فيه أربع ياآت متوالية وهو:

ألا يا عالما بالصرف يا من

لنحو علومه صرف الأعنة

أين لى أربع الياآت فى اسم

توالت وهى فيه مستكنه

وذكره الخفاجى فى كتابه فقال فى وصفه: جامع التقرير والتحرير الراقى إلى ربوة المجد الخطير، تآليفه أصبح الدهر من خطبائها، وآثار أقلامه تتلمظ أفواه السامعين إلى ثمار آدابها، وله عقائل طال ما جلاها علىّ، وأهدى باكورتها إلىّ، إلا أنه كان يعدّ الشعر سهلا، ويمزح بالجد هزلا، فهو فى سماء الفضل والعلوم تحسد علاه الكواكب والنجوم.

وهى تخفى عند الصباح وهذا

ظاهر فى صباحه والمساء

فهو جوهر نفيس فى صناديق القبول، وسر مكتوم فى ضمائر الخمول.

ومما كتبه وأرسله إلىّ بالقسطنطينية قوله:

نوالك يا شهاب الدين زائد

وبحر نداك يا مولاى زائد

تركت العبد لم تنظر إليه

وقد عودته أسنى العوائد

إلخ

وأنشد له التقى الفارسكورى عدة قصائد، منها ما مطلعه:

غنى الهزار فأغنانى عن العود

فى روض أنس أنيق مورق العود

وطاف بالقهوة السمرا به رشأ

مذ أطلق الطرف عوملنا بتقييد

ومن كلامه هجوا:

أرى فى مصر أقواما لئاما

وهم ما بين ذى جهل ونذل

شجاعتهم بألستة حداد

وعيشهم بجبن وهو مقلى

ص: 167

وله فى قاضى مصر، وكان اسمه موسى:

لقد كان فى مصر الأمينة حاكم

تسمى بفرعون وكان لنا موسى/

وفى عصرنا هذا لقلة قسمنا

لنا ألف فرعون وليس لنا موسى

وأركب بعض شهود المحاكم بمصر ثورا تشهيرا، فكتب الدنوشرى إليه:

إن أركبوك الثور فى مصر إذ

جرّست بالظلم وبالجور

فأصبر ولا تحزن لما قد جرى

فالناس والدنيا على ثور

وكان وفاته بمصر يوم الأحد غرة شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وألف.

ا. هـ.

(الدهسة)

قرية بمديرية قنا من قسم فرشوط، واقعة على جسر الدهسة قبلى فرشوط وغربى بهجورة كأنها معهما رأس مثلث. وبها نخيل، ولها شهرة بنسج زكائب الصوف والشعر، وبينها وبين الجبل الغربى نحو أربعمائة قصبة.

[معنى الزكيبة والغرارة]

والزكائب جمع زكيبة. قال فى القاموس: الزكيبة شبه الجوالق مصرية، وقال فيه أيضا: الجوالق بكسر الجيم واللام وبضم الجيم وفتح اللام وكسرها، وعاء معروف وجمعه جوالق كصحائف وجواليق وجوالقات. ا. هـ.

والزكيبة المصرية تسع أردبا من الحبوب، وقد تسمى غرارة أيضا، والغرارة فى العرف العام ظرف من نحو الشعر أو الصوف، ثم استعملت فى معيار يختلف مقداره بحسب البلاد.

قال أحمد العسقلانى فى تاريخه: الغرارة أردب وربع بالمصرى

وفى الكامل لابن الأثير: الغرارة من الحنطة بدمشق أربعة عشر مكوكا بالموصلى.

ص: 168

وفى كتاب السلوك للمقريزى: هذا المعيار من الحنطة بنفس هذه المدينة ثلاث أرادب بالمصرى، وغرارة الحنطة فى مكة مائة قدح بالمصرى، وتساوى سبع ويبات بكيل مصر.

ونقل كترمير عن بدر الدين العنتابى: أن الغرارة الشامية ثلاثة أرادب بالمصرى.

ونقل عن ابن قاضى شهبة عند التكلم على بيت المقدس: أن غرارة القمح هى غرارتان بالدمشقى. ونقل عن خلاصة الأثر: أن الأردب المصرى ربع الغرارة. ا. هـ.

وفى المصباح: الغرارة بالكسر شبه العدل وجمعها غرائر. وقد تسمى الزكيبة أيضا تليسة فى استعمال العرف. وفى القاموس: التليسة كسكينة هنة تسوّى من الخوص وكيس الحساب ولا تفتح. ا. هـ.

[ترجمة أحمد العسقلانى المعروف بابن حجر]

وأحمد العسقلانى هو: شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن على بن محمد بن محمد المعروف بابن حجر الكنانى العسقلانى المصرى الشافعى، من مدينة عسقلان، وولد بمصر العتيقة ومات بها؛ وكان مولده فى اثنين وعشرين من شهر شعبان سنة سبعمائة وثلاث وسبعين هجرية. ا. هـ (وترجمته مبسوطة فى الكلام على زاوية العسقلانى، فأرجع إليها إن شئت).

(دهشور)

هى قرية قديمة من قسم الجيزة، على الشاطئ الغربى للفرع اللبينى، بينها وبين الجبل الغربى نحو أربعمائة قصبة، وأبنيتها من اللبن والآجر، وبها جامع وثمان طواحين ومصبغتان ووكالة للمسافرين، وفيها مضيفة متسعة مشتملة على مصاطب ومناظر معدة للضيوف لعمدتها إبراهيم منسى، وبها نخيل بكثرة وأنوال لنسج مقاطع الكتان، وسوقها كل يوم اثنين، وأكثر تكسب أهلها من الزراعة.

وفى الجبرتى

(1)

ان الفرنسيس دخلوها فى شهر الحجة سنة ثلاث عشرة ومائتين

(1)

تاريخ الجبرتى، المرجع السابق، ج 3، ص 60.

ص: 169

بعد الألف، ونهبوها وقتلوا كثيرا من أهلها-كما فعلوا فى بنى عدى وقرى كثيرة-، وسببه:

أن ورد عليهم رجل مغربى يدعى أنه المهدى وصحبته نحو ثمانين رجلا، فكان يكتب إلى البلاد يدعوهم إلى جهاد الافرنج ويحرضهم عليه، فكان ممن لاذ به أهل دهشور فوقع بهم من الإفرنج ما وقع ولم ينفعهم المغربى بشئ. ا. هـ.

ثم فى غربى دهشور قرية صغيرة، يقال لها الزاوية، بحافة الجبل. وشجر السنط كثير هناك ممتدّ إلى قرب سقارة، وأكثر الفحم الوارد من بر الجيزة يأتى من هناك.

وكانت محطة لقافلة الفيوم قبل حدوث السكة الحديد، فكانت القافلة الواردة من الفيوم إلى مصر وبالعكس تنزل هناك، وفى وقت الفيضان كانت المحطة فى غربيها؛ بالمحل المعروف بالفجة قبلى قرية المنشاة، وليست الفجة بلدا مسكونة، وإنما هى محل به قهاو وبيع. وكانت القافلة تقوم من الفيوم وتجتمع فى ناحية طمية، الواقعة فى آخر الفيوم من الجهة البحرية، وتقوم من طمية فتحط فى دهشور، ومن دهشور إلى مصر، ومنهم من لا ينزل فى دهشور وتمر فى سيرها على منشأة دهشور من شرقى اللبينى، ثم على ميت رهينة، ثم على ناحية العجزية، ثم على منيل شيحه، ومن هناك تعدى فى معادى الخبيرى قبل الفسطاط بأقل من ساعة. وفى زمن الفيضان تمر القافلة بعد نزولها بالفجة على سقارة فى طريق الجبل، ثم تنعطف إلى جهة الشرق على جسر سقارة، ثم على جسر ساحل البحر إلى العجزية، ثم إلى المنيل كذلك. ومدة هذا السير نحو خمس عشرة ساعة، وهذه الطريق مستعملة إلى الآن لكنها ليست كحالها قبل سكة الحديد. والمسافة فى الجبل، من طمية إلى منيل شيحه، منقسمة أربعة أرباع:

الأول، يسمى ربع الدكاكين، وأغلبه من أرض وردان، وكان سابقا معمورا وبه آثار تدل على ذلك، وبعضهم يسميه ربع الشعير.

والثانى، يسمى أبا الحمل، به كوم من زلط، تقول الناس أنه دفن به ساع يسمى أبا الحمل.

ص: 170

والثالث، يسمى البويب، فى آخره طريق/مضيق محفوف من الجانبين بجبلين شاهقين.

والرابع، ربع دهشور.

والعادة قديما أن القوافل لا تسير إلا بخبير من العرب يدل على الطريق ذهابا وإيابا، ويخفرهم عرب من عرب الخبيرى، وهذه العادة جارية إلى الآن، ولهم مرتب من طرف الديوان.

وفى خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لما أرسل من الصحابة والعرب جيوشا لفتح مصر، وكان أمير مصر يومئذ الملك المقوقس، اجتمعت الجيوش بتلك الناحية وحصل بها واقعة عظيمة، واستشهد بها جملة من الأمراء العظام، رحمهم الله، ولهم بها أضرحة تزار إلى الآن، ولهم بها مولد سنوى ابتداؤه يوم أربعاء أيوب وانتهاؤه يوم الجمعة.

[وصف هرم دهشور]

ويوجد بداخل سطح الجبل من بحريها هرم باق من زمن الجاهلية، معروف بهرم دهشور، مبنى من لبن طول اللبنة منه ثلاثة عشر إصبعا ونصف، وعرضها ستة ونصف، وسمكها أربعة، ومنها ما طوله خمسة عشر إصبعا وعرضه سبعة، وسمكه خمسة إلا ربعا. ذكر ذلك السياح بوكوك الإنجليزى وقال: إن الأهالى تسمى هذا اللبن طوب المنشية، نسبة إلى قرية صغيرة تسمى منشية دهشور-والقدم المستعمل هنا هو القدم الانكليزى، ونسبته إلى القدم الفرنساوى، كنسبة خمسة عشر إلى ستة عشر، أى أن القدم الإنجليزى انقص من الفرنساوى بنصف الثمن.

[ترجمة بوكوك الانكليزى]

ثم إن بوكوك-بباء فارسية فى أوله-سياح انكليزى، ساح فى بلاد المشرق ليتمكن من اللغات المشرقية. ولد سنة ألف وستمائة وأربع، ومات سنة إحدى

ص: 171

وتسعين ميلادية. ولما رجع إلى بلاده درس اللغة العربية، وله مؤلفات، وتنقل عنه الإفرنج كثيرا. (ا. هـ من قاموس الإفرنج).

[ترجمة الشيخ شمس الدين الدهشورى]

وإلى هذه البلدة ينسب الشيخ شمس الدين الدهشورى الشافعى. قال فى ذيل الطبقات: كان شيخ وحده، منعزلا عن الناس على الدوام، وكان جالسا فى مقصورة الجامع الأزهر، لا يستند إلى جدار قط، أوقاته كلها معمورة بالعلم والعمل، طول نهاره يقرأ الناس عليه العلم، لا تقوم طائفة إلا وتجلس أخرى، رضي الله عنه ونفعنا به، آمين. (ا. هـ. ولم يذكر تاريخ موته).

[ترجمة محمد أفندى بيومى]

وممن تربى منها فى ظل العائلة المحمدية، محمد أفندى بيومى، العالم الرياضى، توجه إلى بلاد أوربا سنة ألف ومائتين وإحدى وأربعين، فى أول رسالة أرسلت إلى هناك من الديار المصرية فى زمن العزيز محمد على، فأقام هناك تسع سنين ودخل مدرسة المهندسخانة الفرنساوية وتعلم بها، وخرج منها بعد أن تمم علومها، واستحصل على شهادة تسمى عندهم الدبلوم. وبعد أن عاين الأعمال عاد إلى مصر فى سنة ألف ومائتين وخمسين، فجعل معلم الدروس الهندسية فى مدرسة المهندسخانة ببولاق. ولما حضر إلى مصر من بلاد فرانسا، إبراهيم أفندى رمضان، وأحمد أفندى دقله، وأحمد أفندى طائل، وأحمد أفندى فائد، فى سنة إحدى وخمسين، وكان قد بقى عليهم بعض علوم لم يتمموها فى فرانسا، جعل معه منهم اثنان، دقله وطائل، ليكونا معيدين لدروسه ويأخذا عنه ما نقص لهما، وتعين فائد مع بهجت باشا بقصر العينى، وإبراهيم رمضان مع مظهر باشا بمدرسة الطوبجية، ليكونا أيضا معيدين ويأخذا ما نقص لهما، على الوصف المار.

ولما تعين الأنبير بيك الفرنساوى ناظرا على المهندسخانة ببولاق، بعد إبطال مدرسة المعادن التى كان ناظرا عليها بقصر بنت البارودى فى مصر العتيقة، جمع

ص: 172

الجميع بالمهندسخانة وجعلوا معلمين بها، وكان-المترجم-هو الباش خوجه عليهم، فكان المرجع إليه والمعول عليه، ثم انفصل منها إلى قلم الترجمة بديوان المدارس فجعل ناظره، وتعين معه المرحوم رفاعة بيك فى ترجمة كتب التواريخ والجغرافيا ونحو ذللك.

وفى زمن المرحوم عباس باشا تعين خوجه على مدرسة السودان، فأقا بها إلى أن توفى هناك، وكان من أعظم رجال تلك الرسالة، حسن الأخلاق، مهيبا جليلا. ذا رأى حسن، يميل إلى جمع الدرهم والدينار.

وله كتاب فى حساب المثلثات، وكتاب فى الجبر، وكتاب فى جر الأثقال، وكتاب الحساب العادى، وتلقى عنه الكثير-من الأكبر منا سنا-مثل: سلامة باشا، ومحمود باشا الفلكى، وإسماعيل باشا محمد، وعامر بيك ونحوهم.

ومولده بمصر وإنما ينسب إلى دهشور لأن أصوله منها.

‌ترجمة عبد الله أبو السعود أفندى

وممن نشأ منها أيضا: المرحوم عبد الله أبو السعود أفندى، ابن الشيخ عبد الله أبى السعود. ولد بها سنة ألف ومائتين وست وثلاثين تقريبا، كما أخبر هو عن والده، وأصل عائلته من عرب بجبال برقة وله وجد صالح له مقام يزار هناك، يعرف بسيدى على البرقى. وكان والده ممن طلب العلم بالجامع الأزهر، وكان منوطا بوظيفة القضاء بدهشور، فألحقه بأحد مكاتبها فحفظ القرآن، وكان والده قد نيط بنظارة مكتب البدرشين-أحد المكاتب الميرية التى أنشأها المرحوم محمد على باشا سنة ثمان وأربعين-فنظمه والده فى ضمن تلامذة ذلك المكتب، فأقام به حتى تعلم الخط والحساب وغيرهما من الفنون التى كانت بالمكتب، ثم انتخبه المرحوم رفاعة بيك فيمن انتخب لمدرسة الألسن والإدارة الملكية بالأزبكية، فالتحق بتلك المدرسة فى آخر/سنة تسع وأربعين، وسنة إذ ذاك أربع عشرة سنة، فأحسن بها تعلم اللغات والعلوم التى كانت بها، وبرع على أمثاله سيما فى اللغة العربية.

ص: 173

ومن مشايخه فى النحو، ونحوه، الشيخ محمد قطة العدوى، والشيخ على الفرغلى الأنصارى الطحطاوى، والشيخ محمد الدمنهورى، والشيخ حسنين الغمرى. ولتأهله واستعداده قام بوظيفة تدريس اللغة العربية بدلا من شيخه الشيخ حسنين بوظيفة اللازم الثانى، وذلك فى سنة أربع وخمسين. فقرأ لأخوانه تلامذة الفرقة الأولى، كتاب مغنى اللبيب، ثم ترقى إلى رتبة الملازم الأول فى مدرسة المهندسخانة ببولاق فى وظيفة تدريس اللغة الفرنساوية وتصحيح تراجم الكتب الرياضية.

وكان قد أخذ مبادئ الهندسة والحساب والتاريخ والجغرافيا عن أساتذة من المعلمين الفرنساوية الذين كان يجذبهم إلى الديار المصرية مغناطيس مكارم العزيز محمد على منهم: المعلم شانان، والمعلم كوت، والأديب دوزول. وأخذ علم الإدارة الملكية عن الأفوكاتو موسيو سولون الذى أحضره المرحوم محمد على لهذا الغرض فى سنة ثمان وخمسين.

وترقى، المترجم، فى هذه السنة إلى رتبة اليوزباشى، وكان قد أخذ الفقه الحنفى بمدرسة الألسن عن مفتى الأحكام الشيخ خليل الرشيدى، فحضر عليه كتاب ملتقى الأبحر.

وكان مع قيامه بوظائفه يحضر دروس الجامع الأزهر، فحضر به، الدر المختار على الشيخ الرشيدى، وحضر عدة من الكتب النفيسة على الشيخ أحمد المرضعى، والشيخ المنصورى، والشيخ التميمى المغربى والشيخ المبلط.

وفى سنة تسع وأربعين انتقل إلى قلم الترجمة تحت نظارة كانى باشا ورئاسة رفاعة بيك. وفى سنة خمس وستين تعين فى ترجمة ديوان المدارس. وفى ابتداء ولاية سعيد باشا سنة سبعين جعل رئيس قلم عرضحالات بديوان المالية، ثم جعل مترجم الديوان المذكور بالخزينة المصرية، وترقى أثناء ذلك إلى رتبة الصاغقول أغاسى، ولما توجه المرحوم سعيد باشا إلى السودان جعله كاتب معيته، وبعد العود تعين كاتبا ثانيا بمجلس الأحكام، ثم انتقل إلى قلم الترجمة بالخارجية سنة خمس وثمانين، وكان قد ترقى إلى رتبة البكباشى.

وفى ابتداء جلوس الخديوى إسماعيل باشا على التخت تعين فى قلم ترجمة ديوان

ص: 174

المدارس وأحرز رتبة القائم مقام. وفى سنة تسع وثمانين جعل ناظر ذلك القلم، وأحيل عليه تدريس التاريخ العام بدار العلوم الخديوية. وفى آخر سنة ثلاث وتسعين جعل من أعضاء مجلس الاستئناف إلى أن توفى فى مساء اليوم الثامن من صفر سنة خمس وتسعين ومائتين وألف.

وله تآليف عديدة وتراجم بارعة وقوانين سياسية، وهو أول من أنشأ صحيفة وادى النيل سنة أربع وثمانين، ثم أنشأ نجله المرحوم محمد أنسى بيك جريدة روضة الأخبار، فكان هو المحرر لها. ومما طبع من مؤلفاته: كتاب تاريخ مصر، وجانب من التاريخ العام، ومن الكتب التى ترجمها: كتاب نظم اللآلئ فى السلوك فيمن تولى فرانسا ومصر من الملوك، وجزء من الكوت الفرنساوى؛ وهو المتعلق بالمرافعات المدنية والتجارية، وكتاب تاريخ مصر القديم، وكتاب الانتيقخانة الخديوية، وتاريخ محمد على، وكتاب فى علم الجغرافيا وآخر فى الكيميا الزراعية، وبعض من رسالة فى الزراعة، وطائفة من كتاب المرافعات وأخرى فى قصة جيلبيلاس المشهور، رحمه الله.

(الدوير)

بدال مهملة فواو فمثناة تحتية فراء مهملة بصيغة التصغير مع سكون التحتية، ويقال لها دوير عايد. قرية مشهورة فى مديرية أسيوط من قسم بوتيج، غربى البحر الأعظم بنحو نصف ساعة، وقبلى بوتيج بنحو ساعة وهى من بلاد الملتزمين، كعدة قرى مما جاورها مثل؛ ناحية النخيلة، والزرابى، وصدفة.

وأبنيتها من أعظم أبنية الأرياف، بل هى ملحقة بالبنادر، وفيها جملة من بيوت العلماء المشهورين الأشراف الذين أبوهم واحد.

[ترجمة الشيخ محمود أمير الدويرى الحنفى]

[وأخوه الشيخ خليل المالكى]

ومنهم، الشيخ محمود أمير الدويرى الحنفى، كان مفتى اسكندرية زمن المرحوم سعيد باشا، ثم ترك الوظيفة اختيارا، وأقام فى بلدته للعبادة والإفادة إلى أن توفى إلى رحمة الله تعالى قبيل سنة تسعين من القرن الثالث.

ص: 175

وكان أخوه الشيخ خليل المالكى من أكابر العلماء، لا ينقطع عن التدريس والتأليف إلى أن توفى بعد سنة سبعين.

وكان فيها محكمة شرعية، وقاض لفصل القضايا عموما، والآن صارت نيابة، ومساجدها عامرة بالعبادة والتدريس.

[ترجمة إسماعيل أبو عاشور]

وكان فيها من أولاد الملتزمين إسماعيل أبو عاشور، أحد كرماء العرب، له مضايف متسعة وقصور مشيدة، وكان يطعم الجائع ويكسو العارى، ويعطى العطايا العظيمة كما وكيفا، وقد توفى إلى رحمة الله تعالى، بعد سنة ثمانين. وترك ابنا اسمه محمد سلك بعض مسالك أبيه وتولى حاكم خط.

وعادة أهل هذه القرية، ولو أغنياء أو كبار السن، أن يقولوا لمن هو من بيوت الملتزمين، ولو فقيرا أو طفلا، يا سيدى ويا سيدتى.

وفيها نخيل كثير وبساتين وسواق، وأطيانها كثيرة خصبة جيدة، وهواؤها فى غاية الاعتدال، فلذا كان ينزلها سر عسكر المرحوم إبراهيم/باشا، وأهلها مشهورون بحسن الصوت وجودة المغانى والألحان، ولها سوق كل يوم خميس.

(دوينة)

بالتصغير مع سكون التحتية، قرية من مديرية أسيوط بقسم أبى تيج، واقعة فى الشمال الغربى لأبى تيج على أقل من ساعة، أمام قناطر بنى سميع.

وأبنيتها من أعظم أبنية الأرياف ليسار أكثر أهلها، وفيها مساجد بدون منارات، وكنيسة أقباط فى جنوبها الشرقى، وفيها نخيل.

[بيت أولاد عبد الحق]

وفيها بيت أولاد عبد الحق، من أشهر بيوت العرب. وكان عبد الحق ناظر قسم زمن العزيز محمد على باشا، وكان مشهورا بالكرم وعلوّ الهمة، وله بها منازل

ص: 176

مشيدة، ومضيفة متسعة وحديقة ذات فواكه. وكان أخوه ثعلب من العمد المشهورين، وقد توفيا وتركا أولادا هم عمدها.

[بيت الحادى]

وفيها بيت يسمى بيت الحادى، كان لهم شهرة واعتبار قبل بيت عبد الحق، ومنهم الشيخ عثمان الحادى عالم مالكى مشتغل بالتدريس.

وأطيان الناحية فى غاية الجودة ويزرع بها الكتان والدخان المشروب بكثرة، ولهم صناعة فى تعريقه وإجادته. وبحر السوهاجية يستمر عندها إلى زيادة النيل.

(الدير)

يوجد من هذا الاسم عدة قرى بالديار المصرية. والدير فى الأصل خان النصارى وجمعه أديار وصاحبه ديار، ويقال لمن رأس أصحابه رأس الدير، ودير الزعفران موضعان. (ا. هـ قاموس).

وفى خطط المقريزى، قال ابن سيده: إن صاحب الدير ديار وديرانى، والدير عند النصارى يختص بالنساك المقيمين به، والكنيسة مجتمع عامتهم للصلاة، والقلاية مجتمع أكابر الرهبان وعلماء النصارى، وحكمها عندهم حكم الأديرة.

ا. هـ.

ثم غلب اسم الدير على القرية، فأطلق على عدة قرى منها:

(دير السنقورية)

قبلى البهنسا بنحو ساعة، على شاطئ بحر يوسف من الجهة الشرقية. وهو قرية صغيرة من قسم بنى مزار، بها نخيل وأغلب أهلها نصارى.

و ‌

(دير الجرنوس)

من قسم بنى مزار أيضا فى حوش سلاقوس، وهو قرية صغيرة بحرى ناحية الجرنوس بنحو خمسمائة قصبة، وبه كنيسة وأغلب أهله نصارى.

ص: 177

ومنها قرية من قسم ببا بمديرية بنى سويف على الشاطئ الشرقى من بحر يوسف، وبعض أهلها مسلمون، ويقابلها على الشاطئ الغربى قرية براوه، وقبلى الدير المذكور قريتان، احداهما تسمى شنطوره والأخرى شطوط.

و ‌

(دير سملوط)

وهو قرية صغيرة من مديرية المنية، غربى سملوط بخمسمائة قصبة، على جسر سملوط، به كنيسة ونخيل قليل.

و ‌

(دير طهنشا)

وهو قرية من قسم منية ابن الخصيب داخل حوض الطنهشاوى بحرى بنى عبيد بقرب طهنشا من جهتها القبلية الغربية وبه كنيسة.

و ‌

(دير البرشة)

ويسمى دير أبى حنس، وهو قرية شرقى النيل قبلى الشيخ عباده فى حدود مدينة أنصنا من قبلى، وتجاهه فى البر الغربى ناحية البياضية، وهى قرية عامرة بالنصارى تابعة للدائرة السنية، بها وابورات لسقى قصب الدائرة.

(قرية الدير)

وفى خطط الفرنساوية، أن قرية الدير بينها وبين أنصنا أربعة وعشرون ميلا رومانيا-كل ميل ألف وأربعمائة وثمانية وسبعون مترا-، وأن بعض الأهالى يسميها مدينة القصر، وأنها مبنية فى محل مدينة قديمة كانت تسمى مدينة بيسلا على شاطئ النيل الأيمن فى مقابلة سنبو، وأنه كان بها آثار معبد عتيق، وفى الجبل القريب منها المغارات التى استخرجت منها أحجار البناء، وعندها جبل محدود كالحائط، وباقى آثار المدينة بعضه ملتصق بالقرية وبعضه فى شمالها، وهو الذى به أكثر الآثار، وهناك مغارة متسعة أمامها باب مرتفع منحوت تسميه الأهالى بالديوان، ويبلغ ارتفاع بعض رؤس الجبل هناك مائة وستة وأربعين مترا، وفى الجهة الشمالية من قرية الدير على بعد منها يكون أسفل الجبل ملتصقا بالنيل، وفى أسفله جملة مغارات، وفى قرب وادى الرخام، القريب من تلك الجهة، جملة مغارات أيضا ومحاجر تمتدّ إلى المشايخ الأربعين والشيخ عبد الحميد، وبقرب قباب هؤلاء المشايخ آثار قديمة.

ص: 178

و ‌

(دير البياضية)

وهو قرية صغيرة من قسم ملوى عند فم ترعة السبخة القديم، بحرى قرية دير آمون، به كنيسة ونخيل وأهله نصارى، بينه وبين البياضية نصف ساعة من الجهة الغربية القبلية.

ومنها:

(دير قصير العمارنة)

قرية صغيرة شرقى النيل بحرى قصير العمارنة، وشرقى ناحية مسارة، به قليل من الأقباط، وبقربه ورشة فى الجبل لقطع الأحجار، وأحجار قناطر الإبراهيمية مأخوذه منها ومن ورشة الحيبة الواقعة بحرى ناحية الفشن فى الجبل الشرقى.

و ‌

(دير المحرق)

فى الجبل الغربى قبالة جسر المحرق بينه وبين أرض المزارع ثلث ساعة. غربى ناحية التمساحية وناحية بلوط مائلا إلى جهة الشمال، وله موسم شهير سنوى يجتمع فيه كثير من الأقباط والمسلمين، ويضربون الخيام فيقيمون ثلاثة أيام أو أربعة مع البيع والشراء والنزهة.

و ‌

(دير الجنادلة)

وهو قرية من قسم أبو تيج بمديرية أسيوط على الشاطئ الغربى للسوهاجية، داخل حوض بنى سميع، قبلى دوير عائد وبحرى قرية المشايعة بنحو ثلث ساعة، وبه نصارى قليلون، وهو قرية عامرة ذات بناء حسن، جيده متحصلة الزراعة،/وبها مساجد وزوايا وكنيسة للقبط، وفى الجبل على بعد ربع ساعة منها كنيسة مشهورة باسم العذراء، وكل سنة يعمل لها موسم يجتمع فيه كثير من الأقباط.

وكانت هذه القرية فى الزمن السابق تجبّ فيها العبيد السودان ليصلحوا لخدمة نساء الأكابر، ويسمون الطواشية والواحد طواشى.

[معنى الطواشى]

قال كترمير: الطواشى هو الخصى من الآدميين.

قال المقريزى: الخدم الملوكية هم الذين يعرفون اليوم فى الدولة الملكية

ص: 179

بالطواشية، واحدهم طواشى، وهى لفظة تركية أصلها بلغتهم طابوش، بباء موحدة قبل الواو، فتلاعبت بها العامة وقالوا طواشى.

وقد تكلم خليل الظاهرى على الطواشية، وقال: إن عددهم عند الملك كان ستمائة، منقسمين إلى درجات، أعلاها المأمور على تربية المماليك، والبقية لهم وظائف مختلفة ويقفون على أبواب السراى.

وذكر المقريزى أيضا فى وصف عسكر مصر، أن رزق الطواشى من ألف درهم إلى سبعمائة إلى مائة وعشرين، وله برك من عشرة أروس إلى ما دونها، ما بين فرس وبرذون وبغل وجمل. ا. هـ.

[معنى البرك والحواء]

وفى القاموس: البرك إبل أهل الحواء كلها التى تروح عليهم بالغة ما بلغت، وإن كانت ألوفا أو جماعة الإبل الباركة أو الكثيرة، الواحد بارك وهى بهاء. ا. هـ.

وفيه أيضا الحواء ككتاب والمحوّى كالمعلى جماعة البيوت المتدانية. ا. هـ.

[ترجمة حماد بيك عبد العاطى]

ومن هذه القرية الأمير الجليل حماد بيك ابن عبد العاطى بن حماد بن محمد كان له جد شهير يسمى عيسى، له زاوية هناك نسمى زاوية عيسى. وقد دخل حماد بيك فى أول أمره مكتب بوتيج صغيرا سنة 1249، ثم انتقل منه إلى قصر العينى، ثم إلى مدرسة أبى زعبل، ثم إلى مهندسخانة بولاق، ثم انتخب فيمن انتخب من التلامذة مع أنجال المرحوم محمد على باشا فى توجههم إلى بلاد أوربا لاكتساب الفنون العسكرية، ودخل مدرسة الطوبجية بمدينة متز، وخدم فى الآلايات الطوبجية الفرنساوية نحو سنة، ثم حضر إلى مصر وتقلب فى عدة وظائف مثل، الجوجوية ونظارة قلم هندسة، ثم ترقى إلى رتبة البيكوية وكان أحد أعضاء مجلس مصر المختلط.

ص: 180

و ‌

(دير البلاص)

وهو قرية من قسم قنا غربى ناحية البلاص الواقعة فى غربى النيل، لها شهرة بصناعة جرار الفخار-مثل ناحية البلاص وطوخ-، وبها أبراج حمام وكنيسة وأغلب أهلها أقباط، وبها نخيل كثير، والجبل أقرب إليها من البحر.

و ‌

(دير إسنا)

وهو قرية من قسم إسنا شرقى البحر وغربى ترعة المعلاة، التى فمها من ناحية الشراونة قبلى إسنا ممتدة إلى حوض السلمية، طولها نحو عشرة آلاف قصبة، وبهذا الدير كنيسة ونخيل وأبراج حمام.

و ‌

(دير تاسة)

وهو قرية شرقى ناحية تاسة بحاجر الجبل فى شمال قنطرة جسر البدارى الممتد من الجبل الشرقى إلى قرب البحر، وجميع سكانها نصارى وبها كنيسة، وأغلب أهل تاسة نصارى أيضا، وفى غربيها بلد يقال لها بويط من البلاد القديمة، وكلاهما فى داخل حوض ساحل سيلين.

و ‌

(دير الطين)

وهو قرية من مديرية الجيزة، على الشاطئ الشرقى للنيل قبلى فسطاط مصر بقليل. كانت أولا معبدا للنصارى، كما فى المقريزى، وكان يقال له دير يوحنا، ثم عرف بدير الطين، ثم صار قرية، وأغلب بنائها الآن بالدبش والآجر وقليل من الحجر الآلة، وفيها كثير من الغرف ونخيلها قليل وأطيانها كذلك، ويزرع فيها الخضر والمقاثئ، مثل الخيار والقرع والبطيخ، وبها جامع قديم، وفى جهتها الشرقية ضريح الشيخ العجمى ومقام الأربعين على شط البحر مشهور.

وفى المقريزى: أن جامع دير الطين عمره الصاحب تاج الدين بن الصاحب فخر الدين بن الصاحب بهاء الدين المشهور بابن حنا، سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وكان ضيقا لا يسع الناس، فعمره وعمر فوقه طبقة يصلى فيها ويعتكف ويخلو بنفسه فيها، وكان ماء النيل فى زمنه يصل إلى جداره.

ص: 181

[ترجمة الوزير الصاحب المشهور بابن حنا]

وابن حنا هو، أبو عبد الله الوزير الصاحب فخر الدين، ناب عن والده فى الوزارة، وولى ديوان الأحباس ووزارة الصحبة فى أيام الظاهر بيبرس، وسمع الحديث بالقاهرة ودمشق، وحدّث وله شعر جيد، ودرس بمدرسة أبيه الصاحب، وكان محبا لأهل الخير، وعمر رباطا بالقرافة الكبرى. مات سنة ثمان وستين وستمائة، رحمه الله تعالى. ا. هـ.

وفى شمالها الشرقى قارة من الجبل، فوقها مخزن بارود تعلق الحكومة، يعرف بجبخانة اصطبل عنتر، عليه محافظون من العساكر الجهادية، وفيها طواحين يديرها الهواء غير مستعملة الآن، وبها قصر بجنينة كانت للمرحوم محمود بيك يكن، وهى الآن تحت يد الأمير عبد الله باشا-أحد أعضاء مجلس الخصوص. ومعظم تكسب أهلها من قطع الأحجار.

وذكر الجبرتى أن دير الطين قد أحرقت وخرجت فى سنة ست وثمانين ومائة وألف، بأمر محمد بيك أبى الذهب بعد وقعته مع على بيك الكبير، وكان على بيك قد أقام بها قبل فراره إلى الشام. ا. هـ.

(ديرب)

بكسر الدال وفتح الياء وراء مساكنة وباء موحده. ثمانية مواضع وجميعها من قرى مصر:

ديرب تليب من ناحية الشرقية.

وديرب النورة من الشرقية أيضا.

وديرب صافور من الشرقية أيضا.

وديرب/بلجهور-بفتح الباء الموحدة واللام وسكون الجيم وضم الهاء وسكون الواو وراء-من ناحية المرتاحية.

وديرب شموط من ناحية الدقهلية قرب دمياط.

وديرب من ناحية الغربية.

وديرب تماس-بضم التاء فوقها نقطتان-من السمنودية.

ص: 182

وديرب بارة-بالباء الموحدة-من السمنودية. (ا. هـ من مشترك البلدان).

والذى عثرنا عليه من هذا الاسم ستة وهى:

(ديرب الحضراء)

قرية من مديرية الدقهلية بقسم شها على الشط الشرقى لبحر طناح، وفى الشمال الشرقى لمنية طريف بنحو ألف ومائتى متر، وفى شرقى منية السودان بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى شرقيها على بعد مائتى متر ضريح ولى الله الشيخ حجازى.

و ‌

(ديرب السوق)

قرية من مديرية الدقهلية بقسم السنبلاوين فى جنوب ناحية البلمون بنحو ألفين وخمسمائة متر، وفى شرقى ناحية صافور كذلك.

و ‌

(ديرب نجم)

قرية من مديرية الدقهلية بقسم السنبلاوين فى جنوب ديرب السوق بنحو ثلاثة آلاف وسبعمائة متر، وفى الجنوب الغربى لسفط زريق بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر.

و ‌

(ديرب النجم الغربية)

قرية من مديرية الغربية بقسم المحلة الكبرى فى شمالها بنحو ألفين وأربعمائة متر، وفى شرقى ناحية سندسيس بنحو ألفين وستمائة متر، وبها جامع وبعض نخيل.

و ‌

(ديرب هاشم)

قرية من مديرية الغربية بقسم المحلة الكبرى فى شمال منية هاشم بنحو ألفى متر، وفى غربى شبرى اليمن بنحو ألف متر، وبها جامع وبدائرها نخيل.

و ‌

(ديرب بقطارس)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز سمنود فى شرقى ناحية بقطارس بنحو ستمائة متر، وفى جنوب شبرى البهو بنحو أربعة آلاف وستمائة متر، وبها جامع وأشجار ونخيل.

ص: 183

[ترجمة الشيخ الديربى]

وإلى إحدى هذه القرى ينسب، كما فى الجبرتى

(1)

، الشيخ الديربى، صاحب كتاب الفوائد المشهورة، وهو أبو العباس أحمد بن عمر الديربى الشافعى الأزهرى، أخذ عن عمه الشيخ على الديربى، وعن الشيخ محمد القليوبى، والشيخ محمد الدنوشرى، وأخذ أيضا عن الشيخ الشنشورى، والشيخ خليل اللقانى، والشيخ أحمد السندوبى، والشيخ محمد البقرى، والشيخ محمد الخرشى. وانتشر فضله وعلمه وطار صيتة وأفاد فأجاد، وألف وصنف، فمن تأليفه:

غاية المرام فيما يتعلق بأنكحة الأنام، وعمل حاشية عليه. وغاية المقصود لمن يتعاطى العقود، على مذاهب الأئمة الأربعة. والختم الكبير على شرح التحرير. وغاية المراد لمن قصرت همته من العباد. وختم على شرح المنهج، سماه فتح الملك البارى على آخر شرح المنهج للشيخ زكريا الأنصارى. وختم على شرح الخطيب. وآخر على شرح ابن قاسم. وكتابه المشهور المسمى فتح الملك المجيد لنفع العبيد، جمع فيه ما جربه وتلقاه من الفوائد الروحانية والطبية وغيرها. وله رسالة على البسملة. وحديث البداءة. ورسالة تسمى تحفة المشتاق فيما يتعلق بالسنانية ومساجد بولاق. ورسالة تسمى تحفة الصفا فيما يتعلق بابوى المصطفى، ومناسك حج على مذهب الإمام الشافعى. وتحفة المريد فى الرد على كل مخالف عنيد. ورسالة تتعلق بالكواكب السبعة والساعات الجيدة، وغير ذلك.

مات لسبع وعشرين من شعبان سنة إحدى وخمسين وألف، رحمه الله.

ا. هـ.

(ديرين)

بلدة من مديرية الغربية بقسم نبروه، واقعة فى شرقى ناحية نبروه بنحو ألفين وخمسمائة متر، وبحرى ناحية نشا بنحو ألفين وثمانمائة متر، وبها ثلاثة مساجد، أحدها لسيدى عبد العزيز الديرينى، له منارة وبداخله مقامه ظاهر يزار

(1)

تاريخ الجبرتى، المرجع السابق، ج 1، ص 166.

ص: 184

ويعمل له مولد كل سنة. وبهذه القرية منزل مشيد وجنينة ودوّار لعمدتها، وبها بعض نخيل وأبراج حمام، وبعض أهلها ينسجون الثياب الصوف.

[ترجمة سيدى عبد العزيز الديرينى]

وإلى هذه القرية ينسب قطب وقته سيدى عبد العزيز الديرينى رضي الله عنه، وهو كما فى طبقات الشعرانى

(1)

الشيخ العابد الزاهد القدوة ذو الحالات الفاخرة والأحوال الشريفة والكرامات المشهورة والمصنفات الكثيرة؛ فى التفسير والفقه واللغة والتصوف وغير ذلك، وله رضي الله عنه منظومة ذكر فيها مشايخه الذين أخذ عنهم، منها قوله:

وأذكر الآن رجالا كانوا

كأنجم يزهو بها الزمان

مشايخا صحبتهم زمانا

أو زرتهم تبركا أحيانا

مشايخى الأئمة الأبرار

وأخوتى الأحبة الأخيار

أرجو بذكرهم بقاء الذكر

لهم وفوزى بجزيل الأجر

فإنهم عاشوا بأنس الرب

سرا وذاقوا من شراب الحب

وهم جلوس فى نعيم الحضرة

وجوههم فى نضرة من نظره

وكل شيخ نلت منه علما

أو أدبا فهو إمامى حتما

وكل شيخ زرته للبركه

فقد وجدت ربح تلك الحركة

إلى أن قال:

لم يبق فى الستين والستمائة

فى الناس من أشياخنا إلا فئة

إلى آخره، انظر الطبقات

(1)

الطبقات الكبرى للشعرانى ج 1، ص 176.

ص: 185

وله نظم كثير شائع، صحبه جماعة كثيرة من العلماء وانتفعوا بصحبته. وكان مقامه ببلاد الريف من أرض مصر، وكان الناس يقصدونه للتبرك من سائر الأقطار ويرسلون له من مصر مشكلات المسائل فيجيب عنها/بأحسن جواب.

وكان يزور سيدى عليا المليجى كثيرا، فذبح له سيدى على يوما فرخا فأكله، وقال لسيدى على لا بدّ أن أكافئك، فاستضافه يوما فذبح لسيدى على فرخة، فتشوشت امرأته عليها، فلما حضرت قال لها سيدى على: هش، فقامت الفرخة تجرى، وقال لها: يكفينا المرق ولا تتشوشى.

وطلب جماعة من الفقراء كرامة من سيدى عبد العزيز، فقال لهم سيدى عبد العزيز:«يا أولادى هل ثم كرامة أعظم من أن الله تعالى يمسك بنا الأرض ولم يخسفها، وقد استحقينا الخسف» .

مات رضي الله عنه سنة سبع وتسعين وستمائة، وقبره بديرين ظاهر يزار إلى عصرنا هذا، رضي الله عنه. ا. هـ.

(دلاص)

قال كترمير: إن هذه القرية مذكورة فى مواضع كثيرة من كتب القبط باسم (تيلوج)، وأنها هى التى كانت تسمى قديما (نيوبوليس)، وأن هذا الاسم أيضا علم لجبل.

وفى تاريخ بطارقة الإسكندرية، تسمية هذه القرية (ديلوح)، وأنها عند العرب تسمى ديلاص، وفى دفاتر التعداد ذكرت فى بلاد البهنسا.

وذكر بعض جوغرافيى العرب أنها واقعة بين منف والفيوم على ثمانية فراسخ من الأولى، وعشرين فرسخا من الثانية.

وقال الإدريسى: إنها فى الجهة الغربية من النيل بمسافة ميلين، وبينها وبين أهناس مرحلتان-وهذا القول هو الأصح، ولعل من نقل غير ذلك قد غلط فى النقل.

وقال أبو صلاح: إنه كان فيها ثلتمائة صانع، يشتغلون الألجمة التى كانت مشهورة بالدلاصية، وكان فيها كنيسة قديمة.

ص: 186

وذكر بطليموس: إنها كانت قريبة من النيل فى الجزيرة المشتملة على قسم هرقليوتيق (أهناس).

وقال المقريزى: إن فى خطى دلاص وبوصير ست قرى. ا. هـ.

وهى الآن قرية واقعة على تل قديم، غربى الزيتون وبحرى بوش إلى الغرب بنحو ساعة، وبها نخيل قليل.

ومنها والد العلامة شرف الدين، الشيخ محمد البوصيرى، صاحب الهمزية والبردة وغيرهما. ونسب إلى بوصير لأن أمه كانت منها ولكونه نشأ بها، وقد يقال له الدلاصيرى بالنسبة إلى البلدين من باب النعت، وقد سبقت ترجمته فى بوصير.

(ديما)

بكسر الدال وياء مفتوحة. قريتان من قرى مصر، إحداهما من ناحية السمنودية، والأخرى من جزيرة بنى نصر. (كذا فى مشترك البلدان).

ص: 187

‌حرف الذال المعجمة

(ذروة)

فى مشترك البلدان أنه بالذال المعجمة والراء والواو المفتوحات ثم هاء تأنيث. قريتان من قرى مصر. ذروة قريقيرة من ناحية المرتاحية، وذروة أخرى من ناحية الجيزة، وإلى إحداهما ينسب ابن الذروى شاعر عصرى خبيث اللسان حلو الطريقة فى الهجاء خاصة. ا. هـ.

ولم أعثر على قرية مسماة بهذا الاسم فى مديرية الجيزة، بل فى مديرية المنوفية بقسم أشمون جريس على الشط الشرقى لمصرف المنوفية والغربية فى شمال القناطر الخيرية بنحو أربعة آلاف متر، وفى جنوب سرورة بنحو ثلاثة آلاف متر. والتى فى المرتاحية من قسم نوسة الغيط فى غربى طنبود الكبرى بنحو ألفى متر، وبها جامع.

والعامة تستعمل هذا الاسم بالدال المهملة. وفى بلاد الصعيد من أعمال الأشمونين قرية تسمى دروه (بكسر أوله وسكون ثانيه)، وهى غير دروط الشريف، وقد تقدم الكلام عليها فى دروط.

ص: 188

‌حرف الراء

(الراشدية)

قرية من قسم محلة منوف بمديرية الغربية، واقعة فى غربى السكة الحديد الموصلة لسمنود بحرى طندتا على أكثر من ساعة. وهى قرية صغيرة، لكن نشأ منها من العلماء الأعلام الشيخ أحمد الراشدى، الذى ترجمه الجبرتى فى تاريخه فقال:

[ترجمة الشيخ أحمد الراشدى]

هو الإمام الفقيه واللوذعى النبيه، المحدث الأصولى الفرضى الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن جاهين الراشدى الشافعى وبها نشأ، ولما حفظ القرآن وجوّده، قدم الأزهر، فتفقه على الشيخ مصطفى العزيزى والشيخ محمد العشماوى، وأخذ الحساب والفرائض عن الشيخ محمد الغمرى، وسمع الكتب الستة على الشيخ عيد النمرسى، وكان حسن التلاوة للقرآن، وكان له معرفة بأصول الموسيقى، وكانت تحبه الأمراء، صلى إماما بالأمير محمد بيك بن إسماعيل بيك، مع كمال العفة والوقار.

واستمر مدة يقرأ دروسه بمدرسة السنانية قرب الجامع الأزهر، ثم انتقل إلى زاوية قرب المشهد الحسينى، وأقبل على إفادة الناس، فقرأ المنهج مرارا، وابن حجر على المنهاج وكان يتقنه ويحل مشكلاته بكمال التؤدة والسكينة، وكان تقريره مثل سلاسل الذهب.

ثم لما بنى المرحوم يوسف جوربحى مسجد الهياتم بقرب منزله بخط الحنفى جعله خطيبا فيه وإماما، فأعاد دروس الحديث. ولما بنى المرحوم محمد بيك أبو الذهب المدرسة التى تجاه الأزهر، فى سنة ثمان وثمانين ومائة وألف، راوده أن يكون خطيبا بها، فامتنع فألح عليه وأرسل له صرة فيها دنانير فأبى أن يقبلها وردها فألح عليه

ص: 189

ثانيا وأكثر، فخطب بها أول جمعة، وألبسه فرو سمور وأعطاه صرة فيها دنانير فقبلها كرها ورجع إلى منزله بخط الحنفى محموما فانقطع إلى أن توفى ليلة الثلاثاء ثانى شوال سنة 1188 وصلى عليه بالأزهر ودفن بالقرافة/الصغرى تجاه قبة أبى جعفر الطحاوى.

(رأس الخليج)

قرية من مديرية الغربية بمأمورية بلاد الأرز شرقا، واقعة فى الشمال الشرقى للظاهرية بنحو ثلاثة آلاف وثلثمائة متر، وفى جنوب السوالم بنحو ثلاثة آلاف متر. وبها جامع وتكسب أهلها من زراعة الحبوب والأرز.

[ترجمة الشيخ أحمد بن عيسى الخليلى الأحمدى البرهانى]

وإليها ينسب، كما فى الجبرتى: الشيخ الصالح أحمد بن عيسى بن عبد الصمد بن أحمد بن فتيح بن حجازى بن القطب ابن السيد على تقى الدين، دفين رأس الخليج، ابن فتح بن عبد العزيز بن عيسى بن نجم، خفير بحر البرلس، الحسينى الخليجى الأحمدى البرهانى الشريف، الشهير بأبى حامد.

ولد برأس الخليج، وحفظ القرآن وبعض المتون، ثم حبب إليه السلوك فى طريق الله، فترك العلائق وانفرد عن الناس واختار السياحة مع ملازمته لزيارة مشاهد الأولياء والحضور فى موالدهم، وكان الأغلب فى سياحته سواحل بحر البرلس-ما بين رشيد ودمياط -على قدم التجريد، وأقام مدة يطوى الصيام ويلازم القيام، ورافق السيد محمد بن مجاهد فى غالب حالاته فكانا كالروح فى جسد. وله مكارم أخلاق ينفق فى موالد كل من القطبين السيد البدوى والسيد الدسوقى أموالا هائلة، ويفرق فى تلك الأيام على الواردين ما يحتاجونه من المأكل والمشرب. وكان كلما ورد إلى مصر يزور العلماء ويتلقى عنهم وهم يحبونه ويعتقدون فيه منهم: الشيخ الدمياطى وشمس الدين الحنفى.

وكان له مزيد اختصاص بالسيد مرتضى وألف باسمه رسالة المناشى والصفين، وشرح له خطبة الشيخ محمد البحيرى البرهانى على تفسير سورة يونس، وباسمه

ص: 190

أيضا كتب له تفسيرا مستقلا على سورة يونس على لسان القوم، وصل فيه إلى قوله تعالى:{وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}

(1)

.

وفى سنة تسع وتسعين ومائة وألف، ورد إلى مصر فنزل فى المشهد الحسينى، وفرش له على الدكة، وجلس معه مدة وتمرض أشهرا بورم فى رجليه حتى كان أول المحرم من سنة ألف ومائتين وواحد، فعزم على الذهاب إلى فوّة، فلما نزل إلى بولاق وركب السفينة وافاه الحمام، وذلك فى يوم عاشوراء، وذهب به أتباعه إلى فوّة بوصية منه، وغسل هناك ودفن بزاوية قرب بيته، وعمل عليه مقام يزار. ا. هـ.

(الرادسية)

قرية من قسم أدفو بمديرية إسنا شرقى البحر فى مقابلة ناحية أدفو، تابعة للدائرة السنية، وبها أبنية حسنة وأبراج حمام ومحلات للمستخدمين فى الدائرة السنية، فهى إحدى الجفالك الخديوية، ويحفها من قبلى جبل السراج، ورىّ أرضها من ترعة الفوزة فى بحرى جبل السراج، ويخشى عليها عدم الرىّ عند قلة النيل، وفيها وابور للدائرة لسقى قصب السكر، وأهلها متوفرون من العمليات لخدمة الوابورات، والآن انصلحت أرضها ويزرع فيها كثير من قصب السكر، ويعصر فى معاصر ناحية أرمنت على مسافة ست عشرة ساعة إلى جهة الشمال، ولها سوق كل يوم أحد.

وكان العزيز محمد على عين جماعة من الإفرنج للبحث على فحم الحجر فى الجبل الذى هناك، وحفروا آبارا فى الجبل شرقى الرادسية بنصف ساعة، وأقاموا على ذلك نحو سنتين ولم تظهر ثمرة.

(راكوتى)

بلدة كانت بقرب محل إسكندرية، فبنى الإسكندر مدينته بقربها وأدخلها فيها.

قال كترمير: «إن مؤلفى الأقباط استعملوا اسم راكوتى مكان اسم إسكندرية فى جميع كتبهم» .، وتسمى فى بعض الكتب راقودة. وقد بسطنا الكلام على إسكندرية فى جزء مخصوص، فليراجع

(2)

.

(1)

سورة يونس آية 87.

(2)

انظر الجزء السابع من هذا الكتاب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مركز تحقيق التراث،1987

ص: 191

(الراهب)

قرية صغيرة بقسم سبك من مديرية المنوفية، واقعة على الشاطئ الغربى لترعة العطف، وأطيانها محصورة بين بحر شبين وترعة العطف، وسواقيها على الترعة والبحر، وفى شمالها وعلى مسافة نصف ساعة بندر شبين الكوم التى هى مركز المديرية.

وبها ولى يعرف بالشيخ الراهب له مقام يزار، ويتسوق أهلها من سوق شبين، وتكسبهم من الزرع وغيره.

[ترجمة الحاج صالح الفلاح]

وفى تاريخ الجبرتى: أن من هذه القرية الأجل الأكرم ذو الملاذ الأفخم الحاج صالح الفلاح، وهو أستاذ الأمراء المعروفين بمصر المشهورين بجماعة الفلاح وينسبون إلى القازدغلية.

كان صاحب مال وثروة عظيمة، وأصله غلام يتيم فلاح، من القرية المذكورة، وكان خادما لبعض أولاد شيخ البلد، فانكسر على شيخ البلد المال فرهن ولده عند الملتزم، وهو على كتخدا الجلفى، ومعه صالح، هذا، وهما غلامان صغيران، فأقاما ببيت على كتخدا، حتى وفى شيخ البلد ما عليه من المال واستلم ابنه ليرجع به إلى بلاده، فامتنع صالح المذكور، وقال: أنا لا أرجع إلى البلد، وبقى ببيت الملتزم واستمر يخدم به مع صبيان الحريم، ولم يزل يتنقل فى الأطوار والأحوال حتى صار من أرباب المال، واشترى المماليك والعبيد والجوارى، وصار يزوجهم ويشترى لهم الدور والأملاك، ويدخلهم فى الوجاقات والبلكات بالمصانعات والرشوات لأرباب الحل والعقد والمتكلمين حتى تنقلوا وأخذوا الرتب الجليلة، مثل كتخداآت واختيارية وأمراء طبلخانات وجاويشية وأوزباشية وغير ذلك، وصار لهم أملاك ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافذة وعزوة كبيرة، وكان/يقال له: صالح جلبى، والحاج صالح، وكان يركب حمارا وخلفه خادم، ويلبس عمامة لطيفة، وكان يقرض إبراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة كيس وأكثر، ويخرج الأموال بالربا والزيادة، وبسبب ذلك انمحقت دولتهم وزالت نعمتهم فى أقرب وقت من الزمان، وآل أمرهم إلى البوار

ص: 192

والهوان، وصاروا أتباعا وأعوانا للأمراء المتآخرين.

مات، المترجم، فى سنة تسع وتسعين ومائة ألف وهو فى سن السبعين.

(رشيد)

بفتح الراء المهملة وكسر الشين وسكون المثناة التحتية وفى آخرها دال مهملة. بليدة غربى النيل الغربى عند مصبه فى البحر شرقى الإسكندرية على مرحلة منها، ومصب النيل فى البحر عند رشيد خاصة يسمى الأرمسية، وتخافه المراكب عند طلوعها فيه من البحر.

قال العزيزى: وهى على ضفة النيل، والبحر الملح بعيد عنها بثمانية عشر ميلا، وهى ثغر جليل. والأرمسيّة بفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وضم الميم وكسر السين المهملة ثم تحتية مشددة وهاء. (ا. هـ من تقويم البلدان لأبى الفداء).

وهى الآن من أشهر مدن الديار المصرية، وثغر من ثغورها واقعة بقرب البحر الرومى على نحو فرسخين، وعلى الشاطئ الغربى لفرع النيل الغربى، المسمى قديما بوليتين، وبعد وضع هذه المدينة عليه سمى بحر رشيد، كما سمى الإفرنج، الشرقى فرع دمياط لوقوعها عليه. ولم يتكلم عليها من ساحوا الديار المصرية قديما، مثل الأب سيكار وبوكوك ونحوهما. وأول من تكلم عليها المسين فقال:

«إنها أخذت فى الظهور فى خلافة المتوكل على الله الخليفة العباسى، سنة ثمانمائة ونحو السبعين من الميلاد، أيام بطريركية كومسا بطريرك الإسكندرية. وقبل حدوثها كان مرسى جميع المراكب مدينة فوّة، فلما تراكمت الرمال فى بوغاز هذا الفرع تعسر وصول المراكب الواردة من الخارج إليها فوضعت مدينة رشيد» . وكانت زمن السياح سوارى بعيدة عن البغاز بفرسخين.

وقال أبو الفداء: «إن مدينة رشيد كانت فى القرن الثالث عشر من الميلاد قرية صغيرة على الشاطئ الغربى لفرع النيل الغربى بقرب مصبه فى المالح» .

ولما ساح بلون الديار المصرية سنة 1530 ميلادية، قال: إن رشيد أصغر من فوة، ولما غلبت الدولة العلية على هذه الديار أهمل أمر الخلجان فبطل رسوّ المراكب على مدينة فوّة بالكلية، وقامت مقامها فى ذلك مدينة رشيد وأخذت من حينئذ فى التقدم

ص: 193

والأهمية والعمارية لكثرة توارد المتاجر الاجنبية والمصرية عليها، حتى بلغت فى سنة 1777 ميلادية أعظم درجة واتسعت، فكان طولها على شاطئ البحر فرسخا وعرضها ربع فرسخ-كما ذكر ذلك السياح سوارى فى سياحته.

[ترجمة السياح سوارى الفرنساوى]

وهو سياح فرنساوى، وسمى كلود، ولد سنة ألف وسبعمائة وخمسين ميلادية بمدينة وترى من بلاد بروتانيا، ومات سنة ألف وسبعمائة وثمان وثمانين. ساح فى جزائر الرومى، وأقام بمصر خمس سنين، ورجع إلى مملكة فرنسا، وكتب خطابات لمصر وبلاد اليونان، وترجم القرآن وسيرة الرسول، والآداب الإسلامية ومقدمة عربية. (ا. هـ. من قاموس الفرنج).

[ترجمة الأب سيكار الفرنساوى]

وكذا الأب سيكار سياح فرنساوى، وهو قسيس من طائفة الجزويت، ولد سنة ألف وستمائة وسبع وسبعين ميلادية، وساح فى مصر والشام سنة سبعمائة وستة، وتعلم العربية ومات بالطاعون سنة سبعمائة وست وعشرين، وله مراسلات إلى مصر.

(ا. هـ. قاموس فرنجى).

ثم فى نزهة الناظرين: أن الوزير على باشا، متولى مصر سنة ست وخمسين وتسعمائة هجرية، فى شهر شعبان قد جدد فى رشيد عمارة كبيرة من خانات وحوانيت، وكذا فعل فى مدينة فوة وأقام فى الوزارة أربع سنين. ا. هـ.

وفى الضوء اللامع للسخاوى

(1)

: أن فيروز الرومى العرامى، نسبة إلى خليل بن عرام نائب الإسكندرية، عمر دهرا طويلا، وأنشأ برجا بثغر رشيد ووقف عليه وقفا، وكانت له مشاركة فى الجملة، ويحفظ بعض تاريخ. مات بالقاهرة فى حدود الخمسين.

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 6، ص 176.

ص: 194

[مطلب جوامع رشيد وأسواقها وغيرهما]

ولم تزل هذه المدينة آخذة فى الازدياد إلى اليوم حتى صارت تشتمل على نحو ألفين وثلثمائة مسكن، وصارت أبنيتها فى غاية المتانة والإحكام، مزينة الظاهر والباطن، ذات دور فسيحة وقصور مشيدة، مع طيب الهواء واعتداله، وبعض قصورها مشرف على النيل أو على أرض المزارع، إلا أن شوارعها وحاراتها ضيقة غير مستقيمة ولا ميادين بها. وبها محكمة شرعية مأذونة بتحرير الحجج وسماع الدعاوى، ومساجد جامعة معمورة بالصلاة، نحو خمسة وعشرين جامعا وعشر زوايا وأكثرها بمنارات مرتفعة ارتفاعا حسنا.

منها، الجامع الكبير له شبه بالجامع الأزهر فى الاتساع وكثرة العمد، وأرضه مفروشة بألواح الخشب.

ومنها، جامع المحلاوى فى غاية الرونق والانتظام، وفيه درس دائم وضريحه به مشهور يزار.

وبها، أسواق ذات حوانيت حسنة الوضع نحو ستمائة حانوت مشحونة بالمتاجر. وفيها، فنادق تنيف على الثلاثين، وقهاو بكثرة، وأنوال لنسج ثياب القطن الغليظ، وفيها خمس حمامات/وثلاث عشرة معصرة، واثنتان وخمسون طاحونة تديرها الخيل وطاحونة بخارية، وعشرة مخابز، وثلاث كنائس-واحدة للأقباط وواحدة للأروام وواحدة لليهود-ودير واحد للفرنج، وشوادر للأخشاب وغيرها نحو ثمانية عشر، وعشرة وابورات لضرب الأرز-منها اثنان للديوان وثمانية للأهالى- وتسع دوائر للأرز تديرها الخيل، ومعمل دجاج ومعمل صينى، وورشة رخام وفوريقة لعمل الورق، وورشة لآلات الموسيقى وورش لحلج القطن. وفيها حرف كثيرة كالنجارة والحدادة والدباغة والخياطة، ويوجد بها محصولات كيماوية وأجزاء لتركيب الأدوية والشمع والعسل والروائح العطرية، وجميع أنواع الملبوسات والمطرزات والطرابيش، وغير ذلك من الحرف والبضائع.

وفيها: جملة من صيادى السمك، ولهم نحو اثنين وعشرين قاربا معدة للصيد، غير ما يأتى من البلاد المجاورة كأهالى الجزيرة وبرج مغيزل، وفيها للسمك سوق

ص: 195

دائم، وفى السوق وكالة يوضع فيها السمك يقال لها وكالة الشربجى.

وجملة أرباب الحرف فيها من الرجال ألفان ومائتان وتسعة وأربعون، ومن النساء ست وأربعون.

وميناها دائما مزدحمة بالسفن الشراعية والبخارية وبأنواع المتاجر للشحن والتفريغ، وبعضها ينحدر فى البحر المالح إلى إسكندرية ودمياط وغيرهما، وبعضها يقلع فى داخل القطر لتوزيع السلع فى البلدان، فلذا كان كثير من أهلها ملاحين وتجارا يضربون فى الأرض.

وفى بحريها حدائق ذات بهجة، فيها كثير من الفواكه والخضر مثل، التين والزيتون والنارنج والبرتقان والمشمش والفجل والبصل والجزر وحب العزيز، وهذا الصنف مختص برشيد وما يقاربها من البلاد التى فى شرقى النيل.

وفيها، نخيل بكثرة ثمره فى غاية الجودة، ويتأخر نضجه عن معتاد نخيل القطر أكثر من شهر، ويتجر به فى مصر واسكندرية وخلافهما، وهو أصناف، فمنه، الزغلول، ومنه الحياتى، ومنه بنت عيشة وغير ذلك. ويزرع فى أرضها الأرز كثيرا، وأرزها كالبلاد المجاورة لها، يقال له السلطانى، يأكل منه أمراؤها ويتجر بباقيه فى البلاد، وربما وصل إلى القسطنطينية وبلاد الفرنج، ومزروعاتها تسقى بالآلات، إلا فى أيام النيل فبالراحة، وهذا فى غير أراضى الجنائن، وأما هى فتسقى بالآلات حتى فى زمن النيل.

وفيها، كثير من شجر الخيار شنبر المستعمل فى الطب، والأطباء يمدحون هذا النوع الناتج فى أرضها، ولعلو قيمته وارتفاع ثمنه يخلط التجار عليه غيره، يوهمون المشترى أن الكل رشيدى.

وفى خارجها خمس وعشرون مقبرة لأموات المسلمين، فيها كثير من مقامات الأولياء، ومقبرة واحدة للنصارى بجوار كنيستهم، ومقبرة للفرنج.

ومسطح معمور المدينة بما فيها من الفوريقات والدوائر ومحلات العساكر نحو سبعمائة ألف متر وتسعة آلاف ومائة وأربعة وستين مترا، غير الفضاء الذى بخلالها وغير مناشر الأرز.

ص: 196

وكل سنة يعمل فيها ثلاثة موالد فى ثلاثة أشهر، جمادى الآخرة ورجب وشعبان.

وعندها جزيرة، يقال لها الجزيرة الخضراء، فى شرقى النيل فيها ملاحة رشيد المشهورة، بينها وبين النيل نحو ربع ساعة، وتنحصر بين أرض المزارع وبحيرة البرلس.

وفى شمال رشيد بجوار الجنائن على شاطئ البحر قشلة متسعة يقيم بها العساكر الجهادية، ومن بحرى هذه القشلة مقبلا إلى التلول رصيف بحافة البحر متين. وفى بحريها أيضا، على نحو فرسخ بالشاطئ الغربى، قلعة حصينة مربعة الشكل فى كل زاوية من زواياها برج عليه مدافع وفيها العساكر الكافية، وتجاه القلعة بالشاطئ الشرقى بطارية مسلحة عليها أيضا مدافع وفيها عسكر ومهمات كافية لحماية القطر من تلك الجهة كباقى الثغور الإسلامية، فلا تتمكن السفن الطارئة من الدخول من البغاز إلا بالتأمين والدلالة، سيما مع صعوبة البوغاز وعدم اهتداء الطارئ إلى حيث يدخل لتغير المدخل فى أوقات السنة، فتارة يكون بعيدا فى البحر، وتارة يقرب من البر، وتارة يتحول إلى الشرق، وتارة إلى الغرب، وذلك بسبب تصادم النيل والبحر، فيتكوّن عن ذلك رمال ولا تبقى إلا فتحة صغيرة تمر فيها المراكب بدلالة رئيس البغاز، فلذا كثيرا ما يحصل تلف لمراكب وبضائع عند هبوب الريح.

وفى جنوب المدينة على الشاطئ الغربى أيضا، تل مرتفع فى وسطه برج ارتدم نصفه، وفى أسفل التل حوض نصف دائرة، يدل على أن هذا المحل كان مرسى للمراكب فى الأعصر الخالية. وقد حفر بعض الناس سابقا فى هذا الموضع فوجد عشرين عمودا من الرخام فترتب على ذلك سجنه ومضايقته وسلب أمواله.

وظن بعض الجغرافيين أن مدينة كانوب القديمة كانت فى هذا الموضع، وليس ظنه بصواب، لأن مدينة كانوب كانت محل بوقير أو بقربه، والذى يقرب من الصواب أن هذا التل فى محل مدينة بولبتين، كما قاله العالم نويل:«إن مدينة بولبتين كانت على بعد قليل من رشيد» . فلعل العمد التى وجدت هناك من آثار تلك المدينة التى تكلم عليها استرابون وأنينى البيزانتى. وفى/غربى هذا التل مدافن أموات رشيد، وفضاء متسع مغطى بالرمال. وفى مدينة رشيد أورباويون وأقباط بكثرة.

ص: 197

وفى خطط المقريزى، أن أقباط رشيد خالفوا سنة 132، فبعث إليهم مروان ابن محمد الجعدى، الملقب بالحمار، لما دخل مصر فارا من بنى العباس، بعثمان بن أبى قسعة فهزمهم.

وقال أيضا، فى الكلام على حوادث الإسكندرية،: إنه فى سنة 307 سارت مقدمة المهدى عبيد الله من إفريقية مع ابنه أبى القاسم إلى لوبيا، فهرب أهل الإسكندرية وجلوا عنها، وخرج منها مظفر بن زكا الأعور فى جيشه، ودخلت إليها العسكر يوم الجمعة لثمان خلون من صفر، وفر أهل القوّة من الفسطاط إلى الشام، فخرج زكا أمير مصر إلى الجيزة وعسكر بها، ثم مرض ومات على مصافه بالجيزة فى ربيع الأول، فولى دكين بعده، ولايته الثانية، ونزل الجيزة وأقبلت مراكب صاحب إفريقية إلى الإسكندرية وعليها سليمان الخادم، فقدم شمل الخادم، صاحب مراكب طرسوس، فالتقيا برشيد فاقتتلا، فبعث الله ريحا على مراكب سليمان ألقتها إلى البر فتكسر أكثرها، وأخذ من فيها أخذا باليد وقتل أكثرهم وأسر من بقى وسيقوا إلى الفسطاط، فقتل منهم نحو سبعمائة رجل، وسار أبو القاسم بن المهدى من الإسكندرية إلى الفيوم وملك جزيرة الأشمونين والفيوم، وأزال عنها جند مصر، فمضى شمل الخادم فى مراكبه إلى الإسكندرية، فقاتل من بها من أهل إفريقية فظفر بهم، وألجأ أهل الإسكندرية إلى رشيد، وعاد إلى الفسطاط ومضى فى مراكبه إلى اللاهون ولحقته العساكر فدخلوا إلى الفيوم فى صفر سنة 307، وخرج أبو القاسم ابن المهدى إلى برقة ولم يكن بينهما قتال فرجعت العساكر إلى الفسطاط. ا. هـ.

[حوادث رشيد سنة ألف ومائتين وثمان عشرة]

وفى السادس والعشرين من ربيع الثانى سنة ألف ومائتين وثمان عشرة

(1)

، كما فى تاريخ الجبرتى، كانت الفتن قائمة وهرب محمد باشا العز تلى برجاله العثمانية إلى جهة دمياط ورشيد، وتبعه البرديسى، وأوقع القبض عليه فى دمياط. وكان من العثمانية جماعة مقيمون برشيد، فتعين عليهم سليمان كاشف بجماعة لحربهم؛ فلما

(1)

هذا التاريخ موافق 15، اغسطس 1803 م.

ص: 198

وصل إلى هناك خرجت العثمانية، ومعهم إبراهيم أفندى-حاكم رشيد-إلى برج مغيزل وتحصنوا به فحاصرهم سليمان كاشف. وبينما هم على ذلك وإذا بالسيد على باشا القبطان وصل إلى رشيد، وأرسل إلى سليمان كاشف يعلمه بحضوره وحضور على باشا والى مصر، ويقول له ما هذا الحصار ولأىّ شئ تقاتل العثمانية؟، فلم يصغ لقوله واستمر على حصارهم، ثم وصل البرديسى إلى رشيد وكان غالب أهلها انجلى عنها ولم يبق فيها إلا القليل فجعل عليهم فرضة-يقال إنها ثمانون ألف ريال-، وكان السيد على باشا القبطان التجأ بالعثمانية ببرج مغيزل وتحصن به، فحاصره البرديسى. وفى أثناء الحصار بعث إليه حسن بك قرابة، على باشا الطرابلسى الوالى، يقول له:«ما المراد من تلك المحاربات؟ فإن كان حضرة الباشا قد جاء واليا على مصر فليأت إلينا على الشرط المعروف بيننا، ويقييم معنا على الرحب والسعة، وإن كان غير ذلك فأخبرونا، وقد أمهلناكم ثلاثة أيام» ، فلم يجبه بشئ فوقع الحرب بينهم، حتى أنه فى يوم واحد أحرق البرديسى وقومه من البارود مائة وخمسين قنطارا، وأرسل إلى مصر يطلب بارودا وبنبا ومدافع فأرسلت إليه، وتتابع الإرسال وبقى الحصار نيفا وعشرين يوما، وكانت عاقبة ذلك نصرة البرديسى على العثمانية، واستولى على برج رشيد وقبض على السيد علّى القبطان وجماعة من أمرائه وعسكره، وأرسلوا جميعا إلى ناحية الشرقية فى ذل الأسر، ليسافروا من هناك إلى الشام بعد أن قتل منهم من قتل. ولما وصل خبر ذلك إلى مصر فى الثالث والعشرين من الشهر، عملوا شنكا ثلاثة أيام. ولما انحسمت تلك المادة ارتحل البرديسى بالأجناد المصرية من رشيد إلى دمنهور، وعزم على التوجه إلى الإسكندرية وأرسل يطلب ذخيرة وجنجانة ومماليك وعساكر، ورتب فردة على الجهات وأشيع خبرها بين الناس وحصل الانزعاج، واستمر الارجاف والخوف أياما.

ومن تتابع الفرد والكلف على البلاد خرب أكثرها وانجلى أهلها عنها، خصوصا إقليم البحيرة، وكان البرديسى قد شحن برج مغيزل بالذخيرة والجبخانة وأبقى برشيد وبناحية البوغاز جملة من العساكر، وضرب على رشيد عدة فرض ومغارم، وفتح بيوت الراحلين عنها ونهبها، وأخذ أموالهم من الشوادر والحواصل فاستولى على الأخشاب والبن والأرز ونحوها، وقلت الأقوات والعليق، فعلفوا الدواب الأرز بدل الشعير.

ثم إن البرديسى بعد أن أبقى بدمنهور جملة من العسكر رجع إلى مصر، وصل إلى

ص: 199

بر الجيزة وخرج الأمراء وغيرهم لملاقاته. ولم يعلم السبب فى رجوعه، والصحيح أنه لسببين:

الأول: حصول القحط هناك وعدم الذخيرة والعلف.

الثانى: إلحاح العسكر بطلب جماكيهم المتأخرة وما يأخذونه من المنهوبات لا يدخل فى حساب جماكيهم.

وهناك سبب ثالث: وهو عجزهم عن أخذ الإسكندرية لانقطاع الطرق بالمياه المالحة، فلو وصلوها وطال عليهم/الحصار لا يجدون ما يأكلون ولا ما يشربون،

وفى تلك المدة كان القحط عاما فى البلاد، وفى أيام النسئ نقص النيل نحو ذراع، فانزعج الناس وازدحموا على شراء الغلال وزاد سعرها، وانكبت الخلائق على الشراء، ومنع الغنى من شراء ما زاد على أردب ونصف، والفقير من شراء أكثر من ويبة، وكانوا يمنعون الكيل بعد ساعتين، فتذهب الناس إلى بولاق ومصر القديمة، ويرجعون من غير شئ. وصار الأمراء يأخذون الغلال القادمة بمراكبها قهرا عن أصحابها ويخزنونها لأنفسهم، حتى قلت الغلة وعز وجودها فى العرصات والسواحل، وقل الخبز من الأسواق والطوابين، وعز وجود الشعير والتبن، وبيعت الدواب والبهائم بالسعر الرخيص بسبب ذلك.

واجتمع بعض مشايخ الأزهر وتشاوروا فى الخروج إلى صلاة الاستسقاء، فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها. وذهبوا إلى إبراهيم بيك وتكلموا معه فى ذلك فقال لهم:

«وأنا أحب ذلك أيضا» . فقالوا له: «وأين الشروط التى من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والإقلاع عن الذنوب وغير ذلك» . فقال لهم: «هذا أمر لا يمكن ولا أقدر عليه، ولا أحكم إلا على نفسى، وأنا معكم» . فقالوا: «إذا نهاجر من مصر» . فقال: «وأنا معكم» ، ثم قاموا منصرفين.

وزاد صياح الناس وارتفعت الغلال من السواحل والعرصات بالكلية، ولما عدى البرديسى إلى بر مصر ومعه محمد على والعسكر الأرنؤد، خرجت إليهم الفقراء بمقاطفهم وعيطوا فى وجوههم فوعدوهم بخير. وأصبح البرديسى مجتهدا فى ذلك وأرسل محمد على وخازنداره ففتحا الحواصل التى فى بولاق ومصر العتيقة وأخرجا

ص: 200

منها الغلال إلى السواحل، واجتمع العالم الكثير فأذنوا لكل شخص من الفقراء بويبة غلة لا غير، فكان الذى يريد الشراء يذهب إلى خازندار البرديسى ويأخذ منه ورقة ويذهب بها فيكيلون له ويدفع ثمنها لصاحب الغلة، فحصل للناس نوع اطمئنان، واشترى الخبازون وفتحوا الطوابين وخبزوا وباعوا، فكثر الخبز والكعك بالأسواق، وسكن روع الناس ودعوا لعثمان بيك البرديسى. اهـ

[حوادث رشيد سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف]

ومن حوادث هذا الثغر أيضا استيلاء الانكليز عليه فى الرابع والعشرين من المحرم سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف

(1)

، وذلك كما فى الجبرتى أيضا، أن الألفى كان استنجدهم وتأخر مجئ الإعانة له بسبب الصلح بينهم وبين الدولة العلية، فلما حصلت النفرة انتهزوا الفرصة، وأرسلوا طائفة من عسكرهم، واثنين وأربعين مركبا فيها عشرون قطعة كبار، وكان الألفى ينتظر حضورهم بالجيزة، فلما طال عليه الانتظار ارتحل بجيوشه من البحيرة، وقضى الله عليه بالموت فى إقليم الجيزة (كما تقدم فى دمنهور).

وحضر الإنكليز بالإسكندرية فوجدوه قد مات، فأرسلوا إلى الأمراء القبليين يستدعونهم ليكونوا مساعدين لهم على عدّوهم، ويقولون لهم:«إنما جئنا إلى بلادكم باستدعاء الألفى لمساعدته ومساعدتكم، فوجدنا الألفى قد مات وهو شخص واحد منكم، وأنتم جمع فلا يكن عندكم تأخير فى الحضور لقضاء أشغالكم، فإنكم لا تجدون فرصة بعد هذه وتندمون بعد ذلك» . فلما وصلتهم مراسلة الإنكليز تفرق رأيهم، وكان عثمان بيك حسن منعزلا عنهم، وهو يدعى الورع وعنده جيش كبير، فأرسلوا إليه يستدعونه، فقال:«أنا مسلم هاجرت وجاهدت وقاتلت فى الفرنساوية، والآن أختم عملى بالالتجاء إلى الفرنج وأنتصر بهم على المسلمين، أنا لا أفعل ذلك» ، هكذا باقى الأمراء.

وكان الإنكليز لما وصلوا إلى ثغر الإسكندرية، طلبوا حاكمها والقنصل وبعض الأعيان وتكلموا معهم، وطلبوا الطلوع إلى الثغر، فقالوا لهم:«لا نمكنكم من الطلوع إلا بمراسيم سلطانية» ، فقالوا: «لم يكن معنا مراسيم وإنما جئنا لمحافظة

(1)

هذا التاريخ يوافق يوم الجمعة الثالث من إبريل 1807 م كما ورد بالجبرتى.

ص: 201

الثغر من الفرنسيس فإنهم ربما طرقوا البلاد على حين غفلة، وقد أحضرنا صحبتنا خمسة آلاف من العسكر تقيم بالأبراج لحفظ البلد والقلعة»، فلم يجيبوهم إلى الخروج، فقال الإنكليز:«إن لم تسمحوا بالرضا ندخل قهرا» ، وأمهلوهم أربعة وعشرين ساعة. فكتبوا بذلك إلى مصر، فلما وصلت تلك المكاتبات اجتمع كتخذا بيك وحسن باشا وبونابرت الخزندار وطاهر باشا والدفتدار والرزنامجى وباقى الأعيان وذلك بعد الغروب، فاجتمع رأيهم على ارسال الخبر بذلك إلى العزيز محمد على يطلبونه للحضور هو ومن معه من العسكر-وكان إذ ذاك بالجهات القبلية-، ولما انقضت الأربعة والعشرون ساعة، ضرب الإنكليز البلد بالمدافع فهدموا جانبا من البرج الكبير وكذلك الأبراج الصغار والسور، فعند ذلك طلب أهل الإسكندرية الأمان، فرفعوا عنهم الضرب، ودخلوا البلد يوم الخميس تاسع الشهر، وسكن سر عسكرهم بوكالة القنصل وشرطوا مع أهالى البلد شروطا منها:

أنهم لا يسكنون البيوت قهرا عن أصحابها، ولا يمتهنون المساجد، ولا يبطلون منها الشعائر الإسلامية، وأعطوا أمين أغا الحاكم أمانا على نفسه وعلى من معه من العسكر، وأذنوا لهم بالذهاب إلى أىّ محل أرادوا، ومن كان له دين على الديوان يأخذ نصفه حالا والنصف الثانى مؤجلا، ومن أراد السفر فى البحر من التجار يسير فى خفارتهم إلى أى جهة أراد، ما عدا اسلامبول، وأن محكمة الإسلام تكون مفتوحة، ولا تقام دعوى عند الإنكليز بغير رضا أصحابها، والحمايات من أى بنديرة تكون مقبولة، ولا يحصل لأحد شئ من المكروه من كامل الوجوه حتى الفرنساوية.

والجمارك من كامل الجهات على كل مائة اثنان ونصف.

ثم بعد ذلك وصلت طائفة منهم إلى ثغر رشيد فى صبح يوم الثلاثاء الحادى والعشرين من الشهر، فدخلوا البلد، وكان أهل البلد ومن معهم من العساكر، مستعدين بالأزقة والعطف وطبقات البيوت. فلما صاروا بداخلها، ضربوا عليهم من كل ناحية، فألقى الإنكليز ما بأيديهم من الأسلحة، وطلبوا الأمان. فلم يؤمنوهم، وقبضوا عليهم، وذبحوا منهم جملة كثيرة وأسروا الباقين، وفر طائفة إلى دمنهور. ولما بلغ كاشفها ما حصل اطمأن خاطره، وكان قد خرج عنها، فرجع إليها. وصادف فى طريقه تلك الشرذمة عند ناحية ديبا ومحلة الأميرة، فقتل بعضهم وأخذ من بقى أسيرا. وأرسل السعاة إلى مصر، فعمل هناك شنك، وخلع كتخدا بيك على السعاة،

ص: 202

وطافت القوّاسة الأتراك على بيوت الأعيان لأخذ البقاشيش والخلع.

وفى يوم الأحد السادس والعشرين من الشهر، وصلت الأسرى ورؤس القتلى إلى القاهرة، فدخلوا بهم من باب النصر وشقوا بهم وسط المدينة، وكانوا أربعة عشر رأسا، وخمسة وعشرين أسيرا وحبسوهم بالقلعة. ثم بعد ذلك بيومين، وردت مائة واحد وعشرون رأسا. ثم اجتمع الأمراء ببيت القاضى وهم: حسن باشا، وعمر بيك الدفتدار، وكتخدا بيك، والسيد عمر النقيب، والشيخ الشرقاوى، والشيخ الأمير، وباقى المشايخ، وعقدوا الرأى على الاستعداد وحمل السلاح والتأهب للجهاد، حتى مجاورى الأزهر، وترك المشايخ إلقاء الدروس. ثم تشاوروا فى تحصين المدينة، وحفر خنادق، فحفروا الخندق المتصل من باب الحديد إلى البر.

وفى يوم الجمعة، حضر مكتوب من ثغر رشيد، عليه إمضاء حاكمها أحمد بيك- المعروف ببونبرت-، مؤرخ بأربع وعشرين من الشهر يطلب إمدادا، لأن الإنكليز لما حصلت واقعة رشيد قد أخذوا فى التجهيز لمحاصرة رشيد. فأرسلوا له عدة من المقاتلين، وكتبوا مكاتبات إلى البلاد والعرب الذين ببلاد البحيرة يدعونهم لمحاربة الإنكليز، واجتهدوا فى حفر الخندق بمباشرة قنصل الفرنساوية، ووزعوا حفره على مياسير الناس وأهل الوكائل والخانات، والتجار وأرباب الحرف والرزنامجى، فجعلوا على البعض أجرة مائة رجل، وعلى البعض أجرة خمسين أو عشرين وهكذا، وكذلك أهل بولاق ونصارى ديوان المكس والنصارى والأروام والشوام، واشتروا المقاطف والفؤرس وغير ذلك.

وفى يوم الخميس غاية الشهر، ورد مكتوب من السيد حسن كريت-نقيب الأشراف برشيد، والمشار إليه بها-من ضمن ما فيه، «أن الإنكليز حضروا إلى ناحية الحماد قبلى رشيد، ومعهم المدافع الهائلة، ونصبوا متاريسهم من ساحل البحر إلى الجبل عرضا، وذلك ليلة الثلاثاء لعشرين من الشهر، ونرجو الإسعاف والإمداد بالرجال والجبخانة» .

فلما قرأه السيد عمر النقيب على الناس، لبسوا الأسلحة وانضم إليهم المغاربة وأتراك خان الخليلى، وكثير من العدوية والأسيوطية وأولاد البلد، وذهب منهم الكثير إلى جهة رشيد.

ص: 203

وفى يوم السبت ثانى شهر صفر، وردت مكاتبة عليها إمضاء على بيك السنانكلى حاكم الثغر، وإمضاء طاهر باشا وأحمد أغا بونبرت من ضمن ما فيه: «أن الإنكليز ملكوا كوم الأفراح وأبا منضور.

وفى ليلة الأحد، حضر العزيز محمد على إلى مصر، وتوجهت الأمراء لملاقاته، وتكلموا معه فى أمر الإنكليز، وقالوا:«إن الأهالى مستعدون للجهاد» . فقال:

«ليس ذلك على الرعية، إنما عليهم المساعدة بالمال» . وأمر كتخدا بيك وحسن باشا، بالخروج وكذا الدالتلية.

وفى يوم الخميس رابع عشره، عملوا ديوانا ببيت القاضى اجتمع فيه الدفتدار والمشايخ والوجاقلية، وقرؤا مرسوما، تقدم حضوره قبل وصول الإنكليز إلى الإسكندرية، مضمونه: ضبط تعلقات الإنكليز ومالهم من المال والودائع والشركات مع التجار بمصر والثغور.

وفى تلك المدة، كانت الأهالى والعرب قد تكاثرت فى جهة رشيد، وانضموا إلى أهل رشيد ودمنهور والعساكر، ووصل كتخدا بيك، وإسماعيل كاشف الطوبجى إلى تلك الناحية. والتحم الحرب بينهم وبين الإنكليز، فكانت الهزيمة على الإنكليز وأسروا منهم طائفة وقتلوا منهم كثيرا وجلوهم عن متاريس رشيد وأبى منضور والحماد. ولم يزل المقاتلون من أهل القرى خلفهم إلى أن توسطوا البرية وغنموا جبخاناتهم وأسلحتهم ومدافعهم ومهراسين عظيمين. ووصلت الأخبار بذلك إلى الباشا بالقاهرة يوم الثلاثاء ثانى عشر الشهر، فسر لذلك سرورا عظيما.

وفى يوم الجمعة خامس عشره، حضروا بالأسرى وجملة رؤس تنيف على ثلاثين.

وفى يوم السبت، وصل تسعة أشخاص من الأسرى أيضا.

وفى يوم الأحد، وصل نيف وستون رأسا دفعة، وأربعة وأربعون رأسا دفعة أخرى، وثلاثة/وعشرون رأسا دفعة.

وفى يوم الأربعاء، جاءت مراكب وفيها أسرى وقتلى وجرحى. فكان مجموع الأسرى أربعمائة أسير، والرؤس ثلثمائة ونيفا وأربعين، وفى الأسرى نحو العشرين من قسيالاتهم (ضباطهم).

ص: 204

قال الجبرتى: إنه بعد وقعة رشيد الأولى، تراجعت نفوس العساكر وطمعوا فى الإنكليز وتجاسروا عليهم، وكذلك أهل البلاد، وقويت هممهم وتأهبوا للبروز والمحاربة، واشتروا الأسلحة، ونصبوا بعضهم على بعض للجهاد، وكثر المتطوعون، ونصبوا البيارق والأعلام، وجمعوا من بعضهم دراهم، وصرفوا على من انضم إليهم من الفقراء، وخرجوا فى موكب عظيم وطبول وزمور. فلما وصلوا إلى متاريس الإنكليزى، دهموهم من كل ناحية، وصدقوا فى الحملة عليهم، وألقوا أنفسهم فى النيران ولم يبالوا برميهم، وهجموا عليهم، واختلطوا بهم، وأدهشوهم بالتكبير والصياح، حتى أبطلوا رميهم ونيرانهم، فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان، فلم يؤمنوا وقبضوا عليهم وذبحوا الكثير منهم. وحضروا بالأسرى والرؤس-على الكيفيات المارة-، وفرّ الباقون إلى من بقى بالإسكندرية.

قال: ولما صارت الأسرى بالقلعة، طلع إليهم قنصل الفرنساوية ومعه الأطباء، لمعالجة الجرحى. ومهد لهم الأماكن والمفروشات والنفقات. وأما من وقع من شبابهم فى أيدى العسكر، فإنهم اختصوا بهم، وألبسوهم من ملابسهم، وباعوهم فيما بينهم. ومنهم من احتال على الخلاص من يد الفاسق بحيلة. فمن ذلك: أن غلاما منهم قال للذى هو عنده «إن لى بوليصة عند قنصل الفرنساوية، بمبلغ عشرين كيسة» ففرح،، وقال:«أرينها» ، فأخرج له ورقة بخطهم، فأخذها منه طمعا فى أحرازها لنفسه، فذهب مسرعا إلى القنصل وأعطاها إياه. فلما قرأها، قال:

«لا أعطيك هذا المبلغ إلا بيد الباشا، ويعطينى بذلك رجعة لتخلص ذمتى» .

فلما صاروا بين يدى الباشا، أخبره القنصل بالكيفية، فأحضر الغلام، وسأله، فقال:«أريد الخلاص منه، فاحتلت عليه بهذه الحيلة لأتوصل إليك» . فطيب الباشا خاطر العسكرى، وأرسل الغلام لأصحابه بالقلعة.

ولما انقضى أمر الحرب من ناحية رشيد، وانجلت الإنكليز عنها ورجعوا إلى الإسكندرية، نزل الأتراك على الحماد وما جاورها، واستباحوا أهلها ونساءها وأموالها، (انظر الكلام على تلك الناحية).

ولما رجع الإنكليز إلى الإسكندرية، قطعوا سد أبى قير، (راجع أبو قير). وفى هذا الشهر أرسل الباشا آذان القتلى فى صندوق إلى اصطنبول.

ص: 205

ثم بعد عدة مناوشات بينهم وبين الأهالى والعساكر، انعقد الصلح بين الفريقين، فى شهر رجب من تلك السنة، وسلموهم الأسرى، ورحلو من الإسكندرية فى يوم الأربعاء ثالث عشر الشهر

(1)

، ودخلها كتخدا بيك ونزل بدار المسيرى. وكان الباشا مقيما عند سد أبى قير، ثم إن العساكر الأتراك أحاطوا برشيد، وضربوا على أهلها الضرائب، وطلبوا منهم الأموال والكلف الشاقة، وأخذوا ما وجدوه بها من الأرز وغيره، فخرج كبيرها السيد حسن كريت إلى حسن باشا، وشكا له، فكتب ذلك إلى الباشا والسيد عمر فكتبوا فرمانا بالكف عنهم، وأرسلوه فانفكوا عنها. ا. هـ

[ترجمة الشيخ على بن ابراهيم الخياط الرشيدى]

وإلى رشيد ينسب كما فى خلاصة الأثر

(2)

:

على بن إبراهيم الخياط الرشيدى الشافعى، الشيخ الإمام الحجة الولى، المتفنن فى العلوم والجامع لها، والمقدم فى المعارف كلها، والمتكلم فى أنواعها، والناقد فى جميعها، والحريص على أدائها، مع ذهن ثاقب، وآداب أخلاق وحسن معاشرة، ولين جانب وكثرة احتمال، وكرم نفس وحسن عهد وثبات، ودّ وملازمة طاعة، وكثرة ذكر.

ولد فى العشر الأول من المائة الحادية عشرة من الهجرة، برشيد، وبها نشأ وحفظ القرآن وجودّه، وأخذ عمن بها من علماء عصره. ثم قدم مصر، وقرأ بالروايات على مقرئ مصر عبد الرحمن اليمنى، وأخذ الفقه والعلوم الشرعية والعقلية عن شيوخ كثيرين منهم: النور على الحلبى، والبرهان اللقانى، والشمس الشوبرى، والشيخ سلطان المزاحى، والنور الشبراملسى، والشمس البابلى. وجدّ واجتهد إلى أن بلغ الغاية القصوى، ورجع إلى بلده، وحمدت سيرته فيها، وأقبل عليه جميع أهلها واعتقده عامة ذلك الإقليم، وذكرت له كرامات كثيرة. وتصدر للتدريس، وأخذ عنه خلق كثيرون، منهم: العلامة أحمد بن عبد الرزاق الرشيدى. وأقبل على قراءة

(1)

هذا التاريخ يوافق يوم 16 سبتمبر 1807 م كما ورد بالجبرتى.

(2)

خلاصة الأثر، المرجع السابق، ج 3، ص 128.

ص: 206

القرآن قبل موته بسنة، فصار لا يتركها صباحا ومساء وكل وقت، حتى ترك التدريس إلى أن توفى فى أوائل رجب سنة أربع وتسعين وألف برشيد، وبها دفن.

وأخبر ولده، أنه لما احتضر قرأ بعض الحاضرين سورة يس والرعد، فلما بلغ إلى قوله تعالى:{سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ}

(1)

.. الآية، خرجت روحه. وكان أخبره بعض الأولياء أنه يموت فى رجب، فكان كلما أتى رجب يقبل على العبادة، إلى أن توفى، رحمه الله.

[ترجمة الشيخ على بن شمس الدين الرشيدى، الشهير بالخضرى]

وإليها ينسب أيضا كما فى الجبرتى:

الفقيه المتفنن العلامة الشيخ على بن شمس الدين بن محمد بن زهران بن على الشافعى الرشيدى، الشهير بالخضرى، ولد بالثغر سنة أربع وعشرين ومائة وألف.

وبعد ما حفظ القرآن اشتغل بحفظ المتون، فحفظ الزبد والخلاصة، والمنهج إلى الديات، والجزرية/والجوهرة. وسمع على الشيخ يوسف القشاشى الجزرية وابن عقيل والقطر، وعلى الشيخ عبد الله بن مرعى الشافعى، جمع الجوامع والمنهج- وألقى منه دروسا بحضرته-، ومختصر السعد واللقانى على جوهرته، وشرح عبد السلام والمناوى على الشمائل والبخارى، وابن حجر على الأربعين والمواهب، وعلى الشمس محمد بن عمر الزهيرى معظم البخارى دراية والمواهب وابن عقيل والأشمونى، وجمع الجوامع والمصنف على أم البراهين، وغير ذلك. ثم قدم الأزهر سنة ثلاث وأربعين، فجاور ثلاث سنين، فسمع على الشيخ مصطفى العزيزى، وعلى الشيخ عطية الأجهورى، وعلى السيد على الحنفى الضرير، وعلى الشيخ على قايتباى، وعلى الشيخ الحفنى وعلى أخيه الشيخ يوسف، وعلى الشيخ أحمد الشبراملسى، وأجازه الشبراوى بالكتب الستة بعد أن سمع عليه بعضا منها.

ولما رجع إلى الثغر لازم الشيخ شمس الدين الفيومى، خطيب جامع المحلى. وكان

(1)

سورة الرعد، آية 24.

ص: 207

يقول: «لا بد للمبتلى بالإفتاء من العباب لوضوحه واستيعابه» . وله مؤلفات جليلة منها: شرح لقطة العجلات، وحاشية على شرح الأربعين النووية للشبشيرى، أجاد فيها كل الإجادة.

توفى لخمس وعشرين من شعبان سنة ست وثمانين ومائة وألف. (ا. هـ.

ملخصا).

[ترجمة المرحوم على بيك الزينى]

وممن نشأ من مدينة رشيد، وتربى فى ظل عائلة العزيز محمد على، المرحوم على بيك الزينى، استخدم أولا كاتبا بالبحرية فى سنة احدى وخمسين ومائتين وألف، وصار ينتقل من مصلحة إلى أخرى، ثم جعل رئيس إدارة المالية فى سنة أربع وستين، ثم فى سنة سبعين جعل باشكاتب البحرية، وتنقل فى الوظائف حتى أحسن إليه برتبة أميرالاى وجعل محاسبجى ديوان المالية سنة تسع وثمانين، ثم صار مأمور تطبيقات المالية.

(الرقشية)

قرية صغيرة من قسم فرشوط بمديرية قنا، واقعة فى شرقى فرشوط فى البر الغربى للنيل، على نحو نصف ساعة، وفى بحريها كوم البجاة. ولها شهرة بابراج الحمام البرى، ومثلها كوم يعقوب الواقع فى شمالها الشرقى قريبا منها.

(الرقة)

قرية على الشاطئ الغربى للنيل من مديرية الجيزة، وكانت قبل من مديرية بنى سويف،-كما كانت إطفيح-، وهى واقعة على جسر الرقة، والسكة الحديد تمر فى غربيها بنحو ثلاثين قصبة، وبينها وبين ميدوم نحو ساعة، ويقابلها على الشاطئ الشرقى قرية أخرى تسمى الرقة أيضا، فلذا ترى الناس يقولون الرقق.

وكلتاهما غير مدينة الرقة التى ذكر المقريزى أنها من جملة مدائن مدين، فيما بين بحر القلزم وجبل الطور. وقال: إنه كان بها عند ما خرج موسى عليه السلام ببنى إسرائيل من مصر قوم من لخم آل فرعون يعبدون البقر، وإياهم عنى الله بقوله

ص: 208

تعالى: {وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ}

(1)

الآية.

قال قتادة: أولئك القوم من لخم، وكانوا نزولا بالرقة، وقيل كانت أصنامهم تماثيل البقر، ولهذا أخرج لهم السامرى عجلا. وآثار هذه المدينة باقية إلى اليوم فيما بقى من مدينة فاران والقلزم ومدين وأيلة تمر بها الأعراب. ا. هـ.

(الرودانية)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز دكرنس، على الشاطئ الغربى للبحر الصغير، بينها وبين سلمون ألف قصبة من الجهة الشمالية. وبها كنيسة للأقباط، وفيها خلايات النحل بكثرة، وتكسب أهلها من استخراج عسله وشمعه، ومن زرع القطن وبعض الحبوب، وأكثرهم نصارى.

(الروضة)

قرية من الصعيد الأوسط من مديرية أسيوط بقسم ملوى، على الشط الغربى للنيل، فى الشمال الشرقى لمدينة ملوى على خمسة آلاف متر، وفى جنوب قلندول بقدر ألفين وخمسمائة متر، وفى شمال البياضية بقدر ثلاثة آلاف متر.

وكانت هذه القرية صغيرة حقيرة موحشة، ليس بها أبنية جيدة ولا صنائع ولا شئ يسر الناظر، فاضحت بالتفات الخديوى إسماعيل باشا إليها كالروضة الأنيقة، ذات منظر بهج وعمارية عظيمة، وأبنية مشيدة، وذكر شائع. وصار لها سوق دائم ودكاكين وقهاو، وابتنى بها الخديوى قصرا جليلا، بحديقة ذات بهجة، ينزل فيه عند تشريفه تلك الجهة، وسكنها جماعة من الأعيان المستخدمين فى جفالك الدائرة السنية.

وأنشئت فيها وابورات لسكر القصب، ووابور لصنعة آلات الحديد، ووابور لحلج القطن، ومخازن للآلات والسكر والعسل، وفوريقة انكليزية، ثم أدخلت فيها بعض آلات فرنساوية. وجعل بجوارها وابور نور للاستصباح به فى جميع عنابر الفوريقة ولوازمها لإدارة حركتها ليلا، كما تدور نهارا، ووابور لتهيئة العظم الذى ينظف به السكر، وجملة ورش. ويخرج من الفوريقة سكة حديد، تتفرع فرعين: أحدهما يوصل إلى المحطة العمومية لسكة الحديد الكبرى بقرب البلد، والآخر للغيطان يمر

(1)

سورة الأعراف، آية 138.

ص: 209

مغرّبا على قنطرة التسع عيون ثم على الترعة الإبراهيمية، وفى جنوب الفوريقة محل النجارين وشون لخزن الغلال، وعند ديوان التفتيش مساكن المهندسين الأوروباوية وغيرهم، وبقرب الشون مسجد المغربى، وبقربه مسجد الدمريسى، وبقربهما منشر مصاص القصب، وبقربه مكتب البوستة

ثم إن/أطيان تفتيش هذه البلدة ثمانية عشر ألف فدان فى غربى النيل وفى شرقيه، وتزرع منها ثمانية آلاف فدان قصبا والباقى حبا وقطنا، وأكثر رىّ الأطيان الغربية من الإبراهمية، البعض بالآلات البخارية والبعض بلا آلة.

ويتحصل من الفوريقة فى مدة شغلها من ثلاثة أشهر إلى أربعة، كل يوم ثمانمائة وخمسين قنطارا من السكر الأبيض الحب، وستمائة قنطار سكر أحمر نمرة 2، ونحو ثمانين قنطارا سبيرتو، ومائة وتسعين قنطار سكر أبيض أقماعا.

ثم إنه قد كان حصل التصميم على عمل فوريقة بمدينة الأشمونين لقصب تفتيش الأشمونين، ويسمى تفتيش بلوط وقدره ثلاثة عشر ألف فدان، ويزرع منه قصبا كل سنة نحو أربعة آلاف فدان، وأحضرت لها الآلات بالفعل، ثم صار العدول عنها وأحيل على فوريقة الروضة؛ وصارا كأنهما تفتيش واحد.

ومن ملحقاتها وابور ماء على النيل فى جنوب نزلة حمزاوى-الواقعة على الشط الغربى للنيل-، وفى قبليه بنحو ألفين وسبعمائة متر وابور آخر، بجوار ضريح عليه قبة لصالح يقال له الشيخ على، بقرب السكة الحديد الموصلة للسكة العمومية، وأمام هذا الوابور جزيرة تنسب إلى قرية الشيخ عبادة التى فى شرق النيل، وفى الجزيرة ثلاث عزب، وفى جنوب هذا الوابور بقدر ألف وستمائة متر وابور آخر غربى النيل أيضا، يقال له وابور قلندول.

وفى الجنوب الغربى لقرية الروضة بنحو ثلاثة آلاف سبعمائة متر وابور البياضية على النيل أيضا، وفى جنوبه الغربى على نحو ألفين وسبعمائة متر وابور آخر أمامه جزيرة البرشة، وهى قرية فى البر الشرقى، فى شمالها الغربى وابور آخر أيضا على البر الشرقى.

ثم فى بحرى قرية المعصرة، التى فى غربى النيل، قبلى ملوى وابور آخر، أمامه جزيرة قريبة من البر الشرقى، فيها قرية الحواطة، وعزبة عبد السميع، وعزبة

ص: 210

أخرى، وهناك فى البر الشرقى قرية، يقال لهادير أبى حنس، عندها سكة حديد توصل من النيل إلى المحجر، الذى يخرج منه الأحجار اللازمة لعمائر الدائرة، طولها ألفان وخمسمائة متر.

(الرياينة)

هذا الاسم علم على عدة قرى، بعضها فى مديرية أسيوط، وبعضها فى مديرية جرجا. وأهلها يدعون أن أصل أبيهم واحد.

منها:

(رياينة أبى أحمد)

من مديرية أسيوط، بقسم الشروق، شرقى البحر الأعظم وقبلى فاو الكبيرة.

ومنها:

(رياينة المعلق)

من قسم طما فى غربى طما على العمود الخارج منها، على أقل من ساعة.

ومنها:

(رياينة الهريدى)

فى سفح الجبل الشرقى، من قسم المراغة، تجاه الصوامعة البحرية قبلى طهطا. والهريدى شيخ ذو ضريح فى مغارة الجبل عليه قبة صغيرة، يزعم الناس أنه من صالحى الجن، تأتى إليه الزوار كل سنة فى كل خميس من شهر أبيب، ويكون عنده زحام كبير وأذكار، ويتسابقون يوم زيارته بالخيل فى سفح الجبل، ويذبحون هناك ذبائح النذور.

ومنها:

(رياينة الكتكاتة)

شرقى البحر تجاه ناحية المراغة.

ومنها:

(رياينة أبى ليلى)

فى طوق الجبل الشرقى أيضا، تجاه الكتكاتة، فيها بيت أولاد أبى ليلى مشهور، ويقال لهم صناجق الشرق. وكان منهم عثمان أبو ليلى، فارس مشهور وكان ممن تعين فى مدة المرحوم عباس باشا فى الركبدارية للمسابقة بمصر وتعليم المماليك الرمامة.

ومنها غير ذلك فى عدة نجوع صغيرة، وجميعها من مديرية جرجا، إلا رياينة أبى أحمد-فمن مديرية أسيوط، وهى من البلاد التى ضربها العساكر أول حكم الخديوى إسماعيل، وقتلوا كثيرا من أهلها، وأتلفوا دورهم وأموالهم، لما غرهم الشيخ أحمد الشقى-وكانوا يلقبونه بالطيب-فحصل منهم ومن أهل فاو والنطرة والشيخ جابر ما حصل، فنزل إليهم إسماعيل باشا أبو جبل، وجاهين باشا بفرقة من العساكر وأتلفوا منهم كثيرا، إلى أن أدركهم العفو من الساحة الخديوية، إلى آخر

ص: 211

ما هو مبسوط عند الكلام على فاو، فانظره.

وجميع هذه القرى ذات مساجد ونخيل وأشجار قليلة، وهى مشهورة بأبراج الحمام-ما عدا رياينة المعلق-، وعليهم كل سنة قدر معين من زبله يوردونه للدائرة السنية، ويسمونه بالرسمال، ويأخذون ثمنه من الدائرة، فيكتسبون من ذلك اكتسابا عظيما، وله ملتزمون منهم. وللزبل إصلاح كثير من أصناف الزرع، مثل:

القصب الحلو، والمقاثئ ونحوها.

(الريرمون)

قرية من مديرية أسيوط، بقسم ملوى فى غربى النيل بقليل، وفى شرقى مدينة ملوى على ثلاثة آلاف متر. وكانت على النيل ثم تحول عنها. وكان تجاهها شرقى النيل مدينة نيكونبوليس، وقد زالت بالكلية بحيث لم يبق منها شئ. وهناك فى الجبل الشرقى مغارات بكثرة، عبارة عن دهاليز، وبعضها طويل إلى عدة فراسخ.

والريمون الأن عامرة، وأكثر سكانها مسلمون. وفيها نخيل وأشجار ومساجد، ويحيط بها مزارع الدائرة السنية، ويزرع هناك قصب السكر، فى الأراضى التى نقيت من الحلفاء وأحييت بعد موتها فى عهد الخديوى إسماعيل.

(ريفه)

قرية من قسم أسيوط من بلاد الزنار، قبلى موشه بنحو نصف ساعة، وبها جوامع عامرة وكنيسة أقباط، ونخيل وحدائق، وتكسب أهلها من الفلاحة، ويزرع فيها:/الكتان بكثرة، وحولها جملة من معاطنه.

وفى خطط المقريزى-عند ذكر أديرة أدرنكه-أن منها: دير منسياك لأهل ريفه هو ودير ساويرس، الذى بحاجر أدرنكه، وكان على اسم السيدة مريم، وكان ساويرس من عظماء الرهبان فعمل بطريكا. ا. هـ

ص: 212

‌حرف الزاى

(الزاره)

قرية من مديرية بنى سويف بقسم ببا الكبرى، على الشاطئ الشرقى لبحر النيل، على بعد مائة وخمسة وعشرين مترا، وفى سفح الجبل الشرقى فى جنوب ناحية غياضة الشرقية بنحو أربعة آلاف وستمائة متر، وفى شمال ناحية الفقيرة بنحو أربعة آلاف وسبعمائة متر.

(الزاوية)

يوجد من هذا الاسم عدة قرى، يتميز بعضها عن بعض بالإضافة إلى اسم آخر.

‌فمنها: (زاوية المصلوب)

فى غربى النيل فى شمال بنى سويف بمسيرة ساعات، وذكر بطليموس واسترابون، أن جزيرة هيركليوبوليس كانت منقفلة من الجهة البحرية بالخليج، الموجود الآن بقرب هذه الزاوية، الخارج من النيل على بعد ثمانية وعشرين ألف متر من مدينة بنى سويف فى جهتها البحرية ويصب فى بحر يوسف.

وقرية الزاوية هى البلدة القديمة المعروفة عند الأقدمين باسم أزيو أو أزوى، وكان بينها وبين مدينة بنى سويف عشرون ميلا رومانيا، ومن مدينة منف إليها أربعون ميلا، ولعله حصل تحريف اسمها فى مدة الإسلام إلى زاوية-وربما كان اسم الزاوية المعدة للصلاة بين المسلمين مأخوذا من ذلك أيضا، لأنه كان يوجد فى بلاد كثيرة محلات باسم أزيو معدة لعبادة أزريس، وأغلبها جعل مساجد للمسلمين بعد دخول العرب أرض مصر، فربما أخذوا اسم الزاوية من أزيو.

وكانت الزاوية تابعة لأعمال مديرية هيراكل، وليست من أعمال مديرية الجيزة، فإن حد مديرية الجيزة من قديم الزمان جسر الرقة. ويوجد بين الزاوية واللاهون، قرية تعرف ببوصير الملق، وكان مكانهما على ما زعم بعضهم مدينة قديمة. وهذا الاسم مشترك بين عدة مدن من وادى النيل، وكانت تسمى به تابوزريس التى بقرب الإسكندرية-ومعنى تابوزريس قبر أزريس. وكان كثير من المدن المشهورة يفتخر بوجود قبره داخل محيطها للتبرك.

ص: 213

والزاوية الآن من مديرية بنى سويف، وهى رأس قسم، ويقال لها زاوية المصلوب، وبينها وبين ناحية المصلوب نحو ثمانين قصبة. والمصلوب هى البلدة الأصلية، وبها تلول قديمة، وسكة الحديد فى غربيها بنحو خمسين قصبة. وناحية الزاوية مرسى للمراكب، وبها محكمة شرعية لكنها غير مأذونة بالحكم فى مهمات القضايا، ومثلها محكمة ببا الكبرى، بخلاف محكمة المديرية فى بنى سويف، فإنها ولاية مأذونة بالحكم فى عموم القضايا، وكذلك محكمة تزمنت الزاوية فإنها مأذونة بالمبايعات والرهونات ونحوها. وبهاشونة كانت تورد فيها الغلال وغيرها من المطلوبات الميرية من بلاد الفيوم وغيرها. ولها سوق جمعى، وبها نخيل. وفى جهتها القبلية ضريح ولىّ عليه قبة، وفى الجهة الشرقية من النيل ناحية الكريمات، وناحية الخرمان وهى فى المنتصف بين الاثنين.

(زاوية رزين)

قرية من مديرية المنوفية بقسم سبك، موضوعة على تل قديم يعرف بكوم دقيانوس. بينها وبين البر الغربى نحو ألف متر، فى مقابلة ناحية الأخماس بمديرية البحيرة. ومساحة ذلك التل تقرب من ثلثمائة فدان وبه قطع أعمدة من الحجر الأملس وبعض آثار قديمة.

وبها ثلاث زوايا للصلاة، وفى بحريها مقام ولىّ يقال له سيدى منصور. وقد انتقلت أهالى هذه الناحية إلى هذا الكوم سنة إحدى وثمانين ومائتين بعد الألف، لتسلط البحر على البلد القديمة، فصارت على الشاطئ الشرقى للبحر الغربى، وفى الجنوب الغربى لناحية بهواش بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى جنوب ناحية جزىّ بنحو خمسة آلاف متر. ورىّ أرضها من النعناعية وغيرها، وأكثر أهلها مسلمون، وتكسبهم من الزرع وغيره.

(زاوية أبى مسلم)

قرية من مديرية الجيزة بقسم أول. وهذه القرية وقرية بنى سويف وشبرامنت متجاورة كالشئ الواحد.

(زاوية أبى مسلم الشرقية)

قرية من مديرية الشرقية بقسم بلبيس، فى جنوب الصوّة بنحو خمسة آلاف ومائتى متر، وفى الجنوب الغربى لسنيكه بنحو أربعة

ص: 214

آلاف وأربعمائة متر. وبوسطها زاوية للصلاة بداخلها ضريح الشيخ أبى مسلم، يعمل له مولد سنوى ويجتمع فيه خلق كثيرون.

(زاوية أم حسين)

قرية من مديرية الجيزة بقسم ثانى، على الشط الغربى لبحر اللبينى، وفى شمال جرزة الهواء بنحو أربعة آلاف متر، وفى غربى البراغتة بنحو ألف متر، وبها زاوية للصلاة ونخيل كثير.

(زاوية الأموات)

قرية من مديرية المنية، فى شرقى النيل وفى جنوب ناحية سوادة بنحو أربعة آلاف متر، وفى شمال ناحية المطاهرة بنحو ستة آلاف متر، وفى الجنوب الشرقى لمنية ابن الخصيب بنحو ثمانية آلاف متر.

ويغلب على الظن أن المدينة التى كانت تعرف قديما بالستر، الواقعة فى الصحراء الفاصلة بين النيل والبحر الأحمر، كانت تجاه هذه القرية. وفى الجبل عند هذه القرية مغارات كثيرة على جدرانها/كتابات ونقوش تتعلق بالفلاحة والملاحة والمواسم الدينية. والسياحون الوافدون على مصر كثيرا ما يتعجبون من حسن نقوشها واتقانها.

(زاوية البحر)

ويقال لها زاوية السعاة، هى قرية صغيرة من مديرية البحيرة بمركز النجيلة، واقعة بين فرع النيل الغربى وترعة الخطاطبة فى الشمال الغربى للنجيلة بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى الجنوب الغربى لناحية واقد بنحو ألف وثمانمائة متر. وبها جامع يعرف بجامع الشيخ مبارك به ضريحه ظاهر يزار. وأهلها مائتان وثلاثون نفسا. وزمامها ألف ومائة وستة وثمانون فدانا.

(زاوية البرقى)

قرية من مديرية المنية، بقسم الفشن فى الجنوب الغربى لناحية البرقى بنحو ألفى متر، وفى شمال سلاقوس بنحو ألف ومائتين وخمسين مترا.

وبها زاوية للصلاة ونخيل كثير.

(زاوية برمشا)

قرية من مديرية المنية بقسم الفشن، على الشاطئ الشرقى

ص: 215

لبحر يوسف بسفح الجبل الغربى، وفى الجنوب الغربى للمسيد بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى شمال برمشا كذلك. وبها زاوية للصلاة، وبدائرها نخيل كثير.

(زاوية بلتان)

قرية صغيرة من مديرية القليوبية بقسم بنها، على الشاطئ الشرقى لترعة الفلفيلة، وفى الجنوب الغربى لناحية مجول بنحو ألف متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية العبادلة بنحو ألفى متر، وبها زاوية للصلاة.

(زاوية البقلى)

قرية من مديرية المنوفية بقسم منوف، واقعة على الشاطئ الشرقى للترعة السرساوية، وفى شمال دنوشر بنحو ألفى متر، وفى جنوب عمروس كذلك. أبنيتها بالآجر واللبن، وأكثر بيوتها على طبقة واحدة، وفيها بيوت مشيدة ذات غرف ومناظر وشبابيك ومضايف.

وبها جامعان عامران، أحدهما ينسب لأبى الربيع السيد سليمان البقلى الشريف الحسينى، صاحب تلك القرية، وهو جامع قديم له منارة، وقد جدد على طرف الديوان سنة ثلاثين ومائة وألف، وجعل له فى الروزنامجة المصرية مرتب سنوى جار عليه إلى الآن، وبجواره من الجهة الشرقية مقام السيد المذكور. وثانيهما جامع الزاوية فى جهتها الشمالية بدرب أولاد عمارة، جدده أولاد عمارة فى سنة ثمان ومائة وألف، وله أيضا مرتب فى الروزنامجة متروك الآن.

وفيها أضرحة جماعة من الصالحين، كضريح سيدى أحمد الجمل، وضريح سيدى عطية القطابى. وفيها كثير من أبراج الحمام وساقيتان ماؤهما عذب. وأهلها مسلمون، وعدتهم ذكورا وإناثا ألف وسبعمائة وبضع وسبعون نفسا، أكثرهم أشراف حسينيون من ذرية سيدى سليمان المذكور-كما أخبر به ثقاتهم-، وأغلب تكسبهم من الزرع خصوصا صنف القطن فإنه يزرع فيها كثيرا. وأطيانها خصبة جيدة المحصول، مأمونة الرى، وهى ألفا فدان ومائة وخمسة وخمسون فدانا وكسر.

وهذه القرية وإن كانت صغيرة، لكنها اختصت دون غيرها بمزية كثرة من ترقى منها فى الوظائف السنية والخدامات الميرية من علماء الشريعة والرياضة والحكمة والطبيعة.

ص: 216

فمن علمائها:

[ترجمة السيد حسن البقلى]

السيد حسن البقلى، أحد أفاضل مدرسى علماء الأزهر. كان فقيها جليلا مالكى المذهب، مشهور بالعلم والعمل والورع والكرامات. وكان مشتغلا بقراءة كتب السنة، كالبخارى ومسلم، فيما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، وقراءة كتب التفسير، فيما بين المغرب والعشاء، وقراءة كتب المعقول المعتادة بالجامع الأزهر.

وأخذ عنه أفاضل العلماء فى وقته، كالشيخ إبراهيم السقاء الشافعى، والشيخ أحمد كبوه المالكى. ثم انقطع فى بيته، وكان يذهب إليه للزيارة أرباب الوجاهة كالشيخ المهدى الكبير وغيره، ويتبركون به ويقبلون يده.

وكان متقللا من الدنيا، زاهدا فيها. وكان نحيف الجسم يتلألأ النور فى وجهه، لم يلبس طول عمره غير الجبة الصوف على بدنه، وإذا مرّ بالطريق من بيته إلى الجامع الأزهر يشخص له الناس قياما من أرباب الدكاكين وخلافها. وتوفى ودفن بقرافة المجاورين.

[ترجمة السيد على محمود البقلى]

ومنهم: السيد على محمود البقلى الحنفى. كان عالما متقنا للفتوى، اشتغل طول عمره بالعلوم، ودرس بالأزهر الكتب الكبيرة، وتولى الفتوى بمجلس الأحكام المصرية مدة، بمرتب أربعة آلاف قرش كل شهر، وكان هو المشار إليه والمعوّل عليه فى الفتوى فى جميع القطر، بل وفى الأقطار الخارجية. واستمر على التدريس والفتوى إلى أن هرم فانقطع عن التدريس فى الأزهر مع الممارسة فى بيته، وبقيت له وظيفة الفتوى إلى أن توفى.

ومع شهرته وكثرة موجوده لم يملك بيتا فى القاهرة وإنما كان يسكن بالأجرة.

ص: 217

[ترجمة الشيخ عبد الرحمن جويلى واخوه السيد محمد]

ومنهم: الشيخ عبد الرحمن جويلى، وأخوه السيد محمد جويلى، من أجداد محمد باشا الحكيم، وكان لهما التزام وشهرة عظيمة. وكذلك السيد محمد الرفاعى البقلى.

[ترجمة الشيخ محمود محمود المالكى]

ومن علمائها أيضا: الشيخ محمود محمود المالكى، أتقن العلوم بالأزهر، وتأهل للتدريس ثم صار ببلده خطيب جامع سيدى سليمان، وله فيه درس.

[ترجمة الشيخ ابراهيم زيان]

ومنهم: الشيخ ابراهيم زيان، عالم أزهرى تولى القضاء ببلده.

[ترجمة الشيخ أحمد جلبى]

وابنه الشيخ محمد

ومنهم: الشيخ أحمد جلبى، كان خوجه بالمدارس من ابتداء انشائها إلى أن توفى. وابنه الشيخ محمد، كان من فقهاء المالكيه المشهورين، تأتى إليه المسائل من بلاد الغرب فيفتى فيها بالصواب/.

وغيرهم من العلماء والمتأهلين وطلبة العلم والمجاورين.

وممن ترقى منها فى المناصب والرتب الديوانية، نحو الستة بيكوات، وإلى رتبة الباشوية العالم النحرير والعلم الشهير، السيد محمد على باشا الحكيم، باش جراح ورئيس المدرسة الطبية والإسبتالية وهو:

ص: 218

[ترجمة السيد محمد على باشا الحكيم البقلى]

السيد محمد ابن السيد على الفقيه البقلى ابن السيد محمد الفقيه البقلى. ولد فى زاوية البقلى فى سنة ألف ومائتين وثلاثين تقريبا. وبعد أن ترعرع أدخله أهله المكتب ببلده، فتعلم الكتابة وشيئا من القرآن الكريم. ولما بلغ سنه تسع سنين أدخله أحمد أفندى البقلى مكتب أبى زعبل-أحد المكاتب الديوانية-فلبث فيه ثلاث سنين، أتم فيها قراءة القرآن. ثم أدخله المدرسة التجهيزية فى أبى زعبل أيضا، فمكث فيها ثلاث سنين. ولذكائه وحسن سيره كان قلفة فرقته. ثم أدخله مدرسة الطب تحت إدارة كلوت بيك، وهناك بذل جهده زيادة مع كهال القريحة، حتى فاق أقرانه. ولما صدر أمر العزيز محمد على بإرسال بعض التلامذة إلى باريس للتبحر فى العلوم الطبية وغيرها، انتخبه كلوت بيك مع أحد عشر من نجباء التلامذة الذين كانوا قد تمموا دراسة الطب-وكان بعضهم قد بلغ رتبة اليوزباشى-وكان مرتب، المترجم، مائة وخمسين قرشا، فترك لوالدته خمسين وأبقى لنفسه المائة. فدخل مدرسة باريس، وبذل غاية جهده فى تحصيل العلوم الطبية والجراحية، وشهد له جميع خوجاتها بالفوقان على من معه-مع كونه أصغرهم-، ولما تمموا جميع امتحاناتهم فى مدرسة الطب ولم يبق عليهم سوى تأليف رسالة طبية، ندبوا إلى مصر غلطا، بدون أمر العزيز، فأمر بعودهم ثانيا إلى باريس ليتحصلوا على الشهادة اللازمة، فكان المترجم ممن رجع، وألف هناك رسالة طبية فى الرمد الصديدى المصرى، وتحصل على الشهادة وعاد إلى مصر فى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة وألف مسيحية. فألحق باسبتالية قصر العينى بوظيفة باش جراح وخوجه فى العمليات الجراحية كبرى وصغرى والتشريح الجراحى، برتبة صاغقول أغاسى. ثم بعد قليل أعطى رتبة البيكباشى. ثم صدر أمر المرحوم عباس باشا برفعه من قصر العينى، وجعله فى أحد أثمان المحروسة، لمنافسة حصلت بينه وبين بعض حكماء الاسبتالية الأوروباويين، فتعين فى ثمن قوصون، فصار أكثر الأهالى يأتون إليه، وقل الوارد على الاستبالية، واشتهر أمره جدا، فمكث كذلك نحو خمس سنين. ثم أنعم عليه برتبة قائم مقام، وجعل باش حكيم الآلايات السعيدية. فلم يلبث إلا قليلا ولزم بيته نحو سنة. ثم تعين فى الاسبتالية بوظيفة باش جراح وخوجة الجراحة بالقصر العينى، ووكيل رياسة

ص: 219

الاسبتالية والمدرسة الطبية، ثم أنعم عليه برتبة اميرالاى. ثم جعله المرحوم سعيد باشا حكيمه الخاص وأخذه فى معيته مع إبقاء وظائفه، وأحسن إليه برتبة المتمايز، وسافر معه إلى بلاد أوربا. وبعد وفاة المرحوم سعيد باشا، جعل رئيس الاسبتالية ومدرسة القصر العينى.

وفى سنة تسعين ومائتين وألف هجرية، تشرف بالرتبة الأولى من الصنف الثانى.

ثم فى شهر ذى القعدة سنة اثنتين وتسعين لزم بيته من غير أن يعلم السبب، فطلب التوجه إلى بلاد الحبشة مع دولتو حسن باشا نجل الخديوى إسماعيل باشا، فاستشهد هناك إلى رحمة الله تعالى. وكان متشرفا بالنيشان المجيدى من الرتبة الثالثة مكافأة لما حصل منه مدة هيضة الكوليرا فى سنة خمس وستين وثمانمائة وألف مسيحية.

وله من المؤلفات: كتاب فى العمليات الجراحية الكبرى، وضعه باللغة العربية فى مجلدين، وسماه غاية الفلاح فى أعمال الجراح. وكتاب فى الجراحة الصغرى. وكتاب فى الجراحة أيضا، ثلاثة أجزاء طبع منها جزءان والثالث تحت الطبع. وله قانون فى الطب، وقانون فى الألفاظ الشرعية والاصطلاحات السياسية كلاهما لم يكمل.

وقد أعقب أولادا نجباء:

منهم: نجله حامد بيك، أحد رجال الحقانية ووكيل النائب العمومى بمحكمة الاسماعيلية، تربى فى بلاد فرانسا فى ظل الساحة الخديوية، فتعلم بها الفنون، وبرع فى القوانين الإفرنجية.

ومنهم: نجله أحمد حمدى أفندى، حكيم وخوجة بالمدرسة الطبية بقصر العينى برتبة بيكباشى. سافر إلى بلاد فرانسا، وتعلم بها سنة ست وثمانين، ثم توظف بالوظائف. إلى غير ذلك فإن ذريته وأقاربه الموظفين بالوظائف الميرية يزيدون على العشرين، وسننبه على كثير منهم.

[ترجمة مصطفى بيك البقلى]

فمنهم: مصطفى بيك، حكيم باشا بالآستانة العلية، تربى بمدرسة الطب فى

ص: 220

أبى زعبل، وسافر مع العساكر فى حرب الشام، وبعد انتهاء الحرب بقى بالآستانة وترقى إلى رتبة أميرالاى، وجعل ناظر مدرسة الطب هناك مدة. ثم التحق بالخدامة العسكرية.

[ترجمة محمد بيك إبراهيم البقلى]

ومنهم: محمد بيك إبراهيم البقلى، مهندس مأمور تقسيم مياه الابراهيمية، تربى فى مدرسة المهندسخانة المصرية، مدة نظر لانبير بيك، وبلغ رتبة الاميرالاى زمن الخديوى إسماعيل. وتوفى سنة تسعين ومائتين وألف.

[ترجمة محمد بيك بليغ البقلى]

ومنهم: محمد بيك بليغ بن إبراهيم منصور. تربى فى ظل العائلة المحمدية أيضا، وأقام بمدرسة المهندسخانة ببولاق تحت نظارتنا أربع سنين/، فتعلم فنونها وكان من نجباء تلامذتها، ثم تنقل فى الوظائف، وهو الآن من رجال أركان حرب بالجهادية، وله إلمام باللغة الفرنساوية، وقد سألته عن ترجمته فأملى ما نصه:

«إنى من عائلة من أهل زاوية البقلى، دخلت أول أمرى مدرسة المبتديان بالمحروسة سنة 1260، فتعلمت بها القراءة والكتابة، ولما تولى الحكم المرحوم عباس باشا، نقلت المدارس إلى أبى زعبل فأقمت بها هناك زمنا. ثم صار فرزى إلى مدرسة المهندسخانة ببولاق، من ضمن من أختير لها من مدرستنا، وكانت إذ ذاك بسراى محمد على، وبعد قليل نقلت إلى محل هيئ لها بورشة الجوقى بجوار المطبعة الكبرى ببولاق أيضا، فأقمت بها أربع سنين، وفيها تحصلت على الفنون الرياضية وفن الرسم واللغة الفرنساوية. ثم فى سنة 1270 تعينت فى الاستحكامات التى أنشئت بالقناطر الخيرية، وذلك هو أول الشروع فى إنشائها، وفيها ترقيت إلى غاية رتبة اليوزباشى. ثم نقلت إلى وظيفة أركان حرب تحت رياسة مير شير بيك، وفيها ترقيت إلى وظيفة الصاغقول أغاسى، بمرتب ألف وخمسمائة قرش. ثم جعلت مهندس السكة الحديد، فمددت منها من دمنهور إلى الرحمانية. ثم نقلت إلى سكة حديد الوجه القبلى

ص: 221

فمددت منها من إنبابة إلى محطة الواسطة وذلك نحو ستين ميلا إنكليزيا، ومن فرع الفيوم إلى محطة أبى كساء، وهى نحو عشرين ميلا، مع ما فى تلك الأشغال من القناطر والبرابخ، وبلغ مرتبى وقتئذ ألفى قرش، وكان ذلك تحت رياسة فايد بيك.

ثم عدت ثانيا إلى أركان حرب. ثم تعينت فى جملة أشغال، منها: بناء سراى الجيزة الخديوية، أقمت بها نحو سنتين، وأحسن إلى فيها برتبة القائم مقام. ثم فى بناء قناطر السكة الحديد من إنبابة إلى ناحية إيتاى البارود، وطول هذا الخط نحو خمسة وثمانين ميلا إنكليزيا، وبعد تمام ذلك عدت إلى أركان حرب. وفى آخر شهر ذى القعدة من سنة 1293، سافرت إلى بلاد الحبشة فى التجريدة التى وجهها الخديوى إسماعيل باشا إلى تلك الجهة، فمكثت فى تلك السفرة نحو أربعة عشر شهرا، فسافرنا من المحروسة إلى السويس فى السكة الحديد، ومنها إلى مصوع فى بوابير البحر البخارية، فوصلنا إلى مصوع فى مسافة ستة أيام وأقمنا فيها مدة.

[وصف مدينة مصوع]

ومصوع واقعة فى جزيرة، يتوصل إليها بواسطة جسر، أنشئ فى زمن الخديوى إسماعيل باشا، عرضه نحو عشرة أمتار. وهى مدينة عامرة، بها جملة دكاكين وخمارات وسوق دائم، ويقيم بها تجار من الهند وجدة، ويباع فيها الثياب وقليل من السجادات وأنواع الحبوب، وأعظم تجارتها صنف الجلد والسمن والعسل والشحم ونحو ذلك. وقد كانت صغيرة فاتسعت وازدادت سكانها حتى صاروا نحو ثلاثة آلاف نفس، كلهم سود الألوان كالحبشان، ويتكلمون بلسان الحبشة وألسنة العرب المجاورين لهم. وبها جامعان بمنارتين، أحدهما يسمى بالجامع الشافعى، والآخر يسمى بالمالكى وبها أربع أفران افرنجى أنشئت قريبا. وبها صهاريج قديمة قليلة، تملأ من ماء المطر. وفيها طابية قديمة البناء، وقد جدد بها الآن صهاريح، وطابيتان عملتا من التراب، وجبخانات. ولما كان مسنجر باشا محافظا هناك، أنشأ ساقية بطلنبة يد، بناحية أم كلو-التى هى على مسافة ثمانية آلاف متر من تلك المدينة- وبنى حوضا مستديرا بجزيرة تولود، وركب بينهما ماسورة من فخار لا يصال الماء منها إليه، وصارت المياه تؤخذ منه بطريق الشراء، ورتب عوائد فوق جسر مصوع تؤخذ من المارين به.

ص: 222

وفى زمن الصيف يكون هناك حر شديد، يحمل الطارئين عليها على الاقتصار على لبس ثياب رقيقة بيض، وذلك لبس أهل تلك الجهة دائما، ويتلفعون بفوط خفيفة صيفا وشتاء، ولأكثرهم منازل بناحية حطملو خارج المدينة بنحو ستة آلاف متر، بجوار أم كلو، يبيتون بها أيام شدة الحر.

وتولون جزيرة يوصل إليها الجسر المذكور، فيها القصر الذى أنشئ وقت أن كان أراكيل بيك محافظا بمصوع، وفيها منازل بعضها من الطوب وبعضها من حطب الجبال، وبعضها مسقف بالحصر-المسماة بالخسف-وبعضها بحزم الحشيش المربوطة بحبال منها، وتسمى تلك الحشائش بالمونة. ويتوصل إلى تلك الجزيرة بجسر آخر طوله نحو ألف ومائتى متر.

وتجاه مصوع من جهة الشمال جزيرتان. تسمى إحداهما، بعبد القادر، باسم صاحب ضريح هناك يعتقدونه، وعنده مقابر الأمراء الذين يتوفون بمصوع، وهناك دفن جمالى باشا سوارى، وأبو محمد على الحربى. والأخرى، تسمى بالجرار، وفيها كانت توضع ذخائر الجردة، وفيها إحدى الطابيتين المذكورتين، وعمل فيها صهريج كبير يسع نحو عشرة آلاف قربة ماء، ومخزن للفحم كانت توضع فيه الذخائر فى مدة الحصار.

وفى الجهة القبلية جزيرة أخرى تسمى جزيرة الشيخ سعيد، باسم صاحب ضريح بها، وفيها مدافن أهل البلد الآن، وفى الجهة الشرقية للبلد مدافنهم القديمة عند الطابية العتيقة. وهناك كنيسة كتلوكية بها نحو ثمانية رهبان، وترد عليها الرهبان الآتون من بلاد الحبشة/أو الذاهبون إليها.

وفى جنوب مصوع على مسافة ساعتين بلدة تسمى حرقيفو، وبجوار الجبل المشهور بجبل جدة.

[الطريق من مصوع إلى الحبشة]

قال: «وقد مكثت بهذه المدينة نحو شهر مع رفقتى، وعملنا الخريطة اللازمة لتلك الجهة بسواحلها ومينها منفصلة. ثم من هناك توجهنا فى رسم طريق مسار الجيش إلى الحبشة.

ص: 223

فأول محطة قابلتنا محل، يقال له يانقوس، على مسافة نحو خمس ساعات بالسير المتوسط فى طريق تمرّ على أم كلو، وفى زمن الصيف لا يوجد بتلك الطريق ماء، وإنما يوجد قليلا فى يانقوس فقط. وهذا الاسم يطلق على هذا المحل، وعلى الجبال المجاورة له، وعلى النهر المار هناك الناشئ من السيل، وعلى الوادى الذى هو به.

وبهذه المحطة توجد سباع ضارية على المياه التى بها، ويوجد هناك حيوانات أصغر من الذباب تطير فى الهواء، لها ضياء ساطع جدا فى الليالى المظلمة بحيث يقرأ الخط على نورها. وطريق تلك المحطة يأخذ دائما فى الارتفاع، حتى أن المحطة مرتفعة عن مصوع نحو مائتى متر، والجبال هناك شاهقة يبلغ ارتفاعها من مائة متر الى مائة وخمسين مترا.

ثم سرنا إلى محطة بعرزة على نحو ست ساعات بالمشى السريع، وارتفاعها عن مصوع نحو ستمائة متر. وهى محل ردئ الهواء تكثر فيه الأمراض، وتكتنفه جبال شاهقة يبلغ بعضها ثلثمائة متر، ويمر هناك نهر، يسمى نهر بعرزة، وقد أنشئت هناك طابية عظيمة جسيمة على رأس الجبل. وقبل الوصول إليها بنحو ساعة واد متسع، يقال له إنباتو، كان يزرع به قليل من الذرة، ويأتى الماء إلى تلك المحطة من واد، يقال له سكيت، مرتفع عن مصوع بنحو أربعمائة وخمسين مترا، وفيه توجد الحلاليف والغزلان وبقر الوحش والطيور كثيرا-كما يوجد فى الوديان غالبا-، وبهذه المحطة أنشئ ثلاث طواب فوق الجبال، وقد وصل تركيب الخط التلغرافى الحربى إلى هذه المحطة.

ثم سرنا إلى محطة عدرسة، وهى على نحو سبع ساعات بالسير المتوسط، وجميع طريقها ممر للسيول، وتحيط بها جبال شاهقة جدا، فيها مغارات طبيعية، وبعض شلالات طبيعية أيضا عجيبة المنظر وحجرها أزرق. وفيها عقبة يقال لها عقبة منبه، أسفلها أعلى من مصوع بنحو ألف متر، وارتفاعها نفسها نحو ثلثمائة متر، مع استقامة جبلها، فلذا كان صعودها والهبوط منها فى غاية من الصعوبة-حتى أن مواشى الحملة التى كانت مع الجردة مات أغلبها بها-، وارتفاع المحطة نفسها عن مصوع نحو ألف وثلثمائة وخمسين مترا، وتحيط بها الجبال من كل جهة، ومع ذلك فيها ماء عذب، وقد أنشئ فيها طابية، وهناك جبال القرود، فيها هذا الحيوان بكثرة. قال: وقد نظرت فيه فوجدت دفعة واحدة نحو ثلاثة آلاف قرد.

ص: 224

ثم سرنا إلى محطة، تسمى قياخور، على نحو سبع ساعات أيضا بالسير السريع، وطريقها صعبة المسلك لكثرة العقبات بها، بلا ماء وإنما هو بالمحطة، وبعد سير أربع ساعات من عدرسة، قابلنا واد متسع، يقال له وادى عالا به كثير من الأشجار. ومحطة قياخور، فوق جبل قياخور، وارتفاعها نحو ثلاثة آلاف متر، وارتفاع أسفلها عن مصوع نحو ألفى متر، فلذا كانت صعبة المرتقى، سيما للمواشى. وبلدة قياخور يسكنها نحو ثلثمائة نفس من الحبشة، ويزرعون بها صنف الذرة بقدر كفايتهم. وقد عمل بتلك المحطة طابية وأقامت بها أربع أرط من العسكر، وما يلزم لهم من الطوبجية نحو ستة أشهر، وكان تحصيل الماء لمن بالطابية صعبا جدا، لكون الماء فى أسفل العقبة. ويلحق الصاعد إليها والهابط منها مشقة زائدة.

ثم سافرنا إلى محطة قرع، وهى نحو ساعتين بالمشى المعتاد، وقبل وصولها واد متسع، يقال له وادى قرع، مشحون بالأشجار والخيرات، وفيه البلدة المسماة قرع، يسكنها نحو أربعمائة نفس، وبها كنيسة كتلوكية فيها نحو خمسة رهبان.

وعند هذه المحطة التقى الجمعان المصرى والحبشى، وحصلت بينهما الواقعة المعروفة فى 7 مارس سنة 1876 ميلادية، موافقة لسنة ألف ومائتين وثلاث وتسعين هجرية، واستمر الالتحام ثلاثة أيام. وقد عملت بها طابية من التراب، وعندها ماء عذب يؤخذ إلى الطابية بسهولة، وهى آخر مسير الجيش المصرى.

[الطريق من مصوع إلى أسمرة]

ثم عدنا إلى مصوع، وأقمت بها أشهرا، وتعينت لاستكشاف الطريق من مصوع إلى جهة أسمرة بمديرية الحماسين، وعين معى جماعة من الضابطان.

فأول محطة وصلت إليها، تسمى سحاتى، على أربع ساعات من مصوع، وفيها مياه مستملحة.

ومنها إلى بلدة، تسمى عيات، على أربع ساعات أيضا، وبطريقها عقبة صعبة المسلك، تسمى عقبة مراسيل، بجوار عيات يستغرق الصعود والهبوط فيها نحو ساعتين ونصف.

ص: 225

وعيلت بلدة عامرة، يسكنها نحو خمسمائة نفس، وهى فى واد متسع مشحون بالأشجار. وعلى مسافة ساعة من البلد توجد عين ماء، يقال لها المياه الحارة، يتداوى بها من العلل، وعندها محل إقامة حكيم تابع لرهبان الحبشة.

ومن عيلت إلى سبرجمة، وهى محطة فى الحدّ بيننا وبين الحبشة من جهة الحماسين على مسافة نصف ساعة من عيلت، فى طريق سهلة المرور جدا، وكان بهذه/المحطة وأبو لنشر الأخشاب، التى يمكن تحصيلها من هناك، جدّده مسنجر باشا زمن حكمداريته على شرق السودان.

ومن هذه المحطة يصعد إلى العقبة، المسماة عقبة جندع، وهى صعبة المرتقى، يبلغ ارتفاعها نحو خمسمائة متر، ويستغرق رقيها نحو ثلاث ساعات وارتفاعها عن أرض مصوع نحو ألف متر. ومن عقبة جندع إلى بلدة جندع نحو نصف ساعة. ومنها إلى أسمرة نحو ثلاث ساعات فى طريق سهلة، لكن لا يجد المسافر بها الماء إلا عند أسمرة. وأسمرة عقبة صعبة الصعود أيضا، يسار فيها نحو ساعتين ونصف.

وبعد انتهاء الاستكشاف، وعمل الرسومات والميزانيات عدت بمن معى إلى مصوع. وفى أوائل شهر فبراير سنة 1877 افرنجية، وذلك يوافق شهر صفر الخير سنة 1294 هجرية، عدنا إلى مصر المحروسة. وكان نزولى بالوابور المسمى سمنود مع طائفة من التجريدة، وكان سير ذلك الوابور لا يزيد عن ستة أميال فى الساعة الواحدة، فوصلنا إلى فرضة السويس فى ثمانية أيام، ومن السويس إلى القاهرة فى وابور البر، فى قطر عين لحضور العساكر الآتية من هناك. ا. هـ.

[ترجمة محمد بيك بدر]

وممن نشأ من أهل زاوية البقلى أيضا، حضرة محمد بيك بدر، حكيم دائرة نجل الخديوى السابق حسن باشا، وخوجة بقصر العينى، أخبر عن نفسه:

أنه من عائلة القفيعية، وكان أهله فقراء، وأنه دخل أولا مكتب بلده، ولما بلغ سبع سنين أدخله أخوه مدرسة قصر العينى، ففرح بذلك لأنه كان يرغب التعلم من

ص: 226

صغره. ثم انتقل إلى مدرسة الخانقاه، ثم انتقل إلى مدرسة المبتديان بالنصرية، وقرأ العلوم الابتدائية-كالأجرومية والسنوسية-على الشيخ أحمد جلبى، وشيئا من الحساب والثلث والتركى. ثم دخل مدرسة التجهيزية والألسن، فزاد عليه علم الهندسة. ثم انتخب إلى مدرسة الطب، وكان يرغب فى علومها-كما أخبر عن نفسه-، فتعلم بها علم الكيمياء والطبيعة والنبات والتشريح العام والخاص، والجراحة الصغرى والكبرى والرمد، وعلم الأمراض الباطنة، وأخذ عن المرحوم محمد على باشا الحكيم البقلى، وغيره.

وكان أول أقرانه هو وسالم باشا سالم، فاختارهما أحد مشاهير علماء فرانسا الجراحين لأخذهما معه إلى مونبير لنجابتهما، ثم تركهما لصغر سنهما. ثم ألغيت مدرسة الطب وأخذت تلامذتها إلى مدرسة المفروزة، ثم رجع إليها نحو العشرين من نجباء التلامذة، فكان أولهم. ثم تعين حكيما للمرحومة حرم المرحوم عباس باشا ماهتاب قادن، فى مدة جريسنجر وراير، وكان يومئذ برتبة ملازم ثانى. ثم سافر مع أربعة من التلامذة إلى بلاد الإنكليز لإتقان العلوم.

قال: «وهناك أتقنت العلوم، ونلت نيشان شرف أول درجة، وثلاثة نجوم شرف وضعت لى فى الجرنال. وأراد حكيم المملكة أن يتخذنى مساعدا له وأمكث فى بلاد الانكليز، ورتب لى ماهية مائة وخمسين جنيها، غير أكلى ونومى بمنزله، فأبيت ذلك وآثرت خدمة وطنى، وكان هذا الحكيم الماهر يلقبنى بنجمة المشرق.

ولما عدت إلى مصر أمر المرحوم سعيد باشا بامتحانى، فامتحنت ثم جعلنى حكيم أورط المعية السوارى، وأعطانى رتبة الملازم الأول، وبعد ثلاثة أشهر أحسن إلى برتبة اليوزباشى، وبعد لغو السوارى، جعلت حكيم باشى مديرية الشرقية والقليوبية، ثم جعلت معلما ثانيا فى علم الرمد مع حضرة حسين بيك عوف بالقصر العينى. ثم نقلت إلى معلم ثانى فى الأمراض الباطنة. ثم إلى معلم أول فى الطب الشرعى وقانون الصحة. ثم إلى معلم أول فى علم الأمراض الباطنة العام. ثم جعلت معلم علم المادة الطبية وفن العلاج وحكيم أمراض الجلد بالاسبتالية».

قال: «وقد سافر سفرا كثيرا، وتوظفت بوظائف عديدة، فكنت حكيم الانجرارية ببولاق، وسافرت مع السياحين إلى الصعيد الأعلى خمس مرات-ومعى من كل

ص: 227

سياح شهادة بحسن أخلاقى وأداء واجباتى بالدقة-، وسافرت مع أحد جنرالات إيطاليا بوابور مخصوص مرة أخرى، وسافرت إلى أوربا مدة الاكسيوسيون سنة سبع وستين بوظيفة حكيم الإرسالية المصرية، ثم عدت وسافرت إلى اليمن، حكيما للمعدنجى المشهور، للبحث عن الفحم الحجرى.

وعند افتتاح قنال السويس، كنت متعينا به، فلقيت حكيما للبرنس هزى- شقيق ملك الفلمنك-، ومن حسن قيامى بخدمته أهدى إلىّ هدية جليلة، ولما توجه إلى بلده ذكرنى عند الملك، فأنعم على بنيشان شرف مكافأة لخدمتى.

ثم سافرت إلى بلاد الانكليز وسحت فى بلاد أوربا جميعها، أو أكثرها. ثم سافرت فى حرب الحبشة مع البرنس حسن باشا، نجل الخديوى إسماعيل باشا، وعدت وعاد سالما غانما، فأحسن إلى صاحب المراحم الخديوية برتبة الأميرالاى

وها أنا الآن متشرف بخدمتى بمدرسة الطب، معلما وحكيما بأحد العيادات، وحكيما بالسكة الحديد، وحكيما لدولتلو حسن باشا، نجل الخديوى، ودائرته،

ومن حبى فى الوطن أنشأت ببلدى بيتا عظيما، وملكت أطيانا، وحفرت ساقية، وأنشأت بستانا عظيما. وكل هذا انفع أهلى، حيث منّ الله علىّ بهذه النعم،

والمتشرفون بخدمة الميرى من أهلى، نحو ثلاثة عشر رجلا. ولى/ابن بمدرسة الطب فى بلاد أوربا أرسله أفدينا حسن باشا، على طرفه، وابن آخر بمدرسة أفدينا الأعظم توفيق باشا، نضر الله أيامهم ورفع أعلامهم». ا. هـ (وهو يتكلم بالفرنساوى والانكليزى)

ومنها فى برتبة القائم مقام نحو الأربعة:

‌[ترجمة حسنين أفندى أخى محمد على باشا الحكيم

منهم، حسنين أفندى أخو محمد على باشا الحكيم، تربى بمدرسة قصر العينى. ثم سافر إلى بلاد أوربا، وحصر منها فتوظف جشنجيا، بدار الضرب بالقلعة، ومعلم الكيمياء والطبيعة بقصر العينى. ثم توفى، إلى رحمة الله تعالى، فى سنة سبعين ومائتين وألف. وكان من أحسن خلقا وخلقا، وله وقوف تام على صنعته.

ص: 228

[ترجمة عفيفى أفندى، عم محمد على باشا الحكيم]

ومنهم، عفيفى أفندى، ابن السيد محمد، ابن السيد عبد الرحمن، ابن السيد سليمان، وهو عم محمد على باشا الحكيم. ولد بالزاوية فى سنة عشرين ومائتين وألف، وجاور بالجامع الأزهر، تحت نظر السيد حسن البقلى، وتفقه على مذهب الإمام مالك، رضي الله عنه. ثم انتخب فيمن انتخب من الأزهر للحوق بالمدارس الديوانية، فأقام مدة فى تعلم علم الرياضة، وأتقن الهندسة، وخرج بالوظائف، فجعل مهندس قسم، ثم باش مهندس فى المديريات، ثم فى الديوان. وأنعم عليه برتبة القائم مقام، إلى أن توفى فى سنة إحدى وتسعين، من هذا القرن.

وأجرى من مدة خدامته عمليات مهمة نافعة، مثل: ترعة البوهية والمنصورية وأم سلمة بمديرية الدقهلية، وترعة مويس وفروعها بمديرية الشرقية، وترعة الخطاطبة وفروعها بمديرية البحيرة.

وبنى وعمر عدة مساجد بمنية غمر، مثل:

مسجد العارف بالله أبى العباس الغمرى، ومسجد الشيخ قاسم، ومسجد الأستاذ الزنفلى، ومسجد الشيخ يونس، ومسجد الجوهرى، ومسجد أبى سيل، وجدد لها أوقافا يصرف إيرادها فى إقامة شعائرها تحت نظارة عموم الأوقاف.

وأنشأ بها وابورا لحلج القطن، وخمس وابورات للماء فى جهات أطيانه، وهى تزيد على ألف وخمسمائة فدان، أكثرها خراجى جيد المحصول، يقرب محصول القطن كل سنة نحو ألفى قنطار، ومحصول القمح نحو ألف أردب، غير الفول والشعير ونحوهما.

وكان له إحسانات إلى المترددين عليه من النقود وخلافها. وجعل على نفسه ما ينوف على أربعين أردب قمح كل سنة تصرف لجماعة من علماء الأزهر وغيرهم. وعليه كل سنة ليلة فى مولد سيدى أحمد البدوى، يصرف فيها أكثر من خمسة آلاف قرش.

وله منزل فى باب الشعرية بالمحروسة، يقيم به هو وبعض عائلته، وأكثر إقامته كانت فى منية غمر. وله فى مصر أملاك كثيرة، من العقارات.

ص: 229

وقد أعقب من الأولاد الذكور ستة:

عبد الرحمن أفندى وأحمد أفندى توفيا ولم يعقبا. ومحمد أفندى، توفى فى حياة والده، وأعقب ولدين. وحسين أفندى، وسليمان أفندى وعلى أفندى.

وبيته إلى الآن عامر، وخيره متزايد، وأحوال ذريته مستقيمه.

ومن مزاياه التى لو لم يكن له غيرها لكفاه: أنه كان سببا لأهل هذه القرية فى الالتفات إلى اكتساب المعارف، واجتناء ثمرات اللطائف، ودخولهم فى الوظائف الميرية، وترقيتهم فى المناصب والرتب السنية، فإنه أولهم فى ذلك، وأسبقهم إلى الالتفات لما هنالك. بل هو أول فرقة تربت فى المدرسة، وتوظفت فى الهندسة، فأحب أن يلحق هذه المزايا الشريفة بأقاربه وحاشيته. فأدخل منهم فى المدارس جماعة، فلما ذاقوا ثمراتها، علموا أنها نعمت البضاعة، فرغب كل منهم فى إدخال ذويه وحاشيته ومن يليه، وسرت الغيرة فى جميع أهل القرية، فألحقوا أولادهم بالمدارس، وصار من كل بيت عدة رجال فى الخدم الديوانية.

فمن عائلة محمد على أكثر من عشرين. ومن عائلة بدر بيك خمسة. ومن عائلة مصطفى بيك أربعة. ومن عائلة عبد البارى أفندى ثمانية، إلى غير ذلك. حتى زاد المستخدمون منها فى المصالح الديوانية من المهندسين والحكماء والبحارة والعساكر، ونحو ذلك على مائتين، غير من تربى منها فى الأزهر، وهم نحو مائة نفس، ما بين عالم مدرس وطالب متأهل، وحفظة للقرآن نحو الخمسين رجلا، وغير من بالمكاتب التى بها فى بحر التعليم وهم نحو ثمانين طفلا وغير التجار وأرباب الحرف فى القاهرة وطندتا- وخلافها، وغير من هو بالمدينة المنورة فى خدمة الحجرة الشريفة، ومن هو بباريس لإتقان الرياضة وعلوم الطبيعة، فلو نسب جميع ذلك إلى عدة الذكور من سكانها لوجدوا أكثر من النصف، وهى مزية انفردت بها هذه القرية.

رحم الله من كان سببها رحمة واسعة.

ص: 230

[ترجمة أحمد أفندى سلام]

ومنهم: أحمد أفندى سلام، مهندس تنظيمات إسكندرية برتبة قائم مقام، وهو من المهندسين الأول.

[ترجمة إبراهيم أفندى عبد الرحيم]

ومنهم: إبراهيم أفندى عبد الرحيم، حكيم فى العساكر الجهادية بالآستانة العلية برتبة قائم مقام، تربى أولا بمدارس مصر، ثم أخذه عمه مصطفى بيك إلى الآستانة.

ومنها فى رتبة البيكباشى نحو الستة:

[ترجمة أحمد أفندى حمدى]

ومنهم: أحمد أفندى حمدى-وقد تقدم-وأحمد أفندى، عم محمد على باشا الحكيم، كان مجاورا بالأزهر، ثم دخل المدارس الميرية، فأتقن علم الطب، وخرج من الوظائف. وهو الآن حكيمباش فى الألايات برتبة بيكباشى.

[ترجمة سليمان أفندى عم محمد على باشا الحكيم]

وسليمان أفندى، عم محمد على أيضا، تربى فى المدارس ثم توظف بوظيفة أجزاجى، ثم أنعم عليه/برتبة بيكباشى.

[ترجمة عبد البارى أفندى]

وعبد البارى أفندى، جاور أولا بالأزهر، ثم دخل مدرسة قصر العينى، فتربى بها وأتقن فن الطب، وخدم حكيما فى الألايات العسكرية، وسافر معها فى مدة حروب

ص: 231

سر عسكر إبراهيم باشا، وسافر إلى سواصطوبول سنة سبعين ومائتين وألف، وقد أنعم عليه برتبة البيكياشى، وهو الآن معافى ببيته، وله معاش جارى عليه.

[ترجمة إبراهيم أفندى صبرى]

وابراهيم أفندى صبرى، ابن عم بدر بيك. دخل المدارس بمصر، ثم سافر فى مدة المرحوم سعيد باشا إلى بلاد أوربا، فتعلم بها وأتقن فن الطب، ثم عاد فى سنة ست وثمانين. وهو الآن فى وظيفة حكيمباش فى الألايات برتبة بيكباشى.

[ترجمة أحمد أفندى جلبى]

وأحمد أفندى جلبى، ابن الشيخ أحمد جلبى، تربى فى المدارس، وسافر إلى السودان، وتوظف هناك بوظيفة وكيل مديرية فاشودة برتبة بيكباشى، ثم توفى سنة ألف ومائتين واثنتين وثمانين.

ومنهم فى رتبة الصاغقول أغاسى، نحو الثمانية:

[ترجمة محمود أفندى رشدى]

محمود أفندى رشدى، تربى بالمدارس، ثم سافر إلى بلاد أوربا فتعلم بها، ثم عاد فى سنة ست وثمانين. وهو الآن فى وظيفة حكيمباش بمديرية المنوفية، برتبة الصاغ.

[ترجمة على أفندى ابن محمد على باشا]

وعلى أفندى ابن محمد على باشا، فى وظيفة أجزاجى وششنجى ومعلم التحليلات الكيماوية، برتبة الصاغ.

ص: 232

[ترجمة على أفندى يوسف]

وعلى أفندى يوسف، رياضى كان مستخدما فى الألايات. ثم فى أثمان مصر المحروسة برتبة الصاغ، ثم لزم بيته.

[ترجمة السيد أفندى موسى]

والسيد أفندى موسى، كان حكيمباش حكمدارية السودان، ثم توفى.

[ترجمة سليمان أفندى محمود]

وسليمان أفندى محمود، تعلم بالمدارس، ثم جعل معلم الطب فى مدرسة أبى زعبل، ثم أعطى رتبة الصاغ، وجعل حكيما بالألايات البحرية.

[ترجمة حافظ أفندى حسنين]

وحافظ أفندى حسنين، نجل قائم مقام حسنين أفندى، تعلم بالمدارس، ثم جعل معلم التاريخ الطبيعى بمدرسة الطب، وأعطى رتبة الصاغ

[ترجمة محمد أفندى فضة]

ومحمد أفندى فضة، حكيم بالتاكة برتبة الصاغ

[ترجمة عبد الرحيم أفندى]

وعبد الرحيم أفندى، معلم رياضة فى المدارس الحربية برتبة الصاغ.

ومنهم فى رتبة اليوزباشى نحو العشرة، منهم:

ص: 233

[ترجمة أحمد أفندى سليمان]

أحمد أفندى سليمان، تعلم بمدارس مصر. ثم جعل معلم علم التشريح بمدرسة الطب فى أبى زعبل، وأخذ رتبة يوزباشى. ثم توفى سنة ألف ومائتين وسبع وأربعين.

[ترجمة عبد الرحمن أفندى، أخى محمد على باشا]

وعبد الرحمن أفندى، أخو محمد على باشا، حكيم بالسودان برتبة يوزباشى.

[ترجمة سليمان أفندى، ابن عم محمد على باشا]

وسليمان أفندى، ابن عم محمد على باشا، أجزاجى بمدرسة بنها، برتبة يوزباشى.

[ترجمة عبد الرحيم أفندى، أخى مصطفى بيك]

وعبد الرحيم أفندى، أخو مصطفى بيك، حكيم فى الألايات، برتبة يوزباشى.

[ترجمة حسنين أفندى سليمان]

وحسنين أفندى سليمان، سافر حكيما فى الألايات إلى حرب الشام، برتبة يوزباشى، ثم توفى.

إلى غير ذلك من اليوزباشية، والملازمين الأول والثوانى، ونحو ذلك، مع التشعب فى المصالح والوظائف والبلاد والأقطار، ممن يزيدون على المائتين أكثرهم حكماء.

ومنهم رياضيون عدة. ومنهم قباطين فى البحر نحو الأربعة. ومنهم واحد فلكى فى الرصد خانة بالعباسية. ومنهم من النقاشين اثنان، غير الطباخين العشية، وهم

ص: 234

أربعة. وغير التجار فى البلاد، وهم نحو الستة عشر. وغير من تقدم ذكرهم من العلماء وخلافهم.

(زاوية بمم)

بموحدة وميمين. قرية من مديرية المنوفية، بقسم شبين الكوم فى غربى ترعة النعناعية، على بعد خمسمائة متر، وفى شمال تلا بنحو ألفين وثمانمائة متر، وفى الجهة الغربية لصناديد بنحو خمسة آلاف متر. وبها جامع ومعمل دجاج.

وتكسب أهلها من الزراعة وغيرها.

(زاوية الجدامى)

قرية من مديرية المنية بقسم الفشن، واقعة فى سفح الجبل الشرقى تجاه قرية ملطية الواقعة غربى البحر الأعظم، وفى شمال ناحية قرارة-بالقاف وراءين مهملتين-بنحو ستة آلاف متر، وبها جامع وبدائرها نخل كثير.

(زاوية جروان)

قرية صغيرة من مديرية المنوفية، بقسم سبك، موضوعة فى الشمال الغربى لناحية الباجور بنحو ألف متر، وفى شرق جروان بنحو ألفى متر. وبها جامع، وفى غربيها مقام ولى يقال له أبو الحسن.

(الزاوية الجيزية)

قرية من مديرية الجيزة، بقسم ثانى، غربى الشنبارى، على بعد خمسمائة متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية وسيم على بعد ثلثمائة متر، وبدائرها نخيل كثير، وفيها مسجد.

(زاوية حاتم)

قرية من مديرية المنية، على الشاطئ الشرقى للبحر اليوسفى، غربى ناحية الخيارى بنحو ألف وسبعمائة متر، وقبلى سفط الخمار بنحو خمسة آلاف وخمسمائة متر. وبها مسجد ونخيل كثير.

(الزاوية الحمراء)

قرية صغيرة بمديرية القليوبية، بضواحى القاهرة، على الشاطئ الغربى للترعة الإسماعيلية، وفى جنوب ناحية الأميرية بنحو ثلاثة آلاف وأربعمائة متر، وفى الجنوب الغربى لمطرية عين شمس بنحو ستة آلاف متر. وبها

ص: 235

جامع بمئذنة، ولما حفرت الترعة الإسماعيلية انفصل الجامع عن البلد وصار فى الجانب الغربى لتلك الترعة.

وأغلب تكسب أهلها من زرع الخضر، وفيهم أرباب حرف بالقاهرة. وهذه القرية بقرب منية الشيرج، بل أكثر أطيانها من أطيان المنية، وفيها الساقية ذات الخمسة وجوه التى تكلم عليها المقريزى فى الكلام على مناظر الخلفاء، ونقلنا منه طرفا فى الكلام على تلك المنية. وهذه الخمسة وجوه باقية/إلى اليوم، وهى الآن فى ملك إبراهيم بيك أدهم فى داخل أطيانه التى بها، وقد ركب عليها دواليب تديرها البقر والخيل لسقى المزروعات الصيفية.

‌ترجمة إبراهيم بيك أدهم

وإبراهيم بيك أدهم، هو ابن المرحوم إبراهيم أغا ناظر اصطبلات شبرى، وجده عثمان أغا ناظر الاصطبلات أيضا نشأ فى صغره بقرية ناى من مديرية القليوبية، واشتغل بتعلم القراءة والكتابة فى سنة سبع وأربعين ومائتين وألف هجرية. وفى سنة ثمان وخمسين اشتغل بتعلم الكتابة التركية بديوان المعاونة، ثم بديوان الحقانية. ثم بديوان المالية. وفى سنة اثنتين وستين جعل مساعدا بقلم التحريرات التركية بديوان المالية بماهية سائة قرش، وتنقل فى ذلك القلم إلى أن صار فى سنة سبعين رئيسا عليه.

ثم انتقل إلى رياسة قلم العرضحالات بالخزينة المصرية، ثم إلى ديوان تفتيش الروزنامجة بوظيفة رياسة التحريرات التركية، وأحرز به الرتبة الرابعة، وذلك فى سنة اثنتين وسبعين، وبعد إلغاء هذا الديوان سافر فى سنة ثلاث وسبعين إلى الآستانة العلية مأمورا من طرف الحكومة بمعية المرحوم محمد باشا، وعند عوده فى سنة أربع وسبعين التحق بزمرة الكتاب التركية بالمعية السنية، واستقر بها حتى أحرز الرتبة الثالثة فى سنة سبع وسبعين ثم الثانية فى سنة تسع وسبعين، وصار يتنقل فى رياسة اقلامها ووظائفها إلى أن انفصل عنها فى سنة ثلاث وثمانين، وجعل يتنقل فى مأموريات الأقاليم ورياسة مجالسها والمحافظات وديوان الداخلية إلى سنة ست وثمانين، ثم جعل فى تلك السنة محافظا بالإسكندرية، ثم أعيد إلى المعية السنية بوظيفة ناظر قلم العرضحالات. وفى سنة سبع وثمانين جعل وكيل المصارفات الخديوية، ثم وكيل الخاصة وفى سنة ثمان وثمانين أعيد إلى المعية السنية كما كان أوّلا وأحرز بها رتبة

ص: 236

المتمايز. وفى سنة تسع وثمانين جعل وكيل دائرة دولتلو حسين باشا نجل الخديوى إسماعيل باشا، ثم نقل منها فى تلك السنة إلى مأمورية عموم الملاحات، ثم إلى وكالة عموم جمارك الإسكندرية. وفى سنة تسعين جعل مأمورا على ديوان السرايات الخديوية، ثم أضيفت إليه ديوان الخاصة، ثم فى رمضان سنة اثنتين وتسعين جعل مدير الدقهلية، وفى أثناء ذلك شرع فى توسيع ترعة أم سلمة بمقتضى أمر كريم وأتمها فى نيف وخمسين يوما، فكوفئ عليها برتبة مير ميران، ثم فى سنة ثلاث وتسعين عاد إلى المعية السنية، ومنها جعل فى تلك السنة محافظا على السويس، وبعد قليل جعل وكيلا لدائرة الست المصونة توحيده هانم كريمة الخديوى إسماعيل، وهو بها إلى الآن.

(الزاوية الخضراء)

قريتان إحداهما: من مديرية المنية، بقسم الفشن فى الشمال الغربى لناحية الفشن بنحو أربعة آلاف وخمسمائة متر، وفى الجنوب الغربى لناحية هربشنت بنحو ألف وستمائة متر. وبها زاوية للصلاة وبدائرها نخيل كثير.

والثانية: من مديرية الفيوم بقسم المدينة فى غربى الأخصاص بنحو ألفين وخمسمائة متر، وفى شمال الكعسابى الجديدة بنحو ألفين وثلثمائة متر، وبها مسجد ونخيل.

(زاوية دهشور)

قرية من مديرية الجيزة بقسم ثانى، بالقرب من الجبل الغربى، وفى غربى دهشور بنحو سبعمائة وخمسين مترا، وفى الشمال الغربى للدناوية بنحو ثلاثة آلاف متر، وبها جامع بمنارة ونخيل كثير. وبها قبور تعرف بقبور الشهداء، يقال أنه حصل بها وقعة فى زمن دخول الصحابة أرض مصر واستشهد فيها كثير.

(زاوية سالم)

قرية من مديرية البحيرة بقسم حوش عيسى، فى الشمال الشرقى لزاوية صقر بنحو ألفى متر، وفى جنوب ناحية بطورس بنحو خمسة آلاف متر. وبها زاوية للصلاة، ومقام سيدى سالم، المسماة باسمه.

(زاوية أسيوط)

قرية من مديرية أسيوط بقسم بوتيج، بالجبل الغربى فى

ص: 237

غربى بوتيج بنحو سبعة آلاف متر، وفى جنوب ناحية البلالزة بقليل.

(زاوية صقر)

قرية من مديرية البحيرة بقسم حوش عيسى، واقعة فى شمال أبى الزازير، على بعد مائة متر، وفى شرقى أبى المطامير بنحو ألفى متر، وفى الشمال الغربى للنجيلة بنحو أربعة آلاف متر.

(زاوية عبد القادر)

قرية صغيرة بمديرية البحيرة من قسم مريوط، غربى بحيرة مريوط بنحو ثلاثة آلاف وسبعمائة متر، وفى الشمال الشرقى لقصر مريوط بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة متر.

(زاوية غزال)

قرية صغيرة من مديرية البحيرة بقسم دمنهور، على الشاطئ الشرقى لترعة المحمودية، وفى شمال ناحية زرقون بنحو ألف وثلثمائة متر، وفى شمال دمنهور بنحو سبعة آلاف متر. وبها زاوية للصلاة وقليل أشجار.

(زاوية فريج)

قرية من مديرية البحيرة بقسم النجيلة، واقعة فى غربى ترعة أمين أغا، وفى شرقى خربتا بنحو ألف وخمسمائة متر، وفى الشمال الغربى لنحو البلكوس كذلك. وبها جامع صغير، ومقام للشيخ فريج، وجنينة محفوفة بالنخيل، وأربع طواحين. وأهلها مائة وعشر أنفس، وزمامها مائتان وستة وأربعون فدانا.

(زاوية الكرادسة)

قرية من مديرية الفيوم بقسم المدينة، فى شمال المدينة بنحو ثلاثة آلاف/وخمسمائة متر، وفى غربى منشاة عبد الله بنحو ألفين وثمانمائة متر. وبها زاوية للصلاة ونخيل كثير.

(زاوية مبارك)

قرية صغيرة من مديرية البحيرة بقسم النجيلة، فى شرقى اليهودية بنحو ثلاثة آلاف وأربعمائة متر، وفى غربى بيبان بنحو ثلاثة آلاف وثمانمائة متر.

(زاوية مسلم)

قرية صغيرة بمديرية البحيرة من قسم الحاجر فى شرقى ناحية

ص: 238

الدلنجات بنحو ثلاثة آلاف متر وخمسمائة متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية حبارس بنحو أربعة آلاف وأربعمائة متر.

(زاوية نابت)

قرية من مديرية الجيزة، بقسم أول غربى شنبارى بنحو أربعمائة متر، وفى الجنوب الشرقى لناحية وسيم بنحو ستمائة متر. وبها زاوية للصلاة ونخيل.

(زاوية الناوية)

قرية من مديرية بنى سويف بقسم ببا فى جنوب العساكرة، والجنوب الغربى لسمسطا الوقف، وفى شمال قرية الناوية، والناوية واقعة على تل قديم، وبها جامع وبدائرها نخيل. ويقال إنها كانت كرسى حكم وكانت متسعة، وتلالها الجسيمة تدل على ذلك. والسمسطا قرية فى الجانب الشرقى لبحر يوسف، لها سوق كل يوم ثلاثاء، وينسج فيها أحرمة الصوف والدفافى.

وهى فى أكبر بلاد هذا القسم، كقرية البرانقة الواقعة على الجانب الغربى للنيل، وفى هذه معمل فراريج. وكذلك قرية طنبش فى غربى البرانقة، ولها سوق كل يوم اثنين.

(زاوية النجار)

قرية من مديرية القليوبية بضواحى المحروسة، فى غربى الترعة البولاقية بنحو مائتى متر، وفى الجنوب الغربى لسرياقوس بنحو ثلاثة آلاف متر، وفى الشمال الشرقى لبهتيم بنحو أربعة آلاف متر.

(زاوية نعيم)

قرية صغيرة من مديرية البحيرية بقسم دمنهور، موضوعة فى الجانب الشرقى لمحلة كيل بنحو خمسة آلاف متر، وفى شمال لنديبة بنحو سبعة الآف وخمسمائة متر.

(زاوية هرون)

قرية من مديرية أسيوط بقسم ديروط الشريف على الشاطئ الشرقى للبحر اليوسفى، وفى شمال مشول بنحو ألف وسبعمائة متر، وفى الشمال الغربى لبنى حرام كذلك. وبها زاوية للصلاة ونخيل كثير.

ص: 239

(الشيخ زائد)

قرية صغيرة بمديرية جرجا فى غربى برديس فى شمال عربات المدفونة بمسافة قليلة.

[ترجمة بطرس أغا]

فيها، نصرانى مشهور يسمى بطرس أغا، ذو ثروة وكلمة نافذة واعتبار عند الحكام والعرب، وله مضيفة متسعة بنى فى داخلها جامعا للمسلمين، وله إحسانات على الواردين عليه وكرم زائد، ويزرع أكثر من ألفى فدان، ويقتنى نحو ثلثمائة ثور غير إناث البقر وخيلا وإبلا وغنما، وله بستان وفواكه، ويزرع كثيرا من قصب السكر، وكان وكيل قنصلاتو المسكو، وقد هلك من نحو ست سنين، وترك أولادا سلكوا مسلكه إلى الآن.

(الزرابى)

قرية من مديرية أسيوط بقسم بوتيج، موضوعة بحاجر الجبل الغربى غربى ترعة السوهاجية فى بحرى المشايعة بمسافة قليلة تجاه ناحية النخيلة.

وأطيانها متصلة بأطيان النخيلة، وقيل إن أصلهما بلدة واحدة، وكلتاهما من بلاد الملتزمين، وأهلهما متشابهون فى العوائد والهيئات، كمنازلهم. وفيها مساجد ومعمل دجاج، وأطيانها جيدة، ويزرع بها القمح والشعير والفول والعدس. ويقتنى بها الأغنام الجيدة الصوف-بالعلف والنظافة-ففى زمن الصيف يخرجونها فى البرية ترعى وتبيت بها مع زيادة الاعتناء بسقيها وعلفها، وفى الشتاء يجعلون فى مبيتها حائلا على الأرض من نحو الخشب لئلا تتلوث أصوافها من فضلاتها، وهذه عادة أهل دوير عائد أيضا، وبعض بلاد تجاورها. وبعض أهلها يفحمون حطب السنط للتجر فيه. ولها سوق كل يوم خميس، وفيها بيت حسنين النجدى مشهور.

(الزرقاء)

قرية من مديرية الدقهلية بمركز فارسكور، فى جنوب فارسكور بنحو سبعة آلاف وخمسمائة قصبة، فى الجانب الأيمن للفرع الشرقى من النيل، وأغلب أبنيتها بالآجر، وفيها مسجد بمنارة ولأهلها شهرة بنسج الصوف والقطن الغليظ، ومنهم تجار وزراعون لكافة الأصناف، خصوصا صنف القطن، ولها سوق كل يوم اثنين.

ص: 240

(زرقان)

قرية من أعمال منوف بمديرية المنوفية، فى شرقها مسقى ناصر على نحو اثنين وأربعين مترا، وفى غربيها مسقى الشربينية على نحو خمسين مترا، وفى بحريها الزرقانة على نحو اثنين وثلاثين مترا، وفى قبليها مسقى حوض الحلفاوية على ثلاثة وستين مترا. وأكثر أبنيتها من اللبن، وفى شرقيها على أربعة عشر مترا مسجد حدد سنة 1263، وفيها مسجد صغير للشيخ محمد بحيج جدد سنة 1265 ونحو الثلاث زوايا. وفى جهتها الشرقية بستانان لبعض أهاليها، فيهما كثير من الفواكه وفيها معمل دجاج. وبها أضرحة تزار مثل ضريح السيد محمد بحيج، والشيخ نصير، والشيخ إسماعيل مياح، والشيخ شاهين الغباشى. وأهلها مسلمون وعدتهم ثلاثة آلاف نفر ومائتان وإحدى وتسعون، وزمامها ألف وخمسمائة وستون فدانا تروى من النيل، وفيها سواق معينة، وسوقها كل يوم/خميس. وفيها أنوال لنسج الصوف، ولها شهرة بزرع القطن وقصب السكر، غير الزرع المعتاد. وهى من البلاد المشهورة بأكابر العلماء. فمن أجل علمائها الشيخ عبد الباقى الزرقانى المالكى المشهور-ترجمه صاحب خلاصة الأثر فقال

(1)

[ترجمة العلامة الشيخ عبد الباقى الزرقانى وابنه سيدى محمد]

هو عبد الباقى بن يوسف بن أحمد شهاب الدين بن محمد بن علوان الزرقانى المالكى، العلامة الإمام الحجة شرف العلماء ومرجع المالكية.

وكان عالما نبيلا فقيها متبحرا، لطيف العبارة. ولد بمصر فى سنة عشرين وألف وبها نشأ، ولزم النور الأجهورى سنين عديدة، وشهد له بالفضل، وأخذ علوم العربية عن العلامة ياسين الحمصى، والنور الشبراملسى، وحضر الشمس البابلى فى دروسه الحديث، وأجازه جل شيوخه، ويصدر للاقراء بالجامع الأزهر.

وألف مؤلفات كثيرة منها: شرح على مختصر خليل تشد إليه الرحال. وشرح على العزية لأبى الحسن وغير ذلك. وكان رقيق الطبع حسن الخلق، جميل المحاورة لطيف التأدية للكلام. وكانت وفاته ضحى يوم الخميس الرابع والعشرين من شهر

(1)

خلاصة الأثر، المرجع السابق، ج 2، ص 287.

ص: 241

رمضان سنة تسع وتسعين وألف بمصر، ودفن بتربة المجاورين. ا. هـ.

وابنه سيدى محمد الزرقانى فاق والده فى العلوم والمعارف، وعلم وأفاد وألف وأجاد، فله شرح على موطأ مالك، جزآن كبيران، لم ينسج على منواله، وشرح على المواهب اللدنية للقسطلانى، أربعة أجزاء كبار، وشرح على متن البيقونية فى المصطلح وغير ذلك. توفى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف. ا. هـ.

ومنها مدرسون بالأزهر، وبمدرسة الخيرية التى كانت بالقلعة، ومنها طلبة بالأزهر.

(الزقازيق)

مدينة كبيرة فوق بحر مويس من الجانبين، وهى مركز مديرية الشرقية، بها ديوان المديرية مستوفيا، والمجلس المحلى، وديوان الهندسة، وديوان الصحة، ومجلس دعاوى، ومجلس مشيخة، ومجلس تنظيم، ومدرسة على طرف الديوان لتعليم الشبان اللغات والهندسة والحساب، ومحكمة شرعية كبرى مأذونة بالحكم فى عموم القضايا مثل: البيوعات والرهونات والإسقاطات والأيلولات، فيما يختص بالأطيان وخلافها، لوجود السجل بها، بخلاف باقى محاكم مراكز المديرية، فإنها مأذونة بما عدا مواد الأطيان، وهى ستة: محكمة منيا القمح، ومحكمة بلبيس، ومحكمة مركز الصوالح-ومحلها بالعلاقمة-، ومحكمة القرين، ومحكمة تفتيش الوادى-ومحلها التل الكبير.

وأصل إنشاء مدينة الزقازيق، أنه لما صدر أمر العزيز محمد على باشا بعمل قناطر فى محل سدّ بحر مويس-المعد لرى أراضى تلك المديرية-ليسهل بها الرى وتصريف المياه. وحضرت هناك العملة والمستخدمون، أحدثوا بها عششا من الطين والأخصاص على جانبى بحر مويس لإقامتهم، وتبعهم فى ذلك باعة المأكولات ونحوها، وتكاثرت الناس شيئا فشيئا وازدادت الأبنية الخفيفة، وكثر البيع والعمارة. وبعد انتهاء عمل تلك القناطر فى سنة 1248 هجرية بقيت تلك الأخصاص مسكونة عامرة، وكل حين تزداد بها السكان، إلى أن صدر الأمر بالبناء بهذا المحل وتجديد مسجد للصلاة على طرف الديوان. فحصل التجديد شيئا فشيئا للأبنية الحسنة باللبن والآجر على جانبى النهر حتى كثرت وصارت مشتملة على منازل مفتخرة، وقصور

ص: 242

مشيدة بالمونة والبياض والشبابيك الشيش والزجاج وغير ذلك. وجعلت رأس المديرية بعد أن كانت الشهرة لمدينة بلبيس-المعروفة قديما بمدينة ببسة-، وجدد بها قصر للميرى لنزول العزيز به. وجعل المسجد بأعمدة وسقوف بلدية ومنارة، وأقيمت فيه الجمعة. ثم جدد بها الأمير يوسف بيك مسجدا بالبر الغربى لبحر مويس، بناه بالآجر والمونة-ويعرف الآن بالمسجد الصغير. ثم جدد بها أحد تجارها (العيدروس) مسجدا غربى ترعة السكة الحديد، قبلى ترعة الوادى، بناه بالأحجار والآجر وأعمدة الرخام وسقوف الخشب، وجعل له منارة ومنبرا من الخشب المخروط، وكذلك الشبابيك، وجعل له صهريجا للماء. وكذلك الحاج سليمان الشربينى-أحد التجار-بنى مسجدا على شاطئ ترعة عبد العزيز، وجعل عمده من الحديد الزهر المصبوب، ولم يجعل له منارة. وحدث بها أيضا ثلاث كنائس:

واحدة للأقباط غربى بحر مويس فى شمال البلد، وكنيسة للشوام فى بحرى ديوان المديرية، وكنيسة للأروام شرقى فرع السكة الحديد. وبها عدة أسواق بدكاكين وخانات مشحونة بأنواع البضائع، ووكائل لسكنى الأغراب. وبها بنوكات للتجارة، وجملة وابورات بعضها لحلج القطن وبعضهم للطحين ولصناعة الثلج وغير ذلك، فمنها:

وابور لشيخ تجارها فى غربى بحر مويس لحلج القطن وعصر الزيت، وهو كامل الآلات قوته أربعة وعشرون حصانا، وبه منزل مشيد بشبابيك الزجاج والخرط، وبجواره حديقة ذات فواكه ورياحين.

ومنها: وابور لنخلة العوساطى وأخوته، فى غربى بحر مويس لحلج القطن والطحين، قوته أربعة وعشرون حصانا. وبجواره من جهة الجنوب وابور للخواجة براسيلى وشركائه للحلج أيضا، بقوة أربعة عشر حصانا. وبجواره فى الجنوب أيضا وابور للخواجة روحه كناكى، وهو وابور كبير به منازل/لسكناه وسكنى مستخدميه للحلج أيضا، وبه طاحون بخارية ومكبس قطن، وفى بحريه جنينة حسنة، وقوة ذلك الوابور خمسون حصانا. وفى مقابلته على الشاطئ الشرقى لبحر مويس وابور للخواجة ابن هائم، على شاطئ البحر الشرقى فى غربى خط السكة الحديد، للحلج أيضا، وبه منزل سكن وبداخله جنينة، وقوته خمسة وعشرون حصانا. وفى قبليه وابوران، قوة أحدهما عشرون وقوة الآخر اثنا عشر حصانا للحلج أيضا، وبأحدهما

ص: 243

طاحونة ووابور لصناعة الثلج، وبالآخر منزل بشبابيك الزجاج والخرط. وفى شمال هذين الوابورين وابور للخواجة خراقه للحلج وبه طاحون ومنزل سكنى. وفى بحريه وابور على شاطئ البحر للخواجة فليكى وشركائه للحلج أيضا وفيه طاحون ومنزل سكنى، وهو بقوة اثنى عشر حصانا. وفى شماله وابور للخواجة أصلان على شاطئ البحر للحلج أيضا، قوته ستة عشر حصانا، وبه منازل سكنى. وفى شماله وابور للدائرة السنية بجوار السكة الحديد من الجهة الغربية للحلج، قوته خمسة وعشرون حصانا. وفى شماله على شاطئ بحر مويس غربى السكة الحديد وابور للخواجة بلنطة، بقوة خمسة وعشرين حصانا للحلج، وبه ورشة لتعمير الآلات الوابورية ومكبس للقطن ومنزل مشيد، وفى شماله حديقة نضرة. وبجوار السكة الحديد فى مقابلة وابور ابن هائم وابور للخواجة كوكله، وبه طاحونة ومحل سكنى. وفى شماله وابور حلج للخواجة نيما، بقوة خمسة عشر حصانا، وبه ورشة لتعمير الآلات أيضا.

وبجواره من بحرى وابور حلج أيضا للخواجة بايدويلى، بقوة خمسة عشر حصانا، وبه منزل مشيد.

وفى غربى ترعة السكة الحديد وابور قوته ستة عشر حصانا لحسن أفندى المدنى، وبه منزل حسن. وعلى تلك الترعة أيضا وابور قوته عشرون حصانا للخواجة ويلكنسون، كامل البناء ناقص الآلات، وبه منزل مشيد، وعليها أيضا وابور بقوة ستة عشر حصانا للخواجة ماريت معد للطحين. ووابور طحين للخواجة جاد اليهودى على ترعة المسلمية فى شمال المسكن الشرقى، قوته ثمانية حصن. ثم وابور طحين للخواجة يوسف ملطى قوته ستة حصن.

وفى تلك المدينة وحواليها جملة بساتين-غير ما مرّ-كبستان المعلم غالى حنه فى غربى السكة الحديد بجوار السكن. وبستان للحاج أحمد الحريرى على الشاطئ القبلى لترعة الوادى فى شرقى السكة الحديد، وقد بنى بجواره منزلا. وآخر للخواجة ديوه من الدول المتحابة غربى السكة الحديد، وبنى بداخله منزلا بالآجر. وآخر لأولاد الزند فى بحرى السكن إلى جهة الشرق على شاطئ الترعة المسلمية، وبه ساقية معينة وحوله أربعة منازل مشيدة لسكناهم. وجنينة غربى البلد تعلق محمد أفندى مسلى بالبر القبلى لبحر مشتول، وبها منزل. وجنينة للخواجة أسير باكوكه من الدول المتحابة وبها ساقية معينة.

ص: 244

ولم تزل العمائر فى تلك المدينة آخذة فى الازدياد، لا سيما بعد إنشاء السكة الحديد العمومية بها، يرد إليها الفرع الطوالى الآتى من الإسكندرية وفرع السويس وفرع المنصورة وفرع المحروسة المار على بلبيس. وفى سوقها الكبير الممتد من الجنوب إلى الشمال-كامتداد بحر مويس-جميع أصناف الملبوسات، وفى وسط السكن حلقة معدة دائما لبيع القطن، يجتمع فيها التجار وكثير من القبانية، وحوالى الحلقة حوانيت وحواصل وفنادق لخزن القطن، وبجوارها من الجهة البحرية ساحة لبيع الغلال والأبزار. وكافة أهل المدينة تجار وأرباب حرف. وبها مكاتب أهلية لتعليم القراءة والكتابة.

وفى شمال المدينة كفر الحصر، أغلب أهله يصطنعون الحصر، وبهذا الكفر تجار أيضا وأرباب حرف، وهو على الشاطئ الغربى لبحر مويس، وبه منازل مشيدة لقاضى المديرية سابقا، المرحوم محمد أفندى جبر وأخوته، ولهم فى بحرى هذه المنازل جنينة ذات فواكه وأزهار وساقية معينة، وبه مكتب أهلى.

وسوق المدينة العمومى كل يوم ثلاثاء. وفى جنوب المدينة الشرقى تل قديم يقال له تل بسطه فى بحرى السكة الحديد الموصلة إلى المحروسة، بينه وبين السكة نحو خمسمائة متر، يبلغ متوسط ارتفاعه نحو عشرين مترا ومساحته نحو ستمائة فدان وتأخذ منه الأهالى السباخ إلى الآن.

(الزعفران)

قرية من مديرية البحيرة بقسم النجيلة، موضوعة بالقرب من سفح الجبل بين ترعة أمين أغا والجسر المحيط. أبنيتها باللبن، وبها جامعان عامران وجملة أشجار ونخيل وعشر طواحين. وعدة أهلها أربعمائة وتسع وسبعون نفسا، وزمامها ألف وخمسمائة فدان واثنان وأربعون فدانا، وتكسب أهلها من الزراعة وغيرها.

(زفتة)

بلدة شهيرة من مديرية الغربية، موضوعة على الشاطئ الغربى لفرع النيل الشرقى. وهى مركز للحكومة فيها ديوان المأمورية، ومجلس المركز، ومجلس الدعاوى، ومحل المشيخة، والمحكمة الشرعية، ومحل البوسطة. وأبنيتها بالآجر واللبن، وفيها كثير من الغرف والقصور، وبها مسجدان قديمان لكل منهما منارة.

ص: 245

أحدهما: مسجد أولاد الزبير يقال إنه بنى فى زمن عمرو بن العاص، وتزعم العامة أن أولاد الزبير بن العوام مدفونون به، وقد أصلح مرارا، وفى سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف صار تجديده من الأوقاف وأهالى البلد، ورفعت أرضيته عن قديمه، وهو فى الجهة الغربية للشارع العمومى.

والثانى: مسجد محمد أبى شرف الدين فى جهتها البحرية، وقد أصلح أيضا فى سنة خمسين ومائتين وألف، بنظر الشيخ أحمد الصيارمى، وبجواره من جهة الشرق خارج البلد، مقام سيدى محمد أبى شرف المذكور.

وبها زاويتان للصلاة، إحداهما: زاوية أبى العباس الحريثى الصديقى، ويقال إنه من أولاد سيدى عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، رضي الله عنه، وأنه هو الذى بناها، وقد جددت سنة سبعين ومائتين وألف، وهى فى وسط البلد بالقرب من شاطئ النيل.

والثانية: زاوية الشيخ محمد أبى حسب الله الكبير، ومقامه بها شهير، وقد أصلحت من طرف ذريته، وهى فى جنوب البلد بالقرب من شط النيل.

وبها عشرة مكاتب لتعليم الأطفال القراءة والكتابة، وأضرحة لبعض الصالحين، كالشيخ أبى طاقية، والشيخ حسين الحصرى، والشيخ عبد الله الطوخى.

وبها كنيسة كبيرة للأقباط، مشهورة باسم منقريوس أبى السيفين، وقد رممت سنة خمس وسبعين ومائتين وألف من طرف نصاراها، وهى على شط النيل من الجهة البحرية.

وبها سوق كبير بالشارع العمومى الممتد من الشمال إلى الجنوب، به جملة حوانيت، فيها أنواع البضائع الهندية والشامية والمصرية، والإفرنجية والمغربية وغيرها. وقهاوى ووكائل وصاغة لأنواع الحلى.

وبها جملة مصابغ ومعامل حلوانية وشربتلية، وجملة أنوال لنسج الأقمشة، وثلاثة وابورات لحلج القطن: واحد، على شاطئ النيل فى بحريها بمسافة مائتين وخمسين مترا. وواحد، على شاطئ النيل أيضا فى الجهة القبلية، والثالث، فى قبلى المساكن. وفى جهتها البحرية ورشة على شاطئ النيل بنيت فى زمن المرحوم محمد على

ص: 246

سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف، كان ينسج فيها أنواع البفت الخام.

وبها حمام فى الجهة الغربية للشارع العمومى لورثة المرحوم حسين بيك الشماشيرجى. وتتفرع من الشارع العمومى أربعة شوارع: شارع درب شعلان، وشارع درب المعمل، وشارع درب المعداوية، وشارع درب المصرى.

وبها جملة منازل شهيرة منها: منزل الحاج عزب المصرى، ومنزل أحمد أفندى المصرى، ومنازل مشيدة مشرفة على البحر. وعمدتها الحاج عزب المصرى رئيس المشيخة، وأحمد أفندى المصرى مأمور إدارة المركز. وأغلب أهلها مسلمون، وعدتهم ذكورا وإناثا خمسة آلاف وخمسمائة وخمس عشرة نفسا، منهم نصارى ثمانمائة وعشرون نفسا. ومساحة سكنها ستون فدانا، وزمام أطيانها ثلاثة آلاف ومائتان وستة وثلاثون فدانا، وريها من النيل وفروعه.

وبها إحدى عشرة ساقية معينة عذبة المياه. وهى مشهورة بزرع أنواع القطن والقمح والشعير والذرة والحلبة والترمس والخضر. ولها سوق كل يوم سبت يباع فيه من أنواع الحيوانات وأصناف الفواكه والحبوب والأقمشة وغير ذلك. ولها طريق على جسر البحر الأعظم يمر على كفر عنان وسنويط والغريب. وبهذه القرية قصر وجنينه فى شرقيها، ووابور لحلج القطن وسقى الزرع على الشاطئ الغربى للنيل والجميع لمحمد بيك سيد أحمد وبالطريق أيضا قرية منية وصيف ومنية الحارون، وكفر يتبعها، وجميع هذه النواحى على الشاطئ الغربى لبحر دمياط.

[ترجمة الشيخ الفاضل محمد بن عبد الله الزفتاوى]

وإلى هذه القرية ينسب الشيخ محمد الزفتاوى، الذى ترجمه السخاوى فى الضوء اللامع حيث قال

(1)

:

هو محمد بن عبد الله بن أحمد شمس الدين أبو عبد الله بن الجمال بن الشهاب الزفتاوى القاهرى الشافعى. ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة تقريبا بزفتة،

(1)

الضوء اللامع، المرجع السابق، ج 8، ص 81.

ص: 247

وتحول منها وهو صغير إلى القاهرة، فنشأ بمدرسة محمود الترجمانى بالقرب من درس خاص ترك-المعروف الآن بالطبلاوى-برحبة العيد، فأقام بها مدة، ثم انتقل إلى الجمالية العتيقة برحبة الأيدمرى فسكنها مدة طويلة. وحفظ القرآن والشاطبتين والعمدة والتنبيه والمنهاج وألفية ابن مالك، وأخذ الفقه عن الأسنوى والبلقينى وابن الجلال وابن العماد، وأخذ القراآت عن الفخر البلبيسى، وأقرأ أولاد بعض الرؤساء، ومهر فى الفرائض جدا وكان يقرأ فى كل يوم الربع من التنبيه ويتلو ختمة، وتكسب بالشهادة، ثم عمل التوقيع وتقدم فيه، وناب فى القضاء وجلس فى القبة الصالحية النجمية وبالواجهة ببولاق، وأضيف إليه القضاء بمنفلوط وأعمالها بالوجه القبلى وبدمنهور والبحيرة وغير ذلك. انقطع فى آخر عمره بمنزله بعد أن أعرض عن القضاء إلى أن مات سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة، ودفن بظاهر باب النصر بتربة الأوجاقى قريبا من تربة حسين الجاكى، وقد زاد على الثمانين، رحمه الله وإيانا.

ا. هـ.

[ترجمة الشيخ ناصر الدين أبو العمائم الزفتاوى]

وينسب إليها أيضا

(1)

، الشيخ ناصر الدين أبو العمائم الزفتاوى، رضي الله عنه، أقام بالنحارية وبنى بها زاوية وبستانا ومات بها وكان عبدا صالحا أحمدى الخرقة، وكان بينه وبين سيدى/نور الدين الشونى ودّ وإخاء، وكان يتعمم بنحو ثلاث برد صوف وأكثر، وكان لسانه لهجا بذكر الله وتلاوة القرآن. مات رحمه الله سنة تسع عشرة وتسعمائة. (ا. هـ. من طبقات الشعرانى).

(زفيتة)

قرية من مديرية القليوبية من قسم قليوب، واقعة على الفرع الشرقى للنيل فى شمال القناطر الخيرية، على بعد ثلثى ساعة، ويزرع بها المقاثئ بكثرة.

ويسمى بهذا الاسم أيضا قرية صغيرة من قسم الخانقاه تسمى زفيتة مشتول، موقعها شرقى شبين القناطر على نحو ثلثى ساعة فوق الفرع الشيبينى الخارج من الشرقاوية، وبها نخيل قليل وبأرضها بعض سواقى معينة.

(1)

الطبقات الكبرى للشعرانى، ج 2، ص 134.

ص: 248

‌ترجمة

[على باشا الجزايرلى]

وحوادث سنة ثمان عشرة ومائتين وألف

وفى حوادث سنة ثمان عشرة ومائتين وألف من الجبرتى

(1)

:

أن على باشا الجزايرلى لما أتى واليا على مصر وجاء عن طريق البر على أراضى زفيتة قليوب، أحاط به المصريون والعرب وتحلقوا حوله وترصدوا لعساكره فكل من خرج عن الدائرة خطفوه ومن الحياة أعدموه، وتفصيل ذلك:

أن عليا باشا المذكور أصله من الجزائر، كان مملوكا لمحمد باشا حاكم الجزائر، ولما مات محمد باشا وتولى مكانه صهره أرسله بمراسلة إلى حسين قبطان باشا، فقلده قبطان باشا ولاية طرابلس وأعطاه فرمانات، فذهب إليها وجيش جيوشا ومراكب وأغار على متوليها-وهو أخو حموده باشا-شهورا حتى ملكها بمخامرة أهلها لعلمهم أنه متوليها من طرف الدولة. وهرب أخو حموده باشا إلى تونس عند أخيه، ثم استولى على باشا على طرابلس وأباحها لعساكره ففعلوا بها أفعالا قبيحة وفسقوا بأهلها ونهبوها، ثم أخذ أموال التجار والأعيان وفرض على أهلها الفرض، ثم أن واليها أولا-وهو أخو حموده باشا-جيش جيوشا وجمع جموعا ورجع إلى طرابلس وحاصره أشد المحاصرة، فلما رأى على باشا الغلبة على نفسه نزل إلى المراكب بما جمعه من الأموال والذخائر، وأخذ معه غلامين جميلين من أولاد الأعيان وهرب إلى إسكندرية ثم إلى مصر، والتجأ إلى مراد بيك فأكرمه وأنزله منزلا حسنا عنده بالجيزة وصار مختصا به،-وسبب مجيئه إلى مصر ولم يرجع إلى القبطان علمه أنه صار ممقوتا فى الدولة، لأن من قواعد دولة العثمانيين أنهم إذا أمروا أميرا فى ولاية ولم يفلح مقتوه وسلبوه وربما قتلوه-، ثم حج فى سنة سبع ومائتين وألف من القلزم، وأودع ذخائره عند رشوان كاشف-المعروف بكاشف الفيوم-، ثم لما كان بالحجاز ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان ذهبوا إلى أمير الحاج الشامى وعرفوه عنه وعن الغلامين وأنه يفعل بهما الفاحشة، فأرسل معهم جماعة من أتباعه

(1)

تاريخ الجبرتى، ج 3، ص 253 - 309.

ص: 249

على حين غفلة، فكبسوا عليه فوجدوه راقدا ومعه أحد الغلامين، فعند ذلك لعنوه وسبوه وضربوه بالسلاح فجرحوه وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه.

ثم رجع إلى مصر من البحر أيضا وأقام عند مراد بيك إلى أن حضر الفرنسيس إلى الديار المصرية، فقاتل مع الأمراء وتغرب معهم فى الجهات القبلية، ثم انفصل عنهم وذهب من خلف الجبل وتوجه إلى الشام، فأرسله الوزير يوسف-بعد الكسرة- بمكاتبات إلى الدولة، فلم يزل هناك حتى وقعت الحوادث وقامت العساكر على محمد باشا، ووصل الخبر إلى اسلامبول، فطلب ولاية مصر وجعل على نفسه قدرا عظيما من المال-وليس بمصر وقتئذ إلا طاهر باشا والأرنؤط -، ثم تولى وسافر إلى الإسكندرية، فبلغه موت طاهر باشا وانضمام طائفة الأرنؤط للمصريين، فأراد أن يدبر أمرا ويصطاد العقاب بالغراب ويحوز بذلك سلطنة ممجدة ومنقبة مؤبدة، وكان معه جملة من العساكر فأرسل إليه الأمراء المصريون مكاتبات محصلها:«أن يحضر من طريق البر على دمنهور ولا يذهب إلى رشيد» . فغضب من ذلك ولم يظهر، وأرسل فأحضر رضوان كتخدا ومعه جماعة من الأمراء وأطلعهم على المكاتبات، وقال لهم:

«كيف تقولون إنى حاكمكم وواليكم ثم تحكمون على أنى لا أذهب إلى مصر على هذا الوجه» . فأرسل رضوان كتخدا فأخبر الأمراء المصريين بذلك سرا. ثم لما خرج من الإسكندرية وأراد أن يحضر إلى مصر، أشيع سفر الألفى لملاقاته وأخذ صحبته أربعة من الصناجق وأبرزوا الخيام من الجيزة إلى جهة إنبابه، وأخذوا فى تشهيل ذخيرة وجبخانة وغير ذلك، ثم عدّى الألفى ومن معه إلى البر الشرقى، وأشيع تعدية الباشا إلى بر المنوفية. ولما وصل إلى ناحية منوف جعل على أهالى البلاد فرضا، ووقع من العساكر ضرر زائد لهم، حتى صاروا يترصدون من يذهب إلى الأسواق-مثل سوق إنبابة-ويأخذون ما معه من الدراهم، ثم يذهبون إلى السوق وينهبون ما يأتى به الفلاحون من الأشياء المعدة للبيع حتى امتنع الفلاحون من جلب الأشياء، ثم لما وصل إلى ناحية شلقان وصحبته العساكر انتقل الألفى ومن معه من الأمراء إلى ناحية شلقان ونصبوا خيامهم فى مقابلة عرضيه، فأرسل إلى الألفى يسأله عن سبب النزول فى ذلك المكان وعن نصب الخيام فى داخل الخيام ودوسهم للعساكر، فأرسل الألفى يقول له:«هذه منزلتنا ومحطتنا» ، فلما سمع بذلك الباشا لم يسعه إلا قلع الخيام/ والتأخر عن هذا المكان-فهذا كان أول احتقار فعله المصريون فى العثمانيين-. ثم

ص: 250

أن خدم الألفى أخذوا جمالا ليحملوا عليها برسيما ونزلوا بها إلى بعض الغيطان، فحضر أمير آخور الباشا ومن معه بجماله لأخذ البرسيم أيضا، فوجدوا أتباع الألفى فهزموهم، فرجعوا إلى سيدهم وأخبروه فأمر بعض كشافه بالركوب عليهم فركب رامحا إلى الغيط وأحضر أمير آخور الباشا وقطع رأسه قبالة صيوان الباشا، وأخذ الجمال ورجع إلى سيده برأس الأمير آخور مع الجمال. وذهب أتباع الباشا وأخبروه بقتل الأمير آخور وأخذ الجمال، فحنق من ذلك. وأحضر رضوان كتخدا، وتكلم معه فى شأن ذلك، فلاطفه وقال له:«هؤلاء صغار العقول ولا يتدبرون فى الأمور وسيدنا شأنه العفو والمسامحة» . ثم خرج من بين يديه وأرسل إلى أتباع الألفى فأحضروا الجمال وردهم إلى وطاق الباشا.

وقد كان قبل خروجه من الإسكندرية أرسل إلى كبار الأرنؤط وغيرهم من قبائل العربان يستميلهم ويعدهم إن قاموا بنصرته، ويحذرهم ويخوفهم إن استمروا على الخلاف. فنقل الأرنؤط ما حصل منه إلى الأمراء المصريين وأطلعوهم على المكاتبات سرا فيما بينهم، واتفقوا على ردّ جواب المراسلة بالموافقة على القيام معه إن حضر إلى مصر، وخرجت الأمراء لملاقاته والسلام عليه، ودبروا له تدبيرا ومناصحات تروج على الشياطين.

ثم لما وصل إلى الرحمانية أرسل له الأرنؤط مكاتبة سرا بأن يعدى إلى البر الشرقى وبينوا له صواب ذلك، وهو معتقد نصحهم. فحضر إلى البر الشرقى ووصل إلى شلقان-كما تقدم-ورتب عساكره وجعلهم طوابير وجعل كل بيكباشى فى طابور، وعملوا متاريس ونصبوا المدافع، وأوقفوا المراكب بما فيها من العساكر بالبحر على موازاة العرضى. فخرج الألفى-كما ذكر-بمن معه من الأمراء المصريين والعساكر، وأرسل إلى الباشا بالانتقال والتأخر، فلم يجد بدا من ذلك وتأخر إلى زفيتة، ونصب هناك وطاقه ومتاريسه.

وفى وقت تلك الحركة تسلل حسين بيك الفرنجى، ومن معه من العساكر بالغلايين والمراكب واستعلوا على مراكب الباشا، وأحاطوا بها وضربوا عليها المدافع والبنادق، وساقوهم إلى مصر وأخذوهم أسارى، وذهبوا بهم إلى الجيزة بعد ما قتلوا من كان فيهم من العساكر المحاربين، وكان لهم كبير يسمى مصطفى باشا أخذوه أسيرا أيضا.

ص: 251

ثم لما تأخر الباشا عن منزلته واستقر بأراضى زفيتة وأحاط به المصريون والعرب، ووقع له ما وقع مما تقدم ذكره، أرسل له الألفى على كاشف الكبير يقول له:«حضرة ولدكم الألفى يسلم عليكم، ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم، وما الموجب لكثرتها؟ وهذه هيئة المنابذة، والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون إلا بأتباعهم وخدمهم المختصين بهم، وقد ذكروا لكم ذلك وأنتم بالإسكندرية» . فقال: «نعم، وإنما هذه العساكر متوجهة إلى الحجاز تقوية للشريف، وعند ما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشهلهم ونرسلهم إلى الجهات الحجازية» . فقال له: «إنهم أعدوا لكم قصر العينى تنزلون به، فإن القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم، كما لا يخفاكم ذلك، وأما العساكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون إلى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى تشهل لهم ما يلزمهم وترسلهم، ولسنا نقول ذلك خوفا منهم، وإنما البلدة فى قحط وغلاء والعساكر العثمانية طباعهم لا توافق طباع العساكر الأرنؤطية» . فقال الباشا: «إذا أقوم وأرجع حيث كنت» .

فقال له: «هذا لا يكون وإن فعلتم ذلك حصل لكم الضرر» . فقال: «إن العساكر لها عندى أربعمائة كيس وثمانون كيسة، أحضروها وادفعوها لهم، وهم ينتقلون إلى بركة الحاج كما قلتم» .

ورجع على كاشف إلى الأمراء بذلك الجواب، وحضر عابدى بيك من طرف الباشا إلى الأمراء-وكان كبير العسكر الانكشارية-فكلموه وكلمهم، وميلوه وخدعوه.

فذهب إلى الباشا وعاد إليهم، وكان آخر كلامهم له:«إن بيننا وبينه فى غد: إما أن يحضر عندنا فى جماعته المختصين به، وينزل مخيمنا، وإما الحرب بيننا وبينه» .

وانتظروا عابدى بيك فلم يرجع إليهم بجواب.

ثم لما أصبح الصباح ركب الأمراء المصريون بعساكرهم وجعلوها طوابير، وزحفوا إلى عرضى الباشا من كل جهة، فلما رأى ذلك الباشا أمر عساكره بالركوب والمحاربة، فلم يتحرك منهم أحد، وقالوا:«لأى شئ تأذن بالمحاربة وليس معك فرمان بذلك، ولم تعطنا جامكية ولا نفقة، ولا طاقة لنا على حرب المصريين» . فلما تحقق له الخذلان ركب فى خاصته وذهب إلى الأمراء، وترك خيامه وأثقاله. فاستقبلوه وأشيع الصلح بينهم.

ص: 252

ثم ان الألفى أرسل إلى كبار عسكر الباشا، فطلبهم ليعطيهم جماكيهم، فلما حضروا عنده-وكانوا سبعة أنفار-عرف منهم ستة من المطرودين فى الفتن السابقة، داروا ورجعوا لما سمعوا بعلى باشا. فوبخهم وقال لهم:«أطلقتكم وأعتقتكم، وكأنكم عدتم لتأخذوا بثأركم» ، ثم أمر بضرب أعناقهم، ففعل بهم ذلك ورموهم فى البحر، وأما السابع فإنه لم يكن من الذين حضروا إلى/مصر، وتعارف محمد على معه فشفع فيه وتركوه مع الأرنؤط. وأحضروا متاع الباشا وحملته وطبلخانته من عرضيه إلى عرضى الأمراء، وأمروا العساكر بالرحيل فرحلوا وصحبتهم حسين بيك أبو شاش الألفى وصالح بيك الألفى. وكانت عدتهم ألفين وخمسمائة، والله أعلم بما فعل بهم.

وأما الباشا فإنه لما حضر إلى مخيم الأمراء، أرسل إليه عثمان بيك البرديسى كتخداه رضوان كاشف-المعروف بالغرباوى-بهدية وألف نصفية ذهب وبلغه السلام، فقال الباشا للكتخدا ولمن حضر معه من الأمراء:«أنا عند ما قلدونى ولاية مصر، قلت أن أول حوائجى العفو والرضا عن الأمراء المصريين، لأن لهم فى عنقى جميلا عند ما حضرت إليهم هاربا من طرابلس، فآوونى وأكرمونى وأقمت معهم مدة طويلة فى غاية الإكرام، ولا أنسى معروفهم» ، فأجابوه بأنهم يراعون له ذلك.

ثم أقام ثلاثة أيام بالخيام التى أجلسوه بها فى عرضى البرديسى، وترتب له الطعام فى الغداء والعشاء، ولم يجتمع عليه أحد من الأمراء الكبار سوى عثمان بيك يوسف-المعروف بالخازندار-وأحمد أغا وأرباب الخدم.

وأما الذنب الذى نقموه عليه فإنهم ذكروا أنه فى الليلة التى بات فيها بعرضى البرديسى، خرج من الخيام فارس على فرس يعدو بسرعة، فصهلت الخيل وإنزعج العرضى، ورمحوا خلفه فلم يلحقوه. فسألوا الباشا عن ذلك، فقال:«لعله لص أراد أن يسرق شيئا وخرج هاربا» . فلما حصل ذلك أجلسوا حوله عدة من المماليك المتسلحين، فسأل عنهم، فقيل له:«إنهم جلوس بقصد المحافظة من السراق» .

ثم إنهم قبضوا على هجان بناحية البساتين مسافر إلى قبلى، فوجدوا معه مكاتبات من الباشا، خطابا إلى عثمان بيك حسن بقنا يطلبه للحضور إلى مصر ويعده بإمارة مصر .. وغيرها. فعند ذلك أخذوا المكاتبات من الهجان وحضروا عند الباشا، فأذن

ص: 253

لهم بالجلوس-بعد السلام عليه-فجلسوا وهم سكوت، ينظر بعضهم إلى بعض، فنظر إليهم الباشا، وقال:«خيرا» ، فتكلم رضوان كتخدا البرديسى وقال:«ألسنا اصطلحنا مع حضرة الباشا وصفا خاطره لنا؟» . قال: «نعم» . قال له: «هل وقع من حضرتكم لأحد مكاتبة قبل ذلك؟» .

قال: «لا» . فقال: «لعلكم أرسلتم مكاتبة إلى قبلى؟» ، قال:«لم يكن ذلك أبدا» ، فعند ذلك أخرج له مكتوبا وناوله إياه، فلما رآه، قال:«نعم هذا مما كنا كتبناه بالإسكندرية» ، فقالوا له:«إنا وجدناه أمس مع الهجان مسافرا به وتاريخه قريب» ، فسكت مفكرا، فقاموا على أقدامهم، وقالوا له:«تفضل» ، فقال:«إلى أين؟» ، فقالوا:«إلى غزة فإنه لا أمان لنا معك بعد ذلك» .

ولم يمهلوه لكلام يقوله، ولا عذر يبديه، حتى أنهم لم يمهلوه لمجئ مركوبه المختص به بل قدموا له فرسا لبعض المماليك وأركبوه له. وفى حال ركوبه رأى الأمراء مستعدين للذهاب معه واقفين فى انتظاره، وسار معه محمد بيك المنفوخ وسليمان بيك-صهر إبراهيم بيك-، وركبت أتباعه خيول الطواحين التى كانوا أعدوها للركوب. ولما تحقق سفرهم طارت عقول الطحانين، وذهبوا إلى صيوان البرديسى يشكون إليه، فقال لهم:«دونكم ها هى أمامكم اذهبوا فخذوها» ، فرمحوا خلفهم إلى أن وصلوا إليهم وأمسك كل طحان فرسه، وأنزل راكبها ورجعوا مسرورين بخيولهم، ولم يقدر أحد أن يمنعهم من ذلك.

ولما وصل الباشا إلى القرين أراد أن يكبس هو ومن معه من أتباعه على من كان معه من الأمراء المصريين، وكان ذلك ليلا، وكان معهم سائس يعرف اللغة التركية، فأخبرهم بذلك، فتحرزوا منهم، ثم لما كبسهم وقعت بينهم محاربة، وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بيك المنفوخ، وانجرح المنفوخ جرحا بليغا، وضرب بعض المماليك الباشا بقربانة فأصابته فسقط وبه الرمق فبقى مرميا إلى أن مات وقتل ابن أخته حسن بيك وباقى العثمانية.

وبعد ذلك أخذوه وكفنوه ودفنوه، وحفروا لباقيهم حفرا وواروهم فيها وانفض أمرهم.

ص: 254

ولم تسعفه المقادير لشدة ظلمه وجوره، ولم يعلم أنها القاهرة كم قهرت جبابرة وكادت فراعنة، كما قيل:

إذا لم يكن عون من الله للفتى

فأوّل ما يجنى عليه اجتهاده

وكان أبيض اللون، عظيم اللحية والشوارب أسودهما، قليل الكلام بالعربى، يحب اللهو والخلاعة، ويكره أهل العلم والصلاح ويحب إهانتهم، حتى إذا كان جالسا ودخل عليه عالم اتكأ ومدّ رجليه قصدا لإهانته، إلى غير ذلك من الأوصاف القبيحة. ا. هـ.

(زنكلون)

قرية من مديرية الشرقية بقسم العزيزية، فى جنوب القنيات بنحو خمسة آلاف متر، وفى شرقى شرويدة بنحو ألفى متر، وفى شمال السكة الحديد الواصلة من بنها إلى الزقازيق بنحو ألف متر. وأبنيتها صالحة، وبها منازل مشيدة لكبرائها، وقصر جليل لسعادة إبراهيم باشا نجل المرحوم أحمد باشا أخى الخديوى إسماعيل، وأنشأ بها مسجدا حسنا واسعا بمنارة تقام فيه الجمعة والجماعة ووقف عليه أطيانا يصرف عليه من ريعها. وبها ورشة لإصلاح الآلات البخارية، ومعمل فراريج، وعدة بساتين ووابورات لحلج القطن ونقض الكتان وسقى المزروعات/ ويزرع بأرضها القطن والكتان وقصب السكر والأصناف المعتادة. وبجوارها كفر صغير تابع لها به فوريقة لعصر القصب. ولها سوق كل يوم أربعاء وأكثر أهلها مسلمون.

‌ترجمة العلامة مجد الدين الزنكلونى

وإليها ينسب العلامة الشيخ مجد الدين أبو بكر الزنكلونى، شارح التنبيه وله مصنفات، وقبره بقرافة مصر، ذكره السخاوى فى تحفة الأحباب، وفى حسن المحاضرة للسيوطى

(1)

أنه:

(1)

حسن المحاضرة، المرجع السابق، ج 1، ص 426.

ص: 255

مجد الدين أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز الزنكلونى، كان إماما فى الفقه أصوليا محدثا نحويا صالحا قانتا لله، صاحب كرامات لا يتردد إلى أحد من الأمراء ويكره أن يأتوا إليه، ملازما للاشتغال وله شرح التنبيه الذى عم نفعه، وشرح المنهاج، ولى مشيخة البيبرسية، ودرس الحديث بها وبجامع الحاكم. مات فى سنة أربعين وسبعمائة. ا. هـ.

(الزوامل)

قرية من مركز بلبيس ببلاد الشرقية فى سفح الجبل المتصل بالمحروسة فى جنوب بلبيس بنحو عشرين ألف متر، وفى شمال الفرع الشبينى بنحو مائتى متر بين المنير وأنشاص الرمل، وفى جنوبها الشرقى الترعة الإسماعيلية. وبها مساجد ومكاتب، ومجلسان للدعاوى والمشيخة، وجميع حاراتها مفتوحة إلى الشمال. وفيها بساتين كثيرة ونحو أربعين ألف نخلة، وأطيانها ألفان ومائة وثلاثة وعشرون فدانا وكسور، وعدد أهلها نحو ثلاثة آلاف وست وعشرون نفسا تكسبهم من بيع الثمار والزرع لا سيما البطيخ لأنه يزرع هناك بكثرة على عيون يحفرونها.

وهم من عرب الزوامل ولهم من قديم الزمان اعتبار واحترام يعادلون أهل العايد، وكان لهم مناوشات مع عرب العايد وغيرهم انفظعت من مدة العزيز محمد على.

[عائلة العفيفى]

ومنهم عائلة العفيفى على غاية من الشهرة، كان العفيفى والد إبراهيم العفيفى شيخ عرب الزوامل، وكان له على حاكم مصر كسوة كل سنة، وبعد موته ظهر ابنه إبراهيم فى الكرم والنجابة، وفصل القضايا بين العرب وبين أهل بلده، وكان يحبهم ويحبونه، وكان يبيت فى مضيفته كل ليلة نحو الخمسين، وولاه العزيز محمد على حاكما على جملة بلاد من الشرقية ثم عزل، ثم ولاه الخديوى إسماعيل باشا ناظرا على مركز بلبيس، واستمر كذلك إلى أن مات. واشتهر ابنه محمد بيك العفيفى فجعله الخديوى المذكور وكيل مديرية الشرقية فى سنة ثمانين، ثم جعله مديرا على القليوبية، ثم مديرا على الغربية، ثم رجع إلى مديرية القليوبية، ثم انتقل بعد ذلك إلى رحمة الله.

ص: 256

(الزيتون)

قرية من مديرية بنى سويف بقسم الفشن، موضوعة غربى البحر الأعظم بنحو ألف متر، وفى شمال بنى سويف بنحو ساعتين ونصف، وفى غربى المجنونة بنحو ربع ساعة، وسكة الحديد فى شرقيها بنحو ثلاثين قصبة، وبها مساجد ونخيل وأشجار.

ويقال إنه كان فى حوشة منها كثير من شجر الزيتون فسميت به.

(الزينية)

قرية من قسم قوص بمديرية قنا واقعة فى حوش العششى فى البر الشرقى على نحو ثلث ساعة من النيل. وبها جامع وأبراج حمام ونخيل كثير، ولأهلها مزيد اعتناء باقتناء الغنم.

وكانت فى زمن العزيز المرحوم محمد على فى عهدة سليم باشا السلحدار، ثم دخلت فى المحلول

(1)

زمن المرحوم عباس باشا.

*** تم الجزء الحادى عشر ويليه الجزء الثانى عشر اوله (حرف السين المهملة)

(1)

من الاصطلاحات الهامة فى ذلك العهد، تطلق على حصة الالتزام وعلى الوظيفة إذا مات صاحبها فيعاد منحها من جديد نظير الحلوان، تاريخ الجبرتى، الجزء التاسع، كتاب الشعب 47 القاهرة 1959، ص 1067.

ص: 257